تحفة الأحوذي

عبد الرحمن المباركفوري

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنُؤْمِنُ بِهِ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهِ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مِحُمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ اَلْعَبْدُ الْضَّعِيفُ، الرَّاجِي رَحْمَةَ رَبِّهِ الْكَرِيمِ مُحَمَّدُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الْحَافِظِ عَبْدُ الرَّحِيمِ جَعَلَ اللَّهُ مَآلَهُمَا النَّعِيمَ الْمُقِيمَ: إِنِّي قَدْ فَرَغْتُ بِعَوْنِهِ تَعَالَى مِنْ تَحْرِيرِ الْمُقَدِّمَةِ الَّتِي كُنْتُ أَرَدْتُ إِيْرَادَهَا فِي أَوَّلِ شَرْحِي لِجَامِعِ التِّرْمِذِيِّ، وَالْآنَ قَدْ حَانَ الشُّرُوعُ فِي تَحْرِيرِ الشَّرْحِ، وَفَّقَنِي اللَّهُ تَعَالَى لِإِتْمَامِهِ، وَأَعَانَنِي عَلَيْهِ بِفَضْلِهِ وَكَرَمِهِ وَسَمَّيْتُهُ " تُحْفَةَ الْأَحْوَذِيِّ فِي شَرْحِ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ " رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيِعُ الْعَلِيمُ، وَانْفَعْ بِهِ كُلَّ مَنْ يَرُومُهُ مِنَ الطَّالِبِ الْمُبْتَدِي وَالرَّاغِبِ الْمُنْتَهِي، وَاجْعَلْهُ لَنَا مِنَ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ، وَمِنَ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ بَعْدَ الْمَمَاتِ. اعْلَمْ زَادَكَ اللَّهُ عِلْمًا نَافِعًا أَنِّي رَأَيْتُ أَنَّ أَكْثَرَ شُرَّاحِ كُتُبِ الْحَدِيثِ قَدْ بَدَءُوا شُرُوحَهُمْ بِذِكْرِ أَسَانِيدِهِمْ إِلَى مُصَنِّفِيهَا، وَحَكَى الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي " فَتْحِ الْبَارِي " عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّ الْأَسَانِيدَ أَنْسَابُ الْكُتُبِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَبْدَأَ شَرْحِي بِذِكْرِ إِسْنَادِي إِلَى الْإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَقُولُ: إِنِّي قَرَأْتُ جَامِعَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ عَلَى شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ السَّيِّدِ مُحَمَّد نَذِير حُسَيْن، الْمُحَدِّثِ الدَّهْلَوِيِّ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى سَنَةَ سِتٍ بَعْدَ أَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، فِي دِهْلِي، فَأَجَازَنِي بِهِ، وَبِجَمِيعِ مَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا، وَكَتَبَ لِيَ الْإِجَازَةَ بِخَطِّهِ الشَّرِيفِ، وَهَذِهِ صُورُتُهَا. الْحَمْدُ لِلَّهِ ربِّ الْعَالَمِينَ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ. أَمَّا بَعْدُ: فَيَقُولُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ، طَالِبُ الْحُسْنَيَيْنِ، مُحَمَّد نَذِير حُسَيْن، عَافَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدَّارَيْنِ: إِنَّ الْمَوْلَوِيَّ الذَّكِيَّ أَبَا الْعلى مُحَمَّد عَبْد الرَّحْمَنِ ابْنِ الْحَافِظِ الْحَاجِّ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْأَعْظَمِ كدهي الْمُبَارَكْفُورِيَّ، قَدْ قَرَأَ عَلَيَّ صَحِيحَ الْبُخَارِيِّ وَصَحِيحَ مُسْلِمٍ وَجَامِعَ التِّرْمِذِيِّ وَسُنَنَ أَبِي دَاوُدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ بِتَمَامِهِ وَكَمَالِهِ، وَأَوَاخِرَ النَّسَائِيِّ، وَأَوَائِلَ ابْنِ مَاجَهْ، وَمِشْكَاةَ الْمَصَابِيحِ، وَبُلُوغَ الْمَرَامِ، وَتَفْسِيرَ الْجَلَالَيْنِ، وَتَفْسِيرَ الْبَيْضَاوِيِّ، وَأَوَائِلَ الْهِدَايَةِ وَأَكْثَرَ شَرْحِ نُخْبَةِ الْفِكَرِ، وَسَمِعَ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ إِلَّا سِتَّةَ أَجْزَاءٍ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِإِقْرَاءِ الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ، وَالْمُوَطَّأِ وَسُنَنِ الدَّارِمِيِّ وَالْمُنْتَقَى، وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ، وَتَدْرِيسِهَا، لِأَنَّهُ أَهْلُهَا بِالشُّرُوطِ

الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَإِنِّي حَصَّلْتُ الْقِرَاءَةَ وَالسَّمَاعَةَ وَالْإِجَازَةَ عَنِ الشَّيْخِ الْمُكَرَّمِ الْأَوْرَعِ الْبَارِعِ فِي الْآفَاقِ مُحَمَّد إِسْحَاق الْمُحَدِّثِ الدَّهْلَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ حَصَّلَ الْقِرَاءَةَ وَالسَّمَاعَةَ وَالْإِجَازَةَ عَنِ الشَّيْخِ الْأَجَلِّ مُسْنِدِ الْوَقْتِ الشَّاهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمُحَدِّثِ الدَّهْلَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ حَصَّلَ الْقِرَاءَةَ وَالسَّمَاعَةَ وَالْإِجَازَةَ عَنِ الشَّيْخِ الْقَرْمِ الْمُعَظَّمِ بَقِيَّةِ السَّلَفِ وَحُجَّةِ الْخَلَفِ الشَّاهِ وَلِيِّ اللَّهِ الْمُحَدِّثِ الدَّهْلَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَبَاقِي السَّنَدِ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ. وَأُوصِيهِ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَإِشَاعَةِ السُّنَّةِ السَّنِيَّةِ بِلَا خَوْفِ لَوْمَةِ لَائِمٍ حُرِّرَ سَنَةَ 1306 الْهِجْرِيَّةِ الْمُقَدَّسَةِ. قُلْتُ: بَاقِي السَّنَدِ هَكَذَا: قَالَ الشَّاهُ وَلِيُّ اللَّهِ: قَرَأْتُ طَرَفًا مِنْ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى أَبِي الطَّاهِرِ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيَّ الْمَدَنِيَّ، وَأَجَازَ لِسَائِرِهِ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيِّ الْمَدَنِيِّ، عَنِ الْمِزَاحِيِّ، يَعْنِي السُّلْطَانَ بْنَ أَحْمَدَ، عَنِ الشِّهَابِ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلِيلِ السُّبْكِيِّ، عَنِ النَّجْمِ الْغَيْطِيِّ، عَنِ الزَّيْنِ زَكَرِيَّا، عَنِ الْعِزِّ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفُرَاتِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَسَنِ الْمَرَاغِيِّ، عَنِ الْفَخْرِ بْنِ أَحْمَدَ الْبُخَارِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ طَبْرَزْدَ الْبَغْدَادِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَهْلٍ الْكَرُوخِيِّ، أَخْبَرَنَا الْقَاضِي أَبُو عَامِرٍ مَحْمُودُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجَرَّاحِيِّ الْمَرْوَزِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ الْمَحْبُوبِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو عِيسَى بْنُ سَوْرَةَ بْنِ مُوسَى التِّرْمِذِيُّ. قُلْتُ: وَإِنِّي قَرَأْتُ أَطْرَافًا مِنْ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأُمَّهَاتِ السِّتِّ وَغَيْرِهَا عَلَى شَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الشَّيْخِ حُسَيْنِ بْنِ مُحْسِنٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ الْيَمَانِيِّ، فَأَجَازَنِي لِسَائِرِ مَا قَرَأْتُ عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، بَلْ لِجَمِيعِ مَا حَوَاهُ إِتْحَافُ الْأَكَابِرِ فِي إِسْنَادِ الدَّفَاتِرِ مِنَ الْكُتُبِ الْحَدِيثِيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَكَتَبَ لِيَ الْإِجَازَةَ وَهَذِهِ صُورَتُهَا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي تَوَاتَرَ عَلَيْنَا فَضْلُهُ وَإِحْسَانُهُ، الْمَوْصُولُ إِلَيْنَا بِرُّهُ وَامْتِنَانُهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ صَحَّ سَنَدُ كَمَالَاتِهُ، وَتَسَلْسَلَ إِلَيْنَا مَرْفُوعُ مَا وَصَلَ مِنْ هِبَاتِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَنَاصِرِيهِ وَأَحْزَابِهِ. وَبَعْدُ: فَإِنَّهُ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِي بَلْدَةِ آرَهْ بِالْمَوْلَوِيِّ مُحَمَّد عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُتَوَطِّنِ مُبَارَكْبُورَ مِنْ تَوَابِعِ أَعْظَمِ كَده، وَقَرَأَ عَلَيَّ أَطْرَافًا مِنَ الْأُمَّهَاتِ السِّتِّ، وَمِنْ مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مَالِكٍ وَمِنْ مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ، وَمِنْ مُسْنَدِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَمِنَ الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ، وَمِنْ مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الصَّغِيرِ، وَمِنْ سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَطَلَبَ مِنِّي الْإِجَازَةَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَوَصْلِ سَنَدِهِ بِسَنَدِ مُؤَلِّفِيهَا الْأَجِلَّاءِ الْقَادَةِ، فَأَسْعَفْتُهُ بِمَطْلُوبِهِ، تَحْقِيقًا لِظَنِّهِ وَمَرْغُوبِهِ، وَإِنْ كُنْتُ لَسْتُ أَهْلًا لِذَلِكَ، وَلَا مِمَّنْ يَخُوضُ فِي هَذِهِ الْمَسَالِكِ، وَلَكِنْ تَشَبُّهًا بِالْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ السَّابِقِينَ الْكِرَامِ.

وَإِذَا أَجَزْتُ مَعَ الْقُصُورِ فَإِنَّنِي ... أَرْجُو التَّشَبُّهَ بِالَّذِينَ أَجَازُوا لِلسَّالِكِينَ إِلَى الْحَقِيقَةِ مَنْهَجًا ... سَبَقُوا إِلَى غُرَفِ الْجِنَانِ فَفَازُوا فَأَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقِ: إِنِّي قَدْ أَجَزْتُ الْمَوْلَوِيَّ مُحَمَّد عَبْدَ الرَّحْمَنِ الْمَذْكُورَ أَنْ يَرْوِيَ عَنِّي هَذِهِ الْكُتُبَ الْمَذْكُورَةَ بِأَسَانِيدِهَا الْمُتَّصِلَةِ إِلَى مُؤَلِّفِيهَا، الْمَذْكُورَةِ فِي ثَبَتِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الْإِمَامِ الْحَافِظِ الرَّبَّانِيِّ، الْقَاضِي مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيِّ، الْمُسَمَّى " بِإِتْحَافِ الْأَكَابِرِ فِي إِسْنَادِ الدَّفَاتِرِ " مَعَ بَيَانِ كُلِّ إِسْنَادٍ إِلَى مُؤَلِّفِهِ، بَلْ أَجَزْتُهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنِّي جَمِيعَ مَا حَوَاهُ إِتْحَافُ الْأَكَابِرِ مِنَ الْكُتُبِ الْحَدِيثِيَّةِ وَغَيْرِهَا، أَجَازَنِي بِرِوَايَةِ جَمِيعِ مَا فِيهِ شَيْخَايَ: الشَّرِيفُ مُحَمَّدُ بْنُ نَاصِرٍ الْحُسْنِيُّ الْحَازِمِيُّ، وَشَيْخُنَا الْقَاضِي الْعَلَّامَةُ أَحْمَدُ ابْنُ الْإِمَامِ الْمُؤَلِّفِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ مُؤَلِّفِهِ الْإِمَامِ الْحَافِظِ الرَّبَّانِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَأُوصِيهِ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَمُتَابَعَةِ السُّنَنِ، وَأَنْ لَا يَنْسَانِي مِنْ صَالِحِ دَعَوَاتِهِ فِي كُلِّ حَالَاتِهِ، وَمَشَايِخِي وَوَالِدَيَّ وَأَوْلَادِي، وَفَّقَنَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ لِمَا يَرْضَاهُ، وَسَلَكَ بِنَا وَبِهِ بِطَرِيقِ النَّجَاةِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ. مُؤَرِّخُهُ يَوْمَ الْأَحَدِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ شَعْبَانَ أَحَدِ شُهُورِ أَلْفٍ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشْرَ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ، عَلَى مُشَرِّفِهَا أَفْضَلِ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى التَّسْلِيمِ وَالتَّحِيَّةِ. أَمْلَاهُ الْمُجِيزُ بِلِسَانِهِ، الْحَقِيرُ الْفَقِيرُ إِلَى إِحْسَانِ رَبِّهِ الْكَرِيمِ الْبَارِي، حُسَيْنُ بْنُ مُحْسِنِ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ الْيَمَانِيِّ، عَفَا اللَّهُ عَنْهُ. قُلْتُ: ثَبَتُ شَيْخِ شُيُوخِ مَشَايِخِنَا الْقَاضِي الشَّوْكَانِيِّ الْمُسَمَّى بِإِتْحَافِ الْأَكَابِرِ عِنْدِي مَوْجُودٌ نَقَلْتُهُ مِنْ نُسْخَةٍ قَلَمِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، مَنْقُولَةٍ مِنْ خَطِّ تِلْمِيذِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُجَازُ مِنْهُ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ أَبُو الْفَضْلِ عَبْدُ الْحَقِّ الْمُحَمَّدِيُّ، وَالْآنَ قَدْ طُبِعَ هَذَا الثَّبَتُ الْمُبَارَكُ، وَشَاعَ وَقَدْ ذَكَرَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ مُصَنِّفُ هَذَا الثَّبَتِ أَسَانِيدَ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ فِي فَصْلِ السِّينِ، فَقَالَ: سُنَنُ التِّرْمِذِيِّ أَرْوِيهَا بِالسَّمَاعِ لَجَمِيعُهَا مِنْ لَفْظِ شَيْخِنَا السَّيِّدِ الْعَلَّامَةِ عَبْدِ الْقَادِرِ أَحْمَدَ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ، إِلَى الشِّمَاخِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّرَجِيِّ الْيَمَنِيِّ، عْنَ زَاهِرِ بْنِ رُسْتُمٍ الْأَصْفَهَانِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي سَهْلٍ الْهَرَوِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَزْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مُحَمَّدٍّ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنِ الْمُؤَلِّفِ. وَأَرْوِيهَا عَنْ شَيْخِنَا الْمَذْكُورِ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ إِلَى مُحَمَّدٍ الْبَابِلِيِّ، عَنِ النُّورِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى الزِّيَادِيِّ، عَنِ الرَّمْلِيِّ، بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا إِلَى ابْنِ طَبْرَزْدَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سَهْلٍ الْكَرُوخِيِّ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَزْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْبُوبٍ الْمَرْوَزِيِّ، عَنِ الْمُؤَلِّفِ. وَأَرْوِيهَا عَنْ شَيْخِنَا الْمَذْكُورِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الطَّيِّبِ الْمَغْرِبِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَرَاغِيِّ،

عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مُكْرِمٍ الطَّبَرِيِّ، عَنْ جَدِّهِ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ عَنِ الزَّيْنِ الْمَرَاغِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَحْمَدِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْحَجَّارِ، عَنْ أَبِي النَّجَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ اللَّتِّيِّ، عَنْ أَبِي الْوَقْتِ عَبْدِ الْأَوَّلِ بْنِ عِيسَى السَّجْزِيِّ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ الجَرَّاحِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَحْبُوبِيِّ، عَنِ الْمُؤَلِّفِ. وَأَرْوِيهَا عَنْ شَيْخِنَا السَّيِّدِ عَلِيِّ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرٍ بِإِسْنَادِهِ السَّابِقِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ إِلَى الدَّيْبَعِ، عَنِ السَّخَاوِيِّ، عَنِ ابْنِ حَجَرٍ، عَنِ الْبُرْهَانِ التَّنُّوخِيِّ، عَنْ أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ عَسَاكِرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ مَحْمُودِ بْنِ الْقَاسِمِ الْأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيِّ عَنِ الْمُؤَلِّفِ. وَأَرْوِيهَا عَنْ شَيْخِنَا السَّيِّد عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ، وَشَيْخِنَا الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَغْرِبِيِّ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَحْمَدَ الْمَرْحُومِيِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الذِّمَارِيِّ، عَنِ الشِّهَابِ الْقَلْيُوبِيِّ، عَنِ النُّورِ الزِّيَادِيِّ، عَنِ الشَّمْسِ الرَّمْلِيِّ، عَنْ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيِّ، عَنِ الشَّمْسِ الْقَايَاتِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الزَّيْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعِرَاقِيِّ، عَنْ عُمَرَ الْعِرَاقِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ ابْنِ طَبْرَزْدَ بِإِسْنَادِهِ السَّابِقِ إِلَى الْمُؤَلِّفِ. وَأَرْوِيهَا عَنْ شَيْخِنَا يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلَاءِ الدِّينِ الْمزْجَاجِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عْنَ جَدِّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الْكُرْدِيِّ بِإِسْنَادِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ إِلَى ابْنِ طَبْرَزْدَ بِإِسْنَادِهِ الْمَذْكُورِ هَاهُنَا إِلَى الْمُؤَلِّفِ. انْتَهَى مَا فِي إِتْحَافِ الْأَكَابِرِ. قُلْتُ: قَدْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْكَانِيُّ فِي خُطْبَةِ هَذَا الثَّبَتِ: قَدِ اقْتَصَرْتُ فِي الْغَالِبِ عَلَى ذِكْرِ إِسْنَادٍ وَاحِدٍ، وَأَحَلْتُ فِي أَسَانِيدِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ طَلَبًا لِلِاخْتِصَارِ. انْتَهَى. فَعَلَيْكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى إِتْحَافِ الْأَكَابِرِ لِتَقِفَ عَلَى مَا أَحَالَ عَلَيْهِ فِي أَسَانِيدِ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ بَعْضِهَا عَلَى الْبَعْضِ، وَأَنَا أَذْكُرُ هَاهُنَا إِسْنَادَهُ الْمُتَقَدِّمَ فِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ إِلَى الشِّمَاخِيِّ. قَالَ الشَّوْكَانِيُّ: تَفْسِيرُ الْكَشْفِ وَالْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ: أَرْوِيهِ عَنْ شَيْخِي السَّيِّدِ عَبْدِ الْقَادِرِ بْنِ أَحْمَدَ، عَنْ شَيْخِهِ السَّيِّدِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَحْيَى الْأَهْدَلِ، عْنِ السَّيِّدِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَهْدَلِ، عَنِ السَّيِّدِ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ الْأَهْدَلَ، عَنِ السَّيِّدِ الْعَلَّامَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَطَّاحِ الْأَهْدَلِ، عْنَ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَطَّاحِ الْأَهْدَلِ، عَنِ السَّيِّدِ طَاهِرِ بْنِ حُسَيْنٍ الْأَهْدَلِ، عَنِ الْحَافِظِ الْدَيْبَعِ، عَنْ زَيْنِ الدِّينِ الشَّرْجِيِّ، عَنْ نَفِيسِ الدِّينِ الْعَلَوِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْخَيْرِ الشِّمَاخِيِّ إلخ. وَهَاأَنَا أَشْرَعُ فِي الْمَقْصُودِ، مُتَوَكِّلًا عَلَى اللَّهِ الْمَلِكِ الْوَدُودِ، وَمَا تَوْفِيقِيَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَهُوَ حَسْبِى وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ، مُحَمَّدُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ الْحَافِظِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْمُبَارَكْفُورِيِّ، عَفَا اللَّهُ عَنْهُ تَعَالَى عَنْهُمَا: إِنِّي قَرَأْتُ هَذَا الْكِتَابَ الْمُبَارَكَ - أْعَنِي جَامِعَ التِّرْمِذِيِّ - مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ، عَلَى شَيْخِنَا الْعَلَّامَةَ السَّيِّدِ مُحَمَّدٍ نَذِيرٍ حُسَيْنٍ الْمُحَدِّثِ الدَّهْلَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَجَازَنِي بِهِ وَقَالَ: إِنِّي حَصَّلْتُ الْقِرَاءَةَ وَالسَّمَاعَةَ وَالْإِجَازَةَ عَنِ الشَّيْخِ الْمُكَرَّمِ الْأَوْرَعِ الْبَارِعِ فِي الْآفَاقِ، مُحَمَّدٍ إِسْحَاقَ، الْمُحَدِّثِ الدَّهْلَوِيِّ، وَهُوَ حَصَّلَ الْقِرَاءَةَ وَالسَّمَاعَةَ وَالْإِجَازَةَ عَنِ الشَّيْخِ الْأَجَلِّ مُسْنِدِ الْوَقْتِ الشَّاهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمُحَدِّثِ الدَّهْلَوِيِّ، وَهُوَ حَصَّلَ الْقِرَاءَةَ وَالسَّمَاعَةَ وَالْإِجَازَةَ عَنْ أَبِيهِ الشَّيْخِ الْقَرْمِ الْمُعَظَّمِ بَقِيَّةِ السَّلَفِ حُجَّةِ الْخَلَفِ الشَّاهِ وَلِيِّ اللَّهِ بْنِ الشَّاهِ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْمُحَدِّثِ الدَّهْلَوِيِّ، وَقَالَ الشَّاهُ وَلِيُّ اللَّهِ: قَرَأْتُ عَلَى أَبِي الطَّاهِرِ الْمَدَنِيِّ طَرَفًا مِنْ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَأَجَازَ لِسَائِرِهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْمِزَاحِيِّ، عَنِ الشِّهَابِ أَحْمَدَ السُّبْكِيِّ عَنِ النَّجْمِ الْغَيْطِيِّ، عَنِ الزَّيْنِ زَكَرِيَّا، عَنِ الْعِزِّ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْفُرَاتِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَسَنِ الْمَرَاغِيِّ، عَنِ الْفَخْرِ بْنِ أَحْمَدَ الْبُخَارِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ طَبْرَزْدَ الْبَغْدَادِيِّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي الْقَاسِمِ إلخ. .

قَوْلُهُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) افْتُتِحَ الْكِتَابُ بِالْبَسْمَلَةِ اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ الْعَظِيمِ، وَاقْتِفَاءً بِكُتُبِ نَبِيِّهِ الْكَرِيمِ، وَعَمَلًا بِحَدِيثِهِ فِي بَدَاءَةِ كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْقَادِرِ الرَّهَاوِيُّ فِي أَرْبَعِينِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَقْطَعُ» وَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْبَسْمَلَةِ كَالْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ، وَكَأَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ فِي تَصَانِيفِهِمْ، وَلَمْ يَأْتِ بِالْحَمْدِ وَالشَّهَادَةِ، مَعَ وُرُودِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ» وَقَوْلُهُ «كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِي كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ» وَأَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَمَّا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي: مِنْ أَنَّ الْحَديِثَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَالٌ، سَلَّمْنَا صَلَاحِيَتَهُمَا لِلْحُجَّةِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِمَا أَنَّ ذَلِكَ يَتَعَيَّنُ بِالنُّطْقِ وَالْكِتَابَةِ مَعًا، فَلَعَلَّهُ حَمِدَ وَتَشَهَّدَ نُطْقًا عِنْدَ وَضْعِ الْكِتَابِ، وَلَمْ يَكْتُبْ ذَلِكَ اقْتِصَارًا عَلَى الْبَسْمَلَةِ، لِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي يَجْمَعُ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ ذِكْرُ اللَّهِ، وَقَدْ حَصَلَ بِهَا، انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ. قُلْتُ: قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ لَفْظُ " ذِكْرِ اللَّهِ " فَفِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُفْتَتَحُ بِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ أَوْ أَقْطَعُ» فَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ الْمُخْتَلِفَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ. قَالَ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيِّ فِي أَوَّلِ طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا لَفْظُهُ: وَأَمَّا الْحَمْدُ وَالْبَسْمَلَةُ فَجَائِزَانِ، يَعْنِي بِهِمَا مَا هُوَ الْأَعَمَّ مِنْهُمَا وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِ عَلَى الْجُمْلَةِ، إِمَّا بِصِيغَةِ الْحَمْدِ أَوْ غَيْرِهَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ ذِكْرِ اللَّهِ، وَحِينَئِذٍ فَالْحَمْدُ وَالذِّكْرُ وَالْبَسْمَلَةُ سَوَاءٌ، وَجَائِزٌ أَنْ يَعْنِي خُصُوصَ الْحَمْدِ وَخُصُوصَ الْبَسْمَلَةِ، وَحِينَئِذٍ فَرِوَايَةُ الذِّكْرِ أَعَمُّ، فَيُقَضى لَهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُطْلَقَ إِذَا قُيِّدَ بِقَيْدَيْنِ مُتَنَافِيَيْنِ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَيُرْجَعُ إِلَى أَصْلِ الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ خُصُوصَ الْحَمْدِ وَالبَسْمَلَةِ مُتَنَافِيَانِ، لِأَنَّ الْبَدَاءَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بِوَاحِدٍ، وَلَوْ وَقَعَ الِابْتِدَاءُ بِالْحَمْدِ لَمَا وَقَعَ بِالْبَسْمَلَةِ وَعَكْسُهُ، وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الذِّكْرَ، فَتَكُونُ رِوَايَتُهُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ (و) أَنَّ غَالِبَ الْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ غَيْرُ مُفْتَتَحَةٌ بِالْحَمْدِ كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ قُلْتَ: لَكِنَّ رِوَايَةَ بِحَمْدِ اللَّهِ أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ بِذِكْرِ اللَّهِ، قُلْتُ: صَحِيحٌ وَلَكِنْ لِمَ قُلْتَ إِنَّ الْمَقْصُودَ بِحَمْدِ اللَّهِ خُصُوصُ لَفْظِ الْحَمْدِ، وَلِمَ لَا يَكُونُ الْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمَّ مِنْ لَفْظِ الْحَمْدِ وَالْبَسْمَلَةِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَمْ يُشَرِّعِ الشَّارِعُ افْتِتَاحَهَا بِالْحَمْدِ بِخُصُوصِهِ. انْتَهَى كَلَامُ التَّاجِ السُّبْكِيِّ. ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي تَأْيِيدِ كَلَامِهِ الْمَذْكُورِ: وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] فَطَرِيقُ التَّأَسِّي بِهِ

الِافْتِتَاحُ بِالْبَسْمَلَةِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا وُقُوعُ كُتُبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُلُوكِ وَكُتُبِهِ فِي الْقَضَايَا مُفْتَتَحَةً بِالتَّسْمِيَةِ دُونَ حَمْدَلَةٍ وَغَيْرِهَا، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سُفْيَانٍ فِي قِصَّةِ هِرَقْلٍ، وَحَدِيثِ الْبَرَاءِ فِي قِصَّةِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَغَيْرِذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ. انْتَهَى. تَنْبِيهٌ: قَالَ الشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ الْعَيْنِيِّ فِي عُمْدَةِ الْقَارِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: اعْتَذَرُوا عَنِ الْبُخَارِيِّ - أَيْ عَنِ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ - بِأَعْذَارٍ هِيَ بِمَعْزِلٍ عَنِ الْقَبُولِ، ثُمَّ ذَكَرَ الْعَيْنِيُّ سَبْعَةَ أَعْذَارٍ، وَاعْتَرَضَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ: وَالْأَحْسَنُ فِيهِ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ بَعْضِ أَسَاتِذَتِي الْكِبَارِ أَنَّهُ ذَكَرَ الْحَمْدَ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ كَمَا هُوَ دَأَبُ الْمُصَنِّفِينَ فِي مُسَوَّدَتِهِ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَقِيَّةِ مُصَنَّفَاتِهِ، وَإِنَّمَا سَقَطَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْمُبَيِّضِينَ فَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ. انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ، قُلْتُ: هَذَا الِاعْتِذَارُ أَيْضًا بِمَعْزِلٍ عَنِ الْقَبُولِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَسَنٍ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ أَحْسَنَ، بَلْ هُوَ أَبْعَدُ الْأَعْذَارِ كُلِّهَا، فَإِنَّ قَوْلَهُ: إِنَّهُ ذَكَرَ الْحَمْدَ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ فِي مُسَوَّدَتِهِ إلخ ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ دَأَبُ الْمُصَنِّفِينَ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ تَصَانِيفَ الْأَئِمَّةِ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَشُيُوخِ شُيُوخِهِ، وَأَهْلِ عَصْرِهِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ دَأَبُهُمْ فِي ابْتِدَاءِ تَصَانِيفِهِمْ ذِكْرُ الْحَمْدِ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ، بَلْ كَانَ دَأَبُهُمْ الِاقْتِصَارُ عَلَى التَّسْمِيَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: كَمَا ذَكَرَهُ فِي بَقِيَّةِ مُصَنَّفَاتِهِ، فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَ بَقِيَّةَ مُصَنَّفَاتِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا، فَإِنَّ مِنْ مُصَنَّفَاتِهِ الْأَدَبُ الْمُفْرَدُ وَكِتَابُ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَالرَّدُ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ وَكِتَابُ الضُّعَفَاءِ وَالتَّارِيخُ الصَّغِيرِ وَجُزْءُ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَجُزْءُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ابْتِدَاءِ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ الْحَمْدَ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ، بَلِ اقْتَصَرَ فِي كُلٍّ مِنْهَا عَلَى التَّسْمِيَةِ، قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: وَأَبْعَدُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ قَوْلُ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ ابْتِدَاءُ الْخُطْبَةُ فِيهَا حَمْدٌ وَشَهَادَةٌ فَحَذَفَهَا بَعْضُ مَنْ حَمَلَ عَنْهُ الْكِتَابَ، وَكَأَنَّ قَائِلَ هَذَا مَا رَأَى تَصَانِيفَ الْأَئِمَّةِ مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَشُيُوخِ شُيُوخِهِ وَأَهْلِ عَصْرِهِ، كَمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنَّفِ وَأَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ وَأَبِي دَاوُدَ فِي السُّنَنِ إِلَى مَا لَا يُحْصَى مِمَّنْ لَمْ يُقَدِّمْ فِي ابْتِدَاءِ تَصْنِيفِهِ خُطْبَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَى التَّسْمِيَةِ وَهُمُ الْأَكْثَرُ، وَالْقَلِيلُ مِنْهُمْ مَنِ افْتَتَحَ كِتَابَهُ بِخُطْبَةٍ، أَفَيُقَالُ فِي كُلِّ هَؤُلَاءِ: إِنَّ الرُّوَاةَ عَنْهُ حَذَفُوا ذَلِكَ؟ كَلَّا بَلْ يُحْمَلُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ حَمَدُوا لَفْظًا، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ فِي الْجَامِعِ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ كَانَ يَتَلَفَّظُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَتَبَ الْحَدِيثَ، وَلَا يَكْتُبُهَا، وَالْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ إِسْرَاعٌ أَوْ غَيْرُهُ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِالْخُطَبِ دُونَ الْكُتُبِ، وَلِهَذَا مَنِ افْتَتَحَ كِتَابَهُ مِنْهُمْ بِخُطْبَةٍ حَمِدَ وَتَشَهَّدَ كَمَا صَنَعَ مُسْلِمٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ. تَنْبِيهٌ آخَرٌ: قَدِ اخْتَلَفُوا فِي حَدِيثِ الْحَمْدِ الْمَذْكُورِ، فَبَعْضُهُمْ ضَعَّفُوهُ كَالْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ، وَبَعْضُهُمْ حَسَّنُوهُ كَالْحَافِظِ ابْنِ الصَّلَاحِ، وَبَعْضُهُمْ صَحَّحُوهُ كَابْنِ حِبَّانَ. قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عُمْدَةِ

الْقَارِي: الْحَدِيثُ صَحِيحٌ صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَأَبُو عَوَانَةَ، وَقَدْ تَابَعَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قُرَّةَ كَمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ. انْتَهَى. قُلْتُ: قَدْ وَقَعَ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ، وَقَدِ اسْتَوْعَبَ طُرُقَهُ وَأَلْفَاظَهُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ طَبَقَاتِ الشَّافِعِيَّةِ الْكُبْرَى، وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ مَا وَقَعَ إِسْنَادُهُ وَمَتْنُهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ، ثُمَّ فِي دَفْعِهِ، وَقَاَلَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ مَا لَفْظُهُ: هَذَا مُنْتَهَى الْكَلَامُ عَلَى الْحَدِيثِ، وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ صِحَّتِهِ وَرَفْعِهِ مُسْنَدًا غَيْرُ بَالِغٍ مَبْلَغَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى أَنَّهَا مُسْنَدَةٌ، وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ مَرَاتِبُ. انْتَهَى كَلَامُ السُّبْكِيُّ، وَقَالَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ: وَقَدْ قَضَى ابْنُ الصَّلَاحِ بَأَنَّ الْحَدِيثَ حَسَنٌ دُونَ الصَّحِيحِ وَفَوْقَ الضَّعِيفِ مُحَتَجًّا بِأَنَّ رِجَالَهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ سِوَى قُرَّةَ، قَالَ: فَإِنَّهُ مِمَّنِ انْفَرَدَ مُسْلِمٌ عَنِ الْبُخَارِيِّ بِالتَّخْرِيجِ لَهُ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ: اخْتَلَفَ الْقُدَمَاءُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْكِتَابُ كُلُّهُ شِعْرًا، فَجَاءَ عَنِ الشَّعْبِيِّ مَنْعُ ذَلِكَ - يَعْنِي كِتَابَةَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِهِ - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ لَا يُكْتَبَ فِي الشِّعْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ جَوَازُ ذَلِكَ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ، وَقَالَ الْخَطِيبُ: هُوَ الْمُخْتَارُ. انْتَهَى. وَقَالَ الْقَارِيُّ فِي الْمِرْقَاةِ: وَالْأَحْسَنُ التَّفْصِيلُ، بَلْ هُوَ الصَّحِيحُ، فَإِنَّ الشِّعْرَ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ، فَيُصَانُ إِيْرَادُ الْبَسْمَلَةِ فِي الْهَجَوِيَّاتِ وَمَدَائِحِ الظَّلَمَةِ وَنَحْوِهَا. انْتَهَى. قَوْلُهُ: أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ (أَبُو الْفَتْحِ) قَائِلُهُ عُمَرُ بْنُ طَبْرَزْدَ الْبَغْدَادِيُّ تِلْمِيذُ أَبِي الْفَتْحِ عَبْدِ الْمَلِكِ. (عَبْدِ اللَّةِ بْنِ أَبِي سَهْلٍ) بِالْجَرِّ هُوَ اسْمُ أَبِي الْقَاسِمِ (الْهَرَوِيِّ) بِالْهَاءِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ نِسْبَةً إِلَى الْهَرَاةِ مَدِينَةٍ مَشْهُورَةٍ بِخُرَاسَانَ كَذَا فِي الْمُغْنِي لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّد طَاهِر صَاحِبِ مَجْمَعِ الْبِحَارِ. (الْكُرُوخِيِّ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّ الرَّاءِ الْخَفِيفَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى كَرُوخٍ مِنْ بِلَادِ خُرَاسَانَ، وَالْمُرَادُ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ رَاوِي التِّرْمِذِيِّ، كَذَا فِي الْمُغْنِي، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: كَرُوخٍ كَصَبُورٍ قَرْيَةٌ بِهَرَاةَ. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي مُقَدِّمَتِهِ: قَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ إِنَّمَا تَنْسِبُ إِلَى قَبَائِلِهَا، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَغَلَبَ عَلَيْهِمْ مَسْكَنُ الْقُرَى وَالْمَدَائِنِ حَدَثَ فِيمَا بَيْنَهُمْ الِانْتِسَابُ إِلَى الْأَوْطَانِ وَأَضَاعَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنْسَابَهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ غَيْرُ الِانْتِسَابِ إِلَى الْأَوْطَانِ، قَالَ: وَمَنْ كَانَ مِنَ النَّاقِلَةِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَأَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِالِانْتِسَابِ فَلْيَبْدَأْ بِالْأَوَّلِ ثُمَّ بِالثَّانِي الْمُنَتْقَلِ إِلَيْهِ. وَحَسَنٌ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الثَّانِي كَلِمَةَ " ثُمَّ "، فَيُقَالُ فِي النَّاقِلَةِ مِنْ مِصْرَ إِلَى دِمَشْقَ مَثَلًا " فُلَانٌ الْمِصْرِيُّ ثُمَّ الدِّمَشْقِيُّ " وَمَنْ كَانَ مِنْ

أَهْلِ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى بَلْدَةٍ فَجَائِزٌ أَنْ يَنْسِبَ إِلَى الْقَرْيَةِ أَوْ إِلَى الْبَلْدَةِ أَيْضًا وَإِلَى النَّاحِيَةِ الَّتِي تِلْكَ الْبَلْدَةُ مِنْهَا أَيْضًا. انْتَهَى. (وَأَنَا أَسْمَعُ) جُمْلَةً حَالِيَّةً، أَيْ قَالَ عُمَرُ بْنُ طَبْرَزْدَ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ، وَالْحَالُ أَنِّي كُنْتُ سَامِعًا. (قَالَ أَنَا الْقَاضِي) أَيْ قَالَ الْكَرُوخِيُّ: أَخْبَرَنَا الْقَاضِي، فَقَوْلُهُ " أَنَا " رَمْزُ إِلَى أَخْبَرَنَا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِ مُسْلِمٍ: جَرَتِ الْعَادَةُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الرَّمْزِ فِي حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا، وَاسْتَمَرَّ الِاصْطِلَاحُ عَلَيْهِ مِنْ قَدِيمِ الْأَعْصَارِ إِلَى زَمَانِنَا وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى، فَيَكْتُبُونَ مِنْ حَدَّثَنَا " ثَنَا " وَهِيَ الثَّاءُ وَالنُّونُ وَالْأَلِفُ، وَرُبَّمَا حُذِفَ الثَّاءُ، وَيَكْتُبُونَ مِنْ أَخْبَرَنَا " أَنَا " وَلَا تَحْسُنُ زِيَادَةُ الْبَاءِ قَبْلَ نَا. انْتَهَى. فَائِدَةٌ: قَالَ النَّوَوِيُّ: كَانَ مِنْ مَذْهَبِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ الْفَرْقُ بَيْنَ حَدَّثَنَا وَأْخَبَرَنَا: أَنَّ حَدَّثَنَا لَا يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ إِلَّا لِمَا سَمِعَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ خَاصَّةً، وَأَخْبَرَنَا لِمَا قُرِئَ عَلَى الشَّيْخِ، وَهَذَا الْفَرْقُ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَشْرِقِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْجَوْهَرِيُّ الْمِصْرِيُّ: وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ الَّذِينَ لَا يُحْصِيهُمْ أَحَدٌ، وَرُوِيَ هَذَا الْمَذْهَبَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَابْنِ وَهْبٍ، وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ: وَتَخْصِيصُ التَّحْدِيثُ بِمَا سَمِعَ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ هُوَ الشَّائِعُ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ اصْطِلَاحًا. انْتَهَى. قُلْتُ: وَكَذَا الْإِخْبَارُ مَخْصُوصٌ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الشَّيْخِ قَالَ الْحَافِظُ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَ التَّحْدِيثِ وَالْإِخْبَارِ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ، وَفِي ادِّعَاءِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا تَكَلُّفٌ شَدِيدٌ، لَكِنْ لَمَّا تَقَرَّرَ فِي الِاصْطِلَاحِ صَارَ ذَلِكَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً، فَتَقَدَّمَ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ، مَعَ أَنَّ هَذَا الِاصْطَلَاحَ إِنَّمَا شَاعَ عِنْدَ الْمَشَارِقَةِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ، وَأَمَّا غَالِبُ الْمَغَارِبَةِ فَلَمْ يَسْتَعْمِلُوا هَذَا الِاصْطِلَاحِ، بَلِ الْإِخْبَارُ وَالتَّحْدِيثُ عِنْدَهُمْ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ. قُلْتُ: وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا تَفْصِيلًا آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مَنْ سَمِعَ وَحْدَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ قَالَ: حَدَّثَنِي، وَمَنْ سَمِعَ مَعَ غَيْرِهِ جَمَعَ فَقَالَ: حَدَّثَنَا، وَكَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ أَخْبَرَنِي وَبَيْنَ أَخْبَرَنَا. (الْأَزْدِيُّ) مَنْسُوبٌ إِلَى الْأَزْدِ: بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ، قَبِيلَةٌ (قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ) أَيْ أَخْبَرَنَا الْقَاضِي حَالَ كَوْنِهِ يُقْرَأُ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، أَوْ حَالَ كَوْنِهِ قَارِئًا عَلَيْهِ غَيْرِي وَأَنَا أَسْمَعُ، فَقَوْلُهُ قِرَاءَةً مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَوْ اسْمِ الْفَاعِلِ، مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِيَّةِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي تَدْرِيبِ الرَّاوِي: قَوْلُ الرَّاوِي أَخْبَرَنَا سَمَاعًا أَوْ قِرَاءَةً هُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ " أَتَيْتُهُ سَعْيًا " وَكَلَّمْتُهُ مُشَافَهَةً، وَلِلنُّحَاةِ فِيهِ مَذَاهِبٌ: أَحَدُهَا وَهُوَ رَأْيُ سِيبَوَيْهِ أَنَّهَا مَصْادِرُ وَقَعَتْ مَوْقِعَ فَاعِلَ حَالًا، كَمَا وَقَعَ الْمَصْدَرُ مَوْقِعَهُ نَعْتًا، فِي " زَيْدٌ عَدْلٌ " وَأَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ مِنْهَا إِلَّا مَا سُمِعَ وَلَا يُقَاسُ، فَعَلَى هَذَا اسْتِعْمَالُ الصِّيغَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الرِّوَايَةِ مَمْنُوعٌ لِعَدَمِ نُطْقِ الْعَرَبِ بِذَلِكَ، وَالثَّانِي

وَهُوَ لِلْمُبَرِّدِ: لَيْسَتْ أَحْوَالًا بَلْ مَفْعُولَاتٍ لِفِعْلٍ مُضْمَرٍ مِنْ لَفْظِهَا، وَذَلِكَ الْمُضْمَرُ هُوَ الْحَالُ، وَأَنَّهُ يُقَاسُ فِي كُلِّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ الْمُتَقَدِّمُ، وَعَلَى هَذَا تَتَخَرَّجُ الصِّيْغَةُ الْمَذْكُورَةُ، بَلْ كَلَامُ ابْنُ حِبَّانَ فِي تَذْكِرَتِهِ يَقْتَضِي أَنَّ أَخْبَرَنَا سَمَاعًا مَسْمُوعٌ، وَأَخْبَرَنَا قِرَاءَةً لَمْ يَسْمَعْ، وَأَنَّهُ يُقَاسُ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى هَذَا، الْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ لِلزَّجَّاجِ، قَالَ بِقَوْلِ سِيبَوَيْهِ فَلَا يُضْمَرُ لَكِنَّهُ مَقِيسٌ، الرَّابِعُ: وَهُوَ لِلسِّيرَافِيِّ، قَالَ: هُوَ مِنْ بَابِ " جَلَسْتُ قُعُودًا " مَنْصُوبٌ بِالظَّاهِرِ، مَصْدَرًا مْعَنَوِيًّا، انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ. (التِّرْيَاقِيُّ) مَنْسُوبٌ إِلَى التِّرْيَاقِ: بِالْكَسْرِ قَرْيَةٍ بِهَرَاةَ (الْغَوْرَجِيُّ) قَالَ فِي الْمُغْنِي: بِمَضْمُومَةٍ وَسُكُونِ وَاوٍ وَبِرَاءٍ وَجِيمٍ مَنْسُوبٌ كَذَا، وَالْمُرَادُ مِنْهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ أَبِي الْفَضْلِ أَحَدُ مَشَايِخِ الْكَرُوخِيِّ فِي التِّرْمِذِيِّ. انْتَهَى. قَالَ فِي الْقَامُوسِ فِي بَابِ الْغَوْرِ: الْغَوْرَةُ بِالضَّمِّ قَرْيَةٌ عِنْدَ بَابِ هَرَاةَ وَهُوَ غَوْرَجِيٌّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ. انْتَهَى. (قَالُوا) أَيْ الْأَزْدِيُّ وَالتِّرْيَاقِيُّ وَالْغَوْرَجِيُّ، وَهُمْ شُيُوخُ الْكَرُوخِيُّ. (الْجَرَّاحِيُّ) قَالَ فِي الْمُغْنِي: بِمَفْتُوحَةٍ وَشَدَّةِ رَاءٍ وَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مِنْهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ. انْتَهَى. (الْمَرْوَزِيُّ) مْنَسُوبٌ إِلَى مَرْوٍ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ: بَلَدٌ بِفَارِسَ، وَالنِّسْبَةُ مَرْوِيُّ وَمَرَوِيٌّ وَمَرْوَزِيٌّ. انْتَهَى. وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: الْمَرْوَزِيُّ نِسْبَةً إِلَى مَرْوٍ بِزِيَادَةِ زَايٍ مَدِينَةٍ بِخُرَاسَانَ. انْتَهَى. وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: الْمَرْوِيُّ بِسُكُونِ الرَّاءِ نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ، وَأَمَّا النِّسْبَةُ إِلَى مَرْوٍ الْمَعْرُوفَةِ بِخُرَاسَانَ فَقَدِ الْتَزَمُوا فِيهَا بِزِيَادَةِ الزَّايِ، كَأَنَّهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ. انْتَهَى. (الْمَرْزُبَانِيُّ) قَالَ فِي الْمُغْنِي: بِمَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ رَاءٍ وَضَمِّ زَايٍ وَبِمُوَحَّدَةٍ وَبِنُونٍ، مَنْسُوبٌ إِلَى مَرْزَبَانَ: جَدِّ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ رَاوِي التِّرْمِذِيِّ. انْتَهَى. وَقُلْتُ فِيهِ أَنَّ الْمَرْزُبَانِيَّ وَقَعَ نَعْتًا لِأَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْجَبَّارِ لَا لِمُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ، وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ: الْمَرْزَبَةُ كَمَرْحَلَةٍ رِئَاسَةُ الْفُرْسِ، وَهُوَ مَرْزُبَانُهُمْ بِضَمِّ الزَّايِ ج مَرَازِبَةٍ. (أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبِ بْنِ فُضَيْلٍ الْمَحْبُوبِيُّ الْمَرْوَزِيُّ فَأَقَرَّ بِهِ الشَّيْخُ الثِّقَةُ الْأَمِينُ)، هَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي النُّسَخِ الْمَطْبُوعَةِ فِي الْهِنْدِ بِزِيَادَةِ لَفْظٍ (فَأَقَرَّ بِهِ الشَّيْخُ الثِّقَةُ الْأَمِينُ) بَعْدَ لَفْظِ الْمَرْوَزِيِّ، وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْقَلَمِيَّةِ الصَّحِيحَةِ هَكَذَا: أَنَا الشَّيْخُ الثِّقَةُ الْأَمِينُ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبِ بْنِ فُضَيْلٍ

الْمَحْبُوبِيُّ الْمَرْوَزِيُّ، بِحَذْفِ لَفْظٍ فَأَقَرَّ بِهِ، وَوَقُوعِ لَفْظِ الشَّيْخِ الثِّقَةِ الْأَمِينِ بَعْدَ لَفْظِ أَنَا، وَهَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي الْأَثْبَاتِ الصَّحِيحَةِ، كَثَبَتِ الْكُرْدِيِّ وَالْكُزْبَرِيِّ وَالشَّنَوَانِيِّ وَالشَّاهِ وَلِيِّ اللَّهِ، وَهَذَا مِمَّا أَفَادَنِي شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ الْقَاضِي حُسَيْنُ بْنُ مُحْسِنٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ السَّعْدِيُّ الْيَمَانِيُّ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ، وَقَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي نُسْخَةٍ قَلَمِيَّةٍ صَحِيحَةٍ عَتِيقَةٍ هَكَذَا: قَالَ أَنْبَأَ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبِ بْنِ فُضَيْلٍ الْمَحْبُوبِيُّ الْمَرْوَزِيُّ الشَّيْخُ الثِّقَةُ الْأَمِينُ قَالَ أَنْبَأَ أَبُو عِيسَى بْنُ سَوْرَةَ التِّرْمِذِيُّ، بِحَذْفِ لَفْظٍ فَأَقَرَّ بِهِ، وَهَذِهِ النُّسْخَةُ مَوْجُودَةٌ فِي مَكْتَبَةِ خَدَا بخش خَانَ الْعَظيِمْ أَبَادِي. تَنْبِيهٌ: الْعِبَارَةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْقَلَمِيَّةِ وَالْأَثْبَاتِ الصَّحِيحَةِ مَعْنَاهَا ظَاهِرٌ وَاضِحٌ وَكَذَا الْعِبَارَةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي النُّسْخَةِ الْقَلَمِيَّةِ الْعَتِيقَةِ مَعْنَاهَا وَاضِحٌ، وَأَمَّا الْعِبَارَةُ الَّتِي وَقَعَتْ فِي النُّسَخِ الْمَطْبُوعَةِ فَقَدْ جَزَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنَّ جُمْلَةَ " فَأَقَرَّ بِهِ الشَّيْخُ الثِّقَةُ الْأَمِينُ " فِيهَا غَلَطٌ لَا يَسْتَقِيمُ مَعْنَاهَا. قُلْتُ: هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِيهَا لَيْسَتْ عِنْدِي بِغَلَطٍ بَلْ هِيَ صَحِيحَةٌ مَعْنَاهَا مُسْتَقِيمٌ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْخِ الثِّقَةِ الْأَمِينِ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَالْمَعْنَى، أَنَّ الْقَاضِي الزَّاهِدَ أَبَا عَامِرٍ وَالشَّيْخَ أَبَا نَصْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَالشَّيْخَ أَبَا بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الصَّمَدِ مِنْ تَلَامِذَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْجَبَّارِ أَخَذُوا هَذَا الْكِتَابَ عَنْهُ بِالْعَرْضِ عَلَيْهِ، بِأَنْ كَانَ أَحَدٌ مِنْ تَلَامِذَتِهِ يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِ وَالْبَاقُونَ كَانُوا يَسْمَعُونَ، وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ كَانَ مُصْغِيًا فَاهِمًا غَيْرَ مُنْكِرٍ، وَكَانَ قِرَاءَةُ الْقَارِئِ عَلَيْهِ هَكَذَا: قُلْتُ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَحْبُوبِ بْنِ فُضَيْلٍ الْمَحْبُوبِيُّ الْمَرْوَزِيُّ إلخ فَأَقَرَّ بِهِ الشَّيْخُ الثِّقَةُ الْأَمِينُ. أَيْ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ يَعْنِي فَأَقَرَّ بِمَا قُرِئَ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ فَصَحَّ سَمَاعُهُمْ مِنْهُ وَجَازَ لَهُمُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ. وَيَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ يَقْرَأُ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى شَيْخِهِ وَيَعْرِضُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ قَوْلِهِ قِرَاءَةً عَلَيْهِ: قِيلَ لَهُ قُلْتَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ إلخ. وَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ أَنْ نَذْكُرَ هَاهُنَا بَعْضَ عِبَارَاتِ تَدْرِيبِ الرَّاوِي وَغَيْرِهِ لِيَتَّضِحَ لَكَ مَا قُلْنَا فِي تَصْحِيحِ الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ، قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي التَّدْرِيبِ: الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ وُجُوهِ التَّحَمُّلِ: الْقِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ، وَيُسَمِّيهَا أَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ عَرْضًا، سَوَاءٌ قَرَأْتَ عَلَيْهِ بِنَفْسِكَ أَوْ قَرَأَ عَلَيْهِ غَيْرُكَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ، وَالْأَحْوَطُ فِي الرِّوَايَةِ بِهَا أَنْ يَقُولَ قَرَأْتُ عَلَى فُلَانٍ إِنْ قَرَأَ بِنَفْسِهِ، أَوْ قُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ فَأَقَرَّ بِهِ، ثُمَّ يَلِي ذَلِكَ عِبَارَاتُ السَّمَاعِ مُقَيَّدَةٌ بِالْقِرَاءَةِ: كَحَدَّثَنَا بِقِرَاءَتِي أَوْ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ، أَوْ أَخْبَرَنَا بِقِرَاءَتِي أَوْ قِرَاءَةً عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ. انْتَهَى. وَقَالَ فِيهِ: وَإِذَا قَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ قَائِلًا أَخْبَرَكَ فُلَانٌ أَوْ نَحْوَهُ كَقُلْتَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ وَالشَّيْخُ مُصْغٍ إِلَيْهِ فَاهِمٌ لَهُ غَيْرُ مُنْكِرٍ وَلَا مُقِرٍّ لَفْظًا صَحَّ السَّمَاعُ وَجَازَتِ الرِّوَايَةُ بِهِ اكْتِفَاءً بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ نُطْقُ الشَّيْخِ بِالْإِقْرَارِ كَقَوْلِهِ نَعَمْ، عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِ الْفُنُونِ وَشَرَطَ بَعْضُ

أَصْحَابِ الشَّافِعِيَّةِ وَالظَّاهِرِيِّينَ نُطْقَهُ بِهِ. انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيُّ مُلَخَّصًا. وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِ مُسْلِمٍ: جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِحَذْفِ قَالَ وَنَحْوِهِ فِيمَا بَيْنَ رِجَالِ الْإِسْنَادِ فِي الْخَطِّ، وَيَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَلْفِظَ بِهَا، وَإِذَا كَانَ فِي الْكِتَابِ: قُرِئَ عَلَى فُلَانٍ أَخْبَرَكَ فُلَانٌ فَلْيَقُلِ الْقَارِئُ: قُرِئَ عَلَى فُلَانٍ قِيلَ لَهُ أَخْبَرَكَ فُلَانٌ، وَإِذَا كَانَ فِيهِ قُرِئَ عَلَى فُلَانٍ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ فَلْيَقُلْ قُرِئَ عَلَى فُلَانٍ قِيلَ لَهُ قُلْتَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ. انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيُّ. فَإِذَا وَقَفْتَ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَعَرَفْتَ مَدْلُولَهَا يَتَّضِحُ لَكَ مَا قُلْنَا فِي تَصْحِيحِ جُمْلَةٍ فَأَقَرَّ بِهِ الشَّيْخُ الثِّقَةُ الْأَمِينُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. تَنْبِيهٌ: قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ فِي تَوْجِيهِ الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَفْظُهُ: الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ هُوَ الْمَحْبُوبِيُّ كَمَا فِي ثَبَتِ ابْنِ عَابِدِينَ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ يَعْنِي فَأَقَرَّ بِهِ الشَّيْخُ الثِّقَةُ الْأَمِينُ لَيْسَتْ فِي النُّسَخِ الْمُعْتَبَرَةِ، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهَا فِي الْكِتَابِ فَمُرَادُهَا أَنَّ الشَّيْخَ الْمَحْبُوبِيَّ نَسَخَ الْكِتَابَ، وَكَانَ عِلْمُ مَنْ قَبْلَهُ بِالصُدُورِ، فَإِذَا صَارَ الْعِلْمُ بِالْكِتَابِ فَاحْتَاجَ تَلَامِذَةُ الشَّيْخِ الْمَحْبُوبِيِّ إِلَى أَنْ يُقِرَّ الْمَحْبُوبِيُّ بِكِتَابِهِ وَصِحَّتِهِ، فَلِذَا قَالَ تِلْمِيذُ الْمَحْبُوبِيُّ أَقَرَّ الشَّيْخُ الْمَحْبُوبِيُّ بِهَذَا الْكِتَابِ لِتَوْثِيقِ الْكِتَابِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْتُ: هَذَا التَّوْجِيهُ بَاطِلٌ جِدًّا، فَإِنَّ مَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ عِلْمَ مَنْ قَبْلِ الشَّيْخِ الْمَحْبُوبِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَغَيْرِهِمْ كَانَ فِي الصُّدُورِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْكِتَابِ، وَهَذَا بَاطِلٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، وَقَدْ عَرَفْتَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ تَدْوِينَ الْأَحَادِيثِ وَجَمْعِهَا فِي الْكِتَابِ قَدْ حَدَثَ فِي أَوَاخِرِ عُمُرِ التَّابِعِينَ، قَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ: إِنَّ آثَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ فِي عَصْرِهِ وَعَصْرِ أَصْحَابِهِ وَتَبَعِهِمْ مُدَوَّنَةً فِي الْجَوَامِعِ. إِلَى أَنْ قَالَ: ثُمَّ حَدَثَ فِي أَوَاخِرِ عُمُرِ التَّابِعِينَ تَدْوِينُ الْآثَارِ وَتَبْوِيبُ الْأَخْبَارِ لَمَّا انْتَشَرَ الْعُلَمَاءُ بِالْأَمْصَارِ وَكَثُرَ الِابْتِدَاعُ اهـ. وَتَنْبِيهٌ آخَرٌ: وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي تَوْجِيهِ الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ: إِنَّ قَوْلَهُ فَأَقَرَّ بِهِ الشَّيْخُ الثِّقَةُ الْأَمِينُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْخِ الثِّقَةِ الْأَمِينِ هُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ الَّذِي تِلْمِيذُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: أَنَّ الْقَاضِي الزَّاهِدَ أَبَا عَامِرٍ أَوِ الشَّيْخَ أَبَا نَصْرٍ أَوِ الشَّيْخَ أَبَا بَكْرٍ الَّذِينَ هُمْ تَلَامِذَةُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَدْ سَأَلَ أُسْتَاذَ أُسْتَاذِهِ - أَعْنِي أَبَا الْعَبَّاسِ - عَنْ أَنَّكَ أَخْبَرْتَ تِلْمِيذَكَ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدَ الْجَبَّارِ بِهَذَا الْكِتَابِ فَأَقَرَّ بِهِ، أَيْ بِالْإِخْبَارِ بِهَذَا الْكِتَابِ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَجَابَ بِإِقْرَارِ الْإِخْبَارِ، وَثَانِيهُمَا: أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْخِ الثِّقَةِ الْأَمِينِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّهُ سَأَلَهُ أَحَدُ تَلَامِذَتِهِ وَهُمْ الْقَاضِي الزَّاهِدُ أَبُو عَامِرٍ وَأَبُو نَصْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ عَنْ أَنَّكَ أَخْبَرَكَ شَيْخُكَ أَبُو الْعَبَّاسِ فَأَقَرَّ بِهِ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بِأَخْذِ هَذَا الْكِتَابِ مِنْ شَيْخِهِ أَبِي الْعَبَّاسِ. هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الثَّانِي، فَعَلى كِلَا الْوَجْهَيْنِ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ بِهِ رَاجِعٌ إِلَى الْإِخْبَارِ بِهَذَا الْكِتَابِ الَّذِي يُفْهَمُ

ضِمْنًا، وَفَاعِلُ قَوْلِهِ أَقَرَّ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالشَّيْخِ الثِّقَةِ الْأَمِينِ إِمَّا أَبُو الْعَبَّاسِ وَإِمَّا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ. انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْتُ: هَذَا التَّوْجِيهُ أَيْضًا لَيْسَ بِشَيْءٍ، فَإِنَّ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ مِنْ هَذَا التَّوْجِيهِ نَظَرًا، أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ تَلَامِذَةِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمَذْكُورِينَ قَدْ لَقِيَ أُسْتَاذَ أُسْتَاذِهِ أَعْنِي أَبَا الْعَبَّاسِ، وَهَذَا ادِّعَاءٌ مَحْضٌ، فَلَا بُدَّ لِهَذَا الْبَعْضُ أَنْ يَثْبُتَ أَوَّلًا لِقَاءَهُ مِنْهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُتَوَجَّهُ إِلَى هَذَا الْوَجْهِ وَدُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ. وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي: فَفِيهِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ لَمَّا حَدَّثَ تَلَامِذَتَهُ الْمَذْكُورِينَ بِلَفْظِ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ فَبَعْدَ سَمَاعِهِمْ هَذَا اللَّفْظَ مِنْهُ لَا مَعْنَى لِسُؤَالِ أَحَدِ تَلَامِذَتِه عَنْ أَنَّكَ أَخْبَرَكَ شَيْخُكَ أَبُو الْعَبَّاسِ، فَتَفَكَّرَ. تَنْبِيهٌ آخَرٌ: قَالَ صَاحِبُ (الطِّيبُ الشَّذِيِّ) فِي تَوْجِيهِ الْجُمْلَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَفْظُهُ: الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْخِ الثِّقَةِ أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ، فَقَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ الْجَرَّاحِيُّ فَالْمَعْنَى أَنَّ تَلَامِذَةَ أَبِي الْعَبَّاسِ لَمَّا قَرَءُوا الْكِتَابَ عَلَى أُسْتَاذِهِمْ أَبِي الْعَبَّاسِ فَقَالَ لَهُمْ: نَعَمْ هَذَا كُنْتُ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ. انْتَهَى كَلَامُهُ. قُلْتُ: هَذَا التَّوْجِيهُ أَيْضًا بَاطِلٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ، فَإِنَّ تَلَامِذَةَ أَبِي الْعَبَّاسِ إِمَّا كَانُوا قَرَءُوا الْكِتَابَ عَلَى أُسْتَاذِهِمْ أَبِي الْعَبَّاسِ وَكَانَ هُوَ سَاكِتًا مُصْغِيًا لِقِرَاءَتِهِمْ أَوْ كَانَ هُوَ الْقَارِئُ وَهُمْ كَانُوا سَاكِتِينَ مُصْغِينَ لِقِرَاءَتِهِ، فَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ: فَقَالَ لَهُمْ: نَعَمْ هَكَذَا كُنْتُ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ لَمَّا قَرَءُوا الْكِتَابَ فَتَفَكَّرَ ثُمَّ قَالَ: وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الثِّقَةِ الْأَمِينِ هُوَ عَبْدُ الْجَبَّارِ، وَقَائِلُ قَوْلِهِ فَأَقَرَّ بِهِ أَيْضًا عَبْدُ الْجَبَّارِ، فَاْلمَعْنَى أَنَّ تَلَامِذَةُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالُوا لَهُ: أَخْبَرَكَ أَبُو الْعَبَّاسِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ أَخْبَرَنِي أُسْتَاذِي أَبُو الْعَبَّاسِ. فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَأَقَرَّ بِهِ الشَّيْخُ الثِّقَةُ الْأَمِينُ. انْتَهَى. قُلْتُ: قَدْ أَخَذَ هَذَا صَاحِبُ الطِّيبِ الشَّذِيِّ مِنَ الْوَجْهِ الثَّانِي مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لِبَعْضِهِمْ، وَلَكِنَّهُ قَدْ تَخَبَّطَ فِي قَوْلِهِ، وَقَائِلُ قَوْلِهِ أَقَرَّ بِهِ أَيْضًا عَبْدُ الْجَبَّارِ.

قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي أَبُو عِيسَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنُ سَوْرَةَ) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْوَاوِ (التِّرْمِذِيُّ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَالْمِيمِ وَبِضَمِّهِمَا وَبِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مَعَ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ، نِسْبَةً إِلَى مَدِينَةٍ قَدِيمَةٍ عَلَى طُرُقِ جَيْحُونَ: نَهْرُ بَلْخَ، (الْحَافِظُ) تَقَدَّمَ حَدُّ الْحَافِظِ فِي الْمُقَدِّمَةِ، وَتَقَدَّمَ فِيهَا أَيْضًا تَرْجَمَةُ أَبِي عِيَسى التِّرْمِذِيُّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِكُنْيَتِهِ.

1 - أبواب الطهارة

1 - أبواب الطهارة قَوْلُهُ (أَبْوَابُ الطَّهَارَةِ) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَبْوَابُ جَمْعُ بَابٍ وَهُوَ حَقِيقَةٌ لِمَا كَانَ حِسِّيًّا يُدْخَلُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ وَمَجَازٌ لِعِنْوَانِ جُمْلَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُتَنَاسِبَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَرَتْ عَادَةُ أَكْثَرِ الْمُصَنِّفِينَ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ مَقَاصِدَهُمْ بِعِنْوَانِ الْكِتَابِ وَالْبَابِ وَالْفَصْلِ فَالْكِتَابُ عِنْدَهُمْ عِبَارَةٌ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ اُعْتُبِرَتْ مُسْتَقِلَّةً شَمِلَتْ أَنْوَاعًا أَوْ لَمْ تَشْمَلْ فَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ فَكُلُّ نَوْعٍ يُسَمَّى بِالْبَابِ وَالْأَشْخَاصُ الْمُنْدَرِجَةُ تَحْتَ النَّوْعِ تُسَمَّى بِالْفُصُولِ وَقَالَ السَّيِّدُ نُورُ الدِّينِ فِي فُرُوقِ اللُّغَاتِ الْكِتَابُ هُوَ الْجَامِعُ لِمَسَائِلَ مُتَّحِدَةٍ فِي الْجِنْسِ مُخْتَلِفَةٍ فِي النَّوْعِ وَالْفَصْلُ هُوَ الْجَامِعُ لِمَسَائِلَ مُتَّحِدَةٍ فِي النَّوْعِ مُخْتَلِفَةٍ فِي الصِّنْفِ وَالْفَصْلُ هُوَ الْجَامِعُ لِمَسَائِلَ مُتَّحِدَةٍ فِي الصِّنْفِ مُخْتَلِفَةٍ فِي الشَّخْصِ انْتَهَى وَهَكَذَا جَرَتْ عَادَةُ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ فِي كُتُبِهِمْ عَلَى طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ بِعِنْوَانِ الْكِتَابِ وَالْبَابِ لَكِنَّ التِّرْمِذِيَّ يَذْكُرُ مَكَانَ الْكِتَابِ لَفْظَ الْأَبْوَابِ وَلَفْظَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَبْوَابُ الطَّهَارَةِ وَأَبْوَابُ الصَّلَاةِ وَأَبْوَابُ الزَّكَاةِ وَهَكَذَا ثُمَّ يَزِيدُ بَعْدَ الْأَبْوَابِ مَثَلًا يَقُولُ أَبْوَابُ الطَّهَارَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْوَابُ الصَّلَاةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي تَوَجُّهِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مَا لفظه فائدة ذكره أي ذُكِرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِيهَا مَرْفُوعَاتٌ لَا مَوْقُوفَاتٌ ذَلِكَ لِأَنَّ قَبْلَ زَمَانِ التِّرْمِذِيِّ وَطَبَقَتِهِ كَانَتْ الْعَادَةُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْلِطُونَ الأحاديث والآثار كما يفصح عنه مؤطا مَالِكٍ وَمَغَازِي مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ جَاءَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَقْرَانُهُمَا فَمَيَّزُوا الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ عَنْ الْآثَارِ انْتَهَى وَالْمُرَادُ

باب ما جاء لا تقبل صلاة بغير طهور

مِنْ الطَّهَارَةِ الطَّهَارَةُ مِنْ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ وَأَصْلُهَا النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ حِسِّيٍّ أَوْ مَعْنَوِيٍّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ وَالطَّهَارَةُ لَمَّا كَانَتْ مِفْتَاحَ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ عِمَادُ الدِّينِ اِفْتَتَحَ الْمُؤَلِّفُونَ بِهَا مُؤَلَّفَاتِهِمْ قَوْلُهُ ((بَابُ مَا جَاءَ لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ) ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَفَتْحِهَا [1] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ (بْنُ سَعِيدٍ) الثَّقَفِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو رَجَاءٍ الْبَغْلَانِيُّ مُحَدِّثُ خُرَاسَانَ وُلِدَ سَنَةَ 149 تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَسَمِعَ مِنْ مالك والليث وبن لهيعة وشريك وطبقتهم وعنه الجماعة سوى بن مَاجَهْ وَكَانَ ثِقَةً عَالِمًا صَاحِبَ حَدِيثٍ وَرِحْلَاتٍ وكان غنيا متمولا قال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ مَاتَ سَنَةَ 240 أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ عَنْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ سَنَةً كَذَا فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ (أَبُو عَوَانَةَ) اِسْمُهُ الْوَضَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيُّ الْوَاسِطِيُّ الْبَزَّازُ أحد الأعلام روى عن قتادة وبن الْمُنْكَدِرِ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ قُتَيْبَةُ وَمُسَدَّدٌ وَخَلَائِقُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مَاتَ سَنَةَ 176 سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ فائدة قَالَ النَّوَوِيُّ جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِحَذْفِ قَالَ وَنَحْوِهِ فِيمَا بَيْنَ رِجَالِ الْإِسْنَادِ فِي الخط وينبغي للقارىء أن يلفظ بها انتهى قلت فينبغي للقارىء أَنْ يَقْرَأَ هَذَا السَّنَدَ هَكَذَا قَالَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ بِذِكْرِ لَفْظِ قَالَ قَبْلَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَقَبْلَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ (عَنْ سِمَاكِ) بِكَسْرِ السِّينِ المهملة وتخفيف الميم (بن حَرْبِ) بْنِ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ الذُّهْلِيُّ الْبَكْرِيُّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ وَرِوَايَتُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ خَاصَّةٌ مُضْطَرِبَةٌ وَقَدْ تَغَيَّرَ بِآخِرِهِ فَكَانَ رُبَّمَا يُلَقِّنُ كَذَا في التقريب وقال في الخلاصة أحدالأعلام التَّابِعِينَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ ثُمَّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ وَمُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ الْأَعْمَشُ وَشُعْبَةُ وَإِسْرَائِيلُ وزائدة وأبو عوانة وخلق قال بن الْمَدِينِيِّ لَهُ نَحْوُ مِائَتَيْ حَدِيثٍ وَقَالَ أَحْمَدُ أَصَحُّ حَدِيثًا مِنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَمْرٍو وثقه أبو حاتم وبن معين في رواية بن أبي خيثمة وبن أَبِي مَرْيَمَ وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَحْمَدَ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ قُلْتُ عَنْ عِكْرِمَةَ فَقَطْ مَاتَ سنة 123 ثلاث وعشرين ومائة انتهى اِعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلْحَدِيثِ إِسْنَادَانِ أَوْ أَكْثَرُ كَتَبُوا عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْ إِسْنَادٍ إِلَى إِسْنَادٍ ح وَهِيَ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ مُفْرَدَةٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ التَّحَوُّلِ لِتَحَوُّلِهِ مِنْ إِسْنَادٍ إلى إسناد وأنه يقول القاريء إِذَا انْتَهَى إِلَيْهَا ح وَيَسْتَمِرُّ فِي قِرَاءَةِ مَا بَعْدَهَا وَقِيلَ إِنَّهَا مِنْ حَالَ الشَّيْءُ يَحُولُ إِذَا حَجَزَ لِكَوْنِهَا حَالَتْ بَيْنَ الْإِسْنَادَيْنِ وأنه لا

يَلْفِظُ عِنْدَ الِانْتِهَاءِ إِلَيْهَا بِشَيْءٍ وَلَيْسَتْ مِنْ الرِّوَايَةِ وَقِيلَ إِنَّهَا رَمْزٌ إِلَى قَوْلِهِ الْحَدِيثَ وَإَنَّ أَهْلَ الْمَغْرِبِ كُلَّهُمْ يَقُولُونَ إِذَا وَصَلُوا إِلَيْهَا الْحَدِيثَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (قَالَ ونا هَنَّادٌ) أَيْ قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَحَدَّثَنَا هَنَّادٌ وهو بن السَّرِيِّ بْنِ مُصْعَبٍ الْحَافِظُ الْقُدْوَةُ الزَّاهِدُ شَيْخُ الْكُوفَةِ أَبُو السَّرِيِّ التَّمِيمِيُّ الدَّارِمِيُّ رَوَى عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ سَلَّامٌ وَشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَطَبَقَتُهُمْ وَعَنْهُ الْجَمَاعَةُ سِوَى الْبُخَارِيِّ وَخَلْقٍ سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَمَّنْ يَكْتُبُ بِالْكُوفَةِ قَالَ عَلَيْكُمْ بِهَنَّادٍ قَالَ قُتَيْبَةُ ما رأيت وكيعا يعظم أحدا تعظيمه هناد ثُمَّ يَسْأَلُهُ عَنْ الْأَهْلِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ ثِقَةٌ تُوُفِّيَ سَنَةَ 243 ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ عَنْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ سَنَةً وَمَا تَزَوَّجَ قَطُّ وَلَا تَسَرَّى وَكَانَ يُقَالُ لَهُ رَاهِبُ الْكُوفَةِ وَلَهُ مُصَنَّفٌ كَبِيرٌ فِي الزُّهْدِ كَذَا فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ مَا لَفْظُهُ رُبَّمَا تَجِدُ فِي كُتُبِ الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُمْ يَبْدَءُونَ السَّنَدَ مِنْ الْأَوَّلِ أَيْ الْأَعْلَى بِالْعَنْعَنَةِ ثُمَّ فِي الْأَسْفَلِ بِالْإِخْبَارِ وَالتَّحْدِيثِ لِأَنَّ التَّدْلِيسَ لَمْ يَكُنْ فِي السَّلَفِ وَحَدَثَ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ فَاحْتَاجَ الْمُحَدِّثُونَ إِلَى التَّصْرِيحِ بِالسَّمَاعِ انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُهُ التَّدْلِيسُ لَمْ يَكُنْ فِي السَّلَفِ وَحَدَثَ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ مَبْنِيٌّ عَلَى غَفْلَتِهِ عَنْ أَسْمَاءِ الرِّجَالِ فَقَدْ كَانَ التَّدْلِيسُ فِي السَّلَفِ وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعُهُمْ مُدَلِّسِينَ وَهَذَا أَمْرٌ جلي عند من طالع كتب أَسْمَاءِ الرِّجَالِ وَالْكُتُبَ الْمُؤَلَّفَةَ فِي الْمُدَلِّسِينَ وَمِنْ التَّابِعِينَ الَّذِينَ كَانُوا مَوْصُوفِينَ بِالتَّدْلِيسِ مَعْرُوفِينَ بِهِ قَتَادَةُ وَأَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ وَحَمِيد الطَّوِيلُ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وحبيب بن أبي ثابت الكوفي وبن جُرَيْجٍ الْمَكِّيُّ وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ مَهْرَانَ الْأَعْمَشُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ الْمَدَنِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ الْقِبْطِيُّ الْكُوفِيُّ وَعَطِيَّةُ بْنُ سَعِيدٍ العوفي وغيرهم فهؤلاء كلهم من التابعين موصفون بِالتَّدْلِيسِ فَقَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ التَّدْلِيسُ لَمْ يَكُنْ فِي السَّلَفِ وَحَدَثَ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ بَاطِلٌ بِلَا مِرْيَةٍ بَلْ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ قَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي ظَفْرِ الْأَمَانِي ص 213 قَالَ الْحَلَبِيُّ فِي التَّبْيِينِ التَّدْلِيسُ بَعْدَ سَنَةِ ثَلَاثِمِائَةٍ يَقِلُّ جِدًّا قَالَ الْحَاكِمُ لَا أَعْرِفُ فِي الْمُتَأَخِّرِينَ يُذْكَرُ بِهِ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْبَاغَنْدِيَّ انْتَهَى تنبيه آخر وَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ قَالَ شُعْبَةُ إِنَّ التَّدْلِيسَ حَرَامٌ وَالْمُدَلِّسَ سَاقِطُ الْعَدَالَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا السَّنَدُ الَّذِي فِيهِ شُعْبَةُ بَرِيءٌ مِنْ التَّدْلِيسِ وَإِنْ كَانَ بِالْعَنْعَنَةِ انْتَهَى قُلْتُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّ السَّنَدَ الَّذِي فِيهِ شُعْبَةُ بَرِيءٌ مِنْ التَّدْلِيسِ بَلْ قَالُوا إِنَّ شُعْبَةَ لَا يَرْوِي عَنْ شُيُوخِهِ الْمُدَلِّسِينَ إِلَّا مَا هُوَ مَسْمُوعٌ لَهُمْ صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ رَوَيْنَا عَنْ شُعْبَةَ قَالَ كُنْتُ أَتَفَقَّدُ فَمَ قَتَادَةَ فَإِذَا قَالَ ثَنَا وَسَمِعْتُ حَفِظْته وَإِذَا

قَالَ حَدَّثَ فُلَانٌ تَرَكْته وَقَالَ رَوَيْنَا عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ كَفَيْتُكُمْ تَدْلِيسَ ثَلَاثَةٍ الْأَعْمَشِ وَأَبِي إِسْحَاقَ وَقَتَادَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي كِتَابِهِ تَعْرِيفِ أَهْلِ التَّقْدِيسِ بِمَرَاتِبِ الْمَوْصُوفِينَ بِالتَّدْلِيسِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْبَيْهَقِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ جَيِّدَةٌ فِي أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ دَلَّتْ عَلَى السَّمَاعِ وَلَوْ كَانَتْ مُعَنْعَنَةً انْتَهَى وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ السَّنَدَ الَّذِي فِيهِ شُعْبَةُ بَرِيءٌ مِنْ التَّدْلِيسِ فَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا الْإِطْلَاقِ أَحَدٌ فَتَفَكَّرْ (نا وكيع) هو بن الْجَرَّاحِ بْنُ مَلِيحٍ الرَّوَّاسِيُّ الْكُوفِيُّ مُحَدِّثُ الْعِرَاقِ وُلِدَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ سَمِعَ هِشَامَ بن عروة والأعمش وبن عون وبن جريح وسفيان وخلائق وعنه بن المبارك مع تقدمه وأحمد وبن الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى وَإِسْحَاقُ وَزُهَيْرٌ وَأُمَمٌ سِوَاهُمْ وَكَانَ أَبُوهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ وَأَرَادَ الرَّشِيدُ أَنْ يُوَلِّيَ وَكِيعًا قَضَاءَ الْكُوفَةِ فَامْتَنَعَ وَقَالَ أَحْمَدُ مَا رَأَيْتُ أَوْعَى لِلْعِلْمِ وَلَا أَحْفَظَ مِنْ وَكِيعٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ 197 سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ يَوْمَ عَاشُورَاءَ كَذَا فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ حَافِظٌ تنبيه قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّ وَكِيعَ بْنَ الْجَرَّاحِ كَانَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَانَ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا انْتَهَى وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ كَانَ حَنَفِيًّا يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُقَلِّدُهُ قُلْتُ الْقَوْلُ بِأَنَّ وَكِيعًا كَانَ حَنَفِيًّا يُقَلِّدُ أَبَا حَنِيفَةَ بَاطِلٌ جِدًّا أَلَا تَرَى أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ فِي جَامِعِهِ هَذَا فِي بَابِ إِشْعَارِ الْبُدْنِ سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ عِيسَى يَقُولُ سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ حِينَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ (يَعْنِي حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّدَ النَّعْلَيْنِ وَأَشْعَرَ الْهَدْيَ) فَقَالَ لَا تَنْظُرُوا إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الرَّأْيِ فِي الْإِشْعَارِ فَإِنَّ الْإِشْعَارَ سُنَّةٌ وَقَوْلَهُمْ بِدْعَةٌ وَسَمِعْتُ أَبَا السَّائِبِ يَقُولُ كُنَّا عِنْدَ وَكِيعٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ يَنْظُرُ فِي الرَّأْيِ أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُثْلَةٌ قَالَ الرَّجُلُ فَإِنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْإِشْعَارُ مُثْلَةٌ قَالَ فَرَأَيْتُ وَكِيعًا غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ أَقُولُ لَكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقُولُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ مَا أَحَقَّكَ بِأَنْ تُحْبَسَ ثُمَّ لَا تَخْرُجَ حَتَّى تَنْزِعَ عَنْ قَوْلِكَ هَذَا انْتَهَى فَقَوْلُ وَكِيعٍ هَذَا مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ يُنَادِي بِأَعْلَى نِدَاءٍ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُقَلِّدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَلَا لِغَيْرِهِ بَلْ كَانَ مُتَّبِعًا لِلسُّنَّةِ مُنْكِرًا أَشَدَّ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ يُخَالِفُ السُّنَّةَ وَعَلَى مَنْ يُذْكَرُ عِنْدَهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَذْكُرُ هُوَ قَوْلَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّ وَكِيعًا كَانَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِقَوْلِهِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ إِفْتَاؤُهُ فِي بَعْضِهَا تَقْلِيدًا لِأَبِي حنفية بَلْ كَانَ اِجْتِهَادًا مِنْهُ فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَهُ فَظُنَّ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِقَوْلِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذَا كُلِّهِ قَوْلُ وَكِيعٍ الْمَذْكُورُ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي يُفْتِي فِيهَا وَكِيعٌ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ شُرْبُ نَبِيذِ الْكُوفِيِّينَ قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ فِي تَرْجَمَتِهِ مَا فِيهِ إِلَّا شُرْبُهُ لِنَبِيذِ الْكُوفِيِّينَ وَمُلَازَمَتُهُ لَهُ جَاءَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْهُ انتهى

(عن إسرائيل هو بْنُ) يُونُسَ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ الْكُوفِيُّ قَالَ أَحْمَدُ ثَبْتٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ مِنْ أَتْقَنِ أَصْحَابِ إِسْحَاقَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ تُكُلِّمَ فِيهِ بِلَا حُجَّةٍ (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ أَرْسَلَ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ مَاتَ سَنَةَ 301 ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ (عن بن عُمَرَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وُلِدَ بَعْدَ المبعث بيسير واستصغر يوم أحد وهو بن أربع عشرة سنةوهو أَحَدُ الْمُكْثِرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالْعَبَادِلَةِ وَكَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ اِتِّبَاعًا لِلْأَثَرِ مَاتَ سَنَةَ 37 ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِي آخِرِهَا أَوْ أَوَّلِ الَّتِي تَلِيَهَا كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ يُقَالُ الطُّهُورُ وَالْوُضُوءُ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْفِعْلُ الَّذِي هُوَ الْمَصْدَرُ وَيُقَالُ الطَّهُورُ وَالْوَضُوءُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَاءُ الَّذِي يُتَطَهَّرُ بِهِ هكذا نقله بن الْأَنْبَارِيِّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَذَهَبَ الْخَلِيلُ وَالْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا انْتَهَى وَالْمُرَادُ بِالْقَبُولِ هُنَا مَا يُرَادِفُ الصِّحَّةَ وَهُوَ الْإِجْزَاءُ وَحَقِيقَةُ الْقَبُولِ ثَمَرَةُ وُقُوعِ الطَّاعَةِ مُجْزِئَةً رَافِعَةً لِمَا فِي الذِّمَّةِ وَلَمَّا كَانَ الْإِتْيَانُ بِشُرُوطِهَا مَظِنَّةَ الْإِجْزَاءِ الَّذِي الْقَبُولُ ثَمَرَتُهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَبُولِ مَجَازًا وَأَمَّا الْقَبُولُ الْمَنْفِيُّ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَتَى عَرَّافًا لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ فَهُوَ الْحَقِيقِيُّ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ الْعَمَلُ وَيَتَخَلَّفُ الْقَبُولُ لِمَانِعٍ وَلِهَذَا كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُ لَأَنْ تُقْبَلَ لِي صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ من جميع الدنيا قاله بن عُمَرَ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ إِنَّمَا يتقبل الله من المتقين كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَالْحَدِيثُ نَصٌّ فِي وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَأَجْمَعَتْ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مِنْ مَاءٍ أَوْ تُرَابٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَالنَّافِلَةِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَيْضًا لِأَنَّهَا صَلَاةٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ وَقَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ وَقَالَ صَلُّوا عَلَى النَّجَاشِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ سَمَّاهَا صَلَاةً وَلَيْسَ فِيهَا رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ وَلَا يُتَكَلَّمُ فِيهَا وفيها تكبير وتسليم وكان بن عُمَرَ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا إِلَّا طَاهِرًا انْتَهَى قال الحافظ ونقل بن عَبْدِ الْبَرِّ الِاتِّفَاقَ عَلَى اِشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ لَهَا يَعْنِي لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ إِلَّا عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ وَوَافَقَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُلَيَّةَ وَنَقَلَ غَيْرُهُ أَنَّ بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيَّ وَافَقَهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبٌ شَاذٌّ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

قُلْتُ وَالْحَقُّ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَا اِلْتِفَاتَ إِلَى مَا نُقِلَ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ فائدة قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ إِذَا أَحْدَثَ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ عِنْدَ الْجِنَازَةِ يَطْلُبُ الْمَاءَ وَلَا يَتَيَمَّمُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ السلف إلى أنه يجزيء لَهَا التَّيَمُّمُ لِمَنْ خَافَ فَوَاتَهَا يَعْنِي فَوَاتَ صلاة الجنازة لو تشاغل بالوضوء وحكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَسَالِمٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ وَالْكُوفِيِّينَ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَفِيهِ حديث مرفوع عن بن عباس رواه بن عَدِيٍّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ انْتَهَى (وَلَا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَالْغُلُولُ الْخِيَانَةُ وَأَصْلُهُ السَّرِقَةُ مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وقال القاضي أبو بكر بن العربي الغلول الخيانة خفيفة فَالصَّدَقَةُ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ فِي عَدَمِ الْقَبُولِ وَاسْتِحْقَاقِ الْعِقَابِ كَالصَّلَاةِ بِغَيْرِ طُهُورٍ فِي ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ هَنَّادٌ فِي حَدِيثِهِ إِلَّا بِطُهُورٍ) أَيْ مَكَانٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَمَقْصُودُ التِّرْمِذِيِّ بِهَذَا إِظْهَارُ الْفَرْقِ بَيْنَ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ وَحَدِيثِ هناد فيقال قُتَيْبَةُ فِي حَدِيثِهِ لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَقَالَ هَنَّادٌ فِي حَدِيثِهِ لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ إِلَّا بِطُهُورٍ قَوْلُهُ (هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شيء في هذا الباب وأحسن) والحديث وأخرجه الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا طُهُورَ لَهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ وَلَا صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عند أَبُو دَاوُدَ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ الْحَدِيثُ وأما حديث أنس فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَفِي الْبَابِ عَنْ وَالِدِ أَبِي الْمَلِيحِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ أَوْضَحْتُ طُرُقَهُ وَأَلْفَاظَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى أَوَائِلِ التِّرْمِذِيِّ انْتَهَى قُلْتُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ وَأَبِي سَبْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَرَبَاحِ بْنِ حُوَيْطِبٍ عَنْ جَدَّتِهِ وَسَعْدِ بْنِ عِمَارَةَ ذَكَرَ حَدِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِي بَابِ فَرْضِ الْوُضُوءِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فَمَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ

باب ما جاء في فضل الطهور

تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ يعني حديث بن عُمَرَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ فَإِنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْه الثَّانِي قَدْ جَرَتْ عَادَةُ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا الْجَامِعِ أَنَّهُ يَقُولُ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثِ الْأَبْوَابِ وَفِي الْبَابِ عَنْ فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ بَلْ يُرِيدُ أَحَادِيثَ أُخَرَ يَصِحُّ أَنْ تُكْتَبَ فِي الْبَابِ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ عَمَلٌ صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَفْهَمُونَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ سُمِّيَ مِنْ الصَّحَابَةِ يَرْوُونَ ذَلِكَ الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ حَدِيثًا آخَرَ يَصِحُّ إِيرَادُهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ فَتَذَكَّرْ قَوْلُهُ (وَأَبُو الْمَلِيحِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ (بْنُ أُسَامَةَ اِسْمُهُ عَامِرٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو الْمَلِيحِ بْنُ أُسَامَةَ بْنُ عُمَيْرٍ أَوْ عَامِرِ بْنِ حُنَيْفِ بْنِ نَاجِيَةَ الْهُذَلِيُّ اِسْمُهُ عَامِرٌ وَقِيلَ زَيْدٌ وَقِيلَ زِيَادٌ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الطُّهُورِ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُ يُقَالُ الطُّهُورُ بِالضَّمِّ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْفِعْلُ وَيُقَالُ بِالْفَتْحِ إِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمَاءُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْفِعْل [2] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ) الْخَطْمِيُّ الْمَدِينِيُّ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ الثَّبَتُ أَبُو مُوسَى قَاضِي نَيْسَابُورَ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ وَعَبْدَ السَّلَامِ بْنَ حَرْبٍ وَمَعْنَ بْنَ عِيسَى وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ صَاحِبَ سُنَّةٍ ذَكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ فَأَطْنَبَ فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ ثِقَةٌ حَدَّثَ عَنْهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ قِيلَ إِنَّهُ تُوُفِّيَ بِجُوسِيَّةَ بُلَيْدَةٍ مِنْ أَعْمَالِ حِمْصَ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ فَائِدَةٌ قَالَ الْحَافِظُ الذهبي في الميزان إذا قال الترمذي بن الأنصاري فيعني به إسحاق بن موسى الأنصاري انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الذَّهَبِيُّ لَكِنْ يقول الترمذي الأنصاري لا بن الْأَنْصَارِيِّ كَمَا قَالَ فِي بَابِ مَاءِ الْبَحْرِ أَنَّهُ طَهُورٌ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ ح وَحَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ قَالَ

حَدَّثَنَا مَعْنٌ إِلَخْ وَكَمَا قَالَ فِي بَابِ التَّغْلِيسِ بِالْفَجْرِ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ح قَالَ ونا الْأَنْصَارِيُّ نَا مَعْنٌ إِلَخْ ثُمَّ قَالَ قَالَ الْأَنْصَارِيُّ فَمَرَّ النِّسَاءُ مُتَلَفِّفَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ إِلَخْ فَالْحَاصِلُ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ إِذَا قَالَ فِي شُيُوخِهِ الْأَنْصَارِيَّ فَيَعْنِي بِهِ إِسْحَاقَ بْنَ مُوسَى الْأَنْصَارِيَّ لَا غَيْرُ فَاحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ نَافِعٌ تَنْبِيهٌ قَدْ غَفَلَ صَاحِبُ الطِّيبِ الشَّذِيِّ عَمَّا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ إذا يقول الأنصاري فيعني به إسحاق بن موسى الأنصاري فَلِذَلِكَ قَدْ وَقَعَ فِي مَغْلَطَةٍ عَظِيمَةٍ وَهِيَ أَنَّهُ قَالَ فِي بَابِ مَاءِ الْبَحْرِ أَنَّهُ طَهُورٌ مَا لَفْظُهُ قَوْلُهُ الْأَنْصَارِيَّ هُوَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَصْرِيحِ الْحَافِظِ فِي التَّلْخِيصِ كَمَا سَيَأْتِي فِي تَصْحِيحِ الْحَدِيثِ انْتَهَى قُلْتُ الْعَجَبَ أَنَّهُ مِنْ هَذِهِ الْغَفْلَةِ الشَّدِيدَةِ كَيْفَ جَوَّزَ أَنَّ الْأَنْصَارِيَّ هَذَا هُوَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَالْأَنْصَارِيُّ هَذَا هُوَ شَيْخُ التِّرْمِذِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ فَبَيْنَ التِّرْمِذِيِّ وَبَيْنَهُ مَفَاوِزُ تَنْقَطِعُ فِيهَا أَعْنَاقُ الْمَطَايَا فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَ التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ كَلَّا ثُمَّ كَلَّا ثُمَّ الْعَجَبَ عَلَى الْعَجَبِ أَنَّهُ قَالَ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ تَصْرِيحِ الْحَافِظِ فِي التَّلْخِيصِ وَلَمْ يُصَرِّحْ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّ الْأَنْصَارِيَّ هَذَا هُوَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَلَا يَظْهَرُ هَذَا مِنْ كَلَامِهِ البتة وَقَدْ وَقَعَ هُوَ فِي هَذَا فِي مَغْلَطَةٍ أُخْرَى وَالْأَصْلُ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا تَكَلَّمَ فِي غَيْرِ فَنِّهِ يَأْتِي بِمِثْلِ هَذِهِ الْعَجَائِبِ (نَا مَعْنُ بْنُ عِيسَى) أَبُو يَحْيَى الْمَدَنِيُّ الْقَزَّازُ الْأَشْجَعِيُّ مَوْلَاهُمْ أَخَذَ عن بن أَبِي ذِئْبٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ وَمَالِكٍ وَطَبَقَتِهِمْ روى عنه بن أَبِي خَيْثَمَةَ وَهَارُونُ الْجَمَّالُ وَخَلْقٌ قَالَ أَبُو حاتم هو أحب إلى من بن وَهْبٍ وَهُوَ أَثْبَتُ أَصْحَابِ مَالِكٍ تُوُفِّيَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ 198 ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ كَذَا فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (نَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) هُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَصْبَحِيُّ الْمَدَنِيُّ إِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ رَأْسُ الْمُتْقِنِينَ وَكَبِيرُ الْمُثْبِتِينَ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ (عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ) المدني صدوق تغير حفظه بآخره روى لهالبخاري مَقْرُونًا وَتَعْلِيقًا مِنْ السَّادِسَةِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قُلْتُ قَالَ الذَّهَبِيُّ في الميزان وقال غيره أي غير بن مَعِينٍ إِنَّمَا أَخَذَ عَنْهُ مَالِكٌ قَبْلَ التَّغَيُّرِ وَقَالَ الْحَاكِمُ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ الْكَثِيرَ وَأَكْثَرُهَا فِي الشَّوَاهِدِ انْتَهَى (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ أَبِي صَالِحٍ وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ذَكْوَانُ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ الزَّيَّاتُ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَكَانَ يَجْلِبُ الزَّيْتَ إِلَى الْكُوفَةِ مِنْ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ 101 إِحْدَى وَمِائَةٍ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ وَالِدَ سُهَيْلٍ هُوَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ

لَهُ أَدْنَى مُنَاسَبَةٍ بِفَنِّ الْحَدِيثِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ وَقَعَ صاحب الطيب الشذى ها هنا فِي مَغْلَطَةٍ عَظِيمَةٍ فَظَنَّ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ وَالِدَ سُهَيْلٍ هَذَا هُوَ أَبُو صَالِحٍ الَّذِي اسمه ميناء حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ مَوْلَى ضُبَاعَةَ لين الحديث من الثالثة واسمه ميناء بِكَسْرِ الْمِيمِ انْتَهَى وَالْعَجَبُ كُلَّ الْعَجَبِ أَنَّهُ كَيْفَ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْمَغْلَطَةِ مَعَ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَدْ صَرَّحَ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَنَّ أَبَا صَالِحٍ وَالِدَ سُهَيْلٍ هُوَ أَبُو صَالِحٍ السمان واسمه ذكوان ثم قد حَكَمَ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَكَيْفَ ظَنَّ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ وَالِدَ سُهَيْلٍ هو أبو صالح الذي اسمه ميناء وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْمُؤْمِنُ) هَذَا شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي وَكَذَا قَوْلُهُ مَعَ الْمَاءِ أَوْ مَعَ قَطْرِ الْمَاءِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ (فَغَسَلَ وَجْهَهُ) عُطِفَ عَلَى تَوَضَّأَ عَطْفَ تَفْسِيرٍ أَوْ الْمُرَادُ إِذَا أَرَادَ الْوُضُوءَ وَهُوَ الْأَوْجَهُ (خَرَجَتْ مِنْ وَجْهِهِ) جَوَابُ إِذَا (كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا) أَيْ إِلَى الْخَطِيئَةِ يَعْنِي إِلَى سَبَبِهَا إِطْلَاقًا لِاسْمِ الْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ مُبَالَغَةً (بِعَيْنَيْهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ تَأْكِيدٌ (مَعَ الْمَاءِ) أَيْ مَعَ اِنْفِصَالِهِ (أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ أَوْ نَحْوَ هَذَا) قِيلَ أَوْ لِشَكِّ الرَّاوِي وَقِيلَ لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَالْقَطْرُ إِجْرَاءُ الْمَاءِ وَإِنْزَالُ قَطْرِهِ كَذَا فِي المرقاة قلت أو ها هنا لِلشَّكِّ لَا لِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَوْ نَحْوَ هَذَا قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِخُرُوجِهَا مَعَ الْمَاءِ الْمَجَازُ وَالِاسْتِعَارَةُ فِي غُفْرَانِهَا لِأَنَّهَا ليست بأجسام فتخرج حقيقة وقال بن الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ قَوْلُهُ خَرَجَتْ الْخَطَايَا يَعْنِي غُفِرَتْ لِأَنَّ الْخَطَايَا هِيَ أَفْعَالٌ وَأَعْرَاضٌ لَا تَبْقَى فَكَيْفَ تُوصَفُ بِدُخُولٍ أَوْ بِخُرُوجٍ ولكن الباريء لَمَّا أَوْقَفَ الْمَغْفِرَةَ عَلَى الطَّهَارَةِ الْكَامِلَةِ فِي الْعُضْوِ ضَرَبَ لِذَلِكَ مَثَلًا بِالْخُرُوجِ انْتَهَى قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ بن الْعَرَبِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ بَلْ الظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْخَطَايَا تُورِثُ فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ سَوَادًا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَرْبَابُ الْأَحْوَالِ وَالْمُكَاشَفَاتِ وَالطَّهَارَةُ تُزِيلُهُ وَشَاهِدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ المصنف والنسائي وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ فَإِنْ تَابَ وَنَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ صُقِلَ قَلْبُهُ وَإِنْ عَادَ زَادَتْ حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ وَذَلِكَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يكسبون وأخرج أحمد وبن خزيمة عن بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَاقُوتَةٌ بَيْضَاءُ مِنْ الْجَنَّةِ وَكَانَ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ الثَّلْجِ وإنما خَطَايَا الْمُشْرِكِينَ قَالَ السُّيُوطِيُّ فَإِذَا أَثَّرَتْ الْخَطَايَا فِي الْحَجَرِ فَفِي جَسَدِ فَاعِلِهَا أَوْلَى فَإِمَّا أَنْ يُقَدَّرَ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ أَثَرُ خَطِيئَتِهِ أَوْ السَّوَادُ الَّذِي أَحْدَثَتْهُ وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إن الخطيئة

نَفْسَهَا تَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ عَلَى أَنَّهَا جِسْمٌ لَا عَرَضٌ بِنَاءً عَلَى إِثْبَاتِ عَالَمِ الْمِثَالِ وَأَنَّ كُلَّ مَا هُوَ فِي هَذَا الْعَالَمِ عَرَضٌ لَهُ صُورَةٌ فِي عَالَمِ الْمِثَالِ وَلِهَذَا صَحَّ عَرْضُ الْأَعْرَاضِ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ الملائكة وقيل لهم أنبئوني بأسماء هؤلاء وَإِلَّا فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ عَرْضُ الْأَعْرَاضِ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهَا صُورَةٌ تُشَخَّصُ بِهَا قَالَ وَقَدْ حَقَّقْتُ ذَلِكَ فِي تَأْلِيفٍ مُسْتَقِلٍّ وَأَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي حَاشِيَتِي الَّتِي عَلَّقْتهَا عَلَى تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ وَمِنْ شَوَاهِدِهِ فِي الْخَطَايَا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ في سننه عن بن عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَجُعِلَتْ عَلَى رَأْسِهِ وَعَاتِقِهِ فَكُلَّمَا رَكَعَ وَسَجَدَ تَسَاقَطَتْ عَنْهُ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمُ يُصَلِّي وَخَطَايَاهُ مَرْفُوعَةٌ عَلَى رَأْسِهِ كُلَّمَا سَجَدَ تَحَاتَّتْ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَأَمَّا إِثْبَاتُ عَالَمِ الْمِثَالِ فَعِنْدِي فِيهِ نَظَرٌ فَتَفَكَّرْ قَوْلُهُ (بَطَشَتْهَا) أَيْ أَخَذَتْهَا (حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا من الذنوب) قال بن الملك أي حتى يفرغ المتوضيء مِنْ وُضُوئِهِ طَاهِرًا مِنْ الذُّنُوبِ أَيْ الَّتِي اِكْتَسَبَهَا بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ أَوْ مِنْ جَمِيعِ الذُّنُوبِ من الصغائر وقيل حتى يخرج المتوضىء إِلَى الصَّلَاةِ طَاهِرًا مِنْ الذُّنُوبِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مُتَرَتِّبٌ عَلَى تَمَامِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ وَهَكَذَا بَاقِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَمَا يُفِيدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ الْحَدِيثَ وَرِوَايَاتٌ غَيْرُه انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ السِّنْدِيُّ فَرَوَى مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ مَرْفُوعًا إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَمَضْمَضَ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ وَإِذَا اِسْتَنْثَرَ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ أَنْفِهِ وَإِذَا غَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ وَجْهِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَشْفَارِ عَيْنَيْهِ فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِ يَدَيْهِ فَإِذَا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تَخْرُجَ مِنْ أُذُنَيْهِ فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ الْخَطَايَا مِنْ رِجْلَيْهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ أَظْفَارِ رِجْلَيْهِ ثُمَّ كَانَ مَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَصَلَاتُهُ نَافِلَةً لَهُ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قِيلَ ذَكَرَ لِكُلِّ عُضْوٍ مَا يُخَصُّ بِهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَمَا يُزِيلُهَا عَنْ ذَلِكَ وَالْوَجْهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْعَيْنِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ فَلِمَ خُصَّتْ الْعَيْنُ بِالذِّكْرِ أُجِيبُ بِأَنَّ الْعَيْنَ طَلِيعَةُ الْقَلْبِ وَرَائِدُهُ فَإِذَا ذُكِرَتْ أَغْنَتْ عَنْ سَائِرِهَا انتهى قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ مُعْتَرِضًا عَلَى الطِّيبِيِّ كَوْنُ الْعَيْنِ طَلِيعَةً كَمَا ذَكَرَهُ لَا يُنْتِجُ الْجَوَابَ عَنْ تَخْصِيصِ خَطِيئَتِهَا بِالْمَغْفِرَةِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ

بَلْ الَّذِي يُتَّجَهُ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّخْصِيصِ هُوَ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْفَمِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ لَهُ طَهَارَةٌ مَخْصُوصَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ طَهَارَةِ الْوَجْهِ فَكَانَتْ مُتَكَفِّلَةً بِإِخْرَاجِ خَطَايَاهُ بِخِلَافِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهَا طَهَارَةٌ إِلَّا فِي غَسْلِ الْوَجْهِ فَخُصَّتْ خَطِيئَتُهَا بِالْخُرُوجِ عِنْدَ غسله دون غيرها مما ذكر ذكره القارىء فِي الْمِرْقَاةِ ص 64 ج 2 انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كما قال بن حَجَر يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مَالِكٍ وَالنَّسَائِيِّ الْمَذْكُورَةُ قال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ الْخَطَايَا الْمَحْكُومُ بِمَغْفِرَتِهَا هِيَ الصَّغَائِرُ دُونَ الْكَبَائِرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اُجْتُنِبَتْ الْكَبَائِرُ فَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ مَقْرُونَةً بِالْوُضُوءِ لَا تُكَفِّرُ الْكَبَائِرَ فَانْفِرَادُ الْوُضُوءِ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ ذَلِكَ أَحْرَى قَالَ وَهَذَا التَّكْفِيرُ إِنَّمَا هُوَ لِلذُّنُوبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَأَمَّا الْمُتَعَلِّقَةُ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فَإِنَّمَا يَقَعُ النَّظَرُ فِيهَا بِالْمُقَاصَّةِ مَعَ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَتَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ حَدُّ الْحَسَنِ وَالصَّحِيحِ مُفَصَّلًا قَوْلُهُ (وَأَبُو صَالِحٍ وَالِدُ سُهَيْلٍ هُوَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ) بِشَدَّةِ الْمِيمِ أَيْ بَائِعُ السَّمْنِ وَكَانَ يَجْلِبُ الزَّيْتَ وَالسَّمْنَ إِلَى الْكُوفَةِ (وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ) الْمَدَنِيُّ مَوْلَى جُوَيْرِيَةَ الْغَطَفَانِيَّةِ شَهِدَ الدَّارَ وَحِصَارَ عُثْمَانَ وَسَأَلَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَسَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَعِدَّةً من الصحابة وعند ابْنُهُ سُهَيْلٌ وَالْأَعْمَشُ وَطَائِفَةٌ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فَقَالَ ثِقَةٌ مِنْ أَجَلِّ النَّاسِ وَأَوْثَقِهِمْ قَالَ الْأَعْمَشُ سَمِعْتُ مِنْ أَبِي صَالِحٍ أَلْفَ حَدِيثٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ قَوْلُهُ (وَأَبُو هُرَيْرَةَ اِخْتَلَفُوا فِي اِسْمِهِ فَقَالُوا عَبْدَ شَمْسٍ وَقَالُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل وهذا الأصح) قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ حَافِظُ الصَّحَابَةِ اُخْتُلِفَ فِي اِسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ قِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ وَقِيلَ بن غُنْمٍ إِلَى أَنْ ذَكَرَ تِسْعَةَ عَشَرَ قَوْلًا ثُمَّ قَالَ هَذَا الَّذِي وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَاخْتُلِفَ فِي أَيِّهَا أَرْجَحُ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى الْأَوَّلِ أَيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَخْرٍ وَذَهَبَ جَمْعٌ مِنْ النَّسَّابِينَ إِلَى عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ انْتَهَى وَفِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ أَصَحُّ شَيْءٍ عِنْدَنَا فِي اِسْمِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَخْرٍ وَغَلَبَتْ عَلَيْهِ كُنْيَتُهُ فَهُوَ كَمَنْ لَا اِسْمَ لَهُ أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ وَشَهِدَهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ثُمَّ لَزِمَهُ وَوَاظَبَ عَلَيْهِ رَاغِبًا فِي الْعِلْمِ رَاضِيًا بِشِبَعِ بَطْنِهِ وَكَانَ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ مَا دَارَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَوَى عَنْهُ أَكْثَرُ من ثمانمائة رجل فمنهم بن عباس وبن عَمْرٍو وَجَابِرٌ وَأَنَسٌ قِيلَ سَبَبُ تَلْقِيبِهِ بِذَلِكَ ما رواه بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ أَحْمِلُ يَوْمًا هِرَّةً فِي كُمِّي فَرَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا هَذِهِ فَقُلْتُ هِرَّةٌ فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ أَنَّهُ قَالَ كَنَّانِي أَبِي بِأَبِي هُرَيْرَةَ لِأَنِّي كُنْتُ أَرْعَى غَنَمًا فَوَجَدْتُ أَوْلَادَ هِرَّةٍ وَحْشِيَّةٍ فَلَمَّا أَبْصَرَهُنَّ وَسَمِعَ أَصْوَاتَهُنَّ أَخْبَرْته فَقَالَ أَنْتَ أَبُو هِرٍّ وَكَانَ اِسْمِي عَبْدَ شَمْسٍ انْتَهَى قُلْتُ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي مَنَاقِبِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ لِمَ كُنِّيتَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَمَا تَفْرَقُ مِنِّي قُلْتُ بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي لَأَهَابُكَ قَالَ كُنْتُ أَرْعَى غَنَمَ أَهْلِي وَكَانَتْ لِي هُرَيْرَةٌ صَغِيرَةٌ فَكُنْتُ أَضَعُهَا بِاللَّيْلِ فِي شَجَرَةٍ فَإِذَا كَانَ النَّهَارُ ذَهَبْتُ بِهَا مَعِي فَلَعِبْتُ بِهَا فَكَنَّوْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ فَائِدَةٌ اُخْتُلِفَ فِي صَرْفِ أَبِي هريرة ومنعه قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ جَرُّ هُرَيْرَةَ هُوَ الْأَصْلُ وَصَوَّبَهُ جَمَاعَةٌ لِأَنَّهُ جُزْءُ عَلَمٍ وَاخْتَارَ آخَرُونَ مَنْعَ صَرْفِهِ كَمَا هُوَ الشَّائِعُ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ انْتَهَى قُلْتُ وَقَدْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْعَهُ مِنْ الصَّرْفِ هُوَ الْجَارِي عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَالرَّاجِحُ هُوَ مَنْعُهُ مِنْ الصَّرْفِ وَكَانَ هُوَ الْجَارِيَ عَلَى أَلْسِنَةِ جَمِيعِ شُيُوخِنَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ وَأَدْخَلَهُمْ جَنَّةَ الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى وَيُؤَيِّدُ مَنْعَ صَرْفِهِ منع صرف بن دَايَةَ عَلَمًا لِلْغُرَابِ قَالَ قَيْسُ بْنُ مُلَوَّحٍ المجنون أقول وقد صاح بن دَايَةَ غَدْوَةً بِبُعْدِ النَّوَى لَا أَخْطَأَتْكَ الشَّبَائِكُ قَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمُسَمَّى بِأَنْوَارِ التَّنْزِيلِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى شَهْرُ رَمَضَانَ الذي أنزل فيه القرآن رَمَضَانُ مَصْدَرُ رَمَضَ إِذَا اِحْتَرَقَ فَأُضِيفَ إِلَيْهِ الشَّهْرُ وَجُعِلَ عَلَمًا وَمُنِعَ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ والألف والنون كما منع داية في بن دَايَةَ عَلَمًا لِلْغُرَابِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ انْتَهَى فَائِدَةٌ قَدْ تَفَوَّهَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا وَقَوْلُهُمْ هَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ صَرَّحَ أَجِلَّةُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ فَقِيهًا قَالَ صَاحِبُ السِّعَايَةِ شَرْحِ شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَهُوَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ مِنْهُمْ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ غَيْرَ فَقِيهٍ مَا لَفْظُهُ كَوْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرَ فَقِيهٍ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يُفْتُونَ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كما صرح به بن الهمام في تحرير الأصول وبن حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ فِي أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ انْتَهَى وَفِي بَعْضِ حَوَاشِي نُورِ الْأَنْوَارِ أَنَّ أَبَا هريرة كان فقيها صرح به بن الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ

كَيْفَ وَهُوَ لَا يَعْمَلُ بِفَتْوَى غَيْرِهِ وَكَانَ يُفْتِي بِزَمَنِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَكَانَ يُعَارِضُ أَجِلَّةَ الصَّحَابَةِ كَابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ قَالَ إِنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَبْعَدُ الْأَجَلَيْنِ فَرَدَّهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَفْتَى بِأَنَّ عِدَّتَهَا وَضْعُ الْحَمْلِ كَذَا قِيلَ انْتَهَى قُلْتُ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَمِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ أَبُو هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيُّ الْيَمَانِيُّ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ أَوْعِيَةِ الْعِلْمِ وَمِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى مَعَ الْجَلَالَةِ والعبادة والتواضع انتهى وقال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ ثُمَّ قَامَ بِالْفَتْوَى بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَرْكُ الْإِسْلَامِ وَعِصَابَةُ الْإِيمَانِ وَعَسْكَرُ الْقُرْآنِ وَجُنْدُ الرَّحْمَنِ أُولَئِكَ أَصْحَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانُوا بَيْنَ مُكْثِرٍ مِنْهَا وَمُقِلٍّ وَمُتَوَسِّطٍ وَكَانَ الْمُكْثِرُونَ مِنْهُمْ سَبْعَةً عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَالْمُتَوَسِّطُونَ مِنْهُمْ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمْ مِنْ الْفُتْيَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِلَخْ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ فَقِيهًا مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَمِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ الْفَتْوَى فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَيْضًا إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا وَالنَّخَعِيُّ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ قُلْتُ قَدْ نُقِمَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ لِقَوْلِهِ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ وَكَانَ لَا يُحْكِمُ الْعَرَبِيَّةَ رُبَّمَا لَحَنَ وَنَقَمُوا عَلَيْهِ قَوْلَهُ لَمْ يَكُنْ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقِيهًا انْتَهَى عِبْرَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ فِي بَحْثِ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ المروي عن أبي هريرة وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وبن عُمَرَ وَلَمْ يَكُونَا فَقِيهَيْنِ وَإِنَّمَا كَانَا صَالِحَيْنِ فَرِوَايَتُهُمَا إِنَّمَا تُقْبَلُ فِي الْمَوَاعِظِ لَا فِي الْأَحْكَامِ وَهَذِهِ جُرْأَةٌ عَلَى اللَّهِ وَاسْتِهْزَاءٌ فِي الدِّينِ عِنْدَ ذَهَابِ حَمَلَتِهِ وَفَقْدِ نَصَرَتِهِ وَمَنْ أفقه من أبي هريرة وبن عُمَرَ وَمَنْ أَحْفَظُ مِنْهُمَا خُصُوصًا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ بَسَطَ رِدَاءَهُ وَجَمَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ فَمَا نَسِيَ شَيْئًا أَبَدًا وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْمُعَافَاةَ مِنْ مَذْهَبٍ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالطَّعْنِ عَلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَقَدْ كُنْتُ فِي جَامِعِ الْمَنْصُورِ مِنْ مَدِينَةِ السَّلَامِ فِي مَجْلِسِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّامَغَانِيِّ قَاضِي الْقُضَاةِ فَأَخْبَرَنِي بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَدْ جَرَى ذِكْرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِيهَا بَعْضُهُمْ يَوْمًا وَذَكَرَ هَذَا الطعن في أبي هريرة فسقط مِنْ السَّقْفِ حَيَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي وَسَطِ الْمَسْجِدِ فَأَخَذَتْ فِي سَمْتِ الْمُتَكَلِّمِ بِالطَّعْنِ وَنَفَرَ النَّاسُ وَارْتَفَعُوا وَأَخَذَتْ الْحَيَّةُ تَحْتَ السَّوَارِي فَلَمْ يَدْرِ أَيْنَ ذَهَبَتْ فَارْعَوى مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ مِنْ التَّرَسُّلِ فِي هَذَا الْقَدْحِ انْتَهَى

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ وَثَوْبَانَ وَالصُّنَابِحِيِّ وعمر وبن عَبَسَةَ وَسَلْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ ثوبان فأخرجه مالك وأحمد وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ الصُّنَابِحِيِّ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ والنسائي وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَا عِلَّةَ لَهُ وَالصُّنَابِحِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلْمَانَ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ بِلَفْظِ إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ تَحَاتَّتْ عَنْهُ ذُنُوبُهُ كَمَا تَحَاتَّ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَفِي الْبَابِ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِوَى الْمَذْكُورِينَ ذَكَرَ أَحَادِيثَهُمْ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ قَوْلُهُ (وَالصُّنَابِحِيُّ هَذَا الَّذِي رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضْلِ الطُّهُورِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَيْسَتْ فِي النُّسَخِ الْمَطْبُوعَةِ إِنَّمَا هِيَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْقَلَمِيَّةِ الصَّحِيحَةِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ هَذَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَمَضْمَضَ خَرَجَتْ خطاياه من فيه الحديث قال الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ اُخْتُلِفَ عَلَى عَطَاءٍ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْمُحَلَّى وَقَالَ الْبُخَارِيُّ وَهَمَ مَالِكٌ فِي قَوْلِهِ عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ كَذَا فِي إِسْعَافِ الْمُبْطَأِ (وَالصُّنَابِحِيُّ الَّذِي رَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لَيْسَ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ وَيُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ بِمُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا الْمُرَادِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ انْتَهَى (رَحَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الطَّرِيقِ) رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَتَى هَاجَرْتُ قَالَ خَرَجْنَا مِنْ الْيَمَنِ مُهَاجِرِينَ فَقَدِمْنَا الْجُحْفَةَ فَأَقْبَلَ رَاكِبٌ فَقُلْتُ لَهُ الْخَبَرَ الْخَبَرَ

فَقَالَ دَفَنَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ خَمْسٍ قُلْتُ هَلْ سَمِعْتَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ شَيْئًا قَالَ أَخْبَرَنِي بِلَالٌ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فِي السَّبْعِ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ (وَالصُّنَابِحُ بْنُ الْأَعْسَرِ الْأَحْمَسِيُّ صَاحِبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ الصُّنَابِحِيُّ أَيْضًا) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ الصُّنَابِحُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ ثُمَّ نُونٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ بن الْأَعْسَرِ الْأَحْمَسِيُّ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَمَنْ قَالَ فِيهِ الصُّنَابِحِيَّ فَقَدْ وَهَمَ انْتَهَى (وَإِنَّمَا حَدِيثُهُ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ كَاثَرْتُهُ أَيْ غَلَبْته وَكُنْتُ أَكْثَرَ مِنْهُ يَعْنِي إِنِّي أُبَاهِي بِأَكْثَرِيَّةِ أُمَّتِي عَلَى الْأُمَمِ السَّالِفَةِ فَلَا تَقْتَتِلُنَّ بَعْدِي بِصِيغَةِ النَّهْيِ الْمُؤَكَّدِ بِنُونِ التَّأْكِيدِ مِنْ الِاقْتِتَالِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فَإِنْ قُلْتَ ما وجه تترتب قَوْلِهِ لَا تَقْتَتِلُنَّ بَعْدِي عَلَى الْمُكَاثَرَةِ قُلْتُ وَجْهُهُ أَنَّ الِاقْتِتَالَ مُوجِبٌ لِقَطْعِ النَّسْلِ إِذْ لَا تَنَاسُلَ مِنْ الْأَمْوَاتِ فَيُؤَدِّي إِلَى قِلَّةِ الْأُمَّةِ فَيُنَافِي الْمَطْلُوبَ فَلِذَلِكَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَإِنْ قُلْتَ الْمَقْتُولُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ فَلَا وَجْهَ لِقَطْعِ النَّسْلِ بِسَبَبِ الِاقْتِتَالِ قُلْتُ إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الِاقْتِتَالِ مُفْضٍ بِقَطْعِ النَّسْلِ فَالنَّسْلُ بِاعْتِبَارِ فِعْلِهِمْ الِاخْتِيَارِيِّ أَوْ يُقَالُ يَكُونُ لَهُمْ أَجَلَانِ أَجَلٌ عَلَى تَقْدِيرِ الِاقْتِتَالِ وَأَجَلٌ بِدُونِهِ وَيَكُونُ الثَّانِي أَطْوَلَ مِنْ الْأَوَّلِ وَبِالِاقْتِتَالِ يَقْصُرُ الْأَجَلُ فَتَقِلُّ الْأُمَّةُ وَهَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ عِنْدَ اللَّهِ لَا يَكُونُ إِلَّا أَجَلٌ وَاحِدٌ انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ وَحَدِيثُ الصُّنَابِحِيِّ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 153 ج 4 بِأَلْفَاظٍ تَنْبِيهٌ اِعْلَمْ أَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ الْمَذْكُورِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الصُّنَابِحِيَّ الَّذِي رَوَى فِي فَضْلِ الطُّهُورِ صَحَابِيٌّ وَالثَّانِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ الصُّنَابِحِيَّ هَذَا غَيْرُ الصُّنَابِحِيِّ الَّذِي اِسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَكِنَّهُ لَيْسَ هَذَانِ الْأَمْرَانِ مُتَّفَقًا عَلَيْهِمَا بَلْ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا اِخْتِلَافٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُودِهِ فَقِيلَ صَحَابِيٌّ مَدَنِيٌّ وَقِيلَ هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عسيلة وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي مَرَاسِيلِهِ عَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ هُمْ ثَلَاثَةٌ فَاَلَّذِي يَرْوِي عَنْهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ وَلَمْ تَصِحَّ صُحْبَتُهُ انْتَهَى وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي إِسْعَافِ الْمُبْطَأِ عَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَنْهُ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَقَالَ البخاري وهم مالك في قوله عبد الله الصُّنَابِحِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَبْدُ اللَّهِ الصُّنَابِحِيُّ يَرْوِي عَنْهُ الْمَدَنِيُّونَ يُشْبِهُ أَنْ تكون له صحبة انتهى قَوْلُهُ بَابٌ مَا جَاءَ أَنَّ مِفْتَاحَ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ

[3] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هَنَّادٌ وَقُتَيْبَةُ) تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُمَا (وَمَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ) الْعَدَوِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمَرْوَزِيُّ أَبُو أَحْمَدَ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْأَثَرِ حَدَّثَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَالْفَضْلِ بْنِ مُوسَى السِّينَانِيِّ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَأَبِي عَوَانَةَ وَوَكِيعٍ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ الْجَمَاعَةُ سِوَى أَبِي دَاوُدَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَعْرَفُ بِالْحَدِيثِ صَاحِبُ سُنَّةٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ ثِقَةٌ كَذَا فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ تُوُفِّيَ سَنَةَ 239 تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ (قَالُوا نَا وَكِيعٌ) تَقَدَّمَ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ وَهُوَ سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ الثَّوْرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ فَقِيهٌ عَابِدٌ إِمَامٌ حُجَّةٌ مِنْ رؤوس الطَّبَقَةِ السَّابِعَةِ وَكَانَ رُبَّمَا دَلَّسَ مَاتَ سَنَةَ 161 إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ وَمَوْلِدُهُ سَنَةَ 77 سَبْعٍ وَسَبْعِينَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ وَهُمْ أَيْ الْمُدَلِّسُونَ عَلَى مَرَاتِبَ الْأُولَى مَنْ لَمْ يُوصَفْ بِذَلِكَ إِلَّا نَادِرًا كَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ الثَّانِيَةُ مَنْ اِحْتَمَلَ الْأَئِمَّةُ تَدْلِيسَهُ وَأَخْرَجُوا لَهُ فِي الصَّحِيحِ لِإِمَامَتِهِ وَقِلَّةِ تَدْلِيسِهِ فِي جَنْبِ مَا رَوَى كَالثَّوْرِيِّ أَوْ كَانَ لَا يُدَلِّسُ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ كَابْنِ عُيَيْنَةَ انْتَهَى (وثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) لَقَبُهُ بُنْدَارٌ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ النُّونِ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ بُنْدَارٌ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ النَّسَّاجُ كَانَ عَالِمًا بِحَدِيثِ الْبَصْرَةِ مُتْقِنًا مُجَوِّدًا لَمْ يَرْحَلْ بِرًّا بِأُمِّهِ ثُمَّ اِرْتَحَلَ بَعْدَهَا سَمِعَ مُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَغُنْدُرًا وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَطَبَقَتَهُمْ حَدَّثَ عَنْه الْجَمَاعَةُ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ وَقَالَ الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ كثير الحديث حائك قال بن خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ لَهُ حَدَّثَنَا إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْأَخْبَارِ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ الذَّهَبِيُّ لَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ مَنْ ضَعَّفَهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 252 اِثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ انْتَهَى وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ النَّسَائِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ اِنْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدُ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِبُنْدَارٍ انْتَهَى مَا فِي الْخُلَاصَةِ (نا عبد الرحمن) بن مَهْدِيِّ بْنِ حَسَّانٍ الْأَزْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ اللُّؤْلُؤِيُّ الْحَافِظُ الْعِلْمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ وَعِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ وَشُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وخلق وعنه بن المبارك وبن وهب أكبر منه وأحمد وبن معين قال بن المديني أعلم الناس بالحديث بن مَهْدِيٍّ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ إِمَامٌ ثِقَةٌ أَثْبَتُ مِنْ الْقَطَّانِ وَأَتْقَنُ مِنْ وَكِيعٍ وَقَالَ أَحْمَدُ إذا حدث بن مَهْدِيٍّ عَنْ رَجُلٍ فَهُوَ حُجَّةٌ وَقَالَ الْقَوَارِيرِيُّ أملى علينا بن مهدي عشرين ألفا من حفظه قال بن سَعْدٍ مَاتَ سَنَةَ 891 ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ بِالْبَصْرَةِ عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً وَكَانَ يَحُجُّ كُلَّ سَنَةٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ) بفتح العين بن أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ أبيه وخاله محمد بن الحنفية وعنه بن عَجْلَانَ وَالسُّفْيَانَانِ وَسَيَجِيءُ كَلَامُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ (عن محمد بن الْحَنَفِيَّةِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ

عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أُمُّهُ خَوْلَةُ بِنْتُ جَعْفَرٍ الْحَنَفِيَّةُ نُسِبَ إِلَيْهَا رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ بَنُوهُ إِبْرَاهِيمُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَالْحَسَنُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَخَلْقٌ قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَ عَنْ عَلِيٍّ أَكْثَرَ وَلَا أَصَحَّ مِمَّا أَسْنَدَ مُحَمَّدُ بن الْحَنَفِيَّةِ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ عَالِمٌ مِنْ الثَّانِيَةِ مَاتَ بَعْدَ الثَّمَانِينَ قَوْلُهُ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ بِالضَّمِّ وَيُفْتَحُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ وَسَمَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الطهور مفتاحا مجاز لِأَنَّ الْحَدَثَ مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ فَالْحَدَثُ كَالْقُفْلِ مَوْضُوعٌ عَلَى الْمُحْدِثِ حَتَّى إِذَا تَوَضَّأَ اِنْحَلَّ الْغَلْقُ وَهَذِهِ اِسْتِعَارَةٌ بَدِيعَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا إِلَّا النُّبُوَّةُ وَكَذَلِكَ مِفْتَاحُ الْجَنَّةِ الصَّلَاةُ لِأَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ مُغْلَقَةٌ يَفْتَحُهَا الطَّاعَاتُ وَرُكْنُ الطَّاعَاتِ الصلاة قاله بن الْعَرَبِيِّ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ قَالَ الْمُظْهِرِيُّ سَمَّى الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ تَحْرِيمًا لِأَنَّهُ يُحَرِّمُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَغَيْرَهُمَا عَلَى الْمُصَلِّي فَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِالتَّكْبِيرِ مُقَارِنًا بِهِ النِّيَّةَ انْتَهَى قال القارىء وَهُوَ رُكْنٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَشَرْطٌ عِنْدَنَا ثُمَّ الْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ وَفِي قَوْلِهِ تعالى وربك فكبر هُوَ التَّعْظِيمُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ خُصُوصِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَغَيْرُهُ مِمَّا أَفَادَهُ التَّعْظِيمُ وَالثَّابِتُ بِبَعْضِ الْأَخْبَارِ اللَّفْظُ الْمَخْصُوصُ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ حَتَّى يُكْرَهَ لِمَنْ يُحْسِنُهُ تَرْكُهُ كَمَا قُلْنَا فِي الْقِرَاءَةِ مَعَ الْفَاتِحَةِ وَفِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَعَ التعديل كذا في الكافي قال بن الْهُمَامِ وَهَذَا يُفِيدُ وُجُوبَهُ ظَاهِرًا وَهُوَ مُقْتَضَى الْمُوَاظَبَةِ الَّتِي لَمْ تَقْتَرِنْ بِتَرْكٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى هَذَا انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قال بن الْعَرَبِيِّ قَوْلُهُ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ يَقْتَضِي أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَائِهَا كَالْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ خِلَافًا لِسَعِيدٍ وَالزُّهْرِيِّ فَإِنَّهُمَا يَقُولَانِ إِنَّ الْإِحْرَامَ يَكُونُ بِالنِّيَّةِ وَقَوْلُهُ التَّكْبِيرُ يَقْتَضِي اِخْتِصَاصَ إِحْرَامِ الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ صِفَاتِ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَجَلَالِهِ وَهُوَ تَخْصِيصٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ وذكر اسم ربه فصلى فَخَصَّ التَّكْبِيرَ بِالسُّنَّةِ مِنْ الذِّكْرِ الْمُطْلَقِ فِي الْقُرْآنِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ اِتَّصَلَ فِي ذَلِكَ فِعْلُهُ بِقَوْلِهِ فَكَانَ يُكَبِّرُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يجوز بكل لفظ فيه تعظيم الله تعالى لِعُمُومِ الْقُرْآنِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ ضَعِيفٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ بِقَوْلِكَ اللَّهُ الْأَكْبَرُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ بِقَوْلِكَ اللَّهُ الْكَبِيرُ أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ زِيَادَةٌ لَمْ تُخِلَّ بِاللَّفْظِ وَلَا بِالْمَعْنَى وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَتَعَلَّقَ بِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ التَّكْبِيرُ قُلْنَا لِأَبِي يُوسُفَ إِنْ كَانَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ فِي الْحَدِيثِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ اللَّفْظِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْفِعْلُ فَفَسَّرَ الْمُطْلَقَ فِي الْقَوْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْعِبَارَاتِ الَّتِي يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا التَّعْلِيلُ وَبِهَذَا يَرُدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فَإِنَّ الْعِبَادَاتِ إِنَّمَا تُفْعَلُ عَلَى الرَّسْمِ الْوَارِدِ دُونَ نَظَرٍ إِلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَعْنَى قَالَ قَالَ عُلَمَاؤُنَا قَوْلُهُ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ يَقْتَضِي اِخْتِصَاصَ التَّكْبِيرِ بِالصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ اللَّفْظِ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ الَّذِي هُوَ بَابٌ شَأْنُهُ التَّعْرِيفُ كَالْإِضَافَةِ وَحَقِيقَةُ الْأَلِفِ وَاللَّامِ

إِيجَابُ الْحُكْمِ لِمَا ذُكِرَ وَنَفْيُهُ عَمَّا لَمْ يُذْكَرْ وَسَلْبُهُ عَنْهُ وَعَبَّرَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ الْحَصْرُ قَالَ وَقَوْلُهُ تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ مِثْلُهُ فِي حَصْرِ الْخُرُوجِ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى التَّسْلِيمِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْأَفْعَالِ الْمُنَاقِضَةِ لِلصَّلَاةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ يَرَى الْخُرُوجَ مِنْهَا بِكُلِّ فِعْلٍ وَقَوْلٍ يُضَادُّ كَالْحَدَثِ وَنَحْوِهِ حَمْلًا عَلَى السَّلَامِ وَقِيَاسًا عَلَيْهِ وَهَذَا يَقْتَضِي إِبْطَالَ الْحَصْرِ انتهى كلام بن العربي ملخصا قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ الْمِثَالُ الْخَامِسَ عَشَرَ رَدُّ الْمُحْكَمِ الصَّرِيحِ مِنْ تَعْيِينِ التَّكْبِيرِ لِلدُّخُولِ في الصلاة بقوله إذا أقيمت الصلاة فكبر وَقَوْلُهُ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَقَوْلُهُ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاة أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر وهي نصوص فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ فَرُدَّتْ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ تعالى وذكر اسم ربه فصلى انْتَهَى وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ التَّحْلِيلُ جَعْلُ الشَّيْءِ الْمُحَرَّمِ حلال وَسُمِّيَ التَّسْلِيمُ بِهِ لِتَحْلِيلِ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَى الْمُصَلِّي لِخُرُوجِهِ عَنْ الصَّلَاةِ وَهُوَ وَاجِبٌ قال بن الْمَلَكِ إِضَافَةُ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ إِلَى الصَّلَاةِ لِمُلَابَسَةٍ بَيْنَهُمَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَيْ سَبَبِ كَوْنِ الصَّلَاةِ مُحَرَّمَةً مَا لَيْسَ مِنْهَا التَّكْبِيرُ وَمُحَلَّلَةً التَّسْلِيمُ أَيْ إِنَّهَا صَارَتْ بِهِمَا كَذَلِكَ فَهُمَا مَصْدَرَانِ مُضَافَانِ إِلَى الْفَاعِلِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الحافظ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ كَأَنَّ الْمُصَلِّيَ بِالتَّكْبِيرِ وَالدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ صَارَ مَمْنُوعًا مِنْ الْكَلَامِ وَالْأَفْعَالِ الْخَارِجَةِ عَنْ كَلَامِ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالِهَا فَقِيلَ لِلتَّكْبِيرِ تَحْرِيمٌ لِمَنْعِهِ الْمُصَلِّي مِنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ أَيْ الْإِحْرَامُ بِالصَّلَاةِ وَقَالَ قَوْلُهُ تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ أَيْ صَارَ الْمُصَلِّي بِالتَّسْلِيمِ يَحِلُّ لَهُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ بِالتَّكْبِيرِ مِنْ الْكَلَامِ وَالْأَفْعَالِ الْخَارِجَةِ عَنْ كَلَامِ الصَّلَاةِ وَأَفْعَالِهَا كَمَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ مَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ انْتَهَى قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي مُسْنَدِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ وَإِحْرَامُهَا التَّكْبِيرُ وَإِحْلَالُهَا التَّسْلِيمُ قَوْلُهُ (هَذَا الْحَدِيثُ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ) هَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وبن السكن من حديث عبد اللهبن محمد بن عقيلة عن بن الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْبَزَّارُ لَا يُعْلَمُ عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَالَ أبو نعيم تفرد به بن عقيل عن بن الْحَنَفِيَّةِ عَنْ عَلِيٍّ وَقَالَ الْعَقِيلِيُّ فِي إِسْنَادِهِ لِينٌ وَهُوَ أَصْلَحُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ هُوَ صَدُوقٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ

باب ما يقول إذا دخل الخلاء

أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَالَ أَبُو حاتم وغيره لين الحديث وقال بن خزيمة لا يحتج به وقال بن حِبَّانَ رَدِيءُ الْحِفْظِ يَجِيءُ بِالْحَدِيثِ عَلَى غَيْرِ سُنَنِهِ فَوَجَبَتْ مُجَانَبَةُ أَخْبَارِهِ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ لَيْسَ بِالْمَتِينِ عِنْدَهُمْ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ يُخْتَلَفُ عَنْهُ فِي الْأَسَانِيدِ وَقَالَ الْفَسَوِيُّ فِي حَدِيثِهِ ضَعْفٌ وَهُوَ صَدُوقٌ كَذَا فِي الْمِيزَانِ (وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ) يَعْنِي الْبُخَارِيَّ (يَقُولُ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَالْحُمَيْدِيُّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ) هَذَا مِنْ أَلْفَاظِ التَّعْدِيلِ وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ بَعْدَ ذِكْرِ أَقْوَالِ الْجَارِحِينَ وَالْمُعَدِّلِينَ حَدِيثُهُ فِي مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ انْتَهَى فَالرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ الْمَذْكُورَ حَسَنٌ يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى كُلُّهَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ قَرْمٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْقَتَّاتِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْهُ وَأَبُو يحيى القتات ضعيف وقال بن عدي أحاديثه عندي حسان وقال بن الْعَرَبِيِّ حَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ كَذَا قَالَ وَقَدْ عَكَسَ ذَلِكَ الْعَقِيلِيُّ وَهُوَ أَقْعَدُ مِنْهُ بِهَذَا الْفَنِّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو سُفْيَانَ طَرِيفٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ عَلِيٍّ أَجْوَدُ إِسْنَادًا مِنْ هَذَا كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قُلْتُ قَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ وَتَحْلِيلِهَا وَقَالَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ حَدِيثُ عَلِيِّ بن أبي طالب أَجْوَدُ إِسْنَادًا وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ انْتَهَى وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيد وبن عباس وغيرهما ذكر أحاديثهم الحافظ بن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ وَالْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الراية (بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ أَيْ مَوْضِعُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ سُمِّيَ بِهِ لِخَلَائِهِ فِي

غَيْرِ أَوْقَاتِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْكَنِيفُ وَالْحَشُّ وَالْمِرْفَقُ وَالْمِرْحَاضُ أَيْضًا وَأَصْلُهُ الْمَكَانُ الْخَالِي ثُمَّ كَثُرَ اِسْتِعْمَالُهُ حَتَّى تُجُوِّزَ بِهِ عَنْ ذَلِكَ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ [5] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَهَنَّادٌ قَالَا نَا وَكِيعٌ) تَقَدَّمَ تَرَاجِمُ هَؤُلَاءِ (عَنْ شُعْبَةَ) بن الْحَجَّاجِ بْنِ الْوَرْدِ الْعَتْكِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبُو بِسِطَامٍ الْوَاسِطِيُّ ثُمَّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مُتْقِنٌ كَانَ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَتَّشَ بِالْعِرَاقِ عَنْ الرِّجَالِ وَذَبَّ عَنْ السُّنَّةِ وَكَانَ عَابِدًا كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَانَ شُعْبَةُ أُمَّةً وَحْدَهُ فِي هَذَا الشَّأْنِ يَعْنِي فِي الرِّجَالِ وَبَصَرهُ بِالْحَدِيثِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْلَا شُعْبَةُ لَمَا عُرِفَ الْحَدِيثُ بِالْعِرَاقِ وُلِدَ شُعْبَةُ سَنَةَ 28 ثِنْتَيْنِ وَثَمَانِينَ وَمَاتَ سَنَةَ 061 سِتِّينَ وَمِائَةٍ كَذَا فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ (عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ) الْبُنَانِيِّ بُنَانَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ مَوْلَاهُمْ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَنَسٍ وَشَهْرٍ وَعَنْهُ شعبة والحمادان وثقه أحمد قال بن قَانِعٍ مَاتَ سَنَةَ 031 ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ أَنَسِ بن مالك) بن النَّضْرِ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ خَادِمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَدَمَهُ عَشْرَ سِنِينَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ مَاتَ سَنَةَ 29 039 اِثْنَتَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ قَوْلُهُ (إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ) أَيْ مَوْضِعَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَفِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلَاءَ وَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَبْيِينَ الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِهِ إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ أَيْ كَانَ يَقُولُ هَذَا الذِّكْرَ عِنْدَ إِرَادَةِ الدُّخُولِ لَا بعده قال الحافظ في الفتح الكلام ها هنا فِي مَقَامَيْنِ الْأَوَّلُ هَلْ يَخْتَصُّ هَذَا الذِّكْرُ بِالْأَمْكِنَةِ الْمُعَدَّةِ لِذَلِكَ لِكَوْنِهَا تَحْضُرُهَا الشَّيَاطِينُ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي السُّنَنِ أَوْ يَشْمَلُ حَتَّى لَوْ بَالَ فِي إِنَاءٍ مَثَلًا فِي جَانِبِ الْبَيْتِ الْأَصَحُّ الثَّانِي مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي قَضَاءِ الْحَاجَةِ الْمَقَامُ الثَّانِي مَتَى يَقُولُ ذَلِكَ فَمَنْ يَكْرَهُ ذِكْرَ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ يُفَصّلُ أَمَّا فِي الْأَمْكِنَةِ الْمُعَدَّةِ لِذَلِكَ فَيَقُولُ قُبَيْلَ دُخُولِهَا وَأَمَّا فِي غَيْرِهَا فَيَقُولُهُ فِي أَوَّلِ الشُّرُوعِ كَتَشْمِيرِ ثِيَابِهِ مَثَلًا وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالُوا فِي مَنْ نَسِيَ يَسْتَعِيذُ بِقَلْبِهِ لَا بِلِسَانِهِ وَمَنْ يُجِيزُ مُطْلَقًا لَا يَحْتَاجُ إِلَى

تَفْصِيلٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ المنصور هوما ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ (قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بك) أي ألوذ والتجيء قال بن الْأَثِيرِ عُذْتُ بِهِ عَوْذًا وَمَعَاذًا أَيْ لَجَأْتُ إليه والمعاذ المصدر والمكان الزمان (قَالَ شُعْبَةُ وَقَدْ قَالَ) أَيْ عَبْدُ الْعَزِيزِ (مَرَّةً أُخْرَى أَعُوذُ بِاللَّهِ) أَيْ مَكَانَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ يَعْنِي قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ مَرَّةً اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى أَعُوذُ بِاللَّهِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عُمْدَةِ القارىء وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ وَهْبٍ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ وَهُوَ يَشْمَلُ كُلَّ مَا يَأْتِي بِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ قَوْلِهِ أَعُوذُ بِكَ أَسْتَعِيذُ بِكَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَسْتَعِيذُ بِاللَّهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَشْبَاهِ ذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ وَالْأَوْلَى أَنْ يَخْتَارَ مِنْ أَنْوَاعِ الِاسْتِعَاذَةِ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ ثَبَتَ زِيَادَةُ بِسْمِ اللَّهِ مَعَ التَّعَوُّذِ فَرَوَى الْعُمَرِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ بِلَفْظِ إِذَا دَخَلْتُمْ الْخَلَاءَ فَقُولُوا بِسْمِ اللَّهِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبِيثِ أَوْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبِيثِ أَوْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ هَكَذَا عَلَى الشَّكِّ الْأَوَّلُ بِالْإِسْكَانِ مَعَ الْإِفْرَادِ وَالثَّانِي بِالتَّحْرِيكِ مَعَ الْجَمْعِ أَيْ مِنْ الشَّيْءِ الْمَكْرُوهِ وَمِنْ الشَّيْءِ الْمَذْمُومِ أَوْ مِنْ ذُكْرَانِ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثِهِمْ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَعَامَّةِ الرِّوَايَاتِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ قَالَ الْحَافِظُ تَحْتَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْخُبُثُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ كَذَا فِي الرِّوَايَةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ إِسْكَانُ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ مِمَّا جَاءَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَكُتْبٍ وَكُتُبٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ الْبَاءَ هُنَا سَاكِنَةٌ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ تَرْكَ التَّخْفِيفِ أَوْلَى لِئَلَّا يُشَبَّهُ بِالْمَصْدَرِ وَالْخُبُثِ جَمْعُ خَبِيثٍ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ يريد ذكر أن الشياطين وإناثهم قاله الخطابي وبن حبان وغيرهما ووقع في نسخة بن عَسَاكِرَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَيْ الْبُخَارِيُّ وَيُقَالُ الْخُبْثُ أَيْ بِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ فَإِنْ كَانَتْ مُخَفَّفَةً عَنْ الْمُحَرَّكَةِ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ وَإِنْ كانت بمعنى المفرد فمعناه كما قال بن الْأَعْرَابِيِّ الْمَكْرُوهُ قَالَ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْكَلَامِ فَهُوَ الشَّتْمُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمِلَلِ فَهُوَ الْكُفْرُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الطَّعَامِ فَهُوَ الْحَرَامُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الشَّرَابِ فَهُوَ الضَّارُّ وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْخَبَائِثِ الْمَعَاصِي أَوْ مُطْلَقُ الْأَفْعَالِ الْمَذْمُومَةِ لِيَحْصُلَ التَّنَاسُبُ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الترمذي وغيره إلى آخر ما نقلت عباراته آنِفًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وجابر وبن مسعود) أما حديث علي فأخرجه الترمذي

وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُعْجَمِهِ قَالَ الْعَيْنِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْغَائِطَ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي إِسْنَادِهِ اِضْطِرَابٌ) يَعْنِي رَوَى بَعْضُ رُوَاتِهِ عَلَى وَجْهٍ وَبَعْضُهُمْ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ مُخَالِفٍ لَهُ (رَوَى هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ إِلَخْ) هَذَا بَيَانُ الِاضْطِرَابِ وَالدَّسْتُوَائِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى دَسْتُوَاءَ بِفَتْحِ الدَّالِ كُورَةٍ مِنْ الْأَهْوَازِ أَوْ قَرْيَةٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي وَتَوْضِيحُ الِاضْطِرَابِ عَلَى مَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ لِلْعَلَّامَةِ أَبِي الطَّيِّبِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَنَّ هِشَامًا وَسَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ وَشُعْبَةَ وَمَعْمَرًا كُلَّهُمْ يَرْوُونَ عَنْ قَتَادَةَ عَلَى اِخْتِلَافٍ بَيْنَهُمْ فَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَبَيْنَ قَتَادَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَاسِطَةُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ وَلَيْسَتْ هِيَ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ وَرَوَى شُعْبَةُ وَمَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ ثُمَّ اِخْتَلَفَ فَرَوَى شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَرَوَى مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ فَالِاضْطِرَابُ فِي مَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلُ فِي شَيْخِ قَتَادَةَ فَفِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ أَنَّ قَتَادَةَ يَرْوِيهِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ أَنَّهُ يَرْوِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ أَنَّهُ يَرْوِيهِ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالثَّانِي فِي شَيْخِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ فَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّضْرَ يَرْوِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ أَنَّهُ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِيهِ انْتَهَى مَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ (قَالَ أَبُو عِيسَى سَأَلْتُ مُحَمَّدًا) يَعْنِي

الْبُخَارِيَّ (عَنْ هَذَا) أَيْ عَنْ هَذَا الِاضْطِرَابِ (فَقَالَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَتَادَةُ رَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا) قَالَ الْعَلَّامَةُ أَبُو الطَّيِّبِ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ أَيْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَتَادَةُ سَمِعَ مِنْ الْقَاسِمِ وَالنَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَأَخْطَأَ مَنْ أَرْجَعَ الضَّمِيرَ مِنْ مُحَشِّي التِّرْمِذِيِّ إِلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالنَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ إِرْجَاعُ ضَمِيرِ عَنْهُمَا إِلَى الْقَاسِمِ وَالنَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ هُوَ الْحَقُّ وَأَمَّا إِرْجَاعُهُ إِلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالنَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ فخطأ قال العلامة العيني في عمدة القارىء شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي إِسْنَادِهِ اِضْطِرَابٌ وَأَشَارَ إِلَى اِخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِيهِ وَسَأَلَ التِّرْمِذِيُّ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ لَعَلَّ قَتَادَةَ سَمِعَهُ مِنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ وَالنَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ وَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ هَكَذَا حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلخ قَالَ السُّيُوطِيُّ قَوْلُهُ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ إِلَخْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ هكذا رواه معمر عن قتادة وبن عُلَيَّةَ وَأَبُو الْجُمَاهِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَجَمَاعَةٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ أَبُو عِيسَى قُلْتُ لِمُحَمَّدٍ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ أَيُّ الرِّوَايَاتِ عِنْدَكُمْ أَصَحُّ فَقَالَ لَعَلَّ قَتَادَةَ سَمِعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَلَمْ يَقْضِ فِي هَذَا بِشَيْءٍ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقِيلَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ وَهُوَ وَهْمٌ انْتَهَى فَثَبَتَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ إِرْجَاعَ ضَمِيرٍ عَنْهُمَا إِلَى الْقَاسِمِ وَالنَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورُ فِي كَلَامِ الْعَيْنِيِّ لَعَلَّ قَتَادَةَ سَمِعَهُ مِنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ الشَّيْبَانِيِّ وَالنَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ الْمَذْكُورِ فِي كَلَامِ الْبَيْهَقِيِّ بِلَفْظِ لَعَلَّ قَتَادَةَ سَمِعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ لَفْظَ عَنْ أَنَسٍ الْمَذْكُورَ فِي كَلَامِ الْعَيْنِيِّ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ فَتَأَمَّلْ فَإِنْ قُلْتَ لَا يَنْدَفِعُ الِاضْطِرَابُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِقَوْلِ الْبُخَارِيِّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَتَادَةُ رَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا قُلْتُ نَعَمْ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ قَتَادَةَ رَوَى عَنْهُمَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَرَوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مِنْ

غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَأَمَّا رِوَايَةُ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ فَوَهْمٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [6] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الضَّبِّيُّ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي عَوَانَةَ وَعَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مَاتَ سَنَةَ 542 خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ وقال بن خراش تكلم الناس فيه فلم يصدق بن خِرَاشٍ فِي قَوْلِهِ هَذَا فَالرَّجُلُ حُجَّةٌ انْتَهَى (نا حماد بن زيد) بن دِرْهَمٍ الْأَزْدِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْأَزْرَقُ الْبَصْرِيُّ الْحَافِظُ مَوْلَى جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَأَحَدُ الْأَعْلَامِ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ وَثَابِتٍ وَعَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ وبن واسع وأيوب وخلق كثير وعنه الثوري وبن مهدي وبن المديني وخلائق قال بن مَهْدِيٍّ مَا رَأَيْتُ أَحْفَظَ مِنْهُ وَلَا أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ وَلَا أَفْقَهَ بِالْبَصْرَةِ مِنْهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 791 سَبْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ عَنْ إِحْدَى وَثَمَانِينَ سَنَةً كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ قَوْلُهُ (قَالَ اللَّهُمَّ) مَعْنَاهُ يَا الله (إني أعوذ بك) قال بن الْعَرَبِيِّ يَعْنِي أَلْجَأُ وَأَلُوذُ وَالْعَوْذُ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَالْعِيَاذُ وَالْمَعَاذُ وَالْمَلْجَأُ مَا سَكَنْتَ إِلَيْهِ تَقِيَّةً عَنْ مَحْذُورٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومًا مِنْ الشَّيْطَانِ حَتَّى مِنْ الْمُوَكَّلِ بِهِ بِشَرْطِ اِسْتِعَاذَتِهِ مِنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ كَانَ اللَّعِينُ يَعْرِضُ لَهُ عَرَضَ لَهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَدَفَعَهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ وَعَرَضَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ فَشَدَّ وَثَاقَهُ ثُمَّ أَطْلَقَهُ وَكَانَ يَخُصُّ الِاسْتِعَاذَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا إِنَّهُ خَلَاءٌ وَلِلشَّيْطَانِ بِعَادَةِ اللَّهِ قُدْرَةُ تَسَلُّطٍ فِي الخلاء ليس لَهُ فِي الْمَلَاءِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ الثَّانِي إِنَّهُ مَوْضِعٌ قَذِرٌ يُنَزَّهُ ذِكْرُ اللَّهِ عن الجريان فيه على اللسان فيغتنم الشَّيْطَانُ عِنْدَ ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ ذِكْرَهُ يَطْرُدُهُ فَلَجَأَ إِلَى الِاسْتِعَاذَةِ قَبْلَ ذَلِكَ لِيَعْقِدَهَا عِصْمَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يَخْرُجَ وَلِيُعَلِّمَ أُمَّتَهُ انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَانَ صلى الله عليه وسلم يستعيذ إظهار لِلْعُبُودِيَّةِ وَيَجْهَرُ بِهَا لِلتَّعْلِيمِ انْتَهَى (مِنْ الْخُبُثِ) بضم الخاء المعجمة والموحدة جميع خَبِيثٍ أَيْ ذُكْرَانُ الشَّيَاطِينِ (وَالْخَبَائِثِ) جَمْعُ خَبِيثَةٍ أَيْ إِنَاثُ الشَّيَاطِينِ

قوله (وهذا حديث حسن صحيح) وأخرجه الشخان قَوْلُهُ بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ [7] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَطْبُوعَةِ فِي الْهِنْدِ وَإِنِّي لَمْ أَجِدْ فِي كُتُبِ الرِّجَالِ رَجُلًا اِسْمَهُ مُحَمَّدَ بْنَ حُمَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ مِنْ شُيُوخِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي النُّسْخَةِ الْمِصْرِيَّةِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ إِلَخْ وَإِنِّي لَمْ أَجِدْ فِي كُتُبِ الرِّجَالِ رَجُلًا اِسْمُهُ حُمَيْدٌ وَهُوَ مِنْ تَلَامِذَةِ مَالِكِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَمِنْ شُيُوخِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ فَتَفَكَّرْ وَتَأَمَّلْ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَعَلَّ لفظ حميد ها هنا زَائِدٌ فِي كِلْتَا النُّسْخَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ هَكَذَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا قَالَ فِي الدر الغالي شرح إرشاد المتجلي بعد ما ذَكَرَ رِوَايَةَ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ قَالَ غُفْرَانَكَ قَالَ عَقِبَ ذَلِكَ وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَعَنْهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ وَأَوْرَدَ رِوَايَةَ عَائِشَةِ هَذِهِ بِهَذَا الْمَتْنِ وَالسَّنَدِ وَقَالَ فِي اِبْتِدَاءِ السَّنَدِ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا وَمِنْ النُّسْخَةِ الْمِصْرِيَّةِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ أَعْنِي الْبُخَارِيَّ دُونَ مُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ (نَا مَالِكُ بن إسماعيل) بن دِرْهَمٍ النَّهْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو غَسَّانَ الْكُوفِيُّ الْحَافِظُ رَوَى عَنْ إِسْرَائِيلَ وَأَسْبَاطِ بْنِ النَّصْرِ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالْبَاقُونَ بِوَاسِطَةٍ قال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِالْكُوفَةِ أَتْقَنَ مِنْهُ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ ثِقَةٌ صَحِيحُ الْحَدِيثِ مِنْ الْعَابِدِينَ مَاتَ سَنَةَ 912 تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ صَحِيحُ الْكِتَابِ عَابِدٌ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ انْتَهَى (عَنْ إسرائيل) بن يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ الْهَمْدَانِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ تُكُلِّمَ فِيهِ بِلَا حُجَّةٍ قَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ مِنْ أَتْقَنِ أَصْحَابِ أَبِي إِسْحَاقَ وُلِدَ سَنَةَ 001 مِائَةٍ وَمَاتَ سَنَةَ 261 اِثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ

(عن يوسف بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الْكُوفِيِّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وعنه إسرائيل وسعيد بن مسروق وثقة بن حيان كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ مَقْبُولٌ (عَنْ أبيه) أي أبي بردة بن أبي موس الْأَشْعَرِيِّ قِيلَ اِسْمُهُ عَامِرٌ وَقِيلَ الْحَارِثُ ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَبُو بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ الْفَقِيهُ قَاضِي الْكُوفَةِ اِسْمُهُ الْحَارِثُ أَوْ عَامِرٌ عَنْ عَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَحُذَيْفَةَ وَطَائِفَةٍ وَعَنْهُ بَنُوهُ عَبْدُ اللَّهِ وَيُوسُفُ وَسَعِيدٌ وَبِلَالٌ وَخَلْقٌ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ 301 ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ قَوْلُهُ (إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ غُفْرَانَكَ) إِمَّا مَفْعُولٌ بِهِ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ أَيْ أَسْأَلُكَ غُفْرَانَكَ أَوْ أَطْلُبُ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ اغْفِرُ غُفْرَانَكَ وَقَدْ ذُكِرَ فِي تَعْقِيبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُرُوجَ بِهَذَا الدُّعَاءِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اِسْتَغْفَرَ مِنْ الْحَالَةِ الَّتِي اِقْتَضَتْ هِجْرَانَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فِي سَائِرِ حَالَاتِهَ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْقُوَّةَ الْبَشَرِيَّةَ قَاصِرَةٌ عَنْ الْوَفَاءِ بِشُكْرِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ تَسْوِيغِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَتَرْتِيبِ الْغِذَاءِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُنَاسِبِ لِمَصْلَحَةِ الْبَدَنِ إِلَى أَوَانِ الْخُرُوجِ فَلَجَأَ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ اِعْتِرَافًا بِالْقُصُورِ عَنْ بُلُوغِ حَقِّ تِلْكَ النِّعَمِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ الْوَجْهُ الثَّانِي هُوَ الْمُنَاسِبُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي رَوَاهُ بن ماجه قال القاضي أبو بكر بن الْعَرَبِيِّ سَأَلَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ تَرْكِهِ ذِكْرَ اللَّهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ إِنَّمَا تَرَكَهُ بِأَمْرِ رَبِّهِ فَكَيْفَ يَسْأَلُ الْمَغْفِرَةَ عن فعل كان يأمر اللَّهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ التَّرْكَ وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ اللَّهِ إِلَّا أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ وَهُوَ الِاحْتِيَاجُ إِلَى الْخَلَاءِ انْتَهَى فَإِنْ قِيلَ قَدْ غُفِرَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ فَمَا مَعْنَى سُؤَالِهِ الْمَغْفِرَةَ يُقَالُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ مِنْ رَبِّهِ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ أَنَّهُ قَدْ غَفَرَ لَهُ وَكَانَ يَسْأَلُهَا بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ غُفِرَ لَهُ بِشَرْطِ اِسْتِغْفَارِهِ وَرُفِعَ إِلَى شَرَفِ الْمَنْزِلَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْكُلُّ لَهُ حَاصِلٌ بفضل الله تعالى قاله بن الْعَرَبِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ) قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ هَذَا الْحَدِيثُ

أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأَبُو حَاتِمٍ قَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وصححه بن خزيمة وبن حبان انتهى (وَلَا يُعْرَفُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَجَاءَ فِي الَّذِي يُقَالُ عَقِبَ الْخُرُوجِ مِنْ الْخَلَاءِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ ثَابِتٌ إِلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ قَالَ وَهَذَا مُرَادُ التِّرْمِذِيِّ بِقَوْلِهِ وَلَا يُعْرَفُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ أَخْرَجَهُ بن حبان وبن خزيمة وبن الْجَارُودِ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِمْ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنْ قُلْتَ لَمَّا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّرْطُوسِيُّ قَالَا هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ وَلَا يُعْرَفُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ قُلْتُ قَوْلُهُ غَرِيبٌ مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَصْحِيحِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْغَرَابَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الرَّاوِي لَا إِلَى الْحَدِيثِ إِذْ الْغَرَابَةُ وَالْحُسْنُ فِي الْمَتْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ فَإِنْ قُلْتَ غَرَابَةُ السَّنَدِ بِتَفَرُّدِ إِسْرَائِيلَ وَغَرَابَةُ الْمَتْنِ لِكَوْنِهِ لَا يُعْرَفُ غَيْرُهُ قُلْتُ إِسْرَائِيلُ مُتَّفَقٌ عَلَى إِخْرَاجِ حَدِيثِهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَالثِّقَةُ إِذَا اِنْفَرَدَ بِحَدِيثٍ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ لَا يَنْقُصُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ وَإِنْ لَمْ يَرْتَقِ إِلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ وَقَوْلُهُمَا لَا يُعْرَفُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ أَحَادِيثَ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ بن مَاجَهْ قَالَ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا خرج من الخلاء قال الحمدلله الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ مِثْلُهُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَمِنْهَا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَخْرَجَ عَنِّي مَا يُؤْذِينِي وَأَمْسَكَ عَلَيَّ مَا يَنْفَعُنِي وَمِنْهَا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ خَيْثَمَةَ نَحْوُهُ وذكره بن الجوزي في العلل ومنها حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ وَأَبْقَى عَلَيَّ قُوَّتَهُ وَأَذْهَبَ عَنِّي أَذَاهُ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ الْمُرَادُ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ غَرِيبٌ مِنْ جِهَةِ السَّنَدِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ غَرِيبًا مِنْ جِهَةِ السَّنَدِ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا أَوْ صَحِيحًا كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ فَقَوْلُ الْعَلَّامَةِ الْعَيْنِيِّ قَوْلُهُ غَرِيبٌ مَرْدُودٌ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَصْحِيحِهِ مَرْدُودُ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ لَا يُعْرَفُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَقَدْ عَرَفْتُ مَا هُوَ المراد منه

باب في النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول

(بَاب فِي النَّهْيِ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ) [8] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ) بن حسان المكي القرشي روى عن بن عُيَيْنَةَ وَالْحُسَيْنِ بْنِ زَيْدٍ الْعَلَوِيِّ وَعَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ مَاتَ سَنَةَ 942 تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (أنا سفيان بن عيينة) بن أَبِي عِمْرَانَ مَيْمُونٌ الْهِلَالِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ ثُمَّ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ حُجَّةٌ إلا أنه تغير حفظه بآخر وَكَانَ رُبَّمَا دَلَّسَ لَكِنْ عَنْ الثِّقَاتِ مِنْ رؤوس الطَّبَقَةِ الثَّامِنَةِ وَكَانَ أَثْبَتَ النَّاسِ فِي عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ (عَنْ الزُّهْرِيِّ) يَأْتِي اِسْمُهُ وَتَرْجَمَتُهُ فِي هَذَا الْبَابِ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ الليثي) المدني نزيل الشام ثقة من الثالثة (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ) يَأْتِي اِسْمُهُ وَتَرْجَمَتُهُ قَوْلُهُ (إِذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ) أَيْ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْغَائِطُ فِي الْأَصْلِ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ صَارَ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَكَانٍ أعد لقضاء الحاجة وعلى النجو نَفْسِهِ أَيْ الْخَارِجِ مِنْ الدُّبُرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُهُ الْمُطْمَئِنُّ مِنْ الْأَرْضِ كَانُوا يَأْتُونَهُ لِلْحَاجَةِ فَكَنَّوْا بِهِ عَنْ نَفْسِ الْحَدَثِ كَرَاهَةً لِذِكْرِهِ بِخَاصِّ اِسْمِهِ وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ التَّعَفُّفُ فِي أَلْفَاظِهَا وَاسْتِعْمَالُ الْكِنَايَةِ فِي كَلَامِهَا وَصَوْنُ الْأَلْسِنَةِ عَمَّا تُصَانُ الْأَبْصَارُ وَالْأَسْمَاعُ عَنْهُ (فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ) أَيْ جِهَةَ الْكَعْبَةِ (بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ) الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وَهُوَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ لَا تَسْتَقْبِلُوا أَيْ لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ حَالَ كَوْنِكُمْ مُقْتَرِنِينَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ قَالَ السُّيُوطِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ الْغَائِطِ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ كَانُوا يَأْتُونَهُ لِلْحَاجَةِ فَكَنَّوْا بِهِ عَنْ نَفْسِ الْحَدَثِ كَرَاهَةً لِاسْمِهِ قَالَ وَقَدْ اِجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ فِي الْحَدِيثِ فَالْمُرَادُ بِالْغَائِطِ فِي أَوَّلِهِ الْمَكَانُ وفي آخره الخارج قال بن الْعَرَبِيِّ غَلَبَ هَذَا الِاسْمُ عَلَى الْحَاجَةِ حَتَّى صَارَ فِيهَا أَعْرَفَ مِنْهُ فِي مَكَانِهَا وَهُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْمَجَازِ انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ (ولَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا) أَيْ تَوَجَّهُوا إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ هَذَا خِطَابٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ قِبْلَتُهُ عَلَى ذَلِكَ السَّمْتِ مِمَّنْ هُوَ فِي جِهَةِ الشِّمَالِ وَالْجَنُوبِ فَأَمَّا مَنْ قِبْلَتُهُ الْغَرْبُ أَوْ الشَّرْقُ فَإِنَّهُ يَنْحَرِفُ إِلَى الْجَنُوبِ أَوْ الشِّمَالِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَشَرْحِ السُّنَّةِ (فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ مِرْحَاضٍ

بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الْبَيْتُ الْمُتَّخَذُ لِقَضَاءِ حَاجَةِ الإنسان أي التغوط قاله النووي وقال بن الْعَرَبِيِّ الْمَرَاحِيضُ وَاحِدُهَا مِرْحَاضٌ مِفْعَالٌ مِنْ رَحَضَ إِذَا غَسَلَ يُقَالُ ثَوْبٌ رَحِيضٌ أَيْ غَسِيلٌ وَالرُّحَضَاءُ عَرَقُ الْحُمَّى وَالرَّحْضَةُ إِنَاءٌ يُتَوَضَّأُ بِهِ انْتَهَى (فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ قاله القسطلاني (ونستغفر الله) قال بن الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ وُجُوهٍ الْأَوَّلَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ مِنْ الِاسْتِقْبَالِ الثَّانِيَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ مِنْ ذُنُوبِهِ فَالذَّنْبُ يُذْكَرُ بِالذَّنْبِ الثَّالِثَ أَنْ نَسْتَغْفِرَ اللَّهَ لِمَنْ بَنَاهَا فَإِنَّ الِاسْتِغْفَارَ لِلْمُذْنِبِينَ سنة وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَوْلُهُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ قِيلَ يُرَادُ بِهِ لِبَانِي الْكَنِيفِ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ الْمَمْنُوعَةِ عِنْدَهُ وَإِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّهُ إِذَا اِنْحَرَفَ عَنْهَا لَمْ يَفْعَلْ مَمْنُوعًا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ اِسْتِغْفَارٌ لِنَفْسِهِ وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اِسْتَقْبَلَ وَاسْتَدْبَرَ بِسَبَبِ مُوَافَقَتِهِ لِمُقْتَضَى النَّهْيِ غَلَطًا أَوْ سَهْوًا فَيَتَذَكَّرُ فَيَنْحَرِفُ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فَإِنْ قُلْتَ فَالْغَالِطُ وَالسَّاهِي لَمْ يَفْعَلَا إِثْمًا فَلَا حَاجَةَ بِهِ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ قُلْتُ أَهْلُ الْوَرَعِ وَالْمَنَاصِبِ الْعَلِيَّةِ فِي التَّقْوَى قَدْ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذَا بِنَاءً عَلَى نِسْبَتِهِمْ التَّقْصِيرَ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فِي عَدَمِ التَّحَفُّظِ اِبْتِدَاءً انتهى كلام بن دَقِيقِ الْعِيدِ قَالَ صَاحِبُ بَذْلِ الْمَجْهُودِ يَعْنِي كُنَّا نَجْلِسُ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ نِسْيَانًا عَلَى وَفْقِ بِنَاءِ الْمَرَاحِيضِ ثُمَّ نَنْتَبِهُ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ الْمَكْرُوهَةِ فَنَنْحَرِفُ عَنْهَا وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى عَنْهَا وَتَأْوِيلُ الِاسْتِغْفَارِ لِبَانِي الْكُنُفِ بَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ قَالَ وَكَانَ بِنَاؤُهَا مِنْ الْكُفَّارِ وَبَعِيدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ أَنْ يَكُونَ بِنَاؤُهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ انْتَهَى قُلْتُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِنَاؤُهَا مِنْ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ كَانَ مَذْهَبُهُمْ جَوَازَ اِسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا فِي الْكُنُفِ وَالْمَرَاحِيضِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ فَلَيْسَ فِيهِ بُعْدٌ غَايَةَ الْبُعْدِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ثُمَّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ كُنَّا نَجْلِسُ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ نِسْيَانًا إِلَخْ فِيهِ أَنَّ النِّسْيَانَ يَكُونُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَلَفْظُ كُنَّا نَنْحَرِفُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ وَالتَّكْرَارِ فَتَفَكَّرْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جُزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ) صحابي شهد فتح مصر واختطبها دَارًا مَاتَ سَنَةَ 68 سِتٍّ وَثَمَانِينَ بِمِصْرَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ (وَمَعْقِلِ بْنِ أَبِي الْهَيْثَمِ وَيُقَالُ مَعْقِلُ بْنُ أَبِي معقل) ويقال أيضا معقل بن أُمِّ مَعْقِلٍ وَكُلُّهُ وَاحِدٌ يُعَدُّ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَوَى عَنْهُ أَبُو سَلَمَةَ وَأَبُو زَيْدٍ مَوْلَاهُ وَأُمُّ مَعْقِلٍ تُوُفِّيَ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قاله بن الْأَثِيرِ وَقَالَ الْحَافِظُ لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ (وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ) أَمَّا

حديث عبد الله بن الحارث فأخرجه بن ماجه وبن حِبَّانَ قَالَهُ الْحَافِظُ وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْقِلٍ فَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَةٍ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا وأخرجه أيضا بن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وأَبُو أَيُّوبَ اِسْمُهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبٍ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو أَيُّوبَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ شَهِدَ بَدْرًا وَنَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَيْهِ مَاتَ غَازِيًا بِالرُّومِ سَنَةَ 05 خَمْسِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا انْتَهَى (وَالزُّهْرِيُّ اِسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَكُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ الْقُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ مُتَّفَقٌ عَلَى جَلَالَتِهِ وَإِتْقَانِهِ وَهُوَ من رؤوس الطَّبَقَةِ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ وَعَالِمُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ قَالَ اللَّيْثُ مَا رَأَيْتُ عَالِمًا قَطُّ أجمع من بن شهاب وقال مالك كان بن شِهَابٍ مِنْ أَسْخَى النَّاسِ وَتَقِيًّا مَا لَهُ فِي النَّاسِ نَظِيرٌ مَاتَ سَنَةَ 421 أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْمَكِّيُّ) هُوَ مُوسَى بْنُ أَبِي الْجَارُودِ الْمَكِّيُّ أَبُو الوليد صاحب الشافعي عن بن عيينة والبويطي وجماعة وعنه الترمذي وثقة بن حِبَّانَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ) هُوَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمَشْهُورِينَ اِسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ وَتَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ (إِنَّمَا هَذَا فِي الْفَيَافِي) عَلَى وَزْنِ الصَّحَارِي وَمَعْنَاهُ وَاحِدُهَا الْفَيْفَاءُ بِمَعْنَى الصَّحْرَاءِ (فَأَمَّا فِي الْكُنُفِ الْمَبْنِيَّةِ) جَمْعُ كَنِيفٍ أَيْ الْبُيُوتِ الْمُتَّخَذَةِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ (لَهُ رُخْصَةٌ فِي أَنْ يَسْتَقْبِلَهَا) جَزَاءُ أَمَّا أَيْ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِيهَا (وَهَكَذَا قَالَ إِسْحَاقُ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ ثِقَةٌ حَافِظٌ مُجْتَهِدٌ

قَرِينُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ أَنَّ اِسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارَهَا بِالْغَائِطِ وَالْبَوْلِ حَرَامٌ فِي الصَّحْرَاءِ وَجَائِزٌ فِي الْبُنْيَانِ فَفَرَّقَا بَيْنَ الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَبِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ مُطْلَقًا قَالَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ وَهُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ لِإِعْمَالِهِ جَمِيعَ الْأَدِلَّةِ انْتَهَى (وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ) هُوَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ الْمَشْهُورِينَ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ (إِنَّمَا الرُّخْصَةُ إِلَخْ) حَاصِلُ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا فِي الْبُنْيَانِ وَيَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ فِيهِمَا وَعَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي هَذَا رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا هَذِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ الْمَذْكُورِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ كَمَا سَتَعْرِفُ اِعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلَيْنِ قَوْلَ الشافعي وقول أحمد بن حنبل وههنا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ فَلَنَا أَنْ نَذْكُرَهَا مَعَ بَيَانِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّهْيِ عَنْ اِسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ عَلَى مَذَاهِبَ الْأَوَّلُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ اِسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الصَّحْرَاءِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ بِالْبُنْيَانِ وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لَا فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا فِي الْبُنْيَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَالْمَذْهَبُ الثَّالِثُ جَوَازُ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ جَمِيعًا وَهُوَ مَذْهَبُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَرَبِيعَةَ شَيْخِ مَالِكٍ وَدَاوُدَ الظَّاهِرِيِّ وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا فِي الْبُنْيَانِ وَيَجُوزُ الِاسْتِدْبَارُ فِيهِمَا وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مُطْلَقًا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ مُطْلَقًا كَحَدِيثِ سَلْمَانَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وغيرهم واحتج من أباح مطلقا بحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ يَعْنِي فِي صَحِيحِ مسلم أنه

رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلًا بيت القدس مُسْتَدْبِرًا الْقِبْلَةَ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ اِسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَقَدْ فَعَلُوهَا حَوِّلُوا مَقْعَدِي إِلَى القبلة رواه أحمد وبن مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ الِاسْتِدْبَارَ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ بِحَدِيثِ سَلْمَانَ يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ الْحَدِيثَ وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ الِاسْتِقْبَالَ وَالِاسْتِدْبَارَ فِي الصحراء وأباحهما في البنيان بحديث بن عُمَرَ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورَيْنِ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَبِحَدِيثِ مَرْوَانَ الْأَصْغَرِ قَالَ رأيت بن عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إِلَيْهَا فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ بَلَى إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُكَ فَلَا بَأْسَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ بِالْجَوَازِ بَيْنَ الْبُنْيَانِ وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ وَسَلْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ وَرَدَتْ بِالنَّهْيِ فَتُحْمَلُ عَلَى الصَّحْرَاءِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ لَا يُصَارُ إِلَى تَرْكِ بَعْضِهَا بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَالْعَمَلُ بِجَمِيعِهَا وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ بِتَلْخِيصٍ قُلْتُ رَجَّحَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَرَجَّحَهُ أَيْضًا الحافظ بن حَجَرٍ حَيْثُ قَالَ هُوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ لِإِعْمَالِهِ جَمِيعَ الْأَدِلَّةِ وَعِنْدِي أَوْلَى الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا دَلِيلًا هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ مُطْلَقًا لَا فِي الْبُنْيَانِ وَلَا فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنَّ الْقَانُونَ الَّذِي وَضَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ لِأُمَّتِهِ هُوَ قَوْلُهُ لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لِلْبُنْيَانِ وَالصَّحْرَاءِ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ لَا مُطْلَقًا وَلَا مِنْ وَجْهٍ فَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلَغَهُ أَنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ اِسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ إِلَخْ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ مُنْكَرٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ خَالِدُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عن عائشة حولوا مقعدتي نحو القبلة أو قد فَعَلُوهَا لَا يَكَادُ يُعْرَفُ تَفَرَّدَ عَنْهُ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ فَتَارَةً رَوَاهُ الْحَذَّاءُ عَنْ عِرَاكٍ وَتَارَةً يَقُولُ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عِرَاكٍ وَقَدْ رَوَى عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ سُفْيَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ وغيرهما وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا يَعْرِضُ إِلَى لِينِهِ لَكِنَّ

الْخَبَرَ مُنْكَرٌ انْتَهَى وَقَالَ الْبُخَارِيُّ خَالِدُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ عَنْ عِرَاكٍ مُرْسَلٌ كَذَا فِي التهذيب وقال بن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى إِنَّهُ سَاقِطٌ لِأَنَّ رَاوِيَةَ خالد الحذاء وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا نَدْرِي مَنْ هُوَ وَأَخْطَأَ فِيهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَرَوَاهُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ وَهَذَا أَبْطَلُ وَأَبْطَلُ لِأَنَّ خَالِدًا الْحَذَّاءَ لَمْ يُدْرِكْ كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ انْتَهَى وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى تَغْيِيرِ ذَلِكَ الْقَانُونِ وَنَسْخِهِ لِأَنَّ نَصَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَيِّنُ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ لِأَنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُمْ عَنْ اِسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ثُمَّ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ طَاعَتَهُ في ذلك وهذا مالا يَظُنُّهُ مُسْلِمٌ وَلَا ذُو عَقْلٍ وَفِي هَذَا الْخَبَرِ إِنْكَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِلَا شَكٍّ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا فَهُوَ أَيْضًا لَيْسَ بِدَلِيلٍ على نسخ ذلك القانون قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهَا حِكَايَةُ فِعْلٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي بُنْيَانٍ وَنَحْوِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ إِنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِنَا كَمَا تَقَرَّرَ في الأصول انتهى وأما حديث بن عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ مُسْتَدْبِرًا الْقِبْلَةَ فَهُوَ أَيْضًا لَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ الْقَانُونِ لِمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ آنِفًا وَأَمَّا حَدِيثُ مَرْوَانَ الْأَصْغَرِ فَهُوَ أَيْضًا لَا يَدُلُّ على نسخ ذلك القانون لأن قول بن عُمَرَ فِيهِ إِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ اِسْتِنَادًا إِلَى الْفِعْلِ الَّذِي شَاهَدَهُ وَرَوَاهُ فَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ مُسْتَدْبِرًا الْقِبْلَةَ فَهِمَ اِخْتِصَاصَ النَّهْيِ بِالْبُنْيَانِ فَلَا يَكُونُ هَذَا الْفَهْمُ حُجَّةً فَإِذَا جَاءَ الِاحْتِمَالُ بَطَلَ الِاسْتِدْلَالُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَوْلَى الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ مُطْلَقًا قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الْإِنْصَافُ الْحُكْمُ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا وَالْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ حَتَّى يَنْتَهِضَ دَلِيلٌ يَصْلُحُ لِلنَّسْخِ أَوْ التَّخْصِيصِ أَوْ الْمُعَارَضَةِ وَلَمْ نَقِفْ عَلَى شيء من ذلك انتهى وقال بن الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَالْمُخْتَارُ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ وَلَا الِاسْتِدْبَارُ فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا فِي الْبُنْيَانِ لِأَنَّا إِنْ نَظَرْنَا إِلَى الْمَعَانِي فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحُرْمَةَ لِلْقِبْلَةِ وَلَا يَخْتَلِفُ فِي الْبَادِيَةِ وَلَا فِي الصَّحْرَاءِ وَإِنْ نَظَرْنَا إِلَى الْآثَارِ فَإِنَّ حَدِيثَ أَبِي أَيُّوبَ عَامٌّ فِي كُلِّ

باب ما جاء من الرخصة في ذلك أي في استقبال القبلة

موضع معلل بحرمة القبلة وحديث بن عُمَرَ لَا يُعَارِضُهُ وَلَا حَدِيثَ جَابِرٍ لِأَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ قَوْلٌ وَهَذَانِ فِعْلَانِ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ الثَّانِي أَنَّ الْفِعْلَ لاصيغة لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةُ حَالٍ وَحِكَايَاتُ الْأَحْوَالِ مُعَرَّضَةٌ لِلْأَعْذَارِ وَالْأَسْبَابِ وَالْأَقْوَالُ لَا مُحْتَمَلَ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ الثَّالِثُ أَنَّ الْقَوْلَ شَرْعٌ مُبْتَدَأٌ وَفِعْلُهُ عَادَةٌ وَالشَّرْعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَادَةِ الرَّابِعُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ لَوْ كَانَ شَرْعًا لَمَا تستر به انتهى وقد قال بن الْعَرَبِيِّ قَبْلَ هَذَا اُخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِ الْمَنْعِ فِي الصَّحْرَاءِ فَقِيلَ ذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْمُصَلِّينَ وَقِيلَ ذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ وَلَكِنْ جَازَ فِي الْحَوَاضِرِ لِلضَّرُورَةِ وَالتَّعْلِيلُ بِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ أَوْلَى لِخَمْسَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ قَالَهُ الشَّعْبِيُّ فَلَا يَلْزَمُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ الثَّانِي أَنَّهُ إِخْبَارٌ عَنْ مَغِيبٍ فَلَا يَثْبُتُ إِلَّا عَنْ الشَّارِعِ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِحُرْمَةِ الْمُصَلِّينَ لَمَا جَازَ التَّغْرِيبُ وَالتَّشْرِيقُ أَيْضًا لِأَنَّ الْعَوْرَةَ لَا تَخْفَى مَعَهُ أَيْضًا عَنْ الْمُصَلِّينَ وَهَذَا يُعْرَفُ بِاخْتِبَارِ الْمُعَايَنَةِ الرَّابِعُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا عَلَّلَ بِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ فَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ جَلَسَ لِبَوْلٍ قُبَالَةَ الْقِبْلَةِ فَذَكَرَ فَانْحَرَفَ عَنْهَا إِجْلَالًا لَهَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ حَتَّى يُغْفَرَ لَهُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ الْخَامِسُ أَنَّ ظَاهِرَ الْأَحَادِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْحُرْمَةَ إِنَّمَا هِيَ لِلْقِبْلَةِ لِقَوْلِهِ لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ فَذَكَرَهَا بِلَفْظِهَا فَأَضَافَ الِاحْتِرَامَ لَهَا انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْحُرْمَةَ إِنَّمَا هِيَ لِلْقِبْلَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَوْ صَحَّ حَدِيثُ الْبَزَّارِ الَّذِي ذَكَرَهُ بن الْعَرَبِيِّ لَكَانَ قَاطِعًا فِي ذَلِكَ لَكِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ إِسْنَادِهِ (بَاب مَا جَاءَ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي اِسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ) بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ [9] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) هُوَ بُنْدَارٌ الحافظ ثقة (ومحمد بن المثنى) بن عبيد العنزي أبي موسى البصري المعروف بالزمن مشهور بكنيته وباسمهثقة ثَبْتٌ مِنْ الْعَاشِرَةِ وَكَانَ هُوَ وَبُنْدَارٌ فَرَسَيْ رِهَانٍ وَمَاتَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا فِي التقريب روى عن معتمر وبن عيينة وغندر

وَخَلْقٍ وَعَنْهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَخَلْقٌ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى حُجَّةٌ مَاتَ سَنَةَ 252 اِثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (قَالَا نَا وَهْبُ بن جرير) بن حَازِمِ بْنِ زَيْدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ البصرى ثقة عن أبيه وبن عون وشعبة وخلق وعنه أحمد وإسحاق وبن مَعِينٍ وَوَثَّقَهُ مَاتَ سَنَةَ 602 سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ (نَا أَبِي) جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ ثِقَةٌ لَكِنْ فِي حَدِيثِهِ عَنْ قَتَادَةَ ضَعْفٌ وَلَهُ أَوْهَامٌ إِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ مَاتَ سَنَةَ 071 سَبْعِينَ وَمِائَةٍ بعد ما اِخْتَلَطَ لَكِنْ لَمْ يُحَدِّثْ فِي حَالِ اِخْتِلَاطِهِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) بن يَسَارٍ الْمَطْلَبِيِّ الْمَدَنِيِّ نَزِيلِ الْعِرَاقِ إِمَامِ الْمَغَازِي صَدُوقٍ يُدَلِّسُ وَرُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ وَالْقَدَرِ مَاتَ سَنَةَ 150 خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَيُقَالُ بَعْدَهَا كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْقَوْلِ الْمُسَدَّدِ وَأَمَّا حَمْلُهُ أَيْ بن الْجَوْزِيِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَلَا طَائِلَ فِيهِ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ قَبِلُوا حَدِيثَهُ وَأَكْثَرُ مَا عيب فيه التدليس والرواية عن المجهولين وأما هُوَ فِي نَفْسِهِ فَصَدُوقٌ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْمَغَازِي عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فَالْحَقُّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ فِي نَفْسِهِ صَدُوقٌ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ وَقَدْ اِعْتَرَفَ به العيني وبن الْهُمَامِ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء شرح البخاري بن إِسْحَاقَ مِنَ الثِّقَاتِ الْكِبَارِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْتَهَى وقال بن الهمام في فتح القدير أما بن إِسْحَاقَ فَثِقَةٌ ثِقَةٌ لَا شُبْهَةَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ وَلَا عِنْدَ مُحَقِّقِي الْمُحَدِّثِينَ انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ اِخْتَلَفَ أَهْلُ الْجَرْحِ والتعديل في بن إِسْحَاقَ مَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِي غَيْرِهِ حَتَّى إِنَّهُ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِنْ قُمْتُ بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَبَابِ الْكَعْبَةِ لَحَلَفْتُ أَنَّهُ دَجَّالٌ كَذَّابٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ إِنَّهُ إِمَامُ الْحَدِيثِ وقال بن الْهُمَامِ إِنَّهُ ثِقَةٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَالَ حَافِظُ الدُّنْيَا إِنَّهُ ثِقَةٌ وَفِي حِفْظِهِ شَيْءٌ وَأَمَّا الْبَيْهَقِيُّ فَيَتَكَلَّمُ فِيهِ فِي كِتَابِهِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَاعْتَمَدَهُ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَالْعَجَبُ وَعِنْدِي أَنَّهُ مِنْ رُوَاةِ الْحِسَانِ كَمَا فِي الْمِيزَانِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ قُلْتُ جُرُوحُ مَنْ جَرَّحَ في بن إِسْحَاقَ كُلُّهَا مَدْفُوعَةٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُ ثِقَةٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ قَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي إِمَامِ الْكَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَإِنْ كَانَ مُتَكَلَّمًا فِيهِ مِنْ جَانِبِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ لَكِنَّ جُرُوحَهُمْ لَهَا مَحَامِلُ صَحِيحَةٌ وَقَدْ عَارَضَهَا تَعْدِيلُ جَمْعٍ من ثقات الأمة وَلِذَا صَرَّحَ جَمْعٌ مِنْ النُّقَّادِ بِأَنَّ حَدِيثَهُ لَا يَنْحَطُّ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ بَلْ صَحَّحَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْإِسْنَادِ وَقَالَ فِي السِّعَايَةِ وَالْحَقُّ في بن إسحاق هو التوثيق انتهى وقال بن الهمام في فتح القدير (وهو أَيْ تَوْثِيقُ اِبْنِ إِسْحَاقَ) هُوَ الْحَقُّ الْأَبْلَجُ وَمَا نُقِلَ عَنْ

مَالِكٍ لَا يَثْبُتُ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَقْبَلْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ شُعْبَةُ فِيهِ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ وَرَوَى عَنْهُ مثل الثوري وبن إدريس وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وبن عليه وعبد الوارث وبن المبارك واحتمله أحمد وبن مَعِينٍ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ إِلَى أَنْ قَالَ وَإِنَّ مَالِكًا رَجَعَ عَنْ الكلام في بن إِسْحَاقَ وَاصْطَلَحَ مَعَهُ وَبَعَثَ إِلَيْهِ هَدِيَّةً انْتَهَى كلام بن الْهُمَامِ فَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ وَأَمَّا الْبَيْهَقِيُّ إِلَى قَوْلِهِ فَالْعَجَبُ فَلَمْ يَذْكُرْ مَا تكلم به في الأسماء والصفات في بن إِسْحَاقَ حَتَّى يُنْظَرَ فِيهِ أَنَّهُ هُوَ قَابِلٌ لِلْعَجَبِ أَمْ لَا وَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهُ قَابِلٌ لِلْعَجَبِ فَصَنِيعُ الْعَيْنِيِّ أَعْجَبُ فَإِنَّهُ يَتَكَلَّمُ فِي بن إِسْحَاقَ وَيَجْرَحُهُ إِذَا وَقَعَ هُوَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثٍ يُخَالِفُ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ وَيُوَثِّقُهُ وَيَعْتَمِدُهُ إِذَا وَقَعَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثٍ يُوَافِقُ مَذْهَبَهُمْ أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ فِي الْبِنَايَةِ فِي تَضْعِيفِ حَدِيثِ عُبَادَةَ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ مَا لَفْظُهُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنُ يَسَارٍ وَهُوَ مُدَلِّسٌ قَالَ النَّوَوِيُّ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا التَّدْلِيسُ قُلْتُ الْمُدَلِّسُ إِذَا قَالَ عَنْ فُلَانٍ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْمُحَدِّثِينَ مَعَ أَنَّهُ كَذَّبَهُ مَالِكٌ وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ لَا يَصِحُّ الْحَدِيثُ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ لَا يَصِحُّ الْحَدِيثُ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ لَا يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ انْتَهَى كَلَامُهُ فَانْظُرْ كَيْفَ تَكَلَّمَ الْعَيْنِيُّ فِي بن إسحاق ها هنا وقال في عمدة القارىء فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ وَمَنْ أَشَارَ فِي الصَّلَاةِ إِشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُعِدْهَا مَا لَفْظُهُ إِسْنَادُ هَذَا الحديث صحيح وتعليل بن الجوزي بابن إسحاق ليس بشيء لأن بن إِسْحَاقَ مِنَ الثِّقَاتِ الْكِبَارِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْتَهَى كلام العيني فانظر ها هنا كيف اعتمد علي بن إِسْحَاقَ وَلَمْ يُبَالِ بِتَدْلِيسِهِ أَيْضًا مَعَ أَنَّهُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بِعَنْ وَكَذَلِكَ صَنِيعُهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ (عَنْ أَبَانَ بن صالح) وثقة الأئمة ووهم بن حزم فجهله وبن عَبْدِ الْبَرِّ فَضَعَّفَهُ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ (عن مجاهد) هو بن جَبْرٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمَخْزُومِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ إِمَامٌ فِي التَّفْسِيرِ وَفِي الْعِلْمِ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى أَوْ اِثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ (عَنْ جَابِرٍ) هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بْنِ حَرَامٍ بِمُهْمَلَةٍ وراء الأنصاري ثم السلمي بفتحتين صحابي بن صَحَابِيٍّ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ بعد السبعين وهو بن أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ قَوْلُهُ (فَرَأَيْته قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا) اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ الإستقبال والإستدبار

فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبُنْيَانِ وَجَعَلَهُ نَاسِخًا لِأَحَادِيثِ الْمَنْعِ وَفِيهِ مَا سَلَفَ مِنْ أَنَّهَا حِكَايَةُ فِعْلٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَعَائِشَةَ وَعَمَّارٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ قَال رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بَعْدَ النَّهْيِ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِيهِ جَعْفَرُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ انْتَهَى قَالَ فِي النيل وأخرجه أيضا البزار وبن الجارود وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَنُقِلَ عَنْ الْبُخَارِيِّ تَصْحِيحُهُ وَحَسَّنَهُ أَيْضًا الْبَزَّارُ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا بن السكن وتوقف فيه النووي لعنعنة بن إِسْحَاقَ وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وغيره وضعفه بن عَبْدِ الْبَرِّ بِأَبَانَ بْنِ صَالِحٍ الْقُرَشِيِّ قَالَ الْحَافِظُ وَوَهَمَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وادعى بن حَزْمٍ أَنَّهُ مَجْهُولٌ فَغَلِطَ انْتَهَى [10] قَوْلُهُ (وَقَدْ روى هذا الحديث بن لَهِيعَةَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ بِفَتْحِ اللام وكسر الهاء بن عُقْبَةَ الْحَضْرَمِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمِصْرِيُّ الْقَاضِي صدوق خلط بعد احتراق كتبه ورواية بن المبارك وبن وَهْبٍ عَنْهُ أَعْدَلُ مِنْ غَيْرِهِمَا وَلَهُ فِي مُسْلِمٍ بَعْضُ شَيْءٍ مَقْرُونٌ كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَيَجِيءُ بَاقِي الْكَلَامِ عَلَيْهِ عِنْدَ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ عَلَيْهِ (عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) اِسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ الْأَسَدِيُّ الْمَكِّيُّ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ يُدَلِّسُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قُلْتُ هُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ أبي قتادة) الأنصاري المدني شهد أحد وَمَا بَعْدَهَا وَلَمْ يَصِحَّ شُهُودُهُ بَدْرًا مَاتَ سنة 54 أربع وخمسين

قوله (وبن لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَغَيْرُهُ) قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ مُسْلِمٌ تَرَكَهُ وَكِيعٌ ويحيى القطان وبن مَهْدِيٍّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ أَطَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ الْكَلَامَ فِي تَرْجَمَتِهِ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ قُلْتُ وَمَعَ ضَعْفِهِ فَهُوَ مُدَلِّسٌ أَيْضًا كَمَا عَرَفْتُ وَكَانَ يُدَلِّسُ عَنْ الضُّعَفَاءِ قَالَ الْحَافِظُ فِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ الْحَضْرَمِيُّ قَاضِي مِصْرَ اِخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وكثر عنه المناكير في روايته وقال بن حِبَّانَ كَانَ صَالِحًا وَلَكِنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ عَنْ الضعفاء انتهى [11] قوله (حدثنا عبدة) هو بن سُلَيْمَانَ الْكِلَابِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَالْأَعْمَشِ وَطَائِفَةٍ وَعَنْهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وهناد بن السري وأبو كريب وخلق وثقه أحمد وبن سَعْدٍ وَالْعِجْلِيُّ مَاتَ سَنَةَ 781 سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ (عن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيِّ الْمَدَنِيِّ أَحَدِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَالْعُلَمَاءِ الْأَثْبَاتِ قَالَ النَّسَائِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مَاتَ سَنَةَ 741 سَبْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وتشديد الموحدة بن منقذ الأنصاري المدني ثقة فقيه وثقة بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مَاتَ سَنَةَ 121 إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عَمِّهِ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ) بِفَتْحِ المهملة وتشديد الوحدة بن مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ الْمَدَنِيِّ صَحَابِيٌّ بن صَحَابِيٍّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (رَقِيت) أَيْ عَلَوْت وَصَعِدْت (عَلَى بَيْتِ حفصة) هي أخت بن عمر قال بن سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُهُ عَلَى بَيْتِ حَفْصَةَ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا وَفِي أُخْرَى ظَهْرِ بَيْتِنَا وَكُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ خُزَيْمَةَ دَخَلْت عَلَى حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ فَصَعِدْت ظَهْرَ الْبَيْتِ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنْ يُقَالَ أَضَافَ الْبَيْتَ إِلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِكَوْنِهَا أُخْتَهُ وَأَضَافَهُ إِلَى حَفْصَةَ لِأَنَّهُ الْبَيْتُ الَّذِي أَسْكَنَهَا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ مَا آلَ إِلَيْهِ حَالُهُ لِأَنَّهُ وَرِثَ حَفْصَةَ دُونَ إِخْوَتِهِ لِكَوْنِهِ شَقِيقَهَا اِنْتَهَى (فَرَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَاجَتِهِ مُسْتَقْبِلَ الشَّامِ مُسْتَدْبِرَ الْكَعْبَةِ) اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ وَرَأَى أَنَّهُ نَاسِخٌ وَاعْتَقَدَ الْإِبَاحَةَ مُطْلَقًا وَبِهِ اِحْتَجَّ مَنْ خَصَّ عَدَمَ الْجَوَازِ بِالصَّحَارِيِ وَمَنْ خَصَّ الْمَنْعَ بِالِاسْتِقْبَالِ دُونَ الِاسْتِدْبَارِ فِي

باب النهي عن البول قائما

الصَّحَارِيِ وَالْبُنْيَانِ وَقَدْ عَرَفْت مَا فِيهِ مِنْ أَنَّهَا حِكَايَةُ فِعْلٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ وَأَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِالْأُمَّةِ قاله الشوكاني في النيل (باب النهي عن البول قائما) [12] قوله (حدثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بن إِيَاسٍ السَّعْدِيُّ الْمَرْوَزِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثُمَّ مَرْوٍ ثِقَةٌ حَافِظٌ رَوَى عَنْ شَرِيكٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ وَهِقْلِ بْنِ زِيَادٍ وَهُشَيْمٍ وَخَلَائِقَ وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ مَاتَ سَنَةَ 442 أربع وأربعين ومائتين (أنا شَرِيكُ) بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي صدوق يخطيء كَثِيرًا تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ قَضَاءَ الْكُوفَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَوَى عَنْ زِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ وَزُبَيْدٍ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وَسِمَاكِ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ هُشَيْمٌ وَعَبَّادُ بْنُ العوام وبن الْمُبَارَكِ وَعَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ وَأُمَمٌ قَالَ أَحْمَدُ هُوَ فِي أَبِي إِسْحَاقَ أَثْبَتُ مِنْ زُهَيْرٍ وقال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ يَغْلَطُ وَقَالَ الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ قَالَ يعقوب بن سفيان ثقة سيء الْحِفْظِ مَاتَ سَنَةَ 771 سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ الْمِقْدَامِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ (بْنِ شُرَيْحٍ) بِضَمِّ الشِّينِ مصغرا بن هَانِئ بْنِ يَزِيدَ الْحَارِثِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ رَوَى عن أبيه وعند اِبْنِهِ يَزِيدَ وَمِسْعَرٍ وَغَيْرِهِمَا وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ (عَنْ أَبِيهِ) شُرَيْحٍ بْنِ هَانِئ أَبِي الْمِقْدَامِ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ عَلِيٍّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعُمَرَ وَبِلَالٍ وَعَنْهُ اِبْنُهُ الْمِقْدَامُ والشعبي وثقه بن مَعِينٍ وَهُوَ مُخَضْرَمٌ قَوْلُهُ (مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ما كَانَ يَبُولُ قَائِمًا بَلْ كَانَ هَدْيُهُ فِي الْبَوْلِ الْقُعُودَ وَلَكِنَّ قَوْلَ عَائِشَةَ هَذَا لَا يَنْفِي إِثْبَاتَ مَنْ أَثْبَتَ وُقُوعَ الْبَوْلِ مِنْهُ حَالَ الْقِيَامِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَبُرَيْدَةَ) أما حديث عمر فأخرجه بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ ثَلَاثٌ مِنْ الْجَفَاءِ أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا أَوْ يَمْسَحَ جَبْهَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ أَوْ يَنْفُخَ فِي سُجُودِهِ كَذَا فِي النَّيْلِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ جابر قال

نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن يبول الرجل قائما أخرجه بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ) حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أيضا أحمد والنسائي وبن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النخعي وقد عرفت أنه صدوق يخطىء كَثِيرًا وَتَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْكُوفَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ قَائِمًا شَيْءٌ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي أَوَائِلِ شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ أَيْ هُوَ أَقَلُّ ضَعْفًا وَأَرْجَحُ مِمَّا وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عُمَرَ إِنَّمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ إلخ) أخرجه بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ (فَمَا بُلْتُ قَائِمًا بَعْدُ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا رَفَعَ هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَبُو أُمَيَّةَ الْمُعَلِّمُ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ (وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ أَبُو أُمَيَّةَ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ مَتْرُوكٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ انْتَهَى (ضَعَّفَهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٌ وَآخِرُهُ نُونٌ هُوَ أَيُّوبُ بْنُ أَبِي تَمِيمَةَ كَيْسَانَ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ حُجَّةٌ مِنْ كِبَارِ الْفُقَهَاءِ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ (وَرَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ عن نافع عن بن عُمَرَ قَالَ قَالَ عُمَرُ مَا بُلْتُ قَائِمًا مُنْذُ أَسْلَمْتُ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَهَذَا الْأَثَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ مَا بَالَ قَائِمًا مُنْذُ أَسْلَمَ وَلَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ بَالُوا قِيَامًا انْتَهَى (وَهَذَا) أَيْ حَدِيثُ عُمَرَ الْمَوْقُوفُ (أَصَحُّ مِنْ حديث أبي الحارق) لِضَعْفِهِ (وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ فِي هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ الْبَزَّارَ أَخْرَجَهُ

بِسَنَدٍ صَحِيحٍ قَالَ حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مِنْ الْجَفَاءِ أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا الْحَدِيثَ وَقَالَ لَا أَعْلَمُ رواه عن بن بُرَيْدَةَ إِلَّا سَعِيدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ فَقَوْلُهُ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فِي هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَأَمَّا إِخْرَاجُ الْبَزَّارِ حَدِيثَهُ بِسَنَدٍ ظَاهِرُهُ الصِّحَّةُ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ غَيْرَ مَحْفُوظٍ قَوْلُهُ (وَمَعْنَى النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ قَائِمًا عَلَى التَّأْدِيبِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ) يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي حُذَيْفَةَ الْآتِي فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ إِنَّ مِنْ الْجَفَاءِ) قَالَ فِي الصُّرَاحِ جَفَا بِالْمَدِّ بدي وستم يُقَالُ جَفَوْتُهُ فَهُوَ مَجْفُوٌّ وَلَا تَقُلْ جَفَيْتُ وَفُلَانٌ ظَاهِرُ الْجِفْوَةِ بِالْكَسْرِ أَيْ ظَاهِرُ الْجَفَاءِ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْجَفَاءُ تَرْكُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَغِلَظُ الطَّبْعِ (وَأَنْتَ قَائِمٌ) جُمْلَةٌ حالية وهذا الأثرذكره التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا مُعَلَّقًا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ وصله بَاب مَا جَاءَ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ [13] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا هَنَّادٌ) تَقَدَّمَ (نَا وَكِيعٌ) تَقَدَّمَ (عَنْ الْأَعْمَشِ) هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ مَهْرَانَ الْأَسَدِيُّ الْكَاهِلِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ عَارِفٌ بِالْقِرَاءَةِ وَرِعٌ لَكِنَّهُ يُدَلِّسُ مِنْ الْخَامِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي مُقَدِّمَتِهِ الْخَامِسَةُ الطَّبَقَةُ الصُّغْرَى مِنْ التَّابِعِينَ الَّذِينَ رَأَوْا الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِبَعْضِهِمْ السَّمَاعُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَالْأَعْمَشِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَأَى أَنَسًا يَبُولُ انْتَهَى (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) اِسْمُهُ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مَاتَ فِي خِلَافَةِ

عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَهُ مِائَةُ سَنَةٍ قَوْلُهُ (أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ هِيَ الْمَزْبَلَةُ وَالْكُنَاسَةُ تَكُونُ بِفِنَاءِ الدُّورِ مِرْفَقًا لِأَهْلِهَا وَتَكُونُ فِي الْغَالِبِ سَهْلَةً لَا يَرْتَدُّ فِيهَا الْبَوْلُ عَلَى الْبَائِلِ وَإِضَافَتُهَا إِلَى الْقَوْمِ إِضَافَةُ اِخْتِصَاصٍ لَا مِلْكٍ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ النَّجَاسَةِ (فَأَتَيْته بِوَضُوءٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ (فَدَعَانِي حَتَّى كُنْتُ عِنْدَ عَقِبَيْهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَشَارَ إِلَيَّ قَالَ الْحَافِظُ لَيْسَتْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ فِي حَالِ الْبَوْلِ لِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بَيَّنَتْ أَنَّ قَوْلَهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ بِالْإِشَارَةِ لَا بِاللَّفْظِ قَالَ وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ مِنْ الْإِبْعَادِ عن قَضَاءِ الْحَاجَةِ عَنْ الطُّرُقِ الْمَسْلُوكَةِ وَعَنْ أَعْيُنِ النَّظَّارَةِ فَقَدْ قِيلَ فِيهِ إَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مَشْغُولًا بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَلَعَلَّهُ طَالَ عَلَيْهِ الْمَجْلِسُ حَتَّى اِحْتَاجَ إِلَى الْبَوْلِ فَلَوْ أَبْعَدَ لَتَضَرَّرَ وَاسْتَدْعَى حُذَيْفَةَ لِيَسْتُرَهُ مِنْ خَلْفِهِ عَنْ رُؤْيَةِ مَنْ لَعَلَّهُ يَمُرُّ بِهِ وَكَانَ قُدَّامَهُ مَسْتُورٌ بِالْحَائِطِ أَوْ لَعَلَّهُ فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ ثُمَّ هُوَ فِي الْبَوْلِ وَهُوَ أَخَفُّ مِنْ الْغَائِطِ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى زِيَادَةِ تَكَشُّفٍ وَلِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ مِنْ الرَّائِحَةِ وَالْغَرَضُ مِنْ الْإِبْعَادِ التَّسَتُّرُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِإِرْخَاءِ الذَّيْلِ وَالدُّنُوِّ مِنْ السَّاتِرِ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَانْتَهَى إِلَى سُبَاطَةِ قَوْمٍ فَقَالَ يَا حُذَيْفَةُ اُسْتُرْنِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَظَهَرَ مِنْهُ الْحِكْمَةُ فِي إِدْنَائِهِ حُذَيْفَةَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَكَأَنَّ حُذَيْفَةَ لَمَّا وَقَفَ خَلْفَهُ عِنْدَ عَقِبِهِ اِسْتَدْبَرَهُ وَظَهَرَ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْحَضَرِ لَا فِي السَّفَرِ انتهى قوله (وهكذا روى منصور) هو بن الْمُعْتَمِرِ السُّلَمِيُّ أَبُو عَتَّابٍ الْكُوفِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ الْمَشَاهِيرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَأَبِي وَائِلٍ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ أَيُّوبُ وَشُعْبَةُ وَزَائِدَةُ وَخَلْقٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مُتْقِنٌ لَا يَخْلِطُ وَلَا يُدَلِّسُ وَقَالَ الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ لَهُ نَحْوُ أَلْفَيْ حَدِيثٍ قَالَ زَائِدَةُ صَامَ مَنْصُورٌ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَقَامَ لَيْلَهَا تُوُفِّيَ سَنَةَ 231 اِثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عُبَيْدَةُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرًا (الضَّبِّيُّ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدَّةِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ هُوَ عُبَيْدَةُ بْنُ مُعْتِبٍ رَوَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَأَبِي وَائِلٍ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وهشيم قال بن عَدِيٍّ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ عَلَّقَ لَهُ البخاري فرد

حَدِيثٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ وَاخْتَلَطَ بِآخِرِهِ (وَحَدِيثُ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَصَحُّ) يَعْنِي مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ كَمَا قَالَ الترمذي وإن جنح بن خُزَيْمَةَ إِلَى تَصْحِيحِ الرِّوَايَتَيْنِ لِكَوْنِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَافَقَ عَاصِمًا عَلَى قَوْلِهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ أَبُو وَائِلٍ سَمِعَهُ مِنْهُمَا فَيَصِحُّ الْقَوْلَانِ مَعًا لَكِنْ مِنْ حَيْثُ التَّرْجِيحُ رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ لِاتِّفَاقِهِمَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادٍ وَعَاصِمٍ لِكَوْنِهِمَا فِي حِفْظِهِمَا مَقَالٌ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَتَانِ وَرِوَايَةُ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ أَصَحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ هذا أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْبَوْلِ قَائِمًا) وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ بِأَنَّهُ مُسْتَنِدٌ إِلَى عِلْمِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي الْبُيُوتِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ الْبُيُوتِ فَلَمْ تَطَّلِعْ هِيَ عَلَيْهِ وَقَدْ حَفِظَهُ حُذَيْفَةُ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَعَنْ حَدِيثِهَا الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ قَالَتْ مَا بَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا مُنْذُ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ بِأَنَّهُ أَيْضًا مُسْتَنِدٌ إِلَى عِلْمِهَا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سُبَاطَةِ قَوْمٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَتَضَمَّنَ الرَّدَّ عَلَى مَا نَفَتْهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ بَالُوا قِيَامًا وَهُوَ دَالٌّ عَلَى الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ إِذَا أَمِنَ الرَّشَاشَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ شَيْءٌ انْتَهَى قَالَ قَوْمٌ بِكَرَاهَةِ الْبَوْلِ قَائِمًا إِلَّا مِنْ عُذْرٍ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثَيْ عَائِشَةَ الْمَذْكُورَيْنِ وَقَدْ عَرَفْتَ الْجَوَابَ عَنْهُمَا وَقَالُوا إِنَّ بَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا كَانَ لِعُذْرٍ

باب في الإستتار عند الحاجة

فَقِيلَ فَعَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا لِلْجُلُوسِ لِامْتِلَاءِ الْمَوْضِعِ بِالنَّجَاسَةِ وَقِيلَ كَانَ مَا يُقَابِلُهُ مِنْ السُّبَاطَةِ عَالِيًا وَمِنْ خَلْفِهِ مُنْحَدَرًا مُتَسَفِّلًا لَوْ جَلَسَ مُسْتَقْبِلَ السُّبَاطَةِ سَقَطَ إِلَى خَلْفِهِ وَلَوْ جَلَسَ مُسْتَدْبِرًا لَهَا بَدَتْ عَوْرَتُهُ لِلنَّاسِ وَقِيلَ إِنَّمَا بَالَ قَائِمًا لِأَنَّهَا حَالَةٌ يُؤْمَنُ مَعَهَا خُرُوجُ الرِّيحِ بِصَوْتٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَرِيبًا مِنْ الدَّارِ قَالَ الْحَافِظُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْبَوْلُ قَائِمًا أَحْصَنُ لِلدُّبُرِ وَقِيلَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ مَا رَوَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَسْتَشْفِي لِوَجَعِ الصُّلْبِ بِذَلِكَ فَلَعَلَّهُ كَانَ بِهِ وَرَوَى الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِنَّمَا بَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا لِجُرْحٍ كَانَ فِي مَأْبِضِهِ وَالْمَأْبِضُ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ مُعْجَمَةٌ بَاطِنُ الرُّكْبَةِ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِأَجْلِهِ مِنْ الْقُعُودِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَكَانَ فِيهِ غِنًى عَنْ جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ لَكِنْ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَكَانَ أَكْثَرُ أَحْوَالِهِ الْبَوْلَ عَنْ قُعُودٍ وسلك أبو عوانة في صحيحه وبن شَاهِينٍ فِيهِ مَسْلَكًا آخَرَ فَزَعَمَا أَنَّ الْبَوْلَ عَنْ قِيَامٍ مَنْسُوخٌ وَاسْتَدَلَّا عَلَيْهِ بِحَدِيثَيْ عَائِشَةَ يَعْنِي الْمَذْكُورَيْنِ الصَّوَابُ أَنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوخٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ إِنَّ فِي الْبَوْلِ قَائِمًا رُخْصَةً وَيَنْبَغِي الْآنَ الْمَنْعُ عَنْهُ لِأَنَّهُ عَمَلُ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى بِلَفْظِهِ قُلْتُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ أَنَّ الْبَوْلَ قَائِمًا رُخْصَةٌ لَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ عَنْهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَأَمَّا عَمَلُ غَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عليه فليس موجبا للمنع (باب فِي الِاسْتِتَارِ عِنْدَ الْحَاجَةِ) [14] قَوْلُهُ (نَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ الْمُلَائِيُّ) أَبُو بَكْرٍ الْكُوفِيُّ أَصْلُهُ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ حَافِظٌ

قَوْلُهُ (إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ) أَيْ قَضَاءَ الْحَاجَةِ وَالْمَعْنَى إِذَا أَرَادَ الْقُعُودَ لِلْغَائِطِ أَوْ لِلْبَوْلِ (حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ) أَيْ حَتَّى يَقْرُبَ مِنْهَا مُحَافَظَةً عَلَى التَّسَتُّرِ وَاحْتِرَازًا عَنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَهَذَا مِنْ أَدَبِ قَضَاءِ الْحَاجَة قَالَ الطِّيبِيُّ يَسْتَوِي فِيهِ الصَّحْرَاءُ وَالْبُنْيَانُ لِأَنَّ فِي رَفْعِ الثَّوْبِ كَشْفَ الْعَوْرَةِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي الرَّفْعِ قَبْلَ الْقُرْبِ مِنْ الْأَرْضِ قَوْلُهُ (هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ) الْكِلَابِيُّ الرُّؤَاسِيُّ أَبُو عَبْدِ الله بن عَمِّ وَكِيعٍ الْكُوفِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ وَهِشَامِ بْنِ عروة وبن جريج وطائفة وعنه أحمد وبن معين وأبو داود والدارقطني (وروى وكيع والحماني) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدَّةِ الْمِيمِ وَهُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو يَحْيَى الْكُوفِيُّ عَنْ الْأَعْمَشِ وَعَنْهُ اِبْنُهُ يَحْيَى وَأَبُو كُرَيْبٍ وَثَّقَهُ بن معين وضعفه أحمد وبن سَعْدٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ لقبه بشمين صدوق يخطيء وَرُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنْ التَّاسِعَةِ مَاتَ سَنَةَ اِثْنَتَيْنِ ومائتين انتهى (عن الأعمش قال قال بن عُمَرَ إِلَخْ) فَحَدِيثُ وَكِيعٍ الْحِمَّانِيِّ عَنْ الْأَعْمَشِ عن بن عُمَرَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ فَعَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَنَسٍ (وكلا الحديثين) أي حديث أنس وحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (مُرْسَلٌ) أَيْ مُنْقَطِعٌ وَصُورَةُ الْمُرْسَلِ أَنْ يَقُولَ التَّابِعِيُّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا أَوْ فَعَلَ بِحَضْرَتِهِ كَذَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَلَا يَذْكُرُ الصَّحَابِيَّ وَقَدْ يَجِيءُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ الْمُرْسَلُ وَالْمُنْقَطِعُ بِمَعْنًى وَالِاصْطِلَاحُ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ وبن عُمَرَ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ جَابِرٍ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَبَعْضُ أَسَانِيدِهِ صَحِيحٌ قُلْتُ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ (وَيُقَالُ لَمْ يَسْمَعْ الْأَعْمَشُ عَنْ أَنَسٍ إِلَخْ) قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ الْأَعْمَشُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِنَّمَا رَآهُ رُؤْيَةً بِمَكَّةَ يُصَلِّي خَلْفَ الْمَقَامِ فَأَمَّا طُرُقُ الْأَعْمَشِ عَنْ أَنَسٍ فَإِنَّمَا يَرْوِيهَا عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ كَذَا فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَيَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ هَذَا هُوَ يَزِيدُ بْنُ أَبَانَ الرَّقَاشِيُّ أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ الْقَاصُّ زَاهِدٌ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْحَافِظُ

الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْفَهَانِيُّ أَنَّ الأعمش رأى أنس بن مالك وبن أَبِي أَوْفَى وَسَمِعَ مِنْهُمَا وَالَّذِي قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ هُوَ الْمَشْهُورُ انْتَهَى (وَالْأَعْمَشُ اِسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ حَافِظٌ عَارِفٌ بِالْقِرَاءَةِ وَرِعٌ لَكِنَّهُ يُدَلِّسُ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ رَأَوْا الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ لِبَعْضِهِمْ السَّمَاعُ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وُلِدَ سَنَةَ 61 إِحْدَى وَسِتِّينَ وَمَاتَ سَنَةَ 148 ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (الْكَاهِلِيُّ وَهُوَ مَوْلَى لَهُمْ) أَيْ نِسْبَةُ الْأَعْمَشِ إِلَى قَبِيلَةِ كَاهِلٍ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مَوْلَى لَهُمْ لَا مِنْ جهة أنه هو منهم صلبية قال بن الصَّلَاحِ فِي مُقَدِّمَتِهِ النَّوْعُ الرَّابِعُ وَالسِّتُّونَ مَعْرِفَةُ الْمَوَالِي مِنْ الرُّوَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَأَهَمُّ ذَلِكَ مَعْرِفَةُ الْمَوَالِي الْمَنْسُوبِينَ إِلَى الْقَبَائِلِ بِوَصْفِ الْإِطْلَاقِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ فِي الْمَنْسُوبِ إِلَى قَبِيلَةٍ كَمَا إِذَا قِيلَ فُلَانٌ الْقُرَشِيُّ أَنَّهُ مِنْهُمْ صُلْبِيَّةً فَإِذًا بَيَانُ مَنْ قِيلَ فِيهِ قُرَشِيٌّ مِنْ أَجْلِ كَوْنِهِ مَوْلًى لَهُمْ مُهِمٌّ انْتَهَى فَائِدَةٌ اِعْلَمْ أَنَّ مِنْ الْمَوَالِي مَنْ يُقَالُ لَهُ مَوْلَى فُلَانٍ أَوْ لِبَنِي فُلَانٍ وَالْمُرَادُ بِهِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَغْلَبُ فِي ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْمَوْلَى وَالْمُرَادُ بِهِ وَلَاءُ الْإِسْلَامِ وَمِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ فَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْجُعْفِيُّ مَوْلَاهُمْ نُسِبَ إِلَى وَلَاءِ الْجُعْفِيِّينَ لِأَنَّ جَدَّهُ وَأَظُنُّهُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْأَحْنَفُ أَسْلَمَ وَكَانَ مَجُوسِيًّا عَلَى يَدِ الْيَمَانِ بْنِ أَخْنَسَ الْجُعْفِيِّ وَكَذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عِيسَى الْمَاسَرْجِسِيُّ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ إِنَّمَا وَلَاؤُهُ لَهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهُ أَسْلَمَ وَكَانَ نَصْرَانِيًّا عَلَى يَدَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ هو مولى بولاء الحلف والموالاة كما لك بْنِ أَنَسٍ الْإِمَامِ وَنَفَرِهِ هُمْ أَصْبَحِيُّونَ صُلْبِيَّةٌ وَيُقَالُ لَهُ التَّيْمِيُّ لِأَنَّ نَفَرَهُ أَصْبَحَ مُوَالٍ لِتَيْمِ قُرَيْشٍ بِالْحِلْفِ وَقِيلَ لِأَنَّ جَدَّهُ مَالِكَ بْنَ أَبِي عَامِرٍ كَانَ عَسِيفًا عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ أَيْ أَجِيرًا وَطَلْحَةُ يَخْتَلِفُ بِالتِّجَارَةِ فَقِيلَ هُوَ مَوْلَى التَّيْمِيِّينَ لِكَوْنِهِ مَعَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ وَهَذَا قِسْمٌ رَابِعٌ كَمَا قِيلَ فِي مِقْسَمٍ إِنَّهُ مولى بن عباس للزومه إياه كذا في مقدمة بن الصلاح فائدة أخرى قال بن الصَّلَاحِ فِي مُقَدِّمَتِهِ رَوَيْنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ قَدِمْتَ يَا زُهْرِيٌّ قُلْتُ مِنْ مَكَّةَ قَالَ فَمَنْ خَلّفْتَ بِهَا يَسُودُ أَهْلَهَا قُلْتُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ وَبِمَ سَادَهُمْ قُلْتُ بِالدِّيَانَةِ وَالرِّوَايَةِ قَالَ إِنَّ أَهْلَ الدِّيَانَةِ وَالرِّوَايَةِ لَيَنْبَغِي أَنْ يَسُودُوا قَالَ فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ الْيَمَنِ

قال قلت طاووس بْنُ كَيْسَانَ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ وَبِمَ سَادَهُمْ قُلْتُ بِمَا سَادَهُمْ بِهِ عَطَاءٌ قَالَ إِنَّهُ لَيَنْبَغِي قَالَ فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ مِصْرَ قَالَ قُلْتُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ الشَّامِ قَالَ قُلْتُ مَكْحُولٌ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي عَبْدٌ نوبي أعتقته امرأة من هزيل قَالَ فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ الْجَزِيرَةِ قُلْتُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ خُرَاسَانَ قَالَ قُلْتُ الضَّحَّاكُ بْنَ مُزَاحِمٍ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَوْ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَالَ قُلْتُ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَالَ قُلْتُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ وَيْلَكَ يَا زُهْرِيٌّ فَرَّجْتُ عَنِّي وَاللَّهِ لَيَسُودَنَّ الْمَوَالِي عَلَى الْعَرَبِ حَتَّى يُخْطَبَ لَهَا عَلَى الْمَنَابِرِ وَالْعَرَبُ تَحْتَهَا قَالَ قُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذًا هُوَ أَمْرُ اللَّهِ وَدِينُهُ مَنْ حَفِظَهُ سَادَ وَمَنْ ضَيَّعَهُ سَقَطَ وَفِيمَا نَرْوِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ لَمَّا مَاتَ الْعَبَادِلَةُ صَارَ الْفِقْهُ فِي جَمِيعِ الْبُلْدَانِ إِلَى جَمِيعِ الْمَوَالِي إِلَّا الْمَدِينَةَ فَإِنَّ اللَّهَ حَصَّنَهَا بِقُرَشِيٍّ فَكَانَ فَقِيهُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ غَيْرَ مُدَافِعٍ قُلْتُ وَفِي هَذَا بَعْضُ الْمَيْلِ لقد كان حينئذ من العرب غير بن المسيب فقهاء أئمة مشاهير انتهى كلام بن الصَّلَاحِ (قَالَ الْأَعْمَشُ كَانَ أَبِي حَمِيلًا فَوَرِثَهُ مَسْرُوقٌ) أَيْ جَعَلَهُ وَارِثًا وَالْحَمِيلُ الَّذِي يُحْمَلُ من بلاده صغيرا إلى دار الإسلامكذا فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَفِي تَوْرِيثِهِ مِنْ أُمِّهِ الَّتِي جَاءَتْ مَعَهُ وَقَالَتْ إِنَّهُ هُوَ اِبْنُهَا خِلَافٌ فَعِنْدَ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ يَرِثُهَا فَلِذَلِكَ وَرِثَ وَالِدَ الْأَعْمَشِ أَيْ جَعَلَهُ وَارِثًا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ أُمِّهِ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَخْبَرَنَا بُكَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسِيِّبِ قَالَ أَبَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أن يورث أحدا من الأعاجم إلا ما وُلِدَ فِي الْعَرَبِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهَذَا نَأْخُذُ لَا يُورَثُ الْحَمِيلُ الَّذِي يُسْبَى وَتُسْبَى مَعَهُ اِمْرَأَةٌ وَتَقُولُ هُوَ وَلَدِي أَوْ تَقُولُ هُوَ أَخِي أَوْ يَقُولُ هِيَ أُخْتِي وَلَا نَسَبَ مِنْ الْأَنْسَابِ يُورَثُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ إِلَّا الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ فَإِنَّهُ إِذَا اِدَّعَى الْوَالِدُ أَنَّهُ اِبْنُهُ وَصَدَّقَهُ فَإِنَّهُ اِبْنُهُ وَلَا يَحْتَاجُ فِي هَذَا إلى بينة انتهى ومسروق هذا هو بن الْأَجْدَعِ بْنِ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيُّ الْوَدَاعِيُّ أَبُو عَائِشَةَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ عَابِدٌ مُخَضْرَمٌ مِنْ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَخَذَ عن عمر وعلي ومعاذ وبن مَسْعُودٍ وَعَنْهُ إِبْرَاهِيمُ وَالشَّعْبِيُّ وَخَلْقٌ وَعَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ مَا عَلِمْتُ أَحَدًا كَانَ أَطْلَبَ لِلْعِلْمِ مِنْهُ وَكَانَ أَعْلَمَ بِالْفَتْوَى مِنْ شُرَيْحٍ وَكَانَ شُرَيْحٌ يَسْتَشِيرُهُ وَكَانَ مَسْرُوقٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شُرَيْحٍ مَاتَ سَنَةَ 36 ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ كَذَا فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ وَقَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ سُمِّيَ مَسْرُوقًا لِأَنَّهُ سَرَقَهُ إِنْسَانٌ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ وُجِدَ وَغَيَّرَ عُمَرُ اِسْمَ أَبِيهِ إِلَى

باب كراهية الإستنجاء باليمين

عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأُثْبِتَ فِي الدِّيوَانِ مَسْرُوقُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ تَنْبِيهٌ لَمْ يُشِرْ التِّرْمِذِيُّ إِلَى حَدِيثٍ آخَرَ فِي الْبَابِ فَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَخْرَجَهُ أحمد ومسلم وبن ماجه وعن جابر أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ والترمذي 1 - (باب كراهية الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ) [15] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ العدني نزيل مكة ويقال إن أَبَا عُمَرَ كُنْيَتُهُ يَحْيَى صَدُوقٌ صَنَّفَ الْمُسْنَدَ وكان لازم بن عيينةلكن قَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِيهِ غَفْلَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَوَى عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ مُسْلِمٌ والترمذي وبن مَاجَهْ مَاتَ سَنَةَ 342 ثَلَاثَ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (عَنْ معمر) بن رَاشِدٍ الْأَزْدِيِّ مَوْلَاهُمْ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ الْيَمَنِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَاضِلٌ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ ثابت والأعمش وهشام بن عروة شيئا وكذا فِيمَا حَدَّثَ بِهِ بِالْبَصْرَةِ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ (عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ) الطَّائِيِّ مَوْلَاهُمْ الْيَمَامِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ لَكِنَّهُ يُدَلِّسُ وَيُرْسِلُ مِنْ الْخَامِسَة (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنْ الثَّانِيَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ السُّلَمِيِّ فَارِسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ شَهِدَ أُحُدًا وَالْمَشَاهِدَ مَاتَ سَنَةَ 45 أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ) أَيْ بِيَدِهِ الْيُمْنَى تَكْرِيمًا لِلْيَمِينِ وَالنَّهْيُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِحَالَةِ الْبَوْلِ وَقَدْ جَاءَ مُقَيَّدًا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بِلَفْظِ لَا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَأْخُذَنَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابٌ لَا يُمْسِكُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ إِذَا بَالَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ كَمَا فِي الْبَابِ قَبْلَهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِحَالَةِ الْبَوْلِ فَيَكُونُ مَا عَدَاهُ مُبَاحًا وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَكُونُ مَمْنُوعًا أَيْضًا مِنْ بَابِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ مَعَ مَظِنَّةِ الْحَاجَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَتَعَقَّبَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ بِأَنَّ مَظِنَّةَ الْحَاجَةِ لَا

تَخْتَصُّ بِحَالَةِ الِاسْتِنْجَاءِ وَإِنَّمَا خَصَّ النَّهْيَ بِحَالَةِ الْبَوْلِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مُجَاوِرَ الشَّيْءِ يُعْطَى حُكْمَهُ فَلَمَّا مَنَعَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْيَمِينِ مَنَعَ مَسَّ آلَتِهِ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ ثُمَّ اِسْتَدَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ مَسِّ ذَكَرِهِ إِنَّمَا هُوَ بَضْعَةٌ مِنْكَ فَدَلَّ عَلَى الْجَوَازِ فِي كُلِّ حَالٍ فَخَرَجَتْ حَالَةُ الْبَوْلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ وَقَدْ يُقَالُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ قَالَ بِهِ اشترط فيه شروطا لكن نبه بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى أَنَّ مَحَلَّ الِاخْتِلَافِ إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَتَغَايَرُ مَخَارِجُ الْحَدِيثِ بِحَيْثُ يُعَدُّ حَدِيثَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ أَمَّا إِذَا اِتَّحَدَ الْمَخْرَجُ وَكَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَيَنْبَغِي حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ حِينَئِذٍ يَكُونُ زِيَادَةً مِنْ عَدْلٍ فَتُقْبَلْ انْتَهَى مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ حَدِيثَ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ مُطْلَقٌ فَالظَّاهِرُ هُوَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُقَيَّدِ لِاتِّحَادِ الْمَخْرَجِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْحَافِظُ بِقَوْلِهِ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ الْمُطْلَقَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِالْيَمِينِ كَمَا فِي الْبَابِ قَبْلَهُ إِلَخْ فَفِي كَوْنِهِ مُطْلَقًا كَلَامٌ فَتَدَبَّرْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَسَلْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ عَنْهَا بِلَفْظِ قَالَتْ كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيُمْنَى لِطَهُورِهِ وَطَعَامِهِ وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ إِبْرَاهِيمُ لَمْ يَسْمَعَ مِنْ عَائِشَةَ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ بِمَعْنَاهُ وَأَخْرَجَهُ فِي اللِّبَاسِ مِنْ حَدِيثِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ وَمِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ أَمَّا حَدِيثُ سَلْمَانَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ الْحَدِيثَ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه بن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَفِيهِ وَنَهَى أَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ قَالَ إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ وَإِذَا أَتَى الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ قَوْلُهُ (وَأَبُو قَتَادَةَ اِسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ) بكسر الراء وسكون الموحدة بعدها مهملة بن بُلْدُمَةَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ السَّلَمِيُّ بِفَتْحَتَيْنِ الْمَدَنِيُّ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَلَمْ يَصِحَّ شُهُودُهُ بَدْرًا

باب الإستنجاء بالحجارة

12 - (بَاب الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحِجَارَةِ) [16] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هَنَّادٌ تَقَدَّمَ (عَنْ الْأَعْمَشِ) تَقَدَّمَ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْأَسْوَدِ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ الْفَقِيهُ ثِقَةٌ إِلَّا أَنَّهُ يُرْسِلُ كَثِيرًا (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ) بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ أَبُو بَكْرٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (قِيلَ لِسَلْمَانَ) الْفَارِسِيِّ وَيُقَالُ لَهُ سَلْمَانُ الْخَيْرُ وسئل عن نسبه فقال أنا سلمان بن الْإِسْلَامِ أَصْلُهُ مِنْ فَارِسَ أَسْلَمَ مَقْدَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَكَانَ مِنْ خِيَارِ الصَّحَابَةِ وَزُهَّادِهِمْ وَفُضَلَائِهِمْ وَالْقَائِلُونَ هُمْ الْمُشْرِكُونَ كما في رواية بن مَاجَهْ قَالَ لَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ (حَتَّى الْخِرَاءَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْخِرَاءَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ مَمْدُودَةَ الْأَلِفِ أَدَبُ التَّخَلِّي وَالْقُعُودِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْخِرَاءَةُ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ اِسْمٌ لِهَيْئَةِ الْحَدَثِ وَأَمَّا نفس الحدث فبحذف التاء وبالمدمع فَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا انْتَهَى (أَجَلْ) بِسُكُونِ اللَّامِ حَرْفُ إِيجَابٍ بِمَعْنَى نَعَمْ (أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ) الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى إِكْرَامِهَا وَصِيَانَتِهَا عَنْ الْأَقْذَارِ وَنَحْوِهَا (أَوْ أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَلَا نَكْتَفِي بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْأَحْجَارِ أَحَدُ الطُّهْرَيْنِ وَأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْمَاءَ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ الْحِجَارَةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَفِي قَوْلِهِ أَوْ أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ الْبَيَانُ الْوَاضِحُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَا يَجُوزُ وَإِنْ وَقَعَ الْإِنْقَاءُ بِمَا دُونَهَا وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِنْقَاءَ حَسْبُ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ عَدَدِ الثَّلَاثِ مَعْنًى إِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الْإِنْقَاءَ يَقَعُ بِالْمَسْحَةِ الْوَاحِدَةِ وَبِالْمَسْحَتَيْنِ فَلَمَّا اِشْتَرَطَ الْعَدَدَ لَفْظًا وَعَلِمَ الْإِنْقَاءَ فِيهِ مَعْنًى دَلَّ عَلَى

إِيجَابِ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا قَالَ الْمُظْهِرِيُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَاجِبٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ حَصَلَ النَّقَاءُ بِأَقَلَّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ النَّقَاءُ مُتَعَيَّنٌ لَا الْعَدَدُ انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ لِلشَّافِعِيِّ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَاسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اِسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فلا حرج قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ هَذَا يَدُلُّ دَلَالَةً وَاضِحَةً عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَعَدَمِ شَرْطِ الْإِيتَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ مَنْ اِسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ أَخْرَجَهُ أبو داود وبن مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ سَلْمَانَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَحَدِيثُ سَلْمَانَ أَصَحُّ مِنْهُ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَوْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَا لَفْظُهُ وَأَخَذَ بِهَذَا أَيْ بِحَدِيثِ سَلْمَانَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ فَاشْتَرَطُوا أَنْ لَا يَنْقُصَ مِنْ الثَّلَاثِ مَعَ مُرَاعَاةِ الْإِنْقَاءِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهَا فَيُزَادُ مَتَى يُنْقَى وَيُسْتَحَبُّ حِينَئِذٍ الْإِيتَارُ لِقَوْلِهِ مَنْ اِسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِزِيَادَةٍ فِي أَبِي دَاوُدَ حَسَنَةِ الْإِسْنَادِ قَالَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الروايات في هذا الباب انتهى وقال بن تيمية في المنتقى بعد ذكر حديث أبي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أن القطع على وترسنة فيما زاد على ثلاث جمعا بين النصوص انتهى (وأن نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ عَظْمٍ) لَفْظُ أَوْ لِلْعَطْفِ لَا لِلشَّكِّ وَمَعْنَاهُ الْوَاوُ أَيْ نَهَانَا عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِهِمَا وَالرَّجِيعُ هُوَ الرَّوْثُ وَالْعَذِرَةُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ حَالَتِهِ الْأُولَى بَعْدَ أَنْ كَانَ طَعَامًا أَوْ عَلَفًا وَالرَّوْثُ هُوَ رَجِيعُ ذَوَاتِ الْحَوَافِرِ وَجَاءَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ رَجِيعُ دَابَّةٍ وَأَمَّا عَذِرَةُ الْإِنْسَانِ فَهِيَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا رِكْسٌ وَأَمَّا عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالرَّجِيعِ وَالْعَظْمِ فَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ مَا يُسْتَنْجَى بِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرٍ وَخَلَّادِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ بِلَفْظِ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يستطيب بهن فإنها تجزىء عنه والحديث

باب في الإستنجاء بالحجرين

سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاسْتِطَابَةِ فَقَالَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اِسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ ثَلَاثًا قَالَ الْهَيْثَمِيُّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَأَمَّا حَدِيثُ السَّائِبِ والدخلاد فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلْيَمْسَحْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ وَفِيهِ حَمَّادُ بْنُ الْجَعْدِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَلْمَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ يَدُلُّ عليه أحاديث الباب 3 - (باب فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرَيْنِ) [17] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ) هو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا اِسْمَ لَهُ غَيْرُهَا وَيُقَالُ اِسْمُهُ عَامِرٌ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِيهِ كَذَا في التقريب (عن عبد الله) هو بن مَسْعُودِ بْنُ غَافِلٍ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ فَاءٍ مَكْسُورَةٍ بن حبيب بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ أَحَدُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَصَاحِبُ النَّعْلَيْنِ شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ اِثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ عَنْ بِضْعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً قَوْلُهُ (فأتيته بحجرين وروثة) زاد بن خُزَيْمَةَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهَا كَانَتْ رَوْثَةَ حِمَارٍ وَنَقَلَ التَّمِيمِيُّ أَنَّ الرَّوْثَ مُخْتَصٌّ بِمَا يَكُونُ مِنْ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فَوَجَدْتُ الْحَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْ فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُ بِهَا أَيْ بِالثَّلَاثَةِ مِنْ

الْحَجَرَيْنِ وَالرَّوْثَةِ (فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ) اِسْتَدَلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ عَلَى عَدَمِ اِشْتِرَاطِ الثَّلَاثَةِ قَالَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُشْتَرَطًا لَطَلَبَ ثَالِثًا كَذَا قَالَ وَغَفَلَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَمَّا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ أَبِي إسحاق عن علقمة عن بن مَسْعُودٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ فِيهِ فَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ إِنَّهَا رِكْسٌ اِئْتِنِي بِحَجَرٍ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ أَثْبَاتٌ وَقَدْ تَابَعَ عَلَيْهِ مَعْمَرًا أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَتَابَعَهُمَا عَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ أَحَدُ الثِّقَاتِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلْقَمَةَ لَكِنْ أَثْبَتَ سَمَاعَهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْهُ الْكَرَابِيسِيُّ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ عَنْهُ فَالْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْمُخَالِفِينَ وَعِنْدَنَا أَيْضًا إذا اعتضد قاله الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَتَعَقَّبَ عَلَيْهِ الْعَيْنِيُّ في عمدة القارىء ص 737 ج 1 شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ لَمْ يَغْفُلْ الطَّحَاوِيُّ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الَّذِي نَسَبَهُ إِلَى الْغَفْلَةِ هُوَ الْغَافِلُ وَكَيْفَ يَغْفُلُ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ عَدَمُ سَمَاعِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ فَالْحَدِيثُ عِنْدَهُ مُنْقَطِعٌ وَالْمُحَدِّثُ لَا يَرَى الْعَمَلَ بِهِ وَأَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ ضَعِيفٌ فَلَا يُعْتَبَرُ بِمُتَابَعَتِهِ فَاَلَّذِي يَدَّعِي صَنْعَةَ الْحَدِيثِ كَيْفَ يَرْضَى بِهَذَا الْكَلَامِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا غَفْلَةٌ شَدِيدَةٌ مِنْ الْعَيْنِيِّ فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ اِحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ شَرْحِ الْآثَارِ فَمِنْهَا مَا قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرَةَ قَالَ ثنا أبو داود قال ثنا حديج بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَيْتَ الَّذِي يَقْرَأُ خَلْفَ الإمام ملىء فُوهُ تُرَابًا سَلَّمْنَا أَنَّ أَبَا شَيْبَةَ ضَعِيفٌ فَلَا يُعْتَبَرُ بِمُتَابَعَتِهِ لَكِنَّ عَمَّارَ بْنَ رُزَيْقٍ ثِقَةٌ وَهُوَ قَدْ تَابَعَهُمَا فَمُتَابَعَتُهُ مُعْتَبَرَةٌ بِلَا شَكٍّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ الطَّحَاوِيِّ لَوْ كَانَ مُشْتَرَطًا لَطَلَبَ ثَالِثًا فِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ ثَالِثًا بِنَفْسِهِ مِنْ دُونِ طَلَبٍ أَوْ اِسْتَنْجَى بِحَجَرٍ وَطَرَفَيْ حَجَرٍ آخَرَ وَبِالِاحْتِمَالِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ قَالَ الحافظ الزيلعي في نصب الراية قال بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخَذَ حَجَرًا ثَالِثًا مَكَانَ الرَّوْثَةِ وَبِالِاحْتِمَالِ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالَ إِنَّهَا رِكْسٌ) كذا وقع ها هنا بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ فَقِيلَ هِيَ لُغَةٌ في رجس ويدل عليه رواية بن ماجه وبن خُزَيْمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهَا عِنْدَهُمَا بِالْجِيمِ وَقِيلَ الرِّكْسُ الرَّجِيعُ رُدَّ مِنْ حَالَةِ الطَّهَارَةِ إِلَى حَالَةِ النَّجَاسَةِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ رُدَّ مِنْ حَالَةِ الطَّعَامِ إِلَى حَالَةِ الرَّوْثِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي

قَوْلُهُ (وَهَكَذَا رَوَى قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ) الْأَسَدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ لَمَّا كَبِرَ وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ ما ليس من حديثه فَحَدَّثَ بِهِ (وَهَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اِضْطِرَابٌ) أَيْ فِي سَنَدِهِ اِضْطِرَابٌ فَأَصْحَابُ أَبِي إِسْحَاقَ يَخْتَلِفُونَ عَلَيْهِ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ (سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ الحافظ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ وَتَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ (سَأَلْتُ مُحَمَّدًا) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (وَكَأَنَّهُ) أَيْ مُحَمَّدًا الْبُخَارِيُّ (أَشْبَهُ) أَيْ بِالصِّحَّةِ وَأَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ (وَوَضَعَهُ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ) أَيْ الْجَامِعِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ بِصَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابٍ لَا يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ (لِأَنَّ إِسْرَائِيلَ أَثْبَتُ وَأَحْفَظُ لِحَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ مِنْ هَؤُلَاءِ) أَيْ مَعْمَرٍ وَعَمَّارِ بْنِ رُزَيْقٍ وَزُهَيْرٍ وَزَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ (وَتَابَعَهُ) أَيْ إِسْرَائِيلُ (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (قَيْسُ بن الربيع

بِالرَّفْعِ فَاعِلُ تَابَعَ (وَزُهَيْرُ فِي أَبِي إِسْحَاقَ) أَيْ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ (لِأَنَّ سَمَاعَهُ مِنْهُ) أَيْ لِأَنَّ سَمَاعَ زُهَيْرٍ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ (بِأَخَرَةِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ أَيْ فِي آخِرِ عمره في نُسْخَةٍ قَلَمِيَّةٍ صَحِيحَةٍ بِآخِرِةِ اِعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَجَّحَ رِوَايَةَ إِسْرَائِيلَ عَلَى رِوَايَةِ زُهَيْرٍ الَّتِي وَضَعَهَا الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَعَلَى رِوَايَاتِ مَعْمَرٍ وَغَيْرِهِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ إِسْرَائِيلَ أَثْبَتُ وَأَحْفَظُ لِحَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ مِنْ زُهَيْرٍ وَمَعْمَرٍ وَغَيْرِهِمَا الثَّانِي أَنَّ قَيْسَ بْنَ الرَّبِيعِ تَابَعَ إِسْرَائِيلَ عَلَى رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الثَّالِثُ أَنَّ سَمَاعَ إِسْرَائِيلَ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ لَيْسَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَسَمَاعَ زُهَيْرٍ مِنْهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ قُلْتُ فِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ نَظَرٌ فَمَا قَالَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا قَالَ الْآجُرِّيُّ سَأَلْتُ أَبَا دَاوُدَ عَنْ زُهَيْرٍ وَإِسْرَائِيلَ فِي أَبِي إِسْحَاقَ فَقَالَ زُهَيْرُ فَوْقَ إِسْرَائِيلَ بِكَثِيرٍ وَمَا قَالَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ مُتَابَعَةِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ لِرِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ فَإِنَّ شَرِيكًا الْقَاضِيَ تَابَعَ زُهَيْرًا وَشَرِيكُ أَوْثَقُ مِنْ قَيْسٍ وَأَيْضًا تَابَعَ زُهَيْرًا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ وبن حَمَّادٍ الْحَنَفِيُّ وَأَبُو مَرْيَمَ وَزَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ وَمَا قَالَ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ فَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثُ زَكَرِيَّا وَإِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ لَيِّنٌ سَمِعَا مِنْهُ بِآخِرِة فَظَهَرَ الْآنَ أَنَّهُ لَيْسَ لِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ وَجْهٌ صَحِيحٌ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّرْجِيحَ لِرِوَايَةِ زُهَيْرٍ الَّتِي رَجَّحَهَا الْبُخَارِيُّ وَوَضَعَهَا فِي صَحِيحِهِ قَالَ الحافظ بن حجر في مقدمة ص 304 فتح الباري حكى بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي زُرْعَةَ أَنَّهُمَا رَجَّحَا رِوَايَةَ إِسْرَائِيلَ وَكَأَنَّ التِّرْمِذِيَّ تَبِعَهُمَا فِي ذَلِكَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ الْبُخَارِيُّ هُوَ الْأَرْجَحُ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مَجْمُوعَ كَلَامِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ الرَّاجِحُ عَلَى الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا أَمَّا طَرِيقُ إِسْرَائِيلَ وَهِيَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ فَيَكُونُ الْإِسْنَادُ مُنْقَطِعًا أَوْ رِوَايَةُ زُهَيْرٍ وَهِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عن أبيه عن بن مَسْعُودٍ فَيَكُونُ مُتَّصِلًا وَهُوَ تَصَرُّفٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ الْأَسَانِيدَ فِيهِ إِلَى زُهَيْرٍ وَإِلَى إِسْرَائِيلَ أَثْبَتُ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَسَانِيدِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ كَانَ دَعْوَى الِاضْطِرَابِ فِي الْحَدِيثِ مَنْفِيَّةً لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ عَلَى الْحُفَّاظِ فِي

الْحَدِيثِ لَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ مُضْطَرِبًا إِلَّا بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا اِسْتِوَاءُ وُجُوهِ الِاخْتِلَافِ فَمَتَى رَجَحَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ قُدِّمَ وَلَا يُعَلُّ الصَّحِيحُ بِالْمَرْجُوحِ وَثَانِيهِمَا مَعَ الِاسْتِوَاءِ أَنْ يَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ عَلَى قَوَاعِدِ الْمُحَدِّثِينَ أَوْ يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ ذَلِكَ الْحَافِظَ لَمْ يَضْبِطْ ذَلِكَ الْحَدِيثَ بِعَيْنِهِ فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ وَحْدَهَا بِالِاضْطِرَابِ وَيَتَوَقَّفُ عَلَى الْحُكْمِ بِصِحَّةِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ لِذَلِكَ وههنا يَظْهَرُ عَدَمُ اِسْتِوَاءِ وُجُوهِ الِاخْتِلَافِ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ فِيهِ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ عَنْهُ لَا يَخْلُو إِسْنَادٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ غَيْرِ الطَّرِيقَيْنِ الْمُقَدَّمُ ذِكْرُهُمَا عَنْ زُهَيْرٍ وَعَنْ إِسْرَائِيلَ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ رَدُّ أَكْثَرِ الطُّرُقِ إِلَى رِوَايَةِ زُهَيْرٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ بَعْدَ ذَلِكَ تَقْدِيمُ رِوَايَةِ زُهَيْرٍ لِأَنَّ يُوسُفَ بْنَ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ قَدْ تَابَعَ زُهَيْرًا وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَرِوَايَةِ زُهَيْرٍ وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سَلِيمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عن أبيه عن بن مَسْعُودٍ كَرِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَلَيْثٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفَ الْحِفْظِ فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ بِهِ وَيُسْتَشْهَدُ فَيُعْرَفُ أَنَّ لَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ أَصْلًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الْحَسَنِ) بن جُنَيْدِبٍ التِّرْمِذِيَّ الْحَافِظَ الْجَوَّالَ كَانَ مِنْ تَلَامِذَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَوَى عَنْ أَبِي عَاصِمٍ وَالْفِرْيَابِيِّ وَيَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ والترمذي وبن خُزَيْمَةَ وَكَانَ أَحَدَ أَوْعِيَةِ الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ 502 خَمْسٍ وَمِائَتَيْنِ (إِذَا سَمِعْتُ الْحَدِيثَ عَنْ زَائِدَةَ) هو بن قُدَامَةَ الثَّقَفِيُّ أَبُو الصَّلْتِ الْكُوفِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ رَوَى عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَزِيَادِ بْنِ علاقة وعاصم بن بهدلة وعنه بن عيينة وبن مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُمَا وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ مَاتَ غَازِيًا بِأَرْضِ الرُّومِ سَنَةَ 261 اِثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ صَاحِبُ سُنَّةٍ (وَزُهَيْرٍ) تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ آنِفًا (إِلَّا حَدِيثَ أَبِي إِسْحَاقَ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَحْمَدُ زُهَيْرٌ سَمِعَ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِأَخَرَةٍ وَقَالَ فِي هَامِشِهَا نَقْلًا عَنْ التَّهْذِيبِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ ثِقَةٌ إِلَّا أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ انْتَهَى (وَأَبُو إِسْحَاقَ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيُّ الْهَمْدَانِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُكْثِرٌ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنْ الثَّالِثَةِ يَعْنِي مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ اِخْتَلَطَ بِآخِرِة مَاتَ سَنَةَ 921 تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَحَدُ أَعْلَامِ التَّابِعِينَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ ثِقَةٌ يُشْبِهُ الزُّهْرِيَّ فِي الْكَثْرَةِ وَقَالَ حُمَيْدٌ الرُّؤَاسِيُّ سَمِعَ منه بن عيينة بعد ما اِخْتَلَطَ انْتَهَى قُلْتُ

هُوَ مُدَلِّسٌ صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ (وَلَا يُعْرَفُ اِسْمُهُ) اِسْمُهُ عَامِرٌ لَكِنَّهُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) الْهُذَلِيُّ مَوْلَاهُمْ الْكُوفِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَرَابِيسِيُّ الْحَافِظُ رَبِيبُ شُعْبَةٍ جَالَسَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً لقبه غندر قال بن مَعِينٍ كَانَ مِنْ أَصَحِّ النَّاسِ كِتَابًا قَالَ أَبُو دَاوُدَ مَاتَ سَنَةَ 391 ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ وقال بن سَعْدٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ صَحِيحُ الْكِتَابِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ غَفْلَةً انْتَهَى (عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَارِقٍ الْجُمَلِيِّ الْمُرَادِيِّ الْكُوفِيِّ الْأَعْمَى ثِقَةٌ عَابِدٌ كَانَ لَا يُدَلِّسُ وَرُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ قَوْلُهُ (سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هَلْ تَذْكُرُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا قَالَ لَا) هَذَا نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا اِسْمَ لَهُ غَيْرُهَا وَيُقَالُ اِسْمُهُ عَامِرٌ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِيهِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أبيه شيئا وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْمَرَاسِيلِ قُلْتُ لِأَبِي هَلْ سَمِعَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ أَبِيهِ قَالَ يُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ رَادًّا عَلَى الْحَافِظِ مَا لَفْظُهُ وَأَمَّا قَوْلُ هَذَا الْقَائِلِ أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ فَمَرْدُودٌ بِمَا ذُكِرَ فِي الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَتَّابٍ الْكُوفِيُّ سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ الْحَدِيثَ وَبِمَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي ذِكْرِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ وَبِمَا حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ عِدَّةَ أَحَادِيثَ رَوَاهَا عَنْ أَبِيهِ مِنْهَا لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ جِيءَ بِالْأَسْرَى وَمِنْهَا كَانَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمِنْ شَرْطِ الْحَدِيثِ الْحَسَنِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلَ الْإِسْنَادِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ لَا بُدَّ لِلْعَيْنِيِّ أَنْ يُثْبِتَ أَوَّلًا صِحَّةَ رِوَايَةِ الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَدِلَّ بِهَا عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ أَبِي عُبَيْدَةَ وَدُونُهُ خَرْطُ الْقَتَادِ وَأَمَّا اِسْتِدْلَالُهُ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْ أَبِيهِ بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَتَصْحِيحُهُ فَعَجِيبٌ جِدًّا فَإِنَّ تَسَاهُلَهُ مَشْهُورٌ وَقَدْ ثَبَتَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ نَفْسِهِ عَدَمُ سَمَاعِهِ مِنْ أَبِيهِ كَمَا عَرَفْتُ وَأَمَّا اِسْتِدْلَالُهُ عَلَى ذَلِكَ بِمَا حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ عِدَّةَ أَحَادِيثَ رَوَاهَا عَنْ أَبِيهِ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَدْ يُحَسِّنُ الْحَدِيثَ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِانْقِطَاعِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ

باب كراهية ما يستنجى به

14 - (بَابُ كَرَاهِيَةِ مَا يُسْتَنْجَى بِهِ) أَيْ فِي بَيَانِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ مَبْسُوطًا أَنَّ إِطْلَاقَ لَفْظِ الْكَرَاهِيَةِ جَاءَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِمَعْنَى التَّحْرِيمِ وَالسَّلَفُ كَانُوا يَسْتَعْمِلُونَ هَذَا اللَّفْظَ فِي مَعْنَاهُ الَّذِي اُسْتُعْمِلَ فِيهِ كَلَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَكِنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اِصْطَلَحُوا عَلَى تَخْصِيصِ لَفْظِ الْكَرَاهِيَةِ بِمَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ وَتَرْكهُ أَرْجَحُ مِنْ فِعْلِهِ ثُمَّ حَمَلَ مَنْ حَمَلَ مِنْهُمْ كَلَامَ الْأَئِمَّةِ عَلَى الْاصْطلَاحِ الْحَادِثِ فَغَلِطَ فِي ذَلِكَ [18] قَوْلُهُ (نَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ) بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وياء ومثلثة بن طَلْقِ بْنِ مُعَاوِيَةَ النَّخَعِيِّ أَبُو عُمَرَ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي ثِقَةٌ فَقِيهٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ قَلِيلًا فِي الْآخِرِ مِنْ الثَّامِنَةِ أَيْ مِنْ الطَّبَقَةِ الْوُسْطَى مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي أَجْمَعُوا عَلَى تَوْثِيقِهِ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ إِلَّا أَنَّهُ سَاءَ حِفْظُهُ فِي الْآخِرِ فَمَنْ سَمِعَ مِنْ كِتَابِهِ أَصَحُّ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْ حِفْظِهِ رَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ (عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ) الْقُشَيْرِيِّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ إِلَّا أَنَّهُ يَهِمُ بِأَخَرَةٍ رَوَى عَنْ بن الْمُسِيِّبِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ وَالشَّعْبِيِّ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَرِينُهُ وَقَتَادَةُ كَذَلِكَ وَشُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَخَلْقٌ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَالْعِجْلِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مَاتَ سَنَةَ 931 تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ (عَنْ الشَّعْبِيِّ) هُوَ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ بِفَتْحِ الشِّينِ أَبُو عَمْرٍو ثِقَةٌ مَشْهُورٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ مِنْ الطَّبَقَةِ الْوُسْطَى مِنْ التَّابِعِينَ قَالَ مَكْحُولٌ مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْهُ وكذلك قال أبو مجاز قَالَ الشَّعْبِيُّ أَدْرَكْتُ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَالَ بن عيينة كانت الناس تقول بن عَبَّاسٍ فِي زَمَانِهِ وَالشَّعْبِيُّ فِي زَمَانِهِ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ (عن علقمة) بن قَيْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ عَابِدٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ عَنْ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وبن مَسْعُودٍ وَطَائِفَةٍ وَعَنْهُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَخَلْقٌ قال بن الْمَدِينِيِّ أَعْلَمُ النَّاسِ بِابْنِ مَسْعُودٍ عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ قال بن سَعْدٍ مَاتَ سَنَةَ 62 اِثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ قَوْلُهُ (لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ وَلَا بِالْعِظَامِ) جَمْعُ عَظْمٍ وَتَقَدَّمَ مَعْنَى الرَّوْثِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ (فَإِنَّهُ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ) قال الطيبي الضمير في فإنه راجح إِلَى الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ بِاعْتِبَارِ الْمَذْكُورِ كَمَا وَرَدَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَجَامِعِ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ وَفِي بَعْضِهَا وَجَامِعِ

التِّرْمِذِيِّ فَإِنَّهَا فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْعِظَامِ وَالرَّوْثُ تَابِعٌ لَهَا وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وقال بن حَجَرٍ وَإِنَّمَا سَكَتَ عَنْ الرَّوْثِ لِأَنَّ كَوْنَهُ زَادًا لَهُمْ إِنَّمَا هُوَ مَجَازٌ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لِدَوَابِّهِمْ انْتَهَى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ لَيْلَةِ الْجِنِّ وَسَأَلُوهُ عَنْ الزَّادِ فَقَالَ لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اِسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَكُلُّ بَعْرَةٍ لِدَوَابِّكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا طَعَامُ الْجِنِّ وَحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالرَّوْثِ وَالْعَظْمِ وَالْعِلَّةُ أَنَّهُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ الْعِظَامُ لَهُمْ وَالرَّوْثُ لِدَوَابِّهِمْ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ أَوْ عَظْمٍ وَقَالَ إِنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ أَنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ عَلَّلَ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِأَنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُمَا مِنْ طَعَامِ الْجِنِّ وَعُلِّلَتْ الرَّوْثَةُ بِأَنَّهَا رِكْسٌ وَالتَّعْلِيلُ بِعَدَمِ التَّطْهِيرِ فِيهَا عَائِدٌ إِلَى كَوْنِهَا رِكْسًا وَأَمَّا عَدَمُ تَطْهِيرِ الْعَظْمِ فَإِنَّهُ لَزِجٌ لَا يَتَمَاسَكُ فَلَا يُنَشِّفُ النجاسة ولا يقطع البلة قال ولاتنافي بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَقَدْ يُعَلَّلُ الْأَمْرُ الْوَاحِدُ بِعِلَلٍ كَثِيرَةٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هريرة وسلمان وعلي وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَفِي بَابِ ذِكْرِ الْجِنِّ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلْمَانَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إن يتمسح بعظم أو بعر وحديث بن مَسْعُودٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى هذا الحديث إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بْنُ مِقْسَمٍ الْأَسَدِيُّ مَوْلَاهُمْ أبو بشر البصري المعروف بن عُلَيَّةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنْ الطَّبَقَةِ الْوُسْطَى مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ رَوَى عَنْ أَيُّوبَ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ وَرَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ أحمد وبن رَاهْوَيْهِ وَعَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ قَالَ شعبة بن عُلَيَّةَ رَيْحَانَةُ الْفُقَهَاءِ قَالَ أَحْمَدُ إِلَيْهِ الْمُنْتَهَى في التثبت وقال بن مَعِينٍ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا وَرِعًا تَقِيًّا (الْحَدِيثَ بِطُولِهِ) بِالنَّصْبِ أَيْ أَتَمَّ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ

باب الإستنجاء بالماء

وَالْقِرَاءَةِ عَلَى الْجِنِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ دَاوُدَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ مَسْعُودٍ هَلْ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ مِنْكُمْ أَحَدٌ قَالَ مَا صَحِبَهُ مِنَّا أَحَدٌ وَلَكِنْ اِفْتَقَدْنَاهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَهُوَ بِمَكَّةَ اُغْتِيلَ اُسْتُطِيرَ مَا فُعِلَ بِهِ فَبِتْنَا بِشَرِّ لَيْلَةٍ بَاتَ بِهَا قَوْمٌ حَتَّى إِذَا أَصْبَحْنَا أَوْ كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ إِذَا نَحْنُ بِهِ يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ حِرَاءٍ قَالَ فَذَكَرُوا الَّذِي كَانُوا فِيهِ قَالَ فَقَالَ أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَأَتَيْتُهُمْ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمْ قَالَ فَانْطَلَقَ فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ قَالَ الشَّعْبِيُّ سَأَلُوهُ الزَّادَ وَكَانُوا مِنْ الْجَزِيرَةِ فَقَالَ كُلُّ عَظْمٍ يُذْكَرُ اِسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أو فرما كان لحما وكل بعرة أوروثة علف لدوابهم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَسْتَنْجُوا بِهِمَا فَإِنَّهُمَا زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَكَأَنَّ رِوَايَةَ إِسْمَاعِيلَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ) والفرق بين روايتيهما أَنَّ رِوَايَةَ إِسْمَاعِيلَ مَقْطُوعَةٌ وَرِوَايَةَ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ مُسْنَدَةٌ وَوَجْهُ كَوْنِ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ أَصَحَّ أَنَّ حَفْصًا خَالَفَ أَصْحَابَ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ فَرَوَى هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُسْنَدَةً وَهُمْ رَوَوْهَا مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مسلم قال الدارقطني انتهى حديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ قَوْلِهِ فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ كَلَامِ الشَّعْبِيِّ كَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ دَاوُدَ الرَّاوِي عَنِ الشعبي وبن علية وبن زريع وبن أبي زائدة وبن إِدْرِيسَ وَغَيْرِهِمْ هَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إِنَّهُ مِنْ كَلَامِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ مرويا عن بن مَسْعُودٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَالشَّعْبِيُّ لَا يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن جابر وبن عُمَرَ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا وَهُوَ تكرار 5 - (باب الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ) [19] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ) الْأُمَوِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ رَوَى عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ وَأَبِي عَوَانَةَ وَيَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ وَعَنْهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ لَا بأس وبن مَاجَهْ مَاتَ سَنَةَ 244 أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (عَنْ

قتادة) بن دِعَامَةَ السُّدُوسِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ يُقَالُ وُلِدَ أكمه وهو رأس الطبقة الرابعة قال بن الْمُسَيِّبِ مَا أَتَانَا عِرَاقِيٌّ أَحْفَظُ مِنْ قَتَادَةَ وقال بن سيرين قتادة أحفظ الناس وقال بن مَهْدِيٍّ قَتَادَةُ أَحْفَظُ مِنْ خَمْسِينَ مِثْلِ حُمَيْدٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ 117 سَبْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَقَدْ اِحْتَجَّ بِهِ أَرْبَابُ الصِّحَاحِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ قُلْتُ لَكِنَّهُ مُدَلِّسٌ (عَنْ مُعَاذَةَ) بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيَّةِ أُمِّ الصَّهْبَاءِ الْبَصْرِيَّةِ الْعَابِدَةِ قَالَ بن مَعِينٍ ثِقَةٌ حُجَّةٌ رَوَتْ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَعَنْهَا أَبُو قِلَابَةَ وَيَزِيدُ الرِّشْكُ وَأَيُّوبُ وَطَائِفَةٌ قَالَ الذَّهَبِيُّ بَلَغَنِي أَنَّهَا كَانَتْ تُحْيِي اللَّيْلَ وَتَقُولُ عَجِبْتُ لِعَيْنٍ تَنَامُ وَقَدْ عَلِمَتْ طُولَ الرقاد في القبور قال بن الجوزي توفيت سنة 38 ثلاث وثمانون قَوْلُهُ (قَالَتْ) أَيْ لِلنِّسَاءِ (أَنْ يَسْتَطِيبُوا) أَيْ أَنْ يَسْتَنْجُوا وَالِاسْتِطَابَةُ الِاسْتِنْجَاءُ (فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ) أَيْ مِنْ بَيَانِ هَذَا الْأَمْرِ (كَانَ يَفْعَلُهُ) أَيْ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْغَيْضَةَ فَقَضَى حَاجَتَهُ فَأَتَاهُ جَرِيرٌ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَاسْتَنْجَى مِنْهَا وَمَسَحَ يَدَهُ بِالتُّرَابِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ صَدُوقٌ إِلَّا إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ بِالْعَنْعَنَةِ وَجَاءَتْ رِوَايَةٌ بِصَرِيحِ التَّحْدِيثِ لَكِنَّ الذَّنْبَ لِغَيْرِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلَاءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إِدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والترمذي وبن مَاجَهْ مَرْفُوعًا قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا والله يحب المطهرين قَالَ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ أُخْرَى وَمِنْ هُنَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ مِنْ الْأَئِمَّةِ إِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ حَدِيثٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ الِاسْتِنْجَاءَ بالماء وإن كان الاستنجاء

باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم

بالحجارة يجزيء عِنْدَهُمْ إِلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ مَذْهَبُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَالَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْفَتْوَى مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ فَيُقَدِّمَ الْحَجَرَ أَوَّلًا ثُمَّ يَسْتَعْمِلَ الْمَاءَ فَتَخِفُّ النَّجَاسَةُ وَتَقِلُّ مُبَاشَرَتُهَا بِيَدِهِ وَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي النَّظَافَةِ فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِكَوْنِهِ يُزِيلُ عَيْنَ النَّجَاسَةِ وَأَثَرَهَا وَالْحَجَرُ يُزِيلُ الْعَيْنَ دُونَ الْأَثَرِ لَكِنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ اِعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ قَدْ بَوَّبَ فِي صَحِيحِهِ بَابَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَنَسٍ الْمَذْكُورَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ وَعَلَى مَنْ لَغَى وُقُوعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ فَقَالَ إِذًا لَا يَزَالُ فِي يدي نتن وعن نافع عن بن عمر كان لا يستنجي بالماء وعن بن الزبير قال ما كنا نفعله ونقل بن التِّينِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اِسْتَنْجَى بِالْمَاءِ وعن بن حَبِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ مَنَعَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ انْتَهَى قُلْتُ لَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ أَيْضًا أَرَادَ مَا أَرَادَ الْبُخَارِيُّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 6 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ فِي الْمَذْهَبِ [20] قَوْلُهُ (نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ) هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ الصَّلْتِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِ سِنِينَ رَوَى عَنْ حُمَيْدٍ وَأَيُّوبَ وخالد الحذاء وخلق وعنه أحمد وإسحاق وبن معين والمديني ومن القدماء الشافعي قال بن الْمَدِينِيِّ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا كِتَابٌ عَنْ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ أَصَحَّ مِنْ كِتَابِ عَبْدِ الْوَهَّابِ مَاتَ سَنَةَ 491 أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُبَيْدَةَ بْنِ سُفْيَانَ وَذَكَرَ كَثِيرًا مِنْ شُيُوخِهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ وَحَاصِلُهَا مَا قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مِنْ أَنَّهُ صَدُوقٌ لَهُ أوهام

(عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل ثقة مُكْثِرٌ مِنْ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ المغيرة بن شعبة) بن مَسْعُودِ بْنِ مُعْتِبٍ الثَّقَفِيِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَسْلَمَ قَبْلَ الْحُدَيْبِيَةِ وَوَلِيَ إِمْرَةَ الْبَصْرَةِ ثُمَّ الْكُوفَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (فَأَبْعَدَ فِي الْمَذْهَبِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ فَأَبْعَدَ فِي الذَّهَابِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ كَانَ إِذَا ذَهَبَ الْمَذْهَبَ أَبْعَدَ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الذَّالِ مَفْعَلٌ من الذهاب ويطلق على معنين أَحَدُهُمَا الْمَكَانُ الَّذِي يُذْهَبُ إِلَيْهِ وَالثَّانِي الْمَصْدَرُ يُقَالُ ذَهَبَ ذَهَابًا وَمَذْهَبًا فَيُحْمَلُ أَنْ يُرَادَ الْمَكَانُ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إِذَا ذَهَبَ فِي الْمَذْهَبِ أَيْ مَوْضِعِ التَّغَوُّطِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ الْمَصْدَرُ أَيْ ذَهَبَ مَذْهَبًا وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَقَالَ بِهِ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَيُوَافِقُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ أَتَى حَاجَتَهُ فَأَبْعَدَ فِي الْمَذْهَبِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ فِيهَا أَنْ يُرَادَ بِالْمَذْهَبِ الْمَصْدَرُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي قُرَادٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ الْأَنْصَارِيِّ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ ويقال له بن الفاكه وأخرج حديثه النسائي وبن مَاجَهْ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَلَاءِ وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ أَبْعَدَ هَذَا لَفْظُ النَّسَائِيِّ (وَأَبِي قَتَادَةَ وَجَابِرٍ وَيَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ وأبي موسى وبن عَبَّاسٍ وَبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فأخرجه بن مَاجَهْ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْتِي الْبَرَازَ حَتَّى يَتَغَيَّبَ فَلَا يُرَى وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ قَدْ تَكَلَّمَ فيه غير واحد وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِيهِ سَعْدُ بْنُ طَرِيفٍ وَاتُّهِمَ بِالْوَضْعِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَأَمَّا حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَفِيهِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ وَقَدْ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ

باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل

قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَرْتَادُ لِبَوْلِهِ مَكَانًا) أَيْ يَطْلُبُ مَكَانًا لَيِّنًا لِئَلَّا يَرْجِعَ إِلَيْهِ رَشَاشُ بَوْلِهِ يُقَالُ رَادَ وَارْتَادَ وَاسْتَرَادَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ لِلْجَزَرِيِّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَوَّأُ لِبَوْلِهِ كَمَا يَتَبَوَّأُ لِمَنْزِلِهِ قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ بَعْدَ ذِكْرِهِ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رُجَيٍّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُمَا وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ مُوَثَّقُونَ انْتَهَى وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ ثُمَّ قَالَ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ قَوْلُهُ (اِسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزهري المدني قيل اسمه عبد الله وَقِيلَ اِسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ ثِقَةٌ مُكْثِرٌ مِنْ الثَّالِثَةِ يَعْنِي مِنْ الطَّبَقَةِ الْوُسْطَى مِنْ التَّابِعِينَ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ لَيْسَ لَهُ اِسْمٌ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ عَمْرٌو وَعُرْوَةُ والأعرج والشعبي والزهري وخلق قال بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً فَقِيهًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ وَنَقَلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ أَنَّهُ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ انْتَهَى 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ) [21] قَوْلُهُ (وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى) الْمَرْوَزِيِّ أَبُو الْعَبَّاسِ السِّمْسَارُ مَرْدُوَيْهِ الحافظ عن بن الْمُبَارَكِ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَإِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ مَاتَ سَنَةَ 532 خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِمَرْدُوَيْهِ ثِقَةٌ حَافِظٌ انْتَهَى وفي المغني لصاحب مجمع البحار مروديه بِمَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ رَاءٍ وَضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَبِتَحْتِيَّةٍ لَقَبُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ (قَالَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ (عَنْ معمر) تقدم (عن أشعث) بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ

وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ مَعْمَرٌ وَشُعْبَةُ وَغَيْرُهُمَا وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَوْرَدَهُ الْعَقِيلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ وَهْمٌ قَالَ الذَّهَبِيُّ قَوْلُ الْعَقِيلِيِّ فِي حَدِيثِهِ وَهْمٌ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ وَأَنَا أَتَعَجَّبُ كَيْفَ لَمْ يُخْرِجْ لَهُ الشَّيْخَانِ وَقَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ لَا يُعْتَبَرُ بِمَا وَقَعَ فِي أَحْكَامِ عَبْدِ الْحَقِّ مِنْ أَنَّ أَشْعَثَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ الْحَسَنِ فَإِنَّهُ وَهْمٌ (عَنْ الْحَسَنِ) بن أَبِي الْحَسَنِ يَسَارٍ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ مَشْهُورٌ يُرْسِلُ كَثِيرًا وَيُدَلِّسُ وَهُوَ رَأْسُ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ قَالَ الْبَزَّارُ كَانَ يَرْوِي عَنْ جَمَاعَةٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَيَتَجَوَّزُ وَيَقُولُ حَدَّثَنَا وَخَطَبَنَا يَعْنِي قَوْمَهُ الَّذِينَ حَدَّثُوا وَخَطَبُوا بِالْبَصْرَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ قَدْ صَرَّحَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِسَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ يَبُولَ الرَّجُلُ فِي مُسْتَحَمِّهِ) أَيْ فِي مُغْتَسَلِهِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْمُسْتَحَمُّ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُغْتَسَلُ فِيهِ بِالْحَمِيمِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْمَاءُ الْحَارُّ ثُمَّ قِيلَ لِلِاغْتِسَالِ بِأَيِّ مَاءٍ كَانَ اِسْتِحْمَام وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْلَكٌ يَذْهَبُ فِيهِ الْبَوْلُ أَوْ كَانَ الْمَكَانُ صُلْبًا فَيُوهِمُ الْمُغْتَسِلَ أَنَّهُ أَصَابَهُ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَحْصُلُ مِنْهُ الْوِسْوَاسُ انْتَهَى (وَقَالَ إِنَّ عَامَّةَ الْوِسْوَاسِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْأُولَى وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوِسْوَاسِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْبَوْلِ أَيْ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْمُسْتَحَمِّ أَيْ أَكْثَرُ الْوِسْوَاسِ يَحْصُلُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْمَوْضِعُ نَجِسًا فَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ وَسْوَسَةٌ بِأَنَّهُ هَلْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ رَشَاشِهِ أَمْ لَا قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ وسوست إليه نفسه وسوسة ووسوسا بِالْكَسْرِ وَهُوَ بِالْفَتْحِ الِاسْمُ وَالْوَسْوَاسُ أَيْضًا اِسْمٌ لِلشَّيْطَانِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ يَبُولَ فِي مُغْتَسَلِهِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ

قَوْلُهُ (وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ بن سِيرِينَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو بكر بن أبي عَمْرَةَ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ كَبِيرُ الْقَدْرِ كان لايرى الرواية بالمعنى من الثالثة مات سنة 011 عشر وَمِائَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَكَرِهَ ذَلِكَ آخَرُونَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَوْلُهُمْ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ الْبَابِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَرَبْطُ النَّهْيِ بِعِلَّةِ إِفْضَاءِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إِلَى الْوَسْوَسَةِ يَصْلُحُ قَرِينَةً تَصْرِفُ النَّهْيَ عَنْ التَّحْرِيمِ إِلَى الْكَرَاهَةِ (قِيلَ لَهُ) أَيْ لِابْنِ سِيرِينَ (يُقَالُ إِنَّ عَامَّةَ الْوِسْوَاسِ مِنْهُ فَقَالَ رَبُّنَا اللَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلتِّرْمِذِيِّ فَهُوَ الْمُتَوَحِّدُ فِي خَلْقِهِ لَا دَخْلَ لِلْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْخَلْقِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَابِهِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لِلْأَشْيَاءِ أَسْبَابًا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّجَنُّبِ عَنْ الْأَسْبَابِ الْقَبِيحَةِ أَقُولُ عُلِمَ قُبْحُهُ بِنَهْيِ الشَّارِعِ عَنْهُ انْتَهَى كلام أبي الطيب (وقال بن الْمُبَارَكِ قَدْ وُسِّعَ فِي الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ إِذَا جَرَى فِيهِ الْمَاءُ) قَالَ الْحَافِظُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ حَمَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمُغْتَسَلُ لَيِّنًا وَلَيْسَ فِيهِ مَنْفَذٌ بِحَيْثُ إِذَا نَزَلَ فِيهِ الْبَوْلُ شَرِبَتْهُ الْأَرْضُ وَإِذَا اِسْتَقَرَّ فِيهَا فَإِنْ كَانَ صُلْبًا بِبَلَاطٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ يَجْرِي عَلَيْهِ الْبَوْلُ وَلَا يَسْتَقِرُّ أَوْ كَانَ فِيهِ مَنْفَذٌ كالبالوعة ونحوها فلا نهي روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ إِذَا كَانَ يسيل فلا بأس وقال بن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدٍ الطَّنَافِسِيَّ يَقُولُ إِنَّمَا هَذَا فِي الْحَفِيرَةِ فَأَمَّا الْيَوْمَ لِمُغْتَسَلَاتِهِمْ الْجِصُّ وَالْقِيرُ فَإِذَا بَالَ فَأَرْسَلَ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّمَا نَهَى عَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ إِذَا كَانَ صُلْبًا يَخَافُ مِنْهُ إِصَابَةَ رَشَاشَهٍ فَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مَنْفَذٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ وَهُوَ عَكْسُ مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ فَإِنَّهُمْ حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى الْأَرْضِ اللَّيِّنَةِ وَحَمَلَهُ هُوَ عَلَى الصُّلْبَةِ وَقَدْ لَمَحَ هُوَ مَعْنًى آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ فِي الصُّلْبَةِ يَخْشَى عَوْدَ الرَّشَاشِ بِخِلَافِ الرِّخْوَةِ وَهُمْ نَظَرُوا إِلَى أَنَّهُ فِي الرِّخْوَة يَسْتَقِرُّ مَوْضِعُهُ وَفِي الصُّلْبَةِ يَجْرِي وَلَا يَسْتَقِرُّ فَإِذَا صَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ ذَهَبَ أَثَرُهُ بِالْكُلِّيَّةِ انْتَهَى وَالَّذِي قَالَهُ النَّوَوِيُّ سَبَقَهُ إِلَيْهِ صَاحِبُ النِّهَايَةِ كَمَا عَرَفْتُ آنِفًا قُلْتُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَلَا يُقَيَّدَ الْمُسْتَحَمُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُيُودِ فَيُحْتَرَزُ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مسلك أم لا سواء كَانَ الْمَكَانُ صُلْبًا أَوْ لَيِّنًا فَإِنَّ الْوِسْوَاسَ قَدْ يَحْصُلُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْمُغْتَسَلِ الَّذِي لَهُ مَسْلَكٌ أَيْضًا وَكَذَلِكَ قَدْ يَحْصُلُ الْوِسْوَاسُ منه في

باب ما جاء في السواك

الْمُغْتَسَلِ اللَّيِّنِ وَالصُّلْبِ كَمَا لَا يَخْفَى قَوْلُهُ (حدثنا بذلك) أي بقول بن الْمُبَارَكِ الْمَذْكُورِ (أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ الْآمُلِيُّ) بِالْمَدِّ وَضَمِّ الْمِيمِ يُكَنَّى أَبَا جَعْفَرٍ صَدُوقٌ مِنْ الحادية عشرة روى عنه دَاوُدُ وَالتِّرْمِذِيُّ (عَنْ حِبَّانَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدَّةِ الْمُوَحَّدَةِ هُوَ حِبَّانُ بْنُ مُوسَى بْنِ سوار السلمي أبو محمد المروزي عن بن الْمُبَارَكِ وَأَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والترمذي والنسائي قال بن معين لا بأس به وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السِّوَاكِ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْآلَةِ وَعَلَى الْفِعْلِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا [22] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنْ الْعَاشِرَةِ رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) هُوَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ قَوْلُهُ (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي) أَيْ لَوْلَا أَنْ أثقل عليهم الْمَشَقَّةَ وَهِيَ الشِّدَّةُ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ شَقَّ عَلَيْهِ أَيْ ثَقُلَ أَوْ حَمَّلَهُ مِنْ الْأَمْرِ الشَّدِيدِ مَا يَشُقُّ وَيَشْتَدُّ عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى لَوْلَا خَشْيَةَ وُقُوعِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ أَوْ أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وُجُوبًا أَيْ لَوْلَا الْمَشَقَّةُ مَوْجُودَةٌ (لَأَمَرْتُهُمْ) أَيْ وُجُوبًا (بِالسِّوَاكِ) أَيْ بِاسْتِعْمَالِ السِّوَاكِ لِأَنَّ السِّوَاكَ هُوَ الْآلَةُ وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْفِعْلِ أَيْضًا (عند كل صلاة) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ عِنْدَ وُضُوئِهَا لِمَا رَوَى بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَلِخَبَرِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ طَهُورٍ فَتَبَيَّنَ مَوْضِعُ السِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَالشَّافِعِيَّةُ يَجْمَعُونَ بَيْنَ

الْحَدِيثَيْنِ بِالسِّوَاكِ فِي اِبْتِدَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا ثُمَّ اِعْلَمْ أَنَّ ذِكْرَ الْوُضُوءِ وَالطُّهُورِ بَيَانٌ لِلْمَوَاضِعِ الَّتِي يَتَأَكَّدُ اِسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ فِيهَا أَمَّا أَصْلُ اِسْتِحْبَابِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ وَلَا سَبَبٍ نَعَمْ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ الْأَسْبَابِ يَتَأَكَّدُ اِسْتِحْبَابُهُ كَتَغَيُّرِ الْفَمِ بِالْأَكْلِ أَوْ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ وَنَحْوِهِمَا وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْهُ عُلَمَاؤُنَا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ نَفْسِهَا لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ جِرَاحَةِ اللِّثَةِ وَخُرُوجِ الدَّمِ وَهُوَ نَاقِضٌ عِنْدَنَا فَرُبَّمَا يُفْضِي إِلَى حَرَجٍ وَلِأَنَّهُ لَمْ يروا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ اِسْتَاكَ عِنْدَ قِيَامِهِ إِلَى الصَّلَاةِ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ عَلَى كُلِّ وُضُوءٍ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ أَوْ التَّقْدِيرُ لَوْلَا وُجُودُ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ لَأَمَرْتهمْ بِهِ لَكِنِّي لَمْ آمُرْ بِهِ لِأَجْلِ وُجُودِهَا وَقَدْ قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ الصُّوفِيَّةِ فِي نَصَائِحِهِ الْعِبَادِيَّةِ وَمِنْهَا مُدَاوَمَةُ السِّوَاكِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الصَّلَاةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ أَوْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَرَوَى أَحْمَدُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ قَالَ صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةٍ بِغَيْرِ سِوَاكٍ وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ أَوْ الْمُصَاحَبَةِ وَحَقِيقَتُهُمَا فِيمَا اِتَّصَلَ حِسًّا أَوْ عُرْفًا وَكَذَا حَقِيقَةُ كَلِمَةِ مَعَ وَعِنْدَ وَالنُّصُوصُ مَحْمُولَةٌ على ظواهرها إذا أمكن وقد أمكن ها هنا فلا مساغ إذا على حل الْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ أَوْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ كَيْفَ وَقَدْ ذَكَرَ السِّوَاكَ عِنْدَ نَفْسِ الصَّلَاةِ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفُرُوعِ الْمُعْتَبَرَةِ قَالَ فِي التَّتارْخَانِيَّةِ نَقْلًا عَنْ التَّتِمَّةِ وَيُسْتَحَبُّ السِّوَاكُ عِنْدَنَا عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَوُضُوءٍ وَكُلِّ شَيْءٍ يُغَيِّرُ الْفَمَ وعند اليقظة انتهى وقال الفاضل المحقق بن الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَيُسْتَحَبُّ فِي خَمْسَةِ مواضع اصفراء السِّنِّ وَتَغَيُّرُ الرَّائِحَةِ وَالْقِيَامُ مِنْ النَّوْمِ وَالْقِيَامُ إِلَى الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الْوُضُوءِ انْتَهَى فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ مِنْ تَصْرِيحِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الصَّلَاةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ الدَّمُ فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ لَيْسَ لَهُ وَجْهٌ نَعَمْ مَنْ يَخَافُ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعْمِلْ بِالرِّفْقِ عَلَى نَفْسِ الْأَسْنَانِ وَاللِّسَانِ دُونَ اللِّثَةِ وَذَلِكَ لَا يَخْفَى انْتَهَى كلام القارىء قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَمُسْلِمٌ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ عند كل صلاة والنسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ مَعَ الوضوء عند كل صلاة ورواه أحمد وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَعِنْدَهُمَا لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ انْتَهَى مَا فِي التَّرْغِيبِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ وَقَالَ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وأحمد والنسائي وصححه بن خُزَيْمَةَ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا انْتَهَى فَلَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ كُلِّ صلاة على كل وضوء كما قال

القارىء وَغَيْرُهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ الصُّوفِيَّةِ وَلَوْ يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيُقَالُ بِاسْتِحْبَابِ السِّوَاكِ عِنْدَ نَفْسِ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ الصُّوفِيَّةِ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَهُوَ الرَّاجِحُ فَقَدْ حَمَلَهُ راوية زيد بن خلد الْجُهَنِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَوَى الْخَطِيبُ فِي كِتَابِ أَسْمَاءِ مَنْ رَوَى عَنْ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ ثَابِتٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُوكُهُمْ عَلَى آذَانِهِمْ يَسْتَنُّونَ بِهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ وَرَوَى عن بن أبي شيبة عن صالح بن كيسا أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَأَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَرُوحُونَ وَالسِّوَاكُ عَلَى آذَانِهِمْ قَالَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الْحَقِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ مَا لَفْظُهُ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ مَعَ مَا أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ والنسائي وصححه بن خُزَيْمَةَ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ السِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَعِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ الْعِبَارَةِ بِأَنْ يُقَالَ أَيْ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَصَلَاةٍ كَمَا قَدَّرَهَا بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بَلْ فِي هَذَا رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ وَهِيَ السِّوَاكُ عِنْدَ الصَّلَاةِ وَعَلَّلَ بِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي عَمَلُهُ فِي الْمَسَاجِدِ لِأَنَّهُ مِنْ إِزَالَةِ الْمُسْتَقْذَرَاتِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ دَلَّتْ عَلَى اِسْتِحْبَابِهِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يُعْمَلَ إِلَّا فِي الْمَسْاجِدِ حَتَّى يَتَمَشَّى هَذَا التَّعْلِيلُ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَاكَ ثُمَّ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ كَمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَسْتَاكَ انْتَهَى وَإِنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَسْتَاكَ ثُمَّ يَدْخُلَ وَيُصَلِّيَ وَلَوْ سَلَّمَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مِنْ إِزَالَةِ الْمُسْتَقْذَرَاتِ كَيْفَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ كَانَ يَشْهَدُ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ وَسِوَاكُهُ عَلَى أُذُنِهِ مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ لَا يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ إِلَّا اِسْتَنَّ ثُمَّ رَدَّهُ إِلَى مَوْضِعِهِ وَأَنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سُوكُهُمْ خَلْفَ آذَانِهِمْ يَسْتَنُّونَ بِهَا لِكُلِّ صَلَاةٍ وَأَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ وَأَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَرُوحُونَ وَالسِّوَاكُ عَلَى آذَانِهِمْ انْتَهَى قُلْتُ كَلَامُ الشَّيْخِ شَمْسِ الْحَقِّ هَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ طَيِّبٌ لَكِنَّ صَاحِبَ الطِّيبِ الشَّذِيِّ لَمْ يَرْضَ بِهِ فَنَقَلَ شَيْئًا مِنْهُ وَتَرَكَ أَكْثَرَهُ ثُمَّ تَفَوَّهَ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَهُ الْمَذْكُورَ أَوْ لَهُ تَعَصُّبٌ شَدِيدٌ يَحْمِلُهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا التفوه

وأما حديث أحمد الذي ذكره القارىء بِلَفْظِ صَلَاةٌ بِسِوَاكٍ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ صَلَاةٍ بِغَيْرِ سِوَاكٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ نَعَمْ رَوَى أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَضْلُ الصَّلَاةِ بِالسِّوَاكِ عَلَى الصَّلَاةِ بِغَيْرِ سِوَاكٍ سَبْعُونَ ضِعْفًا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ والبزار وأبو يعلى وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ فِي الْقَلْبِ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ شَيْءٌ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ محمد بن إسحاق لم يسمعه من بن شِهَابٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ كَذَا قال محمد بْنُ إِسْحَاقَ إِنَّمَا أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمُ فِي المتابعات وعن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَأَنْ أُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بِسِوَاكٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ السِّوَاكِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ بِالسِّوَاكِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ رَكْعَةً بِغَيْرِ سِوَاكٍ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ انْتَهَى مَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (وَأَمَّا محمد) بن إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ (فَزَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَصَحُّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَقَالَ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَصَحُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ عِنْدِي قُلْتُ رَجَّحَ الْبُخَارِيُّ عَنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ لِأَمْرَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ فِيهِ قِصَّةً وَهِيَ قَوْلُ أَبِي سَلَمَةَ فَكَانَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ يَضَعُ السِّوَاكَ مِنْهُ مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ فَكُلَّمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ اِسْتَاكَ ثَانِيهِمَا أَنَّهُ تُوبِعَ فَأَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وعلي وعائشة وبن عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ الله بن عمرو وأم حبيبة وبن عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَيُّوبَ وَتَمَّامِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَوَاثِلَةَ وَأَبِي مُوسَى) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى مَرْفُوعًا بِلَفْظِ السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وضوء قال الهيثمي فيه بن إِسْحَاقَ وَهُوَ ثِقَةٌ مُدَلِّسٌ وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ انْتَهَى وَقَدْ حَسَّنَ إِسْنَادَهُ أَيْضًا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ النسائي وبن خزيمة وبن حبان في صحيحهما بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا مَجْزُومًا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَتَعْلِيقَاتُ الْبُخَارِيِّ الْمَجْزُومَةُ صَحِيحَةٌ انْتَهَى وَلِعَائِشَةَ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي السِّوَاكِ وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورِ وَزَادَ فِيهِ وَمِجْلَاةٌ لِلْبَصَرِ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي السِّوَاكِ وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ لِلتَّهَجُّدِ مِنْ اللَّيْلِ يَشْوَسُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ أَكْثَرْتُ عَلَيْكُمْ فِي السِّوَاكِ وَلِأَنَسٍ أَحَادِيثُ فِي السِّوَاكِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ السِّوَاكِ بِلَفْظِ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ بالأسحار وفي إسناده بن لَهِيعَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى بِلَفْظِ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عند كل صَلَاةٍ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ عَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ فَإِنَّهُ مَطْيَبَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وفي إسناده بن لَهِيعَةَ وَلِابْنِ عُمَرَ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي السِّوَاكِ وأما حديث أبي أمامة فأخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ تَسَوَّكُوا فَإِنَّ السِّوَاكَ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ مَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ إِلَّا أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ الْخِتَانُ وَالتَّعَطُّرُ وَالسِّوَاكُ وَالنِّكَاحُ وَأَمَّا حَدِيثُ تَمَّامِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ في

الْكَبِيرِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَا لَكُمْ تَدْخُلُونَ عَلَيَّ قُلْحًا اِسْتَاكُوا فَلَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ طُهُورٍ هَذَا لَفْظُ الطَّبَرَانِيِّ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِيهِ أَبُو عَلِيٍّ الصَّيْقَلُ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى خِفْتُ عَلَى أَضْرَاسِي قَالَ الْمُنْذِرِيُّ إِسْنَادُهُ لَيِّنٌ وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ وَهُوَ بن الْأَسْقَعِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ قَالَ أُمِرْتُ بِالسِّوَاكِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيَّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِيهِ لَيْثُ بْنُ سَلِيمٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فِي السِّوَاكِ عَلَى طَرَفِ اللِّسَانِ اِعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي السِّوَاكِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ عَنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا ذَكَرَهَا الْحَافِظُ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ مجمع الزوائد والحافظ بن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ وَالشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمُتَّقِي فِي كَنْزِ الْعُمَّالِ مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَى هَذِهِ الْكُتُبِ [23] قَوْلُهُ (نَا عَبْدَةُ) تَقَدَّمَ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدٍ التَّيْمِيِّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ لَهُ أَفْرَادٌ مِنْ الرَّابِعَةِ رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وبن إسحاق وعدة قال بن سَعْدٍ كَانَ فَقِيهًا مُحَدِّثًا وَقَالَ أَحْمَدُ يَرْوِي مناكير ووثقه بن معين وأبو حاتم والنسائي وبن خِرَاشٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ 021 عِشْرِينَ وَمِائَةٍ قَوْلُهُ (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ) أَيْ بِفَرْضِيَّتِهِ أَيْ لَوْلَا مَخَافَةَ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ لَأَمَرْتُ بِهِ وَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ لَكِنْ لَمْ آمُرْ بِهِ وَلَمْ أَفْرِضْ عَلَيْهِمْ لِأَجْلِ خَوْفِ الْمَشَقَّةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي السِّوَاكِ فَقَالَ إِسْحَاقُ إِنَّهُ وَاجِبٌ وَمَنْ تَرَكَهُ عَمْدًا أَعَادَ الصَّلَاةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ وَاسْتَحَبَّهُ مَالِكٌ فِي كُلِّ حَالٍ يَتَغَيَّرُ فِيهِ الْفَمُ وَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَهُ فَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ تُبْطِلُ قَوْلَهُ فَأَمَّا القَوْلُ بِأَنَّهُ سُنَّةٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فَمُتَعَارَفٌ وَكَوْنُهُ سُنَّةً أَقْوَى انْتَهَى (وَلَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ) يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِهِ (قَالَ) أَيْ أَبُو سَلَمَةَ (فَكَانَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ) رَاوِي الْحَدِيثَ (يَشْهَدُ الصَّلَوَاتِ) أَيْ الْخَمْسَ أَيْ يَحْضُرُهَا (فِي الْمَسْجِدِ) لِلْجَمَاعَةِ (وَسِوَاكُهُ عَلَى أُذُنِهِ) بِضَمِّ الذَّالِ وَيُسَكَّنُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ (مَوْضِعَ

باب ما جاء إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس

الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ سِوَاكَهُ كَانَ مَوْضُوعًا عَلَى أُذُنِهِ مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ (لَا يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ إِلَّا اِسْتَنَّ) أَيْ اِسْتَاكَ وَالِاسْتِنَانُ اِسْتِعْمَالُ السِّوَاكِ (ثُمَّ رَدَّهُ) أَيْ السِّوَاكَ (إِلَى مَوْضِعِهِ) أَيْ مِنْ الْأُذُنِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَرَأَيْتُ زَيْدًا يَجْلِسُ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّ السِّوَاكَ مِنْ أُذُنِهِ مَوْضِعَ الْقَلَمِ مِنْ أُذُنِ الْكَاتِبِ فَكُلَّمَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ اِسْتَاكَ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَدْ اِنْفَرَدَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ بِهِ فَلَا يَصْلُحُ حُجَّةً أَوْ اِسْتَاكَ لِطَهَارَتِهَا انْتَهَى قُلْتُ فِيهِ إَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ كَمَا عَرَفْتُ ثُمَّ صَنِيعُهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ حَدِيثِ الْبَابِ وَلَيْسَ يَنْفِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ فَكَيْفَ لَا يَكُونُ حُجَّةً قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ 9 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسْ) يَدَهُ في الإناء [24] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ أَحْمَدُ بْنُ بَكَّارٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَكَّارِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي أَرْطَاةَ قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ وَتُكُلِّمَ فِيهِ بِلَا حُجَّةٍ (مِنْ وُلْدِ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ جَمْعُ وَلَدٍ بُسْرُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَيُقَالُ لَهُ بُسْرُ بْنُ أَبِي أَرْطَاةَ (قَالَ نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الدِّمَشْقِيُّ ثِقَةٌ لَكِنَّهُ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ وَالتَّسْوِيَةِ روى عن بن عجلان والأوزاعي وغيرهما وعنه أحمد وإسحاق وبن الْمَدِينِيِّ وَخَلْقٌ مَاتَ سَنَةَ 591 خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ) اِسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْفَقِيهُ ثِقَةٌ جَلِيلٌ قَالَ بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا فَاضِلًا خَيِّرًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَالْفِقْهِ قَالَ إِسْحَاقُ إِذَا اِجْتَمَعَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ عَلَى الْأَمْرِ فَهُوَ سُنَّةٌ مَاتَ سَنَةَ 751 سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ الزُّهْرِيِّ) اِسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ الْقُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ وَكُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ

الْفَقِيهُ الْحَافِظُ مُتَّفَقٌ عَلَى جَلَالَتِهِ وَإِتْقَانِهِ وَهُوَ من رؤوس الطَّبَقَةِ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مسلم هذا معروف بالزهري وبن شهاب (عن سعيد بن المسيب) بن حُزْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَمْرٍو الْقُرَشِيِّ الْمَخْزُومِيِّ أَحَدِ الْعُلَمَاءِ الْأَثْبَاتِ الْفُقَهَاءِ الْكِبَارِ مِنْ كِبَارِ الثانية قال بن الْمَدِينِيِّ لَا أَعْلَمُ فِي التَّابِعِينَ أَوْسَعَ عِلْمًا مِنْهُ مَاتَ بَعْدَ التِّسْعِينَ وَقَدْ نَاهَزَ الثَّمَانِينَ كذا في التقريب (وأبي سلمة) هو بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ لَيْسَ لَهُ اِسْمٌ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ اِبْنُهُ عُمَرُ وَعُرْوَةُ وَالْأَعْرَجُ وَالزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً فَقِيهًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ 49 أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي بِضْعٍ وَعِشْرِينَ قَوْلُهُ (إِذَا اِسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ) كذا في رواية الترمذي وبن مَاجَهْ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ إِذَا اِسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمَا مِنْ اللَّيْلِ (فَلَا يُدْخِلْ) مِنْ الْإِدْخَالِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَلَا يَغْمِسْ (يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ) أَيْ فِي إِنَاءِ الْمَاءِ (حَتَّى يُفْرِغَ) مِنْ الْإِفْرَاغِ أَيْ حَتَّى يَصُبَّ الْمَاءَ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى يَدِهِ (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ حتى يغسلها ثلاثا وفي حديث بن عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ) رَوَى النَّوَوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ أَهْلَ الْحِجَازِ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْحِجَارَةِ وَبِلَادُهُمْ حَارَّةٌ فَإِذَا نَامُوا عَرَقُوا فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَطُوفَ يَدُهُ عَلَى مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ أَوْ عَلَى بَثْرَةٍ أَوْ قَمْلَةٍ وَالنَّهْيُ عَنْ الْغَمْسِ قَبْلَ غَسْلِ الْيَدِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ الْجَمَاهِيرَ عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَلَوْ غَمَسَ لَمْ يفسد الماء ولم يأثم الغامس وفال التُّورْبَشْتِيُّ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ بَاتَ مُسْتَنْجِيًا بِالْأَحْجَارِ مُعْرَوْرِيًا وَمَنْ بَاتَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَفِي أَمْرِهِ سَعَةٌ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَيْضًا غَسْلُهَا لِأَنَّ السُّنَّةَ إِذَا وَرَدَتْ لِمَعْنًى لَمْ تَكُنْ لِتَزُولَ بِزَوَالِ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بن عمر وجابر وعائشة) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلَفْظُهُ إِذَا اِسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ أَوْ أَيْنَ طَافَتْ يَدُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ بن ماجه والدارقطني وأما حديث عائشة فأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ وَحَكَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ وَهْمٌ كَذَا فِي النَّيْلِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأُحِبُّ لِكُلِّ مَنْ اِسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ قَائِلَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا أَنْ لَا يُدْخِلَ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ فَإِنْ أَدْخَلَ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ يَفْسُدْ ذَلِكَ الْمَاءُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ نَجَاسَةٌ) فَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قَالَ بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ حَمَلُوا هَذَا يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ مِثْلَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اِسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَسْتَنْثِرْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيتُ عَلَى خَيَاشِيمِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَإِنَّمَا مَثَّلَ الْمُصَنِّفُ مَحَلَّ النِّزَاعِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الِاسْتِنْثَارِ عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ وَلَمْ يَذْهَبْ إِلَى وُجُوبِهِ أَحَدٌ انْتَهَى وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِذَا اِسْتَيْقَظَ مِنْ اللَّيْلِ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا فَأَعْجَبُ إِلَى أَنْ يُهْرِيقَ الْمَاءَ قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِلَى الظَّاهِرِ وَحَكَمَا بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ كَذَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ قَالَ الشُّمُنِّيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أحمد بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُدَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَحْتَ حَدِيثِ الْبَابِ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ غَمْسِ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَكِنَّ الْجَمَاهِيرَ مِنْ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَلَوْ خَالَفَ وَغَمَسَ لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ وَلَمْ يَأْثَمْ الْغَامِسُ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يَنْجُسُ إِنْ كَانَ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَاءِ وَالْيَدِ الطَّهَارَةُ فَلَا يَنْجُسُ بِالشَّكِّ وَقَوَاعِدُ الشَّرْعِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى هَذَا قَالَ ثُمَّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالْقِيَامِ مِنْ النَّوْمِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الشَّكُّ فِي نَجَاسَةِ الْيَدِ فَمَتَى شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا كُرِهَ لَهُ غَمْسُهَا فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا سَوَاءٌ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ أَوْ شَكَّ فِي نَجَاسَتِهَا مِنْ غَيْرِ نَوْمٍ وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ إِنْ قَامَ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ وَإِنْ قَامَ مِنْ نَوْمِ النَّهَارِ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ اِعْتِمَادًا عَلَى لَفْظِ الْمَبِيتِ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ عَلَى الْعِلَّةِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَأْمَنُ النَّجَاسَةَ عَلَى يَدِهِ أَوْ هَذَا عام لوجود

باب في التسمية عند الوضوء

اِحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ فِي نَوْمِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَفِي الْيَقَظَةِ وَذَكَرَ اللَّيْلَ أَوَّلًا لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهِ خَوْفًا مِنْ تَوَهُّمِ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِهِ بَلْ ذَكَرَ الْعِلَّةَ بَعْدَهُ انْتَهَى كَلَامُ النووي (وقال إسحاق) هو بن رَاهْوَيْهِ (إِذَا اِسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ بِاللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ فَلَا يُدْخِلْ يَدَهُ فِي وَضُوئِهِ حَتَّى يَغْسِلَهَا) فَلَمْ يَخُصَّ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ الْحُكْمَ بِالِاسْتِيقَاظِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ كَمَا خَصَّهُ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قُلْتُ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ إِسْحَاقُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَمَّا إِذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ قَبْلَ غَسْلِهَا فَهَلْ صَارَ الْمَاءُ نَجِسًا أَمْ لَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَاءَ صَارَ مَشْكُوكًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَاءِ الْمَشْكُوكِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْجُمْهُورَ اِعْتَذَرُوا عَنْ حَمْلِ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى الْوُجُوبِ بِأَعْذَارٍ لَا يَطْمَئِنُّ بِوَاحِدٍ مِنْهَا قَلْبِي فَمَنْ اِطْمَأَنَّ بِهَا قَلْبُهُ فَلْيَقُلْ بِمَا قَالَ به الجمهور 0 - (باب فِي التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْوُضُوءِ) وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَاخْتَلَفَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهَا وَضَعْفِهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ فَهُوَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَخْلُو هَذَا الْبَابُ مِنْ حَسَنٍ صريح وصحيح غير صريح وقال الحافظ بن حَجَرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَجْمُوعَ الْأَحَادِيثِ يَحْدُثُ مِنْهَا قُوَّةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَمُقْتَضَى أَحَادِيثِ الْبَابِ هُوَ الْوُجُوبُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [25] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ) بْنِ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ طُلِبَ لِلْقَضَاءِ فَامْتَنَعَ مِنْ الْعَاشِرَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْبَصْرَةِ رَوَى عن المعتمر ويزيد بن زريع وبن عُيَيْنَةَ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ ع يَعْنِي الْأَئِمَّةَ السِّتَّةَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ عِنْدِي أَوْثَقُ مِنْ

الْفَلَّاسِ وَأَحْفَظُ قَالَ الْبُخَارِيُّ مَاتَ سَنَةَ 052 خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ (وَبِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ) الْبَصْرِيُّ الضَّرِيرُ يُكَنَّى أَبَا سَهْلٍ صَدُوقٌ مِنْ الْعَاشِرَةِ (وَالْعَقَدِيُّ) بِفَتْحِ المهملة والقاف (نا بشر بن المفضل بن لَاحِقٍ الرَّقَاشِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ مِنْ الثَّامِنَةِ) (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حرملة) بن عَمْرِو بْنِ سَنَةَ الْأَسْلَمِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ (عَنْ أَبِي ثِفَالٍ) بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ (الْمُرِّيِّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ اِسْمُهُ ثُمَامَةُ بْنُ وَائِلِ بْنِ حُصَيْنٍ وَقَدْ يُنْسَبُ لِجَدِّهِ وَقِيلَ اِسْمُهُ وَائِلُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ حُصَيْنٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ مَقْبُولٌ مِنْ الْخَامِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ انْتَهَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (عَنْ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حُوَيْطِبٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْمَدَنِيِّ قَاضِيهَا قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ (عَنْ جَدَّتِهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي أَسْمَاءُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَسْمَاءُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ نُفَيْلٍ لَمْ تُسَمَّ فِي الْكِتَابَيْنِ يَعْنِي جَامِعَ التِّرْمِذِيِّ وَسُنَنَ بن مَاجَهْ وَسَمَّاهَا الْبَيْهَقِيُّ وَيُقَالُ إِنَّ لَهَا صُحْبَةً انْتَهَى وَذَكَرَهَا الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي النِّسْوَةِ الْمَجْهُولَاتِ (عَنْ أَبِيهَا) هُوَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيِّ أَبُو الْأَعْوَرِ أَحَدُ الْعَشَرَةِ قَوْلُهُ (لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اِسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ) قَالَ الشَّاهُ وَلِيُّ اللَّهِ الدَّهْلَوِيُّ فِي كِتَابِهِ حُجَّةِ اللَّهِ الْبَالِغَةِ هُوَ نَصٌّ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ رُكْنٌ أَوْ شَرْطٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لَا يَكْمُلُ الْوُضُوءُ لَكِنْ لَا أَرْتَضِي بِمِثْلِ هَذَا التَّأْوِيلِ فَإِنَّهُ مِنْ التَّأْوِيلِ الْبَعِيدِ الَّذِي يَعُودُ بِالْمُخَالَفَةِ عَلَى اللَّفْظِ انْتَهَى قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَصَّ عَلَى أَنَّ التَّسْمِيَةَ رُكْنٌ لِلْوُضُوءِ أَوْ شَرْطٌ لَهُ لِأَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ لَا وُضُوءَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَلَا يُوجَدُ إِذْ الْأَصْلُ فِي النَّفْيِ الْحَقِيقَةُ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ الصِّيغَةُ حَقِيقَةٌ فِي نَفْيِ الشَّيْءِ وَيُطْلَقُ مَجَازًا عَلَى الِاعْتِدَادِ بِهِ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِطَهُورٍ وَعَلَى نَفْيِ كَمَالِهِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لَا صَلَاةَ لِجَارِ المسجد إلا في المسجد وههنا مَحْمُولَةٌ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ خِلَافًا لِأَهْلِ الظَّاهِرِ لما روى بن عمر

وبن مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ وَذَكَرَ اِسْمَ اللَّهِ كَانَ طَهُورًا لِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَمَنْ تَوَضَّأَ وَلَمْ يَذْكُرْ اِسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ كَانَ طَهُورًا لِأَعْضَاءِ وُضُوئِهِ وَالْمُرَادُ بِالطَّهَارَةِ الطَّهَارَةُ مِنْ الذُّنُوبِ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يتجزأ انتهى قلت حديث بن عمر وبن مَسْعُودٍ هَذَا ضَعِيفٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حديث بن عُمَرَ وَفِيهِ أَبُو بَكْرٍ الدَّاهِرِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَمَنْسُوبٌ إِلَى الْوَضْعِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ مِرْدَاسُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبَانَ عَنْ أَبِيهِ وَهُمَا ضَعِيفَانِ ورواه الدارقطني والبيهقي أيضا من حديث بن مَسْعُودٍ وَفِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى بْنِ هِشَامٍ السِّمْسَارُ وَهُوَ مَتْرُوكٌ فَالْحَدِيثُ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى أَنَّ النَّفْيَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اِسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ صَرَّحَ بن سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا وُضُوءَ كَامِلًا وَقَدْ اِسْتَدَلَّ بِهِ الرَّافِعِيُّ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ فِي قَوْلِهِ لَا وُضُوءَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ نَفْيُ الْكَمَالِ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ لَمْ أَرَهُ هَكَذَا انْتَهَى فَلَا يُعْلَمُ حَالُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَيْفَ هِيَ صَالِحَةٌ لِلِاحْتِجَاجِ أَمْ لَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قوله (في الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شيبة في مسنديهما وبن عَدِيٍّ وَفِي إِسْنَادِهِ حَارِثَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وبن ماجه والترمذي في العلل والدارقطني وبن السَّكَنِ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى الْمَخْزُومِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَادَّعَى أَنَّهُ الْمَاجِشُونُ وَصَحَّحَهُ لِذَلِكَ فَوَهِمَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ اللَّيْثِيُّ قَالَ الْحَافِظُ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ أَبِيهِ وَلَا لِأَبِيهِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُوهُ ذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ رُبَّمَا أَخْطَأَ وَهَذِهِ عِبَارَةٌ عَنْ ضَعْفِهِ فَإِنَّهُ قَلِيلُ الْحَدِيثِ جِدًّا وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ سِوَى وَلَدِهِ فَإِذَا كَانَ يخطىء مَعَ قِلَّةِ مَا رَوَى فَكَيْفَ يُوصَفُ بِكَوْنِهِ ثقة قال بن الصَّلَاحِ اِنْقَلَبَ إِسْنَادُهُ عَلَى الْحَاكِمِ فَلَا يُحْتَجُّ لِثُبُوتِهِ بِتَخْرِيجِهِ لَهُ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والدَّارَميُّ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ وبن ماجه وبن عدي وبن السَّكَنِ وَالْبَزَّارُ والدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ

والبيهقي بلفظ حديث الباب وزعم بن عَدِيٍّ أَنَّ زَيْدَ بْنَ الْحُبَابِ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ الْحَافِظُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عامر العقدي وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّهْرِيِّ وَكَثِيرِ بن زيد قال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَكَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ رَوَاهُ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَرُبَيْحٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ لَمْ يُصَحِّحْهُ أَحْمَدُ وَقَالَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَثْبُتُ وَقَالَ الْبَزَّارُ كُلُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَيْسَ بِقَوِيٍّ وَذَكَرَ أَنَّهُ رَوَى عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ الْعَقِيلِيُّ الْأَسَانِيدُ فِي هَذَا الْبَابِ فِيهَا لِينٌ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِنَّهُ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ قَالَ أَيْضًا لَا أَعْلَمُ فِي التَّسْمِيَةِ حَدِيثًا صَحِيحًا وَأَقْوَى شَيْءٍ فِيهِ حَدِيثُ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رُبَيْحٍ وَقَالَ إِسْحَاقُ هَذَا يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ أَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ وَأَمَّا حديث سهل بن سعد فأخرجه بن مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سعد بْنِ سَعْدِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَتَابَعَهُ أَخُوهُ أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْأَنْدَلُسِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ شَدِيدُ الضَّعْفِ قَوْلُهُ (قَالَ أَحْمَدُ لَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا لَهُ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ) وَقَالَ الْبَزَّارُ كُلُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَيْسَ بِقَوِيٍّ قُلْتُ أَحَادِيثُ هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا فَمَجْمُوعُهَا يدل أن لها أصلا قال الحافظ بن حَجَرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَجْمُوعَ الْأَحَادِيثِ يَحْدُثُ مِنْهَا قُوَّةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَبَتَ لَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وقال بن سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَا يَخْلُو هَذَا الْبَابُ مِنْ حَسَنٍ صَرِيحٍ وَصَحِيحٍ غَيْرِ صَرِيحٍ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ لَا يَسْلَمُ شَيْءٌ مِنْهَا عَنْ مَقَالٍ وَقَدْ ذَهَبَ الْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى وُجُوبِ التَّسْمِيَةِ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى إِنَّهُ إِذَا تَعَمَّدَ تَرْكَهَا أعاد الوضوء وهو راوية عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَتْ فِيهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَسْلَمُ شيء منها عن مَقَالٍ فَإِنَّهَا تَتَعَاضَدُ بِكَثْرَةِ طُرُقِهَا وَتَكْتَسِبُ قُوَّةً انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ وَحَدِيثُ الْبَابِ أَعْنِي حَدِيثَ سعيد بن زيد أخرجه أيضا أحمد وبن مَاجَهْ وَالْبَزَّارُ والدَّارَقُطْنِيُّ وَالْعَقِيلِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأُعِلَّ بِالِاخْتِلَافِ وَالْإِرْسَالِ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو ثِفَالٍ عَنْ رَبَاحٍ مَجْهُولَانِ فَالْحَدِيثُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَقَدْ أَطَالَ الْكَلَامَ عَلَى

حديث سعيد بن زيد هذا الحافظ بن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (وَقَالَ إِسْحَاقُ إِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَامِدًا أَعَادَ الْوُضُوءَ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ مُتَأَوِّلًا أَجْزَأَهُ) فَعِنْدَ إِسْحَاقَ التَّسْمِيَةُ وَاجِبٌ فِي الْوُضُوءِ وَهُوَ قَوْلُ الظَّاهِرِيَّةِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى الذَّاكِرِ فَعِنْدَ إِسْحَاقَ عَلَى الذَّاكِرِ وَعِنْدَ الظَّاهِرِيَّةِ مُطْلَقًا وَذَهَبَتْ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَمَالِكٌ وَرَبِيعَةُ إِلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَاحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِحَدِيثِ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا مَنْ تَوَضَّأَ وَذَكَرَ اِسْمَ اللَّهِ كَانَ طَهُورًا لِجَمِيعِ بَدَنِهِ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ وقد عَرَفْتَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) يَعْنِي حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَالَ أَحْمَدُ أَقْوَى شَيْءٍ فِيهِ حَدِيثُ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رُبَيْحٍ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ وَسُئِلَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَيُّ حَدِيثٍ أَصَحُّ فِي التَّسْمِيَةِ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ قَوْلُهُ (وَأَبُو ثِفَالٍ الْمُرِّيُّ اِسْمُهُ ثُمَامَةُ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ (بْنُ حُصَيْنٍ) بِالتَّصْغِيرِ وحصين جد أبي ثقال وَاسْمُ أَبِيهِ وَائِلٌ كَمَا تَقَدَّمَ (فَنَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ) أَيْ إِلَى جَدِّهِ الْأَعْلَى

باب ما جاء في المضمضة والإستنشاق

21 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ) أَصْلُ الْمَضْمَضَةِ فِي اللُّغَةِ التَّحْرِيكُ وَمِنْهُ مَضْمَضَ النُّعَاسُ فِي عَيْنَيْهِ إِذَا تَحَرَّكَتَا بِالنُّعَاسِ ثُمَّ اُشْتُهِرَ اِسْتِعْمَالُهُ فِي وَضْعِ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَتَحْرِيكِهِ وَأَمَّا مَعْنَاهُ فِي الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ فَأَكْمَلُهُ أَنْ يَضَعَ الْمَاءَ فِي الْفَمِ ثُمَّ يُدِيرَهُ ثُمَّ يَمُجَّهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالِاسْتِنْشَاقُ هُوَ إِدْخَالُ الماء في الأنف [27] قوله (وجرير) هو بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها ثقة صحيح الكتاب قيل كان فِي آخِرِ عُمُرِهِ يَهِمُ مِنْ حِفْظِهِ مَاتَ سَنَةَ 188 ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الكتب الستة (عن منصور) بن الْمُعْتَمِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ السُّلَمِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَكَانَ لَا يُدَلِّسُ مِنْ طَبَقَةِ الْأَعْمَشِ مَاتَ سَنَةَ 132 اِثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَيْضًا (عَنْ هِلَالِ بْنِ يساف) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ وَكَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْأَشْجَعِيِّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ) الْأَشْجَعِيِّ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ قَوْلُهُ إِذَا تَوَضَّأْتَ فَانْتَثِرْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ اِسْتَنْثَرَ اِسْتَنْشَقَ الْمَاءَ ثُمَّ اِسْتَخْرَجَ بِنَفَسِ الْأَنْفِ كَانْتَثَرَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ الِاسْتِنْثَارُ هُوَ طَرْحُ الْمَاءِ الَّذِي يَسْتَنْشِقُهُ الْمُتَوَضِّئُ أَيْ يَجْذِبُهُ بِرِيحِ أَنْفِهِ لِتَنْظِيفِ مَا فِي دَاخِلِهِ فَيُخْرِجُهُ بِرِيحِ أَنْفِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِإِعَانَةِ يَدِهِ أَمْ لَا وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهِيَةُ فِعْلِهِ بِغَيْرِ إِعَانَةِ الْيَدِ لِكَوْنِهِ يُشْبِهُ فِعْلَ الدَّابَّةِ وَالْمَشْهُورُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَإِذَا اِسْتَنْثَرَ بِيَدِهِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ بِالْيُسْرَى بَوَّبَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُقَيَّدًا بِهَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ انْتَهَى (وَإِذَا اِسْتَجْمَرْتَ) أَيْ إِذَا اِسْتَعْمَلْتَ الْجِمَارَ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الصِّغَارُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ (فَأَوْتِرْ) أَيْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ اِسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ أَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ حَسَنَةُ الْإِسْنَادِ وَأَخَذَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فَقَالُوا لَا يُعْتَبَرُ الْعَدَدُ بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْإِيتَارُ وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ

الْحَدِيثِ بِحَدِيثِ سَلْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَسْتَنْجِ أَحَدُكُمْ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَاشْتَرَطُوا أَنْ لا ينقص من الثلاث مع مراعاة الإنقاء وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ بِهَا فَيُزَادُ حَتَّى يُنَقَّى وَيُسْتَحَبُّ حِينَئِذٍ الْإِيتَارُ لِقَوْلِهِ مَنْ اِسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِقَوْلِهِ مَنْ لَا فَلَا حَرَجَ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الْبَابِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ ولقيط بن صبرة وبن عَبَّاسٍ وَالْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السنن الأربع والشافعي وبن الجارود وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِيهِ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا تَوَضَّأْتَ فَمَضْمِضْ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِنَّ إِسْنَادَهَا صَحِيحٌ وَقَدْ رَدَّ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ مَا أُعِلَّ بِهِ حَدِيثُ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ إِلَّا إِسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ وَقَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ رَوَى عَنْهُ غَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة وأما حديث بن عباس فأخرجه أبو داود وبن ماجه وبن الجارود والحاكم وصححه بن الْقَطَّانِ وَلَفْظُهُ اِسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ بَالِغَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْبَزَّارُ وَفِيهِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ قَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَفِي مُسْنَدِ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ حُجْرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ ص 94 ج 1 وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ فِي أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لْيَنْتَثِرْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ قَيْسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِذَا تَرَكَهُمَا فِي الْوُضُوءِ حَتَّى صلى أعاد الصلاة وَرَأَوْا ذَلِكَ فِي

الوضوء والجنابة سواء وبه يقول بن أَبِي لَيْلَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَقَوْلُهُمْ هُوَ الرَّاجِحُ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِهِمَا وَالْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ مَعَ ثُبُوتِ مُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهما (وقال أحمد الاستنشاق أو كد مِنْ الْمَضْمَضَةِ) لِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُعِيدُ فِي الْجَنَابَةِ وَلَا يُعِيدُ فِي الْوُضُوءِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَبَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ فَعِنْدَ هَؤُلَاءِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَوَاجِبَانِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الْوُضُوءِ بِحَدِيثِ عَشْرٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ وَقَدْ رَدَّهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ إِنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِلَفْظِ عَشْرٌ مِنْ السُّنَنِ بَلْ بِلَفْظِ مِنْ الْفِطْرَةِ وَلَوْ وَرَدَ لَمْ يَنْتَهِضْ دَلِيلًا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ السُّنَّةُ أَيْ الطَّرِيقَةُ لَا السُّنَّةُ بِالْمَعْنَى الْأُصُولِيِّ واستدلوا أيضا بحديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَّةٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ تَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ فَأَحَالَهُ عَلَى الْآيَةِ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَالِاسْتِنْثَارِ وَرُدَّ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِغَسْلِ الْوَجْهِ أَمْرٌ بِهَا وَبِأَنَّ وُجُوبَهَا ثَبَتَ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ مِنْهُ أَمْرٌ مِنْ اللَّهِ تعالى بدليل وما آتاكم الرسول فخذوه قَوْلُهُ (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُعِيدُ فِي الْوُضُوءِ وَلَا فِي الْجَنَابَةِ إِلَخْ) لَيْسَ لِهَذِهِ الطَّائِفَةِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ وَقَدْ اِعْتَرَفَ جَمَاعَةٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهُمْ بِضَعْفِ دَلِيلِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ والِاسْتِنْثَارِ قَالَهُ فِي النَّيْلِ وَاللَّهُ تعالى أعلم

باب في المضمضة والاستنشاق من كف واحد

22 - (باب في الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ) [28] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يحيى بن موسى) بن عبد ربه الحداني البلخي أبو زكريا لقبهخت بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ ثِقَةٌ رَوَى عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَوَكِيعٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالسَّرَّاجُ وَقَالَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ مَاتَ سَنَةَ 042 أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي التقريب والخلاصة (نا إبراهيم بن موسى) بن يَزِيدَ التَّمِيمِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَرَّاءُ الصَّغِيرُ الرَّازِيُّ الْحَافِظُ أَحَدُ بُحُورِ الْحَدِيثِ وَكَانَ أَحْمَدُ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ يَقُولُ الصَّغِيرَ وَيَقُولُ هُوَ كَبِيرٌ فِي الْعِلْمِ وَالْجَلَالَةِ رَوَى عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ وَخَالِدٍ الطَّحَّانِ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ كَتَبْتُ عَنْهُ مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ وَهُوَ أَتْقَنُ وَأَحْفَظُ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ مَاتَ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ (نَا خَالِدٌ) هُوَ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْمُزَنِيُّ مَوْلَاهُمْ الْوَاسِطِيُّ الطَّحَّانُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَالَ أَحْمَدُ كَانَ ثِقَةً دَيِّنًا بَلَغَنِي أَنَّهُ اِشْتَرَى نَفْسَهُ مِنْ اللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَتَصَدَّقُ بِوَزْنِ نَفْسِهِ فِضَّةً (عَنْ عَمْرِو بْنِ يحيى) بن عمارة بن أبي حسن المازني المدني سبط عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ يَحْيَى بْنُ عِمَارَةَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ غَيْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ صَاحِبِ الْأَذَانِ كَذَا قَالَهُ الْحُفَّاظُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَغَلَّطُوا سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ فِي قَوْلِهِ هُوَ هُوَ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى غَلَطِهِ فِي ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ صَحِيحِهِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ صَاحِبَ الْأَذَانِ لَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُ حَدِيثِ الْأَذَانِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ (مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ فَفَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ حُجَّةٌ صَرِيحَةٌ لِلْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يَكُونَ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ فِي كُلِّ مرة انتهى

قُلْتُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا دَلِيلٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ بِأَنْ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ مِنْ غَرْفَةٍ ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ مِنْ غَرْفَةٍ ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عنه وقال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَكَانَ هَدْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَصْلَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدَةٍ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَفِي لَفْظٍ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ فَهَذَا أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي المضمضة والاستنشاق ولم يجيء الْفَصْلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ البتة انتهى فإن قلت قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ واحد فيه حجة للشافعي كذا قاله بن الْمَلَكِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّتِنَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ مِنْ كَفٍّ تَنَازَعَ فِيهِ الْفِعْلَانِ وَالْمَعْنَى مَضْمَضَ مِنْ كَفٍّ وَقَيَّدَ الْوَاحِدَةَ اِحْتِرَازًا عَنْ التَّثْنِيَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ص 096 ج 1 وَالْجَوَابُ عَمَّا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِكَفٍّ وَاحِدٍ أَنَّهُ مُحْتَمَلٌ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِكَفٍّ وَاحِدٍ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِكَفٍّ وَاحِدٍ بِمِيَاهٍ وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ وَيُرَدُّ هَذَا المحتمل إلى الحكم الَّذِي ذَكَرْنَا تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ الْمُرَادَ اِسْتِعْمَالُ الْكَفِّ الْوَاحِدِ بِدُونِ الِاسْتِعَانَةِ بِالْكَفَّيْنِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثًا هُوَ ظَاهِرٌ فِي الجمع بين المضمضة والاستنشاق ولذلك قال بن الْمَلَكِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ فِيهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ أُخْرَى صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي الْجَمْعِ لَا اِحْتِمَالَ فِيهَا غَيْرُهُ فَمِنْهَا حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَجَمَعَ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ ومنها حديث بن عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَرَفَ غَرْفَةً فَتَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثم غرف غرفة فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ غَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ يَدَهُ اليمنى رواه النسائي ومنها حديث بن عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا أضافها إلى يده الأخرى فغسل بهاوجهه الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يتوضأ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ غَسْلِ الْوَجْهِ

بِالْيَدَيْنِ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ رَأَيْتُ عَلِيًّا أَتَى بِكُرْسِيٍّ فَقَعَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَتَى بِكُوزٍ مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ يَدَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ تَمَضْمَضَ مَعَ الِاسْتِنْشَاقِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِكَفٍّ وَاحِدٍ وَفِي آخِرِهِ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى طُهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا طُهُورُهُ وَلِأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ ثُمَّ تَمَضْمَضَ ثَلَاثًا مَعَ الِاسْتِنْشَاقِ بِمَاءٍ وَاحِدٍ كَمَا في التلخيص الحبير للحافظ بن حجر فظهر أن ما ذكره القارىء وَالْعَيْنِيُّ مِنْ التَّأْوِيلِ لَا يَلِيقُ أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَيْهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَرْضَ بِهِ الْعَيْنِيُّ نَفْسُهُ حيث قال في شرح البخاري بعد ما ذَكَرَ مِنْ التَّأْوِيلِ وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ كُلَّ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ انْتَهَى وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي شَرْحِهِ لِشَرْحِ الْوِقَايَةِ وَذَكَرَ السِّغْنَاقِيُّ فِي النهاية بعد ماذكر مُسْتَنَدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ كَانَ يَتَمَضْمَضُ وَيَسْتَنْشِقُ بِكَفٍّ وَاحِدٍ لَهُ عِنْدَنَا تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَسْتَعِنْ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بِالْيَدَيْنِ كَمَا فِي غَسْلِ الْوَجْهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ فَعَلَهُمَا بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَرَدَّهُ الْعَيْنِيُّ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمُصَرِّحَةَ بِأَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِمَاءٍ وَاحِدٍ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهَا بِمَا ذَكَرَهُ انْتَهَى كَلَامُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَمَذْهَبَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ الْمَشْهُورَ هُوَ الْوَصْلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَمَذْهَبُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ ثُمَّ يَسْتَنْشِقَ كَذَلِكَ وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء ص 096 ج 1 وَأَمَّا وَجْهُ الْفَصْلِ بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا فَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ طَلْحَةَ بن مصرف عن أبيه عن جده كعب بْنِ عَمْرٍو الْيَامِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا فَأَخَذَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مَاءً جَدِيدًا وَكَذَا رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ وَهُوَ دَلِيلُ رِضَاهُ بِالصِّحَّةِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ فِي سَنَدَيْهِمَا لَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ اِخْتَلَطَ أَخِيرًا لَمْ يُمَيَّزْ حَدِيثُهُ فَتُرِكَ وَأَيْضًا فِي سَنَدَيْهِمَا مُصَرِّفُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ مَجْهُولٌ قَالَ الْحَافِظُ اِبْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ ص 28 أَمَّا حَدِيثُ طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثٍ فِيهِ

وَرَأَيْته يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَفِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وقال بن حِبَّانَ كَانَ يَقْلِبُ الْأَسَانِيدَ وَيَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ وَيَأْتِي عَنْ الثِّقَاتِ بِمَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِمْ تَرَكَهُ يحيى بن القطان وبن مَهْدِيٍّ وَابْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ اِتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى ضَعْفِهِ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ اِخْتَلَطَ أَخِيرًا وَلَمْ يَتَمَيَّزْ حَدِيثُهُ فَتُرِكَ انْتَهَى وَقَالَ فِيهِ مُصَرِّفُ بْنُ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْيَامِيُّ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْهُ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ مَجْهُولٌ انْتَهَى وَالْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ ذَكَرَ حَدِيثَ الطَّبَرَانِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ سَنَدَهُ بِتَمَامِهِ وَسَنَدُهُ هَكَذَا قَالَ الطَّبَرَانِيُّ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ ثَنَا أَبُو سَلَمَةَ الْكِنْدِيُّ ثَنَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ حَدَّثَنِي طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو الْيَامِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ إِلَخْ هَكَذَا فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ لِلزَّيْلَعِيِّ وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا عَلَى الْفَصْلِ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا لَفْظُ مَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ صَرِيحًا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ الْفَصْلِ بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَضْمَضَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ أُخْرَى وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ بِغَرْفَةٍ ثُمَّ فَعَلَ هَكَذَا ثُمَّ فَعَلَ هَكَذَا فَلِلْقَائِلِينَ بِالْوَصْلِ أَنْ يُجِيبُوا عَنْ هَذَا بِمِثْلِ مَا أَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ بِأَنْ يَقُولُوا هَذَا مُحْتَمَلٌ وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ أَوْ يُرَدُّ هَذَا الْمُحْتَمَلُ إِلَى الْأَحَادِيثِ الْمُحَكِّمَةِ الصَّرِيحَةِ فِي الْوَصْلِ الْمَذْكُورَةِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رواه بن السَّكَنِ فِي صِحَاحِهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ شَهِدْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طالب وعثمان بن عفان توضئا ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَأَفْرَدَا الْمَضْمَضَةَ مِنْ الِاسْتِنْشَاقِ ثُمَّ قَالَا هَكَذَا رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قُلْتُ ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي التَّلْخِيصِ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ سَنَدَهُ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ فَلَا يُعْلَمُ حَالُ إِسْنَادِهِ فَمَتَى لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَلَوْ فُرِضَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ وَأَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا مَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا تَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى الْفَصْلِ فَيُقَالُ إِنَّ الْفَصْلَ وَالْوَصْلَ كِلَاهُمَا ثَابِتَانِ جَائِزَانِ كَمَا قَالَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ

الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ كُلَّ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ هَذَا وَقَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَمَعَ وُرُودِ الرِّوَايَتَيْنِ بِالْجَمْعِ وَعَدَمِهِ فَالْأَقْرَبُ التَّخْيِيرُ وَأَنَّ الْكُلَّ سُنَّةٌ وَإِنْ كَانَ رِوَايَةُ الْجَمْعِ أَكْثَرَ وَأَصَحَّ انتهى وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ الْجَمْعُ أَقْوَى فِي النَّظَرِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الظَّاهِرُ مِنْ الْأَثَرِ وَقَدْ أَخْبَرَنَا شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَحْمَدَ الْقَيْسِيُّ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فَقُلْتُ لَهُ أَجْمَعُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ نَعَمْ فَائِدَةٌ اِعْلَمْ أَنَّ اِخْتِلَافَ الْأَئِمَّةِ فِي الْوَصْلِ وَالْفَصْلِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ لَا فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الخطيب الشافعي وبن أَبِي زَيْدٍ الْمَالِكِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وصل المضمضة بالاستنشاق قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس) تقدم تخريجه قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (وَلَمْ يَذْكُرُوا هَذَا الْحَرْفَ) أَيْ هَذَا اللَّفْظَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفٍّ وَاحِدٍ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ هَذَا الْحَرْفَ (وَخَالِدٌ ثِقَةٌ حَافِظٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) يَعْنِي وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ قَوْلُهُ (قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ هُنَا ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ فَتَفَكَّرْ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ جَمَعَهُمَا فِي كَفٍّ فَهُوَ جَائِزٌ وَإِنْ فَرَّقَهُمَا فَهُوَ أَحَبُّ) جَاءَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ ها هنا وَالثَّانِي أَنْ يَتَمَضْمَضَ بِغَرْفَةٍ وَيَسْتَنْشِقَ بِهَا ثُمَّ هَكَذَا ثُمَّ هَكَذَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ قال العيني في عمدة

باب ما جاء في تخليل اللحية

القارىء ص 690 ج 1 رَوَى الْبُوَيْطِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَأْخُذَ ثَلَاثَ غَرَفَاتٍ لِلْمَضْمَضَةِ وَثَلَاثَ غَرَفَاتٍ لِلِاسْتِنْشَاقِ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَنْهُ فِي الْأُمِّ يَغْرِفُ غَرْفَةً يَتَمَضْمَضُ بِهَا وَيَسْتَنْشِقُ ثُمَّ يَغْرِفُ غَرْفَةً يَتَمَضْمَضُ بِهَا وَيَسْتَنْشِقُ ثُمَّ يَغْرِفُ ثَالِثَةً يَتَمَضْمَضُ بِهَا وَيَسْتَنْشِقُ فَيَجْمَعُ فِي كُلِّ غَرْفَةٍ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ وَاخْتَلَفَ نَصُّهُ فِي الْكَيْفِيَّتَيْنِ فَنَصَّ فِي الْأُمِّ وَهُوَ نَصُّ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَنَّ الْجَمْعَ أَفْضَلُ وَنَصَّ الْبُوَيْطِيُّ أَنَّ الْفَصْلَ أَفْضَلُ وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ الْقَوْلُ بِالْجَمْعِ أَكْثَرُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ أَكْثَرُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ اِسْمٌ لِجَمْعٍ مِنْ الشَّعْرِ يَنْبُتُ عَلَى الْخَدَّيْنِ وَالذَّقْنِ [29] قَوْلُهُ (حدثنا بن أَبِي عُمَرَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ تَقَدَّمَ (عَنْ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُعَلِّمُ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ وَاسْمُ أَبِيهِ قَيْسٌ وَقِيلَ طَارِقٌ ضَعِيفٌ (أَبِي أُمَيَّةَ) كُنْيَةُ عَبْدِ الْكَرِيمِ (عَنْ حَسَّانِ بْنِ بِلَالٍ) الْمُزَنِيِّ الْبَصْرِيِّ رَوَى عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَعَنْهُ أَبُو قِلَابَةَ وَأَبُو بشر وغيرهما وثقه بن الْمَدِينِيِّ قَوْلُهُ (فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ) أَيْ أَدْخَلَ أَصَابِعَهُ فِي خِلَالِ لِحْيَتِهِ (فَقِيلَ لَهُ) أَيْ لِعَمَّارٍ (أَوْ قَالَ) أَيْ حَسَّانُ بْنُ بِلَالٍ (فَقُلْتُ له) أي لعمار (يخلل لحيته) قال بن الْعَرَبِيِّ أَيْ يُدْخِلُ يَدَهُ فِي خِلَلِهَا وَهِيَ الْفُرُوجُ الَّتِي بَيْنَ الشَّعْرِ وَمِنْهُ فُلَانٌ خَلِيلُ فُلَانٍ أَيْ يُخَالِلُ حُبُّهُ فُرُوجَ جِسْمِهِ حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى قَلْبِهِ وَمِنْهُ الْخِلَالُ وَبِنَاءُ ذَلِكَ كُلِّهِ يَرْجِعُ إِلَى هَذَا انْتَهَى وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ فِي الْوُضُوءِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَدْ اِخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الْعِتْرَةُ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو ثَوْرٍ

وَالظَّاهِرِيَّةُ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَقَعَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ بِلَفْظِ هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ إِلَى أَنَّ تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي الْوُضُوءِ قَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمَا وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَالطَّبَرِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ تَخْلِيلَ اللِّحْيَةِ وَاجِبٌ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَا يَجِبُ فِي الْوُضُوءِ هَكَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِابْنِ سَيِّدِ النَّاسِ قَالَ وَأَظُنُّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ ذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَبُلُّوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عارضة الأحوذي اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَخْلِيلِهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَالَهُ مَالِكٌ الثَّانِي أنه يستحب قاله بن حَبِيبٍ الثَّالِثُ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ خَفِيفَةً وَجَبَ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ كَثِيفَةً لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ قَالَهُ مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الرَّابِعُ مِنْ عُلَمَائِنَا مَنْ قَالَ يَغْسِلُ مَا قَابَلَ الذَّقْنَ إِيجَابًا وَمَا وَرَاءَهُ اِسْتِحْبَابًا وَفِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ فِي الْجَنَابَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ إحداهما أنه واجب وإن كثفت رواه بن وهب وروى بن القاسم وبن عبد الحكم سُنَّةٌ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ كَدَاخِلِ الْعَيْنِ وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْفَرْضَ قَدْ اِنْتَقَلَ إِلَى الشَّعْرِ بَعْدَ نَبَاتِهِ كَشَعْرِ الرَّأْسِ انْتَهَى كَلَامُ بن الْعَرَبِيِّ قُلْتُ أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا عِنْدِي هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [30] قَوْلُهُ (نا سفيان) هو بن عُيَيْنَةَ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ) الْيَشْكُرِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبِي النَّضْرِ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ حَافِظٌ لَهُ تَصَانِيفُ لَكِنَّهُ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ وَاخْتَلَطَ وَكَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي قتادة (عن قتادة) بن دِعَامَةَ السُّدُوسِيِّ الْبَصْرِيِّ الْأَكْمَهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مُدَلِّسٌ اِحْتَجَّ بِهِ أَرْبَابُ الصِّحَاحِ (عَنْ حَسَّانِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ عَمَّارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَسَّانُ ثِقَةٌ لَكِنْ لم يسمعه بن عُيَيْنَةَ مِنْ سَعِيدٍ وَلَا قَتَادَةُ مِنْ حَسَّانٍ انتهى

فَحَدِيثُ عَمَّارٍ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ ضَعِيفٌ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ عَنْ حَسَّانٍ أَيْضًا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وأنس وبن أَبِي أَوْفَى وَأَبِي أَيُّوبَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ عَنْهَا وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْعَقِيلِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ خَلَّلَ لِحْيَتَهُ وَفِي إِسْنَادِهِ خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ هَكَذَا أَمَرَنِي ربي وفي إسناده الوليد بن زروان وَهُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى عَنْ أنس ضعيفة قاله الحافظ وأما حديث بن أَبِي أَوْفَى فَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الطَّهُورِ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو الْوَرْقَاءِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَهُوَ فِي الطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وأما حديث أبي أيوب فأخرجه بن مَاجَهْ وَالْعَقِيلِيُّ وَأَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ وَفِيهِ أَبُو سَوْرَةَ لَا يُعْرَفُ قُلْتُ وَفِي الْبَابِ أيضا عن بن عباس وبن عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَكَعْبِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي بَكْرَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَجَرِيرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكْبَرَةَ ذَكَرَ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي تخريج الهداية والحافظ في التلخيص قال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ لَا يَثْبُتُ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ حَدِيثٌ انْتَهَى وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ لَيْسَ فِي تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ شَيْءٌ صَحِيحٌ انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُهُمَا هَذَا مُعَارَضٌ بِتَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ لحديث عثمان الآتي وبتصحيح الحاكم وبن الْقَطَّانِ وَغَيْرِهِمَا لِبَعْضِ أَحَادِيثِ الْبَابِ غَيْرِهِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ أَحَادِيثَ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ كَثِيرَةٌ وَمَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا كَيْفَ وَقَدْ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ عُثْمَانَ وَحَسَّنَهُ الْإِمَامُ البخاري كما ستعرف وحسن الحافظ بن حَجَرٍ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَهِيَ بِمَجْمُوعِهَا تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ عَلَى اِسْتِحْبَابِ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ فِي الْوُضُوءِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (عن عامر بن شقيق) بن جَمْرَةَ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ كذا في

التقريب وقال الذهبي في الميزان ضعفه بن مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ النسائي ليس به بأس انتهى وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَحَسَّنَ حَدِيثَهُ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَأَمَّا قول أبي حاتم ليس بقوي وتضعيف بن مَعِينٍ فَهُوَ مُجْمَلٌ قَوْلُهُ (كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ) وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ به لحيته وفي حديث بن عمر عند بن مَاجَهْ والدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ عَرَكَ عَارِضَيْهِ بَعْضَ الْعَرْكِ ثُمَّ يُشَبِّكُ لِحْيَتَهُ بِأَصَابِعِهِ من تحتها وحديث بن عمر هذا صححه بن السَّكَنِ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ أَصَحُّ شَيْءٍ عِنْدِي في التخليل حَدِيثُ عُثْمَانَ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ أَمْثَلُ أَحَادِيثِ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ حَدِيثُ عُثْمَانَ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ أَخْرَجَهُ الترمذي وصححه بن خُزَيْمَةَ انْتَهَى وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صحيح الإسناد انتهى والحديث رواه أيضا بن ماجه وبن حبان وبن خُزَيْمَةَ والدَّارَقُطْنِيُّ قَوْلُهُ (وَقَالَ بِهَذَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ قَالُوا بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ مِنْ اِسْتِحْبَابِ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ (مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن بعدهم رأوا تخليل اللحية) وقد روي عن بن عباس وبن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي قلابة ومجاهد وبن سِيرِينَ وَالضَّحَّاكِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخَلِّلُونَ لِحَاهُمْ وَمَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يخلل إبراهيم النخعي والحسن وبن الْحَنَفِيَّةِ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ وَالشَّعْبِيُّ ومجاهد والقاسم وبن أبي ليلى ذكر ذلك عنهم بن أَبِي شَيْبَةَ بِأَسَانِيدِهِ إِلَيْهِمْ ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ (وَقَالَ إِسْحَاقُ إِنْ تَرَكَهُ نَاسِيًا أَوْ مُتَأَوِّلًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ تَرَكَهُ عَامِدًا أَعَادَهُ) أَيْ أَعَادَ الْوُضُوءَ فَعِنْدَ إِسْحَاقَ تَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ وَاجِبٌ فِي

الْوُضُوءِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِبَعْضِ أَحَادِيثِ التَّخْلِيلِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي أَجَابَ عَنْهُ مَنْ قَالَ بِالِاسْتِحْبَابِ بِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَقَالِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْإِنْصَافُ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ بَعْدَ تَسْلِيمِ انْتِهَاضِهَا لِلِاحْتِجَاجِ وَصَلَاحِيَتِهَا لِلِاسْتِدْلَالِ لَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّهَا أَفْعَالٌ وَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي لَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ عَلَى الْأُمَّةِ لِظُهُورِهِ فِي الِاخْتِصَاصِ بِهِ وَهُوَ يَتَخَرَّجُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَشْهُورِ فِي الْأُصُولِ هَلْ يَعُمُّ الْأُمَّةَ مَا كَانَ ظَاهِرَ الِاخْتِصَاصِ بِهِ أَمْ لَا وَالْفَرَائِضُ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِيَقِينٍ وَالْحُكْمُ عَلَى مَا لَمْ يَفْرِضْهُ اللَّهُ بِالْفَرْضِيَّةِ كَالْحُكْمِ عَلَى مَا فَرَضَهُ بِعَدَمِهَا لَا شَكَّ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَى اللَّهِ بِمَا لَمْ يَقُلْ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَرْفَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكْفِي كَثَّ اللِّحْيَةِ لِغَسْلِ وَجْهِهِ وَتَخْلِيلِ لِحْيَتِهِ وَدَفَعَ ذَلِكَ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ بِالْوِجْدَانِ مُكَابَرَةً مِنْهُ نَعَمْ الِاحْتِيَاطُ وَالْأَخْذُ بِالْأَوْثَقِ لَا شَكَّ فِي أَوْلَوِيَّتِهِ لَكِنْ بِدُونِ مُجَارَاةٍ عَلَى الْحُكْمِ بِالْوُجُوبِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ وَقَدْ استدل من قال بعدم الوجوب بحديث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الْأُخْرَى فَغَسَلَ بِهَا وَجْهَهُ ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُمْنَى ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَغَسَلَ بِهَا يَدَهُ الْيُسْرَى الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَإِلَى هَذَا الِاسْتِدْلَالِ أَشَارَ الشَّوْكَانِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَرْفَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَكْفِي لِغَسْلِ وَجْهِهِ وتخليل لحيته إلخ وقد استدل بن تيمية بحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ إِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ فَقَالَ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَثَّ اللِّحْيَةَ وَأَنَّ الْغَرْفَةَ الْوَاحِدَةَ وَإِنْ عَظُمَتْ لَا تَكْفِي غَسْلَ بَاطِنِ اللِّحْيَةِ الْكَثَّةِ مَعَ غَسْلِ الْوَجْهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ انْتَهَى

باب ما جاء في مسح الرأس

24 - (باب ما جاء في مسح الرأس) أنه يَبْدَأُ بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ أَيْ ذَاهِبًا إلى مؤخره [32] قوله (مسح رأسه) زاد بن الطباع كله وكذا في رواية بن خُزَيْمَةَ (فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ) أَيْ بَدَأَ بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ الَّذِي يَلِي الْوَجْهَ وَذَهَبَ بِهِمَا إِلَى الْقَفَا ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَهُوَ مُبْتَدَأُ الشَّعْرِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُتَعَيَّنُ الْمُعْتَمَدُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رأسه الذي يلي الوجه وذهب بِهِمَا إِلَى قَفَاهُ إِلَخْ) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ عَطْفُ بَيَانٍ لِقَوْلِهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تَدْخُلْ الْوَاوُ عَلَى بَدَأَ قَالَ الزُّرْقَانِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ مُدْرَجًا مِنْ كَلَامِ مَالِكٍ فَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ السُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِمُؤَخَّرِ الرَّأْسِ إِلَى مُقَدَّمِهِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ فَأَدْبَرَ بِيَدَيْهِ وَأَقْبَلَ فَلَمْ يَكُنْ فِي ظَاهِرِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ الْإِقْبَالَ وَالْإِدْبَارَ مِنْ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَا أَقْبَلَ إِلَيْهِ وَمَا أَدْبَرَ عَنْهُ وَمَخْرَجُ الطَّرِيقَيْنِ مُتَّحِدٌ فَهُمَا بِمَعْنًى واحد وعينت رواية مالك البداءة المقدم فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ أَقْبَلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْفِعْلِ بِابْتِدَائِهِ أَيْ بَدَأَ بِقُبُلِ الرَّأْسِ وَقِيلَ فِي تَوْجِيهِهِ غَيْرُ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَالْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْرَجَهُ

باب ما جاء أنه يبدأ بمؤخر الرأس

أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ إِنَّ مُعَاوِيَةَ تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إِلَى مُقَدَّمِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ فَلَمَّا بَلَغَ مَسَحَ رَأْسَهُ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ رَأْسِهِ فَأَمَرَّهُمَا حَتَّى بَلَغَ الْقَفَا ثُمَّ رَدَّهُمَا إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي مِنْهُ بَدَأَ وَالْحَدِيثَانِ سَكَتَ عَلَيْهِمَا أَبُو دَاوُدَ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِيهِ وَوَضَعَتْ يَدَهَا فِي مُقَدَّمِ رَأْسِهَا ثُمَّ مَسَحَتْ رَأْسَهَا مَسْحَةً وَاحِدَةً إِلَى مُؤَخَّرِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَالْمَشْهُورُ الْمُتَدَاوَلُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ الْبُدَاءَةُ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ انْتَهَى 5 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِمُؤَخَّرِ الرَّأْسِ) [33] قَوْله (نَا بِشْرُ بْنُ المفضل) بن لَاحِقٍ الرَّقَاشِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عابد قال أحمد إليه المنتهى في التثبيت في البصرة وقال بن الْمَدِينِيِّ كَانَ يُصَلِّي كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَمِائَةِ رَكْعَةً وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا تُوُفِّيَ سَنَةَ 187 سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ) مُتَكَلَّمٌ فِيهِ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي بَابِ مِفْتَاحِ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ (عَنْ الرُّبَيِّعِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ أَنْصَارِيَّةٌ نَجَّارِيَّةٌ مِنْ الْمُبَايِعَاتِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ (بِنْتِ مُعَوِّذٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ (بْنِ عَفْرَاءَ) بِسُكُونِ

الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ (مَسَحَ بِرَأْسِهِ مرتين بدأ بمؤخر رأسه تم بِمُقَدَّمِهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ بَدَأَ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ مَرَّتَيْنِ فَلَيْسَتَا بِمَسْحَتَيْنِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الْبُدَاءَةِ بِمُؤَخَّرِ الرَّأْسِ وَهُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ أهل الكوفة كما حكى الترمذي وأجاب بن الْعَرَبِيِّ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَحْرِيفٌ مِنْ الرَّاوِي بِسَبَبِ فَهْمِهِ فَإِنَّهُ فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ أَنَّهُ يَقْتَضِي الِابْتِدَاءَ بِمُؤَخَّرِ الرَّأْسِ فَصَرَّحَ بِمَا فَهِمَ مِنْهُ وَهُوَ مُخْطِئٌ فِي فَهْمِهِ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ عَارَضَ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ وَهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَبِأَنَّهُ فَعَلَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَالَ بن سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى عِنْدَ مَنْ يُسَمِّي الْفِعْلَ بِمَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ كَأَنَّهُ حَمَلَ قَوْلَهُ مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِمُؤَخَّرِ الرَّأْسِ فَأَدَّاهَا بِمَعْنَاهَا عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كذلك قال ذكر معناه بن الْعَرَبِيِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ مَرَّةً وَكَانَتْ مُوَاظَبَتُهُ عَلَى الْبُدَاءَةِ بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ مُوَاظَبَةً عَلَيْهِ كَانَ أَفْضَلَ وَالْبُدَاءَةُ بِمُؤَخَّرِ الرَّأْسِ مَحْكِيَّةٌ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ وَوَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ فِي حديث بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ أَنَّهُ بَدَأَ بِمُؤَخَّرِ رَأْسِهِ وَتَوَهَّمَ غَيْرُهُ أَنَّهُ بَدَأَ من وسط رأسه فأقبل بيده وأدبر هذه ظنون لا تصح وقد روى عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَبْدَأُ مِنْ وَسَطِ رَأْسِهِ وَلَا يَصِحُّ وَأَصَحُّ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَالْمَشْهُورُ الْمُتَدَاوَلُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ الْبُدَاءَةُ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ إِلَى مُؤَخَّرِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) حَدِيثُ رُبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ هَذَا لَهُ رِوَايَاتٌ وَأَلْفَاظٌ مدار الْكُلِّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَفِيهِ مَقَالٌ مَشْهُورٌ لَا سِيَّمَا إِذَا عنعن وقد فعل ذ لك فِي جَمِيعِهَا قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ قُلْتُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ مُدَلِّسٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ وَلِذَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَا سِيَّمَا إِذَا عَنْعَنَ (وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَصَحُّ مِنْ هَذَا وَأَجْوَدُ) لِأَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ رُبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ هَذَا فَقَدْ عَرَفْتُ حَالَهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ

باب ما جاء أن مسح الرأس مرة

أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ) وَهُوَ مَذْهَبٌ مَرْجُوحٌ وَالْمَذْهَبُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ الْبُدَاءَةُ بِمُقَدَّمِ الرَّأْسِ (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّةً) [34] قَوْلُهُ (نَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ مَوْلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ حسنة وثقه أحمد وبن معين (عن بن عَجْلَانَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (وَمَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ وَمَا أَدْبَرَ) هَذَا عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ لِقَوْلِهِ وَمَسَحَ رَأْسَهُ أَيْ مَسَحَ مَا أَقْبَلَ مِنَ الرَّأْسِ وَمَسَحَ مَا أَدْبَرَ مِنَ الرَّأْسِ أَيْ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ إِلَى مُنْتَهَاهُ ثُمَّ رَدَّ يَدَيْهِ مِنْ مُؤَخَّرِ الرَّأْسِ إِلَى مُقَدَّمِهِ (وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ) مَعْطُوفَانِ عَلَى مَا أَقْبَلَ وَالصُّدْغُ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمَوْضِعُ الَّذِي بَيْنَ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ وَالشَّعْرُ الْمُتَدَلِّي عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ (مَرَّةً وَاحِدَةً) مُتَعَلِّقٌ بِمَسَحَ فَيَكُونُ قَيْدًا فِي الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ وَمَا بَعْدَهُ فَبِاعْتِبَارِ الْإِقْبَالِ يَكُونُ مَرَّةً وَبِاعْتِبَارِ الْإِدْبَارِ مَرَّةً أُخْرَى وَهُوَ مَسْحٌ وَاحِدٌ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِهَا أَنَّهُ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّتَيْنِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مَسْحِ الصُّدْغِ وَالْأُذُنِ وَأَنَّ مَسْحَهُمَا مَعَ الرَّأْسِ وَأَنَّهُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَجَدِّ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ جَدِّ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ لَيْثٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ رَأْسَهُ حَتَّى بَلَغَ الْقَذَالَ وَمَا يَلِيَهُ مِنْ مقدم العنق وَفِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَذَكَرَ لَهُ عِلَّةً أُخْرَى عن أحمد بن حنبل قال كان بن عُيَيْنَةَ يُنْكِرُهُ وَيَقُولُ أَيْشٍ هَذَا طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَوْلُهُ حَدِيثُ الربيع

حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَفِي تَصْحِيحِهِ نظر فإنه رواه من طريق بن عقيل انتهى قلت تقدم الكلام في بن عَقِيلٍ فِي بَابِ مِفْتَاحِ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ فَتَذَكَّرْ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ برأسه مرة) روى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً قَالَ الْحَافِظُ وَإِسْنَادُهُ صَالِحٌ وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ السَّكَنِ مِنْ حَدِيثِ رُزَيْقِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مِثْلَهُ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي التَّلْخِيصِ وَالنَّيْلِ وَنَصْبِ الرَّايَةِ وَالدِّرَايَةِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن بعدهم وَبِهِ يَقُولُ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ رَأَوْا مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّةً وَاحِدَةً) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ اخْتَلَفُوا فِي تَكْرَارِ الْمَسْحِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَمْ لَا فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَمِنْهُمْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَسْحَ بِثَلَاثَةِ أَصَابِعَ بِثَلَاثَةِ مِيَاهٍ جَدِيدَةٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ فِي النَّيْلِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ عَطَاءٌ وَأَكْثَرُ الْعِتْرَةِ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَثْلِيثُ مَسْحِهِ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ انْتَهَى فَعُلِمَ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ قولان التَّوْحِيدَ وَالتَّثْلِيثَ ذَكَرَ الْأَوَّلَ التِّرْمِذِيُّ وَالثَّانِيَ صَاحِبُ شَرْحِ السُّنَّةِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالْمَسْحِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَبِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مِنْ إِطْلَاقِ مَسْحِ الرَّأْسِ مَعَ ذِكْرِ تَثْلِيثِ غَيْرِهِ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِتَثْلِيثِ الْمَسْحِ بِأَحَادِيثَ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ كَلَامٍ قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْإِنْصَافُ أَنَّ أَحَادِيثَ الثَّلَاثِ لَمْ تَبْلُغْ إِلَى دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ حَتَّى يَلْزَمَ التَّمَسُّكُ بِهَا لِمَا فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ فَالْوُقُوفُ عَلَى مَا صَحَّ مِنَ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لَا سِيَّمَا بَعْدَ تَقْيِيدِهِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَاتِ بِالْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ وَحَدِيثُ مَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وظلم الذي صححه بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ قَاضٍ بِالْمَنْعِ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْوُضُوءِ الَّذِي قَالَ بَعْدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ قَالَ مَنْ زَادَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي تثليث المسح

باب ما جاء أنه يأخذ لرأسه ماء جديد

إِنْ صَحَّتْ عَلَى إِرَادَةِ الِاسْتِيعَابِ بِالْمَسْحِ لَا أَنَّهَا مَسَحَاتٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِجَمِيعِ الرَّأْسِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ) بن دَاوُدَ الطُّوسِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الْعَابِدُ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ (سَأَلْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدِ) بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيَّ الْمَعْرُوفَ بِالصَّادِقِ ثِقَةٌ صَدُوقٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ مَاتَ سَنَةَ 841 ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ عَنْ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ سَنَةً (فَقَالَ إِي وَاللَّهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ حَرْفُ إِيجَابٍ 6 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ يأخذ لرأسه ماء جديد) [35] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ) بِمُعْجَمَتَيْنِ عَلَى وَزْنِ جَعْفَرٍ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ (نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبِ) بْنِ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمِصْرِيُّ الْفَقِيهُ حَافِظٌ عَابِدٌ مِنَ التَّاسِعَةِ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ عَنْ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً (نَا عَمْرُو بْنُ الحارث) بن يَعْقُوبَ الْأَنْصَارِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمِصْرِيُّ أَبُو أَيُّوبَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ حَافِظٌ مِنَ السَّابِعَةِ مَاتَ قَدِيمًا قَبْلَ الْخَمْسِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ حَبَّانَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وبالموحدة المشددة (بن واسع) بن حَبَّانَ بْنِ مُنْقِذِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ الْمَازِنِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثقيلة صحابي بن صَحَابِيٍّ وَقِيلَ بَلْ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (وَأَنَّهُ مَسَحَ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلٍ يَدَيْهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَسَحَ الرَّأْسَ بِمَاءٍ جَدِيدٍ لَا بِبَقِيَّةٍ مِنْ مَاءِ يَدَيْهِ وَلَا يُسْتَدَلُّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ لِأَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ لِلرَّأْسِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُهُ انْتَهَى قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَأَخْذُ مَاءٍ جَدِيدٍ لِلرَّأْسِ

أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا قَوْلُهُ (وَأَنَّهُ مَسَحَ بِمَاءٍ غَبَرَ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ أَيْ بَقِيَ وَمَا مَوْصُولَةٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِمَاءٍ غَبْرِ (فَضْلِ يَدَيْهِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَطْبُوعَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا وَفِي نُسْخَةٍ قَلَمِيَّةٍ عَتِيقَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْ فَضْلِ يَدَيْهِ بِزِيَادَةِ لَفْظَةِ مِنْ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ مِنْ بَيَانِيَّةٌ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَمْسَحْ الرَّأْسَ بِمَاءٍ جَدِيدٍ بَلْ مَسَحَ بِمَا بَقِيَ عَلَى يَدَيْهِ أَيْ بِبَقِيَّةٍ مِنْ مَاءِ يَدَيْهِ وَأَمَّا عَلَى مَا فِي النُّسْخَةِ الْمَطْبُوعَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ فَضْلَ يَدَيْهِ بِالْجَرِّ يدل ما غَبْرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُوَ فَضْلُ يَدَيْهِ هَذَا كُلُّهُ مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ورواية بن لَهِيعَةَ هَذِهِ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا وَلَكِنَّ رِوَايَةَ عَمْرٍو أَصَحُّ مِنْ رواية بن لَهِيعَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ رَأَوْا أَنْ يَأْخُذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جَدِيدًا) وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْبَابِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَبِهِ أَخَذَ عُلَمَاؤُنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا هَذَا إِذَا أَصَابَ يَدُهُ شَيْئًا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ الْبَلَلُ فِي يَدِهِ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْحَدِيثَ بَلْ الْعِلَّةُ تَقْتَضِيهِ نَعَمْ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْإِطْلَاقُ فَيَأْخُذُ مَاءً جَدِيدًا عَلَى كُلِّ حَالٍ لَكِنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَاءٍ غَبَرَ أَيْ بَقِيَ مِنْ فَضْلِ يَدَيْهِ يَدُلُّ عَلَى الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا فَهُمْ حَمَلُوا الْحَدِيثَيْنِ عَلَى حَالَةٍ وَالْآخَرَ عَلَى حَالَةٍ أُخْرَى فَفِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ قُلْتُ رِوَايَةُ مَسَحَ بِمَا غبر تفرد بها بن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَخَالَفَ فِيهَا عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ نَعَمْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ رُبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِي يَدِهِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ احْتَجَّ بِهِ مَنْ رَأَى طَهُورِيَّةَ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَتَأَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَنَّهُ أَخَذَ مَاءً جَدِيدًا وَصَبَّ نِصْفَهُ وَمَسَحَ بِبَلَلِ يَدِهِ لِيُوَافِقَ

باب مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما

حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَمَسَحَ رَأْسَهُ بماء غير فَضْلِ يَدَيْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْمُصَنِّفُ يَعْنِي أَبَا دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيَّ انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ قُلْتُ إِنْ صَحَّ حَدِيثُ رُبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ هَذَا فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَأْوِيلِ الْبَيْهَقِيِّ بَلْ يُقَالُ كِلَا الْأَمْرَيْنِ جَائِزَانِ إِنْ شَاءَ أَخَذَ لِرَأْسِهِ مَاءً جديد أَوْ إِنْ شَاءَ مَسَحَهُ بِفَضْلِ مَا يَكُونُ في يده لكن في سنده بن عَقِيلٍ وَفِيهِ مَقَالٌ مَشْهُورٌ كَمَا عَرَفْتَ وَفِي متنه اضطراب فإن بن مَاجَهْ أَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَقِيلٍ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِيضَأَةٍ فَقَالَ اسْكُبِي فَسَكَبْتُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَأَخَذَ مَاءً جَدِيدًا فَمَسَحَ بِهِ رَأْسَهُ مُقَدَّمَهُ وَمُؤَخَّرَهُ فَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ هُوَ أَنْ يُؤْخَذَ لِمَسْحِ الرَّأْسِ مَاءٌ جَدِيدٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 7 - (بَاب مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما) [36] قوله (نا بن إِدْرِيسَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ عَابِدٌ من الثامنة (عن بن عَجْلَانَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الْخَامِسَةِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمْ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) الْهِلَالِيِّ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى مَيْمُونَةَ ثِقَةٌ فَاضِلٌ صَاحِبُ مَوَاعِظَ وَعِبَادَةٍ مِنْ صِغَارِ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا) بِالْجَرِّ فِيهِمَا بَدَلَانِ مِنْ أُذُنَيْهِ وَظَاهِرُ الْأُذُنَيْنِ خَارِجُهُمَا مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ وَبَاطِنُ الْأُذُنَيْنِ داخلهما مما يلي الوجه وأخرج بن حبان في صحيحه من حديث بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَغَرَفَ غَرْفَةً فَغَسَلَ وَجْهَهُ الْحَدِيثَ وفيه ثم غرف غرفة فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ دَاخِلَهُمَا بِالسَّبَّابَتَيْنِ وَخَالَفَ بِإِبْهَامَيْهِ إِلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ فَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا ذَكَرَهُ الحافظ في التلخيص وقال صححه بن خزيمة وبن مندة قال ورواه أيضا النسائي وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ ثُمَّ مَسَحَ برأسه وأذنيه باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه ولفظ بن

باب ما جاء أن الأذنين من الرأس

مَاجَهْ مَسَحَ أُذُنَيْهِ فَأَدْخَلَ فِيهِمَا السَّبَّابَتَيْنِ وَخَالَفَ إِبْهَامَيْهِ إِلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ فَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا ذ كره الحافظ في التلخيص وقال صححه بن خزيمة وبن مندة قال ورواه أيضا النسائي وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ ثُمَّ مَسَحَ برأسه وأذنيه باطنهما بالسبابتين وظاهرهما بإبهاميه ولفظ بن مَاجَهْ مَسَحَ أُذُنَيْهِ فَأَدْخَلَهُمَا السَّبَّابَتَيْنِ وَخَالَفَ بِإِبْهَامَيْهِ إِلَى ظَاهِرِ أُذُنَيْهِ فَمَسَحَ ظَاهِرَهُمَا وَبَاطِنَهُمَا انْتَهَى وَفِي حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ وَأَدْخَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخِي أُذُنِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّحَاوِيُّ فَفِي هَذِهِ الْآثَارِ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ مَسْحِ الْأُذُنَيْنِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الرُّبَيِّعِ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ (حَدِيثُ بن عباس حديث حسن صحيح) وصححه أيضا بن خزيمة وبن مِنْدَهْ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ مَسْحَ الْأُذُنَيْنِ ظُهُورِهِمَا وَبُطُونِهِمَا) وَهُوَ الْحَقُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنْ الرَّأْسِ) [37] قَوْلُهُ (عَنْ سِنَانِ بْنِ رَبِيعَةَ) الْبَاهِلِيِّ الْبَصْرِيِّ أَبِي رَبِيعَةَ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ شَهْرِ بن حوشب) الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ وَالْأَوْهَامِ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (وَقَالَ الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ) أَيْ فَيُمْسَحَانِ مَعَهُ لَا مِنَ الْوَجْهِ فَيُغْسَلَانِ مَعَهُ (قَالَ حَمَّادٌ

أي بن زَيْدٍ (لَا أَدْرِي هَذَا) أَيْ قَوْلَهُ الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) قَدْ وَرَدَ فِي أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ ثَمَانِيَةُ أَحَادِيثَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ رَوَاهُ د ت ق وَقَدْ بَيَّنْتُ أَنَّهُ مُدْرَجٌ فِي كِتَابِي فِي ذَلِكَ الثَّانِي حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قواه المنذري وبن دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَدْ بَيَّنْتُ أَيْضًا أَنَّهُ مُدْرَجٌ الثالث حديث بن عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالِاضْطِرَابِ وَقَالَ إنه وهم والصواب رواية بن جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى مُرْسَلًا وَالرَّابِعُ حديث أبي هريرة رواه بن مَاجَهْ وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ الْحُصَيْنِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ الْخَامِسُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي وَقْفِهِ وَرَفْعِهِ وَصَوَّبَ الْوَقْفَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ أيضا السادس حديث بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَعَلَّهُ أَيْضًا السَّابِعُ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْأَزْهَرِ وقد كذبه أحمد الثامن حديث أنس أخرجه الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْحَكِيمِ عَنْ أَنَسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ قُلْتُ حديث عبد الله بن زيد أخرجه بن مَاجَهْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا أَمْثَلُ إِسْنَادٍ فِي الْبَابِ لِاتِّصَالِهِ وَثِقَةِ رُوَاتِهِ انْتَهَى لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ إِنَّهُ مُدْرَجٌ كَمَا عَرَفْتَ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ ثنا غندر محمد بن جعفر عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ قَالَ بن الْقَطَّانِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ لِاتِّصَالِهِ وَثِقَةِ رُوَاتِهِ انْتَهَى قَالَ وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالِاضْطِرَابِ فِي إِسْنَادِهِ وَقَالَ إِسْنَادُهُ وَهْمٌ وَإِنَّمَا هُوَ مُرْسَلٌ ثُمَّ أَخْرَجَهُ عن بن جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَتَبِعَهُ عَبْدُ الحق في ذلك وقال بن جُرَيْجٍ الَّذِي دَارَ الْحَدِيثُ عَلَيْهِ يُرْوَى عَنْهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ

وَهَذَا لَيْسَ بِقَدْحٍ فِيهِ وَمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ حَدِيثَانِ مُسْنَدٌ وَمُرْسَلٌ انْتَهَى قُلْتُ كلام بن الْقَطَّانِ هَذَا مُتَّجَهٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ الْقَائِمِ) أَيْ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْكَلَامُ فِي شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَالثَّانِي الشَّكُّ فِي رَفْعِهِ وَلَكِنَّ شَهْرًا وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى وَالْعِجْلِيُّ وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ وَسِنَانُ بْنُ رَبِيعَةَ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ وَإِنْ كان قد لين فقال بن عَدِيٍّ أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ بن مَعِينٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَالْحَدِيثُ عِنْدَنَا حَسَنٌ وَاللَّهُ أعلم انتهى كلامه وقال بن الْقَطَّانِ فِي الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ ضعفه قوم ووثقه الأخرون وممن وثقه بن حنبل وبن مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا بَأْسَ بِهِ وقال أبو حاتم ليس هو بدون بن الزُّبَيْرِ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ ضَعَّفَهُ وَلَا أَعْرِفُ لِمُضَعِّفِهِ حُجَّةً كَذَا فِي تَخْرِيجِ الزَّيْلَعِيِّ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقَدْ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ حَدِيثَ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَفَّ عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ كِسَاءً وَقَالَ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي ثُمَّ قَالَ هَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ) أَيْ فَيُمْسَحَانِ مَعَهُ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ (به يقول سفيان الثوري وبن المبارك وأحمد وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا أَقْبَلَ مِنَ الْأُذُنَيْنِ فَمِنَ الْوَجْهِ وَمَا أَدْبَرَ فَمِنَ الرَّأْسِ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّعْبِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَغْسِلُ مَا أَقْبَلَ مِنْهُمَا مَعَ الْوَجْهِ وَيَمْسَحُ مَا أَدْبَرَ مَعَ الرَّأْسِ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ (وَقَالَ إِسْحَاقُ أَخْتَارُ أَنْ يَمْسَحَ مُقَدَّمَهُمَا مَعَ وَجْهِهِ وَمُؤَخَّرَهُمَا مَعَ رَأْسِهِ) ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ وههنا مَذَاهِبُ أُخْرَى فَمِنْهَا أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الْوَجْهِ فَيُغْسَلَانِ مَعَهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَدَاوُدُ ذَكَرَهُ الشوكاني في النيل ومنها مذهب بن شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يَغْسِلُهُمَا مَعَ الْوَجْهِ وَيَمْسَحُهُمَا مع الرأس

وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَاسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ لِمَذْهَبِ الشَّعْبِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِمَا رَوَاهُ بِسَنَدِهِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ حَكَى الْوُضُوءَ النَّبَوِيَّ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا فَضَرَبَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ الثَّانِيَةَ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ ثم ألقم إبهاميه ماأقبل مِنْ أُذُنَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ بِيَدِهِ الْيُمْنَى فَصَبَّهَا عَلَى نَاصِيَتِهِ ثُمَّ أَرْسَلَهَا تَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمِرْفَقِ ثَلَاثًا وَالْيُسْرَى مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ مسح برأسه وظهور أذنيه وذكر بن تَيْمِيَّةَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُنْتَقَى نَقْلًا عَنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَقَالَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ رَأَى مَا أَقْبَلَ مِنَ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الوجه انتهى قلت قال المنذري في الْحَدِيثِ مَقَالٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْهُ فَضَعَّفَهُ وَقَالَ مَا أَدْرِي مَا هذا انتهى وقال الحافظ في التلخيص ورواه البزار وقال لا نعلم أحد رَوَى هَذَا هَكَذَا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيِّ وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْهُ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بن ركانة وقد صرح بن إسحاق بالسماع فيه وأخرجه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ مُخْتَصَرًا وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ فِيمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى فَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ في استدلال بن شُرَيْحٍ أَنَّهُ رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الْوَجْهِ فَبِهَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ الْأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ اسْتَنَدَ بن شُرَيْحٍ فِيمَا كَانَ يَفْعَلُهُ قُلْتُ حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا لَيْسَ بِنَصٍّ عَلَى أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الْوَجْهِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ يدل على كون الأذنين من الوجه ثم لم يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَسْلُ الْأُذُنَيْنِ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ فَقَطْ فَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ الْأُذُنَيْنِ مِنَ الرَّأْسِ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ فَتَمَضْمَضَ خَرَجَتِ الْخَطَايَا مِنْ فِيهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَإِذَا مسح برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه رواه مالك والنسائي وبن ماجه قال بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى فَقَوْلُهُ تَخْرُجُ مِنْ أُذُنَيْهِ إِذَا مَسَحَ رَأْسَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْأُذُنَيْنِ دَاخِلَتَانِ فِي مُسَمَّاهُ وَمِنْ جُمْلَتِهِ انْتَهَى فَالْمُتَعَيَّنُ هُوَ مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ مَعَ الرَّأْسِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُمَا يُمْسَحَانِ بِبَقِيَّةِ مَاءِ الرَّأْسِ أَوْ بِمَاءٍ جَدِيدٍ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ذَهَبَ

مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ إِلَى أَنَّهُ يُؤْخَذُ لَهُمَا مَاءٌ جَدِيدٌ وَذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُمَا يُمْسَحَانِ مَعَ الرَّأْسِ بِمَاءٍ واحد قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي صِفَةِ وُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ أُذُنَيْهِ بِمَاءٍ غَيْرِ الْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ الرَّأْسَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ من طريق حرملة عن بن وَهْبٍ قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ ظَاهِرُ الصِّحَّةِ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ الدَّارِمِيِّ عَنِ الْهَيْثَمِ بن خارجة عن بن وَهْبٍ بِلَفْظِ فَأَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ الْمَاءِ الَّذِي أَخَذَ لِرَأْسِهِ وَقَالَ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ لَكِنْ ذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ أَنَّهُ رَأَى فِي رِوَايَةِ بن المقبري عن بن قُتَيْبَةَ عَنْ حَرْمَلَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَفْظُهُ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ لَمْ يَذْكُرْ الْأُذُنَيْنِ وَقَالَ الْحَافِظُ كَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ بن حبان عن بن مُسْلِمٍ عَنْ حَرْمَلَةَ وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ علي بن خشرم عن بن وَهْبٍ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَرَدَ الْأَمْرُ بِتَجْدِيدِ الْمَاءِ لِلْأُذُنَيْنِ مِنْ حَدِيثِ نَمِرَانَ بْنِ جَارِيَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وتعقبه بن الْقَطَّانِ بِأَنَّ الَّذِي فِي رِوَايَةِ جَارِيَةَ بِلَفْظِ أَخَذَ لِلرَّأْسِ مَاءً جَدِيدًا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وروى في الموطأ عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ لِأُذُنَيْهِ وَصَرَّحَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ الْبَيْهَقِيِّ السَّابِقَ أَنَّ الْمَحْفُوظَ مَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ بِمَاءٍ غَيْرِ فَضْلِ يَدَيْهِ وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ أَنَّهُمَا يُمْسَحَانِ بِمَاءِ الرَّأْسِ بِمَا سَلَفَ مِنْ إِعْلَالِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالُوا فَيُوقَفُ عَلَى مَا ثَبَتَ مِنْ مَسْحِهِمَا مَعَ الرَّأْسِ كما في حديث بن عباس والربيع وغيرهما قال بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ أَنَّهُ أَخَذَ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا وَإِنَّمَا صَحَّ ذَلِكَ عن بن عُمَرَ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ صَحِيحٍ خَالٍ عَنِ الكلام يدل على مسح الأذنين لماء جديد نعم ثبت ذلك عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا مِنْ فِعْلِهِ رَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَأْخُذُ الْمَاءَ بِأُصْبُعَيْهِ لِأُذُنَيْهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب في تخليل الأصابع

29 - (باب فِي تَخْلِيلِ الْأَصَابِعِ) [38] قَوْلُهُ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ أَبِي هاشم) اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ كَثِيرٍ الْحِجَازِيُّ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْعُقَيْلِيِّ بِالتَّصْغِيرِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِيهِ) لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ قَوْلُهُ (إِذَا تَوَضَّأْتَ فَخَلِّلْ الْأَصَابِعَ) صِيغَةُ أَمْرٍ مِنَ التَّخْلِيلِ وَهُوَ إِدْخَالُ الشَّيْءِ خِلَالَ شَيْءٍ وَهُوَ وَسَطُهُ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عباس والمستورد وأبي أيوب) أما حديث بن عباس فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُسْتَوْرِدِ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَحْمَدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ قُلْتُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عُثْمَانَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ أَنَّهُ خَلَّلَ أَصَابِعَ قَدَمَيْهِ ثَلَاثًا وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَمَا فَعَلْتُ وَعَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ قَالَ الْحَافِظُ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ خَلِّلُوا بَيْنَ أَصَابِعِكُمْ لَا يُخَلِّلُهَا اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالنَّارِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا أَحَادِيثُ أُخْرَى عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَى النَّيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي والشافعي وبن

الجارود وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا وَصَحَّحَهُ أَيْضًا البغوي وبن الْقَطَّانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يُخَلِّلُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ وبه يقول أحمد وإسحاق) قال بن سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا مِنْ سُنَنِ الْوُضُوءِ تَخْلِيلُ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ فِي غَسْلِهِمَا قَالَ وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمَاءُ يَصِلُ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَخْلِيلٍ فَلَوْ كَانَتِ الْأَصَابِعُ ملتفة لا يصل الماء إليها إِلَّا بِالتَّخْلِيلِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ التَّخْلِيلُ لَا لِذَاتِهِ لَكِنْ لِأَدَاءِ فَرْضِ الْغُسْلِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بعد ذكر كلام بن سَيِّدِ النَّاسِ هَذَا وَالْأَحَادِيثُ قَدْ صَرَّحَتْ بِوُجُوبِ التَّخْلِيلِ وَثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِعْلِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إِمْكَانِ وُصُولِ الْمَاءِ بِدُونِ تَخْلِيلٍ وَعَدَمِهِ وَلَا بَيْنَ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَالتَّقْيِيدُ بِأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ بِعَدَمِ إِمْكَانِ وُصُولِ الْمَاءِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ (وَقَالَ إِسْحَاقُ يُخَلِّلُ أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ) قَوْلُ إِسْحَاقَ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم فخلل الأصابع ولحديث بن عَبَّاسٍ الْآتِي فِي هَذَا الْبَابِ [39] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ) الْجَوْهَرِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ الطَّبَرِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ حَافِظٌ تُكُلِّمَ فِيهِ بِلَا حُجَّةٍ مِنَ الْعَاشِرَةِ (قَالَ ثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ) الْأَنْصَارِيُّ أَبُو مُعَاذٍ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ لَهُ أَغَالِيطُ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (قَالَ ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ) الْمَدَنِيُّ مَوْلَى قُرَيْشٍ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ لَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ وَكَانَ فَقِيهًا مِنَ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ بن مَعِينٍ مَا حَدَّثَ بِالْمَدِينَةِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَقَالَ فِي هَامِشِ الْخُلَاصَةِ نَقْلًا عَنِ التَّهْذِيبِ وَمَا حَدَّثَ بِهِ بِبَغْدَادَ وَالْعِرَاقِ فَمُضْطَرِبٌ (عَنْ مُوسَى بن عقبة) بن أَبِي عَيَّاشٍ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ ثِقَةٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ فِي الْمَغَازِي مِنَ الْخَامِسَةِ لَمْ يَصِحَّ أن بن مَعِينٍ لَيَّنَهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ مَالِكٌ عَلَيْكُمْ بِمَغَازِي عُقْبَةَ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ وَهِيَ أَصَحُّ الْمَغَازِي مَاتَ سَنَةَ 141 إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ

وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ بِأَخَرَةٍ قَالَ بن عَدِيٍّ لَا بَأْسَ بِرِوَايَةِ الْقُدَمَاءِ عَنْهُ كَابْنِ أبي ذئب وبن جُرَيْجٍ مِنَ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قُلْتُ سَمَاعُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يختلط قوله (إذا توضأ فخلل بين يَدَيْكَ وَرِجْلَيْكَ) هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَيَّدَ التَّخْلِيلَ بِأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مِنْ ذِكْرِ الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ فَهُوَ تَنْصِيصٌ بِبَعْضِ الْأَفْرَادِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ فِي النَّيْلِ فِيهِ صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ حَسَّنَهُ الْبُخَارِيُّ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ صَالِحٍ وَسَمَاعُ مُوسَى عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ انْتَهَى [40] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو) الْمَعَافِرِيِّ الْمِصْرِيِّ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْمَعَافِرِيِّ ثِقَةٌ من الثالثة قوله (ذلك) أَيْ خَلَّلَ (بِخِنْصَرِهِ) أَيْ بِخِنْصَرِ يَدِهِ الْيُسْرَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا من حديث بن لهيعة) عرابة هَذَا الْحَدِيثِ وَالَّذِي قَبْلَهُ تَرْجِعُ إِلَى الْإِسْنَادِ فلا ينافي الحسن قاله بن سيد الناس وقد شارك بن لَهِيعَةَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمْرٍو اللَّيْثُ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ فَالْحَدِيثُ إِذَنْ صَحِيحٌ سَالِمٌ عَنِ الْغَرَابَةِ كَذَا فِي النَّيْلِ

باب ما جاء ويل للأعقاب من النار

30 - (بَاب مَا جَاءَ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ) [41] قوله (ثنا عبد العزيز بن محمد) بن عُبَيْدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُهَنِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ كُتُبِ غَيْرِهِ فَيُخْطِئُ قَالَ النَّسَائِيُّ حَدِيثُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ مُنْكَرٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ) الْوَيْلُ الْحُزْنُ وَالْهَلَاكُ وَالْمَشَقَّةُ مِنَ الْعَذَابِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ عَلَى أَقْوَالٍ أَظْهَرُهَا مَا رواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا وَيْلٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ قَالَ الْحَافِظُ وَجَازَ الِابْتِدَاءُ بِالنَّكِرَةِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ انْتَهَى وَالْأَعْقَابُ جَمْعُ عَقِبٍ بِفَتْحِ عَيْنٍ وَكَسْرِ قَافٍ وَبِفَتْحِ عَيْنٍ وَكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ قَافٍ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ قَالَ الْبَغَوِيُّ مَعْنَاهُ وَيْلٌ لِأَصْحَابِ الْأَعْقَابِ الْمُقَصِّرِينَ فِي غَسْلِهَا وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّ الْعَقِبَ مُخْتَصٌّ بِالْعِقَابِ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مُطَوَّلًا فَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنَّا فِي سُفْرَةٍ فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أُرْهِقْنَا الْعَصْرُ فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وأن المسح لا يجزئ قال بن خُزَيْمَةَ لَوْ كَانَ الْمَاسِحُ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ لَمَا تُوُعِّدَ بِالنَّارِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى مَا كَانَ مِنَ الْخِلَافِ مِنَ الشِّيعَةِ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمَسْحُ أَخْذًا بِظَاهِرِ قِرَاءَةِ وَأَرْجُلِكُمْ بِالْخَفْضِ وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الأخبار عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ وُضُوئِهِ أَنَّهُ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ الْمُبَيِّنُ لِأَمْرِ اللَّهِ وَقَالَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بن عنبسة الذي رواه بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مُطَوَّلًا فِي فَضْلِ الْوُضُوءِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ إِلَّا عن علي وبن عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُمْ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ منصور وادعى الطحاوي وبن حَزْمٍ أَنَّ الْمَسْحَ مَنْسُوخٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو وعائشة وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ وَمُعَيْقِيبٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَشُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ بِلَفْظِ وَيْلٌ لِلْعَرَاقِيبِ من النار وأخرجه بن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا كَذَا فِي عُمْدَةِ القارىء ص 656 ج 1 وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ فَسَيَجِيءُ تَخْرِيجُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَيْقِيبٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِمِثْلِ حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ وَفِيهِ أَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى تَضْعِيفِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَشُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَيَزِيدَ بن أبي سفيان فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَتِمُّوا الْوُضُوءَ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ قُلْتُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًا بن أَبِي شَيْبَةَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَمِنْ حَدِيثِ أَخِيهِ وَمِنْ حَدِيثِهِمَا مَعًا ومن حديث أحدهما على الشك قاله بن سَيِّدِ النَّاسِ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ كَذَا فِي النَّيْلِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرهَا الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء ص 656 ج 1 بِأَلْفَاظِهَا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ رَوَاهُ الطبراني في الكبير وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جُزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ مَرْفُوعًا وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ انْتَهَى (وَفِقْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا خُفَّانِ أَوْ جَوْرَبَانِ

باب ما جاء في الوضوء مرة مرة

إِذْ لَوْ جَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ لَمْ يَدْعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمَاسِحِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ بِالْوَيْلِ مِنَ النَّارِ وَقَوْلُهُ جَوْرَبَانِ تَثْنِيَةُ جَوْرَبٍ وَيَجِيءُ تَفْسِيرُهُ وَحُكْمُ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً) [42] قَوْلُهُ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ لِأَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِهِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ مِنَ الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً وَلِهَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثَلَاثًا لَمَا اقْتَصَرَ عَلَى مَرَّةً مَرَّةً قَالَ النَّوَوِيُّ قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي غَسْلِ الْأَعْضَاءِ مَرَّةً مَرَّةً وَعَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالْغَسْلِ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا وَبَعْضِ الْأَعْضَاءِ ثَلَاثًا وَبَعْضِهَا مَرَّتَيْنِ وَالِاخْتِلَافُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ كُلِّهِ وَأَنَّ الثَّلَاثَ هِيَ الكمال والواحدة تجزىء انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَجَابِرٍ وبريدة وأبي رافع وبن الفاكه) أما حديث عمر فأخرجه الترمذي وبن ماجه وأما حديث جابر فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا والدَّارَقُطْنِيُّ في سننه وأما حديث بن الْفَاكِهِ فَأَخْرَجَهُ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَفِيهِ عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْعَيْنِيُّ في شرح البخاري حديث بن الْفَاكِهِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ قُلْتُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَعَنْ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الخطيب وعن أبي بن كعب أخرجه بن ماجه قوله (حديث بن عَبَّاسٍ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا مُسْلِمًا

باب ما جاء في الوضوء مرتين مرتين

قَوْلُهُ (وَرَوَى رِشْدِينُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (بْنُ سَعْدٍ) الْمَهْرِيُّ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِصْرِيُّ ضعيف رجح أبو حاتم عليه بن لهيعة وقال بن يُونُسَ كَانَ صَالِحًا فِي دِينِهِ فَأَدْرَكَتْهُ غَفْلَةُ الصَّالِحِينَ فِي الْحَدِيثِ مِنَ السَّابِعَةِ (وَغَيْرُهُ) كَابْنِ لَهِيعَةَ (عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ شُرَحْبِيلَ) الْغَافِقِيِّ الْمِصْرِيِّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الرَّابِعَةِ وَرِوَايَةُ رِشْدِينَ هَذِهِ أخرجها بن ماجه (والصحيح ما روى بن عَجْلَانَ وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ) الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ وَرُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ (وَسُفْيَانُ الثوري وعبد العزيز بن محمد) بن عُبَيْدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُهَنِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمَدَنِيُّ صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطىء قَالَ النَّسَائِيُّ حَدِيثُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ مُنْكَرٌ مِنَ الثَّامِنَةِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) [43] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ) الْقُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (نَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ أَبُو الْحُسَيْنِ الْعُكْلِيُّ أَصْلُهُ مِنْ خُرَاسَانَ وَكَانَ بِالْكُوفَةِ وَرَحَلَ فِي الْحَدِيثِ فأكثر منه وهو صدوق يخطىء فِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ) الْعَنْسِيِّ الدِّمَشْقِيِّ الزاهد صدوق يخطيء وَرُمِيَ بِالْقَدَرِ وَتَغَيَّرَ بِأَخَرَةٍ مِنَ السَّابِعَةِ (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ) الْهَاشِمِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ الْأَعْرَجِ) الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ عَالِمٌ مِنَ الثَّالِثَةِ

باب ما جاء في الوضوء ثلاثا ثلاثا

قَوْلُهُ (تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) أَيْ غَسَلَ أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّوَضُّؤَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ يَجُوزُ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جابر) أخرجه بن مَاجَهْ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) يَجِيءُ تَخْرِيجُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) [44] قَوْلُهُ (نَا عبد الرحمن بن مهدي) بن حَسَّانٍ الْعَنْبَرِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثبت حافظ عارف بالرجال والحديث قال بن الْمَدِينِيِّ مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ مِنْهُ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ بِالْبَصْرَةِ عَنْ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ سَنَةً (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ أَبِي حَيَّةَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ بن قَيْسٍ الْهَمْدَانِيِّ الْوَادِعِيِّ قِيلَ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ نَصْرٍ وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ الْحَارِثِ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَنَّ الثَّلَاثَ سُنَّةٌ لِثُبُوتِ الِاقْتِصَارِ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَمَرَّتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ

قوله (وفي الباب عن عثمان والربيع وبن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي رَافِعٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَمُعَاوِيَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي ذَرٍّ) أَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ حَدِيثِ الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ وَهِيَ بِنْتُ مُعَوِّذِ بن عفراء فأخرجه الترمذي وأبو داود وبن ماجه وأما حديث بن عمر فأخرجه بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَرَفَعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأما حديث عائشة وأبي هريرة فأخرجه بن مَاجَهْ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ ثَابِتُ بْنُ الْقَاسِمِ السَّرَقُسْطِيُّ فِي كِتَابِ الدَّلَائِلِ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَفِي كِتَابِ الْمُفْرَدِ لِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي جَمَلَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنِي أَبُو خَالِدٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا كَذَا فِي عُمْدَةِ القارىء ص 847 ج 1 وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ أَخْرَجَهَا أَصْحَابُ الصِّحَاحِ السِّتَّةِ وَغَيْرُهُمْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي وبن ماجه قوله (وقال بن الْمُبَارَكِ لَا آمَنُ إِذَا زَادَ فِي الْوُضُوءِ عَلَى الثَّلَاثِ أَنْ يَأْثَمَ) يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ رَوَاهُ النسائي وبن مَاجَهْ قَالَ الْإِمَامُ حَافِظُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ هَذَا إِذَا زَادَ مُعْتَقِدًا أَنَّ السُّنَّةَ هَذَا فَأَمَّا لَوْ زَادَ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ

باب ما جاء في الوضوء مرة ومرتين وثلاثا

عِنْدَ الشَّكِّ أَوْ نِيَّةِ وُضُوءٍ آخَرَ فَلَا بَأْسَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ أَمَرَ بِتَرْكِ مَا يَرِيبُهُ إِلَى مَا لَا يَرِيبُهُ انْتَهَى قال القارىء قُلْتُ أَمَّا قَوْلُهُ لِطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ عِنْدَ الشَّكِّ فَفِيهِ أَنَّ الشَّكَّ بَعْدَ التَّثْلِيثِ لَا وَجْهَ لَهُ وَإِنْ وَقَعَ بَعْدَهُ فَلَا نِهَايَةَ لَهُ وهو الوسوسة ولهذا أخذ بن الْمُبَارَكِ بِظَاهِرِهِ فَقَالَ لَا آمَنُ إِذَا زَادَ على الثلاث أن يأثم انتهى قال القارىء وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ بِنِيَّةِ وُضُوءٍ آخَرَ فِيهِ إِنَّ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِعِبَادَةٍ بَعْدَ الْوُضُوءِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّجْدِيدُ مَعَ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّجْدِيدُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْوُضُوءِ لَا فِي الْأَثْنَاءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِتَرْكِ مَا يَرِيبُهُ إِلَخْ فَفِيهِ أَنَّ غَسْلَ الْمَرَّةِ الْأُخْرَى مِمَّا يَرِيبُهُ فَيَنْبَغِي تَرْكُهُ إِلَى مَا لَا يَرِيبُهُ وَهُوَ مَا عَيَّنَهُ الشَّارِعُ لِيَتَخَلَّصَ عَنِ الريبة والوسوسة انتهى كلام القارىء قُلْتُ قَوْلُهُ قَبْلَ الْإِتْيَانِ بِعِبَادَةٍ بَعْدَ الْوُضُوءِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّجْدِيدُ يَخْدِشُهُ إِطْلَاقُ حَدِيثِ الْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْإِحْيَاءِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَقَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ رَزِينٌ فِي مسنده (وقال أحمد وإسحاق لا يزيد الثَّلَاثَ إِلَّا رَجُلٌ مُبْتَلًى) أَيْ بِالْجُنُونِ لِمَظِنَّةِ أنه بالزيادة يحتاط لدينه قال بن حَجَرٍ وَلَقَدْ شَاهَدْنَا مِنَ الْمُوَسْوِسِينَ مَنْ يَغْسِلُ يَدَهُ بِالْمِئِينَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَعْتَقِدُ أَنَّ حَدَثَهُ هُوَ الْيَقِينُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَيْ بَابِ الْحَدِيثِ الَّذِي وَرَدَ فِي الْوُضُوءِ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا يَعْنِي فِي الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ المشتمل على ثلاث أحوال في ثلاث أَوْقَاتٍ فَيَرْجِعُ مَآلُ هَذَا الْبَابِ الْوَاحِدِ إِلَى مَجْمُوعِ الْأَبْوَابِ الثَّلَاثَةِ إِلَّا أَنَّ الْأَبْوَابَ الثَّلَاثَةَ السَّابِقَةَ بِاعْتِبَارِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ وَهَذَا الْبَابُ بِاعْتِبَارِ حَدِيثٍ وَاحِدٍ لَا بِاعْتِبَارِ حَالَةٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْمَعْ الْأَحْوَالَ الْمَذْكُورَةَ فِي وُضُوءٍ وَاحِدٍ انْتَهَى [45] (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى الْفَزَارِيُّ) الْكُوفِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ أَوْ أَبُو إسحاق نسيب السدي

أو بن أخته أو بن بِنْتِهِ صَدُوقٌ يُخْطِئُ وَرُمِيَ بِالرَّفْضِ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ ثَابِتِ بْنِ أَبِي صَفِيَّةَ) الثُّمَالِيِّ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ كُنْيَتُهُ أَبُو حَمْزَةَ وَاسْمُ أَبِيهِ دِينَارٌ وَقِيلَ سَعِيدٌ كُوفِيٌّ ضَعِيفٌ رَافِضِيٌّ مِنَ الْخَامِسَةِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ أَبِي جَعْفَرٍ قَوْلُهُ (قَالَ قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ) هُوَ مُحَمَّدٌ الْبَاقِرُ (حَدَّثَكَ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً) أَيْ تَارَةً (وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ) أَيْ أُخْرَى (وَثَلَاثًا ثَلَاثًا) أَيْ أُخْرَى (قَالَ نَعَمْ) قَالَ الطِّيبِيُّ مِنْ عَادَةِ الْمُحَدِّثِينَ أَنْ يَقُولَ الْقَارِئُ بَيْنَ يَدَيْ الشَّيْخِ حَدَّثَكَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ يَرْفَعُ إِسْنَادَهُ وَهُوَ سَاكِتٌ يُقَرِّرُ وَذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الشَّيْخُ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ وَيَسْمَعُهُ الطَّالِبُ انْتَهَى وَتَوْضِيحُهُ مَا قَالَ بن حَجَرٍ أَنَّ مِنْ أَحَدِ طُرُقِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَقُولَ التِّلْمِيذُ لِلشَّيْخِ حَدَّثَكَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ كَذَا وَالشَّيْخُ يَسْمَعُ فَإِذَا فَرَغَ قَالَ نَعَمْ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِ الشَّيْخِ حَدَّثَنِي فُلَانٌ إِلَخْ وَالتِّلْمِيذُ سَاكِتٌ أَيْ يَسْمَعُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي تَدْرِيبِ الرَّاوِي إِذَا قُرِئَ عَلَى الشَّيْخِ قَائِلًا أَخْبَرَكَ فُلَانٌ أَوْ نَحْوَهُ كقلت أَخْبَرَنَا فُلَانٌ وَالشَّيْخُ مُصْغٍ إِلَيْهِ فَاهِمٌ لَهُ غير منكر ولا مقر لفظا صَحَّ السَّمَاعُ وَجَازَتِ الرِّوَايَةُ بِهِ اكْتِفَاءً بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ نُطْقُ الشَّيْخِ بِالْإِقْرَارِ كَقَوْلِهِ نَعَمْ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِ الْفُنُونِ وَشَرَطَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالظَّاهِرِيِّينَ نُطْقَهُ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ قَوْلُهُ (وَرَوَى وَكِيعٌ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَخْ) الْفَرْقُ بَيْنَ رِوَايَةِ وَكِيعٍ وَشَرِيكٍ أَنَّ وَكِيعًا رَوَاهُ مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً قَالَ نَعَمْ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا وَأَمَّا شَرِيكٌ فَرَوَاهُ بِلَفْظِ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا ثلاثا قال نعم وحديث شريك رواه بن ماجه أيضا وقال علي القارىء فِي الْمِرْقَاةِ سَنَدُهُ حَسَنٌ قُلْتُ فِي سَنَدِهِ شَرِيكٌ وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ وَأَيْضًا فِي سَنَدِهِ ثَابِتُ بْنُ أَبِي صَفِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ

باب فيمن توضأ بعض وضوئه مرتين وبعضه ثلاثا

كَمَا عَرَفْتَ وَلَكِنْ فِي الْبَابِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ (وشريك كثير الغلط) شريك هذا هو بن عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي بِوَاسِطٍ تَقَدَّمَ ترجمته 5 - (باب فيمن توضأ بَعْضَ وُضُوئِهِ مَرَّتَيْنِ وَبَعْضَهُ ثَلَاثًا) [47] قَوْلُهُ (عَنْ عمرو بن يحيى) بن عمارة بن أبي حسن المازني المدني سبط عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ ثِقَةٌ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ (عَنْ أَبِيهِ) يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا وَغَسَلَ يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ) كَذَا فِي النُّسْخَةِ الْحَاضِرَةِ الْمَطْبُوعَةِ وَفِي نُسْخَةٍ قَلَمِيَّةٍ عَتِيقَةٍ صَحِيحَةٍ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ مَرَّتَيْنِ بِزِيَادَةِ لَفْظِ مَرَّتَيْنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مُطَوَّلًا قَوْلُهُ (وَقَدْ ذُكِرَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ) أَيْ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بَعْضَ وُضُوئِهِ ثَلَاثًا

باب في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم

وَبَعْضَهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ المعول عليه لأحاديث الباب 6 - (باب فِي وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كيف كان [48] قوله (نا أَبُو الْأَحْوَصِ) هُوَ سَلَامُ بْنُ سَلِيمٍ الْحَنَفِيُّ مَوْلَاهُمْ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ صَاحِبُ حَدِيثٍ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ السَّبِيعِيُّ ثِقَةٌ مُدَلِّسٌ (عَنْ أَبِي حَيَّةَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ هو بن قَيْسٍ الْهَمْدَانِيُّ الْوَادِعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ فَقَطْ قَالَ أَحْمَدُ شَيْخٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ قِيلَ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ نَصْرٍ وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ الْحَارِثِ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (تَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ) أَيْ شَرَعَ فِي الْوُضُوءِ أَوْ أَرَادَهُ فَالْفَاءُ تَعْقِيبِيَّةٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِتَفْصِيلِ مَا أُجْمِلَ فِي قوله توضأ قاله القارىء (فَغَسَلَ كَفَّيْهِ) الْمُرَادُ مِنَ الْكَفَّيْنِ الْيَدَانِ إِلَى الرُّسْغَيْنِ (حَتَّى أَنْقَاهُمَا) أَيْ أَزَالَ الْوَسَخَ عَنْهُمَا (وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَرَّةً) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ أَنْ يَكُونَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي بَابِ مَا جَاءَ أَنَّ مَسْحَ الرَّأْسِ مَرَّةٌ (ثُمَّ غَسَلَ قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ جَوَّزَ الْمَسْحَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ بِغَيْرِ خُفٍّ أَوْ جَوْرَبٍ (ثُمَّ قَامَ فَأَخَذَ فَضْلَ طَهُورِهِ) بِفَتْحِ الطَّاءِ أَيْ بَقِيَّةَ مَائِهِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ (فَشَرِبَهُ وَهُوَ قَائِمٌ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ثُمَّ قَالَ إِنَّ أُنَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ قال بن الْمَلِكِ أَمَّا شُرْبُ فَضْلِهِ فَلِأَنَّهُ مَاءٌ أَدَّى بِهِ عِبَادَةً وَهِيَ الْوُضُوءُ فَيَكُونُ فِيهِ بَرَكَةٌ فَيَحْسُنُ شُرْبُهُ قَائِمًا تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ أَنَّ الشُّرْبَ قَائِمًا جَائِزٌ فِيهِ قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ قَائِمًا وَثَبَتَ الشُّرْبُ قَائِمًا عَنْ عُمَرَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا كَانُوا يَشْرَبُونَ قِيَامًا وَكَانَ سَعْدٌ وَعَائِشَةُ لَا يَرَوْنَ بِذَلِكَ بَأْسًا

وَثَبَتَتِ الرُّخْصَةُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَقَدْ ثَبَتَ الْمَنْعُ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عِنْدَهُ نَهَى أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَشْرَبَنَّ أحدكم قائما فمن نسي فليستقي فَسَلَكَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا مَسَالِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ أَحَادِيثَ الْجَوَازِ أَثْبَتُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ مَنْسُوخَةٌ بِأَحَادِيثِ الْجَوَازِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ مَحْمُولَةٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَأَحَادِيثَ الْجَوَازِ عَلَى بَيَانِهِ قَالَ الْحَافِظُ هَذَا أَحْسَنُ الْمَسَالِكِ وَأَسْلَمُهَا وَأَبْعَدُهَا مِنَ الِاعْتِرَاضِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ مَبْسُوطًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعِهَا (ثُمَّ قَالَ) أَيْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (كَيْفَ كَانَ طُهُورُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِضَمِّ الطَّاءِ أَيْ وُضُوءُهُ وَطَهَارَتُهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بن زيد وبن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَائِشَةَ وَالرُّبَيِّعِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن ماجه مطولا ومختصرا وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ وَهِيَ بِنْتُ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ [49] قَوْلُهُ (عن عبد خير) بن يَزِيدَ الْهَمْدَانِيِّ أَبِي عُمَارَةَ الْكُوفِيِّ مُخَضْرَمٌ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ لَهُ صُحْبَةٌ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ) هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيُّ أَيْ رَوَى أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ حَدِيثَ علي عن

ثَلَاثَةَ شُيُوخِ أَبِي حَيَّةَ وَعَبْدِ خَيْرٍ وَالْحَارِثِ وَهَؤُلَاءِ رَوَوْا عَنْ عَلِيٍّ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ حَدِيثَ الْوُضُوءِ بِطُولِهِ) أَخْرَجَ حَدِيثَ قُدَامَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ علي أبو داود والنسائي والدارمي والدارقطني قوله (فَقَالَ مَالِكُ بْنُ عُرْفُطَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ أَيْ قَالَ شُعْبَةُ مَالِكَ بْنَ عُرْفُطَةَ مَكَانَ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ كَالتِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ عَلَى وَهْمِ شُعْبَةَ فِي تَسْمِيَةِ شَيْخِهِ بِمَالِكِ بْنِ عُرْفُطَةَ وَإِنَّمَا هُوَ خَالِدُ بْنُ عَلْقَمَةَ قَالَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا خَطَأٌ وَالصَّوَابُ خَالِدُ بْنُ عَلْقَمَةَ لَيْسَ مَالِكَ بْنَ عُرْفُطَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ إِلَخْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ رُوِيَ مَرَّةً عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ وَرُوِيَ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ عُرْفُطَةَ كَمَا رَوَى شُعْبَةُ وَالصَّحِيحُ خَالِدُ بْنُ عَلْقَمَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مَالِكُ بْنُ عُرْفُطَةَ إِنَّمَا هُوَ خَالِدُ بْنُ عَلْقَمَةَ أَخْطَأَ فِيهِ شُعْبَةُ قَالَ دَاوُدُ قَالَ أَبُو عَوَانَةَ يَوْمًا حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ عُرْفُطَةَ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ فَقَالَ عَمْرٌو الْأَعْصَفُ رَحِمَكَ اللَّهُ أَبَا عَوَانَةَ هَذَا خَالِدُ بن علقمة ولكن شعبة مخطىء فِيهِ فَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ هُوَ فِي كِتَابِي خَالِدُ بْنُ عَلْقَمَةَ وَلَكِنْ قَالَ شُعْبَةُ هُوَ مَالِكُ بْنُ عُرْفُطَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ عُرْفُطَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَسَمَاعُهُ قَدِيمٌ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَحَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ وَسَمَاعُهُ مُتَأَخِّرٌ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ إِلَى الصَّوَابِ انْتَهَى اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ لَيْسَتْ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ الْحَافِظُ الْمَزِّيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْعَبْدِ وَلَمْ يذكره أبو القاسم انتهى

باب في النضح بعد الوضوء

37 - (بَابٌ فِي النَّضْحِ بَعْدَ الْوُضُوءِ) الْمُرَادُ بِالنَّضْحِ ها هنا هُوَ أَنْ يَأْخُذَ قَلِيلًا مِنَ الْمَاءِ فَيَرُشَّ بِهِ مَذَاكِيرَهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِيَنْفِيَ عَنْهُ الْوِسْوَاسَ وَقَدْ نَضَحَ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَنَضَحَهُ بِهِ إِذَا رَشَّهُ عَلَيْهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ [50] قَوْلُهُ (وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ السَّلِيمِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ (الْبَصْرِيُّ) الْوَرَّاقُ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (نا أبو قتيبة سلم بن قتيبة) الخرساني نَزِيلُ الْبَصْرَةِ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيِّ) هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ النَّوْفَلِيُّ الْهَاشِمِيُّ ضَعِيفٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) وَفِي نُسْخَةٍ قَلَمِيَّةٍ عَتِيقَةٍ صَحِيحَةٍ عَنِ الْأَعْرَجِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الْأَعْرَجُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (يَا مُحَمَّدُ إِذَا تَوَضَّأْتَ) أَيْ إِذَا فَرَغْتَ مِنَ الْوُضُوءِ (فَانْتَضِحْ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ مَعْنَاهُ إِذَا تَوَضَّأْتَ فَصُبَّ الْمَاءَ عَلَى الْعُضْوِ صَبًّا وَلَا تَقْتَصِرْ عَلَى مَسْحِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ فيه إلا الغسل الثاني معناه استبرىء الْمَاءَ بِالنَّثْرِ وَالتَّنَحْنُحِ يُقَالُ نَضَحْتُ اسْتَبْرَأْتُ وَانْتَضَحْتُ تَعَاطَيْتُ الِاسْتِبْرَاءَ لَهُ الثَّالِثُ مَعْنَاهُ إِذَا تَوَضَّأْتَ فَرُشَّ الْإِزَارَ الَّذِي يَلِي الْفَرْجَ لِيَكُونَ ذَلِكَ مذهبا للوسواس

الرَّابِعُ مَعْنَاهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ إِشَارَةً إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحْجَارِ فَإِنَّ الْحَجَرَ يُخَفِّفُ الْوَسَخَ وَالْمَاءَ يُطَهِّرُهُ وَقَدْ حَدَّثَنِي أَبُو مُسْلِمٍ الْمَهْدِيُّ قَالَ مِنَ الْفِقْهِ الرَّائِقِ الْمَاءُ يُذْهِبُ الْمَاءَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنِ اسْتَنْجَى بِالْأَحْجَارِ لَا يَزَالُ الْبَوْلُ يَرْشَحُ فَيَجِدُ مِنْهُ الْبَلَلَ فَإِذَا اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ نَسَبَ الْخَاطِرُ مَا يَجِدُ مِنَ الْبَلَلِ إلى الماء وارتفع الوسواس انتهى كلام بن الْعَرَبِيِّ مُلَخَّصًا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ الانتضاح ها هنا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَكَانَ مِنْ عَادَةِ أَكْثَرِهِمْ أَنْ يَسْتَنْجُوا بِالْحِجَارَةِ لَا يَمَسُّونَ الْمَاءَ وَقَدْ يُتَأَوَّلُ الِانْتِضَاحُ أَيْضًا عَلَى رَشِّ الْفَرْجِ بِالْمَاءِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ لِيَدْفَعَ بِذَلِكَ وَسْوَسَةَ الشَّيْطَانِ انْتَهَى وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْمُرَادُ ها هنا وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ الِانْتِضَاحُ رَشُّ الْمَاءِ عَلَى الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَرُشَّ عَلَى فَرْجِهِ بَعْدَ الْوُضُوءِ مَاءً لِيَذْهَبَ عَنْهُ الْوِسْوَاسُ الَّذِي يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ ذَكَرِهِ بَلَلٌ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمَكَانُ بَلَلًا ذَهَبَ ذَلِكَ الْوِسْوَاسُ وَقِيلَ أَرَادَ بِالِانْتِضَاحِ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ لِأَنَّ الْغَالِبَ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ أَنَّهُمْ يَسْتَنْجُونَ بِالْحِجَارَةِ انْتَهَى قُلْتُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِانْتِضَاحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ الرَّشُّ عَلَى الْفَرْجِ بَعْدَ الْوُضُوءِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وأخرجه بن مَاجَهْ (وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْهَاشِمِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ) قَالَ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ قَوْلُهُمْ مَتْرُوكٌ أَوْ سَاقِطٌ أَوْ فَاحِشُ الْغَلَطِ وَمُنْكَرُ الْحَدِيثِ أَشَدُّ مِنْ قَوْلِهِمْ ضَعِيفٌ أَوْ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ أَوْ فِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ انْتَهَى قُلْتُ فَحَدِيثُ الْبَابِ ضَعِيفٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ مَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَصْلًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الْحَكَمِ بْنِ سفيان وبن عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَنَضَحَ بِهِ فَرْجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي جَامِعِهِ أَنَّهُ شكى إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ إِنِّي أَكُونُ فِي الصَّلَاةِ فَيُتَخَيَّلُ لِي أَنَّ بِذَكَرِي بَلَلًا فَقَالَ قَاتَلَ الله الشيطان

إِنَّهُ يَمَسُّ ذَكَرَ الْإِنْسَانِ لِيُرِيَهُ أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فَإِذَا تَوَضَّأْتَ فَانْضَحْ فَرْجَكَ بِالْمَاءِ فَإِنْ وَجَدْتَ فَقُلْ هُوَ مِنَ الْمَاءِ فَفَعَلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ فَذَهَبَ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ وَأَمَّا حَدِيثُ زيد بن حارثة فأخرجه بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَنِي جِبْرِيلُ الْوُضُوءَ وَأَمَرَنِي أَنْ أَنْضَحَ تَحْتَ ثَوْبِي لِمَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَوْلِ بعد الوضوء وأخرجه الدارقطني أيضا وفيه بن لَهِيعَةَ وَفِيهِ مَقَالٌ مَشْهُورٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ قَالَ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَضَحَ فَرْجَهُ أخرجه بن مَاجَهْ وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَّمَهُ الْوُضُوءَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَرَشَّ بِهَا نَحْوَ الْفَرْجِ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُشُّ بَعْدَ وُضُوئِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ وَثَّقَهُ هَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةٍ وَضَعَّفَهُ آخَرُونَ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ) أَيْ بَعْضُ الرُّوَاةِ (سُفْيَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَوْ الْحَكَمُ بْنُ سُفْيَانَ) أَيْ بِالشَّكِّ (وَاضْطَرَبُوا في الْحَدِيثِ) أَيْ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الحافظ بن الْأَثِيرِ وَرَوَاهُ رُوحُ بْنُ الْقَاسِمِ وَشُعْبَةُ وَشَيْبَانُ وَمَعْمَرٌ وَأَبُو عَوَانَةَ وَزَائِدَةُ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحميد وإسرائيل وهريم بْنُ سُفْيَانَ مِثْلُ سُفْيَانَ عَلَى الشَّكِّ وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَجَرِيرٌ عَنِ الْحَكَمِ أَوْ بن الْحَكَمِ وَرَوَاهُ عَامَّةُ أَصْحَابِ الثَّوْرِيِّ عَلَى الشَّكِّ إِلَّا عَفِيفَ بْنَ سَالِمٍ وَالْفِرْيَابِيَّ فَإِنَّهُمَا رَوَيَاهُ فَقَالَا الْحَكَمُ بْنُ سُفْيَانَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَرَوَاهُ وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاهُ مِسْعَرٌ عَنْ مَنْصُورٍ فَقَالَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَمِمَّنْ رَوَاهُ وَلَمْ يَشُكَّ سَلَامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ وَشَرِيكٌ فَقَالُوا عَنِ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ وَلَمْ يَشُكُّوا انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ هُوَ الْحَكَمُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ مُعْتِبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ ثَقِيفٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مُجَاهِدٍ فَقِيلَ هَكَذَا وَقِيلَ سُفْيَانُ بْنُ الْحَكَمُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَقَالَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ لَيْسَتْ لِلْحَكَمِ صُحْبَةٌ وقال بن الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ الصَّحِيحُ الْحَكَمُ بْنُ سفيان انتهى وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ انْتَهَى تَنْبِيهٌ كَوْنُ هَذَا الْحَدِيثِ مُضْطَرِبَ الإسناد ظاهر من كلام الحافظ بن الأثير وقد صرح به الحافظ بن عَبْدِ الْبِرِّ وَلَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا صَاحِبُ الطِّيبِ الشَّذِيِّ فَاعْتَرَضَ عَلَى الْإِمَامِ التِّرْمِذِيِّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ إِنَّ مَا جَرَحَ التِّرْمِذِيُّ بِاضْطِرَابٍ لَيْسَ بِسَدِيدٍ انْتَهَى

باب في إسباغ الوضوء

فَالْعَجَبُ أَنَّهُ مَعَ عَدَمِ وُقُوفِهِ كَيْفَ ارْتَكَبَ هَذِهِ الْجُرْأَةَ الشَّنِيعَةَ ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ وَاضْطَرَبُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَدِيثُ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَيْ فِي لَفْظِ الْحَكَمِ بْنِ سُفْيَانَ انْتَهَى قُلْتُ هذا جهل على جهل 8 - (بَابُ فِي إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ) [51] قَوْلُهُ (فِي إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ) أَيْ إِتْمَامِهِ وَإِكْمَالِهِ وَالْإِسْبَاغُ فِي اللُّغَةِ الْإِتْمَامُ وَمِنْهُ دِرْعٌ سَابِغٌ قَوْلُهُ (نَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ) بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ أبو إسحاق القارىء ثِقَةٌ ثَبْتٌ (عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ يَعْقُوبَ الْحَرْقِيِّ أَبِي شِبْلٍ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهَمَ (عَنْ أَبِيهِ) ثِقَةٌ قَوْلُهُ (أَلَا أَدُلُّكُمْ) الْهَمْزَةُ للاستفهام ولا نَافِيَةٌ وَلَيْسَ أَلَا لِلتَّنْبِيهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ بَلَى (يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَحْوُ الْخَطَايَا كِنَايَةٌ عَنْ غُفْرَانِهَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ مَحْوُهَا مِنْ كِتَابِ الْحَفَظَةِ وَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى غُفْرَانِهَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ (وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ) أَيْ يُعْلِي بِهِ الْمَنَازِلَ فِي الْجَنَّةِ (قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ) فَائِدَةُ السُّؤَالِ وَالْجَوَابِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ أَوْقَعَ فِي النَّفْسِ بِحُكْمِ الْإِبْهَامِ وَالتَّبْيِينِ (قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ) أَيْ إِتْمَامُهُ وَإِكْمَالُهُ بِاسْتِيعَابِ الْمَحَلِّ بِالْغُسْلِ وَتَطْوِيلِ الْغُرَّةِ وَتَكْرَارِ الْغُسْلِ ثَلَاثًا (عَلَى الْمَكَارِهِ) جَمْعُ مَكْرَهٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ مَا يَكْرَهُهُ شَخْصٌ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ وَالْكُرْهُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ الْمَشَقَّةُ أَيْ يَتَوَضَّأُ مَعَ بَرْدٍ شَدِيدٍ وَعِلَلٍ يَتَأَذَّى مَعَهَا بِمَسِّ الْمَاءِ وَمَعَ إِعْوَازِهِ وَالْحَاجَةِ إِلَى طَلَبِهِ وَالسَّعْيِ فِي تَحْصِيلِهِ وَابْتِيَاعِهِ بِالثَّمَنِ الْغَالِي وَنَحْوِهَا مِمَّا يَشُقُّ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ) الْخُطَى بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ خُطْوَةٍ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ كَثْرَةُ الْخُطَى

تَكُونُ بِبُعْدِ الدَّارِ وَكَثْرَةِ التَّكْرَارِ (وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ) أَيْ وَقْتِهَا أَوْ جَمَاعَتِهَا (بَعْدَ الصَّلَاةِ) يَعْنِي إِذَا صَلَّى بِالْجَمَاعَةِ أَوْ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يَنْتَظِرُ صَلَاةً أُخْرَى وَيُعَلِّقُ فِكْرَهُ بِهَا بِأَنْ يَجْلِسَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ فِي بَيْتِهِ يَنْتَظِرُهَا أَوْ يَكُونُ فِي شُغْلِهِ وَقَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِهَا (فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَأَصْلُ الرِّبَاطِ أَنْ يَرْبِطَ الْفَرِيقَانِ خُيُولَهُمْ فِي ثَغْرٍ كُلٌّ مِنْهُمَا مُعِدًّا لِصَاحِبِهِ يَعْنِي أَنَّ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا كَالْجِهَادِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْخِلَالَ تَرْبِطُ صَاحِبَهَا عَنِ الْمَعَاصِي وَتَكُفُّهُ عَنِ الْمَحَارِمِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ أَيْ الرِّبَاطُ الْمُرَغَّبُ فِيهِ وَأَصْلُ الرِّبَاطِ الْحَبْسُ عَلَى الشَّيْءِ كَأَنَّهُ حَبَسَ نَفْسَهُ عَلَى هَذِهِ الطَّاعَةِ وَقِيلَ إِنَّهُ أَفْضَلُ الرِّبَاطِ كَمَا قِيلَ الْجِهَادُ جِهَادُ النَّفْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الرِّبَاطُ الْمُتَيَسِّرُ الْمُمْكِنُ أَيْ إِنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الرِّبَاطِ انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي إِنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ هِيَ الْمُرَابَطَةُ الْحَقِيقِيَّةُ لِأَنَّهَا تَسُدُّ طُرُقَ الشَّيْطَانِ عَلَى النَّفْسِ وَتَقْهَرُ الْهَوَى وَتَمْنَعُهَا مِنْ قَبُولِ الْوَسَاوِسِ فَيَغْلِبُ بِهَا حِزْبُ اللَّهِ جُنُودَ الشَّيْطَانِ وَذَلِكَ هُوَ الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ [52] قَوْلُهُ (ثَلَاثًا) أَيْ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَحِكْمَةُ تَكْرَارِهَا لِلِاهْتِمَامِ بِهَا وَتَعْظِيمِ شَأْنِهَا وَقِيلَ كَرَّرَهَا عَلَى عَادَتِهِ فِي تَكْرَارِ الْكَلَامِ لِيُفْهَمَ عَنْهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وبن عَبَّاسٍ وَعُبَيْدَةَ وَيُقَالُ عُبَيْدَةُ بْنُ عَمْرٍو وَعَائِشَةَ وعبد الرحمن بن عائشة وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ وَإِعْمَالُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَغْسِلُ الْخَطَايَا غَسْلًا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم والنسائي وبن ماجه والدارمي وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي وَفِي رِوَايَةٍ رَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَقَالَ لِي يَا مُحَمَّدُ قُلْتُ لَبَّيْكَ رَبِّ وَسَعْدَيْكَ قَالَ هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَيْدَةَ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَرِجَالُ أَحْمَدَ ثِقَاتٌ وَلَفْظُهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

باب المنديل بعد الوضوء

تَوَضأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ ص 26 وأما حديث أنس فأخرجه الْبَزَّارُ وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ وَكَثْرَةُ الْخُطَى إِلَى الْمَسَاجِدِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَنَسٍ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا قَوْلُهُ (والعلاء بن عبد الرحمن هو بن يَعْقُوبَ الْجُهَنِيُّ) ضَمِيرُ هُوَ يَرْجِعُ إِلَى الْعَلَاءِ لَا إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ (وَهُوَ) أَيْ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَهَذَا الضَّمِيرُ أَيْضًا يَرْجِعُ إِلَى الْعَلَاءِ لَا إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ (ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ انْتَهَى فَظَهَرَ أَنَّ ضَمِيرَ هُوَ فِي قَوْلِهِ وهو ثقة عند أهل الحديث 9 - (باب الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمِنْدِيلُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَكَمِنْبَرٍ الَّذِي يَتَمَسَّحُ بِهِ وَتَمَنْدَلَ بِهِ وَتَمَنْدَلَ تَمَسَّحَ انْتَهَى أَيْ بَابُ اسْتِعْمَالِ الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ لِتَنْشِيفِ الْمَاءِ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّوَّاسُ الْكُوفِيُّ كَانَ صَدُوقًا إِلَّا أَنَّهُ ابْتُلِيَ بِوَرَّاقِهِ فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ فَنُصِحَ فَلَمْ يَقْبَلْ فَسَقَطَ حَدِيثُهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ أَبِي مُعَاذٍ) اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أرقم وهو ضعيف عند أصل الْحَدِيثِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدَهُ [53] قَوْلُهُ (كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِرْقَةٌ يُنَشِّفُ بِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ) مِنَ التنشيف قال

الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَصْلُ النَّشْفِ دُخُولُ الْمَاءِ فِي الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ يُقَالُ نَشَّفَتِ الْأَرْضُ الْمَاءَ تُنَشِّفُهُ نَشْفًا شَرِبَتْهُ وَنَشَّفَ الثَّوْبُ الْعَرَقَ وَتَنَشَّفَهُ وَأَرْضٌ نَشْفَةٌ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَشَّافَةٌ يُنَشِّفُ بِهَا غُسَالَةَ وَجْهِهِ يَعْنِي مِنْدِيلًا يَمْسَحُ بِهَا وُضُوءَهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ نَشِفَ الثَّوْبُ الْعَرَقَ كَسَمِعَ وَنَصَرَ شَرِبَهُ وَالْحَوْضُ الْمَاءَ شَرِبَهُ كَتَنَشَّفَهُ وَقَالَ فِيهِ نَشَّفَ الْمَاءَ تَنْشِيفًا أَخَذَهُ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا انْتَهَى وَالْحَدِيثُ دَلِيلُ جَوَازِ التَّنْشِيفِ بَعْدَ الْوُضُوءِ لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قُلْتُ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى فمنها حديث الوضين بن عطاء أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ مَحْفُوظِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَقَلَبَ جُبَّةَ صُوفٍ كَانَتْ عَلَيْهِ فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ جَمَاعَةٍ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِرْقَةٌ يَتَنَشَّفُ بِهَا بَعْدَ الْوُضُوءِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إِسْنَادُهُ غَيْرُ قَوِيٍّ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ مِثْلَهُ وَأَعَلَّهُ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي مَرْيَمَ إِيَاسِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ فُلَانٍ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ مِنْدِيلٌ أَوْ خِرْقَةٌ يَمْسَحُ بِهَا وَجْهَهُ إِذَا تَوَضَّأَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْكُنَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ ومِنْهَا حَدِيثُ مُنِيبِ بْنِ مُدْرِكٍ المكي الأزدي قال رأيت جارية تحمل وضوء وَمِنْدِيلًا فَأَخَذَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاءَ فتوضأ ومسح بالمنديل وجهه أسنده الإمام مغلطائي في شرحه كذا في عمدة القارىء شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ قُلْتُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ إِلَّا حَدِيثَ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَقَالَ الْعَيْنِيُّ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْكُنَى بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ وَلَمْ أَظْفَرْ بِكِتَابِ الْكُنَى لِلنَّسَائِيِّ [54] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى وَزْنِ مِسْكِينٍ قَالَ الْحَافِظُ ضعيف ورجح أبو حاتم عليه بن لهيعة وقال بن يُونُسَ كَانَ صَالِحًا فِي دِينِهِ فَأَدْرَكَتْهُ غَفْلَةُ الصَّالِحِينَ فَخَلَطَ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى

وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ كَانَ صَالِحًا عَابِدًا سيء الْحِفْظِ غَيْرَ مُعْتَمَدٍ انْتَهَى (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ بْنِ أَنْعُمٍ) بفتح أوله وسكون النُّونِ وَضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْإِفْرِيقِيُّ قَالَ الْحَافِظُ ضَعِيفٌ فِي حِفْظِهِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا انْتَهَى قُلْتُ هُوَ مَعَ ضَعْفِهِ مُدَلِّسٌ أَيْضًا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ (عَنْ عُتْبَةَ بْنِ حُمَيْدٍ) الضَّبِّيِّ الْبَصْرِيِّ يُكَنَّى أَبَا مُعَاذٍ وثقه بن حِبَّانَ وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدَّةِ التَّحْتَانِيَّةِ الْخَفِيفَةِ الْكِنْدِيِّ قَاضِي طَبَرِيَّةَ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ الْأَشْعَرِيِّ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وَذَكَرَهُ الْعِجْلِيُّ فِي كِبَارِ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (إِذَا تَوَضَّأَ مَسَحَ وَجْهَهُ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ) أَيْ نَشَّفَ بِهِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّنْشِيفِ لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ لَيْسَ بِالْقَائِمِ) وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَأَبُو مُعَاذٍ يَقُولُونَ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) قَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ الْبَصْرِيُّ أَبُو مُعَاذٍ عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَعَنْهُ الثَّوْرِيُّ ويحيى بن حمزة قال الترمزي مَتْرُوكٌ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ خ هُوَ مَوْلَى قُرَيْظَةَ أَوْ النَّضِيرِ رَوَي عن الحسن والزهري تَرَكُوهُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَرْوِى عَنْهُ وَقَالَ عباس وعثمان عن بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ

الْجُوزَجَانِيُّ سَاقِطٌ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ ذَاهِبٌ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ كُنَّا نُنْهَى عَنْ مُجَالَسَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ فَذَكَرَ مِنْهُ أَمْرًا عَظِيمًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الوضوء) قال بن المنذر أخذ الْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ عُثْمَانُ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَنَسٌ وَبَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ وَرَخَّصَ فِيهِ الحسن وبن سِيرِينَ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَمَسْرُوقٌ وَالضَّحَّاكُ وَكَانَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَرَوْنَ به بأسا كذا في عمدة القارىء وَاحْتَجَّ الْمُرَخِّصُونَ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى غَسْلِهِ فَسَتَرَتْ عَلَيْهِ فَاطِمَةُ ثُمَّ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَالْتَحَفَ بِهِ قَالَ الْعَيْنِيُّ هَذَا ظَاهِرٌ فِي التَّنْشِيفِ بِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْنَا لَهُ مَاءً فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَيْنَاهُ بِمِلْحَفَةٍ وَرْسِيَّةٍ فَاشْتَمَلَ بِهَا فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى أَثَرِ الْوَرْسِ عَلَيْهِ قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى جَوَازِ التَّنْشِيفِ بَعْدَ الْوُضُوءِ تَأَمُّلٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ (ومن كرهه إنما كره مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قِيلَ إِنَّ الْوُضُوءَ يُوزَنُ) أَيْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ مَاءَ الْوُضُوءِ يُوزَنُ فَيُكْرَهُ إِزَالَتُهُ بِالتَّنْشِيفِ وَفِيهِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا اسْتُعْمِلَ فِي الْوُضُوءِ يُوزَنُ لَا الْبَاقِي عَلَى الْأَعْضَاءِ وَقِيلَ لِأَنَّ مَاءَ الْوُضُوءِ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِيهِ مِثْلُ مَا فِي مَا قَبْلِهِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ إِزَالَةٌ لِأَثَرِ الْعِبَادَةِ وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ نَفْضُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يديه بعد الغسل قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ نَفْضُهُ الْمَاءَ بِيَدِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا كَرَاهَةَ فِي التَّنْشِيفِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِزَالَةٌ انْتَهَى وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَاءَ يُسَبِّحُ مَا دَامَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَفِيهِ مَا قال القارىء مِنْ أَنَّ عَدَمَ تَسْبِيحِ مَاءِ الْوُضُوءِ إِذَا نُشِّفَ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ انْتَهَى

قُلْتُ قَدْ كَرِهَ التَّنْشِيفَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أبي ليلى والنخعي وبن الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَاحْتَجُّوا بِمَا ذُكِرَ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عمر ولا بن مسعود أخرجه بن شَاهِينَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ فَلَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ وَبِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ فِي غَسْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ فَنَاوَلْتُهُ ثَوْبًا فَلَمْ يَأْخُذْهُ فَانْطَلَقَ وَهُوَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَالُوا هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْشِيفِ بَعْدَ الْغُسْلِ فَيَثْبُتُ بِهِ كَرَاهَتُهُ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَيْضًا وَفِيهِ مَا قَالَ الْحَافِظُ مِنْ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الِاحْتِمَالُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْأَخْذِ لِأَمْرٍ آخَرَ لَا يَتَعَلَّقُ بِكَرَاهَةِ التَّنْشِيفِ بَلْ لِأَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالْخِرْقَةِ أَوْ لِكَوْنِهِ كَانَ مُسْتَعْجِلًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ الْمُهَلَّبُ يُحْتَمَلُ تَرْكُهُ الثَّوْبَ لِإِبْقَاءِ بَرَكَةِ الْمَاءِ أَوْ لِلتَّوَاضُعِ أَوْ لِشَيْءٍ آخَرَ رَآهُ فِي الثَّوْبِ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ وَسَخٍ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِالْمِنْدِيلِ وَإِنَّمَا رَدَّهُ مَخَافَةَ أَنْ يَصِيرَ عَادَةً وَقَالَ التَّيْمِيُّ فِي شَرْحِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُنَشِّفُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ تَأْتِهِ بِالْمِنْدِيلِ وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ نَفْضُهُ الْمَاءَ بِيَدِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا كَرَاهَةَ فِي التَّنْشِيفِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إِزَالَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ التَّنْشِيفِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حميد) بن حيان الرازي حافظ ضعيف وكان بن مَعِينٍ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيهِ (قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) هو بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها ثقة صحيح الكتاب قيل كان فِي آخِرِ عُمُرِهِ يَهِمُ مِنْ حِفْظِهِ (حَدَّثَنِيهِ علي بن مجاهد) بن مُسْلِمٍ الْقَاضِي الْكَابُلِيُّ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ مَتْرُوكٌ وَلَيْسَ فِي شُيُوخِ أَحْمَدَ أَضْعَفُ مِنْهُ (عَنِّي) كَانَ جَرِيرٌ حَدَّثَ بِهِ أَوَّلًا عَلِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ ثُمَّ نَسِيَ جَرِيرٌ فَأَخْبَرَهُ عَلِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ بِأَنَّكَ حَدَّثْتَنِي بِهِ عَنْ

باب ما يقال بعد الوضوء

ثعلبة فرواه جرير بعد ما نَسِيَ وَقَالَ حَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ مُجَاهِدٍ عَنِّي قال بن الصَّلَاحِ وَقَدْ رَوَى كَثِيرٌ مِنَ الْأَكَابِرِ أَحَادِيثَ نسوها بعد ما حَدَّثُوا بِهَا وَكَانَ أَحَدُهُمْ يَقُولُ حَدَّثَنِي فُلَانٌ عَنِّي عَنْ فُلَانٍ بِكَذَا وَصَنَّفَ فِي ذَلِكَ الْخَطِيبُ أَخْبَارَ مَنْ حَدَّثَ وَنَسِيَ وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ (وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ) هَذَا قَوْلُ جَرِيرٍ (عَنْ ثعلبة) بن سُهَيْلٍ التَّمِيمِيِّ الطَّهْوِيِّ الْكُوفِيِّ كَانَ يَسْكُنُ بِالرَّيِّ وَكَانَ مُتَطَبِّبًا رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ أَثَرًا مَوْقُوفًا فِي الْوُضُوءِ انْتَهَى قُلْتُ أَشَارَ الْحَافِظُ إلى أثر الزهري هذا 0 - (باب ما يُقَالُ بَعْدَ الْوُضُوءِ) [55] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الثَّعْلَبِيُّ) بِالْمُثَلَّثَةِ ثُمَّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ صَدُوقٌ رَوَى عَنْ وَكِيعٍ وَيَحْيَى بْنِ سَلِيمٍ وَعَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ قَالَ الذَّهَبِيُّ تُوُفِّيَ بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (عن معاوية بن صالح) بن حديرالحضرمي أحد الأعلام وقاضي الأندلس وثقة أحمد وبن مَعِينٍ رَوَى عَنْ مَكْحُولٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ وخلق وعنه الثوري والليث وبن وهب وخلق قال بن عَدِيٍّ هُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ إِلَّا أَنَّهُ يَقَعُ فِي حَدِيثِهِ إِفْرَادَاتٌ مَاتَ سَنَةَ 851 ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيِّ) قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ عَابِدٌ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَحَدُ الْأَعْلَامِ رَوَى عَنْ وَاثِلَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ وَجُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ وَعَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ قُتِلَ سَنَةَ 321 ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِي إدريس الخولاني) اسمه عائذ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ

وَسَمِعَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَمَاتَ سَنَةَ 08 ثَمَانِينَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ عَالِمَ الشَّامِ بَعْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ (وَأَبِي عُثْمَانَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو عُثْمَانُ شَيْخٌ لِرَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيِّ قِيلَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ وَقِيلَ جَرِيرُ بْنُ عُثْمَانَ وَإِلَّا فَمَجْهُولٌ قُلْتُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سعيد عن بن وَهْبٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ وَأَظُنُّهُ سَعِيدَ بْنَ هَانِئٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عُقْبَةَ قَالَ مُعَاوِيَةُ وَحَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ عقبة إلخ فرواية أبي داود هذا تُؤَيِّدُ أَنَّ أَبَا عُثْمَانَ هُوَ سَعِيدُ بْنُ هَانِئٍ وَأَيْضًا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَأَبِي عُثْمَانَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مَعْطُوفٌ عَلَى رَبِيعَةَ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ قَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِدُونِ زِيَادَةِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ إِلَخْ بِإِسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ شَيْخِهِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ يعني بن يَزِيدَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ وَحَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَثَانِيهِمَا رَوَى عَنْ شَيْخِهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ نَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ قَالَ نَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ وَأَبِي عُثْمَانَ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ بْنِ مَالِكٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَحَقَّقَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَنَّ قَائِلَ وَحَدَّثَنِي أَبُو عُثْمَانَ فِي السَّنَدِ الْأَوَّلِ هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ وَأَنَّ قَوْلَهُ وَأَبِي عُثْمَانَ فِي السَّنَدِ الثَّانِي مَعْطُوفٌ عَلَى رَبِيعَةَ وَأَطْنَبَ فِي تَصْوِيبِهِ نَقْلًا عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْغَسَّانِيِّ الْجَيَّانِيِّ ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ وَقَدْ خَرَّجَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي مُصَنَّفِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ شَيْخٍ لَهُ لَمْ يَقُمْ إِسْنَادُهُ عَنْ زَيْدٍ وَحَمَلَ أَبُو عِيسَى فِي ذَلِكَ عَلَى زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ وَزَيْدٌ بَرِيءٌ مِنْ هَذِهِ الْعُهْدَةِ وَالْوَهْمُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَبِي عِيسَى أَوْ مِنْ شَيْخِهِ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ لِأَنَّا قَدَّمْنَا مِنْ رِوَايَةِ أَئِمَّةٍ حُفَّاظٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ مَا خَالَفَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عِيسَى انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُهُ وَحَمَلَ أَبُو عِيسَى فِي ذَلِكَ عَلَى زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ إِلَخْ يُشِيرُ بِهِ إِلَى قَوْلِ أَبِي عِيسَى فِيمَا بَعْدُ قَدْ خُولِفَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلخ

قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ) جَمَعَ بَيْنَهَا إِلْمَامًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الله يحب التوابين ويحب المتطهرين وَلَمَّا كَانَتِ التَّوْبَةُ طَهَارَةَ الْبَاطِنِ عَنْ أَدْرَانِ الذُّنُوبِ وَالْوُضُوءُ طَهَارَةَ الظَّاهِرِ عَنِ الْأَحْدَاثِ الْمَانِعَةِ عَنِ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ تَعَالَى نَاسَبَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عامر) وأما حديث أنس فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (خُولِفَ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ) خَالَفَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ وَغَيْرُهُ وَبَيَّنَ التِّرْمِذِيُّ صُورَةَ الْمُخَالَفَةِ بِقَوْلِهِ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ وَغَيْرُهُ إِلَخْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ وَلَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كثير شَيْءٍ) اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ عُمَرَ هَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِدُونِ زِيَادَةِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ فَهُوَ صَحِيحٌ سَالِمٌ مِنَ الْاِضْطِرَابِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ لَكِنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ سَالِمَةٌ مِنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ وَالزِّيَادَةُ الَّتِي عِنْدَهُ رَوَاهَا الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ ثَوْبَانَ وَلَفْظُهُ مَنْ دَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَسَاعَةَ فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ الحديث ورواه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ انْتَهَى مَا فِي التلخيص

باب الوضوء

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ حَدِيثِ عُمَرَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ ضِعَافٌ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ بِلَفْظِ مَنْ تَوَضَّأَ فَقَالَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ كُتِبَ فِي رَقٍّ ثُمَّ طُبِعَ بِطَابَعٍ فَلَمْ يُكْسَرْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَالْمَرْفُوعُ ضَعِيفٌ وَأَمَّا الْمَوْقُوفُ فَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا حَقَّقَ ذَلِكَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ فِي كُتُبِهِمْ مِنَ الدُّعَاءِ عِنْدَ كُلِّ عُضْوٍ كَقَوْلِهِمْ يُقَالُ عِنْدَ غَسْلِ الْوَجْهِ اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ وَعِنْدَ غَسْلِ الْيَدِ الْيُمْنَى اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا إِلَخْ فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ حَدِيثٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَرَدَ بِهَا الْأَثَرُ عَنِ الصَّالِحِينَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ هَذَا الدُّعَاءُ لَا أَصْلَ لَهُ وَقَالَ بن الصَّلَاحِ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ حَدِيثٌ قَالَ الْحَافِظُ رُوِيَ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ جدا أوردها المستغفري في الدعوات وبن عساكر في أماليه انتهى وقال بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عَلَى وُضُوئِهِ شَيْئًا غَيْرَ التَّسْمِيَةِ وَكُلُّ حَدِيثٍ فِي أَذْكَارِ الْوُضُوءِ الَّذِي يُقَالُ عَلَيْهِ فَكَذِبٌ مُخْتَلَقٌ لَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْهُ وَلَا عَلَّمَهُ لِأُمَّتِهِ وَلَا يَثْبُتُ عَنْهُ غَيْرُ التَّسْمِيَةِ فِي أَوَّلِهِ وَقَوْلُهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنَ الْمُتَطَهِّرِينَ فِي آخِرِهِ انْتَهَى 1 - (باب الوضوء) بالمد [56] قوله (قال حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّةَ) هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنُ مِقْسَمٍ الْأَسَدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو بِشْرٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَطَرٍ الْبَصْرِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ بِأَخَرَةٍ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ سَفِينَةَ) هُوَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقَالُ كَانَ اسْمُهُ مِهْرَانَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَلُقِّبَ سَفِينَةَ لِكَوْنِهِ حَمَلَ شَيْئًا كَبِيرًا فِي السَّفَرِ مَشْهُورٌ لَهُ أَحَادِيثُ

قَوْلُهُ (كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي الْمُدُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ إِنَاءٌ يَسَعُ رِطْلًا وَثُلُثًا بِالْبَغْدَادِيِّ قَالَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَخَالَفَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فَقَالُوا الْمُدُّ رِطْلَانِ انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء وَهُوَ أَيْ الْمُدُّ رِطْلَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِ وَأَمَّا الصَّاعُ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ عِرَاقِيَّةٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ الصَّاعُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ مُعْتَرِضًا عَلَى الْحَافِظِ مَا لَفْظُهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُدَّ رِطْلَانِ وَمَا خَالَفَ أَبُو حَنِيفَةَ أَصْلًا لِأَنَّهُ يَسْتَدِلُّ فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ جَابِرٌ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ أخرجه بن عَدِيٍّ وَبِمَا رَوَاهُ أَنَسٌ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ لَا تَقُومُ بِهِمَا الْحُجَّةُ أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فأخرجه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى بْنِ وَجِيهٍ الْوَجِيهِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ وَضَعَّفَ عِمْرَانَ بْنَ مُوسَى هُنَا عَنِ البخاري والنسائي وبن مَعِينٍ وَوَافَقَهُمْ وَقَالَ إِنَّهُ فِي عِدَادِ مَنْ يَضَعُ الْحَدِيثَ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ فِيهِ عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى وَهُوَ هَالِكٌ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ هُوَ مِنْ رواية بن أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ أَنَسٍ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَفِيهِ مُوسَى بْنُ نَصْرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَزْنِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ ثُمَّ ذَكَرَهَا ثُمَّ قَالَ وَضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الْأَسَانِيدَ الثَّلَاثَةَ وَقَالَ الصَّحِيحُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَجَبُ مِنَ الْعَيْنِيِّ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الضَّعِيفَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا فِيهِمَا مِنَ الْمَقَالِ الَّذِي يُسْقِطُهُمَا عَنِ الِاحْتِجَاجِ وَاسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُوسَى الطَّلْحِيِّ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَرَتِ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ صَاعٌ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ وَفِي الْوُضُوءِ رِطْلَانِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مَنْصُورٍ غَيْرُ صَالِحٍ وَهُوَ ضَعِيفُ الحديث انتهى

وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ الْمُدَّ رِطْلَانِ لِذَلِكَ تَرَكَ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ مَذْهَبَهُ وَاخْتَارَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمُدَّ رِطْلٌ وَثُلُثُ رِطْلٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ صَاعِ الْمَدِينَةِ وَمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَرَكَتُهُ وَمَا تَوَارَثَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذَلِكَ قَرْنًا بَعْدَ قرن انتهى قال العيني في عمدة القارىء قَوْلُهُ وَمَا تَوَارَثَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَيْ بَيَانُ مَا تَوَارَثَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ قَرْنًا أَيْ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ إِلَى زَمَنِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ أَبَا يُوسُفَ لَمَّا اجْتَمَعَ مَعَ مَالِكٍ فِي الْمَدِينَةِ فَوَقَعَتْ بَيْنَهُمَا الْمُنَاظَرَةُ فِي قَدْرِ الصَّاعِ فَزَعَمَ أَبُو يُوسُفَ أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَقَامَ مَالِكٌ وَدَخَلَ بَيْتَهُ وَأَخْرَجَ صَاعًا وَقَالَ هَذَا صَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ فَوَجَدْتُهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَخَالَفَ صَاحِبَيْهِ فِي هَذَا انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ قال حدثنا بن أَبِي عِمْرَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ وَبِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ جَمِيعًا عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَخْرَجَهُ إِلَى مَنْ أَثِقُ بِهِ صَاعًا فَقَالَ هَذَا صَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّرْتُهُ فَوَجَدْتُهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وثلث رطل وسمعت بن أَبِي عِمْرَانَ يَقُولُ يُقَالُ إِنَّ الَّذِي أَخْرَجَ هَذَا لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ قَوْلُهُ والدليل عَلَى أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ فَقَطْ بِنَقْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ وَلِمَالِكٍ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِيهِ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ وَالْقِصَّةُ رواها البيهقي بإسناد جيد وأخرج بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أُمِّهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُدِّ الَّذِي يَقْتَاتُ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي زَكَاةَ رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُدِّ الْأَوَّلِ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَالْمَشْهُورُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْوَلِيدِ الْقُرَشِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَجِّ فَقَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفْتَحَ عَلَيْكُمْ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ أَهَمَّنِي فَفَحَصْتُ عَنْهُ فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَسَأَلْتُ عَنِ الصَّاعِ فَقَالُوا صَاعُنَا هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لَهُمْ مَا حُجَّتُكُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا نَأْتِيكَ بِالْحُجَّةِ غَدًا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَانِي نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ شَيْخًا مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ الصَّاعُ تَحْتَ رِدَائِهِ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَنَّ هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا هِيَ سَوَاءٌ قَالَ فَعَيَّرْتُهُ فَإِذَا هُوَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ فَرَأَيْتُ أَمْرًا قَوِيًّا فَتَرَكْتُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الصَّاعِ وَأَخَذْتُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَاظَرَهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالصِّيعَانِ الَّتِي جَاءَ بِهَا أُولَئِكَ الرَّهْطُ فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى قَوْلِهِ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ عَيَّرْتُ صَاعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثَ رِطْلٍ بِالثَّمَرِ انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ ص 082 ج 7 بِإِسْنَادِهِ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمْ الْيَوْمَ فَزِيدَ فِيهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح قال بن بَطَّالٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُدَّهُمْ حِينَ حَدَّثَ بِهِ السَّائِبُ كَانَ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ فَإِذَا زِيدَ عَلَيْهِ ثُلُثُهُ وَهُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ قَامَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَهُوَ الصَّاعُ بِدَلِيلِ أَنَّ مُدَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ وَصَاعُهُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ انْتَهَى ثُمَّ رَوَى البخاري عن نافع قال كان بن عُمَرَ يُعْطِي زَكَاةَ رَمَضَانَ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُدِّ الْأَوَّلِ وَفِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو قُتَيْبَةَ قَالَ لَنَا مَالِكٌ مُدُّنَا أَعْظَمُ مِنْ مُدِّكُمْ وَلَا نَرَى الْفَضْلَ إِلَّا فِي مُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لِي مَالِكٌ لَوْ جَاءَكُمْ أَمِيرٌ فَضَرَبَ مُدًّا أَصْغَرَ مِنْ مُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُعْطُونَ قُلْتُ كُنَّا نُعْطِي بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمْرَ إِنَّمَا يَعُودُ إِلَى مُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَيَأْتِي بَاقِي الْكَلَامِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُدِّ وَالصَّاعِ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَالَتْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ الْفَرَقُ وَلَهَا رِوَايَاتٌ أُخْرَى فَفِي بَعْضِهَا كَانَ يَغْتَسِلُ بِخَمْسِ مَكَاكِيكَ وَيَتَوَضَّأُ بِمَكُّوكٍ وَفِي أُخْرَى يُغَسِّلُهُ الصَّاعُ وَيُوَضِّئُهُ الْمُدُّ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْزِئُ مِنَ الْغُسْلِ الصَّاعُ وَمِنَ الْوَضُوءِ الْمُدُّ كَذَا فِي المنتقى وقال الشوكاني وأخرجه أبو داود وبن خزيمة وبن ماجه بنحوه وصححه بن الْقَطَّانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ إِلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ قَوْلُهُ (حديث سفينة حديث صحيح) وأخرجه أحمد ومسلم وبن مَاجَهْ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى

قَوْلُهُ (هَكَذَا رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْوُضُوءُ بِالْمُدِّ وَالْغُسْلُ بِالصَّاعِ) أَيْ بِالتَّوْقِيتِ وَالتَّحْدِيدِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَيْسَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى التَّوَقِّيتِ إِلَخْ) هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ المعول عليه قال بن حَجَرٍ قَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَغْتَسِلُ هِيَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ واحد هو الفرق قال بن عُيَيْنَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا هُوَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ إِنَاءٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالِ فِي ذَلِكَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَدَّرَ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ بِمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ كَابْنِ شَعْبَانَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَكَذَا مَنْ قَالَ بِهِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ مُخَالَفَتِهِمْ لَهُ فِي مِقْدَارِ الْمُدِّ وَالصَّاعِ وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْ قَدَّرَ وُضُوءَهُ وَغُسْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدَّرَهُمَا بِذَلِكَ فَفِي مُسْلِمٍ عَنْ سَفِينَةَ مِثْلُهُ وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَابِرٍ مِثْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وبن عباس وبن عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا إِذَا لَمْ تَدْعُ الْحَاجَةُ إِلَى الزِّيَادَةِ وَهُوَ أَيْضًا فِي حَقِّ مَنْ يَكُونُ خُلُقُهُ مُعْتَدِلًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَاعْتَرَضَ الْعَيْنِيُّ عَلَى قَوْلِهِ فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَدَّرَ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ بِمَا ذُكِرَ إِلخ بِأَنَّهُ لَا رَدَّ فِيهِ عَلَى مَنْ قَالَ بِهِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ بِطَرِيقِ الوجوب كما قال بن شَعْبَانَ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِهِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الْمُغْتَسِلَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعُمَّ جَسَدَهُ بِأَقَلَّ مِنْ مُدٍّ وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَجْسَادِ الْأَشْخَاصِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَذْكُورُ يَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بطريق الوجوب فإنه إذا لَا يُمْكِنُ عِنْدَهُ أَنْ يَعُمَّ الْمُغْتَسِلُ جَسَدَهُ بِأَقَلَّ مِنْ مُدٍّ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَاءُ مُدًّا أَوْ أَكْثَرَ وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ الْعَيْنِيِّ وَهَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَجْسَادِ الْأَشْخَاصِ فَلَا يُجْدِي نَفْعًا لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ لَمْ يَخُصَّ مُغْتَسِلًا عَنْ مُغْتَسِلٍ فَتَفَكَّرْ ثُمَّ قَالَ الْعَيْنِيُّ إِنَّ الرِّوَايَاتِ مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ فَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وفي حديث

باب كراهية الاسراف في الوضوء بالماء

أُمِّ عُمَارَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَدْرَ ثلثي المد وفي رواية بن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِمِ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِثُلُثَيْ مُدٍّ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ فَجَعَلَ يُدَلِّكُ ذِرَاعَيْهِ وَقَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَذَكَرَ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةً مُخْتَلِفَةً ثُمَّ قَالَ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا كَانَتِ اغْتِسَالَاتٍ فِي أَحْوَالٍ وَجَدَ فِيهَا أَكْثَرَ مَا اسْتَعْمَلَهُ وَأَقَلَّهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ فِي قَدْرِ مَاءِ الطَّهَارَةِ يَجِبُ اسْتِيفَاؤُهُ ثُمَّ قَالَ الْإِجْمَاعُ قَائِمٌ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ فِي دَعْوَى الاجماع كلام كيف وقد عرفت مذهب بن شعبان وبعض الحنفية 2 - (باب كَرَاهِيَةِ الْإِسْرَافِ فِي الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ) [57] قَوْلُهُ (نَا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ الْجَارُودِ الْفَارِسِيُّ مَوْلَى الزُّبَيْرِ الطَّيَالِسِيُّ البصري أحد الأعلام الحفاظ روى عن بن عَوْفٍ وَهِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَخَلَائِقَ وعنه أحمد وبن المديني وبن بشار وخلق قال بن مَهْدِيٍّ أَبُو دَاوُدَ أَصْدَقُ النَّاسِ وَقَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ يُحْتَمَلُ خَطَؤُهُ وَقَالَ وَكِيعٌ جَبَلُ الْعِلْمِ مَاتَ سَنَةَ 402 أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ عَنْ إِحْدَى وَسَبْعِينَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ حَافِظٌ غَلِطَ فِي أَحَادِيثَ (نَا خَارِجَةُ بْنُ مُصْعَبٍ) أَبُو الْحَجَّاجِ السَّرَخْسِيُّ مَتْرُوكٌ وَكَانَ يُدَلِّسُ عَنِ الْكَذَّابِينَ وَيُقَالُ إِنَّ بن مَعِينٍ كَذَّبَهُ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ) الْعَبْدِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ (عَنْ عُتَيٍّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مُصَغَّرًا ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا) أَيْ لِلْوَسْوَسَةِ فِيهَا (يُقَالُ لَهُ الْوَلَهَانُ) بِفَتْحَتَيْنِ مَصْدَرُ وَلِهَ يَوْلَهُ وَلَهَانًا وَهُوَ ذَهَابُ الْعَقْلِ وَالتَّحَيُّرُ مِنْ شِدَّةِ الْوَجْدِ وَغَايَةِ الْعِشْقِ سُمِّيَ بِهَا شَيْطَانُ الْوُضُوءِ إِمَّا لِشِدَّةِ حِرْصِهِ عَلَى طَلَبِ الْوَسْوَسَةِ فِي الْوُضُوءِ وَإِمَّا لِإِلْقَائِهِ النَّاسَ بِالْوَسْوَسَةِ فِي مَهْوَاةِ الْحِيرَةِ حَتَّى يُرَى صَاحِبُهُ حَيْرَانَ ذَاهِبَ الْعَقْلِ لَا يَدْرِي كَيْفَ يَلْعَبُ بِهِ الشَّيْطَانُ وَلَمْ يَعْلَمْ هَلْ وَصَلَ الْمَاءُ إِلَى الْعُضْوِ أَمْ لَا وَكَمْ مَرَّةً غَسَلَهُ فَهُوَ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَوْ بَاقٍ على مصدريته للمبالغة كرجل عدل قاله

باب الوضوء لكل صلاة

القارىء (فَاتَّقُوا وَسْوَاسَ الْمَاءِ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ وَسْوَاسَهُ هَلْ وَصَلَ الْمَاءُ إِلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَمْ لَا وَهَلْ غَسَلَ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً وَهَلْ هُوَ طَاهِرٌ أَوْ نَجِسٌ أَوْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ أو لا وقال بن الملك وتبعه بن حَجَرٍ أَيْ وَسْوَاسَ الْوَلَهَانِ وَضَعَ الْمَاءَ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِ مُبَالَغَةً فِي كَمَالِ الْوَسْوَاسِ فِي شَأْنِ الْمَاءِ أَوْ لِشِدَّةِ مُلَازَمَتِهِ لَهُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهِيَةِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ وَلَوْ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنِ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ هَكَذَا الْوُضُوءُ فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُبَيِّ بن كعب حديث غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ (لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ) أَيْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا (وَخَارِجَةُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا) أَيْ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الطِّيبِيُّ وَقَدْ تقدم في المقدمة تحقيق ذلك (وضعفه بن الْمُبَارَكِ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ وَهَّاهُ أَحْمَدُ وقال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ أَيْضًا كَذَّابٌ وَقَالَ البخاري تركه بن الْمُبَارَكِ وَوَكِيعٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعِيفٌ وَقَالَ بن عَدِيٍّ هُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ قَالَ الذَّهَبِيُّ انْفَرَدَ بِخَبَرِ إِنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ الْوَلَهَانُ مَاتَ سَنَةَ 168 ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ وَكَانَ له جلالة بخراسان انتهى 3 - (باب الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ) [58] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حميد الرازي) بن حيان الرازي حافظ ضعيف وكان بن

مَعِينٍ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيهِ مِنَ الْعَاشِرَةِ رَوَى عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيِّ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْفَضْلِ وَغَيْرِهِمْ وعنه أبو داود والترمذي وبن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمْ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ فِي الخلاصة قال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ كَيِّسٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَكَذَّبَهُ الْكَوْسَجُ وَأَبُو زُرْعَةَ وَصَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ وبن خِرَاشٍ مَاتَ سَنَةَ 842 ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (نَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ) الْأَبْرَشُ بِالْمُعْجَمَةِ مَوْلَى الْأَنْصَارِ قَاضِي الرَّيِّ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ مِنَ التَّاسِعَةِ قاله الحافظ روى عن بن إِسْحَاقَ وَحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَعَنْهُ عُثْمَانُ بْنُ أبي شيبة وبن مَعِينٍ وَوَثَّقَهُ وَقَالَ مَرَّةً لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ يَتَشَيَّعُ قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ محله الصدق وقال بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً صَدُوقًا وَهُوَ صَاحِبُ مَغَازِي بن إِسْحَاقَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ ضَعِيفٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَهَامِشِهَا قَوْلُهُ (عَنْ حُمَيْدٍ) هُوَ حُمَيْدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مُدَلِّسٌ رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَالسُّفْيَانَانِ وَالْحَمَّادَانِ وَخَلْقٌ قَالَ الْقَطَّانُ مَاتَ حُمَيْدٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي قَالَ شُعْبَةُ لَمْ يَسْمَعْ حُمَيْدٌ مِنْ أَنَسٍ إِلَّا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ حَدِيثًا مَاتَ سَنَةَ 142 ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ قَوْلُهُ (كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) أَيْ مَفْرُوضَةٍ (كُنَّا نَتَوَضَّأُ وُضُوءًا وَاحِدًا) أَيْ كُنَّا نُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ مَا لَمْ نُحْدِثْ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ حُمَيْدٍ مُعَنْعَنًا قَوْلُهُ (وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَى الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ اسْتِحْبَابًا لَا عَلَى الْوُجُوبِ) بَلْ كَانَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ اسْتِحْبَابًا لَا عَلَى الْوُجُوبِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْحَاضِرِينَ يَجِبُ عليهم أن يتوضؤا لِكُلِّ صَلَاةٍ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِهَذَا

الْحَدِيثِ أَيْ بِحَدِيثِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فَقَالُوا لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية فقال الأكثرون التقدير إذا قمتم إلى الصَّلَاةِ مُحْدِثِينَ وَاسْتَدَلَّ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وُضُوءَ إِلَّا لِمَنْ أَحْدَثَ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَالَ كَانَ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَاجِبًا ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ نُسِخَ أَوْ اسْتَمَرَّ حُكْمُهُ وَيَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ مَا أَخْرَجَهُ أبو داود وصححه بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالسِّوَاكِ وَذَهَبَ إِلَى اسْتِمْرَارِ الْوُجُوبِ قَوْمٌ كَمَا جزم به الطحاوي ونقله بن عبد البر عن عكرمة وبن سِيرِينَ وَغَيْرِهِمَا وَاسْتَبْعَدَهُ النَّوَوِيُّ وَجَنَحَ إِلَى تَأْوِيلِ ذَلِكَ إِنْ ثَبَتَ عَنْهُمْ وَجَزَمْنَا بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ اسْتَقَرَّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَيُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ نَسْخٍ وَيَكُونُ الْأَمْرُ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِينَ عَلَى الْوُجُوبِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ عَلَى النَّدْبِ وَحَصَلَ بَيَانُ ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ [59] قَوْلُهُ (نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (نَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ) الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ) قَالَ الْحَافِظُ أَيْ مَفْرُوضَةٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّ تِلْكَ كَانَتْ عَادَتَهُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ خَاصَّةً ثُمَّ نُسِخَ يَوْمَ الْفَتْحِ بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصَّلَوَاتِ يَوْمَ الْفَتْحِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ اسْتِحْبَابًا ثُمَّ خَشِيَ أَنْ يُظَنَّ وُجُوبُهُ فَتَرَكَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا أَقْرَبُ وَعَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ فَالنَّسْخُ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ فَإِنَّهُ كَانَ فِي خَيْبَرَ وَهِيَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِزَمَانٍ انْتَهَى قُلْتُ وَحَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَصْرَ فَلَمَّا صَلَّى دَعَا بِالْأَطْعِمَةِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالسَّوِيقِ فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ ثُمَّ صَلَّى لَنَا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ (قُلْتُ فَأَنْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ وَالْقَائِلُ عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ وَالْمُرَادُ الصَّحَابَةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ [59] قَوْلُهُ (مَنْ تَوَضَّأَ عَلَى طُهْرٍ) أَيْ مَعَ كَوْنِهِ طَاهِرًا (كَتَبَ الله له به عشر حسنات) قال بن

رَسْلَانَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهِ عَشَرَةَ وُضُوءَاتٍ فَإِنَّ أَقَلَّ مَا وَعَدَ بِهِ مِنَ الْأَضْعَافِ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَقَدْ وَعَدَ بِالْوَاحِدَةِ سَبْعَمِائَةٍ وَوَعَدَ ثَوَابًا بِغَيْرِ حساب قال في شرح السنة تحديد الْوُضُوءِ مُسْتَحَبٌّ إِذَا كَانَ قَدْ صَلَّى بِالْوُضُوءِ الْأَوَّلِ صَلَاةً وَكَرِهَهُ قَوْمٌ إِذَا لَمْ يُصَلِّ بالأول صلاة ذكره الطيبي قال القارىء وَلَعَلَّ سَبَبَ الْكَرَاهَةِ هُوَ الْإِسْرَافُ فَائِدَةٌ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْوُضُوءُ عَلَى الْوُضُوءِ نُورٌ عَلَى نُورٍ فَلَا يَحْضُرُنِي لَهُ أَصْلٌ مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَعَلَّهُ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ السَّلَفِ قَوْلُهُ (رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الإفريقي) هو عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ الْإِفْرِيقِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ (عَنْ أَبِي غُطَيْفٍ) بِالتَّصْغِيرِ الْهُذَلِيِّ قَالَ الْحَافِظُ مَجْهُولٌ (حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَرْوَزِيُّ) ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ) أَصْلُهُ شَامِيٌّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (وَهُوَ إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ) لِأَنَّ الْإِفْرِيقِيَّ ضَعِيفٌ وَأَبَا غطيف مجهول والحديث أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ أَيْضًا قَوْلُهُ (قَالَ عَلِيٌّ) هُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ السَّعْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمَدِينِيِّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِمَامٌ أَعْلَمُ أَهْلِ عَصْرِهِ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ حَتَّى قَالَ الْبُخَارِيُّ مَا اسْتَصْغَرْتُ نَفْسِي إِلَّا عِنْدَهُ وَقَالَ الْقَطَّانُ كُنَّا نَسْتَفِيدُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَفِيدُ مِنَّا وَكَذَلِكَ قَالَ شَيْخُهُ بن عُيَيْنَةَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ كَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ عَلِيًّا لِهَذَا الشَّأْنِ قَوْلُهُ (هَذَا إِسْنَادٌ مَشْرِقِيٌّ) أَيْ رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ أَهْلُ الْمَشْرِقِ وَهُمْ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي

باب ما جاء أنه يصلي الصلوات بوضوء واحد

44 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ واحد) [61] قوله (عن سفيان) هو بن سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ (عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالثَّاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَيْنَهُمَا وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (عَمْدًا صَنَعْتُهُ) أَيْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْمَذْكُورِ وَهُوَ جَمْعُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ وَالْمَسْحُ على الخفين وعمدا تمييزا أَوْ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ فَقُدِّمَ اهْتِمَامًا بِشَرْعِيَّةِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الدِّينِ وَاخْتِصَاصِهِمَا رَدًّا لِزَعْمِ مَنْ لَا يَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَوَاتٍ كَثِيرَةً بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ لَا تُكْرَهُ صَلَاتُهُ إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْأَخْبَثَانِ كَذَا ذَكَرَهُ الشُّرَّاحُ لَكِنْ رُجُوعُ الضَّمِيرِ إِلَى مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَبْلَ الْفَتْحِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى الْجَمْعِ فَقَطْ أَيْ جَمْعِ الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ انْتَهَى كَلَامُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَلِيُّ بْنُ قَادِمٍ) الْخُزَاعِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ (وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ

هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ) أَيْ كَمَا رَوَاهُ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ سُفْيَانَ عَنْ شَيْخَيْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ وَمُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ (مُرْسَلٌ) أَيْ هَذَا مُرْسَلٌ وَفِي نُسْخَةٍ قَلَمِيَّةٍ صَحِيحَةٍ مُرْسَلًا وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ) أَيْ هَذَا الْمُرْسَلُ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَغَيْرُهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ بِدُونِ ذِكْرِ عَنْ أَبِيهِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُحَارِبٍ مُسْنَدًا بِذِكْرِ عَنْ أَبِيهِ وَوَجْهُ كَوْنِ الْمُرْسَلِ أَصَحَّ لِأَنَّ رُوَاتَهُ أَكْثَرُ وَالْمُرْسَلُ قَوْلُ التَّابِعِيِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا أَوْ فَعَلَ كَذَا وَالْمُسْنَدُ مَا اتَّصَلَ سَنَدُهُ مَرْفُوعًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ سُفْيَانَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَيْخَيْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ وَمُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ وَاخْتِلَافُ أَصْحَابِ سُفْيَانَ فِي رِوَايَتِهِ مُرْسَلًا وَمُسْنَدًا إِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مُحَارِبٍ لَا فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَلْقَمَةَ فَإِنَّ أَصْحَابَهُ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَلْقَمَةَ فِي الْإِسْنَادِ وا رسال بَلْ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ فِي رِوَايَتِهِ مُسْنَدًا وَهَذَا ظَاهِرٌ عَلَى مَنْ وَقَفَ عَلَى طُرُقِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَقِفْ عَلَى هَذَا صَاحِبُ الطِّيبِ الشَّذِيِّ فَاعْتَرَضَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ قَالَ وَلَعَلَّ الْحَقَّ خِلَافُهُ ثُمَّ هَذَا الْمُعْتَرِضُ يَظُنُّ أَنَّ بَيْنَ الْإِرْسَالِ وَالرَّفْعِ مُنَافَاةً فَإِنَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ أَيْ رِوَايَةُ الْإِرْسَالِ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ الرَّفْعِ وجه الصِّحَّةِ كَوْنُ الْمُرْسِلِينَ أَكْثَرَ مِمَّنْ رَفَعَهُ انْتَهَى وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ رِوَايَةَ الْإِرْسَالِ أَيْضًا مَرْفُوعَةٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْوَاعٌ مِنَ الْعِلْمِ مِنْهَا جَوَازُ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَاتِ وَالنَّوَافِلِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ وَهَذَا جَائِزٌ بإجماع من يعتد به وحكى الطحاوي وبن بَطَّالٍ عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وجوهكم

باب في وضوء الرجل والمرأة من إناء واحد

الْآيَةَ وَمَا أَظُنُّ هَذَا الْمَذْهَبَ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا اسْتِحْبَابَ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ أَنَسٍ وَحَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَالْمُرَادُ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا قُمْتُمْ مُحْدِثِينَ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ مُخْتَصَرًا وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَقَالَ الْأَكْثَرُونَ التَّقْدِيرُ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ مُحْدِثِينَ وَقَالَ الْآخَرُونَ بَلْ الْأَمْرُ عَلَى عُمُومِهِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرِ حَذْفٍ إِلَّا أَنَّهُ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ عَلَى الْإِيجَابِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى النَّدْبِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ عَلَى الْإِيجَابِ ثُمَّ نُسِخَ فَصَارَ مَنْدُوبًا وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا كَانَ أَوْ غَيْرَ طَاهِرٍ فَلَمَّا شَقَّ عَلَيْهِ وَضَعَ عَنْهُ الْوُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ صَلَّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إِنَّكَ فَعَلْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ فَقَالَ عَمْدًا فَعَلْتُهُ أَيْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَسَيَأْتِي حَدِيثُ أَنَسٍ فِي ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ (وَإِرَادَةَ الْفَضْلِ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى اسْتِحْبَابًا أَيْ وَطَلَبًا لِلْفَضِيلَةِ وَالثَّوَابِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله) أخرجه بن ماجه 5 - (باب فِي وُضُوءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ) [62] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ) الْمَكِّيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَثْرَمِ الْجُمَحِيِّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ) اسْمُهُ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ الْأَزْدِيُّ ثُمَّ الْخُزَاعِيُّ الْبَصْرِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الخلاصة روى عن بن عباس فأكثر ومعاوية وبن عَمْرٍو عَنْهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَقَتَادَةُ وَخَلْقٌ قال بن عَبَّاسٍ هُوَ مِنَ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى

قَوْلُهُ (وُضُوءُ الرَّجُلِ) بِضَمِّ الْوَاوِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الفعل قوله (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مَعَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَغْلِيبِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى الْغَائِبِ لِكَوْنِهَا هِيَ السَّبَبَ فِي الِاغْتِسَالِ فَكَأَنَّهَا أَصْلٌ فِي الْبَابِ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا تَطْهِيرُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ فَهُوَ جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي الْبَابِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ نَقَلَ الطَّحَاوِيُّ ثُمَّ الْقُرْطُبِيُّ وَالنَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى جَوَازِ اغْتِسَالِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنَ الْإِنَاءِ الواحد وفيه نظر لما حكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُنْهَى عنه وكذا حكاه بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ قَوْمٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ انْتَهَى وَتَعَقَّبَ الْعَيْنِيُّ عَلَى الْحَافِظِ فَقَالَ فِي نَظَرِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ قَالُوا بِالِاتِّفَاقِ دُونَ الْإِجْمَاعِ فَهَذَا الْقَائِلُ لَمْ يَعْرِفْ الْفَرْقَ بَيْنَ الِاتِّفَاقِ وَالْإِجْمَاعِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا عَرَفْتَ فَنَظَرُ الْحَافِظِ صَحِيحٌ بِلَا مِرْيَةٍ وَنَظَرُ الْعَيْنِيِّ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَأُمِّ هَانِئٍ وَأُمِّ صَبِيَّةَ وَأُمِّ سلمة وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ صُبَيَّةَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّحَاوِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فأخرجه بن ماجه والطحاوي وأما حديث بن عمر فأخرجه مالك في الموطأ والنسائي وبن ماجه

باب كراهية فضل طهور المرأة

46 - (باب كَرَاهِيَةِ فَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ) [63] قَوْلُهُ (عَنْ سُفْيَانَ) هو الثوري (عن سليمان التيمي) هو بن طَرْخَانَ أَبُو الْمُعْتَمِرِ الْبَصْرِيُّ نَزَلَ فِي التَّيْمِ فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي حَاجِبٍ) اسْمُهُ سَوْدَةُ بْنُ عَاصِمٍ الْعَنَزِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يُقَالُ إِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَ لَهُ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ) هُوَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (عَنْ فَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ) أَيْ عَمَّا فَضَلَ من الماء بعد ما تَوَضَّأَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ صَحَابِيٌّ سَكَنَ البصرة وحديثه أخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ وَلَكِنْ يَشْرَعَانِ جَمِيعًا قال بن مَاجَهْ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مَا لَفْظُهُ الصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَهْمٌ انْتَهَى قُلْتُ أَرَادَ بِالْأَوَّلِ حَدِيثَ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْآتِيَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ قَبْلَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ وَأَرَادَ بِالثَّانِي حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ وَفِي الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ لَقِيتُ رَجُلًا صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ سِنِينَ فَقَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَغْتَسِلَ الْمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ وَيَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ وَلْيَغْتَرِفَا جَمِيعًا قَالَ فِي الْفَتْحِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَلَمْ أَقِفْ لِمَنْ أَعَلَّهُ عَلَى حُجَّةٍ قَوِيَّةٍ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْبُلُوغِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ أَحْمَدُ قَيَّدَهُ بِمَا إِذَا خَلَتْ بِهِ لِأَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ ظَاهِرَةٌ فِي الْجَوَازِ إِذَا اجْتَمَعَا وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي مَنْعِ التَّطَهُّرِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ وَفِي جَوَازِ ذَلِكَ مُضْطَرِبَةٌ قَالَ لَكِنْ صَحَّ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَنْعُ فِيمَا إِذَا خَلَتْ بِهِ وَعُورِضَ بِصِحَّةِ الْجَوَازِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ بن عَبَّاسٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى اعْلَمْ أَنَّ لِأَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالثَّانِي كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِذَا خَلَتْ بِهِ وَالثَّانِيَةُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِلرِّجَالِ والنساء اختارها بن عَقِيلٍ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ

باب الرخصة

قَوْلُهُ (وَكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْوُضُوءَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ صَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ الصَّحَابِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمْ مَنَعُوا التَّطَهُّرَ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ وَبِهِ [64] قوله (قال نَا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ فَفِي رِوَايَةِ أبي داود حدثنا بن بَشَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ يَعْنِي الطَّيَالِسِيَّ وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ الْجَارُودِ الْبَصْرِيُّ أَحَدُ حُفَّاظِ الْإِسْلَامِ وَالطَّيَالِسِيُّ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَخِفَّةِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ اللَّامِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَيْعِ الطَّيَالِسَةِ جَمْعُ طَيْلَسَانٍ وَهُوَ نَوْعٌ من الأردية (عن عاصم) هو بن سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَصْرِيُّ وَثَّقَهُ بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَقَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ (عَنِ الْحَكَمِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْكَافِ (بْنِ عمرو الغفاري) ويقال له الحكم بن الْأَقْرَعِ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ) قِيلَ النهي محمول على التنزيه بقرينة أحاديث الجواز الآتية في الباب الاتي (أو قال) وقال بِسُؤْرِهَا شَكٌّ مِنْ شُعْبَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وصححه بن حِبَّانَ وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَقَالَ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى تضعيفه 7 - (باب الرُّخْصَةِ) فِي ذَلِكَ [65] قَوْلُهُ (نَا أَبُو الْأَحْوَصِ) اسْمُهُ سَلَامُ بْنُ سَلِيمٍ الْكُوفِيُّ الْحَافِظُ قَالَ بن معين ثقة

مُتْقِنٌ (عَنْ عِكْرِمَةَ) هُوَ عِكْرِمَةُ بْنُ عَبْدِ الله مولى بن عَبَّاسٍ أَصْلُهُ بَرْبَرِيٌّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَالِمٌ بِالتَّفْسِيرِ لم يثبت تكذيبه عن بن عُمَرَ وَلَا يَثْبُتُ عَنْهُ بِدْعَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (بَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هِيَ مَيْمُونَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لما أخرجه الدارقطني من حديث بن عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ أَجْنَبْتُ فَاغْتَسَلْتُ مِنْ جَفْنَةٍ فَفَضَلَتْ فِيهَا فَضْلَةٌ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغتْسِلُ مِنْهُ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ الْمَاءُ لَيْسَ عَلَيْهِ جَنَابَةٌ وَاغْتَسَلَ مِنْهُ (فِي جَفْنَةٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ قَصْعَةٍ كَبِيرَةٍ وَجَمْعُهُ جِفَانٌ (إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالنُّونِ وَالْجَنَابَةُ مَعْرُوفَةٌ يُقَالُ مِنْهَا أَجْنَبَ بِالْأَلِفِ وَجَنُبَ عَلَى وَزْنِ قَرُبَ فَهُوَ جُنُبٌ وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْمُفْرَدِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ (إِنَّ الْمَاءَ لَا يُجْنِبُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْيَاءِ وَضَمُّ النُّونِ قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ أَيْ لَا يَصِيرُ جُنُبًا كَذَا في المرقاة وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّطَهُّرِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ وَحَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّهْيَ محمولا عَلَى مَا تَسَاقَطَ مِنَ الْأَعْضَاءِ لِكَوْنِهِ قَدْ صَارَ مُسْتَعْمَلًا وَالْجَوَازُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ الْمَاءِ وَبِذَلِكَ جَمَعَ الْخَطَّابِيُّ وَبِأَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ بِقَرِينَةِ أَحَادِيثِ الْجَوَازِ قِيلَ إِنَّ قَوْلَ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي كُنْتُ جُنُبًا عِنْدَ إِرَادَتِهِ صَلَّى الله عليه وسلم التوضؤ بِفَضْلِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ كَانَ مُتَقَدَّمًا فَحَدِيثُ الْجَوَازِ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ النَّهْيِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي البلوغ وصححه بن خُزَيْمَةَ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ أَعَلَّهُ قَوْمٌ بِسِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ رَاوِيهِ عَنْ عِكْرِمَةَ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ لَكِنْ قَدْ رَوَاهُ عَنْهُ شُعْبَةُ وَهُوَ لَا يَحْمِلُ عَنْ مَشَايِخِهِ إِلَّا صَحِيحَ حَدِيثِهِمْ انْتَهَى وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ بِفَضْلِ مَيْمُونَةَ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وبن ماجه عن بن عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ بِفَضْلِ غُسْلِهَا مِنَ الْجَنَابَةِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ والشافعي) قال النووي في شرح مسلم وأما تَطْهِيرُ الرَّجُلِ بِفَضْلِهَا فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ سَوَاءٌ خَلَتْ بِهِ أَوْ لَمْ تَخْلُ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ بِهِ وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَدَاوُدُ

باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء

إِلَى أَنَّهَا إِذَا خَلَتْ بِالْمَاءِ وَاسْتَعْمَلَتْهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ فَضْلِهَا وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ كَمَذْهَبِنَا وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ كَرَاهَةُ فَضْلِهَا مُطْلَقًا وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي تَطْهِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَزْوَاجِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسْتَعْمِلُ فَضْلَ صَاحِبِهِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْخَلْوَةِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي تَطْهِيرِ الرَّجُلِ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ وَأَمَّا تَطْهِيرُ الْمَرْأَةِ بِفَضْلِ الرَّجُلِ فَقَالَ النَّوَوِيُّ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ الطَّحَاوِيَّ قَدْ أَثْبَتَ فِيهِ الْخِلَافَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ وَمَنْ تَبِعَهُ حَمَلُوا حَدِيثَ مَيْمُونَةَ عَلَى أنها لم تخل به قال بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الرُّخْصَةِ لِلرَّجُلِ مِنْ فَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ وَالْأِخْبَارُ بِذَلِكَ أَصَحُّ وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِذَا خَلَتْ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ وَحَمَلُوا حَدِيثَ مَيْمُونَةَ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَخْلُ بِهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْحَكَمِ انْتَهَى قُلْتُ فِي هَذَا الْحَمْلِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْخَلْوَةَ عِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ كَمَا فِي الْمُغْنِي لِابْنِ قُدَامَةَ اسْتِعْمَالُهَا لِلْمَاءِ مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةِ الرَّجُلِ فِي اسْتِعْمَالِهِ لِأَنَّ أَحْمَدَ قَالَ إِذَا خَلَتْ بِهِ فَلَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَغْتَسِلَ بِهِ وَإِذَا شَرَعَا فِيهِ جَمِيعًا فَلَا بَأْسَ بِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ مَيْمُونَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا خَلَتْ بِهِ كَيْفَ هُوَ وَقَدْ قَالَتْ أَجْنَبْتُ فَاغْتَسَلْتُ مِنْ جَفْنَةٍ فَفَضَلَتْ فِيهَا فَضْلَةٌ فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ كَمَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ فَكَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَخْلُ بِهِ وَأَمَّا مَا نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ عَنْ أَحْمَدَ مِنْ أَنَّهُ قَالَ الْأَحَادِيثُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مُضْطَرِبَةٌ فَأَجَابَ عَنْهُ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَحْمِلَ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَلَى مَا تَسَاقَطَ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَالْجَوَازَ عَلَى مَا بَقِيَ مِنَ الْمَاءِ أَوْ يَحْمِلَ النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ انْتَهَى قُلْتُ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ هُوَ أَوْلَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 8 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) [66] قَوْلُهُ (وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ) الْحَلْوَانِيُّ الرَّيْحَانِيُّ الْمَكِّيُّ رَوَى عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَوَكِيعٍ وَعَبْدِ الصَّمَدِ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ كَانَ ثِقَةً ثَبْتًا مُتْقِنًا تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ 242 اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (نَا أَبُو أُسَامَةَ) هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ الْكُوفِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ رُبَّمَا دَلَّسَ وَكَانَ بِأخَرَةٍ يُحَدِّثُ مِنْ كُتُبِ غَيْرِهِ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ مَاتَ سنة 201 إحدى ومائتين وهو بن

ثَمَانِينَ (عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ) الْمَدَنِيِّ ثُمَّ الكوفي وثقة بن مَعِينٍ وَأَبُو دَاوُدَ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبِ) بن سَلِيمِ بْنِ أَسَدٍ الْقُرَظِيِّ الْمَدَنِيِّ وَكَانَ قَدْ نَزَلَ الْكُوفَةَ مُدَّةً ثِقَةٌ عَالِمٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وُلِدَ سَنَةَ 04 أَرْبَعِينَ عَلَى الصَّحِيحِ وَوَهَمَ مَنْ قَالَ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رافع بن خَدِيجٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عُبَيْدُ اللَّهِ بن عبد الله بن رافع بن خديج يَأْتِي فِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قَالَ فِيهِ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرحمن بن رافع الأنصاري ويقال بن عَبْدِ اللَّهِ هُوَ رَاوِي حَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ مَسْتُورٌ مِنَ الرَّابِعَةِ انْتَهَى قُلْتُ فَالْحَقُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْتُورٍ كَمَا سَتَعْرِفُ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ اسْتُصْغِرَ بِأُحُدٍ ثُمَّ شَهِدَ مَا بَعْدَهَا وَرَوَى الْكَثِيرَ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ وَسِتِّينَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِالنُّونِ وَالتَّاءِ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ مَعَ الْغَيْرِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قوله أنتوضأ بتائين خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى قُلْتُ وَالظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ الْحَافِظُ فَفِي رِوَايَةِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ فِي مُصَنَّفِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ الْحَدِيثَ (مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَأُجِيزَ كَسْرُهَا وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَحُكِيَ بِالصَّادِ المهملة وهي بئر معروفة بالمدينة قاله بن الملك وَقَالَ الطِّيبِيُّ نَقْلًا عَنِ التُّورْبَشْتِيِّ بُضَاعَةُ دَارُ بَنِي سَاعِدَةَ بِالْمَدِينَةِ وَهُمْ بَطْنٌ مِنَ الْخَزْرَجِ وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَضُمُّونَ الْبَاءَ وَيَكْسِرُونَهَا وَالْمَحْفُوظُ فِي الْحَدِيثِ الضَّمُّ (وَهِيَ بِئْرٌ يُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ جَمْعُ حِيضَةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَهِيَ الْخِرْقَةُ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي دَمِ الْحَيْضِ (وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ التَّاءِ وَتُكْسَرُ وَهِيَ الرَّائِحَةُ الكريهة والمراد ها هنا الشيء النتن كالعذرة والجيفة قال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَيَنْبَغِي أَنْ يُضْبَطَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ التَّاءِ وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ مِنْ قَوْلِهِمْ نَتِنَ الشَّيْءُ بِكَسْرِ التَّاءِ يَنْتَنُ بِفَتْحِهَا فَهُوَ نتن انتهى

قَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ يُلْقَى فِيهَا أَنَّ الْبِئْرَ كَانَتْ بِمَسِيلٍ مِنْ بَعْضِ الْأَوْدِيَةِ الَّتِي يُحْتَمَلُ أَنْ يَنْزِلَ فِيهَا أَهْلُ الْبَادِيَةِ فَتُلْقَى تِلْكَ الْقَاذُورَاتُ بِأَفْنِيَةِ مَنَازِلِهِمْ فَيَكْسَحُهَا السَّيْلُ فَيُلْقِيهَا فِي الْبِئْرِ فَعَبَّرَ عَنْهُ الْقَائِلُ بِوَجْهٍ يُوهِمُ أَنَّ الْإِلْقَاءَ مِنَ النَّاسِ لِقِلَّةِ تَدَيُّنِهِمْ وَهَذَا مِمَّا لَا يُجَوِّزُهُ مُسْلِمٌ فَأَنَّى يُظَنُّ ذَلِكَ بِالَّذِينَ هُمْ أَفْضَلُ الْقُرُونِ وَأَزْكَاهُمْ انْتَهَى قُلْتُ كَذَلِكَ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَعَيَّنُ (إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ) أَيْ طاهر مطهر قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قِيلَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ فَتَأْوِيلُهُ إِنَّ الْمَاءَ الَّذِي تَسْأَلُونَ عَنْهُ وَهُوَ مَاءُ بِئْرِ بُضَاعَةَ فَالْجَوَابُ مُطَابِقِيٌّ لَا عُمُومٌ كُلِّيٌّ كَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ انْتَهَى وَإِنْ كَانَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْجِنْسِ فَالْحَدِيثُ مَخْصُوصٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا سَتَقِفُ (لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ) لِكَثْرَتِهِ فَإِنَّ بئر بضاعة كان بئرا كثيرا الْمَاءِ يَكُونُ مَاؤُهَا أَضْعَافَ قُلَّتَيْنِ لَا يَتَغَيَّرُ بِوُقُوعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالْمَاءُ الْكَثِيرُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّاهُ ولي الله الدهلوي في حجة الله البالغة قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ مَعْنَاهُ الْمَعَادِنُ لَا تُنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ إِذَا أُخْرِجَتْ وَرُمِيَتْ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ وَلَمْ تَفْحُشْ وَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُظَنَّ بِبِئْرِ بُضَاعَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَسْتَقِرُّ فِيهَا النَّجَاسَاتُ كَيْفَ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ بَنِي آدَمَ بِالِاجْتِنَابِ عَمَّا هَذَا شَأْنُهُ فَكَيْفَ يَسْتَقِي بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ كَانَتْ تَقَعُ فِيهَا النَّجَاسَاتُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْصَدَ إِلْقَاؤُهَا كَمَا تُشَاهِدُ مِنْ آبَارِ زَمَانِنَا ثُمَّ تَخْرُجُ تِلْكَ النَّجَاسَاتُ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سَأَلُوا عَنِ الطَّهَارَةِ الشَّرْعِيَّةِ الزَّائِدَةِ عَلَى مَا عِنْدَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ يَعْنِي لَا يُنَجَّسُ نَجَاسَةَ غَيْرَ مَا عِنْدَكُمْ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ جَوَّدَ أَبُو أُسَامَةَ هَذَا الْحَدِيثَ) أَيْ رَوَاهُ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَزَادَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ وَالْحَاكِمُ وَآخَرُونَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ فَإِنْ قُلْتَ فِي سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَهُوَ مَسْتُورٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا أَوْ حَسَنًا قُلْتُ صَحَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَهُمَا إِمَامَا الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ

وَأَيْضًا صَحَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ وَذَكَرَ بن حِبَّانَ عُبَيْدَ اللَّهِ هَذَا فِي الثِّقَاتِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ مَسْتُورًا وَالْعِبْرَةُ لِقَوْلِ مَنْ عَرَفَ لَا بِقَوْلِ مَنْ جهل فإن قلت قال بن الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ إِنَّ فِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافًا فَقَوْمٌ يَقُولُونَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ وَقَوْمٌ يَقُولُونَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ عَبْدَ اللَّهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ فَيَحْصُلُ فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ وَكَيْفَ مَا كَانَ فَهُوَ لَا يُعْرَفُ لَهُ حَالٌ وَلَا عَيْنٌ كَذَا فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ لِلزَّيْلَعِيِّ وَقَالَ الحافظ في التلخيص وأعله بن الْقَطَّانِ بِجَهَالَةِ رَاوِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ قُلْتُ أَمَّا إِعْلَالُهُ بِجَهَالَةِ الرَّاوِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ فَلَيْسَ بشيء فإنه إن جهله بن الْقَطَّانِ فَقَدْ عَرَفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا إِعْلَالُهُ بِاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ فَهُوَ أَيْضًا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي السَّنَدِ أَوْ الْمَتْنِ لَا يُوجِبُ الضَّعْفَ إِلَّا بِشَرْطِ اسْتِوَاءِ وُجُوهِ الِاخْتِلَافِ فَمَتَى رَجَحَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ قُدِّمَ ولا يعل الصحيح بالمرجوح وههنا وجوه الاختلاف ليست بمستوية بَلْ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا عبيد الله بن عبد الله بن رافع بْنِ خَدِيجٍ رَاجِحَةٌ وَبَاقِي الرِّوَايَاتِ مَرْجُوحَةٌ فَإِنَّ مَدَارَ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُضْطَرِبٌ فِيهَا وَتِلْكَ الرِّوَايَاتُ مَذْكُورَةٌ فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الرَّاجِحَةُ تُقَدَّمُ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَاتِ الْمَرْجُوحَةِ وَلَا تُعَلُّ هَذِهِ بِتِلْكَ (وفي الباب عن بن عباس وعائشة) أما حديث بن عباس فأخرجه أحمد وبن خزيمة وبن حِبَّانَ بِلَفْظِ إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَرَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ بِلَفْظِ إِنَّ الْمَاءَ لَا يُجْنِبُ وَفِيهِ قِصَّةٌ وَقَالَ الْحَازِمِيُّ لَا يُعْرَفُ مُجَوَّدًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَسِمَاكٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ فِي صِحَاحِهِ مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ بِلَفْظِ إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى صَحِيحَةٍ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قُلْتُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ وَفِيهِ قِصَّةٌ أَخْرَجَهُ بن ماجه

وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو سُفْيَانَ طَرِيفُ بْنُ شِهَابٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى شريك الراوي عنه وههنا فَوَائِدُ مُتَعَلِّقَةٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ فَلَنَا أَنْ نَذْكُرَهَا الْفَائِدَةُ الْأُولَى اعْلَمْ أَنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ كَانَتْ بئر مَعْرُوفَةً بِالْمَدِينَةِ وَلَمْ تَكُنْ غَدِيرًا أَوْ طَرِيقًا لِلْمَاءِ إِلَى الْبَسَاتِينِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ غَدِيرًا أَوْ طَرِيقًا لِلْمَاءِ إِلَى الْبَسَاتِينِ لَمْ تُسَمَّ بِئْرًا قَالَ فِي الْقَامُوسِ بِئْرُ بُضَاعَةَ بِالضَّمِّ وَقَدْ يُكْسَرُ بِالْمَدِينَةِ قُطْرُ رَأْسِهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ بِئْرٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْمَدِينَةِ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ قَالَ سَأَلْتُ قَيِّمَ بِئْرِ بُضَاعَةَ عَنْ عُمْقِهَا قَالَ أَكْثَرُ مَا يَكُونُ الْمَاءُ إِلَى الْعَانَةِ قُلْتُ فَإِذَا نَقَصَتْ قَالَ دُونَ الْعَوْرَةِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَقَدَّرْتُ أَنَا بِئْرَ بُضَاعَةَ بِرِدَائِي مَدَدْتُهُ عَلَيْهَا ثُمَّ ذَرَعْتُهُ فَإِذَا عَرْضُهَا سِتَّةُ أَذْرُعٍ وَسَأَلْتُ الَّذِي فَتَحَ لِي بَابَ الْبُسْتَانِ فَأَدْخَلَنِي إِلَيْهِ هَلْ غُيِّرَ بِنَاؤُهَا قَالَ لَا وَرَأَيْتُ فِيهَا مَاءً مُتَغَيِّرَ اللَّوْنِ انْتَهَى وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ إِنَّ مَاءَ بِئْرِ بُضَاعَةَ كَانَ جَارِيًا بَيْنَ الْبَسَاتِينِ وَكَذَا زَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ كَانَتْ طَرِيقًا لِلْمَاءِ إِلَى الْبَسَاتِينِ فَغَلَطٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْكِتَابِ إِنَّ مَاءَهَا كَانَ جَارِيًا إِلَى الْبَسَاتِينِ هَذَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنِ الْوَاقِدِيِّ فَقَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الثَّلْجِيِّ عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ كَانَتْ بِئْرُ بُضَاعَةَ طَرِيقًا لِلْمَاءِ إِلَى الْبَسَاتِينِ انْتَهَى وَهَذَا سَنَدٌ ضَعِيفٌ مُرْسَلٌ وَمَدْلُولُهُ عَلَى جَرَيَانِهِ غَيْرُ ظَاهِرٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَزَعَمَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ بِئْرَ بُضَاعَةَ كَانَ مَاؤُهَا جَارِيًا لَا يَسْتَقِرُّ وَأَنَّهَا كَانَتْ طَرِيقًا إِلَى الْبَسَاتِينِ وَنَقَلَ ذَلِكَ عَنِ الْوَاقِدِيِّ وَالْوَاقِدِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِمَا يُسْنِدُ فَضْلًا عَمَّا يُرْسِلُهُ وَحَالُ بِئْرِ بُضَاعَةَ مَشْهُورٌ بَيْنَ أَهْلِ الْحِجَازِ بِخِلَافِ مَا حَكَاهُ انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الراية وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ مَاءَ بِئْرِ بُضَاعَةَ كَانَ جَارِيًا بَيْنَ الْبَسَاتِينِ فَهُوَ كَلَامٌ مَرْدُودٌ عَلَى مَنْ قَالَهُ وَقَدْ سَبَقَ إِلَى دَعْوَى ذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ الطَّحَاوِيُّ فَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الثَّلْجِيِّ عَنِ الْوَاقِدِيِّ قَالَ كَانَتْ بِئْرُ بُضَاعَةَ طَرِيقًا لِلْمَاءِ إِلَى الْبَسَاتِينِ وَهَذَا إِسْنَادٌ وَاهٍ جِدًّا وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ الْمُرَادُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَاءَ كَانَ يُنْقَلُ مِنْهَا بِالسَّانِيَةِ إِلَى الْبَسَاتِينِ وَلَوْ كَانَتْ سَيْحًا جَارِيًا لَمْ تُسَمَّ بِئْرًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

قُلْتُ الْعَجَبُ مِنَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ أَسْنَدَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الثَّلْجِيِّ عَنِ الْوَاقِدِيِّ وَجَزَمَ بِهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ كَذَّابٌ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثَّلْجِيُّ الْفَقِيهُ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبُ التصانيف قال بن عَدِيٍّ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ فِي التَّشْبِيهِ وَيَنْسُبُهَا إِلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ يَثْلِبُهُمْ بِذَلِكَ قَالَ الذَّهَبِيُّ جَاءَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ كَانَ يَنَالُ مِنْ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ يَقُولُ أَيْشٍ قَامَ بِهِ أَحْمَدُ وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِي مُحَمَّدُ بْنُ شُجَاعٍ كَذَّابٌ احْتَالَ فِي إِبْطَالِ الْحَدِيثِ نُصْرَةً لِلرَّأْيِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ الذَّهَبِيِّ وَالْوَاقِدِيُّ مَتْرُوكٌ قَدِ اسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى وَهَنِهِ وَمَعَ هَذَا لَمْ يُدْرِكْ عَهْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَصْرَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَإِنَّهُ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ أَخَذَ هَذَا عَنْهُ فَكَيْفَ يُعْبَأُ بِقَوْلِهِ هَذَا ثُمَّ قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ هَذَا مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ الْآخَرِ فَحَكَى الْبَلَاذِرِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَكُونُ بِئْرُ بُضَاعَةَ سَبْعًا فِي سَبْعٍ وَعُيُونُهَا كَثِيرَةٌ فَهِيَ لَا تُنْزَحُ انْتَهَى الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ حَدِيثُ الْبَابِ قَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ الظَّاهِرِيَّةُ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَتَنَجَّسُ مُطْلَقًا وَإِنْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَكُلُّهُمْ خَصَّصُوهُ أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فبَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ أخرجه بن مَاجَهْ وَمَذْهَبُهُمْ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَتَنَجَّسُ إِلَّا مَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَبِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَتَعْرِفُ وَمَذْهَبُهُمْ أَنَّ الْمَاءَ إِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ لَا يَتَنَجَّسُ إِلَّا إِنْ تَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ وَإِنْ كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يَتَنَجَّسُ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَبِالرَّأْيِ وَلَهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ اثْنَا عَشَرَ مَذْهَبًا الْأَوَّلُ التَّحْدِيدُ بِالتَّحْرِيكِ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ ص 66 إِذَا كَانَ الْحَوْضُ عَظِيمًا إِنْ حُرِّكَتْ مِنْهُ نَاحِيَةٌ لَمْ تَتَحَرَّكْ بِهِ النَّاحِيَةُ الْأُخْرَى لَمْ يَفْسُدْ ذَلِكَ الْمَاءُ مَا وَلَغَ فِيهِ سَبُعٌ وَلَا مَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ قَذَرٍ إِلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى رِيحٍ أَوْ طَعْمٍ فَإِذَا كَانَ حَوْضًا صَغِيرًا إِنْ حُرِّكَتْ مِنْهُ نَاحِيَةٌ تَحَرَّكَتِ النَّاحِيَةُ الْأُخْرَى فَوَلَغَ فِيهِ السِّبَاعُ أَوْ وَقَعَ فِيهِ الْقَذَرُ لَا يُتَوَضَّأُ مِنْهُ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِهِ الْقُدَمَاءِ وَالثَّانِي التَّحْدِيدُ بِالْكَدِرَةِ وَالثَّالِثُ التَّحْدِيدُ بِالصَّبْغِ وَالرَّابِعُ التَّحْدِيدُ بِالسَّبْعِ فِي السَّبْعِ وَالْخَامِسُ التَّحْدِيدُ بِالثَّمَانِيَةِ فِي الثَّمَانِيَةِ وَالسَّادِسُ عِشْرِينَ فِي عِشْرِينَ وَالسَّابِعُ الْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالثَّامِنُ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَالتَّاسِعُ اثْنَا عَشَرَ فِي اثنا عَشَرَ قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ بَعْدَ ذِكْرِ مَذْهَبِ الظَّاهِرِيَّةِ وَمَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ وَمَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَهَذِهِ الْمَذَاهِبِ الِاثْنَيْ عَشَرَ لِلْحَنَفِيَّةِ مَا لَفْظُهُ وَلَقَدْ

خُضْتُ فِي بِحَارِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ وَطَالَعْتُ لِتَحْقِيقِهَا كُتُبَ أَصْحَابِنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ وَكُتُبَ غَيْرِهِمْ الْمُعْتَمَدَةَ فَوَضَحَ لَنَا مَا هُوَ الْأَرْجَحُ مِنْهَا وَهُوَ الثَّانِي يَعْنِي مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ ثُمَّ الثَّالِثَ يَعْنِي مَذْهَبَ الشَّافِعِيَّةِ ثُمَّ الرَّابِعَ وَهُوَ مَذْهَبُ قُدَمَاءِ أَصْحَابِنَا وَأَئِمَّتِنَا وَالْبَاقِيَةُ مَذَاهِبُ ضَعِيفَةٌ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ وَالْمَذْهَبُ الرَّابِعُ أَعْنِي مَذْهَبَ قُدَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ فَإِنْ قُلْتَ قَدِ احْتَجَّ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَرَجَ فِي رَكْبٍ فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حَتَّى وَرَدُوا حَوْضًا فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ هَلْ تَرِدُ حَوْضَكَ السِّبَاعُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَا صَاحِبَ الْحَوْضِ لَا تُخْبِرْنَا فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّ غَرَضَ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ لَا تُخْبِرْنَا أَنَّكَ لَوْ أَخْبَرْتَنَا لَضَاقَ الْحَالُ فَلَا تُخْبِرْنَا فَإِنَّا نَرِدُ عَلَى السِّبَاعِ وَتَرِدُ عَلَيْنَا وَلَا يَضُرُّنَا وُرُودُهَا عِنْدَ عَدَمِ عِلْمِنَا وَلَا يَلْزَمُنَا الِاسْتِفْسَارُ مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ سُؤْرُ السِّبَاعِ طَاهِرًا لَمَا مَنَعَ صَاحِبَ الْحَوْضِ عَنِ الْإِخْبَارِ لِأَنَّ إِخْبَارَهُ لَا يَضُرُّ قَالُوا وَالْحَوْضُ كَانَ صَغِيرًا يَتَنَجَّسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ كَبِيرًا لَمَا سَأَلَ فَكَيْفَ قُلْتُمْ إِنَّ الْمَذْهَبَ الرَّابِعَ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ قُلْتُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ لَا تُخْبِرْنَا أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ أَخْبَرْتَنَا أَوْ لَمْ تُخْبِرْنَا فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِخْبَارِكَ وَعَلَى هَذَا حَمَلَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ قَوْلَهُ لَا تُخْبِرْنَا لَمْ يَقُمْ وَإِذَا جَاءَ الِاحْتِمَالُ بَطَلَ الِاسْتِدْلَالُ ثُمَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ مَوْقُوفٌ على نجاسة سؤر السِّبَاعِ وَهِيَ لَيْسَتْ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهَا بَلْ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ قَائِلُونَ بِطَهَارَتِهِ وَقَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ بَعْضُ الأحاديث المرفوعة قال بن الْأَثِيرِ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ زَادَ رَزِينٌ قَالَ زَادَ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِي قَوْلِ عُمَرَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا مَا أَخَذَتْ فِي بُطُونِهَا وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَنَا طَهُورٌ وَشَرَابٌ انْتَهَى وَرَوَى بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْحِيَاضِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تَرِدُهَا السِّبَاعُ وَالْكِلَابُ وَالْحُمُرُ وَعَنِ الطَّهَارَةِ مِنْهَا فَقَالَ لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا وَلَنَا مَا غَبَرَ طَهُورٌ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ جَابِرٍ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتِ الْحُمُرُ قَالَ نَعَمْ وَبِمَا أَفْضَلَتِ السِّبَاعُ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُؤَيِّدُ مَا قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ مِنْ أَنَّ غرض عمر من قوله لا تخبرنا أن كُلَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا سَوَاءٌ أَخْبَرْتَنَا أَوْ لَمْ تُخْبِرْنَا فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِخْبَارِكَ فَتَفَكَّرْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِقَوْلِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ عَلَى الْمَذْهَبِ الرَّابِعِ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا فِي الْمَذْهَبِ الرَّابِعِ مِنَ التَّحْرِيكِ وَتَحْدِيدِهِ

فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ قُلْتُمْ إِنَّ الْمَذْهَبَ الرَّابِعَ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ وَقَدْ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ دَلَائِلَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ اسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ فِي أَحْكَامِ القرآن بقوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث وَالنَّجَاسَاتُ لَا مَحَالَةَ مِنَ الْخَبَائِثِ فَحَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمًا مُبْهَمًا وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ حَالَةِ اخْتِلَاطِهَا وَانْفِرَادِهَا بِالْمَاءِ فَوَجَبَ تَحْرِيمُ كُلِّ مَا تَيَقَّنَّا فِيهِ جُزْءًا مِنَ النَّجَاسَةِ وَيَكُونُ جِهَةُ الْحَظْرِ مِنَ النَّجَاسَةِ أَوْلَى مِنْ جِهَةِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ الْمُحَرِّمُ وَالْمُبِيحُ قُدِّمَ الْمُحَرِّمُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنْ جَنَابَةٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْبَوْلَ الْقَلِيلَ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ لَا يُغَيِّرُ لَوْنَهُ وَلَا طَعْمَهُ وَلَا رَائِحَتَهُ وَيَدُلُّ أَيْضًا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْإِنَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ فَأَمَرَ بِغَسْلِ الْيَدِ احْتِيَاطًا مِنْ نَجَاسَةٍ أَصَابَتْهُ مِنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا تُغَيِّرُ الْمَاءَ وَلَوْلَا أَنَّهَا مُفْسِدَةٌ عِنْدَ التَّحْقِيقِ لَمَا كَانَ لِلْأَمْرِ بِالِاحْتِيَاطِ مَعْنًى وَحَكَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَجَاسَتِهِ بِوُلُوغِ الْكَلْبِ بِقَوْلِهِ طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا وَهُوَ لَا يُغَيِّرُ وَهَذَا كَلَامُ الرَّازِيِّ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُ نَجَاسَةٍ فِي الْمَاءِ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِهَذِهِ الدَّلَائِلِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قُلَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ تَغَيَّرَ أَوْ لَا وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالتَّقْدِيرُ بِشَيْءٍ دُونَ شَيْءٍ لَا بُدَّ مِنْ نَصٍّ وَلَمْ يُوجَدْ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَقَالَ أَيْضًا وَمَا صِرْنَا إِلَيْهِ يَشْهَدُ لَهُ الشَّرْعُ وَالْعَقْلُ أَمَّا الشَّرْعُ فَقَدْ قَدَّمْنَا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْعَقْلُ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِعَدَمِ النَّجَاسَةِ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ أَوْ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّنَا وَالظَّنُّ كَالْيَقِينِ فَقَدِ اسْتَعْمَلْتَ الْمَاءَ الَّذِي فِيهِ نَجَاسَةٌ يَقِينًا وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يُقَدِّرْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ بَلْ اعْتَبَرَ غَلَبَةَ ظَنِّ الْمُكَلَّفِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ مُؤَيَّدٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ مُتَعَيَّنًا انْتَهَى قُلْتُ هَذِهِ الدَّلَائِلُ كُلُّهَا غَيْرُ مُفِيدَةٍ أما الاستدلال بآية ويحرم عليهم الخبائث فَلِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تُفِيدُ تَحْرِيمَ أَكْلِ الْخَبَائِثِ لَا مُطْلَقَ اسْتِعْمَالِهَا بِقَرِينَةِ مَا قَبْلَهُ وَهُوَ قوله تعالى ويحل لهم الطيبات فَإِنَّ الْحِلَّ وَالْحُرْمَةَ غَالِبًا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْمَأْكُولَاتِ وَلِذَا فَسَّرَ الْمُفَسِّرُونَ الْخَبَائِثَ بِالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْخِنْزِيرِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ فَالْمَعْنَى يُحِلُّ لَهُمْ أَكْلَ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ أَكْلَ الْخَبَائِثِ فَإِذَنْ لَا تُفِيدُ الْآيَةُ إِلَّا حُرْمَةُ النَّجَاسَةِ الْمَخْلُوطَةِ بِالْمَاءِ أَكْلًا لَا حُرْمَةَ مُطْلَقِ اسْتِعْمَالِهَا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ تحريم

استعمال مطلق النجاسة فلا يفيد أيضا إذا الْمَاءُ سَيَّالٌ بِالطَّبْعِ مُغَيِّرٌ لِمَا اخْتَلَطَ بِهِ إِلَى نَفْسِهِ إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ فَإِذَا وَقَعَتِ النَّجَاسَةُ فِي مَاءٍ وَلَمْ يَغْلِبْ رِيحُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ عَلَيْهِ حَصَلَ الْعِلْمُ بِأَنَّ تِلْكَ النَّجَاسَةَ فِيهِ قَدْ تَغَيَّرَتْ إِلَى طَبِيعَةِ الْمَاءِ الْغَالِبِ وَلَمْ تَبْقَ نَجَاسَةٌ وَخَبِيثَةٌ فَيَنْبَغِي الْوُضُوءُ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ تَحَرَّكَ جَانِبٌ مِنْهُ بِتَحْرِيكِ جَانِبٍ مِنْهُ أَوْ لَمْ يَتَحَرَّكْ بِخِلَافِ مَا إِذَا غَلَبَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ فإنه يَعْلَمْ مَغْلُوبِيَّةَ الْمَاءِ وَبَقَاءَ النَّجَاسَةِ عَلَى حَالِهَا فلا يجوز الوضوء ح وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ لَا يَبُولَنَّ فَلأَنَّهُ بَعْدَ تَسْلِيمِ دَلَالَتِهِ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالتَّنَجُّسِ إِنَّمَا يُفِيدُ تَنَجُّسَ الْمَاءِ الدَّائِمِ فِي الْجُمْلَةِ لَا عَلَى تَنَجُّسِ كُلِّ مَاءٍ وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الْكُلِّيَّةِ لَلَزِمَ تَنَجُّسُ الْحَوْضِ الْكَبِيرِ أَيْضًا بِالْبَوْلِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَكَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ الِاسْتِيقَاظِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى تَنَجُّسِ الْمَاءِ فِي الْجُمْلَةِ لَا عَلَى الْكُلِّيَّةِ فَلَا يَنْتَهِضُ هَذَا وَأَمْثَالُهُ إِلَّا إِلْزَامًا عَلَى مَنْ قَالَ بِالطَّهَارَةِ مُطْلَقًا لَا تَحْقِيقًا لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا حَدِيثُ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَأَمْثَالُهُ وَأَمَّا شَهَادَةُ الْعَقْلِ فَتُعَارِضُهُ شَهَادَةٌ أُخْرَى وَهِيَ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِ الْمَاءِ مُغَيِّرًا إِلَى نَفْسِهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الدَّلَائِلُ لَا تُثْبِتُ التَّحْدِيدَ بِالتَّحْرِيكِ وَأَمَّا التَّحْدِيدُ بِالْقُلَّتَيْنِ فَقَدْ ثَبَتَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ بِنَفْسِهِ وَكَذَا التَّحْدِيدُ بِالتَّغَيُّرِ وَعَدَمِهِ ثَابِتٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ وَمُؤَيَّدٌ بِشَهَادَةِ الْعَقْلِ أَيْضًا وَالْقِيَاسَاتُ الْعَقْلِيَّةُ وَالِاسْتِنْبَاطَاتُ الْفِقْهِيَّةُ مِنَ الْآيَاتِ الْمُبْهَمَةِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ لَا تُعَارِضُ هَذِهِ التَّحْدِيدَاتِ الْمُصَرِّحَةَ كَذَا أَجَابَ صَاحِبُ السِّعَايَةِ حَاشِيَةِ شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَهُوَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَقَدْ أَجَادَ وَأَصَابَ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي أَظُنُّ أَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ لَمْ تَصِلْ إِلَى الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ وَصَلَتْهُ وَحَمَلَهَا عَلَى مَعْنًى لَاحَ لَهُ وَإِلَّا لَقَالَ بِهَا حَتْمًا وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الِاسْتِنْبَاطِ قَطْعًا وَلِقُوَّةِ دَلِيلِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ جَوَّزَ أَصْحَابُنَا تَقْلِيدَهُمْ فِي ذَلِكَ بَلْ قَلَّدَهُمْ أَبُو يُوسُفَ فِي بَعْضِ الْوَقَائِعِ مَعَ كَوْنِهِ مُجْتَهِدًا وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ كَمَا فِي الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَشَرْحِهَا الْحَدِيقَةِ النَّدِيَّةِ وَقَدْ جَوَّزَ أَئِمَّتُنَا الْحَنَفِيَّةُ الْأَخْذَ فِي بَابِ الطَّهَارَةِ بِمَذْهَبِ الْغَيْرِ وَلَوْ كَانَ الْأَخْذُ بَعْدَ صُدُورِ الْفِعْلِ فَاسِدًا فِي مَذْهَبِهِ كَمَا حُكِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اغْتَسَلَ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصَلَّى بِالنَّاسِ إِمَامًا بِبَغْدَادَ فَوَجَدُوا فِي الْبِئْرِ الَّذِي اغْتَسَلَ مِنْ مَائِهِ فَأْرَةً مَيِّتَةً فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ نَأْخُذُ بِقَوْلِ إِخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَمَسُّكًا بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قلتين لم يحمل خبثا كذا في التاتار خانية وَغَيْرِهَا وَلَعَلَّ حُرْمَةَ التَّقْلِيدِ لِلْمُجْتَهِدِ مُقَيَّدَةٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَا قَلَّدَهُ حُكْمًا قَوِيًّا مُوَافِقًا لِلْقِيَاسِ دَاخِلًا فِي ظَاهِرِ النَّصِّ فَإِذَا كَانَ حُكْمًا ضَعِيفًا مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ غَيْرَ دَاخِلٍ فِي ظَاهِرِ النَّصِّ يَحْرُمُ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ فِيهِ لِمُجْتَهِدٍ آخَرَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الْحُكْمُ فِيهَا قَوِيٌّ لِأَنَّ عَدَمَ التَّغَيُّرِ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ الطَّهَارَةِ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ دَاخِلٌ فِي ظَاهِرِ النَّصِّ وَهُوَ حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ انْتَهَى كَلَامُهُمَا مُلَخَّصًا

انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ السِّعَايَةِ الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ تَمَسَّكَ الظَّاهِرِيَّةُ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْبِئْرَ لَا تَتَنَجَّسُ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهَا قَلِيلًا كَانَ الْمَاءُ فِيهَا أَوْ كَثِيرًا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ أَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَعُمُومِهِ بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِأَحَادِيثَ أخرى صحيحة ولنا أن نذكر ها هنا مَذَاهِبَ أُخْرَى فِي طَهَارَةِ الْبِئْرِ وَنَجَاسَتِهَا فَاعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي الْبِئْرِ هَلْ تَتَنَجَّسُ أَمْ لَا عَلَى مَذَاهِبَ الْأَوَّلُ مَذْهَبُ الظَّاهِرِيَّةِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا وَالثَّانِي أَنَّهُ إِنْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ يَتَنَجَّسُ وَإِلَّا لَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمَاءَ فِي الْبِئْرِ إِنْ كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ يَتَنَجَّسُ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ الْقُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا لَا يَتَنَجَّسُ إِلَّا إِذَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الرَّاجِحُ وَبِهِ عَمِلَ الْإِمَامُ أَبُو يُوسُفَ فِي بَغْدَادَ كَمَا عَرَفْتَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَصَلَّى بِالنَّاسِ إِمَامًا بِبَغْدَادَ فَوَجَدُوا فِي الْبِئْرِ الَّذِي اغْتَسَلَ مِنْ مَائِهِ فَأْرَةً مَيِّتَةً فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ فَقَالَ نَأْخُذُ بِقَوْلِ إِخْوَانِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَمَسُّكًا بِالْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا كَذَا فِي التَّتارْخَانِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَالرَّابِعُ إِنْ كَانَ غَدِيرًا عَظِيمًا بِحَيْثُ لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحْرِيكِ الْآخَرِ لَمْ يَتَنَجَّسْ وَإِلَّا تنجس وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ الْخَامِسُ إِنْ كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَا يَتَنَجَّسُ وَإِلَّا يَتَنَجَّسُ وَهُوَ مَسْلَكُ أَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَقَدْ مَرَّ فِي الْفَائِدَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّ لِلْحَنَفِيَّةِ فِي الْمَاءِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَذْهَبًا فَكُلُّهَا تَجْرِي ها هنا وها هنا مذهب آخر زائد على مامر خَاصٌّ بِالْآبَارِ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ أَبِي يُوسُفَ عَلَى أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْجَارِي لِأَنَّهُ يَنْبُعُ مِنْ أَسْفَلِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ أَعْلَاهُ فَهُوَ كَحَوْضِ الْحَمَّامِ يَصُبُّ مِنْ جَانِبٍ وَيَخْرُجُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ فَلَا يَتَنَجَّسُ كَذَا نَقَلَهُ فِي الْغُنْيَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ إِذَا تَنَجَّسَ مَاءُ الْبِئْرِ هَلْ يَطْهُرُ بِنَزْحِ الْمَاءِ أَمْ لَا فَقَالَ بِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ إِنَّهُ لَا يَطْهُرُ أَبَدًا لِأَنَّهُ وَإِنْ نَزَحَ جَمِيعَ مَا فِيهَا يَبْقَى الطِّينُ وَالْحِجَارَةُ نَجَسًا فَيَتَنَجَّسُ الْمَاءُ الْجَدِيدُ فَلَا سَبِيلَ إِلَى طَهَارَتِهِ كَذَا حكاه بن الْهُمَامِ وَالْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ وَقَالَ غَيْرُ بِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَطْهُرُ الْبِئْرُ بِنَزْحِ الماء

وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى تَنَجُّسِ مَاءِ الْبِئْرِ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى قَدْرِ الْقُلَّتَيْنِ وَطَهَارَتُهُ بِنَزْحِ الماء بما رواه الطحاوي وبن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ حَبَشِيًّا وَقَعَ في زمزم فمات فأمر بن الزُّبَيْرِ فَنَزَحَ مَاءَهَا فَجَعَلَ الْمَاءُ لَا يَنْقَطِعُ فَنَظَرَ فَإِذَا عَيْنٌ تَجْرِي مِنْ قِبَلِ الْحَجَرِ الأسود فقال بن الزُّبَيْرِ حَسْبُكُمْ قَالُوا إِسْنَادُ هَذَا الْأَثَرِ صَحِيحٌ ويردون به حديث القلتين قلت سلفا أَنَّ إِسْنَادَهُ صَحِيحٌ لَكِنْ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ صِحَّةَ الْإِسْنَادِ لَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الْمَتْنِ وَلَوْ سَلِمَ صِحَّةُ الْمَتْنِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نُزِحَ لِنَجَاسَةٍ ظَهَرَتْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ أَوْ تَطْيِيبًا لِلْقُلُوبِ وَتَنْظِيفًا لِلْمَاءِ فَإِنَّ زَمْزَمَ لِلشُّرْبِ لَا مِنْ جِهَةِ الْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ صَاحِبُ السِّعَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا ص 224 وَمَا رُوِيَ عَنْهُمْ مِنَ النَّزْحِ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ بَلْ يَحْتَمِلُ التَّنْظِيفَ وَالتَّنَزُّهَ انْتَهَى وأَمَّا مَا قَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ مِنْ أَنَّ الرَّاوِيَ جَعَلَ عِلَّةَ نَزْحِهَا مَوْتَهُ دُونَ غَلَبَةِ دَمِهِ لِقَوْلِهِ مَاتَ فَأَمَرَ أَنْ تُنْزَحَ كَقَوْلِهِ زَنَى مَاعِزٌ فَرُجِمَ انْتَهَى فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَوْتَ كَانَ عِلَّةً لِلنَّزْحِ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الزِّنْجِيَّ مَاتَ فِي زَمْزَمَ فَأَمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تُنْزَحَ وَأَمَّا أَنَّ عِلَّةَ النَّزْحِ هَلْ هِيَ الْمَوْتُ أَوْ أَمْرٌ آخَرُ فَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ مَاتَ فَأَمَرَ أَنْ تُنْزَحَ كَمَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ قَاءَ فَأَفْطَرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَيْءَ كَانَ مُفْطِرًا لَهُ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ قَاءَ فَأَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ مُحَدِّثُ الْهِنْدِ الشَّاهُ وَلِيُّ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ حُجَّةِ اللَّهِ الْبَالِغَةِ ص 142 ج 1 وَقَدْ أَطَالَ الْقَوْمُ فِي فُرُوعِ مَوْتِ الْحَيَوَانِ فِي الْبِئْرِ وَالْعَشْرِ فِي الْعَشْرِ وَالْمَاءِ الْجَارِي وَلَيْسَ فِي كُلِّ ذَلِكَ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْبَتِّةَ وَأَمَّا الآثار المنقولة عن الصحابة والتابعين كأثر بن الزُّبَيْرِ فِي الزِّنْجِيِّ وَعَلِيٍّ فِي الْفَأْرَةِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ فِي نَحْوِ السِّنَّوْرِ فَلَيْسَتْ مِمَّا يَشْهَدُ لَهُ الْمُحَدِّثُونَ بِالصِّحَّةِ وَلَا مِمَّا اتَّفَقَ عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْقُرُونِ الْأُولَى وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا يمكن أن يكون ذلك تطيبا لِلْقُلُوبِ وَتَنْظِيفًا لِلْمَاءِ لَا مِنْ جِهَةِ الْوُجُوبِ الشَّرْعِيِّ كَمَا ذُكِرَ فِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ وَدُونَ نَفْيِ هَذَا الِاحْتِمَالِ خَرْطُ الْقَتَادِ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ يُعْتَدُّ بِهِ وَيَجِبُ الْعَمَلُ عَلَيْهِ وَحَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ أَثْبَتُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِغَيْرِ شُبْهَةٍ وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى شَرَعَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لِعِبَادِهِ شَيْئًا زِيَادَةً عَلَى مَا لَا يَنْفَكُّونَ عَنْهُ مِنَ الِارْتِفَاقَاتِ وَهِيَ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ وَتَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى ثُمَّ لَا يَنُصَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصًّا جَلِيًّا وَلَا يَسْتَفِيضُ فِي الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَا حَدِيثٌ واحد فيه انتهى كلامه وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ بن عُيَيْنَةَ كُنْتُ أَنَا بِمَكَّةَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً لَمْ أَرَ صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا يَعْرِفُ حَدِيثَ الزِّنْجِيِّ وَلَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَقُولُ نُزِحَتْ زَمْزَمُ وقال الشافعي إن ثبت هذا عن بن عَبَّاسٍ فَلَعَلَّ نَجَاسَتَهُ ظَهَرَتْ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ أَوْ نَزَحَهَا لِلتَّنْظِيفِ انْتَهَى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السنن الكبرى بعد ذكر قول الشافعي وبن عيينة وعن أبي عبيد

قَالَ وَكَذَلِكَ لَا يَنْبَغِي لِأَنَّ الْآثَارَ جَاءَتْ فِي نَعْتِهَا أَنَّهَا لَا تُنْزَحُ وَلَا تُذَمُّ انْتَهَى قُلْتُ فَهَذِهِ الْآثَارُ أَيْضًا تَخْدِشُ فِي صِحَّةِ وَاقِعَةِ نَزْحِ زَمْزَمَ فَإِنَّ صِحَّتَهَا تُخَالِفُ قَوْلَهُ لَا تُنْزَحُ وَكَذَلِكَ تُخَالِفُ قَوْلَهُ لَا تُذَمُّ فَأَيُّ مَذَمَّةٍ لِزَمْزَمَ تَكُونُ أَقْبَحَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَاؤُهَا نَجِسًا خَبِيثًا فَإِنْ قُلْتَ أَجَابَ عَنْ ذَلِكَ صَاحِبُ الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ حَيْثُ قال ليس فيه أن بن عباس وبن الزُّبَيْرِ قَدَرَا عَلَى اسْتِئْصَالِ الْمَاءِ بِالنَّضْحِ حَتَّى يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْآثَارِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ بل صرح في رواية بن أَبِي شَيْبَةَ بِأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَنْقَطِعْ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ بِأَنَّ الْعَيْنَ غَلَبَتْهُمْ حَتَّى دَسَّتْ بِالْقَبَاطِيِّ وَالْمَطَارِفِ انْتَهَى قُلْتُ ظَنَّ صَاحِبُ الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ أَنَّ نَزْحَ الْبِئْرِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِاسْتِئْصَالِ مَائِهَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَفِي الْقَامُوسِ نَزَحَ الْبِئْرَ اسْتَقَى مَاءَهَا حَتَّى يَنْفَدَ أَوْ يَقِلَّ انْتَهَى وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ عَدَمُ عِلْمِهِمَا لَا يَصِحُّ دَلِيلًا فَإِنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا ذَلِكَ الْوَقْتَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا قَرِيبٌ مِنْ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً فَفِيهِ أَنَّ وُقُوعَ الزِّنْجِيِّ فِي زَمْزَمَ وَمَوْتَهُ فِيهَا ثُمَّ نَزْحَهَا مِنَ الْوَقَائِعِ الْعِظَامِ وَالْحَوَادِثِ الْجِسَامِ فَلَوْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ نَسْيًا مَنْسِيًّا بِحَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لَا صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ إِذْ بَعِيدٌ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَحْدُثَ مِثْلُ هَذِهِ الْحَادِثَةِ بِمَكَّةَ فِي زَمَنِ بن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَهُمَا مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فِي زَمَنِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَهُوَ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ وَلَوْ سَلِمَ ثُبُوتُ وَاقِعَةِ نَزْحِ زَمْزَمَ فَلَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَزْحَهَا كَانَ لِنَجَاسَةٍ كَمَا قَدْ عَرَفْتَ 9 - بَاب مِنْهُ آخَرُ [67] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) هُوَ إِمَامُ الْمَغَازِي صَدُوقٌ يدلس كذا في التقريب وقال بن الهمام في فتح القدير أما بن إِسْحَاقَ فَثِقَةٌ لَا شُبْهَةَ عِنْدَنَا وَلَا عِنْدَ مُحَقِّقِي الْمُحَدِّثِينَ انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عُمْدَةِ القارىء بن إِسْحَاقَ مِنَ الثِّقَاتِ الْكِبَارِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا (عن محمد بن جعفر بن الزبير) بن الْعَوَّامِ الْأَسَدِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر) بن الْخَطَّابِ شَقِيقُ سَالِمٍ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (وَهُوَ يُسْأَلُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (عَنِ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ مِنَ الْأَرْضِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَلَاةُ الْقَفْرُ أَوْ الْمَفَازَةُ لَا مَاءَ فِيهَا أَوْ الصَّحْرَاءُ الْوَاسِعَةُ ج فَلًا وَفَلَوَاتٌ وَفُلِيٌّ وفلى (وما

يَنُوبُهُ مِنَ السِّبَاعِ وَالدَّوَابِّ) عَطْفٌ عَلَى الْمَاءِ يُقَالُ نَابَ الْمَكَانَ وَأَنَابَهُ إِذَا تَرَدَّدَ إِلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (قَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ تَثْنِيَةُ الْقُلَّةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ مَعْنَى الْقُلَّةِ (لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ) بِفَتْحَتَيْنِ النَّجَسَ أَيْ لَمْ يُنَجَّسْ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَإِنَّهُ لَا يُنَجَّسُ وَلَفْظُ الْحَاكِمِ فَقَالَ إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ قَالَ الْقَاضِي الْحَدِيثُ بِمَنْطُوقِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ إِذَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّ مَعْنَى لَمْ يَحْمِلْ لَمْ يَقْبَلْ النَّجَاسَةَ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ لَا يَقْبَلُ ضَيْمًا إِذَا امْتَنَعَ عَنْ قَبُولِهِ وَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فَإِنْ تَغَيَّرَ نُجِّسَ وَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَقَلَّ يُنَجَّسُ بِالْمُلَاقَاةِ وَهَذَا الْمَفْهُومُ يُخَصِّصُ حَدِيثَ خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا عِنْدَ مَنْ قَالَ بِالْمَفْهُومِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ به أجراه على عمومه كما لك فَإِنَّ الْمَاءَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ لَا يُنَجَّسُ عِنْدَهُ إِلَّا بِالتَّغَيُّرِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ مَعْنَاهُ لَمْ يُنَجَّسْ بِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الأخرى التي رواها أبو داود وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ وَالتَّقْدِيرُ لَا يَقْبَلُ النَّجَاسَةَ بَلْ يَدْفَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَعْنَى يَضْعُفُ عَنْ حَمْلِهِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّقْيِيدِ مَعْنًى فَإِنَّ مَا دُونَهَا أَوْلَى بِذَلِكَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَقْبَلُ حُكْمَ النَّجَاسَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار يحمل أسفارا أَيْ لَمْ يَقْبَلُوا حُكْمَهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقُلَّةُ هِيَ الْجِرَارُ) جَمْعُ جَرَّةٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِالْفَارِسِيَّةِ سبوى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقُلَّةُ بِالضَّمِّ الْحُبُّ الْعَظِيمُ وَالْجَرَّةُ الْعَظِيمَةُ أَوْ عَامَّةٌ أَوْ مِنَ الْفَخَّارِ والكوز الصغار ضدج كَصُرَدٍ وَجِبَالٍ انْتَهَى وَالْحُبُّ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ خم وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْقُلَّةُ الحب العظيم والجمع قلال وهي معروفة بالحجار انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالُوا إِذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ) أَيْ أَوْ لَوْنُهُ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ صَحِيحٌ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ الْعِرَاقِيُّ فِي أَمَالِيهِ قَدْ صَحَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ الْجَمُّ الْغَفِيرُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو عبيد وأحمد وإسحاق ويحيى بن معين وبن

خزيمة والطحاوي وبن حبان والدارقطني وبن منده والحاكم والخطابي والبيهقي وبن حَزْمٍ وَآخَرُونَ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَصَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا الْفَصْلُ بِالْقُلَّتَيْنِ أَقْوَى لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ وَقَدِ اعْتَرَفَ الطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِذَلِكَ وَقَالَ في بلوغ المرام صححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَقَدِ احْتَجَّا بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ وقال بن منده إسناده على شرط مسلم وقال بن معين الحديث جيد الإسناد وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ صَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى طَرِيقِ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُضْطَرِبَ الْإِسْنَادِ مُخْتَلَفًا فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ فَإِنَّهُ يُجَابُ عَنْهُ بِجَوَابٍ صَحِيحٍ بِأَنْ يُمْكِنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ وَالَّذِينَ لَمْ يَقُولُوا بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنِ اعْتَرَفَ بِصِحَّتِهِ وَاعْتَذَرَ مِنَ الْعَمَلِ بِهِ بِالْإِجْمَالِ فِي مَعْنَى الْقُلَّةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ إِلَّا التَّغَيُّرَ وَعَدَمَهُ قَوِيٌّ لَكِنَّ الْفَصْلَ بِالْقُلَّتَيْنِ أَقْوَى لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ وَقَدِ اعْتَرَفَ الطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِذَلِكَ لَكِنَّهُ اعْتَذَرَ مِنَ الْقَوْلِ بِهِ فَإِنَّ الْقُلَّةَ فِي الْعُرْفِ تُطْلَقُ عَلَى الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ كَالْجَرَّةِ وَلَمْ يَثْبُتْ مِنَ الْحَدِيثِ تَقْدِيرُهُمَا فَيَكُونُ مُجْمَلًا فلا يعمل به وقواه بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَكِنْ اسْتَدَلَّ لَهُ غَيْرُهُمَا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ الْمُرَادُ الْقُلَّةُ الْكَبِيرَةُ إِذْ لَوْ أَرَادَ الصَّغِيرَةَ لَمْ يَحْتَجْ لِذِكْرِ الْعَدَدِ فَإِنَّ الصَّغِيرَ بَيْنَ قَدْرِ وَاحِدَةٍ كَبِيرَةٍ وَيَرْجِعُ فِي الْكَبِيرَةِ إِلَى الْعُرْفِ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّارِعَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَرَكَ تَحْدِيدَهَا عَلَى سَبِيلِ التَّوْسِعَةِ وَالْعِلْمُ مُحِيطٌ بِأَنَّهُ مَا خَاطَبَ الصَّحَابَةَ إِلَّا بِمَا يَفْهَمُونَ فَانْتَهَى الْإِجْمَالُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ وَقِلَالُ هَجَرَ كَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ وَلِشُهْرَتِهَا عِنْدَهُمْ شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَأَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ مِنْ نَبْقِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى بِقِلَالِ هَجَرَ فَقَالَ فِي حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ قَالَ وَاعْتِذَارُ الطَّحَاوِيِّ فِي تَرْكِ الْحَدِيثِ أَصْلًا بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مِقْدَارَ الْقُلَّتَيْنِ لَا يَكُونُ عُذْرًا عِنْدَ مَنْ عَلِمَهُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْبَيْهَقِيِّ هَذَا فَإِنْ قِيلَ أَيُّ مُلَازَمَةٍ بَيْنَ هَذَا التَّشْبِيهِ وَبَيْنَ ذِكْرِ الْقُلَّةِ فِي حَدِّ الْمَاءِ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِهَا فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ بِحَيْثُ يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ فِي الْكِبَرِ كَمَا أَنَّ التَّقْيِيدَ الْمُطْلَقَ إِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى التَّقْيِيدِ الْمَعْهُودِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْقِلَالُ مُخْتَلِفَةٌ فِي قُرَى الْعَرَبِ وَقِلَالُ هَجَرَ أَكْبَرُهَا وَقِلَالُ هَجَرَ مَشْهُورَةُ الصَّنْعَةِ مَعْلُومَةُ

الْمِقْدَارِ وَالْقُلَّةُ لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ وَبَعْدَ صَرْفِهَا إِلَى أَحَدِ مَعْلُومَاتِهَا وَهِيَ الْأَوَانِي تَبْقَى مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهَا مِنَ الْكِبَارِ جعل الشارع الحد مقدارا بِعَدَدٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَكْبَرِهَا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْدِيرِهِ بِقُلَّتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى تَقْدِيرِهِ بِوَاحِدَةٍ كَبِيرَةٍ انْتَهَى قُلْتُ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ ضَعِيفٍ تَقْيِيدُ القلتين بقلال هجر وهو ما روى بن عدي من حديث بن عُمَرَ إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ مِنْ قِلَالِ هَجَرَ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ فِي إِسْنَادِهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ صِقْلَابٍ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَ النُّفَيْلِيُّ لَمْ يَكُنْ مُؤْتَمَنًا على الحديث وقال بن عَدِيٍّ لَا يُتَابَعُ عَلَى عَامَّةِ حَدِيثِهِ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ الْمُغِيرَةِ بْنِ صِقْلَابٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى فَالِاعْتِذَارُ مِنَ الْقَوْلِ بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ بِزَعْمِ الْإِجْمَالِ فِي مَعْنَى الْقُلَّةِ اعْتِذَارٌ بَارِدٌ وَمِنَ الَّذِينَ لَمْ يَقُولُوا بِهِ اعْتَذَرُوا بِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ مُضْطَرِبُ الْإِسْنَادِ قَالُوا إِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَرْوِي تَارَةً عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عن عبيد الله عن بن عُمَرَ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَارَةً عَنِ الزهري عن سالم عن بن عُمَرَ وَتَارَةً عَنْهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي شَيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ فَقَالَ مَرَّةً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُكَبَّرِ وَمَرَّةً عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُصَغَّرِ قُلْتُ هَذَا الِاعْتِذَارُ أَيْضًا بَارِدٌ فَإِنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَيْسَ قَادِحًا مُورِثًا لِضَعْفِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ وُجُوهَ الِاخْتِلَافِ لَيْسَتْ بِمُسْتَوِيَةٍ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ الْمَحْفُوظَةَ هي رواية بن إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عُبَيْدِ الله عن بن عُمَرَ كَمَا رَوَاهَا التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ كَذَلِكَ رَوَاهَا جماعة كثيرة عن بن إِسْحَاقَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ وَعَبْدُ اللَّهُ بْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَأَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَهْبِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وسعيد بْنُ زَيْدٍ أَخُو حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَزَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر بن أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَقَالَ الدَّارقُطْنِيُّ فِيهِ وَرَوَاهُ عَاصِمُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قُوَّةٌ لِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ انْتَهَى وَأَمَّا رِوَايَةُ بن إسحاق عن الزهري عن سالم عن بن عُمَرَ فَمَدَارُهَا عَلَى عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ

عطاء وهو مدلس ورواها عن بن إِسْحَاقَ بِالْعَنْعَنَةِ فَهِيَ ضَعِيفَةٌ لِمَظِنَّةِ التَّدْلِيسِ عَلَى أنه قد خالف جميع أصحاب بن إِسْحَاقَ وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ نَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنُ دِينَارٍ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ نَا محمد بن وهب المسلمي نا بن عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْقَلِيبِ الْحَدِيثَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَالْمَحْفُوظُ عَنِ بن عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ انْتَهَى وَقَدِ اعْتَذَرُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْحَدِيثَ مُضْطَرِبُ الْمَتْنِ فَفِي بَعْضِهَا قُلَّتَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا وَفِي رِوَايَةٍ مَوْقُوفَةٍ أَرْبَعِينَ قُلَّةً وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ مَرْفُوعَةٍ أَرْبَعِينَ قُلَّةً قُلْتُ هَذَا الِاعْتِذَارُ أَيْضًا بَارِدٌ فَإِنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ أَيْضًا لَيْسَ قَادِحًا مُورِثًا لِلضَّعْفِ فَإِنَّ رِوَايَةَ أَرْبَعِينَ قُلَّةً الَّتِي هِيَ مَرْفُوعَةٌ ضَعِيفَةٌ جِدًّا فَإِنَّ فِي سَنَدِهَا الْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ العمري قال بن التُّرْكُمَانِيِّ فِي الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ حَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ القاسم بن عبد الله العمري كان ضعيفا كثير الخطأ وفي كتاب بن الْجَوْزِيِّ قَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ هُوَ عِنْدِي بِشَيْءٍ كَانَ يَكْذِبُ وَيَضَعُ الْحَدِيثَ تَرَكَ النَّاسُ حَدِيثَهُ وَقَالَ يَحْيَى لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ مَرَّةً كَذَّابٌ خَبِيثٌ وَقَالَ الرَّازِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْأَزْدِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا يُسَاوِي شَيْئًا مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ روى الدارقطني في سننه وبن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالْعَقِيلِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً فَإِنَّهُ لَا يَحْمِلُ الْخَبَثَ انْتَهَى قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَا رواه القاسم العمري عن بن الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ وَوَهَمَ فِي إِسْنَادِهِ وَكَانَ ضَعِيفًا كَثِيرَ الْخَطَأِ وَخَالَفَهُ رُوحُ بْنُ الْقَاسِمِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ رَوَوْهُ عَنِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ

يُجَاوِزْهُ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ إِذَا بَلَغَ الْمَاءُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً لَمْ يُنَجَّسْ انْتَهَى فَرِوَايَةُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً الَّتِي هِيَ مَرْفُوعَةٌ لِشِدَّةِ ضَعْفِهَا لَا تُسَاوِي رِوَايَةَ قُلَّتَيْنِ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَرْبَعِينَ قُلَّةً الَّتِي هِيَ مَوْقُوفَةٌ فَهِيَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَقَوْلُهُ هَذَا وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مِنْ جِهَةِ السَّنَدِ فَهُوَ لَا يُسَاوِي رِوَايَةَ قُلَّتَيْنِ الَّتِي هِيَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا رِوَايَةُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي المعرفة قوله أو ثلاث شَكٌّ وَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ انْتَهَى فَرِوَايَةُ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا بِالشَّكِّ تَرْجِعُ إِلَى رِوَايَةِ قُلَّتَيْنِ الَّتِي هِيَ خَالِيَةٌ عَنِ الشَّكِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الشَّكَّ مِنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَإِنَّ بَعْضَ أَصْحَابِهِ يَرْوُونَ عَنْهُ قُلَّتَيْنِ وَبَعْضُهُمْ قُلَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ مِنْ عَاصِمِ بْنِ الْمُنْذِرِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر إِنَّمَا رَوَاهُ بِلَفْظِ قُلَّتَيْنِ بِغَيْرِ شَكٍّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَدِ اعْتَذَرُوا أَيْضًا بِأَنَّ الْحَدِيثَ مُضْطَرِبٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْقُلَّةَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَرَأْسِ الْجَبَلِ وَالْجَرَّةِ وَالْقِرْبَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ مَعْنَاهَا وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْأَوَانِي كَالْجَرَّةِ وَالْخَابِيَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ مِقْدَارُهَا مَعَ أَنَّهَا مُتَقَارِبَةٌ جِدًّا قُلْتُ هَذَا الِاعْتِذَارُ أَيْضًا لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ الْقُلَّةَ بِمَعْنَى رَأْسِ الرَّجُلِ أَوْ رَأْسِ الْجَبَلِ لَا يَحْصُلُ بِهَا التَّحْدِيدُ أَلْبَتَّةَ وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ لَيْسَ إِلَّا التَّحْدِيدَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنَ الْقُلَّةِ رَأْسُ الرَّجُلِ أَوْ رَأْسُ الْجَبَلِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ المراد من القلة الْأَوَانِي وَلَمَّا كَانَتْ قِلَالُ هَجَرَ مَشْهُورَةً مَعْرُوفَةَ الْمِقْدَارِ عِنْدَ الْعَرَبِ كَثِيرَةَ الِاسْتِعْمَالِ فِي أَشْعَارِهِمْ وَلِذَلِكَ شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبْقَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى بِقِلَالِ هَجَرَ تَعَيَّنَ أَنْ تَكُونَ هِيَ مُرَادَةً فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا فَتَذَكَّرْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ صَحِيحٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ وَكُلُّ مَا اعْتَذَرُوا بِهِ عَنِ الْعَمَلِ وَالْقَوْلِ بِهِ فَهُوَ مدفوع

باب كراهية البول في الماء الراكد

قَوْلُهُ (وَقَالُوا يَكُونُ نَحْوًا مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ) جَمْعُ قِرْبَةٍ أَيْ يَكُونُ مِقْدَارُ الْقُلَّتَيْنِ قَرِيبًا مِنْ خَمْسِ قِرَبٍ وَذَلِكَ نَحْوُ خَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ كَمَا فِي السُّبُلِ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ القاسة الْحُبُّ الْعَظِيمُ وَالْجَمْعُ قِلَالٌ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِالْحِجَازِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي صِفَةِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ وَهَجَرُ قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَدِينَةِ وَلَيْسَتْ هَجَرَ الْبَحْرَيْنِ وَكَانَتْ تُعْمَلُ بِهَا الْقِلَالُ تَأْخُذُ الْوَاحِدَةُ مِنْهَا مَزَادَةً مِنَ الْمَاءِ سُمِّيَتْ قُلَّةً لِأَنَّهَا تُقَلُّ أَيْ تُرْفَعُ وَتُحْمَلُ انْتَهَى كَلَامُ الْجَزَرِيِّ وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ طَاهِرٌ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ الْقُلَّةُ جَرَّةٌ عَظِيمَةٌ تَسَعُ خمسمائة رطل انتهى 0 - (بَابُ كَرَاهِيَةِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ) أَيْ السَّاكِنِ الَّذِي لَا يَجْرِي [68] قَوْلُهُ (عَنْ هَمَّامِ بن منبه) بن كَامِلٍ الْإِبْنَاوِيِّ الصَّنْعَانِيِّ الْيَمَانِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نسخة صحيحة ومعاوية وبن عَبَّاسٍ وَطَائِفَةٍ وَعَنْهُ أَخُوهُ وَهْبٌ وَمَعْمَرٌ وَثَّقَهُ بن معين قال بن سَعْدٍ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ قَوْلُهُ (لَا يَبُولَنَّ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَبِنُونِ التَّأْكِيدِ الثَّقِيلَةِ (فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي لَا يَجْرِي وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلدَّائِمِ وَإِيضَاحٌ لِمَعْنَاهُ (ثُمَّ يَتَوَضَّأُ مِنْهُ) كَذَا فِي رِوَايَةِ الترمذي وأحمد وعبد الرزاق وبن أبي شيبة وبن حِبَّانَ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِضَمِّ اللَّامِ على المشهور وقال بن مَالِكٍ يَجُوزُ الْجَزْمُ عَطْفًا عَلَى يَبُولَنَّ لِأَنَّهُ مَجْزُومُ الْمَوْضِعِ بِلَا النَّاهِيَةِ وَلَكِنَّهُ بُنِيَ عَلَى الْفَتْحِ لِتَوْكِيدِهِ بِالنُّونِ وَمَنَعَ ذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ لَوْ أُرِيدَ النَّهْيُ يُقَالُ ثُمَّ لَا يَغْتَسِلَنَّ فَحِينَئِذٍ يَتَسَاوَى الْأَمْرَانِ فِي النَّهْيِ عَنْهُمَا لِأَنَّ الْمَحَلَّ الَّذِي تَوَارَدَا عَلَيْهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمَاءُ قَالَ فَعُدُولُهُ عَنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ

الْعَطْفَ بَلْ نَبَّهَ عَلَى مَآلِ الْحَالِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا بَالَ فِيهِ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَضْرِبَنَّ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْأَمَةِ ثُمَّ يُضَاجِعُهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ بِالْجَزْمِ لِأَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنِ الضَّرْبِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي مَآلِ حَالِهِ إِلَى مُضَاجَعَتِهَا فَتَمْتَنِعُ لِإِسَاءَتِهِ إِلَيْهَا فَلَا يَحْصُلُ لَهُ مَقْصُودُهُ وَتَقْدِيرُ اللَّفْظِ ثُمَّ هُوَ يُضَاجِعُهَا وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ ثُمَّ هُوَ يَغْتَسِلُ مِنْهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَأْكِيدِ النَّهْيِ أَنْ لَا يُعْطَفَ عَلَيْهِ نَهْيٌ آخَرُ غَيْرُ مُؤَكَّدٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلتَّأْكِيدِ فِي أَحَدِهِمَا مَعْنًى لَيْسَ لِلْآخَرِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَا يَجُوزُ النَّصْبُ إِذْ لَا تضمر أن بعد ثم وأجازه بن مَالِكٍ بِإِعْطَاءِ ثُمَّ حُكْمَ الْوَاوِ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ دُونَ إِفْرَادِ أَحَدِهِمَا وَضَعَّفَهُ بن دَقِيقِ الْعِيدِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْأَحْكَامِ الْمُتَعَدِّدَةِ لَفْظٌ وَاحِدٌ فَيُؤْخَذُ النَّهْيُ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ تَثْبُتَ رِوَايَةُ النَّصْبِ وَيُؤْخَذُ النَّهْيُ عَنِ الْإِفْرَادِ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ النَّهْيُ عَنْهُمَا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ وَلَفْظُهُ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ فَكُلُّ مَا ذُكِرَ فِي يَغْتَسِلُ مِنَ الْإِعْرَابِ يَجْرِي فِي يَتَوَضَّأُ وَالْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى تَنَجُّسِ الْمَاءِ الرَّاكِدِ مُطْلَقًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَحْمُولٍ عَلَى ظاهره بالاتفاق قال العيني في عمدة القارىء هَذَا الْحَدِيثُ عَامٌّ فَلَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِهِ اتِّفَاقًا بِالْمَاءِ الْمُتَبَحِّرِ الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحْرِيكِ الطَّرَفِ الْآخَرِ أَوْ بِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَوْ بِالْعُمُومَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ الثَّلَاثَةِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَا فَرْقَ فِي الْمَاءِ الَّذِي لَا يَجْرِي فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ بَوْلِ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يَبُولَ فِي الْمَاءِ أَوْ يَبُولَ فِي مَاءٍ ثُمَّ يَصُبُّهُ فِيهِ خِلَافًا لِلظَّاهِرِيَّةِ

باب في ماء البحر أنه طهور

وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَاءِ الْقَلِيلِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي حَدِّ الْقَلِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ مَنْ لَا يَعْتَبِرُ إِلَّا التَّغَيُّرَ وَعَدَمَهُ وَهُوَ قَوِيٌّ لَكِنَّ الْفَصْلَ بِالْقُلَّتَيْنِ أَقْوَى لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ عِنْدِي كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ فِيمَا لَا يَتَغَيَّرُ وَهُوَ قَوْلُ الْبَاقِينَ فِي الْكَثِيرِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّحْرِيمِ مُطْلَقًا عَلَى قَاعِدَةِ سَدِّ الذَّرِيعَةِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى تَنْجِيسِ الْمَاءِ انْتَهَى قُلْتُ مَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ حَسَنٌ جَيِّدٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ مِنْهُ مَكَانَ فِيهِ وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنِ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الماء الناقع 1 - (باب فِي مَاءِ الْبَحْرِ أَنَّهُ طَهُورٌ) [69] قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الطَّهُورِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ إِذَا قَالَ الْأَنْصَارِيَّ يُرِيدُ بِهِ إِسْحَاقَ بْنَ مُوسَى الْأَنْصَارِيَّ (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ الزُّهْرِيِّ مولاهم المدني روى عن بن عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ وَمَوْلَاهُ حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَنْهُ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَخَلْقٌ قَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ يُسْتَشْفَى بِحَدِيثِهِ وَيَنْزِلُ الْقَطْرُ مِنَ السَّمَاءِ بِذِكْرِهِ وَقَالَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ رَأَيْتُ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ وَلَوْ قِيلَ لَهُ غَدًا الْقِيَامَةُ مَا كَانَ عِنْدَهُ مَزِيدٌ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَةِ مَاتَ سَنَةَ 231 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قُلْتُ هُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ سَعِيدِ بن سلمة من آل بن الْأَزْرَقِ) وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ) الْكِنَانِيَّ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْهُ سَعِيدُ بْنُ سَلَمَةَ

وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قَوْلُهُ (سَأَلَ رجل) سمى بن بَشْكُوَالَ السَّائِلَ عَبْدَ اللَّهِ الْمُدْلِجِيَّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ اسْمُهُ عُبَيْدٌ وَقِيلَ عَبْدٌ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُ السَّمْعَانِيِّ فِي الْأَنْسَابِ اسْمُهُ الْعَرَكِيُّ فَفِيهِ إِيهَامُ أَنَّ الْعَرَكِيَّ اسْمُ عَلَمٍ لَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْعَرَكِيُّ وَصْفٌ لَهُ وَهُوَ مَلَّاحُ السَّفِينَةِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (إِنَّا نَرْكَبُ الْبَحْرَ) زَادَ الْحَاكِمُ نُرِيدُ الصَّيْدَ قَالَ الزُّرْقَانِيُّ الْمُرَادُ مِنَ الْبَحْرِ الْمِلْحُ لِأَنَّهُ الْمُتَوَهَّمُ فِيهِ لِأَنَّهُ مَالِحٌ وَمُرٌّ وَرِيحُهُ مُنْتِنٌ انْتَهَى (وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنَ الْمَاءِ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما فَجَاءَ صَيَّادٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَنْطَلِقُ فِي الْبَحْرِ نُرِيدُ الصَّيْدَ فَيَحْمِلُ أَحَدُنَا مَعَهُ الْإِدَاوَةَ وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يَأْخُذَ الصَّيْدَ قَرِيبًا فَرُبَّمَا وَجَدَهُ كَذَلِكَ وَرُبَّمَا لَمْ يَجِدْ الصَّيْدَ حَتَّى يَبْلُغَ مِنَ الْبَحْرِ مَكَانًا لَمْ يَظُنَّ أَنْ يَبْلُغَهُ فَلَعَلَّهُ يَحْتَلِمُ أَوْ يَتَوَضَّأُ فَإِنْ اغْتَسَلَ أَوْ تَوَضَّأَ بِهَذَا الْمَاءِ فَلَعَلَّ أَحَدُنَا يُهْلِكُهُ الْعَطَشُ فَهَلْ تَرَى فِي مَاءِ الْبَحْرِ أَنْ نَغْتَسِلَ بِهِ أَوْ نَتَوَضَّأَ إِذَا خِفْنَا ذَلِكَ (عَطِشْنَا) بِكَسْرِ الطَّاءِ (هُوَ الطَّهُورُ) بفتح الطاء أي المطهر قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ الْمَجْدُ فِي الْقَامُوسِ الطَّهُورُ الْمَصْدَرُ وَاسْمُ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ أَوْ الطاهر المطهر انتهى قلت المراد ها هنا هُوَ الْمَعْنَى الْأَخِيرُ قَالَ الزُّرْقَانِيُّ أَيْ الْبَالِغُ فِي الطَّهَارَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنْزَلْنَا مِنَ السماء ماء طهورا أَيْ طَاهِرًا فِي ذَاتِهِ مُطَهِّرًا لِغَيْرِهِ قَالَ وَلَمْ يَقُلْ فِي جَوَابِهِ نَعَمْ مَعَ حُصُولِ الْغَرَضِ بِهِ لِيَقْرُنَ الْحُكْمَ بِعِلَّتِهِ وَهِيَ الطَّهُورِيَّةُ الْمُتَنَاهِيَةُ فِي بَابِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (مَاؤُهُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ الطَّهُورُ (الْحِلُّ) أَيْ الْحَلَالُ كَمَا فِي رواية الدارقطني عن جابر وأنس وبن عَمْرٍو (مَيْتَتُهُ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ الْحِلُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمَّا عَرَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتِبَاهَ الْأَمْرِ عَلَى السَّائِلِ فِي مَاءِ الْبَحْرِ أَشْفَقَ أَنْ يَشْتَبِهَ عَلَيْهِ حُكْمُ مَيْتَتِهِ وَقَدْ يُبْتَلَى بِهَا رَاكِبُ الْبَحْرِ فَعَقَّبَ الْجَوَابَ عَنْ سُؤَالِهِ بِبَيَانِ حُكْمِ الْمَيْتَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ سَأَلَهُ عَنْ مَائِهِ فَأَجَابَهُ عَنْ مَائِهِ وَطَعَامِهِ لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ قَدْ يُعْوِزُهُمْ الزَّادُ فِيهِ كَمَا يُعْوِزُهُمْ

الْمَاءُ فَلَمَّا جَمَعَتْهُمْ الْحَاجَةُ انْتَظَمَ الْجَوَابُ بِهِمَا وقال بن الْعَرَبِيِّ وَذَلِكَ مِنْ مَحَاسِنِ الْفَتْوَى أَنْ يُجَاءَ في الجواب بأكثر مما يسئل عَنْهُ تَتْمِيمًا لِلْفَائِدَةِ وَإِفَادَةً لِعِلْمٍ آخَرَ غَيْرِ مسؤول عَنْهُ وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَاجَةِ إِلَى الْحُكْمِ كَمَا هُنَا لِأَنَّ مَنْ تَوَقَّفَ فِي طهورية ماء البحر فهو عن العلم يحل مَيْتَتِهِ مَعَ تَقَدُّمِ تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ أَشَدَّ تَوَقُّفًا قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي السُّبُلِ الْمُرَادُ بِالْمَيْتَةِ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ دَوَابِّهِ مِمَّا لَا يَعِيشُ إِلَّا فِيهِ لَا مَا مَاتَ فِيهِ مُطْلَقًا فَإِنَّهُ وَإِنْ صَدَقَ عَلَيْهِ لُغَةً أَنَّهُ مَيْتَةُ بَحْرٍ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُرَادُ إِلَّا مَا ذَكَرْنَا قَالَ وَظَاهِرُهُ حِلُّ كُلِّ مَا مَاتَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ كَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ انْتَهَى قُلْتُ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حِلِّ غَيْرِ السَّمَكِ مِنْ دَوَابِّ الْبَحْرِ فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ يَحْرُمُ أَكْلُ مَا سِوَى السَّمَكِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُؤْكَلُ كُلُّ مَا فِي الْبَحْرِ إلا الضفدع والتمساح وقال بن أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ يُبَاحُ كُلُّ مَا فِي البحر وذهب جماعة إلى أن ماله نَظِيرٌ مِنَ الْبَرِّ يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَحْرِ مِثْلَ بَقَرِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُؤْكَلُ مَا لَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ مِثْلَ كَلْبِ الْمَاءِ وَخِنْزِيرِ الْمَاءِ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ أَقْوَالٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي حِلِّ السَّمَكِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ فِيمَا كَانَ عَلَى صُورَةِ حَيَوَانِ الْبَرِّ كَالْآدَمِيِّ وَالْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالثُّعْبَانِ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ يَحْرُمُ مَا عَدَا السَّمَكِ وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ الْحِلُّ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَّا الْخِنْزِيرَ فِي رِوَايَةٍ وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُهُ تَعَالَى أُحِلَّ لكم صيد البحر وَحَدِيثُ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ أَخْرَجَهُ مالك وأصحاب السنن وصححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ مَا يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ حَلَالٌ وَمَا لَا فَلَا وَاسْتَثْنَوْا عَلَى الْأَصَحِّ مَا يَعِيشُ فِي الْبَحْرِ وَالْبَرِّ وَهُوَ نَوْعَانِ النَّوْعُ الْأَوَّلُ مَا وَرَدَ فِي مَنْعِ أَكْلِهِ شَيْءٌ يَخُصُّهُ كَالضُّفْدَعِ وَكَذَا اسْتَثْنَاهُ أَحْمَدُ لِلنَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِ وَمِنَ الْمُسْتَثْنَى أَيْضًا التِّمْسَاحُ لِكَوْنِهِ يَعْدُو بِنَابِهِ وَمِثْلُهُ الْقِرْشُ فِي الْبَحْرِ الْمِلْحِ خِلَافًا لِمَا أَفْتَى بِهِ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَالثُّعْبَانُ وَالْعَقْرَبُ وَالسَّرَطَانُ وَالسُّلَحْفَاةُ لِلِاسْتِخْبَاثِ وَالضَّرَرِ اللَّاحِقِ مِنَ السُّمِّ النَّوْعُ الثَّانِي مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ مَانِعٌ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ بِشَرْطِ التَّذْكِيَةِ كَالْبَطِّ وَطَيْرِ الْمَاءِ انْتَهَى كَلَامُ

الحافظ باختصار وقال العيني في عمدة القارىء ص 03 ج 1 وَعِنْدَنَا يُكْرَهُ أَكْلُ مَا سِوَى السمك من دواب البحر كالسلحفاة والضفدع وخنزير الماء واحتجوا بقوله تعالى يحرم عليهم الخبائث وَمَا سِوَى السَّمَكِ خَبِيثٌ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ قَوْلِهِ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَيْتَةِ السَّمَكُ لَا غَيْرُهُ بِدَلِيلِ حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْجَرَادُ وَالْحُوتُ وَأَمَّا الدمان فالطحال والكبد أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَقَالُوا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ إِنَّ الْمُرَادَ مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ مَصِيدَاتُ الْبَحْرِ مِمَّا يُؤْكَلُ وَمِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَالْمُرَادُ مِنْ طَعَامِهِ مَا يُطْعَمُ مِنْ صَيْدِهِ وَالْمَعْنَى أُحِلَّ لَكُمْ الِانْتِفَاعُ بِجَمِيعِ مَا يُصَادُ فِي الْبَحْرِ وَأُحِلَّ لَكُمْ أَكْلُ الْمَأْكُولِ مِنْهُ وَهُوَ السَّمَكُ وَحْدُهُ وَقَالَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى حِلِّ جَمِيعِ مَا فِي الْبَحْرِ مِنْ دَوَابِّهِ مُطْلَقًا أَوْ مُسْتَثْنِيًا بَعْضَهَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى هَذَا إِنَّ الْمُرَادَ بِصَيْدِ الْبَحْرِ مَا صِيدَ مِنَ الْبَحْرِ وَالْمُرَادَ مِنْ طَعَامِهِ مَا قَذَفَهُ الْبَحْرُ وَرَمَاهُ إِلَى السَّاحِلِ وَالْمَعْنَى أُحِلَّ لَكُمْ أَكْلُ جَمِيعِ مَا صِدْتُمْ مِنَ الْبَحْرِ وَمَا قَذَفَهُ الْبَحْرُ قَالَ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ الْمُرَادُ بِالصَّيْدِ مَا صِيدَ مِنَ الْبَحْرِ فَأَمَّا طَعَامُهُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ مَا قَذَفَهُ الْبَحْرُ وَرَمَى بِهِ إِلَى السَّاحِلِ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وعمرو بن عُمَرَ وَأَيُّوبَ وَقَتَادَةَ وَقِيلَ صَيْدُ الْبَحْرِ طَرِيُّهُ وَطَعَامُهُ مَالِحُهُ وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالسُّدِّيِّ وَيُرْوَى عَنِ بن عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ كَالْقَوْلَيْنِ انْتَهَى وَقَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ عُمَرُ صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ وَطَعَامُهُ مَا رَمَى بِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّارِيخِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا قَدِمْتُ الْبَحْرَيْنِ سَأَلَنِي أَهْلُهَا عَمَّا قَذَفَ الْبَحْرُ فَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يَأْكُلُوهُ فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ فَذَكَرَ قِصَّةً قَالَ فَقَالَ عُمَرُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وطعامه فصيده ما صيد وطعامه ما قذف فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ فَاعْلَمْ أَنَّ السَّمَكَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ حَلَالٌ بِلَا شَكٍّ وَأَمَّا غَيْرُ السَّمَكِ مِنْ سَائِرِ دَوَابِّ الْبَحْرِ فَمَا كَانَ مِنْهُ ضَارًّا يَضُرُّ أَكْلُهُ أَوْ مُسْتَخْبَثًا أَوْ وَرَدَ نَصٌّ فِي مَنْعِ أَكْلِهِ فَهُوَ حَرَامٌ وَأَمَّا مَا لَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ صَرِيحٍ أَكْلُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَعَ

وُجُودِهِ فِي ذَلِكَ الْعَهْدِ فَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ فِي عَدَمِ الْأَكْلِ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ قال صاحب العرف الشذي ما لفظ قَالَ مَوْلَانَا مَحْمُودُ حَسَنٍ إِنَّ الْحِلَّ أَيْ فِي قَوْلِهِ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ وَثَبَتَ الْحِلُّ بِمَعْنَى الطَّهَارَةِ كَمَا فِي قِصَّةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ حَلَّتْ بِالصَّهْبَاءِ أَيْ طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضِ انْتَهَى قُلْتُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْحِلِّ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ بِمَعْنَى الطَّاهِرِ غَيْرُ مَحْمُودٍ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ جِدًّا أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِمَّنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ عَلَيْهِمْ الِاعْتِمَادُ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْحِلِّ حَشْوًا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ فَإِنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَمَيْتَتُهُ وَأَمَّا ثَالِثًا فلأن بن عُمَرَ أَحَدُ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَهِمَ هُوَ مِنْ لَفْظِ الْحِلِّ الْحَلَالَ دُونَ الطَّهَارَةِ فَفِي التَّلْخِيصِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ الرحمن بن أبي هريرة أنه سأل بن عمر آكل ما طفى عَلَى الْمَاءِ قَالَ إِنَّ طَافِيَهُ مَيْتَتُهُ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مَاءَهُ طهور وميتته حل فانظر أن بن عُمَرَ أَرَادَ مِنْ لَفْظِ الْحَلَالِ ضِدَّ الْحَرَامِ دُونَ مَعْنَى الطَّاهِرِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ أَدْرَى بِمَعْنَاهُ وَقَالَ أَيْضًا وَالْمُرَادُ بِالْمَيْتَةِ غَيْرُ الْمَذْبُوحِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى حِلِّ الطَّافِي قَالَ وَأَثَرُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي الطَّافِي مُضْطَرِبُ اللَّفْظِ انْتَهَى قُلْتُ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَيْتَةِ غَيْرُ الْمَذْبُوحِ لِئَلَّا يَدُلُّ عَلَى حِلِّ الطَّافِي مِمَّا لَا يُصْغَى إِلَيْهِ فَإِنَّ الطَّافِيَ حَلَالٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ يَدُلُّ عَلَى حِلِّهِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ غَزَوْنَا جَيْشَ الْخَبْطِ وَأُمِّرَ عَلَيْنَا أَبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنَا جُوعًا شَدِيدًا فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَهُمَا فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ بِعُضْوٍ فَأَكَلَهُ قَالَ الْحَافِظُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ إِبَاحَةُ مَيْتَةِ الْبَحْرِ سَوَاءٌ مَاتَ بِنَفْسِهِ أَوْ مَاتَ بِالِاصْطِيَادِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ عُمَرَ صَيْدُهُ مَا اصْطِيدَ وَطَعَامُهُ مَا رَمَى وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الطَّافِي حَلَالٌ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا قَالَ الْحَافِظُ وَصَلَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ عكرمة عن بن

عَبَّاسٍ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ السَّمَكَةُ الطَّافِيَةُ حَلَالٌ زَادَ الطَّحَاوِيُّ لِمَنْ أَرَادَ أَكْلَهُ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن عباس من أَبِي بَكْرٍ إِنَّ اللَّهَ ذَبَحَ لَكُمْ مَا فِي الْبَحْرِ فَكُلُوهُ كُلَّهُ فَإِنَّهُ ذَكِيٌّ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ كَمَا حَقَّقَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إِلَّا مَوْقُوفًا فَقَدْ عَارَضَهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي حِلَّهُ لِأَنَّهُ سَمَكٌ لَوْ مَاتَ فِي الْبَرِّ لَأُكِلَ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ وَلَوْ نَضَبَ عَنْهُ الْمَاءُ أَوْ قَتَلَتْهُ سَمَكَةٌ أُخْرَى فَمَاتَ لَأُكِلَ فَكَذَلِكَ إِذَا مَاتَ وَهُوَ فِي الْبَحْرِ انْتَهَى وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَثَرُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مُضْطَرِبُ اللَّفْظِ فَعَجِيبٌ جِدًّا فَإِنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ أَثَرٌ خِلَافُ قَوْلِهِ الطَّافِي حَلَالٌ أَلْبَتَةَ وَأَمَّا أَثَرُهُ بِلَفْظِ إِنَّ اللَّهَ ذَبَحَ لَكُمْ مَا فِي الْبَحْرِ إِلَخْ فَهُوَ لَيْسَ يُنَافِي أَثَرَهُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن جابر) هو بن عَبْدِ اللَّهِ (وَالْفِرَاسِيِّ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَبِالْمُهْمَلَةِ صَحَابِيٌّ أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْهُ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ حَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الْمُعَافِي بْنِ عِمْرَانَ عَنِ بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا مَا يُخْشَى مِنَ التَّدْلِيسِ أَمَّا حَدِيثُ الْفِرَاسِيِّ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي الباب أيضا عن بن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذَكَرَ أَحَادِيثَهُمْ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَقَدْ صَحَّحَ هذا الحديث غير الترمذي بن المنذر وبن خزيمة وبن حبان والحاكم وبن مِنْدَهْ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عَنْهُ والأربعة وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ فِيمَا حَكَى عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ

قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ (وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الوضوء بماء البحر منهم بن عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو) لَمْ يَقُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ قَالَ الزُّرْقَانِيُّ التَّطْهِيرُ بِمَاءِ الْبَحْرِ حَلَالٌ صَحِيحٌ كَمَا عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ عدم الإجزاء به مزيف أو موءول بِأَنَّهُ أَرَادَ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ عِنْدَهُ (وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ نَارٌ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ أَرَادَ بِهِ طَبَقَ النَّارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَارٍ فِي نَفْسِهِ انْتَهَى وَقِيلَ إِنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ ضار يورث المرض قلت ما قال بن الْعَرَبِيِّ هُوَ الرَّاجِحُ وَهُوَ الظَّاهِرُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ شَكُّوا فِي جَوَازِ الْوُضُوءِ بِمَاءِ الْبَحْرِ قُلْنَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَرْكَبْ الْبَحْرَ إِلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا وَتَحْتَ النَّارِ بَحْرٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنِ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا ظَنُّوا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّطَهُّرُ به وقد روي موقوفا على بن عُمَرَ بِلَفْظِ مَاءُ الْبَحْرِ لَا يُجْزِئُ مِنْ وُضُوءٍ وَلَا جَنَابَةٍ إِنَّ تَحْتَ الْبَحْرِ نَارًا ثُمَّ مَاءً ثُمَّ نَارًا حَتَّى عَدَّ سَبْعَةَ أبحر وسبع أنيار وروى أيضا عن بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ التَّطَهُّرُ بِهِ وَلَا حُجَّةَ فِي أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ لَا سيما إذا عارضت المرفوع والإجماع وحديث بن عُمَرَ الْمَرْفُوعُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ رُوَاتُهُ مَجْهُولُونَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ ضَعَّفُوا إِسْنَادَهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِصَحِيحٍ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الْبَزَّارِ وَفِيهَا لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الطَّهَارَةِ بِمَاءِ الْبَحْرِ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ العلماء إلا بن عبد البر وبن عُمَرَ وَسَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرِوَايَتُهُ تَرُدُّهُ وَكَذَا رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَتَعْرِيفُ الطَّهُورِ بِلَامِ الْجِنْسِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِلْحَصْرِ لَا يَنْفِي طَهُورِيَّةَ غَيْرِهِ مِنَ الْمِيَاهِ لِوُقُوعِ ذَلِكَ جَوَابًا لِسُؤَالِ مَنْ شَكَّ فِي طَهُورِيَّةِ مَاءِ الْبَحْرِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلْحَصْرِ وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ بِالسَّبَبِ وَلَا يُقْصَرُ الْخِطَابُ الْعَامُّ عَلَيْهِ فَمَفْهُومُ الْحَصْرِ الْمُفِيدِ لِنَفْيِ الطَّهُورِيَّةِ عَنْ غَيْرِ مَائِهِ عُمُومٌ مُخَصَّصٌ بِالْمَنْطُوقَاتِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْقَاضِيَةِ بِاتِّصَافِ غيره بها انتهى وقال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَقَوْلُهُمْ

باب التشديد في البول

هُوَ نَارٌ إِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ نَارٌ فِي الْحَالِ فَهُوَ خِلَافُ الْحِسِّ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ يَصِيرُ نَارًا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْوُضُوءَ بِهِ حَالَ كَوْنِهِ مَاءً انْتَهَى 2 - (بَاب التشديد في البول) [70] قوله (عن طاووس) بن كَيْسَانَ الْيَمَانِيِّ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ مَوْلَاهُمْ الفارسي يقال اسمه ذكوان وطاووس لَقَبٌ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ مِنَ الثَّالِثَةِ رَوَى عن أبي هريرة وعائشة وبن عباس وزيد بن ثابت وغيرهم قال طاووس أَدْرَكْتُ خَمْسِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَنْهُ مُجَاهِدٌ وَالزُّهْرِيُّ وخلق قال بن عباس إني لأظن طاووسا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ما رأيت مثله وقال بن حِبَّانَ حَجَّ أَرْبَعِينَ حَجَّةً مَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَمِائَةٍ قَوْلُهُ (مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ) وَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ جَدِيدَيْنِ (فَقَالَ إِنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ) أَيْ إِنَّ صَاحِبَيْ الْقَبْرَيْنِ يُعَذَّبَانِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ أَعَادَ الضَّمِيرَ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ لِأَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَأَنْ يُقَالَ أَعَادَهُ عَلَى الْقَبْرَيْنِ مَجَازًا وَالْمُرَادُ مَنْ فِيهِمَا قَالَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي المقبورين فقيل كانا كافرين وبه حزم أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ مِنْ حديث جابر بسند فيه بن لَهِيعَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ هَلَكَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَسَمِعَهُمَا يُعَذَّبَانِ فِي الْبَوْلِ وَالنَّمِيمَةِ قَالَ أَبُو مُوسَى هَذَا وَإِنْ كَانَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ لَمَا كَانَ لِشَفَاعَتِهِ إِلَى أَنْ تَيْبَسَ الْجَرِيدَتَانِ مَعْنًى وَلَكِنَّهُ لَمَّا رَآهُمَا يُعَذَّبَانِ لَمْ يَسْتَجِزْ لِلُطْفِهِ وَعَطْفِهِ حِرْمَانَهُمَا مِنْ إِحْسَانِهِ فَشَفَعَ لَهُمَا إِلَى الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْحَافِظُ الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ أَبُو مُوسَى ضَعِيفٌ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ فِيهِ سَبَبُ التَّعْذِيبِ فهو من تخليط بن لَهِيعَةَ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَا أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِمَا كَافِرَيْنِ فِيهِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَجْمُوعِ طُرُقِهِ أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ مَرَّ بِقَبْرَيْنِ جَدِيدَيْنِ فَانْتَفَى كَوْنُهُمَا فِي الجاهلية

وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِالْبَقِيعِ فَقَالَ من دفنتم اليوم ها هنا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ لِأَنَّ الْبَقِيعَ مَقْبَرَةُ الْمُسْلِمِينَ وَالْخِطَابُ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ جَرَيَانِ الْعَادَةِ بِأَنَّ كُلَّ فَرِيقٍ يَتَوَلَّاهُ مَنْ هُوَ مِنْهُمْ وَيُقَوِّي كَوْنَهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ رِوَايَةُ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَبَلَى وَمَا يُعَذَّبَانِ إِلَّا فِي الْغِيبَةِ وَالْبَوْلِ فَهَذَا الْحَصْرُ يَنْفِي كَوْنَهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ لِأَنَّ الْكَافِرَ وَإِنْ عُذِّبَ عَلَى تَرْكِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْكُفْرِ بِلَا خِلَافٍ انْتَهَى (وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ) أَيْ فِي أَمْرٍ كَانَ يكبر عليهما ويشق فعله لو أراده لَا أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ غَيْرُ كَبِيرٍ كَيْفَ وَهُمَا يُعَذَّبَانِ فِيهِ فَإِنَّ عَدَمَ التَّنَزُّهِ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَالنَّمِيمَةَ سَعْيٌ بِالْفَسَادِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ والمجمع وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ أَيْ إِنَّهُ سَهْلٌ يَسِيرٌ عَلَى مَنْ يُرِيدُ التَّوَقِّيَ عَنْهُ وَلَا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ صَغِيرٌ مِنَ الذُّنُوبِ غَيْرُ كَبِيرٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْحَدِيثِ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ إِنَّهُ لَكَبِيرٌ عَلَى كِبَرِ الذَّنْبِ وَقَوْلُهُ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ عَلَى سُهُولَةِ الدَّفْعِ وَالِاحْتِرَازِ وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ أَيْ لَا يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَوْلِهِ سُتْرَةً يَعْنِي لَا يَتَحَفَّظُ مِنْهُ وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ لَا يَسْتَتِرُ وَقَدْ وَقَعَ لِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ كَانَ لَا يَتَوَقَّى وَهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِلْمُرَادِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنْ مُلَابَسَةِ الْبَوْلِ وَيَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ هِيَ نَقْلُ كَلَامِ الْغَيْرِ بِقَصْدِ الْإِضْرَارِ وَهِيَ مِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هِيَ نَقْلُ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْمٍ إِلَى قَوْمٍ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ والشر وقد تم الْحَدِيثَ يَنِمُّهُ وَيَنُمُّهُ نَمًّا فَهُوَ نَمَّامٌ وَالِاسْمُ النَّمِيمَةُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ) أَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ في الأوسط بمعنى حديث الباب وأخرجه بن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنَ الْبَوْلِ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبول قاعدا قد جافى بين فخديه حَتَّى جَعَلْتُ آوِيَ لَهُ مِنْ طُولِ الْجُلُوسِ الْحَدِيثَ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ وَكَانَ كَثِيرَ الْخَطَأِ وَالْغَلَطِ وَيُنَبَّهُ عَلَى غَلَطِهِ فَلَا يَرْجِعُ وَيَحْتَقِرُ الْحُفَّاظَ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ عبد الرحمن بن حسنة فأخرجه بن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ

الزَّوَائِدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَرَوَى مَنْصُورٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مجاهد عن بن عباس) منصور هذا هو بن الْمُعْتَمِرِ (وَرِوَايَةُ الْأَعْمَشِ أَصَحُّ) أَيْ رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ بذكر طاووس بين مجاهد وبن عَبَّاسٍ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْصُورٍ ثُمَّ بَيَّنَ التِّرْمِذِيُّ وَجْهَ كَوْنِهَا أَصَحَّ بِقَوْلِهِ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ إِلَخْ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَإِخْرَاجُهُ لَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ يَقْتَضِي صِحَّتَهُمَا عِنْدَهُ فيحمل على أن مجاهد اسمعه من طاووس عن بن عباس ثم سمعه من بن عَبَّاسٍ بِلَا وَاسِطَةٍ أَوْ الْعَكْسَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ في سياقه عن طاووس زيادة على ما في روايته عن بن عباس وصرح بن حِبَّانَ بِصِحَّةِ الطَّرِيقَيْنِ مَعًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ أَصَحُّ انْتَهَى قُلْتُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا إِنَّ رِوَايَةَ الْأَعْمَشِ أَصَحُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا أَيُّهُمَا أَصَحُّ فَقَالَ رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ أَصَحُّ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُ مَنْ قَالَ بِصِحَّةِ الطَّرِيقَيْنِ أَنَّ شُعْبَةَ بْنَ الْحَجَّاجِ رَوَاهُ عَنِ الأعمش كما رواه منصور ولم يذكر طاووسا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبَانٍ) بِفَتْحِ هَمْزَةٍ وَخِفَّةِ مُوَحَّدَةٍ وَبِنُونٍ بِالصَّرْفِ وَتَرْكِهِ وَالصَّرْفُ هُوَ الْمُخْتَارُ كَذَا فِي الْمُغْنِي وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ هَذَا لَقَبُهُ حَمْدَوَيْهَ وَكَانَ مستملى وكيع ثقة حافظ روى عن بن عُيَيْنَةَ وَغُنْدُرٍ وَطَبَقَتِهِمَا وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ والترمذي والنسائي وبن ماجه وغيرهم قال بن حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ جَمَعَ وَصَنَّفَ مَاتَ بِبَلْخٍ سَنَةَ 144 أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ

باب ما جاء في نضح بول الغلام قبل أن يطعم

53 - (بَاب مَا جَاءَ فِي نَضْحِ بَوْلِ الْغُلَامِ قَبْلَ أَنْ يُطْعَمَ) [71] قَوْلُهُ (عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ المهملتين آخره نُونٌ هِيَ أُخْتُ عُكَّاشَةَ صَحَابِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ طَالَ عُمُرُهَا بِدَعْوَةٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُعْلَمُ أَنَّ امْرَأَةً عَمَّرَتْ مَا عَمَّرَتْ قَوْلُهُ (لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ) صِفَةٌ لِابْنٍ (فَبَالَ عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَشَّهُ عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ نَضَحَ بِالْمَاءِ قَالَ الْحَافِظُ وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَيْ بَيْنَ نَضَحَ وَرَشَّ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ الِابْتِدَاءَ كَانَ بِالرَّشِّ وَهُوَ تَنْقِيطُ الْمَاءِ وَانْتَهَى إِلَى النَّضْحِ وَهُوَ صَبُّ الْمَاءِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ هِشَامٍ فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ وَلِأَبِي عَوَانَةَ فَصَبَّهُ عَلَى الْبَوْلِ يُتْبِعُهُ إِيَّاهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفي الباب عن علي وعن عائشة وَزَيْنَبَ وَلُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ وَهِيَ أُمُّ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبِي السَّمْحِ وعبد الله بن عمرو وأبي ليلى وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلَفْظُهُ يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ وَبَعْضُهُمْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ قَالَهُ الْحَافِظُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَلَفْظُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيَدْعُو لَهُمْ فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ زَادَ مُسْلِمٌ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْنَبَ وَهِيَ بِنْتُ جَحْشٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مُطَوَّلًا وَفِيهِ أَنَّهُ يُصَبُّ مِنَ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ مِنَ الْجَارِيَةِ وَفِي إِسْنَادِهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ

وأما حديث لبابة فأخرجه أبو داود وبن ماجه وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْكَجِّيُّ فِي سُنَنِهِ وَلَفْظُهُ قَالَتْ كَانَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَالَ عَلَيْهِ فَقُلْتُ الْبَسْ ثَوْبًا وَأَعْطِنِي إِزَارَكَ حَتَّى أَغْسِلَهُ قَالَ إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ وَالطَّحَاوِيُّ أَيْضًا مِنْ وَجْهَيْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي السَّمْحِ فَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ كُنْتُ أَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُرَشُّ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ وَأَبُو السَّمْحِ لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ كَذَا قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَقِيلَ اسْمُهُ إِيَادٌ أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ فَنَضَحَهُ وَأُتِيَ بِجَارِيَةٍ فَبَالَتْ عَلَيْهِ فَغَسَلَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي لَيْلَى فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ في شرح الآثار وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ قَالَ أَصَابَ ثَوْبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِلْدَهُ بَوْلُ صَغِيرٍ وَهُوَ صَغِيرٌ فَصَبَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ بِقَدْرِ مَا كَانَ مِنَ الْبَوْلِ قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ أَصَحُّهَا الِاكْتِفَاءُ بِالنَّضْحِ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ لَا الْجَارِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ والزهري وإسحاق وبن وَهْبٍ وَغَيْرِهِمْ وَالثَّانِي يَكْفِي النَّضْحُ فِيهِمَا وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَخَصَّصَ بن العربي النقل في هذا بماإذا كَانَا لَمْ يَدْخُلْ أَجْوَافَهُمَا شَيْءٌ أَصْلًا وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ وَبِهِ قَالَ الحنفية والمالكية قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ اتَّبَعُوا فِي ذَلِكَ الْقِيَاسَ وَقَالُوا الْمُرَادُ بِقَوْلِهَا وَلَمْ يَغْسِلْهُ أَيْ غَسْلًا مُبَالَغًا فِيهِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيُبْعِدُهُ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ فَإِنَّهُمْ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا قَالَ وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَهُمَا أَوْجُهٌ مِنْهَا مَا هُوَ رَكِيكٌ وَأَقْوَى ذَلِكَ مَا قِيلَ إِنَّ النُّفُوسَ أَعْلَقُ بِالذُّكُورِ مِنْهَا بِالْإِنَاثِ يَعْنِي فَحَصَلَتِ الرُّخْصَةُ فِي الذُّكُورِ لِكَثْرَةِ الْمَشَقَّةِ انْتَهَى قُلْتُ احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ الْقَائِلُونَ بِالِاكْتِفَاءِ بِالنَّضْحِ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ لَا الْجَارِيَةِ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ

وَهِيَ نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ وَأَمَّا الْمَذْهَبُ الثَّانِي فَلَمْ أَقِفْ عَلَى دَلِيلِهِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّهُ وَأَمَّا الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَبَوْلِ الصَّبِيَّةِ فِي النَّجَاسَةِ فَهُمَا نَجِسَانِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ وَأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّشِّ وَالنَّضْحِ فِيهِمَا الْغَسْلُ فَإِنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ النَّضْحُ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ وَكَذَلِكَ قَدْ يُذْكَرُ الرَّشُّ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَكَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ أَيْ الْمَذْيَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَلْيَنْضَحْ الْغَسْلُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَوَقَعَ فيه بغسل ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ ذَكَرَ النَّضْحَ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ كُنْتُ أَلْقَى مِنَ الْمَذْيِ شِدَّةً وَكُنْتُ أُكْثِرُ مِنْهُ الْغَسْلَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ فَقَالَ يَكْفِيَكَ أَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحَ بِهِ مِنْ ثَوْبِكَ حَيْثُ يُرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ فَإِنَّ المراد بالنضح ها هنا الْغَسْلُ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ الرَّشَّ قَدْ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ فَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرُصِيهِ ثُمَّ رُشِّيهِ وَصَلِّي فِيهِ أَرَادَ اغْسِلِيهِ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ النَّضْحَ وَالرَّشَّ يُذْكَرَانِ وَيُرَادُ بِهِمَا الْغَسْلُ وَجَبَ حَمْلُ مَا جَاءَ فِي الْبَابِ مِنَ النَّضْحِ وَالرَّشِّ عَلَى الْغَسْلِ هَكَذَا أَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ قَدْ يُذْكَرُ النَّضْحُ وَيُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ وَكَذَلِكَ الرَّشُّ لَكِنْ هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَانِعٌ يَمْنَعُ مِنْهُ بَلْ يَكُونُ هُنَاكَ دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالنَّضْحِ أَوْ الرَّشِّ الْغَسْلُ كَمَا فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ وَحَدِيثِ أَسْمَاءَ الْمَذْكُورَيْنِ وَأَمَّا فيما نحن فيه فليس ها هنا دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى أَنْ يُرَادَ بِالرَّشِّ أَوْ النضح الغسل بل ها هنا دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ إِرَادَةِ الْغَسْلِ فَفِي حَدِيثِ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَقَوْلُهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّضْحِ أَوْ الرَّشِّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ الْغَسْلَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ إِنَّمَا يُغْسَلُ مِنْ بَوْلِ الْأُنْثَى وَيُنْضَحُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ فِي جَوَابِ لُبَابَةَ حِينَ قَالَتِ الْبَسْ ثَوْبًا وَأَعْطِنِي إِزَارَكَ حَتَّى أَغْسِلَهُ أَيْضًا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرَدْ بِالنَّضْحِ أَوْ الرَّشِّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ الْغَسْلُ وَأَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّضْحِ الْغَسْلَ وَإِلَّا لَكَانَ الْمَعْنَى يُغْسَلُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ وَهُوَ كَمَا تَرَى فَجَوَابُهُمْ بِأَنَّ مَا جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنَ النَّضْحِ وَالرَّشِّ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَسْلِ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنْ قِيلَ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ الْمُرَادُ بِالنَّضْحِ وَالرَّشِّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ الْغَسْلُ

مِنْ غَيْرِ عَرْكٍ وَبِالْغَسْلِ الْغَسْلُ بِعَرْكٍ أَوْ الْمُرَادُ بِهِمَا الْغَسْلُ مِنْ غَيْرِ مُبَالَغَةٍ فِيهِ وَبِالْغَسْلِ الْغَسْلُ بِالْمُبَالَغَةِ فِيهِ قُلْنَا قَوْلُهُمْ هَذَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ ظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ يُبْطِلُهُ فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ بِالرَّشِّ وَالنَّضْحِ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ الصَّبُّ وَإِتْبَاعُ الْمَاءِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ هِشَامٍ فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ وَلِأَبِي عَوَانَةَ فَصَبَّهُ عَلَى الْبَوْلِ يَتْبَعُهُ إِيَّاهُ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِلَفْظِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ إِنَّمَا يُصَبُّ عَلَى بَوْلِ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي لَيْلَى عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ فَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَإِتْبَاعُ الْمَاءِ وَالصَّبُّ نَوْعٌ مِنَ الْغَسْلِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَسْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ عَذِرَةٌ فَأَتْبَعَهَا الْمَاءَ حَتَّى ذَهَبَ بِهَا أَنَّ ثَوْبَهُ قَدْ طَهُرَ انْتَهَى فَثَبَتَ أَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ وَبَوْلَ الْجَارِيَةِ هُمَا سَوَاءٌ فِي وُجُوبِ الْغَسْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ قُلْنَا سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّضْحِ وَالرَّشِّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ إِتْبَاعُ الْمَاءِ وَالصَّبُّ لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مُطْلَقَ الصَّبِّ وَإِتْبَاعِ الْمَاءِ نَوْعٌ مِنَ الْغَسْلِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَسْلِ أَلَا تَرَى أَنَّ رَجُلًا لَوْ أَصَابَ ثَوْبَهُ عَذِرَةٌ فَأَتْبَعَهَا الْمَاءَ وَصَبَّ عَلَيْهِ لَكِنْ لَمْ يَذْهَبْ بِهَا لَا يَطْهُرُ ثَوْبُهُ وَقَدْ وُجِدَ إِتْبَاعُ الْمَاءِ وَالصَّبُّ وَالْعَجَبُ مِنَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ كَيْفَ قَالَ إِتْبَاعُ الْمَاءِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَسْلِ وَقَدْ رَوَى هُوَ حَدِيثَ عَائِشَةَ بِلَفْظِ فَأَتْبَعَهُ الْمَاءَ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَأَيْضًا رَوَاهُ بِلَفْظِ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَأَيْضًا رَوَى هُوَ حَدِيثَ أُمِّ قَيْسٍ بِلَفْظِ فَدَعَا فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ النَّضْحُ أَوْ الرَّشُّ أَوْ الصَّبُّ أَوْ إِتْبَاعُ الْمَاءِ مُقَيَّدًا بِالذَّهَابِ بِالْبَوْلِ أَوْ بِأَثَرِ الْبَوْلِ أَعْنِي لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثٍ فَصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتَّى ذَهَبَ بِهِ أَوْ حَتَّى ذَهَبَ بِأَثَرِهِ أَوْ فَنَضَحَهُ أَوْ رَشَّهُ حَتَّى ذَهَبَ بِهِ أَوْ بِأَثَرِهِ بَلْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُطْلَقَةً وَأَيْضًا لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بيان مقدار الماء إلا في حديث بن عَبَّاسٍ فَفِيهِ فَصَبَّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ بِقَدْرِ مَا كَانَ مِنَ الْبَوْلِ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ ثُمَّ الظَّاهِرُ مِنْ صَبِّ الْمَاءِ عَلَى الْبَوْلِ بِقَدْرِهِ أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَتَأَمَّلْ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ بَوْلُ الْغُلَامِ نَجِسٌ فَنَجَاسَتُهُ هِيَ مُوجِبَةٌ لِحَمْلِ النَّضْحِ وَالرَّشِّ وَصَبِّ الْمَاءِ وَإِتْبَاعِ الْمَاءِ عَلَى الْغَسْلِ فَإِنَّ الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ إِذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَيَّةُ نَجَاسَةٍ كَانَتْ لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ قُلْنَا نَجَاسَةُ بَوْلِ الْغُلَامِ لَا تُوجِبُ حَمْلَ النَّضْحِ وَالرَّشِّ وَغَيْرَهُمَا عَلَى الْغَسْلِ وَقَوْلُكُمْ إِنَّ

الثَّوْبَ أَوْ الْبَدَنَ إِذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ أَيَّةُ نَجَاسَةٍ كَانَتْ لَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ مَمْنُوعٌ أَلَا تَرَوْنَ أَنَّ الثَّوْبَ إِذَا أَصَابَهُ الْمَنِيُّ وَيَبِسَ كَفَى لِطَهَارَتِهِ الْفَرْكُ وَلَا يَجِبُ الْغَسْلُ مَعَ أَنَّ الْمَنِيَّ الْيَابِسَ نَجِسٌ كَمَا أَنَّ الْمَنِيَّ الرَّطْبَ نَجِسٌ فَنَقُولُ بَوْلُ الْغُلَامِ إِذَا أَصَابَ الْبَدَنَ أَوْ الثَّوْبَ كَفَى لِطَهَارَتِهِ النَّضْحُ وَالرَّشُّ وَلَا يَجِبُ الْغَسْلُ وَأَمَّا بَوْلُ الْجَارِيَةِ إِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ فَلَا يَطْهُرُ إِلَّا بِالْغَسْلِ مَعَ أَنَّ بَوْلَ الْغُلَامِ نَجِسٌ كَمَا أَنَّ بَوْلَ الْجَارِيَةِ نَجِسٌ فَتَفَكَّرْ فَإِنْ قِيلَ إِنَّ بَيْنَ الْمَنِيِّ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ فَرْقًا بِالرُّطُوبَةِ وَالْيُبُوسَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَبَوْلِ الْغُلَامِ بِوَجْهٍ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَوْلِ الْغُلَامِ وَبَوْلِ الْجَارِيَةِ بِوَجْهٍ قَالَ الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَأَمَّا غَسْلُ الثَّوْبِ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيَّةِ وَنَضْحُهُ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ إِذَا لَمْ يَطْعَمَا فَهَذَا لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُمَا يُغْسَلَانِ جَمِيعًا وَالثَّانِي يُنْضَحَانِ وَالثَّالِثُ التَّفْرِقَةُ وَهُوَ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَهَذَا مِنْ مَحَاسِنِ الشَّرِيعَةِ وَتَمَامِ حِكْمَتِهَا وَمَصْلَحَتِهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا كَثْرَةُ حَمْلِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلذَّكَرِ فَتَعُمُّ الْبَلْوَى بِبَوْلِهِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ غَسْلُهُ وَالثَّانِي أَنَّ بَوْلَهُ لَا يَنْزِلُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ بَلْ ينزل متفرقا ها هنا وههنا فَيَشُقُّ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ كُلَّهُ بِخِلَافِ بَوْلِ الْأُنْثَى الثَّالِثُ أَنَّ بَوْلَ الْأُنْثَى أَخْبَثُ وَأَنْتَنُ مِنْ بَوْلِ الذَّكَرِ وَسَبَبُهُ حَرَارَةُ الذَّكَرِ وَرُطُوبَةُ الْأُنْثَى فَالْحَرَارَةُ تُخَفِّفُ مِنْ نَتْنِ الْبَوْلِ وَتُذِيبُ مِنْهَا مَا يَحْصُلُ مِنْ رُطُوبَةٍ وَهَذِهِ مَعَانٍ مُؤَثِّرَةٌ يَحْسُنُ اعْتِبَارُهَا فِي الْفَرْقِ انْتَهَى كَلَامُهُ فَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ أَصَحَّ الْمَذَاهِبِ وَأَقْوَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ مَذْهَبُ مَنْ قَالَ بِالِاكْتِفَاءِ بِالنَّضْحِ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ وَبِوُجُوبِ الْغَسْلِ فِي بَوْلِ الجارية والله تعالى أعلم قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا لَفْظُهُ فَرَدَّتْ هَذِهِ السُّنَنُ بِقِيَاسٍ مُتَشَابِهٍ عَلَى بَوْلِ الشَّيْخِ وَبِعُمُومٍ لَمْ يَرِدْ بِهِ هَذَا الْخَاصُّ وَهُوَ قَوْلُهُ إِنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ أَرْبَعٍ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالْمَنِيِّ وَالدَّمِ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ لَا أَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ غَيْرُ ثَابِتِ بْنِ حَمَّادٍ وَأَحَادِيثُهُ مَنَاكِيرُ وَمَعْلُولَاتٌ وَلَوْ صَحَّ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالْحَدِيثَيْنِ وَلَا يُضْرَبُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَيَكُونُ الْبَوْلُ فِيهِ مَخْصُوصًا بِبَوْلِ الصَّبِيِّ كَمَا خَصَّ مِنْهُ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِأَحَادِيثَ دُونَ هَذِهِ فِي الصِّحَّةِ وَالشُّهْرَةِ انْتَهَى

باب ما جاء في بول ما يؤكل لحمه

قَوْلُهُ (وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا فَإِذَا طَعِمَا غُسِلَا جَمِيعًا) لِحَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَوْلُ الْغُلَامِ الرَّضِيعِ يُنْضَحُ وَبَوْلُ الْجَارِيَةِ يُغْسَلُ قَالَ قَتَادَةُ وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا فَإِذَا طَعِمَا غُسِلَا جَمِيعًا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ بَوْلُ الْغُلَامِ الرَّضِيعِ هَذَا تَقْيِيدٌ لِلَفْظِ الْغُلَامِ بِكَوْنِهِ رَضِيعًا وَهَكَذَا يَكُونُ تَقْيِيدًا لِلَفْظِ الصَّبِيِّ وَالصَّغِيرِ وَالذَّكَرِ الْوَارِدَةِ فِي بَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا قَالَ يغسل بول الجارية ينضح وبول الْغُلَامِ مَا لَمْ يَطْعَمْ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ قَالَتْ إِنَّهَا أَبْصَرَتْ أُمَّ سَلَمَةَ تَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى بَوْلِ الْغُلَامِ مَا لَمْ يَطْعَمْ فَإِذَا طَعِمَ غَسَلَتْهُ وَكَانَتْ تَغْسِلُ بَوْلَ الْجَارِيَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ سَنَدُهُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهَا مَوْقُوفًا أَيْضًا وَصَحَّحَهُ انْتَهَى وَفِي حَدِيثِ أُمِّ قَيْسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ دَخَلْتُ بِابْنٍ لِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ مَا عَدَا اللَّبَنَ الَّذِي يَرْتَضِعُهُ وَالتَّمْرَ الَّذِي يُحَنَّكُ بِهِ وَالْعَسَلَ الَّذِي يَلْعَقُهُ لِلْمُدَاوَاةِ وَغَيْرِهَا فَكَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الِاغْتِذَاءُ بِغَيْرِ اللَّبَنِ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ النَّوَوِيِّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَأَطْلَقَ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِأَصْلِهَا أَنَّهُ لَمْ يَطْعَمْ وَلَمْ يَشْرَبْ غَيْرَ اللَّبَنِ وَقَالَ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَأْكُلْ غَيْرَ اللَّبَنِ وَغَيْرَ مَا يُحَنَّكُ بِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ وحمل الموفق الحموي في شرح التنبيه قول ما لم يأكل على ظاهر فَقَالَ مَعْنَاهُ لَمْ يَسْتَقِلَّ بِجَعْلِ الطَّعَامِ فِي فيه والأول أظهر وبه جزم الموفق بن قدامة وغيره وقال بن التِّينِ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّهُ لَمْ يَتَقَوَّتْ بِالطَّعَامِ وَلَمْ يَسْتَغْنِ بِهِ عَنِ الرَّضَاعِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا إِنَّمَا جَاءَتْ بِهِ عِنْدَ وِلَادَتِهِ لِيُحَنِّكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُحْمَلُ النَّفْيُ عَلَى عُمُومِهِ انْتَهَى 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ) [72] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ) أَبُو عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ عن بن عُيَيْنَةَ وَعُبَيْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ مَاتَ فِي بَعْضِ سَنَةِ 062 سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ (نَا عَفَّانُ بْنُ مسلم) بن عَبْدِ اللَّهِ الْبَاهِلِيُّ أَبُو عُثْمَانَ الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ ثقة ثبت قال بن الْمَدِينِيِّ كَانَ إِذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ مِنَ الحديث تركه وربما وهم وقال بن مَعِينٍ أَنْكَرْنَاهُ فِي صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمَاتَ بَعْدَهَا بِيَسِيرٍ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ اخْتَلَطَ سَنَةَ 91 تِسْعَ عَشْرَةَ وَمَاتَ سَنَةَ 022 عِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ

ومطين انتهى (نا حماد بن سلمة) بن دِينَارٍ الْبَصْرِيُّ أَبُو سَلَمَةَ ثِقَةٌ عَابِدٌ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي ثَابِتٍ وَتَغَيَّرَ حِفْظُهُ مِنْ كِبَارِ الثَّامِنَةِ رَوَى عَنْ ثَابِتٍ وَسِمَاكٍ وَقَتَادَةَ وَحُمَيْدٍ وخلق وعنه بن جريج وبن إِسْحَاقَ شَيْخَاهُ وَشُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَأُمَمٌ قَالَ الْقَطَّانُ إِذَا رَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقَعُ فِي حَمَّادٍ فَاتَّهِمْهُ عَلَى الْإِسْلَامِ تُوُفِّيَ 167 سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ فَائِدَةٌ إِذَا رَوَى عَفَّانُ عَنْ حَمَّادٍ غَيْرَ منسوب فهو بن سَلَمَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ (أَنَا حُمَيْدٌ وقتادة وثابت) أما حميد فهو بن أَبِي حُمَيْدٍ الطَّوِيلُ أَبُو عُبَيْدَةَ الْبَصْرِيُّ اخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِيهِ عَلَى عَشْرَةِ أَقْوَالٍ ثِقَةٌ مُدَلِّسٌ عَابَهُ زَائِدَةُ لِدُخُولِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْأُمَرَاءِ قَالَ الْقَطَّانُ مَاتَ حُمَيْدٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي مَاتَ سَنَةَ 142 اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وأما قتادة فهو بن دعامة وأما ثابت فهو بن أَسْلَمَ الْبُنَانِيُّ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَنُونَيْنِ مُخَفَّفَيْنِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ قَوْلُهُ (أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ) بِالْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالنُّونِ مُصَغَّرًا حَيٌّ مِنْ قُضَاعَةَ وَحَيٌّ مِنْ بَجِيلَةَ وَالْمُرَادُ ها هنا الثَّانِي كَذَا ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَدِمُوا) بِكَسْرِ الدَّالِ أي نزلوا وجاؤوا (فَاجْتَوَوْهَا) مِنَ الِاجْتِوَاءِ أَيْ كَرِهُوا هَوَاءَ الْمَدِينَةِ وماءها قال بن فَارِسٍ اجْتَوَيْتَ الْبَلَدَ إِذَا كَرِهْتَ الْمُقَامَ فِيهِ وَإِنْ كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ وَقَيَّدَهُ الْخَطَّابِيُّ بِمَا إِذَا تَضَرَّرَ بِالْإِقَامَةِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِهَذِهِ الْقِصَّةِ وَقَالَ الْقَزَّازُ اجْتَوَوْا أَيْ لَمْ يُوَافِقْهُمْ طَعَامُهَا وقال بن الْعَرَبِيِّ دَاءٌ يَأْخُذُ مِنَ الْوَبَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى اسْتَوْخَمُوا قَالَ وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ غَيْرُهُ دَاءٌ يُصِيبُ الْجَوْفَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ فَعَظُمَتْ بُطُونُهُمْ (وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ) مِنَ السُّوقِ وَهُوَ السَّيْرُ الْعَنِيفُ أَيْ سَاقُوهَا بِمُبَالَغَةٍ بَلِيغَةٍ وَاهْتِمَامٍ تَامٍّ (فَقَطَعَ أيديهم وأرجلهم) أي أمر بقطعهما وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَمَرَ فَقُطِعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ (مِنْ خِلَافٍ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّهُ قَطَعَ يَدَيْ كُلِّ وَاحِدٍ وَرِجْلَيْهِ (وَسَمَرَ أَعْيُنَهُمْ) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ قَلَمِيَّةٍ وَسَمَلَ بِاللَّامِ قال الخطابي السمل فقأ العين بأي شيء كان قال أبو ذئب الْهُذَلِيُّ وَالْعَيْنُ بَعْدَهُمْ كَأَنَّ حِدَاقَهَا سُمِلَتْ بِشَوْكٍ فَهِيَ عُورٌ تَدْمَعُ قَالَ وَالسَّمْرُ لُغَةٌ فِي السَّمْلِ وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الْمِسْمَارِ يُرِيدُ أَنَّهُمْ كُحِّلُوا بِأَمْيَالٍ قَدْ أُحْمِيَتْ قَالَ

الحافظ قد وقع التصريح بالمراد عِنْدَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ مِنْ رِوَايَةِ وُهَيْبٍ عَنْ أَيُّوبَ وَمِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَلَفْظُهُ ثُمَّ أَمَرَ بِمَسَامِيرَ فَأُحْمِيَتْ فَكَحَّلَهُمْ بِهَا فَهَذَا يُوَضِّحُ مَا تَقَدَّمَ وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ رِوَايَةُ السَّمْلِ لِأَنَّهُ فقأ الْعَيْنِ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ كَمَا مَضَى انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (وَأَلْقَاهُمْ بِالْحَرَّةِ) هِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ مَعْرُوفَةٌ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا أَلْقَاهُمْ فِيهَا لِأَنَّهَا قُرْبُ الْمَكَانِ الَّذِي فَعَلُوا فِيهِ مَا فَعَلُوا (يَكُدُّ الْأَرْضَ) أَيْ يَحُكُّهَا وَالْكَدُّ الْحَكُّ (يَكْدُمُ الْأَرْضَ) أَيْ يَعَضُّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا لَا بَأْسَ بِبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَطَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَوَافَقَهُمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بن خزيمة وبن المنذر وبن حِبَّانَ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ إِلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَةِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ كُلِّهَا مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ قَالَهُ الْحَافِظُ قُلْتُ وَذَهَبَ إِلَى طَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ بَوْلِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ الْبَابِ أَمَّا مِنَ الْإِبِلِ فَبِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ فَبِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَعُورِضُوا بِأَنَّهُ أُذِنَ لَهُمْ فِي شُرْبِهَا لِلتَّدَاوِي وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ التَّدَاوِي لَيْسَ حَالَ ضَرُورَةٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فَكَيْفَ يُبَاحُ الْحَرَامُ لِمَا لَا يَجِبُ وَأُجِيبُ بِمَنْعِ أَنَّهُ لَيْسَ حَالَ ضَرُورَةٍ إِذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ مَنْ يَعْتَمِدُ عَلَى خَبَرِهِ وَمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ لَا يُسَمَّى حَرَامًا وَقْتَ تَنَاوُلِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضطررتم إليه فَمَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ الْمَرْءُ فَهُوَ غَيْرُ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ كَالْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْحَافِظُ بعد نقل كلام بن الْعَرَبِيِّ هَذَا وَمَا تَضَمَّنَهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ الْحَرَامَ لَا يُبَاحُ إِلَّا لِأَمْرٍ وَاجِبٍ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ حَرَامٌ وَمَعَ ذَلِكَ فَيُبَاحُ لِأَمْرٍ جَائِزٍ كَالسَّفَرِ

وَأَمَّا قَوْلُ غَيْرِهِ لَوْ كَانَ نَجِسًا مَا جَازَ التَّدَاوِي بِهِ لِحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَ أُمَّتِي فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْهَا وَالنَّجِسُ حَرَامٌ فَلَا يُتَدَاوَى بِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ شِفَاءٍ فَجَوَابُهُ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَأَمَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ فَلَا يَكُونُ حَرَامًا كَالْمَيْتَةِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَرِدُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ إِنَّهَا دَاءٌ فِي جَوَابِ مَنْ سَأَلَ عَنِ التَّدَاوِي بِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْخَمْرِ وَيَلْتَحِقُ بِهَا غَيْرُهَا مِنَ الْمُسْكِرِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْكِرِ وبين غيره من النجاسات أن الحديث ثبت بِاسْتِعْمَالِهِ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ دُونَ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ شُرْبَهُ يَجُرُّ إِلَى مَفَاسِدَ كَثِيرَةٍ وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي الْخَمْرِ شِفَاءً فَجَاءَ الشَّرْعُ بِخِلَافِ مُعْتَقَدِهِمْ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ بِمَعْنَاهُ وأما أبوال الابل فقد روى بن المنذر عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إِنَّ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ شِفَاءً لِذَرِبَةِ بُطُونِهِمْ وَالذَّرَبُ فَسَادُ الْمَعِدَةِ فَلَا يُقَاسُ مَا ثَبَتَ أَنَّ فِيهِ دَوَاءً عَلَى مَا ثَبَتَ نَفْيُ الدَّوَاءِ عَنْهُ وَبِهَذِهِ الطَّرِيقِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهَا كُلِّهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَمِنْهَا أَحَادِيثُ الْإِذْنِ بِالصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَأُجِيبُ عَنْهَا بِأَنَّهَا لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى جَوَازِ الْمُبَاشَرَةِ وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْإِذْنِ بِالصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ مُطْلَقَةٌ لَيْسَ فِيهَا تَخْصِيصُ مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ وَلَا تَقْيِيدٌ بِحَائِلٍ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِإِطْلَاقِهَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهَا بِحَائِلٍ وَبِغَيْرِ حَائِلٍ وفي كل موضع منها قال الحافظ بن تَيْمِيَّةَ فَإِذَا أُطْلِقَ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَشْتَرِطْ حَائِلًا يَقِي مِنَ الْأَبْوَالِ وَأُطْلِقَ الْإِذْنُ فِي الشُّرْبِ لِقَوْمٍ حَدِيثِي الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ جَاهِلِينَ بِأَحْكَامِهِ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِغَسْلِ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا يُصِيبُهُمْ مِنْهَا لِأَجْلِ صَلَاةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا مَعَ اعْتِيَادِهِمْ شُرْبَهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ الْقَائِلِينَ بِالطَّهَارَةِ انْتَهَى كَذَا نَقَلَ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلَهُ هَذَا فِي النَّيْلِ وَمِنْهَا حَدِيثُ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا لَا بَأْسَ بِبَوْلِ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ وَحَدِيثُ جَابِرٍ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ وَهُمَا ضَعِيفَانِ لَا يَصْلُحَانِ لِلِاحْتِجَاجِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعِيفٌ جِدًّا انْتَهَى وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ الْأَبْوَالِ وَالْأَرْوَاثِ كُلِّهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ كَمَا عَرَفْتَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عامة عذاب

القبر منه صححه بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ قَالُوا هَذَا الْحَدِيثُ بِعُمُومِهِ ظَاهِرٌ في تناول جميع الأبوال فيحب اجتنابها لهذا الوعيد وبحديث بن عَبَّاسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ الْحَدِيثَ قَالُوا فَعَمَّ جِنْسَ الْبَوْلِ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِبَوْلِ الْإِنْسَانِ وَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَوْلُ الْإِنْسَانِ لِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ انْتَهَى فَالتَّعْرِيفُ فِي الْبَوْلِ لِلْعَهْدِ قال بن بَطَّالٍ أَرَادَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ بَوْلُ النَّاسِ لَا بَوْلُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي بَوْلِ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ انْتَهَى قُلْتُ وَأُجِيبُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ أَيْضًا بِهَذَا الْجَوَابِ أَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ بَوْلُ النَّاسِ لَا بَوْلُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ وَقَدْ ذَكَرْنَا دَلَائِلَ الْفَرِيقَيْنِ مَعَ بَيَانِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا فَتَأَمَّلْ وَتَدَبَّرْ وَعِنْدِي الْقَوْلُ الظَّاهِرُ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [73] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ الْأَعْرَجُ) الْبَغْدَادِيُّ أَصْلُهُ مِنْ خُرَاسَانَ صَدُوقٌ مِنَ الحادية عشرة (نا يحيى بن غيلان) بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْمَاءَ الْخُزَاعِيُّ أَوْ الْأَسْلَمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو الْفَضْلِ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَهُمْ لِأَنَّهُمْ سَمَلُوا أَعْيُنَ الرُّعَاةِ) تَقَدَّمَ مَعْنَى السَّمْلِ أَيْ فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْقِصَاصِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عُمْدَةِ القارىء السُّؤَالُ الثَّانِي مَا وَجْهُ تَعْذِيبِهِمْ بِالنَّارِ الْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ وَآيَةِ الْمُحَارَبَةِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ وَقِيلَ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ وَإِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِصَاصًا لِأَنَّهُمْ فَعَلُوا بِالرُّعَاةِ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ انْتَهَى (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَهُوَ معنى قوله والجروح قصاص) قال الله

باب ما جاء في الوضوء من الريح

تعالى وكتبنا عليهم فيها أي في التوراة أن النفس بالنفس أَيْ أَنَّ النَّفْسَ تُقْتَلُ بِالنَّفْسِ إِذَا قَتَلَتْهَا والعين بالعين أي والعين تفقأ بالعين والأنف بالأنف أَيْ وَالْأَنْفُ يُجْدَعُ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بالسن والجروح قصاص أَيْ يُقْتَصُّ فِيهَا إِذَا أَمْكَنَ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ والذكر ونحوه ذَلِكَ وَمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْحُكُومَةُ وَهَذَا الْحُكْمُ وَإِنْ كُتِبَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ مُقَرَّرٌ فِي شَرْعِنَا كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْجِلَالَيْنِ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَالَ جماعة منهم بن الْجَوْزِيِّ إِلَى أَنَّهُ وَقَعَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْقِصَاصِ وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ قال بن شَاهِينَ عَقِبَ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ هَذَا الْحَدِيثُ يَنْسَخُ كُلَّ مثلة وتعقبه بن الْجَوْزِيِّ بِأَنَّ ادِّعَاءَ النَّسْخِ يَحْتَاجُ إِلَى تَارِيخٍ قَالَ الْحَافِظُ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ بَعْدَ الْإِذْنِ فِيهِ وَقِصَّةُ الْعُرَنِيِّينَ قَبْلَ إِسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ حَضَرَ الْإِذْنُ ثُمَّ النَّهْيُ وَرَوَى قَتَادَةُ عَنِ بن سِيرِينَ أَنَّ قِصَّتَهُمْ كَانَتْ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْحُدُودُ وَلِمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي وَذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنِ الْمُثْلَةِ بِالْآيَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَإِلَى هَذَا مَالَ الْبُخَارِيُّ وَحَكَاهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِالِاخْتِصَارِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الرِّيحِ) [74] قَوْلُهُ (لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ) أَيْ لَا وُضُوءَ وَاجِبٌ إِلَّا مِنْ سَمَاعِ صَوْتٍ أَوْ وُجْدَانِ رَائِحَةِ رِيحٍ خَرَجَتْ مِنْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ نَفَى جِنْسَ أَسْبَابِ التَّوَضُّؤِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُ الصَّوْتَ وَالرِّيحَ وَالنَّوَاقِضُ كَثِيرَةٌ وَلَعَلَّ ذَلِكَ فِي صُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ يَعْنِي بِحَسَبِ السَّائِلِ فَالْمُرَادُ نَفْيُ جِنْسِ الشَّكِّ وَإِثْبَاتُ الْيَقِينِ أَيْ لَا يُتَوَضَّأُ عَنْ شَكٍّ مَعَ سَبْقِ ظَنِّ الطَّهَارَةِ إِلَّا بِيَقِينِ الصَّوْتِ أَوْ الرَّائِحَةِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجه

[75] قَوْلُهُ (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ) قِيلَ يُوهِمُ أَنَّ حُكْمَ غَيْرِ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ لَكِنْ أُشِيرَ بِهِ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ مَكَانُهَا فَعَلَى الْمُؤْمِنِ مُلَازَمَةُ الْجَمَاعَاتِ فِي الْمَسْجِدِ (فَوَجَدَ رِيحًا بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ) تَثْنِيَةُ الْأَلْيَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْأَلْيَةُ الْعُجْزَةُ أَوْ مَا رَكِبَ الْعَجُزَ مِنْ لَحْمٍ أَوْ شَحْمٍ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا (فَلَا يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ) لِلتَّوَضُّؤِ (حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا) أَيْ صَوْتَ رِيحٍ خَرَجَ مِنْهُ (أَوْ يَجِدَ رِيحًا) أَيْ يَجِدَ رَائِحَةَ رِيحٍ خَرَجَتْ مِنْهُ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْحَدَثَ لَا لِأَنَّ سَمَاعَ الصَّوْتِ أَوْ وُجْدَانَ الرِّيحِ شَرْطٌ إِذْ قَدْ يَكُونُ أَصَمَّ فَلَا يَسْمَعُ الصَّوْتَ وقد يكن أَخْشَمَ فَلَا يَجِدُ الرِّيحَ وَيُنْتَقَضُ طُهْرُهُ إِذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ قَالَ الْإِمَامُ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرِّيحَ الْخَارِجَةَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ تُوجِبُ الْوُضُوءَ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنَ الْقُبُلِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الشَّرْعِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْحَدِيثِ وَقَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الدِّينِ وَهِيَ أَنَّ الْأَشْيَاءَ يُحْكَمُ بِبَقَائِهَا عَلَى أُصُولِهَا حَتَّى يُتَيَقَّنَ خِلَافُ ذَلِكَ ولا يضر الشك الطارىء عَلَيْهَا فَمِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْبَابِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيثُ وَهِيَ أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ حُكِمَ بِبَقَائِهِ عَلَى الطَّهَارَةِ ولا فرق بين حصول هذا الشَّكِّ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَحُصُولِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ فِي شَكِّهِ بَيْنَ أَنْ يَسْتَوِيَ الِاحْتِمَالَانِ فِي وُقُوعِ الْحَدَثِ وَعَدَمِهِ أَوْ يَتَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا وَيَغْلِبَ فِي ظَنِّهِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حَالٍ أَمَّا إِذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ فِي الطَّهَارَةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [76] قَوْلُهُ (إِنَّ الله لا يقبل صلاة أحدكم) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ قَبُولَ إِجَابَةٍ وَإِثَابَةٍ

بِخِلَافِ الْمُبْسِلِ وَالْآبِقِ فَإِنَّ صَلَاتَهُمَا لَا تُقْبَلُ أَيْضًا لَكِنَّهَا لَا تُقْبَلُ بِتَرْكِ الْإِثَابَةِ وَتُقْبَلُ إِجَابَةً فَلَا يَرِدُ مَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ مَعَ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطُ الصِّحَّةِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَالْمُرَادُ بِالْقَبُولِ ها هُنَا مَا يُرَادِفُ الصِّحَّةَ وَهُوَ الْإِجْزَاءُ وَحَقِيقَةُ الْقَبُولِ ثَمَرَةُ وُقُوعِ الطَّاعَةِ مُجْزِئَةً رَافِعَةً لِمَا فِي الذِّمَّةِ وَلَمَّا كَانَ الْإِتْيَانُ بِشُرُوطِهَا مَظِنَّةَ الْإِجْزَاءِ الَّذِي الْقَبُولُ ثَمَرَتُهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِالْقَبُولِ مَجَازًا وَأَمَّا الْقَبُولُ الْمَنْفِيُّ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَتَى عَرَّافًا لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ فَهُوَ الْحَقِيقِيُّ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِحُّ الْعَمَلُ وَيَتَخَلَّفُ الْقَبُولُ لِمَانِعٍ وَلِهَذَا كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُ لَأَنْ تُقْبَلَ لِي صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ جَمِيعِ الدُّنْيَا قاله بن عُمَرَ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ إِنَّمَا يتقبل الله من المتقين انْتَهَى (إِذَا أَحْدَثَ) أَيْ صَارَ ذَا حَدَثٍ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِي أَثْنَائِهَا (حَتَّى يَتَوَضَّأَ) أَيْ بِالْمَاءِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ فَأَطْلَقَ الشَّارِعُ عَلَى التَّيَمُّمِ أَنَّهُ وُضُوءٌ لِكَوْنِهِ قَامَ مَقَامَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَبُولِ صَلَاةِ مَنْ كَانَ مُحْدِثًا فَتَوَضَّأَ أَيْ مَعَ بَاقِي شُرُوطِ الصَّلَاةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وعلي بن طلق وعائشة وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أنه شُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلَ الَّذِي يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَا يَنْفَتِلُ أَوْ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ عَنْ عَمِّهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيُّ الْأَنْصَارِيُّ سَمَّاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ فِي رِوَايَتِهِمْ لهذا الحديث من طريق بن عُيَيْنَةَ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَفِيهِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمْ الرِّيحُ أَنْ يَتَوَضَّأَ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ رِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ وَقَدْ قَالَ حَدَّثَنِي هِشَامُ

بن عروة وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُخَيَّلُ إليه في صلاته أنه أحدث ولم يحدث فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ وَهُوَ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى يَفْتَحَ مَقْعَدَتَهُ فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ أَحْدَثَ ولم يحدث فإذا وجد أحدكم وهو ذَلِكَ فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ ذَلِكَ بِأُذُنِهِ أَوْ يَجِدَ رِيحَ ذَلِكَ بِأَنْفِهِ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَيَمُدُّ شَعْرَهُ مِنْ دُبُرِهِ فَيَرَى أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ فَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يجد ريحا ورواه بن مَاجَهْ بِاخْتِصَارٍ وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ وَاخْتُلِفَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ وَهُوَ تَكْرَارٌ قَوْلُهُ (وَقَالَ) أَيْ بن الْمُبَارَكِ (إِذَا خَرَجَ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ الرِّيحُ وَجَبَ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ) وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنَ القبل لا يوجب الوضوء قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ تَوْجِيهُ قَوْلِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ نَادِرٌ فَلَا يَشْمَلُهُ النَّصُّ كَذَا قِيلَ وَالصَّحِيحُ مَا قاله بن الْهُمَامِ مِنْ أَنَّ الرِّيحَ الْخَارِجَ مِنَ الذَّكَرِ اخْتِلَاجٌ لَا رِيحٌ فَلَا يَنْقُضُ كَالرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ جِرَاحَةٍ فِي الْبَطْنِ انْتَهَى وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي شَرْحِهِ لِشَرْحِ الْوِقَايَةِ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الرِّيحَ الْخَارِجَةَ مِنَ الدُّبُرِ نَاقِضَةٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَارِجَةِ مِنَ الذَّكَرِ وَقُبُلِ الْمَرْأَةِ فَرَوَى الْقُدُورِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ لَا وُضُوءَ فِيهِمَا إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُفْضَاةً وَالْمُفْضَاةُ هِيَ الَّتِي اخْتَلَطَ سَبِيلَاهَا الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ وَقِيلَ مَسْلَكُ الْبَوْلِ وَالْحَيْضِ فَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ يَقُولُ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُفْضَاةً

باب الوضوء من النوم

يَجِبُ عَلَيْهَا الْوُضُوءُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُفْضَاةً لَا يَجِبُ وَهَكَذَا ذَكَرَ هِشَامٌ فِي نَوَادِرِهِ عَنْ مُحَمَّدٍ وَمِنَ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ فِي الْمُفْضَاةِ إِذَا كَانَ الرِّيحُ مُنْتِنًا يَجِبُ الْوُضُوءُ وَمَا لَا فَلَا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَبِهِ عَلِمْتَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي الرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَدَلِيلُهُ عُمُومُ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ الْحَدَثَ مَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَا فِي الْبِنَايَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُوجِبُ وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَلَّلَ بِأَنَّهَا لَا تَنْبَعِثُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ عَيْنَ الرِّيحِ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ وَإِنَّمَا يَتَنَجَّسُ بِمُرُورِهَا عَلَى مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَهَذَا لَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنَ الْمَشَايِخِ بِتَنَجُّسِ عَيْنِ الرِّيحِ وَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَنَّهَا اخْتِلَاجٌ لَا رِيحٌ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ خَارِجٍ لَكِنَّ هَذَا أَيْضًا قَاصِرٌ فَإِنَّهُ لَا يَتَمَشَّى فِي مَا إِذَا وَجَدَتِ النَّتِنَ أَوْ سَمِعَتِ الصَّوْتَ مِنَ الْقُبُلِ أَوْ الذَّكَرِ فَإِنَّ هُنَاكَ لَا شَكَّ فِي خُرُوجِ شَيْءٍ وَمِمَّنْ اخْتَارَ هَذَا الْقَوْلَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ وَصَاحِبُ مَرَاقِي الْفَلَاحِ وَقَالَ هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ اخْتِلَاجٌ لَا رِيحٌ وَإِنْ كَانَ رِيحًا فَلَا نَجَاسَةَ فِيهِ وَرِيحُ الدُّبُرِ نَاقِضَةٌ لِمُرُورِهَا بِالنَّجَاسَةِ وَصَاحِبُ التَّنْوِيرِ وَصَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ الْمُوَافِقَ لِلْأَحَادِيثِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ فَلْيَكُنْ هُوَ الْمُعَوَّلُ انتهى 6 - (باب الْوُضُوءِ مِنْ النَّوْمِ) [77] قَوْلُهُ (الْمَعْنَى وَاحِدٌ) أَيْ مَعْنَى أَحَادِيثِ إِسْمَاعِيلَ وَهَنَّادٍ وَمُحَمَّدٍ وَاحِدٌ وَفِي أَلْفَاظِهَا اخْتِلَافٌ قَوْلُهُ (نَامَ وَهُوَ سَاجِدٌ) أَيْ نَامَ فِي حَالَةِ السَّجْدَةِ (حَتَّى غَطَّ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ غَطَّ النَّائِمُ

صَاتَ انْتَهَى وَالْمَعْنَى نَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالَةِ السَّجْدَةِ حَتَّى سُمِعَ غَطِيطُهُ وَهُوَ صَوْتٌ يَخْرُجُ مَعَ نَفَسِ النَّائِمِ (أَوْ نَفَخَ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ حَتَّى نَفَخَ أَيْ تَنَفَّسَ بِصَوْتٍ حَتَّى يُسْمَعَ مِنْهُ صَوْتُ النَّفْخِ كَمَا يُسْمَعُ مِنَ النَّائِمِ (ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءًا جَدِيدًا (إِلَّا عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا) أَيْ وَاضِعًا جَنْبَهُ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ ضَجَعَ كَمَنَعَ وَضَعَ جَنْبَهُ بِالْأَرْضِ كَاضَّجَعَ وَاضْطَجَعَ (اسْتَرْخَتْ) أَيْ فَتَرَتْ وَضَعُفَتْ (مفاصله) جمع مفصل وهو رؤوس الْعِظَامِ وَالْعُرُوقِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وبن مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ حَتَّى يَنْفُخَ ثُمَّ يَقُومَ فَيُصَلِّيَ وَلَا يَتَوَضَّأَ قَالَ الطَّنَافِسِيُّ قَالَ وكيع تعني وهو ساجد وأما حديث بن مسعود فأخرجه أيضا بن مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ مَنِ اسْتَحَقَّ النَّوْمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَقَالَ بَعْدَهُ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَعَلَّهُ بِالرَّبِيعِ بْنِ بدر عن بن عَدِيٍّ وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ إِنَّ وَقْفَهُ أَصَحُّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَاعْلَمْ أَنَّ الترمذي لم يحكم على حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ أَوْ الضَّعْفِ ها هنا وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ فِي عِلَلِهِ الْمُفْرَدِ وَقَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ مَدَارُهُ عَلَى يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيِّ وَعَلَيْهِ اخْتُلِفَ فِي أَلْفَاظِهِ وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ مِنْ أَصْلِهِ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي عِلَلِهِ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَالَ فِي السُّنَنِ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الْحُفَّاظِ وَأَنْكَرُوا سَمَاعَهُ مِنْ قَتَادَةَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رَوَاهُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عُرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ بن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا الْعَالِيَةِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ انْتَهَى

[78] قَوْلُهُ (كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ وَلَا يتوضؤون) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون فَظَهَرَ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ يَنَامُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنَامُونَ قُعُودًا وَكَانَ نَوْمُهُمْ هَذَا فِي انْتِظَارِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ خَفَقَ فُلَانٌ حَرَّكَ رَأْسَهُ إِذَا نَعَسَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ تَسْقُطُ أَذْقَانُهُمْ عَلَى صُدُورِهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ صَالِحَ بْنَ عبد الله) بن ذَكْوَانَ الْبَاهِلِيَّ التِّرْمِذِيَّ نَزِيلُ بَغْدَادَ عَنْ مَالِكٍ وشريك وبن الْمُبَارَكِ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَقَالَ صَدُوقٌ مَاتَ سَنَةَ 932 تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ (فَقَالَ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ فَرَأَى أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ إِذَا نَامَ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا حَتَّى ينام مضطجعا وبه يقول الثوري وبن المبارك وأحمد) واستدلوا على ذلك بحديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ مِنَ الْمَقَالِ لَكِنْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْمَقَالُ الَّذِي فِيهِ مُنْجَبِرٌ بِمَا لَهُ مِنَ الطُّرُقِ وَالشَّوَاهِدِ وَرَجَّحَ هَذَا الْمَذْهَبَ قُلْتُ هَذَا الْمَذْهَبُ هُوَ أَرْجَحُ الْمَذَاهِبِ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَرَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ إِذَا نَامَ أَحَدُكُمْ مُضْطَجِعًا فَلْيَتَوَضَّأْ

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ لَيْسَ عَلَى الْمُحْتَبِي النَّائِمِ وَلَا عَلَى الْقَائِمِ النَّائِمِ وُضُوءٌ حَتَّى يَضْطَجِعَ قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَمِنَ الْمُؤَيِّدَاتِ لِهَذَا الْمَذْهَبِ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَالْأَحَادِيثُ الْمُطْلَقَةُ فِي النَّوْمِ تُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالِاضْطِجَاعِ قَالَ وَمِنَ الْمُؤَيِّدَاتِ لِهَذَا الجمع ما رواه مسلم عن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ إِذَا أَغْفَيْتُ يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي وَحَدِيثُ إِذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي صَلَاتِهِ بَاهَى الله به ملائكته أخرجه الدارقطني وبن شَاهِينَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حديث أنس وبن شَاهِينَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَفِي جَمِيعِ طُرُقِهِ مَقَالٌ وَحَدِيثُ مَنِ اسْتَحَقَّ النَّوْمَ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رُوِيَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا وَلَا يَصِحُّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقْفُهُ أَصَحُّ وَقَدْ فَسَّرَ اسْتِحْقَاقَ النَّوْمِ بِوَضْعِ الْجَنْبِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا نَامَ حَتَّى غَلَبَ عَلَى عَقْلِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ) وَعَنْ إِسْحَاقَ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّوْمَ حَدَثٌ يَنْقُضُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ قال الحافظ في الفتح نقل بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ الْمَصِيرَ إِلَى أَنَّ النَّوْمَ حَدَثٌ يَنْقُضُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ قال بن الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ لِعُمُومِ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عسال يعني الذي صححه بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ فَفِيهِ إِلَّا مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ فَسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ وَالْمُرَادُ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ طُولُ زَمَانِهِ وَقِصَرُهُ لَا مُبَادِيهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ وَأَمَّا قَوْلُ إِسْحَاقَ الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فَمَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِحَدَثٍ بَلْ هُوَ مَظِنَّةُ الْحَدَثِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مَنْ نَامَ قَاعِدًا فَرَأَى رُؤْيَا أَوْ زَالَتْ مَقْعَدَتَهُ لِوَسَنِ النَّوْمِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ) الْوَسَنُ أَوَّلُ النَّوْمِ وَقَدْ وَسِنَ يَوْسَنُ سِنَةً فَهُوَ وَسِنٌ وَوَسْنَانُ وَالْهَاءُ فِي السِّنَةِ عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ الْمَحْذُوفَةِ قَالَهُ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ

باب الوضوء مما غيرت النار

وَاعْلَمْ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ أَقْوَالًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقِيلَ لَا يَنْقُضُ نَوْمُ غَيْرِ الْقَاعِدِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَعَنْهُ التَّفْصِيلُ بَيْنَ خَارِجِ الصَّلَاةِ فَيَنْقُضُ أَوْ دَاخِلِهَا فَلَا وَفَصَلَ فِي الْجَدِيدِ بَيْنَ الْقَاعِدِ الْمُتَمَكِّنِ فَلَا يَنْقُضُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَيَنْقُضُ وَفِي الْمُهَذَّبِ وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ النَّوْمُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَمَحَلُّ الْحَدَثِ مِنْهُ مُتَمَكِّنٌ بِالْأَرْضِ فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ وُضُوءَهُ وَقَالَ الْبُوَيْطِيُّ يَنْقُضُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ انْتَهَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ لَفْظَ الْبُوَيْطِيِّ لَيْسَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ وَمَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا فَرَأَى رُؤْيَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ انْتَهَى مَا فِي الفتح 7 - (باب الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ) [79] قَوْلُهُ (الْوُضُوءُ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ (وَلَوْ مِنْ ثَوْرِ أَقِطٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ لَبَنٌ مُجَفَّفٌ مُسْتَحْجَرٌ وَالثَّوْرُ قِطْعَةٌ مِنْهُ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ كَمَا سَتَعْرِفُ (أَنَتَوَضَّأُ مِنَ الدُّهْنِ) أَيْ الَّذِي مَسَّتْهُ النَّارُ (أَنَتَوَضَّأُ مِنَ الْحَمِيمِ) وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ بِالنَّارِ (إِذَا سَمِعْتَ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَضْرِبْ لَهُ مَثَلًا) بَلْ اعْمَلْ بِهِ وَاسْكُتْ عَنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ لَهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي مُوسَى

أَمَّا حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَحْمَدُ وأبو داود والنسائي ولفظه توضؤا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثابت فأخرجه مسلم بلفظ توضؤا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَكَلَ ثَوْرَ أَقِطٍ فَتَوَضَّأَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ تَوَضَّأَ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بلفظ توضؤا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ لَوْنَهُ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ مُوثَقُونَ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَأَى بعد أَهْلِ الْعِلْمِ الْوُضُوءَ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ) قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ فَبَعْضُهُمْ ذَهَبَ إِلَى الْوُضُوءِ مِمَّا مست النار وممن ذهب إلى ذلك بن عُمَرَ وَأَبُو طَلْحَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو مُوسَى وَعَائِشَةُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو غُرَّةَ الْهُذَلِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو مِجْلَزٍ لَاحِقُ بْنُ حُمَيْدٍ وَأَبُو قِلَابَةَ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَرَأَوْهُ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِمَّنْ لَمْ يَرَ مِنْهُ الْوُضُوءَ أَبُو بكر وعمر وعثمان وعلي وبن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَمِنَ التَّابِعِينَ عُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَعَامَّتُهُمْ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ

باب ما جاء في ترك الوضوء مما غيرت النار

الكوفة وبن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ قُلْتُ وَالظَّاهِرُ الرَّاجِحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتْ النَّارُ) [80] قَوْلُهُ (وَأَتَتْهُ بِقِنَاعٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْقِنَاعُ هُوَ الطَّبَقُ الَّذِي يُؤْكَلُ عَلَيْهِ (فَأَتَتْهُ بِعُلَالَةٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَهِيَ الْبَقِيَّةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (فَأَكَلَ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَشَ مِنْ كَتِفِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَفِيهِ هِشَامُ بْنُ مِصَكٍّ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى ضَعْفِهِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ (وَلَا يَصِحُّ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ فِي هَذَا مِنْ قِبَلِ إِسْنَادِهِ إِنَّمَا رَوَاهُ حُسَامُ بْنُ مِصَكٍّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا كَافٌ مُثَقَّلَةٌ الْأَزْدِيُّ أَبُو سَهْلٍ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ يَكَادُ أَنْ يُتْرَكَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وبن مَسْعُودٍ وَأَبِي رَافِعٍ وَأُمِّ الْحَكَمِ وَعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَأُمِّ عَامِرٍ وَسُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِنْ أَثْوَارِ أَقِطٍ ثُمَّ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ

قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ هُوَ فِي الصَّحِيحِ خَلَا قَوْلَهُ ثُمَّ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ خَلَا شَيْخَ الْبَزَّارِ انْتَهَى وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ نَشَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتِفًا مِنْ قِدْرِ الْعَبَّاسِ فَأَكَلَهَا وَقَامَ يُصَلِّي وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْكُلُ اللَّحْمَ ثُمَّ يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَمَسُّ مَاءً قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ أَشْهَدُ لَقَدْ كُنْتُ أَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَطْنَ الشَّاةِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ فِي هَذَا الْبَابِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ الْحَكَمِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ إِنَّهَا قَالَتْ قَرَّبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَنْبًا مَشْوِيًّا فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَخْ) وَعَلَيْهِ كَانَ عَمَلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَأَكَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ رضي الله عنهم لحما فلم يتوضؤا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وعثمان أكلوا مما مسته النار ولم يتوضؤا وَرُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى الثَّلَاثَةِ مُفَرَّقًا وَمَجْمُوعًا

قَوْلُهُ (رَأَوْا تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ) أَيْ اعْتَقَدُوهُ (وَهَذَا آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْفِعْلِ (هَذَا الْحَدِيثَ نَاسِخٌ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ حَدِيثِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ) قَوْلُهُ (حَدِيثِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَكَانَ الزُّهْرِيُّ يَرَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ نَاسِخٌ لِأَحَادِيثِ الْإِبَاحَةِ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ سَابِقَةٌ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ رَوَاهُ أَبُو داود والنسائي وغيرهما وصححه بن خزيمة وبن حبان وَغَيْرُهُمَا لَكِنْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ هُنَا الشَّأْنُ وَالْقِصَّةُ لَا مُقَابِلُ النهي وأن هذ اللَّفْظَ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَشْهُورِ فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي صَنَعَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةً فَأَكَلَ مِنْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا وَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقِصَّةُ وَقَعَتْ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَأَنَّ وُضُوءَهُ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ كَانَ عَنْ حَدَثٍ لَا بِسَبَبِ الْأَكْلِ مِنَ الشَّاةِ وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُثْمَانَ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا اخْتَلَفَتْ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ الرَّاجِحُ مِنْهَا نَظَرْنَا إِلَى مَا عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَجَّحْنَا بِهِ أَحَدَ الْجَانِبَيْنِ وَارْتَضَى النَّوَوِيُّ بِهَذَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَبِهَذَا تَظْهَرُ حِكْمَةُ تَصْدِيرِ الْبُخَارِيِّ حَدِيثَ الباب يعني حديث بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بِالْأَثَرِ الْمَنْقُولِ عَنِ الْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ كَانَ الْخِلَافُ فِيهِ مَعْرُوفًا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا وُضُوءَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ إِلَّا مَا تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ وَجَمَعَ الْخَطَّابِيُّ بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْأَمْرِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْتُ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى فَقَالَ هَذِهِ النُّصُوصُ يَعْنِي الَّتِي فِيهَا تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النارُّ إِنَّمَا تَنْفِي الْإِيجَابَ لَا الِاسْتِحْبَابَ وَلِهَذَا قَالَ الَّذِي سَأَلَهُ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ قال

باب ما جاء في الوضوء من لحوم الإبل

إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ وَلَوْلَا أَنَّ الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ مُسْتَحَبًّا لَمَا أَذِنَ فِيهِ لِأَنَّهُ إِسْرَافٌ وَتَضْيِيعٌ لِلْمَاءِ بِغَيْرِ فَائِدَةٍ انْتَهَى وَاخْتَارَ الشَّوْكَانِيُّ أَنَّ حَدِيثَ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ فَقَالَ فِي النَّيْلِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ يَعْنِي الَّذِينَ قَالُوا بِتَرْكِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ عَنْ ذَلِكَ يَعْنِي عَنْ حَدِيثِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ بِجَوَابَيْنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْفَمِ وَالْكَفَّيْنِ قَالَ وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ إِنَّمَا يَتِمُّ بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِنَا وَيَنْسَخُهُ وَالْمُتَقَرَّرُ فِي الْأُصُولِ خِلَافُهُ وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي فَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى غَيْرِهَا وَحَقِيقَةُ الْوُضُوءِ الشَّرْعِيَّةُ هِيَ غَسْلُ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ الَّتِي تُغْسَلُ لِلْوُضُوءِ فَلَا تُخَالَفُ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ إِلَّا لِدَلِيلٍ وَأَمَّا دَعْوَى الْإِجْمَاعِ فَهِيَ مِنَ الدَّعَاوَى الَّتِي لَا يَهَابُهَا طَالِبُ الْحَقِّ وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُرَادِهِ مِنْهُ نَعَمْ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ مُخَصِّصَةٌ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَمَا عَدَا لُحُومِ الْغَنَمِ دَاخِلٌ تَحْتَ ذَلِكَ الْعُمُومِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ) [81] قَوْلُهُ (نا أبو معاوية) هو محمد بن خازم الضَّرِيرُ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ ثِقَةٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الْهَاشِمِيِّ مَوْلَاهُمْ الرَّازِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَعَنْهُ الْأَعْمَشُ وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثُمَّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ عَنْ عُمَرَ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الخلاصة روى عن عمرومعاذ وَبِلَالٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَدْرَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِنَ الصحابة الأنصاريين

وَعَنْهُ ابْنُهُ عِيسَى وَمُجَاهِدٌ وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَكْبَرُ مِنْهُ وَالْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو وَخَلْقٌ وَثَّقَهُ بن مَعِينٍ مَاتَ سَنَةَ 38 ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ انْتَهَى قَوْلُهُ (فقال توضؤا مِنْهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَكْلَ لُحُومِ الْإِبِلِ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَكْلِ لُحُومِ الْجَزُورِ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ الرَّاشِدُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وعلي وبن مسعود وأبي بن كعب وبن عَبَّاسٍ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو طَلْحَةَ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَجَمَاهِيرُ التَّابِعِينَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَذَهَبَ إِلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ وبن خُزَيْمَةَ وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَحُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مُطْلَقًا وَحُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا حَدِيثَانِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ أَقْوَى دَلِيلًا وَإِنْ كَانَ الْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَقَدْ أَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عَامٌّ وَحَدِيثَ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ حَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فِي لُحُومِ الْإِبِلِ قُلْتُ بِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ صَحَّ فِيهِ حَدِيثَانِ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ انْتَهَى وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ وإنَّهُ الْمُخْتَارُ الْمَنْصُورُ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ انْتَهَى وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُوَطَّأِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَلِاخْتِلَافِ الْأَخْبَارِ فِي هَذَا الْبَابِ أَيْ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهُ نَاقِضًا بَلْ جَعَلَهُ الزُّهْرِيُّ نَاسِخًا لِعَدَمِ النَّقْضِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَجْعَلْهُ نَاقِضًا وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَنْ أَكَلَ لَحْمَ الْإِبِلِ خَاصَّةً وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ في غيره

أَخْذًا مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَذْهَبٌ قَوِيٌّ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ قَدْ رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إن المراد من قوله توضؤا مِنْهَا غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَالْفَمِ لِمَا فِي لَحْمِ الْإِبِلِ مِنْ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ وَدُسُومَةٍ غَلِيظَةٍ بِخِلَافِ لَحْمِ الْغَنَمِ فَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ هُوَ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ وَحَمْلُ الْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ وَاجِبٌ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ حَدِيثَ الْبَرَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مَنْسُوخٌ فَهُوَ أَيْضًا بَعِيدٌ فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْمُوَفَّقُ بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي فِي هَذَا الْبَحْثِ كَلَامًا حَسَنًا مُفِيدًا قَالَ إِنَّ أَكْلَ لَحْمِ الْإِبِلِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى كُلِّ حَالٍ نِيِّئًا وَمَطْبُوخًا عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا وَبِهَذَا قَالَ جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو خيثمة ويحيى بن يحيى وبن الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ ذَهَبَ إِلَى هَذَا عَامَّةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَنْقُضُ الوضوء بحال لأنه روي عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْوُضُوءُ مِمَّا يَخْرُجُ لَا مِمَّا يَدْخُلُ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَنَا مَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الْإِبِلِ فَقَالَ توضؤا مِنْهَا وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْغَنَمِ فَقَالَ لَا يُتَوَضَّأُ مِنْهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَرَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ توضؤا من لحوم الإبل ولا تتوضؤا من لحوم الغنم وروى بن مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِيهِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَحَدِيثُهُمْ عن بن عَبَّاسٍ لَا أَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قول بن عباس موقوفا عَلَيْهِ وَلَوْ صَحَّ لَوَجَبَ تَقْدِيمُ حَدِيثِنَا عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَصَحَّ مِنْهُ وَأَخَصَّ وَالْخَاصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ وَحَدِيثُ جَابِرٍ لَا يُعَارِضُ حَدِيثَنَا أَيْضًا لِصِحَّتِهِ وَخُصُوصِهِ فَإِنْ قِيلَ فَحَدِيثُ جَابِرٍ مُتَأَخِّرٌ فَيَكُونُ نَاسِخًا قُلْنَا لَا يَصِحُّ النَّسْخُ بِهِ لوجوه أربعة

أَحَدِهَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ نَسْخِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ أَوْ مُقَارِنٌ لَهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَرَنَ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ بِالنَّهْيِ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ وَهِيَ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ النَّسْخُ حَصَلَ بِهَذَا النَّهْيِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِشَيْءٍ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ بِهِ فَالْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ مُقَارِنٌ لِنَسْخِ الْوُضُوءِ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْسُوخًا بِهِ وَمِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ تَأَخُّرُهُ وَإِنْ كَانَ النَّسْخُ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُنْسَخَ بِمَا قَبْلَهُ الثَّانِي أَنَّ أَكْلَ لُحُومِ الْإِبِلِ إِنَّمَا نَقَضَ لِكَوْنِهِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ لَا لِكَوْنِهِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَلِهَذَا يَنْقُضُ وَإِنْ كَانَ نِيِّئًا فَنَسْخُ إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِهِ نَسْخُ الْجِهَةِ الْأُخْرَى كَمَا لَوْ حُرِّمَتِ الْمَرْأَةُ لِلرَّضَاعِ وَلِكَوْنِهَا رَبِيبَةً فَنُسِخَ التَّحْرِيمُ بِالرَّضَاعِ وَلَمْ يَكُنْ نَسْخًا لِتَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ الثَّالِثِ أَنَّ خَبَرَهُمْ عَامٌّ وَخَبَرَنَا خَاصٌّ وَالْعَامُّ لَا يُنْسَخُ بِهِ الْخَاصُّ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّسْخِ تَعَذُّرَ الْجَمْعِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ مُمْكِنٌ بِتَنْزِيلِ الْعَامِّ عَلَى مَا عَدَا مَحَلِّ التَّخْصِيصِ الرَّابِعِ أَنَّ خَبَرَنَا صَحِيحٌ مُسْتَفِيضٌ ثَبَتَتْ لَهُ قُوَّةُ الصِّحَّةِ وَالِاسْتِفَاضَةِ وَالْخُصُوصِ وَخَبَرُهُمْ ضَعِيفٌ لعدم هذه الوجوه الثلاثة فيه لا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَاسِخًا لَهُ فَإِنْ قِيلَ الْأَمْرُ بِالْوُضُوءِ فِي خَبَرِكُمْ يَحْتَمِلُ الِاسْتِحْبَابَ فَنَحْمِلُهُ عَلَيْهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوُضُوءِ غَسْلَ الْيَدَيْنِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ إِذَا أُضِيفَ إِلَى الطَّعَامِ اقْتَضَى غَسْلَ الْيَدِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْمُرُ بِالْوُضُوءِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ وَخَصَّ ذَلِكَ بِلَحْمِ الْإِبِلِ لِأَنَّ فِيهِ مِنَ الْحَرَارَةِ وَالزُّهُومَةِ مَا لَيْسَ فِي غَيْرِهِ قُلْنَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَمُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدِهَا أَنَّ مُقْتَضَى الْأَمْرِ الْوُجُوبُ الثَّانِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ حُكْمِ هَذَا اللَّحْمِ فَأَجَابَ بِالْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مِنْهُ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ يَكُونُ تَلْبِيسًا عَلَى السَّائِلِ لَا جَوَابًا الثَّالِثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَرَنَهُ بِالنَّهْيِ عَنِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ والمراد بالنهي ها هنا نَفْيُ الْإِيجَابِ لَا التَّحْرِيمُ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى الْإِيجَابِ لِيَحْصُلَ الْفَرْقُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَا يَصِحُّ لِوُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ أَحَدِهَا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَإِنَّ غَسْلَ الْيَدِ بِمُفْرَدِهِ غَيْرُ وَاجِبٍ وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ الثَّانِي أَنَّ الْوُضُوءَ إِذَا جَاءَ فِي لِسَانِ الشَّارِعِ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ دُونَ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِمَوْضُوعَاتِهِ

الثَّالِثِ أَنَّهُ يَخْرُجُ جَوَابًا لِسُؤَالِ السَّائِلِ عَنْ حُكْمِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِهَا وَالصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِهَا فَلَا يُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ سِوَى الْوُضُوءِ الْمُرَادِ لِلصَّلَاةِ الرَّابِعِ أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ غَسْلَ الْيَدِ لَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ لَحْمِ الْغَنَمِ فَإِنَّ غَسْلَ الْيَدِ مِنْهَا مُسْتَحَبٌّ وَلِهَذَا قَالَ مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ رِيحُ غِمْرٍ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ زِيَادَةِ الزُّهُومَةِ فَأَمْرٌ يَسِيرٌ لَا يَقْتَضِي التَّفْرِيقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ نَصْرِفُ بِهِ اللَّفْظَ عَنْ ظَاهِرِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ لَهُ مِنَ الْقُوَّةِ بِقَدْرِ قُوَّةِ الظَّوَاهِرِ الْمَتْرُوكَةِ وَأَقْوَى مِنْهَا وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ انتهى كلام بن قُدَامَةَ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ بَذْلِ الْمَجْهُودِ أَخْرَجَ بن مَاجَهْ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عمر ويرفعانه توضؤا مِنْ أَلْبَانِ الْإِبِلِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمَّةِ عَلَى شُرْبِهَا بِأَنْ يُسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يُمَضْمِضَ وَيُزِيلَ الدُّسُومَةَ عَنْ فَمِهِ كَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهُ إِذَا أَكَلَ لَحْمَ الْجَزُورِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ وَفَمَهُ وَيَنْفِيَ الدُّسُومَةَ وَالزُّهُومَةَ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ قَوْلُهُ هَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَ جَمِيعِ الْأُمَّةِ عَلَى شُرْبِهَا بِأَنْ يُسْتَحَبَّ لَهُ إِلَخْ مَبْنِيٌّ على غفلته عن مذاهب الأمة قال بن قُدَامَةَ وَفِي شُرْبِ لَبَنِ الْإِبِلِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِمَا رَوَى أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ الثَّانِيَةُ لَا وُضُوءَ فِيهِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي اللَّحْمِ وَقَوْلُهُمْ فِيهِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا صَحِيحَ فِيهِ سِوَاهُمَا والحكم ها هنا غَيْرُ مَعْقُولٍ فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ انتهى كلام بن قدامة على أن استجاب الْمَضْمَضَةِ مِنْ شُرْبِ لَبَنِ الْإِبِلِ لَيْسَ لِحَدِيثِ أُسَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بَلْ لِحَدِيثِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ وَقَالَ إِنَّ لَهُ دَسَمًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِيهِ بَيَانٌ لِعِلَّةِ الْمَضْمَضَةِ مِنَ اللَّبَنِ فَيَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ دَسَمٍ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلتَّنْظِيفِ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فضعيفان لا يصلحا لِلِاحْتِجَاجِ قَالَ صَاحِبُ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ الْمُسَمَّى بِالشَّافِي شَرْحِ الْمُقْنِعِ حَدِيثُ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ فِي طَرِيقِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو رواه بن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ

عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ وَقَدْ قِيلَ عَطَاءٌ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ قَالَ أَحْمَدُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ قَدِيمًا فَهُوَ صَحِيحٌ وَمَنْ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا لَمْ يَكُنْ بِشَيْءٍ انْتَهَى قُلْتُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عُمَرَ الْفَزَارِيُّ وَهُوَ مِمَّنْ رَوَوْا عَنْهُ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ يَحْصُلُ لِي مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ رِوَايَةَ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَزَائِدَةَ وَأَيُّوبَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَأَنَّ جَمِيعَ مَنْ رَوَى عَنْهُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ فَحَدِيثُهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ إِلَّا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فَاخْتَلَفَ قَوْلُهُمْ فِيهِ انْتَهَى قُلْتُ وَأَيْضًا فِي سَنَدِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بَقِيَّةُ الْمُدَلِّسُ وَهُوَ رَوَاهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بِالْعَنْعَنَةِ فَقَوْلُ صَاحِبِ بَذْلِ الْمَجْهُودِ كَذَلِكَ يُسْتَحَبُّ لَهُ إِذَا أَكَلَ لَحْمَ الْجَزُورِ أَنْ يَغْسِلَ يَدَهُ وَفَمَهُ إِلَخْ لَيْسَ مِمَّا يُصْغَى إِلَيْهِ تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ صَاحِبُ بَذْلِ الْمَجْهُودِ وَلَمَّا كَانَ لُحُومُ الْإِبِلِ دَاخِلَةً فِيمَا مَسَّتِ النَّارُ وَكَانَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهِ وَنَسَخَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ عَنْهُ بِجَمِيعِ أَفْرَادِهَا يَعْنِي بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكَ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ اسْتَلْزَمَ نَسْخَ الْوُجُوبِ عَنْ هَذَا الْفَرْدِ أَيْضًا انْتَهَى قُلْتُ مَنْ قَالَ بِانْتِقَاضِ الْوُضُوءِ مِنْ أَكْلِ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ الْمُوجِبُ لِلْوُضُوءِ إِنَّمَا هُوَ أَكْلُ لُحُومِ الْإِبِلِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا لُحُومَ الْإِبِلِ لَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ وَلِذَلِكَ يَقُولُونَ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ أكل لحم الإبل مطلقا مطبوخا كان أَوْ نِيِّئًا أَوْ قَدِيدًا فَنَسْخُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَسْخَ وُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنْ أَكْلِ لُحُومِ الْإِبِلِ فَإِنَّ لُحُومَ الْإِبِلِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا لُحُومَ الْإِبِلِ لَيْسَتْ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِ مِمَّا مست النار البتة وقد أوضحه بن قدامة كما عرفت قال الحافظ بن الْقَيِّمِ وَأَمَّا مَنْ يَجْعَلُ لُحُومَ الْإِبِلِ هُوَ الْمُوجِبُ لِلْوُضُوءِ سَوَاءٌ مَسَّتْهُ النَّارُ أَوْ لَمْ تَمَسَّهُ فَيُوجِبُ الْوُضُوءَ مِنْ نِيِّئِهِ وَمَطْبُوخِهِ وَقَدِيدِهِ فَكَيْفَ يُحْتَجُّ عَلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى فَقَوْلُ صاحب بذل المجهود ولما كان لحوم الإبل دَاخِلَةً فِيمَا مَسَّتِ النَّارُ وَكَانَ فَرْدًا مِنْ أَفْرَادِهِ إِلَخْ مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ تَدَبُّرِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ بِلَفْظِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ قَالَ إِنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ قَالَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ الْحَدِيثَ

وأما حديث أسيد بن حضير فأخرجه بن ماجه عنه مرفوعا بلفظ لا توضؤا من ألبان الغنم وتوضؤا مِنْ أَلْبَانِ الْإِبِلِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ ذِي الْغُرَّةِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو أخرجه بن مَاجَهْ وَقَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ) فَخَالَفَ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ الْأَعْمَشَ فَإِنَّهُ قَالَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَقَالَ الْحَجَّاجُ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَحَدِيثُ الْحَجَّاجِ بن أرطاة أخرجه بن مَاجَهْ (وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) فَإِنَّ الْأَعْمَشَ الرَّاوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَوْثَقُ وَأَحْفَظُ مِنَ الْحَجَّاجِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التلخيص قال بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ لَمْ أَرَ خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ أَيْ حَدِيثَ الْبَرَاءِ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ لِعَدَالَةِ نَاقِلِيهِ وذكر الترمذي الخلاف فيه علي بن أَبِي لَيْلَى هَلْ هُوَ عَنِ الْبَرَاءِ أَوْ عَنْ ذِي الْغُرَّةِ أَوْ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَصَحَّحَ أَنَّهُ عَنِ الْبَرَاءِ وَكَذَا ذَكَرَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ انْتَهَى (وروى عبيدة) بضم العين وفتح الموحدة بن الْمُعَتِّبِ بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ الثَّقِيلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ (الضَّبِّيُّ) أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ الْكُوفِيُّ الضَّرِيرُ ضَعِيفٌ وَاخْتَلَطَ بِأَخَرَةٍ مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي الْأَضَاحِيِّ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ بن عَدِيٍّ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ عَلَّقَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فَرْدَ حَدِيثٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ ذِي الْغُرَّةِ) أَخْرَجَ حَدِيثَ عُبَيْدَةَ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ وَمَدَارُهُ عَلَى عُبَيْدَةَ الضَّبِّيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ (وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ فَأَخْطَأَ فِيهِ) وَخَطَؤُهُ فِي مَقَامَيْنِ

باب الوضوء من مس الذكر

(وَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَبِيهِ) هَذَا هُوَ خَطَؤُهُ الْأَوَّلُ وَالصَّحِيحُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى (عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ) هَذَا هُوَ خَطَؤُهُ الثَّانِي وَالصَّحِيحُ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ (قَالَ إِسْحَاقُ أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ) أَيْ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ (حَدِيثَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ) أَيْ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وبن ماجه وبن حبان وبن الجارود وبن خُزَيْمَةَ (وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ 0 - (بَاب الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ) [82] قَوْلُهُ (عَنْ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ صَحَابِيَّةٌ لَهَا سَابِقَةٌ وَهِجْرَةٌ عَاشَتْ إِلَى وِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ (وَمَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلَا يُصَلِّي حَتَّى يَتَوَضَّأَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَسَّ الذَّكَرِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَالْمُرَادُ مَسُّهُ مِنْ غير حائل لما أخرج بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا أَفْضَى أَحَدُكُمْ بِيَدِهِ إِلَى فَرْجِهِ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ وَلَا سِتْرٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الوضوء وصححه الحاكم وبن عبد البر وقال بن السَّكَنِ هُوَ أَجْوَدُ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الباب

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَرْوَى ابْنَةَ أُنَيْسٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) وَأَيْضًا فِي الْبَابِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أبي وقاص وأم سلمة وبن عباس وبن عُمَرَ وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَنَسٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ وقبيصة فأما حديث أم حبيبة فأخرجه بن مَاجَهْ وَالْأَثْرَمُ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو زُرْعَةَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ الْخَلَّالُ فِي الْعِلَلِ صَحَّحَ أحمد حديث أم حبيبة وقال بن السَّكَنِ لَا أَعْلَمُ بِهِ عِلَّةً كَذَا فِي التلخيص وأما حديث أبي أيوب فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَرْوَى ابْنَةِ أُنَيْسٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ النُّونِ مُصَغَّرًا فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَأَلَ التِّرْمِذِيُّ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ مَا تَصْنَعُ بِهَذَا لَا تَشْتَغِلْ بِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَضَعَّفَهُ قَالَ الْحَافِظُ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وأما حديث جابر فأخرجه بن ماجه والأثرم وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ إِسْنَادُهُ صَالِحٌ وَقَالَ الضِّيَاءُ لَا أَعْلَمُ بِإِسْنَادِهِ بَأْسًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سَمِعْتُ جَمَاعَةً من الحفاظ غير بن نَافِعٍ يُرْسِلُونَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ الزُّبَيْدِيُّ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ أَيُّمَا رَجُلٍ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنِ الْبُخَارِيِّ هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ الضَّحَّاكُ بْنُ حمزة وهو منكر الحديث وأما حديث بن عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ النعمان بن بشير فذكره بن مِنْدَهْ وَكَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ وَقَبِيصَةَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ ص

قَوْلُهُ (هَذَا) أَيْ حَدِيثُ بُسْرَةَ (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ في النيل وأخرجه أيضا مالك والشافعي وبن خزيمة وبن حبان وبن الْجَارُودِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ قُلْتُ لِأَحْمَدَ حَدِيثُ بُسْرَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ بَلْ هُوَ صَحِيحٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ صَحِيحٌ ثَابِتٌ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا يَحْيَى بن معين فيما حكاه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَأَبُو حَامِدِ بْنُ الشَّرْقِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَازِمِيُّ قَالَهُ الْحَافِظُ قُلْتُ وَكُلُّ مَا طَعَنُوا بِهِ فِي صِحَّةِ حَدِيثِ بُسْرَةَ هَذَا فَهُوَ مَدْفُوعٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِثْلَ هَذَا عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بُسْرَةَ إِلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ هِشَامٍ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بُسْرَةَ بِلَا ذِكْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَ عُرْوَةَ وَبُسْرَةَ وَهَكَذَا رَوَى أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ بُسْرَةَ وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ هِشَامٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ بِذِكْرِ وَاسِطَةِ مَرْوَانَ بْنِ عُرْوَةَ وَبُسْرَةَ وَلَيْسَتْ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى بِلَا ذِكْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَ عُرْوَةَ وَبُسْرَةَ بِمُنْقَطِعَةٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ جَزَمَ بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّ عُرْوَةَ سمعه من بسرة وفي صحيح بن خزيمة وبن حِبَّانَ قَالَ عُرْوَةُ فَذَهَبْتُ إِلَى بُسْرَةَ فَسَأَلْتُهَا فَصَدَّقَتْهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِرِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ لَهُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ قَالَ عُرْوَةُ ثُمَّ لَقِيتُ بُسْرَةَ فَصَدَّقَتْهُ انْتَهَى [84] قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ والشافعي وأحمد وإسحاق) وقال الحافظ الحازمي فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ ص 40 وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ الإيجاب يعني

إِيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ وَزَيْدُ بْنُ خَالِدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَجَابِرٌ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ وَبُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ وَسَعْدُ بن أبي وقاص في إحدى الروايتين وبن عَبَّاسٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَمِنَ التَّابِعِينَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالزُّهْرِيُّ وَمُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الشَّامِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُ مِنْهُ الْوُضُوءَ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو زُرْعَةَ حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحُّ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) يَعْنِي الْبُخَارِيَّ (لَمْ يَسْمَعْ مَكْحُولٌ مِنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) وَكَذَا قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَخَالَفَهُمْ دُحَيْمٌ وَهُوَ أَعْرَفُ بِحَدِيثِ الشَّامِيِّينَ فَأَثْبَتَ سَمَاعَ مَكْحُولٍ مِنْ عَنْبَسَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ [85] 61 قوله (نا ملازم بن عمرو) بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ السَّحِيمِيُّ بِالْمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا أبو عمرو اليمامي وثقه بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بدر) السحيمي اليمامي روى عن بن

عَبَّاسٍ وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَنْهُ سَبْطُهُ مُلَازِمُ بن عمرو وعكرمة بن عمار وثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ (عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقِ بن علي الحنفي) اليمامي وثقه العجلي وبن معين وبن حِبَّانَ وَالْحَنَفِيُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالنُّونِ مَنْسُوبٌ إِلَى حَنِيفَةَ قَبِيلَةٌ مِنَ الْيَمَامَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ صَحَابِيٌّ وَفَدَ قَدِيمًا وَبَنَى فِي الْمَسْجِدِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّ طَلْقًا قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (وَهَلْ هُوَ إِلَّا مُضْغَةٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الضَّادِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ أَيْ قِطْعَةُ لَحْمٍ أَيْ لَيْسَ الذَّكَرُ إِلَّا قِطْعَةُ لَحْمٍ (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الرَّجُلِ (أَوْ بَضْعَةٌ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بِمَعْنَى الْمُضْغَةِ وَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ مَعْنَاهُمَا الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ وَأَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا ترى في مس الرجل ذكره بعد ما يَتَوَضَّأُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ هُوَ إِلَّا مُضْغَةٌ مِنْهُ أَوْ بَضْعَةٌ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ) أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَفِي سَنَدِهِ جَعْفَرُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَالْقَاسِمُ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ مَتْرُوكٌ وَالْقَاسِمُ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا الْوُضُوءَ مِنْ مس الذكر وهو قول أهل الكوفة وبن الْمُبَارَكِ) قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ ص 04 قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى حَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَرَأَوْا تَرْكَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمَ النخعي

وَرَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسُفْيَانَ بْنِ زَائِدَةَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَجَابَ بن الْهُمَامِ عَنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ بِأَنَّ حَدِيثَ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ يَتَرَجَّحُ عَلَيْهِ بِأَنَّ حَدِيثَ الرِّجَالِ أَقْوَى لِأَنَّهُمْ أَحْفَظُ لِلْعِلْمِ وَأَضْبَطُ وَلِهَذَا جُعِلَتْ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ وَفِيهِ أَنَّ بُسْرَةَ بِنْتَ صَفْوَانَ لَمْ تَنْفَرِدْ بِحَدِيثِ إِيجَابِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ بَلْ رَوَاهُ عِدَّةُ رِجَالٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُهُ صَحِيحٌ كَمَا عَرَفْتَ وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَحَدِيثُهُ أَيْضًا صَحِيحٌ كَمَا عَرَفْتَ وَمِنْهُمْ جَابِرٌ وَإِسْنَادُ حَدِيثِهِ صَالِحٌ كَمَا عَرَفْتَ وَمِنْهُمْ زَيْدُ بْنُ خالد وسعد بن أبي وقاص وبن عباس وبن عَمْرٍو وَغَيْرُهُمْ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ أَحَادِيثِهِمْ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ وقد أسند الطحاوي إلى بن الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثُ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثُ طَلْقٍ عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ وَفِيهِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حَدِيثَ بُسْرَةَ هُوَ الْأَثْبَتُ وَالْأَقْوَى وَالْأَرْجَحُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَكْفِي فِي تَرْجِيحِ حَدِيثِ بُسْرَةَ عَلَى حَدِيثِ طَلْقٍ أَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّيْخَانِ وَلَمْ يَحْتَجَّا بِأَحَدِ رُوَاتِهِ وَحَدِيثَ بُسْرَةَ قَدِ احْتَجَّا بِجَمِيعِ رُوَاتِهِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ حَدِيثُ بُسْرَةَ أَرْجَحُ لِكَثْرَةِ مَنْ صَحَّحَهُ وَلِكَثْرَةِ شَوَاهِدِهِ وَقَدِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ الْإِنْصَافُ فِي هَذَا الْبَحْثِ أَنَّهُ إِنْ اخْتِيرَ طَرِيقُ التَّرْجِيحِ فَفِي أَحَادِيثِ النَّقْضِ كَثْرَةٌ وَقُوَّةٌ انْتَهَى وَقَالَ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْوِقَايَةِ إِنَّ أَحَادِيثَ النَّقْضِ أَكْثَرُ وَأَقْوَى مِنْ أَحَادِيثِ الرُّخْصَةِ انْتَهَى وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ حَدِيثَ بُسْرَةَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ طَلْقٍ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا دَعْوَى مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ بَلْ الدَّلِيلُ يَقْتَضِي خِلَافَهُ كَمَا سَتَعْرِفُ عَنْ قَرِيبٍ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ فِي حَدِيثِ بُسْرَةَ الْوُضُوءُ اللُّغَوِيُّ أَوْ غَسْلُ الْيَدِ وَفِيهِ أَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ تُحْمَلَ الْأَلْفَاظُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ في حديث بن عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ حَدِيثَ بُسْرَةَ وَحَدِيثَ طَلْقٍ تَعَارَضَا فَتَسَاقَطَا وَالْأَصْلُ عَدَمُ النَّقْضِ وَفِيهِ أَنَّ حَدِيثَ بُسْرَةَ هُوَ أَثْبَتُ وَأَقْوَى وَأَرْجَحُ مِنْ حَدِيثِ طَلْقٍ كَمَا عَرَفْتَ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ بُسْرَةَ مُتَأَخِّرٌ وَحَدِيثَ طَلْقٍ مُتَقَدِّمٌ فَيُجْعَلُ الْمُتَأَخِّرُ نَاسِخًا وَالْمُتَقَدِّمُ مَنْسُوخًا كَمَا سَتَعْرِفُ عَنْ قَرِيبٍ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِحَدِيثِ بُسْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ كَمَا عَرَفْتَ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ طَلْقٍ أَوَّلًا بِأَنَّهُ ضعيف وثانيا فإنه مَنْسُوخٌ قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ قَالُوا أَمَّا حَدِيثُ طَلْقٍ فَلَا يُقَاوِمُ هَذَا الْحَدِيثَ يَعْنِي حَدِيثَ بُسْرَةَ لِأَسْبَابٍ مِنْهَا نَكَارَةُ سَنَدِهِ وَرَكَاكَةُ رِوَايَتِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَزَعَمَ يَعْنِي مَنْ خَالَفَهُ أَنَّ قَاضِيَ الْيَمَامَةِ وَمُحَمَّدَ بْنَ جَابِرٍ ذَكَرَا عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا وُضُوءَ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ سَأَلْنَا عَنْ قَيْسٍ فَلَمْ نَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ بِمَا يَكُونُ لَنَا فِيهِ قَبُولُ خَبَرِهِ وَقَدْ عَارَضَهُ مَنْ وَصَفْنَا نَعْتَهُ وَرَجَاحَتَهُ فِي الْحَدِيثِ وَثَبْتَهُ وَأَشَارَ الشَّافِعِيُّ إِلَى حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ قَاضِي الْيَمَامَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ السَّحِيمِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ وَقَدْ مَرَّ حَدِيثُهُمَا وَأَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ ضَعِيفَانِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ طَلْقٍ أَيْضًا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ قَيْسٍ إِلَّا أَنَّ صَاحِبَيْ الصَّحِيحِ لَمْ يَحْتَجَّا بِشَيْءٍ مِنْ رِوَايَتِهِمَا وَرَوَاهُ أَيْضًا عِكْرِمَةُ بْنُ عِمَارَةَ عَنْ قَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَعِكْرِمَةُ أَقْوَى مَنْ رَوَاهُ عَنْ قَيْسٍ إِلَّا أَنَّهُ رَوَاهُ مُنْقَطِعًا قَالُوا وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ لَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ وَأَنَّهُ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ رُوِّينَا عن أبي حاتم أنه قال سألت أبي زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَا قَيْسُ بْنُ طَلْقٍ لَيْسَ مِمَّنْ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ وَوَهَنَّاهُ وَلَمْ يُثْبِتَاهُ قَالُوا وَحَدِيثُ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ كَمَا لَمْ يُخْرِجْهُ صَاحِبَا الصَّحِيحِ لَمْ يَحْتَجَّا أَيْضًا بِشَيْءٍ مِنْ رِوَايَاتِهِ وَلَا بِرِوَايَاتِ أَكْثَرِ رُوَاةِ حَدِيثِهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ

وَحَدِيثُ بُسْرَةَ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجَاهُ لِاخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي سَمَاعِ عُرْوَةَ مِنْ بُسْرَةَ أَوْ هُوَ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ فَقَدِ احْتَجَّا بِسَائِرِ رُوَاةِ حَدِيثِهَا مَرْوَانَ فَمَنْ دُونَهُ قَالُوا فَهَذَا وَجْهُ رُجْحَانِ حَدِيثِهَا عَلَى حَدِيثِ قَيْسٍ مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ الرُّجْحَانَ إِنَّمَا يَقَعُ بِوُجُودِ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ وَالْعَدَالَةِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ الرُّوَاةِ دُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ قُلْتُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ حَدِيثَ بُسْرَةَ وَحَدِيثَ طَلْقٍ كِلَاهُمَا صَحِيحَانِ لَكِنَّ حَدِيثَهَا أَصَحُّ وَأَثْبَتُ وَأَرْجَحُ مِنْ حَدِيثِهِ كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ مَنْسُوخٌ فَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِأَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ مُتَقَدِّمٌ وَحَدِيثَ بُسْرَةَ مُتَأَخِّرٌ قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ ص 54 و64 الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ يَعْنِي النَّسْخَ مِنْ جِهَةِ التَّارِيخِ أَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ زَمَنَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ وَحَدِيثَ بُسْرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لِتَأَخُّرِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ رَوَى الْحَازِمِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَبْنُونَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ يَا يَمَامِيُّ أَنْتَ أَرْفَقُ بِتَخْلِيطِ الطِّينِ وَلَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ فَرَقَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَذَا رُوِيَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُخْتَصَرًا وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَتَمَّ مِنْ هَذَا وَفِيهِ ذِكْرُ الرُّخْصَةِ فِي مَسِّ الذَّكَرِ قَالُوا إِذَا ثَبَتَ أَنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ مُتَقَدِّمٌ وَأَحَادِيثَ الْمَنْعِ مُتَأَخِّرَةٌ وَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا وَصَحَّ ادِّعَاءُ النَّسْخِ فِي ذَلِكَ ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ نَجِدُ أَمْرًا يُؤَكِّدُ مَا صِرْنَا إِلَيْهِ فَوَجَدْنَا طَلْقًا رَوَى حَدِيثًا فِي الْمَنْعِ فَدَلَّنَا ذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ النَّقْلِ فِي إِثْبَاتِ النَّسْخِ وَأَنَّ طَلْقًا قَدْ شَاهَدَ الْحَالَتَيْنِ وَرَوَى النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ إِلَّا حَمَّادُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُمَا عِنْدِي صَحِيحَانِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ هَذَا ثُمَّ سَمِعَ هَذَا بَعْدُ فَوَافَقَ حَدِيثَ بُسْرَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَسَمِعَ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ ثُمَّ رَوَى الْحَازِمِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَعِيدٍ الْكِسَائِيِّ الْفَقِيهِ أَنَّهُ قَالَ الْمَذْهَبُ فِي ذَلِكَ

عِنْدَ مَنْ يَرَى الْوُضُوءَ مِنْ ذَلِكَ يَقُولُونَ قَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ مِنْ وُجُوهٍ شَتَّى فَلَا يُرَدُّ ذَلِكَ بِحَدِيثِ مُلَازِمِ بْنِ عَمْرٍو وَأَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ وَلَوْ كَانَتْ رِوَايَتُهُمَا مُثْبَتَةً لَكَانَ فِي ذَلِكَ مَقَالٌ لِكَثْرَةِ مَنْ رَوَى بِخِلَافِ رِوَايَتِهِمَا وَمَعَ ذَلِكَ الِاحْتِيَاطُ فِي ذَلِكَ أَبْلَغُ وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ نَهَى أَنْ يَمَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ أَفَلَا تَرَوْنَ أَنَّ الذَّكَرَ لَا يُشْبِهُ سَائِرَ الْجَسَدِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِبْهَامِ وَالْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَمَا هُوَ مِنَّا كَانَ لَا بَأْسَ عَلَيْنَا أَنْ نَمَسَّهُ بِأَيْمَانِنَا وَكَيْفَ يُشَبَّهُ الذَّكَرُ بِمَا وَصَفُوهُ مِنَ الْإِبْهَامِ وَغَيْرِهِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ شرعا سواءا لَكَانَ سَبِيلُهُ فِي الْمَسِّ مَا سَمَّيْنَاهُ وَلَكِنْ ها هنا عِلَّةٌ قَدْ غَابَتْ عَنَّا مَعْرِفَتُهَا وَلَعَلَّ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ عُقُوبَةً لِكَيْ يَتْرُكَ النَّاسُ مَسَّ الذَّكَرِ فَنَصِيرُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى الِاحْتِيَاطِ انْتَهَى كلام الحازمي قال بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إِنَّ حَدِيثَ طَلْقٍ أَوْهَمَ عَالَمًا مِنَ النَّاسِ أَنَّهُ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ فَإِنَّ طَلْقَ بْنَ عَلِيٍّ كَانَ قُدُومُهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنْ سِنِي الْهِجْرَةِ حَيْثُ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَبْنُونَ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ بِسَنَدِهِ إِلَى طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِسْلَامُهُ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَكَانَ خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ خَبَرِ طَلْقٍ لِسَبْعِ سِنِينَ وَطَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ خَرَجْنَا وَفْدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ خَمْسَةً مِنْ بَنِي حنيفة ورجلا من بني بن رَبِيعَةَ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ وَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَأَخْبَرَنَا أَنَّ بِأَرْضِنَا بِيعَةً لَنَا وَاسْتَوْهَبْنَاهُ مِنْ فَضْلِ طَهُورِهِ فَقَالَ اذْهَبُوا بِهَذَا الْمَاءِ فَإِذَا قَدِمْتُمْ بَلَدَكُمْ فَاكْسِرُوا بِيعَتَكُمْ ثُمَّ انْضَحُوا مَكَانَهَا مِنْ هَذَا الْمَاءِ وَاتَّخِذُوا مَكَانَهَا مَسْجِدًا وَفِيهِ حَتَّى قدمنا بلدنا فعملنا الذي أمرنا قال بن حِبَّانَ فَهَذَا بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ طَلْقَ بْنَ عَلِيٍّ رَجَعَ إِلَى بَلَدِهِ بَعْدَ قُدُومِهِ ثُمَّ لَا يُعْلَمُ لَهُ رُجُوعٌ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ ذَلِكَ فَمَنِ ادَّعَى ذَلِكَ فَلْيُثْبِتْهُ بِسُنَّةٍ مُصَرِّحَةٍ وَلَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ بن حِبَّانَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي شَرْحِهِ لِشَرْحِ الْوِقَايَةِ الْمُسَمَّى بِالسِّعَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْحَازِمِيِّ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ هَذَا تَحْقِيقٌ حَقِيقٌ بِالْقَبُولِ فَإِنَّهُ بَعْدَ إِدَارَةِ النَّظَرِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ يَتَحَقَّقُ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّقْضِ أَكْثَرُ وَأَقْوَى مِنْ أَحَادِيثِ الرُّخْصَةِ وَأَنَّ أَحَادِيثَ الرُّخْصَةِ مُتَقَدِّمَةٌ وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَيَقَّنًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ لَكِنَّهُ هُوَ الظَّاهِرُ فَالْأَخْذُ بِالنَّقْضِ أَحْوَطُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُخَالِفُهُ الْقِيَاسُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكِنْ لَا مَجَالَ بَعْدَ وُرُودِ الْحَدِيثِ وأما كون أجل الصحابة كابن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ وَنَحْوِهِمْ قَائِلِينَ بِالرُّخْصَةِ فَلَا يَقْدَحُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْآثَارِ الْمَرْفُوعَةِ وَالْعُذْرُ مِنْ قِبَلِهِمْ أَنَّهُ قَدْ بَلَغَهُمْ حَدِيثُ طَلْقٍ وَأَمْثَالِهِ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ مَا يَنْسَخُهُ

وَلَوْ وَصَلَ لَقَالُوا بِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِمُسْتَبْعَدٍ فَقَدْ ثَبَتَ انْتِسَاخُ التَّطْبِيقِ فِي الرُّكُوعِ عِنْدَ جمع ولم يبلغ بن مَسْعُودٍ وَحَتَّى دَامَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ كَوْنِهِ مُلَازِمًا لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ الْأَمْرُ عِنْدِي كَمَا قَالَ صَاحِبُ السِّعَايَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَهَذَا الْحَدِيثُ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن ماجه وصححه بن حبان والطبراني وبن حزم وقال بن الْمَدِينِيِّ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ وَضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وبن الجوزي وادعى فيه النسخ بن حبان والطبراني وبن الْعَرَبِيِّ وَالْحَازِمِيُّ وَآخَرُونَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قُلْتُ تقدم كلام الحازمي وبن حِبَّانَ قَوْلُهُ (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ وَأَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ) قَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بن جابر ضعفه بن مَعِينٍ وَقَالَ الْفَلَّاسُ صَدُوقٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ ذَهَبَتْ كُتُبُهُ فَسَاءَ حِفْظُهُ وَخَلَطَ كَثِيرًا وَعَمِيَ فَصَارَ يُلَقِّنُ وَرَجَّحَهُ أبو حاتم على بن لَهِيعَةَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَرْجَمَةِ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ ضَعِيفٌ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ مَرَّةً ثِقَةٌ لا يقيم حديث يحيى وقال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ عِنْدَهُمْ لَيِّنٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَمَّا كُتُبُهُ فَصَحِيحَةٌ ولكن يحدث من حفظه فيغلط وقال بن عَدِيٍّ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَرِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهَا أبو داود وبن ماجه

باب ترك الوضوء من القبلة

62 - (باب تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ الْقُبْلَةِ) [86] قَوْلُهُ (عَنْ عُرْوَةَ) قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ لَمْ يَنْسُبْ التِّرْمِذِيُّ عُرْوَةَ في هذا الحديث أصلا وأما بن مَاجَهْ فَإِنَّهُ نَسَبَهُ فَقَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ فَذَكَرَهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرِجَالُ هَذَا السَّنَدِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ انْتَهَى وكذلك قال الحافظ بن حَجَرٍ وَقَالَ وَأَيْضًا فَالسُّؤَالُ الَّذِي فِي رِوَايَةِ أبي داود ظاهر في أنه بن الزُّبَيْرِ لِأَنَّ الْمُزَنِيَّ لَا يَجْسُرُ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ الْكَلَامَ لِعَائِشَةَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَأَرَادَ بِالسُّؤَالِ الَّذِي فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَوْلَهُ مَنْ هِيَ إِلَّا أَنْتَ وَهَذَا السُّؤَالُ مَوْجُودٌ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا قَوْلُهُ (قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ) أَيْ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ (ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) أَيْ فَصَلَّى بِالْوُضُوءِ السَّابِقِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وُضُوءًا جَدِيدًا مِنَ التَّقْبِيلِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَسَّ الْمَرْأَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَوْلُهُ (قَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ قَالُوا لَيْسَ فِي القبلة وضوء) وإليه ذهب علي وبن عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ مَرْوِيٌّ مِنْ طُرُقٍ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَبِحَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلِي فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهَا وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي لَفْظٍ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلِي فَضَمَمْتُهَا إِلَيَّ ثُمَّ سَجَدَ وَبِحَدِيثِهَا قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعتراض

الْجِنَازَةِ حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَبِحَدِيثِهَا قَالَتْ فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَضَعْتُ يَدِي عَلَى بَاطِنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ (وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي الْقُبْلَةِ وُضُوءٌ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ) وَإِلَى ذَلِكَ ذهب بن مسعود وبن عُمَرَ وَالزُّهْرِيُّ وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ لامستم النساء قَالُوا هَذِهِ الْآيَةُ صَرَّحَتْ بِأَنَّ اللَّمْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْدَاثِ الْمُوجِبَةِ لِلْوُضُوءِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ في لمس اليد ويؤيد بقاؤه عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ قِرَاءَةُ أَوْ لَمَسْتُمْ فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي مُجَرَّدِ اللَّمْسِ مِنْ دُونِ جِمَاعٍ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَطَارِقُ بْنُ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَوْلُهُ أَوْ لامستم النساء قَوْلٌ مَعْنَاهُ مَا دُونَ الْجِمَاعِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إِسْنَادٌ مَوْصُولٌ صَحِيحٌ وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنَ الْمُلَامَسَةِ فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَا كَلَامَ فِي أَنَّ حَقِيقَةَ الْمُلَامَسَةِ وَاللَّمْسِ هُوَ الْجَسُّ بِالْيَدِ لَكِنَّ الْمُرَادَ فِي الْآيَةِ الْمَجَازُ وَهُوَ الْجِمَاعُ لِوُجُودِ الْقَرِينَةِ وَهِيَ أَحَادِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورَةُ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْقُبْلَةَ لَيْسَ فِيهَا وُضُوءٌ وَقَدْ صرح بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الَّذِي عَلَّمَهُ اللَّهُ تَأْوِيلَ كِتَابِهِ وَاسْتَجَابَ فِيهِ دَعْوَةَ رَسُولِهِ بِأَنَّ اللَّمْسَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ هُوَ الْجِمَاعُ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ تَفْسِيرَهُ أَرْجَحُ مِنْ تَفْسِيرِ غَيْرِهِ لِتِلْكَ الْمَزِيَّةِ وَكَذَلِكَ صَرَّحَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْأَئِمَّةُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنِ الْجِمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أن تمسوهن الآية قال بن أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سعيد بن جبير عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ قَالَ الْجِمَاعَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُجَاهِدٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَقَتَادَةَ وَمُقَاتِلِ بْنِ حيان نحو ذلك وقال بن جَرِيرٍ حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ ذَكَرُوا اللَّمْسَ فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْمَوَالِي لَيْسَ بِالْجِمَاعِ وَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ اللَّمْسُ الْجِمَاعُ قَالَ فَلَقِيتُ بن عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ نَاسًا مِنَ الْمَوَالِي والعرب

اخْتَلَفُوا فِي اللَّمْسِ فَقَالَتِ الْمَوَالِي لَيْسَ بِالْجِمَاعِ وَقَالَتِ الْعَرَبُ الْجِمَاعُ قَالَ فَمِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ كُنْتَ قُلْتُ كُنْتُ مِنَ الْمَوَالِي قَالَ غُلِبَ فَرِيقُ الْمَوَالِي إِنَّ اللَّمْسَ وَالْمَسَّ وَالْمُبَاشَرَةَ الْجِمَاعُ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَكُنِّي مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ إِلَى أَنْ قَالَ وَقَدْ صَحَّ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قال ذلك ثم قال بن جَرِيرٍ وَقَالَ آخَرُونَ عَنَى اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ كُلَّ مَنْ لَمَسَ بِيَدٍ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ وَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ عَلَى كُلِّ مَنْ مَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهَا ثُمَّ أَوْرَدَ أَثَرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وبن عُمَرَ وَأَقْوَالِ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ فِي أَنَّ الْقُبْلَةَ مِنَ الْمَسِّ وَفِيهَا الْوُضُوءُ ثُمَّ قَالَ وَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ مِنَ الْمَسِّ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حنبل ثم قال بن جَرِيرٍ وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ عَنَى اللَّهُ بِقَوْلِهِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ الْجِمَاعَ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ مَعَانِي اللَّمْسِ لِصِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ مَسَّ الْمَرْأَةِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ هُوَ الْأَقْوَى وَالْأَرْجَحُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا تَرَكَ أَصْحَابُنَا حَدِيثَ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُمْ لِحَالِ الْإِسْنَادِ) فَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الضَّعِيفُ مُنْجَبِرٌ بِكَثْرَةِ رِوَايَاتِهِ وَبِحَدِيثِ لَمْسِ عَائِشَةَ لِبَطْنِ قَدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالِاعْتِذَارُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي لَمْسِهَا لِقَدَمِهِ صَلَّى الله عليه وسلم بما ذكره بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ مِنْ أَنَّ اللَّمْسَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ بِحَائِلٍ أَوْ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِهِ تَكَلُّفٌ وَمُخَالَفَةٌ لِلظَّاهِرِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَصْحَابُنَا أَهْلُ الْحَدِيثِ قَالَ الشيخ سراج أحمد السرهندي في شرح الترمذي مَا لَفْظُهُ وجزاين نيست لَهُ تَرْكُ كردند أَصْحَاب مَا أَهْل حَدِيثِ حَدِيثَ عَائِشَةَ إِلَخْ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَرَكَ أَصْحَابُنَا أَيْ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَوْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْأَوَّلُ انْتَهَى قُلْتُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ أَصْحَابُنَا فِي الْمُقَدِّمَةِ (قَالَ وَسَمِعْتُ أَبَا بكر العطار البصري) اسمه أحمد بن محمد بْنُ إِبْرَاهِيمَ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (وَقَالَ هُوَ شِبْهُ لَا شَيْءَ) يَعْنِي أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو

داود وبن مَاجَهْ (وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عروة) قال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ ذَكَرَ أَبِي عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ لَمْ يَسْمَعْ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ مِنْ عُرْوَةَ وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ انْتَهَى (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَهَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وَهَذَا لَا يَصِحُّ أَيْضًا ولا يعرف لِإِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ سَمَاعًا مِنْ عَائِشَةَ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ وَلَا مِنْ حَفْصَةَ وَلَا أَدْرَكَ زَمَانَهُمَا وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ فَوَصَلَ إِسْنَادَهُ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي لَفْظِهِ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَقَالَ عَنْهُ غَيْرُ عُثْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَلَا يَتَوَضَّأُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى (وَلَيْسَ يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ) أَيْ فِي بَابِ تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنَ الْقُبْلَةِ لَكِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ مَرْوِيٌّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فَالضَّعْفُ مُنْجَبِرٌ بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ وَيُؤَيِّدُهُ أَحَادِيثُ عَائِشَةَ الْأُخْرَى كَمَا قَدْ عَرَفْتَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِانْتِقَاضِ الْوُضُوءِ مِنَ الْقُبْلَةِ وَلَمْسِ الْمَرْأَةِ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ وُجُودِ اللَّذَّةِ وَعَدَمِهِ قَالَ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ لَمْ يَشْتَرِطْ الشافعي وجود اللذة لظاهر قول بن عمر وبن مَسْعُودٍ وَعُمَرَ وَالْآيَةِ وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمُسْتَكْرَهَةِ وَالنَّائِمَةِ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ لَذَّةٌ وَاشْتَرَطَ مَالِكٌ اللَّذَّةَ أَوْ وُجُودَهَا عِنْدَ اللَّمْسِ وَهُوَ أَصَحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي الْمُلَامَسَةِ إِلَّا قَوْلَانِ الْجِمَاعُ وَمَا دُونَهُ وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي إِنَّمَا أَرَادَ مَا دُونَهُ مِمَّا لَيْسَ بِجِمَاعٍ وَلَمْ يُرِدْ اللَّطْمَةَ وَلَا قُبْلَةَ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ وَلَا اللَّمْسَ بِلَا شَهْوَةٍ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا مَا وَقَعَتْ بِهِ اللَّذَّةُ إِذْ لَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ لَطَمَ امْرَأَتَهُ أَوْ دَاوَى جُرْحَهَا لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ من لمس ولم يلتذ كذا قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ مَسَّ الْمَرْأَةِ بِلَطْمِهَا أَوْ مُدَاوَاةِ جُرْحِهَا نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ فَإِنْ أَرَادَ نَفْيَ الْخِلَافِ فِي مَذْهَبِهِ لَمْ يَتِمَّ الدَّلِيلُ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَحْمَلِ النزاع انتهى كلام الزرقاني

باب الوضوء من القيء والرعاف

63 - (باب الْوُضُوءِ مِنَ الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ) بِضَمِّ الرَّاءِ الدَّمُ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْأَنْفِ وَأَيْضًا الدَّمُ بِعَيْنِهِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ [87] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ أَبِي السَّفَرِ) اسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْفَاءِ سَعِيدُ بْنُ يَحْمَدَ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَأَبِي أُسَامَةَ وَعَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الوارث وغيرهم وعنه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ مَاتَ سَنَةَ 852 ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ يَهِمُ (وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) بْنِ بَهْرَامَ الْكَوْسَجُ أَبُو يَعْقُوبَ التَّمِيمِيُّ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْمُتَمَسِّكِينَ بِالسُّنَّةِ صَاحِبُ مَسَائِلِ الْإِمَامَيْنِ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ رَحَّالٌ جوال واسع العلم عن بن عُيَيْنَةَ وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مَاتَ سَنَةَ 152 إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ (قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ ثَنَا وَقَالَ إِسْحَاقُ أَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ) يَعْنِي قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي رِوَايَتِهِ ثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بِلَفْظِ التَّحْدِيثِ وَقَالَ إِسْحَاقُ فِي رِوَايَتِهِ أَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ وَعَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الوارث هذا هو بن سَعِيدٍ الْعَنْبَرِيُّ التَّنُّورِيُّ أَبُو سَهْلٍ الْبَصْرِيُّ الْحَافِظُ صَدُوقٌ ثَبْتٌ فِي شُعْبَةَ مِنَ التَّاسِعَةِ مَاتَ سَنَةَ 702 سَبْعٍ وَمِائَتَيْنِ (قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي) هُوَ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ذَكْوَانَ التَّمِيمِيُّ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ النَّسَائِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَقَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ قَالَ بن سَعْدٍ تُوُفِّيَ سَنَةَ 081 سَنَةَ ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ) هُوَ الْحُسَيْنُ بْنُ ذَكْوَانَ الْمُعَلِّمُ الْمُكَتِّبُ الْعَوْذِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ رُبَّمَا وَهَمَ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ يَعِيشَ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيِّ) الْأُمَوِيِّ الْمُعَيْطِيِّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَمُعَاوِيَةَ وَعَنْهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ بِالتَّصْغِيرِ الْأُمَوِيُّ أَبُو يَعِيشَ الْمُعَيْطِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السادسة

(عن معدان بن أبي طلحة) ويقال بن طَلْحَةَ الْيَعْمُرِيِّ شَامِيٌّ ثِقَةٌ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (قَاءَ فَتَوَضَّأَ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الْفَاءُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ مُرَتَّبًا عَلَى الْقَيْءِ وَبِسَبَبِهِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ فَتَكُونُ هِيَ لِلسَّبَبِيَّةِ فَيَنْدَفِعُ بِهِ مَا أَجَابَ بِهِ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ النَّقْضِ مِنْ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْقَيْءَ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْوُضُوءُ بَعْدَ الْقَيْءِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الِاتِّفَاقِ انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُهُ قَاءَ فَتَوَضَّأَ لَيْسَ نَصًّا صَرِيحًا فِي أَنَّ الْقَيْءَ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ مِنْ دُونِ أَنْ تَكُونَ لِلسَّبَبِيَّةِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ يَعْنِي فِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ بِلَفْظِ قَاءَ فَأَفْطَرَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَيْءَ كَانَ مُفْطِرًا لَهُ إِنَّمَا فيه قَاءَ فَأَفْطَرَ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى (فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ) قَائِلُهُ مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ) أَيْ فَذَكَرْتُ لِثَوْبَانَ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَتَوَضَّأَ (فَقَالَ) أَيْ ثَوْبَانُ (صَدَقَ) أَيْ أَبُو الدَّرْدَاءِ (أَنَا صَبَبْتُ لَهُ) صَلَّى الله عليه وسلم (وضوأه) بفتح الواو أي ماء وضوئه قوله (وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ مَعْدَانُ بْنُ طَلْحَةَ) بحذف لفظ أبي (وبن أَبِي طَلْحَةَ أَصَحُّ) بِزِيَادَةِ لَفْظِ أَبِي كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَأَى غير واحد مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم من التَّابِعِينَ الْوُضُوءَ مِنَ الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وَهُوَ قَوْلُ سفيان الثورى وبن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَحَمَّادٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حُيَيٍّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الحسين والأوزاعي كذا ذكره بن عَبْدِ الْبَرِّ وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ الْبَابِ

قُلْتُ الِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ الْبَابِ مَوْقُوفٌ عَلَى أَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ فِي فَتَوَضَّأَ لِلسَّبَبِيَّةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ كَمَا عَرَفْتَ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَفْظُ فَتَوَضَّأَ بَعْدَ لَفْظِ قَاءَ مَحْفُوظًا وَهُوَ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ فَإِنَّهُ رَوَى أَبُو دَاوُدَ هَذَا الحديث بلفظ قاء فأفطر وبهذا اللفظ ذكر التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ حَيْثُ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ وَفُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ قَالَ وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ صَائِمًا فَقَاءَ فَضَعُفَ فَأَفْطَرَ لِذَلِكَ هَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا انْتَهَى وَأَوْرَدَهُ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمِشْكَاةِ بِلَفْظِ قَاءَ فَأَفْطَرَ وَقَالَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ انْتَهَى وَأَوْرَدَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بِهَذَا اللَّفْظِ حَيْثُ قَالَ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ وبن الجارود وبن حبان والدارقطني والبيهقي والطبراني وبن مِنْدَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ قَالَ مَعْدَانُ فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ إِلَخْ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي شَرْحِ الْآثَارِ فَمَنْ يَرُومُ الِاسْتِدْلَالَ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ الْقَيْءَ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ لَفْظَ تَوَضَّأَ بَعْدَ لَفْظِ قَاءَ مَحْفُوظٌ فَمَا لَمْ يَثْبُتْ هَذَانِ الْأَمْرَانِ لَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَصَابَهُ قَيْءٌ أَوْ رُعَافٌ أَوْ قَلْسٌ أَوْ مَذْيٌ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ لَا يتكلم أخرجه بن مَاجَهْ قُلْتُ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ مِنْ رواية إسماعيل بن عياش عن بن جُرَيْجٍ وَهُوَ حِجَازِيٌّ وَرِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْحِجَازِيِّينَ ضَعِيفَةٌ ثُمَّ الصَّوَابُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِأَحَادِيثَ أُخْرَى ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَالْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ لَا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهَا لِلِاسْتِدْلَالِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْكَلَامِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ لَيْسَ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَعَدَمِ نَقْضِهِ بِالدَّمِ وَالْقَيْءِ وَالضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ انْتَهَى كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ص 32 (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ فِي الْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وُضُوءٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ) فَعِنْدَ مَالِكٍ لَا يُتَوَضَّأُ مِنْ رُعَافٍ وَلَا قَيْءٍ وَلَا قَيْحٍ يَسِيلُ مِنَ الْجَسَدِ وَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ يَخْرُجُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ دُبُرٍ وقيل ومن

نَوْمٍ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ وَكَذَلِكَ الدَّمُ عِنْدَهُ يَخْرُجُ مِنَ الدُّبُرِ لَا وُضُوءَ فِيهِ لِأَنَّهُ يَشْتَرِطُ الْخُرُوجَ الْمُعْتَادَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الرُّعَافِ وَسَائِرِ الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ كَقَوْلِهِ إِلَّا مَا يَخْرُجُ مِنَ الْمَخْرَجَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ دَمًا أَوْ حَصَاةً أَوْ دُودًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَمِمَّنْ كَانَ لَا يَرَى فِي الدِّمَاءِ الْخَارِجَةِ مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجَيْنِ الْوُضُوءَ طَاوُسٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو ثَوْرٍ كَذَا قال بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ مَا زَالَ الْمُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ فِي جِرَاحَاتِهِمْ وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَطَاءٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ لَيْسَ فِي الدَّمِ وُضُوءٌ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَأَهْلُ الْحِجَازِ هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْمَذْكُورِينَ قِيلَ حِجَازِيُّونَ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بن جبير وأخرجه بن أبي شيبة من طريق بن عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ قَالَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى وَجُرْحُهُ يَنْبُعُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ أَثَرُ عُمَرَ هَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَفِيهِ فَصَلَّى عُمَرُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا قَالَ الزُّرْقَانِيُّ بِمُثَلَّثَةٍ ثم عين مفتوحة قال بن الْأَثِيرِ أَيْ يَجْرِي انْتَهَى وَاحْتَجَّ لِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا بِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَرُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ انْتَهَى أَجَابَ عَنْهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ فِي اللُّمَعَاتِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَنْتَهِضُ حُجَّةً إِذَا ثَبَتَ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلَاةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ وَالدَّمُ إِذَا سَالَ أَصَابَ بَدَنَهُ وَرُبَّمَا أَصَابَ ثِيَابَهُ وَمَعَ إِصَابَةِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الدَّمَ كَانَ يَجْرِي مِنَ الْجُرْحِ عَلَى سَبِيلِ الدَّفْقِ حَتَّى لَمْ يُصِبْ شَيْئًا مِنْ ظَاهِرِ بَدَنِهِ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ أَمْرٌ عَجَبٌ كَذَا ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ قُلْتُ حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني وصححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ هُوَ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلَاةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تِلْكَ كَانَتْ فِي حَالَةِ الْحِرَاسَةِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ الْعَيْنِيُّ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ مِنْ رِوَايَةِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وصحيح بن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ قَالَ وَزَادَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا لهما قال ولم يَأْمُرْهُ بِالْوُضُوءِ وَلَا بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ انْتَهَى فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْعَيْنِيُّ فَاطِّلَاعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلَاةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ ثَابِتٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ وَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ يصح الاستدلال إلخ فقال الحافظ بن حَجَرٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ أَصَابَ الثَّوْبَ فَقَطْ فَنَزَعَهُ وَلَمْ يَسِلْ عَلَى جِسْمِهِ إِلَّا قَدْرٌ يَسِيرٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ ثُمَّ الْحُجَّةُ قَائِمَةٌ بِهِ عَلَى كَوْنِ

باب الوضوء بالنبيذ

خُرُوجِ الدَّمِ لَا يَنْقُضُ وَلَمْ يَظْهَرْ الْجَوَابُ عَنْ كَوْنِ الدَّمِ أَصَابَهُ انْتَهَى وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَمَّا تَمَسَّكَ بِهِ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي الدَّرْدَاءِ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ بِلَفْظِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ لَيْسَ بِنَصٍّ صَرِيحٍ فِي أَنَّ الْقَيْءَ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ كَمَا عَرَفْتَ ثُمَّ هُوَ مَرْوِيٌّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ رُوِيَ بِلَفْظِ قَاءَ فَأَفْطَرَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الْحَدِيثُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِ السنن الثلاث وبن الجارود وبن حبان والدارقطني والبيهقي والطبراني وبن مِنْدَهْ وَالْحَاكِمِ بِلَفْظِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ قَالَ مَعْدَانُ فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ الْحَدِيثَ وَبِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمَذْكُورَ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنِ بن جُرَيْجٍ وَهُوَ حِجَازِيٌّ وَرِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْحِجَازِيِّينَ ضَعِيفَةٌ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ حُسَيْنٍ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هذا الباب) قال بن مِنْدَهْ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ وَتَرَكَهُ الشَّيْخَانِ لِاخْتِلَافٍ فِي سَنَدِهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ جَوَّدَهُ حُسَيْنٌ وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ ذَكَرَهُ الطَّبَرَانِيُّ وغيره كذا في النيل 4 - (بَابُ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْبَاءِ مَا يُعْمَلُ مِنَ الْأَشْرِبَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ نَبَذْتُ التَّمْرَ وَالْعِنَبَ إِذَا تَرَكْتُ عَلَيْهِ الْمَاءَ لِيَصِيرَ نَبِيذًا وَأَنْبَذْتُهُ اتَّخَذْتُهُ نَبِيذًا سَوَاءٌ كَانَ مُسْكِرًا أَمْ لَا وَيُقَالُ لِلْخَمْرِ الْمُعْتَصَرِ مِنَ الْعِنَبِ نَبِيذٌ كَمَا يُقَالُ للنبيذ خمر قاله بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ [88] قَوْلُهُ (نَا شَرِيكٌ) هُوَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ أَبِي فَزَارَةَ) اسْمُهُ رَاشِدُ بْنُ كَيْسَانَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي زَيْدٍ) مَجْهُولٌ لَيْسَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَلَا يُعْرَفُ أَبُوهُ ولا بلده

قَوْلُهُ (سَأَلَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا فِي إِدَاوَتِكَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ إِنَاءٌ صَغِيرٌ مِنْ جِلْدٍ يُتَّخَذُ لِلْمَاءِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَا فِي إِدَاوَتِكَ (فَقَالَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَمْرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ) بِفَتْحِ الطَّاءِ أَيْ النَّبِيذِ لَيْسَ إِلَّا تَمْرَةٌ وَهِيَ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ وَهُوَ طَهُورٌ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ التَّوَضُّؤَ قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو زَيْدٍ رَجُلٌ مَجْهُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نصب الراية قال بن حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ أَبُو زَيْدٍ شَيْخٌ يروي عن بن مَسْعُودٍ لَيْسَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَلَا أَبُوهُ وَلَا بَلَدُهُ وَمَنْ كَانَ بِهَذَا النَّعْتِ ثُمَّ لم يروا إِلَّا خَبَرًا وَاحِدًا خَالَفَ فِيهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْإِجْمَاعَ وَالْقِيَاسَ اسْتَحَقَّ مُجَانَبَةَ مَا رَوَاهُ انْتَهَى وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ الْعِلَلِ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ حَدِيثُ أَبِي فَزَارَةَ بِالنَّبِيذِ لَيْسَ بصحيح وأبو زيد مجهول وذكر بن عَدِيٍّ عَنِ الْبُخَارِيِّ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الَّذِي روى حديث بن مَسْعُودٍ فِي الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ بِصُحْبَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ خلاف القرآن انتهى قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ السَّيِّدُ جَمَالٌ أَجْمَعَ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي هَذَا الْحَدِيثُ أَطْبَقَ عُلَمَاءُ السَّلَفِ عَلَى تَضْعِيفِهِ انْتَهَى وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ في معاني الاثار إن حديث بن مَسْعُودٍ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ لَا تَقُومُ بِمِثْلِهَا حجة انتهى والحديث أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْوُضُوءَ بِالنَّبِيذِ مِنْهُمْ سُفْيَانُ وَغَيْرُهُ) وَمِنْهُمْ أَبُو حنيفة

قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ فَإِنْ عَدِمَ الْمَاءُ إِلَّا نَبِيذَ التَّمْرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْوُضُوءِ بِهِ فَقَطْ وَأَبُو يُوسُفَ بِالتَّيَمُّمِ فَحَسْبُ وَمُحَمَّدٌ بِهِمَا انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَرُوِيَ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ أَبِي يوسف قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ قَالَ التَّوَضُّؤُ بِنَبِيذِ التَّمْرِ جَائِزٌ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ مَعَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ أَخَذَ مُحَمَّدٌ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَتَوَضَّأُ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَفِي رِوَايَةٍ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو يُوسُفَ وَرَوَى نُوحٌ الْجَامِعُ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ص 849 ج 1 مَا لَفْظُهُ وَفِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لِأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيِّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إِحْدَاهَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَيُشْتَرَطُ فِيهِ النِّيَّةُ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَهَذِهِ هِيَ الْمَشْهُورَةُ وَقَالَ قَاضِيخَانْ هُوَ قَوْلُهُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالثَّانِيَةُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَوَضَّأُ رَوَاهَا عَنْهُ نُوحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَأَسَدُ بْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ قَاضِيخَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْهُ وَالَّذِي رَجَعَ إِلَيْهَا وَبِهَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَاخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ هَذَا وَالثَّالِثَةُ رُوِيَ عَنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَتَوَضَّأُ بِالنَّبِيذِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَجُمْهُورُهُمْ وَدَلِيلُهُمْ أَنَّ النَّبِيذَ لَيْسَ بِمَاءٍ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ تَجِدُوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَضَعَّفَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَاخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالنَّبِيذِ الْوُضُوءُ فِي سَفَرٍ وَلَا فِي حَضَرٍ وقال إن حديث بن مَسْعُودٍ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ لَا تَقُومُ بِمِثْلِهَا حُجَّةٌ وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إِنِّي لَمْ أَكُنْ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَهُ وَسُئِلَ أَبُو عُبَيْدَةَ هَلْ كَانَ أَبُوكَ لَيْلَةَ الْجِنِّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا مَعَ أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ وَلَمْ نَعْتَبِرْ فِيهِ اتِّصَالًا وَلَا انْقِطَاعًا وَلَكِنَّا احْتَجَجْنَا بِكَلَامِ أَبِي عُبَيْدَةَ لِأَنَّ مِثْلَهُ فِي تَقَدُّمِهِ فِي الْعِلْمِ وَمَكَانِهِ مِنْ أَمْرِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِثْلُ هَذَا فَجَعَلْنَا قَوْلَهُ حُجَّةً فِيهِ انْتَهَى (وَقَوْلُ

مَنْ قَالَ لَا يَتَوَضَّأُ بِالنَّبِيذِ أَقْرَبُ إِلَى الْكِتَابِ وَأَشْبَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فَلَمْ تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا أي والنبيذ ليس بماء قال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَالْمَاءُ يَكُونُ فِي تَصْفِيَتِهِ وَلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ فَإِذَا خَرَجَ عَنْ إِحْدَاهَا لَمْ يَكُنْ مَاءً وَقَالَ فَلَمْ يَجْعَلْ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتَّيَمُّمِ وَاسِطَةً وَهَذِهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالزِّيَادَةُ عِنْدَهُمْ عَلَى النَّصِّ نَسْخٌ وَنَسْخُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِقُرْآنٍ مِثْلِهِ أَوْ بِخَبَرٍ مُتَوَاتِرٍ وَلَا يَنْسَخُ الْخَبَرُ الْوَاحِدُ إِذَا صَحَّ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ ضَعِيفًا مَطْعُونًا فِيهِ انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ وَأَمَّا قَوْلُ إِنَّهُ يَلْزَمُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْقَاطِعِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ وإن كان الماء المنبذ مقيدا في بادىء الرَّأْيِ إِلَّا أَنَّ الْعَرَبَ يَسْتَعْمِلُونَ النَّبِيذَ مَوْضِعَ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِ التَّفَكُّهِ بَلْ يَكُونُ مِثْلَ الْمَاءِ الْمَخْلُوطِ بِالثَّلْجِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ أَحَدٌ بِأَنَّهُ مَاءٌ مُقَيَّدٌ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الْجَوَابُ وَاهٍ جِدًّا فَإِنَّ النَّبِيذَ لَوْ كَانَ مِثْلَ الْمَاءِ الْمَخْلُوطِ بِالثَّلْجِ لَمْ يَقَعْ الِاخْتِلَافُ فِي جَوَازِ التَّوَضُّؤِ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ بَلْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ أَيْضًا كَمَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمَخْلُوطِ بِالثَّلْجِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ الْخَالِصِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّهُ كَيْفَ تَفَوَّهَ بِأَنَّ النَّبِيذَ مِثْلُ الْمَاءِ الْمَخْلُوطِ بِالثَّلْجِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الثَّلْجَ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعٍ مِنَ الْمِيَاهِ الصِّرْفَةِ فَالْمَاءُ الْمَخْلُوطُ بِهِ مَاءٌ صِرْفٌ وَأَمَّا النَّبِيذُ فَلَيْسَ بِمَاءٍ صِرْفٍ بَلْ هُوَ مَاءٌ اخْتَلَطَ بِهِ أَجْزَاءُ مَا أُلْقِيَ فِيهِ مِنَ التَّمْرِ وَغَيْرِهِ وَصَارَ طَعْمُهُ حُلْوًا بِحَيْثُ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم سأل بن مَسْعُودٍ هَلْ مَعَكَ مَاءٌ فَقَالَ لَا مَعَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ النَّبِيذُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ هَلْ مَعَكَ مَاءٌ قَالَ لَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ اسْتَحَالَ فِي التَّمْرِ حَتَّى سُلِبَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ وَإِلَّا لَمَا صَحَّ نَفْيُهُ عَنْهُ انْتَهَى وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الْعَرَبَ يَسْتَعْمِلُونَ النَّبِيذَ مَوْضِعَ الْمُطْلَقِ إِلَخْ فَلَا يُجْدِي نَفْعًا فَإِنَّ بِاسْتِعْمَالِهِمْ شَيْئًا غَيْرَ الْمَاءِ مَكَانَ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الشَّيْءُ عِنْدَ الشَّرْعِ مَاءً مُطْلَقًا وَفِي حُكْمِهِ

باب المضمضة من اللبن

وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْإِشْكَالَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَسِيرٌ جِدًّا عَلَى الْحَنَفِيَّةِ لَا يُمْكِنُ مِنْهُمْ دَفْعُهُ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ النَّبِيذِ مَشْهُورٌ يُزَادُ بِمِثْلِهِ عَلَى الْكِتَابِ فَهُوَ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ فَإِنَّ شُرَّاحَ الْهِدَايَةِ قَدْ بَيَّنُوا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ مَشْهُورًا بِالشُّهْرَةِ الِاصْطِلَاحِيَّةِ الَّذِي تَجُوزُ بِهِ الزِّيَادَةُ نَعَمْ لَهُ شُهْرَةٌ عُرْفِيَّةٌ وَلُغَوِيَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ السِّعَايَةِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ أَمَّا كَوْنُهُ مَشْهُورًا فَلَيْسَ يُرِيدُ الِاصْطِلَاحِيَّ انْتَهَى وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ بَذْلِ الْمَجْهُودِ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ كُبَرَاءِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وبن مسعود وبن عمر وبن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ مَوْرِدَ الشُّهْرَةِ وَالِاسْتِفَاضَةِ حَيْثُ عَمِلَ بِهِ الصَّحَابَةُ وَتَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ وَمِثْلُهُ مِمَّا يُنْسَخُ بِهِ الْكِتَابُ فَمَبْنِيٌّ عَلَى قِلَّةِ اطِّلَاعِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ التَّوَضُّؤُ بِالنَّبِيذِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ عَمِلَ بِهِ الصَّحَابَةُ أَمَّا الشُّهْرَةُ فَلَيْسَتِ الِاصْطِلَاحِيَّةَ وَإِنَّمَا يُرِيدُ شُهْرَتَهُ بَيْنَ النَّاسِ وَأَمَّا عَمَلُ الصَّحَابَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ ضَعِيفَيْنِ عَنْ عَلِيٍّ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَضْعَفَ منهما عن بن عباس ومن طريق أخرى عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إِذَا لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ مَاءً وَوَجَدَ النَّبِيذَ فَلْيَتَوَضَّأْ بِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ نَحْوَهُ وَقَالَ الصَّوَابُ مَوْقُوفٌ عَلَى عِكْرِمَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ هِقْلٌ وَالْوَلِيدُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا قَالَ شَيْبَانُ وَعَلِيُّ بْنُ المبارك عن يحيى انتهى 5 - (باب الْمَضْمَضَةِ مِنْ اللَّبَنِ) [89] قَوْلُهُ (عَنْ عُقَيْلٍ) بِضَمِّ العين مصغرا هو بن خَالِدِ بْنِ عَقِيلٍ بِالْفَتْحِ الْأَيْلِيُّ أَبُو خَالِدٍ مَوْلَى عُثْمَانَ رَوَى عَنِ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَالزُّهْرِيِّ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ أَيُّوبُ بْنُ أَيُّوبَ وَاللَّيْثُ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَثْبَتُ مِنْ مَعْمَرٍ مَاتَ سَنَةَ 141 إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ قَوْلُهُ (إِنَّ لَهُ دَسَمًا) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ إِنَّ وَقُدِّمَ عَلَيْهِ خَبَرُهُ وَالدَّسَمُ بِفَتْحَتَيْنِ الشَّيْءُ الَّذِي يَظْهَرُ عَلَى اللَّبَنِ مِنَ الدُّهْنِ وَهُوَ بَيَانٌ لِعِلَّةِ الْمَضْمَضَةِ مِنَ اللَّبَنِ فَيَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ دَسَمٍ وَيُسْتَنْبَطُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ غَسْلِ الْيَدَيْنِ لِلتَّنْظِيفِ قَالَهُ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ

باب في كراهة رد السلام غير متوضئ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وأم سلمة) أخرج حديثهما بن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَإِسْنَادُ كُلٍّ مِنْهُمَا حَسَنٌ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) هَذَا أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَخْرَجَهَا الْأَئِمَّةُ الْخَمْسَةُ وَهُمْ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ شَيْخٍ وَاحِدٍ وَهُوَ قُتَيْبَةُ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (وَهَذَا عِنْدَنَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ) فَإِنْ قُلْتَ رَوَى بن مَاجَهْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ فَذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مضمضوا من اللبن الحديث ورواه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مِثْلَهُ وَأَصْلُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ قُلْتُ نَعَمْ الْأَصْلُ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ لَكِنْ إِذَا وُجِدَ دليل الاستحباب يحمل عليه وههنا دَلِيلُ الِاسْتِحْبَابِ مَوْجُودٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلِاسْتِحْبَابِ مَا رواه الشافعي عن بن عَبَّاسٍ رَاوِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ شَرِبَ لَبَنًا فَمَضْمَضَ ثُمَّ قَالَ لَوْ لَمْ أَتَمَضْمَضْ مَا بَالَيْتُ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ لَبَنًا فَلَمْ يَتَمَضْمَضْ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ انْتَهَى كَلَامُ الحافظ فإن قلت ادعى بن شاهين أن حديث أنس ناسخ لحديث بن عَبَّاسٍ قُلْتُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَمَنْ قَالَ فِيهِ بِالْوُجُوبِ حَتَّى يَحْتَاجَ إِلَى دَعْوَى النَّسْخِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ 6 - (بَاب فِي كَرَاهَةِ رَدِّ السَّلَامِ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ) [90] قَوْلُهُ (قَالَا نَا أَبُو أَحْمَدَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير بْنِ عَمْرِو بْنِ دِرْهَمٍ الْأَسَدِيُّ الزُّبَيْرِيُّ

الكوفي ثقة ثبت إلا أنه قد يخطىء فِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ مِنَ التَّاسِعَةِ مَاتَ سَنَةَ 203 ثَلَاثٍ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ سُفْيَانَ) هو الثوري (عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ حِزَامٍ الْأَسَدِيِّ الْحِزَامِيِّ الْمَدَنِيِّ رَوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ونافع وخلق وعنه الثوري وبن وهب ويحيى القطان وخلق وثقه بن معين وأبو داود وبن سَعْدٍ وَقَالَ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ 351 ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ يَهِمُ قَوْلُهُ (فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) فِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ بَلْ قَالُوا يُكْرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمُشْتَغِلِ بِقَضَاءِ حَاجَةِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَإِنْ سَلَّمَ كُرِهَ لَهُ رَدُّ السَّلَامِ وَيُكْرَهُ لِلْقَاعِدِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنَ الْأَذْكَارِ فَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ وَلَا يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا عَطَسَ وَفِي حَدِيثِ جابر بن عبد الله عند بن مَاجَهْ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ أَرُدَّ عَلَيْكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يُكْرَهُ هَذَا) أَيْ رَدُّ السَّلَامِ (إِذَا كَانَ) أَيْ الَّذِي سَلَّمَ عَلَيْهِ (عَلَى الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ) وأَمَّا إِذَا فَرَغَ وَقَامَ فَلَا كَرَاهَةَ فِي رَدِّ السَّلَامِ وَعَلَى هَذَا فَلَا مُطَابَقَةَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالْبَابِ إِذْ الْحَدِيثُ خَاصٌّ وَالْبَابُ عَامٌّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَعَلْقَمَةَ بْنِ الشَّفْوَاءِ وَجَابِرٍ وَالْبَرَاءِ) أَمَّا حَدِيثُ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ فأخرجه أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ إِنَّهُ سَلَّمَ عَلَى

باب ما جاء في سؤر الكلب

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ وُضُوئِهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلَّا أَنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ الله إلا على طهارة ولفظ أبو دَاوُدَ وَهُوَ يَبُولُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ إِنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ بَالَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ بِيَدِهِ إِلَى الْحَائِطِ يَعْنِي أَنَّهُ تَيَمَّمُ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِيهِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ عَلْقَمَةَ بْنِ الشَّفْوَاءِ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُهْرِقَ الْمَاءُ نُكَلِّمُهُ فَلَا يُكَلِّمُنَا حَتَّى يَأْتِيَ مَنْزِلَهُ فَيَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نُكَلِّمُكَ فَلَا تُكَلِّمْنَا وَنُسَلِّمُكَ فَلَا تَرُدَّ عَلَيْنَا حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الرُّخْصَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا قمتم إلى الصلاة الْآيَةَ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ وَفِيهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَهُوَ ضعيف انتهى وأما حديث جابر وهو بن عبد الله فأخرجه بن مَاجَهْ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَيْضًا قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يَبُولُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ ثُمَّ دَخَلَ بَيْتَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ الْفَضْلُ بْنُ أَبِي حَسَّانَ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ لَمْ أَجِدْ مَنْ ذَكَرَهُ وأما حديث البراء وهو بن عَازِبٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ إِنَّهُ سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ حَتَّى فَرَغَ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِيهِ مَنْ لَمْ أَعْرِفْهُ انْتَهَى 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي سُؤْرِ الْكَلْبِ) [91] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَوَّارُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ (بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ) التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ قَاضِي الرُّصَافَةِ وَغَيْرِهَا ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ غَلِطَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ قَالَهُ الْحَافِظُ رَوَى عَنْ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَيَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ أبو داود والترمذي والنسائي ووثقه قال بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ مَاتَ سَنَةَ 543 خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (نَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ) التَّيْمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ يُلَقَّبُ بِالطُّفَيْلِ ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ 781 سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ (قَالَ سَمِعْتُ أيوب) بن أَبِي تَمِيمَةَ كَيْسَانَ السِّخْتِيَانِيَّ الْبَصْرِيَّ الْفَقِيهَ أَحَدَ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ حُجَّةٌ مِنْ كِبَارِ الْفُقَهَاءِ مَاتَ سَنَةَ 131 إِحْدَى وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ وَلَهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ الْأَنْصَارِيِّ البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى من الثالثة مات سَنَةَ 110 عَشَرَةَ وَمِائَةٍ

قَوْلُهُ (إِذَا وَلَغَ) يُقَالُ وَلَغَ يَلَغُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا إِذَا شَرِبَ بِطَرَفِ لِسَانِهِ أَوْ أَدْخَلَ لِسَانَهُ فِيهِ فَحَرَّكَهُ وَقَالَ ثَعْلَبٌ هُوَ أَنْ يُدْخِلَ لِسَانَهُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُلِّ مائع فيحركه زاد بن دُرُسْتَوَيْهِ شَرِبَ أَوْ لَمْ يَشْرَبْ كَذَا فِي الْفَتْحِ (أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) كَذَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ طريق هشام بن حسان عن بن سِيرِينَ أُولَاهُنَّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هِيَ رواية الأكثر عن بن سِيرِينَ ثُمَّ ذَكَرَ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ فِي مَحَلِّ غَسْلَةِ التَّتْرِيبِ ثُمَّ قَالَ وَرِوَايَةُ أُولَاهُنَّ أَرْجَحُ من حيث الأكثرية والأحفظية ومن حديث الْمَعْنَى أَيْضًا لِأَنَّ تَتْرِيبَ الْأَخِيرَةِ يَقْتَضِي الِاحْتِيَاجَ إِلَى غَسْلَةٍ أُخْرَى لِتَنْظِيفِهِ انْتَهَى فَقَوْلُهُ أُولَاهُنَّ أَوْ أُخْرَاهُنَّ بِالتُّرَابِ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ إِنْ كَانَتْ كَلِمَةُ أَوْ فِيهِ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي فَيُرْجَعُ إِلَى التَّرْجِيحِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ رِوَايَةَ أُولَاهُنَّ أَرْجَحُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ تَخْيِيرٌ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَإِذَا وَلَغَتْ فِيهِ الْهِرَّةُ غُسِلَ مَرَّةً) هَذِهِ الْجُمْلَةُ لَيْسَتْ مِنَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ بَلْ هِيَ مُدْرَجَةٌ وَسَيَجِيءُ تَحْقِيقُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْغِسْلَاتِ السَّبْعِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَإِلَيْهِ ذهب بن عَبَّاسٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَطَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُدُ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ وُجُوبُ غَسْلِ نَجَاسَةِ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْجَمَاهِيرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكْفِي غَسْلُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ يَقُولُوا بِوُجُوبِ السبع ولا التتريب واعذر الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُمْ بِأُمُورٍ

مِنْهَا كَوْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَاوِيهِ أَفْتَى بِثَلَاثِ غِسْلَاتٍ فَثَبَتَ بِذَلِكَ نَسْخُ السَّبْعِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَفْتَى بِذَلِكَ لِاعْتِقَادِهِ نَدْبِيَّةَ السَّبْعِ لَا وُجُوبَهَا أَوْ كَانَ نَسِيَ مَا رَوَاهُ وَالِاحْتِمَالُ لَا يُثْبِتُ النَّسْخَ وَأَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْغَسْلِ سَبْعًا وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى عَنْهُ مُوَافَقَةَ فُتْيَاهُ لِرِوَايَتِهِ أَصَحُّ مِنْ رواية من روى عنه بمخالفتها مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادُ وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرُ أَمَّا النَّظَرُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْإِسْنَادُ فَالْمُوَافَقَةُ وَرَدَتْ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ بن سِيرِينَ عَنْهُ وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ وَأَمَّا الْمُخَالَفَةُ فَمَنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ وَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْقُوَّةِ بِكَثِيرٍ وَمِنْهَا أَنَّ الْعَذِرَةَ أَشَدُّ فِي النَّجَاسَةِ مِنْ سُؤْرِ الْكَلْبِ وَلَمْ تُقَيَّدْ بِالسَّبْعِ فَيَكُونُ الْوُلُوغُ كَذَلِكَ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا أَشَدَّ مِنْهُ فِي الِاسْتِقْذَارِ أَنْ لَا يَكُونَ أَشَدَّ مِنْهَا فِي تَغْلِيظِ الْحُكْمِ وَبِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار دَعْوَى أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ كَانَ عِنْدَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ فَلَمَّا نُهِيَ عَنْ قَتْلِهَا نُسِخَ الْأَمْرُ بِالْغَسْلِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِهَا كَانَ فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ وَالْأَمْرَ بِالْغَسْلِ مُتَأَخِّرٌ جِدًّا لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بن مغفل وقد ذكر بن مُغَفَّلٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْغَسْلِ وَكَانَ إِسْلَامُهُ سَنَةَ سَبْعٍ كَأَبِي هُرَيْرَةَ بَلْ سِيَاقُ مُسْلِمٍ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ كَانَ بَعْدَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ النِّيمَوِيُّ فِعْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ غَسَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَآخَرُونَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَأَهْرِقْهُ ثُمَّ اغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ انْتَهَى قُلْتُ مَدَارُ فِعْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَوْلِهِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ لَمْ يَرْوِهِمَا غَيْرُهُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ ثقة لكن كان له أوهام وكان يخطىء قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ

وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ يخطىء قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ هَذَا مَوْقُوفٌ وَلَمْ يَرْوِهِ هَكَذَا غَيْرُ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ اه قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِ عَطَاءٍ ثُمَّ أَصْحَابُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحُفَّاظُ الثِّقَاتُ مِنْ أَصْحَابِ عَطَاءٍ وَأَصْحَابُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْوُونَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى خَطَأِ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الثَّلَاثِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ مَا يُخَالِفُ الثِّقَاتِ لِمُخَالَفَتِهِ أَهْلَ الْحِفْظِ وَالثِّقَةِ فِي بَعْضِ رِوَايَتِهِ تَرَكَهُ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ انْتَهَى كَذَا ذكر العيني كَلَامَ الْبَيْهَقِيِّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّهُ نَقَلَ عَنْ أَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ مِنَ الْحُفَّاظِ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ هُوَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مُتْقِنٌ وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ ثقة يخطىء وَلَهُ أَوْهَامٌ وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَكَيْفَ مَا رَوَاهُ مُخَالِفًا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ أَصَحَّ مِنْ هَذَا أَنَّهُ أَفْتَى بِغَسْلِ الْإِنَاءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ مُوَافِقًا لِحَدِيثِهِ الْمَرْفُوعِ فَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ ص 33 حَدَّثَنَا الْمَحَامِلِيُّ نَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ نَا عَارِمٌ نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ قَالَ يُهْرَاقُ وَيُغْسَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ انْتَهَى وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَرْجَحُ وَأَقْوَى إِسْنَادًا مِنْ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ الْمَذْكُورَيْنِ الْمُخَالِفَيْنِ لِحَدِيثِهِ الْمَرْفُوعِ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ فَقَوْلُهُ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِهِ الْمَرْفُوعِ يُقَدَّمُ عَلَى قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ الْمَذْكُورَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُ النِّيمَوِيِّ فِي التَّعْلِيقِ وَلَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْنِي أَصْحَابَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَثَرًا مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلِهِ خِلَافَ مَا رَوَاهُ مِنْهُ عطاء إلا بن سِيرِينَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ قَالَ فِي الْمَعْرِفَةِ وَرُوِّينَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ نَحْوَ رِوَايَتِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّنَدَ حَتَّى يَنْظُرَ فِيهِ انْتَهَى فَمَبْنِيٌّ عَلَى قُصُورِ نَظَرِهِ أَوْ عَلَى فَرْطِ تَعَصُّبِهِ فَإِنَّ الْبَيْهَقِيَّ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ سَنَدَهُ فَالدَّارَقُطْنِيُّ ذَكَرَهُ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ صَحِيحٌ مَوْقُوفٌ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ فِي الفتح بأنه سَنَدَهُ أَرْجَحُ وَأَقْوَى مِنْ سَنَدِ قَوْلِهِ الْمُخَالِفِ لِحَدِيثِهِ وَالْعَجَبُ مِنْ النِّيمَوِيِّ إِنَّهُ رَأَى فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُخَالِفَ لِرِوَايَتِهِ وَنَقَلَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَرَ فِيهِ قَوْلَهُ الْمُوَافِقَ لِحَدِيثِهِ وَكِلَاهُمَا مَذْكُورَانِ فِي صَفْحَةٍ وَاحِدَةٍ تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ وَجَوَابُ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِنَا أَنَّ التَّسْبِيعَ مُسْتَحَبٌّ

عِنْدَنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ ثُمَّ وَجَدْتُهُ مَرْوِيًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تحرير بن الْهُمَامِ انْتَهَى قُلْتُ فَبَطَلَ بِهَذَا قَوْلُكُمْ بِادِّعَاءِ نَسْخِ التَّسْبِيعِ يَا مَعْشَرَ الْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ حَمْلُ الْأَمْرِ بِالتَّسْبِيعِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ يُنَافِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ كَانَ التَّسْبِيعُ وَاجِبًا كَيْفَ اكْتَفَى بِالتَّثْلِيثِ قُلْتُ تَقَدَّمَ جَوَابُهُ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ ثُمَّ قَالَ وَفَتْوَى التَّثْلِيثِ مَرْفُوعَةٌ فِي كامل بن عَدِيٍّ عَنِ الْكَرَابِيسِيِّ وَهُوَ حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ تِلْمِيذُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ حَافِظٌ إِمَامٌ فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ قُلْتُ تَفَرَّدَ بِرَفْعِهَا الْكَرَابِيسِيُّ وَلَمْ يتابعه على ذلك أحد وقد صرح بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِأَنَّ الْمَرْفُوعَ مُنْكَرٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ مَا لَفْظُهُ قَالَ يعني بن عَدِيٍّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ ثَنَا الْكَرَابِيسِيُّ ثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ ثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ رَفَعَهُ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُهْرِقْهُ وَلْيَغْسِلْهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثم أخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ شَبَّةَ عَنْ إِسْحَاقَ مَوْقُوفًا ثُمَّ قَالَ تَفَرَّدَ الْكَرَابِيسِيُّ بِرَفْعِهِ وَلِلْكَرَابِيسِيِّ كُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ ذَكَرَ فِيهَا الِاخْتِلَافَ وَكَانَ حَافِظًا لَهَا وَلَمْ أَجِدْ لَهُ مُنْكَرًا غَيْرَ مَا ذَكَرْتُ انْتَهَى مَا فِي اللِّسَانِ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ لَيْسَ مِمَّا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ تَنْبِيهٌ آخَرُ لِلْعَيْنِيِّ تَعَقُّبَاتٌ عَلَى كَلَامِ الْحَافِظِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ عَنِ الْفَتْحِ كُلُّهَا مَخْدُوشَةٌ وَاهِيَةٌ لَا حَاجَةَ إِلَى نَقْلِهَا ثُمَّ دَفْعِهَا لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَهَا صَاحِبُ بَذْلِ الْمَجْهُودِ وَصَاحِبُ الطِّيبِ الشَّذِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَاعْتَمَدُوا عَلَيْهَا فَعَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَهَا وَنُظْهِرَ مَا فِيهَا مِنَ الْخَدَشَاتِ قَالَ الْعَيْنِيُّ كَوْنُ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يكون أبو هريرة وبن الْمُغَفَّلِ قَدْ سَمِعَا ذَلِكَ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ فَأَخْبَرَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِاعْتِمَادِهِمَا صِدْقَ الرَّاوِي عَنْهُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ رَدَّ هَذَا التَّعَقُّبَ الْمَوْلَوِيُّ عَبْدُ الْحَيِّ اللَّكْنَوِيُّ فِي السِّعَايَةِ رَدًّا حَسَنًا فَقَالَ وَهَذَا تَعَقُّبٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ عِنْدِي فإن كون رواية أبي هريرة وبن الْمُغَفَّلِ بِوَاسِطَةِ صَحَابِيٍّ آخَرَ احْتِمَالٌ مَرْدُودٌ لِوُرُودِ سَمَاعِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهَادَتِهِ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ بِسَمَاعِهِ أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي رَزِينٍ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَضْرِبُ جَبْهَتَهُ بِيَدِهِ وَيَقُولُ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ أَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنِّي أَكْذِبُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَكُونَ لَكُمْ الْهَنَاءُ وَعَلَيَّ الْإِثْمُ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وكذا بن الْمُغَفَّلِ سَمِعَ أَمْرَ قَتْلِ الْكِلَابِ كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ وَحَسَّنَهُ قَالَ لِمَنْ يَرْفَعُ أَغْصَانَ الشَّجَرَةِ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَوْلَا أَنَّ الكلاب

أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ وَمَا مِنْ بَيْتٍ يَرْتَبِطُونَ كَلْبًا إِلَّا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِمْ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ كَلْبَ غَنَمٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ بِلَا وَاسِطَةٍ نَسْخَ عُمُومِ الْقَتْلِ وَالرُّخْصَةَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَنَحْوَهُ وَظَاهِرُ سِيَاقِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ سَبْعًا وَقَعَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا رِوَايَةُ الطَّحَاوِيِّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ عَنْهُ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ ثُمَّ قَالَ مَالِي وَلِلْكِلَابِ ثُمَّ قَالَ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إِنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ فَدَلَّ ذَلِكَ صَرِيحًا عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ سَبْعًا كَانَ بَعْدَ نَسْخِ الْأَمْرِ بِقَتْلِ الْكِلَابِ لَا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ انْتَهَى مَا فِي السِّعَايَةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ احْتِمَالِ اعْتِقَادِ النَّدْبِ وَالنِّسْيَانِ هَذَا إساءة الظن بأبي هريرة فالاحتمال الناشىء مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ لَا يُسْمَعُ انْتَهَى قُلْتُ قَدَّرَهُ صَاحِبُ السِّعَايَةِ فَقَالَ إِنَّ احْتِمَالَ النِّسْيَانِ وَاعْتِقَادَ النَّدْبِ لَيْسَ بِإِسَاءَةِ ظَنٍّ وَلَيْسَ فِيهِ قَدْحٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ انْتَهَى قُلْتُ وَفِي احْتِمَالِ اعْتِقَادِ النَّدْبِ كَيْفَ يَكُونُ إِسَاءَةُ الظَّنِّ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ وَجَوَابُ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِنَا أَنَّ التَّسْبِيعَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْكَنْزِ ثُمَّ وَجَدْتُهُ مرويا عن أبي حنيفة في تحرير بن الهمام انتهى قال العيني بعد ما ذَكَرَ أَنَّ قِيَاسَ سُؤْرِ الْكَلْبِ عَلَى الْعَذِرَةِ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَهُوَ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ مَا لَفْظُهُ لَيْسَ هُوَ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ رَدَّهُ صَاحِبُ السِّعَايَةِ فَقَالَ هَذَا لَوْ تَمَّ لَدَلَّ عَلَى تَطْهِيرِ الْإِنَاءِ مِنْ سُؤْرِ الْكَلْبِ وَاحِدًا أَوْ ثَلَاثًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَأَحَادِيثُ السَّبْعِ دَالَّةٌ بِعِبَارَتِهَا عَلَى اشْتِرَاطِ السَّبْعِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعِبَارَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّلَالَةِ قَالَ وَأَيْضًا هَذَا مَنْقُوضٌ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ مَعَ عَدَمِ نَقْضِهِ بِسَبِّ الْمُسْلِمِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ أَشَدُّ مِنْهُ فَالْجَوَابَ الْجَوَابَ انْتَهَى وَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ تَعَقُّبَاتِهِ مَعَ بَيَانِ مَا فِيهَا مِنَ الْخَدَشَاتِ فَارْجِعْ إلى السعاية تنبيه اعلم أن الشيخ بن الْهُمَامِ قَدْ تَصَدَّى لِإِثْبَاتِ نَسْخِ أَحَادِيثِ السَّبْعِ فَذَكَرَ فِيهِ تَقْرِيرَاتٍ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَدْ رَدَّ تِلْكَ التَّقْرِيرَاتِ صَاحِبُ السِّعَايَةِ رَدًّا حَسَنًا وَقَالَ فِي أَوَّلِ كَلَامِهِ عَلَيْهَا مَا

لَفْظُهُ وَفِيهِ عَلَى مَا أَقُولُ خَدَشَاتٌ تُنَبِّهُكَ على أن تقريره كله من خرافة ناشيء عَنْ عَصَبِيَّةٍ مَذْهَبِيَّةٍ وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ عَلَيْهَا مَا لَفْظُهُ فَتَأَمَّلْ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّ الْمَقَامَ مِنْ مَزَالِّ الْأَقْدَامِ حَتَّى زَلَّ قَدَمُ الْهَجَّامِ بْنِ الْهُمَامِ انْتَهَى وَلَعَلَّ صَاحِبَ بَذْلِ الْمَجْهُودِ عَنْ هَذَا غَافِلٌ فَذَكَرَ تِلْكَ التَّقْرِيرَاتِ الْمَرْدُودَةَ وَكَذَا ذَكَرَ تَعَقُّبَاتِ الْعَيْنِيِّ الْمَرْدُودَةَ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِمَا وَاغْتَنَمَهُمَا وَكَذَلِكَ يَأْتِي فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ بِالتَّقْرِيرَاتِ الْمَخْدُوشَةِ وَلَا يَظْهَرُ مَا فِيهَا مِنَ الْخَدَشَاتِ وَلَا يُشِيرُ إِلَى مَنْ ردها فلا أدري أنه يَأْتِي بِهَا مَعَ الْوُقُوفِ عَلَى رَدِّهَا أَوْ مَعَ الْغَفْلَةِ عَنْ ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي فَتِلْكَ مُصِيبَةٌ وَإِنْ كَانَ يَدْرِي فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ وَقَدْ أَطَالَ فِي هذا البحث الفاضل للكنوي فِي السِّعَايَةِ الْكَلَامَ وَأَجَادَ وَقَالَ فِي آخِرِ الْبَحْثِ مَا لَفْظُهُ وَلَعَلَّ الْمُنْصِفَ غَيْرَ الْمُتَعَسِّفِ يَعْلَمُ بَعْدَ مُلَاحَظَةِ هَذَا الْبَحْثِ ضَعْفَ كَلَامِ أَرْبَابِ التَّثْلِيثِ وَقُوَّةَ كَلَامِ أَصْحَابِ التَّسْبِيعِ وَالتَّثْمِينِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَ هَذَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ إِذَا وَلَغَتِ الْهِرَّةُ غُسِلَ مَرَّةً) قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَذَكَرَ قَوْلَهُ هَذَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَبَيَّنَ أَنَّ الْهِرِّ مَوْقُوفٌ انْتَهَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا وَلَغَ الْهِرُّ غُسِلَ مَرَّةً فَقَدْ أَدْرَجَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِي حَدِيثِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ وَوَهَمُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ مَرْفُوعٌ وَفِي وُلُوغِ الْهِرِّ مَوْقُوفٌ مَيَّزَهُ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ انْتَهَى وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيِّ عَنْ حَمَّادٍ وَبَكَّارٍ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَهُورُ الْإِنَاءِ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ يُغْسَلُ سَبْعَ مَرَّاتٍ الْأُولَى بِالتُّرَابِ وَالْهِرَّةُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ قُرَّةُ يَشُكُّ ثُمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ كَذَا رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ مَرْفُوعًا وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ قُرَّةَ وُلُوغَ الكلب مرفوعا وولوغ الهر

باب ما جاء في سؤر الهرة

موقوفا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَأَمَّا رِوَايَةُ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجَمَاهِيرِ أَنَّ الْمُرَادَ اغْسِلُوهُ سَبْعًا وَاحِدَةً مِنْهُنَّ بِالتُّرَابِ مَعَ الْمَاءِ فَكَأَنَّ التُّرَابَ قَائِمٌ مَقَامَ غَسْلِهِ فَسُمِّيَتْ ثَامِنَةً لِهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ انتهى وتعقب بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ بِالتُّرَابِ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِهَا غَسْلَةً مُسْتَقِلَّةً لَكِنْ لَوْ وَقَعَ التَّعْفِيرُ فِي أَوَّلِهِ قَبْلَ وُرُودِ الْغَسْلَاتِ السَّبْعِ كَانَتِ الْغَسْلَاتُ ثَمَانِيَةً وَيَكُونُ إِطْلَاقُ الْغَسْلَةِ عَلَى التَّتْرِيبِ مَجَازًا وَهَذَا الْجَمْعُ مِنْ مُرَجِّحَاتِ تَعَيُّنِ التُّرَابِ فِي الْأُولَى انْتَهَى 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي سُؤْرِ الْهِرَّةِ) [92] قَوْلُهُ (نَا مَعْنٌ) هُوَ مَعْنُ بْنُ عِيسَى بْنِ يَحْيَى الْأَشْجَعِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ أَثْبَتُ أَصْحَابِ مَالِكٍ (عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ حُجَّةٌ مِنْ رِجَالِ السِّتَّةِ مَاتَ سَنَةَ 132 اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ حُمَيْدَةَ ابْنَةِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ) الْأَنْصَارِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ زَوْجِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَهِيَ وَالِدَةُ وَلَدِهِ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ مَقْبُولَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قُلْتُ هي من التابعيات وذكرها بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَمَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (عَنْ كَبْشَةَ ابْنَةِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) زَوْجِ عبد الله بن أبي قتادة وقال بن حبان لها صحبة (وكانت عند بن أَبِي قَتَادَةَ) وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيُّ فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم وَاسْمُ ابْنِهِ عَبْدُ اللَّهِ وَالْمَعْنَى كَانَتْ زَوْجَةَ وَلَدِهِ (أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى كَبْشَةَ (قَالَتْ فَسَكَبْتُ لَهُ وَضُوءًا) بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى الْمُتَكَلِّمِ وَالْوَضُوءُ بِفَتْحِ الْوَاوِ مَاءُ الْوُضُوءِ أَيْ صَبَبْتُ لَهُ وَضُوءًا فِي الْإِنَاءِ لِيَتَوَضَّأَ مِنْهُ لِمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ فَسَكَبْتُ لَهُ وَضُوءًا فِي إِنَاءٍ قَالَهُ

أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ وَفِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ بِضَمِّ التَّاءِ عَلَى التَّكَلُّمِ وَيَجُوزُ السُّكُونُ عَلَى التأنيث انتهى قال القارىء لَكِنْ أَكْثَرُ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ الْمُصَحَّحَةِ بِالتَّأْنِيثِ وَيُؤَيِّدُ الْمُتَكَلِّمَ مَا فِي الْمَصَابِيحِ قَالَتْ فَسَكَبْتُ انْتَهَى (فَأَصْغَى) بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَمَالَ (لَهَا) أَيْ الْهِرَّةِ الْإِنَاءَ لِيَسْهُلَ عَلَيْهَا الشُّرْبُ (فَرَآنِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ) أَيْ فَرَآنِي أَبُو قَتَادَةَ وَالْحَالُ أَنِّي أَنْظُرُ إِلَى شُرْبِ الْهِرَّةِ الْمَاءَ نَظَرَ الْمُنْكِرِ أَوْ الْمُتَعَجِّبِ (فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ) أَيْ بِشُرْبِهَا مِنْ وَضُوئِي (يَا ابْنَةَ أَخِي) الْمُرَادُ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ ومن عادة العرب أن يدعوا بيا بن أخي ويا بن عَمِّي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخًا أَوْ عَمًّا لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ (إِنَّهَا) أَيْ الْهِرَّةُ (لَيْسَتْ بنجس) قال المنذري ثم النووي ثم بن دقيق العيد ثم بن سَيِّدِ النَّاسِ بِفَتْحِ الْجِيمِ مِنَ النَّجَاسَةِ كَذَا فِي زَهْرِ الرُّبَى عَلَى الْمُجْتَبَى وَكَذَا ضَبْطُ السيوطي في قوت المغتذي وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَذَكَرَ الْكَازَرُونِيُّ أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ قَالَ هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنَّجَسُ النَّجَاسَةُ فَالتَّقْدِيرُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِذَاتِ نَجَسٍ وَفِيمَا سَمِعْنَا وَقَرَأْنَا عَلَى مَشَايِخِنَا هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَيْ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ وَلَمْ يُلْحِقْ التَّاءَ نَظَرًا إِلَى أَنَّهَا فِي مَعْنَى السِّنَّوْرِ انْتَهَى (إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ) قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَبَّهَهَا بِالْمَمَالِيكِ مِنْ خَدَمِ الْبَيْتِ الَّذِينَ يَطُوفُونَ عَلَى أَهْلِهِ لِلْخِدْمَةِ كقوله تعالى طوافون عليكم وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ شَبَّهَهَا بِمِنْ يَطُوفُونَ لِلْحَاجَةِ يُرِيدُ أَنَّ الْأَجْرَ فِي مُوَاسَاتِهَا كَالْأَجْرِ فِي مُوَاسَاةِ مَنْ يَطُوفُ لِلْحَاجَةِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ أَبِي دَاوُدَ وقال لم يذكر جماعة سواه (والطوافات) شك من الراوي كذا قاله بن الْمَلَكِ وَقَالَ فِي الْأَزْهَارِ يُشَبِّهُ ذُكُورَهَا بِالطَّوَّافِينَ وإناثها بالطوافات وقال بن حَجَرٍ وَلَيْسَتْ لِلشَّكِّ لِوُرُودِهِ بِالْوَاوِ فِي رِوَايَاتٍ أُخَرَ بَلْ لِلتَّنْوِيعِ وَيَكُونُ ذَكَرَ الصِّنْفَيْنِ مِنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ التَّمَّارِ عَنْ أُمِّهِ أَنَّ مَوْلَاتَهَا أَرْسَلَتْهَا بِهَرِيسَةٍ إِلَى عَائِشَةَ فَوَجَدَتْهَا تُصَلِّي فَأَشَارَتْ إِلَيَّ أَنْ ضَعِيهَا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ فَأَكَلَتْ مِنْهَا فَلَمَّا انْصَرَفَتْ أَكَلَتْ مِنْ حَيْثُ أَكَلَتِ الْهِرَّةُ فَقَالَتْ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِهَا قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أُمِّهِ بهذه الألفاظ وروى بن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَارِثَةَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَتَوَضَّأُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ قَدْ أَصَابَتْ مِنْهُ الْهِرَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَحَارِثَةُ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي دَارَ قَوْمٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَدُونَهُمْ دَارٌ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ تَأْتِي دَارَ فُلَانٍ وَلَا تَأْتِي دَارَنَا فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ لِأَنَّ فِي دَارِكُمْ كَلْبًا قَالُوا فَإِنَّ فِي دَارِهِمْ سِنَّوْرًا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ السِّنَّوْرُ سَبُعٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مُخْتَصَرًا بِلَفْظِ السِّنَّوْرُ سَبُعٌ ورواه أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مَسَانِيدِهِمْ الْهِرُّ سَبُعٌ وَفِي أَسَانِيدِ جَمِيعِ هَؤُلَاءِ عِيسَى بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلَيْهِ مَدَارُ جَمِيعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَى عِيسَى بْنِ الْمُسَيَّبِ من شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَرْضٍ بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهَا بَطْحَانُ فَقَالَ يَا أَنَسُ اسكب لي وضوء فَسَكَبْتُ لَهُ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ أَقْبَلَ إِلَى الْإِنَاءِ وَقَدْ أَتَى هِرٌّ فَوَلَغَ فِي الْإِنَاءِ فَوَقَفَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقْفَةً حَتَّى شَرِبَ الْهِرُّ ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَقَالَ يَا أَنَسُ إِنَّ الْهِرَّ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ لَنْ يُقَذِّرَ شَيْئًا وَلَنْ يُنَجِّسَهُ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وأحمد وأبو داود والنسائي وبن ماجه والدارمي وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ المرام صححه الترمذي وبن خُزَيْمَةَ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَصَحَّحَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ والعقيلي والدارقطني

قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِثْلَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ لَمْ يَرَوْا بِسُؤْرِ الْهِرَّةِ بَأْسًا) يَعْنِي أَنَّ سُؤْرَ الْهِرَّةِ طَاهِرٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَاللَّيْثِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ وَالثَّوْرِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَعَلْقَمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَالْحَسَنِ فِيمَا رَوَى عَنْهُ الْأَشْعَثُ وَالثَّوْرِيِّ فِيمَا رَوَى عَنْهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بن نصر المروزي كذا ذكره الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ حَكَاهُ الْعَيْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ كَذَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّ سُؤْرَ الْهِرَّةِ طَاهِرٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَقَوْلُهُمْ هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ وَالْأَمْرُ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ بِوُلُوغِ الْهِرَّةِ وَكَذَلِكَ كَوْنُهَا سَبُعًا يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى نَجَاسَتِهِ فَأَثْبَتُوا حُكْمَ الْكَرَاهَةِ عَمَلًا بِهِمَا وَرُدَّ احْتِجَاجُهُمْ هَذَا بِأَنَّ الْأَمْرَ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ بِوُلُوغِ الْهِرَّةِ لَمْ يَثْبُتْ وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ مِنَ الْأَمْرِ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ بِوُلُوغِ الْهِرَّةِ بِلَفْظِ وَإِذَا وَلَغَتْ فِيهِ الْهِرَّةُ غُسِلَ مَرَّةً فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هو مدرج وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ بَعْضِ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا لَفْظُهُ وَأَمَّا خَبَرُ يُغْسَلُ الْإِنَاءُ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا وَمِنْ وُلُوغِ الْهِرَّةِ مَرَّةً فَمُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا بَيَّنَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنْ خَفِيَ عَلَى الطَّحَاوِيِّ وَلِذَا قَالَ سُؤْرُ الْهِرَّةِ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ قَالَ وَأَمَّا مَا اشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ قَطَعَ ذَيْلَ ثَوْبِهِ الَّذِي رَقَدَتْ عَلَيْهِ هِرَّةٌ فَلَا أَصْلَ لَهُ انْتَهَى فَأَمَّا كَوْنُهَا سَبُعًا فَلَمْ يَثْبُتْ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ وَمَا جَاءَ فِيهِ فَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُقَاوِمُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي هِيَ نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الْهِرَّةَ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا سَبُعًا أَنْ تَكُونَ نَجِسَةً قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ حَدِيثُ الْبَابِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ فَيُخَصَّصُ بِهِ عُمُومُ حَدِيثِ السِّبَاعِ بَعْدَ تَسْلِيمِ وُرُودِ مَا يَقْضِي بِنَجَاسَةِ السِّبَاعِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِالسَّبُعِيَّةِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهَا نَجَسٌ إِذْ لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ النجاسة

وَالسَّبُعِيَّةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِيَاضِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَقِيلَ إِنَّ الْكِلَابَ وَالسِّبَاعَ تَرِدُ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهَا مَا أَخَذَتْ فِي بُطُونِهَا وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَقَالَ لَهُ أَسَانِيدُ إِذَا ضُمَّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ كَانَتْ قَوِيَّةً بِلَفْظِ أَنَتَوَضَّأُ بِمَا أَفْضَلَتِ الْحُمُرُ قَالَ نَعَمْ وَبِمَا أَفْضَلَتِ السِّبَاعُ كُلُّهَا وَأَخْرَجَ الدارقطني وغيره عن بن عُمَرَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فَسَارَ لَيْلًا فَمَرُّوا عَلَى رَجُلٍ جَالِسٍ عِنْدَ مَقْرَاةٍ لَهُ وَهِيَ الْحَوْضُ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْمَاءُ فَقَالَ عمر أولغت لسباع عَلَيْكَ اللَّيْلَةَ فِي مَقَرَّاتِكَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا صَاحِبَ الْمَقْرَاةِ لَا تُخْبِرْهُ هَذَا مُتَكَلِّفٌ لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا وَلَنَا مَا بَقِيَ شَرَابٌ وَطَهُورٌ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُصَرِّحَةٌ بِطَهَارَةِ مَا أَفْضَلَتِ السِّبَاعُ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ فَائِدَةٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ اتِّخَاذُ الْهِرَّةِ وَتَرْبِيَتُهَا أَخْذًا مِنَ الْأَحَادِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ حُبُّ الْهِرَّةِ مِنَ الْإِيمَانِ فَمَوْضُوعٌ على ما قاله جماعة كالصغاني ذكره القارىء قَوْلُهُ (قَدْ جَوَّدَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) أَيْ صَحَّحَهُ وَجَعَلَهُ جَيِّدًا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ وَقَدْ صَحَّحَ مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ وَاحْتَجَّ بِهِ فِي مُوَطَّئِهِ وَقَدْ شَهِدَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ لِمَالِكٍ أَنَّهُ الْحَكَمُ فِي حَدِيثِ الْمَدَنِيِّينَ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي طَهَارَةِ الْهِرَّةِ قَالَ الشيخ تقي الدين في الإمام ورواه بن خزيمة وبن منده في صحيحيهما ولكن بن مَنْدَهْ قَالَ وَحُمَيْدَةُ وَخَالَتُهَا كَبْشَةُ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا رِوَايَةٌ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَحَلُّهُمَا مَحَلُّ الْجَهَالَةِ وَلَا يَثْبُتُ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ قَالَ الشَّيْخُ وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ حَالُهُمَا إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَلَعَلَّ طَرِيقَ مَنْ صَحَّحَهُ أَنْ يَكُونَ اعْتَمَدَ عَلَى إخراج مالك لروايتهما مع شهرته بالتثبت انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ في التلخيص بعد ذكر قول بن مَنْدَهْ مُتَعَقِّبًا عَلَيْهِ فَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يُعْرَفُ لَهُمَا إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ فَمُتَعَقَّبٌ بِأَنَّ لِحُمَيْدَةَ حَدِيثًا آخَرَ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَهَا ثَالِثٌ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ وَأَمَّا حَالُهُمَا فَحُمَيْدَةُ رَوَى عَنْهَا مَعَ إسحاق ابنه يحيى وهو ثقة عند بن مَعِينٍ وَأَمَّا كَبْشَةُ فَقِيلَ إِنَّهَا صَحَابِيَّةٌ فَإِنْ ثَبَتَ فَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِحَالِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ حُمَيْدَةَ ذَكَرَهَا بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مقبولة وأما كبشة فقال بن حِبَّانَ لَهَا صُحْبَةٌ وَتَبِعَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَأَبُو مُوسَى كَمَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَدْ صحح الحديث البخاري والترمذي وبن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ كَمَا عَرَفْتَ فَقَوْلُ مَنْ عَرَفَ مقدم على من لم يعرف

باب المسح على الخفين

69 - (بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح نقل بن المنذر عن بن الْمُبَارَكِ قَالَ لَيْسَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنِ الصَّحَابَةِ اخْتِلَافٌ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْهُمْ إِنْكَارُهُ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ إِثْبَاتُهُ وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ رُوِيَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ فُقَهَاءِ السَّلَفِ إِنْكَارُهُ إِلَّا عَنْ مَالِكٍ مَعَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ عَنْهُ مُصَرِّحَةٌ بِإِثْبَاتِهِ وقال بن الْمُنْذِرِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَوْ نَزْعُهُمَا وَغَسْلُ الْقَدَمَيْنِ قَالَ وَالَّذِي أَخْتَارُهُ أَنَّ الْمَسْحَ أَفْضَلُ لِأَجْلِ مَنْ طَعَنَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ قَالَ وَإِحْيَاءُ مَا طَعَنَ فِيهِ الْمُخَالِفُونَ أَفْضَلُ مِنْ تَرْكِهِ انْتَهَى [93] قَوْلُهُ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ النَّخَعِيُّ (عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ) النَّخَعِيِّ الْكُوفِيِّ رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعَمَّارٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ إِبْرَاهِيمُ النخعي وغيره وثقه بن مَعِينٍ مَاتَ سَنَةَ 56 خَمْسٍ وَسِتِّينَ كَذَا فِي الخلاصة قلت هو من حال الْكُتُبِ السِّتَّةِ (بَالَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) الْبَجَلِيُّ الصَّحَابِيُّ الشَّهِيرُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ إِلَى ذِي الْخَلَصَةِ فَهَدَمَهَا وَفِيهِ عَنْهُ قَالَ مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ (أَتَفْعَلُ هَذَا) أَيْ أَتَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ (قَالَ وَمَا يَمْنَعُنِي) أَيْ أَيُّ شَيْءٍ يَمْنَعُنِي عَنِ الْمَسْحِ (قَالَ وَكَانَ يُعْجِبُهُمْ حَدِيثُ) جَرِير فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يُعْجِبُهُمْ (لِأَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ) مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فَاغْسِلُوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم فَلَوْ كَانَ إِسْلَامُ جَرِيرٍ مُتَقَدِّمًا عَلَى نُزُولِ الْمَائِدَةِ لَاحْتَمَلَ كَوْنَ حَدِيثِهِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ مَنْسُوخًا بِآيَةِ الْمَائِدَةِ فَلَمَّا كَانَ إِسْلَامُهُ مُتَأَخِّرًا عَلِمْنَا أَنَّ حَدِيثَهُ يُعْمَلُ بِهِ وَهُوَ مُبَيِّنٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِآيَةِ الْمَائِدَةِ غَيْرُ صَاحِبِ الْخُفِّ فَتَكُونُ السُّنَّةُ مُخَصِّصَةً لِلْآيَةِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَحُذَيْفَةَ والمغيرة إلخ) قال الحافظ الزيلعي قال بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِذْكَارِ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ نَحْوُ أَرْبَعِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَفِي الْإِمَامِ قال بن الْمُنْذِرِ رُوِّينَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا تَيَسَّرَ لَهُ فَإِنْ شِئْتَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا فَارْجِعْ إِلَى تَخْرِيجِهِ لِلْهِدَايَةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَرِيرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ [94] قَوْلُهُ (وَيُرْوَى عَنْ شهر بن حوشب) الأشعري الشامي مولى أسماء بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ وَالْأَوْهَامِ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ بن مَعِينٍ وَأَحْمَدُ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ شَهْرٌ وإن قال بن عون تركوه فهو ثقة وقال بن مَعِينٍ ثَبْتٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا (فَقُلْتُ لَهُ) أَيْ لِجَرِيرٍ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي مَسْحِهِ على الخفين وأنكرت عليه (أقبل المائدة أو بَعْدَ الْمَائِدَةِ) أَيْ رَأَيْتُ مَسْحَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خُفَّيْهِ قَبْلَ نُزُولِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ أَمْ بَعْدَهُ (فَقَالَ مَا أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ الْمَائِدَةِ) يَعْنِي إِنَّمَا رَأَيْتُ مَسْحَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خُفَّيْهِ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ لِأَنَّ إِسْلَامِي لَمْ يَكُنْ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ إِنَّ جَرِيرًا بَالَ ثُمَّ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقَالَ مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْسَحَ وقد مَا أَسْلَمْتُ إِلَّا بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ (نَا خَالِدُ بْنُ زِيَادٍ التِّرْمِذِيُّ) قَاضِيهَا الْأَزْدِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَدُوقٌ (عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ النَّبْطِيِّ أَبِي بِسِطَامٍ الْبَلْخِيِّ الْخَزَّازِ بِزَائِينَ مَنْقُوطَتَيْنِ صَدُوقٌ فَاضِلٌ أَخْطَأَ الْأَزْدِيُّ فِي

باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم

زَعْمِهِ أَنَّ وَكِيعًا كَذَّبَهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ رَوَى عَنْ مُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ وَسَالِمٍ وَعَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بن أدهم وبن المبارك وثقه بن مَعِينٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَقَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ (وَرَوَى بَقِيَّةُ) هُوَ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ النَّسَائِيُّ إِذَا قَالَ حَدَّثَنَا وَأَخْبَرَنَا فَهُوَ ثِقَةٌ وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ إِذَا حَدَّثَ عَنِ الثِّقَاتِ فَلَا بَأْسَ وَقَالَ أَبُو مِسْهَرٍ الْغَسَّانِيُّ بَقِيَّةُ لَيْسَتْ أَحَادِيثُهُ نَقِيَّةً فَكُنْ مِنْهَا عَلَى تَقِيَّةٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ) بن مَنْصُورٍ الْعِجْلِيِّ أَوْ التَّمِيمِيِّ الْبَلْخِيِّ ثُمَّ الشَّامِيِّ أَحَدُ الزُّهَّادِ الْأَعْلَامِ رَوَى عَنْ مَنْصُورٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَشَقِيقٌ الْبَلْخِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ النَّسَائِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ أَحَدُ الزُّهَّادِ مَاتَ سَنَةَ 261 اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ 0 - (بَاب الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ) [95] قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ) الثَّوْرِيِّ وَالِدِ سُفْيَانَ ثِقَةٌ (عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ) الْأَوْدِيِّ الْكُوفِيِّ مُخَضْرَمٌ مَشْهُورٌ ثِقَةٌ عَابِدٌ نَزَلَ الْكُوفَةَ مَاتَ سَنَةَ 46 أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالدَّالِ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِيلَةَ حَيٍّ مِنْ طَيٍّ قَوْلُهُ (أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ) أَيْ مُدَّتِهِ (فَقَالَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثٌ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَيْ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ

قَوْلُهُ (وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ بْنُ عَبْدٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ اسْمُهُ عَبْدٌ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ ثِقَةٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي بَكْرَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَصَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ وَعَوْفِ بن مالك وبن عُمَرَ وَجَرِيرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ قَالَ سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الأثرم في سننه وبن خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَلَفْظُهُ فِيهِ رَخَّصَ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً إِذَا تَطَهَّرَ فَلَبِسَ خُفَّيْهِ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا وَأَمَّا حديث أبي هريرة فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَزَّارُ وَأَمَّا حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الوسط وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ [96] قَوْلُهُ (نَا أَبُو الْأَحْوَصِ) اسْمُهُ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمٍ الْحَنَفِيُّ مَوْلَاهُمْ الْكُوفِيُّ الْحَافِظُ رَوَى عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ وَزِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ وخلق وعنه بن مهدي وهناد بن السري وخلق قال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ وَقَالَ الْعِجْلِيُّ صَاحِبُ سُنَّةٍ وَاتِّبَاعٍ مَاتَ 971 سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ قُلْتُ هُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ) اسْمُهُ بَهْدَلَةُ فِي قَوْلِ الجمهور وقال عمرو بن علي بهدلة اسْمُ أُمِّهِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ وَلَيْسَ مَحَلُّهُ أَنْ يُقَالَ هُوَ ثِقَةٌ وَلَمْ يكن بالحافظ قد تكلم فيه بن عُلَيَّةَ قَالَ الْعَقِيلِيُّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِلَّا سوء الحفظ وقال الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَرَكَ حَدِيثَهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ كَذَا فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ حُجَّةٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَحَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَقْرُونٌ انْتَهَى (عَنْ زِرِّ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (بْنِ حُبَيْشٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ

وَمُعْجَمَةٍ مُصَغَّرًا الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ جَلِيلٌ مُخَضْرَمٌ قَوْلُهُ (إِذَا كُنَّا سَفْرًا) بِسُكُونِ الْفَاءِ جَمْعُ سَافِرٍ كَصَحْبٍ جَمْعُ صَاحِبٍ أَيْ إِذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الطِّيبِ الشَّذِيِّ إِنَّ سَفْرًا جَمْعُ مُسَافِرٍ فَهُوَ غَلَطٌ (وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ) عُطِفَ عَلَى مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَقَوْلُهُ مِنْ غَائِطٍ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ وَأَمَرَنَا أَنْ نَنْزِعَ خِفَافَنَا مِنْ جَنَابَةٍ وَلَا نَنْزِعَ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا مُسَافِرِينَ أَنْ نَمْسَحَ عَلَى خِفَافِنَا وَلَا نَنْزِعَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه الشافعي وأحمد والنسائي وبن ماجه وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ فِيهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَمَدَارُهُ عِنْدَهُمْ عَلَى عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ عَنْ زِرِّ بْنِ حبيش عنه وذكر بن مِنْدَهْ أَبُو الْقَاسِمِ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ عَاصِمٍ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ نَفْسًا وَتَابَعَ عَاصِمًا عَلَيْهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَالْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو وَمُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ وَذَكَرَ جَمَاعَةً مَعَهُ وَمُرَادُهُ أَصْلُ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ طَوِيلٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَكِنَّ حَدِيثَ طَلْحَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ) بِالْمُثَنَّاةِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا أَبُو مُحَمَّدٍ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا دَلَّسَ مِنَ الْخَامِسَةِ (وَحَمَّادٌ) هو بن أَبِي سُلَيْمَانَ مُسْلِمٍ الْأَشْعَرِيِّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْكُوفِيُّ الْفَقِيهُ رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي وَائِلٍ وَالنَّخَعِيِّ وَعَنْهُ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ وَمُغِيرَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمِسْعَرٌ وشعبة وتفقهوا به قال النسائي ثقة مرجىء مَاتَ سَنَةَ 021 عِشْرِينَ وَمِائَةٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَلَا يَصِحُّ) بَيَّنَ التِّرْمِذِيُّ وَجْهَ عَدَمِ صِحَّتِهِ بِقَوْلِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَهَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا السَّنَدِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَمْسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْنَاهُ لَزَادَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِزِيَادَةٍ وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ وَلَوْ مَضَى السَّائِلُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ لجعلها خمسا ورواه بن حِبَّانَ بِاللَّفْظَيْنِ جَمِيعًا وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بِدُونِ الزيادة قال

التِّرْمِذِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ عِنْدِي لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لِلْجَدَلِيِّ سَمَاعٌ مِنْ خُزَيْمَةَ وَذَكَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ هُوَ صحيح وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ الرِّوَايَاتُ مُتَظَافِرَةٌ مُتَكَاثِرَةٌ بِرِوَايَةِ التَّيْمِيِّ لَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ الْجَدَلِيِّ عن خزيمة وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الصَّحِيحُ مِنْ حَدِيثِ التَّيْمِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ الْجَدَلِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ مَرْفُوعًا وَالصَّحِيحُ عَنِ النَّخَعِيِّ عَنِ الْجَدَلِيِّ بِلَا وَاسِطَةٍ وَادَّعَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى ضَعْفِ هذا الحديث وتصحيح بن حِبَّانَ لَهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَعَ نَقْلِ التِّرْمِذِيِّ عن بن مَعِينٍ أَنَّهُ صَحِيحٌ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ مثل سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالُوا يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهُنَّ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا التَّوْقِيتِ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَائِدَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَكَثِيرِينَ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ مِنْ حِينِ الْحَدَثِ بَعْدَ لُبْسِ الْخُفِّ لَا مِنْ حِينِ اللُّبْسِ وَلَا مِنْ حِينِ الْمَسْحِ انْتَهَى قُلْتُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَنُقِلَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ ابْتِدَاءَهَا مِنْ وَقْتِ اللُّبْسِ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ لَمْ يُوَقِّتُوا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) قَالَ الشوكاني في النيل قال مالك

باب في المسح على الخفين أعلاه وأسفله

وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ لَا وَقْتَ لِلْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَنْ لَبِسَ خُفَّيْهِ وَهُوَ طَاهِرٌ مَسَحَ مَا بَدَا لَهُ وَالْمُقِيمُ وَالْمُسَافِرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ انْتَهَى وَيُرْوَى ذَلِكَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِ مَالِكٍ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَالْحُجَّةُ لَهُمْ فِي هَذَا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ عُمَارَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَوْمًا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَيَوْمَيْنِ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَثَلَاثَةً قَالَ نَعَمْ وَمَا شِئْتَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ لَا يَصِحُّ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ أَحْمَدَ رِجَالُهُ لَا يُعْرَفُونَ وَقَالَ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ هُوَ حَدِيثٌ لَيْسَ بِالْقَائِمِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ عَلَى ضَعْفِهِ قُلْتُ وَبَالَغَ الْجُوزَقانِيُّ فَذَكَرَهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ انْتَهَى وَلَهُمْ فِي عَدَمِ التَّوْقِيتِ أَحَادِيثُ أُخْرَى لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا مَا يَشْفِي الْعَلِيلَ وَيَرْوِي الْغَلِيلَ فَإِنَّ مِنْهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْمَقْصُودِ وَمَا هُوَ صَرِيحٌ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ (وَالتَّوْقِيتُ أَصَحُّ) يَعْنِي التَّوْقِيتَ هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ أَحَادِيثَهُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ فِي عَدَمِ التَّوْقِيتِ حديث صحيح 1 - (باب فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ) أَيْ أَعْلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْخُفَّيْنِ وَأَسْفَلِهِ وَكَانَ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنْ يَقُولَ أَعْلَاهُمَا وَأَسْفَلَهُمَا أَوْ يَقُولَ بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ [97] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الدِّمَشْقِيُّ) اسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَكَّارٍ رَوَى عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَمَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وعنه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ

تُكُلِّمَ فِيهِ بِلَا حُجَّةٍ (نَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ الدِّمَشْقِيُّ ثِقَةٌ لَكِنَّهُ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ (أَخْبَرَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ) أَبُو خَالِدٍ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِلَّا أَنَّهُ يَرَى الْقَدَرَ (عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الْكِنْدِيِّ الْفِلَسْطِينِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ) اسْمُهُ وَرَّادٌ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الثَّقَفِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ من الثالثة وفي رواية بن مَاجَهْ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ قَوْلُهُ (مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ) هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْمَسْحَ عَلَى أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَعْرِفُ قَوْلُهُ (وَهَذَا قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والتابعين) وبه قال بن عُمَرَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَفِي الْإِمْلَاءِ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ انْتَهَى (وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ) فِي موطأ الامام مالك أنه سأل بن شِهَابٍ عَنِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ كَيْفَ هُوَ فأدخل بن شِهَابٍ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ الْخُفِّ وَالْأُخْرَى فَوْقَهُ ثُمَّ أَمَرَّهُمَا قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَقَوْلُ بن شِهَابٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَى ذَلِكَ انْتَهَى قال الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُ مَالِكٍ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى حَسَبِ ما وصفه بن شِهَابٍ أَنَّهُ يُدْخِلُ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ الْخُفِّ وَالْأُخْرَى فَوْقَهُ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَرَى الْإِعَادَةَ عَلَى مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى ظُهُورِ الْخُفَّيْنِ إِلَّا فِي الْوَقْتِ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَدْ نَصَّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ عَلَى أَسْفَلِ الْخُفِّ وَيُجْزِئُهُ عَلَى ظَهْرِهِ فَقَطْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ أَحَدٌ عَلَى مَسْحِ ظُهُورِ الْخُفَّيْنِ وَبُطُونِهَا مَعًا كَقَوْلِ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر ذكره عبد الرزاق عن بن جريج عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ ظُهُورَ خُفَّيْهِ وَبُطُونَهُمَا كَمَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى مُوَطَّأِ مُحَمَّدٍ عَنِ الِاسْتِذْكَارِ وَقَالَ الشَّاهُ وَلِيُّ اللَّهِ الدَّهْلَوِيُّ فِي الْمُسَوَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ مَسْحُ أَعْلَى الْخُفِّ فَرْضٌ وَمَسْحُ أَسْفَلِهِ سُنَّةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَمْسَحُ إِلَّا الْأَعْلَى قُلْتُ تَمَسَّكَ الْقَائِلُونَ بِالْمَسْحِ عَلَى أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ فِيهِ كَلَامٌ لِأَئِمَّةِ الْحَدِيثِ كَمَا سَتَعْرِفُ وَلَمْ أَجِدْ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا خَالِيًا عَنِ الْكَلَامِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ ظَاهِرَهُمَا وَكَذَلِكَ ثَبَتَ

كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الْآتِي عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِالْمَسْحِ عَلَى أَعْلَى الْخُفِّ دُونَ أَسْفَلِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ مَعْلُولٌ) الْمَعْلُولُ وَيُقَالُ لَهُ الْمُعَلَّلُ بِفَتْحِ اللَّامِ إِسْنَادٌ فِيهِ عِلَلٌ وَأَسْبَابٌ غَامِضَةٌ خَفِيَّةٌ قَادِحَةٌ فِي الصِّحَّةِ يَتَنَبَّهُ لَهَا الْحُذَّاقُ الْمَهَرَةُ مِنْ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ كَإِرْسَالٍ فِي الْمَوْصُولِ وَوَقْفٍ فِي الْمَرْفُوعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَحَدِيثُ الْمُغِيرَةِ هذا أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ أَيْضًا (لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ غَيْرَ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ) أَيْ لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا مُتَّصِلًا عَنْ ثَوْرٍ أَحَدٌ إِلَّا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ (قَالَ حُدِّثْتُ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فَفِيهِ انْقِطَاعٌ (مُرْسَلٌ) أَيْ فَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُرْسَلًا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن ماجه والدارقطني والبيهقي وبن الْجَارُودِ مِنْ طَرِيقِ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ عَنِ المغيرة وفي رواية بن مَاجَهْ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ قَالَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يُضَعِّفُهُ وَيَقُولُ ذَكَرْتُهُ لعبد الرحمن بن مهدي فقال عن بن الْمُبَارَكِ عَنْ ثَوْرٍ حُدِّثْتُ عَنْ رَجَاءٍ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُغِيرَةَ قَالَ أَحْمَدُ وَقَدْ كَانَ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنِي بِهِ عن بن الْمُبَارَكِ كَمَا حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ بِهِ عَنْ ثَوْرٍ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّمَا يَقُولُ هَذَا الوليد فأما بن الْمُبَارَكِ فَيَقُولُ حُدِّثْتُ عَنْ رَجَاءٍ وَلَا يَذْكُرُ الْمُغِيرَةَ فَقَالَ لِي نُعَيْمٌ هَذَا حَدِيثِي الَّذِي أَسْأَلُ عَنْهُ فَأَخْرَجَ إِلَيَّ كِتَابَهُ الْقَدِيمَ بِخَطٍّ عَتِيقٍ فَإِذَا فِيهِ مُلْحَقٌ بَيْنَ السَّطْرَيْنِ بِخَطٍّ لَيْسَ بِالْقَدِيمِ عَنِ الْمُغِيرَةِ فَأَوْقَفْتُهُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ فِي الْإِسْنَادِ لَا أَصْلَ لَهَا فَجَعَلَ يَقُولُ لِلنَّاسِ بَعْدُ وَأَنَا أَسْمَعُ أضربوا على هذا الحديث وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي زُرْعَةَ حَدِيثُ الْوَلِيدِ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَقَالَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ وَأَبُو دَاوُدَ لَمْ يَسْمَعْ ثَوْرٌ مِنْ رَجَاءٍ حَكَاهُ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ عَنْهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الْأَوْسَطِ ثَنَا مُحَمَّدُ بن الصباح ثنا بن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمُغِيرَةِ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على خفيه ظاهرهما قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ رَجَاءٍ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ من حديث بن أَبِي الزِّنَادِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنِ بن أَبِي الزِّنَادِ فَقَالَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إسماعيل بن موسى عن بن أَبِي الزِّنَادِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ مَعْلُولٌ لَمْ يُسْنِدْهُ عَنْ ثَوْرٍ غَيْرُ

باب في المسح على الخفين ظاهرهما

الْوَلِيدِ قُلْتُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ إبراهيم بن محمد بن أبي يَحْيَى عَنْ ثَوْرٍ مِثْلَ الْوَلِيدِ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عِيسَى بْنَ سُمَيْعٍ رَوَاهُ أَبُو ثَوْرٍ كَذَلِكَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَسَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَمُحَمَّدًا يَقُولَانِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ لَمْ يَسْمَعْهُ ثَوْرٌ مِنْ رَجَاءٍ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ وَرَّادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ عَنِ المغيرة ولم يذكر أسفل الخف وقال بن حَزْمٍ أَخْطَأَ فِيهِ الْوَلِيدُ فِي مَوْضِعَيْنِ فَذَكَرَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ قُلْتُ وَوَقَعَ فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ مَا يُوهِمُ رَفْعَ الْعِلَّةِ وَهِيَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثَنَا دَاوُدُ بْنُ الرَّشِيدِ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عن ثور بن يزيد ثنا رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ فَذَكَرَهُ فَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ ثَوْرًا سَمِعَهُ مِنْ رَجَاءٍ فَتَزُولُ الْعِلَّةُ وَلَكِنْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الْحَلْوَانِيِّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ رُشَيْدٍ فَقَالَ عَنْ رَجَاءٍ وَلَمْ يَقُلْ حَدَّثَنَا رَجَاءٌ فَهَذَا اخْتِلَافٌ عَلَى دَاوُدَ يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِصِحَّةِ وَصْلِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِلَفْظِهِ 2 - (بَاب فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ ظَاهِرِهِمَا) [98] قَوْلُهُ (نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ) بِفَتْحِ النُّونِ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمَدَنِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ لَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ وَكَانَ فَقِيهًا (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ أَبِي الزِّنَادِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوَانَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ قَوْلُهُ (يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا) أَيْ عَلَى أَعْلَاهُمَا وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى أَعْلَى الْخُفَّيْنِ دُونَ أَسْفَلِهِمَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الْأَوْسَطِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصباح ثنا بن أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمُغِيرَةِ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يمسح على خفيه ظاهرهما قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ رَجَاءٍ عَنْ كَاتِبِ الْمُغِيرَةِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي كَلَامِ الْحَافِظِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ فِي

الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ ظَاهِرِهِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عمر بن الخطاب عن بن أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَذْكُرُ عَنْ عُرْوَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ يَعْنِي لَفْظَ عَلَى ظَاهِرِهِمَا تَفَرَّدَ بِذِكْرِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ) وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَجَمَاعَةٍ كَذَا فِي الِاسْتِذْكَارِ وَالْحُجَّةُ لَهُمْ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْبَابِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وحديث عمر الذي عند بن أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ لَيْسَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ تَعَارُضٌ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ تَارَةً عَلَى بَاطِنِ الْخُفِّ وَظَاهِرِهِ وَتَارَةً عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ مَا يَقْضِي بِالْمَنْعِ مِنْ إحدى الصفتين فكان جميع ذلك جائز أَوْ سُنَّةً انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ نَعَمْ لَيْسَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ تَعَارُضٌ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ مَا يَقْضِي بِالْمَنْعِ مِنْ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ لَكِنْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ حَدِيثَ الْمَسْحِ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا فَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ فَالْعَمَلُ بِحَدِيثِ الْمَسْحِ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفَّيْنِ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُتَعَيَّنُ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَكَانَ مَالِكٌ يُشِيرُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ) أَيْ بِضَعْفِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ مَالِكٌ لِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ كِتَابَ السَّبْعَةِ يَعْنِي الْفُقَهَاءَ وَقَالَ أَيْنَ كُنَّا عَنْ هَذَا انْتَهَى قُلْتُ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ففي هذا الكتاب وقال بن محرز عن

يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ لَيْسَ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صالح وغيره عن بن معين ضعيف وقال الدوري عن بن مَعِينٍ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَهُوَ دُونَ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَقَالَ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ مُضْطَرِبُ الحديث وقال محمد بن عثمان عن بن الْمَدِينِيِّ كَانَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا ضَعِيفًا وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ أَبِيهِ مَا حَدَّثَ بِالْمَدِينَةِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَمَا حَدَّثَ بِبَغْدَادَ أَفْسَدَهُ الْبَغْدَادِيُّونَ وَفِيهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ عِدَّةً مِنْ أَحَادِيثِهِ وَقَالَ في اللباس ثقة حافظ انتهى

باب في المسح على الجوربين والنعلين

73 - (باب فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ) [99] قَوْلُهُ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ (عَنْ أَبِي قَيْسٍ) اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ الْأَوْدِيُّ مَشْهُورٌ بكنيته وثقه بن مَعِينٍ وَالْعِجْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ يُخَالِفُ فِي أَحَادِيثِهِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ كَذَا فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ رُبَّمَا خَالَفَ (عَنْ هُزَيْلِ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ شُرَحْبِيلَ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ قَوْلُهُ (تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ) تَثْنِيَةُ الْجَوْرَبِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْجَوْرَبُ لِفَافَةُ الرِّجْلِ ج جَوَارِبَةٌ وَجَوَارِبُ وَتَجَوْرَبَ لَبِسَهُ وَجَوْرَبْتُهُ أَلْبَسْتُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الْجَوْرَبُ غِشَاءٌ لِلْقَدَمِ مِنْ صُوفٍ يُتَّخَذُ لِلدِّفْءِ وَهُوَ التِّسْخَانُ وَفِي تَفْسِيرِ الْجَوْرَبِ أَقْوَالٌ أُخْرَى وَسَتَقِفُ عَلَيْهَا (النَّعْلَيْنِ) تَثْنِيَةُ النَّعْلِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ النَّعْلُ مَا وُقِيَتْ بِهِ الْقَدَمُ مِنَ الْأَرْضِ كَالنَّعْلَةِ مؤنثة نِعَالٍ بِالْكَسْرِ انْتَهَى وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ النَّعْلُ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الْمَشْيِ تُسَمَّى الْآنَ تَاسُومَةً انْتَهَى قَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالنَّعْلَيْنِ هُوَ أَنْ يَكُونَ قَدْ لَبِسَ النَّعْلَيْنِ فَوْقَ الْجَوْرَبَيْنِ وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ قُلْتُ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الظَّاهِرُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى النَّعْلَيْنِ مَسَحَ عَلَى نَعْلَيْنِ تَحْتَهُمَا جَوْرَبَانِ وَكَانَ قَاصِدًا بِمَسْحِهِ ذَلِكَ إِلَى جَوْرَبَيْهِ لَا نَعْلَيْهِ وَجَوْرَبَاهُ لَوْ كَانَا عَلَيْهِ بِلَا نَعْلَيْنِ جَازَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِمَا فَكَانَ مَسْحُهُ ذَلِكَ مَسْحًا أَرَادَ بِهِ الْجَوْرَبَيْنِ فَأَتَى ذَلِكَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ فَكَانَ مَسْحُهُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ هُوَ الَّذِي تَطْهُرُ بِهِ وَمَسْحُهُ عَلَى النَّعْلَيْنِ فضل انتهى كلام الطحاوي

وأما قول بن مَلِكٍ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَالنَّعْلَيْنِ أَيْ وَنَعْلَيْهِمَا فَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِمَا انْتَهَى وَكَذَا قَوْلُ أَبِي الْوَلِيدِ إِنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْنِ منعلين لا أنه جورب على الانفراد ونعل على الانفراد انتهى فبعيد قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي تَهْذِيبِ السُّنَنِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ أَبِي الْوَلِيدِ هَذَا مَا لَفْظُهُ هَذَا التَّأْوِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَسْحُ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ الْمَلْبُوسَيْنِ عليهما نعلان مُنْفَصِلَانِ هَذَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ فَإِنَّهُ فَصَلَ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَهُمَا شَيْئَيْنِ وَلَوْ كَانَا جَوْرَبَيْنِ مُنَعَّلَيْنِ لَقَالَ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ الْمُنَعَّلَيْنِ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْجِلْدَ فِي أَسْفَلِ الْجَوْرَبِ لَا يُسَمَّى نَعْلًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَلَا أَطْلَقَ عَلَيْهِ أَحَدٌ هَذَا الِاسْمَ وَأَيْضًا الْمَنْقُولُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى سُيُورِ النَّعْلِ الَّتِي عَلَى ظَاهِرِ الْقَدَمِ مَعَ الْجَوْرَبِ فأما أسفله وعقبة فلا انتهى كلام بن الْقَيِّمِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَضَعَّفَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ والحديث أخرجه أبو داود والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ) مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب وبن مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو أُمَامَةَ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وبن عباس انتهى وقال الحافظ بن القيم في تهذيب السنن قال بن الْمُنْذِرِ يُرْوَى الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَنْ تِسْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علي وعمار وأبي مسعود الأنصاري وأنس وبن عُمَرَ وَالْبَرَاءِ وَبِلَالٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ وَعَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ فَهَؤُلَاءِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا انْتَهَى كَلَامُ بن الْقَيِّمِ قُلْتُ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُتُبَ الْحَدِيثِ لِأَقِفَ عَلَى أَسَانِيدِ جَمِيعِ هَذِهِ الْآثَارِ وَأَلْفَاظِهَا فَلَمْ أَقِفْ إِلَّا عَلَى بَعْضِهَا فَأَقُولُ أَمَّا أَثَرُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنِي الثَّوْرِيُّ عَنْ زِبْرِقَانَ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ رَأَيْتُ عَلِيًّا بَالَ فَمَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي وَأَمَّا أَثَرُ بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ بن مَسْعُودٍ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ وَيَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ أَمَّا أَثَرُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ وَأَمَّا أَثَرُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عن

أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَأَمَّا أَثَرُ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ لَهُ مِنْ شَعْرٍ وَنَعْلَيْهِ وسنده صحيح وأما أثر بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي حَيَّةَ عَنْ أَبِي خلاس عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ كَذَا ذَكَرَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ أَسَانِيدَ هَذِهِ الْآثَارِ وَأَلْفَاظَهَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَسَانِيدِ بَقِيَّةِ الْآثَارِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ قَالُوا يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَعْلَيْنِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْجَوْرَبَيْنِ نَعْلَيْنِ أَيْ مُنَعَّلَيْنِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا نَعْلَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ أَرَادَ بِقَوْلِهِ نَعْلَيْنِ مُنَعَّلَيْنِ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُنَعَّلَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ سِرَاجُ أَحْمَدُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَالْمُنَعَّلُ مِنَ التَّنْعِيلِ وَهُوَ مَا وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَسْفَلِهِ (إِذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ) أَيْ غَلِيظَيْنِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ ثَخُنَ كَكَرُمَ ثُخُونَةً وَثِخَنًا كَعِنَبٍ غَلُظَ وَصَلُبَ انْتَهَى وَقَالَ فِي مُنْتَهَى الْأَرَبِ ثَوْبٌ ثَخِينُ النَّسْجِ جامة سطيرياف ثَخُنَ كَكَرُمَ ثُخُونَةً وَثَخَانَةً وَثِخَنًا كَعِنَبٍ سطبر وسخت كرديد ثَخِينٌ كَأَمِينٍ نعت است ازان انْتَهَى وَعُلِمَ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ أَنَّ الْجَوْرَبَيْنِ إِذَا كَانَا رَقِيقَيْنِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ وَبِقَوْلِهِمْ قَالَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ أَبُو يُوسُفَ ومحمد وقوله (وفي الباب عن أبي موسى) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى هَذَا الحديث وههنا مَبَاحِثُ عَدِيدَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ نَذْكُرُهَا إِفَادَةً لِلطُّلَّابِ الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ اعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ حَسَّنَ حَدِيثَ الْبَابِ وَصَحَّحَهُ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ ضَعَّفُوهُ قَالَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ أَبَا قَيْسٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالصَّحِيحُ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ قَالَ وَرَوَى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَلَيْسَ بِالْمُتَّصِلِ وَلَا بِالْقَوِيِّ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ هَذَا وَقَالَ إِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ ضَعَّفَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَعَلَيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَمُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ وَالْمَعْرُوفُ عَنِ الْمُغِيرَةِ حَدِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَيُرْوَى عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ قَالَ النَّوَوِيُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ

هَؤُلَاءِ لَوْ انْفَرَدَ قُدِّمَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ مَعَ أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ قَالَ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى تَضْعِيفِهِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ إِنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ أَبُو قَيْسٍ الْأَوْدِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ يَحْيَى بْنَ مَنْصُورٍ قَالَ رَأَيْتُ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ ضَعَّفَ هَذَا الْخَبَرَ وَقَالَ أَبُو قَيْسٍ الْأَوْدِيُّ وَهُزَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ لَا يحتملان وخصوصا مع مخالفتهماالأجلة الَّذِينَ رَوَوْا هَذَا الْخَبَرَ عَنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالُوا مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَقَالُوا لَا يُتْرَكُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ بِمِثْلِ أَبِي قَيْسٍ وَهُزَيْلٍ قَالَ فَذَكَرْتُ هَذِهِ الْحِكَايَةَ عَنْ مُسْلِمٍ لِأَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّغُولِيِّ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُحَمَّدِ بْنَ شَيْبَانَ يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا قُدَامَةَ السَّرَخْسِيَّ يَقُولُ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ لَوْ حَدَّثْتَنِي بِحَدِيثِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ هُزَيْلٍ مَا قِبْلَتُهُ مِنْكَ فَقَالَ سُفْيَانُ الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ ثُمَّ أَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ لَيْسَ يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَيْسٍ الْأَوْدِيِّ وَأَبَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنْ يُحَدِّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ هُوَ مُنْكَرٌ وَأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قال قَالَ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي الْمَسْحِ رَوَاهُ عَنِ الْمُغِيرَةِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَرَوَاهُ هُزَيْلُ بْنُ شُرَحْبِيلَ عَنِ الْمُغِيرَةِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ فَخَالَفَ النَّاسَ وَأَسْنَدَ أَيْضًا عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ النَّاسُ كُلُّهُمْ يَرْوُونَهُ عَلَى الْخُفَّيْنِ غَيْرَ أَبِي قَيْسٍ قَالَ الشَّيْخُ وَمَنْ يُصَحِّحُهُ يَعْتَمِدُ بَعْدَ تَعْدِيلِ أَبِي قَيْسٍ عَلَى كَوْنِهِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ الْجُمْهُورِ مُخَالَفَةً مُعَارِضَةً بَلْ هُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا رَوَوْهُ وَلَا يُعَارِضُهُ وَلَا سِيَّمَا وَهُوَ طَرِيقٌ مُسْتَقِلٌّ بِرِوَايَةِ هُزَيْلٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ لَمْ يُشَارِكْ الْمَشْهُورَاتِ فِي سَنَدِهَا انْتَهَى كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ص 75 ج 1 قُلْتُ قَوْلُهُ بَلْ هُوَ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى مَا رَوَوْهُ إِلَخْ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ رَوَوْا عَنِ الْمُغِيرَةِ بِلَفْظِ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَأَبُو قَيْسٍ يُخَالِفُهُمْ جَمِيعًا فَيَرْوِي عَنْ هُزَيْلٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بِلَفْظِ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى مَا رَوَوْا بَلْ خَالَفَ مَا رَوَوْا نَعَمْ لَوْ رَوَى بِلَفْظِ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ لَصَحَّ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ رَوَى أَمْرًا زَائِدًا عَلَى مَا رَوَوْهُ وَإِذْ لَيْسَ فَلَيْسَ فَتَفَكَّرْ فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ حَكَمُوا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا غَافِلِينَ عَنْ مَسْأَلَةِ زِيَادَةِ الثِّقَةِ فَحُكْمُهُمْ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مُقَدَّمٌ عَلَى حُكْمِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الْبَابِ حَدِيثَانِ آخَرَانِ حديث بن مَسْعُودٍ وَحَدِيثُ بِلَالٍ وَهُمَا أَيْضًا ضَعِيفَانِ لَا يَصْلُحَانِ لِلِاحْتِجَاجِ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سِنَانٍ عَنِ الضَّحَّاكِ

بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ على جوربيه ونعليه وأخرجه أيضا بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ سِنَانٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ حَكَمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْمُتَّصِلِ وَلَا بِالْقَوِيِّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ لَهُ عِلَّتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي مُوسَى وَالثَّانِيَةُ أَنَّ عِيسَى بْنَ سِنَانٍ ضَعِيفٌ انْتَهَى قُلْتُ أَبُو سِنَانٍ الَّذِي وَقَعَ فِي سَنَدِ الطَّحَاوِيِّ هُوَ عِيسَى بْنُ سِنَانٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ الْأَثْرَمُ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَبُو سِنَانٍ عِيسَى بْنُ سِنَانٍ فَضَعَّفَهُ قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ عَنِ بن معين لين الحديث وقال جماعة عن بن مَعِينٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ مُخَلِّطٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ في الحديث وقال الْعِجْلِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ ضَعِيفٌ وقال بن خِرَاشٍ صَدُوقٌ وَقَالَ مَرَّةً فِي حَدِيثِهِ نَكِرَةٌ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالُ الْكِنَانِيُّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الشَّيْخُ عَلَاءُ الدِّينِ الْمَارِدِينِيُّ إِنَّ التَّضْعِيفَ بِعَدَمِ ثُبُوتِ سَمَاعِ عِيسَى بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي مُوسَى وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَشْتَرِطُ لِلِاتِّصَالِ ثُبُوتَ السَّمَاعِ قَالَ ثُمَّ هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْغَنِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكَمَالِ سَمِعَ الضَّحَّاكُ من أبي موسى قال وبن سنان وثقه بن مَعِينٍ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَنَائِزِ حَدِيثًا فِي سَنَدِهِ عِيسَى بْنُ سِنَانٍ هَذَا وَحَسَّنَهُ انْتَهَى كَذَا نَقَلَ بَعْضُ مُجَوِّزِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبِ مُطْلَقًا فِي رِسَالَتِهِ وَأَقَرَّهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى حَسَنٌ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ قُلْتُ ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمَذْكُورِ عِلَّتَيْنِ لِضَعْفِهِ الْأُولَى الِانْقِطَاعُ وَالثَّانِيَةَ ضَعْفُ عِيسَى بْنِ سِنَانٍ فَإِنْ ثَبَتَ سَمَاعُ الضَّحَّاكِ مِنْ أَبِي موسى تَرْتَفِعُ الْعِلَّةُ الْأُولَى وَتَبْقَى الثَّانِيَةُ وَهِيَ كَافِيَةٌ لِضَعْفِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمَشْهُورِ وَأَمَّا قَوْلُ المارديني وبن سنان وثقه بن معين وضعفه غيره ففيه أن بن مَعِينٍ أَيْضًا ضَعَّفَهُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ ضعفه أحمد وبن مَعِينٍ وَهُوَ مِمَّا يُكْتَبُ عَلَى لِينِهِ إِلَخْ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ يَعْقُوبُ بن شيبة عن بن معين لين الحديث وقال جماعة عن بن مَعِينٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا قُلْتُ وَلِضَعْفِ هَذَا الْحَدِيثِ عِلَّةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنَّ عِيسَى بْنَ سِنَانٍ مُخَلِّطٌ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو زُرْعَةَ مُخَلِّطٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا فِي كَلَامِ الْحَافِظِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمَارِدِينِيِّ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَنَائِزِ حَدِيثًا فِي سَنَدِهِ عِيسَى بْنُ سِنَانٍ وَحَسَّنَهُ فَمِمَّا لَا يُصْغَى إِلَيْهِ فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ قَدْ يُحْسِنُ الْحَدِيثَ مَعَ تَصْرِيحِهِ بِالِانْقِطَاعِ وَكَذَا مَعَ تَصْرِيحِهِ بِضَعْفِ بَعْضِ رُوَاتِهِ ثُمَّ تَسَاهُلُ التِّرْمِذِيِّ مَشْهُورٌ

وَأَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ فَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ طَرِيقِ بن أَبِي شَيْبَةَ ثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ بِلَالٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نحوه ويزيد بن أبي زياد وبن أَبِي لَيْلَى مُسْتَضْعَفَانِ مَعَ نِسْبَتِهِمَا إِلَى الصِّدْقِ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ قُلْتُ فِي سَنَدِهِ الْأَوَّلِ الْأَعْمَشُ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنِ الْحَكَمِ بِالْعَنْعَنَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ سَمَاعَهُ مِنْهُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ الْأَعْمَشِ رُبَّمَا دَلَّسَ عَنْ ضَعِيفٍ لَا يَدْرِي بِهِ فَإِنْ قَالَ حَدَّثَنَا فَلَا كَلَامَ وَإِنْ قَالَ عَنْ تَطَرَّقَ إِلَيْهِ الِاحْتِمَالُ إِلَّا فِي شُيُوخٍ أَكْثَرَ مِنْهُمْ كَإِبْرَاهِيمَ وَأَبِي وَائِلٍ وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ فَإِنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ هَذَا الصِّنْفِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاتِّصَالِ انْتَهَى وَفِي سَنَدِهِ الثَّانِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ ضَعِيفٌ كَبِرَ فَتَغَيَّرَ وَصَارَ يَتَلَقَّنُ وَكَانَ شِيعِيًّا انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ قُلْتُمْ إِنَّ حَدِيثَ بِلَالٍ ضَعِيفٌ وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْبَابِ عَنْ بِلَالٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدَيْنِ رِجَالُ أَحَدِهِمَا ثِقَاتٌ انْتَهَى وَأَرَادَ بِرِجَالِ أَحَدِهِمَا رِجَالَ السَّنَدِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ رِجَالَ السَّنَدِ الْأَوَّلِ مِنْ حَدِيثِ بِلَالٍ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَلَكِنْ فِيهِمْ الْأَعْمَشُ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنِ الْحَكَمِ بِالْعَنْعَنَةِ وَعَنْعَنَةُ الْمُدَلِّسِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ رِجَالِ السَّنَدِ ثِقَاتٍ صِحَّةُ الْحَدِيثِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ ثِقَةٌ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ شَيْخِهِ الثِّقَةِ بِالْعَنْعَنَةِ أَوْ يَكُونَ فِيهِ عِلَّةٌ أُخْرَى أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَافِظَ ذَكَرَ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثَ الْعِينَةِ الَّذِي رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الأعمش عن عطاء عن بن عمر وذكر أن بن الْقَطَّانِ صَحَّحَهُ ثُمَّ قَالَ مَا لَفْظُهُ وَعِنْدِي أن الإسناد الذي صححه بن القطان معلول لأنه لا يلزم من كونه رِجَالِهِ ثِقَاتٍ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا لِأَنَّ الْأَعْمَشَ مُدَلِّسٌ وَلَمْ يَذْكُرْ سَمَاعَهُ مِنْ عَطَاءٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ في بحث الجهر بالبسملة نقلا عن بن الْهَادِي وَلَوْ فَرَضَ ثِقَةَ الرِّجَالِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ حَتَّى يَنْتَفِيَ مِنْهُ الشُّذُوذُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ صَحِيحٌ خَالٍ عَنِ الْكَلَامِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْمَبْحَثُ الثَّانِي فِي تَفْسِيرِ الْجَوْرَبِ وَبَيَانِ مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ قَالَ مَجْدُ الدِّينِ الْفَيْرُوزُآبَادِي فِي الْقَامُوسِ الْجَوْرَبُ لِفَافَةُ الرِّجْلِ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو الْفَيْضِ مُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ فِي تَاجِ الْعَرُوسِ الْجَوْرَبُ لِفَافَةُ الرِّجْلِ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ كَوْرَب وَأَصْلُهُ كوربا

وَمَعْنَاهُ قَبْرُ الرِّجْلِ انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْجَوْرَبُ لِفَافَةُ الْجِلْدِ وَهُوَ خُفٌّ مَعْرُوفٌ مِنْ نَحْوِ السَّاقِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الْخُفُّ نَعْلٌ مِنْ أُدْمٍ يُغَطِّي الْقَدَمَيْنِ وَالْجَرْمُوقُ أَكْبَرُ مِنْهُ وَالْجَوْرَبُ أَكْبَرُ مِنَ الْجَرْمُوقِ وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ فِي اللُّمَعَاتِ الْجَوْرَبُ خُفٌّ يُلْبَسُ عَلَى الْخُفِّ إِلَى الْكَعْبِ لِلْبَرْدِ وَلِصِيَانَةِ الْخُفِّ الْأَسْفَلِ مِنَ الدَّرَنِ وَالْغُسَالَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ الْجَوْرَبُ غِشَاءٌ لِلْقَدَمِ مِنْ صُوفٍ يُتَّخَذُ لِلدِّفْءِ انْتَهَى وَقَالَ الحافظ بن تَيْمِيَّةَ فِي فَتَاوَاهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ كَوْنِ هَذَا مِنْ صُوفٍ وَهَذَا مِنْ جُلُودٍ انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ الْجَوْرَبُ هُوَ الَّذِي يَلْبَسُهُ أَهْلُ الْبِلَادِ الشَّامِيَّةِ الشَّدِيدَةِ الْبَرْدِ وَهُوَ يُتَّخَذُ مِنْ غَزْلِ الصُّوفِ الْمَفْتُولِ يُلْبَسُ فِي الْقَدَمِ إِلَى مَا فَوْقَ الْكَعْبِ انْتَهَى قُلْتُ وَيُتَّخَذُ مِنَ الشَّعْرِ أَيْضًا كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى جَوْرَبَيْنِ لَهُ مِنْ شَعْرٍ فَتَفْسِيرُ الْمَجْدِ الْفَيْرُوزِآبَادِي عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لِفَافَةُ الرِّجْلِ سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْجِلْدِ أَوْ الصُّوفِ أَوْ الشَّعْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَ ثَخِينًا أَوْ رَقِيقًا بَلْ هُوَ شَامِلٌ لِلْمَخِيطِ وَغَيْرِهِ قَالَ فِي غُنْيَةُ الْمُسْتَمْلِي شَرْحُ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي بَعْدَ ذِكْرِ تَفْسِيرِ الْمَجْدِ مَا لَفْظُهُ كَأَنَّ تَفْسِيرَهُ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ لَكِنَّ الْعُرْفَ خَصَّ اللِّفَافَةَ بِمَا لَيْسَ بِمَخِيطٍ وَالْجَوْرَبَ بِالْمَخِيطِ ونحوه الَّذِي يُلْبَسُ كَمَا يُلْبَسُ الْخُفُّ انْتَهَى وَتَفْسِيرُ الطِّيبِيِّ وَالشَّوْكَانِيِّ وَالشَّيْخِ عَبْدِ الْحَقِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَوْرَبَ يُتَّخَذُ مِنَ الْجِلْدِ وَأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْخُفِّ وَأَنَّهُ يَكُونُ أَكْبَرَ مِنْهُ وَتَفْسِيرُ بن العربي وبن تَيْمِيَّةَ وَالْعَيْنِيِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُتَّخَذُ مِنَ الصُّوفِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَهُوَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ الْجَوْرَبُ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ مِنَ الْمِرْعِزَّى ومن الغزل والشعر والجلد الرقيق والكبرباس ذَكَرَهُ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدِيُّ عَنْهُ كَمَا فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَفِيهَا أَنَّ الْمِرْعِزَّى الزَّغَبُ الَّذِي تَحْتَ شَعْرِ الْعَنْزِ وَالْغَزْلُ مَا غُزِلَ مِنَ الصُّوفِ وَالْكِرْبَاسُ مَا نُسِجَ مِنْ مَغْزُولِ الْقُطْنِ قَالَ الْحَلَبِيُّ وَيُلْحَقُ بِالْكِرْبَاسِ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ نَوْعِ الْخَيْطِ كَالْكَتَّانِ وَالْإِبْرَيْسَيمِ أَيْ الْحَرِيرِ انْتَهَى مَا فِي حَاشِيَةِ الْبَحْرِ فَالِاخْتِلَافُ فِي تَفْسِيرِ الْجَوْرَبِ مِنْ جِهَتَيْنِ مِنْ جِهَةِ مَا يُتَّخَذُ مِنْهُ وَمِنْ جِهَةِ مِقْدَارُهُ قَالَ الْعَلَّامَةُ أَبُو الطَّيِّبِ شَمْسُ الْحَقِّ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ مِنَ الِاخْتِلَافِ مَا لَفْظُهُ فَهَذَا الِاخْتِلَافُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِمَّا لِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ وَإِمَّا لِكَوْنِ الْجَوْرَبِ مُخْتَلِفَ الْهَيْئَةِ وَالصَّنْعَةِ فِي الْبِلَادِ الْمُتَفَرِّقَةِ فَفِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ يُصْنَعُ مِنَ الْأَدِيمِ وَفِي بَعْضِهَا مِنْ صُوفٍ وَفِي بَعْضِهَا مِنْ كُلِّ الْأَنْوَاعِ فَكُلُّ مَنْ فَسَّرَهُ إِنَّمَا فَسَّرَهُ عَلَى هَيْئَةِ بِلَادِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِكُلِّ مَا يُوجَدُ فِي الْبِلَادِ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ التَّفَاسِيرِ الْمُخْتَلِفَةِ بِأَنَّ الْجَوْرَبَ هُوَ لِفَافَةُ الرِّجْلِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ

الْقَامُوسِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ وَأَمَّا تَقْيِيدُهُمْ بِالْجِلْدِ وَالصُّوفِ وَالشَّعْرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَعَلَى حَسَبِ صَنْعَةِ بِلَادِهِمْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْمَبْحَثُ الثَّالِثُ فِي تَحْرِيرِ الْمَذَاهِبِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَبَيَانِ مَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ ص 995 ج 1 إِنَّا لَا نَرَى بَأْسًا بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إِذَا كَانَا صَفِيقَيْنِ قَدْ قَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَرَى ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَا صَفِيقَيْنِ وَيَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ فَيَكُونَا كَالْخُفَّيْنِ انْتَهَى وَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ جَوْرَبَيْهِ الثَّخِينَيْنِ أَيْ بِحَيْثُ يُسْتَمْسَكَانِ عَلَى السَّاقِ بِلَا شَدٍّ مُنَعَّلَيْنِ أَوْ مُجَلَّدَيْنِ حَتَّى إِذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ غَيْرَ مُنَعَّلَيْنِ أَوْ مُجَلَّدَيْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَعَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إِلَى قَوْلِهِمَا وَبِهِ يُفْتِي انْتَهَى مَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَالْمُنَعَّلُ مِنَ التَّنْعِيلِ مَا وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَسْفَلِهِ كَالنَّعْلِ لِلْقَدَمِ وَالْمُجَلَّدُ مِنَ التَّجْلِيدِ مَا وُضِعَ الْجِلْدُ عَلَى أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ كِلَيْهِمَا وَحَاصِلُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْجَوْرَبَيْنِ إِنْ كَانَ مُنَعَّلَيْنِ أَوْ مُجَلَّدَيْنِ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا بِاتِّفَاقِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُنَعَّلَيْنِ أَوْ مُجَلَّدَيْنِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ فِيهِ إِلَّا إِذَا كَانَ مُنَعَّلًا أَوْ مُجَلَّدًا فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْخُفِّ وَجَوَّزَهُ صَاحِبَاهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ ثَخِينًا يُمْكِنُ فِيهِ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فَشَابَهُ الْخُفَّ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا ثَخِينَيْنِ أَيْضًا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا اتِّفَاقًا كَذَا فِي عُمْدَةِ الرِّعَايَةِ وَأَمَّا مَذْهَبُ مَالِكٍ فَكَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَدِيمِ وَأَمَّا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فَقَدْ ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا إِذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُنَعَّلَيْنِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْجَدِيدُ وَقَوْلُ صَاحِبَيْهِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَاحِدٌ وَهُوَ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إِذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ وَنُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ القديم قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَالْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا إِلَّا أَنْ يُنْعَلَا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِمَا فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا كَالرَّقِيقَيْنِ انْتَهَى وقال بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهِمَا إِذَا كَانَا مُجَلَّدَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا الثَّانِي إِنْ كَانَ صَفِيقًا جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجَلَّدًا إِذَا كَانَ لَهُ نَعْلٌ وَبِهِ فَسَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ مَذْهَبَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ عَنْ مَالِكٍ الثَّالِثُ أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَعْلٌ وَلَا تَجْلِيدٌ قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ كُلُّهُ فَإِنْ كَانَا مُجَلَّدَيْنِ رَجَعَا خُفَّيْنِ وَدَخَلَا تَحْتَ أَحَادِيثِ الْخُفِّ وَوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ مَلْبُوسٌ فِي الرِّجْلِ يَسْتُرُهَا إِلَى الْكَعْبِ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ فَجَازَ الْمَسْحُ وَوَجْهُ الثَّالِثِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ أصلا انتهى كلام بن العربي وقال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ

سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ صَفِيقًا مُنَعَّلًا وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَنَقَلَ الْمُزَنِيُّ أَنَّهُ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ مُجَلَّدِي الْقَدَمَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الْمَحَلِّ الْفَرْضِ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ انتهى كلام بن رَسْلَانَ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ وَقَعَ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ لَفْظُ الْجَوْرَبَيْنِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْقُيُودِ الَّتِي قَيَّدَهُمَا بِهَا هَؤُلَاءِ الأئمة فما بالهم قيدوهما بها واشرطوا جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا بِتِلْكَ الْقُيُودِ فَبَعْضُهُمْ بِالتَّجْلِيدِ وبعضهم بالتنعيل وبعضهم بالصفاقة والثخونة قلت الأصل هُوَ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالْعُدُولُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ اتَّفَقَ عَلَى صِحَّتِهَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ كَأَحَادِيثِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَجَازَ الْعُدُولُ عَنْ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ إِلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا أَحَادِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ فَفِي صِحَّتِهَا كَلَامٌ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْفَنِّ كَمَا عَرَفْتَ فَكَيْفَ يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ إِلَى الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ مُطْلَقًا وَإِلَى هَذَا أَشَارَ مُسْلِمٌ بِقَوْلِهِ لَا يُتْرَكُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ بِمِثْلِ أَبِي قَيْسٍ وَهُزَيْلٍ انْتَهَى فَلِأَجْلِ ذَلِكَ اشْتَرَطُوا جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ بِتِلْكَ الْقُيُودِ لِيَكُونَا فِي مَعْنَى الْخُفَّيْنِ وَيَدْخُلَا تَحْتَ أَحَادِيثِ الْخُفَّيْنِ فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْجَوْرَبَيْنِ إِذَا كَانَا مُجَلَّدَيْنِ كَانَا فِي مَعْنَى الْخُفَّيْنِ وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُمَا إِذَا كَانَ مُنَعَّلَيْنِ كَانَا فِي مَعْنَاهُمَا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنَّهُمَا إِذَا كَانَا صَفِيقَيْنِ ثَخِينَيْنِ كَانَا فِي مَعْنَاهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ وَلَا مُنَعَّلَيْنِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ ضَعَّفَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدِيثَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَمَعَ تَضْعِيفِهِ قَدْ قَالَ بِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْقُيُودِ كَمَا يَظْهَرُ من كلام بن الْعَرَبِيِّ قُلْتُ قَدْ قَيَّدَهُمَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا بِقَيْدِ الثُّخُونَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي قَدْ قَالَ أَحْمَدُ فِي مَوْضِعٍ لَا يُجْزِيهِ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ حَتَّى يَكُونَ جَوْرَبًا صَفِيقًا يَقُومُ قَائِمًا فِي رِجْلِهِ لَا يَنْكَسِرُ مِثْلَ الْخُفَّيْنِ إِنَّمَا مَسَحَ الْقَوْمُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْخُفِّ فِي رِجْلِ الرَّجُلِ يَذْهَبُ فِيهِ الرَّجُلُ وَيَجِيءُ انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَدْ قَالَ قَبْلَ هَذَا سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ جَوْرَبِ الْخِرَقِ يُمْسَحُ عَلَيْهِ فَكَرِهَ الْخِرَقَ وَلَعَلَّ أَحْمَدَ كَرِهَهَا لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهَا الْخِفَّةُ وَأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِأَنْفُسِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ جَوْرَبِ الصُّوفِ فِي الصَّفَاقَةِ وَالثُّبُوتِ فَلَا فَرْقَ انْتَهَى كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى حَدِيثِ الْجَوْرَبَيْنِ بَلْ اعْتَمَدَ عَلَى آثَارِ الصحابة رضي الله عنهم قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ قَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَعَلَّلَ رِوَايَةَ أَبِي قَيْسٍ وَهَذَا مِنْ إِنْصَافِهِ وَعَدْلِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا عُمْدَتُهُ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ وَصَرِيحُ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ بَيْنَ الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ فَرْقٌ مؤثر

يَصِحُّ أَنْ يُحَالَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ بن الْقَيِّمِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يَظْهَرُ بَيْنَ الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ إِلَخْ فَفِيهِ أَنَّ الْجَوْرَبَيْنِ إِذَا كَانَا مِنْ غَيْرِ الْجِلْدِ وَكَانَا ثَخِينَيْنِ صَفِيقَيْنِ بِحَيْثُ يُسْتَمْسَكَانِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ بِلَا شَدٍّ وَيُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِمَا فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ فَرْقٌ مُؤَثِّرٌ لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى الْخُفَّيْنِ وَأَمَّا إِذَا كانا رقيقين بحيث لا يستمسكان على القدمين بِلَا شَدٍّ وَلَا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِمَا فَهُمَا لَيْسَا فِي مَعْنَى الْخُفَّيْنِ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْخُفَّيْنِ فَرْقًا مُؤَثِّرًا أَلَا تَرَى أَنَّ الْخُفَّيْنِ بِمَنْزِلَةِ النَّعْلَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ وِجْدَانِهِمَا يَذْهَبُ الرَّجُلُ فِيهِمَا وَيَجِيءُ وَيَمْشِي أَيْنَمَا شَاءَ فَلَابِسُ الْخُفَّيْنِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نَزْعِهِمَا عِنْدَ الْمَشْيِ فَلَا يَنْزِعُهُمَا يَوْمًا وَلَيْلَةً بل أياما وليالي فهذا يشق عليه نزعمها عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ بِخِلَافِ لَابِسِ الْجَوْرَبَيْنِ الرَّقِيقَيْنِ فَإِنَّهُ كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَمْشِيَ يَحْتَاجُ إِلَى النَّزْعِ فَيَنْزِعُهُمَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَرَّاتٍ عَدِيدَةً وَهَذَا لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ نَزْعُهُمَا عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَهَذَا الْفَرْقُ يَقْتَضِي أَنْ يُرَخِّصَ لِلَابِسِ الْخُفَّيْنِ دُونَ لَابِسِ الْجَوْرَبَيْنِ الرَّقِيقَيْنِ فَقِيَاسُ هَذَا عَلَى ذَلِكَ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَعَدَمُ ظُهُورِ الْفَرْقِ الْمُؤَثِّرِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْخُفَّيْنِ مَمْنُوعٌ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْخُفَّيْنِ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْجَوْرَبَيْنِ الرَّقِيقَيْنِ ليس دَاخِلَيْنِ تَحْتَ أَحَادِيثِ الْخُفَّيْنِ لِأَنَّ الْجَوْرَبَ لَيْسَ مِنْ أَفْرَادِ الْخُفِّ فَلَا وَجْهَ لِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا إِلَّا مُجَرَّدُ الْقِيَاسِ وَلَا يُتْرَكُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الْقِيَاسِ أَلْبَتَةَ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ أجاب الحافظ بن الْقَيِّمِ عَنْ قَوْلِ مُسْلِمٍ لَا يُتْرَكُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ بِمِثْلِ أَبِي قَيْسٍ وَهُزَيْلٍ فَقَالَ جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ لَا يَنْفِي الْمَسْحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إِلَّا كَمَا يَنْفِي الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَا كَانَ الْجَوَابُ عَنْ مَوَارِدِ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ النِّزَاعِ الثَّانِي الَّذِينَ سَمِعُوا الْقُرْآنَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَفُوا تَأْوِيلَهُ مَسَحُوا عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَهُمْ أَعْلَمُ الْأُمَّةِ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَمُرَادِ اللَّهِ مِنْهُ انْتَهَى قُلْتُ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ مِنَ الْجَوَابِ نَظَرٌ أَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ قَدْ أَجْمَعَ عَلَى صِحَّتِهَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فَلِأَجْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَرَكُوا ظَاهِرَ الْقُرْآنِ وَعَمِلُوا بِهَا وَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدِيثٌ أُجْمِعَ عَلَى صِحَّتِهِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ فَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ مِنَ الْمَقَالِ فَكَيْفَ يُتْرَكُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَيُعْمَلُ بِهِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي فَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الْجَوَارِبَةَ الَّتِي كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَمْسَحُونَ عَلَيْهَا كَانَتْ رَقَائِقَ بِحَيْثُ لَا تَسْتَمْسِكُ عَلَى الْأَقْدَامِ وَلَا يُمْكِنُ لَهُمْ تَتَابُعُ الْمَشْيُ فِيهَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ صَفِيقَةً ثَخِينَةً فَرَأَوْا أَنَّهَا فِي مَعْنَى الْخِفَافِ وَأَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ أَحَادِيثِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي وَقَدْ عَرَفْتَ قَوْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ إِنَّمَا مَسَحَ الْقَوْمُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْخُفِّ

إِلَخْ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ مَسْحِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْجَوَارِبَةِ الَّتِي كَانُوا يَمْسَحُونَ عَلَيْهَا جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ مُطْلَقًا ثَخِينَيْنِ كَانَا أَوْ رَقِيقَيْنِ فَتَفَكَّرْ وَالرَّاجِحُ عِنْدِي أَنَّ الْجَوْرَبَيْنِ إِذَا كَانَا رقيقين ثَخِينَيْنِ فَهُمَا فِي مَعْنَى الْخُفَّيْنِ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا وَأَمَّا إِذَا كَانَا رَقِيقَيْنِ بِحَيْثُ لَا يستمسكان على القدمين بلا شد ولا يمكن المشي فيهما فهما ليسا في معنى الخفين وَفِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا عِنْدِي تَأَمُّلٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ الْعَلَّامَةَ أَبَا الطَّيِّبِ شَمْسَ الْحَقِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَدِ اخْتَارَ قَوْلَ مَنِ اشْتَرَطَ فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ التَّجْلِيدَ حَيْثُ قَالَ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَذَاهِبِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَفْظُهُ وَأَنْتَ خَبِيرٌ أَنَّ الْجَوْرَبَ يُتَّخَذُ مِنَ الْأَدِيمِ وَكَذَا مِنَ الصُّوفِ وَكَذَا مِنَ الْقُطْنِ وَيُقَالُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا إِنَّهُ جَوْرَبٌ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذِهِ الرُّخْصَةَ بِهَذَا الْعُمُومِ الَّتِي ذَهَبَتْ إِلَيْهَا تِلْكَ الْجَمَاعَةُ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بعد أن يثبت أن الجوربين الذين مَسَحَ عَلَيْهِمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَا مِنْ صُوفٍ سَوَاءٌ كَانَا مُنَعَّلَيْنِ أَوْ ثَخِينَيْنِ فَقَطْ وَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا قَطُّ فَمِنْ أَيْنَ عُلِمَ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ غَيْرِ الْمُجَلَّدَيْنِ بَلْ يُقَالُ إِنَّ الْمَسْحَ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ الْمُجَلَّدَيْنِ لَا غَيْرَهُمَا لِأَنَّهُمَا فِي مَعْنَى الْخُفِّ وَالْخُفُّ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنْ أَدِيمٍ نَعَمْ إِنْ كَانَ الْحَدِيثُ قَوْلِيًّا بِأَنْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْسَحُوا عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ لَكَانَ يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ بِعُمُومِهِ عَلَى كُلِّ أَنْوَاعِ الْجَوْرَبِ وَإِذْ لَيْسَ فَلَيْسَ فَإِنْ قُلْتَ لَمَّا كَانَ الْجَوْرَبُ مِنَ الصُّوفِ أَيْضًا احْتَمَلَ أن الجوربين الذين مَسَحَ عَلَيْهِمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَا مِنْ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ إِذْ لَمْ يُبَيِّنْ الرَّاوِي قُلْتُ نَعَمْ الِاحْتِمَالُ فِي كُلِّ جَانِبٍ سَوَاءٌ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُمَا مِنْ صُوفٍ وَكَذَا مِنْ قُطْنٍ لَكِنْ تَرَجَّحَ الْجَانِبُ الْوَاحِدُ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ أَدِيمٍ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى الْخُفِّ وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ قَطْعًا وَأَمَّا الْمَسْحُ عَلَى غَيْرِ الْأَدِيمِ فَثَبَتَ بِالِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي لَمْ تَطْمَئِنَّ النَّفْسُ بِهَا وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ كَلَامُهُ هَذَا حَسَنٌ طَيِّبٌ لَكِنْ فِيهِ أَنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَثْبُتَ أَنَّ الْجَوْرَبَيْنِ اللَّذَيْنِ مَسَحَ عَلَيْهِمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَا مُجَلَّدَيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ هَذَا قَطُّ فَمِنْ أَيْنَ عُلِمَ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ الْمُجَلَّدَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الْجَوْرَبَيْنِ الْمُجَلَّدَيْنِ فِي مَعْنَى الْخُفِّ فَلَا يُجْدِي نَفْعًا فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ الثَّخِينَيْنِ فَقَطْ يَقُولُونَ أَيْضًا إِنَّهُمَا لِثُخُونَتِهِمَا وَصَفَاقَتِهِمَا فِي مَعْنَى الْخُفِّ فَتَفَكَّرْ تَنْبِيهٌ قَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ مُجَوِّزِي الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ مُطْلَقًا ثَخِينًا كَانَ أَوْ رَقِيقًا بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ بَعَثَ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمْ الْبَرْدُ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا إِلَيْهِ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْبَرْدِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وقال قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْعَصَائِبُ هِيَ الْعَمَائِمُ لِأَنَّ الرَّأْسَ يُعْصَبُ بِهَا وَالتَّسَاخِينُ كُلُّ مَا يَسْخُنُ بِهِ الْقَدَمُ مِنْ خُفٍّ وَجَوْرَبٍ وَنَحْوِهِمَا وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا قَالَ وَرِجَالُ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ مَرْضِيُّونَ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّهُ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ رَاشِدَ بْنَ سَعْدٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ثَوْبَانَ قَالَ الحافظ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ ص 22 أَنْبَأَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِيمَا كتب إلى قال قال أحمد يعني بن حَنْبَلٍ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ثوبان انتهى وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَالْحَرْبِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ثَوْبَانَ وَقَالَ الْخَلَّالُ عَنْ أَحْمَدَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْهُ انْتَهَى عَلَى أَنَّ التَّسَاخِينَ قَدْ فَسَّرَهَا أهل اللغة بالخفاف قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فِي حَرْفِ التَّاءِ مَا لَفْظُهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى التَّسَاخِينِ هِيَ الْخِفَافُ وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَقِيلَ وَاحِدُهَا تِسْخَانٌ وَتِسْخِينٌ وَتِسْخَنٌ وَالتَّاءُ فِيهَا زَائِدَةٌ وَذَكَرْنَاهَا هُنَا حَمْلًا عَلَى ظَاهِرِ لَفْظِهَا قَالَ حَمْزَةُ الْأَصْفَهَانِيُّ أَمَّا التِّسْخَانُ فَتَعْرِيبُ تَشْكَن وَهُوَ اسْمُ غِطَاءٍ مِنْ أَغْطِيَةِ الرَّأْسِ كَانَ الْعُلَمَاءُ والموابذة يأخذونه على رؤوسهم خَاصَّةً وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْعَمَائِمِ وَالتَّسَاخِينِ فَقَالَ مَنْ تَعَاطَى تَفْسِيرَهُ هُوَ الْخُفُّ حَيْثُ لَمْ يَعْرِفْ فَارِسِيَّتَهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي حَرْفِ السِّينِ إِنَّهُ أَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْمَشَاوِذِ وَالتَّسَاخِينِ التَّسَاخِينُ الْخِفَافُ وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَقِيلَ وَاحِدُهَا تِسْخَانٌ وَتِسْخِينٌ هَكَذَا فِي شَرْحِ كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَقَالَ حَمْزَةُ الْأَصْفَهَانِيُّ فِي كِتَابِ الْمُوَازَنَةِ التِّسْخَانُ تَعْرِيبُ تَشْكَن إِلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ فِي حَرْفِ التَّاءِ وَكَذَا فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ التَّسَاخِينَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ هِيَ الْخِفَافُ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ مُطْلَقًا ثَخِينَيْنِ كَانَا أَوْ رَقِيقَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ التَّسَاخِينَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ هِيَ كُلُّ مَا يُسْخَنُ بِهِ الْقَدَمُ مِنْ خُفٍّ وَجَوْرَبٍ وَنَحْوِهِمَا فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ التِّسْخَانُ تَعْرِيبُ تَشْكَن وَهُوَ اسْمُ غِطَاءٍ مِنْ أَغْطِيَةِ الرَّأْسِ كَمَا عَرَفْتَ وَفِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ لِلسَّيُوطِيِّ قَالَ حَمْزَةُ التِّسْخَانُ مُعَرَّبُ تَشْكَن وَهُوَ اسْمُ غِطَاءٍ مِنْ أَغْطِيَةِ الرَّأْسِ كَانَ الْعُلَمَاءُ وَالْقُضَاةُ يأخذونه على رؤوسهم خَاصَّةً وَوَهَمَ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْخُفِّ انْتَهَى فَحَصَلَ لِلتَّسَاخِينِ ثَلَاثَةُ تَفَاسِيرَ الْأَوَّلُ إِنَّهَا هِيَ الْخِفَافُ وَالثَّانِي إِنَّهَا هِيَ كُلُّ مَا يُسْخَنُ بِهِ القدم الثالث إِنَّهَا هِيَ تَعْرِيبُ تَشْكَن وَهُوَ اسْمُ غِطَاءٍ مِنْ أَغْطِيَةِ الرَّأْسِ فَمَنِ ادَّعَى أَنَّ الْمُرَادَ بها

فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ الْمَذْكُورِ كُلُّ مَا يُسْخَنُ بِهِ الْقَدَمُ دُونَ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ بَيَانُ الدَّلِيلِ الصَّحِيحِ وَدُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ الحافظ بن تَيْمِيَّةَ فِي فَتَاوَاهُ مَا لَفْظُهُ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ إِذَا كَانَ يَمْشِي فِيهِمَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُجَلَّدَةً أَوْ لَمْ تَكُنْ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ فَفِي السُّنَنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ وَنَعْلَيْهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ إِذَا لَمْ يَثْبُتْ فَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي ذَلِكَ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ إِنَّمَا هُوَ كَوْنُ هَذَا مِنْ صُوفٍ وَهَذَا مِنْ جُلُودٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا الْفَرْقِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الشَّرِيعَةِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جُلُودًا أَوْ قُطْنًا أَوْ كَتَّانًا أَوْ صُوفًا كَمَا لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ سَوَادِ اللِّبَاسِ فِي الْإِحْرَامِ وَبَيَاضِهِ وَغَايَتُهُ أَنَّ الْجِلْدَ أَبْقَى مِنَ الصُّوفِ وَهَذَا لَا تَأْثِيرَ لَهُ كَمَا لَا تَأْثِيرَ لِكَوْنِ الْجِلْدِ قَوِيًّا بَلْ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى مَا يَبْقَى وَمَا لَا يَبْقَى وَأَيْضًا فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الْمَسْحِ عَلَى هَذَا كَالْحَاجَةِ إِلَى الْمَسْحِ عَلَى هَذَا سَوَاءٌ وَمَعَ التَّسَاوِي فِي الْحِكْمَةِ وَالْحَاجَةِ يَكُونُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَهَذَا خِلَافُ الْعَدْلِ وَالِاعْتِبَارِ الصَّحِيحِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ كُتُبَهُ وَأَرْسَلَ بِهِ رُسُلَهُ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ كَلَامُ الْحَافِظِ بن تَيْمِيَّةَ هَذَا لَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا اخْتَرْنَا مِنْ أَنَّ الْجَوْرَبَيْنِ إِذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ صَفِيقَيْنِ يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِمَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا فَإِنَّهُمَا فِي مَعْنَى الْخُفَّيْنِ فَإِنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ قَيَّدَ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ بِقَوْلِهِ إِذَا كَانَ يَمْشِي فِيهِمَا وَظَاهِرٌ أَنَّ تَتَابُعَ الْمَشْيِ فِيهِمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِمَا إِلَّا إِذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَعَ التَّسَاوِي فِي الْحِكْمَةِ وَالْحَاجَةِ يَكُونُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا تَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِذَا كَانَ الْجَوْرَبَانِ ثَخِينَيْنِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِمَا وَأَمَّا إِذَا كَانَا رَقِيقَيْنِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِمَا فَلَا كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ فَقِيَاسُ الْجَوْرَبَيْنِ الرَّقِيقَيْنِ عَلَى الْخُفَّيْنِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في المسح على الجوربين والعمامة

74 - (باب ما جاء في المسح على الجوربين والْعِمَامَةِ) فِي نُسْخَةٍ قَلَمِيَّةٍ عَتِيقَةٍ بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَلَيْسَ فِيهَا لَفْظُ الْجَوْرَبَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ [100] قَوْلُهُ (عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ) الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ (عن بن المغيرة بن شعبة) اسم بن الْمُغِيرَةِ هَذَا حَمْزَةُ وَلِلْمُغِيرَةِ ابْنَانِ حَمْزَةُ وَعُرْوَةُ وَالْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ عَنْهُمَا جَمِيعًا لَكِنَّ رِوَايَةَ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ إِنَّمَا هِيَ عَنْ حمزة بن المغيرة وعن بن الْمُغِيرَةِ غَيْرَ مُسَمًّى وَلَا يَقُولُ بَكْرُ بْنُ عُرْوَةَ وَمَنْ قَالَ عُرْوَةُ عَنْهُ فَقَدْ وَهَمَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَحَمْزَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ هَذَا ثِقَةٌ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَجَمْعُهُ العمائم (قال بكر وقد سمعته من بن الْمُغِيرَةِ) أَيْ بِلَا وَاسِطَةِ الْحَسَنِ (وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِهِ وَعِمَامَتِهِ) النَّاصِيَةُ مُقَدَّمُ الرَّأْسِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمُقَدَّمِ رَأْسِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ (وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ الْمَسْحَ عَلَى النَّاصِيَةِ وَالْعِمَامَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ بَعْضُهُمْ النَّاصِيَةَ) وَالذَّاكِرُونَ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ فَزِيَادَةُ النَّاصِيَةِ مَقْبُولَةٌ بِلَا شَكٍّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ وَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ هَذَا مِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَسْحَ بَعْضِ الرَّأْسِ يَكْفِي وَلَا يُشْتَرَطُ الْجَمِيعُ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْجَمِيعُ لَمَا اكْتَفَى بِالْعِمَامَةِ عَنِ الْبَاقِي فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ فِي عُضْوٍ وَاحِدٍ

لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ مَسَحَ عَلَى خُفٍّ وَاحِدٍ وَغَسَلَ الرِّجْلَ الْأُخْرَى وَأَمَّا التَّيَمُّمُ بِالْعِمَامَةِ فَهُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِيَكُونَ الطَّهَارَةُ عَلَى جَمِيعِ الرَّأْسِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لُبْسُ الْعِمَامَةَ عَلَى طُهْرٍ أَوْ عَلَى حَدَثٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ قَلَنْسُوَةٌ وَلَمْ يَنْزِعْهَا مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَيَمَّمَ عَلَى الْقَلَنْسُوَةِ كَالْعِمَامَةِ وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَلَمْ يَمْسَحْ شَيْئًا مِنَ الرَّأْسِ لَمْ يَجْزِهِ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدِي هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَسَلْمَانَ وَثَوْبَانَ وَأَبِي أُمَامَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بن أمية فأخرجه أحمد والبخاري وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلْمَانَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا قَدْ أَحْدَثَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَخْلَعَ خُفَّيْهِ فَأَمَرَهُ سَلْمَانُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ وَقَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى خُفَّيْهِ وَعَلَى خِمَارِهِ وَحَدِيثُ سَلْمَانَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ وَلَكِنَّهُ قَالَ مَكَانَ وَعَلَى خِمَارِهِ وَعَلَى نَاصِيَتِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو شُرَيْحٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْهُ مَا اسْمُهُ فَقَالَ لَا أَدْرِي لَا أَعْرِفُ اسْمَهُ وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا أَبُو مُسْلِمٍ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا أَعْرِفُ اسْمَهُ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَأَصَابَهُمْ الْبَرْدُ فَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا إِلَيْهِ مَا أَصَابَهُمْ مِنَ الْبَرْدِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَمْسَحُوا عَلَى الْعَصَائِبِ وَالتَّسَاخِينِ قَالَ صاحب المنتقي العصائب والعمائم وَالتَّسَاخِينُ الْخِفَافُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِي إِسْنَادِهِ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ الْخَلَّالُ فِي عِلَلِهِ إِنَّ أَحْمَدَ قَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ سَمِعَ مِنْ ثَوْبَانَ لِأَنَّهُ مَاتَ قَدِيمًا انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ وَعَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كان يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ وَالْخِمَارِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ وَالْخِمَارِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ

فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَمْ يَخْرُجْهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ وَهَمَ الْمُنْذِرِيُّ فَعَزَّاهُ إِلَى الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَتَبِعَ فِي ذلك بن الجوزي فوهم وقد تعقبه بن عَبْدِ الْهَادِي وَصَرَّحَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَسٌ وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ قَالُوا يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَأَحْمَدُ وإسحاق وأبو ثور والطبري وبن خزيمة وبن المنذر وغيرهم وقال بن الْمُنْذِرِ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنْ يُطِعْ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِهِ أَقُولُ انْتَهَى وَقَالَ فِيهِ وَرَوَاهُ أَيْ الْمَسْحَ عَلَى العمامة بن رَسْلَانَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَمَكْحُولٍ وَرَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَمَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهَا وَمَعَ النَّاصِيَةِ وَثَبَتَ عَنْهُ ذَلِكَ فِعْلًا وَأَمْرًا فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ لَكِنْ فِي قَضَايَا أَعْيَانٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَاصَّةً بِحَالِ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ وَيُحْتَمَلُ الْعُمُومُ كَالْخُفَّيْنِ وَهُوَ أَظْهَرُ انْتَهَى وَفِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ لِلزُّرْقَانِيِّ وَأَجَازَ الْمَسْحَ عَلَيْهَا أَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ لِلْآثَارِ وَقِيَاسًا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْآثَارِ لا من

الْقِيَاسِ وَلَوْ كَانَ مِنْهُ لَجَازَ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فَرَضَ اللَّهُ مَسْحَ الرَّأْسِ وَحَدِيثُ مَسْحِ الْعِمَامَةِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَلَا يُتْرَكُ الْمُتَيَقَّنُ لِلْمُحْتَمِلِ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْخُفِّ بَعِيدٌ لِمَشَقَّةِ نَزْعِهِ بِخِلَافِهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَنْفِي الِاقْتِصَارَ عَلَى الْمَسْحِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَحْمِلُ الْمُشْتَرَكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ قَبَّلْتُ رَأْسَ فُلَانٍ يَصْدُقُ وَلَوْ عَلَى حَائِلٍ وَبِأَنَّ الْمُجِيزِينَ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَسْحِ الْعِمَامَةِ شَرَطُوا فِيهِ مَشَقَّةَ نَزْعِهَا كَالْخُفِّ وَرُدَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّ الْأَصْلَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ مَا لَمْ يَرِدْ نَصٌّ صَرِيحٌ بِخِلَافِهِ وَالنُّصُوصُ وَرَدَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلًا وَأَمْرًا بِمَسْحِ الرَّأْسِ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ مَسْحِ الْعِمَامَةِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِعُذْرٍ بِدَلِيلِ الْمَسْحِ عَلَى النَّاصِيَةِ مَعَهَا كَمَا فِي مُسْلِمٍ انْتَهَى كَلَامُ الزُّرْقَانِيِّ قُلْتُ قَدْ ثَبَتَتْ وَصَحَّتْ أَحَادِيثُ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقِيَاسِ عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَا حَاجَةَ إِلَى تَأْوِيلِ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى ظَوَاهِرِهَا فَائِدَةٌ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ هَلْ يَحْتَاجُ الْمَاسِحُ عَلَى الْعِمَامَةِ إِلَى لُبْسِهَا عَلَى طَهَارَةٍ أَوْ لَا يَحْتَاجُ فَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ إِلَّا مَنْ لَبِسَهَا عَلَى طَهَارَةٍ قِيَاسًا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ الْبَاقُونَ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي التَّوْقِيتِ فَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ أَيْضًا إِنَّ وَقْتَهُ كَوَقْتِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عمر والباقون لم يوقتوا قال بن حَزْمٍ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ وَلَمْ يُوَقِّتْ ذَلِكَ بِوَقْتٍ وَفِيهِ أَنَّ الطَّبَرَانِيَّ قَدْ رَوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ ثَلَاثًا فِي السَّفَرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً فِي الْحَضَرِ لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ مَرْوَانُ أَبُو سَلَمَةَ قَالَ بن أَبِي حَاتِمٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْأَزْدِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَسُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قَوْلُهُ (يَقُولُ سَمِعْتُ وَكِيعَ بْنَ الْجَرَّاحِ يَقُولُ إِنْ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ يُجْزِئُهُ لِلْأَثَرِ) أَيْ لِلْحَدِيثِ وَالْأَمْرُ عِنْدِي كَمَا قَالَ وَكِيعٌ فَإِنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ تَدُلُّ على أجزاء المسح على العمامة

[102] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَرْثِ بْنِ كِنَانَةِ الْقُرَشِيِّ الْعَامِرِيِّ الْمَدَنِيِّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَالزُّهْرِيِّ وَعَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طِهْمَانَ وَبِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ وَثَّقَهُ بن مَعِينٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ ثِقَةٌ قَدَرِيٌّ قَالَ الفسوي وبن خزيمة ليس به بأس قال بن عَدِيٍّ أَكْثَرُ أَحَادِيثِهِ صِحَاحٌ وَلَهُ مَا يُنْكَرُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَخُو سَلَمَةَ وَقِيلَ هُوَ هُوَ مقبول انتهى وقال في الخلاصة وثقه بن مَعِينٍ وَفِيهِ كَلَامُ أَبِي حَاتِمٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (فقال السنة يا بن أخي) أي هو السنة يا بن أَخِي (فَقَالَ أَمِسَّ الشَّعْرَ) أَمْرٌ مِنَ الْمَسِّ يَعْنِي لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ فَعَلَيْكَ أَنْ تَمَسَّ الشَّعْرَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ قَالَ بَلَغَنِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْعِمَامَةِ فَقَالَ لَا حَتَّى يَمَسَّ الشَّعْرَ الْمَاءُ قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ قَوْلُهُ حَتَّى يَمَسَّ مِنَ الْإِمْسَاسِ أَوْ الْمَسِّ أَيْ يُصِيبَ الشَّعْرَ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ الْمَاءُ بِالرَّفْعِ أَوْ النَّصْبِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ لَا يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ إِلَّا أَنْ يَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَمَعَ الْعِمَامَةِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَعْنَى الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَقِيلَ إِنَّهُ كَمَّلَ عَلَيْهَا بَعْدَ مَسْحِ النَّاصِيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَى عَدَمِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَسْحِ عَلَيْهَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فَرَضَ اللَّهُ مَسْحَ الرَّأْسِ وَالْحَدِيثُ فِي مَسْحِ الرَّأْسِ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَلَا يُتْرَكُ الْمُتَيَقَّنُ لِلْمُحْتَمَلِ قَالَ وَقِيَاسُهُ عَلَى مَسْحِ الْخُفِّ بَعِيدٌ لِأَنَّهُ يَشُقُّ نَزْعُهُ بِخِلَافِهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِينَ أَجَازُوا الِاقْتِصَارَ عَلَى مَسْحِ الْعِمَامَةِ شَرَطُوا فِيهِ الْمَشَقَّةَ فِي نَزْعِهَا كَمَا فِي الْخُفِّ وَطَرِيقُهُ أَنْ تَكُونَ مُحْكَمَةً كَعَمَائِمِ الْعَرَبِ وَقَالُوا عُضْوٌ يَسْقُطُ فَرْضُهُ فِي التَّيَمُّمِ فَجَازَ الْمَسْحُ عَلَى حَائِلِهِ كَالْقَدَمَيْنِ وَقَالُوا الْآيَةُ لَا تَنْفِي ذَلِكَ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ مَنْ يَحْمِلُ الْمُشْتَرَكَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ لِأَنَّ مَنْ قَالَ قَبَّلْتُ رَأْسَ فُلَانٍ يَصْدُقُ وَلَوْ كَانَ عَلَى حائل انتهى وقال بن قدامة في

المغني يجوز المسح على العمامة قال بن الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَأَنَسٌ وَأَبُو أُمَامَةَ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَمَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَقَالَ عُرْوَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَالْقَاسِمُ وَمَالِكٌ والشافعي وأصحاب الرأي لا يمسح عليها لقوله الله تعالى (وامسحوا برؤوسكم) وَلِأَنَّهُ لَا تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي نَزْعِهَا فَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا كَالْكُمَّيْنِ وَلَنَا مَا رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَالَ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ والعمامة قال الترمذي هذا حديث حسن صَحِيحٌ قَالَ أَحْمَدُ هُوَ مِنْ خَمْسَةِ وُجُوهٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ قَالَ وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ أَنْ تَكُونَ سَاتِرَةً لِجَمِيعِ الرَّأْسِ إِلَّا مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ كَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ وَشِبْهِهِمَا مِنْ جَوَانِبِ الرَّأْسِ فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ قَالَ وَمِنْ شَرْطِ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا أَنْ تَكُونَ عَلَى صِفَةِ عَمَائِمِ الْمُسْلِمِينَ إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ تَحْتَ الْحَنَكِ مِنْهَا شَيْءٌ لِأَنَّ هَذِهِ عَمَائِمُ الْعَرَبِ وَهِيَ أَكْثَرُ سِتْرًا مِنْ غَيْرِهَا وَيَشُقُّ نَزْعُهَا فَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ لَهَا ذُؤَابَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَهُ الْقَاضِي وَسَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَ الْحَنَكِ مِنْهَا شيء ولا لها ذؤابة لم يجزالمسح عَلَيْهَا لِأَنَّهَا عَلَى صِفَةِ عَمَائِمِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا يَشُقُّ نَزْعُهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّلَحِّي وَنَهَى عَنِ الِاقْتِعَاطِ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالِاقْتِعَاطُ أَنْ لَا يَكُونَ تَحْتَ الْحَنَكِ مِنْهَا شَيْءٌ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى رَجُلًا لَيْسَ تَحْتَ حَنَكِهِ مِنْ عِمَامَتِهِ شَيْءٌ فَحَنَّكَهُ بِكَوْرٍ مِنْهَا وَقَالَ مَا هَذِهِ الْفَاسِقِيَّةُ فَامْتَنَعَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا لِلنَّهْيِ عَنْهَا وَسُهُولَةِ نَزْعِهَا وَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ ذُؤَابَةٍ وَلَمْ تَكُنْ مُحَنَّكَةً فَفِي الْمَسْحِ عَلَيْهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا جَوَازُهُ لِأَنَّهَا لَا تُشْبِهُ عَمَائِمَ أَهْلِ الذِّمَّةِ إِذْ لَيْسَ مِنْ عَادَتِهِمْ الذُّؤَابَةُ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي عُمُومِ النَّهْيِ وَلَا يَشُقُّ نَزْعُهَا قَالَ وَإِنْ نَزَعَ الْعِمَامَةَ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهَا بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ قَالَ وَالتَّوْقِيتُ فِي مَسْحِ الْعِمَامَةِ كَالتَّوْقِيتِ فِي مَسْحِ الْخُفِّ لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ ثَلَاثًا فِي السَّفَرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ رَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادِهِ إِلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَلَا مَمْسُوحَ عَلَى وَجْهِ الرُّخْصَةِ فَتَوَقَّتْ بِذَلِكَ كَالْخُفِّ انْتَهَى مَا فِي الْمُغْنِي قُلْتُ لَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَأَمَّا هَذِهِ الشَّرَائِطُ التي ذكرها بن قُدَامَةَ فَلَمْ أَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهَا مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّلَحِّي وَنَهَى عَنِ الِاقْتِعَاطِ فلم يذكر بن قُدَامَةَ سَنَدَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْسِينَهُ وَلَا تَصْحِيحَهُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ وَلَا عَلَى مَنْ حَسَّنَهُ أَوْ صَحَّحَهُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ فِي تَوْقِيتِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَفِي إِسْنَادِهِ شَهْرُ بْنُ

باب ما جاء في الغسل من الجنابة

حوشب الأشعري الشامي مولى أسماء بنت يزيد بْنِ السَّكَنِ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ وَالْأَوْهَامِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا وَفِي إِسْنَادِهِ مَرْوَانُ أَبُو سَلَمَةَ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ البخاري قال إنه منكر الحديث وقال بن أَبِي حَاتِمٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ عَرَفْتَ أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ تَنْبِيهٌ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ بَلَغَنَا أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ كَانَ فَتُرِكَ انْتَهَى قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ لَمْ نَجِدْ إِلَى الْآنِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ مَنْسُوخًا لَكِنْ ذَكَرُوا أَنَّ بَلَاغَاتِ مُحَمَّدٍ مُسْنَدَةٌ فَلَعَلَّ عِنْدَهُ وَصْلٌ بِإِسْنَادِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ لَا بُدَّ لِمَنْ يَدَّعِي أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ كَانَ فَتُرِكَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَدِيثِ النَّاسِخِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ وَلَا يَثْبُتُ النَّسْخُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْعَالِمِ الْمُنْصِفِ 5 - (باب ما جاء في الغسل من الجنابة) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْجُنُبُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِالْجِمَاعِ أَوْ خُرُوجِ الْمَنِيِّ وَيَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَقَدْ يُجْمَعُ عَلَى أَجْنَابٍ وَجَنِبِينَ وَأَجْنَبَ يُجْنِبُ إِجْنَابًا وَالْجَنَابَةُ الِاسْمُ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْبُعْدُ وَسُمِّيَ الْإِنْسَانُ جُنُبًا لِأَنَّهُ نُهِيَ أَنْ يَقْرَبَ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَتَطَهَّرْ وَقِيلَ لِمُجَانَبَتِهِ النَّاسَ حَتَّى يَغْتَسِلَ انْتَهَى وَفِي الْقَامُوسِ الْجَنَابَةُ المني وقد أجنب وَجَنُبَ وَجَنَّبَ وَأَجْنَبَ وَاسْتَجْنَبَ وَهُوَ جُنُبٌ بِضَمَّتَيْنِ يَسْتَوِي لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ انْتَهَى [103] (عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ) الْأَشْجَعِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَكَانَ يُرْسِلُ كَثِيرًا مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ 79 سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ مِائَةٍ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ جاوز المائة (عن كريب) بالتصغير هو بن أَبِي مُسْلِمٍ الْهَاشِمِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمَدَنِيُّ أَبُو رِشْدِينَ مولى بن عَبَّاسٍ ثِقَةٌ مِنَ الطَّبَقَةِ الْوُسْطَى مِنَ التَّابِعِينَ روى عن مولاه بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ هَانِئٍ وَعَنْهُ أَبُو سَلَمَةَ وَبُكَيْرُ بْنُ الْأَشَجِّ وَمُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ (عَنْ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ) بِنْتِ الْحَارِثِ الْعَامِرِيَّةِ الْهِلَالِيَّةِ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا سَنَةَ سَبْعٍ وَتُوُفِّيَتْ بِسَرَفٍ حَيْثُ بَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَذَلِكَ سَنَةَ 51 إِحْدَى وَخَمْسِينَ

قَوْلُهُ (وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ أَيْ مَاءَ الِاغْتِسَالِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاءً لِلْغُسْلِ (فَاغْتَسَلَ) أَيْ أَرَادَ الِاغْتِسَالَ (مِنَ الْجَنَابَةِ) مِنْ سَبَبِيَّةٌ أَيْ لِأَجْلِ الْجَنَابَةِ فَأَكْفَأَ الْإِنَاءَ أَيْ أَمَالَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ كَفَأْتُ الْإِنَاءَ وَأَكْفَأْتُهُ إِذَا كَبَبْتُهُ وَإِذَا أَمَلْتُهُ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ أَكْفَأَ أَمَالَ وَقَلَبَ (فَغَسَلَ كَفَّيْهِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غُسْلُهُمَا لِلتَّنْظِيفِ مِمَّا بِهِمَا مِنْ مُسْتَقْذَرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْغُسْلُ الْمَشْرُوعُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ وَهُوَ الرَّاجِحُ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ مَيْمُونَةَ ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ وَقَوْلُ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِهَا الْآتِي فَغَسَلَ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ (فَأَفَاضَ عَلَى فَرْجِهِ) أَيْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَغَسَلَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنَ الْأَذَى وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ ثُمَّ دَلَّكَ بِيَدِهِ الْحَائِطَ أَوْ الْأَرْضَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ مَسْحِ الْيَدِ بِالتُّرَابِ مِنَ الْحَائِطِ أَوْ التُّرَابِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ (فَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا) ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَمْسَحْ رأسه كما يفعل في الوضوء قاله بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ التَّنْصِيصُ عَلَى مَسْحِ الرَّأْسِ فِي هَذَا الْوُضُوءِ وَتَمَسَّكَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ لِقَوْلِهِمْ إِنَّ وُضُوءَ الْغُسْلِ لَا تُمْسَحُ فِيهِ الرَّأْسُ بَلْ يَكْتَفِي عَنْهُ لِغَسْلِهَا انْتَهَى (ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ) أَيْ أَسَالَ الْمَاءَ عَلَى بَاقِي جَسَدِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ السَّائِرُ الْبَاقِي لَا الْجَمِيعُ كَمَا تَوَهَّمَ جَمَاعَاتٌ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ لَهُ وَمِنْهُ قَوْلُ الأخرس فجللتها لنا لبابة لما وقد النَّوْمُ سائِرَ الحُرَّاسِ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَالسَّائِرُ مَهْمُوزٌ الْبَاقِي وَالنَّاسُ يَسْتَعْمِلُونَهُ فِي مَعْنَى الْجَمِيعِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي الْحَدِيثِ وَكُلُّهَا بِمَعْنَى بَاقِي الشَّيْءِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ قَالَ الْحَافِظُ هَذَا التَّأْكِيدُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَمَّمَ جَمِيعَ جَسَدِهِ بِالْغُسْلِ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي حَدِيثِهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ بَقِيَّةَ جَسَدِهِ قَالَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ سَائِرَ هُنَا بِمَعْنَى الْجَمِيعِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ انْتَهَى (ثُمَّ تَنَحَّى) أَيْ تَحَوَّلَ إِلَى نَاحِيَةٍ (فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَتْ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ رِجْلَيْهِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ نَحَّى رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا هَذِهِ غَسْلَةً مِنَ الْجَنَابَةِ قَالَ الْحَافِظُ تَحْتَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِتَأْخِيرِ الرِّجْلَيْنِ فِي وُضُوءِ الْغُسْلِ إِلَى آخِرِهِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ بَدَأَ بِغَسْلِ يَدَيْهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ الْحَدِيثَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إِمَّا بِحَمْلِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ عَلَى الْمَجَازِ بِأَنَّ الْمُرَادَ يَتَوَضَّأُ أَكْثَرَ الْوُضُوءِ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ مَا سِوَى الرِّجْلَيْنِ وَبِحَمْلِهِ عَلَى حَالَةٍ أُخْرَى وَبِحَسَبِ اخْتِلَافِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ اخْتَلَفَ نَظَرُ الْعُلَمَاءِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْغُسْلِ وَعَنْ مَالِكٍ إِنْ كَانَ الْمَكَانُ غَيْرَ نَظِيفٍ فَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُمَا وَإِلَّا فَالتَّقْدِيمُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْأَفْضَلِ قَوْلَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا وَمُخْتَارُهُمَا أَنَّهُ يُكْمِلُ وُضُوءَهُ قَالَ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ عَنْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ كَذَلِكَ قَالَ الحافظ كذا قال النووي وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمَا التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ بَلْ هِيَ إِمَّا مُحْتَمَلَةٌ كَرِوَايَةِ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ أَوْ ظَاهِرَةٌ فِي تَأْخِيرِهِمَا كَرِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أبو داود والطيالسي بِلَفْظِ فَإِذَا فَرَغَ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَيُوَافِقُهَا أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْ مَيْمُونَةَ أَوْ صَرِيحَةٌ فِي تَأْخِيرِهِمَا كَحَدِيثِ الْبَابِ وَرَاوِيهَا مُقَدَّمٌ فِي الْحِفْظِ وَالْفِقْهِ عَلَى جَمِيعِ مَنْ رَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فأخرجه مسلم وأما حديث جابر فأخرجه بن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا فِي أَرْضٍ بَارِدَةٍ فَكَيْفَ الْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أنا فأحثوا عَلَى رَأْسِي ثَلَاثًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فأخرجه أيضا بن مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنِ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَقَالَ ثَلَاثًا فَقَالَ الرَّجُلُ إِنَّ شَعْرِي كَثِيرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَكْثَرَ شَعْرًا مِنْكَ وَأَطْيَبَ وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا بن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ تَمَارَوْا فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ أَكُفٍّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ عَنْهُ بِلَفْظِ سَأَلَهُ رَجُلٌ كَمْ أُفِيضُ عَلَى رَأْسِي وَأَنَا جُنُبٌ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْثُو عَلَى رأسه

ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ قَالَ الرَّجُلُ إِنَّ شَعْرِي طَوِيلٌ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ شَعْرًا مِنْكَ وَأَطْيَبَ [104] قَوْلُهُ (نا سفيان) هو بن عُيَيْنَةَ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ عِبَارَةِ الْحَافِظِ الْآتِيَةِ (إِذَا أَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ مِنَ الْجَنَابَةِ) أَيْ مِنْ أَجْلِ رَفْعِهَا أَوْ بِسَبَبِ حُدُوثِهَا (بَدَأَ بَغْسِلُ يَدَيْهِ) وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ فَغَسَلَ يَدَيْهِ قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غُسْلُهُمَا لِلتَّنْظِيفِ مِمَّا بِهِمَا مِنْ مُسْتَقْذَرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْغُسْلُ الْمَشْرُوعُ عِنْدَ الْقِيَامِ مِنَ النَّوْمِ ويدل عليه زيادة بن عُيَيْنَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ أَيْضًا ثُمَّ يَغْسِلُ فَرْجَهُ انْتَهَى قُلْتُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ وَاَلَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْحَافِظُ هِيَ هَذِهِ الَّتِي نَحْنُ فِي شَرْحِهَا وَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ هَذَا أَنَّ سُفْيَانَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ هُوَ بن عُيَيْنَةَ (ثُمَّ يَغْسِلُ) وَفِي النُّسْخَةِ الْقَلَمِيَّةِ ثُمَّ غَسَلَ (ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ) بِالنَّصْبِ أَيْ كَوُضُوئِهِ لِلصَّلَاةِ (ثُمَّ يُشَرِّبُ) مِنَ التَّشْرِيبِ أَوْ الْإِشْرَابِ (شَعْرَهُ) بِالنَّصْبِ (الْمَاءَ) بِالنَّصْبِ أَيْضًا وَهُمَا مَفْعُولَانِ لِيُشَرِّبَ أَيْ يَسْقِيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرَهُ الْمُبَارَكَ الْمَاءَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ تشريبه بل جميعه بالماء انتهى وقال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ قَوْلُهُ يُشَرِّبُ شَعْرَهُ الْمَاءَ يَعْنِي يَسْقِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمْ العجل) أَيْ سَقَى فِي قُلُوبِهِمْ حُبَّهُ قَالَ مَعْنَاهُ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَيَسْرِي إِلَى مَدَاخِلِهِ كَسَرَيَانِهِ إِلَى بَوَاطِنِ الْبَدَنِ شَبَّهَهُ بِهِ وَسَمَّاهُ شَرَابًا لِأَجْلِهِ وَهَذَا مَجَازٌ بَدِيعٌ انْتَهَى (وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ) ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعْرِهِ (ثُمَّ يَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ) أَيْ ثَلَاثَ غِرَفٍ بِيَدَيْهِ وَاحِدُهَا حَثْيَةٌ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمَعْنَى يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ غِرَفٍ بِيَدَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات بيديه قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (ثُمَّ يُفْرِغُ) مِنَ الْإِفْرَاغِ وَهُوَ الصب (ثم

يُفِيضُ) مِنَ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ الْإِسَالَةُ (وَقَالُوا إِنْ انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي الْمَاءِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ أَجْزَأَهُ) يعني الْوُضُوءَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الْغُسْلَ مُطْلَقًا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ شَيْئًا يَبْدَأُ بِهِ قَبْلَ شَيْءٍ فَكَيْفَمَا جَاءَ بِهِ الْمُغْتَسِلُ أَجْزَأَهُ إِذَا أَتَى بِغُسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ وَالِاحْتِيَاطُ فِي الْغُسْلِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْ مَالِكٍ بِسَنَدِهِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ أَحْسَنُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ قَبْلَ الْغُسْلِ وَلَكِنْ عَمَّ جَسَدَهُ وَرَأْسَهُ وَنَوَاهُ فَقَدْ أَدَّى مَا عليه بلا خلاف لكنهم مُجْمِعُونَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ كَذَا ذَكَرَهُ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَقَالَ الْحَافِظُ في الفتح نقل بن بَطَّالٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَجِبُ مَعَ الْغُسْلِ وَهُوَ مَرْدُودٌ فَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَنُوبُ عَنِ الْوُضُوءِ لِلْمُحْدِثِ انْتَهَى كلام الحافظ وقال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ يَلْزَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ الْأَوَّلُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِجَمْعٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَإِنَّمَا هُوَ غُسْلٌ كُلُّهُ الثَّانِي أَنَّهُ إِنْ كَانَ جَمْعٌ بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا ذَلِكَ اسْتِحْبَابٌ بدليل قوله تعالى (حتى تغتسلوا) وقوله (وإن كنتم جنبا فاطهروا) فَهَذَا هُوَ الْفَرْضُ الْمُلْزِمُ وَالْبَيَانُ الْمُكَمِّلُ وَمَا جَاءَ مِنْ بَيَانِ هَيْئَتِهِ لَمْ يَكُنْ بَيَانًا لِمُجْمَلٍ وَاجِبٍ فَيَكُونُ وَاجِبًا وَإِنَّمَا كَانَ إِيضَاحًا لِسُنَّةٍ الثَّالِثُ أَنَّ سَائِرَ الْأَحَادِيثِ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْوُضُوءِ وَمِنْهَا مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ إِذْ قَالَتْ لَهُ إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي فَأَنْقُضُهُ لِلْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ فَقَالَ لَهَا إِنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ تَضْغَثِيهِ ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَى جَسَدِكِ الْمَاءَ فَإِذَا أَنْتِ قَدْ طَهُرْتِ انْتَهَى كَلَامُ بن الْعَرَبِيِّ قُلْتُ فِي كُلٍّ مِنَ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ عندي نظر أما في الأول فإن ظَاهِرَ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ هُوَ الْجَمْعُ كَمَا عَرَفْتَ أَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُرَادَ بقوله تعالى (حتى تغتسلوا) هُوَ الِاغْتِسَالُ الشَّرْعِيُّ الَّذِي ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَكَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَاطَّهَرُوا) هُوَ التَّطَهُّرُ الشَّرْعِيُّ وَأَمَّا فِي الثَّالِثِ فَلِأَنَّ عَدَمَ ذِكْرِ الْوُضُوءِ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ لَيْسَ بِدَلِيلٍ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب هل تنقض المرأة شعرها عند الغسل

76 - (بَاب هَلْ تَنْقُضُ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا عِنْدَ الْغُسْلِ) [105] قوله (نا سفيان) هو بن عُيَيْنَةَ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ (عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيُّ الْفَقِيهُ الْكُوفِيُّ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ الستة قال بن الْمَدِينِيِّ لَهُ نَحْوُ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ يَحْيَى أُصِيبَ مَعَ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ فِي سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ فَرْدُ حَدِيثٍ (عَنِ الْمَقْبُرِيِّ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ الحافظ في التقريب ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ انْتَهَى قُلْتُ هُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ) الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ رَوَى عَنْ مَوْلَاتِهِ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْهُ سعيد المقبري وبن إِسْحَاقَ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَاسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ وَاسْمُ أَبِي أُمَيَّةَ سُهَيْلٌ وَيُقَالُ لَهُ زَادُ الرَّاكِبِ كَانَتْ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ فَهَاجَرَ بِهَا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ الْهِجْرَتَيْنِ فَوَلَدَتْ لَهُ هُنَاكَ زَيْنَبَ وَوَلَدَتْ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَلَمَةَ وَعُمَرَ وَدُرَّةَ وَمَاتَ أَبُو سَلَمَةَ فِي جُمَادَى الأُخْرَى سَنَةَ 4 أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَتَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتُوُفِّيَتْ سَنَةَ 59 تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ 26 ثِنْتَيْنِ وَسِتِّينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ وَصَلَّى عَلَيْهَا سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقُبِرَتْ بِالْبَقِيعِ وَهِيَ ابْنَةُ أَرْبَعٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً كَذَا فِي تَلْقِيحِ فُهُومِ أَهْلِ الْأَثَرِ فِي عيون التاريخ والسير للحافظ بن الْجَوْزِيِّ قَوْلُهُ (إِنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِضَمِّ الشِّينِ أَيْ أُحْكِمُ (ضَفْرَ رَأْسِي) أَوْ نَسْجَهُ أَوْ فَتْلَهُ بِالضَّادِ الْمَفْتُوحَةِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ السَّاكِنَةِ نَسْجُ الشَّعْرِ وَإِدْخَالُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ والضفيرة الذؤابة قاله القارىء وَقَالَ النَّوَوِيُّ بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَالْمُسْتَفِيضُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَمَعْنَاهُ أَحْكُمُ فَتْلَ شعري وقال الإمام بن أَبْزَى فِي الْجُزْءِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي لَحْنِ الْفُقَهَاءِ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي يَقُولُونَهُ بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَصَوَابُهُ ضَمُّ الضَّادِ وَالْفَاءِ جَمْعُ ضَفِيرَةٍ كَسَفِينَةِ وَسُفُنٍ وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ لَيْسَ كَمَا زَعَمَهُ بَلْ الصَّوَابُ جَوَازُ الْأَمْرَيْنِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْنًى صَحِيحٌ وَلَكِنْ يَتَرَجَّحُ مَا قَدَّمْنَاهُ لِكَوْنِهِ الْمَرْوِيَّ الْمَسْمُوعَ فِي الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ الْمُتَّصِلَةِ أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ أَيْ أُفَرِّقُهُ لِأَجْلِهِ حتى

يَصِلَ الْمَاءُ إِلَى بَاطِنِهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَفَأَنْقُضُهُ لِلْحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ (قَالَ لَا إِنَّمَا يَكْفِيكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ (أَنْ تَحْثِي) بِكَسْرِ مُثَلَّثَةٍ وَسُكُونِ ياء أصله تحثيين كَتَضْرِبِينَ أَوْ تَنْصُرِينَ فَحُذِفَ حَرْفُ الْعِلَّةِ بَعْدَ نَقْلِ حَرَكَتِهِ أَوْ حَذْفِهِ وَحَذْفِ النُّونِ لِلنَّصْبِ كذا في مجمع البحار قال القارىء وَلَا يَجُوزُ فِيهِ النَّصْبُ وَالْحَثْيُ الْإِثَارَةُ أَيْ تَصُبِّي (ثُمَّ تُفِيضِي) مِنَ الْإِفَاضَةِ عَطْفٌ عَلَى تَحْثِي أَيْ تَسِيلِي (فَتَطْهُرِينَ) أَيْ فَأَنْتِ تَطْهُرِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا اغْتَسَلَتْ مِنَ الْجَنَابَةِ فَلَمْ تَنْقُضْ شَعْرَهَا إِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهَا بعد أن تفيض الماء على رأسها) مذهب الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا اغْتَسَلَتْ مِنَ الْجَنَابَةِ أَوْ الْحَيْضِ يَكْفِيهَا أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِهَا ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا نَقْضُ شَعْرِهَا وَقَالَ الْحَسَنُ وَطَاوُسٌ يَجِبُ النَّقْضُ فِي غَسْلِ الْحَيْضِ دُونَ الْجَنَابَةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَرَجَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ فِيهِمَا وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ النَّقْضِ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ دُونَ الْجَنَابَةِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ لِلْحَيْضَةِ وَالْجَنَابَةِ وَحَمَلُوا الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْقُضِي رَأْسَكِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَوْ يُجْمَعُ بِالتَّفْصِيلِ بَيْنَ مَنْ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إِلَى أُصُولِهِ بالنقض فَيَلْزَمُ وَإِلَّا فَلَا هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقِيلَ إِنَّ شَعْرَ أُمِّ سَلَمَةَ كَانَ خَفِيفًا فَعَلِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَصِلُ الْمَاءُ إِلَى أُصُولِهِ وَقِيلَ بِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مَشْدُودًا نُقِضَ وَإِلَّا لَمْ يَجِبْ نَقْضُهُ لِأَنَّهُ يَبْلُغُ الْمَاءُ أُصُولَهُ قَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ لَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ كَانَ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهَا أَحْرَمَتْ بِعُمْرَةٍ ثم

باب ما جاء أن تحت كل شعرة جنابة

حَاضَتْ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ فَأَمَرَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَنْقُضَ رَأْسَهَا وَتَمْتَشِطَ وَتَغْتَسِلَ بِالْحَجِّ وَهِيَ حِينَئِذٍ لَمْ تَطْهُرْ مِنْ حَيْضِهَا فَلَيْسَ إِلَّا غُسْلُ تَنْظِيفٍ لَا حَيْضٍ فَلَا يُعَارِضُ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ أَصْلًا فَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي فِي غَايَةِ الرَّكَاكَةِ فَإِنَّ خِفَّةَ شَعْرِ هَذِهِ دُونَ هَذِهِ يَفْتَقِرُ إِلَى دَلِيلٍ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا مَشْدُودٌ وَهَذَا غَيْرُ مَشْدُودٍ وَالْعِبَارَةُ عَنْهُمَا مِنَ الرَّاوِي بِلَفْظِ النَّقْضِ دَعْوَى بِغَيْرِ دَلِيلٍ انْتَهَى 7 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً) [106] قَوْلُهُ (نَا الْحَارِثُ بْنُ وَجِيهٍ) بِالْوَاوِ وَالْجِيمِ وَالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْهَاءِ بِوَزْنِ فَعِيلٍ وَقِيلَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وسكون الجيم بعدها موحدة الراسي أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (نَا مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ) الْبَصْرِيُّ الزَّاهِدُ أَبُو يَحْيَى صَدُوقٌ عَابِدٌ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ مَاتَ سَنَةَ 031 ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ) الْأَنْصَارِيِّ البصري ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى من الثالثة مات 011 سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ رَوَى عَنْ مَوْلَاهُ أَنَسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَعَنْهُ الشَّعْبِيُّ وَثَابِتٌ وَقَتَادَةُ وَمَالِكُ بن دينار وخلق كثير قال بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا عَالِيًا رَفِيعًا فَقِيهًا إِمَامًا كَثِيرَ الْعِلْمِ وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ رَأَيْتُ بن سِيرِينَ فِي السُّوقِ فَمَا رَآهُ أَحَدٌ إِلَّا ذَكَرَ اللَّهَ وَرُوِيَ أَنَّهُ اشْتَرَى بَيْتًا فَأَشْرَفَتْ فِيهِ عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفِ دِينَارٍ فَعَرَضَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ فَتَرَكَهُ قَوْلُهُ (تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ) فَلَوْ بَقِيَتْ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يَصِلْ إِلَيْهَا الْمَاءُ بَقِيَتْ جَنَابَةٌ وَالشَّعْرُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ لِلْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ فَيُجْمَعُ عَلَى شُعُورٍ مِثْلَ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَبِفَتْحِ الْعَيْنِ فَيُجْمَعُ عَلَى أَشْعَارٍ مِثْلَ سَبَبٍ وَأَسْبَابٍ وَهُوَ مُذَكَّرٌ الْوَاحِدَةُ شَعْرَةُ وَالشِّعْرَةُ بِكَسْرِ الشِّينِ عَلَى وَزْنِ سِدْرَةٍ شَعْرُ الرُّكَبِ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً قَالَهُ فِي الْعُبَابِ (فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِهَا أَيْ جَمِيعَهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يُوجِبُ نَقْضَ الْقُرُونِ وَالضَّفَائِرِ إِذَا أَرَادَ الِاغْتِسَالَ مِنَ الْجَنَابَةِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ شَعْرُهُ مَغْسُولًا إِلَّا أَنْ يَنْقُضَهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَقَالَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِيصَالُ الْمَاءِ إِلَى أُصُولِ الشَّعْرِ وَإِنْ لَمْ يَنْقُضْ شَعْرَهُ يَجْزِيهِ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ انتهى (وأنقوا البشر) من

الإنقاء نَظِّفُوا الْبَشَرَ مِنَ الْأَوْسَاخِ لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وُصُولَ الْمَاءِ لَمْ يَرْتَفِعْ الْجَنَابَةُ وَالْبَشَرُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالشِّينِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ الْبَشَرُ ظَاهِرُ جِلْدِ الْإِنْسَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنَ النَّارِ قَالَ عَلِيٌّ فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْتُ شَعْرِي زَادَ أَبُو دَاوُدَ وَكَانَ يَجُزُّ شَعْرَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ أَخْرَجَهُ أبو داود وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ لَكِنْ قِيلَ إِنَّ الصَّوَابَ وَقْفُهُ عَلَى عَلِيٍّ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أنس أخرجه أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَفِيهِ وَيَا أَنَسُ بَالِغْ فِي الِاغْتِسَالِ فِي الْجَنَابَةِ فَإِنَّكَ تَخْرُجُ مِنْ مُغْتَسَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْكَ ذَنْبٌ وَلَا خَطِيئَةٌ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ الْمُبَالَغَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تَبُلُّ أُصُولَ الشَّعْرِ وَتُنْقِي الْبَشَرَةَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ وَفِي الْبَابِ أيضا عن أبي أيوب أخرجه بن مَاجَهْ فِي حَدِيثٍ فِيهِ أَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ فَإِنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْحَارِثِ بن وجيه غريب إلخ) وأخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ مَدَارُهُ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ وَجِيهٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا قَالَ أَبُو دَاوُدَ الْحَارِثُ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْحَدِيثُ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَنْكَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (وَهُوَ شَيْخٌ لَيْسَ بِذَلِكَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَيْسَ بِذَاكَ أَيْ بِذَاكَ الْمَقَامِ الَّذِي يُوثَقُ بِهِ أَيْ رِوَايَتُهُ لَيْسَتْ بِقَوِيَّةٍ كَذَا فِي الطِّيبِيِّ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ شَيْخٌ لِلْجَرْحِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُمْ شَيْخٌ مِنْ أَلْفَاظِ مَرَاتِبِ التَّعْدِيلِ فَعَلَى هَذَا يَجِيءُ إِشْكَالٌ آخَرُ فِي قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ لَيْسَ بِذَاكَ مِنْ أَلْفَاظِ الْجَرْحِ اتِّفَاقًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ جَمْعٌ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ فَالصَّوَابُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ وَهُوَ شَيْخٌ عَلَى الْجَرْحِ بِقَرِينَةِ مُقَارَنَتِهِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِذَاكَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّعْدِيلِ وَلِإِشْعَارِهِ بِالْجَرْحِ

باب الوضوء بعد الغسل

لِأَنَّهُمْ وَإِنْ عَدَّوْهُ فِي أَلْفَاظِ التَّعْدِيلِ صَرَّحُوا أَيْضًا بِإِشْعَارِهِ بِالْقُرْبِ مِنَ التَّجْرِيحِ أَوْ نَقُولُ لَا بُدَّ فِي كَوْنِ الشَّخْصِ ثِقَةً مِنْ شَيْئَيْنِ الْعَدَالَةِ وَالضَّبْطِ كَمَا بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا وُجِدَ فِي الشَّخْصِ الْعَدَالَةُ دُونَ الضَّبْطِ يَجُوزُ أَنْ يُعَدَّلَ بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ الْأُولَى وَيَجُوزُ أي يُجَرَّحَ بِاعْتِبَارِ الصِّفَةِ الثَّانِيَةِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا جَمْعًا بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ كَذَا فِي السَّيِّدِ جَمَالِ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ كذا في المرقاة 8 - (باب الْوُضُوءِ بَعْدَ الْغُسْلِ) [107] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ موسى) الفزاري أبو محمد بن بِنْتِ السُّدِّيِّ قَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ قال بن عَدِيٍّ أَنْكَرُوا مِنْهُ الْغُلُوَّ فِي التَّشَيُّعِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ يخطىء وَرُمِيَ بِالرَّفْضِ قَوْلُهُ (كَانَ لَا يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُسْلِ) أَيْ اكْتِفَاءً بِوُضُوئِهِ الْأَوَّلِ فِي الْغُسْلِ أَوْ بِانْدِرَاجِ ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ تَحْتَ ارْتِفَاعِ الْأَكْبَرِ بِإِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى جَمِيعِ أَعْضَائِهِ وَهُوَ رخصة قاله القارىء قُلْتُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ لَا يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَقَالَ فِي النَّيْلِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قُلْتُ لَيْسَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ قال بن سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ تَخْتَلِفُ نُسَخُ التِّرْمِذِيِّ فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بأسانيد جيدة وفي الباب عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا وَعَنْهُ مَوْقُوفًا أَنَّهُ قَالَ لَمَّا سُئِلَ عَنِ الْوُضُوءِ بَعْدَ الْغُسْلِ وَأَيُّ وُضُوءٍ أعم من الغسل رواه بن أبي شيبة وروى بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ قَالَ لَهُ إِنِّي أَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُسْلِ فَقَالَ لَقَدْ تَعَمَّقْتَ وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ أَمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَغْسِلَ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ حَتَّى قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ إِنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْوُضُوءَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْغُسْلِ وَأَنَّ نِيَّةَ طَهَارَةِ الْجَنَابَةِ تَأْتِي عَلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَتَقْضِي عَلَيْهَا لِأَنَّ مَوَانِعَ الْجَنَابَةِ أَكْثَرُ مِنْ مَوَانِعِ الْحَدَثِ فَدَخَلَ الْأَقَلُّ فِي نِيَّةِ الْأَكْثَرِ وَأَجْزَأَتْ نية الأكبر عنه انتهى

باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل

فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يَكُونُ حَدِيثُ الْبَابِ صَحِيحًا وَفِي إِسْنَادِهِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ وهو وإن كان صدوقا لكنه يخطىء كَثِيرًا وَتَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ قَضَاءَ الْكُوفَةِ قُلْتُ قَالَ أَحْمَدُ هُوَ فِي أَبِي إِسْحَاقَ أَثْبَتُ مِنْ زُهَيْرٍ وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ الْبَابِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ثُمَّ لَمْ يَنْفَرِدْ هُوَ فِي رِوَايَتِهِ بَلْ تَابَعَهُ زُهَيْرٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كَمَا عَرَفْتَ قَوْلُهُ (هَذَا قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) بَلْ لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ الْعُلَمَاءُ كَمَا صَرَّحَ به بن الْعَرَبِيِّ 9 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وجب الغسل) إلخ المراد بالختانان خِتَانُ الرَّجُلِ وَخِفَاضُ الْمَرْأَةِ وَخِتَانُ الرَّجُلِ هُوَ مَقْطَعُ جِلْدَةِ كَمَرَتِهِ وَخِفَاضُ الْمَرْأَةِ هُوَ مَقْطَعُ جِلْدَةٍ فِي أَعْلَى فَرْجِهَا تُشْبِهُ عُرْفَ الدِّيكِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ وَإِنَّمَا ثُنِّيَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ تَغْلِيبًا وَلَهُ نَظَائِرُ وَقَاعِدَتُهُ رَدُّ الْأَثْقَلِ إِلَى الْأَخَفِّ وَالْأَدْنَى إِلَى الْأَعْلَى [108] قوله (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ التيمي المدني ثقة جليل قال بن عُيَيْنَةَ كَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ عَنْ أَبِيهِ وَأَسْلَمَ الْعَدَوِيِّ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَخَلْقٌ وَوَثَّقَهُ أحمد وبن سَعْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ مَاتَ سَنَةَ 621 سِتٍّ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ثِقَةٌ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَيُّوبُ مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْهُ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ 601 سِتٍّ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قُلْتُ هُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ بِالْمَدِينَةِ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هريرة وبن عباس وبن عُمَرَ وَطَائِفَةٍ وَعَنْهُ الشَّعْبِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَخَلْقٌ قَالَ بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً

عَالِمًا فَقِيهًا إِمَامًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ قَوْلُهُمْ (إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ) الْأَوَّلُ بِالرَّفْعِ وَالثَّانِي بِالنَّصْبِ وَالْخِتَانُ هُوَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ مِنْ فَرْجِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَخْتُونًا أَمْ لَا وَالْمُرَادُ بِمُجَاوَزَةِ الْخِتَانِ الْخِتَانَ الْجِمَاعُ وَهُوَ غَيْبُوبَةُ الْحَشَفَةِ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو بن العاصى إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتِ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الغسل أخرجه بن مَاجَهْ (وَجَبَ الْغُسْلُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ لِلِاغْتِسَالِ (فَعَلْتُهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَصْدَرِ جَاوَزَ (أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِالرَّفْعِ أَوْ النَّصْبِ (فَاغْتَسَلْنَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهَا تَعْنِي بِغَيْرِ إِنْزَالٍ وَأَنَّهُ نَاسِخٌ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ إِنَّمَا الماء من الماء قولهم (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَلَفْظُهُ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَلِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ وَلَفْظُهُ قَالَ نَادَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عَلَى بَطْنِ امْرَأَتِي فَقُمْتُ وَلَمْ أُنْزِلْ فَاغْتَسَلْتُ وَخَرَجْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا عَلَيْكَ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ قَالَ رَافِعٌ ثُمَّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْغُسْلِ قَالَ الْحَازِمِيُّ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِي تَحْسِينِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ رِشْدِينَ وَلَيْسَ مِنْ رِجَالِ الْحَسَنِ وَفِيهِ أَيْضًا مَجْهُولٌ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ [109] قَوْلُهُ (عن علي بن زيد) بن جُدْعَانَ التَّيْمِيِّ الْبَصْرِيِّ أَصْلُهُ حِجَازِيٌّ ضَعِيفٌ رَوَى عن بن المسيب وعنه قتادة والسفيانان والحمادان وخلق قال أحمد وأبو زرعة ليس بالقوي وقال بن خزيمة سيء الْحِفْظِ وَقَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ قَبْلَ أَنْ يَخْتَلِطَ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ ثِقَةٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَرْفَعُ الشَّيْءَ الَّذِي يُوقِفُهُ غَيْرُهُ قَوْلُهُ (إِذَا جَاوَزَ الْخِتَانُ الْخِتَانَ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ أَيْ حَاذَى أَحَدُهُمَا الْآخَرَ سَوَاءٌ تَلَامَسَا أَوْ لَا كَمَا إِذَا لَفَّ الذَّكَرَ بِالثَّوْبِ وَأَدْخَلَ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَرَدَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ الْمُحَاذَاةِ

وَبِلَفْظِ الْمُلَاقَاةِ وَبِلَفْظِ الْمُلَامَسَةِ وَبِلَفْظِ الْإِلْصَاقِ وَالْمُرَادُ بِالْمُلَاقَاةِ الْمُحَاذَاةُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ إِذَا غَابَتِ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ فَقَدْ وَقَعَتِ الْمُلَاقَاةُ قال بن سَيِّدِ النَّاسِ وَهَكَذَا مَعْنَى مَسِّ الْخِتَانِ الْخِتَانَ أي قاربه وداناه ومعنى إلزاق الختان بالختان إلصاقه به ومعنى المجاوزة ظاهر قال بن سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ حَاكِيًا عَنِ بن الْعَرَبِيِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ اللَّمْسِ وَلَا حَقِيقَةَ الْمُلَاقَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ وَالْكِنَايَةِ عَنِ الشَّيْءِ بِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُلَابَسَةٌ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَذَلِكَ أَنَّ خِتَانَ الْمَرْأَةِ فِي أَعْلَى الْفَرْجِ وَلَا يَمَسُّهُ الذَّكَرُ فِي الْجِمَاعِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَضَعَ ذَكَرَهُ عَلَى خِتَانِهَا وَلَمْ يُولِجْهُ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا بُدَّ مِنْ قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى الْمُلَاقَاةِ وَهُوَ مَا وَقَعَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ بِلَفْظِ إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَتَوَارَتِ الحشفة فقد وجب الغسل أخرجه بن أبي شيبة انتهى قلت وأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح) والحديث صححه بن حبان وبن الْقَطَّانِ وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ أَخْطَأَ فِيهِ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ مُرْسَلًا وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ أَبَا الزِّنَادِ قَالَ سَأَلْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئًا فَقَالَ لَا وَأَجَابَ مَنْ صَحَّحَهُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاسِمُ كَانَ نَسِيَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَحَدَّثَ بِهِ ابْنَهُ أَوْ كَانَ حَدَّثَ بِهِ ثُمَّ نَسِيَ وَلَا يَخْلُو الْجَوَابُ عَنْ نَظَرٍ قَالَ الْحَافِظُ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ بِلَفْظِ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ وَقَالَ النووي هذا الحديث أصله صحيح لكنه فيه تغير وتبع في ذلك بن الصَّلَاحِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ مُجْتَمِعَةٌ الْآنَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْجِمَاعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِنْزَالٌ وَكَانَتْ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ إِلَّا بِالْإِنْزَالِ ثُمَّ رَجَعَ بَعْضُهُمْ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ بَعْدَ الْآخَرِينَ انْتَهَى وقال بن الْعَرَبِيِّ إِيجَابُ الْغُسْلِ أَطْبَقَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَمَا خَالَفَ فِيهِ إِلَّا دَاوُدُ وَلَا عِبْرَةَ بِخِلَافِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا نفي بن الْعَرَبِيِّ الْخِلَافَ فَمُعْتَرَضٌ فَإِنَّهُ مَشْهُورٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ثبت عن جماعة منهم لكن ادعى بن الْقَصَّارِ أَنَّ الْخِلَافَ ارْتَفَعَ بَيْنَ التَّابِعِينَ وَهُوَ مُعْتَرَضٌ أَيْضًا فَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّهُ

باب ما جاء أن الماء من الماء

قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَسَمَّى بَعْضَهُمْ قَالَ وَمِنَ التَّابِعِينَ الْأَعْمَشُ وَتَبِعَهُ عِيَاضٌ لَكِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ بَعْدَ الصَّحَابَةِ غَيْرُهُ وَهُوَ مُعْتَرَضٌ أَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ أبي سلمة بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ حَدِيثُ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ ثَابِتٌ لَكِنَّهُ مَنْسُوخٌ إِلَى أَنْ قَالَ فَخَالَفَنَا بَعْضُ أَهْلِ نَاحِيَتِنَا يَعْنِي مِنَ الْحِجَازِيِّينَ فَقَالُوا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ حَتَّى يُنْزِلَ اهـ فَعُرِفَ بِهَذَا أَنَّ الْخِلَافَ كَانَ مَشْهُورًا بَيْنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى إِيجَابِ الْغُسْلِ وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَهُوَ مَنْسُوخٌ وَيَأْتِي بَيَانُ النَّسْخِ فِي الْبَابِ الْآتِي 0 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ) مَقْصُودُ التِّرْمِذِيِّ مِنْ عَقْدِ هَذَا الْبَابِ أَنَّ حَدِيثَ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ مَنْسُوخٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الْإِثْنَيْنِ إِلَى قُبَاءَ حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَنِي سَالِمٍ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَابِ عِتْبَانَ فَصَرَخَ بِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْجَلْنَا الرَّجُلَ فَقَالَ عِتْبَانُ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْجَلُ عَنِ امْرَأَتِهِ وَلَمْ يُمْنِ مَاذَا عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ وَالْمُرَادُ بِالْمَاءِ الْأَوَّلِ مَاءُ الْغُسْلِ وَبِالثَّانِي الْمَنِيُّ وَفِيهِ جِنَاسٌ تَامٌّ [110] قَوْلُهُ (ثَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ) بن أَبِي النِّجَادِ الْأَيْلِيُّ أَبُو يَزِيدَ مَوْلَى آلِ أَبِي سُفْيَانَ ثِقَةٌ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهْمًا قَلِيلًا وَفِي غَيْرِ الزُّهْرِيِّ خَطَأً قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي مقدمة فتح الباري قال بن أبي حاتم عن عباس الدوري قال بن مَعِينٍ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي الزَّهْرِيِّ مَالِكٌ وَمَعْمَرٌ وَيُونُسُ وَشُعَيْبٌ وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ نَحْنُ لَا نُقَدِّمُ عَلَى يُونُسَ في

الزهري أحدا قال ووثقه الجمهور مطلقا ضَعَّفُوا بَعْضَ رِوَايَتِهِ حَيْثُ يُخَالِفُ أَقْرَانَهُ وَيُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ فَإِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ فَهُوَ حُجَّةٌ قَالَ وَاحْتَجَّ بِهِ الْجَمَاعَةُ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ) بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ السَّاعِدِيِّ لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ مَشْهُورٌ مَاتَ سَنَةَ 88 ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا قَوْلُهُ (إِنَّمَا كَانَ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ رُخْصَةً فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُهِيَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ هَذِهِ الرُّخْصَةِ وَفُرِضَ الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِ الْإِيلَاجِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يُفْتُونَ أَنَّ الْمَاءَ مِنَ الْمَاءِ كَانَ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَازِمِيِّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ قَالَ كَانَ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ شَيْئًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ تُرِكَ ذَلِكَ بَعْدُ وَأُمِرُوا بِالْغُسْلِ إِذَا مَسَّ الْخِتَانَ [111] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ إِسْنَادٌ صَالِحٌ لِأَنْ يُحْتَجَّ بِهِ وَقَالَ فِيهِ صححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا كَانَ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ ذَلِكَ) لَا شَكَّ فِي أَنَّ حَدِيثَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الْمَذْكُورَ صَرِيحٌ فِي النَّسْخِ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْغُسْلِ وَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ أَرْجَحُ مِنْ حَدِيثِ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ بِالْمَنْطُوقِ وَتَرْكُ الْغُسْلِ مِنْ حَدِيثِ الْمَاءِ مِنَ الْمَاءِ بِالْمَفْهُومِ أَوْ بِالْمَنْطُوقِ أَيْضًا لَكِنَّ ذَلِكَ أَصْرَحُ مِنْهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (مِنْهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ) أَمَّا رِوَايَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَهِيَ مَذْكُورَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ أَمَّا رِوَايَةُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَأَخْرَجَهَا الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ

[112] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَثْقِيلِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ فَاءٌ اسْمُهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَوْفٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ صَدُوقٌ شِيعِيٌّ رُبَّمَا أَخْطَأَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَوَى عَنْ أَبِي حَازِمٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَنْهُ شَرِيكٌ وَالسُّفْيَانَانِ وثقه أحمد وبن مَعِينٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ قَالَ بن عَدِيٍّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ انْتَهَى وَقَالَ فِي التهذيب قال بن معين يخطىء قَوْلُهُ (إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ فِي الِاحْتِلَامِ) يَعْنِي أَنَّ حَدِيثَ الْمَاءِ بِالْمَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى صُورَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ مَا يَقَعُ فِي الْمَنَامِ من رواية الْجِمَاعِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ يَجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مِنْ غير تعارض قال التوربشتي قول بن عَبَّاسٍ إِنَّمَا الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ إِلَخْ قَالَهُ مِنْ طَرِيقِ التَّأْوِيلِ وَالِاحْتِمَالِ وَلَوْ انْتَهَى إِلَيْهِ الحديث بطوله لم يكن يأوله هَذَا التَّأْوِيلَ انْتَهَى قُلْتُ أَرَادَ التُّورْبَشْتِيُّ بِالْحَدِيثِ بِطُولِهِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ نَقَلْنَاهُ مِنْ صَحِيحِهِ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ يُمْكِنُ أن يقال إن قول بن عَبَّاسٍ هَذَا لَيْسَ تَأْوِيلًا لِلْحَدِيثِ وَإِخْرَاجًا لَهُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ مِنْ كَوْنِهِ مَنْسُوخًا بَلْ غَرَضُهُ بَيَانُ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِكَوْنِهِ مَنْسُوخًا وَحَاصِلُهُ أَنَّ عُمُومَهُ مَنْسُوخٌ فَبَقِيَ الْحُكْمُ فِي الِاحْتِلَامِ انْتَهَى قَوْلُهُ (سَمِعْتُ الْجَارُودَ) أَيْ الْجَارُودَ بن معاذ السُّلَمِيَّ التِّرْمِذِيَّ ثِقَةٌ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ رَوَى عَنْ جرير وبن عُيَيْنَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 442 أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (لَمْ نَجِدْ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا عِنْدَ شَرِيكٍ) هُوَ بن عبد الله الكوفي صدوق يخطىء كَثِيرًا تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْكُوفَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ لَيِّنٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي الْجَحَّافِ انْتَهَى

باب فيمن يستيقظ ويرى بللا ولا يذكر احتلاما

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرِ وَطَلْحَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ) لَمْ أَجِدْ عِنْدَهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَكِنْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَمْ يُمْنِ فَقَالَ عُثْمَانُ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَقَالَ عُثْمَانُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ وَأَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عُرْوَةَ بن الزبير أخبره أنا أَبَا أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ حَكَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ هَذَا مَعْلُولٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ الْفَتْوَى بِخِلَافِ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ حَكَى يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ شَاذٌّ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ ثَابِتٌ مِنْ جِهَةِ اتِّصَالِ إِسْنَادِهِ وَحِفْظِ رواته وقد روى بن عُيَيْنَةَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ نَحْوَ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عن عطاء أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ فَلَيْسَ هُوَ فَرْدًا وَأَمَّا كَوْنُهُمْ أَفْتَوْا بِخِلَافِهِ فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ نَاسِخُهُ فَذَهَبُوا إِلَيْهِ وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ مَنْسُوخٍ وَهُوَ صَحِيحٌ من حديث الصناعة الحديثية انتهى كلامه 1 - (باب فيمن يستيقظ ويرى بَلَلًا وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا) [113] قَوْلُهُ (نَا حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْقُرَشِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ أُمِّيٌّ (عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيِّ الْمَدَنِيِّ ضَعِيفٌ عَابِدٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَسَيَجِيءُ مَا فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ قَوْلُهُ (يَجِدُ الْبَلَلَ) بِفَتْحَتَيْنِ الرُّطُوبَةَ (وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَامًا) الِاحْتِلَامُ افْتِعَالٌ مِنَ الحلم بضم

الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ فِي نَوْمِهِ يُقَالُ مِنْهُ حَلَمَ بِالْفَتْحِ وَاحْتَلَمَ والمراد به ها هنا أمر خاص وهو الجماع أي لا يذكر أَنَّهُ جَامَعَ فِي النَّوْمِ (قَالَ يَغْتَسِلُ) خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ (يَرَى) بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يَعْتَقِدُ (قَالَ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ) لِأَنَّ الْبَلَلَ عَلَامَةٌ وَدَلِيلٌ وَالنَّوْمُ لَا عِبْرَةَ بِهِ فَالْمَدَارُ عَلَى الْبَلَلِ سَوَاءٌ تَذَكَّرَ الِاحْتِلَامَ أَمْ لا (قالت أم سلمة) وفي رواية أبي دَاوُدَ فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ (إِنَّ النِّسَاءَ شَقَائِقُ الرِّجَالِ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ فِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيلِ قال بن الْأَثِيرِ أَيْ نَظَائِرُهُمْ وَأَمْثَالُهُمْ كَأَنَّهُنَّ شُقِقْنَ مِنْهُمْ وَلِأَنَّ حَوَّاءَ خُلِقَتْ مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَشَقِيقُ الرَّجُلِ أَخُوهُ لِأَبِيهِ وَلِأُمِّهِ لِأَنَّ شِقَّ نَسَبِهِ مِنْ نَسَبِهِ يَعْنِي فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَرْأَةِ بِرُؤْيَةِ الْبَلَلِ بَعْدَ النَّوْمِ كَالرَّجُلِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الرَّجُلِ يَجِدُ الْبَلَلَ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ فِي الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَقَالَ فِي النَّيْلِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْعُمَرِيَّ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فِيهِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ الْمَذْكُورُ عِنْدَ مَنْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنَ الْمُخَرِّجِينَ لَهُ وَلَمْ نَجِدْهُ عَنْ غَيْرِهِ وَهَكَذَا رواه أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِهِ فَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِعِلَّتَيْنِ الْأُولَى الْعُمَرِيُّ الْمَذْكُورُ وَالثَّانِيَةُ التَّفَرُّدُ وَعَدَمُ الْمُتَابَعَةِ فَقَصُرَ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ وَالصِّحَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وعبد الله) أي بن عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْعُمَرِيُّ الْمَذْكُورُ فِي السَّنَدِ (ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ رَوَى عَنْ نَافِعٍ وَجَمَاعَةٍ روى أحمد بن أبي مريم عن بن معين ليس به بأس يكتب حديثه وقال الدَّارِمِيُّ قُلْتُ لِابْنِ مَعِينٍ كَيْفَ حَالُهُ فِي نَافِعٍ قَالَ صَالِحٌ ثِقَةٌ وَقَالَ الْفَلَّاسُ كَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ صَالِحٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ ليس بالقوي وقال بن عدي في نفسه صدوق وقال بن المديني عبد الله ضعيف وقال بن حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاحُ وَالْعِبَادَةُ حَتَّى غَفَلَ عَنْ حِفْظِ الْأَخْبَارِ وَجَوْدَةِ الْحِفْظِ لِلْآثَارِ فَلَمَّا فَحُشَ خَطَؤُهُ اسْتَحَقَّ التَّرْكَ وَمَاتَ سَنَةَ 173 ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ انْتَهَى مَا فِي الميزان

باب ما جاء في المني والمذي

قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ حَدِيثُ عَائِشَةِ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ يُوجِبُ الِاغْتِسَالَ إِذَا رَأَى بِلَّةً وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ أَنَّهَا الْمَاءُ الدَّافِقُ وَرُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَعْجَبُ إِلَى أَنْ يَغْتَسِلَ وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ العلم لا يجب قال النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ قُلْتُ مَا مَالَ إِلَيْهِ الجماعة الأولى مِنْ أَنَّ مُجَرَّدَ رُؤْيَةِ الْبِلَّةِ مُوجِبٌ لِلِاغْتِسَالِ هو أَوْفَقُ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ وَبِحَدِيثِ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ بِلَفْظِ لَيْسَ عَلَيْهَا غُسْلٌ حَتَّى تُنْزِلَ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ مُجَرَّدِ وُجُودِ الْمَنِيِّ سَوَاءٌ انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ الدَّفْقُ وَالشَّهْوَةُ أَمْ لَا وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ) الْمَنِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ آخِرِ الْحُرُوفِ وَهُوَ عَامٌّ يَشْمَلُ مَاءَ الرَّجُلِ وَمَاءَ الْمَرْأَةِ وَلَهُ خَوَاصُّ يُعْرَفُ بِهَا إِحْدَاهَا الْخُرُوجُ بِشَهْوَةٍ مَعَ الْفُتُورِ عَقِبَهُ الثَّانِيَةُ الرَّائِحَةُ كَرَائِحَةِ الطَّلْعِ الثَّالِثَةُ الْخُرُوجُ بِدَفْقٍ وَدَفَعَاتٍ هَذَا كُلُّهُ فِي مَنِيِّ الرَّجُلِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهُوَ أَصْفَرُ رَقِيقٌ كَذَا فِي النَّوَوِيِّ وَأَمَّا الْمَذْيُ وَهُوَ الْمَاءُ الرَّقِيقُ الَّذِي يَخْرُجُ عِنْدَ الشَّهْوَةِ الضَّعِيفَةِ وَالْمُلَاعَبَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ غَيْرِ دَفْقٍ وَالْوَدْيُ وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ لَا رَائِحَةَ لَهُ يَخْرُجُ بَعْدَ الْبَوْلِ فَمُوجِبَانِ لِلْوُضُوءِ لَا لِلْغُسْلِ وَقَالَ الْحَافِظُ الْمَذْيُ فِيهِ لُغَاتٌ أَفْصَحُهَا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ ثُمَّ بِكَسْرِ الذَّالِ

وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ لَزِجٌ يَخْرُجُ عِنْدَ الْمُلَاعَبَةِ أَوْ تَذَكُّرِ الْجِمَاعِ وَإِرَادَتِهِ وَقَدْ لَا يُحِسُّ بِخُرُوجِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ [114] قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيٍّ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ فَأَمَرْتُ الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ فَسَأَلَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ أَنَّ عَلِيًّا قال أمرت عمار بن ياسر وجمع بن حِبَّانَ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ عَلِيًّا أَمَرَ عَمَّارًا أَنْ يَسْأَلَ ثُمَّ سَأَلَ بِنَفْسِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ جَمْعٌ جَيِّدٌ إِلَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى آخِرِهِ لِكَوْنِهِ مُغَايِرًا لِقَوْلِهِ إِنَّهُ اسْتَحْيَى عَنِ السُّؤَالِ بِنَفْسِهِ لِأَجْلِ فَاطِمَةَ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ بِأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ أَطْلَقَ أَنَّهُ سَأَلَ لِكَوْنِهِ الْآمِرَ بِذَلِكَ وَبِهَذَا جَزَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيُّ (فَقَالَ مِنَ الْمَذْيِ الْوُضُوءُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الْمَذْيِ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَإِنَّمَا يَجِبُ بِهِ الْوُضُوءُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَمَّا حَدِيثُ الْمِقْدَادِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا وَفِي إِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ وَقَدْ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ يَزِيدَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ وَحَسَّنَهُ فِي مَوْضِعٍ كَمَا عَرَفْتَ فِي الْمُقَدِّمَةِ فَلَعَلَّ تَصْحِيحَهُ وَتَحْسِينَهُ بِمُشَارَكَةِ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْ نَفْسِ السَّنَدِ مِنَ اشْتِهَارِ الْمُتُونِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِلَّا فَيَزِيدُ لَيْسَ مِنْ رِجَالِ الْحَسَنِ فَكَيْفَ الصَّحِيحُ وَأَيْضًا الحديث من رواية بن أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وهو إجماع

باب في المذي يصيب الثوب

83 - (بَابُ فِي الْمَذْيِ يُصِيبُ الثَّوْبَ) الْمَذْيُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الذَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ الْبَلَلُ اللَّزِجُ مِنَ الذَّكَرِ عِنْدَ مُلَاعَبَةِ النِّسَاءِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْغُسْلُ وَهُوَ نَجِسٌ يَجِبُ غَسْلُهُ وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَرَجُلٌ مَذَّاءٌ فَعَّالٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي كَثْرَةِ الْمَذْيِ وَقَدْ أَمْذَى الرَّجُلُ يُمْذِي وَمَذَى كَذَا في النهاية قوله (نا عَبْدَةُ) بْنُ سُلَيْمَانَ الْكِلَابِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) ثِقَةٌ إِلَّا أَنَّهُ مُدَلِّسٌ وَرِوَايَتُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِالْعَنْعَنَةِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِالتَّحْدِيثِ فَزَالَتْ عِلَّةُ التَّدْلِيسِ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بن عبيد (هو بن السباق) بشد الموحدة قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ الثَّقَفِيُّ أَبُو السَّبَّاقِ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ انْتَهَى قُلْتُ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أبي هريرة وعنه الزهري وبن إِسْحَاقَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عُبَيْدُ بْنُ السَّبَّاقِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الشَّدِيدَةِ الْمَدَنِيُّ الثَّقَفِيُّ أَبُو سَعِيدٍ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ رَوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَهْلِ بْنِ حنيف وعنه بن شِهَابٍ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ (عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفِ) بْنِ وَاهِبٍ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ صَحَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَاسْتَخْلَفَهُ عَلِيٌّ عَلَى الْبَصْرَةِ وَمَاتَ فِي خِلَافَتِهِ [115] قَوْلُهُ (كُنْتُ أَلْقَى مِنَ الْمَذْيِ شِدَّةً وَعَنَاءً) قَالَ فِي الصُّرَاحِ عَنَاءً بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ رنج دَيْدَنَ (فَكُنْتُ أُكْثِرُ مِنْهُ الْغُسْلَ) مِنَ الْإِكْثَارِ وَمِنْ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ كُنْتُ أُكْثِرُ الِاغْتِسَالَ لِأَجْلِ خُرُوجِ الْمَذْيِ (فَقَالَ إِنَّمَا يُجْزِئُكَ) مِنَ الْإِجْزَاءِ أَيْ يَكْفِيَكَ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ خُرُوجِ الْمَذْيِ (الْوُضُوءُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ (قَالَ يَكْفِيَكَ أَنْ تَأْخُذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحَ بِهِ ثَوْبَكَ) وَفِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ يَجْزِيكَ أَنْ تَأْخُذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَتَرُشَّ عَلَيْهِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمَذْيَ إِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ يَكْفِي نَضْحُهُ وَرَشُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أيضا أبو داود وبن ماجه قوله (ولا نعرفه في مِثْلَ هَذَا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق في المذي مثل هذا) الذي وَقَعَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ لَفْظُ مِثْلِ هَذَا مَرَّتَيْنِ فَالثَّانِي تَأْكِيدٌ لِلْأَوَّلِ وَالْمَعْنَى لَا نَعْرِفُ مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ الْمَذْيِ مِنْ نَضْحِ الثَّوْبِ إِذَا أَصَابَهُ الْمَذْيُ فِي حَدِيثٍ إِلَّا فِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ مُتَفَرِّدٌ بِهَذَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَذْيِ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُجْزِئُ إِلَّا الْغَسْلُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ) وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالْغَسْلِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ كُنْتُ رَجُلًا مَذَّاءً الْحَدِيثَ وَفِيهِ يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ وَفِيهِ وَكُلُّ فَحْلٍ يُمْذِي فَتَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْجَكَ وَأُنْثَيَيْكَ وَتَتَوَضَّأُ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالُوا حَدِيثُ النَّضْحِ وَالرَّشِّ مَحْمُولٌ عَلَى ذَلِكَ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُجْزِئُهُ النَّضْحُ وَقَالَ أَحْمَدُ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ النَّضْحُ بِالْمَاءِ) وَالْحُجَّةُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ الْبَابِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَذْيِ إِذَا أَصَابَ الثَّوْبَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا الْغَسْلُ أَخْذًا بِرِوَايَةِ الْغَسْلِ وَفِيهِ أَنَّ رِوَايَةَ الْغَسْلِ إِنَّمَا هِيَ فِي الْفَرْجِ لَا فِي الثَّوْبِ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ فَإِنَّهُ لَمْ يُعَارِضْ رِوَايَةَ النَّضْحِ الْمَذْكُورَةَ فِي الْبَابِ مُعَارِضٌ فَالِاكْتِفَاءُ بِهِ صَحِيحٌ مُجْزِئٌ وَقَالَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ لَفْظُ فَتَرُشَّ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْمَصِيرُ إِلَى الْأَشَدِّ بِمُتَعَيَّنٍ بَلْ مُلَاحَظَةُ التَّخْفِيفِ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ الْمَأْلُوفَةِ فَيَكُونُ مُجْزِئًا كَالْغَسْلِ انْتَهَى قُلْتُ كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ هَذَا عِنْدِي محل تأمل فتفكر

باب في المني يصيب الثوب

84 - (بَابٌ فِي الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي طَهَارَةِ مَنِيِّ الْآدَمِيِّ فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى نَجَاسَتِهِ إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ يَكْفِي فِي تَطْهِيرِهِ فَرْكُهُ إِذَا كَانَ يَابِسًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ رَطْبًا وَيَابِسًا وَقَالَ اللَّيْثُ هُوَ نَجَسٌ وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنَ الْمَنِيِّ فِي الثَّوْبِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا وَتُعَادُ مِنْهُ فِي الْجَسَدِ وَإِنْ قَلَّ وَذَهَبَ كَثِيرُونَ إِلَى أَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وقاص وبن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَدَاوُدَ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَقَدْ غَلِطَ مَنْ أَوْهَمَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ مُنْفَرِدٌ بِطَهَارَتِهِ وَدَلِيلُ الْقَائِلِينَ بِالنَّجَاسَةِ رِوَايَةُ الْغَسْلِ وَدَلِيلُ الْقَائِلِينَ بِالطَّهَارَةِ رِوَايَةُ الْفَرْكِ فَلَوْ كَانَ نَجَسًا لَمْ يَكْفِ فَرْكُهُ كَالدَّمِ وَغَيْرِهِ قَالُوا رِوَايَةُ الْغَسْلِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالتَّنَزُّهِ وَاخْتِيَارِ النَّظَافَةِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الْآثَارِ الَّتِي تدل على طهارة المني فذهب الذاهبون إِلَى أَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ أَرَادَ بِهَؤُلَاءِ الذَّاهِبِينَ الشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُدَ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَالُوا الْأَصْلُ الطَّهَارَةُ فَلَا تَنْتَقِلُ عَنْهَا إِلَّا بِدَلِيلٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّعَبُّدَ بِالْإِزَالَةِ غَسْلًا أَوْ فَرْكًا أَوْ حَتًّا أَوْ سَلْتًا أَوْ حَكًّا ثَابِتٌ وَلَا مَعْنَى لِكَوْنِ الشَّيْءِ نَجَسًا إِلَّا أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِزَالَتِهِ بِمَا أَحَالَ عَلَيْهِ الشَّارِعُ فَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَنِيَّ نَجَسٌ يَجُوزُ تَطْهِيرُهُ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْوَارِدَةِ انْتَهَى قُلْتُ كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ هَذَا حَسَنٌ جَيِّدٌ [116] قَوْلُهُ (ضَافَ عَائِشَةَ ضَيْفٌ) أَيْ نَزَلَ عَلَيْهَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ ضِفْتُهُ وَأُضِيفُهُ ضَيْفًا وَضِيَافَةً بِالْكَسْرِ نَزَلْتُ عَلَيْهِ ضَيْفًا انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ضَافَهَا ضَيْفٌ ضِفْتُ الرَّجُلَ إِذَا نَزَلْتُ بِهِ فِي ضِيَافَةٍ وَأَضَفْتُهُ إِذَا أَنْزَلْتُهُ وَتَضَيَّفْتُهُ إِذَا نَزَلْتُ بِهِ وَتَضَيَّفَنِي إِذَا أَنْزَلَنِي (فَأَمَرَتْ لَهُ بِمِلْحَفَةٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ لِحَافٌ كَكِتَابٍ مَا يُلْتَحَفُ بِهِ وَاللِّبَاسُ فَوْقَ سَائِرِ اللِّبَاسِ مِنْ دِثَارِ الْبَرْدِ وَنَحْوِهِ كَالْمِلْحَفَةِ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ مِلْحَفَةٌ بِالْكَسْرِ جَادِرٌ (وَبِهَا أَثَرُ الِاحْتِلَامِ) أَيْ أَثَرُ الْمَنِيِّ وَالْوَاوُ حَالِيَّةٌ (إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَفْرُكَهُ) أَيْ يَدْلُكَهُ حَتَّى يَذْهَبَ الْأَثَرُ مِنَ الثَّوْبِ

وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ وَقَالَ إِنْ كَانَ الْمَنِيُّ نَجَسًا لَمْ يَكْفِ فَرْكُهُ كَالدَّمِ وَغَيْرِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّهَارَةِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَيْفِيَّةِ التَّطْهِيرِ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ نَجَسٌ خُفِّفَ فِي تَطْهِيرِهِ بِمَا هُوَ أَخَفُّ مِنَ الْمَاءِ وَالْمَاءُ لَا يَتَعَيَّنُ لِإِزَالَةِ جَمِيعِ النَّجَاسَاتِ وَإِلَّا لَزِمَ عَدَمُ طَهَارَةِ الْعَذِرَةِ الَّتِي فِي النَّعْلِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِمَسْحِهَا فِي التُّرَابِ وَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الصَّلَاةَ فِيهَا قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْلُتُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ بِعِرْقِ الْإِذْخِرِ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ وَيَحُتُّهُ يَابِسًا ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَسَكَتَ عَنْهُ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَسْلُتُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ بِعِرْقِ الْإِذْخِرِ ثُمَّ يُصَلِّي فيه رواه بن خُزَيْمَةَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَسَكَتَ عَنْهُ وبأثر بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ قَالَ أَمِطْهُ بِعُودٍ أَوْ إِذْخِرَةٍ فَإِنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ أَوْ الْبُصَاقِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَصَحَّحَهُ قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْأَوَّلِ وَكَذَا بِالثَّانِي نَظَرٌ لِمَا عَرَفْتَ آنِفًا وأما أثر بن عَبَّاسٍ فَهُوَ قَوْلُهُ وَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِثْلِ سُفْيَانَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالُوا فِي الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ يُجْزِئُهُ الْفَرْكُ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا كَانَ يَابِسًا وَقَالَ مَالِكٌ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ

الْأَعْمَشِ) أَيْ كَمَا رَوَى الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ عَائِشَةَ كَذَلِكَ رَوَاهُ مَنْصُورٌ أَيْضًا وَحَدِيثُ مَنْصُورٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَحَدِيثُهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَرَوَى أَبُو مَعْشَرٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ) وَكَذَلِكَ أَيْضًا رَوَاهُ حَمَّادٌ وَمُغِيرَةُ وَوَاصِلٌ وَالْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ وَحَدِيثُ أَبِي مَعْشَرٍ وَمُغِيرَةَ وَوَاصِلٍ وَالْأَعْمَشِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَحَدِيثُ حَمَّادٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ (وَحَدِيثُ الْأَعْمَشِ أَصَحُّ) لَا أَدْرِي مَا وَجْهُ كَوْنِ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ أَصَحُّ فَإِنَّ الْأَعْمَشَ كَمَا لَمْ يَتَفَرَّدْ بِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ عَائِشَةَ بَلْ تَابَعَهُ مَنْصُورٌ وَالْحَكَمُ كَذَلِكَ لَمْ يَتَفَرَّدْ أَبُو مَعْشَرٍ بِرِوَايَتِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ بَلْ تَابَعَهُ حَمَّادٌ وَمُغِيرَةُ وَوَاصِلٌ وَالْأَعْمَشُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ الْأَعْمَشِ وَحَدِيثَ أَبِي مَعْشَرٍ كِلَيْهِمَا صَحِيحَانِ لَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَصَحَّ مِنَ الْآخَرِ وَالْحَدِيثُ سَمِعَهُ إِبْرَاهِيمُ عَنْ هَمَّامٍ وَالْأَسْوَدِ كِلَيْهِمَا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ نَا أَبِي عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ وَهَمَّامٍ عَنْ عَائِشَةَ إِلَخْ والله تعالى أعلم 5 - قَوْلُهُ [117] (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ) الْهِلَالِيِّ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى مَيْمُونَةَ وَقِيلَ أُمِّ سَلَمَةَ ثِقَةٌ فَاضِلٌ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ مَاتَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَقِيلَ قَبْلَهَا قَوْلُهُ (أَنَّهَا غَسَلَتْ مَنِيًّا مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ الْمَنِيِّ وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِطَهَارَتِهِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلِلْقَائِلِينَ بِالنَّجَاسَةِ دَلَائِلُ أُخْرَى ذَكَرَهَا صَاحِبُ آثَارِ السُّنَنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِيهَا مِنَ الْكَلَامِ فِي كِتَابِنَا أَبْكَارِ الْمِنَنِ وَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى أَدِلَّةِ الْفَرِيقَيْنِ مَعَ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا فَارْجِعْ إِلَيْهِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّهَا غَسَلَتْ مَنِيًّا مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِحَدِيثِ الْفَرْكِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَلَيْسَ بَيْنَ حَدِيثِ الْغَسْلِ وَحَدِيثِ الْفَرْكِ تَعَارُضٌ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ عَلَى الْقَوْلِ بِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ بِأَنْ يُحْمَلَ الْغَسْلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِلتَّنْظِيفِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَكَذَا الْجَمْعُ مُمْكِنٌ عَلَى الْقَوْلِ بِنَجَاسَتِهِ بِأَنْ يُحْمَلَ الْغَسْلُ عَلَى مَا كَانَ رَطْبًا وَالْفَرْكُ عَلَى مَا كَانَ يَابِسًا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْحَنَفِيَّةِ وَالطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَرْجَحُ لِأَنَّ فِيهَا الْعَمَلَ بِالْخَبَرِ وَالْقِيَاسِ مَعًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجَسًا لَكَانَ الْقِيَاسُ وُجُوبَ غَسْلِهِ دُونَ الِاكْتِفَاءِ بِفَرْكِهِ كَالدَّمِ وَغَيْرِهِ وَهُمْ لَا يَكْتَفُونَ فِيمَا لَا يُعْفَى عَنْهُ مِنَ الدَّمِ بِالْفَرْكِ وَيَرُدُّ الطَّرِيقَةَ الثَّانِيَةَ أَيْضًا ما في رواية بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ كَانَتْ تَسْلُتُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ بِعَرْكِ الْإِذْخِرِ ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ وَيَحُكُّهُ مِنْ ثَوْبِهِ يَابِسًا ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ فَإِنَّهُ يَتَضَمَّنُ تَرْكَ الْغَسْلِ فِي الْحَالَتَيْنِ وَأَمَّا مَالِكٌ فَلَمْ يَعْرِفْ الْعَرْكَ وَقَالَ إِنَّ الْعَمَلَ عِنْدَهُمْ عَلَى وُجُوبِ الْغَسْلِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَحَدِيثُ الْفَرْكِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ انْتَهَى كَلَامُ الحافظ قوله (قال بن عَبَّاسٍ الْمَنِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْمُخَاطِ فَأَمِطْهُ) مِنَ الْإِمَاطَةِ وَهِيَ الْإِزَالَةُ (وَلَوْ بِإِذْخِرَةٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ حَشِيشٌ طَيِّبُ الرِّيحِ وأثر بن عَبَّاسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَقَالَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شريك عن بن أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ مَرْفُوعًا وَلَا يَثْبُتُ كذا في نصب الراية

باب في الجنب ينام قبل أن يغتسل

86 - (باب فِي الْجُنُبِ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ) [118] قَوْلُهُ (ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ) بِتَحْتَانِيَّةٍ مُشَدَّدَةٍ وشين معجمة بن سَالِمٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ الْمُقْرِئُ الْحَنَّاطُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ والأصح أنها اسْمُهُ وَقِيلَ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ثِقَةٌ عَابِدٌ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَبُرَ سَاءَ حِفْظُهُ وَكِتَابُهُ صَحِيحٌ وَرِوَايَتُهُ فِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي قَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ وَرُبَّمَا غَلِطَ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ لَمْ يَكُنْ فِي شُيُوخِنَا أَكْثَرُ غَلَطًا مِنْهُ وَسُئِلَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْهُ وَعَنْ شَرِيكٍ فَقَالَ هُمَا فِي الْحِفْظِ سَوَاءٌ غَيْرَ أن أبا بكر أصح كتابا وذكره بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَقَالَ لَمْ أَجِدْ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ عَنْهُ وَقَالَ بن حِبَّانَ كَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ يُسِيئَانِ الرَّأْيَ فِيهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا كَبُرَ سَاءَ حفظه فكان يهم وقال بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً صَدُوقًا عَالِمًا بِالْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّهُ كَثِيرُ الْغَلَطِ وَقَالَ الْعِجْلِيُّ كَانَ ثِقَةً صاحب سنة وكان يخطىء بَعْضَ الْخَطَأِ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ كَانَ لَهُ فِقْهٌ وَعِلْمٌ وَرِوَايَةٌ وَفِي حَدِيثِهِ اضْطِرَابٌ قُلْتُ لَمْ يَرْوِ لَهُ مُسْلِمٌ إِلَّا شَيْئًا فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ أَحَادِيثَ قُلْتُ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَحَادِيثَ أَكْثَرُهَا بِمُتَابَعَةِ غَيْرِهِ قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ الْمَاءَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ وَقَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ لَكِنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ مَقَالٌ كَمَا سَتَقِفُ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ [119] قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّهُ كَانَ يَتَوَضَّأُ قَبْلَ أَنْ

يَنَامَ) يَعْنِي أَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ رَوَوْا عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ هَذَا اللَّفْظَ وَخَالَفَهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ فَرَوَى عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً (وَيَرَوْنَ أَنَّ هذا غلط من إبي إسحاق) قال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ تَفْسِيرُ غَلَطِ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو إسحاق ها هنا مُخْتَصَرًا اقْتَطَعَهُ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فَأَخْطَأَ فِي اخْتِصَارِهِ إِيَّاهُ وَنَصُّ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ مَا رَوَاهُ أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ أَتَيْتُ الْأَسْوَدَ بْنَ يَزِيدَ وَكَانَ لِي أَخًا وَصَدِيقًا فَقُلْتُ يَا أَبَا عَمْرٍو حَدِّثْنِي مَا حَدَّثَتْكَ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَيُحْيِي آخِرَهُ ثُمَّ إِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ قَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ مَاءً فَإِذَا كَانَ عِنْدَ النِّدَاءِ الْأَوَّلِ وَثَبَ وَرُبَّمَا قَالَتْ قَامَ فَأَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَمَا قَالَتِ اغْتَسَلَ وَأَنَا أَعْلَمُ مَا تُرِيدُ وَإِنْ نَامَ جُنُبًا تَوَضَّأَ وُضُوءَ الرَّجُلِ لِلصَّلَاةِ فَهَذَا الْحَدِيثُ الطَّوِيلُ فِيهِ وَإِنْ نَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَ الصَّلَاةِ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ قَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّ مَاءً أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَحَدَ وَجْهَيْنِ إِمَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْحَاجَةِ حَاجَةَ الْإِنْسَانِ مِنَ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَيَقْضِيهَا ثُمَّ يَسْتَنْجِي ولا يمس ماء وينام فإن وطىء تَوَضَّأَ كَمَا فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْحَاجَةِ حَاجَةَ الْوَطْءِ وَبِقَوْلِهِ ثُمَّ يَنَامُ وَلَا يَمَسُّ مَاءً يَعْنِي مَاءَ الِاغْتِسَالِ وَمَنْ لَمْ يَحْمِلْ الْحَدِيثَ عَلَى أَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ تَنَاقَضَ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ فَتَوَهَّمَ أَبُو إِسْحَاقَ أَنَّ الْحَاجَةَ هِيَ حَاجَةُ الْوَطْءِ فَنَقَلَ الْحَدِيثَ عَلَى مَعْنَى مَا فَهِمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ بن الْعَرَبِيِّ قُلْتُ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ قَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ بصحيح وقال أبو داود هووهم قال يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ هُوَ خَطَأٌ وَقَالَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ لَا يَحِلُّ أَنْ يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ وَفِي عِلَلِ الْأَثْرَمِ لَوْ لَمْ يُخَالِفْ أَبَا إِسْحَاقَ فِي هَذَا إِلَّا إبراهيم وحده لكفى قال بن مُفَوَّزٍ أَجْمَعَ الْمُحَدِّثُونَ أَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ الْحَافِظُ وَتَسَاهَلَ فِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ فقد صحح الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ قَدْ بَيَّنَ سَمَاعَهُ مِنَ الْأَسْوَدِ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْهُ

باب في الوضوء للجنب إذا أراد أن ينام

87 - (باب فِي الْوُضُوءِ لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ) [120] قَوْلُهُ (قَالَ نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ) الْمُرَادُ بِهِ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ لِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ تَوَضَّأَ وُضُوءً كَمَا لِلصَّلَاةِ وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ تَوَضَّأَ لِأَدَاءِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَوَضَّأَ وُضُوءًا شَرْعِيًّا لَا لُغَوِيًّا انْتَهَى وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ غَيْرُ وَاجِبٍ فَالْجُمْهُورُ قَالُوا بِالثَّانِي وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ فِيهِ مَقَالًا لَا يَنْتَهِضُ بِهِ لِلِاسْتِدْلَالِ وَبِحَدِيثِ طَوَافِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عَلَى الْمُدَّعَى هُنَا دَلِيلٌ وَبِحَدِيثِ بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى الْمُدَّعَى كَمَا لَا يَخْفَى وَذَهَبَ دَاوُدُ وَجَمَاعَةٌ إِلَى الْأَوَّلِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ فَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لِيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَنَمْ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ بِحَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ويؤيد ذلك أنه أخرج بن خزيمة وبن حبان في صحيحهما من حديث بن عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ إِنْ شَاءَ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَوْ صُحِّحَ لَمْ يكن مخالفا يعني لحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بَلْ كَانَ لَهُ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا جَوَابُ الْإِمَامَيْنِ الْجَلِيلَيْنِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي بَكْرٍ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَمَسُّ مَاءً لِلْغُسْلِ وَالثَّانِي وَهُوَ عِنْدِي حَسَنٌ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَا يَمَسُّ مَاءً أَصْلًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ إِذْ لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهِ لَتُوُهِّمَ وُجُوبُهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمَّارٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَأَخْرَجَهُ

باب ما جاء في مصافحة الجنب

أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَطْعَمَ غَسَلَ يَدَيْهِ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَوْلُهُ (قَالُوا إِذَا أَرَادَ الْجُنُبُ أَنْ يَنَامَ تَوَضَّأَ) أَيْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقْدَمَ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مُصَافَحَةِ الْجُنُبِ) [121] قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ) أَيْ أَبَا هُرَيْرَةَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَقِيَنِي (وَهُوَ جُنُبٌ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ جُنُبًا (قَالَ) أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ (فَانْخَنَسْتُ) بِنُونٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ تَنَحَّيْتُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ انْخَنْسَ تَأَخَّرَ وَتَخَلَّفَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَانْسَلَلْتُ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ ذَهَبْتُ فِي خُفْيَةٍ (فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ أَوْ أَيْنَ ذَهَبْتَ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجَسُ) قَالَ النَّوَوِيُّ يُقَالُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ وَفِي مَاضِيهِ لُغَتَانِ نَجِسَ وَنَجُسَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّهَا فَمَنْ كَسَرَهَا فِي الْمَاضِي فَتَحَهَا فِي الْمُضَارِعِ وَمَنْ ضَمَّهَا فِي الْمَاضِي ضَمَّهَا فِي الْمُضَارِعِ أَيْضًا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ تَمَسَّكَ بِمَفْهُومِهِ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالَ إِنَّ الْكَافِرَ نَجِسُ الْعَيْنِ وَقَوَّاهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّمَا المشركون نجس

وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ طَاهِرُ الْأَعْضَاءِ لِاعْتِيَادِهِ مُجَانَبَةَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِ لِعَدَمِ تَحَفُّظِهِ عَنِ النَّجَاسَةِ وَعَنِ الْآيَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ نَجَسٌ فِي الِاعْتِقَادِ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ نِكَاحَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَرَقَهُنَّ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ مَنْ يُضَاجِعُهُنَّ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ مِنْ غُسْلِ الْكِتَابِيَّةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ غُسْلِ الْمُسْلِمَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآدَمِيَّ الْحَيَّ لَيْسَ بِنَجِسِ الْعَيْنِ إِذْ لَا فرق بين النساء والرجال انتهى قال القارىء نقلا عن بن الملك وما روي عن بن عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ أَعْيَانَهُمْ نَجِسَةٌ كَالْخِنْزِيرِ وَعَنِ الْحَسَنِ مَنْ صَافَحَهُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّبَعُّدِ عَنْهُمْ وَالِاحْتِرَازِ مِنْهُمْ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْهُ قَالَ صَافَحَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا جُنُبٌ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِيهِ مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ وَوَثَّقَهُ فِي أُخْرَى وَوَثَّقَهُ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مُصَافَحَةِ الْجُنُبِ وَلَمْ يَرَوْا بِعَرَقِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ بَأْسًا) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ يَعْنِي فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ جَوَازُ مُصَافَحَةِ الْجُنُبِ وَمُخَالَطَتِهِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى طَهَارَةِ عَرَقِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الِاغْتِسَالِ لِلْجُنُبِ وَأَنْ يَسْعَى فِي حَوَائِجِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ عَلَى طَهَارَةِ عَرَقِ الْجُنُبِ لِأَنَّ بَدَنَهُ لَا يَنْجُسْ بِالْجَنَابَةِ فَكَذَلِكَ مَا تَحَلَّبَ مِنْهُ

باب ما جاء في المرأة ترى في المنام

89 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى فِي الْمَنَامِ) مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ [122] قَوْلُهُ (جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ ابْنَةُ مِلْحَانَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَفِي اسْمِهَا خِلَافٌ تَزَوَّجَهَا مَالِكُ بْنُ النَّضْرِ أَبُو أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَوَلَدَتْ لَهُ أَنَسًا ثُمَّ قُتِلَ عَنْهَا مُشْرِكًا فَأَسْلَمَتْ فَخَطَبَهَا أَبُو طَلْحَةَ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَأَبَتْ وَدَعَتْهُ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ وَقَالَتْ إنِّي أَتَزَوَّجُكَ وَلَا آخُذُ مِنْكَ صَدَاقًا لِإِسْلَامِكَ فَتَزَوَّجَهَا أَبُو سَلَمَةَ رَوَى عَنْهَا خَلْقٌ كَثِيرٌ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ) قَدَّمَتْ هَذَا الْقَوْلَ تَمْهِيدًا لِعُذْرِهَا في ذكر ما يستحيي مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِالْحَيَاءِ هُنَا مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ إِذْ الْحَيَاءُ الشَّرْعِيُّ خَيْرٌ كُلُّهُ وَالْحَيَاءُ لُغَةً تَغَيُّرٌ وَانْكِسَارٌ وَهُوَ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُحْمَلُ هُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ لَا يأمر بالحياء في الحق أولا يَمْنَعَ مِنْ ذِكْرِ الْحَقِّ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى التَّأْوِيلِ فِي الْإِثْبَاتِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي النَّفْيِ أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمَفْهُومُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَسْتَحْيِي مِنْ غَيْرِ الْحَقِّ عَادَ إِلَى جَانِبِ الْإِثْبَاتِ فَاحْتِيجَ إِلَى تأويله قاله بن دَقِيقِ الْعِيدِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ تَعْنِي غُسْلًا إِذَا هِيَ رَأَتْ فِي الْمَنَامِ مِثْلَ مَا يَرَى الرَّجُلُ) وفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنَّ زَوْجَهَا يُجَامِعُهَا فِي الْمَنَامِ أَتَغْتَسِلُ (قَالَ نَعَمْ إِذَا هِيَ رَأَتِ الْمَاءَ) أَيْ الْمَنِيَّ بَعْدَ الِاسْتِيقَاظِ (فَلْتَغْتَسِلْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْإِنْزَالِ وَكَأَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ لَمْ تَسْمَعْ حَدِيثَ الْمَاءُ مِنَ الْمَاءِ أَوْ سَمِعَتْهُ وَقَامَ عِنْدَهَا مَا يُوهِمُ خُرُوجَ الْمَرْأَةِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ نُدُورُ بُرُوزِ الْمَاءِ مِنْهَا وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ هَذِهِ الْقِصَّةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ مَاءٌ فَقَالَ هُنَّ شَقَائِقُ الرِّجَالِ وَرَوَى مِنْ حَدِيثِ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْقِصَّةِ لَيْسَ عَلَيْهَا غُسْلٌ حَتَّى تُنْزِلَ كَمَا يُنْزِلُ الرَّجُلُ (فَضَحْتِ النِّسَاءَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ) إِذْ حَكَيْتِ عَنْهُنَّ مَا يَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ شَهْوَتِهِنَّ قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَقَالَ الْحَافِظُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كِتْمَانَ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ

باب في الرجل يستدفىء بالمرأة بعد الغسل

عَادَتِهِنَّ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ شَهْوَتِهِنَّ لِلرِّجَالِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ وَخَوْلَةَ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ خَوْلَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ 0 - (باب في الرجل يستدفىء بِالْمَرْأَةِ بَعْدَ الْغُسْلِ) أَيْ يَطْلُبُ الدَّفَاءَةَ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْمَدِّ وَهِيَ الْحَرَارَةُ بِأَنْ يَضَعَ أَعْضَاءَهُ عَلَى أَعْضَائِهَا [123] قَوْلُهُ (ثُمَّ جَاءَ فَاسْتَدْفَأَ بِي) أَيْ طَلَبَ الْحَرَارَةَ مِنِّي بِأَنْ وَضَعَ أَعْضَاءَهُ الشَّرِيفَةَ عَلَى أَعْضَائِي مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ وَجَعَلَنِي مَكَانَ الثَّوْبِ الَّذِي يُسْتَدْفَأُ بِهِ لِيَجِدَ السُّخُونَةَ مِنْ بدني كذا في اللمعات وفي المرقاة قال السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ أَيْ يَطْلُبُ مِنِّي الْحَرَارَةَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ) أَيْ ما تستدفؤون بِهِ وَفِيهِ أَنَّ بَشَرَةَ الْجُنُبِ طَاهِرَةٌ لِأَنَّ الِاسْتِدْفَاءَ إِنَّمَا يَحْصُلُ مِنْ مَسِّ الْبَشَرَةِ كَذَا في الطيبي وفيه بحث انتهى قال القارىء وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ الِاسْتِدْفَاءَ يُمْكِنُ مَعَ الثَّوْبِ أَيْضًا (فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ وَلَمْ أَغْتَسِلْ) وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يغتسل من الجنابة ثم يستدفىء بي قبل أن أغتسل قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ سَنَدُهُ حَسَنٌ

باب التيمم للجنب إذا لم يجد الماء

قَوْلُهُ (هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِإِسْنَادِهِ بَأْسٌ) وَأَخْرَجَهُ بن ماجه وتقدم لفظه آنفا 1 - (باب التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ إِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ) [124] قَوْلُهُ (نَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَخَالِدٌ هَذَا هو بن مِهْرَانَ أَبُو الْمَنَازِلِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ السِّتَّةِ وَقِيلَ لَهُ الْحَذَّاءُ لِأَنَّهُ كَانَ يَجْلِسُ عِنْدَهُمْ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ احْذُ عَلَى هَذَا النَّحْوِ (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) بِكَسْرِ الْقَافِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو أَوْ عَامِرٍ الْجَرْمِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ (عَنْ عَمْرِو بْنِ بُجْدَانَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ الْعَامِرِيِّ الْبَصْرِيِّ تَفَرَّدَ عَنْهُ أَبُو قِلَابَةَ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الخلاصة وثقه بن حِبَّانَ وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ أَيْضًا كَمَا سَتَقِفُ قَوْلُهُ (إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ) أَيِ الطَّاهِرَ الْمُطَهِّرَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الصَّعِيدُ التُّرَابُ أَوْ وَجْهُ الْأَرْضِ (طَهُورُ الْمُسْلِمِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ (وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ) كَلِمَةُ إِنْ لِلْوَصْلِ وَالْمُرَادُ مِنْ عَشْرَ سِنِينَ الكثرة لا المدة المقدرة قال القارىء وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ غَيْرُ نَاقِضٍ لِلتَّيَمُّمِ بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ الْوُضُوءِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ قَالَ وَمَا صَحَّ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كما قال القارىء (فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مِنَ الْإِمْسَاسِ (بَشَرَتَهُ) بِفَتْحَتَيْنِ ظَاهِرُ الْجِلْدِ أي

فَلْيُوصِلِ الْمَاءَ إِلَى بَشَرَتِهِ وَجِلْدِهِ (فَإِنَّ ذَلِكَ) أَيِ الْإِمْسَاسَ (خَيْرٌ) أَيْ مِنَ الْخُيُورِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ كِلَيْهِمَا جَائِزٌ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لَكِنَّ الْوُضُوءَ خَيْرٌ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا) مَعَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ وَلَا أَحْسَنِيَّةَ لِمُسْتَقَرِّ أَهْلِ النَّارِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّعِيدُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيَتَّقِ اللَّهَ وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَغِيبُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ أَيُجَامِعُ أَهْلَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَلَا يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ قَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ قَالَ عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيكَ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَلَمْ يُسَمِّهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ نَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ إِلَخْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِهِ وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي مِنْ بَنِي عَامِرٍ هُوَ عَمْرُو بْنُ بُجْدَانَ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْحَدِيثِ قَبْلَهُ سَمَّاهُ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَسَمَّاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَيُّوبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن ماجة وقال الشوكاني في النيل

باب في المستحاضة

ورواه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَعَمْرُو بْنُ بُجْدَانَ قَدْ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ قَالَ الْحَافِظُ وغفل بن الْقَطَّانِ فَقَالَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ وَقَدْ غَفَلَ الْحَافِظُ أَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ تَنْبِيهٌ قد اختلفت نسخ الترمذي ها هنا فَوَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ قَالَ الترمذي حديث حسن صحيح انتهى وقال بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ) أَيْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِي نُسْخَةٍ قَلَمِيَّةٍ عَتِيقَةٍ إِذَا لَمْ يَجِدَا الْمَاءَ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (تَيَمَّمَا وَصَلَّيَا إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ الْعُلَمَاءُ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَّا مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَحُكِيَ مِثْلُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِنْ عَدَمِ جَوَازِهِ لِلْجُنُبِ وَقِيلَ إِنَّ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ رجعا عن ذلك وقد جاءت بِجَوَازِهِ لِلْجُنُبِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَإِذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَجَبَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا مَا يُحْكَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإِمَامِ التَّابِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ مَذْهَبٌ مَتْرُوكٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ بَعْدَهُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجُنُبِ بغسل بدنه إذ وجد الماء انتهى 2 - (بَابٌ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ) الِاسْتِحَاضَةُ جَرَيَانُ الدَّمِ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فِي عِرْقٍ يُقَالُ لَهُ الْعَاذِلُ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ يُقَالُ اسْتُحِيضَتِ الْمَرْأَةُ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِهَا الْمُعْتَادَةِ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ

[125] قَوْلُهُ (جَاءَتْ فَاطِمَةُ ابْنَةُ أَبِي حُبَيْشٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَحَابِيَّةٌ لَهَا حَدِيثٌ فِي الِاسْتِحَاضَةِ (إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَلَا أَطْهُرُ) أَيْ لَا يَنْقَطِعُ عَنِّي الدَّمُ (أَفَأَدْعُ الصَّلَاةَ) كَانَتْ قَدْ عَلِمَتْ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تُصَلِّي فَظَنَّتْ أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ مُقْتَرِنٌ بِجَرَيَانِ الدَّمِ مِنَ الْفَرْجِ فَأَرَادَتْ تَحْقِيقَ ذَلِكَ فَقَالَتْ أَفَأَدْعُ الصَّلَاةَ أَيْ أَتْرُكُهَا وَالْعَطْفُ عَلَى مُقَدَّرٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ لِأَنَّ لَهَا صَدْرَ الْكَلَامِ أَيْ أَيَكُونُ لِي حُكْمُ الْحَائِضِ فَأَتْرُكَ الصَّلَاةَ (قَالَ لَا) أَيْ لَا تَدَعِي الصَّلَاةَ (إِنَّمَا ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ أَيِ الَّذِي تَشْتَكِينَهُ (عِرْقٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ دَمُ عِرْقٍ انْشَقَّ وَانْفَجَرَ مِنْهُ الدَّمُ أَوْ إِنَّمَا سَبَبُهَا عِرْقٌ مِنْهَا فِي أَدْنَى الرَّحِمِ (وَلَيْسَتْ) أَيِ الْعِلَّةُ الَّتِي تَشْتَكِينَهَا وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ عَلَى مَا فِي الْمِشْكَاةِ لَيْسَ وَهُوَ الظَّاهِرُ (بِالْحَيْضَةِ) قَالَ الْحَافِظُ بِفَتْحِ الْحَاءِ كَمَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ أَوْ كُلِّهِمْ وَإِنْ كَانَ قَدِ اخْتَارَ الْكَسْرَ عَلَى إِرَادَةِ الْحَالَةِ لَكِنَّ الْفَتْحَ هُنَا أَظْهَرُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ أَوْ قَرِيبٌ مِنَ الْمُتَعَيِّنِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ إِثْبَاتَ الِاسْتِحَاضَةِ وَنَفْيَ الْحَيْضِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَيَجُوزُ فِيهِ الْوَجْهَانِ مَعًا جَوَازًا حَسَنًا انْتَهَى كَلَامُهُ قَالَ الْحَافِظُ وَاَلَّذِي فِي رِوَايَتِنَا بِفَتْحِ الْحَاءِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ (فإذا أقبلت الحيضة) قال القارىء بِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلْحَيْضِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْفَتْحِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الْحَالَةُ الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهَا وَهِيَ تَعْرِفُهَا فَيَكُونُ رَدَّا إِلَى الْعَادَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الْحَالَةُ الَّتِي تَكُونُ لِلْحَيْضِ مِنْ قُوَّةِ الدَّمِ فِي اللَّوْنِ وَالْقِوَامِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عُرْوَةَ الَّذِي يَتْلُوهُ وَهِيَ لَمْ تَعْرِفْ أَيَّامَهَا فَيَكُونُ رَدًّا إِلَى التَّمْيِيزِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَأَبُو حَنِيفَةَ مَنَعَ اعْتِبَارَ التَّمْيِيزِ مُطْلَقًا وَالْبَاقُونَ عَمِلُوا بِالتَّمْيِيزِ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا تَعَارَضَتِ الْعَادَةُ وَالتَّمْيِيزُ فَاعْتَبَرَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا التَّمْيِيزَ وَلَمْ ينظروا إلى العادة وعكس بن خَيْرَانَ انْتَهَى قُلْتُ أَرَادَ بِحَدِيثِ عُرْوَةَ الَّذِي رَوَاهُ عُرْوَةُ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ دَمٌ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنِ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي) أَيْ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي

قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فِي حَدِيثِهِ وَقَالَ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ حَتَّى يَجِيءَ ذَلِكَ الْوَقْتُ) قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ هَذَا مَدْرَجٌ وَقَدْ رَدَّ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عَلَيْهِ وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عُرْوَةَ وَقَدْ رَدَّ الْحَافِظُ عَلَيْهِ أيضا وقال ولم ينفرد أَبُو مُعَاوِيَةَ بِذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ وَادَّعَى أَنَّ حَمَّادًا تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَأَوْمَأَ مُسْلِمٌ أَيْضًا إِلَى ذَلِكَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهَا الدَّارِمِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَالسِّرَاجُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ كِلَاهُمَا عَنْ هِشَامٍ انْتَهَى وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا مَيَّزَتْ دَمَ الْحَيْضِ مِنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ تَعْتَبِرُ دَمَ الْحَيْضِ وَتَعْمَلُ عَلَى إِقْبَالِهِ وَإِدْبَارِهِ فَإِذَا انْقَضَى قَدْرُهُ اغْتَسَلَتْ عَنْهُ ثُمَّ صارحكم دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ حُكْمَ الْحَدَثِ فَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَكِنَّهَا لَا تُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ مُؤَادَّةٍ أَوْ مَقْضِيَّةٍ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْوُضُوءَ مُتَعَلِّقٌ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِهِ الْفَرِيضَةَ الْحَاضِرَةَ وَمَا شَاءَتْ مِنَ الْفَوَائِتِ مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ عَلَى قَوْلِهِمِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ فَفِيهِ مَجَازُ الْحَذْفِ وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَلَا يَجِبُ إِلَّا بِحَدَثٍ آخَرَ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِنِ اغْتَسَلَتْ لِكُلِّ فَرْضٍ فَهُوَ أَحْوَطُ قاله الحافظ في الفتح وقال بن عبد البرليس فِي حَدِيثِ مَالِكٍ ذِكْرُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ وَذُكِرَ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ فَلِذَا كَانَ مَالِكٌ يَسْتَحِبُّهُ لَهَا وَلَا يُوجِبُهُ كَمَا لَا يُوجِبُهُ عَلَى صَاحِبِ السَّلَسِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَإِنْ قُلْتَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ غَرِيبٌ جِدًّا وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ لَمْ أَجِدْهُ هَكَذَا وَإِنَّمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَإِنْ قُلْتَ قال بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ مُخْتَصَرِ الطَّحَاوِيِّ رَوَى أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ بِلَفْظِ تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صلاة أي الوقت كُلِّ صَلَاةٍ قُلْتُ نَعَمْ لَوْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ فِي هَذَا الطَّرِيقِ مَحْفُوظًا لَكَانَ دَلِيلًا عَلَى الْمَطْلُوبِ لَكِنَّ فِي كَوْنِهِ مَحْفُوظًا كَلَامًا فَإِنَّ الطُّرُقَ الصَّحِيحَةَ كُلَّهَا قَدْ وَرَدَتْ بِلَفْظِ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ وَأَمَّا هَذَا اللَّفْظُ فَلَمْ

باب ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة

يَقَعْ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ الإمام أبو حنيفة وهو سيء الحفظ كما صرح به الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيُّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَلَفْظُهُ أَنَّهَا اسْتَفْتَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم في الْمَرْأَةِ تُهْرَاقُ الدَّمَ فَقَالَ لِتَنْظُرْ قَدْرَ اللَّيَالِي والأيام التي كانت تحيضن وَقَدْرَهُنَّ مِنَ الشَّهْرِ فَتَدَعَ الصَّلَاةَ ثُمَّ لِتَغْتَسِلْ وَتَسْتَثْفِرْ ثُمَّ تُصَلِّي قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ) [126] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ) اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ بِالتَّصْغِيرِ ويقال بن قَيْسٍ وَالصَّوَابُ أَنَّ قَيْسًا جَدُّ أَبِيهِ وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ أَيْضًا الْبَجَلِيُّ أَبُو الْيَقْظَانِ الْكُوفِيُّ الْأَعْمَى ضَعِيفٌ وَاخْتَلَطَ وَكَانَ يُدَلِّسُ وَيَغْلُو فِي التَّشَيُّعِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ في الخلاصة ضعفه أحمد وغيره وتركه بن مَهْدِيٍّ (عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنْ رِجَالِ السِّتَّةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ ثَابِتٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثابت الأنصاري والد عدي قيل هو بن قَيْسِ بْنِ الْحَطِيمِ هُوَ جَدُّ عَدِيٍّ لَا أَبُوهُ وَقِيلَ اسْمُ أَبِيهِ دِينَارٌ وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ أَخْطَبَ وَقِيلَ عُبَيْدُ بْنُ عَازِبٍ فَهُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ أَطَالَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ فِي تَرْجَمَةِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ فِي تَهْذِيبِ التهذيب من يشاء الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ جَدِّ عَدِيٍّ

قَوْلُهُ (قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ) أَيْ فِي شَأْنِهَا (تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا) جَمْعُ قُرْءٍ وَهُوَ مشترك بين الحيض والطهر والمراد به ها هنا الحيض للسباق واللحاق قاله القارىء (الَّتِي كَانَتْ تَحِيضُ فِيهَا) أَيْ قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ (ثُمَّ) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ زَمَنِ حَيْضِهَا بِاعْتِبَارِ الْعَادَةِ (تَغْتَسِلُ) أَيْ مَرَّةً (وَتَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صلاة) قوله عند كل صلاة متعلق بتتوضأ لا بتغتسل وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَتَوَضَّأُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ ذكرها الحافظ الزيلعي والحافظ بن حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِهِمَا وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ [127] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ عَنْ أَبِي الْيَقِظَانِ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود وضعفه وأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا (وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقُلْتُ عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ جَدِّ عَدِيٍّ مَا اسْمُهُ فَلَمْ يَعْرِفْ مُحَمَّدٌ اسْمَهُ وَذَكَرْتُ لِمُحَمَّدٍ قَوْلَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّ اسْمَهُ دِينَارٌ فَلَمْ يَعْبَأْ بِهِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ جَدُّهُ أَبُو أُمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْخَطْمِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلَا يَصِحُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ شَيْءٌ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ وَقَالَ غَيْرُ يَحْيَى اسْمُهُ قَيْسٌ الْخَطْمِيُّ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقِيلَ لَا يُعْلَمُ جَدُّهُ وَكَلَامُ الْأَئِمَّةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وشريك هو بن عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ قَاضِي الْكُوفَةِ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَبُو الْيَقْظَانِ هَذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ الْكُوفِيُّ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إِنِ اغْتَسَلَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ هُوَ أَحْوَطُ لَهَا وَإِنْ تَوَضَّأَتْ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَجْزَأَهَا وَإِنْ جَمَعَتْ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ أَجْزَأَهَا) فَالِاغْتِسَالُ لِكُلِّ صلاة ليس

باب في المستحاضة أنها تجمع بين الصلاتين بغسل واحد

بِوَاجِبٍ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ فِيهِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ 4 - (باب فِي الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا تَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ) [128] قَوْلُهُ (نَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ السِّتَّةِ قَالَ النَّسَائِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ (نَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ) التَّمِيمِيُّ أَبُو الْمُنْذِرِ الخرساني سَكَنَ الشَّامَ ثُمَّ الْحِجَازَ رِوَايَةُ أَهْلِ الشَّامِ عَنْهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ فَضُعِّفَ بِسَبَبِهَا قَالَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ كَانَ زُهَيْرٌ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ الشَّامِيُّونَ آخَرَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ حَدَّثَ بِالشَّامِ مِنْ حِفْظِهِ فَكَثُرَ غَلَطُهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ لِلشَّامِيِّينَ عَنْهُ مَنَاكِيرُ وَهُوَ ثِقَةٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ) التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ وَكَانَ يُسَمَّى أَسَدَ قُرَيْشٍ (عَنْ عَمِّهِ عِمْرَانَ بْنِ طَلْحَةَ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ لَهُ رُؤْيَةٌ ذَكَرَهُ الْعِجْلِيُّ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (عَنْ أُمِّهِ حَمْنَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالنُّونِ (ابْنَةِ جَحْشٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ أُخْتُ زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَامْرَأَةُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَوْلُهُ (كُنْتُ أُسْتَحَاضُ حَيْضَةً) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهُوَ مَصْدَرُ أُسْتَحَاضُ عَلَى حَدِّ أَنْبَتَهُ اللَّهُ نَبَاتًا وَلَا يَضُرُّهُ الْفَرْقُ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ إِذِ الْكَلَامُ وَارِدٌ عَلَى أَصْلِ اللُّغَةِ (كَبِيرَةً) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَثِيرَةً وَكَذَا في رواية أبي داود (شديدة) قال القارىء كَثِيرَةٌ فِي الْكَمِّيَّةِ شَدِيدَةٌ فِي الْكَيْفِيَّةِ (أَسْتَفْتِيهِ وَأُخْبِرُهُ) الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ وَإِلَّا كَانَ حَقُّهَا أَنْ تَقُولَ أُخْبِرُهُ وَأَسْتَفْتِيهِ (فَوَجَدْتُهُ فِي بَيْتِ أُخْتِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ) أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ (فَمَا تَأْمُرُنِي) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ (فِيهَا) أَيْ فِي الْحَيْضَةِ يعني في

حَالِ وُجُودِهَا (فَقَدْ مَنَعَتْنِي الصِّيَامَ وَالصَّلَاةَ) أَيْ عَلَى زَعْمِهَا (أَنْعَتُ) أَيْ أَصِفُ (الْكُرْسُفَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ السِّينِ أَيِ الْقُطْنَ (فَإِنَّهُ) أَيِ الْكُرْسُفَ (يُذْهِبُ الدَّمَ) مِنَ الْإِذْهَابِ أَيْ يَمْنَعُ خُرُوجَهُ إِلَى ظَاهِرِ الْفَرْجِ أَوْ مَعْنَاهُ فَاسْتَعْمِلِيهِ لَعَلَّ دَمَكِ يَنْقَطِعُ (هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ) أَيِ الدَّمُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَنْقَطِعَ بِالْكُرْسُفِ (قَالَ فَتَلَجَّمِي) أَيْ شُدِّي اللِّجَامَ يَعْنِي خِرْقَةً عَلَى هَيْئَةِ اللِّجَامِ كَالِاسْتِثْفَارِ (قَالَ فاتخذي ثوبا) أي تحت اللجام وقال القارىء أَيْ مُطْبِقًا (إِنَّمَا أَثُجُّ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ (ثَجًّا) مِنْ ثَجَّ الْمَاءُ وَالدَّمُ لَازِمٌ ومتعدي أي أنصب أو أصبه فعلى الثاني تقديره أَثُجُّ الدَّمَ وَعَلَى الْأَوَّلِ إِسْنَادُ الثَّجِّ إِلَى نَفْسِهَا لِلْمُبَالَغَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ النَّفْسَ جُعِلَتْ كَأَنَّ كُلَّهَا دَمٌ ثَجَّاجٌ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْمَعْنَى (سَآمُرُكِ) السِّينُ لِلتَّأْكِيدِ (بِأَمْرَيْنِ) أَيْ بِحُكْمَيْنِ أَوْ صِنْفَيْنِ (أَيَّهُمَا صَنَعْتِ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ فِي إِعْرَابِهِ إِنَّهَا بِالنَّصْبِ لَا غَيْرُ وَالنَّاصِبُ لَهَا صَنَعْتِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (وَإِنْ قَوِيتِ) أَيْ قَدَرْتِ (فَأَنْتِ أَعْلَمُ) بِمَا تَخْتَارِينَهُ مِنْهُمَا فَاخْتَارِي أَيَّهمَا شِئْتِ (فَقَالَ إِنَّمَا هِيَ) أي الثجة أو العلة (ركضة من مِنَ الشَّيْطَانِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَصْلُ الرَّكْضِ الضَّرْبُ بِالرِّجْلِ وَالْإِصَابَةُ بِهَا كَمَا تَرْكُضُ الدَّابَّةُ وَتُصَابُ بِالرِّجْلِ أَرَادَ الْإِضْرَارَ بِهَا وَالْإِيذَاءَ لِمَعْنَى إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ وَجَدَ بِذَلِكَ طَرِيقًا إِلَى التَّلْبِيسِ عَلَيْهَا فِي أَمْرِ دِينِهَا وَطُهْرِهَا وَصَلَاتِهَا حَتَّى أَنْسَاهَا ذَلِكَ عَادَتَهَا وَصَارَ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ رَكَضَهُ بِآلَةٍ مِنْ رَكَضَاتِهِ انْتَهَى (فَتَحَيَّضِي) أَيِ اجْعَلِي نَفْسَكِ حَائِضًا يُقَالُ تَحَيَّضَتِ الْمَرْأَةُ أَيْ قَعَدَتْ أَيَّامَ حَيْضِهَا مِنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ التَّحْدِيدِ مِنَ السِّتَّةِ وَالسَّبْعَةِ لَكِنْ عَلَى مَعْنَى اعْتِبَارِ حَالِهَا بِحَالِ مَنْ هِيَ مِثْلُهَا وَفِي مِثْلِ سِنِّهَا مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ بَيْتِهَا فَإِنْ كَانَتْ عَادَةُ مِثْلِهَا أَنْ تَقْعُدَ سِتًّا قَعَدَتْ سِتًّا وَإِنْ سَبْعًا فَسَبْعًا وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَرْأَةُ قَدْ ثَبَتَ لَهَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَيَّامٌ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ إِلَّا أَنَّهَا قَدْ نَسِيَتْهَا فَلَا تَدْرِي أَيَّتَهُمَا كَانَتْ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَحَرَّى وَتَجْتَهِدَ وَتَبْنِيَ أَمْرَهَا عَلَى مَا تَيَقَّنَتْهُ مِنْ أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَيْ فِيمَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِكِ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً انْتَهَى (فِي عِلْمِ اللَّهِ) أَيْ فِي عِلْمِ اللَّهِ مِنْ أَمْرِكِ مِنَ السِّتِّ أَوِ السَّبْعِ أَيْ هَذَا شَيْءٌ بَيْنَكِ وَبَيْنَ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلِينَ مِنَ الْإِتْيَانِ بِمَا أَمَرْتُكِ بِهِ أَوْ تَرْكِهِ وَقِيلَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَيْ في علم الله أي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ مَا أَمَرْتُكِ فَهُوَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَيْ أَعْلَمَكِ اللَّهُ مِنْ عَادَةِ النِّسَاءِ مِنَ الست أو السبع قاله بن

رسلان قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قِيلَ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَقَدْ ذَكَرَ أَحَدَ الْعَدَدَيْنِ اعْتِبَارًا بِالْغَالِبِ مِنْ حَالِ نِسَاءِ قَوْمِهَا وَقِيلَ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَدَدَيْنِ لِأَنَّهُ الْعُرْفُ الظَّاهِرُ وَالْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِ النِّسَاءِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَوْ لِلتَّقْسِيمِ أَيْ سِتَّةً إِنِ اعْتَادَتْهَا أَوْ سَبْعَةً إِنِ اعْتَادَتْهَا إِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً لَا مُبْتَدَأَةً أَوْ لَعَلَّهَا شَكَّتْ هَلْ عَادَتُهَا سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ فَقَالَ لَهَا سِتَّةً إِنْ لَمْ تَذْكُرِي عَادَتَكِ أَوْ سَبْعَةً إِنْ ذَكَرْتِ أَنَّهَا عَادَتُكِ أَوْ لَعَلَّ عَادَتَهَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِيهِمَا فَقَالَ سِتَّةً فِي شَهْرِ السِّتَّةِ وَسَبْعَةً فِي شَهْرِ السَّبْعَةِ انتهى وقيل هو الظَّاهِرُ إِنَّهَا كَانَتْ مُعْتَادَةً وَنَسِيَتْ أَنَّ عَادَتَهَا كانت ستا أو سبعا فذكر القارىء مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ بِقَوْلِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخر إلخ ثم قال القارىء وَمَعْنَاهُ أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ فِي عِلْمِ اللَّهِ عَلَى قَوْلِ الشَّكِّ فِي عِلْمِهِ الَّذِي بَيَّنَهُ وَشَرَعَهُ لَنَا كَمَا يُقَالُ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَفِي كِتَابِ اللَّهِ وَقِيلَ فِيمَا أَعْلَمَكِ اللَّهُ مِنْ عَادَاتِ النِّسَاءِ مِنَ السِّتِّ أَوِ السَّبْعِ وَفِي قَوْلٍ التَّخْيِيرُ فِيمَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ (ثُمَّ اغْتَسِلِي) أَيْ بَعْدَ السِّتَّةِ أَوِ السَّبْعَةِ مِنَ الْحَيْضِ (فَإِذَا رَأَيْتِ) أَيْ عَلِمْتِ (أَنَّكِ قد ظهرت وَاسْتَنْقَأْتِ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالْأَلِفِ وَالصَّوَابُ وَاسْتَنْقَيْتِ لِأَنَّهُ مِنْ نَقَى الشَّيْءُ وَأَنْقَيْتُهُ إِذَا نَظَّفْتُهُ وَلَا وَجْهَ فيه للألف ولا الهمزة انتهى وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ الِاسْتِنْقَاءُ مُبَالَغَةٌ فِي تَنْقِيَةِ الْبَدَنِ قِيَاسٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ إِذَا رَأَيْتِ أَنَّكِ طَهُرْتِ وَاسْتَنْقَيْتِ الْهَمْزَةُ فِيهِ خَطَأٌ انْتَهَى قَالَ وَهُوَ فِي النُّسَخِ كُلِّهَا يَعْنِي نسخ الْمُشَكَّلَةَ بِالْهَمْزِ مَضْبُوطٌ فَيَكُونُ جُرْأَةً عَظِيمَةً مِنْ صَاحِبِ الْمُغْرِبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعُدُولِ الضَّابِطِينَ الْحَافِظِينَ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى الشُّذُوذِ إِذِ الْيَاءُ مِنْ حَرْفِ الْإِبْدَالِ وَقَدْ جَاءَ شِئْمَةٌ مَهْمُوزًا بَدَلًا مِنْ شِيمَةٍ شَاذًّا عَلَى مَا فِي الشَّافِيَةِ (فَصَلِّي أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً) يَعْنِي أَيَّامَهَا إِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْحَيْضَةِ سِتَّةً أَوْ ثَلَاثًا (وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَأَيَّامَهَا) إِنْ كَانَتْ مُدَّةُ الْحَيْضِ سَبْعَةً (فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُكِ) أَيْ يَكْفِيكِ يُقَالُ أَجْزَأَنِي الشَّيْءُ أَيْ كَفَانِي (فَإِنْ قَوِيتِ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ حِينَ تَطْهُرِينَ وَتُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ ثُمَّ تَغْتَسِلِي وَتُصَلِّي بِحَذْفِ النُّونِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَهَذَا هُوَ الْأَمْرُ الثَّانِي بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَهُوَ أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ وَأَمَّا الْأَمْرُ الْأَوَّلُ فَقَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ هُوَ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ عَنِ الْحَيْضِ بِمُرُورِ السِّتَّةِ أَوِ السَّبْعَةِ الْأَيَّامِ فَإِنَّ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ سَآمُرُكِ بِأَمْرَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ لَهَا الْأَمْرَ الْأَوَّلَ أَنَّهَا تَحِيضُ سِتًّا أَوْ سَبْعًا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صلاة لأن

اسْتِمْرَارَ الدَّمِ نَاقِضٌ فَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي غَيْرِهَا ثُمَّ ذَكَرَ الْأَمْرَ الثَّانِيَ مِنْ جَمْعِ الصَّلَاتَيْنِ انْتَهَى وَقَالَ القارىء وَغَيْرُهُ الْأَمْرُ الْأَوَّلُ هُوَ الِاغْتِسَالُ لِكُلِّ صَلَاةٍ قُلْتُ لَمْ يُصَرِّحْ بِالْأَمْرِ الْأَوَّلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ إِمَّا الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوِ الِاغْتِسَالُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَا غَيْرُهُمَا وَأَعْجَبُهُمَا إِلَيَّ هُوَ الثَّانِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ ثُمَّ تَغتْسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَافْعَلِي) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِحَذْفِ النُّونِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَكَذَلِكَ فَافْعَلِي (وَصُومِي) أَيْ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الَّتِي تُصَلِّي (إِنْ قَوِيتِ عَلَى ذَلِكَ) بَدَلٌ مِنَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ (وَهُوَ أَعْجَبُ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ) أَيِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ أَحَبُّ الْأَمْرَيْنِ إِلَيَّ وَالْأَمْرُ الْأَوَّلُ هُوَ الِاغْتِسَالُ لِكُلِّ صَلَاةٍ أَوِ الْوُضُوءُ لِكُلِّ صَلَاةٍ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وأحمد وبن مَاجَهْ وَالدّارَقُطْنيُّ وَالْحَاكِمُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ تَرَكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْقَوْلَ بهذا الحديث لأن بن عَقِيلٍ رَاوِيَهُ لَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ هذا آخر كلامه وقد أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ أَيْضًا وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ أَحْمَدُ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى قَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ هَذَا فَعَرَفْتُ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ غَيْرُ صَحِيحٍ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ قَدْ صَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ انتهى

قلت عبد الله بن محمد بن عقيل مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ يَقُولُ كَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَالْحُمَيْدِيُّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ انْتَهَى كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ بَعْدَ ذِكْرِ أَقْوَالِ الْجَارِحِينَ وَالْمُعَدِّلِينَ حَدِيثُهُ فِي مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إِذَا كَانَتْ تَعْرِفُ حَيْضَهَا بِإِقْبَالِ الدَّمِ وَإِدْبَارِهِ فَإِقْبَالُهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَإِقْبَالُهُ بِالْوَاوِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (أَنْ يَكُونَ أَسْوَدَ وَإِدْبَارُهُ أَنْ يَتَغَيَّرَ إِلَى الصُّفْرَةِ) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ إِذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضَةِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ إِلَخْ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَلَفْظُهُ (فَالْحُكْمُ لَهَا عَلَى حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ) أَيِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَقَدْ عَرَفْتَ هُنَاكَ أَنَّ فِيهِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا مَيَّزَتْ دَمَ الْحَيْضِ مِنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ تَعْتَبِرُ دَمَ الْحَيْضِ وَتَعْمَلُ عَلَى إِقْبَالِهِ وَإِدْبَارِهِ فَإِذَا انْقَضَى قَدْرُهُ اغْتَسَلَتْ منه (وإن كان الْمُسْتَحَاضَةُ لَهَا أَيَّامٌ مَعْرُوفَةٌ قَبْلَ أَنْ تُسْتَحَاضَ فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي بَابِ مَا جَاءَ أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَكَذَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا تَخْرِيجَهُ وَلَفْظَهُ فِي بَابِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا حَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَفِيهِ امْكُثِي قَدْرَ مَا كَانَتْ تَحْبِسُكِ حَيْضَتُكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ (وَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَيَّامٌ مَعْرُوفَةٌ) بِأَنْ كَانَتْ مُبتْدَأَةً غَيْرَ مُعْتَادَةٍ (وَلَمْ تَعْرِفِ الْحَيْضَ بِإِقْبَالِ الدَّمِ وَإِدْبَارِهِ فَالْحُكْمُ لَهَا عَلَى حَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ) فَتَرْجِعُ إِلَى حَالِ مَنْ هِيَ مِثْلُهَا وَفِي مِثْلِ سِنِّهَا مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ بَيْتِهَا فَإِنْ كَانَتْ عَادَةُ مِثْلِهَا أَنْ تَقْعُدَ سِتًّا قَعَدَتْ سِتًّا وَإِنْ سَبْعًا فَسَبْعًا كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَوْ تَرْجِعُ إِلَى الْحَالَةِ الْغَالِبَةِ فِي النِّسَاءِ كَمَا قَالَ غَيْرُهُ فَحَمَلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ حَدِيثَ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَتِهَا لِعَادَتِهَا وَعَدَمِ التَّمْيِيزِ

بِصِفَاتِ الدَّمِ وَمُحَصَّلُ مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً تَرْجِعُ إِلَى عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُمَيِّزَةً أَوْ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُعْتَادَةٍ وَهِيَ مُمَيِّزَةٌ أَعْنِي تَعْرِفُ حَيْضَهَا بِإِقْبَالِ الدَّمِ وَإِدْبَارِهِ تَعْتَبِرُ دَمَ الْحَيْضِ وَتَعْمَلُ عَلَى إِقْبَالِهِ وَإِدْبَارِهِ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً غير مميزة لاعادة لها ولا تمييز ترجع إِلَى الْحَالَةِ الْغَالِبَةِ فِي النِّسَاءِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا لِحَدِيثِ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ وَهَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ هُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الطِّيبِيُّ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ يَعْنِي فِي اعْتِبَارِ التَّمْيِيزِ فَأَبُو حَنِيفَةَ مَنَعَ اعْتِبَارَ التَّمْيِيزِ مُطْلَقًا وَالْبَاقُونَ عَمِلُوا بِالتَّمْيِيزِ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا تَعَارَضَتِ الْعَادَةُ وَالتَّمْيِيزُ فَاعْتَبَرَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا التمييز ولم ينظروا إلى العادة وعكس بن خَيْرَانَ انْتَهَى كَلَامُ الطِّيبِيِّ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُسْتَحَاضَةُ إِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي أَوَّلِ مَا رَأَتْ فَدَامَتْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِذَا طَهُرَتْ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّهَا أَيَّامُ حَيْضٍ) بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ طَهَارَتُهَا بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنَّهَا إِذَا طَهُرَتْ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَكُونُ ذَلِكَ الدَّمُ حَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (فَإِذَا رَأَتِ الدَّمَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنَّهَا تَقْضِي صَلَاةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا) وَذَلِكَ لِأَنَّ أَقَلَّ مُدَّةِ الْحَيْضِ عِنْدَهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَلَمَّا رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ الدَّمَ فَمَا لَمْ يَزِدْ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَكُلُّهُ حَيْضٌ ومتى زاد على خمسة عشرة فَالزَّائِدُ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ أَلْبَتَةَ وَوَقَعَ بِهِ الشَّكُّ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ أَوَّلِ مَا رَأَتْ أَوْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَبَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْيَقِينِ وَطَرَحَ الشَّكَّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَذَا في بعض الحواشي وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ هَذَا فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الْمُبْتَدَأَةِ الَّتِي لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ ذَاتَ تَمْيِيزٍ بِأَنْ تَرَى فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دَمًا أَسْوَدَ وَفِي بَعْضِهَا دَمًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ فَالدَّمُ الْأَسْوَدُ حَيْضٌ بِشَرْطِ أَنْ لا

ينقص عن يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَزِيدَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَذَا حَرَّرَهُ الشَّافِعِيُّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (فَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَأَكْثَرِهِ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يأخذ بن المبارك) قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وصاحباه أقله ثلاثة أيام وأكثره عشر لِمَا رَوَى وَاثِلَةُ بْنُ الْأَسْقَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ وَقَالَ أَنَسٌ قُرْءُ الْمَرْأَةِ ثَلَاثٌ أَرْبَعٌ خَمْسٌ سِتٌّ سَبْعٌ ثَمَانٍ تِسْعٌ عَشَرَةٌ وَلَا يَقُولُ أَنَسٌ ذَلِكَ إِلَّا توقيفا ثم قال بن قُدَامَةَ مُجِيبًا عَنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ وَأَثَرِ أَنَسٍ مَا لَفْظُهُ وَحَدِيثُ وَاثِلَةَ يَرْوِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّامِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْ حَمَّادِ بْنِ الْمُنْهَالِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَحَدِيثُ أَنَسٍ يَرْوِيهِ الْجَلْدُ بن أيوب وهو ضعيف قال بن عُيَيْنَةَ هُوَ مُحْدَثٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ لَيْسَ هُوَ شَيْئًا هَذَا مِنْ قِبَلِ الْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ قِيلَ إِنَّ أَحْمَدَ بْنَ إِسْحَاقَ رَوَاهُ وَقَالَ مَا أَرَاهُ سَمِعَهُ إِلَّا مِنَ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ وَضَعَّفَهُ جِدًّا قَالَ وَقَالَ يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ذَاكَ أَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَحْتَجَّ إِلَّا بِالْجَلْدِ بْنِ أَيُّوبَ وَحَدِيثُ الْجَلْدِ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مَا يُعَارِضُهُ فَإِنَّهُ قَالَ مَا زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ اسْتِحَاضَةٌ وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ انْتَهَى مَا فِي الْمُغْنِي وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ ثَلَاثٌ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَإِذَا زَادَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْهُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ مَجْهُولٌ وَالْعَلَاءُ بْنُ كَثِيرٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَمَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي أُمَامَةَ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ ذَكَرَهَا الحافظ الزيلعي في نصب الراية والحافظ بن حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ مَعَ بَيَانِ ضَعْفِهَا (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عشرة وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ) وَاسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَالَ تَمْكُثُ إِحْدَاكُنَّ شَطْرَ دَهْرِهَا لَا تُصَلِّي قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ لَا أَصْلَ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بن منده فيما حكاه بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْإِمَامِ عَنْهُ ذِكْرُ بَعْضِهِمْ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَثْبُتُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ هَذَا الْحَدِيثُ يَذْكُرُهُ بَعْضُ فُقَهَائِنَا وَقَدْ طَلَبْتُهُ كَثِيرًا فَلَمْ أَجِدْهُ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ أَوْ وَلَمْ أجد له إسنادا وقال بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ هَذَا لَفْظٌ يَذْكُرُهُ أَصْحَابُنَا وَلَا أَعْرِفُهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي الْمُهَذَّبِ لَمْ أَجِدْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ قُلْتُ لَمْ أَجِدْ حَدِيثًا لَا صَحِيحًا وَلَا ضَعِيفًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ هُوَ بَاطِلٌ وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ لَكِنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ كَمَا عرفت تنبيه قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ قَالَ مُسْتَدِلًّا عَلَى هَذَا مَا لَفْظُهُ وَلَنَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي الشَّرْعِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا حَدَّ لَهُ فِي اللُّغَةِ وَلَا فِي الشَّرِيعَةِ فَيَجِبُ الرُّجُوعُ فِيهِ إِلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ كَمَا فِي الْقَبْضِ وَالْإِحْرَازِ وَالتَّفَرُّقِ وَأَشْبَاهِهَا وَقَدْ وُجِدَ حَيْضٌ مُعْتَادٌ يَوْمًا وَقَالَ عَطَاءٌ رَأَيْتُ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ تَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ سَمِعْتُ شَرِيكًا يَقُولُ عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَحِيضُ كُلَّ شَهْرٍ خَمْسَةَ عشر يوما حيضا مستقيما وقال بن الْمُنْذِرِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَحِيضُ غَدْوَةً وَتَطْهُرُ عَشِيًّا يَرَوْنَ أَنَّهُ حَيْضٌ تَدَعُ لَهُ الصَّلَاةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَأَيْتُ امْرَأَةً أُثْبِتَ لِي عَنْهَا أَنَّهَا لَمْ تَزَلْ تَحِيضُ يَوْمًا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ وَأُثْبِتَ لِي عَنْ نِسَاءٍ أَنَّهُنَّ لَمْ يَزَلْنَ يَحِضْنَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَذَكَرَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَحِيضُ امْرَأَتِي يَوْمَيْنِ وَقَالَ إِسْحَاقُ قَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِنَا مَعْرُوفَةٌ لَمْ أُفْطِرْ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا يَوْمَيْنِ وَقَوْلُهُنَّ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ) فَلَوْلَا أَنَّ قَوْلَهُنَّ مَقْبُولٌ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِنَّ الْكِتْمَانُ وَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى قَوْلِهِ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَلَمْ يُوجَدْ حَيْضٌ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ عَادَةً مُسْتَمِرَّةً فِي عَصْرٍ مِنَ الْأَعْصَارِ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا بِحَالٍ انْتَهَى مَا فِي الْمُغْنِي قلت كلام بن قُدَامَةَ هَذَا يَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى أَنَّهُ مَنْ قَالَ إِنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا اعْتِمَادُهُ عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَحِيضُ غَدْوَةً وَتَطْهُرُ عَشِيًّا فَتَفَكَّرْ

باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عند كل صلاة

95 - (باب ما جاء في المستحاضة أنها تغتسل عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ) [129] قَوْلُهُ (اسْتَفْتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ ابْنَةُ جَحْشٍ) بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى الْحَاءِ السَّاكِنَةِ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ وَهِيَ أُخْتُ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ أُمُّ حَبِيبَةَ كَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَبَنَاتُ جَحْشٍ ثَلَاثٌ زَيْنَبُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَحَمْنَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ قِيلَ إِنَّهُنَّ كُنَّ مُسْتَحَاضَاتٍ كُلَّهُنَّ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً فَإِنْ صَحَّ أَنَّ الثَّلَاثَ مُسْتَحَاضَاتٌ فَهِيَ زَيْنَبُ وَقَدْ عَدَّ الْعُلَمَاءُ الْمُسْتَحَاضَاتِ فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغْنَ عَشْرَ نِسْوَةٍ انْتَهَى (فَقَالَتْ إِنِّي أُسْتَحَاضُ) بِهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ وَفَتْحِ تَاءٍ وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تَرِدُ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ يُقَالُ اسْتُحِيضَتِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ إِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ بَعْدَ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَنِفَاسِهَا (فَلَا أَطْهُرُ) أَيْ مُدَّةً مَدِيدَةً (أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَفَأَتْرُكُهَا مَا دَامَتِ الِاسْتِحَاضَةُ مَعِي وَلَوْ طَالَتِ الْمُدَّةُ (فَقَالَ لَا) أَيْ لَا تَدَعِيهَا (إِنَّمَا ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ خِطَابٌ لَهَا وَتُفْتَحُ عَلَى خِطَابِ الْعَامِّ أَيِ الَّذِي تَشْتَكِينَهُ (عِرْقٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وسكون الراء أَيْ دَمُ عِرْقٍ انْشَقَّ وَانْفَجَرَ مِنْهُ الدَّمُ أَوْ إِنَّمَا سَبَبُهَا عِرْقٌ فَمُهُ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ (فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي) أَيْ إِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَا إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِحَيْضٍ فَإِذَا أَقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أدبرت فاغتسلي عند الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي (فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ) أَيْ أُمُّ حَبِيبَةَ (لِكُلِّ صَلَاةٍ) أَيْ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ (قال الليث لم يذكر بن شِهَابٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أُمَّ حَبِيبَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ فَعَلَتْهُ هِيَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّمَا أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ

تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ وَلَا أَشُكُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ غُسْلَهَا كَانَ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَذَلِكَ وَاسِعٌ لَهَا وَكَذَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَوْلُهُ (وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ اسْتَفْتَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ جَحْشٍ) فَالزُّهْرِيُّ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَعَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَعَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ كِلَيْهِمَا عَنْ عَائِشَةَ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ وَرَوَى الْأَوْزَاعِيُّ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَخْ قَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمُسْتَحَاضَةُ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ الْغُسْلُ لِشَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ وَلَا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فِي وَقْتِ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَهُوَ مروي عن علي وبن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَرُوِيَ عَنِ بن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَرُوِيَ هذا أيضا عن علي وبن عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ تَغْتَسِلُ كل يوم غسلا واحدا وعن بن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ قَالَا تَغْتَسِلُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ دَائِمًا وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ فَلَا يَجِبُ إِلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِإِيجَابِهِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْغُسْلِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْغُسْلِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِالْغُسْلِ فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ ثَابِتٌ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَمَنْ قَبْلَهُ ضَعْفَهَا وَإِنَّمَا صَحَّ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ اسْتُحِيضَتْ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَنَقَلَ بَعْدَ هَذَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ وَكَذَا قَالَهُ شَيْخُهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُمَا

باب ما جاء في الحائض أنها لا تقضي الصلاة

قُلْتُ وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْغُسْلِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَائِضِ أَنَّهَا لَا تَقْضِي الصَّلَاةَ) [130] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) بِكَسْرِ الْقَافِ تخفيف اللَّامِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو أَوْ عَامِرٍ الْجَرْمِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ قَالَ الْعِجْلِيُّ فِيهِ نَصِبٌ يَسِيرٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ بِالشَّامِ هَارِبًا مِنَ الْقَضَاءِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ وَقِيلَ بَعْدَهَا كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ مُعَاذَةَ) هِيَ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيَّةُ وَهِيَ مَعْدُودَةٌ فِي فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ) الْحَرُورِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى حَرُورَا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبَعْدَ الْوَاوِ السَّاكِنَةِ رَاءٌ أَيْضًا بَلْدَةٌ عَلَى مِيلَيْنِ مِنَ الْكُوفَةِ وَيُقَالُ لِمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ الْخَوَارِجِ حَرُورِيٌّ لِأَنَّ أَوَّلَ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ بِالْبَلْدَةِ الْمَذْكُورَةِ فَاشْتُهِرُوا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا وَهُمْ فِرَقٌ كَثِيرَةٌ لَكِنْ مِنْ أُصُولِهِمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَهُمِ الْأَخْذُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَرَدُّ مَا زَادَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَدِيثِ مُطْلَقًا وَلِهَذَا اسْتَفْهَمَتْ عَائِشَةُ مُعَاذَةَ اسْتِفْهَامَ إِنْكَارٍ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ فَقُلْتُ لَا لَكِنِّي أَسْأَلُ أَيْ سُؤَالًا مُجَرَّدًا لِطَلَبِ الْعِلْمِ لَا لِلتَّعَنُّتِ وَفَهِمَتْ عَائِشَةُ عَنْهَا طَلَبَ الدَّلِيلِ فَاقْتَصَرَتْ فِي الْجَوَابِ عَلَيْهِ دُونَ التَّعْلِيلِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ فَلَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا لِلْحَرَجِ بِخِلَافِ الصِّيَامِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى قَوْلِ عَائِشَةَ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْخَوَارِجِ يُوجِبُونَ عَلَى الْحَائِضِ قَضَاءَ الصَّلَاةِ الْفَائِتَةِ فِي زَمَنِ الْحَائِضِ وَهُوَ خِلَافُ إجماع المسلمين وهذاالاستفهام الَّذِي اسْتَفْهَمَتْهُ عَائِشَةُ هُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ أَيْ هذه طريقة الحرورية وبئست الطَّرِيقَةُ (فَلَا تُؤْمَرُ بِقَضَاءٍ) أَيْ لَا يَأْمُرُهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقَضَاءِ مَعَ عِلْمِهِ بِالْحَيْضِ وَتَرْكِهَا الصَّلَاةَ فِي زَمَنِهِ وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ وَاجِبًا لَأَمَرَهَا بِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَتُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا تُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصلاة

باب ما جاء في الجنب والحائض أنهما لا يقرآن القرآن

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا (وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تقضي الصلاة) نقل بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ عَنْهُ فَقَالَ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَحَكَى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ الْخَوَارِجِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوجِبُونَهُ وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِهِ فَأَنْكَرَتْ عَلَيْهِ أُمُّ سَلَمَةَ لَكِنِ اسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ كَمَا قَالَهُ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ أَنَّهُمَا لَا يقرآن القرآن) [131] قوله (والحسن بن عرفة) بن يَزِيدَ الْعَبْدِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقَدْ جَاوَزَ الْمِائَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ وَثَّقَهُ بن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَكَانَ لَهُ عَشَرَةُ أَوْلَادٍ بأسماء العشرة (نا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشِ) بْنِ سُلَيْمٍ الْعَنْسِيُّ أَبُو عُتْبَةَ الْحِمْصِيُّ صَدُوقٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ مُخَلِّطٌ فِي غَيْرِهِمْ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ عَالِمُ الشَّامِ وَأَحَدُ مَشَايِخِ الإسلام وثقة أحمد وبن معين ودحيم والبخاري وبن عَدِيٍّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَضَعَّفُوهُ فِي الْحِجَازِيِّينَ مَاتَ سَنَةَ 181 إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ قَوْلُهُ (لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ) أَيْ لَا الْقَلِيلَ وَلَا الْكَثِيرَ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَلَا لِلْحَائِضِ قِرَاءَةُ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ في تحريم

قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ وَفِي كُلِّهَا مَقَالٌ لَكِنْ تَحْصُلُ الْقُوَّةُ بِانْضِمَامِ بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ وَمَجْمُوعُهَا يَصْلُحُ لِأَنْ يُتَمَسَّكَ بِهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ مَا لَمْ نَكُنْ جُنُبًا رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وحسنه وصححه بن حِبَّانَ كَذَا فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ رَوَى أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لا يحجبه أولا يَحْجِزُهُ عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ قَالَ الترمذي حديث حسن صحيح ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ قَالَ وَلَمْ يَحْتَجَّا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ وَمَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ انْتَهَى قَالَ الشَّافِعِيُّ أَهْلُ الْحَدِيثِ لَا يُثْبِتُونَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَكَانَ قَدْ كَبِرَ وَأُنْكِرَ حَدِيثُهُ وَعَقْلُهُ وَإِنَّمَا رَوَى هَذَا بَعْدَ كِبَرِهِ قَالَهُ شُعْبَةُ انْتَهَى كَلَامُهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْحَسَنِ يَصْلُحُ لِلْحُجَّةِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بنحو حديث بن عمر وهو ضعيف قوله (حديث بن عُمَرَ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ إِلَخْ) وأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ قَدْ وَثَّقَهُ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَضَعَّفُوهُ فِي الْحِجَازِيِّينَ وَهُوَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ هَذَا حَدِيثٌ يَنْفَرِدُ بِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَرِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ ضَعِيفَةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْحُفَّاظِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ غَيْرِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ سَمِعْتُ أَبِي وَذَكَرَ حَدِيثَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ هَذَا فَقَالَ أَخْطَأَ إنما هو من قول بن عُمَرَ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَوْلُهُ (قَالُوا لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ مِنَ الْقُرْآنِ شيئا إلى طَرَفَ الْآيَةِ) أَيْ بَعْضَهَا فَلَا

بَأْسَ لَهُمَا قِرَاءَةُ بَعْضِ الْآيَةِ أَوْ حَرْفٍ أَوْ حَرْفَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْآيَةِ بِتَمَامِهَا فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا أَلْبَتَةَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ الْجُنُبَ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ لَا تَقْرَأُ لِأَنَّ حَدَثَهَا أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِ الْجَنَابَةِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْجُنُبِ إِنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْآيَةَ وَنَحْوَهَا وَقَدْ حُكِيَ أَنَّهُ قَالَ تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ لِأَنَّ الْحَائِضَ إِنْ لَمْ تَقْرَأْ نَسِيَتِ الْقُرْآنَ لِأَنَّ أَيَّامَ الْحَيْضِ تَتَطَاوَلُ ومدة الجنابة لا تطول وروى عن بن الْمُسَيِّبِ وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يَرَيَانِ بَأْسًا بِقِرَاءَةِ الْجُنُبِ الْقُرْآنَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَحْرِيمِهِ انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُ الْأَكْثَرِ هُوَ الرَّاجِحُ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ الْبُخَارِيَّ عَقَدَ بَابًا فِي صَحِيحِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَائِلٌ بِجَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ فَإِنَّهُ قَالَ بَابٌ تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لَا بَأْسَ أَنْ تَقْرَأَ الْآيَةَ وَلَمْ يَرَ بن عَبَّاسٍ بِالْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ بَأْسًا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ وَذَكَرَ آثَارًا أُخْرَى ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ فَلَمَّا جِئْنَا سَرَفَ حِضْتُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح قال بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ إِنَّ مُرَادَ الْبُخَارِيِّ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ جَمِيعِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ إِلَّا الطَّوَافَ وَإِنَّمَا اسْتَثْنَاهُ لِكَوْنِهِ صَلَاةً مَخْصُوصَةً وَأَعْمَالُ الْحَجِّ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرٍ وَتَلْبِيَةٍ وَدُعَاءٍ وَلَمْ تُمْنَعِ الْحَائِضُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَذَلِكَ الْجُنُبُ لِأَنَّ حَدَثَهَا أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِهِ وَمَنْعُ الْقِرَاءَةِ إِنْ كَانَ لِكَوْنِهِ ذِكْرَ اللَّهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ تَعَبُّدًا فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ شَيْءٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مَجْمُوعُ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ عِنْدَ غَيْرِهِ لَكِنَّ أَكْثَرَهَا قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ وَلِهَذَا تَمَسَّكَ الْبُخَارِيُّ وَمَنْ قَالَ بالجواز غيره كالطبري وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ بِعُمُومِ حَدِيثِ كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ لِأَنَّ الذِّكْرَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْقُرْآنِ وَبِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ الذِّكْرِ وَالتِّلَاوَةِ بِالْعُرْفِ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَصَلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ وَفِي جَمِيعِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ نِزَاعٌ يَطُولُ ذِكْرُهُ لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ تَصَرُّفِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْجُبُهُ عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ رَوَاهُ أَصْحَابُ السنن وصححه الترمذي وبن حِبَّانَ وَضَعَّفَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ رُوَاتِهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْحَسَنِ يَصْلُحُ لِلْحُجَّةِ لَكِنْ قِيلَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُجَرَّدٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ مَا عَدَاهُ وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْمَلِ جَمْعًا بين الأدلة وأما حديث بن عمر

مَرْفُوعًا لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَضَعِيفٌ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حديث بن عُمَرَ مَا لَفْظُهُ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَمَوْقُوفًا وَفِيهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي أَنِيسَةَ وَهُوَ كَذَّابٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا الْأَثَرُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَهُوَ جُنُبٌ وَسَاقَهُ عَنْهُ فِي الْخِلَافِيَّاتِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ انْتَهَى وقال العيني في عمدة القارىء وربما يعضدان أي حديث بن عُمَرَ وَحَدِيثُ جَابِرٍ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ فَلِذَلِكَ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ أَيْضًا انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ وَسَمِعْتُ) أَيْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَسَمِعْتُ (قَالَ وَإِنَّمَا حَدِيثُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ) أَيْ قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ الَّذِي هُوَ صَحِيحٌ وَصَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ إِنَّمَا هُوَ مَا يَرْوِيهِ عَنْ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ العنسي الحمصي عالم الشام وثقه أحمد وبن معين ودحيم والبخاري وبن عَدِيٍّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَضَعَّفُوهُ فِي الْحِجَازِيِّينَ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ مُخَلِّطٌ فِي غَيْرِهِمْ (وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ أَصْلَحُ مِنْ بَقِيَّةَ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ سُئِلَ أَبِي عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَبَقِيَّةَ فَقَالَ بَقِيَّةُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ بَقِيَّةَ قَالَ أَحْمَدُ هُوَ أَحَبُّ إلى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ انْتَهَى فَهَذَا مُنَاقِضٌ لِمَا قال الترمذي

باب ما جاء في مباشرة الحائض

98 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ) [132] قَوْلُهُ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ مَنْصُورٍ) هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ النَّخَعِيُّ (عَنِ الْأَسْوَدِ) هو بن يَزِيدَ بْنِ قَيْسٍ (يَأْمُرُنِي أَنْ أَتَّزِرَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَذَا فِي رِوَايَتِنَا وَغَيْرِهَا بتشديد التاء المثناة بعد الهمزة وأصله أءتزر بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ ثُمَّ الْمُثَنَّاةِ بِوَزْنِ أَفْتَعِلُ وَأَنْكَرَ أَكْثَرُ النُّحَاةِ الْإِدْغَامَ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْمُفَصَّلِ إِنَّهُ خَطَأٌ لَكِنْ حَكَاهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ حَكَاهُ الصَّغَانِيُّ فِي مجمع البحرين وقال بن الْمَلَكِ إِنَّهُ مَقْصُورٌ عَلَى السَّمَاعِ انْتَهَى وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ وَهِيَ مِنْ فُصَحَاءِ العرب حجة فالمخطىء مخطىء انْتَهَى وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَشُدُّ إِزَارَهَا عَلَى وَسَطِهَا (ثُمَّ يُبَاشِرُنِي) مِنَ الْمُبَاشَرَةِ وَهِيَ الْمُلَامَسَةُ مِنْ لَمْسِ بَشَرَةِ الرَّجُلِ بَشَرَةَ الْمَرْأَةِ وَقَدْ ترد المباشرة بمعنى الجماع والمراد ها هنا هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ بِالْإِجْمَاعِ وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا يَحْرُمُ مُلَامَسَةُ الْحَائِضِ مِنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي وَجْهٍ لِأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْمُجَامَعَةُ فَحَسْبُ وَدَلِيلُهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ) كَذَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ وَلَعَلَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبَيَانِ الرُّخْصَةِ وَفِعْلُهُ عَزِيمَةٌ تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ فَإِنَّ مَنْ يَرْتَعُ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَحِلُّ لِي مِنَ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِلَى أَنَّ الَّذِي يَمْتَنِعُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْحَائِضِ الْفَرْجُ فَقَطْ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَرَجَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَصْبَغَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَحَدُ الْقَوْلَيْنِ أَوِ الْوَجْهَيْنِ للشافعية واختاره بن الْمُنْذِرِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الْأَرْجَحُ دَلِيلًا لِحَدِيثِ أَنَسٍ وَفِي مُسْلِمٍ اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعَ وَحَمَلُوا حَدِيثَ الْبَابِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بين الأدلة انتهى قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مَا يَقْتَضِي مَنْعَ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مجرد

باب في مؤاكلة الجنب الحائض وسؤرها

انْتَهَى وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ أَيْضًا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئًا أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ في عمدة القارىء النَّوْعُ الثَّالِثُ الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ السُّرَّةِ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فِي غَيْرِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَرَامٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ لِلشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَشُرَيْحٌ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَقَتَادَةُ وَعِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ يَتَجَنَّبُ شِعَارَ الدَّمِ فَقَطْ وَمِمَّنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعَبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْبَغُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وأبو ثور وبن المنذر وداود وهذا أقوى دليل لِحَدِيثِ أَنَسٍ اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ وَاقْتِصَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُبَاشَرَتِهِ عَلَى مَا فَوْقَ الْإِزَارِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عَلِيٍّ وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةَ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ هُوَ جَوَازُ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْحَائِضِ بِكُلِّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم 9 - (باب في مؤاكلة الجنب الحائض وَسُؤْرِهَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَسُؤْرِهِمَا [133] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْعَنْبَرِيُّ) هُوَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْعَنْبَرِيُّ الْبَصْرِيُّ أَبُو

الْفَضْلِ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنْ كِبَارِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَالْبَاقُونَ مَاتَ سَنَةَ 642 سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى) الصَّنْعَانِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ مَاتَ سَنَةَ 452 أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ (عَنْ حَرَامِ بْنِ مُعَاوِيَةَ) قَالَ الْخَزْرَجِيُّ حَرَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَوِ الْعَنْسِيُّ وَيُقَالُ هُوَ حَرَامُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْهُ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَارِثِ وَثَّقَهُ دُحَيْمٌ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَرْجَمَةِ حَرَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ خَالِدٍ مَا لَفْظُهُ وَهُوَ حَرَامُ بْنُ مُعَاوِيَةَ كَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ يَقُولُهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَوَهِمَ مَنْ جَعَلَهُمَا اثْنَيْنِ وَهُوَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى (عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ) صَحَابِيٌّ شَهِدَ فَتْحَ الْقَادِسِيَّةِ قَوْلُهُ (فَقَالَ وَاكِلْهَا) صِيغَةُ أَمْرٍ مِنَ الْمُوَاكَلَةِ أَيْ كُلْ مَعَهَا وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ مُؤَاكَلَةِ الْحَائِضِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهَا قَالَتْ كُنْتُ أَتَعَرَّقُ الْعَظْمَ وَأَنَا حَائِضٌ فَأُعْطِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ فَمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي فِيهِ وَضَعْتُهُ وَأَشْرَبُ الشَّرَابَ فَأُنَاوِلُهُ فَيَضَعُ فَمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ أَشْرَبُ مِنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ قَالَ إِنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتْ مِنْهُمِ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْبَيْتِ وَلَمْ يُوَاكِلُوهَا وَلَمْ يُشَارِبُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبَيْتِ الْحَدِيثَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ وَاصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ النِّكَاحِ إِلَخْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَإِنَّمَا غَرَّبَهُ التِّرْمِذِيُّ لِأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ الْحَارِثُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَزَامٍ وَحَكِيمُ بْنُ حَزامٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ قُلْتُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَرَامِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ لَا مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَزَامٍ

باب ما جاء في الحائض تتناول الشيء من المسجد

قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يروا بمؤاكلة الحائض بأسا) قال بن سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا مِمَّا أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَهَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى (فَاعْتَزِلُوا النساء في المحيض) فَالْمُرَادُ اعْتَزِلُوا وَطْأَهُنَّ (وَاخْتَلَفُوا فِي فَضْلِ وَضُوئِهَا فَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ بَعْضُهُمْ وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ طَهُورَهَا) الرَّاجِحُ هُوَ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رِيقَ الْحَائِضِ طَاهِرٌ وَعَلَى طَهَارَةِ سُؤْرِهَا مِنْ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا خِلَافَ فِيهِمَا فِيمَا أَعْلَمُ 00 - (بَاب ما جاء في الحائض تتناول الشيء من الْمَسْجِدِ) أَيْ تَأْخُذُهُ مِنْهُ [134] قَوْلُهُ (نَا عَبِيدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَحُمَيْدٌ بِالتَّصْغِيرِ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالْحَذَّاءِ التَّيْمِيُّ أَوِ اللَّيْثِيُّ أَوِ الضَّبِّيُّ صَدُوقٌ نَحْوِيٌّ رُبَّمَا أَخْطَأَ قَالَ الْحَافِظُ وَقَالَ الخزرجي قال بن سَعْدٍ ثِقَةٌ صَاحِبُ نَحْوٍ وَعَرَبِيَّةٍ مَاتَ سَنَةَ 091 تِسْعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ الْأَنْصَارِيِّ الْكُوفِيِّ مَوْلَى يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ ثِقَةٌ وثقه أحمد وبن مَعِينٍ قَوْلُهُ (نَاوِلِينِي) أَيْ أَعْطِينِي (الْخُمْرَةَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ السَّجَّادَةُ الَّتِي يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي وَيُقَالُ سُمِّيَتْ بِهَذَا لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ وَجْهَ الْمُصَلِّي عَنِ الْأَرْضِ أَيْ تَسْتُرُهُ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إِلَّا قَدْرَ مَا يَضَعُ الرَّجُلُ حُرَّ وَجْهِهِ فِي سُجُودِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي داود عن بن عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَتْ فَأْرَةٌ فَأَخَذَتْ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَجَاءَتْ بِهَا فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ فذا تَصْرِيحٌ بِإِطْلَاقِ الْخُمْرَةِ

عَلَى مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْوَجْهِ انْتَهَى (إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ) يَعْنِي أَنَّ يَدَكِ لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ لِأَنَّهَا لَا حَيْضَ فِيهَا قَالَ النَّوَوِيُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُحَدِّثُونَ يَقُولُونَهَا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهُوَ خَطَأٌ وَصَوَابُهَا بِالْكَسْرِ أَيِ الْحَالَةُ وَالْهَيْئَةُ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا على الخطابي وقال الصواب ها هنا مَا قَالَهُ الْمُحَدِّثُونَ مِنَ الْفَتْحِ لِأَنَّ الْمُرَادَ الدَّمُ وَهُوَ الْحَيْضُ بِالْفَتْحِ بِلَا شَكٍّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ بِيَدِكِ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي يُصَانُ الْمَسْجِدُ عَنْهَا وَهِيَ دَمُ الْحَيْضِ لَيْسَتْ بِيَدِكِ وَهَذَا بِخِلَافِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَإِنَّ الصَّوَابَ فِيهِ الْكَسْرُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي اختاره من الفتح هو الظاهر ها هنا وَلِمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَجْهٌ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلْحَائِضِ أَنْ تَتَنَاوَلَ شَيْئًا مِنَ الْمَسْجِدِ وَأَنَّ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارًا أَوْ مَسْجِدًا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ بِإِدْخَالِ بَعْضِ جَسَدِهِ فِيهِ انتهى قوله (وفي الباب عن بن عمر وأبي هريرة) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَالَتْ إِنِّي قَدْ أَحْدَثْتُ فَقَالَ أو حيضتك فِي يَدِكِ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ بَيْنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الْمَسْجِدِ إِذْ قَالَ يَا عَائِشَةُ نَاوِلِينِي الثَّوْبَ فقالت إني لا أصلي فقال إِنَّهُ لَيْسَ فِي يَدِكِ فَنَاوَلَتْهُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي بَكْرَةَ ذَكَرَ حَدِيثَهُمَا الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافًا فِي ذَلِكَ بِأَنْ لَا بَأْسَ أَنْ تَتَنَاوَلَ الحائض شيئا من المسجد) أي بمديدها مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ فِيهِ

باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض

101 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إِتْيَانِ الْحَائِضِ) [135] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ) لَقَبُ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ (نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (وَبَهْزُ بْنُ أَسَدٍ) الْعَمِّيُّ أَبُو الْأَسْوَدِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مَاتَ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ وَقِيلَ قَبْلَهَا قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ حَكِيمٍ الْأَثْرَمِ) الْبَصْرِيِّ قَالَ الْحَافِظُ لَيِّنٌ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ) بِفَتْحِ التَّاءِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ اسْمُهُ طَرِيفُ بْنُ مُجَالِدٍ (الْهُجَيْمِيُّ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مُصَغَّرًا الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ 79 سَبْعٍ وَتِسْعِينَ أَوْ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا قَوْلُهُ (مَنْ أَتَى حَائِضًا) أَيْ جَامَعَهَا (أَوِ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا) مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ غَيْرَهَا (أَوْ كَاهِنًا) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي الْكَاهِنِ الَّذِي يَتَعَاطَى الْخَبَرَ عَنِ الْكَائِنَاتِ فِي مُسْتَقْبَلِ الزَّمَانِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ وَقَدْ كَانَ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ كَشِقٍّ وَسَطِيحٍ وَغَيْرِهِمَا فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ تَابِعًا مِنَ الْجِنِّ وَرِئِيًّا يُلْقِي إِلَيْهِ الْأَخْبَارَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْأُمُورَ بِمُقَدِّمَاتِ أَسْبَابٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى مَوَاقِعِهَا مِنْ كَلَامِ مَنْ يَسْأَلُهُ أَوْ فِعْلِهِ أَوْ حَالِهِ وَهَذَا يَخُصُّونَهُ بِاسْمِ الْعَرَّافِ كَاَلَّذِي يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانِ الضَّالَّةِ وَنَحْوِهِمَا وَالْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ مَنْ أَتَى كَاهِنًا قَدْ يَشْتَمِلُ عَلَى إِتْيَانِ الْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ وَالْمُنَجِّمِ انْتَهَى كَلَامُ الْجَزَرِيِّ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَتَى لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ هُنَا بين المجامعة وإتيان الكاهن قال القارىء الأول أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ أَوْ صَدَّقَ كَاهِنًا فَيَصِيرَ مِنْ قَبِيلِ عَلَفْتُهَا مَاءً وتِبْنًا بَارِدًا أَوْ يُقَالُ مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوِ امْرَأَةً بِالْجِمَاعِ أَوْ كَاهِنًا بِالتَّصْدِيقِ انْتَهَى (فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ كَمَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقِيلَ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْإِتْيَانَ بِاسْتِحْلَالٍ وَتَصْدِيقٍ فَالْكُفْرُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنْ كَانَ بِدُونِهِمَا فَهُوَ عَلَى كفران النعمة

باب ما جاء في الكفارة

قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّغْلِيظِ) يَعْنِي عَلَى التَّشْدِيدِ وَالتَّهْدِيدِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ التِّرْمِذِيُّ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ مَنْ أَتَى حَائِضًا فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ إِلَخْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ هُنَا هَكَذَا مُعَلَّقًا وقد رواه بالإسناد من حديث بن عَبَّاسٍ فِي الْبَابِ الْآتِي قَوْلُهُ (وَضَعَّفَ مُحَمَّدٌ هَذَا الْحَدِيثَ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ حَكِيمٍ الْأَثْرَمِ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَمْ يُتَابَعْ عَلَى حَدِيثِهِ يَعْنِي حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ عَنْهُ عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ أَتَى كَاهِنًا إِلَخْ 02 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْكَفَّارَةِ) فِي ذَلِكَ [136] قَوْلُهُ (عَنْ خُصَيْفٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا بن عبد الرحمن الجزري صَدُوقٌ سَيِّءُ الْحِفْظِ خَلَّطَ بِأَخَرَةٍ وَرُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَوَثَّقَهُ بن معين وأبو زرعة وقال بن عَدِيٍّ إِذَا حَدَّثَ عَنْهُ ثِقَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى امْرَأَتِهِ) أَيْ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ (وَهِيَ حَائِضٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (قَالَ يَتَصَدَّقُ

بِنِصْفِ دِينَارٍ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ كَمَا سَتَقِفُ وَالْحَدِيثُ فِي سَنَدِهِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يخطىء كَثِيرًا تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ وَفِيهِ خُصَيْفٌ وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ [137] قَوْلُهُ (نَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى) السِّينَانِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَرُبَّمَا أَغْرَبَ (عَنْ أَبِي حمزة السكري) سمي بذلك لحلاوة كلامه كذا في الخلاصة وقال القاموس بالضم السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ مُعَرَّبُ شَكَرَ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ السُّكَّرِيُّ بِضَمِّ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ وَكَذَا ضُبِطَ فِي نُسْخَةٍ قَلَمِيَّةٍ بِالْقَلَمِ وَضُبِطَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْكَافِ الْخَفِيفَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ) بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ يُكَنَّى بِأَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَهُوَ الْخَضْرِيُّ نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةٍ مِنَ الْيَمَامَةِ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (إِذَا كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَدِينَارٌ وَإِنْ كَانَ دَمًا أَصْفَرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ وَقَعَ الِاضْطِرَابُ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَمُرْسَلًا وَمُعْضَلًا وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قِيلَ لِشُعْبَةَ إِنَّكَ كُنْتَ تَرْفَعُهُ قَالَ إِنِّي كُنْتُ مَجْنُونًا فَصَحَحْتُ وَأَمَّا الِاضْطِرَابُ فِي مَتْنِهِ فَرُوِيَ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ عَلَى الشَّكِّ وَرُوِيَ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ وَرُوِيَ إِذَا كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَدِينَارٌ وَإِنْ كَانَ دَمًا أَصْفَرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ وَرُوِيَ إِنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ وَإِنْ كَانَ صُفْرَةً فَنِصْفُ دِينَارٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَالِاضْطِرَابُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَتْنِهِ كَثِيرٌ انْتَهَى قُلْتُ لا شك في أن إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَتْنِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا لَكِنَّ مُجَرَّدَ الِاخْتِلَافِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لَا يُورِثُ الِاضْطِرَابَ الْقَادِحَ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ بَلْ يُشْتَرَطُ لَهُ اسْتِوَاءُ وُجُوهِ الِاخْتِلَافِ فَمَتَى رُجِّحَتْ رِوَايَةٌ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ قدمت ولا تعل الرواية الراجحة بالمرجوحة وههنا رواية عبد الحميد عن مقسم عن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ صَحِيحَةٌ رَاجِحَةٌ فَكُلُّ رُوَاتِهَا مُخَرَّجٌ لَهُمْ فِي الصحيح إلا مقسما الراوي عن بن عَبَّاسٍ فَانْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ لَكِنْ مَا أَخْرَجَ لَهُ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا وَقَدْ صَحَّحَ هَذِهِ الرواية الحاكم وبن دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَالَ مَا أَحْسَنَ حَدِيثَ عَبْدِ الحميد عن مقسم عن بن عَبَّاسٍ فَقِيلَ تَذْهَبُ إِلَيْهِ فَقَالَ

نَعَمْ وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْحَمِيدِ هَذِهِ لَمْ يُخْرِجْهَا الترمذي وأخرجها أبو داود قال حدثنا مسددنا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مِقْسَمٍ عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَكَذَا الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ قَالَ دِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ شُعْبَةُ فَرِوَايَةُ عَبْدِ الْحَمِيدِ هَذِهِ صَحِيحَةٌ رَاجِحَةٌ وَأَمَّا بَاقِي الرِّوَايَاتِ فَضَعِيفَةٌ مَرْجُوحَةٌ لَا تُوَازِي رِوَايَةَ عَبْدِ الْحَمِيدِ فَلَا تُعَلُّ رِوَايَةُ عَبْدِ الْحَمِيدِ هَذِهِ بِالرِّوَايَاتِ الضَّعِيفَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَدْ أمعن بن الْقَطَّانِ الْقَوْلَ فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْجَوَابُ عَنْ طُرُقِ الطَّعْنِ فِيهِ بِمَا يُرَاجَعُ مِنْهُ وأقر بن دقيق العيد تصحيح بن الْقَطَّانِ وَقَوَّاهُ فِي الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّوَابُ فَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ احْتَجُّوا بِهِ وَفِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَحَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ وَنَحْوِهِمَا وَفِي ذَلِكَ مَا يَرُدُّ عَلَى النَّوَوِيِّ فِي دَعْوَاهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْقِيحِ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأَئِمَّةَ كُلَّهُمْ خَالَفُوا الْحَاكِمَ فِي تَصْحِيحِهِ وَأَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بإتفاقهم وتبع في بعض ذلك بن الصَّلَاحِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَبِالْجُمْلَةِ رِوَايَةُ عَبْدِ الْحَمِيدِ صَحِيحَةٌ لَكِنْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي رَفْعِهَا فَرَفَعَهَا شُعْبَةُ مَرَّةً وَوَقَفَهَا مَرَّةً قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مرفوعة صححه الحاكم وبن القطان ورجح غير هما وَقْفَهُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَيُجَابُ عَنْ دَعْوَى الِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ بِأَنَّ يَحْيَى بن سعيد ومحمد بن جعفر وبن أَبِي عَدِيٍّ رَفَعُوهُ عَنْ شُعْبَةَ وَكَذَلِكَ وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ قَالَ بن سَيِّدِ النَّاسِ مَنْ رَفَعَهُ عَنْ شُعْبَةَ أَجَلُّ وَأَكْثَرُ وَأَحْفَظُ مِمَّنْ وَقَفَهُ وَأَمَّا قَوْلُ شُعْبَةَ أَسْنَدَهُ لِي الْحَكَمُ مَرَّةً وَوَقَفَهُ مَرَّةً فَقَدْ أَخْبَرَ عَنِ الْمَرْفُوعِ وَالْمَوْقُوفِ أَنَّ كُلًّا عِنْدَهُ ثُمَّ لَوْ تَسَاوَى رَافِعُوهُ مَعَ وَاقِفِيهِ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَا يَقْدَحُ فِيهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الرَّفْعِ لَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَدِيثِ ضَعْفًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْأُصُولِ لِأَنَّ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ لَيْسَتْ مُكَذِّبَةً لِلْأُخْرَى وَالْأَخْذُ بِالْمَرْفُوعِ أَخْذٌ بِالزِّيَادَةِ وَهِيَ وَاجِبَةُ الْقَبُولِ انْتَهَى قُلْتُ يُؤَيِّدُ تَرْجِيحَ وَقْفِهَا قَوْلُ عبد الرحمن بن مهدي قيل لشعبة إنك كُنْتَ تَرْفَعُهُ قَالَ إِنِّي كُنْتُ مَجْنُونًا فَصَحَحْتُ وَبَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ شُعْبَةَ رَجَعَ عَنْ رَفْعِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وقال بن الْمُبَارَكِ يَسْتَغْفِرُ رَبَّهُ

ولا كفارة عليه) قال الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ حُجَّةُ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْكَفَّارَةَ بِاضْطِرَابِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّ الذِّمَّةَ عَلَى الْبَرَاءَةِ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ فِيهَا شَيْءٌ لِمِسْكِينٍ وَلَا غَيْرِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ لَا مَدْفَعَ فِيهِ وَلَا مَطْعَنَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ مَعْدُومٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ ذَهَبَ إِلَى إِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ قَتَادَةُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ قَدِيمًا ثُمَّ قَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ قُلْتُ وَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كَفَّارَةٌ لِأَنَّهُ وطء محظور كالواطىء فِي رَمَضَانَ وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مرسل أو موقوف على بن عَبَّاسٍ وَلَا يَصِحُّ مُتَّصِلًا مَرْفُوعًا وَالذِّمَمُ بَرِيئَةٌ إلا أن تقوم الحجة بشغلها وكان بن عَبَّاسٍ يَقُولُ إِذَا أَصَابَهَا فِي فَوْرِ الدَّمِ تَصَدَّقَ بِدِينَارٍ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَنِصْفُ دِينَارٍ وَقَالَ قَتَادَةُ دِينَارٌ لِلْحَائِضِ وَنِصْفُ دِينَارٍ إِذَا أَصَابَهَا قَبْلَ أَنْ تَغْتَسِلَ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الدِّينَارِ وَنِصْفِ الدِّينَارِ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ بِلَفْظِهِ قُلْتُ وذهب إلى إيجاب الكفارة على من وطىء امرأته وهي حائض بن عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ أَيْضًا وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَفَّارَةِ فَقَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدٌ عِتْقُ رَقَبَةٍ وَقَالَ الْبَاقُونَ دِينَارٌ أَوْ نِصْفُ دِينَارٍ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الْحَالِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ الدِّينَارُ أَوْ نِصْفُ الدِّينَارِ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَقَدْ روى مثل قول بن الْمُبَارَكِ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ) هُوَ النَّخَعِيُّ وَلَعَلَّ لِسَعِيدِ بْنِ جبير في هذه المسألة قولان ومنهم عطاء وبن أَبِي مُلَيْكةَ وَالشَّعْبِيُّ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَجَمَاهِيرُ مِنَ السَّلَفِ قَالُوا إِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بَلِ الْوَاجِبُ الِاسْتِغْفَارُ وَالتَّوْبَةُ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِمَا سَبَقَ مِنَ الْمَطَاعِنِ قَالُوا وَالْأَصْلُ الْبَرَاءَةُ فَلَا يُنْتَقَلُ عَنْهَا إِلَّا بِحُجَّةٍ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَقَدْ عَرَفْتَ انْتِهَاضَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ فَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا مُتَحَتِّمٌ وَعَرَفْتَ بِمَا أَسْلَفْنَاهُ صَلَاحِيَّتَهَا لِلْحُجِّيَّةِ وَسُقُوطَ الِاعْتِلَالَاتِ الْوَارِدَةِ عَلَيْهَا انْتَهَى قُلْتُ وَمِنَ الِاعْتِلَالَاتِ اعْتِلَالُ الِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِهَا وَوَقْفِهَا وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ قَوْلَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ يُؤَيِّدُ وَقْفَهَا وَبَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ شُعْبَةَ رَجَعَ عَنْ رَفْعِهَا فَتَأَمَّلْ

باب ما جاء في غسل دم الحيض من الثوب

103 - (بَاب مَا جَاءَ فِي غَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ الثَّوْبِ) [138] قَوْلُهُ (مِنَ الْحَيْضَةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ مِنَ الْحَيْضِ (حُتِّيهِ) الْحَتُّ الْحَكُّ مِنْ نَصَرَ يَنْصُرُ أَيْ حُكِّيهِ وَالْمُرَادُ إِزَالَةُ عَيْنِهِ (ثُمَّ اقْرُصِيهِ بِالْمَاءِ) الْقَرْصُ الدَّلْكُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَالْأَظْفَارِ أَيْ تَدْلُكِي مَوْضِعَ الدَّمِ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ بِالْمَاءِ لِيَتَحَلَّلَ بِذَلِكَ وَيَخْرُجَ مَا تَشَرَّبَهُ الثَّوْبُ مِنْهُ (ثُمَّ رُشِّيهِ) مِنَ الرَّشِّ أَيْ صُبِّي الْمَاءَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ قَيْسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ قَيْسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَسْمَاءَ فِي غَسْلِ الدَّمِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ إِذَا كان الدم مقدار الدرهم فلم يغسل وَصَلَّى فِيهِ أَعَادَ الصَّلَاةَ) جَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ رَوْحِ بْنِ غَطِيفٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تُعَادُ الصَّلَاةُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ مِنَ الدَّمِ وَفِي لَفْظٍ إِذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ مِنَ الدَّمِ غُسِلَ الثَّوْبُ وَأُعِيدَتِ الصَّلَاةُ قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثٌ بَاطِلٌ وَرَوْحٌ هذا منكر

الحديث وقال بن حِبَّانَ هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ لَا شَكَّ فِيهِ لَمْ يَقُلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنِ اخْتَرَعَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَكَانَ رَوْحُ بْنُ غَطِيفٍ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ وَذَكَرَهُ بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَزِيدَ الْهَاشِمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ وَأَغْلَظَ فِي نُوحِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ كَذَا فِي تَخْرِيجِ الزَّيْلَعِيِّ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَ الدَّمُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ أَعَادَ الصلاة وهو قول سفيان وبن الْمُبَارَكِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَدْرُ الدِّرْهَمِ وَمَا دُونَهُ مِنَ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ كَالدَّمِ وَالْبَوْلِ وَالْخَمْرِ وَخَرْءِ الدَّجَاجِ وَبَوْلِ الْحِمَارِ جَازَتِ الصَّلَاةُ مَعَهُ وَإِنْ زَادَ فَلَمْ يَجُزْ قَالَ لَنَا إِنَّ الْقَلِيلَ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَيُجْعَلُ مَعْفُوًّا وَقَدَّرْنَاهُ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ أَخْذًا عَنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ انْتَهَى قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ص 309 ج 1 وَأَمَّا تَقْدِيرُ أَصْحَابِنَا الْقَلِيلَ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَسْرَارِ عن علي وبن مَسْعُودٍ أَنَّهُمَا قَدَّرَا النَّجَاسَةَ بِالدِّرْهَمِ وَكَفَى بِهِمَا حُجَّةً فِي الِاقْتِدَاءِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِظُفُرِهِ وَفِي الْمُحِيطِ وَكَانَ ظُفُرُهُ قَرِيبًا مِنْ كَفِّنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ لَا يَمْنَعُ انْتَهَى قُلْتُ لَا بُدَّ لِلْحَنَفِيَّةِ أَنْ يُثْبِتُوا صِحَّةَ آثَارِ عَلِيٍّ وبن مَسْعُودٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمِ الْمَذْكُورَةَ وَبِمُجَرَّدِ ذِكْرِ صَاحِبِ الْأَسْرَارِ هَذِهِ الْآثَارَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا وَإِنِّي قَدْ فَتَّشْتُ كَثِيرًا لَكِنْ لَمْ أَقِفْ عَلَى أَسَانِيدِهَا وَلَا عَلَى مُخَرِّجِيهَا فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَيْفَ حَالُهَا وَأَمَّا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّ ظُفُرَ عُمَرَ كَانَ قَرِيبًا مِنْ كَفِّنَا فَهَذَا ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَمْ يَثْبُتْ بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ نَعَمْ ثَبَتَ أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كان طويل القامة قال الحافظ بن الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ التَّلْقِيحُ مَا لَفْظُهُ تَسْمِيَةُ الطِّوَالِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ انْتَهَى وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كَوْنَ عُمَرَ مِنْ طِوَالِ الصَّحَابَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ ظُفُرُهُ قَرِيبًا مِنْ كَفِّنَا وَأَمَّا تَقْدِيرُهُمْ أَخْذًا عَنْ مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ فَفِيهِ أَيْضًا كَلَامٌ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ (وَلَمْ يُوجِبْ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَغَيْرُهُمْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ ظَاهِرُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والدارقطني وصححه بن خزيمة وبن حبان والحاكم كلهم من طريق بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ عَقِيلِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرقاع فرمى

رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَنَزَفَهُ الدَّمُ فَرَكَعَ وَسَجَدَ وَمَضَى فِي صَلَاتِهِ وَالْقِصَّةُ طَوِيلَةٌ مُحَصَّلُهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ بِشِعْبٍ فَقَالَ مَنْ يَحْرُسُنَا اللَّيْلَةَ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَبَاتَا بِفَمِ الشِّعْبِ فَاقْتَسَمَا اللَّيْلَ لِلْحِرَاسَةِ فَنَامَ الْمُهَاجِرِيُّ وَقَامَ الْأَنْصَارِيُّ يُصَلِّي فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْعَدُوِّ فَرَأَى الْأَنْصَارِيَّ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَأَصَابَهُ فَنَزَعَهُ وَاسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ رَمَاهُ بِثَانٍ فَصَنَعَ كَذَلِكَ ثُمَّ رَمَاهُ بِثَالِثٍ فَنَزَعَهُ وَرَكَعَ وَسَجَدَ وَقَضَى صَلَاتَهُ ثُمَّ أَيْقَظَ رَفِيقَهُ فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِ مِنَ الدِّمَاءِ قَالَ لِمَ لَا أَنْبَهْتَنِي أَوَّلَ مَا رَمَى قَالَ كنا فِي سُورَةٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ لَا أَقْطَعَهَا فَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَمَنْ تَبِعَهُمَا فَتَفَكَّرْ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنَ الدِّرْهَمِ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ وَكَثِيرُهَا سَوَاءٌ لِأَنَّ النَّصَّ الْمُوجِبَ لِلتَّطْهِيرِ لَمْ يُفَصِّلْ انْتَهَى قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ بن بَطَّالٍ حَدِيثُ أَسْمَاءَ أَصْلٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فِي غَسْلِ النَّجَاسَاتِ مِنَ الثِّيَابِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عِنْدَهُمْ عَلَى الدَّمِ الْكَثِيرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ فِي نَجَاسَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَسْفُوحًا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْكَثِيرِ الْجَارِي لِأَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ مَا يُتَجَاوَزُ عَنْهُ مِنَ الدَّمِ فَاعْتَبَرَ الْكُوفِيُّونَ فِيهِ وَفِي النَّجَاسَاتِ دُونَ الدِّرْهَمِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ قَلِيلُ الدَّمِ مَعْفُوٌّ وَيُغْسَلُ قَلِيلُ سائر النجاسات وروى عن بن وَهْبٍ أَنَّ قَلِيلَ دَمِ الْحَيْضِ كَكَثِيرِهِ وَكَسَائِرِ الْأَنْجَاسِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدِّمَاءِ وَالْحُجَّةُ فِي أَنَّ الْيَسِيرَ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ كَالْكَثِيرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَسْمَاءَ حُتِّيهِ ثُمَّ اقْرُصِيهِ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَلَا سَأَلَهَا عَنْ مِقْدَارِهِ وَلَمْ يَحُدَّ فِيهِ مِقْدَارَ الدِّرْهَمِ وَلَا دُونَهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ حَدِيثُ عَائِشَةَ مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ فِيهِ تَحِيضُ فَإِنْ أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ بَلَّتْهُ بِرِيقِهَا ثُمَّ قَصَعَتْهُ بِرِيقِهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا ولَفْظُهُ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَقَصَعَتْهُ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا فِي الدَّمِ الْيَسِيرِ الَّذِي يَكُونُ مَعْفُوًّا عَنْهُ وَأَمَّا الْكَثِيرُ مِنْهُ فَصَحَّ عَنْهَا أَيْ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُهُ فَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنَ النَّجَاسَةِ وَعَلَى الشَّافِعِيِّ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ إِنَّ يَسِيرَ الدَّمِ يُغْسَلُ كَسَائِرِ الْأَنْجَاسِ إِلَّا دَمُ الْبَرَاغِيثِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا يَرَى بِالْقَطْرَةِ وَالْقَطْرَتَيْنِ بَأْسًا فِي الصَّلَاةِ وعصر بن عمر بثرة فخرج منها دم فمسه بِيَدِهِ وَصَلَّى فَالشَّافِعِيَّةُ لَيْسُوا بِأَكْثَرَ احْتِيَاطًا مِنْ أبي هريرة وبن عُمَرَ وَلَا أَكْثَرَ رِوَايَةً مِنْهُمَا حَتَّى خَالَفُوهُمَا حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَلَى أَنَّ قَلِيلَ الدَّمِ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو فِي غَالِبِ حَالِهِ مِنْ بَثْرَةٍ وَدُمَّلٍ أَوْ بُرْغُوثٍ فَعُفِيَ عَنْهُ وَلِهَذَا حَرَّمَ اللَّهُ الْمَسْفُوحَ مِنْهُ فَدَلَّ أَنَّ غَيْرَهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ

باب ما جاء في كم تمكث النفساء

قُلْتُ فِي كَلَامِ الْعَيْنِيِّ هَذَا أَشْيَاءُ فَتَفَكَّرْ 04 - (باب ما جاء في كم تمكث النفساء) أَيْ كَمْ تَمْكُثُ فِي نِفَاسِهَا وَإِلَى أَيِّ مُدَّةٍ لَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ النِّفَاسُ وِلَادَةُ الْمَرْأَةِ إِذَا وَضَعَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ وَنِسْوَةٌ نِفَاسٌ وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ فُعَلَاءُ يُجْمَعُ عَلَى فِعَالٍ غَيْرُ نُفَسَاءَ وَعُشَرَاءَ انْتَهَى [139] قَوْلُهُ (نَا شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ أَبُو بَدْرٍ) السُّكُونِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ وَرِعٌ لَهُ أَوْهَامٌ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى) الثَّعْلَبِيُّ الْكُوفِيُّ الْأَحْوَلُ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَوَثَّقَهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ (عَنْ أَبِي سَهْلٍ) اسْمُهُ كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ الْبِرْسَانِيُّ بَصْرِيٌّ نَزَلَ بَلَخَ ثِقَةٌ (عَنْ مُسَّةَ الْأَزْدِيَّةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ أُمُّ بُسَّةَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مَقْبُولَةٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَتْ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فِي النُّفَسَاءِ وَعَنْهَا أَبُو سَهْلٍ كثير بن زياد قال وذكر الخطابي وبن حِبَّانَ أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ رَوَى عَنْهَا أَيْضًا انْتَهَى وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ ص 29 عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ مُسَّةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَوْلُهُ (وَكَانَتِ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ) أَيْ بَعْدَ نِفَاسِهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وقال الحافظ بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى مَعْنَى الْحَدِيثِ كَانَتْ تُؤْمَرُ أَنْ تَجْلِسَ إِلَى الْأَرْبَعِينَ لِئَلَّا يَكُونَ الْخَبَرُ كَذِبًا إِذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَتَّفِقَ عَادَةُ نِسَاءِ عَصْرٍ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ انْتَهَى بِلَفْظِهِ (وَكُنَّا نَطْلِي وُجُوهَنَا) أَيْ نُلَطِّخُ وُجُوهَنَا قال في القاموس طلى البعير الهناء يَطْلِيهِ وَبِهِ لَطَّخَهُ كَطَلَاهُ (بِالْوَرْسِ) الْوَرْسُ بِوَزْنِ الفلس نبت أصفر يكون باليمين تُتَّخَذُ مِنْهُ الْغَمْرَةُ لِلْوَجْهِ وَوَرَسَ الثَّوْبَ تَوْرِيسًا صَبَغَهُ بِالْوَرْسِ (مِنَ الْكَلَفِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ لَوْنٌ بَيْنَ السَّوْدَاءِ وَالْحُمْرَةِ وَهِيَ حُمْرَةُ كُدْرَةٍ تَعْلُو الْوَجْهَ وَشَيْءٌ يَعْلُو الْوَجْهَ كَالسِّمْسِمِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ لِلْجَوْهَرِيِّ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لَا يَأْمُرُهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَضَاءِ صَلَاةِ النِّفَاسِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَهْلٍ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التلخيص أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وبن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأَبُو سَهْلٍ وَثَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وبن معين وضعفه بن حِبَّانَ وَأُمُّ بُسَّةَ مُسَّةُ مَجْهُولَةُ الْحَالِ قَالَ الدارقطني لا يقوم بها حجة وقال بن القطان لا يعرف حالها وأغرب بن حِبَّانَ فَضَعَّفَهُ بِكَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ وَلَمْ يُصِبْ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ مُصَنِّفِي الْفُقَهَاءِ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ مَرْدُودٌ عَلَيْهِمْ وَلَهُ شاهد أخرجه بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ سَلَّامٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِلنُّفَسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ حُمَيْدٍ غَيْرُ سَلَّامٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ مرفوعا وروى الحاكم من حديث عثمان عن الحسن بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ فِي نِفَاسِهِنَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَقَالَ صَحِيحٌ إِنْ سَلِمَ مِنْ أَبِي هِلَالٍ قُلْتُ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَسَنُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ مُنْقَطِعٌ وَالْمَشْهُورُ عَنْ عُثْمَانَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ حَدِيثَ الْبَابِ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَقَالَ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأُقِرَّ تَصْحِيحُهُ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ في التقريب في ترجمة مسة الأزدية إِنَّهَا مَقْبُولَةٌ كَمَا عَرَفْتَ وَقَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ وَأَجَابَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ عَنِ الْقَوْلِ بِجَهَالَةِ مُسَّةَ فَقَالَ وَلَا نُسَلِّمُ جَهَالَةَ عَيْنِهَا وَجَهَالَةُ حَالِهَا مُرْتَفِعَةٌ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهَا جَمَاعَةٌ كَثِيرُ بْنُ زِيَادٍ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَزْرَمِيُّ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ مُسَّةَ أَيْضًا فَهَؤُلَاءِ رَوَوْا عَنْهَا وَقَدْ أَثْنَى عَلَى حَدِيثِهَا الْبُخَارِيُّ وَصَحَّحَ الْحَاكِمُ إِسْنَادَهُ فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ هذا الحديث حسن صالح الحديث لِلِاحْتِجَاجِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ

أُخْرَى ضَعِيفَةٌ تُؤَيِّدُهُ فَمِنْهَا مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْتَظِرُ النُّفَسَاءُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنْ بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَمْ تَرَ الطُّهْرَ فَلْتَغْتَسِلْ ذَكَرَهُ بن عَدِيٍّ وَفِيهِ الْعَلَاءُ بْنُ كَثِيرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جدا ومنها حديث عبد الله بن عمر وأخرجه الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالدّارَقُطْنيُّ فِي سُنَنِهِ وَفِي إسناده عمرو بن الحصين وبن عُلَاثَةَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكَانِ ضَعِيفَانِ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِلنِّسَاءِ فِي نِفَاسِهِنَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ وَقَّتَ لِلنِّسَاءِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ ذَكَرَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِأَسَانِيدِهَا وَمُتُونِهَا مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَبِهِ يَقُولُ سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا مُتَعَاضِدَةٌ بَالِغَةٌ إِلَى حَدِّ الصَّلَاحِيَّةِ وَالِاعْتِبَارِ فَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا مُتَعَيِّنٌ فَالْوَاجِبُ عَلَى النُّفَسَاءِ وُقُوفُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلَّا أَنْ تَرَى الطُّهْرَ قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى (وَيُرْوَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ خَمْسِينَ يَوْمًا إِذَا لَمْ تَطْهُرْ) وَفِي نُسْخَةٍ قَلَمِيَّةٍ عَتِيقَةٍ إِذَا لَمْ تَرَ الطُّهْرَ (وَيُرْوَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالشَّعْبِيِّ سِتِّينَ يَوْمًا) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَرُوِيَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ وَمُوسَى ابْنَيْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ سَبْعُونَ يَوْمًا قَالُوا إِذْ هُوَ أَكْثَرُ مَا وُجِدَ قُلْتُ لَمْ أَجِدْ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ دَلِيلًا مِنَ السُّنَّةِ فَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ مَا قَالَ بِهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد

105 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ) [140] قَوْلُهُ (نَا أَبُو أَحْمَدَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ دِرْهَمٍ الْأَنْصَارِيُّ الزُّبَيْرِيُّ مَوْلَاهُمِ الْكُوفِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ قَالَ الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ يَتَشَيَّعُ وَقَالَ بُنْدَارٌ مَا رَأَيْتُ قَطُّ أَحْفَظَ مِنْ أَبِي أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ حَافِظٌ لِلْحَدِيثِ عَاقِلٌ مُجْتَهِدٌ لَهُ أَوْهَامٌ مَاتَ سنة ثلاث وَمِائَتَيْنِ (نَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ مَعْمَرٍ) هو بن رَاشِدٍ الْأَزْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عُرْوَةَ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ الْيَمَنِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَاضِلٌ إِلَّا أَنَّ فِي روايته عن ثابت والأعمش وهشام بن عروة شَيْئًا وَكَذَا فِيمَا حَدَّثَ بِهِ بِالْبَصْرَةِ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ) أَيْ يُجَامِعُهُنَّ ثُمَّ يَغْسِلُ غُسْلًا وَاحِدًا وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ فِي لَيْلَةٍ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ بَيْنَ الْجِمَاعَيْنِ لَا يَجِبُ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَيَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى نِسَائِهِ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَجعلُهُ غُسْلًا واحدا قال هذا أزكى وأطيب وأظهر فَإِنْ قِيلَ أَقَلُّ الْقِسْمَةِ لَيْلَةٌ لِكُلِّ امْرَأَةٍ فَكَيْفَ طَافَ عَلَى الْجَمِيعِ فَالْجَوَابُ أَنَّ وُجُوبَ الْقَسْمِ عَلَيْهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ بَلْ كَانَ يَقْسِمُ بِالتَّسْوِيَةِ تَبَرُّعًا وَتَكَرُّمًا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى وُجُوبِهِ وَكَانَ طَوَافُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِضَاهُنَّ وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ فِي وَقْتٍ لَيْسَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمٌ مُعَيَّنٌ مَعْلُومٌ فَجَمَعَهُنَّ يَوْمَئِذٍ ثُمَّ دَارَ بِالْقَسْمِ عَلَيْهِنَّ بَعْدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُنَّ كُنَّ حَرَائِرَ وَسُنَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِنَّ الْعَدْلُ بِالْقَسْمِ وَأَنْ لَا يَمَسَّ الْوَاحِدَةَ فِي يَوْمِ الْأُخْرَى انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ) تَقَدَّمَ آنِفًا تخريجه ولفظه

قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ فِي النَّيْلِ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ قَالَ قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أو كان يُطِيقُهُ قَالَ كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ قُوَّةَ ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْغُسْلَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ أَنْ لَا بَأْسَ أَنْ يَعُودَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ) فِي كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا شَيْءٌ فَإِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ لَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا بَأْسَ أَنْ يَعُودَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ فَتَفَكَّرْ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْعَوْدِ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَتَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) بْنِ وَاقِدِ بْنِ عُثْمَانَ الضَّبِّيُّ مَوْلَاهُمِ الْفِرْيَابِيُّ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ البخاري كان أفضل زمانه وقال بن عَدِيٍّ لَهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ إِفْرَادَاتٌ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ كَانَ ثِقَةً فَاضِلًا عَابِدًا مِنْ أجلة أصحاب الثوري

باب ما جاء إذا أراد أن يعود توضأ

106 - (باب ما جاء إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ تَوَضَّأَ) [141] قَوْلُهُ (عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ) هُوَ عَاصِمُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّمِيمِيُّ مولاهم أبو عبد الرحمن البصري وثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمَا (عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ) النَّاجِي اسْمُهُ عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ 701 ثَمَانٍ وَمِائَةٍ وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْإِتْيَانَيْنِ (وُضُوءًا) أَيْ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ وَحَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ وَقَالَ المراد به غسل الفرج ورد عليه بن خُزَيْمَةَ بِمَا رَوَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْوُضُوءِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُسْتَحَبُّ وَقَالَ الجمهور يستحب وقال بن حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ يَجِبُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ إِنَّ الْأَمْرَ بِالْوُضُوءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِلِاسْتِحْبَابِ لَا لِلْوُجُوبِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجَامِعُ ثم يعود ولا يتوضأ واستدل بن خُزَيْمَةَ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ بِالْوُضُوءِ لِلنَّدَبِ بِمَا رَوَاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْإِرْشَادِ أَوْ لِلنَّدَبِ وَحَدِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي يُوسُفَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) وَفِي الباب عن بن عُمَرَ أَيْضًا قَالَ فِي النَّيْلِ تَحْتَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ مَا لَفْظُهُ وَيُقَالُ إِنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَى إِسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَوَقَفَ عَلَى إِسْنَادِ غَيْرِهِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفَيْنِ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا

باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة ووجد أحدكم الخلاء

قَوْلُهُ (وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ) بِكَسْرِ السِّينِ وَبِالنُّونَيْنِ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَشَهِدَ مَا بَعْدَ أُحُدٍ وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ مَاتَ سَنَةَ 47 أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ كَذَا فِي المنتقى 07 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَوَجَدَ أحدكم الخلاء) [142] فليبدأ بالخلاء قَوْلُهُ (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ) أَيْ قَالَ عُرْوَةُ (فَأَخَذَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ (فَقَدَّمَهُ) أَيْ فَقَدَّمَ الرَّجُلَ لِيَؤُمَّ الْقَوْمَ (وَكَانَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَرْقَمِ (وَوَجَدَ أَحَدُكُمِ الْخَلَاءَ) أَيِ الْحَاجَةَ إِلَى الْخَلَاءِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَوَجَدَ أَحَدُكُمِ الْغَائِطَ فَلْيَبْدَأْ بِالْغَائِطِ (فَلْيَبْدَأْ بِالْخَلَاءِ) وجازله تَرْكُ الْجَمَاعَةِ بِهَذَا الْعُذْرِ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمِ الْغَائِطَ فَلْيَبْدَأْ بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَثَوْبَانَ وَأَبِي أُمَامَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ

الْأَخْبَثَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ وَلَا يُصَلِّ وَهُوَ حَقْنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ قَالَ لَا يَأْتِ أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ وهو حاقن الحديث وأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا وَفِيهِ السَّفْرُ بْنُ نُسَيْرٍ وَهُوَ ضعيف وقد وثقه بن حِبَّانَ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ نَحْوَهُ قَوْلُهُ (هَكَذَا رَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ) كَزُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَغَيْرِهِمْ (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ) فَلَمْ يَزِيدُوا بَيْنَ عُرْوَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ رَجُلًا (وَرَوَى وُهَيْبٌ وَغَيْرُهُ) كَأَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ وَشُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ) فَزَادَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ عُرْوَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأرقم رجلا ورواه عبد الرزاق عن بن جُرَيْجٍ عَنْ أَيُّوبِ بْنِ مُوسَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ خَرَجْنَا فِي حَجٍّ أَوْ عُمَرَةٍ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَرْقَمِ الزُّهْرِيِّ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ ثُمَّ قَالَ صَلُّوا وَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمِ الْغَائِطَ فَلْيَبْدَأْ بِالْغَائِطِ فَهَذَا الْإِسْنَادُ يَشْهَدُ بِأَنَّ رِوَايَةَ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مُتَّصِلَةٌ لِتَصْرِيحِهِ بِأَنَّ عُرْوَةَ

باب ما جاء في الوضوء من الموطىء

سمعه من عبد الله بن الأرقم وبن جُرَيْجٍ وَأَيُّوبُ ثِقَتَانِ حَافِظَانِ ذَكَرَهُ الزُّرْقَانِيُّ نَقْلًا عن بن عَبْدِ الْبَرِّ 08 - (بَابَ مَا جَاءَ فِي الْوُضُوءِ من الموطىء) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الطَّاءِ قَالَ الخطابي الموطىء مَا يُوطَأُ فِي الطَّرِيقِ مِنَ الْأَذَى وَأَصْلُهُ الموطوء انتهى وقال بعضهم الموطىء موضع وطء القدم [143] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَارَةَ) بْنِ حَزْمٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ وَعَنْهُ مالك وبن إدريس وثقه بن مَعِينٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ يخطىء انْتَهَى (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَخْرٍ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ وَثَّقَهُ بن مَعِينٍ وَالنَّاسُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ لَهُ أَفْرَادٌ انْتَهَى (عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ الزُّرْقَانِيُّ اسْمُهَا حُمَيْدَةُ تَابِعِيَّةٌ صَغِيرَةٌ مَقْبُولَةٌ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ حُمَيْدَةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ يُقَالُ هِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَوْفٍ (أُطِيلُ) مِنَ الْإِطَالَةِ (ذَيْلِ) الذَّيْلُ بِفَتْحِ الذَّالِ هُوَ طَرَفُ الثَّوْبِ الَّذِي يَلِي الْأَرْضَ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهَا (فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ) بِكَسْرِ الذَّالِ أَيْ فِي مَكَانٍ ذِي قَذَرٍ أَيْ فِي الْمَكَانِ النَّجِسِ (يُطَهِّرُهُ) أَيِ الذَّيْلَ (مَا بَعْدَهُ) فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ فَاعِلُ يُطَهِّرُ أَيْ مَكَانُ الَّذِي بَعْدَ الْمَكَانِ الْقَذِرِ بِزَوَالِ مَا يَتَشَبَّثُ بِالذَّيْلِ مِنَ الْقَذَرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا جُرَّ عَلَى مَا كَانَ يَابِسًا لَا يَعْلَقُ بِالثَّوْبِ مِنْهُ شَيْءٌ فَأَمَّا إِذَا جُرَّ عَلَى رَطْبٍ فَلَا يُطَهِّرُهُ إِلَّا بِالْغَسْلِ وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ مَعْنَاهُ إِذَا أَصَابَهُ بَوْلٌ ثُمَّ مَرَّ بَعْدَهُ عَلَى الْأَرْضِ أَنَّهَا تُطَهِّرُهُ وَلَكِنَّهُ يَمُرُّ بِالْمَكَانِ فَيُقَذِّرُهُ ثُمَّ يَمُرُّ بِمَكَانٍ أَطْيَبَ مِنْهُ فَيَكُونُ هَذَا بِذَاكَ لَا عَلَى أَنَّهُ يُصِيبُهُ مِنْهُ شَيْءٌ وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ إِنَّ الْأَرْضَ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَإِنَّمَا هُوَ أَنْ يَطَأَ الْأَرْضَ الْقَذِرَةَ ثُمَّ يَطَأَ الْأَرْضَ الْيَابِسَةَ النَّظِيفَةَ فَإِنَّ بَعْضَهَا يُطَهِّرُ بَعْضًا فَأَمَّا النَّجَاسَةُ مِثْلُ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِ يُصِيبُ الثَّوْبَ

أَوْ بَعْضَ الْجَسَدِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُطَهِّرُهُ إِلَّا الْغَسْلُ قَالَ وَهَذَا إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ انْتَهَى كَلَامُهُ قَالَ الزُّرْقَانِيُّ وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى حَمْلِ الْقَذَرِ فِي الْحَدِيثِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَلَوْ رَطْبَةً وَقَالُوا يُطَهِّرُهُ الْأَرْضُ الْيَابِسَةُ لِأَنَّ الذَّيْلَ لِلْمَرْأَةِ كَالْخُفِّ وَالنَّعْلِ لِلرَّجُلِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رواية بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُرِيدُ الْمَسْجِدَ فَنَطَأُ الطَّرِيقَةَ النَّجِسَةَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَرْضُ يُطَهِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ وَلِيُّ اللَّهِ الْمُحَدِّثُ الدَّهْلَوِيُّ فِي الْمُسَوَّى شَرْحِ الْمُوَطَّأِ تَحْتَ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ إِنْ أَصَابَ الذَّيْلَ نَجَاسَةُ الطَّرِيقِ ثُمَّ مَرَّ بِمَكَانٍ آخَرَ وَاخْتَلَطَ بِهِ طِينُ الطَّرِيقِ وَغُبَارُ الْأَرْضِ وَتُرَابُ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَيَبِسَتِ النَّجَاسَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ فَيَطْهُرُ الذَّيْلُ النَّجِسُ بِالتَّنَاثُرِ أَوِ الْفَرْكِ وَذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ عِنْدَ الشَّارِعِ بِسَبَبِ الْحَرَجِ وَالضِّيقِ كَمَا أَنَّ غَسْلَ الْعُضْوِ وَالثَّوْبِ مِنْ دَمِ الْجِرَاحَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَكَمَا أَنَّ النَّجَاسَةَ الرَّطْبَةَ الَّتِي أَصَابَتِ الْخُفَّ تَزُولُ بِالدَّلْكِ وَيَطْهُرُ الْخُفُّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِسَبَبِ الْحَرَجِ وَكَمَا أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَنْقَعَ الْوَاقِعَ فِي الطَّرِيقِ وَإِنْ وَقَعَ فِيهِ النَّجَاسَةُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِسَبَبِ الْحَرَجِ وَإِنِّي لَا أَجِدُ الْفَرْقَ بَيْنَ الثَّوْبِ الَّذِي أَصَابَهُ دَمُ الْجِرَاحَةِ وَالثَّوْبِ الَّذِي أَصَابَهُ الْمَاءُ الْمُسْتَنْقَعُ وَبَيْنَ الذَّيْلِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ ثُمَّ اخْتَلَطَ بِهِ غُبَارُ الْأَرْضِ وَتُرَابُهَا وَطِينُ الطَّرِيقِ فَتَنَاثَرَتْ بِهِ النَّجَاسَةُ أَوْ زَالَتْ بِالْفَرْكِ فَإِنَّ حُكْمَهَا وَاحِدٌ وَمَا قَالَ الْبَغَوِيُّ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّجَاسَةِ الْيَابِسَةِ الَّتِي أَصَابَتِ الثَّوْبَ ثُمَّ تَنَاثَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالذَّيْلِ فِي الْمَشْيِ فِي الْمَكَانِ الْقَذِرِ تَكُونُ رَطْبَةً فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ وَهُوَ مَعْلُومٌ بِالْقَطْعِ فِي عَادَةِ النَّاسِ فَإِخْرَاجُ الشَّيْءِ الَّذِي تَحَقَّقَ وُجُودُهُ قَطْعًا أَوْ غَالِبًا عَنْ حَالَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ بَعِيدٌ وَأَمَّا طِينُ الشَّارِعِ يُطَهِّرُهُ مَا بَعْدَهُ فَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ التَّوَسُّعِ فِي الْكَلَامِ لِأَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ هُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ أَوْ لَا بَأْسَ بِهِ لَكِنْ عَدَلَ عَنْهُ بِإِسْنَادِ التَّطْهِيرِ إِلَى شَيْءٍ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُطَهِّرًا لِلنَّجَاسَةِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَهَذَا أَبْلَغُ مِنَ الْأَوَّلِ انْتَهَى وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ الْبَابِ مَا لَفْظُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَقْ بِالذَّيْلِ قَذَرٌ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ الْمِثْقَالِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُصَلِّيَنَّ فِيهِ حَتَّى يَغْسِلَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى قُلْتُ أَقْرَبُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي قَوْلُ الشَّيْخِ الْأَجَلِّ الشَّاهْ وَلِيُّ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ في الموطأ وأحمد والدارمي وَأَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَرَوَاهُ الشافعي وبن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا وَفِي الْبَابِ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَنَا طَرِيقًا إِلَى الْمَسْجِدِ مُنْتِنَةٌ فَكَيْفَ نَفْعَلُ إِذَا مُطِرْنَا قَالَتْ فَقَالَ أَلَيْسَ بَعْدَهَا طَرِيقٌ هِيَ أَطْيَبُ مِنْهَا قُلْتُ بَلَى قَالَ فَهَذِهِ بِهَذِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَالْمَرْأَةُ مِنْ بَنِي عبد الأشهل هذه صحابية

ذكره بن الْأَثِيرِ فِي أُسْدِ الْغَابَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَهَالَةَ اسْمِ الصَّحَابِيِّ لَا تَضُرُّ تَنْبِيهٌ قَالَ علي القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ تَأْوِيلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْإِمَامِ مَالِكٍ مَا لَفْظُهُ وَمَا فِي أَحْمَدَ وَمَالِكٍ مِنَ التَّأْوِيلِ لَا يَشْفِي الْعَلِيلَ وَلَوْ حُمِلَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ طِينِ الشَّارِعِ وَأَنَّهُ طَاهِرٌ أَوْ مَعْفُوٌّ لِعُمُومِ الْبَلْوَى لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ لَكِنْ لَا يُلَائِمُهُ قَوْلُهُ أَلَيْسَ بَعْدَهَا إِلَخْ فَالْمَخْلَصُ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ مِنْ أَنَّ فِي إِسْنَادِ الْحَدِيثَيْنِ مَعًا مَقَالًا لِأَنَّ أُمَّ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ وَامْرَأَةً مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مَجْهُولَتَانِ لَا يُعْرَفُ حَالُهُمَا فِي الثِّقَةِ وَالْعَدَالَةِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِمَا انْتَهَى وَقَالَ أَيْضًا لَوْ ثَبَتَ أَنَّهَا أَيِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ صَحَابِيَّةٌ لَمَا قِيلَ إِنَّهَا مجهولة انتهى قلت قول القارىء هَذَا عَجِيبٌ جِدًّا فَإِنَّ كَوْنَ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ صَحَابِيَّةً ظَاهِرٌ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا شَافَهَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلَتْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ وَقَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَنَا إِلَخْ وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى اسْمِهَا وَنَسَبِهَا قَالُوا إِنَّهَا مَجْهُولَةٌ فَهَذَا لَا يَقْدَحُ فِي كَوْنِهَا صَحَابِيَّةً وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا صَحَابِيَّةً أَنْ يُعْلَمَ اسْمُهَا وَرَسْمُهَا وَأَمَّا أُمُّ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ حُمَيْدَةُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ يُقَالُ هِيَ أُمُّ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَقْبُولَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ حُمَيْدَةُ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ إِنِّي امْرَأَةٌ طَوِيلَةُ الذَّيْلِ وَعَنْهَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ وَقِيلَ عَنْهُ عَنْ أُمِّ وَلَدٍ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ قُلْتُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ أُمِّ الْوَلَدِ حُمَيْدَةَ فَيَلْتَئِمُ الْقَوْلَانِ انْتَهَى قَوْلُهُ (ولا نتوضأ من الموطىء) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُعِيدُونَ الْوُضُوءَ

باب ما جاء في التيمم

لِلْأَذَى إِذَا أَصَابَ أَرْجُلَهُمْ لَا أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَغْسِلُونَ أَرْجُلَهُمْ وَلَا يُنَظِّفُونَهَا مِنَ الْأَذَى إِذَا أَصَابَهَا انْتَهَى وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ الْوُضُوءُ عَلَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ التَّنْظِيفُ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَغْسِلُونَ أَرْجُلَهُمْ مِنَ الطِّينِ وَنَحْوِهَا وَيَمْشُونَ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الطَّهَارَةُ انْتَهَى وَحَمَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى النَّجَاسَةِ الْيَابِسَةِ وَأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَغْسِلُونَ الرِّجْلَ مِنْ وَطْءِ النَّجَاسَةِ الْيَابِسَةِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ فِي المعرفة باب النجاسة اليابسة بطؤها بِرِجْلِهِ أَوْ يَجُرُّ عَلَيْهَا ثَوْبَهُ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وأخرجه بن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ 09 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّيَمُّمِ) التَّيَمُّمُ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ تَيَمَّمْتُهَا مِنْ أَذَرِعَاتٍ وَأَهْلِهَا بِيَثْرِبَ أَدْنَى دَارِهَا نَظَرٌ عَالِي أَيْ قَصَدْتُهَا وَفِي الشَّرْعِ الْقَصْدُ إِلَى الصَّعِيدِ لِمَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِنِيَّةِ استباحة الصلاة ونحوها قال بن السكيت قوله فتيمموا صعيدا أَيِ اقْصِدُوا الصَّعِيدَ ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ حَتَّى صَارَ التَّيَمُّمُ مَسْحَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِالتُّرَابِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا هُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ وَعَلَى الْأَوَّلِ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَاخْتُلِفَ فِي التَّيَمُّمِ هَلْ هُوَ عَزِيمَةٌ أَوْ رُخْصَةٌ وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ هُوَ لِعَدَمِ الْمَاءِ عَزِيمَةٌ وَلِلْعُذْرِ رُخْصَةٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ [144] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ) الصَّيْرَفِيُّ الْبَاهِلِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَغَيْرُهُمْ مَاتَ سَنَةَ 942 تسع وأربعين ومائتين (نا سعيد) هو بن أَبِي عَرُوبَةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَكَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي قَتَادَةَ (عَنْ عَزْرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ المهملة وسكون الزاي المعجمة

هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زُرَارَةَ الْخُزَاعِيُّ الْكُوفِيُّ شَيْخٌ لِقَتَادَةَ ثِقَةٌ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى) الْخُزَاعِيُّ مَوْلَاهُمِ الْكُوفِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى بفتح المهزة وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالزَّايِ مَقْصُورًا صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ مَشْهُورٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ بَدْرِيٌّ قُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ 73 سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ قَوْلُهُ (أَمَرَهُ بِالتَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم وَسَلَّمَ عَنِ التَّيَمُّمِ فَأَمَرَنِي ضَرْبَةً وَاحِدَةً لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ إِنَّمَا يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ عَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حنبل وإسحاق قال في الفتح ونقله بن الْمُنْذِرِ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَاخْتَارَهُ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَذَا فِي النَّيْلِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي صِفَةِ التَّيَمُّمِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا سِوَى حَدِيثِ أَبِي جُهَيْمٍ وَعَمَّارٍ وَمَا عَدَاهُمَا فَضَعِيفٌ وَمُخْتَلَفٌ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَالرَّاجِحُ عَدَمُ رَفْعِهِ فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُهَيْمٍ فَوَرَدَ بِذِكْرِ الْيَدَيْنِ مُجْمَلًا وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَوَرَدَ بِذِكْرِ الْكَفَّيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبِذِكْرِ الْمِرْفَقَيْنِ فِي السُّنَنِ وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى الْآبَاطِ فَأَمَّا رِوَايَةُ الْمِرْفَقَيْنِ وَكَذَا نِصْفُ الذِّرَاعِ فَفِيهِمَا مَقَالٌ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْآبَاطِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إِنْ كَانَ وَقَعَ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكُلُّ تَيَمُّمٍ صَحَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ فَهُوَ نَاسِخٌ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالْحُجَّةُ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَمِمَّا يُقَوِّي رِوَايَةَ الصَّحِيحَيْنِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ كَوْنُ عَمَّارٍ كَانَ يُفْتِي بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَرَاوِي الْحَدِيثِ أَعْرَفُ بِالْمُرَادِ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا الصَّحَابِيُّ الْمُجْتَهِدُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن عائشة وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَفِيهِ الْحَرِيشُ بْنُ الْخِرِّيتِ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَالْبُخَارِيُّ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بِإِسْنَادِهِ ثُمَّ قَالَ قَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُهُ يَرْوِى عَنْ عَائِشَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْحَرِيشُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَخُو الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ انْتَهَى وَرَوَاهُ بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَسْنَدَهُ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ حَرِيشُ بْنُ الْخِرِّيتِ فِيهِ نَظَرٌ قَالَ وَأَنَا لَا أَعْرِفُ حَالَهُ فَإِنِّي لَمْ أَعْتَبِرْ حديثه انتهى كلامه وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّبَرَانِيُّ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ

قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَمَّارٍ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَأَجْنَبْتُ فَلَمْ أَجِدِ الْمَاءَ فَتَمَرَّغْتُ فِي الصَّعِيدِ كَمَا تَمَرَّغُ الدَّابَّةُ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَقُولَ بِيَدَيْكَ هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ وَهَذَا اللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَضَرَبَ بكفيه الأرض نفخ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم علي عمار وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمُ الشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ قَالُوا التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وبه يقول أحمد وإسحاق) قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي الْمَسْنُونُ عِنْدَ أَحْمَدَ التَّيَمُّمُ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ تَيَمَّمَ بِضَرْبَتَيْنِ جَازَ قَالَ الْأَثْرَمُ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ نَعَمْ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَمَنْ قَالَ بِضَرْبَتَيْنِ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ زَادَهُ انْتَهَى وَقَدْ عَرَفْتَ فِيمَا مَرَّ آنِفًا أَنَّ الْحَافِظَ قَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي الِاكْتِفَاءُ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ نقله بن الْمُنْذِرِ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَاخْتَارَهُ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَبِحَدِيثِهِ الْمَرْوِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَفْظَهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ منهم بن عمرو جابر وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثَ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا مِنَ المقال

فمنها حديث بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ صَحَّحَ الْأَئِمَّةُ وَقْفَهُ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمَّارٍ قَالَ كُنْتُ فِي الْقَوْمِ حِينَ نَزَلَتِ الرُّخْصَةُ فِي الْمَسْحِ بِالتُّرَابِ إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ فَأُمِرْنَا فَضَرَبْنَا وَاحِدَةً لِلْوَجْهِ ثُمَّ ضَرْبَةً أُخْرَى لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ رَوَاهُ الْبَزَّارُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِيهِ أَنَّ الْحَافِظَ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ ص 37 بَعْدَ قَوْلِهِ بإسناد حسن ولكن أخرجه أبو داود علته فقال إلى المناكب وذكر أبو داود والِاخْتِلَافَ فِيهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الضَّرْبَتَيْنِ وَقَالَ سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَيُعَارِضُهُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَمَّارٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أن تضرب بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ الْأَرْضَ ضَرْبَةً وَاحِدَةً ثُمَّ مَسَحَ الشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَظَاهِرَ كَفَّيْهِ وَوَجْهَهُ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَمَّارٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ انْتَهَى مَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ قُلْتُ فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ أَنَّ حَدِيثَ عَمَّارٍ الَّذِي رَوَاهُ الْبَزَّارُ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَإِنْ كَانَ سَنَدُهُ حَسَنًا وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ حُسْنَ الْإِسْنَادِ أَوْ صِحَّتَهُ لَا يَسْتَلْزِمُ حُسْنَ الْحَدِيثِ أَوْ صِحَّتَهُ وَقَدِ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ آثَارِ السُّنَنِ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ الَّذِي رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَنَقَلَ مِنَ الدِّرَايَةِ قَوْلَ الْحَافِظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَمْ يَنْقُلْ قَوْلَهُ الْبَاقِيَ الَّذِي يَثْبُتُ مِنْهُ ضَعْفُهُ وَكَذَلِكَ فَعَلَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَنْمَاطِيِّ عَنْ حَرَمِيِّ بْنِ عُمَارَةَ عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلذِّرَاعَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ نَحْوَ حَدِيثِ بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ انْتَهَى وَفِيهِ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ قَالَ الدارقطني بعد ما أَخْرَجَهُ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَالصَّوَابُ مَوْقُوفٌ انْتَهَى وقال الحافظ في التلخيص ضعف بن الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ بِعُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ إِنَّهُ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ نَعَمْ رِوَايَتُهُ شَاذَّةٌ لِأَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ رَوَاهُ عَنْ عَزْرَةَ مَوْقُوفًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

وَالْحَاكِمُ أَيْضًا انْتَهَى قُلْتُ وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْآثَارِ حَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ حَدَّثَنَا أبو نعيم قال حدثنا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَإِنِّي تَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ فَقَالَ أَصِرْتُ حِمَارًا وَضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ فَمَسَحَ بِيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَقَالَ هَكَذَا التَّيَمُّمُ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ وَقَفَهَا الطَّحَاوِيُّ وَعِنْدِي أَنَّهَا مَرْفُوعَةٌ وَاخْتَلَطَ عَلَى الْمُوقِفِينَ لَفْظُ أَتَاهُ فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّ مَرْجِعَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ هُوَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَالُ أَنَّ الْمَرْجِعَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ الْعَيْنِيُّ انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُهُ إِنَّ الْمَرْجِعَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاطِلٌ جِدًّا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلًا لَا قَبْلَ الضَّمِيرِ وَلَا بَعْدَهُ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بِهِ أحد من المحدثين بل أو قفوه وَأَرْجَعُوا الضَّمِيرَ إِلَى جَابِرٍ وَقَوْلُهُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ الْعَيْنِيُّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الْعَيْنِيَّ لَمْ يَقُلْ بِهِ بَلْ قَالَ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَرْفُوعِ مَا لَفْظُهُ وأخرجه الطحاوي وبن أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا فَإِنْ قُلْتَ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ لَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ عَزْرَةَ غَيْرَ أَبِي نُعَيْمٍ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ فَكَيْفَ تَكُونُ رِوَايَتُهُ الْمَرْفُوعَةُ شَاذَّةً قُلْتُ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً لَكِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ أَوْثَقُ مِنْهُ وَأَتْقَنُ وَأَحْفَظُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ مَقْبُولٌ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ شَيْخٌ حَدَّثَ عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَلَبِيُّ صُوَيْلِحٌ وَقَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي نُعَيْمٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ يَقْظَانُ عَارِفٌ بِالْحَدِيثِ وَقَالَ الْفَسَوِيُّ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ كَانَ غَايَةً فِي الْإِتْقَانِ انْتَهَى فَظَهَرَ أَنَّ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْمَرْفُوعَةَ شَاذَّةٌ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي إِسْنَادِهِ جَعْفَرُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ شُعْبَةُ وَضَعَ أَرْبَعَمِائَةِ حَدِيثٍ انْتَهَى وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ

لِلِاحْتِجَاجِ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ بَعْدَ ذكره في إسناده الحريش بن خريت ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ انْتَهَى وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى غَيْرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ أَحَادِيثُ الضَّرْبَتَيْنِ لَا تَخْلُو جَمِيعُ طُرُقِهَا مِنْ مَقَالٍ وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَ الْأَخْذُ بِهَا مُتَعَيِّنًا لِمَا فِيهَا مِنَ الزِّيَادَةِ فَالْحَقُّ الْوُقُوفُ عَلَى مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ مِنَ الِاقْتِصَارِ عَلَى ضَرْبَةٍ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ فِي اللَّمَعَاتِ عَدَمُ صِحَّةِ أَحَادِيثِ الضَّرْبَتَيْنِ فِي زَمَنِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ اسْتَدَلُّوا بِهَا مَحَلُّ مَنْعٍ إِذَ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَطَرَّقَ الضَّعْفُ وَالْوَهَنُ فِيهَا بَعْدَهُمْ مِنْ جِهَةِ لِينِ بَعْضِ الرُّوَاةِ الَّذِينَ رَوَوْهَا بَعْدَ زمن الأئمة فالمتأخرون من المحدثين الذين جاؤوا بعدهم أو ردوها فِي السُّنَنِ دُونَ الصِّحَاحِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وجود الضعف في الحديث عن الْمُتَأَخِّرِينَ وُجُودُهُ عِنْدَ الْمُتَقَدِّمِينَ مَثَلًا رِجَالُ الْإِسْنَادِ في زمن أبي حنيفة كان واحدا مِنَ التَّابِعِينَ يَرْوِي عَنِ الصَّحَابِيِّ أَوِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ إِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْهُمْ وَكَانُوا ثِقَاتٍ مِنْ أَهْلِ الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ ثُمَّ رَوَى ذَلِكَ الْحَدِيثَ مِنْ بَعْدِهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الدَّرَجَةِ فَصَارَ الْحَدِيثُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ مِثْلِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَمْثَالِهِمْ ضَعِيفًا وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَدَبَّرْ وَهَذِهِ نُكْتَةٌ جَيِّدَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ قُلْتُ قَدْ تَدَبَّرْنَا فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهَذِهِ النُّكْتَةِ صِحَّةُ أَحَادِيثِ الضَّرْبَتَيْنِ الضَّعِيفَةِ أَلْبَتَةَ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّا سَلَّمْنَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ تَطَرُّقَ الضَّعْفِ فِي أَحَادِيثِ الضَّرْبَتَيْنِ بَعْدَ زَمَنِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ الْقَائِلِينَ بِالضَّرْبَتَيْنِ وَلَكِنْ هَذَا احْتِمَالٌ مَحْضٌ وَبِالِاحْتِمَالِ لَا يَثْبُتُ صِحَّةُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ الَّتِي ثَبَتَ ضَعْفُهَا عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ حُفَّاظِ الْمُحَدِّثِينَ الْمَاهِرِينَ بِفُنُونِ الْحَدِيثِ مِثْلِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَمْثَالِهِمْ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَنْ قَالَ بِالتَّيَمُّمِ بِالضَّرْبَتَيْنِ كَالْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ حَتَّى يَثْبُتَ بِاسْتِدْلَالِهِ بِهَا صِحَّتُهَا بَلْ نَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الضَّعِيفَةَ لَمْ تَبْلُغْهُ وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ بِبَعْضِ آثَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَمَا لَمْ يَثْبُتِ اسْتِدْلَالُهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ لَا يَثْبُتُ بِالنُّكْتَةِ الْمَذْكُورَةِ صِحَّةُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ فَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا لَا يَلْزَمُ صِحَّتُهَا لِجَوَازِ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الضِّعَافِ فَاسْتَدَلَّ بِهَا وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهَا مَعَ الْعِلْمِ بِضَعْفِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي التَّقْرِيبِ وَعَمَلُ الْعَالِمِ وَفُتْيَاهُ عَلَى وَفْقِ حَدِيثٍ لَيْسَ حُكْمًا

بِصِحَّتِهِ وَلَا مُخَالَفَتُهُ قَدَحٌ فِي صِحَّتِهِ وَلَا فِي رِوَايَتِهِ انْتَهَى قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي التَّدْرِيبِ وقال بن كَثِيرٍ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ نَظَرٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَابِ غَيْرُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَتَعَرَّضَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ فِي فُتْيَاهُ أَوْ حُكْمِهِ أَوِ اسْتَشْهَدَ بِهِ عِنْدَ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَابِ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَكُونَ ثَمَّ دَلِيلٌ آخَرُ مِنْ قِيَاسٍ أَوْ إِجْمَاعٍ وَلَا يَلْزَمُ الْمُفْتِيَ أَوِ الْحَاكِمَ أَنْ يَذْكُرَ جَمِيعَ أَدِلَّتِهِ بَلْ وَلَا بَعْضَهَا وَلَعَلَّ لَهُ دَلِيلًا آخَرَ وَاسْتَأْنَسَ بِالْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي الْبَابِ وَرُبَّمَا كَانَ يَرَى الْعَمَلَ بِالضَّعِيفِ وَتَقْدِيمَهُ عَلَى الْقِيَاسِ انْتَهَى وَأَمَّا رَابِعًا فَلِأَنَّ هَذِهِ النُّكْتَةَ لَيْسَتْ بِجَيِّدَةٍ بَلْ هِيَ فَاسِدَةٌ فَإِنَّ حَاصِلَهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الضَّعْفِ فِي الْحَدِيثِ فِي الزَّمَنِ الْمُتَأَخِّرِ وُجُودُهُ فِيهِ فِي الزَّمَنِ الْمُتَقَدِّمِ وَعَلَى هَذَا يَلْزَمُ صِحَّةُ كُلِّ حَدِيثٍ ضَعِيفٍ ثَبَتَ ضَعْفُهُ فِي الزَّمَنِ الْمُتَأَخِّرِ لِضَعْفِ بَعْضِ رُوَاتِهِ فَإِنَّ الرَّاوِيَ الضَّعِيفَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَابِعِيًّا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّنْ دُونَهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُقَالُ إِنَّ الْحَدِيثَ كَانَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ صَحِيحًا وَالضَّعْفُ إِنَّمَا حَدَثَ فِي زَمَنِ التَّابِعِيِّ وَعَلَى الثَّانِي يُقَالُ إِنَّ الْحَدِيثَ كَانَ صَحِيحًا فِي الزَّمَنِ التَّابِعِيِّ وَالضَّعْفُ إِنَّمَا حَدَثَ فِي زَمَنِ غَيْرِ التَّابِعِيِّ مِمَّنْ دُونَهُ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ كَذَلِكَ فَتَدَبَّرْ وَتَفَكَّرْ تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ الشَّاهْ وَلِيُّ اللَّهِ فِي الْمُسَوَّى شَرْحِ الْمُوَطَّأِ تَحْتَ أثر بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَيَمَّمُ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ إِنَّ هذين الحديثين يعني أثر بن عُمَرَ وَحَدِيثَ عَمَّارٍ لَيْسَا مُتَعَارِضَيْنِ عِنْدِي فَإِنَّ فعل بن عُمَرَ كَمَالُ التَّيَمُّمِ وَفِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَلُّ التَّيَمُّمِ كَمَا أَنَّ لَفْظَ يَكْفِيكَ يُرْشِدُ إِلَيْهِ فَكَمَا أَنَّ أَصْلَ الْوُضُوءِ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ مَرَّةً مَرَّةً وَكَمَالَهُ غَسْلُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَذَلِكَ أَصْلُ التَّيَمُّمِ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْمَسْحُ إِلَى الْكَفَّيْنِ وَكَمَالُهُ ضَرْبَتَانِ وَالْمَسْحُ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ انْتَهَى كَلَامُهُ مُعَرَّبًا قُلْتُ لَوْ كَانَ حَدِيثُ الضَّرْبَتَيْنِ وَالْمَسْحِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ مَرْفُوعًا صَحِيحًا لَتَمَّ مَا قَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ الدَّهْلَوِيُّ وَلَكِنْ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ أَحَادِيثَ الضَّرْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ ضَعِيفَةٌ أَوْ مُخْتَلِفَةٌ فِي الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ وَالرَّاجِحُ هُوَ الْوَقْفُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ الْمَرْفُوعُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ يُفْتِي بِهِ عَمَّارٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ فعل بن عُمَرَ كَمَالُ التَّيَمُّمِ وَفِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أقل التيمم وأما مجرد فعل بن عُمَرَ فَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَمَالُ التَّيَمُّمِ ألا ترى أن بن المنذر قد روى بإسناد صحيح أن بن عُمَرَ كَانَ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَهَلْ يُقَالُ إن غسل بن عُمَرَ الرِّجْلَيْنِ سَبْعَ مَرَّاتٍ كَمَالُ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ كَلَّا ثُمَّ كَلَّا تَنْبِيهٌ آخَرُ اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ الْحَنَفِيَّةَ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ قَالَ بِالتَّيَمُّمِ بِالضَّرْبَتَيْنِ وَبِمَسْحِ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ قَدِ اعْتَذَرُوا عَنِ الْعَمَلِ بِرِوَايَاتِ عَمَّارٍ الصَّحِيحَةِ الْقَاضِيَةِ بِالتَّيَمُّمِ بضربة

وَاحِدَةٍ وَبِمَسْحِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ بِأَعْذَارٍ كُلُّهَا بَارِدَةٌ ذَكَرَهَا صَاحِبُ السِّعَايَةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ الكلام عليها فنحن نذكر عبارته ها هنا فَإِنَّهَا كَافِيَةٌ لِرَدِّ أَعْذَارِهِمْ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ نِزَاعَهُمْ فِي مَقَامَيْنِ الْأَوَّلُ فِي كَيْفِيَّةِ مَسْحِ الْأَيْدِي هَلْ هُوَ إِلَى الْإِبْطِ أَمْ إِلَى الْمِرْفَقِ أَمْ إِلَى الرُّسْغِ وَالثَّانِي فِي تَوَحُّدِ الضَّرْبَةِ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَتَعَدُّدِهَا أَمَّا النِّزَاعُ الْأَوَّلُ فَأَضْعَفُ الْأَقْوَالِ فِيهِ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَأَقْوَى الْأَقْوَالِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ هُوَ الِاكْتِفَاءُ بِمَسْحِ الْيَدَيْنِ إِلَى الرُّسْغَيْنِ لِمَا ثَبَتَ فِي رِوَايَاتِ حَدِيثِ عَمَّارٍ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ كَيْفِيَّةَ التَّيَمُّمِ حِينَ بَلَغَهُ تَمَعُّكُهُ فِي التُّرَابِ وَاكْتَفَى فِيهِ عَلَى مَسْحِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ قَالَ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ تَعْلِيمَهُ لِعَمَّارٍ وَقَعَ بِالْفِعْلِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ الْقَوْلِيَّةِ الْمَسْحُ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْقَوْلَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ وَفِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ تَعْلِيمَهُ وَإِنْ كَانَ بِالْفِعْلِ لَكِنَّهُ انْضَمَّ مَعَهُ قَوْلُهُ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ هَذَا فَصَارَ الْحَدِيثُ فِي حُكْمِ الْحَدِيثِ الْقَوْلِيِّ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّهُ وَرَدَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بيديك الأرض ثم تنفخ ثم تمسح بهما وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ يَكْفِيكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْلِيمَ وَقَعَ بالقول أيضا وثانيهما مَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَالْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَنَّ مَقْصُودَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانُ صُورَةِ الضَّرْبِ وَكَيْفِيَّةِ التَّعْلِيمِ لَا بَيَانُ جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّيَمُّمُ فَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ افْتِرَاضِ مَا عَدَا الْمَذْكُورَ فِيهِ وَفِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ سِيَاقَ الرِّوَايَاتِ شَاهِدٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَيَانُ جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ فَحَمْلُهُ عَلَى مُجَرَّدِ تَعْلِيمِ صُورَةِ الضَّرْبِ حَمْلٌ بَعِيدٌ وَأَمَّا ثانية فَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّعْلِيمِ بَيَانَ جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّيَمُّمُ لَزِمَ السُّكُوتُ فِي مَعْرِضِ الْحَاجَةِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ مِنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَمَّارًا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ كَيْفِيَّةَ التَّيَمُّمِ الْمَشْرُوعَةَ وَلَمْ يَكُنْ تَحَقَّقَ عِنْدَهُ مَا يَكْفِي فِي التَّيَمُّمِ وَلِذَلِكَ تَمَعَّكَ فِي التُّرَابِ تَمَعُّكَ الدَّابَّةِ فَلَمَّا ذَكَرَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ بَيَانِ جَمِيعِ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّيَمُّمُ لِاحْتِيَاجِ عَمَّارٍ إِلَيْهِ غَايَةَ الْحَاجَةِ وَالِاكْتِفَاءُ فِي تَعْلِيمِهِ عِنْدَ ذَلِكَ بِبَيَانِ صُورَةِ الضَّرْبِ فَقَطْ مُضِرٌّ بِالْمَقْصُودِ لِبَقَاءِ جَهَالَةِ مَا وَرَاءَهُ وَثَالِثُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَفَّيْنِ فِي تِلْكَ الرِّوَايَاتِ الْيَدَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ ذِكْرَ الْيَدِ وَإِرَادَةَ بَعْضٍ مِنْهَا وَاقِعٌ شَائِعٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ الْآيَةَ حَيْثُ ذُكِرَ فِيهَا

الْيَدُ وَأُرِيدَ بِهِ بَعْضُهَا وَهُوَ الْكَفُّ وَالرُّسْغُ وَأَمَّا إِطْلَاقُ الْكَفِّ وَإِرَادَةُ الْيَدِ فَغَيْرُ شَائِعٍ وَهُوَ مَجَازٌ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إلا عند تعذر الحقيقة وهو مفقود ها هنا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ مِنْهُ الْيَدُ وَهُوَ اسْمٌ مِنَ الْأَصَابِعِ إِلَى الْمَنَاكِبِ لَزِمَ ثُبُوتُ لُزُومِ مَسْحِ الْيَدِ إِلَى الْمَنَاكِبِ وَلَا قَائِلَ بِهِ وَرَابِعًا أَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَتِ الْأَحَادِيثُ رَجَعْنَا إِلَى آثَارِ الصَّحَابَةِ فَوَجَدْنَا كَثِيرًا مِنْهُمْ أَفْتَوْا بِالْمَسْحِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ فَأَخَذْنَا بِهِ وَفِيهِ أَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى آثَارِ الصَّحَابَةِ إِنَّمَا يُفِيدُ إِذَا كان بينهم اتفاق ولا كذلك ها هنا فَإِنَّ عَمَّارًا مِنْهُمْ قَدْ أَفْتَى بِالْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وأصرح منه ما أفتى به بن عَبَّاسٍ وَشَيَّدَهُ بِذِكْرِ النَّظِيرِ كَمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَخَامِسُهَا مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَارْتَضَى بِهِ الْعَيْنِيُّ في عمدة القارىء مِنْ أَنَّ حَدِيثَ عَمَّارٍ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِي كَوْنِ التَّيَمُّمِ إِلَى الْكُوعَيْنِ أَوِ الْمِرْفَقَيْنِ أَوِ الْمَنْكِبَيْنِ أَوِ الْإِبْطَيْنِ لِاضْطِرَابِهِ وَفِيهِ أَنَّ الِاضْطِرَابَ فِي هَذَا الْمَقَامِ غَيْرُ مُضِرٍّ لِكَوْنِ رِوَايَاتِ الْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ مَرْجُوحَةً ضَعِيفَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهَا فَسَقَطَ الِاعْتِبَارُ بِهَا وَرِوَايَاتُ الْآبَاطِ قِصَّتُهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى قِصَّةِ رِوَايَاتِ الْكَفَّيْنِ فَلَا تُعَارِضُهَا فَبَقِيَتْ رِوَايَاتُ الْكَفَّيْنِ سَالِمَةً عَنِ الْقَدَحِ وَالْمُعَارَضَةِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ السِّعَايَةِ مُخْتَصَرًا تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ فِي اللَّمَعَاتِ إِنَّ الْأَحَادِيثَ وَرَدَتْ فِي الْبَابِ مُتَعَارِضَةً جَاءَتْ فِي بَعْضِهَا ضَرْبَتَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً وَفِي بَعْضِهَا مُطْلَقُ الضَّرْبِ وَفِي بَعْضِهَا كَفَّيْنِ وَفِي بَعْضِهَا يَدَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا يَدَيْنِ مُطْلَقًا وَالْأَخْذُ بِأَحَادِيثِ الضَّرْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ أَخْذٌ بِالِاحْتِيَاطِ وَعَمَلٌ بِأَحَادِيثِ الطَّرَفَيْنِ لِاشْتِمَالِ الضَّرْبَتَيْنِ عَلَى ضَرْبَةٍ وَمَسْحِ الذِّرَاعَيْنِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ عَلَى مَسْحِ الْكَفَّيْنِ دُونَ الْعَكْسِ أَيْضًا التَّيَمُّمُ طَهَارَةٌ نَاقِصَةٌ فَلَوْ كَانَ مَحَلُّهُ أَكْثَرَ بِأَنْ يُسْتَوْعَبَ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَكَانَ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ ضَرْبَةٌ عَلَى حِدَةٍ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَوْلَى وإِلَى الِاحْتِيَاطِ أَقْرَبُ وَأَدْنَى لا يُقَالُ إِلَى الْآبَاطِ أَقْرَبُ إِلَى الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّ حَدِيثَ الْآبَاطِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ قُلْتُ أَحَادِيثُ الضَّرْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ ضَعِيفَةٌ أَوْ مُخْتَلِفَةٌ فِي الرَّفْعِ وَالْوَقْفِ وَالرَّاجِحُ هُوَ الْوَقْفُ وَلَمْ يَصِحَّ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ سِوَى حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا حديث أبي جهيم بذكر اليدين مجملا وثانيها حَدِيثُ عَمَّارٍ بِذِكْرِ ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَهُمَا حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا كَمَا عَرَفْتَ هَذَا كُلُّهُ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى الثَّانِي فَالْأَخْذُ بأحاديث

الضَّرْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ لَيْسَ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ كَيْفَ وَهَلْ يَكُونُ فِي أَخْذِ الْمَرْجُوحِ وَتَرْكِ الرَّاجِحِ احْتِيَاطًا كَلَّا بَلِ الاحْتِيَاطُ فِي أَخْذِ حَدِيثِ ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ وَأَمَّا قَوْلُهُ التَّيَمُّمُ طَهَارَةٌ نَاقِصَةٌ إِلَخْ فَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ كَوْنُ التَّيَمُّمِ طَهَارَةً نَاقِصَةً بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ بَلِ الثَّابِتُ أَنَّ التَّيَمُّمَ عِنْدَ عَدَمِ وِجْدَانِ الْمَاءِ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّعِيدُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ الْحَدِيثَ رواه البزار وصححه بن الْقَطَّانِ وَلَكِنْ صَوَّبَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَهُ وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ نَحْوُهُ وَصَحَّحَهُ فَالتَّيَمُّمُ عِنْدَ عَدَمِ وِجْدَانِ الْمَاءِ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ وَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ وُضُوءٌ نَاقِصٌ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ التَّيَمُّمَ طَهَارَةٌ نَاقِصَةٌ فَالْأَخْذُ بِأَحَادِيثِ الضَّرْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ لَا يَكُونُ أَوْلَى وَلَا إِلَى الِاحْتِيَاطِ أَقْرَبَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ كَمَا أَنَّ الْأَخْذَ بِحَدِيثِ الْآبَاطِ لَيْسَ أَوْلَى وَلَا إِلَى الِاحْتِيَاطِ أَقْرَبَ عِنْدَ الشَّيْخِ الدَّهْلَوِيِّ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْوَجْهُ عَنْ عَمَّارٍ) وَفِي نُسْخَةٍ قَلَمِيَّةٍ صَحِيحَةٍ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَمَّارٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ (أَنَّهُ قَالَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ) بِالْجَرِّ عَلَى الْحِكَايَةِ (مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ وَاحِدٍ بَلْ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ (فَضَعَّفَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدِيثَ عَمَّارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ لَمَّا رُوِيَ عَنْهُ حَدِيثُ الْمَنَاكِبِ وَالْآبَاطِ) فَظَنَّ أَنَّ حَدِيثَ الْمَنَاكِبِ وَالْآبَاطِ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَمُعَارِضٌ لَهُ فَضَعَّفَهُ لِلِاخْتِلَافِ وَالِاضْطِرَابِ (قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) أَيْ فِي الْجَوَابِ عَنْ تَضْعِيفِ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ تَيَمُّمَهُمْ إِلَى الْمَنَاكِبِ وَالْآبَاطِ لَمْ يَكُنْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا التَّيَمُّمُ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَّمَهُ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الحديثين

وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ هَذَا هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ (فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى مَا عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَيْ إِنَّ عَمَّارًا انْتَهَى إِلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَكَانَ هُوَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ فَالْأَوَّلُ مَا فَهِمُوا مِنْ إِطْلَاقِ الْيَدِ فِي الْكِتَابِ فِي آيَةِ التَّيَمُّمِ وَالثَّانِي مَا انْتَهَوْا إِلَيْهِ بِتَعْلِيمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ الثَّانِي هُوَ الْمُعْتَبَرَ وَالْمَعْمُولَ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ عَمَّارًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اجْتَهَدَ أَوَّلًا ثُمَّ لَمَّا عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ [145] قَوْلُهُ (فَكَانَتِ السُّنَّةُ فِي الْقَطْعِ الْكَفَّيْنِ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ أَيِ الطَّرِيقَةُ فِي الدِّينِ قَطْعُ الْكَفَّيْنِ لِلسَّرِقَةِ يَعْنِي بِسَبَبِ إِطْلَاقِ الْيَدِ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ فَكَذَا التَّيَمُّمُ يَكْفِي فِيهِ مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ لِإِطْلَاقِ الْيَدِ فِي التَّيَمُّمِ وَمُطْلَقُ الْيَدِ الْكَفَّانِ بِدَلِيلِ آيَةِ السرقة انتهى وقال بن العربي في العارضة تحت أثر بن عَبَّاسٍ هَذَا مَا لَفْظُهُ هَذِهِ إِشَارَةُ حَبْرِ الْأُمَّةِ وَتُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ وَكَانَ كَلَامُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ قَبْلُ إِشَارَةً وَبَسْطُهُ أَنَّ اللَّهَ حَدَّدَ الْوُضُوءَ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ فَوَقَفْنَا عِنْدَ تَحْدِيدِهِ وَأَطْلَقَ الْقَوْلَ فِي الْيَدَيْنِ فَحُمِلَتْ عَلَى ظَاهِرِ مُطْلَقِ اسْمِ الْيَدِ وَهُوَ الْكَفَّانِ كَمَا فَعَلْنَا فِي السَّرِقَةِ فَهَذَا أَخْذٌ لِلظَّاهِرِ لَا قِيَاسٌ لِلْعِبَادَةِ عَلَى الْعُقُوبَةِ انْتَهَى (إِنَّمَا هُوَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّيْنِ) تَقْرِيرٌ لِلْمَطْلُوبِ بَعْدَ الْفَرَاغِ

باب ما جاء في الرجل يقرأ القرآن

مِنْ تَقْرِيرِ الدَّلِيلِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ الْكَفَّانِ لِأَنَّهُ خَبَرٌ لِهُوَ بِطَرِيقِ الْعَطْفِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَإِبْقَاءِ جَرِّ الْمُضَافِ إِلَيْهِ عَلَى حَالِهِ أَيْ إِنَّمَا هُوَ مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَهُوَ قَلِيلٌ وَلَكِنَّهُ وَارِدٌ كَقِرَاءَةِ بن جَمَّازٍ وَاَللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةِ بِجَرِّ الْآخِرَةِ أَيْ عِوَضَ الْآخِرَةِ أَيْ مَتَاعَهَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ 10 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ) عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا [146] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ) اسْمُهُ عبد الله بن سعيد بن حصين الكندي الْكُوفِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ رَوَى عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ وَأَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ ثِقَةٌ إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ قِيلَ مَاتَ سَنَةَ 257 سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ (وَعُقْبَةُ بْنُ خَالِدِ) بْنِ عُقْبَةَ السُّكُونِيُّ أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ الْمُجَدَّرُ بِالْجِيمِ الْمَفْتُوحَةِ رَوَى عَنْ هِشَامٍ وَالْأَعْمَشِ وَعَنْهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُمْ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ مَاتَ سِنَّةَ 188 ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ (وَابْنُ أبي ليلى) أعلم أن بن أَبِي لَيْلَى يُطْلَقُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَعَلَى أَبِيهِ وَعَلَى أخيه عيسى وعلى بن أخيه عبد الله بن عيسى والمراد ها هنا هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَدُوقٌ سيء الْحِفْظِ جِدًّا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أخيه عيسى وبن أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى وَنَافِعٍ مَوْلَى بن عمر وعمر وبن مُرَّةَ وَذَكَرَ كَثِيرًا مِنْ شُيُوخِهِ وَتَلَامِذَتِهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالَ الْحُفَّاظِ فِيهِ مَا مُحَصَّلُهَا أَنَّهُ صدوق سيء الْحِفْظِ فَقِيهٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِقْهُهُ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ حَدِيثِهِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَارِقٍ الْجُمَلِيِّ الْمُرَادِيِّ الْكُوفِيِّ الْأَعْمَى ثِقَةٌ عَابِدٌ كَانَ لَا يُدَلِّسُ وَرُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ) بِكَسْرِ اللَّامِ الْمُرَادِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مِنَ الثَّانِيَةِ رَوَى عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَمُعَاذٍ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَأَبُو الزُّبَيْرِ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُتَابَعُ فِي حَدِيثِهِ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَفِي الْخُلَاصَةِ قَوْلُهُ (يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ) مِنَ الْإِقْرَاءِ أَيْ يُعَلِّمُنَا (عَلَى كُلِّ حَالٍ) أَيْ متوضأ كَانَ أَوْ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ (مَا لَمْ يَكُنْ جُنُبًا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ مِنَ الْخَلَاءِ فَيُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ

وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ وَلَمْ يَكُنْ يَحْجُبُهُ أَوْ قَالَ يَحْجِزُهُ عَنِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ فَإِنْ قِيلَ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ يُخَالِفُ حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ حَالَ الْجَنَابَةِ أَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهَا عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ يَشْمَلُ حَالَةَ الْجَنَابَةِ أَيْضًا وَقَوْلَهَا يَذْكُرُ اللَّهَ يَشْمَلُ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ أَيْضًا يُقَالُ إِنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ يُخَصَّصُ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا فَيُرَادُ بِذِكْرِ اللَّهِ غَيْرُ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ قَالَ الْعَيْنِيُّ حَدِيثُ عَائِشَةَ لَا يُعَارِضُ حَدِيثَ عَلِيٍّ لِأَنَّهَا أَرَادَتِ الذِّكْرَ الَّذِي غَيْرُ الْقُرْآنِ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ حَدِيثُ عَائِشَةَ قَدْ خَصَّصَهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَحَادِيثُ أُخْرَى وَكَذَلِكَ هُوَ مُخَصَّصٌ بِحَالَةِ الْغَائِطِ وَالْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ وَالْمُرَادُ بِكُلِّ أَحْيَانِهِ مُعْظَمُهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ انْتَهَى وَقَالَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبَابِ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَرَأَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا لِمَنْ لَيْسَ بِجُنُبٍ لِأَنَّهُ نَهْيٌ وَأَمَّا الْجُنُبُ فَلَا وَلَا آيَةً قَالَ الْهَيْثَمِيُّ رِجَالُهُ مَوْثُوقُونَ وَهُوَ يَدُلُّ على التحريم لأنه نهى وأصله ذلك ويعاضدما سَلَفَ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ أَنَّهُ لَا يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن سلمة وحكى البخاري عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي بن سَلَمَةَ يُحَدِّثُنَا فَنَعْرِفُ وَنُنْكِرُ وَكَانَ قَدْ كَبِرَ لَا يُتَابَعُ فِي حَدِيثِهِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ الْحَدِيثِ يُثْبِتُونَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ فِي ثُبُوتِ هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ الْكُوفِيِّ وَكَانَ قَدْ كَبِرَ وَأُنْكِرَ مِنْ حَدِيثِهِ وَعَقْلِهِ بعض النكرة وإنما روى هذا الحديث بعد ما كَبِرَ قَالَهُ شُعْبَةُ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُوَهِّنُ حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا وَيُضَعِّفُ أَمْرَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قَوْلُهُ (قَالُوا يَقْرَأُ الرَّجُلُ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْبَابِ (وَلَا يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ) أَيْ أَخْذًا بِيَدِهِ وَمَا شَابَهَ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يمسه

وَيَقْرَأُ نَاظِرًا فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ (إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ) أَيْ مُتَوَضِّئٌ (وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ قَالَ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَا يَحْمِلُ أَحَدٌ الْمُصْحَفَ بِعَلَّاقَتِهِ وَلَا عَلَى وِسَادَةٍ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ وَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَحَلَّ فِي خَبِيئَتِهِ قَالَ وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَنْ يَحْمِلُهُ وَهُوَ غَيْرُ طَاهِرٍ إِكْرَامًا لِلْقُرْآنِ وَتَعْظِيمًا لَهُ انْتَهَى وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا وَكَانَ فِيهِ لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ لِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ مُرْسَلًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ وَقَالَ الْأَثْرَمُ وَاحْتَجَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي أَحْمَدُ بحديث بن عُمَرَ وَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إِلَّا عَلَى طَهَارَةٍ كذا في المنتقى قال بن عبد البر لاخلاف عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ صَالِحٍ وَهُوَ كِتَابٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ السِّيَرِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرِفَةً يُسْتَغْنَى بِهَا فِي شُهْرَتِهَا عَنِ الْإِسْنَادِ لِأَنَّهُ أَشْبَهَ الْمُتَوَاتِرَ لِتَلَقِّي النَّاسِ لَهُ بالقبول ولا يصح عليهم تلقي مالا يَصِحُّ انْتَهَى قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ إِلَّا لِمَنْ كَانَ طَاهِرًا وَلَكِنَّ الطَّاهِرَ يُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَالطَّاهِرِ مِنَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ وَمَنْ لَيْسَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَيَدُلُّ لِإِطْلَاقِهِ عَلَى الْأَوَّلِ قَوْلُ اللَّهِ تعالى إنما المشركون نجس وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ وَعَلَى الثَّانِي وَإِنْ كُنْتُمْ جنبا فاطهروا وَعَلَى الثَّالِثِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلَتْهُمَا طَاهِرَتَيْنِ وَعَلَى الرَّابِعِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي لَيْسَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ حِسِّيَّةٌ وَلَا حُكْمِيَّةٌ يُسَمَّى طَاهِرًا وَقَدْ وَرَدَ إِطْلَاقُ ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ مُجْمَلٌ فِي مَعَانِيهِ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ حَتَّى يَبِينَ وَقَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ حَدَثًا أَكْبَرَ أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ دَاوُدُ وَأَمَّا الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَرَ فَذَهَبَ بن عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَقَالَ الْقَاسِمُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ عندي قول أكثر الفقهاء وهو الذي يقتضه تَعْظِيمُ الْقُرْآنِ وَإِكْرَامُهُ وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ الطَّاهِرِ في هذا الحديث هو المتوضىء وَهُوَ الْفَرْدُ الْكَامِلُ لِلطَّاهِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وقال القارىء فِي شَرْحِ قَوْلِهِ لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ مَا لَفْظُهُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمَسَّهُ إِلَّا بِغِلَافٍ مُتَجَافٍ وَكُرِهَ بِالْكُمِّ قَالَ الطِّيبِيُّ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تعالى لا يمسه إلا المطهرون فَإِنَّ الضَّمِيرَ إِمَّا لِلْقُرْآنِ وَالْمُرَادُ نَهْيُ النَّاسِ عَنْ مَسِّهِ إِلَّا عَلَى الطَّهَارَةِ وَإِمَّا لِلَّوْحِ وَلَا نَافِيَةٌ وَمَعْنَى الْمُطَهَّرُونَ الْمَلَائِكَةُ

باب ما جاء في البول يصيب الأرض

فَإِنَّ الْحَدِيثَ كَشَفَ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْأَوَّلُ وَيُعَضِّدُهُ مَدْحُ الْقُرْآنِ بِالْكَرَمِ وَبِكَوْنِهِ ثَابِتًا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَيَكُونُ الْحُكْمُ بِكَوْنِهِ لَا يَمَسُّهُ مُرَتَّبًا عَلَى الْوَصْفَيْنِ الْمُتَنَاسِبَيْنِ لِلْقُرْآنِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ تَنْبِيهٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْأَكْثَرُونَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ مَسِّ الْقُرْآنِ لغير المتوضىء مَا لَفْظُهُ رَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا وَوَصَلَهُ النَّسَائِيُّ وبن حِبَّانَ وَهُوَ مَعْلُولٌ انْتَهَى قَالَ صَاحِبُ السُّبُلِ وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَعْلُولٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وَهُوَ متفق على تركه كما قاله بن حَزْمٍ وَوَهَمَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْيَمَانِيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْخَوْلَانِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ أَثْنَى عَلَيْهِ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْحُفَّاظِ وَكِتَابُ عَمْرِو بن حزم تلقاه الناس بالقبول قال بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّهُ أَشْبَهَ الْمُتَوَاتِرَ لِتَلَقِّي النَّاسِ لَهُ بِالْقَبُولِ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ لَا أَعْلَمُ كِتَابًا أَصَحَّ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ فَإِنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وَالتَّابِعِينَ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ وَيَدَعُونَ رَأْيَهُمْ وَقَالَ الْحَاكِمُ قَدْ شَهِدَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِمَامُ عَصْرِهِ الزُّهْرِيُّ بِالصِّحَّةِ بِهَذَا الْكِتَابِ وَفِي الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ إِلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ رِجَالُهُ مَوْثُوقُونَ وَذَكَرَ لَهُ شَاهِدَيْنِ انْتَهَى 11 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْبَوْلِ يُصِيبُ الْأَرْضَ) [147] قَوْلُهُ (دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْأَعْرَابِ وَهُمْ سُكَّانُ الْبَوَادِي وَوَقَعَتِ النِّسْبَةُ إِلَى الْجَمْعِ دُونَ الْوَاحِدِ فَقِيلَ أَعْرَابِيٌّ لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى الْقَبِيلَةِ كَأَنَّهَا وَاحِدٌ لِأَنَّهُ لَوْ نُسِبَ إِلَى الْوَاحِدِ وَهُوَ عَرَبٌ لَقِيلَ عَرَبِيٌّ فَيُشْتَبَهُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْعَرَبِيَّ كُلُّ مَنْ هُوَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَوَاءٌ كَانَ سَاكِنًا فِي الْبَادِيَةِ أَوْ بِالْقُرَى وَهَذَا غَيْرُ الْمَعْنَى الْأَوَّلِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَدْ جَاءَ فِي تَسْمِيَةِ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ وَتَعْيِينِهِ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَلَمْ أَرَ فِي هَذَا رِوَايَةً صَحِيحَةً خَالِيَةً عَنِ الْكَلَامِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْخٌ كَبِيرٌ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مَتَى السَّاعَةُ فَقَالَ لَهُ مَا أَعْدَدْتَ لَهَا فَقَالَ لَا وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا

صِيَامٍ إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ فأنت مع من أحببت قال فذهب الشيخ فَأَخَذَ يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَمَرَّ عَلَيْهِ النَّاسُ فَأَقَامُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَوْهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَصَبُّوا عَلَى بَوْلِهِ الْمَاءَ فَبَيَّنَ أَنَّ الْبَائِلَ فِي الْمَسْجِدِ هُوَ السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ المشهود له بالجنة انتهى كلام بن الْعَرَبِيِّ قُلْتُ فِي إِسْنَادِهِ الْمُعَلَّى الْمَالِكِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ الْمُعَلَّى مَجْهُولٌ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ حَكَى أَبُو بَكْرٍ التَّارِيخِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ وَأَخْرَجَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ اطَّلَعَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ الْيَمَانِيُّ وَكَانَ رَجُلًا جَافِيًا وَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا مُبْهَمٌ بَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ الذَّهَبِيِّ عَنْهُ وَهُوَ فِي جَمْعِ مسندا بن إِسْحَاقَ لِأَبِي زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيِّ مِنْ طَرِيقِ الشَّامِيِّينَ عَنْهُ بِهَذَا السَّنَدِ لَكِنْ قَالَ فِي أَوَّلِهِ اطَّلَعَ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ التَّمِيمِيُّ وَكَانَ جَافِيًا وَالتَّمِيمِيُّ هو حرقوس بْنُ زُهَيْرٍ الَّذِي صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ رؤوس الْخَوَارِجِ وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَمَانِيِّ لَكِنْ لَهُ أَصْلٌ أَصِيلٌ قَالَ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ فَارِسٍ أَنَّهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (لَقَدْ تَحَجَّرْتَ وَاسِعًا) بِصِيغَةِ الْخِطَابِ مِنْ بَابِ تَفَعَّلَ أَيْ ضَيَّقْتَ مَا وَسَّعَهُ اللَّهُ وَخَصَصْتَ بِهِ نَفْسَكَ دُونَ غَيْرِكَ وَأَصْلُ الْحَجْرِ الْمَنْعُ وَمِنْهُ الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ (فَأَسْرَعَ إِلَيْهِ النَّاسُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَزَجَرَهُ النَّاسُ وَلِمُسْلِمٍ فَقَالَ الصَّحَابَةُ مَهْ مَهْ وَلَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فَصَاحَ النَّاسُ بِهِ (أَهْرِيقُوا عَلَيْهِ) أَيْ صُبُّوا عَلَيْهِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَمْرٌ مِنْ أهراق يهريق بسكون الهاء إهراقا نحوا سطاعا وَأَصْلُهُ أَرَاقَ فَأُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ هَاءً ثُمَّ جُعِلَ عِوَضًا عَنْ ذَهَابِ حَرَكَةِ الْعَيْنِ فَصَارَتْ كَأَنَّهَا مِنْ نَفْسِ الْكَلِمَةِ ثُمَّ أُدْخِلَ عَلَيْهِ الْهَمْزَةُ أَيْ صُبُّوا (سَجْلًا) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الجيم الدلو الملآى ماء (أودلوا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ السَّجْلُ الدَّلْوُ وَالدَّلْوُ مُؤَنَّثَةٌ وَالسَّجْلُ مُذَكَّرٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَاءٌ فَلَيْسَتْ بِسَجْلٍ كَمَا أَنَّ الْقَدَحَ لَا يُقَالُ لَهُ كَأْسٌ إِلَّا إِذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ دَلْوٌ سَجِيلَةٌ أَيْ ضَخْمَةٌ وَكَذَلِكَ الذَّنُوبُ الدَّلْوُ الْمَلْأَى مَاءً مِثْلُهُ وَلَكِنَّهَا مُؤَنَّثَةٌ وَالْغَرْبُ الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ فَإِنْ فَتَحْتَهَا فَهُوَ الْمَاءُ السَّائِلُ مِنَ الْبِئْرِ وَالْحَوْضِ وَغَيْرِ ذلك أيضا انتهى

قلت وقال بن دُرَيْدٍ السَّجْلُ دَلْوٌ وَاسِعَةٌ وَفِي الصِّحَاحِ الدَّلْوُ الضَّخْمَةُ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ص 688 ج 1 فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ أَهْرِيقُوا عَلَيْهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ اعْتِبَارُ الْأَدَاءِ بِاللَّفْظِ وَإِنْ كَانَ الْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ اشتراطه وأن المعنى كاف ويحمل ها هنا عَلَى الشَّكِّ وَلَا مَعْنَى لِلتَّنْوِيعِ وَلَا لِلتَّخْيِيرِ وَلَا لِلْعَطْفِ فَلَوْ كَانَ الرَّاوِي يَرَى جَوَازَ الرواية بالمعنى لا قتصر عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَمَّا تَرَدَّدَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الدَّلْوِ وَالسَّجْلِ وَهُمَا بِمَعْنًى عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ التَّرَدُّدَ لِمُوَافَقَةِ اللَّفْظِ قَالَهُ الْحَافِظُ الْقُشَيْرِيُّ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا أَنْ لَوِ اتَّحَدَ الْمَعْنَى فِي السَّجْلِ وَالدَّلْوِ لُغَةً لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّحِدٍ فَالسَّجْلُ الدَّلْوُ الضَّخْمَةُ الْمَمْلُوءَةُ وَلَا يُقَالُ لَهَا فَارِغَةً سَجْلٌ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ (إِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ) أَيْ مُسَهِّلِينَ على الناس قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَطْهِيرِ الْأَرْضِ النَّجِسَةِ بِالْمُكَاثَرَةِ بِالْمَاءِ وَاسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ نَقْلُ التُّرَابِ مِنَ الْمَكَانِ بَعْدَ ذَلِكَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ بِهِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرِدْ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَظَاهِرُ ذَلِكَ الِاكْتِفَاءُ بِصَبِّ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَوْ وَجَبَ لَأَمَرَ بِهِ وَلَوْ أَمَرَ بِهِ لَذُكِرَ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ الْأَمْرُ بِنَقْلِ التُّرَابِ وَلَكِنَّهُ تُكُلِّمَ فِيهِ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ نَقْلُ التُّرَابِ وَاجِبًا فِي التَّطْهِيرِ لَاكْتُفِيَ بِهِ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِصَبِّ الْمَاءِ حِينَئِذٍ يَكُونُ زِيَادَةَ تَكْلِيفٍ وَتَعَبٍ مِنْ غَيْرِ مَنْفَعَةٍ تَعُودُ إِلَى الْمَقْصُودِ وَهُوَ تَطْهِيرُ الْأَرْضِ [148] قَوْلُهُ (قَالَ سَعِيدٌ قَالَ سُفْيَانُ وَحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ نَحْوَ هَذَا) حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وبن عَبَّاسٍ وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى عَنْهُ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَانِهِ فَاحْتُفِرَ وَصُبَّ عَلَيْهِ دَلْوًا مِنْ مَاءٍ وَفِيهِ سِمْعَانُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ سِمْعَانُ بْنُ مَالِكٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ قاله أبو زرعة وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا أَصْلَ لَهُ انْتَهَى وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَعْرَابِيٌّ فَبَايَعَهُ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَامَ فَفَشَجَ فَبَالَ فَهَمَّ النَّاسُ بِهِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَى بَوْلِهِ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ بن الأسقع فأخرجه بن مَاجَهْ فِي الطَّهَارَةِ وَفِي إِسْنَادِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الْهُزَلِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَفِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ الْهُزَلِيُّ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا مُسْلِمًا كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اسْتُدِلَّ بِهِ يَعْنِي بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ الْمُتَنَجِّسَةِ يَكُونُ بِالْمَاءِ لَا بِالْجَفَافِ بِالرِّيحِ وَالشَّمْسِ لِأَنَّهُ لَوْ كَفَى ذَلِكَ لَمَا حَصَلَ التَّكْلِيفُ بِطَلَبِ الْمَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْعِتْرَةِ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَزُفَرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ هُمَا مُطَهِّرَانِ لِأَنَّهُمَا يُحِيلَانِ الشَّيْءَ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَفِيهِ أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا وَلَا يُشْتَرَطُ حَفْرُهَا وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَطْهُرُ إِلَّا بِحَفْرِهَا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ص 162 ج 1 كَذَا أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ التَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَتْ رَخْوَةً بِحَيْثُ يَتَخَلَّلُهَا الْمَاءُ حَتَّى يُغْمَرَهَا فَهَذِهِ لَا تَحْتَاجُ إِلَى حَفْرٍ وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَتْ صُلْبَةً فَلَا بُدَّ مِنْ حَفْرِهَا وَإِلْقَاءِ التُّرَابِ لِأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يَغْمُرْ أَعْلَاهَا وَأَسْفَلَهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ إِذَا أَصَابَتِ الْأَرْضَ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ فَإِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ رَخْوَةً صُبَّ عَلَيْهَا الْمَاءُ حَتَّى يَتَسَفَّلَ فِيهَا وَإِذَا لَمْ يَبْقَ عَلَى وَجْهِهَا شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَةِ وَتَسَفَّلَ الْمَاءُ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهَا وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا الْعَدَدُ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَمَا هُوَ فِي غَالِبِ ظَنِّهِ أَنَّهَا طَهُرَتْ وَيَقُومُ التَّسَفُّلُ فِي الْأَرْضِ مَقَامَ الْعَصْرِ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْعَصْرَ وَعَلَى قِيَاسِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يُصَبُّ عَلَيْهَا الْمَاءُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَتَسَفَّلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَإِنْ كَانَتِ الْأَرْضُ صُلْبَةً فَإِنْ كَانَتْ صَعُودًا يُحْفَرُ فِي أَسْفَلِهَا حُفَيْرَةٌ وَيُصَبُّ الْمَاءُ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَتَسَفَّلُ إِلَى الْحُفَيْرَةِ ثُمَّ تُكْبَسُ الْحُفَيْرَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُسْتَوِيَةً بِحَيْثُ لَا يَزُولُ عَنْهَا الْمَاءُ لَا يُغْسَلُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِي الْغَسْلِ بَلْ تُحْفَرُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَطْهُرُ الْأَرْضُ حَتَّى تُحْفَرَ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي وَصَلَتْ إِلَيْهِ النَّدَاوَةُ وَيُنْقَلُ التُّرَابُ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَالْأَرْضُ وَالْآجُرُّ الْمَفْرُوشُ بِالْيُبْسِ وَذَهَابُ الْأَثَرِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلتَّيَمُّمِ انْتَهَى

وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ الْمُتَنَجِّسَةِ يَكُونُ بِالْجَفَافِ وَالْيُبْسِ بِحَدِيثِ زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِهِ لَا أَصْلَ لَهُ في المرفوع نعم ذكره بن أَبِي شَيْبَةَ مَوْقُوفًا عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مِنْ قَوْلِهِ بِلَفْظِ جُفُوفُ الْأَرْضِ طهورها انتهى وبحديث بن عُمَرَ قَالَ كُنْتُ أَبِيتُ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْتُ فَتًى شَابًّا عَزَبًا وَكَانَتِ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ مِنْ ذَلِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ بَابٌ فِي طُهُورِ الْأَرْضِ إِذَا يَبِسَتْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتَدَلَّ أَبُو دَاوُدَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ إِذَا لَاقَتْهَا النَّجَاسَةُ بِالْجَفَافِ يَعْنِي أَنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ صَبِّ الْمَاءِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى فَلَوْلَا أَنَّ الْجَفَافَ يُفِيدُ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ مَا تَرَكُوا ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ اسْتِدْلَالُ أبي داود بهذا الحديث على أن أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ صَحِيحٌ لَيْسَ فِيهِ عِنْدِي خَدْشَةٌ إِنْ كَانَ فِيهِ لَفْظُ تَبُولُ مَحْفُوظًا وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهُ يُقَالُ إِنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِالْوَجْهَيْنِ أَعْنِي بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا وَبِالْجَفَافِ وَالْيُبْسِ بِالشَّمْسِ أَوِ الْهَوَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَطْهُرُ إِلَّا بِالْحَفْرِ بِرِوَايَاتٍ جَاءَ فِيهَا ذِكْرُ الْحَفْرِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ 111 ج 1 وَرَدَ فِيهِ الْحَفْرُ مِنْ طَرِيقَيْنِ مُسْنَدَيْنِ وَطَرِيقَيْنِ مُرْسَلَيْنِ فَالْمُسْنَدَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ سِمْعَانِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَانِهِ فَاحْتُفِرَ وَصُبَّ عَلَيْهِ دَلْوًا من ماء انتهى وذكر بن أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهُ مُنْكَرٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ انْتَهَى أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ الثَّانِي أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنِ الْجَبَّارِ بْنِ العلاء عن بن عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ احْفِرُوا مَكَانَهُ ثُمَّ صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهَمَ عَبْدُ الْجَبَّارِ علي بن عيينة لأن أصحاب بن عُيَيْنَةَ الْحُفَّاظَ رَوَوْهُ عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سعيد بدون الحفر وإنما روى بن عُيَيْنَةَ هَذَا عَنْ طَاوُسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ احْفِرُوا مَكَانَهُ مُرْسَلًا انْتَهَى وَأَمَّا الْمُرْسَلَانِ

فَأَحَدُهُمَا هَذَا الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَالثَّانِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ قَالَ صَلَّى أَعْرَابِيٌّ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ خُذُوا مَا بَالَ عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ فَأَلْقُوهُ وَأَهْرِيقُوا عَلَى مَكَانِهِ مَاءً قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا مُرْسَلٌ فَإِنَّ بن مَعْقِلٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِحَدِيثٍ جَاءَ من ثلاث طرق أحدها موصول عن بن مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ قَالَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَالْآخَرَانِ مُرْسَلَانِ أَخْرَجَ أَحَدَهُمَا أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُقَرِّنٍ وَالْآخَرُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ وَرُوَاتُهُمَا ثِقَاتٌ وَهُوَ يَلْزَمُ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ مُطْلَقًا وَكَذَا مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ إِذَا اعْتَضَدَ مُطْلَقًا وَالشَّافِعِيُّ إِنَّمَا يُعْتَضَدُ عِنْدَهُ إِذَا كَانَ مِنْ رِوَايَةِ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَكَانَ مَنْ أَرْسَلَ إِذَا سَمَّى لَا يُسَمِّي إِلَّا ثِقَةً وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي الْمُرْسَلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ سَنَدَيْهِمَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ الْمُتَّصِلَةُ الصَّحِيحَةُ خَالِيَةٌ عَنْ حَفْرِ الْأَرْضِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا ذِكْرُ حَفْرِ الْأَرْضِ فَمِنْهَا مَا هُوَ مَوْصُولٌ فَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُرْسَلٌ فَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ عِنْدَ مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ وَأَمَّا مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ فَعِنْدَ بَعْضِهِمْ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ كَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْأَرْضَ لَا تَطْهُرُ إِلَّا بِالْحَفْرِ وَنَقْلِ التُّرَابِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ إِلَّا عِنْدَ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ مُطْلَقًا وَعِنْدَ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ إِذَا اعْتَضَدَ مُطْلَقًا وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ ثُمَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ بِالشَّمْسِ أَوِ الْهَوَاءِ إِنْ كَانَ لَفْظُ تَبُولُ في حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ مَحْفُوظًا وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهَا لَا تَطْهُرُ إِلَّا بِالْحَفْرِ وَنَقْلِ التُّرَابِ فَمُسْتَنِدُهُ الرِّوَايَاتُ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا ذِكْرُ الْحَفْرِ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِي تِلْكَ الرِّوَايَاتِ مِنَ الْمَقَالِ ثُمَّ هِيَ إِنْ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ النَّجِسَةَ لَا تَطْهُرُ إِلَّا بِالْحَفْرِ وَنَقْلِ التراب فهي معارضة بحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَبِحَدِيثِ الْبَابِ هَذَا مَا عِنْدِي والله أعلم

2 - أبواب الصلاة

2 - أبواب الصَّلَاةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسم الله الرحمن الرحيم (بَابٌ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمْعُ مِيقَاتٍ وَهُوَ مِفْعَالٌ مِنَ الْوَقْتِ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمَحْدُودُ مِنَ الزَّمَانِ أَوِ الْمَكَانِ [149] (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيُّ أَبُو الْحَارِثِ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ (عَنْ حكيم بن حكيم وهو بن عَبَّادِ بْنِ حَنِيفٍ) الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ صَدُوقٌ قَالَهُ الحافظ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَالَهُ الْخَزْرَجِيُّ (قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) النَّوْفَلِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ أَوْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مَاتَ سَنَةَ 99 تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ قَوْلُهُ (أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ) أَيْ عِنْدَ بَيْتِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْأُمِّ لِلشَّافِعِيِّ عِنْدَ بَابِ

الْكَعْبَةِ (مَرَّتَيْنِ) أَيْ فِي يَوْمَيْنِ لِيُعَرِّفَنِي كَيْفِيَّةَ الصَّلَاةِ وَأَوْقَاتِهَا (فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا) أَيِ الْمَرَّةِ الْأُولَى مِنَ الْمَرَّتَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ في الفتح بين بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ ذَلِكَ كَانَ صَبِيحَةَ اللَّيْلَةِ الَّتِي فُرِضَتْ فِيهَا الصَّلَاةُ وَهِيَ لَيْلَةُ الإسراء قال بن إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ نَافِعِ بن جبير وقال عبد الرزاق عن بن جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ لَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْرِيَ بِهِ لَمْ يَرُعْهُ إِلَّا جِبْرِيلُ نَزَلَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الْأُولَى أَيْ صَلَاةُ الظُّهْرِ فَأَمَرَ فَصِيحَ بِأَصْحَابِهِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ فَاجْتَمَعُوا فَصَلَّى بِهِ جِبْرِيلُ وَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ انْتَهَى (حِينَ كَانَ الْفَيْءُ) هُوَ ظِلُّ الشَّمْسِ بَعْدَ الزَّوَالِ (مِثْلَ الشِّرَاكِ) أَيْ قدره قال بن الْأَثِيرِ الشِّرَاكُ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى وَجْهِهَا انْتَهَى وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَتْ قَدْرَ الشِّرَاكِ قَالَ بن الأثير قدره ها هنا لَيْسَ عَلَى مَعْنَى التَّحْدِيدِ وَلَكِنَّ زَوَالَ الشَّمْسِ لَا يَبِينُ إِلَّا بِأَقَلِّ مَا يُرَى مِنَ الظِّلِّ وَكَانَ حِينَئِذٍ بِمَكَّةَ هَذَا الْقَدْرُ وَالظِّلُّ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ ذَلِكَ فِي مِثْلِ مَكَّةَ مِنَ الْبِلَادِ الَّتِي يَقِلُّ فِيهَا الظِّلُّ فَإِذَا كَانَ طُولُ النَّهَارِ وَاسْتَوَتِ الشَّمْسُ فَوْقَ الْكَعْبَةِ لَمْ يُرَ بِشَيْءٍ مِنْ جَوَانِبِهَا ظِلٌّ فَكُلُّ بَلَدٍ يَكُونُ أَقْرَبَ إِلَى خَطِّ الِاسْتِوَاءِ وَمُعَدَّلِ النَّهَارِ يَكُونُ الظِّلُّ فِيهِ أقصر وكل ما بَعُدَ عَنْهُمَا إِلَى جِهَةِ الشِّمَالِ يَكُونُ الظِّلُّ أَطْوَلَ انْتَهَى (ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَ ظِلِّهِ) أَيْ سِوَى ظِلِّهِ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الزَّوَالِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِلَفْظِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ وكان الفيء قدر الشراك ثم صلى العصر حين كان الْفَيْءُ قَدْرَ الشِّرَاكِ وَظِلِّ الرَّجُلِ (ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتِ الشَّمْسُ) أَيْ غَرَبَتْ (وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ) أَيْ دَخَلَ وَقْتُ إِفْطَارِهِ بِأَنْ غَابَتِ الشَّمْسُ فَهُوَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ (ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ) أَيِ الْأَحْمَرُ عَلَى الْأَشْهَرِ قاله القارىء وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْمُرَادُ بِالشَّفَقِ الْأَحْمَرِ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَطَائِفَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَأَهْلِ اللُّغَةِ الْمُرَادُ الْأَبْيَضُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَا الشَّفَقُ هُوَ الْحُمْرَةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ قَالَ فِي النَّهْرِ وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ وَقَالَ فِي الدُّرِّ الشَّفَقُ هُوَ الْحُمْرَةُ عِنْدَهُمَا وَبِهِ قَالَتِ الثَّلَاثَةُ وَإِلَيْهِ رَجَعَ الْإِمَامُ كَمَا هُوَ فِي شُرُوحِ الْمَجْمَعِ وَغَيْرِهِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَبِهِ يُفْتَى كَذَا فِي حَاشِيَةِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْمَذْهَبَ الرَّاجِحَ الْمُخْتَارَ هُوَ أَنَّ الشَّفَقَ الْحُمْرَةُ يَدُلُّ عليه حديث بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال الشفق الحمرة رواه الدارقطني وصححه بن خزيمة

وغيره ووقفه على بن عُمَرَ كَذَا فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ الْبَحْثُ لغوي والمرجع فيه إلى أهل اللغة وبن عُمَرَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَمُخُّ الْعَرَبِ فَكَلَامُهُ حُجَّةٌ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ انْتَهَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ مُسْلِمٍ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيِ انْتِشَارُهُ وَثَوَرَانُ حُمْرَتِهِ مِنْ ثَارَ الشَّيْءُ يَثُورُ إِذَا انْتَشَرَ وَارْتَفَعَ انْتَهَى وَفِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الشُّمُنِّيُّ هُوَ ثَوَرَانُ حُمْرَتِهِ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ فَوْرُ الشَّفَقِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ بَقِيَّةُ حُمْرَةِ الشَّفَقِ فِي الْأُفُقِ وَسُمِّيَ فَوْرًا بِفَوَرَانِهِ وَسُطُوعِهِ وَرُوِيَ أَيْضًا ثَوْرُ الشَّفَقِ وَهُوَ ثَوَرَانُ حُمْرَتِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هُوَ بَقِيَّةُ حُمْرَةِ الشَّمْسِ فِي الْأُفُقِ الْغَرْبِيِّ سُمِّيَ فَوْرًا لِسُطُوعِهِ وَحُمْرَتِهِ وَيُرْوَى بِالثَّاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ انْتَهَى (ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ) أَيْ طَلَعَ (وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ) أَيْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي (حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ) أَيْ فَرَغَ مِنَ الظُّهْرِ حِينَئِذٍ كَمَا شَرَعَ فِي الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَئِذٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ يَنْدَفِعُ اشْتِرَاكُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ عَلَى مَا زَعَمَهُ جَمَاعَةٌ وَيَدُلُّ لَهُ خَبَرُ مُسْلِمٍ وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ (ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الْأَوَّلِ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَقْتًا وَاحِدًا وَهُوَ عَقِبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِقَدْرِ مَا يَتَطَهَّرُ وَيَسْتُرُ عورته ويؤذن ويقيم فإن أخر الدخول في الصَّلَاةِ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ أَثِمَ وَصَارَتْ قَضَاءً وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ من أصحابنا إلى ترجيح القول بجواز تأخيرها مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمَيْنِ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَانِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ وَقْتَ الْجَوَازِ وَهَذَا جَارٍ فِي الصَّلَوَاتِ سِوَى الظُّهْرِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِمَكَّةَ وَأَحَادِيثُ امْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إِلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ مُتَأَخِّرَةٌ فِي أَوَاخِرِ الْأَمْرِ بِالْمَدِينَةِ فَوَجَبَ اعْتِمَادُهَا وَالثَّالِثُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَصَحُّ إِسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ بَيَانِ جِبْرِيلَ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا انْتَهَى

كَلَامُ النَّوَوِيِّ (فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ (وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ من قبلك) قال بن الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ ظَاهِرُهُ يُوهِمُ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَانَتْ مَشْرُوعَةً لِمَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا وَقْتُكَ الْمَشْرُوعُ لَكَ يَعْنِي الْوَقْتَ الْمُوَسَّعَ الْمَحْدُودَ بِطَرَفَيْنِ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ وَقَوْلُهُ وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ يَعْنِي وَمِثْلُهُ وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ أَيْ صَلَاتُهُمْ كَانَتْ وَاسِعَةَ الْوَقْتِ وَذَاتَ طَرَفَيْنِ وَإِلَّا فَلَمْ تَكُنْ هَذِهِ الصَّلَوَاتُ عَلَى هَذَا الْمِيقَاتِ إِلَّا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ خَاصَّةً وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي بَعْضِهَا وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ الْعِشَاءِ أَعْتِمُوا بِهَذِهِ الصَّلَاةِ فَإِنَّكُمْ قَدْ فُضِّلْتُمْ بِهَا عَلَى سائر الأمم وكذا قال بن سَيِّدِ النَّاسِ وَقَالَ يُرِيدُ فِي التَّوْسِعَةِ عَلَيْهِمْ فِي أَنَّ الْوَقْتَ أَوَّلًا وَآخِرًا لَا أَنَّ الْأَوْقَاتَ هِيَ أَوْقَاتُهُمْ بِعَيْنِهَا كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ) قَالَ بن سَيِّدِ النَّاسِ يُرِيدُ هَذَيْنِ وَمَا بَيْنَهُمَا أَمَّا إرادته أن الوقتين الذين أَوْقَعَ فِيهِمَا الصَّلَاةَ وَقْتٌ لَهَا فَتَبَيَّنَ بِفِعْلِهِ وَأَمَّا الْإِعْلَامُ بِأَنَّ مَا بَيْنَهُمَا أَيْضًا وَقْتٌ فَبَيَّنَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبُرَيْدَةَ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ والنسائي وصححه بن السَّكَنِ وَالْحَاكِمُ وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَفَصَّلَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّحَاوِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ البراء فذكره بن أَبِي خَيْثَمَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وبن السَّكَنِ فِي صَحِيحِهِ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُعْجَمِهِ

باب منه أي مما جاء في مواقيت الصلاة عن النبي

[150] قوله (حديث بن عباس حديث حسن) وصححه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ إن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّ الْكَلَامَ فِي إِسْنَادِهِ لَا وَجْهَ لَهُ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَأَبُو داود وبن خُزَيْمَةَ وَالدّارَقُطْنيُّ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْمَوَاقِيتِ حَدِيثُ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال بن الْقَطَّانِ حَدِيثُ جَابِرٍ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُرْسَلًا لأن جابرا لم يذكر من حديثه بِذَلِكَ وَلَمْ يُشَاهِدْ ذَلِكَ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّهُ أَنْصَارِيٌّ إِنَّمَا صَحِبَ بِالْمَدِينَةِ قال وبن عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ اللَّذَانِ رَوَيَا أَيْضًا قِصَّةَ إِمَامَةِ جِبْرِيلَ فَلَيْسَ يَلْزَمُ فِي حَدِيثِهِمَا مِنَ الْإِرْسَالِ مَا فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ لِأَنَّهُمَا قَالَا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ وَقَصَّهُ عَلَيْهِمَا كَذَا فِي قُوتِ المغتذي (بَابٌ مِنْهُ أَيْ مِمَّا جَاءَ فِي مَوَاقِيتِ الصلاة عَنِ النَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا الْبَابُ كَالْفَصْلِ مِنَ الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ [151] قَوْلُهُ (نَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ) بْنِ غَزْوَانَ الضَّبِّيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ عَارِفٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ مَاتَ سَنَةَ

195 - خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ قَوْلُهُ (وَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ حِينَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا) كَأَنَّ وَقْتَهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ (وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ) أَيْ آخِرَ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَالْمُسْتَحَبِّ وَإِلَّا فَآخِرُ وَقْتِهَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ (وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَنْتَصِفُ اللَّيْلُ) أَيْ آخِرَ وَقْتِهَا اخْتِيَارًا أَمَّا وَقْتُ الْجَوَازِ فَيَمْتَدُّ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ إِذَا ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ صَارَتْ قَضَاءً وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وقت الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ ما لم تصفر الشمس ووقت الصلاة الْمَغْرِبِ مَا لَمْ تَغِبِ الشَّمْسُ وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ حَدِيثُ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْمَوَاقِيتِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنِ الْأَعْمَشِ) حَدِيثُ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي الْمَوَاقِيتِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا (وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ خَطَأٌ أَخْطَأَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ) أَيْ أَخْطَأَ فِي الْإِسْنَادِ حَيْثُ رَوَى عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا هُوَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَ يُقَالُ إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ وَقَالَ صحيح الإسناد

[152] قَوْلُهُ (وَالْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ (الْبَزَّارُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ مُهْمَلَةٌ أَبُو عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ ثُمَّ الْبَغْدَادِيُّ أَحَدُ أَعْلَامِ السُّنَّةِ رَوَى عَنْ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ وَمَعْنِ بْنِ عِيسَى وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ 942 تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ يَهِمُ وَكَانَ عَابِدًا فَاضِلًا انْتَهَى (وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى) أَبُو الْعَبَّاسِ السِّمْسَارُ الْمَعْرُوفُ بِمَرْدَوَيْهِ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (قَالُوا ثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ) الْمَخْزُومِيُّ الْوَاسِطِيُّ ثِقَةٌ قِيلَ لِأَحْمَدَ أَثِقَةٌ هُوَ قَالَ إِيْ وَاللَّهِ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ) بْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيُّ الْمَرْوَزِيُّ ثقة وثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ قَالَ الْحَاكِمُ لَمْ يَذْكُرْ سَمَاعًا مِنْ أَبِيهِ قَالَ الْخَزْرَجِيُّ حَدِيثُهُ عَنْ أَبِيهِ فِي مُسْلِمٍ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا صَحَابِيٌّ أَسْلَمَ قَبْلَ بَدْرٍ مَاتَ سَنَةَ 36 ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ قَوْلُهُ (فَقَالَ أَقِمْ مَعَنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ كَأَنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ وَإِلَّا فَلَمْ يُعْرَفْ تَقْيِيدُ الْأَمْرِ بِمِثْلِ هَذَا الشَّرْطِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ يَعْنِي الْيَوْمَيْنِ (فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ بِغَلَسٍ فَصَلَّى الصُّبْحَ فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ أَيْ عَنْ حَدِّ الِاسْتِوَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ عَنْ بَطْنِ السَّمَاءِ فَصَلَّى الْعَصْرَ (وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ مُرْتَفِعَةٌ) أَيْ لَمْ تَخْتَلِطْ بِهَا صُفْرَةٌ أَيْ فَصَلَّى الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ (ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ) أَيْ طَرَفُهَا الْأَعْلَى كَذَا فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حِينَ غَابَتِ الشمس

باب ما جاء في التغليس بالفجر

(فَنَوَّرَ بِالْفَجْرِ) مِنَ التَّنْوِيرِ أَيْ أَسْفَرَ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ (فَأَبْرَدَ وَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ) أَيْ أَبْرَدَ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ وَزَادَ وَبَالَغَ فِي الْإِبْرَادِ يُقَالُ أَحْسَنَ إِلَى فُلَانٍ وَأَنْعَمَ أَيْ زَادَ فِي الْإِحْسَانِ وَبَالَغَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْإِبْرَادُ أَنْ يَتَفَيَّأَ الْأَفْيَاءُ وَيَنْكَسِرَ وَهَجُ الْحَرِّ فَهُوَ بَرَدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَرِّ الظَّهِيرَةِ (فَأَقَامَ وَالشَّمْسُ آخِرَ وَقْتِهَا فَوْقَ مَا كَانَتْ) أَيْ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالْحَالُ أَنَّ الشَّمْسَ آخِرَ وَقْتِهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَوْقَ الْوَقْتِ الَّذِي كَانَتِ الشَّمْسُ فِيهِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حين صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ وَقَدْ كَانَ صَلَّاهَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ كَانَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مرتفعة أخرها فوق الذي كان قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَخَّرَ بِالتَّشْدِيدِ أَيْ أَخَّرَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَوْقَ التَّأْخِيرِ الَّذِي وُجِدَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِأَنْ أَوْقَعَهَا حِينَ صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ مِثْلَيْهِ كَمَا بَيَّنَتْهُ الرِّوَايَاتُ الْأُخَرُ يُرِيدُ أَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ كَانَتْ مُؤَخَّرَةً عَنِ الظُّهْرِ لِأَنَّهَا كَانَتْ مُؤَخَّرَةً عَنْ وَقْتِهَا انتهى (فقال الرجل أنا ها هنا حَاضِرٌ فَقَالَ مَوَاقِيتُ الصَّلَاةِ كَمَا بَيْنَ هَذَيْنِ) الْكَافُ زَائِدَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ وَقْتُ صَلَاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّغْلِيسِ بِالْفَجْرِ) أَيْ أَدَاءِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي الْغَلَسِ وَالْغَلَسُ ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ

[153] قَوْلُهُ (وَنَا الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ قَدْ يَقُولُ الْأَنْصَارِيُّ وَقَدْ يُصَرِّحُ باسمه (نا معن) هو بن عِيسَى بْنُ يَحْيَى الْأَشْجَعِيُّ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ) إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ أَيْ إِنَّهُ كَانَ (قَالَ الْأَنْصَارِيُّ) أَيْ فِي رِوَايَتِهِ (فَتَمُرُّ النِّسَاءُ متلففات) بالنصب على الحالية من التلفف بالفائين (بِمُرُوطِهِنَّ) الْمُرُوطُ جَمْعُ مِرْطٍ بِكَسْرِ مِيمٍ وَسُكُونِ رَاءٍ وَهُوَ كِسَاءٌ مُعَلَّمٌ مِنْ خَزٍّ أَوْ صُوفٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كَذَا قَالَ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ أَيْ فَتَمُرُّ النِّسَاءُ حَالَ كَوْنِهِنَّ مُغَطِّيَاتٍ رؤوسهن وَأَبْدَانَهُنَّ بِالْأَكْسِيَةِ (مَا يُعْرَفْنَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَمَا نَافِيَةٌ أَيْ لَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ (مِنَ الْغَلَسِ) مِنْ تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ لِأَجْلِ الْغَلَسِ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ لَا يُعْرَفْنَ أَنِسَاءٌ أَمْ رِجَالٌ لَا يَظْهَرُ لِلرَّائِي إِلَّا الْأَشْبَاحُ خَاصَّةً وَقِيلَ لَا يُعْرَفُ أَعْيَانُهُنَّ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ خَدِيجَةَ وَزَيْنَبَ وَضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الْمُتَلَفِّفَةَ فِي النَّهَارِ لَا تُعْرَفُ عَيْنُهَا فَلَا يَبْقَى فِي الْكَلَامِ فَائِدَةٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ إِنَّمَا تَتَعَلَّقُ بِالْأَعْيَانِ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ لَعَبَّرَ بِنَفْيِ الْعِلْمِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمُتَلَفِّفَةَ بِالنَّهَارِ لَا تُعْرَفُ عَيْنُهَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ لِكُلِّ امْرَأَةٍ هَيْئَةً غَيْرَ هَيْئَةِ الْأُخْرَى فِي الْغَالِبِ وَلَوْ كَانَ بَدَنُهَا مُغَطًّى وَقَالَ الْبَاجِي هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ كن سافرات إذ لو كن متنقبات لَمَنَعَ تَغْطِيَةُ الْوَجْهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِنَّ لَا الْغَلَسُ قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ مَا فِيهِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاشْتِبَاهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ هَيْئَةً غَالِبًا فَلَا يَلْزَمُ مَا ذُكِرَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ أَنَّهُ كَانَ يَنْصَرِفُ مِنَ الصَّلَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ لِأَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ رُؤْيَةِ الْمُتَلَفِّعَةِ عَلَى بُعْدٍ وَذَلِكَ إِخْبَارٌ عَنْ رُؤْيَةِ الْجَلِيسِ انْتَهَى (وَقَالَ قُتَيْبَةُ) أَيْ رِوَايَتُهُ (مُتَلَفِّعَاتٌ) مِنَ التَّلَفُّعِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ مُتَلَفِّفَاتٍ بِأَكْسِيَتِهِنَّ وَاللِّفَاعُ ثَوْبٌ يُجَلَّلُ بِهِ الْجَسَدُ كُلُّهُ كِسَاءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَتَلَفَّعَ بِالثَّوْبِ إِذَا اشْتَمَلَ بِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ التَّلَفُّعُ أَنْ تَشْتَمِلَ بِالثَّوْبِ حَتَّى تُجَلِّلَ بِهِ جَسَدَكَ وَفِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ لِابْنِ حَبِيبٍ التَّلَفُّعُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَالتَّلَفُّفُ يَكُونُ بِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ وَكَشْفِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَقَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ) أَمَّا حَدِيثُ بن عمر فأخرجه بن

مَاجَهْ وَيَأْتِي لَفْظُهُ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ قَالَ كُنْتُ مَعَ بن عُمَرَ فَقُلْتُ لَهُ إِنِّي أُصَلِّي مَعَكَ ثُمَّ أَلْتَفِتُ فَلَا أَرَى وَجْهَ جَلِيسِي ثُمَّ أَحْيَانَا تُسْفِرُ فَقَالَ كَذَلِكَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَأَحْبَبْتُ أَنْ أُصَلِّيَهَا كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو الرَّبِيعِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْهُولٌ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سُحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ فَقُلْنَا لِأَنَسٍ كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سُحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً وَأَمَّا حَدِيثُ قَيْلَةَ بِنْتِ مَخْرَمَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ أَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ وَالْعِشَاءَ إِذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَفِيهِ وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ فَسَيَأْتِي تَخْرِيجُهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وعمرو من بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَسْتَحِبُّونَ التَّغْلِيسَ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ) وَهُوَ قَوْلُ مالك قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَأَمَّا صَلَاةُ الصُّبْحِ فَالتَّغْلِيسُ بِهَا أَفْضَلُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ قال بن عَبْدِ الْبَرِّ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُغْلِسُونَ وَمُحَالٌ أَنْ يَتْرُكُوا الْأَفْضَلَ وَيَأْتُوا الدُّونَ وَهُمُ النِّهَايَةُ فِي إِتْيَانِ الْفَضَائِلِ انْتَهَى وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ تَغْلِيسُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتٌ وَأَنَّهُ دَاوَمَ عَلَيْهِ إِلَى أَنْ فَارَقَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدَاوِمُ إِلَّا عَلَى مَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ مِنْ بَعْدِهِ تَأَسِّيًا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ ثُمَّ صَلَّى

مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَعُدْ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ قَالَ هَذَا طَرَفٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي شَرْحِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحِ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهَذَا إِسْنَادٌ رُوَاتُهُ عَنْ آخِرِهِ ثِقَاتٌ وَالزِّيَادَةُ عَنِ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَرَأَوْا التَّغْلِيسَ أَفْضَلَ رُوِّينَا ذَلِكَ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَعَنِ بن مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَمِنَ التَّابِعِينَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَازِمِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا رُؤْيَتَهُ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي قِصَّةِ الْإِسْفَارِ رُوَاتُهَا عَنْ آخِرِهِمْ ثِقَاتٌ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ وقال الخطابي هو صحيح الإسناد وقال بن سَيِّدِ النَّاسِ إِسْنَادٌ حَسَنٌ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ رِجَالُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يَكُونُ إِسْنَادُ أَبِي مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ صَحِيحًا أَوْ حَسَنًا وَفِيهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَرَاجَعَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ إِذَا تَدَبَّرْتَ حَدِيثَهُ تَعْرِفُ فِيهِ النُّكْرَةَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ تُرِكَ حَدِيثُهُ بِأَخَرَةٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ ثِقَةٌ فَزِيَادَتُهُ الْمَذْكُورَةُ شَاذَّةٌ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فَإِنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهَا وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يَذْكُرُوا هَذِهِ الزِّيَادَةَ غَيْرَهُ وَالثِّقَةُ إِذَا خَالَفَ الثِّقَاتِ فِي الزِّيَادَةِ فَزِيَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ وَتَكُونُ غَيْرَ مَحْفُوظَةٍ قُلْتُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ وَإِنْ تُكُلِّمَ فِيهِ لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ ثِقَةٌ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ قَالَ إِمَامُ هَذَا الشَّأْنِ يَحْيَى بْنُ معين ثقة حجة وقال بن عَدِيٍّ لَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي كِتَابِهِ ذِكْرُ أَسْمَاءِ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ وَهُوَ مُوَثَّقٌ حَيْثُ قَالَ فِيهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ لَا الْعَدَوِيُّ صَدُوقٌ قَوِيُّ الْحَدِيثِ أَكْثَرَ مُسْلِمٌ إِخْرَاجَ حديث بن وَهْبٍ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهَا شَوَاهِدُ أَوْ مُتَابَعَاتٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ثِقَةٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ انْتَهَى وَأَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ إِذَا تَدَبَّرْتَ حَدِيثَهُ تَعْرِفُ فِيهِ النُّكْرَةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهُ الْإِطْلَاقَ بَلْ أَرَادَ حَدِيثَهُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ فَفِي الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَوَى عَنْ نَافِعٍ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ فقال

أَحْمَدُ إِنْ تَدَبَّرْتَ حَدِيثَهُ فَسَتَعْرِفُ فِيهِ النُّكْرَةَ عَلَى أَنَّ قَوْلَ أَحْمَدَ فِي رَجُلٍ رَوَى مَنَاكِيرَ لَا يَسْتَلْزِمُ ضَعْفَهُ فَقَدْ قَالَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّمِيمِيِّ فِي حَدِيثِهِ شَيْءٌ يَرْوِي أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ الْجَمَاعَةُ وَكَذَا قَالَ فِي بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ رَوَى مَنَاكِيرَ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ كُلُّهُمْ كَذَا فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي وَأَمَّا قَوْلُ يَحْيَى الْقَطَّانِ تُرِكَ حَدِيثُهُ بِأَخَرَةٍ فَغَيْرُ قَادِحٍ فَإِنَّهُ مُتَعَنِّتٌ جِدًّا فِي الرِّجَالِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ص 437 ج 1 فِي تَوْثِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَكَوْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ لَا يَرْضَاهُ غَيْرُ قَادِحٍ فَإِنَّ يَحْيَى شَرْطُهُ شَدِيدٌ فِي الرِّجَالِ انْتَهَى أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ السَّبَبِ فَغَيْرُ قَادِحٍ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فِي تَوْثِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ غَيْرُ قَادِحٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ السَّبَبَ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ فِي رِجَالٍ كَثِيرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصَّحِيحِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ السَّبَبِ كَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ وَأَمَّا قَوْلُ النَّسَائِيِّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَغَيْرُ قَادِحٍ أَيْضًا فَإِنَّهُ مُجْمَلٌ مَعَ أَنَّهُ مُتَعَنِّتٌ وَتَعَنُّتُهُ مَشْهُورٌ فَالْحَقُّ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ اللَّيْثِيَّ ثِقَةٌ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ وَزِيَادَتُهُ الْمَذْكُورَةُ مَقْبُولَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ الْحَازِمِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ مِنَ الثِّقَاتِ الَّذِينَ لَمْ يَذْكُرُوهَا وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ إِنَّمَا تَكُونُ شَاذَّةً إِذَا كَانَتْ مُنَافِيَةً لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ مِنَ الثِّقَاتِ وَقَدْ حَقَّقْنَاهُ فِي كِتَابِنَا أَبْكَارُ الْمِنَنِ فِي نَقْدِ آثَارِ السُّنَنِ فِي بَابِ وَضْعِ اليدين على الصدر وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدْ وَجَدْتُ مَا يُعَضِّدُ رِوَايَةَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَيَزِيدُ عَلَيْهَا أَنَّ الْبَيَانَ مِنْ فِعْلِ جِبْرِيلَ وَذَلِكَ فِيمَا رَوَاهُ الْبَاغَنْدِيُّ فِي مُسْنَدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ فَذَكَرَهُ مُنْقَطِعًا لَكِنْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عُرْوَةَ فَرَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى عُرْوَةَ وَوَضَحَ أَنَّ لَهُ أَصْلًا وَأَنَّ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ اخْتِصَارًا وبذلك جزم بن عَبْدِ الْبَرِّ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ مَا يَنْفِي الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ فَلَا تُوصَفُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ بِالشُّذُوذِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ زِيَادَةَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورَةَ مَا رواه بن مَاجَهْ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ ثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ثَنَا نَهِيكُ بْنُ يَرِيمَ الْأَوْزَاعِيُّ ثَنَا مُغِيثُ بْنُ سُمَيٍّ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَلَمَّا سَلَّمَ أَقْبَلْتُ على بن عُمَرَ فَقُلْتُ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ قَالَ هَذِهِ صَلَاتُنَا كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلَمَّا طُعِنَ عُمَرُ أَسْفَرَ بِهَا عُثْمَانُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا قَالَ فِي شَرْحِ الْآثَارِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ ثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي الْأَوْزَاعِيُّ ح وَحَدَّثَنَا فَهْدٌ قَالَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ ثَنَا الأوزاعي بإسناد بن

باب ما جاء في الإسفار بالفجر

مَاجَهْ بِنَحْوِهِ وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ حَدِيثَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورَ صَحِيحٌ وَزِيَادَتُهُ الْمَذْكُورَةُ مَقْبُولَةٌ (بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِسْفَارِ بِالْفَجْرِ) [154] قَوْلُهُ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ) الْأَوْسِيِّ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ عَالِمٌ بِالْمَغَازِي مِنَ الرَّابِعَةِ مَاتَ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدِ) بْنِ عُقْبَةَ بْنِ رَافِعٍ الْأَوْسِيِّ الْأَشْهَلِيِّ الْمَدَنِيِّ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ جُلُّ رِوَايَتِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ مَاتَ سَنَةَ 69 سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَقيلَ سَبْعٍ وَلَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ سَنَةً قَوْلُهُ (أَسْفَرُوا بِالْفَجْرِ) أَيْ صَلَّوْا صَلَاةَ الْفَجْرِ إِذَا أَضَاءَ الْفَجْرُ وَأَشْرَقَ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَسْفَرَ الصُّبْحُ إِذَا انْكَشَفَ وَأَضَاءَ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ سَفَرَ الصُّبْحُ يَسْفُرُ أَضَاءَ وَأَشْرَقَ كَأَسْفَرَ انْتَهَى (فَإِنَّهُ) أَيِ الْإِسْفَارَ بِالْفَجْرِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ وَجَابِرٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا فِي الْإِسْفَارِ وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْهُمَا التَّغْلِيسَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَعَنْ جَابِرٍ وَأَبِي بَرْزَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا (وَبِلَالٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ بِنَحْوِ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَفِي سنده أَيُّوبُ بْنُ يَسَارٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ سَنَدَهُ بِتَمَامِهِ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَبِلَالٍ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذَكَرَ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ

الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَعَامَّةُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ضِعَافٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) فَتَابَعَا عَبْدَةَ (وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ أَيْضًا عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ) فَتَابَعَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ فَلَا يَقْدَحُ عَنْعَنَتُهُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَأَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ الْإِسْفَارَ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إِلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ ميقاتها رواه الشيخان قال بن التُّرْكُمَانِيِّ فِي الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ مَعْنَاهُ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ إِذْ فِعْلُهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ غَيْرُ جَائِزٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَهَا كَانَ مُعْتَادًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ عَجَّلَ بِهَا يَوْمَئِذٍ قَبْلَ وَقْتِهَا الْمُعْتَادِ انْتَهَى وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ فِي مُزْدَلِفَةَ خِلَافَ عَادَتِهِ أَوَّلَ مَا بَزَغَ الْفَجْرُ بِحَيْثُ يَقُولُ قَائِلٌ طَلَعَ الْفَجْرُ وَقَالَ قَائِلٌ لَمْ يَطْلُعْ وَهَذَا لَا يَثْبُتُ مِنْهُ أَلْبَتَةَ أَنَّ الْقِيَامَ لِصَلَاةِ الْفَجْرِ بَعْدَ الْغَلَسِ فِي الْإِسْفَارِ كَانَ مُعْتَادًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي لَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ مَنَعَ التَّغْلِيسَ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَوَاقِيتِ التَّغْلِيسُ بِهَا بَلِ الْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ الْمُؤَذِّنُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَصَلَّى الصُّبْحَ مَعَ ذَلِكَ بِغَلَسٍ وَأَمَّا بِمُزْدَلِفَةَ فَكَانَ النَّاسُ مُجْتَمِعِينَ وَالْفَجْرُ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ فَبَادَرَ بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ مَا بَزَغَ حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ طُلُوعُهُ وَهُوَ بَيِّنٌ فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ وَقَائِلٌ يَقُولُ لَمْ يَطْلُعْ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ هَذَا عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِسْفَارِ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَأُجِيبَ مِنْ قِبَلِ مَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ الْإِسْفَارِ عَنْ أَحَادِيثِ التَّغْلِيسِ بِأَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مَخْدُوشَةٌ

فَمِنْهَا أَنَّ التَّغْلِيسَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثم نسخ وفيه هَذَا مُجَرَّدُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَقَدْ ثَبَتَ تَغْلِيسُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ إِلَى وَفَاتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْجَوَابِ فِيهِ إِنَّهُ نَسْخٌ اجْتِهَادِيٌّ مَعَ ثُبُوتِ حَدِيثِ الْغَلَسِ إِلَى وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَا أَنَّ الْإِسْفَارَ كَانَ مُعْتَادًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ وَفِيهِ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْإِسْفَارَ كَانَ مُعْتَادًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاطِلٌ جِدًّا بَلْ مُعْتَادُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هُوَ التَّغْلِيسَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَحَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَمَّا التمسك بحديث بن مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ فَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ وَمِنْهَا أَنَّ التَّغْلِيسَ لَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَمَا اجْتَمَعَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى الْإِسْفَارِ وَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ مَا اجْتَمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مَا اجْتَمَعُوا عَلَى التَّنْوِيرِ وَفِيهِ أَنَّ دَعْوَى إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْإِسْفَارِ بَاطِلَةٌ جِدًّا كَيْفَ وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ التَّغْلِيسِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَخْ وَقَالَ الْحَافِظُ بن عَبْدِ الْبَرِّ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُغْلِسُونَ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ بن قُدَامَةَ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ ص 401 عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانُوا يُصَلُّونَ الصُّبْحَ بِغَلَسٍ وَرُوِيَ عَنِ الْمُهَاجِرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنْ صَلِّ الصُّبْحَ بِسَوَادٍ أَوْ قَالَ بِغَلَسٍ وَأَطِلِ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ أَفَلَا تَرَاهُ يَأْمُرُهُمْ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُمْ فِيهَا بِغَلَسٍ وَأَنْ يُطِيلُوا الْقِرَاءَةَ فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يُدْرِكُوا الْإِسْفَارَ فَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ رُوِّينَا عَنْهُ فِي هَذَا شَيْئًا سِوَى عُمَرَ قَدْ كَانَ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ أَيْضًا ثُمَّ ذَكَرَ أَثَرَ أَبِي بَكْرٍ فِي تَغْلِيسِهِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَتَطْوِيلِهِ الْقِرَاءَةَ فِيهَا ثُمَّ قَالَ فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ دَخَلَ فِيهَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ الْإِسْفَارِ ثُمَّ مَدَّ الْقِرَاءَةَ فِيهَا حَتَّى خِيفَ عَلَيْهِ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَهَذَا بِحَضْرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِقُرْبِ عَهْدِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِفِعْلِهِ لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ مُنْكِرٌ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مُتَابَعَتِهِمْ لَهُ ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ مِنْ بَعْدِهِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَيْهِ مَنْ حَضَرَهُ مِنْهُمْ انْتَهَى فَلَمَّا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ ظَهَرَ لَكَ ضَعْفُ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ الْمَذْكُورِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ مَعْنَى الْإِسْفَارِ أَنْ يَضِحَ الْفَجْرُ فَلَا يُشَكُّ فِيهِ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّ مَعْنَى الْإِسْفَارِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ) يُقَالُ وَضَحَ الْفَجْرُ

إِذَا أَضَاءَ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ قَالُوا يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ حِينَ أَمَرَهُمْ بِتَغْلِيسِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا كَانُوا يُصَلُّونَهَا عِنْدَ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ حِرْصًا وَرَغْبَةً فَقَالَ أَسْفِرُوا بِهَا أَيْ أَخِّرُوهَا إِلَى أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ الثَّانِي وَيَتَحَقَّقَ وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ لِبِلَالٍ نَوِّرْ بِالْفَجْرِ قَدْرَ مَا يُبْصِرُ الْقَوْمُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِمْ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا جَوَابُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ حَدِيثِ الْإِسْفَارِ وَفِيهِ نَظَرٌ قال بن الْهُمَامِ تَأْوِيلُ الْإِسْفَارِ بِتَيَقُّنِ الْفَجْرِ حَتَّى لَا يَكُونَ شَكٌّ فِي طُلُوعِهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ إِذَا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَمْ يُحْكَمْ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فَضْلًا عَنْ إِثَابَةِ الْأَجْرِ عَلَى أَنَّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ مَا يَنْفِيهِ وَهُوَ أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَكُلَّمَا أَسْفَرْتُمْ فَهُوَ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ فَقَدْ أخرج الطبراني وبن عَدِيٍّ مِنْ رِوَايَةِ هُرْمُزَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ جَدِّي رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ يَا بِلَالُ نَوِّرْ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى يُبْصِرَ الْقَوْمُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِمْ مِنَ الْإِسْفَارِ وَقَدْ ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ رِوَايَاتٍ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَقِيلَ إِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِسْفَارِ خَاصٌّ فِي اللَّيَالِي الْمُقْمِرَةِ لِأَنَّ أَوَّلَ الصُّبْحِ لَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا فَأُمِرُوا بِالْإِسْفَارِ احْتِيَاطًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى اللَّيَالِي الْمُعْتِمَةِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى اللَّيَالِي الْقَصِيرَةِ لِإِدْرَاكِ النُّوَّامِ الصَّلَاةَ قَالَ مُعَاذٌ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ إِذَا كَانَ فِي الشِّتَاءِ فَغَلِّسْ بِالْفَجْرِ وَأَطِلِ الْقِرَاءَةَ قَدْرَ مَا يُطِيقُ النَّاسُ وَلَا تُمِلَّهُمْ وَإِذَا كَانَ فِي الصَّيْفِ فَأَسْفِرْ بِالْفَجْرِ فَإِنَّ اللَّيْلَ قَصِيرٌ وَالنَّاسَ نيام فأمهلهم حتى يدركوا كذا نقله القارىء فِي الْمِرْقَاةِ عَنْ شَرْحِ السُّنَّةِ قُلْتُ وَرَوَاهُ بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ قُلْتُ أَسْلَمُ الْأَجْوِبَةِ وَأَوْلَاهَا ما قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَا لَفْظُهُ وَهَذَا بَعْدَ ثُبُوتِهِ إِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ الْإِسْفَارُ دَوَامًا لَا ابْتِدَاءً فَيَدْخُلُ فِيهَا مُغْلِسًا وَيَخْرُجُ مِنْهَا مُسْفِرًا كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَوْلُهُ مُوَافِقٌ لِفِعْلِهِ لَا مُنَاقِضٌ لَهُ وَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى فِعْلِ مَا الْأَجْرُ الأعظم في خلافه انتهى كلام بن الْقَيِّمِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي الدُّخُولُ فِي الْفَجْرِ فِي وَقْتِ التَّغْلِيسِ وَالْخُرُوجُ مِنْهَا فِي وَقْتِ الْإِسْفَارِ عَلَى مُوَافَقَةِ مَا رُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ انْتَهَى كَلَامُ الطَّحَاوِيِّ فَإِنْ قُلْتَ يَخْدِشُ هَذَا الْجَمْعَ حَدِيثُ عَائِشَةَ فَفِيهِ أَنَّ النِّسَاءَ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ لَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْغَلَسِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَالْبُخَارِيُّ وَلَا يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا

باب ما جاء في التعجيل بالظهر

قُلْتُ نَعَمْ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ كَانَ أَحْيَانًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فَفِيهِ وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ وَيَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمَالَ الْحَافِظُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ إِلَى نَسْخِ أَفْضَلِيَّةِ الْإِسْفَارِ فَإِنَّهُ عَقَدَ بَابًا بِلَفْظِ بَيَانُ نَسْخِ الْأَفْضَلِيَّةِ بِالْإِسْفَارِ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الصبح مَرَّةً بِغَلَسٍ ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَعُدْ إِلَى أَنْ يُسْفِرَ قَالَ الْحَازِمِيُّ هَذَا إِسْنَادٌ رُوَاتُهُ عَنْ آخِرِهِ ثِقَاتٌ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ هَذَا مَعَ ذِكْرِ مَا يُعَضِّدُهُ فَتَذَكَّرْ وَقَدْ رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ حَدِيثَ التَّغْلِيسِ عَلَى حَدِيثِ الْإِسْفَارِ بِوُجُوهٍ ذَكَرَهَا الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ أَحَادِيثَ التَّغْلِيسِ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ وَأَقْوَى مِنْ أَحَادِيثِ الْإِسْفَارِ وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ التَّغْلِيسَ هُوَ الْأَفْضَلُ فَهُوَ الْأَفْضَلُ وَالْأَوْلَى تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ فِي تَرْجِيحِ الْإِسْفَارِ مَا لَفْظُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْحَدِيثُ الْقَوْلِيُّ مُقَدَّمٌ أَيْ أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ فَصَارَ التَّرْجِيحُ لِمَذْهَبِ الْأَحْنَافِ انْتَهَى قُلْتُ الْقَوْلِيُّ إِنَّمَا يُقَدَّمُ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثِ الْقَوْلِيِّ وَالْفِعْلِيِّ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ يمكن الجمع كما أوضحه الطحاوي وبن الْقَيِّمِ فَلَا وَجْهَ لِتَقْدِيمِ الْحَدِيثِ الْقَوْلِيِّ ثُمَّ كَيْفَ يَكُونُ التَّرْجِيحُ لِمَذْهَبِ الْأَحْنَافِ فَإِنَّهُ خِلَافُ مَا وَاظَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ مِنَ التَّغْلِيسِ وَلِذَلِكَ قَالَ السَّرَخْسِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ يُسْتَحَبُّ الْغَلَسُ وَتَعْجِيلُ الظُّهْرِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْعَرْفِ عَنْهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّعْجِيلِ بِالظُّهْرِ) [155] قَوْلُهُ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ وَيَأْتِي مَا فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ النَّخَعِيُّ

قوله (ما رأيت أحد أَشَدَّ تَعْجِيلًا لِلظُّهْرِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التعجيل بالظهر أفضل قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي لَا نَعْلَمُ فِي اسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الظُّهْرِ فِي غَيْرِ الْحَرِّ وَالْغَيْمِ خِلَافًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله وخباب وأبي برزه وبن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَنَسٍ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ خَبَّابٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا أَيْ فَلَمْ يُزِلْ شكوانا ورواه بن الْمُنْذِرِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَلَمْ يُشْكِنَا وَقَالَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّوْا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْأُولَى حين تدحض الشمس الحديث وأما حديث بن مسعود فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ شَكَوْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يُشْكِنَا وَفِي إِسْنَادِهِ زَيْدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظَّهَائِرِ سَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا دَحَضَتِ الشَّمْسُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَدْ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِحَدِيثِهِ بَأْسًا وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الْفَنِّ قَوْلُهُ (وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ) قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ تَحْتَ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا مَا لَفْظُهُ الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي أَفْضَلِيَّةِ أول الوقت

وَقَدْ خَصَّهُ الْجُمْهُورُ بِمَا عَدَا أَيَّامَ شِدَّةِ الْحَرِّ وَقَالُوا يُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ فِيهَا إِلَى أَنْ يَبْرُدَ الْوَقْتُ وَيَنْكَسِرَ الْوَهَجُ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ علي) هو بن الْمَدِينِيِّ (قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ من أجل حديثه الذي روي عن بن مَسْعُودٍ إِلَخْ) رَوَى الْمُؤَلِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ مَنْ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَأَلَ النَّاسَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ جَاءَ يوم القيام وَمَسْأَلَتُهُ فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثُ بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَزَادَا فَقَالَ رَجُلٌ لِسُفْيَانَ إِنَّ شُعْبَةَ لَا يُحَدِّثُ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ سفيان حَدَّثَنَاهُ زُبَيْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ (وَرَوَى لَهُ سُفْيَانُ وَزَائِدَةُ) أَيْ رَوَيَا عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ (وَلَمْ يَرَ يَحْيَى بِحَدِيثِهِ بَأْسًا) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ أَحْمَدُ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ كَانَ شُعْبَةُ يَتَكَلَّمُ فِيهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ وَقَالَ مُعَاذٌ قُلْتُ لِشُعْبَةَ حَدِّثْنِي بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ أَخَافُ النَّارَ إِنْ أُحَدِّثْ عَنْهُ قُلْتُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ بَعْدُ وَقَالَ عَلِيٌّ سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ عَنْهُ فَقَالَ وَكَمْ روى إنما روى يسيرا روى عَنْهُ زَائِدَةُ وَتَرَكَهُ شُعْبَةُ مِنْ أَجْلِ حَدِيثِ الصَّدَقَةِ وَرَوَى عَبَّاسٌ عَنْ يَحْيَى فِي حَدِيثِ حكيم بن جبير حديث بن مَسْعُودٍ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِمَنْ عِنْدَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا فَقَالَ يَرْوِيهِ سُفْيَانُ عَنْ زَيْدٍ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ غَيْرَ يَحْيَى بْنِ آدَمَ وَهَذَا وَهْمٌ لَوْ كَانَ كَذَا لَحَدَّثَ بِهِ النَّاسُ عَنْ سُفْيَانَ وَلَكِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ يَعْنِي وَإِنَّمَا الْمَعْرُوفُ بِرِوَايَتِهِ حَكِيمٌ وَقَالَ الْفَلَّاسُ كَانَ يَحْيَى يُحَدِّثُ عَنْ حَكِيمٍ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لا يحدث عنه وعن بن مَهْدِيٍّ قَالَ إِنَّمَا رَوَى أَحَادِيثَ يَسِيرَةً وَفِيهَا مُنْكَرَاتٌ وَقَالَ الْجَوْزَجَانِيُّ حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ كَذَّابٌ انْتَهَى

[156] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالنُّونِ مَنْسُوبٌ إِلَى حُلْوَانَ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ بِالشَّامِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْهُذَلِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْخَلَّالُ الْحُلْوَانِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ نَزِيلُ مَكَّةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ لَهُ تَصَانِيفُ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ) قَالَ صَاحِبُ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى زَمَانِ الشِّتَاءِ أَمَّا فِي أَيَّامِ الصَّيْفِ فَالْمُسْتَحَبُّ الْإِبْرَادُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا فِي الْبُخَارِيِّ قَالَ لِأَنَسٍ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ الظُّهْرُ لِأَنَّهُ جَوَابُ السُّؤَالِ عَنْهَا قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ جَابِرٍ بِلَفْظِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالْهَاجِرَةِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْهَجِيرُ وَالْهَاجِرَةُ اشْتِدَادُ الْحَرِّ نِصْفَ النَّهَارِ انْتَهَى وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظَّهَائِرِ سَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَضَعُ أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي مَكَانِ السُّجُودِ فَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُبَكِّرُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ أَيْضًا فَلَا حَاجَةَ إِلَى حَمْلِ قَوْلِهِ صَلَّى الظُّهْرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ عَلَى زَمَانِ الشِّتَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ الْحَدِيثَ

باب ما جاء في تأخير الظهر في شدة الحر

6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَأْخِيرِ الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ) [157] قَوْلُهُ (إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا مِنَ الْإِبْرَادِ أَيْ أَخِّرُوا إِلَى أَنْ يَبْرُدَ الْوَقْتُ يُقَالُ أَبْرَدَ إِذَا دَخَلَ فِي الْبَرْدِ كَأَظْهَرَ إِذَا دَخَلَ فِي الظَّهِيرَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْمَكَانِ أَنْجَدَ إِذَا دَخَلَ فِي النَّجْدِ وَأَتْهَمَ إِذَا دَخَلَ فِي التِّهَامَةِ (عَنِ الصَّلَاةِ) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بِالصَّلَاةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ وَقِيلَ زَائِدَةٌ وَمَعْنَى أَبْرِدُوا أَخِّرُوا عَلَى سَبِيلِ التَّضْمِينِ أَيْ أَخِّرُوا الصَّلَاةَ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ عَنِ الصَّلَاةِ فَقِيلَ زَائِدَةٌ أَيْضًا أَوْ عَنْ بِمَعْنَى الْبَاءِ أَوْ هِيَ لِلْمُجَاوَزَةِ أَيْ تَجَاوَزُوا وَقْتَهَا الْمُعْتَادَ إِلَى أَنْ تَنْكَسِرَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الظُّهْرُ لِأَنَّهَا الصَّلَاةُ الَّتِي يَشْتَدُّ الْحَرُّ غَالِبًا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَبَى سَعِيدٍ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ (فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) أي مِنْ سَعَةِ انْتِشَارِهَا وَتَنَفُّسِهَا وَمِنْهُ مَكَانٌ أَفَيْحُ أَيْ مُتَّسِعٌ وَهَذَا كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ اسْتِعَارِهَا وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَثَارَ وَهَجِ الْحَرِّ فِي الْأَرْضِ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ حَقِيقَةً وَقِيلَ هُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَيْ كَأَنَّهُ نَارُ جَهَنَّمَ فِي الْحَرِّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفْسَيْنِ نَفْسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفْسٍ فِي الصَّيْفِ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشذي ما لفظه ها هنا سُؤَالٌ عَقْلِيٌّ وَهُوَ أَنَّ التَّجْرِبَةَ أَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ وَضَعْفَهَا بِقُرْبِ الشَّمْسِ وَبُعْدِهَا فَكَيْفَ إنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمِ قَالَ فَنُجِيبُ بِمَا يُفِيدُ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ وَهُوَ لِلْأَشْيَاءِ أَسْبَابٌ ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ وَالْبَاطِنَةُ تَذْكُرُهَا الشَّرِيعَةُ وَالظَّاهِرَةُ لَا تَنْفِيهَا الشَّرِيعَةُ فَكَذَلِكَ يُقَالُ فِي الرَّعْدِ وَالْبَرْقِ وَالْمَطَرِ وَنَهْرِ جَيْحَانَ وَسَيْحَانَ انْتَهَى قُلْتُ هذا الجواب إنما يتمشى فيما لا تخالف بَيْنَ الْأَسْبَابِ الْبَاطِنَةِ الَّتِي بَيَّنَتْهَا الشَّرِيعَةُ وَبَيْنَ الْأَسْبَابِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي أَثْبَتَهَا أَرْبَابُ الْفَلْسَفَةِ الْقَدِيمَةِ أَوِ الْجَدِيدَةِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا التَّخَالُفُ فلا تفكر

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي ذر وبن عمرو المغيرة وَالْقَاسِمِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي مُوسَى وبن عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْرِدْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ أَبْرِدْ حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَإِذَا أشتد الحر فأبردوا بالصلاة وأما حديث بن عمر فأخرجه البخاري وبن ماجة وأما حديث المغيرة فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ الْقَاسِمِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ أَبِيهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَالْقَاسِمُ بن صفوان وثقه بن حِبَّانَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْقَاسِمُ بْنُ صَفْوَانَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ صَهْبَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الْبَرْدُ عَجَّلَ وَلِلْبُخَارِيِّ نَحْوُهُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا وَلَا يَصِحُّ) رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ بِلَفْظِ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ زُبَالَةَ نُسِبَ إِلَى وَضْعِ الْحَدِيثِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (قَدِ اخْتَارَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تَأْخِيرَ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحر وهو قول بن المبارك وأحمد وإسحاق) وهو قال أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ بِهَذَا نَأْخُذُ نُبْرِدُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الصَّيْفِ وَنُصَلِّي فِي الشِّتَاءِ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ وَهُوَ قول أبي

حَنِيفَةَ انْتَهَى (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّمَا الْإِبْرَادُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ إِذَا كَانَ مَسْجِدًا يَنْتَابُ أَهْلُهُ مِنَ الْبُعْدِ) مِنَ الِانْتِيَابِ أَيْ يَحْضُرُونَ وَأَصْلُ الِانْتِيَابِ الحضور نوبا لكن المراد ها هنا مُطْلَقُ الْحُضُورِ (فَأَمَّا الْمُصَلِّي وَحْدَهُ) أَيِ الَّذِي يُصَلِّي مُنْفَرِدًا (وَاَلَّذِي يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ قَوْمِهِ) وَلَا يَنْتَابُ مِنَ الْبُعْدِ (فَاَلَّذِي أُحِبُّ لَهُ) أَيْ لِكُلٍّ مَنِ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَاَلَّذِي يُصَلِّي فِي مَسْجِدِ قَوْمِهِ (أَنْ لَا يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ) لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ تَأَذِّيهِ بِالْحَرِّ فِي الطَّرِيقِ (وَمَعْنَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَأْخِيرِ الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ هُوَ أَوْلَى وَأَشْبَهُ بِالِاتِّبَاعِ) أَيْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَأْخِيرِ الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ لِكُلٍّ مِنَ الْمُصَلِّي مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مُصَلِّيًا وَحْدَهُ أَوْ فِي مَسْجِدِ قَوْمِهِ أَوْ يَنْتَابُ مِنَ الْبُعْدِ فَمَذْهَبُهُ أَوْلَى وَاسْتَدَلَّ لَهُ التِّرْمِذِيُّ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ إِذْ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْإِبْرَادِ فِي السَّفَرِ وَكَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَجْتَمِعُونَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ وَلَا يَحْتَاجُونَ أَنْ يَنْتَابُوا مِنَ الْبُعْدِ وَفِيهِ مَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ (وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ فَإِنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ إِلَى أَنْ يُبْرِدَ الْوَقْتُ وَيَنْكَسِرَ الْوَهَجُ وَخَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَالتَّعْجِيلُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيِّ أَيْضًا لَكِنَّهُ خَصَّهُ بِالْبَلَدِ الْحَارِّ وَقَيَّدَ الْجَمَاعَةُ بِمَا إِذَا كَانُوا يَنْتَابُونَ مَسْجِدًا مِنْ بُعْدٍ فَلَوْ كَانُوا مُجْتَمِعِينَ أَوْ كَانُوا يَمْشُونَ فِي كِنٍّ فَالْأَفْضَلُ فِي

حَقِّهِمُ التَّعْجِيلُ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ التَّسْوِيَةُ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَلَا قَيْدٍ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ والكوفيين وبن الْمُنْذِرِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ التِّرْمِذِيُّ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَالَ فَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لَمْ يَأْمُرْ بِالْإِبْرَادِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِي السَّفَرِ وَكَانُوا لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى أَنْ يَنْتَابُوا مِنَ الْبُعْدِ وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْعَادَةَ فِي الْعَسْكَرِ الْكَثِيرِ تَفْرِقَتُهُمْ فِي أَطْرَافِ الْمَنْزِلِ لِلتَّخْفِيفِ وَطَلَبِ الرَّعْيِ فَلَا نُسَلِّمُ اجْتِمَاعَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ انْتَهَى وَأَيْضًا فَلَمْ تَجْرِ عَادَتُهُمْ بِاتِّخَاذِ خِبَاءٍ كَبِيرٍ يَجْمَعُهُمْ بَلْ كَانُوا يَتَفَرَّقُونَ فِي ظِلَالِ الشَّجَرِ وَلَيْسَ هُنَاكَ كِنٌّ يَمْشُونَ فِيهِ فَلَيْسَ فِي سِيَاقِ الْحَدِيثِ مَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَايَتُهُ أَنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنَ النَّصِّ الْعَامِّ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالْإِبْرَادِ مَعْنًى يُخَصِّصُهُ وَذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الْأُصُولِ لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي ذَلِكَ تَأَذِّيهِمْ بِالْحَرِّ فِي طَرِيقِهِمْ وَلِلْمُتَمَسِّكِ بِعُمُومِهِ أَنْ يَقُولَ الْعِلَّةُ فِيهِ تَأَذِّيهِمْ بِحَرِّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِهِمْ حَالَةَ السُّجُودِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالظَّهَائِرِ سَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثٍ أَيْضًا فِي الصَّحِيحَيْنِ نَحْوُهُ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْعِلَّةَ الْأُولَى أَظْهَرُ فَإِنَّ الْإِبْرَادَ لَا يُزِيلُ الْحَرَّ عَنِ الْأَرْضِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ الظَّاهِرُ عِنْدِي هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ هَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي اعْتَرَضَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ مَعَ كَوْنِهِ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ بَيَّنَّا فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ الْإِمَامَ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يَكُنْ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ وَلَا لِغَيْرِهِ وَاعْتِرَاضُهُ هَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُقَلِّدًا لَهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْمُقَلِّدِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى إِمَامِهِ الْمُقَلَّدِ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ التِّرْمِذِيُّ مُقَلِّدًا لِلشَّافِعِيِّ لَقَوَّى دَلَائِلَهُ وَمَسَالِكَهُ فِي جَمِيعِ مَوَاقِعِ بَيَانِ الْمَذَاهِبِ أَوْ غَالِبِهَا وَضَعَّفَ دَلَائِلَ غَيْرِهِ وَمَسَالِكَهُ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْمُقَلِّدِ أَلَا تَرَى أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ كَيْفَ قَوَّى دَلَائِلَ إِمَامِهِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزَيَّفَ دَلَائِلَ غَيْرِهِ مِنَ ابْتِدَاءِ الْهِدَايَةِ إِلَى آخِرِهَا فَتَفَكَّرْ وقد اعترف صاحب تتمة مسك الذكي ها هنا بِأَنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يَكُنْ شَافِعِيًّا [158] قَوْلُهُ (نَا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ مُهَاجِرٍ أَبِي الْحَسَنِ) التَّيْمِيِّ مَوْلَاهُمُ الصَّائِغِ روى عن بن عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءِ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَمِسْعَرٌ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وبن مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا (عَنْ زَيْدِ

باب ما جاء في تعجيل العصر

بْنِ وَهْبٍ) الْجُهَنِيِّ الْكُوفِيِّ مُخَضْرَمٌ ثِقَةٌ جَلِيلٌ لَمْ يُصِبْ مَنْ قَالَ فِي حَدِيثِهِ خَلَلٌ قَوْلُهُ (فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ بِلَفْظِ فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُؤَذِّنَ وَفِيهِ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ إِقَامَتَهُ كَانَتْ لَا تَتَخَلَّفُ عَنِ الْأَذَانِ لِمُحَافَظَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَرِوَايَةُ فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ أَيْ أَنْ يُؤَذِّنَ ثُمَّ يُقِيمَ وَرِوَايَةُ فَأَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ أَيْ ثُمَّ يُقِيمَ انْتَهَى (حَتَّى رَأَيْنَا فَيْءَ التُّلُولِ) أَيْ قَالَ لَهُ أَبْرِدْ فَأَبْرَدَ حَتَّى أَنْ رَأَيْنَا وَالْفَيْءُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْيَاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ هُوَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنَ الظِّلِّ وَالتُّلُولُ جَمْعُ التَّلِّ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ كُلُّ مَا اجْتَمَعَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ رَمْلٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَهِيَ فِي الْغَالِبِ مُنْبَطِحَةٌ غَيْرُ شَاخِصَةٍ فَلَا يَظْهَرُ لَهَا ظِلٌّ إِلَّا إِذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي غَايَةِ الْإِبْرَادِ فَقِيلَ حَتَّى يَصِيرَ الظِّلُّ ذِرَاعًا بَعْدَ ظِلِّ الزَّوَالِ وَقِيلَ رُبُعَ قَامَةٍ وَقِيلَ ثُلُثَهَا وَقِيلَ نِصْفَهَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَنَزَّلَهَا الْمَازِرِيُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْجَارِي عَلَى الْقَوَاعِدِ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَمْتَدَّ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ (بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الْعَصْرِ) [159] قَوْلُهُ (وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا) الْوَاوُ لِلْحَالِ وَالْمُرَادُ بِالشَّمْسِ ضَوْءُهَا وَالْحُجْرَةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ الْبَيْتُ أَيْ وَالشَّمْسُ بَاقِيَةٌ فِي دَاخِلِ بَيْتِ عَائِشَةَ (لَمْ يَظْهَرِ الْفَيْءُ مِنْ حُجْرَتِهَا) أَيْ لَمْ يَرْتَفِعِ الْفَيْءُ أَيْ ضَوْءُ الشَّمْسِ مِنْ دَاخِلِ بَيْتِهَا عَلَى الْجِدَارِ الشَّرْقِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ معنى الظهور ها هنا الصُّعُودُ وَالْعُلُوُّ يُقَالُ ظَهَرْتُ عَلَى الشَّيْءِ إِذَا عَلَوْتُهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ

انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ التَّبْكِيرُ بِالْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهُوَ حِينَ يَصِيرُ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ وَكَانَتِ الْحُجْرَةُ ضَيِّقَةَ الْعَرْصَةِ قَصِيرَةَ الْجِدَارِ بِحَيْثُ يَكُونُ طُولُ جِدَارِهَا أَقَلَّ مِنْ مِسَاحَةِ الْعَرْصَةِ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ فَإِذَا صَارَ ظِلُّ الْجِدَارِ مِثْلَهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَتَكُونُ الشَّمْسُ بَعْدُ فِي أَوَاخِرِ الْعَرْصَةِ لَمْ يَقَعِ الْفَيْءُ فِي الْجِدَارِ الشَّرْقِيِّ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْمُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجِيلُ صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي فَهِمَتْهُ عَائِشَةُ وَكَذَا الرَّاوِي عَنْهَا عُرْوَةُ وَاحْتُجَّ بِهِ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَشَذَّ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى التَّعْجِيلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحُجْرَةَ كَانَتْ قَصِيرَةَ الْجِدَارِ فَلَمْ تَكُنِ الشَّمْسُ تَحْتَجِبُ عَنْهَا إِلَّا بِقُرْبِ غُرُوبِهَا فَيَدُلُّ عَلَى التَّأْخِيرِ لَا عَلَى التَّعْجِيلِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ مِنَ الِاحْتِمَالِ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ مَعَ اتِّسَاعِ الْحُجْرَةِ وَقَدْ عُرِفَ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ أَنَّ حُجَرَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ مُتَّسِعَةً وَلَا يَكُونُ ضَوْءُ الشَّمْسِ بَاقِيًا فِي قَعْرِ الْحُجْرَةِ الصَّغِيرَةِ إِلَّا وَالشَّمْسُ قَائِمَةٌ مُرْتَفِعَةٌ وإلا متى مالت ارتفع ضوؤها عَنْ قَاعِ الْحُجْرَةِ وَلَوْ كَانَ الْجِدَارُ قَصِيرًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ نَاصِرًا لِلطَّحَاوِيِّ مَا لَفْظُهُ وَنَقُولُ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ شَرَعَ فِي التَّهَجُّدِ وَهُوَ فِي حُجْرَةٍ وَاقْتَدَى أَصْحَابُهُ خَارِجَهَا فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْجُدْرَانِ قَصِيرَةً فَإِنَّ مَعْرِفَةَ انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ شرط لصحته الِاقْتِدَاءِ انْتَهَى قُلْتُ مِنَ انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ الِانْتِقَالُ مِنَ الْجُلُوسِ إِلَى السَّجْدَةِ وَمِنَ السَّجْدَةِ إِلَى الْجُلُوسِ فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ جُدْرَانُ الْحُجْرَةِ قَدْرَ الذِّرَاعِ فَإِنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا الِانْتِقَالِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا إِذَا كَانَ طُولُهَا بِنَحْوِهِ وَهَذَا كَمَا ترَى فَإِنْ قَالَ يُعْرَفُ هَذَا الِانْتِقَالُ بِتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالِ قِيلَ لَهُ فَلَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْجُدُرِ قَصِيرَةً فَإِنَّ انْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ تُعْرَفُ بِتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ ثُمَّ لَا يَثْبُتُ مِنْ مُجَرَّدِ كَوْنِ جُدْرَانِ الْحُجْرَةِ قَصِيرَةً تَأْخِيرُ الْعَصْرِ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ العرف الشذي ما لفظه قال الحافظ ها هنا قَالَ الطَّحَاوِيُّ إِنَّ التَّغْلِيسَ بِالْفَجْرِ كَانَ بِسَبَبِ جُدْرَانِ الْحُجْرَةِ وَكَانَ فِي الْوَاقِعِ الْإِسْفَارُ وَأَقُولُ إِنَّ الطَّحَاوِيَّ لَمْ يَقُلْ بِمَا نَقَلَ الْحَافِظُ فَإِنَّ كَلَامَهُ فِي الْجُدْرَانِ فِي الْعَصْرِ لَا الفجر انتهى قلت لعل هذا لم ير كَلَامَ الْحَافِظِ وَوَهَمَ وَاخْتَلَطَ عَلَيْهِ قَوْلُ غَيْرِهِ فَإِنَّ الْحَافِظَ لَمْ يَنْقُلْ عَنِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ التغليس بالفجر كان بسبب الجدران فيالله الْعَجَبَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ مَعَ غَفْلَتِهِ الشَّدِيدَةِ وَوَهْمِهِ الْفَاحِشِ كَيْفَ اجْتَرَأَ عَلَى نِسْبَةِ الْوَهْمِ إلى الحافظ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي أَرْوَى وَجَابِرٍ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ وَبَعْضُ الْعَوَالِي مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَرْوَى فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً بِالْمَدِينَةِ ثُمَّ آتِي ذَا الْحُلَيْفَةِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ وَهِيَ عَلَى قَدْرِ فَرْسَخَيْنِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِاخْتِصَارٍ وَالطَّبَرَانِيُّ في الكبير وفيه صالح بن محمد أبو وَاقِدٍ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَجَمَاعَةٌ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ وَأَمَّا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تُنْحَرُ الْجَزُورُ فَتُقْسَمُ عَشْرَ قِسَمٍ ثُمَّ تُطْبَخُ فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ قَوْلُهُ (وَيُرْوَى عَنْ رَافِعٍ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَأْخِيرِ الْعَصْرِ وَلَا يَصِحُّ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ نَافِعٍ قَالَ دَخَلْتُ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بِالْعَصْرِ وَشَيْخٌ جَالِسٌ فَلَامَهُ وَقَالَ إِنَّ أَبِي أَخْبَرَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِتَأْخِيرِ هَذِهِ الصَّلَاةِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقَالُوا هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِيمَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الْحَارِثِ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ وَالصَّحِيحُ عَنْ رَافِعٍ ضِدُّ هَذَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَافِعٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ غَيْرُ عَبْدِ الْوَاحِدِ وَلَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ رَافِعٍ ولا عن غيره من الصحابة وقال بن حِبَّانَ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ نَافِعٍ يَرْوِي عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ الْمَقْلُوبَاتِ وَعَنْ أَهْلِ الشَّامِ الْمَوْضُوعَاتِ لَا يَحِلُّ ذِكْرُهُ فِي الْكِتَابِ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ فِيهِ انْتَهَى وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ نَافِعٍ بِهِ وَقَالَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَافِعٍ وَالصَّحِيحُ عَنْ رَافِعٍ غَيْرُهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ رَافِعٍ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْعَصْرِ ثُمَّ تُنْحَرُ الْجَزُورُ الْحَدِيثَ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ

قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَبِهِ يَقُولُ اللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَغَيْرُهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ تَعْجِيلَ الْعَصْرِ أَفْضَلُ وَهُوَ الْحَقُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ أَفْضَلُ عِنْدَنَا مِنْ تَعْجِيلِهَا إِذَا صَلَّيْتَهَا وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ لَمْ تَدْخُلْهَا صُفْرَةٌ وَبِذَلِكَ جَاءَ عَامَّةُ الْآثَارِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى وَعَلَّلَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهَا تَكْثِيرَ النَّوَافِلِ وَقَدْ رَدَّهُ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَهُوَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ التَّعْجِيلِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ مَرْوِيَّةٌ فِي الصِّحَاحِ السِّتَّةِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ التَّأْخِيرِ بِأَحَادِيثَ الْأَوَّلُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ مَا دَامَتِ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً وَالثَّانِي حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَالثَّالِثُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَدَّ تَعْجِيلًا لِلظُّهْرِ مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ أَشَدُّ تَعْجِيلًا لِلْعَصْرِ مِنْهُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ الْآتِي وَالرَّابِعُ حَدِيثُ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ وَأَجَابَ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ فَقَالَ وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمَاهِرِ مَا فِي الِاسْتِنَادِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَلَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ مَا دَامَ كَوْنُ الشَّمْسِ بَيْضَاءَ وَهَذَا أَمْرٌ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِعَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ وَالْكَلَامُ إِنَّمَا هُوَ فِي فَضِيلَةِ التَّأْخِيرِ وَهُوَ لَيْسَ بِثَابِتٍ مِنْهُ لَا يُقَالُ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّأْخِيرَ كَانَ عَادَتَهُ يَشْهَدُ بِهِ لَفْظُ كَانَ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ لَعَارَضَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْقَوِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُ كَانَتِ التَّعْجِيلَ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُحْمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الدَّوَامِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ وَاعْتِبَارًا لِتَقْدِيمِ الْأَحَادِيثِ الْقَوِيَّةِ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمِيزَانِ فَهَذَا الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ قَالَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَقَدْ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ نَافِعٍ فَذَكَرَ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا عَنْ نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ التَّعْجِيلِ فِي الظُّهْرِ أَشَدَّ مِنَ التَّعْجِيلِ فِي الْعَصْرِ لَا عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ قَالَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الرَّابِعُ فَلَا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ قُلْتُ بَلْ هُوَ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعْجِيلِ فَإِنَّ الطَّحَاوِيَّ رَوَاهُ هَكَذَا عَنْ أَنَسٍ مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ

السِّتَّةِ عَنْهُ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ وَبَعْضُ الْعَوَالِي مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ نَحْوِهِ فَالْعَجَبُ مِنَ الْعَيْنِيِّ أَنَّهُ كَيْفَ اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي الْأَوَّلُ وَالثَّانِي مِنْهَا ضَعِيفَانِ لَا يَصْلُحَانِ لِلِاسْتِدْلَالِ وَالثَّالِثُ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ وَالرَّابِعُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّعْجِيلِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ التَّأْخِيرِ بِحَدِيثِ الْقِيرَاطِ وَسَتَعْرِفُ فِي الْبَابِ الْآتِي أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ أَيْضًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَمْ أَرَ حَدِيثًا صَحِيحًا صَرِيحًا يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ تَنْبِيهٌ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ عَلَى تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَا لَفْظُهُ وَأَدِلَّتُنَا كَثِيرَةٌ لَا أَسْتَوْعِبُهَا وَمِنْهَا مَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ وَقْتَ الْإِشْرَاقِ مِنْ جَانِبِ الطُّلُوعِ مِثْلُ بَقَاءِ الشَّمْسِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ وَقْتَ الْإِشْرَاقِ يَكُونُ بَعْدَ ذَهَابِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا بِهَذَا اللَّفْظِ لَيْسَ فِي أَبِي دَاوُدَ أَلْبَتَةَ وَلَا فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ أَوَّلًا كَوْنَهُ فِي أَبِي دَاوُدَ أَوْ فِي كِتَابٍ آخَرَ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَدِلُّ بِهِ وَدُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَوْجُودٌ فِي كِتَابٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ فَلَا يَثْبُتُ مِنْهُ تَأْخِيرُ الْعَصْرِ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أن وقت الإشراف فِي الِامْتِدَادِ وَالطُّولِ كَوَقْتِ الْعَصْرِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِ الْعَصْرِ إِذَا صَارَ ظِلُّ الشَّيْءِ كَطُولِهِ وَامْتِدَادُهُ إِلَى الْغُرُوبِ كَمَا أَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْإِشْرَاقِ يَكُونُ بَعْدَ ذَهَابِ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِتَأْخِيرِ الْعَصْرِ وَلَا بِتَعْجِيلِهِ فَتَفَكَّرْ وَلَا تَعْجَبُوا مِنْ هَؤُلَاءِ الْمُقَلِّدِينَ أَنَّهُمْ كَيْفَ يَتْرُكُونَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ فِي تَعْجِيلِ الْعَصْرِ وَيَتَشَبَّثُونَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ هَذَا مِنْ شَأْنِ التَّقْلِيدِ ثُمَّ قَالَ مَا لَفْظُهُ وَلَنَا حَدِيثٌ آخَرُ حَسَنٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِنَّ السَّاعَةَ الْمَحْمُودَةَ مِنَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي السَّاعَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْيَوْمُ اثْنَا عَشَرَ سَاعَةً وَفِي فَتْحِ الْبَارِي فِي مَوْضِعٍ أَنَّ مَا بَعْدَ الْعَصْرِ رُبُعُ النَّهَارِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا لَيْسَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِهَذَا اللَّفْظِ ثُمَّ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِتَأْخِيرِ الْعَصْرِ وَلَا تَعْجِيلِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَافِظِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى التَّأْخِيرِ [160] قَوْلُهُ (حِينَ انْصَرَفَ) أَيِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (وَدَارُهُ) أَيْ دَارُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (فَقَالَ قُومُوا

فَصَلُّوا الْعَصْرَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ قَالَ أَصْلَيْتُمِ الْعَصْرَ فَقُلْنَا لَهُ إِنَّمَا انْصَرَفْنَا السَّاعَةَ مِنَ الظُّهْرِ قَالَ فَصَلُّوا الْعَصْرَ (تلك صلاة المنافق) قال بن الْمَلَكِ إِشَارَةٌ إِلَى مَذْكُورٍ حُكْمًا أَيْ صَلَاةِ الْعَصْرِ الَّتِي أُخِّرَتْ إِلَى الِاصْفِرَارِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي الذِّهْنِ مِنَ الصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ وَالْخَبَرُ بَيَانٌ لِمَا فِي الذِّهْنِ مِنَ الصَّلَاةِ الْمَخْصُوصَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِذَمِّ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ بِلَا عُذْرٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ يَرْقُبُ الشَّمْسَ (يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ) أَيْ يَنْتَظِرُهَا جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ بَيَانٌ لِلْجُمْلَةِ السَّابِقَةِ (حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ) أَيْ قَرُبَتْ مِنَ الْغُرُوبِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قِيلَ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وظاهره والمراد يجازيها بقرينة عِنْدَ غُرُوبِهَا وَكَذَا عِنْدَ طُلُوعِهَا لِأَنَّ الْكُفَّارَ يَسْجُدُونَ لَهَا حِينَئِذٍ فَيُقَارِنُهَا لِيَكُونَ السَّاجِدُونَ لَهَا فِي صُورَةِ السَّاجِدِينَ لَهُ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْمَجَازِ وَالْمُرَادُ بِقَرْنَيْهِ عُلُوُّهُ وَارْتِفَاعُهُ وَسُلْطَانُهُ وَغَلَبَةُ أَعْوَانِهِ وَسُجُودُ مُطِيعِيهِ مِنَ الْكَفَّارِ لِلشَّمْسِ انْتَهَى (فَنَقَرَ أَرْبَعًا) مِنْ نَقَرَ الطَّائِرُ الْحَبَّةَ نَقْرًا أَيِ الْتَقَطَهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُرِيدُ تَخْفِيفَ السُّجُودِ وَأَنَّهُ لَا يَمْكُثُ فِيهِ إِلَّا قَدْرَ وَضْعِ الْغُرَابِ مِنْقَارَهُ فِيمَا يُرِيدُ أَكْلَهُ انْتَهَى وَقِيلَ تَخْصِيصُ الْأَرْبَعِ بِالنَّقْرِ وَفِي الْعَصْرِ ثَمَانِ سَجَدَاتٍ اعْتِبَارًا بِالرَّكَعَاتِ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ مَا لَفْظُهُ قَوْلُهُ فَنَقَرَ أَرْبَعًا هَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ فَإِنَّ الشَّرِيعَةَ عَدَّتِ السَّجَدَاتِ الثَّمَانِيَةَ الْخَالِيَةَ عَنِ الْجِلْسَةِ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْ تَرَكَ الْقَوْمَةَ أَوِ الْجَلْسَةَ أَخَافُ أَنْ لَا تَجُوزَ صَلَاتُهُ انْتَهَى قُلْتُ وَمَعَ هَذَا أَكْثَرُ الْأَحْنَافِ يَنْقُرُونَ كَنَقْرِ الدِّيكِ وَيَتْرُكُونَ تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ مُتَعَمِّدِينَ بَلْ إِذَا رَأَوْا أَحَدًا يُعَدِّلُ الْأَرْكَانَ تَعْدِيلًا حَسَنًا فَيَظُنُّونَ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ فَهَدَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى التَّعْدِيلِ تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ مَا لَفْظُهُ اعْلَمْ أَنَّ الْأَرْضَ كُرَوِيَّةٌ اتِّفَاقًا فَيَكُونُ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَغُرُوبُهَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ فَقِيلَ إِنَّ الشَّيَاطِينَ كَثِيرَةٌ فيكون شيطان لبلد وَشَيْطَانٌ آخَرُ لِبَلْدَةٍ أُخْرَى وَهَكَذَا وَعَلَى كُرَوِيَّةِ الْأَرْضِ تَكُونُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ مُخْتَلِفَةً وَكَذَلِكَ يَكُونُ نُزُولُ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا مُتَعَدِّدًا وَظَنِّي أَنَّ سَجْدَةَ الشَّمْسِ بَعْدَ الْغُرُوبِ تَحْتَ الْعَرْشِ لَا تَكُونُ مُتَعَدِّدَةً بَلْ تَكُونُ بَعْدَ دَوْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَا حِينَ كُلٍّ مِنَ الْغَوَارِبِ الْمُخْتَلِفَةِ بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الْبِلَادِ انْتَهَى

باب ما جاء في تأخير صلاة العصر

قُلْتُ إِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ إِنَّ الْأَرْضَ كُرَوِيَّةٌ اتِّفَاقًا أَنَّ جَمِيعَ أَئِمَّةِ الدِّينِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مُتَّفِقُونَ عَلَى كُرَوِيَّةِ الْأَرْضِ وَقَائِلُونَ بِهَا فَهَذَا بَاطِلٌ بِلَا مِرْيَةٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ اتِّفَاقَ أَهْلِ الْفَلْسَفَةِ وَأَهْلِ الْهَيْئَةِ فَهَذَا مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ ثُمَّ مَا فَرَّعَ عَلَى كُرَوِيَّةِ الْأَرْضِ فَفِيهِ أَنْظَارٌ وَخَدَشَاتٌ فَتَفَكَّرْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (بَاب مَا جَاءَ فِي تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ) [161] قَوْلُهُ (وَأَنْتُمْ أَشَدُّ تَعْجِيلًا لِلْعَصْرِ مِنْهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ وَلَعَلَّ هَذَا الْإِنْكَارَ عَلَيْهِمْ بالمخالفة انتهى قال القارىء إِنَّ الْخِطَابَ لِغَيْرِ الْأَصْحَابِ قَالَ وَفِي الْجُمْلَةِ يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا انْتَهَى قُلْتُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ نَعَمْ فِيهِ أَنَّ الَّذِينَ خَاطَبَتْهُمْ أُمُّ سَلَمَةَ كَانُوا أَشَدَّ تَعْجِيلًا لِلْعَصْرِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ وَقَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ هَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعْجِيلَ فِي الظُّهْرِ أَشَدُّ مِنَ التَّعْجِيلِ فِي الْعَصْرِ لَا عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ هَذَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ مَا لَفْظُهُ حَدِيثُ الباب ظاهره مبهم والتأخير ها هنا إِضَافِيٌّ وَإِطْلَاقُ الْأَلْفَاظِ الْإِضَافِيَّةِ لَيْسَتْ بِفَاصِلَةٍ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ بَعْدَ هَذَا الِاعْتِرَافِ نَعَمْ يَخْرُجُ شَيْءٌ لَنَا انْتَهَى قُلْتُ لَا يَخْرُجُ لَكُمْ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَيُّهَا الْأَحْنَافُ كَيْفَ وَظَاهِرُهُ مُبْهَمٌ وَالتَّأْخِيرُ فِيهِ إِضَافِيٌّ وَأُطْلِقَ فِيهِ اللَّفْظُ الْإِضَافِيُّ وَهُوَ لَيْسَ بِفَاصِلٍ وَقَدْ ثَبَتَ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ صَرِيحَةٍ اسْتِحْبَابُ التَّعْجِيلِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِأَحَادِيثَ أُخَرَى قَدْ ذَكَرْتُهَا فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَا يَصِحُّ اسْتِدْلَالُهُمْ بِوَاحِدٍ مِنْهَا كَمَا عَرَفْتَ وَقَدِ اسْتَدَلَّ مُحَمَّدٌ فِي

آخِرِ مُوَطَّئِهِ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ الْقِيرَاطِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِيمَا خَلَا مِنَ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا فَقَالَ مَنْ يَعْمَلُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ قَالَ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى إِلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ثُمَّ قَالَ مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ أَلَا فَأَنْتُمُ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ قَالَ فَغَضِبَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً قَالَ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا قَالُوا لَا قَالَ فَإِنَّهُ فَضْلِي أُعْطِيهِ مَنْ شِئْتُ قَالَ مُحَمَّدٌ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مَا لَفْظُهُ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْعَصْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَعْجِيلِهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ أَكْثَرَ مِمَّا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَنْ عَجَّلَ الْعَصْرَ كَانَ مَا بَيْنَ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ أَقَلَّ مِمَّا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ فهذا يدل على تأخير العصر تأخير الْعَصْرِ أَفْضَلُ مِنْ تَعْجِيلِهَا مَا دَامَتِ الشَّمْسُ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً لَمْ تُخَالِطْهَا صُفْرَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَاسْتَنْبَطَ أَصْحَابُنَا الْحَنَفِيَّةُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَسْرَارُ وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ شَارِحُ الْكَنْزِ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ شَارِحُ الْهِدَايَةِ وَصَاحِبُ الْبَدَائِعِ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى صَيْرُورَةِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَوَقْتَ الْعَصْرِ مِنْهُ إِلَى الْغُرُوبِ كَمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ إِمَامِنَا أَبِي حَنِيفَةَ وَأَفْتَى بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ بِوُجُوهٍ كُلُّهَا لَا تَخْلُو عَنْ شَيْءٍ أَحَدُهَا أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إنما أجلكم فيما خلاكما بين الصلاة الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ يُفِيدُ قِلَّةَ زَمَانِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى زَمَانِ مَنْ خَلَا وَزَمَانُ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُوَ مُشَبَّهٌ بِمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى الْمَغْرِبِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا الزَّمَانُ قَلِيلًا مِنْ زَمَانِ الْيَهُودِ أَيْ مِنَ الصُّبْحِ إِلَى الظُّهْرِ وَمِنْ زَمَانِ النَّصَارَى أَيْ مِنَ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ وَلَنْ تَكُونَ الْقِلَّةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى زَمَانِ النَّصَارَى إِلَّا إِذَا كَانَ ابْتِدَاءُ وَقْتِ الْعَصْرِ مِنْ حِينِ صَيْرُورَةُ الظل مثليه فإنه حينئذ يريد وَقْتَ الظُّهْرِ أَيْ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْمِثْلَيْنِ عَلَى وَقْتِ الْعَصْرِ مِنَ الْمِثْلَيْنِ إِلَى الْغُرُوبِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ الْعَصْرِ حِينَ الْمِثْلِ فَيَكُونَانِ مُتَسَاوِيَيْنِ وَفِيهِ مَا ذَكَرَهُ فِي فَتْحِ الباري وبستان المحدثين وشرح القارىء وغيرها

أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ لُزُومِ الْمُسَاوَاةِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمِثْلِ مَمْنُوعَةٌ فَإِنَّ الْمُدَّةَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لَوْ كَانَ بِمَصِيرِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ يَكُونُ أَزْيَدَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى الغروب على ماهو مُحَقَّقٌ عِنْدَ الرِّيَاضِيِّينَ إِلَّا أَنْ يُقَالَ هَذَا التَّفَاوُتُ لَا يَظْهَرُ إِلَّا عِنْدَ الْحِسَابِ وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ تَفْهِيمُ كُلِّ أَحَدٍ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْحَدِيثِ مُجَرَّدُ التَّمْثِيلِ وَلَا يَلْزَمُ فِي التَّمْثِيلِ التَّسْوِيَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَأَمَّا ثَالِثًا فَلِأَنَّ قِلَّةَ مُدَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إنما هي بالنسبة إلى مدتي مجموع الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ وَهُوَ حَاصِلٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَأَمَّا رَابِعًا فَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِنِصْفِ النَّهَارِ فِي الْحَدِيثِ نِصْفُ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَسْتَقِيمُ الِاسْتِدْلَالُ وَأَمَّا خَامِسًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ أَقَلُّ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى الْعَصْرِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ غَالِبًا فَالْقِلَّةُ حَاصِلَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَإِنَّمَا يَتِمُّ مَرَامُ الْمُسْتَدِلِّ إِنْ تَمَّ لَوْ كَانَ لَفْظُ الْحَدِيثِ مَا بَيْنَ وَقْتِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ وَإِذْ لَيْسَ فَلَيْسَ وَثَانِيهَا أَنَّ قَوْلَ النَّصَارَى نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا لَا يَسْتَقِيمُ إِلَّا بِقِلَّةِ زَمَانِهِمْ وَلَنْ تَكُونَ الْقِلَّةُ إِلَّا فِي صُورَةِ الْمِثْلَيْنِ وَفِيهِ مَا مَرَّ سَابِقًا وَآنِفًا وَثَالِثُهَا مَا نَقَلَهُ الْعَيْنِيُّ أَنَّهُ جَعَلَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ زَمَانِ الدُّنْيَا فِي مُقَابَلَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا مِنَ الْأُمَمِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْنَهُمَا أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ النَّهَارِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا رُبُعُ الزَّمَانِ لِحَدِيثِ بُعِثْتُ أنا الساعة كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فَنِسْبَةُ مَا بَقِيَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ مَعَ مَا بعض مِقْدَارُ مَا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَبَيْنَهُمَا نِصْفُ سُبْعٍ لِأَنَّ الْوُسْطَى ثَلَاثَةُ أَسْبَاعٍ كُلُّ مَفْصِلٍ مِنْهَا سُبْعٌ وَزِيَادَتُهَا عَلَى السَّبَّابَةِ نِصْفُ سُبْعٍ انْتَهَى وَفِيهِ أَيْضًا مَا مَرَّ سَالِفًا ثُمَّ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُسْتَيْقِظِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْحَدِيثِ لَيْسَ إِلَّا التَّمْثِيلَ وَالتَّفْهِيمَ فَالِاسْتِدْلَالُ لَوْ تَمَّ بِجَمِيعِ تَقَادِيرِهِ لَمْ يَخْرُجْ تَقْدِيرُ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْمِثْلَيْنِ إِلَّا بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ

باب ما جاء في وقت المغرب

وَهُنَاكَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مُضِيِّ وَقْتِ الظُّهْرِ وَدُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْمِثْلِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْعِبَارَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِشَارَةِ وَقَدْ مَرَّ مَعَنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَقَامِ فِي صَدْرِ الْكَلَامِ الْأَمْرُ الثَّانِي مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْعَصْرِ أَيْ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ تَعْجِيلِهَا قَالَ بَعْضُ أَعْيَانِ مُتَأَخِّرِي الْمُحَدِّثِينَ فِي بُسْتَانِ الْمُحَدِّثِينَ مَا مُعَرَّبُهُ مَا اسْتَنْبَطَهُ مُحَمَّدٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ صَحِيحٌ وَلَيْسَ مَدْلُولُ الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلى العصر ليصح قلة العمل وكثرته وهذا لا يحصل إلا بتأخيرالعصر مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ انْتَهَى ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامًا مُطَوَّلًا مُحَصَّلُهُ الرَّدُّ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ فِي بَابِ الْمِثْلَيْنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا خُلَاصَتَهُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا أَيْضًا إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا كَانَ الْأَكْثَرِيَّةُ لِكُلٍّ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَإِلَّا فَلَا كَمَا ذَكَرْنَا مَعَ أَنَّهُ إِنْ صَحَّ فَلَيْسَ هُوَ إِلَّا بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ وَالْأَحَادِيثُ عَلَى التَّعْجِيلِ بِالْعِبَارَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَرْبَابِ الْبَصِيرَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْفَاضِلِ اللَّكْنَوِيِّ (بَاب مَا جَاءَ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ) [164] قَوْلُهُ (نَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) الْمَدَنِيُّ كُوفِيُّ الْأَصْلِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَحِيحُ الْكِتَابِ صَدُوقٌ يَهِمُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الخلاصة قال بن سَعِيدٍ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ انْتَهَى قُلْتُ هُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عَبِيدٍ) الْأَسْلَمِيِّ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (وَتَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى أَعْنِي إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ يَدْخُلُ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَأَنَسٍ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حديث

أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أخرجه وَأَمَّا حَدِيثُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ قَوْلُهُ (اخْتَارُوا تَعْجِيلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ) لِحَدِيثِ الْبَابِ وَلِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ أَوْ عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ (حَتَّى قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ إِلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ) قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ هَلْ هِيَ ذَاتُ وَقْتٍ أو وقتين فقال الشافعي وبن الْمُبَارَكِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهَا إِلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ هِيَ ذَاتُ وَقْتَيْنِ أَوَّلُ الْوَقْتِ هُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ وَآخِرُهُ ذهاب الشفق الأحمر تمسك الشافعي وبن الْمُبَارَكِ بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ فَإِنَّ فِيهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الْأَوَّلِ وَتَمَسَّكَ الْأَكْثَرُونَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّ فِيهِ وَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَبِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى فَإِنَّ فِيهِ ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ هُوَ الْحَقُّ وَأَمَّا حَدِيثُ جِبْرِيلَ فَإِنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مُتَأَخِّرَانِ عَنْهُ وَمُتَضَمَّنَانِ لِزِيَادَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَحْتَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا بَعْدَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ يَمْتَدُّ إِلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ وَهَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِنَا وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ جُمْهُورِ نَقَلَةِ مَذْهَبِنَا وَقَالُوا الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إِلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَهُوَ عَقِبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِقَدْرِ مَا يَطْهُرُ وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَيُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ فَإِنْ أخر الدخول في الصلاة عن هذا الوقت أَثِمَ وَصَارَتْ قَضَاءً وَذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا إلى ترجيح القول

باب ما جاء في وقت صلاة العشاء الآخرة

بِجَوَازِ تَأْخِيرِهَا مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَقُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ حِينَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى بَيَانِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ وَقْتَ الجواز وهذا جاز فِي كُلِّ الصَّلَاةِ سِوَى الظُّهْرِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُتَقَدِّمٌ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِمَكَّةَ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِامْتِدَادِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إِلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ مُتَأَخِّرَةٌ فِي أَوَاخِرِ الْأَمْرِ بِالْمَدِينَةِ فَوَجَبَ اعْتِمَادُهَا وَالثَّالِثُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَصَحُّ إِسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ بَيَانِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ) وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَغَيْرِهِ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِهَا فَالثَّابِتُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ أَنَّهُ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ فَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِذَا صَلَّيْتُمُ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي تَقَدَّمَ وَإِنَّ آخِرَ وَقْتِهَا حِينَ يَنْتَصِفُ اللَّيْلُ وَيُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ وَقَّتَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ مَعْنَاهُ وَقَّتَ لِأَدَائِهَا اخْتِيَارًا وَأَمَّا وَقْتُ الْجَوَازِ فَيَمْتَدُّ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ إِذَا ذَهَبَ نِصْفُ اللَّيْلِ صَارَتْ قَضَاءً وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الْمَذْكُورُ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عُمُومُ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الصُّبْحِ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدِ فِي الْمَغْرِبِ فَلِلْإِصْطَخْرِيِّ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي الْعِشَاءِ قَالَ وَلَمْ أَرَ فِي امْتِدَادِ وَقْتِ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ حَدِيثًا صَرِيحًا يَثْبُتُ انْتَهَى

تَنْبِيهٌ ذَكَرَ النَّيْمَوِيُّ فِي آثَارِ السُّنَنِ أَثَرَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ أَحَدُهُمَا أَثَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ عَبِيدِ بن جريج أنه قال لأبي هريرة ماإفراط صَلَاةِ الْعِشَاءِ قَالَ طُلُوعُ الْفَجْرِ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَثَانِيهِمَا أَثَرُ عُمَرَ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى وَصَلِّ الْعِشَاءَ أَيَّ اللَّيْلِ شِئْتَ وَلَا تُغْفِلْهَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ ثُمَّ قَالَ دَلَّ الْحَدِيثَانِ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ يَبْقَى بَعْدَ مُضِيِّ نِصْفِ اللَّيْلِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَلَا يَخْرُجُ بِخُرُوجِهِ فَبِالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا يَثْبُتُ أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ مِنْ حِينِ دُخُولِهِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ وَبَعْضُهُ أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَأَمَّا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَلَا يَخْلُو مِنَ الْكَرَاهَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ص 122 تكلم الطحاوي في شرح الآثار ها هنا كَلَامًا حَسَنًا مُلَخَّصُهُ أَنَّهُ قَالَ يَظْهَرُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعِشَاءِ حِينَ يطلع الفجر وذلك أن بن عَبَّاسٍ وَأَبَا مُوسَى وَالْخُدْرِيَّ رَوَوْا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَهَا إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ أَنَّهُ أَخَّرَهَا حتى انتصف الليل وروى بن عُمَرَ أَنَّهُ أَخَّرَهَا حَتَّى ذَهَبَ سُدُسُ اللَّيْلِ وروت عائشة أن أَعْتَمَ بِهَا حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ وَكُلُّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي الصَّحِيحِ قَالَ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ اللَّيْلَ كُلَّهُ وَقْتٌ لَهَا وَلَكِنَّهُ عَلَى أَوْقَاتٍ ثَلَاثَةٍ فَأَمَّا مِنْ حِينِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا إِلَى أَنْ يَمْضِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فَأَفْضَلُ وَقْتٍ صُلِّيَتْ فِيهِ وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يَتِمَّ نِصْفُ اللَّيْلِ فَفِي الْفَضْلِ دُونَ ذَلِكَ وَأَمَّا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ فَدُونَهُ ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى وَصَلِّ الْعِشَاءَ أَيَّ اللَّيْلِ شِئْتَ وَلَا تُغْفِلْهَا وَلِمُسْلِمٍ فِي قِصَّةِ التَّعْرِيسِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ أَنْ يُؤَخِّرَ صَلَاةً حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى فَدَلَّ عَلَى بَقَاءِ الْأُولَى إِلَى أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الْأُخْرَى وَهُوَ طُلُوعُ الثَّانِي انْتَهَى قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ كَلَامَ الطَّحَاوِيِّ هَذَا حَسَنٌ لَوْ كَانَ فِي هَذَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ صَحِيحٌ وَلَكِنْ لَمْ أَجِدْ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا أَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الْمَرْفُوعُ فَقَدْ عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ عُمُومَهُ مَخْصُوصٌ بِالْإِجْمَاعِ فِي الصُّبْحِ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَرْفُوعُ أَنَّهُ أَعْتَمَ بِهَا حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِعَامَّةِ اللَّيْلِ أَكْثَرَهُ كَمَا زَعَمَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ بَلِ الْمُرَادُ كَثِيرٌ مِنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ إِنَّهُ أَعْتَمَ بِهَا حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ أَيْ كَثِيرٌ مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَكْثَرَ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَوَقْتُهَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْقَوْلِ مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِنَّ تَأْخِيرَهَا إِلَى مَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ انْتَهَى وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ الذان ذَكَرَهُمَا النَّيْمَوِيُّ فَهُمَا لَيْسَا مَرْفُوعَيْنِ بَلْ أَحَدُهُمَا قَوْلُ عُمَرَ وَفِي سَنَدِهِ حَبِيبُ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَعَلَيْهِ مَدَارُهُ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ نافع بن جبير بالعنعنة قال الحافظ بن حجر في طبقات المدلسين جبيب بْنُ أَبِي ثَابِتٍ

الْكُوفِيُّ تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ يُكْثِرُ التَّدْلِيسَ وَثَانِيهمَا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ بِهِ بِنَاءً عَلَى عُمُومِ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم وقال بن الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْأُمَّةِ أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ غُرُوبُ الشَّفَقِ وَاخْتَلَفُوا فِي آخِرِهَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ قاله بن حَبِيبٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلًا أَنَّهُ أَخَّرَهَا إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ وَقَوْلًا لَهُ قَالَ وَقْتُ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَلَا قَوْلَ بَعْدَ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كلام بن الْعَرَبِيِّ [165] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بِشْرِ) بْنِ أَبِي إِيَاسِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ ثِقَةٌ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَضَعَّفَهُ شُعْبَةُ فِي حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ وَفِي مُجَاهِدٍ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ بَشِيرِ بْنِ ثَابِتٍ) الأنصاري مولاهم بصري ثقة وقال بن حبان وهم من قال فيه بشر بغيرياء (عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ) الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَكَاتِبِهِ لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِوَقْتِ هَذِهِ الصَّلَاةِ) هَذَا مِنْ بَابِ التَّحْدِيثِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ بِزِيَادَةِ الْعِلْمِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ حَمْلِ السَّامِعِينَ عَلَى اعْتِمَادِ مَرْوِيِّهِ وَلَعَلَّ وُقُوعَ هَذَا الْقَوْلِ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِ غَالِبِ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَحُفَّاظِهِمُ الَّذِينَ هُمْ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُ (لِسُقُوطِ الْقَمَرِ) أَيْ وَقْتَ غُرُوبِهِ أَوْ سُقُوطِهِ إِلَى الْغُرُوبِ (لِثَالِثَةٍ) أَيْ فِي لَيْلَةٍ ثَالِثَةٍ مِنَ الشَّهْرِ [166] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ) أَيْ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الْمَذْكُورُ

باب ما جاء في تأخير العشاء الآخرة

أخرجه أبو داود والنسائي والدارمي قال بن الْعَرَبِيِّ حَدِيثُ النُّعْمَانِ صَحِيحٌ وَإِنْ لَمْ يُخَرِّجْهُ الْإِمَامَانِ فَإِنَّ أَبَا دَاوُدَ أَخْرَجَهُ عَنْ مُسَدَّدٍ وَالتِّرْمِذِيَّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ فَأَمَّا حَبِيبُ بْنُ سَالِمٍ مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ ثِقَةٌ وَأَمَّا بَشِيرُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِنَّهُ ثِقَةٌ وَلَا كَلَامَ فِيمَنْ دُونَهُمَا وَإِنْ كَانَ هُشَيْمٌ قَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي بَشِيرٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ بِإِسْقَاطِ أَبِي بَشِيرٍ وَمَا ذَكَرْنَاهُ أَصَحُّ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ وَخَطَأُ مَنْ أَخْطَأَ فِي الْحَدِيثِ لَا يُخْرِجُهُ عَنِ الصِّحَّةِ انتهى كلام بن العربي 1 - (باب ما جاء في تأخير الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ) [167] قَوْلُهُ (لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ) مِنَ الْمَشَقَّةِ أَيْ لَوْلَا خَشْيَةُ وُقُوعِ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ (لَأَمَرَتْهُمْ) أي وُجُوبًا (إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ) قِيلَ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَيْ فِي الصَّيْفِ أَوْ نِصْفِ اللَّيْلِ أَيْ فِي الشِّتَاءِ وَيَحْتَمِلُ التَّنْوِيعَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَيَحْتَمِلُ الشَّكَّ مِنَ الرَّاوِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي بَرْزَةَ وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ الَّتِي يَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ فِي تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ ذَكَرَهُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب ما جاء في كراهية النوم قبل العشاء والسمر بعدها

قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) لِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ لَكِنْ قال بن بَطَّالٍ وَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ الْآنَ لِلْأَئِمَّةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالتَّخْفِيفِ وَقَالَ إِنَّ فِيهِمُ الضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ فَتَرْكُ التَّطْوِيلِ عَلَيْهِمْ فِي الِانْتِظَارِ أَوْلَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ بن بَطَّالٍ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَتَمَةَ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى مَضَى نَحْوٌ مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَلَوْلَا ضَعْفُ الضَّعِيفِ وَسَقَمُ السَّقِيمِ وَحَاجَةُ ذِي الْحَاجَةِ لَأَخَّرْتُ هَذِهِ الصَّلَاةَ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ ثُمَّ قَالَ فَعَلَى هَذَا مَنْ وَجَدَ بِهِ قُوَّةً عَلَى تَأْخِيرِهَا وَلَمْ يَغْلِبْهُ النَّوْمُ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمَأْمُومِينَ فَالتَّأْخِيرُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ وَقَدْ قَرَّرَ النَّوَوِيُّ ذَلِكَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ اخْتِيَارُ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَنَقَلَ بن الْمُنْذِرِ عَنِ اللَّيْثِ وَإِسْحَاقَ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَأْخِيرُ الْعِشَاءِ إِلَى قَبْلِ الثُّلُثِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يُسْتَحَبُّ إِلَى الثُّلُثِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ التَّعْجِيلُ أَفْضَلُ وَكَذَا قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَقَالُوا إِنَّهُ مِمَّا يُفْتَى بِهِ عَلَى الْقَدِيمِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَهُوَ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَالْمُخْتَارُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ أَفْضَلِيَّةُ التَّأْخِيرِ وَمِنْ حَيْثُ النَّظَرُ التَّفْصِيلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالسَّمَرِ بَعْدَهَا) السَّمَرُ بِالتَّحْرِيكِ هُوَ الْحَدِيثُ بِاللَّيْلِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ رُوِيَ بِفَتْحِ الْمِيمِ مِنَ الْمُسَامَرَةِ فَهِيَ الْحَدِيثُ بِاللَّيْلِ وَبِسُكُونِهَا فَهُوَ مَصْدَرٌ وَأَصْلُ السَّمَرِ لَوْنُ ضَوْءِ الْقَمَرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ انْتَهَى

[168] قوله (نا هشيم) بالتصغير بن بَشِيرٍ بِوَزْنِ عَظِيمٍ السُّلَمِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ كَانَ عِنْدَ هُشَيْمٍ عِشْرُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ قَالَ الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ يُدَلِّسُ (أَنَا عَوْفُ) بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ الْمَعْرُوفُ بِالْأَعْرَابِيِّ ثِقَةٌ (قال أحمد) هو بن مَنِيعٍ (وَنَا عَبَّادُ بْنُ عَبَّادِ هُوَ الْمُهَلَّبِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ جَمِيعًا) أَيْ عَبَّادُ بْنُ عباد وإسماعيل بن عُلَيَّةَ كِلَاهُمَا (عَنْ عَوْنٍ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَطْبُوعَةِ بِالنُّونِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْحِيفٌ مِنَ الْكَاتِبِ والصحيح عوف بالفاء وهو بن أَبِي جَمِيلَةَ الْأَعْرَابِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَقْصُودُ التِّرْمِذِيِّ بِهَذَا أَنَّ لِأَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ ثَلَاثَةَ شُيُوخٍ هشيم وعباد بن عباد وإسماعيل بن عُلَيَّةَ فَرَوَى هُشَيْمٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَوْفٍ بِلَفْظِ أَخْبَرَنَا وَرَوَاهُ عَبَّادٌ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَوْفٍ بِلَفْظِ عَنْ وَإِنَّمَا نَبَّهَ التِّرْمِذِيُّ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ لِأَنَّ هُشَيْمًا مُدَلِّسٌ وَهُشَيْمٌ هَذَا هُوَ هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ مَشْهُورٌ بِالتَّدْلِيسِ قال بن سَعْدٍ ثِقَةٌ حُجَّةٌ إِذَا قَالَ أَنَا وَعَبَّادُ بن عباد المهلبي هو بن حَبِيبِ بْنِ الْمُهَلَّبِ أَبُو مُعَاوِيَةَ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ رُبَّمَا وَهَمَ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ لَمْ يَقِفْ عَلَى مَقْصُودِ التِّرْمِذِيِّ وَلَمْ يَفْهَمْ هَذَا الْمَقَامَ وَظَنَّ لَفْظَ عَنْ عَوْنٍ صَحِيحًا فَإِنَّهُ قَالَ مَا لَفْظُهُ قَوْلُهُ وَقَالَ أحمدنا عباد بن إلخ ها هنا تحويل والمراد سيار انتهى قلت ليس المراد سيارا بل المراد عَوْفٌ ثُمَّ قَالَ قَوْلُهُ جَمِيعًا عَنْ عَوْنٍ الْمُرَادُ مِنَ الْجَمِيعِ هُوَ عَوْفٌ وَعَبَّادٌ وَإِسْمَاعِيلُ انْتَهَى قُلْتُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الْمُرَادُ مِنَ الْجَمِيعِ هُوَ عَبَّادٌ وَإِسْمَاعِيلُ فَتَفَكَّرْ (عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلَامَةَ) بِفَتْحِ السِّينِ وَشَدَّةِ التَّحْتَانِيَّةِ الرَّيَاحِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِي بَرْزَةَ) اسْمُهُ نَضْلَةُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَسْلَمِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَغَزَا سَبْعَ غَزَوَاتٍ ثُمَّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وَغَزَا خُرَاسَانَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ 56 خَمْسٍ وَسِتِّينَ قَوْلُهُ (يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ) لِأَنَّ النَّوْمَ قَبْلَهَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى إِخْرَاجِهَا عَنْ وَقْتِهَا مُطْلَقًا أَوْ عَنِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ (وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا) لِأَنَّ الْحَدِيثَ بَعْدَهَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى النَّوْمِ عَنِ الصُّبْحِ عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ أَوْ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ وَيَقُولُ أَسَمَرًا أَوَّلَ الليل

وَنَوْمًا آخِرَهُ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ ذَلِكَ فَقَدْ يُفَرِّقُ فَارِقٌ بَيْنَ اللَّيَالِي الطِّوَالِ وَالْقِصَارِ وَيُمْكِنُ أَنْ تُحْمَلَ الْكَرَاهَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَسْمًا لِلْمَادَّةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا شُرِعَ مَظِنَّةً قَدْ يَسْتَمِرُّ فَيَصِيرُ مَئِنَّةً كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ مَا نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَسَمَرَ بَعْدَهَا وأما حديث بن مسعود فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ جَدَبَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ يَعْنِي زَجَرَنَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّاهِرِ الذُّهْلِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ النَّوْمَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَمَنْ نُقِلَتْ عَنْهُ الرُّخْصَةُ قُيِّدَتْ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِمَا إِذَا كَانَ لَهُ مَنْ يُوقِظُهُ أَوْ عُرِفَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَغْرِقُ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ بِالنَّوْمِ وَهَذَا جَيِّدٌ حَيْثُ قُلْنَا إِنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ خَشْيَةُ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَحَمَلَ الطَّحَاوِيُّ الرُّخْصَةَ عَلَى مَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالْكَرَاهَةَ عَلَى مَا بَعْدَ دُخُولِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ بِدُونِ كَرَاهَةٍ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَمَ بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَلَمْ ينكر عليهم وبحديث بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ رَقَدْنَا ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ ينكر عليهم قال بن سَيِّدِ النَّاسِ وَمَا أَرَى هَذَا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَلَا نُعَاسَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ فِي انتظار

باب ما جاء في الرخصة في السمر بعد العشاء

الصَّلَاةِ مِنَ النَّوْمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ من السنة التي هي مبادىء النَّوْمِ كَمَا قَالَ وَسْنَانُ أَقْصَدَهُ النُّعَاسُ فَرَنَّقَتْ في جفنه سنة وليس بنائموقد أَشَارَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَذَا النَّوْمِ وَالنَّوْمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَذَا فِي النَّيْلِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ) [169] قَوْلُهُ (يَسْمُرُ) بِضَمِّ الْمِيمِ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ (فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ دِينِيَّةٍ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ وَسَيَأْتِي وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ بن خُزَيْمَةَ وَلَفْظُهُ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى يصبح لا يقوم إلا عَظِيمِ صَلَاةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِعَلْقَمَةَ سَمَاعٌ مِنْ عمرو أخرجه أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ انْتَهَى قَالَ فِي النَّيْلِ وَإِنَّمَا قَصَرَ بِهِ عَنِ التَّصْحِيحِ الِانْقِطَاعُ الَّذِي فِيهِ بَيْنَ عَلْقَمَةَ وَعُمَرَ انْتَهَى (وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ) بْنِ عُرْوَةَ النَّخَعِيُّ أَبُو عُرْوَةَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ رَوَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ النَّخَعِيَّيْنِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ التَّيْمِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ شعبة والسفيانان وزائدة

وغيرهم قال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ صَالِحٌ وَقَالَ الْعِجْلِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ ثِقَةٌ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ مَاتَ سَنَةَ 931 وَقِيلَ سَنَةَ 241 كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التهذيب (عن رجل من جعفي يقال له قيس أو بن قَيْسٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَيْسُ بن مروان وهو بن أَبِي قَيْسٍ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ عُمَرَ حَدِيثَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْبًا الْحَدِيثَ وَعَنْهُ خَيْثَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ وَعُمَارَةُ بْنُ عُمَيْرٍ وَقَرْثَعٌ الضَّبِّيُّ ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ قَيْسُ بْنُ أَبِي قَيْسٍ مَرْوَانَ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّانِيَةِ انْتَهَى (عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 52 ج 1 فَفِيهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبُو مُعَاوِيَةَ ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ بِعَرَفَةَ قَالَ مُعَاوِيَةُ وَحَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّهُ أَتَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ جِئْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْكُوفَةِ وَتَرَكْتُ بِهَا رَجُلًا يُمْلِي الْمَصَاحِفَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ فَغَضِبَ وَانْتَفَخَ حَتَّى كَانَ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ شُعْبَتَيِ الرَّجُلِ فَقَالَ وَمَنْ هُوَ وَيْحَكَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَمَا زَالَ يُطْفَأُ وَيُسَرَّى عَنْهُ الْغَضَبُ حَتَّى كَادَ يَعُودُ إِلَى حَالِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ وَيْحَكَ وَاَللَّهِ مَا أَعْلَمُهُ بَقِيَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ هُوَ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَزَالُ يَسْمُرُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اللَّيْلَةَ كَذَاكَ فِي الْأَمْرِ مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنَّهُ سَمَرَ عِنْدَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَأَنَا مَعَهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِعُ قِرَاءَتَهُ فَلَمَّا كِدْنَا نَعْرِفُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَطْبًا كما أنزل فليقرأ على قراءة بن أُمِّ عَبْدٍ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فَكَرِهَ قَوْمٌ مِنْهُمُ السَّمَرَ بَعْدَ الْعِشَاءِ) وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثِ الْمَنْعِ عَنِ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ (وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ وَمَا لَا بُدَّ مِنَ الْحَوَائِجِ وَأَكْثَرُ الْحَدِيثِ عَلَى الرُّخْصَةِ) وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الرُّخْصَةِ وَقَالُوا حَدِيثُ عُمَرَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ دِينِيَّةٍ عَامَّةٍ أَوْ خَاصَّةٍ وَحَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يدل

باب ما جاء في الوقت الأول من الفضل

عَلَى الْكَرَاهَةِ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنْ تُحْمَلَ أَحَادِيثُ الْمَنْعِ عَلَى السَّمَرِ الَّذِي لَا يَكُونُ لحاجة دينية ولا لما بد مِنَ الْحَوَائِجِ وَقَدْ بَوَّبَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابٌ السَّمَرُ فِي الْعِلْمِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ السَّمَرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا لَا يَكُونُ مِنَ الْخَيْرِ وَأَمَّا السَّمَرُ بِالْخَيْرِ فَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ بَلْ هُوَ مَرْغُوبٌ فِيهِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الْجَمْعُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا سَمَرَ إِلَّا لِمُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَمَّا حَدِيثُ لَا سَمَرَ إِلَّا لِمُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ فَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ فِيهِ رَاوٍ مَجْهُولٌ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ص 316 وَقَدْ أَخْرَجَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عن بن مَسْعُودٍ لَا سَمَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَعْنِي الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ إِلَّا لِأَحَدِ رَجُلَيْنِ مُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ وَرَوَاهُ الْحَافِظُ ضِيَاءُ الدِّينِ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْأَحْكَامِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا سَمَرَ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ مُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ أَوْ عَرُوسٍ انْتَهَى وَفِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ فَأَمَّا أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى فَقَالَا عن خيثمة عن رجل عن بن مَسْعُودٍ وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ حَدِيرٍ وَرِجَالُ الْجَمِيعِ ثِقَاتٌ وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِإِسْقَاطِ الرَّجُلِ انْتَهَى 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَضْلِ) [170] قَوْلُهُ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ غَنَّامٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْبِيَاضِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الخلاصة وثقه بن حِبَّانَ (عَنْ عَمَّتِهِ أُمِّ فَرْوَةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أُمُّ فَرْوَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ صَحَابِيَّةٌ لَهَا حَدِيثٌ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَيُقَالُ هِيَ بِنْتُ أَبِي قُحَافَةَ وَأُخْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ أُمُّ فَرْوَةَ هَذِهِ هِيَ أُخْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ لِأَبِيهِ وَمَنْ قَالَ فِيهَا أُمُّ فَرْوَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ فَقَدْ وَهَمَ انْتَهَى

قوله (الصلاة لأول وقتها) قال بن الْمَلِكِ اللَّامُ بِمَعْنَى فِي وَقَالَ الطِّيبِيُّ اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَلَيْسَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قَدَّمْتُ لحياتى أَيْ وَقْتَ حَيَاتِي لِأَنَّ الْوَقْتَ مَذْكُورٌ وَلَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ أَيْ قَبْلَ عِدَّتِهِنَّ لِذِكْرِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا قَالَ القارىء الْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُرَادَ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ الْمُخْتَارُ أَوْ مُطْلَقٌ لَكِنَّهُ خُصَّ بِبَعْضِ الْأَخْبَارِ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ الثَّانِي كَمَا لَا يَخْفَى وَيُؤَيِّدُهُ حديث بن عُمَرَ الْآتِي فَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ فِي سَنَدِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْعُمَرِيَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ اضْطِرَابًا كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِمَا وَلَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ بن مسعود ويأتي في هذا الباب [172] قَوْلُهُ (نَا يَعْقُوبُ بْنُ الْوَلِيدِ الْمَدَنِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) هُوَ الْعُمَرِيُّ قَوْلُهُ (الوقت الأول من الصلاة) قال القارىء مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ مِنْ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ وَقَالَ قَالَ الطِّيبِيُّ مِنْ بَيَانٌ لِلْوَقْتِ (رِضْوَانُ اللَّهِ) أَيْ سَبَبُ رِضَائِهِ كَامِلًا لِمَا فِيهِ مِنَ الْمُبَادَرَةِ إِلَى الطَّاعَاتِ (وَالْوَقْتُ الْآخِرُ) بِحَيْثُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خُرُوجًا مِنَ الْوَقْتِ أَوِ الْمُرَادُ بِهِ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ (عَفْوُ اللَّهِ) وَالْعَفْوُ يَكُونُ عَنِ الْمُقَصِّرِينَ فَأَفَادَ أَنَّ تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا أَفْضَلُ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا يُؤْثَرُ عَلَى رِضْوَانِ اللَّهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْعَفْوَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ تَقْصِيرٍ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ جِدًّا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ حَدِيثُ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ إِنَّمَا يُعْرَفُ بِيَعْقُوبَ بْنِ الْوَلِيدِ وَقَدْ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَسَائِرُ الْحُفَّاظِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَسَانِيدَ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ قَوْلِهِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْبَيْهَقِيِّ هَذَا وَأَنْكَرَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي كِتَابَهِ عَلَى أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ الْحَقِّ لِكَوْنِهِ أَعَلَّ الْحَدِيثَ بِالْعُمَرِيِّ وَسَكَتَ عَنْ يَعْقُوبَ قَالَ وَيَعْقُوبُ هُوَ الْعِلَّةُ قَالَ أَحْمَدُ فِيهِ كَانَ مِنَ الْكَذَّابِينَ الْكِبَارِ وَكَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ كان يكذب والحديث الذي رواه موضوع وبن

عَدِيٍّ إِنَّمَا أَعَلَّهُ بِهِ وَفِي بَابِهِ ذَكَرَهُ انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قُلْتُ وَالْعَجَبُ مِنَ التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا فَإِنَّهُ سَكَتَ عَنْ يَعْقُوبَ وَلَمْ يُعِلَّ الْحَدِيثَ بِهِ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَعْجِيلَ الصَّلَاةِ أَوَّلَ وَقْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِهَا إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا لِأَنَّ فِي التَّعْجِيلِ رِضْوَانَ اللَّهِ وَفِي التَّأْخِيرِ عَفْوَ اللَّهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْعَفْوَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ تَقْصِيرٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَفُوُّ هُوَ فَعُولٌ مِنَ الْعَفْوِ وَهُوَ التَّجَاوُزُ عَنِ الذَّنْبِ وَتَرْكُ الْعِقَابِ عَلَيْهِ وَأَصْلُهُ الْمَحْوُ وَالطَّمْسُ انْتَهَى وَذَكَرَ صَاحِبُ بَذْلِ الْمَجْهُودِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ وَالْوَقْتُ الْآخِرُ عَفْوُ اللَّهِ مَا لَفْظُهُ إِنَّ الْعَفْوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْفَضْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَيَسْأَلُونَكَ ماذا ينفقون قل العفو وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ أَدَّى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْأَوْقَاتِ فَقَدْ نَالَ رِضْوَانَ اللَّهِ وَأَمِنَ مِنْ سَخَطِهِ وَعَذَابِهِ وَمَنْ أَدَّى فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَقَدْ نَالَ فَضْلَ اللَّهِ وَنَيْلُ فَضْلِ اللَّهِ لَا يَكُونُ بِدُونِ الرِّضْوَانِ فَكَانَتْ هَذِهِ الدَّرَجَةُ أَفْضَلَ مِنْ تِلْكَ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا لَيْسَ تَفْسِيرًا لِلْحَدِيثِ بَلْ هُوَ تَحْرِيفٌ لَهُ وَيُبْطِلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ أَحَدَكُمْ يُصَلِّي الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَقَدْ تَرَكَ مِنَ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ علي وبن عمر وعائشة وبن مَسْعُودٍ) قَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ [171] قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ) الْحِجَازِيِّ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ وعنه بن وهب وثقه بن حِبَّانَ لَهُ حَدِيثٌ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الْهَاشِمِيِّ قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ بن حِبَّانَ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ ثِقَةٌ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وغيره

قَوْلُهُ (يَا عَلِيُّ ثَلَاثٌ) أَيْ مِنَ الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ الْمُسَوِّغُ لِلِابْتِدَاءِ وَالْمَعْنَى ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ وَهِيَ الصَّلَاةُ وَالْجِنَازَةُ وَالْمَرْأَةُ وَلِذَا ذَكَرَ الْعَدَدَ (لَا تُؤَخِّرُهَا) بِالرَّفْعِ خَبَرٌ لِثَلَاثٍ (الصَّلَاةُ) بِالرَّفْعِ أَيْ مِنْهَا أَوْ إِحْدَاهَا أَوْ وَهِيَ (إِذَا آنَتْ) بِالْمَدِّ وَالنُّونِ مِنْ آنَ يَئِينُ أَيْنًا مِثْلُ حَانَتْ مَبْنًى وَمَعْنًى وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَتَتْ بالتائين مِنَ الْإِتْيَانِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قال بن العربي وبن سيد الناس كذا رويناه بتائين كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مُعْجَمَةٌ بِاثْنتَيْنِ مِنْ فَوْقِهَا وَرُوِيَ آنَتْ بِنُونٍ وَمَدٍّ بِمَعْنَى حَانَتْ وَحَضَرَتْ انتهى وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ المقروءة أتت بالتائين وَكَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَالْمَحْفُوظُ مِنْ ذَوِي الْإِتْقَانِ آنَتْ عَلَى وَزْنِ حَانَتْ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَالْجِنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ فِي النعش والمبيت وَقِيلَ الْكَسْرُ لِلْأَوَّلِ وَالْفَتْحُ لِلثَّانِي وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لِلْمَيِّتِ فِي النَّعْشِ قَالَ الْأَشْرَفُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ لَا تُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ نقله الطيبي قال القارىء وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ أَيْضًا إِذَا حَضَرَتْ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ مِنَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ وَالِاسْتِوَاءِ وَأَمَّا إِذَا حَضَرَتْ قَبْلَهَا وَصُلِّيَ عَلَيْهَا فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ فَمَكْرُوهَةٌ وَكَذَا حُكْمُ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَأَمَّا بَعْدَ الصُّبْحِ وَقَبْلَهُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ فَلَا يكرهان مطلقا انتهى كلام القارىء (وَالْأَيِّمُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيِ الْمَرْأَةِ الْعَزَبَةِ وَلَوْ بِكْرًا (إِذَا وَجَدْتُ) أَنْتَ (لَهَا كُفُؤًا) الْكُفُؤُ الْمِثْلُ وَفِي النِّكَاحِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرْأَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالصَّلَاحِ وَالنَّسَبِ وَحُسْنِ الْكَسْبِ وَالْعَمَلِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَقَالَ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ وَكَذَا قَالَ الْحَافِظِ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ بِإِسْنَادِهِ نق عَنْ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ قُلْتُ لَيْسَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَعْنِي غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ فِي النُّسَخِ الْمَطْبُوعَةِ وَالْقَلَمِيَّةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُمِّ فَرْوَةَ لَا يُرْوَى إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ وَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ

عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمَدَنِيِّ ضَعِيفٌ عَابِدٌ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ روى أحمد بن أبي مريم عن بن معين ليس به بأس يكتب حديثه وقال الدَّارِمِيُّ قُلْتُ لِابْنِ مَعِينٍ كَيْفَ حَالُهُ فِي نَافِعٍ قَالَ صَالِحٌ ثِقَةٌ وَقَالَ الْفَلَّاسُ كَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ صَالِحٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ ليس بالقوي وقال بن المديني عبد الله ضعيف وقال بن حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاحُ وَالْعِبَادَةُ حَتَّى غَفَلَ عَنْ حِفْظِ الْأَخْبَارِ وَجَوْدَةِ الْحِفْظِ لِلْآثَارِ فَلَمَّا فَحُشَ خَطَؤُهُ اسْتَحَقَّ التَّرْكَ انْتَهَى (وَاضْطَرَبُوا فِي هَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَاضْطِرَابًا ثُمَّ قَالَ وَالْقَوِيُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الدُّنْيَا عَنْ أُمِّ فَرْوَةَ انْتَهَى قَالَ فِي الْإِمَامِ وَمَا فِيهِ مِنَ الِاضْطِرَابِ فِي إِثْبَاتِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ الْقَاسِمِ وَأُمِّ فَرْوَةَ وَإِسْقَاطِهَا يَعُودُ إِلَى الْعُمَرِيِّ وَقَدْ ضُعِّفَ وَمَنْ أَثْبَتَ الْوَاسِطَةَ يَقْضِي عَلَى مَنْ أَسْقَطَهَا وَتِلْكَ الْوَاسِطَةُ مَجْهُولَةٌ انْتَهَى مَا فِي الْمِيزَانِ [173] قَوْلُهُ (نَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيُّ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ نَزِيلُ مَكَّةَ ثُمَّ دِمَشْقَ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَكَانَ يُدَلِّسُ أَسْمَاءَ الشُّيُوخِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ أَبِي يَعْفُورَ) بِالْفَاءِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسِ بْنِ أَبِي صَفِيَّةَ الثَّعْلَبِيُّ الْعَامِرِيُّ الْكُوفِيُّ وَيُقَالُ لَهُ أَبُو يَعْفُورَ الْأَصْغَرُ وَالصَّغِيرُ رَوَى عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي الضُّحَى وَالْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالسُّفْيَانَانِ وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَحْمَدُ وبن مَعِينٍ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِهِ بأس وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ أَبُو يَعْقُوبَ بِالْقَافِ وَهُوَ غَلَطٌ (عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ التَّحْتَانِيَّةِ ثُمَّ زَايٍ الْعَبْدِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْكُوفِيِّ لَهُ إِدْرَاكٌ روى عن علي وبن مسعود وثقه بن مَعِينٍ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ ست وهو بن مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ وَمُحَصَّلُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَجْوِبَةُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَنَّ الْجَوَابَ اخْتَلَفَ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ السَّائِلِينَ بِأَنْ أَعْلَمَ كُلَّ قَوْمٍ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ أَوْ بِمَا لَهُمْ فِيهِ رَغْبَةٌ أَوْ بِمَا هُوَ لَائِقٌ بِهِمْ

أَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ بِأَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ كَانَ الْجِهَادُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ لِأَنَّهُ الْوَسِيلَةُ إِلَى الْقِيَامِ بِهَا وَالتَّمَكُّنِ فِي أَدَائِهَا وَقَدْ تَضَافَرَتِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَفِي وَقْتِ مُوَاسَاةِ الْمُضْطَرِّ تَكُونُ الصَّدَقَةُ أَفْضَلَ أَوْ أَنَّ أَفْضَلَ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا بَلِ الْمُرَادُ بِهَا الْفَضْلُ الْمُطْلَقُ أَوِ الْمُرَادُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَخُذِفَتْ مِنْ وَهِيَ مُرَادَةٌ (فَقَالَ الصَّلَاةُ عَلَى مَوَاقِيتِهَا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَلَى وَقْتِهَا قَالَ الْحَافِظُ وَهِيَ رِوَايَةُ شُعْبَةَ وَأَكْثَرِ الرُّوَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لِوَقْتِهَا وَكَذَا أَخْرَجَهُ مسلم باللفظين قال وخالفهم علي بن حفص وَهُوَ شَيْخٌ صَدُوقٌ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ فَقَالَ الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَا أَحْسَبُهُ حَفِظَهُ لِأَنَّهُ كَبِرَ وَتَغَيَّرَ حِفْظُهُ قَالَ الْحَافِظُ وَرَوَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ أَبِي مُوسَى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ كَذَلِكَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ الْعُمَرِيُّ فَقَدْ رَوَاهُ أَصْحَابُ أَبِي مُوسَى عَنْهُ بِلَفْظِ عَلَى وَقْتِهَا وَقَدْ أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ رِوَايَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ضَعِيفَةٌ قَالَ الْحَافِظُ لَكِنْ لَهَا طريق أخرى أخرجها بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مَغُولٍ عَنِ الْوَلِيدِ وَتَفَرَّدَ عُثْمَانُ بِذَلِكَ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ مَالِكِ بْنِ مَغُولِ كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِتَلْخِيصٍ (قُلْتُ وَمَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ أَيُّ قَالَ ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قَالَ ثُمَّ أَيُّ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [174] قَوْلُهُ (عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ) الْجُمَحِيِّ الْمِصْرِيِّ الْإِسْكَنْدَرَانِيِّ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ) اللَّيْثِيِّ مَوْلَاهُمِ الْمِصْرِيِّ قِيلَ مَدَنِيُّ الأصل وقال بن يُونُسَ بَلْ نَشَأَ بِهَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَمْ أَرَ لِابْنِ حَزْمٍ فِي تَضْعِيفِهِ سَلَفًا إِلَّا أَنَّ السَّاجِيَ حَكَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ اخْتَلَطَ انْتَهَى قُلْتُ هُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عُمَرَ) قَالَ فِي الْمِيزَانِ تَرَكَهُ

باب ما جاء في السهو عن وقت صلاة العصر

الدَّارَقُطْنِيُّ انْتَهَى وَهُوَ مِنْ رِجَالِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُهُ (مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً لِوَقْتِهَا الْآخِرِ مَرَّتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ الله) قال القارىء لَعَلَّهَا مَا حَسَبَتْ صَلَاتَهُ مَعَ جِبْرِيلَ لِلتَّعَلُّمِ وَصَلَاتَهُ مَعَ السَّائِلِ لِلتَّعْلِيمِ يَعْنِي أَوْقَاتَ صَلَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ كُلَّهَا كَانَتْ فِي وَقْتِهَا الِاخْتِيَارِيِّ إِلَّا مَا وَقَعَ مِنَ التَّأْخِيرِ إِلَى آخِرِهِ نَادِرًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ) يَثْبُتُ مِنْ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ عُمَرَ لَيْسَ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ عَائِشَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ إِسْحَاقَ بْنِ عُمَرَ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَقَالَ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْوَقْتُ الْأَوَّلُ مِنَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ إِلَخْ) الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ (وَلَمْ يَكُونُوا يَدَعُونَ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ يَتْرُكُونَ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السَّهْوِ عَنْ وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ) [175] قَوْلُهُ (فَكَأَنَّمَا وُتِرَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْ سُلِبَ وَأُخِذَ (أَهْلَهُ وَمَالَهُ) بِنَصْبِهِمَا وَرَفْعِهِمَا قَالَ الْحَافِظُ هُوَ بِالنَّصْبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِوُتِرَ وَأُضْمِرَ فِي وُتِرَ مَفْعُولُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ

وَهُوَ عَائِدٌ إِلَى الَّذِي فَاتَتْهُ فَالْمَعْنَى أُصِيبَ بِأَهْلِهِ وَمَالِهِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَمِثْلُهُ قوله تعالى ولن يتركم أعمالكم وقيل وترههنا بِمَعْنَى نُقِصَ فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ نَصْبُهُ وَرَفْعُهُ لِأَنَّ مَنْ رَدَّ النَّقْصَ إِلَى الرُّجُلِ نَصَبَ وَأَضْمَرَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْفَاعِلِ وَمَنْ رَدَّهُ إِلَى الْأَهْلِ رَفَعَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يُرْوَى بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ وُتِرَ بِمَعْنَى سُلِبَ وَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ وُتِرَ بِمَعْنَى أُخِذَ فَيَكُونُ أَهْلُهُ هُوَ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ قَالَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّغْلِيظُ عَلَى مَنْ تَفُوتُهُ الْعَصْرُ وَأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِهَا وَرَوَى بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا مَنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَهَذَا ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ نَوْفَلٍ بِلَفْظِ لَأَنْ يُوتَرَ لِأَحَدِكُمْ أَهْلُهُ وَمَالُهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَفُوتَهُ وَقْتُ صَلَاةٍ وَهَذَا أَيْضًا ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ رِوَايَةُ النَّصْبِ لَكِنَّ الْمَحْفُوظَ مِنْ حَدِيثِ نَوْفَلٍ بِلَفْظِ مِنَ الصَّلَوَاتِ صَلَاةٌ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا قَالَ وَبَوَّبَ التِّرْمِذِيُّ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ مَا جَاءَ فِي السَّهْوِ عَنْ وَقْتِ الْعَصْرِ فَحَمَلَهُ عَلَى السَّاهِي وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ مِنَ الْأَسَفِ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الثَّوَابِ لِمَنْ صَلَّى مَا يَلْحَقُ مَنْ ذَهَبَ مَالُهُ وَأَهْلُهُ وَقَدْ رُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ أَسَفَ الْعَامِدِ أَشَدُّ لِاجْتِمَاعِ فَقْدِ الثَّوَابِ وَحُصُولِ الْإِثْمِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ وَنَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ) أَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ بَكِّرُوا بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

باب ما جاء في تعجيل الصلاة إذا أخرها الإمام

16 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الصَّلَاةِ إِذَا أَخَّرَهَا الْإِمَامُ) [176] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْبَصْرِيُّ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَرَسِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ رَوَى عَنْ سُهَيْلِ بْنِ حَزْمٍ وَزِيَادٍ الْبَكَّائِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَعَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ صَالِحٌ وَثَّقَهُ بن حِبَّانَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ لَيِّنٌ وَضَبَطَ الْحَرَسِيَّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وبالسين الْمُعْجَمَةِ (نَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضَّبْعِيُّ) بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ نِسْبَةً إِلَى ضَبِيعَةَ بْنِ نَزَارٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي لِصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ زَاهِدٌ لَكِنَّهُ كَانَ يَتَشَيَّعُ (عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بِنُونٍ مَنْسُوبٌ إِلَى الْجَوْنِ بَطْنٍ مِنْ كِنْدَةَ كَذَا فِي الْمُغْنِي قَوْلُهُ (يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى يُمِيتُونَ الصَّلَاةَ يُؤَخِّرُونَهَا وَيَجْعَلُونَهَا كَالْمَيِّتِ الَّذِي خَرَجَتْ رُوحُهُ وَالْمُرَادُ بِتَأْخِيرِهَا عَنْ وَقْتِهَا أَيْ عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ لَا عَنْ جَمِيعِ وَقْتِهَا فَإِنَّ الْمَنْقُولَ عَنِ الْأُمَرَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إِنَّمَا هُوَ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ وَلَمْ يُؤَخِّرْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ جَمِيعِ وَقْتِهَا فَوَجَبَ حَمْلُ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَلَى مَا هُوَ الْوَاقِعُ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ فِيهِ نَظَرٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ صَحَّ أَنَّ الْحَجَّاجَ وَأَمِيرَهُ الْوَلِيدَ وَغَيْرَهُمَا كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ مِنْهَا مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ أَخَّرَ الْوَلِيدُ الْجُمُعَةَ حَتَّى أَمْسَى فَجِئْتُ فَصَلَّيْتُ الظُّهْرَ قَبْلَ أَنْ أَجْلِسَ ثُمَّ صَلَّيْتُ الْعَصْرَ وَأَنَا جَالِسٌ إِيمَاءً وَهُوَ يَخْطُبُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ عَطَاءٌ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْقَتْلِ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي جُحَيْفَةَ فَمَسَّى الْحَجَّاجُ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ أَبُو جُحَيْفَةَ فَصَلَّى وَمِنْ طَرِيقِ بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مَعَ الْحَجَّاجِ فَلَمَّا أَخَّرَ الصَّلَاةَ تَرَكَ أَنْ يَشْهَدَهَا مَعَهُ وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ قَالَ كُنْتُ بِمِنًى وَصُحُفٌ تُقْرَأُ لِلْوَلِيدِ فَأَخَّرُوا الصَّلَاةَ فَنَظَرْتُ إِلَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ يُومِئَانِ إِيمَاءً وَهُمَا قَاعِدَانِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (فَصَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ صَلَّيْتَ) أَيْ صَلَاةَ الْأُمَرَاءِ (لِوَقْتِهَا) أَيْ فِي وَقْتِهَا (كَانَتْ

لَكَ نَافِلَةً) أَيْ كَانَتِ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّيْتَ مَعَ الْأُمَرَاءِ نَافِلَةً لَكَ (وَإِلَّا كُنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلَاتَكَ) أَيْ حَصَّلْتَهَا فَإِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ إِذَا عَلِمْتَ مِنْ حَالِهِمْ تَأْخِيرَهَا عَنْ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ فَصَلِّهَا لِأَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ إِنْ صَلَّوْهَا لِوَقْتِهَا الْمُخْتَارِ فَصَلِّهَا أَيْضًا وَتَكُونُ صَلَاتُكَ مَعَهُمْ نَافِلَةً وَإِلَّا كُنْتَ قَدْ أَحْرَزْتَ صَلَاتَكَ بِفِعْلِكَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَيْ حَصَّلْتُهَا وَصُنْتَهَا وَاحْتَطْتَ لَهَا قَالَ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا مَعَهُمْ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يُصَلِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ فَيَجْمَعُ فَضِيلَتَيْ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْجَمَاعَةِ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي يُصَلِّيهَا مَرَّتَيْنِ تَكُونُ الْأُولَى فَرِيضَةً وَالثَّانِيَةُ نَفْلًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ سَتَكُونُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي أُمَرَاءُ تَشْغَلُهُمْ أَشْيَاءُ عَنِ الصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا حَتَّى يَذْهَبَ وَقْتُهَا فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُصَلِّي مَعَهُمْ فَقَالَ نَعَمْ إِنْ شِئْتَ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بِنَحْوِهِ وَفِي لَفْظٍ وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ تَطَوُّعًا وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَالصَّلَاةُ الْأُولَى هِيَ الْمَكْتُوبَةُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العلم) وهوالحق وَحَدِيثُ الْبَابِ نَصٌّ صَرِيحٌ فِيهِ وَمَنْ قَالَ بِخِلَافِهِ فَلَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَأَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ) وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ

باب ما جاء في النوم عن الصلاة

17 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّوْمِ عَنْ الصَّلَاةِ) [177] قوله (عن ثابت البناني) بضم الموحد وَنُونَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ هُوَ ثابِتُ بْنُ أَسْلَمَ أَبُو محمد البصري ثقة عابد روى عن بن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَأَنَسٍ وَخَلْقٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَالْحَمَّادَانِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ مَا رَأَيْتُ أَعْبَدَ مِنْ ثَابِتٍ وَقَالَ شُعْبَةُ كَانَ يَخْتِمُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَيَصُومُ الدَّهْرَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْعِجْلِيُّ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ قُلْتُ هُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيِّ) الْمَدَنِيِّ ثُمَّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَتَلَهُ الْأَزَارِقَةُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ وَالْأَرْبَعَةِ وَهُوَ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (ذَكَرُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْمَهُمْ عَنِ الصَّلَاةِ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَذَكَرَ قِصَّةَ نَوْمِهِمْ وَفِيهِ فَمَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الطَّرِيقِ فَوَضَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ قَالَ احْفَظُوا عَلَيْنَا صَلَاتَنَا فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالشَّمْسُ فِي ظَهْرِهِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَجَعَلَ بَعْضُنَا يَهْمِسُ إِلَى بَعْضٍ مَا كَفَّارَةُ مَا صَنَعْنَا بِتَفْرِيطِنَا فِي صَلَاتِنَا (فَقَالَ إِنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ) أَيْ تَقْصِيرٌ يُنْسَبُ إِلَى النَّائِمِ فِي تَأْخِيرِهِ الصَّلَاةَ (إِنَّمَا التَّفْرِيطُ فِي الْيَقَظَةِ) أَيْ إِنَّمَا التَّفْرِيطُ يُوجَدُ فِي حَالَةِ الْيَقَظَةِ بِأَنْ تَسَبَّبَ فِي النَّوْمِ قَبْلَ أَنْ يَغْلِبَهُ أَوْ فِي النِّسْيَانِ بِأَنْ يَتَعَاطَى مَا يَعْلَمُ تَرَتُّبَهُ عَلَيْهِ غَالِبًا كَلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ فَإِنَّهُ يَكُونُ مُقَصِّرًا حِينَئِذٍ وَيَكُونُ آثِمًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ فِي النَّوْمِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ تَضْيِيقِهِ وَقِيلَ إِنَّهُ إِذَا تَعَمَّدَ النَّوْمَ قَبْلَ تَضْيِيقِ الْوَقْتِ وَاتَّخَذَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ لِغَلَبَةِ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَسْتَيْقِظُ إِلَّا وَقَدْ خَرَجَ الْوَقْتُ كَانَ آثِمًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ بِالنَّظَرِ إِلَى النَّوْمِ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي وَقْتٍ يُبَاحُ فِعْلُهُ فَيَشْمَلُهُ الْحَدِيثُ وَأَمَّا إِذَا نُظِرَ إِلَى التَّسَبُّبِ بِهِ لِلتَّرْكِ فَلَا إِشْكَالَ فِي الْعِصْيَانِ بِذَلِكَ وَلَا شَكَّ فِي إِثْمِ مَنْ نَامَ بَعْدَ تَضْيِيقِ الْوَقْتِ لِتَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِهِ وَالنَّوْمُ مَانِعٌ مِنَ الِامْتِثَالِ وَالْوَاجِبُ إِزَالَةُ الْمَانِعِ انْتَهَى (فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ صَلَاةً) أَيْ تَرَكَهَا نِسْيَانًا (أَوْ نَامَ عَنْهَا) ضَمَّنَ نَامَ مَعْنَى غَفَلَ أَيْ غَفَلَ عَنْهَا

فِي حَالِ نَوْمِهِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ أَيْ نَامَ غَافِلًا عَنْهَا (فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) أَيْ بَعْدَ النِّسْيَانِ أَوِ النَّوْمِ وَقِيلَ فِيهِ تَغْلِيبٌ لِلنِّسْيَانِ فَعَبَّرَ بِالذِّكْرِ وَأَرَادَ بِهِ مَا يَشْمَلُ الِاسْتِيقَاظَ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ النَّوْمَ لَمَّا كَانَ يُورِثُ النِّسْيَانَ غَالِبًا قَابَلَهُمَا بِالذِّكْرِ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَأَبِي مَرْيَمَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَأَبِي جُحَيْفَةَ وَعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضمري وذي مخبر وهو بن أخ النجاشي) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ بن أَبِي مَرْيَمَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وأما حديث ذي مخبر فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُ أَبِي دَاوُدَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ انْتَهَى وَأَخْرَجَهُ بِنَحْوِهِ فِي قِصَّةِ نَوْمِهِمْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلِّيهَا إِذَا اسْتَيْقَظَ أَوْ ذَكَرَ وَإِنْ كَانَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ عِنْدَ غُرُوبِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فَجَعَلُوهَا مُخَصِّصَةً لِأَحَادِيثِ الْكَرَاهَةِ قَالَ وَهُوَ تَحَكُّمٌ لِأَنَّهَا يَعْنِي أَحَادِيثَ الْبَابِ أَعَمُّ مِنْهَا يَعْنِي مِنْ أَحَادِيثِ الْكَرَاهَةِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْ وَجْهٍ وَلَيْسَ أَحَدُ الْعُمُومَيْنِ أَوْلَى بِالتَّخْصِيصِ مِنَ الْآخَرِ انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُصَلِّي حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَوْ تَغْرُبَ) وَبِهِ قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ لِمَا رَوَاهُ البخاري عن

باب ما جاء في الرجل ينسى الصلاة

بن عمر قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوهَا حَتَّى تَغِيبَ وَلِعُمُومِ أَحَادِيثِ الْكَرَاهَةِ وَفِيهِ أَيْضًا مَا فِي اسْتِدْلَالِ الْقَائِلِينَ بِالْجَوَازِ فَتَفَكَّرْ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَنْسَى الصَّلَاةَ) [178] قَوْلُهُ (مَنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ لَا يُجْزِئُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ مِثْلَهَا وَلَا يَلْزَمُهُ مَعَ ذَلِكَ شَيْءٌ آخَرُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَمُرَةَ وَأَبِي قَتَادَةَ) أَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ بِشْرِ بْنِ حَرْبٍ عَنْهُ قَالَ أَحْسَبُهُ مَرْفُوعًا مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَذْكُرُهَا وَبِشْرُ بْنُ حرب ضعفه بن المبارك وجماعة ووثقه بن عَدِيٍّ وَقَالَ لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَيُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَنْسَى الصَّلَاةَ يُصَلِّيهَا مَتَى ذَكَرَهَا فِي وَقْتٍ أَوْ غَيْرِ وَقْتٍ) أَيْ ذَكَرَهَا فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ

باب ما جاء في الرجل تفوته الصلوات بأيتهن يبدأ

الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ كَمَا عَرَفْتَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ (وَيُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ نَامَ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ فَاسْتَيْقَظَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْأَثَرَ وَلَا عَلَى مَنْ أَخْرَجَ أَثَرَ عَلِيٍّ الْمُتَقَدِّمَ (وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَى هَذَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ عَنْهَا (وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَذَهَبُوا إِلَى قَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَصْحَابُنَا أَهْلُ الْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ إِذَا ذَكَرَهَا عَلَى جَوَازِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ قُلْتُ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَوَّلِ حَالِ الذِّكْرِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ ذِكْرَهُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ فَإِذَا ذَكَرَهَا فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ وَأَخَّرَهَا إِلَى أَنْ يَخْرُجَ ذَلِكَ وَصَلَّى يَكُونُ عَامِلًا بِالْحَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالْآخَرُ حَدِيثُ النَّهْيِ فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قَوْلِهِ فَلْيُصَلِّهَا حِينَ يَذْكُرُهَا كَمَا فِي رِوَايَةِ سَمُرَةَ وَكَذَا مِنْ قَوْلِهِ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا قَضَاؤُهَا فِي أَوَّلِ حَالِ الذِّكْرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَوَّلِ حَالِ الذِّكْرِ إِلَخْ فَفِيهِ أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَا يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا فِي الْوَقْتِ الْمَنْهِيِّ بَلْ فِيهِ الْأَمْرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ حِينَ ذِكْرِهَا مُطْلَقًا فِي وَقْتٍ أَوْ غَيْرِ وَقْتٍ كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ تَفُوتُهُ الصَّلَوَاتُ بِأَيَّتِهِنَّ يَبْدَأُ) [179] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ الْأَسَدِيُّ مَوْلَاهُمِ الْمَكِّيُّ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ يُدَلِّسُ مِنَ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيب قَوْلُهُ (شَغَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي قَوْلِهِ أربع

صَلَوَاتٍ تَجَوُّزٌ لِأَنَّ الْعِشَاءَ لَمْ تَكُنْ فَاتَتْ انْتَهَى وَيَدُلُّ حَدِيثُ جَابِرٍ الْآتِي عَلَى أَنَّهُمْ شَغَلُوهُ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَحْدَهَا قَالَ الْيَعْمُرِيُّ مِنَ النَّاسِ مَنْ رَجَّحَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وصرح بذلك بن الْعَرَبِيِّ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي شُغِلَ عَنْهَا وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْعَصْرُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَلِيٍّ فِي مُسْلِمٍ شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بِأَنَّ الْخَنْدَقَ كَانَتْ وَقْعَتُهُ أَيَّامًا فَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ قَالَ وَهَذَا أَوْلَى قَالَ وَيُقَرِّبُهُ أَنَّ روايتي أبي سعيد وبن مَسْعُودٍ لَيْسَ فِيهِمَا تَعَرُّضٌ لِقِصَّةِ عُمَرَ بَلْ فِيهِمَا أَنَّ قَضَاءَهُ لِلصَّلَاةِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَأَمَّا رِوَايَةُ حَدِيثِ الْبَابِ فَفِيهَا أَنَّ ذَلِكَ عَقِبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَوَائِتَ تُقْضَى مُرَتَّبَةً الْأُولَى فَالْأُولَى قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَكْثَرُ عَلَى وُجُوبِ تَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ مَعَ الذِّكْرِ لَا مَعَ النِّسْيَانِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِيهَا وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا تَذَكَّرَ فَائِتَةً فِي وَقْتِ حَاضِرَةٍ ضَيِّقٍ هَلْ يَبْدَأُ بِالْفَائِتَةِ وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ أَوْ يَبْدَأُ بِالْحَاضِرَةِ أَوْ يَتَخَيَّرُ فَقَالَ بِالْأَوَّلِ مَالِكٌ وَقَالَ بِالثَّانِي الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَقَالَ بِالثَّالِثِ أَشْهَبُ وَقَالَ عِيَاضٌ مَحَلُّ الْخِلَافِ إِذَا لَمْ تَكْثُرُ الصَّلَوَاتُ الْفَوَائِتُ وَأَمَّا إِذَا كَثُرَتْ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْحَاضِرَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْقَلِيلِ فَقِيلَ صَلَاةُ يَوْمٍ وَقِيلَ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ وَقَالَ وَلَا يَنْهَضُ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ يَعْنِي بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْآتِي لِمَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ تَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ إِلَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ أَفْعَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُجَرَّدَةَ لِلْوُجُوبِ إِلَّا أَنْ يُسْتَدَلَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَيَقْوَى وَقَدِ اعْتَبَرَ الشَّافِعِيَّةُ فِي أَشْيَاءَ غَيْرِ هَذِهِ انْتَهَى قُلْتُ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى وُجُوبِ تَرْتِيبِ الْفَوَائِتِ بِحَدِيثِ الْبَابِ بِضَمِّ قَوْلِهِ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي حَيْثُ قَالَ وَلَوْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ رَتَّبَهَا فِي الْقَضَاءِ كَمَا وَجَبَتْ فِي الْأَصْلِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُغِلَ عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهُنَّ مُرَتَّبًا ثُمَّ قَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ صَلُّوا إِلَى آخِرِهِ مَا يُوهِمُ أَنَّهُ بَقِيَّةٌ مِنَ الْحَدِيثِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ حَدِيثٌ مُسْتَقِلٌّ فَلَوْ قَالَ وَقَالَ صَلُّوا لَكَانَ أَوْلَى انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَاسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى فَرْضِيَّةِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الْوَقْتِيَّاتِ والفوائت وبين الفوائت بعضها ببعض بقول بن عُمَرَ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتِهِ

فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَلْيُصَلِّ صَلَاتَهُ الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُصَلِّ بَعْدَهَا الصَّلَاةَ الْأُخْرَى أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا وَرَفْعُهُ خَطَأٌ والصحيح أنه قول بن عُمَرَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ حَدِيثُ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلَمْ يَذْكُرْهَا إِلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ لِيُصَلِّ الَّتِي ذَكَرَهَا ثُمَّ لِيُعِدِ الَّتِي صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ من حديث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهَمَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ التُّرْجُمَانِيُّ فِي رَفْعِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ بن عُمَرَ هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ عَنْ نَافِعٍ وقال البيهقي قد رواه يحيى بن أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَيْخِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ فِيهِ فَوَقَفَهُ انْتَهَى وَهَذَا الْمَوْقُوفُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَحَدِيثُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي الْكُنَى رَفْعُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ رَفْعُهُ خَطَأٌ انْتَهَى مَا فِي الدِّرَايَةِ وَاسْتُدِلَّ عَلَى وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَيْضًا بِحَدِيثِ لَا صَلَاةَ لِمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ بَاطِلٌ وَتَأَوَّلَهُ جَمَاعَةٌ عَلَى مَعْنَى لَا نَافِلَةَ لِمَنْ عَلَيْهِ فَرِيضَةٌ وقال بن الْجَوْزِيِّ هَذَا نَسْمَعُهُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَمَا عَرَفْتُ لَهُ أَصْلًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ يَهْوِي مِنَ اللَّيْلِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا فَأَقَامَ الظُّهْرَ فَصَلَّاهَا فَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا فَأَحْسَنَ صَلَاتَهَا كَمَا كَانَ يُصَلِّيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ وَقَالَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ ركبانا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عبد الله ليس بإسناد بَأْسٌ إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ) فَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ لَكِنَّهُ يَعْتَضِدُ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْفَوَائِتِ أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَضَاهَا) وَهُوَ الْمَذْهَبُ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَحَدِيثُ أَبِي سعيد المذكور

[180] قَوْلُهُ (قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ) وَهُوَ غَزْوَةُ الْأَحْزَابِ (وَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ) لِأَنَّهُمْ كَانُوا السَّبَبَ فِي تَأْخِيرِهِمُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا إِمَّا الْمُخْتَارُ كَمَا وَقَعَ لِعُمَرَ وَإِمَّا مُطْلَقًا كَمَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ (مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَانَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ قَالَ الْيَعْمُرِيُّ لفظة كاد من أفعال المتقاربة فَإِذَا قُلْتَ كَادَ زَيْدٌ يَقُومُ فُهِمَ مِنْهَا أَنَّهُ قَارَبَ الْقِيَامَ وَلَمْ يَقُمْ قَالَ وَالرَّاجِحُ أَنْ لَا تَقْتَرِنَ بِأَنْ بِخِلَافِ عَسَى فَإِنَّ الراجع فِيهَا أَنْ تَقْتَرِنَ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ قَالَ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَعْنَى كَادَ الْمُقَارَبَةُ فَقَوْلُ عُمَرَ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ صَلَّى الْعَصْرَ قُرْبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِأَنَّ نَفْيَ الصَّلَاةِ يَقْتَضِي إِثْبَاتَهَا وَإِثْبَاتَ الْغُرُوبِ يَقْتَضِي نَفْيَهُ فَتَحَصَّلَ مِنْ ذَلِكَ لِعُمَرَ ثُبُوتُ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَثْبُتِ الْغُرُوبُ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْيَعْمُرِيُّ لِأَنَّ كَادَ إِذَا أُثْبِتَتْ نَفَتْ وَإِذَا نَفَتْ أُثْبِتَتْ كَمَا قَالَ فِيهَا الْمَعَرِّيُّ مُلْغِزًا وَإِذَا نَفَتْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَثْبَتَتْ وَإِنْ أَثْبَتَتْ قَامَتْ مَقَامَ جُحُودِ فَإِنْ قِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ اخْتُصَّ بِأَنْ أَدْرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشَّغْلُ وَقَعَ بِالْمُشْرِكِينَ إِلَى قرب غروب الشمس وكان عمر حينئذ متوضأ فَبَادَرَ فَأَوْقَعَ الصَّلَاةَ ثُمَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ فِي الْحَالِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا قَدْ شَرَعَ يَتَهَيَّأُ لِلصَّلَاةِ وَلِهَذَا قَامَ عِنْدَ الْإِخْبَارِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ إِلَى الْوُضُوءِ قَالَهُ الْحَافِظُ (وَاَللَّهِ إِنْ صَلَّيْتُهَا) لَفْظَةُ إِنْ نَافِيَةٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا (قَالَ فَنَزَلْنَا بُطْحَانَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَادٍ بِالْمَدِينَةِ (فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العصر بعد ما غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ لِلْفَائِتَةِ وَأَجَابَ مَنِ اعْتَبَرَهُ بِأَنَّ الْمَغْرِبَ كَانَتْ حَاضِرَةً وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّاوِي الْأَذَانَ لَهَا وَقَدْ عُرِفَ مِنْ عادته

باب ما جاء في الصلاة الوسطى

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانُ لِلْحَاضِرَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ تَرَكَ ذِكْرَ ذَلِكَ لَا أنه لم يقع في نفس الأمر وقد وقع في حديث بن مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى) أَنَّهَا العصر قوله [182] (عن سعيد) هو بن المسيب (عن الحسن) هو بن أبي الحسن البصري (عَنْ سَمُرَةَ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّ الْمِيمِ (بْنِ جُنْدُبٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالدَّالِ وَتُفْتَحُ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ لَهُ أَحَادِيثُ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ [181] قَوْلُهُ (أَنَّهُ قَالَ فِي صَلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةُ العصر) لأنها وسطى بين صلاتي النهار وصلاة اللَّيْلِ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَسَمَّاهَا لَنَا أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صحيح) أي حديث بن مَسْعُودٍ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [182] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ مَلَأَ اللَّهُ قُبُورَهُمْ وَبُيُوتَهُمْ نَارًا كَمَا شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ وَلِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فأخرجه الجماعة إلا البخاري وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ عَمْرُو بْنُ رَافِعٍ إِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ لَهَا مُصْحَفًا فَقَالَتْ لَهُ إِذَا انْتَهَيْتَ إلى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فَآذِنِّي فَآذَنْتُهَا فَقَالَتْ اكْتُبْ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَمُرَةَ فِي صَلَاةِ الْوُسْطَى حديث حسن) كذا حسنه ها هنا وَصَحَّحَهُ فِي التَّفْسِيرِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ فَقَالَ شُعْبَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا وَقِيلَ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ وَمَنْ أَثْبَتَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ نَفَى كَذَا فِي النَّيْلِ وَيَأْتِي بَسْطُ الْكَلَامِ فِيهِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ الَّذِي يَقْتَضِي الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهَا الْعَصْرُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا الصُّبْحُ وَصَحَّتِ الْأَحَادِيثُ أَنَّهَا الْعَصْرُ فَكَانَ هَذَا هُوَ مَذْهَبَهُ لِقَوْلِهِ إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبِي وَاضْرِبُوا بِقَوْلِي عَلَى عُرْضِ الْحَائِطِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَقِيلَ الصُّبْحُ وَعَلَيْهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ مَشْهُورُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَقِيلَ الظُّهْرُ وَقِيلَ الْمَغْرِبُ وَقِيلَ الْعِشَاءُ وَقِيلَ أَخْفَاهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الصَّلَوَاتِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ وَسَاعَةِ الْإِجَابَةِ فِي الْجُمُعَةِ انْتَهَى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي الْبَابِ أَقْوَالٌ أُخَرَ ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَالَ الْمَذْهَبُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَلَا يُرْتَابُ فِي صِحَّتِهِ هُوَ أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ انْتَهَى قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ هَذَا هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ

قَوْلُهُ (وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَائِشَةُ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الظُّهْرِ) رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَلَمْ يَكُنْ يُصَلِّي صَلَاةً أَشَدَّ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنْهَا فَنَزَلَتْ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوسطى وَقَالَ إِنَّ قَبْلَهَا صَلَاتَيْنِ وَبَعْدَهَا صَلَاتَيْنِ انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ إِنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الظُّهْرُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِ صَلَاةِ الظُّهْرِ كَانَتْ شَدِيدَةً عَلَى الصَّحَابَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَازِلَةً فِيهَا غَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ تَكُونَ الْوُسْطَى هِيَ الظُّهْرُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُعَارَضُ بِهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الْعَصْرُ الثَّابِتَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ انْتَهَى (وقال بن عباس وبن عُمَرَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الصُّبْحِ) وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ صَرَّحَ بِهِ فِي كُتُبِهِ قَالَ وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى أَنَّهَا الصُّبْحُ لِأَنَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الْعَصْرِ انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّهَا الْعَصْرُ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ فِيهِ قَالَ مَنْ قَالَ إِنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ الصُّبْحُ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ أَدْلَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ عَرَّسَ فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَوْ بَعْضُهَا فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَهِيَ صَلَاةُ الْوُسْطَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَهِيَ صَلَاةُ الْوُسْطَى يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ من المدرج وليس من قول بن عَبَّاسٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ عَنْهُ أَبُو نُعَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ وَهَذَا صَرِيحٌ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ مِنَ الِاحْتِمَالِ مَا يَتَطَرَّقُ إِلَى الْأَوَّلِ فَلَا يُعَارِضُهُ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدُوًّا فَلَمْ يَفْرَغْ مِنْهُمْ حَتَّى أَخَّرَ الْعَصْرَ عَنْ وَقْتِهَا فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ اللَّهُمَّ مَنْ حَبَسَنَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى امْلَأْ بُيُوتَهُمْ نَارًا أَوْ قُبُورَهُمْ نَارًا وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَ مُخَالَفَةِ الرَّاوِي رِوَايَتَهُ بِمَا رَوَى لَا بِمَا رَأَى انتهى

قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ عَلِيٌّ وَسَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ) فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا أنه سمع منه مطلقا وهو قول بن الْمَدِينِيِّ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ وَالظَّاهِرُ مِنَ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ يَخْتَارُ هَذَا الْقَوْلَ فَإِنَّهُ صَحَّحَ فِي كِتَابِهِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَاخْتَارَ الْحَاكِمُ هَذَا الْقَوْلَ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَدْرَكِ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لَهُ سَكْتَتَانِ سَكْتَةٌ إِذَا كَبَّرَ وَسَكْتَةٌ إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ فَإِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ انْتَهَى وَأَخْرَجَ فِي كِتَابِهِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَقَالَ فِي بَعْضِهَا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الشَّاةِ بِاللَّحْمِ وَقَدِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِالْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ انْتَهَى الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا وَاخْتَارَهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ فِي السَّكْتَتَيْنِ وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ شَيْئًا انْتَهَى وَقَالَ صاحب التنقيح قال بن مَعِينٍ الْحَسَنُ لَمْ يَلْقَ سَمُرَةَ وَقَالَ شُعْبَةُ الحسن لم يسمع من سمرة قال الْبَرْدِيجِيُّ أَحَادِيثُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ كِتَابٌ وَلَا يَثْبُتُ عَنْهُ حَدِيثٌ قَالَ فِيهِ سَمِعْتُ سَمُرَةَ انْتَهَى كَلَامُهُ الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ فَقَطْ قَالَهُ النَّسَائِيُّ وَإِلَيْهِ مَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فَقَالَ فِي حَدِيثِ السَّكْتَتَيْنِ وَالْحَسَنُ اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ مِنْ سَمُرَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ إِلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ فِيهَا قَالَهُ قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ انْتَهَى وَاخْتَارَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ فَقَالَ عِنْدَ ذِكْرِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ إِلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ وَاخْتَارَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ فِي آخِرِ تَرْجَمَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنُ سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ ثُمَّ رَغِبَ عَنِ السَّمَاعِ عَنْهُ وَلَمَّا رَجَعَ إِلَى وَلَدِهِ أَخْرَجُوا لَهُ صَحِيفَةً سَمِعُوهَا مِنْ أَبِيهِمْ فَكَانَ يَرْوِيهَا عَنْهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخْبِرَ بِسَمَاعٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهَا مِنْهُ انْتَهَى رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ قُرَيْشِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ قَالَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ سُئِلَ الْحَسَنُ مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَهُ فِي الْعَقِيقَةِ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ سَمِعْتُهُ مِنْ سَمُرَةَ وَعَنِ الْبُخَارِيِّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قُرَيْشٍ وَقَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ تَفَرَّدَ بِهِ قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ وَقَدْ رَدَّهُ آخَرُونَ وَقَالُوا لَا يَصِحُّ لَهُ سَمَاعٌ مِنْهُ انْتَهَى كَذَا فِي نَصْبِ الراية في

باب ما جاء في كراهية الصلاة بعد العصر وبعد الفجر

تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ لِلزَّيْلَعِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ سَمَاعًا مِنْهُ لِحَدِيثِ الْعَقِيقَةِ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ نُسْخَةً كَبِيرَةً غَالِبُهَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَعِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّ كُلَّهَا سَمَاعٌ وَكَذَا حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَآخَرُونَ هِيَ كِتَابٌ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الِانْقِطَاعَ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَقَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ إِنَّ عَبْدًا لَهُ أَبَقَ وَإِنَّهُ نَذَرَ إِنْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ فَقَالَ الْحَسَنُ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ قَالَ قَلَّمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً إِلَّا أَمَرَ فِيهَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي سَمَاعَهُ مِنْهُ لِغَيْرِ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ عَقِبَ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي الصَّلَاةِ دَلَّتْ هَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ قَالَ الْحَافِظُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الدَّلَالَةِ بَعْدُ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ تَحْتَ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا لَفْظُهُ وَحَدِيثُ سَمُرَةَ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ سُنَنِهِ وَصَحَّحَهُ فِي التَّفْسِيرِ وَلَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي صِحَّةِ سَمَاعِهِ مِنْهُ فَقَالَ شُعْبَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا وَقِيلَ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ وَمَنْ أَثْبَتَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ نَفَى انْتَهَى 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ) [183] قَوْلُهُ (وَهُوَ بن زَاذَانَ) بِزَايٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ الْوَاسِطِيُّ أَبُو الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ (أَنَا أَبُو الْعَالِيَةِ) اسمه رفيع بالتصغير بن مِهْرَانَ الرَّيَاحِيُّ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَالَ الْحَافِظُ فِي

الْفَتْحِ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالطُّلُوعِ طُلُوعٌ مَخْصُوصٌ أَيْ حَتَّى تَطْلُعَ مُرْتَفِعَةً (وَعَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ قوله (وفي الباب عن علي وبن مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي هريرة وبن عُمَرَ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَمُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ وَالصُّنَابِحِيِّ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَةَ وَكَعْبِ بْنِ مُرَّةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَيَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ وَمُعَاوِيَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْهُ بِلَفْظِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي إِثْرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى عَاصِمِ بْنِ ضمرة وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ بِلَفْظِ كُنَّا نُنْهَى عَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَنِصْفَ النَّهَارِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ بِلَفْظِ ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَحَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِمَا وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَأَمَّا حَدِيثُ معاذ بن عفراء فذكر حديثه بن سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ الصُّنَابِحِيِّ وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ وَيَنْهَى عَنْهَا وَيُوَاصِلُ وَيَنْهَى عَنِ الْوِصَالِ وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي قَتَادَةَ وَحَفْصَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَصَفْوَانَ بْنِ مُعَطِّلٍ وغيرهم قوله (حديث بن عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا

قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن بعدهم أَنَّهُمْ كَرِهُوا الصَّلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَخْ) قَالَ الْقَاضِي اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى الطُّلُوعِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى الْغُرُوبِ فَذَهَبَ دَاوُدُ إِلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهَا مُطْلَقًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا نَهْيَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ حَمَلُوهُ عَلَى التَّنْزِيهِ دُونَ التَّحْرِيمِ وَخَالَفَهُمِ الْأَكْثَرُونَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ فِيهَا فِعْلُ صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا أَمَّا الَّذِي لَهُ سَبَبٌ كَالْمَنْذُورَةِ وَقَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَجَائِزٌ لِحَدِيثِ كَرِيبٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَاسْتَثْنَى أَيْضًا مَكَّةَ وَاسْتِوَاءَ الْجُمُعَةِ لِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَحْرُمُ فِعْلُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ سِوَى عَصْرِ يَوْمِهِ عِنْدَ الِاصْفِرَارِ وَيَحْرُمُ الْمَنْذُورَةُ وَالنَّافِلَةُ بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ دُونَ الْمَكْتُوبَةِ الْفَائِتَةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَالَ مَالِكٌ يَحْرُمُ فِيهَا النَّوَافِلُ دُونَ الْفَرَائِضِ وَوَافَقَهُ غَيْرَ أَنَّهُ جَوَّزَ فِيهَا رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَتِ الْأَئِمَّةُ عَلَى كَرَاهَةِ صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ الْفَرَائِضِ الْمُؤَدَّاةِ فِيهَا وَاخْتَلَفُوا فِي النَّوَافِلِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ كَصَلَاةِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَضَاءِ الْفَائِتَةِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ إِلَى جَوَازِ ذَلِكَ كُلِّهِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ النَّهْيِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي قَضَاءِ السُّنَّةِ الْفَائِتَةِ فَالْحَاضِرَةُ أَوْلَى والفريضة المقضية أولى ويلتحق ماله سَبَبٌ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ النَّوَوِيِّ هَذَا وَمَا نَقَلَهُ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَالِاتِّفَاقِ مُتَعَقَّبٌ فَقَدْ حَكَى غَيْرُهُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السلف الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخ وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وبذلك جزم بن حَزْمٍ وَعَنْ طَائِفَةٍ أُخْرَى الْمَنْعَ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْمَنْعُ مِنْ صَلَاةِ الْفَرْضِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ شُعْبَةُ لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ أَبِي الْعَالِيَةِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ إِلَخْ) الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ أبي العالية موصول (وحديث بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال

باب ما جاء في الصلاة بعد العصر

لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْفَوْقِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ وَقَوْلُهُ أَنَا عِبَارَةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاضُعًا إِنْ كَانَ قَالَهُ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ سَيِّدُ الْبَشَرِ وَقِيلَ عبارة عن كل قائل يقول ذلك كي لَا يُفَضِّلَ أَحَدٌ نَفْسَهُ عَلَى يُونُسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِيلَ وَخَصَّ يُونُسَ بِالذِّكْرِ لِمَا يُخْشَى عَلَى مَنْ سَمِعَ قِصَّتَهُ أَنْ يَقَعَ فِي نَفْسِهِ تَنْقِيصٌ لَهُ فَبَالَغَ فِي ذِكْرِ فَضْلِهِ لِسَدِّ هَذِهِ الذَّرِيعَةِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ) [184] قوله (نا جرير) هو بن عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ قُرْطٍ الضَّبِّيُّ الْكُوفِيُّ ثُمَّ الرَّازِيُّ ثِقَةٌ صَحِيحُ الْكِتَابِ قِيلَ كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ يَهِمُ مِنْ حِفْظِهِ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ) الثَّقَفِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ فِي آخره عمره قال بن مَهْدِيٍّ يَخْتِمُ كُلَّ لَيْلَةٍ قَوْلُهُ (إِنَّمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ لِأَنَّهُ أَتَاهُ مَالٌ إِلَخْ) وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ شَغَلَنِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عن الركعتين بعد الظهر (ثم لم يعدلهما) مِنْ عَادَ يَعُودُ وَهَذَا مُعَارَضٌ بِرِوَايَاتِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مِنْهَا قَوْلُهَا مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ وَمِنْهَا قَوْلُهَا مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ وَمِنْهَا قَوْلُهَا وَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَخْرَجَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّهُ يُحْمَلُ النَّفْيُ عَلَى عَدَمِ عِلْمِ الرَّاوِي فَإِنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي وَكَذَا مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

صَلَّى فِي بَيْتِهَا بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ مَرَّةً وَاحِدَةً الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهَا لَمْ أَرَهُ يُصَلِّيهِمَا قَبْلُ وَلَا بَعْدُ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّيهِمَا إِلَّا فِي بَيْتِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يره بن عَبَّاسٍ وَلَا أُمُّ سَلَمَةَ وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَكَانَ لَا يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ تَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةَ وَأَبِي مُوسَى) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَمَرَّ تَخْرِيجُهُمَا آنِفًا وَأَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ فِي النَّيْلِ فِي إِسْنَادِهِ حَنْظَلَةُ السَّدُوسِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 614 ج 4 بِلَفْظِ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي ركعتين بعد العصر قوله (حديث بن عباس حديث حسن) وأخرجه بن حِبَّانَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءٍ وَقَدْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ شَاهِدٌ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ انْتَهَى قُلْتُ أَرَادَ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثَهَا الَّذِي أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ بِزِيَادَةِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَقْضِيهِمَا إِذَا فَاتَتَا قَالَ لَا وَيَأْتِي عَنْ قَرِيبٍ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عن زيد بن ثابت نحو حديث بن عَبَّاسٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ يَقُولُ إِنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْ آلَ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عِنْدَهَا رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَكَانُوا يصلونها قَالَ قَبِيصَةُ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَغْفِرُ اللَّهُ لِعَائِشَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَائِشَةَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْأَعْرَابِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَجِيرٍ فَقَعَدُوا يَسْأَلُونَهُ وَيُفْتِيهِمْ حَتَّى صَلَّى الظُّهْرَ وَلَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَعَدَ يُفْتِيهِمْ حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ فَانْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ فَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ بَعْدَ الظُّهْرِ شَيْئًا فَصَلَّاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ يَغْفِرُ اللَّهُ لِعَائِشَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَائِشَةَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد العصر

قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْبَابِ رِوَايَاتٌ) أَيْ مُخْتَلِفَةٌ بَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ (رُوِيَ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا دَخَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ (وَرُوِيَ عَنْهَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْجَوَازِ وَقَدْ قِيلَ لِرَفْعِ الِاخْتِلَافِ إِنَّ رِوَايَةَ عَائِشَةَ الْأُولَى مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّلَاةِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ وَرِوَايَتَهَا الثَّانِيَةَ عَلَى الصَّلَاةِ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا قُلْتُ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا قَالَ يَا ابْنَةَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَإنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَقِيلَ إِنَّ صَلَاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَزَادَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَنَقْضِيهِمَا إِذَا فَاتَتَا قَالَ لَا لَكِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ضَعِيفَةٌ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِيهِ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْإِثْبَاتِ مُعَارَضَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْإِثْبَاتِ لَهَا سَبَبٌ فَأُلْحِقَ بِهَا مَا لَهُ سَبَبٌ وَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ وَالنَّهْيُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا سَبَبَ لَهُ وَأَمَّا من يرى عموم النهي ولا يخصه بماله سَبَبٌ فَيَحْمِلُ الْفِعْلَ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ وَلَا يَخْفَى رُجْحَانُ الْأَوَّلِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ فَتَفَكَّرْ وَتَأَمَّلْ قَوْلُهُ (وَاَلَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ إِلَّا مَا اسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ إِلَى قَوْلِهِ فَقَدْ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم رُخْصَةٌ فِي ذَلِكَ) أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ

لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وصححه الترمذي وبن حِبَّانَ (وَقَدْ قَالَ بِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ إِلَّا مَا اسْتُثْنِيَ (قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) احْتَجُّوا بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ وَبِمَا رُوِيَ فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ قَالُوا بِهِمَا (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمُ الصَّلَاةَ بِمَكَّةَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ) وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ النَّهْيِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْفَجْرِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وَادَّعَى النَّوَوِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى ذَلِكَ وَتَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ بِأنَّهُ قَدْ حُكِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنَ السَّلَفِ الْإِبَاحَةُ مُطْلَقًا وَأَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ مَنْسُوخَةٌ قَالَ وَبِهِ قَالَ دَاوُدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ بن حَزْمٍ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْكَرَاهَةِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ مَا لَهُ سَبَبٌ واسْتَدَلَّ بِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ مَنْ أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ بِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعَصْرِ وَيَنْهَى عَنْهُمَا وَيُوَاصِلُ وَيَنْهَى عَنِ الْوِصَالِ وَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَقْضِيهِمَا إِذَا فَاتَتَا فَقَالَ لَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ وَقَدِ احْتَجَّ بِهَا الطَّحَاوِيُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى ذَلِكَ لَا أَصْلُ الْقَضَاءِ انْتَهَى وَفِي سَنَدِ حَدِيثِ عَائِشَةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِالْعَنْعَنَةِ قَالَ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى كَرَاهَةِ التَّطَوُّعَاتِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ مُطْلَقًا وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْإِبَاحَةِ مُطْلَقًا بِأَدِلَّةٍ ثُمَّ ذَكَرَ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ وَتَكَلَّمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَلَيْسَ وَاحِدٌ مِنْهَا خَالِيًا عَنِ الْكَلَامِ ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْقَاضِيَةَ بِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ عَامَّةٌ فَمَا كَانَ أَخَصَّ مِنْهَا مُطْلَقًا كَحَدِيثِ يزيد بن الأسود وبن عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ وَقَضَاءِ

باب ما جاء في الصلاة قبل المغرب

سُنَّةِ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَسُنَّةِ الْفَجْرِ بَعْدَهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا مُخَصِّصَةٌ لِهَذَا الْعُمُومِ وَمَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ كَأَحَادِيثِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَأَحَادِيثِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَالصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم يا علي ثلاث لَا تُؤَخَّرُ الصَّلَاةُ إِذَا أَتَتْ وَالْجِنَازَةُ إِذَا حَضَرَتْ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَلَاةِ الْكُسُوفِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَالرَّكْعَتَيْنِ عَقِبَ التَّطَهُّرِ وَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مِنْ وَجْهٍ وَأَخَصُّ مِنْهَا مِنْ وَجْهٍ وَلَيْسَ أَحَدُ الْعُمُومَيْنِ أَوْلَى مِنَ الْآخَرِ بِجَعْلِهِ خَاصًّا لِمَا فِيهِ مِنَ التَّحَكُّمِ وَالْوَقْفُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ حَتَّى يَقَعَ التَّرْجِيحُ بِأَمْرٍ خَارِجٍ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ بِتَلْخِيصٍ وَاخْتِصَارٍ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ) [185] قَوْلُهُ (عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحُسَيْنِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِالتَّصْغِيرِ وَفِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ بالتكبير وثقه أحمد وبن مَعِينٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ) بْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيِّ الْمَرْوَزِيِّ قَاضِيهَا ثِقَةٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ) صَحَابِيٌّ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَنَزَلَ الْبَصْرَةَ مَاتَ سَنَةَ 75 سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ) أَيْ أَذَانٍ وَإِقَامَةٍ وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ كَالْقَمَرَيْنِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُطْلِقَ عَلَى الْإِقَامَةِ أَذَانٌ لِأَنَّهَا إِعْلَامٌ بِحُضُورِ فِعْلِ الصَّلَاةِ كَمَا أَنَّ الْأَذَانَ إِعْلَامٌ بِدُخُولِ الْوَقْتِ (صَلَاةٌ) أَيْ وَقْتُ صَلَاةٍ أَوِ الْمُرَادُ صَلَاةُ نَافِلَةٍ قَالَهُ الْحَافِظُ قُلْتُ لَا حَاجَةَ إِلَى تَقْدِيرِ الْوَقْتِ (لِمَنْ شَاءَ) أَيْ كَوْنُ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ لِمَنْ شَاءَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَقَبْلَ صَلَاتِهِ وَهُوَ الْحَقُّ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ مِمَّا لَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير) أخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ما مِنْ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ إِلَّا وَبَيْنَ يَدَيْهَا رَكْعَتَانِ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ أَيْضًا فِي قِيَامِ اللَّيْلِ ص 62 وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَسَيَجِيءُ تَخْرِيجُهُمَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (فَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمُ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ عَلَى مَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْ مَالِكٍ قَوْلٌ آخَرُ بِاسْتِحْبَابِهِمَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ فِعْلَهُمَا يُؤَدِّي إِلَى تَأْخِيرِ الْمَغْرِبِ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا خَيَالٌ فَاسِدٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَزَمَنُهَا يَسِيرٌ لَا تَتَأَخَّرُ بِهِ الصَّلَاةُ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَمَجْمُوعُ الْأَدِلَّةِ يُرْشِدُ إِلَى تَخْفِيفِهِمَا كَمَا فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ انْتَهَى وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ بِأَحَادِيثَ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ لِأَصْحَابِنَا فِي تَرْكِهَا أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أبو داود عن طاوس قال سئل بن عُمَرَ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا وَرَخَّصَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ قَالَ وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْهُ بِأَنَّهُ نَفْيٌ فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ الْمُثْبِتِ وَلِكَوْنِهَا أَصَحَّ وَأَكْثَرَ رُوَاةً وَلِمَا معهم من علم ما لم يعلمه بن عُمَرَ انْتَهَى قُلْتُ جَوَابُهُمْ هَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا الْجَوَابَ وَأَقَرَّهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا عَنْ حَيَّانِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن بريدة عن أبيه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عِنْدَ كُلِّ أَذَانَيْنِ رَكْعَتَيْنِ مَا خَلَا الْمَغْرِبَ انْتَهَى وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عن بن بُرَيْدَةَ إِلَّا حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ رَجُلٌ مَشْهُورٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ لَا بَأْسَ انتهى كلامه وقال الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ أَخْطَأَ فِيهِ حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ جَمِيعًا أَمَّا السَّنَدُ فَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدٍ الْجَرِيرِيِّ وَكَهْمَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ وَأَمَّا المتن فكيف يكون صحيحا وفي رواية بن الْمُبَارَكِ عَنْ كَهَمْسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وكان

بن بُرَيْدَةَ يُصَلِّي قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّوْا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ خَشْيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ في صحيحه انتهى وذكر بن الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَنَقَلَ عَنِ الْفَلَّاسِ أَنَّهُ قَالَ كَانَ حَيَّانُ هَذَا كَذَّابًا انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا رِوَايَةُ حَيَّانَ فَشَاذَّةٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ صَدُوقًا عِنْدَ الْبَزَّارِ وَغَيْرِهِ لَكِنَّهُ خَالَفَ الْحُفَّاظَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ فِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ وَمَتْنِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَكَانَ بُرَيْدَةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَلَوْ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مَحْفُوظًا لَمْ يُخَالِفْ بُرَيْدَةُ رَاوِيَهُ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَأَلْنَا نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ رَأَيْتُنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقُلْنَ لَا غَيْرَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتْ صَلَّاهُمَا عِنْدِي مَرَّةً فَسَأَلْتُهُ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ فَقَالَ نَسِيتُ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ انْتَهَى قُلْتُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَجَوَابُهُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ نَقْلًا عَنِ النَّوَوِيِّ مِنْ أَنَّهُ نَفْيٌ فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ الْمُثْبِتِ إِلَخْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ حَدِيثٌ آخَرُ مُعْضَلٌ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ ثَنَا حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ سَأَلَ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ عَنِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَنَهَاهُ عَنْهَا وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ يَكُونُوا يُصَلُّونَهَا انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ فَإِنَّهُ مُعْضَلٌ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ هِيَ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَنْ مَنَعَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِوَاحِدٍ مِنْهَا وَادَّعَى بعضهم بنسخ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ حَيْثُ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسِ فَبَيَّنَ لَهُمْ بِذَلِكَ وَقْتَ الْجَوَازِ ثُمَّ نَدَبَ إِلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى الْمَغْرِبِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَلَوِ اسْتَمَرَّتِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهَا لَكَانَ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إِلَى مُخَالَفَةِ إِدْرَاكِ أَوَّلِ وَقْتِهَا قُلْتُ هَذَا ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَلَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طُرُقٍ قَوِيَّةٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأُبِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُوَاظِبُونَ عَلَيْهِمَا فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الْعَيْنِيُّ في عمدة القارىء ادعى بن شَاهِينَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ

بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عِنْدَ كُلِّ أَذَانَيْنِ رَكْعَتَيْنِ مَا خَلَا الْمَغْرِبَ وَيَزِيدُهُ وُضُوحًا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ طاوس قال سئل بن عُمَرَ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا وَرَخَّصَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ آنِفًا أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ هَذَا شَاذٌّ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ قَدْ أَخْطَأَ حَيَّانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّاوِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ في الاسناد والمتن وأما قول بن عُمَرَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا إِلَخْ فَقَدْ عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ بِأَنَّهُ نَفْيٌ فَتُقَدَّمُ رِوَايَةُ الْمُثْبِتِ وَلِكَوْنِهَا أَصَحَّ وَأَكْثَرَ رُوَاةً وَلِمَا مَعَهُمْ من علم ما لم يعلمه بن عُمَرَ فَالْعَجَبُ مِنَ الْعَيْنِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ ادِّعَاءَ بن شَاهِينَ النَّسْخَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ بَلْ أَقَرَّهُ بَلْ قَالَ وَيَزِيدُهُ وُضُوحًا إِلَخْ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) أَيْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِحَضْرَتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَبَعِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ الْمُؤَذِّنُ إِذَا أَذَّنَ قَامَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ كَذَلِكَ يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ زَادَ مُسْلِمٌ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كثرة من يصليهما وفي رواية النسائي قال كِبَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي قِيَامِ اللَّيْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ رَأَيْتُ أَبَا تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيَّ يَرْكَعُ الرَّكْعَتَيْنِ حِينَ يَسْمَعُ أَذَانَ الْمَغْرِبِ فَأَتَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ أَلَا أُعْجِبُكَ مِنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَغْمِصَهُ فَقَالَ عُقْبَةُ إِنَّمَا كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فَمَا يَمْنَعُكَ الْآنَ قَالَ الشُّغْلُ وَعَنْ زِرٍّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَلَزِمْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَأَبِيَّ بْنَ كَعْبٍ فَكَانَا يُصَلِّيَانِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لَا يَدَعَانِ ذَلِكَ وَعَنْ رَغْبَانَ مَوْلَى حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يَهُبُّونَ إِلَيْهِمَا كَمَا يَهُبُّونَ إِلَى الْمَكْتُوبَةِ يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ

وَعَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أَنَّهُ كَانَ يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لَمْ يَدَعْهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ وَكَانَ يَقُولُ إِنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ كَانَ يَرْكَعُهُمَا يَقُولُ لَا أَدَعُهُمَا وَإِنْ ضُرِبْتُ بِالسِّيَاطِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الثَّقَفِيُّ رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله يصلي ركعتين قبل المغرب وعن يحيى بن سَعِيدٍ أَنَّهُ صَحِبَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ إِلَى الشَّامِ فَلَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ كُلِّ أَذَانٍ وَسُئِلَ قَتَادَةُ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَالَ كَانَ أَبُو بَرْزَةَ يُصَلِّيهِمَا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَرْزَةَ وَيَحْيَى بْنُ عَقِيلٍ يُصَلِّيَانِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ وَعَنِ الْحَكَمِ رَأَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى يُصَلِّي قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْهُمَا فَقَالَ حَسَنَتَيْنِ وَاَللَّهِ جَمِيلَتَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ بِهِمَا وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ إِذَا أَذَّنَ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ الْأَعْرَجُ وَعَامِرُ بن عبد اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ يَرْكَعُهُمَا وَأَوْصَى أَنَسُ بْنُ مالك ولده أن لا يدعوهما وَعَنْ مَكْحُولٍ عَلَى الْمُؤَذِّنِ أَنْ يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى إِثْرِ التَّأْذِينِ وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ الصَّلْتِ رَأَيْتُ عِرَاكَ بْنَ مَالِكٍ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِالْمَغْرِبِ قَامَ فَصَلَّى سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَعَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ لَيُؤَذِّنُ بِالْمَغْرِبِ ثُمَّ تُقْرَعُ الْمَجَالِسُ مِنَ الرِّجَالِ يُصَلُّونَهُمَا انْتَهَى مَا فِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَفِيهِ آثَارٌ أُخْرَى مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِيهِ مَنْ لَمْ يَرْكَعِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَقَالَ عَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانَ بِالْكُوفَةِ مِنْ خِيَارِ أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فَأَخْبَرَنِي مَنْ رَمَقَهُمْ كُلَّهُمْ فَمَا رَأَى أَحَدًا مِنْهُمْ يُصَلِّيهِمَا قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا لَا يُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ المغرب وقيل لإبراهيم أن بن أَبِي هُذَيْلٍ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْمَغْرِبِ قَالَ إِنَّ ذَاكَ لَا يُعْلَمُ انْتَهَى وَقَالَ لَيْسَ فِي حِكَايَةِ هَذَا الَّذِي رَوَى عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ أَنَّهُ رَمَقَهُمْ فَلَمْ يَرَهُمْ يُصَلُّونَهُمَا دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهَتِهِمْ لَهُمَا إِنَّمَا تَرَكُوهُمَا لِأَنَّ تَرْكَهُمَا كَانَ مُبَاحًا وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَكَى عَنْهُمْ مَنْ حَكَى أَنَّهُ رَمَقَهُمْ فَلَمْ يَرَهُمْ يُصَلُّونَهُمَا قَدْ صَلَّوْهُمَا فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الَّذِي رَمَقَهُمْ انْتَهَى كَلَامُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ قُلْتُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَائِشَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا شَيْئًا فَفِي أَثَرِهِ الْأَوَّلِ مَجْهُولٌ وَفِي أَثَرِهِ الثَّانِي انْقِطَاعٌ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا كُلِّهِ ظَهَرَ لَكَ

بطلان قول القاضي أبي بكر بن الْعَرَبِيِّ اخْتَلَفَ فِيهَا الصَّحَابَةُ وَلَمْ يَفْعَلْهَا أَحَدٌ بَعْدَهُمْ وَكَذَلِكَ ظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِنَسْخِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ بِأَثَرِ النَّخَعِيِّ الْمَذْكُورِ قال الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْمَنْقُولُ عَنِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْهُمْ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَلَوْ ثَبَتَ لم يسكن فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى النَّسْخِ وَلَا الْكَرَاهَةِ (وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِنْ صَلَّاهُمَا فَحَسَنٌ وَهَذَا عِنْدَهُمَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِلَى اسْتِحْبَابِهِمَا ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الْحَدِيثِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَحَادِيثُ جِيَادٌ أَوْ قَالَ صِحَاحٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ شَاءَ فَمَنْ شَاءَ صلى قبل له قيل الْأَذَانِ أَمْ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ فَقَالَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ صَلَّى إِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَحَلَّتِ الصَّلَاةُ أَيْ فَهُوَ جَائِزٌ قَالَ هَذَا شَيْءٌ يُنْكِرُهُ النَّاسُ وَتَبَسَّمَ كَالْمُتَعَجِّبِ مِمَّنْ يُنْكِرُ ذَلِكَ وَسُئِلَ عَنْهُمَا فَقَالَ أَنَا لَا أَفْعَلُهُ وَإِنْ فَعَلَهُ رَجُلٌ لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ انْتَهَى مَا فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ مَا فَعَلْتُهُمَا إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً حَتَّى سَمِعْتُ الْحَدِيثَ انْتَهَى وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِهِمَا بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ صَرِيحَةٍ مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ كَمَا عَرَفْتَ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَمِنْهَا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ نَقْلًا عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ أَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ في القيام اللَّيْلِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ صَلُّوا قَبْلَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ عِنْدَ الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ خَافَ أَنْ يَحْسَبَهَا الناس سنة قال العلامة بن أَحْمَدَ الْمَقْرِيزِيُّ فِي مُخْتَصَرِ قِيَامِ اللَّيْلِ هَذَا إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَدْ صَحَّ في بن حِبَّانَ حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ هِيَ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ الركعتين قبل المغرب وهو الحق

باب من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس

24 - (باب من أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ) [186] قَوْلُهُ (وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ) الْمَدَنِيِّ العابد مولى بن الْحَضْرَمِيِّ ثِقَةٌ جَلِيلٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ بِالْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ (وَعَنِ الْأَعْرَجِ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الْهَاشِمِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو دَاوُدَ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَالِمٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (يُحَدِّثُونَهُ) أَيْ يُحَدِّثُونَ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ قَوْلُهُ (مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ) أَيْ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ رَكْعَةً بِرُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالْإِدْرَاكُ الْوُصُولُ إِلَى الشيء فظاهر أنه يكتفي بذلك وليس بذلك مُرَادًا بِالْإِجْمَاعِ فَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ أَدْرَكَ الْوَقْتَ فَإِذَا صَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى فَقَدْ كَمُلَتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَدْ صُرِّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَفْظُهُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وركعة بعد ما تَطْلُعُ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ كُلَّهَا إِلَّا أَنْ يَقْضِيَ مَا فَاتَهُ وَلِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُصَلِّ إِلَيْهَا أُخْرَى وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الرَّدُّ عَلَى الطَّحَاوِيِّ حَيْثُ خَصَّ الْإِدْرَاكَ بِاحْتِلَامِ الصَّبِيِّ وَطُهْرِ الْحَائِضِ وَإِسْلَامِ الْكَافِرِ وَنَحْوِهَا وَأَرَادَ بِذَلِكَ نُصْرَةَ مَذْهَبِهِ فِي أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَا يُكْمِلُهَا إِلَّا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ العصر سجدة قيل أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَوْ مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَالسَّجْدَةُ هُنَا الرَّكْعَةُ

قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ أَصْحَابُنَا وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) فَقَالُوا مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَلَا تَبْطُلُ بِطُلُوعِهَا كَمَا أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَقَدْ أَدْرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَلَا تَبْطُلُ بِغُرُوبِهَا وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَبْطُلُ صَلَاةُ الصُّبْحِ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّهُ دَخَلَ وَقْتُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ انْتَهَى قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ النَّوَوِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ الْجُزْءَ الْمُقَارِنَ لِلْأَدَاءِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَآخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ وَقْتٌ نَاقِصٌ إِذْ هُوَ وَقْتُ عِبَادَةِ الشَّمْسِ فَوَجَبَ نَاقِصًا فَإِذَا أَدَّاهُ أَدَّاهُ كَمَا وَجَبَ فَإِذَا اعْتَرَضَ الْفَسَادُ بِالْغُرُوبِ لَا تَفْسُدُ وَالْفَجْرُ كُلُّ وَقْتِهِ وَقْتٌ كَامِلٌ لِأَنَّ الشَّمْسَ لَا تُعْبَدُ قَبْلَ طُلُوعِهَا فَوَجَبَ كَامِلًا فَإِذَا اعْتَرَضَ الْفَسَادُ بِالطُّلُوعِ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّهَا كَمَا وَجَبَ فَإِنْ قِيلَ هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُعْرِضِ النَّصِّ قُلْنَا لَمَّا وَقَعَ التَّعَارُضُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ النَّهْيِ الْوَارِدِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ رَجَعْنَا إِلَى الْقِيَاسِ كَمَا هُوَ حُكْمُ التَّعَارُضِ وَالْقِيَاسُ رَجَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَحَدِيثَ النَّهْيِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَأَمَّا سَائِرُ الصَّلَوَاتِ فَلَا تَجُوزُ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ الْمَكْرُوهَةِ لِحَدِيثِ النَّهْيِ فِيهَا انتهى كلام القارىء قُلْتُ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مَرْدُودٌ قَدْ رَدَّهُ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ وَهُوَ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى شَرْحِ الْوِقَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَصِيرَ إِلَى الْقِيَاسِ عِنْدَ تَعَارُضِ النَّصَّيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا إِذَا أَمْكَنَ يَلْزَمُ أن يجمع وها هنا الْعَمَلُ بِكِلَيْهِمَا مُمْكِنٌ بِأَنْ يُخَصَّ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ الْوَقْتِيَّتَانِ مِنْ عُمُومِ حَدِيثِ النَّهْيِ وَيُعْمَلَ بِعُمُومِهِ فِي غَيْرِهِمَا وَبِحَدِيثِ الْجَوَازِ فِيهِمَا إِلَّا أَنْ يُقَالَ حَدِيثُ الْجَوَازِ خَاصٌّ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَامٌّ وَكِلَاهُمَا قَطْعِيَّانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مُتَسَاوِيَانِ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقُوَّةِ فَلَا يَخُصُّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَفِيهِ أَنَّ قَطْعِيَّةَ الْعَامِّ كَالْخَاصِّ لَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ وَافَقُوا الشَّافِعِيَّةَ فِي كَوْنِ الْعَامِّ ظَنِّيًّا كَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي شُرُوحِ الْمُنْتَخَبِ الْحُسَامِيِّ وَغَيْرِهَا انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَالَ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ لَا مَنَاصَ عَنْ وُرُودِ أَنَّ التَّسَاقُطَ إِنَّمَا يتعين عند تعذر الجمع وهو ها هنا مُمْكِنٌ بِوُجُوهٍ عَدِيدَةٍ لَا تَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ انتهى كلامه

قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ لَا رَيْبَ فِي أن الجمع ها هنا مُمْكِنٌ فَمَعَ إِمْكَانِهِ الْقَوْلُ بِالتَّسَاقُطِ بَاطِلٌ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ الْفَاضِلُ وَجْهًا لِلْجَمْعِ وَهُوَ وَجْهٌ حَسَنٌ وَنَحْنُ نَذْكُرُ وَجْهًا آخَرَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ نَاسِخَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ دَعْوَى تَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ فَإِنَّهُ لَا يُصَارُ إِلَى النَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ والجمع ها هنا مُمْكِنٌ بِأَنْ تُحْمَلَ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَلَى مَا سَبَبَ لَهُ مِنَ النَّوَافِلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّخْصِيصَ أَوْلَى مِنَ ادِّعَاءِ النَّسْخِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهَذَا أَيْضًا جَمْعٌ بِمَا يُوَافِقُ مَذْهَبَ الْحَافِظِ وَالْحَقُّ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَامَّةٌ تَشْمَلُ كُلَّ صَلَاةٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ خَاصٌّ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ وَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ شَيْءٌ مِنَ الصَّلَوَاتِ بِدَلِيلٍ يَخُصُّهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ أَوْ غَيْرِهَا قَالَ وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ رَكْعَةٍ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْوَقْتِ وَأَنَّ صَلَاتَهُ تَكُونُ قَضَاءً وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْبَعْضُ أَدَاءً وَالْحَدِيثُ يَرُدُّهُ قَالَ وَاخْتَلَفُوا إِذَا أَدْرَكَ مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَالْحَائِضِ تَطْهُرُ وَالْمَجْنُونِ يَعْقِلُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ يُفِيقُ وَالْكَافِرِ يُسْلِمُ دُونَ رَكْعَةٍ مِنْ وَقْتِهَا هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ أَمْ لَا وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَحَدُهُمَا لَا تَجِبُ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ عَمَلًا بِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَأَصَحُّهُمَا عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَلْزَمُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنَ الْوَقْتِ فَاسْتَوَى قَلِيلُهُ وكثيره وأجابوا عن مفهوم الحديث بأن التقييد بِرَكْعَةٍ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الْبُعْدِ وَأَمَّا إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِالِاتِّفَاقِ بَيْنَهُمْ وَمِقْدَارُ هَذِهِ الرَّكْعَةِ قَدْرُ مَا يُكَبِّرُ وَيَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ وَيَرْكَعُ وَيَرْفَعُ وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ فَائِدَةٌ إِدْرَاكُ الرَّكْعَةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَا يَخُصُّ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ لِمَا ثَبَتَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ الْحَافِظُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ اللَّامُ عَهْدِيَّةً وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا مُطْلَقٌ وَذَاكَ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ انْتَهَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ دَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ الْحُكْمِ بِالْفَجْرِ وَالْعَصْرِ وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ لَا يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ وَالْمَنْطُوقُ أَرْجَحُ مِنَ الْمَفْهُومِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَلِاشْتِمَالِهِ عَلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِلْمَزِيدِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ لِصَاحِبِ الْعُذْرِ مِثْلُ الرَّجُلِ يَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ يَنْسَاهَا فَيَسْتَيْقِظُ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ونقل بعضهم

باب في الجمع بين الصلاتين

الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عُذْرٌ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ حَتَّى لَا يَبْقَى منها إلا هذا القدر انتهى 5 - (باب في الجمع بين الصلاتين) [187] قَوْلُهُ (مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ) الْحَدِيثُ وَرَدَ بِلَفْظِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ وَبِلَفْظِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ قَالَ الْحَافِظُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ مَجْمُوعًا بِالثَّلَاثَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بَلِ الْمَشْهُورُ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ (أَرَادَ أَنْ لا تحرج) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَعْلُومِ مِنَ التَّحَرُّجِ (أُمَّتُهُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أَحَدًا مِنْ أُمَّتِهِ قال بن سَيِّدِ النَّاسِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَقْيِيدِهِ فَرُوِيَ بالياء المضمومة آخر الحروف وأمته مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُهُ وَرُوِيَ تَحْرَجَ بِالتَّاءِ ثَالِثَةِ الْحُرُوفِ مَفْتُوحَةً وَضَمِّ أُمَّتِهِ عَلَى أَنَّهَا فَاعِلَةٌ وَمَعْنَاهُ إِنَّمَا فَعَلَ تِلْكَ لِئَلَّا يَشُقَّ عَلَيْهِمْ وَيُثْقِلَ فَقَصَدَ إِلَى التَّخْفِيفِ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ خَطَبَنَا بن عَبَّاسٍ يَوْمًا بَعْدَ الْعَصْرِ حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَبَدَتِ النُّجُومُ وَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ قَالَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ لَا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة فقال بن عَبَّاسٍ أَتُعَلِّمُنِي بِالسُّنَّةِ لَا أُمَّ لَكَ ثُمَّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ فَحَاكَ فِي صَدْرِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَأَتَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَسَأَلْتُهُ فَصَدَّقَ مَقَالَتَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى الْأَخْذِ بظاهر هذا الحديث فجوز والجمع فِي الْحَضَرِ لِلْحَاجَةِ مُطْلَقًا لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُتَّخَذَ ذَلِكَ عَادَةً وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ بن سيرين وربيعة وأشهب وبن الْمُنْذِرِ وَالْقَفَّالُ الْكَبِيرُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْجَمْعَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ

مِنْهَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ كَانَ لِلْمَرَضِ وَقَوَّاهُ النَّوَوِيُّ قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَمْعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِعَارِضِ الْمَرَضِ لَمَا صَلَّى مَعَهُ إِلَّا مَنْ لَهُ نَحْوُ ذَلِكَ الْعُذْرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بِأَصْحَابِهِ وَقَدْ صرح بذلك بن عَبَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ كَانَ لِعُذْرِ الْمَطَرِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ وَمِنْهَا أَنَّهُ كَانَ فِي غَيْمٍ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ انْكَشَفَ الْغَيْمُ وَبَانَ أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ دَخَلَ فَصَلَّاهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَدْنَى احْتِمَالٍ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَلَا احْتِمَالَ فِيهِ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَمِنْهَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمَذْكُورَ صُورِيٌّ بِأَنْ يَكُونَ أَخَّرَ الظُّهْرَ لِآخِرِ وَقْتِهَا وَعَجَّلَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلظَّاهِرِ مُخَالَفَةً لَا تُحْتَمَلُ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الَّذِي ضَعَّفَهُ قَدِ اسْتَحْسَنَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَرَجَّحَهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَزَمَ به من القدماء بن الماجشون والطحاوي وقواه بن سَيِّدِ النَّاسِ بِأَنَّ أَبَا الشَّعْثَاءِ وَهُوَ رَاوِي الحديث عن بن عَبَّاسٍ قَدْ قَالَ بِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُقَوِّي مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْجَمْعِ الصُّورِيِّ أَنَّ طُرُقَ الْحَدِيثِ كُلَّهَا لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِوَقْتِ الْجَمْعِ فإما أن يحتمل عَلَى مُطْلَقِهَا فَيَسْتَلْزِمُ إِخْرَاجَ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا الْمَحْدُودِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى صِفَةِ مَخْصُوصَةٍ لَا تَسْتَلْزِمُ الْإِخْرَاجَ وَيُجْمَعُ بِهَا بَيْنَ مُفْتَرَقِ الْأَحَادِيثِ فَالْجَمْعُ الصُّورِيُّ أَوْلَى انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِ حَمْلِ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى الْجَمْعِ الصُّورِيِّ ما أخرجه النسائي عن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ وعجل العشاء فهذا بن عَبَّاسٍ رَاوِي حَدِيثِ الْبَابِ قَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ مَا رَوَاهُ مِنَ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ هُوَ الْجَمْعُ الصُّورِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ مُؤَيِّدَاتٍ أُخْرَى لِلْجَمْعِ الصُّورِيِّ وَدَفَعَ إِيرَادَاتٍ تَرُدُّ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَى النَّيْلِ وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ أَوْلَى الْأَجْوِبَةِ عِنْدِي وَأَقْوَاهَا وَأَحْسَنُهَا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ التَّوْفِيقُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ مُفْتَرَقِ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ هَذَا) أَيْ مَا يُخَالِفُ هَذَا الحديث

الْمَذْكُورَ ثُمَّ رَوَاهُ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ إِلَخْ [188] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ الْبَصْرِيُّ) الْجُوبَارِيُّ مِنْ شُيُوخِ التِّرْمِذِيِّ وَمُسْلِمٍ وأبي داود وبن ماجه صدوق مات سنة اثنين وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (عَنْ أَبِيهِ) سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ (عَنْ حَنَشٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ لَقَبُ حُسَيْنِ بْنِ قَيْسٍ الرَّحَبِيِّ أَبِي عَلِيٍّ الْوَاسِطِيِّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ (فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الْكَبَائِرِ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ تَمَسَّكَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى مَنْعِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ السَّفَرُ عُذْرٌ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وغيرهما وحديث بن عباس هذا ضعيف جدا قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ حَنَشِ بْنِ قَيْسٍ حَدِيثُهُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ الْحَدِيثَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَقَدْ صَحَّ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ انْتَهَى وَأَمَّا قَوْلُ الْحَاكِمِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَقَدْ رَدَّهُ الذَّهَبِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُنَاوِيُّ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَالْجَوَابُ هُوَ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ السَّفَرَ عُذْرٌ قَوْلُهُ (وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ أحمد متروك وقال أبو زرعة وبن مَعِينٍ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ مَرَّةً مَتْرُوكٌ وَقَالَ السَّعْدِيُّ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ جِدًّا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ وَعَدَّ الذَّهَبِيُّ حَدِيثَهُ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إِلَخْ مِنْ مُنْكَرَاتِهِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يُجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا فِي السَّفَرِ أَوْ بِعَرَفَةَ

قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِهِ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ مَا لَفْظُهُ جَمِيعُ مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِنَ الْحَدِيثِ هُوَ مَعْمُولٌ بِهِ وَبِهِ أَخَذَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا خَلَا حَدِيثَيْنِ حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالْمَدِينَةِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ وَلَا مَطَرٍ وَحَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ شَارِبِ الْخَمْرِ هُوَ كَمَا قَالَهُ فَهُوَ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ دَلَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَسْخِهِ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِهِ بَلْ لَهُمْ أَقْوَالٌ ثُمَّ ذَكَرَ تِلْكَ الْأَقْوَالِ وَقَدْ مَرَّتْ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ وَقَالَ صَاحِبُ دِرَاسَاتِ اللَّبِيبِ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ أَيْ مِنَ التِّرْمِذِيِّ غَرِيبٌ جِدًّا وَجْهُ الْغَرَابَةِ أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّ عَدَمَ الْأَخْذِ بِالْحَدِيثِ مِمَّنْ يُنْسَبُ إِلَيْهِ ذَلِكَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا لَمْ يُجِبْ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَحْمِلْهُ عَلَى مَحْمَلٍ وَأَمَّا إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَخَذَ بِهِ وَهَذَا الحديث يعني حديث بن عَبَّاسٍ كَثُرَتْ فِي تَأْوِيلِهِ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ وَمَذَاهِبُهُمْ فِيهِ وَمَعَ هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ وَالْمَذَاهِبِ فِيهِ وَإِنْ كَانَتْ بَعْضُهَا بَعِيدَةً كَيْفَ يُطْلِقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَإِنْ أَرَادَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ بِظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَيَبْطُلُ قَوْلُهُ كُلُّ حَدِيثٍ فِي كِتَابِي هَذَا مَعْمُولٌ بِهِ مَا خَلَا حَدِيثَيْنِ فَإِنَّ كُلَّ حَدِيثٍ فِي كِتَابِهِ لَيْسَ مِمَّا لَمْ يُؤَوَّلْ أَصْلًا وَعُمِلَ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عَمِلَ بِظَاهِرِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ النَّوَوِيِّ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِلَى جَوَازِ الْجَمْعِ فِي الْحَضَرِ لِلْحَاجَةِ لِمَنْ لَا يَتَّخِذُهُ عَادَةً وهو قول بن سِيرِينَ وَأَشْهَبَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ الْكَبِيرِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أصحاب الحديث واختاره بن المنذر انتهى كلامه قلت الأمر كما قال صَاحِبُ الدِّرَاسَاتِ قَوْلُهُ (وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلْمَرِيضِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَقَالَ عَطَاءٌ يَجْمَعُ الْمَرِيضُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ كَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مُعَلَّقًا وَوَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عن بن جُرَيْجٍ عَنْهُ قَالَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمَرِيضِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ كالمسافر لما فيه من الرفق به أولا فَجَوَّزَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ بِشَرْطِهِ وَالْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ الْمَنْعُ وَلَمْ أَرَ فِي الْمَسْأَلَةِ نَقْلًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ في عمدة القارىء قَالَ عِيَاضٌ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْمُشْتَرَكَةِ فِي الأوقات تكون تَارَةً سُنَّةً وَتَارَةً رُخْصَةً

فَالسُّنَّةُ الْجَمْعُ بِعَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَأَمَّا الرُّخْصَةُ فَالْجَمْعُ فِي السَّفَرِ وَالْمَرَضِ وَالْمَطَرِ فَمَنْ تَمَسَّكَ بِحَدِيثِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ وَقَدْ أَمَّهُ فَلَمْ يَرَ الْجَمْعَ فِي ذَلِكَ وَمَنْ خَصَّهُ أَثْبَتَ جَوَازَ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ وَقَاسَ الْمَرَضَ عَلَيْهِ فَنَقُولُ إِذَا أُبِيحَ لِلْمُسَافِرِ الْجَمْعُ بِمَشَقَّةِ السَّفَرِ فَأَحْرَى أَنْ يُبَاحَ لِلْمَرِيضِ وَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَرِيضَ بِالْمُسَافِرِ فِي التَّرْخِيصِ لَهُ فِي الْفِطْرِ وَالتَّيَمُّمِ وَأَمَّا الْجَمْعُ فِي الْمَطَرِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ إِثْبَاتُهُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَعَنْهُ قَوْلَةٌ شَاذَّةٌ أَنَّهُ لَا يُجْمَعُ إِلَّا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَذْهَبُ الْمُخَالِفِ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ انْتَهَى مَا فِي الْعُمْدَةِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْمَطَرِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى فِي بَابِ جَمْعِ الْمُقِيمِ لمطر أو لغيره بعد ذكر حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ مَا لَفْظُهُ قُلْتُ وَهَذَا يَدُلُّ بِفَحْوَاهُ عَلَى الْجَمْعِ لِلْمَطَرِ وَالْخَوْفِ وَلِلْمَرَضِ وَإِنَّمَا خُولِفَ ظَاهِرُ مَنْطُوقِهِ فِي الْجَمْعِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِلْإِجْمَاعِ ولأخبار المواقيت فنبقي فَحْوَاهُ عَلَى مُقْتَضَاهُ وَقَدْ صَحَّ الْجَمْعُ لِلْمُسْتَحَاضَةِ وَالِاسْتِحَاضَةُ نَوْعُ مَرَضٍ وَلِمَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نافع أن بن عُمَرَ كَانَ إِذَا جَمَعَ الْأُمَرَاءُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ جَمَعَ مَعَهُمْ وَلِلْأَثْرَمِ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ إِذَا كَانَ يَوْمٌ مَطِيرٌ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ انْتَهَى كلام بن تَيْمِيَّةَ قُلْتُ أَثَرُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرحمن هذا سكت عنه بن تَيْمِيَّةَ وَالشَّوْكَانِيُّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِ كَيْفَ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ ضَعِيفٌ وقد أثبت الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ جَوَازَ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِأَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَبَسَطَ فِيهِ مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ جَوَّزُوا الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِعُذْرِ الْمَرَضِ وَالْمَطَرِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَتَبَ فِي الْآفَاقِ يَنْهَاهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَيُخْبِرُهُمْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ قَالَ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ الثِّقَاتُ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ مَكْحُولٍ انْتَهَى فَقَوْلُ عُمَرَ هَذَا بِإِطْلَاقِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مُطْلَقًا كَبِيرَةٌ مِنَ الْكَبَائِرِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ عُذْرٍ أَوْ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَالْجَوَابُ مِنْ قِبَلِ الْمُجَوِّزِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَمْعِ فِي قَوْلِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ الْجَمْعُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ عُمَرَ قَالَ جَمْعُ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ مِنَ الْكَبَائِرِ قَالَ وَأَبُو الْعَالِيَةُ لَمْ

باب ما جاء في بدء الأذان

يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَبِي قتادة أن عمر كتب إلى عامل لا ثَلَاثٌ مِنَ الْكَبَائِرِ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ الْحَدِيثَ قَالَ وَأَبُو قَتَادَةَ أَدْرَكَ عُمَرَ فَإِذَا انْضَمَّ هَذَا إِلَى الْأَوَّلِ صَارَ قَوِيًّا قَالُوا فَقَوْلُ عُمَرَ هَذَا لَا يَضُرُّنَا فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْجَمْعِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْعُذْرُ قَدْ يكون بالسفر وقد يكون بالمطر وبغير ذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَقَالُوا أَيْضًا مَنْ عَرَضَ لَهُ عُذْرٌ يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ إِذَا أَرَادَ ذَلِكَ وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُرِدِ الْجَمْعَ بَلْ تَرَكَ الصَّلَاةَ عَمْدًا إِلَى أَنْ دَخَلَ وَقْتُ الْأُخْرَى فَهُوَ آثم بلا ريب 6 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي بَدْءِ الْأَذَانِ) أِي فِي ابْتِدَائِهِ وَالْأَذَانُ لُغَةً الْإِعْلَامُ وَشَرْعًا الْإِعْلَامُ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ بِأَلْفَاظٍ مَخْصُوصَةٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَذَكَرَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ ثُمَّ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ من هذه الأحاديث وقد جزم بن الْمُنْذِرِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِغَيْرِ أَذَانٍ مُنْذُ فُرِضَتِ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ إِلَى أَنْ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَإِلَى أَنْ وَقَعَ التَّشَاوُرُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ثُمَّ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ اللَّذَانِ رَوَاهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ [189] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ) أَبُو عُثْمَانَ الْبَغْدَادِيُّ مِنْ شُيُوخِ التِّرْمِذِيِّ وَالشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ مَاتَ سَنَةَ 942 تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (نَا أَبِي) هو يحيى بن سَعِيدِ بْنِ أَبَانِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيُّ الْحَافِظُ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ لَقَبُهُ الْجَمَلُ صَدُوقٌ يُغْرِبُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الخلاصة وهامشها وثقة بن مَعِينٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ) الْمَدَنِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ لَهُ أَفْرَادٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ) بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أُرِيَ الْأَذَانَ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَصَلَّى عَلَيْهِ عُثْمَانُ قَوْلُهُ (إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا حَقٍّ) أَيْ ثَابِتَةٌ صَحِيحَةٌ صَادِقَةٌ (فَإِنَّهُ أَنْدَى) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ

أَيْ أَرْفَعُ وَأَعْلَى صَوْتًا وَقِيلَ أَحْسَنُ وَأَعْذَبُ وَقِيلَ أَبْعَدُ انْتَهَى وَفِي الْقَامُوسِ أَنْدَى كَثُرَ عَطَايَاهُ أَوْ حَسُنَ صَوْتُهُ انْتَهَى وَفِيهِ أَيْضًا النِّدَاءُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ الصَّوْتُ وَالنَّدَى بُعْدُهُ وَهُوَ نَدِيُّ الصَّوْتِ كَغَنِيٍّ بَعِيدُهُ انْتَهَى قُلْتُ وَالْأَحْسَنُ أن يراد بأندى ها هنا أَحْسَنُ وَأَعْذَبُ وَإِلَّا لَكَانَ فِي ذِكْرِ قَوْلِهِ أَمَدُّ بَعْدَهُ تَكْرَارٌ عَلَى هَذَا فَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّخَاذِ الْمُؤَذِّنِ حَسَنِ الصَّوْتِ وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ بِأَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِنَحْوِ عِشْرِينَ رَجُلًا فَأَذَّنُوا فَأَعْجَبَهُ صَوْتُ أَبِي مَحْذُورَةَ فَعَلَّمَهُ الْأَذَانُ وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَقَدْ سَمِعْتُ فِي هَؤُلَاءِ تَأْذِينَ إِنْسَانٍ حَسَنِ الصَّوْتِ وصححه بن السَّكَنِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَالنَّيْلِ قُلْتُ وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَلَفْظُهُ قَالَ لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من خرجت حنين عَاشِرَ عَشَرَةٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ نَطْلُبُهُمْ فَسَمِعْنَاهُمْ يؤذنون بالصلاة فقمنا نؤذن لنستهزىء بِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَمِعْتُ فِي هَؤُلَاءِ تَأْذِينَ إِنْسَانٍ حَسَنِ الصَّوْتِ فَأَرْسَلَ إِلَيْنَا فَأَذَّنَّا رَجُلٌ رَجُلٌ وَكُنْتُ آخِرَهُمْ فَقَالَ حِينَ أَذَّنْتُ تَعَالَ فَأَجْلَسَنِي بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَسَحَ عَلَى نَاصِيَتِي فَبَرَّكَ عَلَيَّ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَأَذِّنْ عِنْدَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ الْحَدِيثَ (وَأَمَدُّ صَوْتًا مِنْكَ) أَيْ أَرْفَعُ وَأَعْلَى صَوْتًا مِنْكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّخَاذِ الْمُؤَذِّنِ رَفِيعِ الصَّوْتِ وَجَهِيرِهِ (فَأَلْقِ) أَمْرٌ مِنَ الْإِلْقَاءِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى بِلَالٍ (مَا قِيلَ لَكَ) أَيْ فِي الْمَنَامِ (وَلْيُنَادِ) أَيْ وَلْيُؤَذِّنْ بِلَالٌ (بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا تُلْقِي إِلَيْهِ (وَهُوَ يَجُرُّ إِزَارَهُ) أَيْ لِلْعَجَلَةِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي قَالَ) أَيْ بِلَالٌ يَعْنِي أَذَّنَ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ) حَيْثُ أَظْهَرَ الْحَقَّ ظهورا وازداد في البيان نورا قاله القارىء وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ حَيْثُ أَظْهَرَ الْحَقَّ إِظْهَارًا وَزَادَ فِي الْبَيَانِ نُورًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فَذَكَرَ فِيهِ كَلِمَاتِ

الأذان والإقامة وأخرجه بن مَاجَهْ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ لَفْظَ الْإِقَامَةِ وَزَادَ فيه شعرا وأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فَذَكَرَهُ بِتَمَامِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ لَيْسَ فِي أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي فَضْلِ الْأَذَانِ خَبَرٌ أَصَحُّ مِنْ هَذَا لأن محمدا سمعه من أبيه وبن أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بن زيد انتهى ورواه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُولُ لَيْسَ فِي أَخْبَارِ إلى آخر لفظ البيهقي وزاد خبر بن إِسْحَاقَ هَذَا ثَابِتٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم التيمي وليس هو مما دلسه بن إِسْحَاقَ انْتَهَى وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ انْتَهَى كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ بِلَفْظِ عَنْ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِهِ عَنْهُ بِلَفْظِ حَدَّثَنِي وَلِذَلِكَ قَالَ الذُّهْلِيُّ وَغَيْرُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ وَلَيْسَ هُوَ مِمَّا دَلَّسَهُ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَتَمَّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَطْوَلَ وَذَكَرَ فِيهِ قِصَّةَ الْأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى وَالْإِقَامَةِ مَرَّةً مَرَّةً) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثَنَا أَبِي وَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ قَالَ وَمَا تَصْنَعُ بِهِ فَقُلْتُ نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ فَقُلْتُ لَهُ بَلَى قَالَ فَقَالَ تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ ثُمَّ تَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله حي على الصلاة حي على الفلاح قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ قَوْلُهُ (وَلَا نَعْرِفُ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا يَصِحُّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ فِي الْأَذَانِ) قال

الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَكَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ حَدِيثًا غَيْرَ هَذَا فِي الصَّدَقَةِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ آخَرَ فِي قِسْمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعْرَهُ وَأَظْفَارَهُ وَإِعْطَائِهِ لِمَنْ تَحْصُلُ لَهُ أُضْحِيَّةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ إِنْ كَانَ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ صَحِيحَيْنِ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ فِي قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا نَظَرًا وَإِلَّا فَلَا وَجْهَ لِلنَّظَرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ فَتَأَمَّلْ [190] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي النَّضْرِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ الْبَغْدَادِيُّ قَدْ يُنْسَبُ لِجَدِّهِ اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ وَاحِدٌ وَقِيلَ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَقِيلَ أَحْمَدُ وَأَبُو النَّضْرِ هُوَ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ مَشْهُورٌ وَأَبُو بَكْرٍ ثِقَةٌ انْتَهَى قُلْتُ هُوَ مِنْ شُيُوخِ التِّرْمِذِيِّ وَمُسْلِمٍ مَاتَ سَنَةَ 542 خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (نَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ) الْمَصِّيصِيُّ الْأَعْوَرُ أَبُو مُحَمَّدٍ تِرْمِذِيُّ الْأَصْلِ نَزَلَ بَغْدَادَ ثُمَّ الْمَصِّيصَةَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ لَكِنَّهُ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ لما قدم بغداد قبل موته (قال بن جُرَيْجٍ) اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ وَكَانَ يُدَلِّسُ وَيُرْسِلُ قَوْلُهُ (كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ) أَيْ مِنْ مَكَّةَ فِي الْهِجْرَةِ (فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَوَاتِ) أَيْ يُقَدِّرُونَ أَحْيَانَهَا لِيَأْتُوا إِلَيْهَا وَالْحِينُ الْوَقْتُ وَالزَّمَانُ (فَقَالَ بَعْضُهُمُ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي يَضْرِبُ بِهِ النَّصَارَى لِأَوْقَاتِ صَلَوَاتِهِمْ وَجَمْعُهُ نَوَاقِيسُ وَالنَّقْسُ ضَرْبُ النَّاقُوسِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ النَّاقُوسُ هِيَ خَشَبَةٌ طَوِيلَةٌ تُضْرَبُ بِخَشَبَةٍ أَصْغَرَ مِنْهَا وَالنَّصَارَى يَعْلَمُونَ بِهَا أَوْقَاتَ صَلَوَاتِهِمْ انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُهُمُ اتَّخِذُوا قَرْنًا) الْقَرْنُ هُوَ الْبُوقُ الَّذِي يُنْفَخُ فِيهِ يقال لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ ناي بزرك وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يُنْفَخُ فِيهِ فَيَجْتَمِعُونَ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِهِ وَهُوَ مِنْ شِعَارِ الْيَهُودِ (أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا) الْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ أَتَقُولُونَ بِمُوَافَقَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا تَبْعَثُونَ وَالْهَمْزَةُ لِإِنْكَارِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَمُقَرِّرَةٌ لِلثَّانِيَةِ (يُنَادِي بِالصَّلَاةِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ظَاهِرُهُ أنه

باب ما جاء في الترجيع في الأذان

إِعْلَامٌ لَيْسَ عَلَى صِفَةِ الْأَذَانِ الشَّرْعِيِّ بَلْ إِخْبَارٌ بِحُضُورِ وَقْتِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَلٌ أَوْ مُتَعَيِّنٌ فَقَدْ صَحَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ رَأَى الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخْبِرُهُ بِهِ فَجَاءَ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ الَّذِي رَأَى وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ فَيَكُونُ الْوَاقِعُ الْإِعْلَامَ أَوَّلًا ثُمَّ رَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَذَانَ فَشَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ إِمَّا بِالْوَحْيِ وَإِمَّا بِاجْتِهَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ هُوَ عَمَلًا بِمُجَرَّدِ الْمَنَامِ هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَانَ اللَّفْظُ الَّذِي يُنَادِي بِهِ بِلَالٌ للصلاة قوله الصلاة جامعة أخرجه بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ مَرَاسِيلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ انْتَهَى (يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فَأَذِّنْ بِالصَّلَاةِ قَالَ عِيَاضٌ الْمُرَادُ الْإِعْلَامُ الْمَحْضُ بِحُضُورِ وَقْتِهَا لَا خُصُوصُ الْأَذَانِ الْمَشْرُوعِ وَأَغْرَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَحَمَلَ قَوْلَهُ أَذِّنْ عَلَى الْأَذَانِ الْمَشْرُوعِ وَطَعَنَ فِي صِحَّةِ حديث بن عُمَرَ وَقَالَ عَجَبًا لِأَبِي عِيسَى كَيْفَ صَحَّحَهُ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ شَرْعَ الْأَذَانِ إِنَّمَا كَانَ بِرُؤْيَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ وَلَا تُدْفَعُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمِثْلِ هَذَا مَعَ إمكان الجمع كما قدمنا وقد قال بن منده في حديث بن عُمَرَ إِنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّرْجِيعِ فِي الْأَذَانِ) هُوَ إِعَادَةُ الشَّهَادَتَيْنِ بِصَوْتٍ عَالٍ بَعْدَ ذِكْرِهِمَا بِخَفْضِ الصَّوْتِ قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي اخْتِيَارُ أَحْمَدَ مِنَ الْأَذَانِ أَذَانُ بِلَالٍ وَهُوَ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً لَا تَرْجِيعَ فِيهِ وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ الْأَذَانُ الْمَسْنُونُ أَذَانُ أَبِي مَحْذُورَةَ وَهُوَ مِثْلُ مَا وَصَفْنَا إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ التَّرْجِيعُ وَهُوَ أَنْ يَذْكُرَ الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ مرتين يخفض

بِذَلِكَ صَوْتَهُ ثُمَّ يُعِيدُهُمَا رَافِعًا بِهِمَا صَوْتَهُ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِهِ مَرَّتَانِ حَسْبُ فَيَكُونُ الْأَذَانُ عِنْدَهُ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً انْتَهَى [191] قَوْلُهُ (ثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ) الْجُمَحِيُّ الْمَكِّيُّ يكني أبا إسماعيل صدوق يخطىء (قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي وَجَدِّي جَمِيعًا عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ) أَمَّا أَبُوهُ فَهُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ وَأَمَّا جَدُّهُ فَهُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي مَحْذُورَةَ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مقبول وقال في الخلاصة وثقه بن حِبَّانَ قَوْلُهُ (وَأَلْقَى عَلَيْهِ الْأَذَانَ حَرْفًا حَرْفًا) أَيْ لَقَّنَهُ الْأَذَانَ كَلِمَةً كَلِمَةً (قَالَ إِبْرَاهِيمُ) هو بن عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَذْكُورُ فِي السَّنَدِ (قَالَ بِشْرٌ) هو بن مُعَاذٍ شَيْخُ التِّرْمِذِيِّ (فَقُلْتُ لَهُ) أَيْ لِإِبْرَاهِيمَ (فَوَصَفَ الْأَذَانَ بِالتَّرْجِيعِ) كَذَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مُطَوَّلًا قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ فِي الْأَذَانِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ بَلْ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَهُ أَلْفَاظٌ وَطُرُقٌ قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ بِمَكَّةَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ وَدَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّرْجِيعَ فِي الْأَذَانِ ثَابِتٌ مَشْرُوعٌ وَهُوَ الْعَوْدُ إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بَعْدَ قَوْلِهِمَا مَرَّتَيْنِ بِخَفْضِ الصَّوْتِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لَا يُشْرَعُ التَّرْجِيعُ عَمَلًا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَالزِّيَادَةُ مُقَدَّمَةٌ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ هَذَا مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَإِنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ بَعْدَ حُنَيْنٍ وَحَدِيثَ بن زَيْدٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَانْضَمَّ إِلَى هَذَا كُلِّهِ عَمَلُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَسَائِرِ الْأَمْصَارِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّرْجِيعِ وَثُبُوتِهِ بِرِوَايَاتِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَهِيَ

نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ فِيهِ فَمِنْهَا الرِّوَايَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ قَالَ أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّأْذِينَ هُوَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ قُلِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ تَعُودُ فَتَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ قَالَ فَمَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ قَالَ تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ ثُمَّ تَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَةِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله أشهد أن محمدا رسول الله حي عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لا إله إلا الله قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ قَالَ النَّوَوِيُّ حَسَّنَ نقله ميرك وقال بن الْهُمَامِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ انْتَهَى وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّرْجِيعَ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ ومنها ما رواه النسائي وأبو داود وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أن لا إله إلا الله أشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ يَعُودُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ فِي ثُبُوتِ التَّرْجِيعِ وَمَشْرُوعِيَّتِهِ وَأَجَابَ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالتَّرْجِيعِ بِأَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مَخْدُوشَةٌ وَاهِيَةٌ جِدًّا فمنها ما ذكره بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ فَقَالَ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ يَقُولُ أَلْقَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ حَرْفًا حَرْفًا اللَّهُ أَكْبَرُ إِلَخْ وَلَمْ يذكر ترجيعا فتعارضا فتساقطا ويبقى حديث بن عمرو عبد اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ سَالِمًا عَنِ الْمُعَارَضَةِ انْتَهَى ورده القارىء فِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ حَيْثُ قَالَ وَفِيهِ أَنَّ عَدَمَ ذِكْرِهِ فِي حَدِيثٍ لَا يُعَدُّ مُعَارِضًا لِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ نَعَمْ لَوْ صَرَّحَ بِالنَّفْيِ كَانَ مُعَارَضًا مَعَ أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي انْتَهَى وَمِنْهَا مَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ التَّرْجِيعَ إِنَّمَا كَانَ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ لَمْ يَمُدَّ بِذَلِكَ صوته

عَلَى مَا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْجِعْ وَامْدُدْ مِنْ صَوْتِكَ هَكَذَا اللَّفْظُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى وَهَذَا التَّأْوِيلُ مَرْدُودٌ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ثُمَّ ارْجِعْ فَمُدَّ مِنْ صَوْتِكَ بِزِيَادَةِ لَفْظِ ثُمَّ وَلَفْظُهُ هَكَذَا قُلِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ قَالَ ثُمَّ ارْجِعْ فَمُدَّ مِنْ صَوْتِكَ أَشْهَدُ أن لا إله إلا الله أشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَخْ فَمَعْنَى قَوْلِهِ ثُمَّ ارْجِعْ فَمُدَّ مِنْ صَوْتِكَ أَيِ اخْفِضْ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ ارْجِعْ فَمُدَّ مِنْ صَوْتِكَ وَارْفَعْهُ بِهِمَا مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَبْلَ هَذَا بِلَفْظِ تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ تَرْفَعُ بِهَا صَوْتَكَ ثُمَّ تَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِالشَّهَادَةِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَخْ وَالرِّوَايَاتُ بَعْضُهَا يُفَسِّرُ بَعْضًا وَيَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ بِلَفْظِ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي الْأَسْرَارِ وَتَبِعَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِحِكْمَةٍ رُوِيَتْ فِي قِصَّتِهِ وَهِيَ أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ يُبْغِضُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ بُغْضًا شَدِيدًا فَلَمَّا أَسْلَمَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَرَكَ أُذُنَهُ وَقَالَ لَهُ ارْجِعْ وَامْدُدْ بِهَا مِنْ صَوْتِكَ لِيَعْلَمَ أَنَّهُ لَا حَيَاءَ مِنَ الْحَقِّ أَوْ لِيَزِيدَ مَحَبَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَكْرِيرِ الشَّهَادَتَيْنِ وَرَدَّهُ الْعَيْنِيُّ حَيْثُ قَالَ هَذَا ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ خَفَضَ صَوْتَهُ عِنْدَ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا بَعْدَ أَنْ رَفَعَ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَلَمْ يُنْقَلْ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ عرك أذنه انتهى ومنها ما قال بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ مِنْ أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ كَافِرًا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَلَمَّا أَسْلَمَ وَلَقَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ أعاد عليه الشهادة وكررها ليثبت عِنْدَهُ وَيَحْفَظَهَا وَيُكَرِّرَهَا عَلَى أَصْحَابِهِ الْمُشْرِكِينَ فَلَمَّا كَرَّرَهَا عَلَيْهِ ظَنَّهَا مِنَ الْأَذَانِ وَمِنْهَا مَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ مَا رَوَاهُ كَانَ تَعْلِيمًا فَظَنَّهُ تَرْجِيعًا وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَقَالَ هَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى ثُمَّ رَدَّهَا فقال ويردها لفظ أبي داود قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ وَفِيهِ ثُمَّ تَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ تَخْفِضُ بِهَا صَوْتَكَ ثُمَّ تَرْفَعُ صَوْتَكَ بِهَا فَجَعَلَهُ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي صحيح بن حِبَّانَ وَمُسْنَدِ أَحْمَدَ انْتَهَى وَكَذَلِكَ رَدَّ هَذِهِ الأقوال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ قُلْتُ وَلِرَدِّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وُجُوهٌ أُخْرَى مِنْهَا أَنَّ فِيهَا سُوءَ الظَّنِّ بِأَبِي مَحْذُورَةَ وَنِسْبَةَ الْخَطَأِ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَمِنْهَا أَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ مُؤَذِّنًا لِأَهْلِهَا إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ وَكَانَتْ وفاته سنة

تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَكُلُّ مَنْ كَانَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ بِمَكَّةَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنَ التَّابِعِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ تَأْذِينَهُ بِالتَّرْجِيعِ وَكَذَلِكَ يَسْمَعُ كُلُّ مَنْ يَرِدُ فِي مَكَّةَ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ وَهِيَ مَجْمَعُ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا فَلَوْ كَانَ تَرْجِيعُ أَبِي مَحْذُورَةَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ وَكَانَ مِنْ خَطَئِهِ لَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يُقِرُّوهُ عَلَى خَطَئِهِ وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ إِنْكَارُ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَبِي مَحْذُورَةَ فِي تَرْجِيعِهِ فِي الْأَذَانِ فَظَهَرَ بِهَذَا بُطْلَانُ تِلْكَ الْأَقْوَالِ وَثَبَتَ أَنَّ التَّرْجِيعَ مِنْ سُنَّةِ الْأَذَانِ بَلْ ثَبَتَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى سُنِّيَّتِهِ عَلَى طَرِيقِ الْحَنَفِيَّةِ فَتَفَكَّرْ وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِنَا أَبْكَارُ الْمِنَنِ فِي نَقْدِ آثَارِ السُّنَنِ وَاسْتُدِلَّ لِمَنْ لَمْ يَقُلْ بِمَشْرُوعِيَّةِ التَّرْجِيعِ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مَرْفُوعًا إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ قال أشهد أن محمدا رسولا اللَّهِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ الْحَدِيثَ قِيلَ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَذَانَ لَيْسَ فِيهِ التَّرْجِيعُ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَيْضًا أَنَّ الْأَذَانَ لَيْسَ فِيهِ تَرْبِيعُ التَّكْبِيرِ وَلَا تَثْنِيَةُ بَاقِي الْكَلِمَاتِ فَمَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْهُمَا هُوَ الْجَوَابُ عَنِ التَّرْجِيعِ وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هُوَ أَصْلٌ فِي التَّأْذِينِ وَلَيْسَ فِيهِ تَرْجِيعٌ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ التَّرْجِيعَ غَيْرُ مَسْنُونٍ انْتَهَى وقد عرفت جوابه جَوَابَهُ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ كَرِهَ قَوْمٌ أَنْ يُقَالَ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الْأَذَانِ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَاسْتَحَبُّوا أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ فِي التَّأْذِينِ لِلصُّبْحِ بَعْدَ الْفَلَاحِ وَكَانَ الْحُجَّةُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَقَدْ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمَّا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَوَجَبَ اسْتِعْمَالُهَا انْتَهَى كَلَامُ الطَّحَاوِيِّ قُلْتُ فَكَذَلِكَ يُقَالُ إِنَّ التَّرْجِيعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَقَدْ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا مَحْذُورَةَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمَّا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَبَا مَحْذُورَةَ كَانَ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ

[192] قوله (نا عفان) هو بن مُسْلِمٍ (عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً) أَيْ مَعَ التَّرْجِيعِ وَالْحَدِيثُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي سُنِّيَّةِ التَّرْجِيعِ فِي الْأَذَانِ (وَالْإِقَامَةَ) بِالنَّصْبِ أَيْ عَلَّمَهُ الاقامة (سبع عشرة كلمة) قال بن الْمَلَكِ لِأَنَّهُ لَا تَرْجِيعَ فِيهَا فَانْحَذَفَ عَنْهَا كَلِمَتَانِ وَزِيدَتِ الْإِقَامَةُ شَفْعًا تَفْصِيلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ ثَلَاثٌ مِنْهَا تَأْكِيدٌ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَرَّتَانِ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ تَأْكِيدٌ وَكَذَا أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ مَرَّتَانِ وَحَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّتَانِ وَحَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَانِ وَقَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ مَرَّتَانِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَلِمَتَانِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْإِقَامَةُ عِنْدَ مَالِكٍ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً لِأَنَّهُ يَقُولُ كل كلمة مرة وَاحِدَةً إِلَّا كَلِمَةَ التَّكْبِيرِ وَالْإِقَامَةِ كَمَا رَوَاهُ بن عُمَرَ وَأَنَسٌ كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ (وَأَبُو مَحْذُورَةَ اسْمُهُ سَمُرَةُ) وَقِيلَ أَوْسٌ وَقِيلَ سَلَمَةُ وَقِيلَ سَلْمَانُ قَالَهُ الْحَافِظُ (بن مِعْيَرٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَقِيلَ عُمَيْرُ بْنُ لَوْذَانَ وَأَبُو مَحْذُورَةَ هَذَا صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ مَكِّيٌّ مُؤَذِّنُ مَكَّةَ مَاتَ بِهَا سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ تَأَخَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ كَانَ يُفْرِدُ الْإِقَامَةَ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَسَيَجِيءُ لَفْظُهُ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ بَذْلِ الْمَجْهُودِ تَحْتَ حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ مَا لَفْظُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى سُنِّيَّةِ التَّرْجِيعِ فِي الْأَذَانِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى زِيَادَةٍ غَيْرِ مُتَنَافِيَةٍ فَيَجِبُ قَبُولُهَا وَهُوَ أَيْضًا مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ بَعْدَ حُنَيْنٍ وَحَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَيُرَجِّحُهُ أَيْضًا عَمَلُ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ انْتَهَى وَقَالَ صاحب العرف

باب ما جاء في إفراد الاقامة

الشَّذِيِّ مَا لَفْظُهُ وَاسْتَمَرَّ التَّرْجِيعُ فِي مَكَّةَ إلى عهد الشافعي وكان السلف يشهدون وسم الْحَجِّ كُلَّ سَنَةٍ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ انْتَهَى قُلْتُ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَا وَلَكِنَّهُمَا مَعَ هَذَا الِاعْتِرَافِ لَمْ يَقُولَا بِسُنِّيَّةِ التَّرْجِيعِ فِي الْأَذَانِ فَأَمَّا صَاحِبُ بَذْلِ الْمَجْهُودِ فَأَجَابَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ بِأَنَّ التَّرْجِيعَ فِي أَذَانِهِ لَمْ يَكُنْ لِأَجْلِ الْأَذَانِ بَلْ كَانَ لِأَجْلِ التَّعْلِيمِ فَإِنَّهُ كَانَ كَافِرًا فَكَرَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهَادَتَيْنِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ لِتَرْسُخَا فِي قَلْبِهِ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ قِصَّتُهُ الْمُفَصَّلَةُ فَظَنَّ أَبُو مَحْذُورَةَ أَنَّهُ تَرْجِيعٌ وَأَنَّهُ فِي أَصْلِ الْأَذَانِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الْجَوَابُ مَرْدُودٌ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَذْلِ مُسْتَدِلًّا عَلَى عَدَمِ سُنِّيَّةِ التَّرْجِيعِ مَا لَفْظُهُ وَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ قَالَ أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ حَرْفًا حَرْفًا اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ إِلَى آخِرِهِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَرْجِيعًا انْتَهَى قُلْتُ أَجَابَ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهَذَا مُعَارِضٌ لِلرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الَّتِي عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ ثَنَا إِبْرَاهِيم بْنُ إِسْمَاعِيلَ فَذَكَرَهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَفِيهِ تَرْجِيعٌ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ وَأَيْضًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّرْجِيعِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنِ بن عُمَرَ إِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً غَيْرَ أَنْ يَقُولَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَتَذَكَّرْ ثُمَّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ إِنْ تَدُلَّ عَلَى عَدَمِ التَّرْجِيعِ فَتَدُلُّ أَيْضًا عَلَى عَدَمِ تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا بِعَدَمِ تَثْنِيَتِهَا أَيْضًا وَأَمَّا صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ فَقَالَ إِنْ رَجَّعَ الْحَنَفِيُّ فِي الْأَذَانِ فَفِي الْبَحْرِ أَنَّهُ يُبَاحُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَقَالَ الْحَقُّ ثُبُوتُ التَّرْجِيعِ وَوَجْهُ الرُّجْحَانِ لَنَا فِي عَدَمِ التَّرْجِيعِ أَنَّ بِلَالًا اسْتَمَرَّ أَمْرُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ تَعْلِيمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْأَذَانَ أَبَا مَحْذُورَةَ وَبَعْدَهُ انْتَهَى قُلْتُ قَدِ اسْتَمَرَّ التَّرْجِيعُ أَيْضًا مِنْ حِينِ تَعْلِيمِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْأَذَانَ بِالتَّرْجِيعِ أَبَا مَحْذُورَةَ إِلَى عَهْدِ الشَّافِعِيِّ كَمَا اعْتَرَفَ هُوَ بِهِ فَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّهُ لَيْسَ لِإِنْكَارِ سُنِّيَّةِ التَّرْجِيعِ فِي الْأَذَانِ وَجْهٌ إِلَّا التَّقْلِيدُ أَوْ قِلَّةُ الِاطِّلَاعِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ)

[193] قَوْلُهُ (قَالَ أُمِرَ بِلَالٌ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (أَنْ يَشْفَعَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ يَأْتِيَ بِأَلْفَاظِهِ شَفْعًا قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَصْفُ الْأَذَانِ بِأَنَّهُ شَفْعٌ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ مَثْنَى أَيْ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ تَسْتَوِيَ جَمِيعُ ألفاظه لكن لم يختلف في كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ الَّتِي فِي آخِرِهِ مُفْرَدَةً فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ مَثْنَى عَلَى مَا سِوَاهَا (وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ) أَيْ يَأْتِيَ بِأَلْفَاظِهَا مَرَّةً مَرَّةً زَادَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا الْإِقَامَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ وَقَالَ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَلِلنَّسَائِيِّ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا انْتَهَى فَرِوَايَةُ النَّسَائِيِّ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْآمِرَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالرِّوَايَاتُ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَبِهَذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ قَوْلِ الْعَيْنِيِّ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْآمِرَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ غَيْرَهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ إِنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَلَهُ طَرِيقَانِ كِلَاهُمَا صَحِيحَانِ الْأَوَّلُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ عن محمد بن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قال لَمَّا أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاقُوسِ وَفِيهِ ثُمَّ تَقُولُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله حي على الصلاة حي على الفلاح قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ لَيْسَ فِي أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي فَصْلِ الْأَذَانِ خَبَرٌ أَصَحُّ مِنْ هَذَا لِأَنَّ مُحَمَّدًا سَمِعَهُ من أبيه وبن أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بن زيد انتهى ورواه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى الذُّهْلِيَّ يَقُولُ لَيْسَ فِي أَخْبَارِ إلى آخر لفظ البيهقي وزاد خبر بن إِسْحَاقَ هَذَا ثَابِتٌ صَحِيحٌ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ سَمِعَهُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم التيمي وليس هو مما دلسه بن إِسْحَاقَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الراية

وَالطَّرِيقُ الثَّانِي مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قال لما أَجْمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضْرَبَ بِالنَّاقُوسِ يَجْمَعُ لِلصَّلَاةِ النَّاسَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ تَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حي على الصلاة حي على الفلاح قد قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ الحافظ في التلخيص بعد ما ذَكَرَ الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَقَالَ هَذَا أَمْثَلُ الرِّوَايَاتِ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَدْ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَرَوَاهُ يُونُسُ وَمَعْمَرٌ وشعيب إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ فِي عَوْنِ الْمَعْبُودِ نَقْلًا عَنْ غَايَةِ وبن الْمَقْصُودِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الطَّرِيقِ مِنْ مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَقَالَ هَذِهِ أَمْثَلُ الرِّوَايَاتِ فِي قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَدْ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَرَوَاهُ يونس ومعمر وشعيب وبن إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَمُتَابَعَةُ هَؤُلَاءِ لِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ تَرْفَعُ احْتِمَالَ التَّدْلِيسِ الَّذِي يحتمله عنعنة بن إِسْحَاقَ انْتَهَى مَا فِي الْعَوْنِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تاريخه والدارقطني وبن خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَحَسَّنَهُ فِي حَدِيثٍ لِأَبِي مَحْذُورَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ وَاحِدَةً انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) إِلَّا أَنَّ مَالِكًا يَقُولُ إِنَّ الْإِقَامَةَ عَشْرُ كَلِمَاتٍ بِتَوْحِيدِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فَعِنْدَهُمْ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بتثنية قد قامت الصلاة واستدلوا بحديث بن عُمَرَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَبِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ذَكَرْنَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَأَمَّا مَالِكٌ فَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ رَأَى أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْإِقَامَةَ فُرَادَى وَإِلَى هَذَا الْمَذْهَبِ ذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٌ

وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الشَّامِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمَنْ تبعهم من العراقيين وإليه ذهب يحيى بن يَحْيَى وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا مِنَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ قُلْتُ وَأَجَابَ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ كَالْحَنَفِيَّةِ بِأَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مَخْدُوشَةٌ لَا يَطْمَئِنُّ بِوَاحِدٍ مِنْهَا الْقَلْبُ السَّلِيمُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ إِفْرَادَ الْإِقَامَةِ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ نُسِخَ بِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ الَّذِي رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَفِيهِ تَثْنِيَةُ الْإِقَامَةِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ فَيَكُونُ نَاسِخًا وَعُورِضَ بِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ الْمُحَسَّنَةِ التَّرْبِيعَ وَالتَّرْجِيعَ فَكَانَ يَلْزَمُهُمُ الْقَوْلُ بِهِ وَقَدْ أَنْكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى مَنِ ادَّعَى النَّسْخَ بِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ بَعْدَ الْفَتْحِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَقَرَّ بِلَالًا عَلَى إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ وَعَلَّمَهُ سَعْدَ الْقَرَظِ فَأَذَّنَ بِهِ بَعْدَهُ كَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ إِفْرَادَ الْإِقَامَةِ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ إِنَّ بِلَالًا كَانَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقِيمُ مَثْنَى مَثْنَى وَرُدَّ هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَنْ بِلَالٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَعْرِفُ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّسْخِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ بِلَالًا كَانَ مَذْهَبُهُ الْإِبَاحَةَ وَالتَّخْيِيرَ وَأَجَابَ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ فِي الْإِقَامَةِ وَالتَّفْرِيقِ فِي الْأَذَانِ وَعَلَى الْإِتْيَانِ قَوْلًا بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ الصَّوْتُ وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ يُبْطِلُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورُ بِلَفْظِ ثُمَّ تَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَذَا يُبْطِلُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ فَتَأْوِيلُ الْعَيْنِيِّ هَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّ أَحَادِيثَ إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ مُحْكَمَةٌ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَلَا بِمُؤَوَّلَةٍ نَعَمْ قَدْ ثَبَتَ أَحَادِيثُ تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ أَيْضًا وَهِيَ أَيْضًا مُحْكَمَةٌ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ وَلَا بِمُؤَوَّلَةٍ وَعِنْدِي الْإِفْرَادُ وَالتَّثْنِيَةُ كِلَاهُمَا جَائِزَانِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قال بن عبد البر ذهب أحمد وإسحاق وداود وبن حبان وبن جرير إلى ذَلِكَ مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ فَإِنْ رَبَّعَ التَّكْبِيرَ الأول في

باب ما جاء في أن الإقامة مثنى مثنى

الْأَذَانِ أَوْ ثَنَّاهُ أَوْ رَجَّعَ فِي التَّشَهُّدِ أَوْ لَمْ يُرَجِّعْ أَوْ ثَنَّى الْإِقَامَةَ أَوْ أَفْرَدَهَا كُلَّهَا أَوْ إِلَّا قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ فالجميع جائز وعن بن خُزَيْمَةَ إِنْ رَبَّعَ الْأَذَانَ وَرَجَّعَ فِيهِ ثَنَّى الْإِقَامَةَ وَإِلَّا أَفْرَدَهَا قِيلَ وَلَمْ يَقُلْ بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَحَدٌ قَبْلَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَنَّ الْإِقَامَةَ مَثْنَى مَثْنَى) أَيْ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ [194] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأشج) اسمه عبد الله بن سعيد بن حُصَيْنٍ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قُلْتُ رَوَى عَنْهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ (نَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدِ) بْنِ عُقْبَةَ السُّكُونِيُّ أَبُو مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ الْمُجَدَّرُ بِالْجِيمِ صَدُوقٌ صاحب حديث (عن بن أَبِي لَيْلَى) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْفَقِيهُ الْمُقْرِئُ حَدَّثَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَالْحَكَمِ وَنَافِعٍ وَعَمْرِو بْنِ مُرَّةَ وَطَائِفَةٍ وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ فَلَمْ يُدْرِكِ الْأَخْذَ عَنْهُ حَدَّثَ عَنْهُ شُعْبَةُ وَالسُّفْيَانَانِ وَزَائِدَةُ وَوَكِيعٌ وَخَلَائِقُ قَالَهُ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ وَقَالَ حَدِيثُهُ فِي وَزْنِ الْحَسَنِ وَلَا يَرْتَقِي إِلَى الصِّحَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِالْمُتْقِنِ عِنْدَهُمْ انْتَهَى (عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَارِقٍ الْجُمَلِيِّ الْمُرَادِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ الْأَعْمَى ثِقَةٌ عَابِدٌ كَانَ لَا يُدَلِّسُ وَرُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثُمَّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَدْرَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ الْأَنْصَارِيِّينَ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ قَوْلُهُ (شَفْعًا شَفْعًا) أَيْ مَثْنَى مَثْنَى (فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ وَحَدِيثُ إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ أَصَحُّ وَأَثْبَتُ وَقَدْ ثَبَتَ بِطَرِيقَيْنِ صَحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ إِفْرَادُ الْإِقَامَةِ كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَوَاهُ وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ

الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ رَأَى الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ) أَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فَقَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَجُلًا قَامَ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ فَقَامَ عَلَى حَائِطٍ فَأَذَّنَ مَثْنَى مَثْنَى وَأَقَامَ مَثْنَى مَثْنَى وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ وَكِيعٍ بِهِ قَالَ في الامام وهذا رِجَالُ الصَّحِيحِ وَهُوَ مُتَّصِلٌ عَلَى مَذْهَبِ الْجَمَاعَةِ فِي عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ وَأَنَّ جَهَالَةَ أَسْمَائِهِمْ لَا تَضُرُّ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قُلْتُ فِي إِسْنَادِهِ الْأَعْمَشُ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بِالْعَنْعَنَةِ (وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بن مرة عن عبد الرحم ن بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ ثَنَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ بن أَبِي لَيْلَى) أَيِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ فَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَرُوِيَ عَنْهُ قَالَ حدثنا أصحاب محمد قال بن خُزَيْمَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ وَلَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمَا وَلَا مِنْ بِلَالٍ فَإِنَّ مُعَاذًا تُوُفِّيَ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَبِلَالٌ تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى لِسِتٍّ بَقِينَ مِنْ خِلَافَةِ عمر وكذلك قاله الواقيى وَمُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ فَثَبَتَ انْقِطَاعُ حَدِيثِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ص 041 ج 1 وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا لَهُ رِوَايَاتٌ فمنها ما أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ بِلَفْظِ قَالَ أَخْبَرَنِي أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ رَأَى فِي الْمَنَامِ الْأَذَانَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ عَلِّمْهُ بِلَالًا فَأَذَّنَ مَثْنَى مَثْنَى وَأَقَامَ مَثْنَى مثنى وقعدة قعد قَالَ بَعْضُهُمْ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ

قُلْتُ فِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا الْأَعْمَشُ وَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ بِالْعَنْعَنَةِ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعُمَيْسِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ أبيه عن جده أنه أري الْأَذَانَ مَثْنَى مَثْنَى وَالْإِقَامَةَ مَثْنَى مَثْنَى قَالَ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ عَلِّمْهُنَّ بِلَالًا قَالَ فَتَقَدَّمْتُ فَأَمَرَنِي أَنْ أُقِيمَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قُلْتُ ذِكْرُ تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ فَإِنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ وَرَوَاهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْهُ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَثْنِيَةَ الْإِقَامَةِ وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ أَعْلَمُ الْكُوفِيِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي الْعُمَيْسِ وَأَكْثَرُهُمْ عَنْهُ رِوَايَةً قَالَ الزيلعي في نصب الراية نقلا عن البيهقي وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ تَثْنِيَةَ الْإِقَامَةِ وَعَبْدُ السَّلَامِ أَعْلَمُ الْكُوفِيِّينَ بِحَدِيثِ أَبِي الْعُمَيْسِ وَأَكْثَرُهُمْ عَنْهُ رِوَايَةً انْتَهَى وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَافِظُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شَبَّةَ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ سَمِعْتُ أَذَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَذَانُهُ وَإِقَامَتُهُ مَثْنَى مَثْنَى قُلْتُ فِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ لِأَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيد وفيه المغيرة وهو بن مُقْسِمٍ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الشَّعْبِيِّ بِالْعَنْعَنَةِ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ التَّرْجِيعِ فِي الْأَذَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْأَذَانُ مَثْنَى مَثْنَى وَالْإِقَامَةُ مَثْنَى مَثْنَى وبه يقول سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ) وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ أَلْفَاظَ الْإِقَامَةِ إِحْدَى عَشْرَةَ كلمة كلها مُفْرَدَةٌ إِلَّا التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا وَلَفْظَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا مَثْنَى مَثْنَى وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ أَنَسٍ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَحَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ يعني الذي ذكرناه في الباب المتقدم وحديث بن عُمَرَ يَعْنِي الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَاَلَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ فِي الْحَرَمَيْنِ وَالْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْيَمَنِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ إِلَى أَقْصَى بِلَادِ

الْإِسْلَامِ أَنَّ الْإِقَامَةَ فُرَادَى قَالَ أَيْضًا مَذْهَبُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُكَرِّرُ قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ إِلَّا مَالِكًا فَإِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُكَرِّرُهَا وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي قَدِيمِ قَوْلَيْهِ إِلَى ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَنَا قَوْلٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَقُولُ فِي التَّكْبِيرِ الْأَوَّلِ اللَّهُ أَكْبَرُ مَرَّةً وَفِي الْأَخِيرَةِ مَرَّةً وَيَقُولُ قَدْ قَامَتِ الصلاة مرة قال بن سَيِّدِ النَّاسِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْإِقَامَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَأَنَسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَدَاوُدُ وبن الْمُنْذِرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مِمَّنْ قَالَ بِإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وبن سِيرِينَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ الْبَغَوِيُّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَالثَّوْرِيُّ وبن الْمُبَارَكِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى أَنَّ أَلْفَاظَ الْإِقَامَةِ مِثْلُ الْأَذَانِ عِنْدَهُمْ مَعَ زِيَادَةِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ كَانَ أَذَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفْعًا شَفْعًا فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ الرِّوَايَاتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي هَذَا الْبَابِ كُلُّهَا مُنْقَطِعَةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِي سماع بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَيُجَابُ عَنْ هَذَا الِانْقِطَاعِ بِأَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ بَعْدَ إِخْرَاجِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ مَا لَفْظُهُ وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ رَأَى الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهَذَا أصح انتهى وقد روى بن أَبِي لَيْلَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِيُّ بْنُ كَعْبٍ وَالْمِقْدَادُ وَبِلَالٌ وَكَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَصُهَيْبٌ وَخَلْقٌ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ وَقَالَ أَدْرَكْتُ عِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ فَلَا عِلَّةَ لِلْحَدِيثِ لِأَنَّهُ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بِدُونِ تَوْسِيطِ الصَّحَابَةِ مُرْسَلٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمُسْنَدِ وَعَلَى رِوَايَتِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ عَنْهُ مُسْنَدٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يُضَعِّفُهُ فَمُتَابَعَةُ الْأَعْمَشُ إِيَّاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ وَمُتَابَعَةُ شُعْبَةَ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ مِمَّا يُصَحِّحُ خَبَرَهُ وَإِنْ خَالَفَاهُ فِي الْإِسْنَادِ وَأَرْسَلَا فَهِيَ مُخَالَفَةٌ غَيْرُ قَادِحَةٍ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ رِوَايَةِ سُوَيْدِ بْنِ غفلة أن بلال كَانَ يُثَنِّي الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَادَّعَى الْحَاكِمُ فِيهِ الِانْقِطَاعَ قَالَ الْحَافِظُ وَلَكِنْ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ سمعت بلالا ويؤيد ذلك ما رواه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَبْرِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ شَيْخٍ يُقَالُ لَهُ الْحَفْصُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ سَعْدُ الْقَرَظِ قَالَ أَذَّنَ بِلَالٌ حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَذَّنَ لِأَبِي بَكْرٍ فِي حَيَاتِهِ وَلَمْ يُؤَذِّنْ فِي زَمَانِ عُمَرَ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ هَاجَرَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ أَنَّ بِلَالًا ذَهَبَ إِلَى الشَّامِ فِي حَيَاةِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ بِهَا حَتَّى مَاتَ فَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِي إِسْنَادِهِ عطاء الخرساني

وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ بِلَالٍ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ مَثْنَى مَثْنَى وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ قَالَ الْحَافِظُ وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ فِي تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ مَشْهُورٌ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ انْتَهَى وَحَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَاقَهُ الْحَازِمِيُّ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَذَكَرَ فِيهِ الْإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ عَلَى شَرْطِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَسَيَأْتِي مَا خَرَّجَهُ عَنْهُ الْخَمْسَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ حَدِيثِ بِلَالٍ الَّذِي فِيهِ الْأَمْرُ بِإِيتَارِ الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ وَبِلَالًا أُمِرَ بِإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ أَوَّلَ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ فَيَكُونُ نَاسِخًا وَقَدْ رَوَى أَبُو الشَّيْخِ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ بِمِنًى وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَّ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَأَقَامَ مِثْلَ ذَلِكَ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ أَحَادِيثَ تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ صَالِحَةٌ للاحتجاج بها وأحاديث الْإِقَامَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَصَحَّ مِنْهَا لِكَثْرَةِ طُرُقِهَا وكونها في الصحيحين لكن أحاديث إفراد التَّثْنِيَةِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الزِّيَادَةِ فَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا لَازِمٌ لاسيما مَعَ تَأَخُّرِ تَارِيخِ بَعْضِهَا كَمَا عَرَّفْنَاكَ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى جَوَازِ إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتِهَا قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ إِلَى إِجَازَةِ الْقَوْلِ بِكُلِّ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذَلِكَ وَحَمَلُوهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَالتَّخْيِيرِ وَقَالُوا كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعُ ذَلِكَ وَعَمِلَ بِهِ أَصْحَابُهُ فَمَنْ شَاءَ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعًا فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ وَمَنْ شَاءَ ثَنَّى وَمَنْ شَاءَ ثَنَّى الْإِقَامَةَ وَمَنْ شَاءَ أَفْرَدَهَا إِلَّا قَوْلَهُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ فَإِنَّ ذَلِكَ مَرَّتَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ انْتَهَى قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ جَوَازِ إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ وَتَثْنِيَتِهَا هُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ عِنْدِي وَلَمَّا كَانَتْ أَحَادِيثُ إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ أَصَحَّ وَأَثْبَتَ مِنْ أَحَادِيثِ تَثْنِيَتِهَا لِكَثْرَةِ طُرُقِهَا وَكَوْنِهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَانَ الْأَخْذُ بِهَا أَوْلَى وَأَمَّا قَوْلُ الشَّوْكَانِيِّ لَكِنَّ أَحَادِيثَ التَّثْنِيَةِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الزِّيَادَةِ فَالْمَصِيرُ إِلَيْهَا لَازِمٌ فَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ فِي بَابِ تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ الَّذِي فِيهِ وَعَلَّمَنِي الْإِقَامَةَ مَرَّتَيْنِ مَا لَفْظُهُ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ فَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِقَامَةَ مِثْلُ الْأَذَانِ مَثْنَى مَثْنَى وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَاحْتَجُّوا فِي الْبَابِ بَهَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ وَرَأَوْهُ مُحْكَمًا نَاسِخًا لِحَدِيثِ بِلَالٍ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ بِلَالٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ إِنَّهُمْ ذَكَرُوا الصَّلَاةَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نَوِّرُوا نارا أو اضربوا قوسا فَأَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ

وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ قَالُوا وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي النَّسْخِ لأن بلالا بِإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ أَوَّلَ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أبي محذورة كان عَامَ حُنَيْنٍ وَبَيْنَ الْوَقْتَيْنِ مُدَّةٌ مَدِيدَةٌ قَالَ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَرَأَوْا أَنَّ الْإِقَامَةَ فُرَادَى وَذَهَبُوا فِي ذَلِكَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ سَنَدًا وَأَقْوَمَ قَاعِدَةً فِي جَمِيعِ جِهَاتِ التَّرْجِيحَاتِ عَلَى مَا قَدَّرْنَاهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَغَيْرُ مَخْفِيٍّ عَلَى مَنِ الْحَدِيثُ صِنَاعَتُهُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ لَا يُوَازِي حَدِيثَ أَنَسٍ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فِي التَّرْجِيحَاتِ فَضْلًا عَنِ الْجِهَاتِ كُلِّهَا وَمِنْهَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْحُفَّاظِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ بِدَلِيلِ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَلِيٍّ الْفَقِيهُ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَخْبَرَنِي جَدِّي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ أَدْرَكْتُ جَدِّي وَأَبِي وَأَهْلِي يُقِيمُونَ فَيَقُولُونَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أشهد أن محمد رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ حَكَى الشَّافِعِيُّ عَنْ وَلَدِ أَبِي مَحْذُورَةَ فِي بَقَاءِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَوَلَدِهِ عَلَى إِفْرَادِ الْإِقَامَةِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى وَهْمٍ وَقَعَ فِيمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ مِنْ تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ قَالَ ثُمَّ لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مَحْفُوظَةٌ وَأَنَّ الْحَدِيثَ ثَابِتٌ وَلَكِنَّهُ مَنْسُوخٌ وَأَذَانُ بِلَالٍ هُوَ آخِرُ الْأَذَانَيْنِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَادَ مِنْ حُنَيْنٍ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَقَرَّ بِلَالًا عَلَى أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ قُلْتُ قَدْ تَكَلَّمَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ عَلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَازِمِيُّ فِي الْجَوَابِ عَنْ حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ فَقَالَ وَقَدْ أَجَابَ الْقَائِلُونَ بِإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ عَنْ حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّاسِخِ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ سَنَدًا وَأَقْوَمَ قَاعِدَةً وَهَذَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي النَّاسِخِ مُجَرَّدُ الصِّحَّةِ لَا الْأَصَحِّيَّةُ وَمِنْهَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ الْأَئِمَّةِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ وَرَوَوْا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَازِمِيُّ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وبن خُزَيْمَةَ وَهَذَا الْوَجْهُ غَيْرُ نَافِعٍ لِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِأَنَّهَا غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ غَايَةُ مَا اعْتَذَرُوا بِهِ عَدَمُ الْحِفْظِ وَقَدْ حَفِظَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَمَنْ عَلِمَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَا يَعْلَمُ وَأَمَّا رِوَايَةُ إِيتَارِ الْإِقَامَةِ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ فَلَيْسَتْ كَرِوَايَةِ التَّشْفِيعِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الزِّيَادَةِ وَمِنَ الْأَجْوِبَةِ أَنَّ تَثْنِيَةَ الْإِقَامَةِ لَوْ فُرِضَ أَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ وَأَنَّ الْحَدِيثَ بِهَا ثَابِتٌ لَكَانَتْ مَنْسُوخَةً فَإِنَّ أَذَانَ بِلَالٍ هُوَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب ما جاء في الترسل في الأذان

لَمَّا عَادَ مِنْ حُنَيْنٍ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَقَرَّ بِلَالًا عَلَى أَذَانِهِ وَإِقَامَتِهِ قَالُوا وَقَدْ قِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَلَيْسَ حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ لِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ أَلَيْسَ قَدْ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَرَّ بِلَالًا على الأذان عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَهَذَا أَنْهَضُ مَا أَجَابُوا بِهِ وَلَكِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ بَعْدَ رُجُوعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَأَفْرَدَ الْإِقَامَةَ وَمُجَرَّدُ قَوْلِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لَا يَكْفِي فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ كَانَ دَلِيلًا لِمَذْهَبِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ الْكُلِّ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا لِأَنَّ فِعْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ عَقِبَ الْآخَرِ مُشْعِرٌ بِجَوَازِ الْجَمِيعِ لَا بِالنَّسْخِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ بِلَالًا أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا أَنَّهُ أَذَّنَ حَيَاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَادَ مِنْ حُنَيْنٍ أَمَرَ بِلَالًا بِتَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ وَمَنَعَهُ مِنْ إِفْرَادِهَا فَالظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّرَسُّلِ فِي الْأَذَانِ) أَيْ بِقَطْعِ الْكَلِمَاتِ بَعْضِهَا عَنْ بعض والتأني في التلفظ بها قال بن قُدَامَةَ التَّرَسُّلُ التَّمَهُّلُ وَالتَّأَنِّي مِنْ قَوْلِهِمْ جَاءَ فلان على رسله والحذر ضِدُّ ذَلِكَ وَهُوَ الْإِسْرَاعُ وَقَطْعُ التَّطْوِيلِ وَهَذَا مِنْ آدَابِ الْأَذَانِ وَمُسْتَحَبَّاتِهِ قَالَ الْأَذَانُ إِعْلَامُ الْغَائِبِينَ وَالتَّثَبُّتُ فِيهِ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ وَالْإِقَامَةُ إِعْلَامُ الْحَاضِرِينَ فَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّثَبُّتِ فِيهَا [195] قَوْلُهُ (نَا الْمُعَلَّى) بِفَتْحِ ثَانِيهِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ (بْنُ أَسَدٍ) الْعَمِّيُّ الْبَصْرِيُّ أَخُو بَهْزِ ثقة ثبت لم يخطىء إِلَّا فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (نا عبد المنعم) بن نُعَيْمٍ الْأَسْوَارِيُّ أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ (هُوَ صَاحِبُ السِّقَاءِ) هُوَ لَقَبُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَسْقِي النَّاسَ الْمَاءَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَتْرُوكٌ (نَا يَحْيَى بْنُ مُسْلِمٍ) الْبَصْرِيُّ قَالَ الْحَافِظُ مَجْهُولٌ (عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ) الْحَسَنُ هُوَ الحسن بن يسار البصري وعطاء وهو عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ الْمَكِّيُّ قَوْلُهُ (إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ) أَيْ تَأَنَّ وَلَا تَعْجَلْ وَالرِّسْلُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ السِّينِ التُّؤَدَةُ

وَالتَّرَسُّلُ طَلَبُهُ (وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْدُرْ) أَيْ أَسْرِعْ وَعَجِّلْ فِي التَّلَفُّظِ بِكَلِمَاتِ الْإِقَامَةِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ الْحَدْرُ بِالْحَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْإِسْرَاعُ وَيَجُوزُ فِي قَوْلِهِ فَاحْدُرْ ضم الدال وكسرها قال بن قُدَامَةَ وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِذَا أَذَّنْتَ فَتَرَسَّلْ وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْذِمْ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَأَصْلُ الْحَذْمِ فِي الْمَشْيِ إِنَّمَا هُوَ الْإِسْرَاعُ وَأَنْ يَكُونَ مَعَ هَذَا كَأَنَّهُ يُهَوِّي بِيَدَيْهِ إِلَى خَلْفِهِ انْتَهَى (وَالْمُعْتَصِرُ) هُوَ مَنْ يُؤْذِيهِ بَوْلٌ أَوْ غَائِطٌ أَيْ يَفْرُغُ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى الْغَائِطِ وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ وَفَرْجَهُ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَالْمِرْقَاةِ (وَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي) أَيْ خَرَجْتُ وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُ هَذَا فِي بَابِ الْإِمَامُ أَحَقُّ بِالْإِقَامَةِ [196] قَوْلُهُ (وَهُوَ إِسْنَادٌ مَجْهُولٌ) فَإِنَّ فِيهِ يَحْيَى بْنَ مُسْلِمٍ الْبَصْرِيَّ وَهُوَ مَجْهُولٌ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَذِكْرِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَعَبْدُ الْمُنْعِمِ هَذَا ضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ فَائِدٍ الْأَسْوَارِيِّ ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُسْلِمٍ بِهِ سَوَاءً ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ فِي إِسْنَادِهِ مَطْعُونٌ فيه غير عمر وبن فَائِدٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ انْتَهَى قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَعَمْرُو بْنُ فَائِدٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُرَتِّلَ الْأَذَانَ وَنَحْدُرَ الْإِقَامَةَ وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ شَمِرٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رُوِيَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ سَاقَهُ وَقَالَ الْإِسْنَادُ الْأَوَّلُ أَشْهَرُ يَعْنِي طَرِيقَ جَابِرٍ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ مَوْقُوفًا نَحْوَهُ وَلَيْسَ فِي إِسْنَادِهِ إِلَّا أَبُو الزُّبَيْرِ مُؤَذِّنُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ قَدِيمٌ مَشْهُورٌ انْتَهَى وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وبن عَدِيٍّ وَضَعَّفُوهُ إِلَّا الْحَاكِمَ فَقَالَ لَيْسَ فِي إِسْنَادِهِ مَطْعُونٌ غَيْرُ عَمْرِو بْنِ فَائِدٍ قَالَ الْحَافِظُ لَمْ يَقَعْ إِلَّا فِي رِوَايَتِهِ هُوَ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ الْبَاقِينَ لَكِنْ عِنْدَهُمْ فِيهِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ صَاحِبُ السِّقَاءِ وَهُوَ كَافٍ فِي تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ انْتَهَى

باب ما جاء في إدخال الاصبع الأذن عند الأذان

فَائِدَةٌ حَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ كُلَّ كَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فَيَقُولُ التَّكْبِيرَاتِ الْأَرْبَعَ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ بأربعة أنفس ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِنَفَسٍ آخَرَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِنَفَسٍ آخَرَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِنَفَسٍ آخَرَ وَعَلَى هَذَا يَقُولُ كُلَّ كَلِمَةٍ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَقُولَ كُلَّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فَيَقُولُ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ بِنَفَسٍ آخَرَ انْتَهَى وَوَجَّهَهُ بِأَنَّ الْإِقَامَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً مِنْهَا اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوَّلًا وَآخِرًا وَهَذَا وَإِنْ كَانَ صُورَةَ تَثْنِيَةٍ فَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَذَانِ إِفْرَادٌ وَتَعَقَّبَ عَلَيْهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِأَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَتَأَتَّى فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ لَا فِي التَّكْبِيرِ الَّذِي فِي آخِرِهِ وَعَلَى مَا قَالَ النَّوَوِيُّ يَنْبَغِي لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ مِنَ اللَّتَيْنِ فِي آخِرِهِ بِنَفَسٍ انْتَهَى قُلْتُ مَا قَالَ الْحَافِظُ حَسَنٌ مُوَجَّهٌ لَكِنْ يُسْتَأْنَسُ لِمَا قَالَ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يَقُولُ كُلَّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِنَفَسٍ وَاحِدٍ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ وَفِي آخِرِهِ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ انْتَهَى فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ وَكَذَا فِي آخِرِهِ يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى مَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إدخال الاصبع الْأُذُنِ عِنْدَ الْأَذَانِ) [197] قَوْلُهُ (عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ) بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْحَاءِ مُصَغَّرًا السَّوَائِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أَبُو جُحَيْفَةَ وَاسْمُهُ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّوَائِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَيُقَالُ لَهُ وَهْبُ الْخَيْرِ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ وَصَحِبَ عَلِيًّا مَاتَ سَنَةَ 74 أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ قَوْلُهُ (رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤَذِّنُ وَيَدُورُ) أَيْ عِنْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ (ويتبع) من الإتباع (فاه) أي فمه (ها هنا وههنا) أَيْ يَمِينًا وَشِمَالًا وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عِنْدَ مسلم قال فجعلت أتتبع فاه ها هنا وههنا يمينا

وَشِمَالًا يَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرواية فيه تَقْيِيدٌ لِلِالْتِفَاتِ فِي الْأَذَانِ وَأَنَّ مَحَلَّهُ عِنْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ انْتَهَى وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ عَوْنٍ فَقَالَ فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مَنْ أَثْبَتَ الِاسْتِدَارَةَ عَنَى اسْتِدَارَةَ الرَّأْسِ وَمَنْ نَفَاهَا عَنَى اسْتِدَارَةَ الْجَسَدِ كُلِّهِ انْتَهَى (وَإِصْبَعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ جَاعِلًا إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَالْإِصْبَعُ مُثَلَّثَةُ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْقُبَّةُ مِنَ الْخِيَامِ بَيْتٌ صَغِيرٌ مُسْتَدِيرٌ وَهُوَ مِنْ بُيُوتِ الْعَرَبِ (أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَائِلَ أُرَاهُ هُوَ عَوْنٌ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ يَرْجِعُ إِلَى أَبِي جُحَيْفَةَ (قَالَ مِنْ أَدَمٍ) بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ أَدِيمٍ أَيْ جِلْدٍ (بِالْعَنَزَةِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالنُّونِ وَالزَّايِ عَصًا أَقْصَرُ مِنَ الرُّمْحِ لَهَا سِنَانٌ وَقِيلَ هِيَ الْحَرْبَةُ الْقَصِيرَةُ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْعَنَزَةُ مِثْلُ نِصْفِ الرُّمْحِ أَوْ أَكْبَرُ شَيْئًا وَفِيهَا سِنَانٌ مِثْلُ سِنَانِ الرُّمْحِ وَالْعُكَّازَةُ قَرِيبٌ مِنْهَا انْتَهَى (فَرَكَزَهَا) أَيْ غَرَزَهَا (بِالْبَطْحَاءِ) يعَنِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ وَهُوَ مَوْضِعٌ خَارِجَ مَكَّةَ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْأَبْطُحُ قَالَهُ الْحَافِظُ قُلْتُ وَيُقَالُ لَهُ الْمُحَصَّبُ أَيْضًا (يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ) قَالَ الْحَافِظُ أَيْ بَيْنَ الْعَنَزَةِ وَالْقِبْلَةِ لَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَنَزَةِ فَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَرَأَيْتُ النَّاسَ وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ بَيْنَ يَدَيِ الْعَنَزَةِ (وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ) الْحُلَّةُ بِضَمِّ الْحَاءِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْحُلَّةُ وَاحِدُ الْحُلَلِ وَهِيَ بُرُودُ الْيَمَنِ وَلَا تُسَمَّى حُلَّةً إِلَّا أَنْ تَكُونَ ثَوْبَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ (كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَرِيقِ سَاقَيْهِ) أَيْ لَمَعَانِهِمَا وَالْبَرِيقُ اللَّمَعَانُ (قَالَ سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ الرَّاوِي عَنْ عَوْنٍ (نَرَاهُ حِبَرَةً) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ نَظُنُّ أَنَّ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ حَمْرَاءَ بَحْتًا بَلْ كَانَتْ حِبَرَةً يَعْنِي كَانَتْ فِيهَا خُطُوطٌ حُمْرٌ فَإِنَّ الْحِبَرَةَ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمَجْمَعِ هِيَ ضَرْبٌ مِنْ بُرُودٍ مِنَ الْيَمَنِ مُوَشًّى مُخَطَّطٌ وَقَالَ بن الْقَيِّمِ إِنَّ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ بُرْدَانِ يَمَانِيَّانِ مَنْسُوجَانِ بِخُطُوطٍ حُمْرٍ مَعَ الْأَسْوَدِ وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا كَانَتْ حَمْرَاءَ بَحْتًا قَالَ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ انْتَهَى وَتَعَقَّبَ الشَّوْكَانِيُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ وَصَفَهَا بِأَنَّهَا حَمْرَاءُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَالْوَاجِبُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْحَمْرَاءُ الْبَحْتُ وَالْمَصِيرُ إِلَى الْمَجَازِ أَعْنِي كَوْنَ بَعْضِهَا أَحْمَرَ دُونَ بَعْضٍ لَا يُحْمَلُ ذَلِكَ الْوَصْفُ عَلَيْهِ إِلَّا لِمُوجَبٍ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى الْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ لُغَةً فَلَيْسَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِيهَا فَالْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَثْبُتُ

بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ وَقَدْ عَقَدَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابًا بِلَفْظِ بَابٌ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ وَأَوْرَدَ فِيهِ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ يُشِيرُ إِلَى الْجَوَازِ وَالْخِلَافِ فِي ذَلِكَ مَعَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يُكْرَهُ وَتَأَوَّلُوا حَدِيثَ الْبَابِ بِأَنَّهَا كَانَتْ حُلَّةً مِنْ بُرُودٍ فِيهَا خُطُوطٌ حُمْرٌ انْتَهَى وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعِهَا بِالْبَسْطِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إِلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا فِيهِ إِدْخَالَ الْإِصْبَعَيْنِ فِي الْأُذُنَيْنِ وَلَا الِاسْتِدَارَةَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ مُؤَذِّنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَجْعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أذنيه قال إنه أرفع لصوتك أخرجه بن مَاجَهْ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَفِي الْبَابِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُدْخِلَ الْمُؤَذِّنُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ فِي الْأَذَانِ) قَالُوا فِي ذَلِكَ فَائِدَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ أَرْفَعَ لِصَوْتِهِ وَفِيهِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ الْقَرَظِ عَنْ بِلَالٍ وَثَانِيَتُهُمَا أَنَّهُ عَلَامَةٌ لِلْمُؤَذِّنِ لِيَعْرِفَ مَنْ رَآهُ عَلَى بُعْدٍ أَوْ كَانَ بِهِ صَمَمٌ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ لَمْ يَرِدْ تَعْيِينُ الْإِصْبَعِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ وَضْعُهَا وَجَزَمَ النَّوَوِيُّ أَنَّهَا الْمُسَبِّحَةُ وَإِطْلَاقُ الْإِصْبَعِ مَجَازٌ عَنِ الْأُنْمُلَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفِي الْإِقَامَةِ أَيْضًا يُدْخِلُ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ) لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ مِنَ السُّنَّةِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْأَذَانِ فَقِيَاسٌ مع الفارق قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَجْعَلَ إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ قَالَ إِنَّهُ أَرْفَعُ لِصَوْتِكَ مَا لَفْظُهُ قَالَ الطِّيبِيُّ وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ أَنَّهُ إِذَا سَدَّ صِمَاخَيْهِ لَا يَسْمَعُ إِلَّا الصَّوْتَ الرَّفِيعَ فَيَتَحَرَّى فِي اسْتِقْصَائِهِ كَالْأَطْرَشِ قِيلَ وَبِهِ يَسْتَدِلُّ الْأَصَمُّ عَلَى كَوْنِهِ أَذَانًا فَيَكُونُ أَبْلَغَ فِي الاعلام قال بن حَجَرٍ وَلَا يُسَنُّ ذَلِكَ فِي الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إِلَى أَبْلَغِيَّةِ الْإِعْلَامِ لِحُضُورِ السَّامِعِينَ انْتَهَى (وَأَبُو جُحَيْفَةَ اسْمُهُ وَهْبٌ السُّوَائِيُّ) بِمَضْمُومَةٍ وَخِفَّةِ وَاوٍ فَأَلِفٍ فَكَسْرِ هَمْزَةٍ نِسْبَةً إِلَى سُوَاءَةَ بْنِ عَامِرٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي

باب ما جاء في التثويب في الفجر

32 - (باب ما جاء في التثويب في الفجر) التَّثْوِيبُ هُوَ الْعَوْدُ إِلَى الْإِعْلَامِ بَعْدَ الْإِعْلَامِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْإِقَامَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ حَتَّى إِذَا ثَوَّبَ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ وَعَلَى قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ تَثْوِيبٌ قَدِيمٌ ثَابِتٌ مِنْ وَقْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا وَقَدْ أَحْدَثَ النَّاسُ تَثْوِيبًا ثَالِثًا بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ قَالَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ قلت ومراد الترمذي بالتثويب ها هنا هُوَ قَوْلُ الْمُؤَذِّنِ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ [198] قَوْلُهُ (أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ) بضم الزاء الْمُوَحَّدَةِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ دِرْهَمٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إلا أنه قد يخطىء فِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (أَبُو إِسْرَائِيلَ) يَجِيءُ تَرْجَمَتُهُ (عَنِ الْحَكَمِ) هو بن عُتَيْبَةَ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ بِلَالٍ) عَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ بِلَالٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (لَا تُثَوِّبَنَّ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ إِلَّا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ) مِنَ التَّثْوِيبِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هُوَ قَوْلُهُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ وَقَالَ وَالْأَصْلُ فِي التَّثْوِيبِ أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مُسْتَصْرِخًا فَيُلَوِّحُ بِثَوْبِهِ لِيُرَى وَيُشْتَهَرُ فَسُمِّيَ الدُّعَاءُ تَثْوِيبًا لِذَلِكَ وَكُلُّ دَاعٍ مُثَوِّبٌ وَقِيلَ إِنَّمَا سُمِّيَ تَثْوِيبًا مِنْ ثَابَ يَثُوبُ إِذَا رَجَعَ فَهُوَ رُجُوعٌ إِلَى الْأَمْرِ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنَّ الْمُؤَذِّنَ إِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَقَدْ دَعَاهُمْ إِلَيْهَا وَإِذَا قَالَ بَعْدَهَا الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فَقَدْ رَجَعَ إِلَى كَلَامٍ مَعْنَاهُ الْمُبَادَرَةُ إِلَيْهَا انْتَهَى كلام الجزري وحديث الباب أخرجه بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَمْ يَلْقَ بِلَالًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي سُنَّةَ الْأَذَانِ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَإِنْ كَانَ صَلَاةُ الصُّبْحِ قُلْتَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ

اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إِلَّا الله ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ أخرجه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالدّارَقُطْنيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِيهِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ كَوْنُ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ بَعْدَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ وبلال المذكورين وكذا من حديث بن عُمَرَ قَالَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ بَعْدَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ رَوَاهُ السِّرَاجُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْكَافَّةِ وَهُوَ الْحَقُّ وَأَمَّا مَا قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ يَكُونُ ذَلِكَ فِي نِدَاءِ الصُّبْحِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ النِّدَاءِ فَفِيهِ نَظَرٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ بِلَالٍ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْرَائِيلَ الْمَلَائِيِّ) بِمَضْمُومَةٍ وَخِفَّةِ لَامٍ وَبِمَدٍّ بِيَاءٍ فِي آخِرِهِ نِسْبَةً إِلَى بَيْعِ الْمِلَاءِ نَوْعٍ مِنَ الثِّيَابِ (إِنَّمَا رَوَاهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ) وَهُوَ مَتْرُوكٌ (وَأَبُو إِسْرَائِيلَ اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَلَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الميزان أبو إسرائيل الملائي الكوفي هو إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ خَلِيفَةَ ضَعَّفُوهُ وَقَدْ كَانَ شِيعِيًّا بَغِيضًا مِنَ الْغُلَاةِ الَّذِينَ يَكْرَهُونَ عثمان قال بن الْمُبَارَكِ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِسُوءِ حِفْظِ أَبِي إِسْرَائِيلَ وَذَكَرَ أَقْوَالَ الْجَرْحِ وَقَالَ الحافظ في التقريب صدوق سيء الْحِفْظِ قَوْلُهُ (قَالَ إِسْحَاقُ فِي التَّثْوِيبِ) أَيْ فِي تَفْسِيرِهِ (غَيْرَ هَذَا) أَيْ غَيْرَ هَذَا الذي فسره به بن

الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ (قَالَ) أَيْ إِسْحَاقُ (هُوَ شَيْءٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَاسْتَبْطَأَ الْقَوْمُ قَالَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ) وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ اخْتَلَفُوا فِي التَّثْوِيبِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ هُوَ أَنْ يَقُولَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّتَيْنِ وَقَالَ الْبَاقُونَ هُوَ قَوْلُهُ فِي الْأَذَانِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ قُلْتُ قَوْلُ الْبَاقِينَ هُوَ قَوْلُهُ فِي الْأَذَانِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ قُلْتُ قَوْلُ الْبَاقِينَ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَأَمَّا مَا قَالَ بِهِ إِسْحَاقُ وَمَنْ تَبِعَهُ فَهُوَ مُحْدَثٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فَكَيْفَ يَكُونُ مُرَادًا فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ (وَاَلَّذِي أَحْدَثُوهُ) عَطْفٌ عَلَى الَّذِي كَرِهَهُ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ أَمَّا النِّدَاءُ بِالصَّلَاةِ الَّذِي يَعْتَادُهُ النَّاسُ مِنْ بَعْدِ الْأَذَانِ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ يَدْخُلُ فِي الْقِسْمِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ انْتَهَى (وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ) أَيْ فِي أَذَانِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْأَثَرَ (وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَسْجِدًا إِلَخْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ ولفظه قال كنت مع بن عُمَرَ فَثَوَّبَ رَجُلٌ فِي الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ قَالَ اخْرُجْ بِنَا فَإِنَّ هَذِهِ بِدْعَةٌ انْتَهَى وَإِنَّمَا قَالَ اخْرُجْ بِنَا لِأَنَّهُ كَانَ

باب ما جاء أن من أذن فهو يقيم

حِينَئِذٍ أَعْمَى 3 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ) [199] قَوْلُهُ (نَا عَبْدَةُ وَيَعْلَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْإِفْرِيقِيُّ قَاضِيهَا ضَعِيفٌ مِنْ جِهَةِ حِفْظِهِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ) بِضَمِّ النُّونِ مُصَغَّرًا هُوَ زِيَادُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ) بِضَمِّ الصَّادِ وَخِفَّةِ الدَّالِ فَأَلِفٍ فَهَمْزَةٍ نِسْبَةً إِلَى صُدَاءَ مَمْدُودٌ وَهُوَ حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ قَالَهُ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ حَلِيفٌ لِبَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَذَّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيُعَدُّ فِي الْبِصْرِيِّينَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ لَهُ صُحْبَةٌ وَوِفَادَةٌ (أَنَّ أَخَا صُدَاءَ) هُوَ زِيَادُ بْنُ الْحَارِثِ الصُّدَائِيُّ (وَمَنْ أَذَّنَ فهو يقيم) قال بن الْمَلَكِ فَيُكْرَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ لِمَا روى أن بن أُمِّ مَكْتُومٍ رُبَّمَا كَانَ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ بِلَالٌ وَرُبَّمَا كَانَ عَكْسُهُ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَحِقَهُ الْوَحْشَةُ بِإِقَامَةِ غَيْرِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ التي ذكرها بن الْمَلَكِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ حَدِيثٌ آخَرُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ وَتَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ

وَالْمَنْسُوخِ وَأَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِ الْأَذَانِ وَالْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ الْمَازِنِيِّ ثَنَا عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَيْرٍ لَهُ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَنَزَلَ الْقَوْمُ فَطَلَبُوا بِلَالًا فَلَمْ يَجِدُوهُ فَقَامَ رَجُلٌ فَأَذَّنَ ثُمَّ جَاءَ بِلَالٌ فَذَكَرَ لَهُ فَأَرَادَ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَهْلًا يَا بِلَالُ فَإِنَّمَا يُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ قَالَ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ قَالَ أَبِي هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَسَعِيدٌ هَذَا مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَوْلُهُ (إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الْإِفْرِيقِيِّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ (وَالْإِفْرِيقِيُّ هُوَ ضَعِيفٌ) قَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ ضَعِيفٌ لِكَثْرَةِ رِوَايَتِهِ لِلْمُنْكَرَاتِ مَعَ عِلْمِهِ وَزُهْدِهِ وَرِوَايَةُ الْمُنْكَرَاتِ كَثِيرًا مَا يَعْتَرِي الصَّالِحِينَ لِقِلَّةِ تَفَقُّدِهِمْ لِلرُّوَاةِ لِذَلِكَ قِيلَ لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الْحَدِيثِ كَذَا فِي النَّيْلِ وَقَالَ مَيْرُكُ ضَعَّفَ الْحَدِيثَ التِّرْمِذِيُّ لِأَجْلِ الْإِفْرِيقِيِّ وَحَسَّنَهُ الْحَازِمِيُّ وقواه العقيلي وبن الجوزي انتهى والحديث أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ (يُقَوِّي أَمْرَهُ وَيَقُولُ هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ) هَذَا مِنْ أَلْفَاظِ التَّعْدِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العلم أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ) قَالَ الْحَافِظُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَوْلَوِيَّةِ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَأَنَّ الْأَمْرَ مُتَّسَعٌ وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنَّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كَانَ يُقَالُ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ جَاءَ وَقَدْ أَذَّنَ إِنْسَانٌ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَحْمَدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ عَنْهُ وَإِذَا أَذَّنَ الرَّجُلُ أَحْبَبْتُ أَنْ يَتُولىَ الْإِقَامَةَ لِشَيْءٍ يُرْوَى فِيهِ أَنَّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ وَكَانَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو الْمَحَاسِنِ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ حَدِيثَ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ بِأَطْوَلَ مِمَّا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ثُمَّ قَالَ قَالُوا فَهَذَا الْحَدِيثُ أَقْوَمُ إِسْنَادًا مِنَ الْأَوَّلِ يَعْنِي مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن زيد ذكره قبل ذلك بلفظ رأى عَبْدُ اللَّهِ الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَأَلْقَاهُ عَلَى بِلَالٍ فَأَذَّنَ

باب ما جاء في كراهية الأذان بغير وضوء

فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَا رَأَيْتُهُ وَأَنَا كُنْتُ أُرِيدُهُ قَالَ فَأَقِمْ أَنْتَ قَالَ ثُمَّ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ كَانَ فِي أَوَّلِ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ وَذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَحَدِيثُ الصُّدَائِيِّ كَانَ بَعْدَهُ بِلَا شَكٍّ وَالْأَخْذُ بِآخِرِ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنْ يُقَالَ الْأَمْرُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى التَّوَسُّعِ وَادِّعَاءُ النَّسْخِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى خلاف الأصل إذا لَا عِبْرَةَ لِمُجَرَّدِ التَّرَاخِي ثُمَّ نَقُولُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ إِنَّمَا فُوِّضَ الْأَذَانُ إِلَى بِلَالٍ لِأَنَّهُ كَانَ أَنْدَى صَوْتًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْأَذَانِ الْإِعْلَامُ وَمِنْ شَرْطِهِ الصَّوْتُ وَكُلَّمَا كَانَ الصَّوْتُ أَعْلَى كَانَ أَوْلَى وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ فَكَانَ جَهْوَرِيَّ الصَّوْتِ وَمَنْ صَلَحَ لِلْأَذَانِ فَهُوَ لِلْإِقَامَةِ أَصْلَحُ وَهَذَا الْمَعْنَى يُؤَكِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ قُلْتُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَحَدِيثُ الصُّدَائِيِّ كِلَاهُمَا ضَعِيفَانِ وَالْأَخْذُ بِحَدِيثِ الصُّدَائِيِّ أَوْلَى لِمَا ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الصُّدَائِيِّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ قَانُونٌ كُلِّيٌّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَفِيهِ بَيَانُ وَاقِعَةٍ جُزْئِيَّةٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَأَقِمْ أَنْتَ تَطْيِيبَ قَلْبِهِ لِأَنَّهُ رَأَى الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَلِأَنَّ لِحَدِيثِ الصُّدَائِيِّ شَاهِدًا ضعيفا من حديث بن عُمَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدراية وأخرج بن شَاهِينَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ لَهُ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ شَاهِدًا انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِقَامَةَ حَقٌّ لِمَنْ أذن فلا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِ وَعَضَّدَ حَدِيثُ الْبَابِ يَعْنِي حديث الصدائي حديث بن عُمَرَ بِلَفْظِ مَهْلًا يَا بِلَالُ فَإِنَّمَا يُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْعُقَيْلِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ وإن كان قد ضعفه أبو حاتم وبن حِبَّانَ انْتَهَى 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْأَذَانِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ) [200] قَوْلُهُ (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى) هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى الصَّدَفِيُّ أَبُو روح الدمشقي روى عن مكحول وبن شِهَابٍ وَعَنْهُ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ضعيف كذا في الخلاصة والتقريب وقوله (لَا يُؤَذِّنُ إِلَّا مُتَوَضِّئٌ) الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ الْأَذَانُ بِغَيْرِ وُضُوءٍ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَحْيَى الصَّدَفِيَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ فيه انقطاع بين

الزُّهْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ [201] قَوْلُهُ (نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبِ) بْنِ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ الْفَقِيهُ ثِقَةٌ حَافِظٌ (عَنْ يُونُسَ) بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي النِّجَادِ الْأَيْلِيِّ ثِقَةٌ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهْمًا قَلِيلًا وَفِي غَيْرِ الزُّهْرِيِّ خَطَأً مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَا يُنَادِي) أَيْ يُؤَذِّنُ وَالْحَدِيثُ مَوْقُوفٌ وَمُنْقَطِعٌ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ الْمَوْقُوفُ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بن وهب عن يونس عن بن شِهَابٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَرْجَحُ وَأَقَلُّ ضَعْفًا مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْمَرْفُوعِ الَّذِي رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّ هَذَا الْمَرْفُوعَ ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ كَمَا عَرَفْتَ وَالْمَوْقُوفُ ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الِانْقِطَاعُ (وَالزُّهْرِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) فصار الحديث من الطريقين منقطعا لكن رواه أبوالشيخ عن بن أَبِي عَاصِمٍ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُؤَذِّنُ إِلَّا مُتَوَضِّئٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ يُحْيِي الصَّدَفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ عَنِ الزهري مرسلا كذا في عمدة القارىء قَوْلُهُ (فَكَرِهَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ عَطَاءٌ الْوُضُوءُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جَرِيرٍ قَالَ قَالَ لِي عَطَاءٌ حَقٌّ وَسُنَّةٌ مسنونة أن لا يؤذن المؤذن إلا متوضأ هُوَ مِنَ الصَّلَاةِ هُوَ فَاتِحَةُ

باب ما جاء أن الامام أحق باقامة

الصَّلَاةِ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُؤَذِّنَ الرَّجُلُ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ انْتَهَى وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ قَالَ صَاحِبُ السُّبُلِ قَدْ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَآخَرُونَ إلى أن لَا يَصِحَّ أَذَانُ الْمُحَدِّثِ حَدَثًا أَصْغَرَ عَمَلًا بِهَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى لَكِنْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَحْمَدُ فِي الْمُرَخِّصِينَ وَذَكَرَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الشَّافِعِيَّ مَعَ أَحْمَدَ فِي الْمُرَخِّصِينَ حَيْثُ قَالَ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤَذِّنَ وَيُقِيمَ عَلَى طُهْرٍ لِأَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ ذكر شريف يستحب فِيهِ الطَّهَارَةُ فَإِنْ أَذَّنَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ جَازَ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي الْإِقَامَةِ دُونَ الْأَذَانِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ تُشْتَرَطُ فِيهِمَا انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ (وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سفيان وبن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ) وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيُّ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْكُوفِيِّينَ لِأَنَّ الْأَذَانَ لَيْسَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْكَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الطَّهَارَةِ وَلَا مِنَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْخُشُوعُ الَّذِي يُنَافِيهِ الِالْتِفَاتُ وَجَعْلُ الْأُصْبُعِ فِي الْأُذُنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ هُوَ الْأَوْلَى فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ وَأَبُو الشَّيْخِ فِي الْأَذَانِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَقٌّ وَسُنَّةٌ أَنْ لَا يُؤَذِّنَ الرَّجُلُ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ وَلَا يُؤَذِّنَ إِلَّا وَهُوَ قَائِمٌ إِلَّا أَنَّ فيه انقطاعا لأن عبد الجبار عنه ثبت فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ غُلَامًا لَا أَعْقِلُ صَلَاةَ أَبِي وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ اتِّفَاقَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ وَلَهُ شَاهِدٌ آخر من حديث بن عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بِلَفْظِ يا بن عَبَّاسٍ إِنَّ الْأَذَانَ مُتَّصِلٌ بِالصَّلَاةِ فَلَا يُؤَذِّنْ احدكم إلا وهو طاهر أخرجه أبوالشيخ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 5 - (باب مَا جَاءَ أَنَّ الامام أحق باقامة) [202] قَوْلُهُ (سَمِعَ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ) بْنِ جُنَادَةَ بِضَمِّ الْجِيمِ بَعْدَهَا نُونٌ السُّوَائِيَّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ والمد صحابي بن صَحَابِيٍّ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ بِهَا بَعْدَ سَنَةِ سَبْعِينَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ

قَوْلُهُ (يُمْهِلُ فَلَا يُقِيمُ حَتَّى إِذَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد خَرَجَ أَقَامَ الصَّلَاةَ حِينَ يَرَاهُ) هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُقِيمُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَرَاهُ وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي أَيْ قَدْ خَرَجْتُ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُؤَذِّنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقِيمُ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ بِلَالًا كَانَ يُرَاقِبُ وَقْتَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوَّلَ مَا يَرَاهُ يَشْرَعُ فِي الْإِقَامَةِ قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ غَالِبُ النَّاسِ ثُمَّ إِذَا رَأَوْهُ قَامُوا وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ عبد الرزاق عن بن جريج عن بن شِهَابٍ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا سَاعَةَ يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ يَقُومُونَ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَأْتِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامَهُ حَتَّى تَعْتَدِلَ الصُّفُوفُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَمُسْتَخْرَجِ أَبِي عَوَانَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَدِّلُونَ الصُّفُوفَ قَبْلَ خُرُوجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُمْ كَانَ يَقُومُونَ سَاعَةَ تُقَامُ الصَّلَاةُ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ لاحتمال أن يقع له شغل يبطىء فِيهِ عَنِ الْخُرُوجِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِمُ الِانْتِظَارُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّيْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ إِذَا دَحَضَتِ الشَّمْسُ فَلَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا خَرَجَ أَقَامَ الصَّلَاةَ قَوْلُهُ (وَهَكَذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ الْمُؤَذِّنَ أَمْلَكُ بِالْأَذَانِ وَالْإِمَامُ أَمْلَكُ بِالْإِقَامَةِ) وَقَدْ وَرَدَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤَذِّنُ أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة رواه بن عَدِيٍّ وَضَعَّفَهُ كَذَا فِي بَلُوغِ الْمَرَامِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ الْمُؤَذِّنُ أَمْلَكُ بِالْأَذَانِ أَيْ وَقْتُهُ مَوْكُولٌ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَيْهِ وَالْإِمَامُ أَمْلَكُ بِالْإِقَامَةِ فَلَا يُقِيمُ إِلَّا بَعْدَ إِشَارَتِهِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَعَلَّ تَضْعِيفَهُ لَهُ لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ شَرِيكًا الْقَاضِيَ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَهُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ من طريق أبي الجوزاء عن بن عَمِّهِ وَفِيهِ مَعَارِكُ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى

باب ما جاء في الأذان بالليل

36 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَذَانِ بِاللَّيْلِ) [203] قَوْلُهُ (عن سالم) هو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْقُرَشِيُّ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ وَكَانَ ثَبْتًا عَابِدًا فَاضِلًا كَانَ يُشَبَّهُ بِأَبِيهِ فِي الْهَدْيِ وَالسَّمْتِ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَوْلُهُ (إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ) كَانَ تَأْذِينُهُ بِاللَّيْلِ لِيَرْجِعَ الْقَائِمُ وَيَنْتَبِهَ النائم كما جاء في حديث بن مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سُحُورِهِ فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ أَوْ قَالَ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيُرْجِعَ قَائِمَكُمْ وَيُوقِظَ نَائِمَكُمْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ (فَكُلُوا وَاشْرَبُوا) أَيْ أَيُّهَا الْمَرِيدُونَ الصِّيَامَ (حتى تسمعوا تأذين بن أُمِّ مَكْتُومٍ) قَدْ بَيَّنَتْ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانَيْهِمَا إِلَّا مِقْدَارُ أَنْ يَرْقَى ذَا وَيَنْزِلَ ذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ أَوْرَدَهُ أَيْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الصِّيَامِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَالَ الْقَاسِمُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ أَذَانَيْهِمَا إِلَّا أَنْ يَرْقَى ذَا وَيَنْزِلَ ذَا وَفِي هَذَا تَقْيِيدٌ لِمَا أُطْلِقَ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى مِنْ قَوْلِهِ إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ قَالَ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يَقَعُ فِيهِ الْأَذَانُ قَبْلَ الْفَجْرِ هُوَ وَقْتُ السُّحُورِ انْتَهَى قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَفِيهِ شَرْعِيَّةُ الْأَذَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ لَا لِمَا شُرِعَ لَهُ الْأَذَانُ فَإِنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ كَمَا سَلَفَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ وَلِدُعَاءِ السَّامِعِينَ لِحُضُورِ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْأَذَانُ الَّذِي قَبْلَ الْفَجْرِ قَدْ أَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِ شَرْعِيَّتِهِ بِقَوْلِهِ لِيُوقِظَ نَائِمَكُمْ ويرجع قائمكم والقائم هو الذي يصل صَلَاةَ اللَّيْلِ وَرُجُوعُهُ عَوْدُهُ إِلَى نَوْمِهِ أَوْ قُعُودُهُ عَنْ صَلَاتِهِ إِذَا سَمِعَ الْأَذَانَ فَلَيْسَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ وَقْتٍ وَلَا لِحُضُورِ الصَّلَاةِ فَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَالِاسْتِدْلَالُ لِلْمَانِعِ وَالْمُجِيزِ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ مَنْ هَمُّهُ الْعَمَلُ بِمَا ثَبَتَ انتهى قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَأُنَيْسَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَسَمُرَةَ) أما حديث بن

مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أنيسة بالتصغير وهي بنت حبيب فأخرجه بن حبان وأحمد مرفوعا بلفظ إذا أذن بن أم مكتوم فكلو وَاشْرَبُوا وَإِذَا أَذَّنَ بِلَالٌ فَلَا تَأْكُلُوا وَلَا تَشْرَبُوا كَذَا فِي الدِّرَايَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْهُ قَالَ أَذَّنَ بِلَالٌ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْجِعَ فَيَقُولَ أَلَا إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ فَرَقِيَ بِلَالٌ وَهُوَ يَقُولُ لَيْتَ بِلَالًا ثَكِلَتْهُ أُمُّهُ وَابْتَلَّ مِنْ نَضْحِ دَمِ جَبِينِهِ قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ ضَعَّفَهُ أحمد وأبو داود ووثقه بن مَعِينٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ إِنَّكَ تُؤَذِّنُ إِذَا كَانَ الْفَجْرُ سَاطِعًا وَلَيْسَ ذَلِكَ الصُّبْحَ إِنَّمَا الصُّبْحُ هكذا معترضا وفي سنده بن لَهِيعَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ وَهُوَ سَمُرَةُ بْنُ جندب فأخرجه مسلم قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِاللَّيْلِ أَجْزَأَهُ وَلَا يُعِيدُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ إلخ) تمسك من قال بالإجزاء بحديث بن مَسْعُودٍ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فَلَا يَدُلُّ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَمَحَلُّهُ فِيمَا إِذَا لم يرد نطق بخلافه وههنا قد ورد حديث بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ بِمَا يُشْعِرُ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ نَعَمْ حديثه زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ يَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فَإِنَّهُ فِيهِ أَنَّهُ أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ اسْتَأْذَنَهُ فِي الْإِقَامَةِ فَمَنَعَهُ إِلَى أَنْ طَلَعَ الْفَجْرُ فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ لَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَأَيْضًا فَهِيَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ وَكَانَتْ فِي سَفَرٍ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أَذَّنَ بِاللَّيْلِ أَعَادَ وَبِهِ يقول سفيان الثوري) وهوقول أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ثُمَّ رَجَعَ فقال لا بأس أن يؤذن للفجر وخاصة قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ اتِّبَاعًا لِلْأَثَرِ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يُجِيزَانِ ذَلِكَ قِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَإِلَى الِاكْتِفَاءِ مُطْلَقًا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم وخالف بن خزيمة وبن الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَالَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ انْتَهَى

قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ يَدُلُّ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الِاكْتِفَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَادِيَ إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ) يَعْنِي أَنَّ غَلَبَةَ النَّوْمِ عَلَى عَيْنَيْهِ مَنَعَتْهُ مِنْ تَبَيُّنِ الْفَجْرِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ غَفَلَ عَنِ الْوَقْتِ كَمَا يُقَالُ نَامَ فُلَانٌ عَنْ حَاجَتِي إِذَا غَفَلَ عَنْهَا وَلَمْ يَقُمْ بِهَا وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ قَدْ عَادَ لِنَوْمِهِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنَ اللَّيْلِ يَعْلَمُ النَّاسُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَنْزَعِجُوا مِنْ نَوْمِهِمْ وَسُكُونِهِمْ انْتَهَى وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُعَلَّقًا وَوَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَدَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ الْمُعَنَّى قَالَا ثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبٍ عَنْ نافع عن بن عُمَرَ فَذَكَرَهُ وَالْحَدِيثُ مِمَّا تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُؤَذِّنَ إِذَا أَذَّنَ بِاللَّيْلِ أَعَادَ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَرَوَى عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ صَدُوقٌ عَابِدٌ رُبَّمَا وَهَمَ وَرُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ (أَنَّ مُؤَذِّنًا لِعُمَرَ) اسْمُ هَذَا الْمُؤَذِّنِ مَسْرُوحٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَسْعُودٌ (أَذَّنَ بِلَيْلٍ فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ) هَكَذَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ معلقا ورواه أبو داود في سننه يد موصولا بعد حث حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ (وَلَعَلَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ أَرَادَ هَذَا الْحَدِيثَ) أَيْ أَثَرَ عُمَرَ فَوَهَمَ فِي رَفْعِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ كَانَ لَهُ أَنْ يَقُولَ إِنَّ مُؤَذِّنًا لِعُمَرَ أذن بليل

باب ما جاء في كراهية الخروج من المسجد بعد الأذان

فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يُعِيدَ الْأَذَانَ فَوَهَمَ فَقَالَ إِنَّ بِلَالًا أَذَّنَ بِلَيْلٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنَادِيَ إِنَّ الْعَبْدَ نَامَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اتَّفَقَ أَئِمَّةُ الحديث علي بن المدني وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبُخَارِيُّ وَالذُّهْلِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْأَثْرَمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى أَنَّ حَمَّادًا أَخْطَأَ فِي رَفْعِهِ وَأَنَّ الصَّوَابَ وَقْفُهُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ مُؤَذِّنِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ) [204] قَوْلُهُ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرِ) بْنِ جَابِرٍ الْبَجَلِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ لَيِّنُ الْحِفْظِ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ) سُلَيْمِ بْنِ أَسْوَدَ بْنِ حَنْظَلَةَ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ بِاتِّفَاقٍ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ ابْنُهُ أَشْعَثُ أَيْضًا وَهُوَ ثِقَةٌ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِرِوَايَتِهِ عَنْهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ قَوْلُهُ (أَمَّا هَذَا فَقَدْ عصا أَبَا الْقَاسِمِ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَمَّا لِلتَّفْصِيلِ يَقْتَضِي شَيْئَيْنِ فَصَاعِدًا وَالْمَعْنَى أَمَّا مَنْ ثَبَتَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ فِيهِ فَقَدْ أَطَاعَ أَبَا الْقَاسِمِ وَأَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى انْتَهَى وَقَالَ القارىء رَوَاهُ أَحْمَدُ وَزَادَ ثُمَّ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَلَا

يَخْرُجْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُصَلِّيَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ من المسجد بعد ما أُذِّنَ فِيهِ لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ ضَرُورَةٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ حَتَّى إِذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ انْتَظَرْنَا أَنْ يُكَبِّرَ انْصَرَفَ قَالَ عَلَى مَكَانِكُمْ فَمَكَثْنَا عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إِلَيْنَا يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً وَقَدِ اغْتَسَلَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ ضَرُورَةٌ فَيَلْتَحِقُ بِالْجُنُبِ الْمُحْدِثُ وَالرَّاعِفُ وَالْحَاقِنُ وَنَحْوُهُمْ وَكَذَا مَنْ يَكُونُ إِمَامًا لِمَسْجِدٍ آخَرَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَصَرَّحَ بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالتَّخْصِيصِ وَلَفْظُهُ لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ فِي مَسْجِدِي ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا لِحَاجَةٍ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ إِلَّا مُنَافِقٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عثمان) أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ أَدْرَكَهُ الْأَذَانُ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ لَمْ يَخْرُجْ لِحَاجَةٍ وَهُوَ لَا يُرِيدُ الرَّجْعَةَ فَهُوَ مُنَافِقٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم وأبو داود والنسائي وبن ماجه قال بن الْهُمَامِ وَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ كُنَّا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ رَجُلٌ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ وَمِثْلُ هَذَا مَوْقُوفٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ وإن كان بن عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ مُسْنَدٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ لَمْ يُجِبِ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ وَقَالَ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (أَوْ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ) كَأَنْ يَكُونَ حَاقِنًا أَوْ رَاعِفًا (وَيُرْوَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَخْرُجُ مَا لَمْ يَأْخُذِ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ قَوْلُ إبراهيم النخعي هذا مخالف لظاهر الأحاديث الْبَابِ فَإِنَّهَا صَرِيحَةٌ فِي مَنْعِ الْخُرُوجِ بَعْدَ الْأَذَانِ مُطْلَقًا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ أَوْ لَمْ يَأْخُذْ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى ما

باب ما جاء في الأذان في السفر

إِذَا كَانَ لَهُ حَاجَةٌ وَهُوَ يُرِيدُ الرُّجُوعَ فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْخُرُوجِ حِينَئِذٍ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَخْرُجُ أَحَدٌ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ النِّدَاءِ إِلَّا مُنَافِقٌ إِلَّا أَحَدٌ أَخْرَجَتْهُ حَاجَةٌ وَهُوَ يُرِيدُ الرُّجُوعَ (وَهَذَا عِنْدَنَا) أَيْ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ (لِمَنْ لَهُ عُذْرٌ فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَعْنَى أَنَّ جَوَازَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَهُ عُذْرٌ في الْخُرُوجِ وَأَمَّا مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ (وَقَدْ روى أشعث بن أَبِي الشَّعْثَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَذَانِ فِي السَّفَرِ) [205] قَوْلُهُ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) الْجَرْمِيِّ (عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ) بِالتَّصْغِيرِ اللَّيْثِيِّ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَامَ عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَسَكَنَ الْبَصْرَةَ قَوْلُهُ (قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنا وبن عَمٍّ لِي) بِالرَّفْعِ عَلَى الْعَطْفِ وَبِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ (فَأَذِّنَا) أَيْ مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمَا أَنْ يُؤَذِّنَ فَلْيُؤَذِّنْ وَذَلِكَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْفَضْلِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْأَذَانِ السِّنُّ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ قَالَ وَهُوَ وَاضِحٌ مِنْ سِيَاقِ حَدِيثِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أحدكم

وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ وَمُرَادُهُ بِحَدِيثِ الْبَابِ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ بِلَفْظِ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَأَذِّنَا الْفَضْلَ وَإِلَّا فَأَذَانُ الْوَاحِدِ يُجْزِئُ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَمَرَهُمَا أَنْ يُؤَذِّنَا جَمِيعًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَتَعَقَّبَ عَلَيْهِ الْحَافِظُ وَذَكَرَ فِي ضِمْنِ تَعَقُّبِهِ تَوْجِيهًا آخَرَ لِقَوْلِهِ فَأَذِّنَا حَيْثُ قَالَ فَإِنْ أَرَادَ يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ بْنَ الْقَصَّارِ أَنَّهُمَا يُؤَذِّنَانِ مَعًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُرَادٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا النَّقْلَ عَنِ السَّلَفِ بِخِلَافِهِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُؤَذِّنُ عَلَى حِدَةٍ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ أَذَانَ الْوَاحِدِ يَكْفِي الْجَمَاعَةَ نَعَمْ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ إِجَابَةُ الْمُؤَذِّنِ فَالْأَوْلَى حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى أَنَّ أَحَدَهُمَا يُؤَذِّنُ وَالْآخَرَ يُجِيبُ قَالَ وَالْحَامِلُ عَلَى صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ قَوْلُهُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا كُنْتَ مَعَ صَاحِبِكَ فَلْيُؤَذِّنْ وَأَقِمْ وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا انْتَهَى (وَأَقِيمَا) أَيْ مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمَا أَنْ يُقِيمَ فَلْيُقِمْ قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ إِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ بِالْإِقَامَةِ إِنْ حمل الأمر على ما قضى وَإِلَّا فَاَلَّذِي يُؤَذِّنُ هُوَ الَّذِي يُقِيمُ انْتَهَى (وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا) أَيْ سِنًّا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَوْلُهُ وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا يَدُلُّ عَلَى تَسَاوِيهِمَا فِي شُرُوطِ الْإِمَامَةِ وَرَجَّحَ أَحَدَهُمَا بِالسِّنِّ قَالَ الْعَيْنِيُّ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مُسْتَوِينَ فِي بَاقِي الْخِصَالِ لِأَنَّهُمْ هَاجَرُوا جَمِيعًا وَصَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَازَمُوهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً فَاسْتَوَوْا فِي الْأَخْذِ عَنْهُ فَلَمْ يَبْقَ مَا يُقَدَّمُ بِهِ إِلَّا السِّنُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ مَيْرُكُ وَرَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَالْمَعْنَى عِنْدَهُمْ مُتَقَارِبٌ وَبَعْضُهُمْ ذَكَرَ فِيهِ قِصَّةً كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتَارُوا الْأَذَانَ فِي السَّفَرِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ المسافر منفردا (وقال بعضهم تجزىء الْإِقَامَةُ إِنَّمَا الْأَذَانُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَجْمَعَ النَّاسَ) رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِنَّمَا التَّأْذِينُ لِجَيْشٍ أَوْ رَكْبٍ عَلَيْهِمْ أَمِيرٌ فَيُنَادِي بِالصَّلَاةِ لِيَجْتَمِعُوا فَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَإِنَّمَا هِيَ الْإِقَامَةُ وَحُكِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمْ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْأَذَانِ لِكُلِّ أَحَدٍ كَذَا في فتح الباري قلت وكان بن عُمَرَ يُؤَذِّنُ فِي السَّفَرِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيُقِيمُ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى الْإِقَامَةِ فِي السَّفَرِ إِلَّا فِي الصُّبْحِ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَادِي فِيهَا وَيُقِيمُ وَكَانَ يَقُولُ إِنَّمَا الْأَذَانُ لِلْإِمَامِ الَّذِي يَجْتَمِعُ إِلَيْهِ النَّاسُ قَالَ الزُّرْقَانِيُّ وَذَلِكَ لِإِظْهَارِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْإِغَارَةِ عَلَى الْكُفَّارِ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ

باب ما جاء في فضل الأذان

الْوَقْتِ يُغِيرُ إِذَا لَمْ يَسْمَعِ الْأَذَانَ وَيُمْسِكُ إِذَا سَمِعَهُ وَنَقَلَ عَنْهُ الْبَوْنِيُّ أَنَّ ذَلِكَ لِإِعْلَامِ مَنْ مَعَهُ مِنْ نَائِمٍ وَغَيْرِهِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَسَائِرُ الصَّلَوَاتِ لَا تَخْفَى عَلَيْهِمْ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْأَنْصَارِيِّ إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ لِلصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إِنْسٌ وَلَا شَيْءٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ الْأَذَانِ لِلْمُنْفَرِدِ وَبَالَغَ عَطَاءٌ فَقَالَ إِذَا كُنْتَ فِي سَفَرٍ فَلَمْ تُؤَذِّنْ وَلَمْ تُقِمْ فَأَعِدِ الصَّلَاةَ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ أَوْ يَرَى اسْتِحْبَابَ الْإِعَادَةِ لَا وُجُوبَهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ فَائِدَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ لَمْ يَذْكُرْ أَبُو عِيسَى رَفْعَ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ وَالْحَدِيثُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورٌ صَحِيحٌ بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الصَّحِيحَيْنِ انْتَهَى قُلْتُ وَفِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْأَذَانِ) [206] قَوْلُهُ (ثَنَا أَبُو تُمَيْلَةَ) بِمُثَنَّاةٍ مُصَغَّرًا اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ الْأَنْصَارِيُّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ (نَا أَبُو حَمْزَةَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ المروزي ثقة فاضل (عن جابر) هو بن يَزِيدَ بْنِ الْحَارِثِ الْجُعْفِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ رَافِضِيٌّ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (مَنْ أَذَّنَ سَبْعَ سِنِينَ مُحْتَسِبًا) أَيْ طَالِبًا لِلثَّوَابِ لَا لِلْأُجْرَةِ (كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ) بِالْمَدِّ أي

خَلَاصٌ (مِنَ النَّارِ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ لِأَنَّ مُدَاوَمَتَهُ عَلَى النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى هَذِهِ الْمُدَّةَ مِنْ غَيْرِ بَاعِثٍ دُنْيَوِيٍّ صَيَّرَ نَفْسَهُ كَأَنَّهَا مَعْجُونَةٌ بِالتَّوْحِيدِ وَالنَّارُ لَا سُلْطَانَ لَهَا عَلَى مَنْ صَارَ كَذَلِكَ وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ لَا يَأْخُذَ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَثَوْبَانَ وَمُعَاوِيَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سعيد) أما حديث بن مَسْعُودٍ وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عِنْدَهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَهُ أَحَادِيثُ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَى صَوْتِهِ وَيُصَدِّقُهُ كُلُّ رَطْبٍ ويابس وأخرجه أبو داود وبن خُزَيْمَةَ وَعِنْدَهُمَا وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَقَدْ مَرَّ تَخْرِيجُهُ وَلَفْظُهُ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ قوله (حديث بن عباس حديث غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ جابرا الجعفي (وأبو حمزة السكري) ثم بِذَلِكَ لِحَلَاوَةِ كَلَامِهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (وَجَابِرُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَبِفَاءٍ مَنْسُوبٌ إِلَى جُعْفِيِّ بْنِ سَعْدٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي لِصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبِحَارِ (ضَعَّفُوهُ تَرَكَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ) وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ مَا رَأَيْتُ فِيمَنْ لَقِيتُ أَفْضَلَ مِنْ عَطَاءٍ وَلَا لَقِيتُ فِيمَنْ لَقِيتُ أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ مَا أَتَيْتُهُ بِشَيْءٍ مِنْ رَأْيِي قَطُّ إِلَّا جَاءَنِي فِيهِ بِحَدِيثٍ كَذَا فِي تَخْرِيجِ الزَّيْلَعِيِّ ص 842 (لَوْلَا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ لَكَانَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِغَيْرِ حَدِيثٍ وَلَوْلَا حَمَّادٌ لَكَانَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِغَيْرِ فِقْهٍ) حماد هذا هو بن أَبِي سُلَيْمَانَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ

باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن

الْكُوفِيُّ الْفَقِيهُ رَوَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ ابْنُهُ إِسْمَاعِيلُ وَمُغِيرَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمِسْعَرٌ وشعبة وتفقهوا به قال النسائي ثقة مرجىء 0 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْإِمَامَ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنَ مُؤْتَمَنٌ) [207] قَوْلُهُ (الْإِمَامُ ضَامِنٌ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النهاية أراد بالضمان ها هنا الْحِفْظُ وَالرِّعَايَةُ لَا ضَمَانُ الْغَرَامَةِ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ عَلَى الْقَوْمِ صَلَاتَهُمْ وَقِيلَ إِنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِينَ بِهِ فِي عُهْدَتِهِ وَصِحَّتُهَا مَقْرُونَةٌ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِ فَهُوَ كَالْمُتَكَفِّلِ لَهُمْ صِحَّةَ صَلَاتِهِمْ انْتَهَى (الْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ) قِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَمِينٌ عَلَى مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَقِيلَ أَمِينٌ عَلَى حَرَمِ النَّاسِ لِأَنَّهُ يُشْرِفُ عَلَى الْمَوَاضِعِ الْعَالِيَةِ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ مَرْفُوعًا الْمُؤَذِّنُونَ أُمَنَاءُ اللَّهِ عَلَى فِطْرِهِمْ وَسُحُورِهِمْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَالْحَدِيثُ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَضِيلَةِ الْأَذَانِ وَعَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْإِمَامةِ لِأَنَّ الْأَمِينَ أَرْفَعُ حَالًا مِنَ الضَّمِينِ وَيُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ الْإِمَامَةَ أَفْضَلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ أَمُّوا وَلَمْ يُؤَذِّنُوا وَكَذَا كِبَارُ الْعُلَمَاءِ بَعْدَهُمْ (اللَّهُمَّ أَرْشِدِ الْأَئِمَّةَ) أَيْ أَرْشِدْهُمْ لِلْعِلْمِ بِمَا تَكَفَّلُوهُ وَالْقِيَامِ بِهِ وَالْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ (وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ) أَيْ مَا عَسَى يَكُونُ لَهُمْ تَفْرِيطٌ فِي الْأَمَانَةِ الَّتِي حَمَلُوهَا مِنْ جِهَةِ تَقْدِيمٍ عَلَى الْوَقْتِ أَوْ تَأْخِيرٍ عَنْهُ سَهْوًا قَالَ الْأَشْرَفُ يُسْتَدَلُّ بِقَوْلِهِ الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى فَضْلِ الْأَذَانِ عَلَى الْإِمَامَةِ لِأَنَّ حَالَ الْأَمِينِ أَفْضَلُ من حال الضمين ثم كَلَامُهُ وَرُدَّ بِأَنَّ هَذَا الْأَمِينَ يَتَكَفَّلُ الْوَقْتَ فَحَسْبُ وَهَذَا الضَّامِنُ يَتَكَفَّلُ أَرْكَانَ الصَّلَاةِ وَيَتَعَهَّدُ لِلسِّفَارَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَبِّهِمْ فِي الدُّعَاءِ فَأَيْنَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ وَكَيْفَ لَا وَالْإِمَامُ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤَذِّنُ خَلِيفَةُ بِلَالٍ وَأَيْضًا الْإِرْشَادُ الدَّلَالَةُ الْمُوَصِّلَةُ إِلَى الْبُغْيَةِ وَالْغُفْرَانُ مَسْبُوقٌ بِالذَّنْبِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ قَالَ القارىء في المرقاة وهو مذهبنا في الْحَنَفِيَّةِ وَعَلَيْهِ جَمْعٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ انْتَهَى قُلْتُ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُؤَيِّدُهُ والله تعالى أعلم

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ فَأَرْشَدَ اللَّهُ الْأَئِمَّةَ وَعَفَى عَنِ الْمُؤَذِّنِينَ وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْإِمَامُ ضَامِنٌ فَإِنْ أَحْسَنَ فَلَهُ وَلَهُمْ وَإِنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِمْ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَفِي الْبَابِ أيضا عن أبي أمامة ووائلة وَأَبِي مَحْذُورَةَ ذَكَرَ أَحَادِيثَهُمِ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ قَوْلُهُ (وَذُكِرَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ لَمْ يُثْبِتْ حَدِيثَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا حَدِيثَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا) وَرَجَّحَ الْعُقَيْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ طَرِيقَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ عَائِشَةَ كَمَا نَقَلَ الترمذي عن أبي زرعة وصححهما بن حِبَّانَ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ قَدْ سَمِعَ أَبُو صَالِحٍ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ مِنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ جَمِيعًا كَذَا فِي التَّلْخِيصِ ص 77 وَقَالَ فِي النَّيْلِ قَالَ الْيَعْمُرِيُّ وَالْكُلُّ صَحِيحٌ وَالْحَدِيثُ مُتَّصِلٌ انْتَهَى وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أحمد وأبو داود

باب ما يقول إذا أذن المؤذن

41 - (باب ما يقول إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ) [208] قَوْلُهُ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يزيد الليثي) المدني نزيل الشام ثقة من الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ ما يقول المؤذن) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ إِلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ وَإِلَّا في قوله الصلاة خير من النوم فإنه يَقُولُ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ وَبِالْحَقِّ نَطَقْتَ وَبَرِرْتَ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأُولَى وَقِيلَ بِفَتْحِهَا أَيْ صِرْتَ ذَا بر وخير كثير انتهى كلام القارىء قُلْتُ أَمَّا قَوْلُهُ إِلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَلِحَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَإِلَّا فِي قَوْلِهِ الصلاة خير من النوم فإنه يقول صدقت وَبَرِرْتَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ ص 87 وَقِيلَ يَقُولُ فِي جَوَابِ التَّثْوِيبِ صَدَقْتَ وَبَرِرْتَ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ مِنْ قَائِلِهِ وَإِلَّا فَلَيْسَ فِيهِ سُنَّةٌ تُعْتَمَدُ انْتَهَى فَائِدَةٌ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَوْ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ بِلَالًا أَخَذَ فِي الْإِقَامَةِ فَلَمَّا أَنْ قَالَ قَدْ قَامَتِ الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا وَقَالَ فِي سَائِرِ الْإِقَامَةِ كَنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ فِي الْأَذَانِ انْتَهَى يُرِيدُ بِحَدِيثِ عُمَرَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ مُجَاوِبَةِ الْمُقِيمِ لِقَوْلِهِ وَقَالَ فِي سَائِرِ الْإِقَامَةِ بنَحْوِ حَدِيثِ عُمَرَ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِسَامِعِ الْإِقَامَةِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ قَوْلِ الْمُقِيمِ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا لَكِنَّ الْحَدِيثَ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ

وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ وَعَائِشَةَ وَمُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَفِيهِ عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا رَوَى عَنْهُ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هريرة فأخرجه الترمذي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَأَمَّا حَدِيثُ أم حبيبة فأخرجه بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ في الكبير وفيه بن لَهِيعَةَ وَفِيهِ ضَعْفٌ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَهَكَذَا رَوَى مَعْمَرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلَ حَدِيثِ مَالِكٍ إِلَخْ) أَيْ كَمَا رَوَى مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ كَذَلِكَ رَوَاهُ مَعْمَرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ لَكِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إِسْحَاقَ أَحَدُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ خَالَفَ هَؤُلَاءِ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرِوَايَةُ مَالِكٍ أَصَحُّ فَإِنَّهُ تَابَعَهُ مَعْمَرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ بِخِلَافِ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ فَإِنَّهُ لَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتُلِفَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَعَلَى مَالِكٍ أَيْضًا لَكِنَّهُ اخْتِلَافٌ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ عن أبي هريرة أخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ مَالِكٍ وَمَنْ

باب ما جاء في كراهية أن يأخذ المؤذن على الأذان

تَابَعَهُ أَصَحُّ انْتَهَى 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يَأْخُذَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى الْأَذَانِ) أَجْرًا [209] قَوْلُهُ (نَا أَبُو زُبَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ اسْمُهُ عَبْثَرُ بْنُ الْقَاسِمِ الزُّبَيْدِيُّ بِالضَّمِّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثامنة (عن أشعث) هو بن سَوَّارٍ الْكِنْدِيُّ النَّجَّارُ الْكُوفِيُّ مَوْلَى ثَقِيفٍ يُقَالُ لَهُ أَشْعَثُ النَّجَّارُ وَيُقَالُ لَهُ أَشْعَثُ التَّابُوتِيُّ وَأَشْعَثُ الْأَفْرَقُ رَوَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَرَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَعَبْثَرُ بْنُ الْقَاسِمِ وَغَيْرُهُمْ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وقَالَ فِي التقريب ضعيف وقال الخزرجي حدثه فِي مُسْلِمٍ مُتَابَعَةٌ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ) صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الطَّائِفِ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ بِالْبَصْرَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ مِنْ آخِرِ مَا عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ حِينَ تَوْدِيعِهِ إِلَى الطَّائِفِ لِلْعَمَلِ (أَنِ اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا) فِيهِ دلالة ظاهرة على أن يكره أخذ الأجرة وقد عقد بن حِبَّانَ تَرْجَمَةً عَلَى الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ وَأَخْرَجَ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّهُ قَالَ فَأَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ فَأَذَّنْتُ ثُمَّ أَعْطَانِي حِينَ قَضَيْتُ التَّأْذِينَ صُرَّةً فيها مِنْ فِضَّةٍ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ قَالَ الْيَعْمُرِيُّ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ قِصَّةَ أبي محذورة أول ما أسلم لأنه أعطاء حِينَ عَلَّمَهُ الْأَذَانَ وَذَلِكَ قَبْلَ إِسْلَامِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الرَّاوِي لِحَدِيثِ النَّهْيِ فَحَدِيثُ عُثْمَانَ مُتَأَخِّرٌ الثَّانِي أَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ وَأَقْرَبُ الِاحْتِمَالَاتِ فِيهَا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّأْلِيفِ لِحَدَاثَةِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ كَمَا أَعْطَى حِينَئِذٍ غَيْرَهُ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَوَقَائِعُ الْأَحْوَالِ إِذَا تَطَرَّقَ إِلَيْهَا الِاحْتِمَالُ سَلَبَهَا الِاسْتِدْلَالَ لِمَا يَبْقَى فِيهَا مِنَ الْإِجْمَالِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بعد نقل كلام بن سَيِّدِ النَّاسِ هَذَا وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَرِدُ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْأُجْرَةَ إِنَّمَا تَحْرُمُ إِذَا كَانَتْ مَشْرُوطَةً لَا إِذَا أُعْطِيهَا بِغَيْرِ مَسْأَلَةٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِمِثْلِ هَذَا حَسَنٌ قُلْتُ مَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ لَا شَكَّ في حسنة

قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُثْمَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِهِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَقَالَ فِي النيل صححه الحاكم وقال بن المنذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لا يأخذ على أذانه أجرا وأخرج بن حِبَّانَ عَنْ يَحْيَى الْبَكَّالِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ عُمَرَ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ فقال له بن عُمَرَ إِنِّي لَأَبْغَضُكَ فِي اللَّهِ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ أُحِبُّكَ فِي اللَّهِ وَتَبْغَضُنِي فِي اللَّهِ قال نعم أنك تسأل على أذانك أجرا وروى عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعٌ لَا يُؤْخَذُ عَلَيْهِنَّ أَجْرٌ الْأَذَانُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالْمَقَاسِمُ وَالْقَضَاءُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا أَنْ يَأْخُذَ عَلَى الْأَذَانِ أَجْرًا وَاسْتَحَبُّوا لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَحْتَسِبَ فِي أَذَانِهِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أهذ الْمُؤَذِّنِ عَلَى أَذَانِهِ مَكْرُوهٌ بِحَسَبِ مَذَاهِبِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْحَسَنُ أَخْشَى أَنْ لَا تَكُونَ صَلَاتُهُ خَالِصَةً وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ يُرْزَقُ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ مِنْ سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ مُرْصَدٌ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ فِي النَّيْلِ قَدْ ذَهَبَ إِلَى تَحْرِيمِ الْأَجْرِ شَرْطًا عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ وَالنَّاصِرُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِأَخْذِ الْأَجْرِ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُجَاعِلُ عَلَيْهِ وَلَا يُؤَاجِرُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ مُتَطَوِّعِينَ قَالَ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ وَهُوَ يَجِدُ مَنْ يُؤَذِّنُ مُتَطَوِّعًا مِمَّنْ لَهُ أَمَانَةٌ إِلَّا أَنْ يَرْزُقَهُمْ مِنْ مَالِهِ قَالَ وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا بِبَلَدٍ كَثِيرِ الْأَهْلِ يُعْوِزُهُ أَنْ يَجِدَ مُؤَذِّنًا أَمِينًا يُؤَذِّنُ مُتَطَوِّعًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وَلَا يَرْزُقُهُ إِلَّا من خمس الخمس الفضل وقال بن الْعَرَبِيِّ الصَّحِيحُ جَوَازُ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْأَذَانِ وَالصَّلَاةِ وَالْقَضَاءِ وَجَمِيعِ الْأَعْمَالِ الدِّينِيَّةِ فَإِنَّ الْخَلِيفَةَ يَأْخُذُ أُجْرَتَهُ عَلَى هَذَا كُلِّهِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا يَأْخُذُ النَّائِبُ أُجْرَةً كَمَا يَأْخُذُ الْمُسْتَغْيِبُ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ انْتَهَى فَقَاسَ الْمُؤَذِّنَ عَلَى الْعَامِلِ وَهُوَ قِيَاسٌ فِي مُصَادَمَةِ النَّصِّ وفتيا بن عُمَرَ الَّتِي مَرَّتْ لَمْ يُخَالِفْهَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْيَعْمُرِيُّ كَذَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما يقول إذا أذن المؤذن من الدعاء

43 - (بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الدعاء) قوله من الدعاء بيان لما وَالْمَعْنَى أَيُّ دُعَاءٍ يَدْعُو بِهِ السَّامِعُ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ [210] قَوْلُهُ (عَنِ الْحُكَيْمِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مُصَغَّرًا (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ) بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ الْمُطَّلِبِيِّ نَزِيلِ مِصْرَ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وغيره قال بن سَعْدٍ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ 401 أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) اسْمُهُ مَالِكٌ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ وَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ وَآخِرُهُمْ مَوْتًا وَأَوَّلُ مَنْ رَمَى فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفَارِسُ الْإِسْلَامِ وَأَحَدُ سِتَّةِ الشُّورَى وَمُقَدَّمُ جُيُوشِ الْإِسْلَامِ فِي فَتْحِ الْعِرَاقِ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَاتَ بِالْعَقِيقِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ قَوْلُهُ (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ) أَيْ أَذَانَهُ أَوْ صَوْتَهُ أَوْ قَوْلَهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ به حين يسمع الْأَوَّلَ أَوِ الْأَخِيرَ وَهُوَ قَوْلُهُ آخِرَ الْأَذَانِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهُوَ أَنْسَبُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى يَسْمَعُ يُجِيبُ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي الْمَقْصُودِ وَأَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ مُرَتَّبٌ عَلَى الْإِجَابَةِ بِكَمَالِهَا مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ رُبَّمَا يَفُوتُهُ الْإِجَابَةُ فِي بَعْضِ الْكَلِمَاتِ الْآتِيَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وَفِي رواية لمسلم أن أشهد بغير لفظ أن وَبِغَيْرِ الْوَاوِ (رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا) أَيْ بِرُبُوبِيَّتِهِ وَبِجَمِيعِ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فَإِنَّ الرِّضَا بِالْقَضَاءِ بَابُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ وَقِيلَ حَالٌ أَيْ مُرَبِّيًا وَمَالِكًا وَسَيِّدًا وَمُصْلِحًا (وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا) أَيْ بِجَمِيعِ مَا أُرْسِلَ بِهِ وَبَلَّغَهُ إِلَيْنَا مِنَ الْأُمُورِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وغيرها (وبالإسلام) أي بجميع أحكام من الإسلام الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي (دِينًا) أَيِ اعْتِقَادًا أَوِ انْقِيَادًا قاله القارىء (غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ) أَيْ مِنَ الصَّغَائِرِ جَزَاءً لِقَوْلِهِ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ مَيْرُكُ وَالْعَجَبُ مِنَ الْحَاكِمِ أَنَّهُ أَخْرَجَهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ تَقْرِيرُ الذَّهَبِيِّ لَهُ فِي اسْتِدْرَاكِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي صحيح مسلم بلفظه انتهى ذكره القارىء فِي الْمِرْقَاةِ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّ إِخْرَاجَ الْحَاكِمِ لَهُ بِغَيْرِ السَّنَدِ الَّذِي فِي مُسْلِمٍ فَلْيُنْظَرْ فِيهِ لِيُعْلَمَ مَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى 4 - باب منه أيضا [211] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ الْبَغْدَادِيُّ) التَّمِيمِيُّ مَوْلَاهُمِ الْبُخَارِيُّ الْحَافِظُ الْجَوَّالُ وَثَّقَهُ النسائي وبن عَدِيٍّ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ) الْحَافِظُ الْجُوزَجَانِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ الْأُولَى مُصَنِّفُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ نَزِيلُ دِمَشْقَ رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ وَكَانَ أَحْمَدُ يُكَاتِبُهُ إِلَى دِمَشْقَ وَيُكْرِمُهُ إِكْرَامًا شَدِيدًا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُصَنِّفِينَ وَقَدْ رُمِيَ بِالنَّصْبِ تُوُفِّيَ سَنَةَ 952 تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ حَافِظٌ قَوْلُهُ (عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ) بِالْيَاءِ الْأَخِيرَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْحِمْصِيُّ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَلْقَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ غَيْرُهُ (حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ) أَيِ الْأَذَانَ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَوِ الْمُرَادُ مِنَ النِّدَاءِ تَمَامُهُ أَيْ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ بِتَمَامِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ قُولُوا مثل ما يقول ثم صلوا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَفِي هَذَا أَنَّ ذَلِكَ يُقَالُ عِنْدَ فَرَاغِ الْأَذَانِ (اللَّهُمَّ) أَيْ يَا اللَّهُ وَالْمِيمُ عِوَضٌ عَنْ يَا فَلِذَلِكَ لَا يَجْتَمِعَانِ (رَبَّ) مَنْصُوبٌ عَلَى النِّدَاءِ (هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْمُرَادُ بِالدَّعْوَةِ ها هنا أَلْفَاظُ الْأَذَانِ الَّتِي يُدْعَى بِهَا الشَّخْصُ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِهَا دَعْوَةُ التَّوْحِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَهُ دعوة الحق وَقِيلَ لِدَعْوَةِ التَّوْحِيدِ تَامَّةٌ لِأَنَّ الشِّرْكَ نَقْصٌ أَوِ التَّامَّةُ الَّتِي لَا يَدْخُلُهَا تَغْيِيرٌ وَلَا تَبْدِيلٌ بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ

إِلَى يَوْمِ النُّشُورِ أَوْ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي تَسْتَحِقُّ صِفَةَ التَّمَامِ وَمَا سِوَاهَا فَمُعَرَّضٌ لِلْفَسَادِ (وَالصَّلَاةِ) الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْمَعْهُودَةُ الْمَدْعُوُّ إِلَيْهَا حِينَئِذٍ (الْقَائِمَةِ) أَيِ الدَّائِمَةِ الَّتِي لَا تُغَيِّرُهَا مِلَّةٌ وَلَا تَنْسَخُهَا شَرِيعَةٌ وَأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ (آتِ) أَمْرٌ مِنَ الْإِيتَاءِ أَيْ أَعْطِ (الْوَسِيلَةَ) قَدْ فَسَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ (وَالْفَضِيلَةَ) الْمَرْتَبَةَ الزَّائِدَةَ عَلَى سَائِرِ الْخَلَائِقِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَنْزِلَةً أُخْرَى أَوْ تَفْسِيرًا لِلْوَسِيلَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ (مَقَامًا مَحْمُودًا) أَيْ يُحْمَدُ الْقَائِمُ فِيهِ وَهُوَ مُطْلَقٌ فِي كُلِّ مَا يَجْلِبُ الْحَمْدَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ وَنُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيِ ابْعَثْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَقِمْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا أَوْ ضَمَّنَ ابْعَثْهُ مَعْنَى أَقِمْهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ وَمَعْنَى ابْعَثْهُ أَعْطِهِ (الَّذِي وَعَدْتَهُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ إِنَّكَ لَا تخلف الميعاد وقال الطيبي المراد قَوْلُهُ تَعَالَى عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ الْوَعْدُ لِأَنَّ عَسَى مِنَ الله واقع كما صح عن بن عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِ وَالْمَوْصُولُ إِمَّا بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَلَيْسَ صِفَةً للنكرة ووقع في رواية النسائي وبن خُزَيْمَةَ وَغَيْرِهِمَا الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيَصِحُّ وصفة بالموصول قال بن الْجَوْزِيِّ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الشَّفَاعَةُ وَقِيلَ إِجْلَاسُهُ عَلَى الْعَرْشِ وَقِيلَ عَلَى الْكُرْسِيِّ وَحَكَى كُلًّا مِنَ الْقَوْلَيْنِ عَنْ جَمَاعَةٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ لَا يُنَافِي الْأَوَّلَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْإِجْلَاسُ عَلَامَةَ الْإِذْنِ فِي الشَّفَاعَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الشَّفَاعَةَ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَأَنْ يَكُونَ الْإِجْلَاسُ هِيَ الْمَنْزِلَةَ الْمُعَبَّرَ عَنْهَا بِالْوَسِيلَةِ أَوِ الْفَضِيلَةِ وَوَقَعَ في صحيح بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا يَبْعَثُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَكْسُونِي رَبِّي حُلَّةً خَضْرَاءَ فَأَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَقُولَ فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَوْلِ الْمَذْكُورِ هُوَ الثَّنَاءُ الَّذِي يُقَدِّمُهُ بَيْنَ يَدَيِ الشَّفَاعَةِ وَيَظْهَرُ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ هُوَ مَجْمُوعُ مَا يَحْصُلُ لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَيُشْعِرُ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي بِأَنَّ الْأَمْرَ الْمَطْلُوبَ لَهُ الشَّفَاعَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (إِلَّا حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ) أَيِ اسْتُحِقَّتْ وَوَجَبَتْ أَوْ نَزَلَتْ عَلَيْهِ يُقَالُ حَلَّ يَحُلُّ بِالضَّمِّ إِذَا نَزَلَ وَاللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ حَلَّتْ عَلَيْهِ وَوَقَعَ فِي الطحاوي من حديث بن مَسْعُودٍ وَجَبَتْ لَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَلَّتْ مِنَ الْحِلِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحَرَّمَةً كَذَا فِي الْفَتْحِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي بِدُونِ إِلَّا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَأَمَّا مَعَ إِلَّا فَيُجْعَلُ مَنْ فِي مَنْ قَالَ اسْتِفْهَامِيَّةً لِلْإِنْكَارِ قَالَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةِ النَّسَائِيِّ مَا لَفْظُهُ وَقَوْلُهُ هُنَا وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ إِلَّا يَحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلٍ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى مَعْنَى لَا يَقُولُ ذَلِكَ أَحَدٌ إِلَّا حَلَّتْ انتهى

باب ما جاء في أن الدعاء لا يرد بين الأذان

فَائِدَةٌ قَدِ اشْتُهِرَ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ زِيَادَتَانِ الْأُولَى إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ فِي آخِرِهِ وَالثَّانِيَةُ وَالدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْفَضِيلَةَ أَمَّا الْأُولَى فَقَدْ وَقَعَتْ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ كَمَا عَرَفْتَ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ أَجِدْهَا في رواية قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَمَّا زِيَادَةُ الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الْمَشْهُورَةُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) بَلْ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فَهُوَ غَرِيبٌ مَعَ صحته وقد توبع بن الْمُنْكَدِرِ عَلَيْهِ عَنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ) وا قامة [212] قَوْلُهُ (وَأَبُو أَحْمَدَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُبَيْرٍ الزُّبَيْرِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إلا أنه قد يخطىء فِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ (وَأَبُو نُعَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ الْمَلَائِيُّ قَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ يَقْظَانُ عَارِفٌ بِالْحَدِيثِ وَقَالَ الْفَسَوِيُّ أَجْمَعَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ كَانَ غَايَةً فِي الْإِتْقَانِ (قَالُوا نَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَشِدَّةِ الْمِيمِ قَالَ فِي الْمُغْنِي إِنَّمَا سُمِّيَ زَيْدٌ بِالْعَمِّيِّ لِأَنَّهُ كُلَّمَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ يَقُولُ حَتَّى أَسْأَلَ عمي وزيد العمي هذا هو بن الْحَوَارِيِّ الْبَصْرِيُّ قَاضِي هَرَاةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ ضَعَّفَهُ أبو حاتم والنسائي وبن عَدِيٍّ قَالَ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ صَالِحٌ انْتَهَى (عَنْ أَبِي إِيَاسٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ كَكِتَابٍ (مُعَاوِيَةَ بْنِ قرة) بضم القاف وشدة الْمُزَنِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ عَالِمٌ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ الستة

باب ما جاءكم فرض الله على عبادة من الصلوات

قَوْلُهُ (الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ) بَلْ يُقْبَلُ وَيُسْتَجَابُ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ أَنَسٍ الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ مُسْتَجَابٌ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَفْظُ الدُّعَاءُ بِإِطْلَاقِهِ شَامِلٌ لكل وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِمَا فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخْرَى مِنْ أَنَّهُ مَا لَمْ يَكُنْ دُعَاءً بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ قَالَ الْمُنَاوِيُّ تَحْتَ قَوْلِهِ مُسْتَجَابٌ أَيْ بَعْدَ جَمْعِ شُرُوطِ الدُّعَاءِ وَأَرْكَانِهِ وَآدَابِهِ فَإِنْ تَخَلَّفَ شَيْءٌ مِنْهَا فَلَا يَلُومُ إِلَّا نَفْسَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى والنيل وقال في بلوغ المرام وصححه بن خُزَيْمَةَ (وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ) بِسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ السَّبِيعِيُّ قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ (عَنْ بُرَيْدِ) بِالْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا (بْنِ أَبِي مَرْيَمَ) الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ هَذَا) أَيْ مِثْلَ حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ رَوَاهُ النسائي وبن خزيمة وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَنَسٍ وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَنَسٍ قال وروى أبو داود وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ مَا تُرَدُّ عَلَى دَاعٍ دَعْوَتُهُ عِنْدَ حضور النداء الحديث انتهى 6 - (باب ما جاءكم فَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ) [213] قَوْلُهُ (فُرِضَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ الصَّلَاةُ خَمْسِينَ) وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي خَمْسِينَ صَلَاةً قَالَ الْحَافِظُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فِي كُلٍّ مِنْ رِوَايَةِ الْبَابِ اخْتِصَارٌ أَوْ يُقَالَ ذِكْرُ الْفَرْضِ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ الْفَرْضَ عَلَى الْأُمَّةِ وَبِالْعَكْسِ إِلَّا مَا يُسْتَثْنَى مِنْ خَصَائِصِهِ (ثُمَّ نقصت حتى جعلت خمسا) قال

الْحَافِظُ قَدْ حَقَّقَتْ رِوَايَةُ ثَابِتٍ أَنَّ التَّخْفِيفَ كَانَ خَمْسًا خَمْسًا وَهِيَ زِيَادَةٌ مُعْتَمَدَةٌ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ بَاقِي الرِّوَايَاتِ عَلَيْهَا (ثُمَّ نُودِيَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ) أي لَا يُغَيَّرُ (وَإِنَّ لَكَ بِهَذَا الْخَمْسِ خَمْسِينَ) أَيْ ثَوَابَ خَمْسِينَ صَلَاةً وَالْحَدِيثُ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَرْضِيَّةِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَعَدَمِ فَرْضِيَّةِ مَا زَادَ عَلَيْهَا كَالْوِتْرِ وَعَلَى جَوَازِ النَّسْخِ قَبْلَ الْفِعْلِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ بن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَسَخَ الْخَمْسِينَ بِالْخَمْسِ قَبْلَ أَنْ تُصَلَّى ثُمَّ تَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِأَنْ أَكْمَلَ لَهُمُ الثَّوَابَ وَتَعَقَّبَهُ بن الْمُنِيرِ فَقَالَ هَذَا ذَكَرَهُ طَوَائِفُ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ وَالشُّرَّاحِ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَنْ أَثْبَتَ النَّسْخَ قيل الْفِعْلِ كَالْأَشَاعِرَةِ أَوْ مَنَعَهُ كَالْمُعْتَزِلَةِ لِكَوْنِهِمُ اتَّفَقُوا جَمِيعًا عَلَى أَنْ لَا يُتَصَوَّرَ قَبْلَ الْبَلَاغِ وَحَدِيثُ الْإِسْرَاءِ وَقَعَ فِيهِ النَّسْخُ قَبْلَ الْبَلَاغِ فَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا وَقَالَ وَهَذِهِ نُكْتَةٌ مُبْتَكَرَةٌ قَالَ الْحَافِظُ إِنْ أَرَادَ الْبَلَاغَ لِكُلِّ أحد فممنوع وإن أراد قيل الْبَلَاغِ إِلَى أُمَّتِهِ فَمُسَلَّمٌ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ ليس هو بالنسبة إليهم نسخا لكن هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نسخ لِأَنَّهُ كُلِّفَ بِذَلِكَ قَطْعًا ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ أَنْ بُلِّغَهُ وَقَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فَالْمَسْأَلَةُ صَحِيحَةُ التَّصْوِيرِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي ذَرٍّ وَمَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عهدا أَنْ يَغْفِرَ لَهُ الْحَدِيثَ وَرَوَى مَالِكٌ وَالنَّسَائِيُّ نَحْوَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرَّأْسِ نَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ وَلَا نَفْقَهُ مَا يَقُولُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَدِيثُ طَرَفٌ مِنْ حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ الطويل وأخرجه الشيخان مطولا

باب في فضل الصلوات الخمس

47 - (باب فِي فَضْلِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ) [214] قَوْلُهُ (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ ورمضان إلى رَمَضَانَ (كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ) أَيْ مِنَ الذُّنُوبِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ (مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ مَا مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتَ كَبِيرَةٌ مَعْنَاهُ أَنَّ الذُّنُوبَ كُلَّهَا تُغْفَرُ إِلَّا الْكَبَائِرَ فَإِنَّهَا لَا تُغْفَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الذُّنُوبَ تُغْفَرُ مَا لَمْ تَكُنْ كَبِيرَةً فَإِنْ كَانَتْ لَا يُغْفَرُ شَيْءٌ مِنَ الصَّغَائِرِ فَإِنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا فَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَأْبَاهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ غَفْرِ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتَ كَبِيرَةٌ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَأَنَّ الْكَبَائِرَ إِنَّمَا يُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ الله تعالى وفضله وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ إِنَّ الْكَبِيرَةَ لَا يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَكَذَا الْحَجُّ وَإِنَّمَا يُكَفِّرُهَا التَّوْبَةُ الصَّحِيحَةُ لا غيرها نقل بن عبد البر الإجماع عليه بعد ما حَكَى فِي تَمْهِيدِهِ عَنْ بَعْضِ مُعَاصِرِيهِ أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا غَيْرُ التَّوْبَةِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا جَهْلٌ وَمُوَافَقَةٌ لِلْمُرْجِئَةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ ذَنْبٌ وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ انْتَهَى قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ طَاهِرٍ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ ص 122 ج 2 مَا لَفْظُهُ فِي تَعْلِيقِي لِلتِّرْمِذِيِّ لَا بُدَّ فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنَ الْقِصَاصِ وَلَوْ صَغِيرَةً وَفِي الْكَبَائِرِ مِنَ التَّوْبَةِ ثُمَّ وَرَدَ وَعْدُ الْمَغْفِرَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَرَمَضَانَ فَإِذَا تَكَرَّرَ يُغْفَرُ بِأَوَّلِهَا الصَّغَائِرُ وَبِالْبَوَاقِي يُخَفَّفُ عَنِ الْكَبَائِرِ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً يُرْفَعُ بِهَا الدَّرَجَاتُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسٍ وَحَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ جابر فأخرجه

باب ما جاء في فضل الجماعة

مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ وَيُقَالُ لَهُ حَنْظَلَةُ الْكَاتِبُ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ حَافَظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ رُكُوعِهِنَّ وَسُجُودِهِنَّ وَمَوَاقِيتِهِنَّ وَعَلِمَ أَنَّهُنَّ حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ الْحَدِيثَ وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْجَمَاعَةِ) [215] قَوْلُهُ (صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ) أَيْ تَزِيدُ فِي الثَّوَابِ (عَلَى صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ) أَيْ مُنْفَرِدًا (بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً) الْمُرَادُ بِالدَّرَجَةِ الصَّلَاةُ فَتَكُونُ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ بِمَثَابَةِ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً كَذَا دَلَّ عَلَيْهِ أَلْفَاظُ الْأَحَادِيثِ ورجحه بن سَيِّدِ النَّاسِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي وبن ماجه وأما حديث أبي بن كعب فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وبن خزيمة وبن حبان في صحيحيهما قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ جَزَمَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالذُّهْلِيُّ بِصِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ تَفْضُلُ صَلَاةُ الْجَمِيعِ عَلَى صَلَاةِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَفِيهِ عَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ مَنْصُورٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ

أنس فأخرجه الدارقطني قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَعَامَّةُ مَنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالُوا خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إِلَّا بن عُمَرَ فَإِنَّهُ قَالَ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ إِلَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ فَقَالَ فِيهِ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ لَكِنَّ الْعُمَرِيَّ ضَعِيفٌ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ فِي مُسْتَخْرَجِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَهِيَ شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ الْحُفَّاظِ مِنْ أَصْحَابِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَصْحَابِ نَافِعٍ وَإِنْ كَانَ رَاوِيهَا ثِقَةً وَأَمَّا غَيْرُ بن عُمَرَ فَصَحَّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ كما في هذا الباب وعن بن مسعود عند أحمد وبن خزيمة وعن أبي بن كعب عند بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ وَعَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ عِنْدَ السِّرَاجِ وَوَرَدَ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ عَنْ مُعَاذٍ وَصُهَيْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَكُلُّهَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَاتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سِوَى رِوَايَةٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ فِيهَا سَبْعٌ وَعِشْرُونَ وَفِي إِسْنَادِهَا شَرِيكٌ الْقَاضِي وَفِي حِفْظِهِ ضَعْفٌ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ أَيَّهُمَا أَرْجَحُ فَقِيلَ رِوَايَةُ الْخَمْسِ لِكَثْرَةِ رُوَاتِهَا وَقِيلَ رِوَايَةُ السَّبْعِ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةً مِنْ عَدْلٍ حَافِظٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا يَعْنِي بَيْنَ رِوَايَتَيِ الْخَمْسِ وَالسَّبْعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا فَذِكْرُ الْقَلِيلِ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ وَمَفْهُومُ الْعَدَدِ بَاطِلٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَ بِهَا وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ وَالصَّلَاةِ فَيَكُونُ لِبَعْضِهِمْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَلِبَعْضِهِمْ سَبْعٌ وعشرون بحسب كمال الصلاة ومحافظته على هيأتها وَخُشُوعِهَا وَكَثْرَةِ جَمَاعَتِهَا وَفَضْلِهِمْ وَشَرَفِ الْبُقْعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ فَهَذِهِ هِيَ الْأَجْوِبَةُ الْمُعْتَمَدَةُ انْتَهَى وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وُجُوهًا أُخَرَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا فليرجع إليه

باب ما جاء فيمن سمع النداء فلا يجيب

[216] قَوْلُهُ (بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي مُمَيِّزِ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ فَفِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا التَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ دَرَجَةً أَوْ حُذِفَ الْمُمَيِّزُ إِلَّا طُرُقَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَفِي بَعْضِهَا ضِعْفًا وَفِي بَعْضِهَا جُزْءًا وَفِي بَعْضِهَا دَرَجَةً وَفِي بَعْضِهَا صَلَاةً وَوَقَعَ هَذَا الْأَخِيرُ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ آنِفًا 9 - (باب ما جاء فيمن سمع النِّدَاءَ فَلَا يُجِيبُ) [217] قَوْلُهُ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ (لَقَدْ هَمَمْتُ) اللَّامُ جَوَابُ الْقَسَمِ وَالْهَمُّ الْعَزْمُ وَقِيلَ دُونَهُ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَ نَاسًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَقَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ فَأَفَادَ ذِكْرُ سَبَبِ الْحَدِيثِ (فِتْيَتِي) الْفِتْيَةُ جَمْعُ فَتًى أَي جَمَاعَةٌ مِنْ شُبَّانِ أَصْحَابِي أَوْ خَدَمِي وَغِلْمَانِي (أَنْ يَجْمَعُوا حُزَمَ الْحَطَبِ) جَمْعُ حُزْمَةٍ بِضَمِّ الْحَاءِ مَا حُزِمَ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ حُزْمَةٌ بِالضَّمِّ بند هيزم وكاغذ وعلف وجزآن (ثم أحرق) بالتشديد والمراد به التكثير يقال حرقه إذا بالغ في التحريق (عَلَى أَقْوَامٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ثُمَّ آتِيَ قَوْمًا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ لَيْسَتْ بِهِمْ عِلَّةٌ فَأُحَرِّقَهَا عَلَيْهِمْ

قوله (وفي الباب عن أبي مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ أَوْ مَرِيضٌ الْحَدِيثَ (وَأَبِي الدَّرْدَاءِ) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما من ثلاثة في قرية ولا بد ولا تُقَامُ فِيهِمُ الصَّلَاةُ إِلَّا وَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَعَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وصححه وقال النووي إسناده صحيح (وبن عَبَّاسٍ) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنَ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ قَالُوا وَمَا الْعُذْرُ قَالَ خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وفي إسناده أبو خياب يَحْيَى بْنُ أَبِي حَيَّةَ الْكَلْبِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ والحديث أخرجه بن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ وَإِسْنَادُهُ أَمْثَلُ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى (وَمُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ كَمَا يَأْتِي عَنْ قَرِيبٍ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَالُوا إِلَخْ) أخرج بن ماجه وبقي بن مخلد وبن حبان وغيرهم عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ لَكِنْ قَالَ الْحَاكِمُ وَقَفَهُ غُنْدَرٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ شُعْبَةَ ثُمَّ أَخْرَجَ لَهُ شَوَاهِدَ مِنْهَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ بِلَفْظِ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَارِغًا صَحِيحًا فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَضَعَّفَهُ وَرَوَاهُ بن عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَضَعَّفَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّشْدِيدِ) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابَةِ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْ فَلَا صَلَاةَ لَهُ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التغليظ والتشديد

[218] (وَمَعْنَى الْحَدِيثِ) أَيْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ (أَنْ لَا يَشْهَدَ جَمَاعَةً وَلَا جُمُعَةً رَغْبَةً عَنْهَا) أَيْ إِعْرَاضًا عَنْهَا قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِي كَوْنِ الْجَمَاعَةِ فَرْضَ عَيْنٍ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَمْ يُهَدِّدْ تَارِكَهَا بِالتَّحْرِيقِ وَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَكَانَتْ قَائِمَةً بِالرَّسُولِ وَمَنْ مَعَهُ وَإِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ ذَهَبَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ كَأَبِي ثور وبن خزيمة وبن المنذر وبن حِبَّانَ وَبَالَغَ دَاوُدُ وَمَنْ تَبِعَهُ فَجَعَلَهَا شَرْطًا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْبَاقِينَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَقَدْ أَجَابُوا عَنْ ظَاهِرِ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ عَشَرَةَ أَجْوِبَةٍ وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَاجْتَمَعَ مِنَ الْأَجْوِبَةِ لِمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْوُجُوبِ عَشَرَةُ أَجْوِبَةٍ لَا تُوجَدُ مَجْمُوعَةً فِي غَيْرِ هَذَا الشَّرْحِ انْتَهَى وَنَحْنُ نَذْكُرُ بَعْضًا مِنْهَا فَمِنْهَا أَنَّهُ يُسْتَنْبَطُ مِنْ نَفْسِ الْحَدِيثِ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْمُتَخَلِّفِينَ فَلَوْ كَانَتِ الْجَمَاعَةُ فَرْضَ عَيْنٍ مَا هَمَّ بِتَرْكِهَا إِذَا تَوَجَّهَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْوَاجِبَ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِمَا هُوَ أَوْجَبُ مِنْهُ وَمِنْهَا أَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ مَوْرِدَ الزَّجْرِ وَحَقِيقَتُهُ غَيْرُ مُرَادَةٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ الْمُبَالَغَةُ وَيُرْشِدُ إِلَى ذَلِكَ وَعِيدُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ الَّتِي يُعَاقَبُ بِهَا الْكُفَّارُ وَقَدِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ عُقُوبَةِ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَنْعَ وَقَعَ بَعْدَ نَسْخِ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ جَائِزًا بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ الدَّالِّ عَلَى جَوَازِ التَّحْرِيقِ بِالنَّارِ ثُمَّ نَسْخِهِ فَحَمْلُ التَّهْدِيدِ عَلَى حَقِيقَتِهِ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَمِنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ تَحْرِيقَهُمْ بَعْدَ التَّهْدِيدِ فَلَوْ كَانَتْ فَرْضَ عَيْنٍ لَمَا تَرَكَهُمْ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَهُمُّ إِلَّا بِمَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ لَوْ فَعَلَهُ وَأَمَّا التَّرْكُ فَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونُوا انْزَجَرُوا بِذَلِكَ وَتَرَكُوا التَّخَلُّفَ الَّذِي ذَمَّهُمْ بِسَبَبِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ بَيَانُ سَبَبِ التَّرْكِ وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَوْلَا مَا فِي الْبُيُوتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ لَأَقَمْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وَأَمَرْتُ فِتْيَانِي يُحَرِّقُونَ الحديث

باب ما جاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة

0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي وَحْدَهُ ثُمَّ يُدْرِكُ الْجَمَاعَةَ) قَوْلُهُ (نَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ) الْعَامِرِيُّ وَيُقَالُ اللَّيْثِيُّ الطَّائِفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (نَا جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ) السُّوَائِيُّ وَيُقَالُ الْخُزَاعِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (شَهِدْتُ) أَيْ حَضَرْتُ (حَجَّتَهُ) أَيْ حَجَّةَ الْوَدَاعِ (فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ) هُوَ مَسْجِدٌ مَشْهُورٌ بِمِنًى قَالَ الطِّيبِيُّ الْخَيْفُ مَا انْهَدَرَ مِنْ غَلِيظِ الْجَبَلِ وَارْتَفَعَ عَنِ الْمَسِيلِ يَعْنِي هَذَا وَجْهُ تَسْمِيَتِهِ بِهِ (فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ) أَيْ أَدَّاهَا وَسَلَّمَ مِنْهَا (انحرف) قال القارىء أَيِ انْصَرَفَ عَنْهَا قُلْتُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَعْنَى انحرف عن القبلة وقال بن حَجَرٍ أَيْ جَعَلَ يَمِينَهُ لِلْمَأْمُومِينِ وَيَسَارَهُ لِلْقِبْلَةِ ما هُوَ السُّنَّةُ (فَإِذَا هُوَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَيَّ) اسْمُ فِعْلٍ (بِهِمَا) أَيِ ائْتُونِي بِهِمَا وَأَحْضِرُوهُمَا عِنْدِي (تُرْعَدُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ تُحَرَّكُ مِنْ أَرْعَدَ الرَّجُلُ إِذَا أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ وَهِيَ الْفَزَعُ وَالِاضْطِرَابُ (فَرَائِصُهُمَا) جَمْعُ الْفَرِيصَةِ وَهِيَ اللَّحْمَةُ الَّتِي بَيْنَ جَنْبِ الدَّابَّةِ وَكَتِفِهَا وَهِيَ تَرْجُفُ عِنْدَ الْخَوْفِ أَيْ تَتَحَرَّكُ وَتَضْطَرِبُ وَالْمَعْنَى يَخَافَانِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي رِحَالِنَا) أَيْ فِي مَنَازِلِنَا فَلَا تَفْعَلَا أَيْ كَذَلِكَ ثَانِيًا فَصَلِّيَا مَعَهُمْ أَيْ مَعَ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الثَّانِيَةَ فِي الصَّلَاةِ المعادة

نَافِلَةٌ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الأولى جماعة أو فرادى لأن في ترك الاستفصال مَقَامِ الِاحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ قال بن عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِنَّمَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي جَمَاعَةٍ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي غَيْرِ بَيْتِهِ وَأَمَّا مَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَإِنْ قَلَّتْ فَلَا يُعِيدُ فِي أُخْرَى قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ وَلَوْ أَعَادَ فِي جَمَاعَةٍ أُخْرَى لَأَعَادَ فِي ثَالِثَةٍ وَرَابِعَةٍ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَهَذَا لَا يَخْفَى فَسَادُهُ قَالَ وَمَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَلَّى صَلَاةٌ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ انْتَهَى وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الشافعي الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّ الْفَرِيضَةَ هِيَ الثَّانِيَةُ إِذَا كَانَتِ الْأُولَى فُرَادَى وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ جِئْتُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ فَجَلَسْتُ وَلَمْ أَدْخُلْ مَعَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَانْصَرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ جَالِسًا فَقَالَ أَلَمْ تُسَلِّمْ يَا يَزِيدُ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ سَلَّمْتُ قَالَ فَمَا مَنَعَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَعَ النَّاسِ فِي صَلَاتِهِمْ قَالَ إِنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي مَنْزِلِي وَأَنَا أَحْسَبُ أَنْ قَدْ صَلَّيْتُمْ فَقَالَ إِذَا جِئْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَوَجَدْتَ النَّاسَ فَصَلِّ مَعَهُمْ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ تَكُنْ لَكَ نَافِلَةً وَهَذِهِ مَكْتُوبَةٌ وَلَكِنَّهُ قَدْ ضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِنَّ حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ أَثْبَتُ مِنْهُ وَأَوْلَى وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ وَيَجْعَلُ الَّتِي صَلَّى فِي بَيْتِهِ نَافِلَةً وَقَالَ هِيَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ شَاذَّةٌ انْتَهَى وَعَلَى فَرْضِ صَلَاحِيَةِ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ مُمْكِنٌ بِحَمْلِ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ الْأُولَى فِي جَمَاعَةٍ وَحَمْلِ هَذَا عَلَى مَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ من سياق الحديثين ويكونان مخصصين لحديث بن عمر عند أبي داود والنسائي وبن خزيمة وبن حِبَّانَ بِلَفْظِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ عَلَى فَرْضِ شُمُولِهِ لِإِعَادَةِ الْفَرِيضَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْإِعَادَةُ بِنِيَّةِ الِافْتِرَاضِ أَوِ التَّطَوُّعِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ النَّهْيُ مُخْتَصًّا بِإِعَادَةِ الْفَرِيضَةِ بِنِيَّةِ الِافْتِرَاضِ فَقَطْ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مِحْجَنٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ صَحَابِيٌّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِلَفْظِ أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأذن بالصلاة

فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى وَرَجَعَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مسلم فقال بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنْ كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جِئْتَ الْمَسْجِدَ وَكُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ وَرَوَاهُ أَيْضًا النسائي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (وَيَزِيدُ بْنُ عَامِرٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إلا بن ماجه وأخرجه أيضا الدارقطني وبن حبان والحاكم وصححه بن السَّكَنِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لِأَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْأَسْوَدِ لَيْسَ لَهُ رَاوٍ غَيْرُ ابْنِهِ وَلَا لِابْنِهِ جَابِرٍ رَاوٍ غَيْرُ يَعْلَى قَالَ الْحَافِظُ يَعْلَى مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ وَجَابِرٌ ثِقَةٌ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ وَجَدْنَا لِجَابِرِ بن يزيد راويا غير يعلى أخرجه بن مَنْدَهْ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ ذِي حِمَايَةٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا فِي الْجَمَاعَةِ) أَيِ الصَّلَوَاتِ الخمس كلها في الجماعة بعموم أَحَادِيثِ الْبَابِ وَلِلتَّصْرِيحِ فِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ بِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا إِلَخْ كَانَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُعِيدُ الصُّبْحَ وَلَا الْعَصْرَ وَلَا الْمَغْرِبَ لِكَرَاهَةِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَلِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ التَّطَوُّعِ وِتْرًا قُلْتُ حَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّخُولِ مَعَ الْجَمَاعَةِ بِنِيَّةِ التَّطَوُّعِ لِمَنْ كَانَ قَدْ صَلَّى تِلْكَ الصَّلَاةَ وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ وَقْتَ كَرَاهَةٍ لِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فَيَكُونُ هَذَا مُخَصِّصًا لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِكَرَاهَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَمَنْ جَوَّزَ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ الْحَقَ مَا سَاوَاهُ مِنْ أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْجَمَاعَاتِ الَّتِي تُقَامُ فِي الْمَسَاجِدِ لَا الَّتِي تُقَامُ فِي غَيْرِهَا فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِمَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ (ويشفع بركعة) روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ إِذَا أَعَادَ الْمَغْرِبَ شَفَعَ بِرَكْعَةٍ (وَالَّتِي

باب ما جاء في الجماعة في مسجد

صَلَّى وَحْدَهُ هِيَ الْمَكْتُوبَةُ عِنْدَهُمْ) وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِحَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَسْوَدَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ حَيْثُ قَالَ وَلْتَجْعَلْهَا نَافِلَةً كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قُلْتُ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْفَرِيضَةَ هِيَ الثَّانِيَةُ فَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ كَمَا قَدْ عَرَفْتَ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ) قَدْ صُلِّيَ فِيهِ مَرَّةً قوله (نا عبدة) بإسكان الباء هو بن سُلَيْمَانَ الْكِلَابِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَالْأَعْمَشِ وَطَائِفَةٍ وَعَنْهُ أَحْمَدُ وإسحاق وهناد بن السري وأبو كريب وخلق وثقه أحمد وبن سَعْدٍ وَالْعِجْلِيُّ قَالَ أَحْمَدُ مَاتَ سَنَةَ 781 سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ) ثِقَةٌ حَافِظٌ لَهُ تَصَانِيفُ لَكِنَّهُ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ وَاخْتَلَطَ وَكَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي قَتَادَةَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قُلْتُ قَدْ تَابَعَهُ وُهَيْبٌ عَنْ سُلَيْمَانَ النَّاجِيِّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَلَا يَضُرُّ تَدْلِيسُهُ وَاخْتِلَاطُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (عَنْ سُلَيْمَانَ النَّاجِيِّ) بِالنُّونِ وَالْجِيمِ وَيُقَالُ لَهُ سُلَيْمَانُ الْأَسْوَدُ أَيْضًا وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أبي داود وثقه بن مَعِينٍ (أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ) بِشَدَّةِ التَّاءِ مِنِ اتَّجَرَ يتجر إتجارا من باب الافتعال قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ التَّاءِ مَعَ الْجِيمِ وَفِيهِ مَنْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ هَكَذَا يَرْوِيهِ بَعْضُهُمْ وَهُوَ يَفْتَعِلُ مِنَ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ يَشْتَرِي بِعَمَلِهِ الثَّوَابَ وَلَا يَكُونُ مِنَ الْأَجْرِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ لَا تُدْغَمُ فِي التَّاءِ فَإِنَّمَا يُقَالُ فِيهِ يَأْتَجِرُ وَقَالَ فِي بَابِ الْهَمْزَةِ مَعَ الْجِيمِ فِي حَدِيثِ الْأَضَاحِي كُلُوا وَادَّخِرُوا وَاتَّجِرُوا أَيْ تَصَدَّقُوا طَالِبِينَ الْأَجْرَ بِذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ اتَّجِرُوا بِالْإِدْغَامِ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ لَا تُدْغَمُ فِي التَّاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْأَجْرِ لَا التِّجَارَةِ وَقَدْ أَجَازَهُ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَابِهِ وَاسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخِرِ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ فَقَالَ مَنْ يَتَّجِرُ فَيَقُومُ فَيُصَلِّي مَعَهُ وَالرِّوَايَةُ إِنَّمَا هِيَ يَأْتَجِرُ وَإِنْ صَحَّ فِيهَا يَتَّجِرُ فَيَكُونُ مِنَ التِّجَارَةِ لَا الْأَجْرِ كَأَنَّهُ بِصَلَاتِهِ مَعَهُ قَدْ حَصَّلَ لِنَفْسِهِ تِجَارَةٌ أي مكسبا انتهى كلام بن الأثير

قُلْتُ فِي قَوْلِهِمُ الْهَمْزَةُ لَا تُدْغَمُ فِي التَّاءِ تَأَمُّلٌ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَكَانَ يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَفِي اتَّخَذَ وَاتَّزَرَ قَدْ أُدْغِمَتِ الْهَمْزَةُ فِي التَّاءِ وَأَمَّا إِنْكَارُ النُّحَاةِ الْإِدْغَامَ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ فَأَتَّزِرُ فَلَا وَجْهَ له مع صحة روايتها بالإدغام قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ فِي الْمُفَصَّلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ فَأَتَّزِرُ خَطَأٌ خَطَأٌ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ فَأَتَّزِرُ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ وَهِيَ مِنْ فُصَحَاءِ الْعَرَبِ حجة فالمخطىء مخطىء انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا فِي بَابِ مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ فَتَذَكَّرْ فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَيُّكُمْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا أَيُّكُمْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا طَالِبًا الْأَجْرَ بِذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا قَالَ الْمَظْهَرِيُّ سَمَّاهُ صَدَقَةً لِأَنَّهُ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِثَوَابِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً إِذْ لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إِلَّا ثَوَابُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ انْتَهَى (فَقَامَ رَجُلٌ) هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ الَّذِي قَامَ فَصَلَّى مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي مُوسَى وَالْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ فَقَامَ رَجُلٌ فَصَلَّى مَعَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَانِ جَمَاعَةٌ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ لَهُ طُرُقٌ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَحَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُمَا وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَتَّجِرُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وكذا قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى فَقَالَ أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبُو جَابِرٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ أَدْرَكْتُهُ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِي الْحَدِيثِ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَفِيهِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَشْقَرُ وهو ضعيف جدا وقد وثقه بن حِبَّانَ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عِصْمَةَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَالْهَيْثَمِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وأخرجه أيضا بن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ

قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم من التابعين) وهو قول بن مسعود رضي الله عنه قال بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ سلمة بن كهيل أن بن مَسْعُودٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّوْا فَجَمَعَ بِعَلْقَمَةَ وَمَسْرُوقٍ وَالْأَسْوَدِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَجَاءَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ مَرَّ بِنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فِي مَسْجِدِ بَنِي ثَعْلَبَةَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِيهِ فَأَمَرَ فأذن وأقام ثم صلى بأصحابه وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طُرُقٍ عَنِ الْجَعْدِ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيِّ عَنِ الْجَعْدِ نَحْوُهُ وَقَالَ فِي مَسْجِدِ بَنِي رِفَاعَةَ وَقَالَ فَجَاءَ أَنَسٌ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ مِنْ فِتْيَانِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ص 096 وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ فِي رِوَايَةٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَشْهَبُ عَمَلًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ الْحَدِيثَ انْتَهَى وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْحَقُّ وَدَلِيلُهُ أَحَادِيثُ الْبَابِ قَوْلُهُ (وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُصَلُّونَ فُرَادَى وَبِهِ يقول سفيان وبن الْمُبَارَكِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَخْتَارُونَ الصَّلَاةَ فُرَادَى) وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ مِنْ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَوَجَدَ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا فَمَالَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ فَصَلَّى بِهِمْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَقَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ انْتَهَى وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يُعْلَمُ حَالُهُ كَيْفَ هُوَ صَحِيحٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ أم

لَا وَأَمَّا قَوْلُ الْهَيْثَمِيِّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ فَلَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ بِالْعَنْعَنَةِ أَوْ يَكُونَ فِيهِمْ مُخْتَلِطٌ وَرَوَاهُ عَنْهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ أَوْ يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ أَوْ يَكُونَ فِيهِ عِلَّةٌ أَوْ شُذُوذٌ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَعْضِ رِوَايَاتِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ ثِقَةِ الرِّجَالِ صِحَّةُ الْحَدِيثِ حَتَّى يَنْتَفِيَ منه الشذوذ والعلة وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ فِي الْكَلَامِ عَلَى بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ بَيْعِ الْعِينَةِ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ رِجَالِ الْحَدِيثِ ثِقَاتٍ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا انْتَهَى هَذَا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ رِجَالَ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ عَلَى مَا قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ إِنَّ فِي سَنَدِهِ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَحْيَى وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَلَفْظُهُ هَكَذَا وَلَقَدْ صَنَّفَ مَوْلَانَا الْكنكُوهِيُّ رِسَالَةً فِي مَسْأَلَةِ الْبَابِ وَأَتَى فِيهِ بِحَدِيثِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَذَهَبَ إِلَى بَيْتِهِ وَجَمَعَ أَهْلَهُ وَصَلَّى بِالْجَمَاعَةِ وَلَوْ كَانَتِ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ جَائِزَةً بِلَا كَرَاهَةٍ لَمَا تَرَكَ فَضْلَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ أَخْرَجَهُ فِي مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ وَقَالَ الْحَافِظُ نُورُ الدِّينِ الْهَيْثَمِيُّ إِنَّ رِجَالَ السَّنَدِ ثِقَاتٌ مُحَسَّنَةٌ وَأَقُولُ إِنَّ فِي سَنَدِهِ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَحْيَى مِنْ رِجَالِ التَّهْذِيبِ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ لَا شَكَّ فِي أَنَّ فِي سَنَدِهِ مُعَاوِيَةَ بْنَ يَحْيَى أَبَا مُطِيعٍ الْأَطْرَابُلُسِيَّ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ أَحَادِيثَهُ الْمَنَاكِيرَ وَذَكَرَ فِيهَا حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ هَذَا أَيْضًا حَيْثُ قَالَ فِيهِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ مِنْ بَعْضِ نَوَاحِي الْمَدِينَةِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَوَجَدَهُمْ قَدْ صَلَّوْا فَانْصَرَفَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ وَأَمَّا رِسَالَةُ الشَّيْخِ الكنكُوهِيِّ فَقَدْ صَنَّفَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا فِي الرَّدِّ عَلَيْهَا رِسَالَةً حَسَنَةً جَيِّدَةً وَأَجَابَ عَنْ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّيْخُ الكنكُوهِيُّ جَوَابًا شَافِيًا وَمِنْهَا أَنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ بِنَصٍّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَهْلَهُ فَصَلَّى بِهِمْ فِي مَنْزِلِهِ بَلْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ مَيْلُهُ إِلَى مَنْزِلِهِ لِجَمْعِ أَهْلِهِ لَا لِلصَّلَاةِ فِيهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلًا لِاسْتِحْبَابِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ مَرَّةً لَا لِكَرَاهَتِهَا فَمَا لَمْ يُدْفَعْ هَذَا الِاحْتِمَالُ كَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِأَهْلِهِ فِي مَنْزِلِهِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ كَرَاهَةُ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ بَلْ غَايَةُ مَا يَثْبُتُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ جَاءَ رَجُلٌ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِيهِ بَلْ يَخْرُجُ مِنْهُ فَيَمِيلُ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيُصَلِّيَ بِأَهْلِهِ فِيهِ وَأَمَّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ بِالْجَمَاعَةِ أَوْ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ فَلَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ كَمَا لَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى كَرَاهَةِ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مُنْفَرِدًا وَمِنْهَا أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ لِأَجْلِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ

لَثَبَتَ مِنْهُ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فُرَادَى أَيْضًا فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ لَا مُنْفَرِدًا وَلَا بِالْجَمَاعَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ الْمَذْكُورِ عَلَى كَرَاهَةِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ فُرَادَى لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَمْ أَجِدْ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ الْكنكُوهِيِّ لَوْ كَانَتِ الْجَمَاعَةُ الثَّانِيَةُ جَائِزَةً بِلَا كَرَاهَةٍ لَمَا تَرَكَ فَضْلَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ فُرَادَى أَيْضًا فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَوْ كَانَتِ الصَّلَاةُ فُرَادَى جَائِزَةً بِلَا كَرَاهَةٍ فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ بِالْجَمَاعَةِ لَمَا تَرَكَ فَضْلَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فَتَفَكَّرْ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ الْفُقَهَاءَ الْحَنَفِيَّةَ يَذْكُرُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَثَرًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَسْتَدِلُّونَ بِهِ أَيْضًا عَلَى كَرَاهَةِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الشَّامِيُّ فِي رَدِّ الْمُخْتَارِ وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا إِذَا فَاتَتْهُمُ الْجَمَاعَةُ صَلَّوْا فُرَادَى انْتَهَى قُلْتُ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَلْبَتَّةَ بَلْ ثَبَتَ عَنْهُ خِلَافُهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَجَاءَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَأَذَّنَ وَأَقَامَ وَصَلَّى جَمَاعَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَنْ أَخْرَجَهُ موصولا نعم أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ إِذَا دَخَلُوا فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ صَلَّوْا فُرَادَى انْتَهَى لَكِنْ قَدْ صَرَّحَ الْحَسَنُ بِأَنَّ صَلَاتَهُمْ فُرَادَى إِنَّمَا كَانَتْ لِخَوْفِ السلطان قال بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ إِنَّمَا كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْمَعُوا مَخَافَةَ السُّلْطَانِ انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ مَا لَفْظُهُ وَاقِعَةُ الْبَابِ لَيْسَ حُجَّةً عَلَيْنَا فَإِنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ وَالْمُقْتَدِي مُفْتَرِضَيْنِ وَفِي حَدِيثِ الْبَابِ كَانَ الْمُقْتَدِي مُتَنَفِّلًا انْتَهَى قُلْتُ إِذَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ حُصُولُ ثَوَابِ الْجَمَاعَةِ بِمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ فَحُصُولُ ثَوَابِهَا بِمُفْتَرِضَيْنِ بِالْأَوْلَى وَمَنِ ادَّعَى الْفَرْقَ فَعَلَيْهِ بَيَانُ الدَّلِيلِ الصَّحِيحِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَدَمُ جَوَازِ تَكْرَارِ الْجَمَاعَةِ أَصْلًا لَا بِمُفْتَرِضَيْنِ وَلَا بِمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ فَالْقَوْلُ بِجَوَازِ تَكْرَارِهَا بِمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ وَعَدَمِ جَوَازِ تَكْرَارِهَا بِمُفْتَرِضَيْنِ مِمَّا لَا يُصْغَى إِلَيْهِ كَيْفَ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَنَسًا جَاءَ فِي نَحْوِ عِشْرِينَ مِنْ فِتْيَانِهِ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً وَظَاهِرٌ أَنَّهُ وَفِتْيَانَهُ كُلَّهُمْ كَانُوا مفترضين وكذلك جاء بن مَسْعُودٍ إِلَى مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَ فِيهِ فَجَمَعَ بِعَلْقَمَةَ وَمَسْرُوقٍ وَالْأَسْوَدِ وَظَاهِرٌ أَنَّهُ وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ كُلَّهُمْ كَانُوا مُفْتَرِضِينَ فَتَفَكَّرْ

باب ما جاء في فضل صلاة العشاء والفجر في جماعة

52 - (باب ما جاء في فضل صلاة العشاء والفجر في جماعة) قَوْلُهُ (نَا بِشْرُ بْنُ السُّرِّيِّ) الْأَفْوَهُ بَصْرِيٌّ سَكَنَ مَكَّةَ وَكَانَ وَاعِظًا ثِقَةً مُتْقِنًا طُعِنَ فِيهِ بِرَأْيِ جَهْمٍ ثُمَّ اعْتَذَرَ وَتَابَ رَوَى عن الثوري وغيره (حدثنا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْحَكِيمِ) بْنِ عَبَّادِ بْنِ حَنِيفٍ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ أَبُو سَهْلٍ الْمَدَنِيِّ ثُمَّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ عَبْدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ) الْأَنْصَارِيِّ النَّجَّارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ مَنْ شَهِدَ الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ قِيَامُ نِصْفِ لَيْلَةٍ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ كَقِيَامِ لَيْلَةٍ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ قَالَ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ بَابُ فَضْلِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ والفجر وَبَيَانُ أَنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ فِي الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ وَأَنَّ فَضْلَهَا فِي الْجَمَاعَةِ ضِعْفَا فَضْلِ الْعِشَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عُثْمَانَ بِنَحْوِ لَفْظِ مُسْلِمٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ يُدَافِعُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّتِي تَقْتَضِي بِظَاهِرِهَا أَنَّ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ كَانَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ وَنِصْفٍ وَبَيْنَ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ قُلْتُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فِي رِوَايَةٍ مُسْلِمٍ أَيْ مُنْضَمًّا لصلاة العشاء جماعة قاله المناوي وقال القارىء في المرقاة في شرح قولهه فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ أَيْ بِانْضِمَامِ ذَلِكَ النصف فكأنه أحي نِصْفَ اللَّيْلِ الْأَخِيرَ انْتَهَى وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيِّنُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن

عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَعُمَارَةَ بْنِ أَبِي رُوَيْبَةَ وَجُنْدُبٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مُوسَى وبريدة) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ كَانَ كَعِدْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِي إِسْنَادِهِ ضَعِيفٌ غَيْرُ مُتَّهَمٍ بِالْكَذِبِ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَارَةَ بْنِ رُوَيْبَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَمَّا حَدِيثُ جُنْدُبٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَمَّا حديث أبي بن كعب فأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وبن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِمُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (عَنْ جُنْدُبِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا (بْنِ سفيان) هو اسم جَدِّ جُنْدُبٍ وَاسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ يُنْسَبُ تَارَةً إِلَى أَبِيهِ وَتَارَةً إِلَى جَدِّهِ وَلَهُ صُحْبَةٌ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ أَيْ فِي عَهْدِهِ وَأَمَانِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهَذَا غَيْرُ الْأَمَانِ الَّذِي ثَبَتَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ فَلَا تَخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ خَفَرْتَ الرَّجُلَ أَجَرْتَهُ وَحَفِظْتَهُ وَأَخْفَرْتَ الرَّجُلَ إِذَا نَقَضْتَ عَهْدَهُ وَذِمَامَهُ وَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلْإِزَالَةِ أَيْ أَزَلْتَ خَفَارَتَهُ كَأَشْكَيْتُهُ إِذَا أَزَلْتُ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُثْمَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ولم يحكم الترمذي قَوْلُهُ بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ هَذَا مِنَ الْخِطَابِ الْعَامِّ ولم يرد به أمرا واحدا على

باب ما جاء في فضل الصف الأول

حَدِيثِ جُنْدُبِ بْنِ سُفْيَانَ بِشَيْءٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صحيح أخرجه مسلم بِعَيْنِهِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَالْمَشَّائِينَ جَمْعُ الْمَشَّاءِ وَهُوَ كَثِيرُ الْمَشْيِ بِالنُّورِ التَّامِّ الَّذِي يُحِيطُ بِهِمْ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِمْ أَيْ عَلَى الصِّرَاطِ لَمَّا قَاسَوْا مَشَقَّةَ الْمَشْيِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ جُوِّزُوا بِنُورٍ يُضِيءُ لَهُمْ وَيُحِيطُهُمْ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَقَالَ الطِّيبِيُّ فِي وَصْفِ النُّورِ بِالتَّامِّ وَتَقْيِيدِهِ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ تَلْمِيحٌ إِلَى وَجْهِ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نورنا إِلَى وَجْهِ الْمُنَافِقِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى انْظُرُونَا نقتبس من نوركم انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ رِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَقَدْ ذُكِرَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَحَادِيثُ أُخْرَى بِأَسَانِيدَ حِسَانٍ مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَى التَّرْغِيبِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ) قَوْلُهُ خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا لِقُرْبِهِمْ مِنَ الْإِمَامِ وَاسْتِمَاعِهِمْ لِقِرَاءَتِهِ وَبُعْدِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ وَشَرُّهَا آخِرُهَا لِقُرْبِهِمْ مِنَ النِّسَاءِ وَبُعْدِهِمْ مِنَ الْإِمَامِ وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا لِبُعْدِهِنَّ مِنَ الرِّجَالِ وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا لِقُرْبِهِنَّ مِنَ الرِّجَالِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَمَّا صُفُوفُ الرِّجَالِ فَهِيَ على عمومها فخيرها أولها أبدا وشهرها آخِرُهَا أَبَدًا أَمَّا صُفُوفُ النِّسَاءِ فَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ صُفُوفُ النِّسَاءِ اللَّوَاتِي يُصَلِّينَ مَعَ الرِّجَالِ وَأَمَّا إذا

صَلَّيْنَ مُتَمَيِّزَاتٍ لَا مَعَ الرِّجَالِ فَهُنَّ كَالرِّجَالِ خَيْرُ صُفُوفِهِنَّ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَالْمُرَادُ بِشَرِّ الصُّفُوفِ فِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَقَلُّهَا ثَوَابًا وَفَضْلًا وَأَبْعَدُهَا مِنْ مَطْلُوبِ الشَّرْعِ وَخَيْرُهَا بِعَكْسِهِ وَإِنَّمَا فَضَّلَ آخِرَ صُفُوفِ النِّسَاءِ الْحَاضِرَاتِ مَعَ الرِّجَالِ لِبُعْدِهِنَّ مِنْ مُخَالَطَةِ الرِّجَالِ وَرُؤْيَتِهِمْ وَتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِهِمْ عِنْدَ رُؤْيَةِ حَرَكَاتِهِمْ وَسَمَاعِ كَلَامِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَذَمَّ أَوَّلَ صُفُوفِهِنَّ بِعَكْسِ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَغْفِرُ لِلصَّفِّ الْأَوَّلِ ثلاثا وللثاني مرة) رواه النسائي وبن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَوْلُهُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ زَادَ أَبُو الشَّيْخِ فِي رِوَايَةٍ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا) أَيْ إِلَّا أَنْ يَقْتَرِعُوا قَالَ الْخَطَّابِيُّ قِيلَ لِلِاقْتِرَاعِ الِاسْتِهَامُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْتُبُونَ أَسْمَاءَهُمْ عَلَى سِهَامٍ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي الشَّيْءِ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ غَلَبَ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ لَمْ يَجِدُوا شَيْئًا مِنْ وُجُوهِ الْأَوْلَوِيَّةِ أَمَّا فِي الْأَذَانِ فَبِأَنْ يَسْتَوُوا فِي مَعْرِفَةِ الْوَقْتِ وَحُسْنِ الصَّوْتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِطِ الْمُؤَذِّنِ وَتَكْمِلَاتِهِ وَأَمَّا فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَبِأَنْ يَصِلُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَيَسْتَوُوا فِي الْفَضْلِ فَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ إِذَا لَمْ يَتَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ فِي الْحَالَيْنِ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ لِيَشْمَلَ الْأَمْرَيْنِ الْأَذَانَ وَالصَّفَّ الْأَوَّلَ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ فَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِمَا قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ

باب ما جاء في إقامة الصفوف

54 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِقَامَةِ الصُّفُوفِ) أَيْ فِي تَعْدِيلِهَا يُقَالُ أَقَامَ الْعُودَ إِذَا عَدَلَهُ وَسَوَّاهُ قَوْلُهُ (لَتُسَوُّنَّ) بِضَمِّ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ وَفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ هَذِهِ اللَّامُ هِيَ الَّتِي يُتَلَقَّى بِهَا الْقَسَمُ وَالْقَسَمُ هُنَا مُقَدَّرٌ وَلِهَذَا أَكَّدَهُ بِالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ قَوْلُهُ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ أَيْ إِنْ لَمْ تُسَوُّوا قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ يَمْسَخُهَا وَيُحَوِّلُهَا عَنْ صُوَرِهَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْعَلُ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ وَقِيلَ يُغَيِّرُ صِفَاتِهَا وَالْأَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَعْنَاهُ يُوقِعُ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَاخْتِلَافَ الْقُلُوبِ كَمَا يُقَالُ تَغَيَّرَ وَجْهُ فُلَانٍ عَلَيَّ أَيْ ظَهَرَ لِي مِنْ وَجْهِهِ كَرَاهَةٌ لِي وَتَغَيَّرَ قَلْبُهُ عَلَيَّ لِأَنَّ مُخَالَفَتَهُمْ فِي الصُّفُوفِ مُخَالَفَةٌ فِي ظَوَاهِرِهِمْ وَاخْتِلَافُ الظَّوَاهِرِ سَبَبٌ لِاخْتِلَافِ الْبَوَاطِنِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ بَيْنَ قُلُوبِكُمُ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى وُجُوبِ تَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَالْبَرَاءِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَلَهُ أَلْفَاظٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ تَوَسَّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ عَنِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمُ اللَّهُ فِي النار

باب ما جاء ليلني منكم أولو الأحلام

قَوْلُهُ (حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ إِقَامَةُ الصَّفِّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ إِقَامَةَ الصَّفِّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وروى عن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُوَكِّلُ رَجُلًا بِإِقَامَةِ الصُّفُوفِ وَلَا يُكَبِّرُ حَتَّى يُخْبَرَ أَنَّ الصُّفُوفَ قَدِ اسْتَوَتْ) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَإِذَا جَاءُوهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ كَبَّرَ (وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا كَانَا يَتَعَاهَدَانِ ذَلِكَ وَيَقُولَانِ اسْتَوُوا إِلَخْ) فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَامَتِ الصَّلَاةُ وَأَنَا أُكَلِّمُهُ فِي أَنْ يَفْرِضَ لِي فَلَمْ أَزَلْ أُكَلِّمُهُ وَهُوَ يَسْتَوِي الْحَصْبَاءَ بِنَعْلَيْهِ حَتَّى جَاءَهُ رِجَالٌ قَدْ كَانَ وَكَلَهُمْ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الصُّفُوفَ قَدِ اسْتَوَتْ فَقَالَ لِي اسْتَوِ فِي الصَّفِّ ثُمَّ كَبَّرَ 5 - (باب ما جاء ليلني منكم أولو الأحلام) والنهى قوله ليلني بِكَسْرِ اللَّامَيْنِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ قَبْلَ النُّونِ وَيَجُوزُ إِثْبَاتُ الْيَاءِ مَعَ تَشْدِيدِ النُّونِ عَلَى التَّوْكِيدِ كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ لِيَلِنِي بِحَذْفِ الْيَاءِ قَبْلَ النُّونِ وَفِي بَعْضِهَا بِإِثْبَاتِهَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ مِنْ حَقِّ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يُحْذَفَ مِنْهُ الْيَاءُ لِأَنَّهُ عَلَى صِيغَةِ الْأَمْرِ وَقَدْ وَجَدْنَا بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَسُكُونِهَا فِي سَائِرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَطٌ انْتَهَى وَالْمَعْنَى لِيَدْنُ مِنِّي فَإِنَّهُ مِنَ الْوَلْيِ بِمَعْنَى الدُّنُوِّ والقرب أولو الأحلام

تشديد النون على التوكيد والنهى قال بن سَيِّدِ النَّاسِ الْأَحْلَامُ وَالنُّهَى بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَهِيَ الْعُقُولُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِأُولِي الْأَحْلَامِ الْبَالِغُونَ وَبِأُولِي النُّهَى الْعُقَلَاءُ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْعَطْفُ فِيهِ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ وَأُلْفِي قَوْلَهَا كَذِبًا وَمَيْنًا وَهُوَ أَنَّ تَغَايُرَ اللَّفْظِ قَائِمٌ مَقَامَ تَغَايُرِ الْمَعْنَى وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ لِكُلِّ لَفْظٍ مَعْنًى مُسْتَقِلٌّ انْتَهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ الَّذِينَ يَقْرَبُونَ مِنْهُمْ فِي هَذَا الْوَصْفِ انْتَهَى وَقَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ كَالْمُرَاهِقِينَ أَوِ الَّذِينَ يَقْرَبُونَ الْأَوَّلِينَ فِي النُّهَى وَالْحِلْمِ (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) قَالَ القارىء كَالصِّبْيَانِ الْمُمَيِّزِينَ وَالَّذِينَ هُمْ أَنْزَلُ مَرْتَبَةً مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ حِلْمًا وَعَقْلًا وَالْمَعْنَى هَلُمَّ جَرًّا فَالتَّقْدِيرُ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَالنِّسَاءِ فَإِنَّ نَوْعَ الذَّكَرِ أَشْرَفُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِمُ الْخَنَاثَى فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَرْتِيبِ الصُّفُوفِ انْتَهَى كَلَامُ القارىء (وَلَا تَخْتَلِفُوا) أَيْ بِالْأَبْدَانِ (فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ) أَيْ أَهَوِيَتُهَا وَإِرَادَتُهَا قَالَ الطِّيبِيُّ فَتَخْتَلِفَ بِالنَّصْبِ أَيْ عَلَى جَوَابِ النَّهْيِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْقَلْبَ تَابِعٌ لِلْأَعْضَاءِ فَإِذَا اخْتَلَفَتِ اخْتَلَفَ وَإِذَا اخْتَلَفَ فَسَدَ فَفَسَدَتِ الْأَعْضَاءُ لِأَنَّهُ رَئِيسُهَا (وَإِيَّاكُمْ وَهَيْشَاتِ الْأَسْوَاقِ) قَالَ النَّوَوِيُّ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ اخْتِلَاطَهَا وَالْمُنَازَعَةَ وَالْخُصُومَاتِ وَارْتِفَاعَ الْأَصْوَاتِ وَاللَّغَطَ وَالْفِتَنَ الَّتِي فِيهَا انْتَهَى وَفِي الْمِرْقَاةِ جَمْعُ هَيْشَةٍ وَهِيَ رَفْعُ الْأَصْوَاتِ نَهَاهُمْ عَنْهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ حُضُورٌ بَيْنَ يَدَيِ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونُوا فِيهَا عَلَى السُّكُوتِ وَآدَابِ الْعُبُودِيَّةِ وَقِيلَ هِيَ الِاخْتِلَاطُ وَالْمَعْنَى لَا تَكُونُوا مُخْتَلَطِينَ اخْتِلَاطَ أَهْلِ الْأَسْوَاقِ فَلَا يَتَمَيَّزُ أَصْحَابُ الْأَحْلَامِ وَالْعُقُولِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَلَا يَتَمَيَّزُ الصِّبْيَانُ وَالْإِنَاثُ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْأَنْسَبُ بِالْمَقَامِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى قُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِأُمُورِ الْأَسْوَاقِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَلُونِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ) أَمَّا حديث

باب ما جاء في كراهية الصف بين السواري

أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَالْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَالْحَاكِمُ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ السَّرْهَنْدِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ أنس فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يَلِيَهُ الْمُهَاجِرُونَ والأنصار ليأخذوا عنه (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كان يعجبه إلخ) رواه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا قَوْلُهُ (هُوَ خَالِدُ بْنُ مِهْرَانَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ (وَيُكَنَّى أَبَا الْمَنَازِلِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وقيل بضمها وكسر الزاء (أن خَالِدٍ الْحَذَّاءِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ (ما حذا نعلا ال فِي الْقَامُوسِ حَذَا النَّعْلَ حَذْوًا وَحِذَاءً قَدَرَهَا وَقَطَعَهَا 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الصَّفِّ بَيْنَ السَّوَارِي) جَمْعُ سَارِيَةٍ بِمَعْنَى الْأُسْطُوَانَةِ

قَوْلُهُ (كُنَّا نَتَّقِي هَذَا) أَيِ الصَّلَاةَ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ الْمُزَنِيِّ) قَالَ كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ هَارُونُ بْنُ مُسْلِمٍ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ يَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِلَفْظِ كُنَّا نُنْهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي وَنُطْرَدُ عَنْهَا وَقَالَ لَا تُصَلُّوا بَيْنَ الْأَسَاطِينِ وَأَتِمُّوا الصُّفُوفَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الخمسة إلا بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُصَفَّ بَيْنَ السَّوَارِي وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ عن بن مسعود وبن عباس وحذيفة قال بن سَيِّدِ النَّاسِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ وَالْعِلَّةُ فِي الْكَرَاهَةِ مَا قَالَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ إِمَّا لِانْقِطَاعِ الصَّفِّ أَوْ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ جَمْعِ النِّعَالِ قال بن سَيِّدِ النَّاسِ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِأَنَّ الثَّانِيَ مُحْدَثٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رُوِيَ أَنَّ سَبَبَ كَرَاهَةِ ذَلِكَ أَنَّهُ مُصَلَّى جِنِّ الْمُؤْمِنِينَ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ) أَيِ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي رَخَّصَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ ومالك والشافعي وبن الْمُنْذِرِ قِيَاسًا عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ قَالُوا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى في الكعبة بين الساريتين قال بن رسلان وأجازه الحسن وبن سِيرِينَ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفْلَةَ يَؤُمُّونَ قَوْمَهُمْ بَيْنَ الْأَسَاطِينِ وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ حَدِيثُ قُرَّةَ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا ذِكْرُ النَّهْيِ عَنِ الصَّفِّ بَيْنَ السَّوَارِي وَلَمْ يَقُلْ كُنَّا نُنْهَى عَنِ الصَّلَاةِ بَيْنَ السَّوَارِي فَفِيهِ

باب ما جاء في الصلاة خلف الصف وحده

دَلِيلٌ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَالْمُنْفَرِدِ وَلَكِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِيهِ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا فَيُحْمَلُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَلَى هَذَا مُخْتَصًّا بِصَلَاةِ الْمُؤْتَمِّينَ دُونَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُقَالُ وَأَمَّا قِيَاسُ الْمُؤْتَمِّينَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فَفَاسِدُ الِاعْتِبَارِ لِمُصَادَمَتِهِ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ انْتَهَى 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ) قَوْلُهُ (عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ) بِكَسْرِ التَّحْتَانِيَّةِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ فَاءٍ ويقال بن إِسَافٍ الْأَشْجَعِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ (وَنَحْنُ بِالرَّقَّةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَشَدَّةِ الْقَافِ اسْمُ مَوْضِعٍ قَوْلُهُ (فَقَالَ زِيَادٌ حَدَّثَنِي هَذَا الشَّيْخُ) يَعْنِي وَابِصَةَ بْنَ مَعْبَدٍ (وَالشَّيْخُ يَسْمَعُ) هَذَا مَقُولُ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ وَهُوَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ فَقَالَ زِيَادٌ حَدَّثَنِي هَذَا الشَّيْخُ أَنَّ رَجُلًا إِلَخْ وَالْحَالُ أَنَّ الشَّيْخَ كَانَ يَسْمَعُ كَلَامَهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ (فَأَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ لَا تَصِحُّ وَأَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن علي بن شيبان وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ فَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَوَقَفَ حَتَّى انْصَرَفَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ اسْتَقْبِلْ صَلَاتَكَ فَلَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ رَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ حديث حسن قال بن سَيِّدِ النَّاسِ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ مَعْرُوفُونَ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ عن أبيه وعبد الرحمن قال فيه بن حَزْمٍ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا عَابَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بَدْرٍ وَهَذَا لَيْسَ جُرْحَةً انْتَهَى وَيَشْهَدُ لحديث علي بن شيبان ما أخرجه بن حبان عن

طَلْقٍ مَرْفُوعًا لَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ كذا في النيل وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ فَجَرَّنِي حَتَّى جَعَلَنِي حِذَاءَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ وَابِصَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ أحمد وبن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَبِهِ قَالَ بَعْضُ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ كَابْنِ خُزَيْمَةَ وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَبِهِ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تُجْزِئُهُ إِذَا صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَأَحْكَامُ الرِّجَالِ والنساء في ذلك سواء انتهى وقال بن بَطَّالٍ لَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ كَانَ لِلرَّجُلِ أَوْلَى انْتَهَى وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا سَاغَ ذَلِكَ لِلْمَرْأَةِ لِامْتِنَاعِ أَنْ تَصُفَّ مَعَ الرِّجَالِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَصُفَّ مَعَهُمْ وَأَنْ يُزَاحِمَهُمْ وَأَنْ يَجْذِبَ رَجُلًا مِنْ حَاشِيَةِ الصَّفِّ فَيَقُومَ مَعَهُ فَافْتَرَقَا قَالَ الْحَافِظُ في الفتح قال بن خُزَيْمَةَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَرْءِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا بِاتِّفَاقٍ مِمَّنْ يَقُولُ تُجْزِئُهُ أَوْ لَا تُجْزِئُهُ وَصَلَاةُ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ امْرَأَةٌ أُخْرَى مَأْمُورٌ بِهَا بِاتِّفَاقٍ فَكَيْفَ يُقَاسُ مَأْمُورٌ عَلَى مَنْهِيٍّ انْتَهَى وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِحَدِيثِ بن عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَجَعَلَهُ حِذَاءَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وأجيب عنه بأن رواية بن عَبَّاسٍ هَذِهِ هِيَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي صِفَةِ دُخُولِهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي بَاتَ فِيهَا عِنْدَ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا

أَنَّهُ قَامَ عَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلَهُ عَنْ يَمِينِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَرْجَحُ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ ومحي السُّنَّةِ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الِانْفِرَادَ خَلْفَ الصَّفِّ لَا يُبْطِلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ وَأَرْشَدَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بِمَا هُوَ أَفْضَلُ بِقَوْلِهِ وَلَا تَعُدْ فَإِنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ إِذْ لَوْ كَانَ لِلتَّحْرِيمِ لَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ انْتَهَى وقال بن الْهُمَامِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَحَمَلَ أَئِمَّتُنَا حَدِيثَ وَابِصَةَ عَلَى النَّدْبِ وَحَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ لِيُوَافِقَا حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ إِذْ ظَاهِرُهُ عَدَمُ لُزُومِ الْإِعَادَةِ لِعَدَمِ أَمْرِهِ بِهَا انْتَهَى كَلَامُهُ مُحَصَّلًا قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ جَمَعَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ يَعْنِي بَيْنَ حَدِيثِ وَابِصَةَ وَحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ بِأَنَّ حَدِيثَ أَبِي بَكْرَةَ مُخَصِّصٌ لِعُمُومِ حَدِيثِ وَابِصَةَ فَمَنِ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ ثُمَّ دَخَلَ فِي الصَّفِّ قَبْلَ الْقِيَامِ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَإِلَّا فَيَجِبُ عَلَى عُمُومِ حَدِيثِ وَابِصَةَ وَعَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ انْتَهَى وَهَذَا الْجَمْعُ حَسَنٌ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِلَا تَكَلُّفٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أعلم

باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه رجل

فَائِدَةٌ قَدِ اخْتُلِفَ فِي مَنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً وَلَا سَعَةً فِي الصَّفِّ مَا الَّذِي يَفْعَلُ فَقِيلَ إِنَّهُ يَقِفُ مُنْفَرِدًا وَلَا يَجْذِبُ إِلَى نَفْسِهِ أَحَدًا لِأَنَّهُ لَوْ جَذَبَ إِلَى نَفْسِهِ وَاحِدًا لَفَوَّتَ عَلَيْهِ فَضِيلَةَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَلَأَوْقَعَ الْخَلَلَ فِي الصَّفِّ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَحَكَاهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ يَجْذِبُ إِلَى نَفْسِهِ وَاحِدًا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَجْذُوبِ أَنْ يُسَاعِدَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الدَّاخِلِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالْحَاضِرِ فِي ابْتِدَائِهَا فِي ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الدَّاخِلَ إِلَى الصَّلَاةِ وَالصُّفُوفُ قَدِ اسْتَوَتْ وَاتَّصَلَتْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْذِبَ إِلَى نَفْسِهِ وَاحِدًا لِيَقُومَ مَعَهُ وَاسْتَقْبَحَ ذَلِكَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَكَرِهَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ بِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَابِصَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ أَيُّهَا الْمُصَلِّي هَلَّا دَخَلْتَ فِي الصَّفِّ أَوْ جَرَرْتَ رَجُلًا مِنَ الصَّفِّ أَعِدْ صَلَاتَكَ وَفِيهِ السُّرِّيُّ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي تَارِيخِ أَصْبَهَانَ لِأَبِي نُعَيْمٍ وَفِيهَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ وَفِيهِ ضَعْفٌ لِأَبِي دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ رِوَايَةِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ مَرْفُوعًا إِنْ جَاءَ رَجُلٌ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا فَلِيَخْتَلِجْ إِلَيْهِ رَجُلًا مِنَ الصَّفِّ فَلِيَقُمْ مَعَهُ فَمَا أَعْظَمَ أجر المختلج وأخرج الطبراني عن بن عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ قَالَ الْحَافِظُ وَاهٍ بِلَفْظِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْآتِيَ وَقَدْ تَمَّتِ الصُّفُوفُ أَنْ يَجْتَذِبَ إِلَيْهِ رَجُلًا يقيمه إلى جنبه كَذَا فِي النَّيْلِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي وَمَعَهُ رَجُلٌ)

باب ما جاء في الرجل يصلي مع الرجلين

قَوْلُهُ (ذَاتَ لَيْلَةٍ) أَيْ فِي لَيْلَةٍ وَلَفْظُ ذَاتَ مُقْحَمٌ وَقَالَ جَارُ اللَّهِ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمُسَمَّى إِلَى اسْمِهِ (فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَأْسِي مِنْ وَرَائِي) كِلَا الْجَارَّيْنِ مُتَعَلِّقَانِ بِأَخَذَ (فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينِهِ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ الْوَاحِدَ يَقِفُ على يمين الْإِمَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ فِيهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِ وَبِأُمِّهِ أَوْ خَالَتِهِ قَالَ فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ وَأَقَامَ الْمَرْأَةَ خَلْفَنَا أخرجه مسلم قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي مَعَ الرَّجُلَيْنِ) قَوْلُهُ (أَنْ يَتَقَدَّمَنَا أَحَدُنَا) مَعْمُولٌ لِقَوْلِهِ أَمَرَنَا عَلَى حَذْفِ الْبَاءِ أَيْ بِأَنْ يَتَقَدَّمَنَا أحدنا وإذا كُنَّا ظَرْفُ يَتَقَدَّمَنَا وَجَازَ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَنِ الْمَصْدَرِيَّةِ لِلِاتِّسَاعِ فِي الظُّرُوفِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ

قوله (وفي الباب عن بن مسعود وجابر) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قال دخلت أنا وعمي علقمة على بن مَسْعُودٍ بِالْهَاجِرَةِ قَالَ فَأَقَامَ الظُّهْرَ لِيُصَلِّيَ فَقُمْنَا خَلْفَهُ فَأَخَذَ بِيَدِي وَيَدِ عَمِّي ثُمَّ جَعَلَ أَحَدَنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ فَصَفَفَنَا صَفًّا وَاحِدًا قَالَ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصنع إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مَعْنَاهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا وَسَيَجِيءُ لَفْظُهُ الْمُخْتَصَرُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّيَ فَجِئْتُ حَتَّى قُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَدَارَنِي حَتَّى أَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِيَدَيْنَا جَمِيعًا فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي إِسْنَادِهِ إسماعيل بن مسلم وقد تكلم بَعْضُ النَّاسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ لَكِنَّهُ مُؤَيَّدٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ صَلَّيْتُ أَنَا وَيَتِيمٌ فِي بَيْتِنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمُّ سُلَيْمٍ خَلْفَنَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً قَامَ رجلان خلف الامام) وهو الحق وقال بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَصَاحِبَاهُ الْأَسْوَدُ وَعَلْقَمَةُ وَنَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَامَ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ وَخَالَفَهُمْ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى بِعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ فَأَقَامَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ يَسَارِهِ إِلَخْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَتَقَدَّمَ آنِفًا لَفْظُهُ وبه قال بعض الكوفيين واحتجوا

باب ما جاء في الرجل يصلي ومعه رجال ونساء

بحديث بن مسعود هذا وأجاب عنه بن سِيرِينَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِضِيقِ الْمَكَانِ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ أَصَلَّى مَنْ خَلْفَكُمْ قَالَا نَعَمْ فَقَامَ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَ أَحَدَهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرَ عَنْ شِمَالِهِ ثُمَّ رَكَعْنَا فَوَضَعْنَا أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا فَضَرَبَ أَيْدِيَنَا ثُمَّ طَبَّقَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ جَعَلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ فلما صلى قال هكذا فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مذهب بن مَسْعُودٍ وَصَاحِبَيْهِ وَخَالَفَهُمْ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى الْآنِ فَقَالُوا إِذَا كَانَ مَعَ الْإِمَامِ رجلان وقفا وراءه صفا لحديث جابر وَجَبَّارِ بْنِ صَخْرٍ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ عَنْ جَابِرٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً يَقِفُونَ وَرَاءَهُ وَأَمَّا الْوَاحِدُ فَيَقِفُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ فِيهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرجل يصلي ومعه رجال ونساء) قوله (قَوْلُهُ أَنَّ جَدَّتَهُ) أَيْ جَدَّةَ أَنَسٍ (مُلَيْكَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ تَصْغِيرُ مَلِكَةٍ وَقِيلَ ضَمِيرُ جَدَّتِهِ يَرْجِعُ إِلَى إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْكَلَامَ فِي هَذَا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ (مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ) أَيِ اسْتُعْمِلَ وَفِيهِ أَنَّ الِافْتِرَاشَ يُسَمَّى لُبْسًا (فَنَضَحَتْهُ بِالْمَاءِ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّضْحُ لِتَلْيِينِ الْحَصِيرِ أَوْ لِتَنْظِيفِهِ أَوْ لِتَطْهِيرِهِ وَلَا يَصِحُّ الْجَزْمُ بِالْأَخِيرِ بَلِ الْمُتَبَادِرُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ (وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا) هِيَ مُلَيْكَةُ الْمَذْكُورَةُ ثُمَّ انْصَرَفَ أَيْ إِلَى بَيْتِهِ أَوْ مِنَ الصَّلَاةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ صَلَاةُ النَّافِلَةِ جَمَاعَةً فِي الْبُيُوتِ وَقِيَامُ الصَّبِيِّ مَعَ الرَّجُلِ صَفًّا وَتَأْخِيرُ النِّسَاءِ عَنْ صُفُوفِ الرِّجَالِ وَقِيَامُ الْمَرْأَةِ صَفًّا وَحْدَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا امْرَأَةٌ غَيْرُهَا وَصِحَّةُ صَلَاةِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَوُضُوئِهِ

باب من أحق بالإقامة

قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان 1 - (باب من أحق بالإقامة) قوله (وبن نمير) بالتصغير هو عبد الله نمير الهمداني الخارقي أَبُو هِشَامٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ صَاحِبُ حَدِيثٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ رَوَى عَنِ الْأَعْمَشِ وَغَيْرِهِ قَالَ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ مَاتَ سَنَةَ 991 تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ الزُّبَيْدِيِّ) بِضَمِّ الزَّايِ مُصَغَّرًا أَبِي إِسْحَاقَ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ تَكَلَّمَ فِيهِ الْأَزْدِيُّ بِلَا حُجَّةٍ (عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ جِيمٌ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ (سَمِعْتُ أَبَا مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّ) اسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْبَدْرِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ (عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا جِيمٌ قَوْلُهُ يَؤُمُّ الْقَوْمَ قَالَ الطِّيبِيُّ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ لِيَؤُمَّهُمْ (أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ

الْأَفْقَهُ وَقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَبِحَسَبِ ذَلِكَ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَفْقَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَقْرَأِ فَإِنَّ الَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَضْبُوطٌ وَالَّذِي يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْفِقْهِ غَيْرُ مَضْبُوطٍ فَقَدْ يَعْرِضُ فِي الصَّلَاةِ أَمْرٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُرَاعَاةِ الصَّلَاةِ فِيهِ إِلَّا كَامِلُ الْفِقْهِ وَلِهَذَا قَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْبَاقِينَ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَقْرَأُ مِنْهُ كَأَنَّهُ عَنَى حَدِيثَ أَقْرَؤُكُمْ أُبَيُّ قَالَ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْأَقْرَأَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ هُوَ الْأَفْقَهَ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا الْجَوَابُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ نَصَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ أَقْرَأُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ كَانَ أَفْقَهَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَيَفْسُدُ الِاحْتِجَاجُ بِأَنَّ تَقْدِيمَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ لِأَنَّهُ الْأَفْقَهُ انْتَهَى ثُمَّ قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ إِنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ فِي الْهِجْرَةِ يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ مُطْلَقًا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ وَاضِحٌ لِلْمُغَايِرَةِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُونُ عارفا بما يتعين معرفته من أحوال الصلاة فَأَمَّا إِذَا كَانَ جَاهِلًا بِذَلِكَ فَلَا يُقَدَّمُ اتِّفَاقًا وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الْعَصْرِ كَانُوا يَعْرِفُونَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ اللِّسَانِ فالأقرأ منهم بل القارىء كَانَ أَفْقَهَ فِي الدِّينِ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الفقهاء الذين جاؤا بَعْدَهُمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ وَرَوَاهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ إِلَّا أَنَّ الْحَاكِمَ قَالَ عِوَضُ قَوْلِهِ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا انْتَهَى قَالَ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ فَأَفْقَهُهُمْ فِقْهًا وَهِيَ لَفْظَةٌ عَزِيزَةٌ غَرِيبَةٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ وَسَنَدُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ فَذَكَرَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَفْقَهُهُمْ فِي الدِّينِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ سَوَاءً فأقرأهم لِلْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَسَكَتَ عَنْهُ وَالْبَاقُونَ مِنَ الْأَئِمَّةِ يُخَالِفُونَنَا فِي هَذِهِ الْمُسْألَةِ وَيَقُولُونَ إِنَّ الْأَقْرَأَ لِكِتَابِ اللَّهِ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَالِمِ كَمَا هُوَ لَفْظُ الْحَدِيثِ حَتَّى إِذَا اجْتَمَعَ مَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَهُوَ غَيْرُ عَالِمٍ وَفَقِيهٌ يَحْفَظُ يَسِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ يُقَدَّمُ حَافِظُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُمْ وَنَحْنُ نَقُولُ يُقَدَّمُ الْفَقِيهُ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْكِتَابِ بِأَنَّ الْأَقْرَأَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ أَعْلَمَهُمْ وَهَذَا يَرُدُّهُ لَفْظُ الْحَاكِمِ الْأَوَّلُ وَيُؤَيِّدُ مَذْهَبَنَا لَفْظُهُ الثَّانِي إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ بِالْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ قَالَ وَيَشْهَدُ لِلْخَصْمِ أَيْضًا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ ثُمَّ ذَكَرَهُ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَفِيهِ وَبَدَرَ أَبِي قَوْمَهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ حَقًّا فَقَالُوا صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَصَلَاةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ

قُرْآنًا فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ فَقَدَّمُونِي بين أيديهم وأنا بن سِتٍّ أَوْ سَبْعِ سِنِينَ إِلَخْ قُلْتُ الْقَوْلُ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ تَقْدِيمُ الْأَقْرَأِ عَلَى الْأَفْقَهِ وَقَدْ عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ أَنَّ مَحَلَّ تَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ حَيْثُ يَكُونُ عَارِفًا بِمَا يَتَعَيَّنُ مَعْرِفَتَهُ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَرَادَ بِهَا الْأَحَادِيثَ فَالْأَعْلَمُ بِهَا كَانَ هُوَ الْأَفْقَهُ فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً أَيِ انْتِقَالًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ الْفَتْحِ فَمَنْ هَاجَرَ أَوَّلًا فَشَرَفُهُ أَكْثَرُ مِمَّنْ هَاجَرَ بَعْدَهُ قَالَ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ الْآيَةَ وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَا يَؤُمَنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ أَيْ فِي مَظْهَرِ سَلْطَنَتِهِ وَمَحَلِّ وِلَايَتِهِ أَوْ فِيمَا يَمْلِكُهُ أَوْ فِي مَحَلٍّ يَكُونُ فِي حُكْمِهِ وَيُعَضِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فِي أَهْلِهِ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ فِي بَيْتِهِ ولا في سلطانه ولذا كان بن عمر يصلي خلف الحجاج وصح عن بن عُمَرَ أَنَّ إِمَامَ الْمَسْجِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِ السُّلْطَانِ وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ الْجَمَاعَةَ شُرِعَتْ لِاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الطَّاعَةِ وَتَآلُفِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ فَإِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ أَفْضَى ذَلِكَ إِلَى تَوْهِينِ أَمْرِ السَّلْطَنَةِ وَخَلْعِ رِبْقَةِ الطَّاعَةِ وَكَذَلِكَ إِذَا أَمَّهُ فِي قَوْمِهِ وَأَهْلِهِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى التَّبَاغُضِ وَالتَّقَاطُعِ وَظُهُورِ الْخِلَافِ الَّذِي شُرِعَ لِدَفْعِهِ الِاجْتِمَاعُ فَلَا يَتَقَدَّمُ رَجُلٌ عَلَى ذِي السَّلْطَنَةِ لَا سِيَّمَا فِي الْأَعْيَادِ وَالْجَمَاعَةِ وَلَا عَلَى إمام الحي ورب البيت إلا با ذن قَالَهُ الطِّيبِيُّ (وَلَا يُجْلَسُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى تكرمته) كسجادته أو سريره وهي وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ كَرَّمَ تَكْرِيمًا أُطْلِقَ مَجَازًا عَلَى مَا يُعَدُّ لِلرَّجُلِ إِكْرَامًا لَهُ في منزله (إلا بإذنه) قال بن الْمَلَكِ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ قُلْتُ كُلُّ مَنْ قَالَ إِنَّ صَاحِبَ الْمَنْزِلِ إِذَا أَذِنَ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ يَقُولُ إِنَّ إِلَّا بِإِذْنِهِ مُتَعَلِّقٌ بِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ يَقُولُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا يُجْلَسُ فَقَطْ قَوْلُهُ (قَالَ محمود) يعني بن غيلان (قال بن نُمَيْرٍ فِي حَدِيثِهِ أَقْدَمُهُمْ سِنًّا) أَيْ قَالَ هَذَا اللَّفْظَ مَكَانَ لَفْظِ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَعَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ

أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا أَذِنَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ لِغَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ الزَّائِرِ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَكَانِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَيُعَضِّدُهُ عُمُومُ مَا روى بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ وَرَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ وَرَجُلٌ يُنَادِي بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا إِلَّا بإذنهم ولا يخص نفسه بدعوة دونهم فإن فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ) أَيْ وَإِنْ أَذِنَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ وَقَالُوا السُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ صَاحِبُ الْبَيْتِ أَيْ يَؤُمَّ صَاحِبُ الْبَيْتِ وَلَا يَؤُمُّ الزَّائِرُ لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يَؤُمَّهُمْ وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا بن ماجه وقال هؤلاء قوله (إلا بإذنه) في حَدِيثُ الْبَابِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ وَلَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِقَوْلِهِ لَا يَؤُمُّ الرَّجُلُ (فَإِذَا أَذِنَ فَأَرْجُو أَنَّ الْإِذْنَ فِي الْكُلِّ) فَقَوْلُهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ مُتَعَلِّقٌ بِكِلَا الْفِعْلَيْنِ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَيُعَضِّدُهُ عُمُومُ قوله في حديث بن عَمْرٍو هُمْ بِهِ رَاضُونَ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى فَإِنَّهُ يَقْتَضِي جَوَازَ إِمَامَةِ الزائر عند رضي الْمَزُورِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَزُورُ أهلا ل مامة فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا كَالْمَرْأَةِ فِي صُورَةِ كَوْنِ الزَّائِرِ رَجُلًا وَالْأُمِّيِّ فِي صُورَةِ كَوْنِ الزَّائِرِ قَارِئًا وَنَحْوِهِمَا فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِمَامَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ قَالَ فِي صَحِيحِهِ بَابٌ إِذَا زَارَ الْإِمَامُ قَوْمًا فَأَمَّهُمْ ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ

باب ما جاء إذا أم أحدكم الناس فليخفف

حديث عتبان بن مالك قد اسْتَأْذَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنْتُ لَهُ فَقَالَ أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ فَأَشَرْتُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ فَقَامَ وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قِيلَ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّ حَدِيثَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مَرْفُوعًا مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يَؤُمَّهُمْ وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عَدَا الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ مُرَادُهُ أَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُ إِذَا حَضَرَ بِمَكَانٍ مَمْلُوكٍ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ مَالِكُ الدَّارِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ حَقِّ الْإِمَامِ فِي التَّقَدُّمِ وَحَقِّ الْمَالِكِ فِي مَنْعِ التَّصَرُّفِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ وَلَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يُجْلَسُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنَّ مَالِكَ الشَّيْءِ سُلْطَانٌ عَلَيْهِ وَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ سُلْطَانٌ عَلَى الْمَالِكِ وَقَوْلُهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَحْتَمِلُ عَوْدَهُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ الْإِمَامَةِ وَالْجُلُوسِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَحْمَدُ كَمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَتَحْصُلُ بِالْإِذْنِ مُرَاعَاةُ الْجَانِبَيْنِ انْتَهَى 2 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمْ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ) قوله (حدثنا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الخزامي الْمَدَنِيُّ رَوَى عَنْ أَبِي الزِّنَادِ فَأَكْثَرَ وَعَنْهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَقُتَيْبَةُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَقَالَ أَحْمَدُ مَا بِحَدِيثِهِ بَأْسٌ وقال الكسائي لَيْسَ بِالْقَوِيِّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ ثقة له غرائب فليخفف قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ التَّطْوِيلُ وَالتَّخْفِيفُ مِنَ الْأُمُورِ الْإِضَافِيَّةِ فَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ خَفِيفًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَادَةِ قَوْمٍ طَوِيلًا بِالنِّسْبَةِ لِعَادَةِ آخَرِينَ قَالَ وَقَوْلُ الْفُقَهَاءِ لَا يَزِيدُ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ لَا يُخَالِفُ مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ رَغْبَةَ الصَّحَابَةِ فِي الْخَيْرِ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ طويلا قال الحافظ وأولى مَا أُخِذَ حَدُّ التَّخْفِيفِ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أَنْتَ إِمَامُ قَوْمِكَ وَاقْدُرِ الْقَوْمَ بِأَضْعَفِهِمْ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ انْتَهَى فَإِنَّ فِيهِمُ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ أَيْ فِي السِّنِّ وَالضَّعِيفَ أَيْ ضَعِيفَ الْخِلْقَةِ وَالْمَرِيضَ وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَالْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ

عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَالْعَابِرَ السَّبِيلَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ وَذَا الْحَاجَةِ وَهُوَ أَشْمَلُ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ فَإِنَّ فِيهِمْ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُتَّصِفٌ بِصِفَةٍ مِنَ الْمَذْكُورَاتِ لَمْ يَضُرَّ التَّطْوِيلُ قَالَ وَقَدْ قَدَّمْتُ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ إِمْكَانِ مَجِيءِ مَنْ يَتَّصِفُ بِإِحْدَاهَا وَقَالَ الْيَعْمَرِيُّ الْأَحْكَامُ إِنَّمَا تُنَاطُ بِالْغَالِبِ لَا بِالصُّورَةِ النَّادِرَةِ فَيَنْبَغِي لِلْأَئِمَّةِ التَّخْفِيفُ مُطْلَقًا قَالَ وَهَذَا كَمَا شُرِعَ الْقَصْرُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَعُلِّلَ بِالْمَشَقَّةِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُشْرَعُ وَلَوْ لَمْ يَشُقَّ عَمَلًا بِالْغَالِبِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ وَهُنَاكَ كَذَلِكَ انْتَهَى مَا فِي الفتح وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ يَنْبَغِي لِكُلِّ إِمَامٍ أَنْ يُخَفِّفَ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ عَلِمَ قُوَّةَ مَنْ خَلْفَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَحْدُثُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَادِثٍ وَشُغُلٍ وَعَارِضٍ وَحَاجَةٍ وَحَدَثٍ وَغَيْرِهِ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ أَوْ مُخَفِّفًا أَوْ مُطَوِّلًا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلْيُطَوِّلْ مَا شاء قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَالْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ يُنَافِي قَوْلَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ إِنَّ تَطْوِيلَ الِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْحَدِيثَ يَنْفِي قَوْلَ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَيَرُدُّهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَأَنَسٍ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَمَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي وَاقِدٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وأبي مسعود وجابر بن عبد الله وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فَأَخْرَجَهُ الطبراني وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ الْخُزَاعِيُّ وَحَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ فَأَخْرَجَهُمَا الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مسعود فأخرجه الشيخان وبن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ الشيخان وأما حديث بن عباس فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ حَزْمِ بْنِ أَبِي كَعْبٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَنِ بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَعَنْ بُرَيْدَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ يُقَالُ لَهُ سَلِيمٌ مِنَ الصَّحَابَةِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتَارُوا أَنْ لَا يُطِيلَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ إِلَخْ) قال بن عبد البر

التَّخْفِيفُ لِكُلِّ إِمَامٍ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ مَنْدُوبٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ إِلَيْهِ إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ أَقَلُّ الْكَمَالِ وَأَمَّا الْحَذْفُ وَالنُّقْصَانُ فَلَا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد نهى عن نقر الغراب ورأى يُصَلِّي فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ وَقَالَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي اسْتِحْبَابِ التَّخْفِيفِ لِكُلِّ مَنْ أَمَّ قَوْمًا عَلَى مَا شَرَطْنَا مِنَ الْإِتْمَامِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لَا تُبَغِّضُوا اللَّهَ إِلَى عِبَادِهِ يُطَوِّلُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى يَشُقَّ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (مِنْ أَخَفِّ النَّاسِ صَلَاةً فِي تَمَامٍ) قَالَ الْقَاضِي خِفَّةُ الصَّلَاةِ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ تَطْوِيلِ قِرَاءَتِهَا وَالِاقْتِصَارِ عَلَى قِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَعَنْ تَرْكِ الدَّعَوَاتِ الطَّوِيلَةِ فِي الِانْتِقَالَاتِ وَتَمَامُهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الْأَرْكَانِ وَالسُّنَنِ وَاللُّبْثِ رَاكِعًا وَسَاجِدًا بِقَدْرِ مَا يُسَبِّحُ ثلاثا انتهى قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْقَاضِي هَذَا وَفِيهِ إِيهَامٌ أَنَّهُ مَا كَانَ يَقْرَأُ أَوْسَاطَ الْمُفَصَّلِ وَطِوَالَهَا وَقَدْ ثَبَتَ قِرَاءَتُهُ إِيَّاهَا فَالْمَعْنِيُّ بِالْخِفَّةِ أَنَّهُ مَا كَانَ يُمَطِّطُهَا وَيُمَدِّدُهَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا كَمَا يَفْعَلُهُ الْأَئِمَّةُ الْمُعَظَّمَةُ حَتَّى فِي مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُمْ يَمُدُّونَ فِي الْمَدَّاتِ الطَّبِيعِيَّةِ قَدْرَ ثَلَاثِ أَلِفَاتٍ وَيُطَوِّلُونَ السَّكَتَاتِ فِي مَوَاضِعِ الْوُقُوفَاتِ وَيَزِيدُونَ فِي عَدَدِ التَّسْبِيحَاتِ انْتِظَارًا لِفَرَاغِ الْمُكَبِّرِينَ الْمُطَوِّلِينَ فِي النَّغَمَاتِ بَلْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُجَوَّدَةً مُحَسَّنَةً مُرَتَّلَةً مُبَيَّنَةً مِنْ خَاصِّيَّةِ قِرَاءَتِهِ اللَّطِيفَةِ أَنَّهَا كَانَتْ خَفِيفَةً عَلَى النُّفُوسِ الشَّرِيفَةِ وَلَوْ كَانَتْ طَوِيلَةً لِأَنَّ الْأَرْوَاحَ لَا تَشْبَعُ مِنْهَا وَالْأَشْبَاحَ لَا تَقْنَعُ بِهَا انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ الْحَنَفِيُّ ظُهُورُ التَّخْفِيفِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْقِرَاءَةِ لَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ فِعْلِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ انْتَهَى قُلْتُ لَكِنَّ أَكْثَرَ الْحَنَفِيَّةِ يُخَالِفُونَ فِعْلَ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ هَذَا فَيُخَفِّفُونَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ غَايَةَ التَّخْفِيفِ حَتَّى يَكُونَ سُجُودُهُمْ كَنَقْرِ الدِّيكِ وَأَمَّا تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ فَلَا يُخَفِّفُونَ فِيهِ بَلْ يَتْرُكُونَهُ رَأْسًا فَهَدَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى فِعْلِ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ الَّذِي قَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها

63 - (باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها [238]) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَرِيفٍ السَّعْدِيِّ) هُوَ طريف بن شهاب أو بن سَعْدٍ الْبَصْرِيُّ الْأَشَلُّ وَيُقَالُ لَهُ الْأَعْصَمُ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الميزان ضعفه بن مَعِينٍ وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ (عَنْ أَبِي نَضْرَةَ) بِنُونٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قُطَعَةَ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الْعَبْدِيُّ الْعَوْفِيُّ الْبَصْرِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هُنَاكَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ ورواه ها هنا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِالْحَمْدِ وَسُورَةٍ فِي فَرِيضَةٍ وَغَيْرِهَا فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ سُورَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ وَيُعَارِضُهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ غَيْرُهَا مِنْهَا بِعِوَضٍ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرَوَى الْحَاكِمُ من طريق أشهب عن بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عُبَادَةَ مَرْفُوعًا أُمُّ الْقُرْآنِ عِوَضٌ مِنْ غَيْرِهَا وَلَيْسَ غَيْرُهَا عِوَضًا مِنْهَا وَلَهُ شَوَاهِدُ فَسَاقَهَا انْتَهَى وَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَقُولُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ يَقْرَأُ فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أسمعناكم وما أخفى عناأخفينا عَنْكُمْ وَإِنْ لَمْ تَزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ أَجْزَأَتْ وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ يحيى بن أبي الحجاج عن بن جُرَيْجٍ كَرِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ لَكِنْ زَادَ فِي آخِرِهِ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنَّ ضَمِيرَ سَمِعْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ مَرْفُوعًا بِخِلَافِ رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ نَعَمْ قَوْلُهُ مَا أَسْمَعَنَا وَمَا أَخْفَى عَنَّا يُشْعِرُ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ مُتَلَقًّى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ للجميع حكم الرفع انتهى وما رواه بن خزيمة عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَقْرَأْ فِيهِمَا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَتَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَجْوَدُ وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ) لِأَنَّ فِي سند حديث أبي سعيد طريف السَّعْدِيَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ (وَقَدْ كَتَبْنَاهُ) أي حديث علي (أول) بالبناء عَلَى الضَّمِّ أَيْ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ (فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ) أَيْ فِي بَابِ مَا جَاءَ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِنَّ تَحْرِيمَ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِالتَّكْبِيرِ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَوَافَقَهُمْ أَبُو يُوسُفَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ حَدِيثُ رِفَاعَةَ فِي قِصَّةِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى يَتَوَضَّأَ فَيَضَعَ الْوُضُوءَ مَوَاضِعَهُ ثُمَّ يُكَبِّرَ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ ثُمَّ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثم يقول الله أكبر أخرجه بن ماجه وصححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَهَذَا فِيهِ بَيَانُ الْمُرَادِ بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَرَوَى الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (قَالَ أَبُو عِيسَى سَمِعْتُ أَبَا بكر محمد بن أبان) بن الْوَزِيرِ الْبَلْخِيَّ يُلَقَّبُ بِحَمْدَوَيْهِ وَكَانَ مُسْتَمْلِي وَكِيعٍ ثقة حافظ من العاشرة قال بن حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ جَمَعَ وَصَنَّفَ رَوَى عَنِ بن عُيَيْنَةَ وَغُنْدَرٍ وَطَبَقَتِهِمَا وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالْأَرْبَعَةُ وَخَلْقٌ (يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ) الْبَصْرِيَّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ حَافِظٌ عَارِفٌ بِالرِّجَالِ وَالْحَدِيثِ قَالَ بن الْمَدِينِيِّ مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ مِنْهُ يَقُولُ لَوِ افْتَتَحَ الرَّجُلُ الصَّلَاةَ بِتِسْعِينَ اسْمًا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَلَمْ يُكَبِّرْ لَمْ يُجْزِهِ يَعْنِي لَفْظَ اللَّهُ أَكْبَرُ مُتَعَيِّنٌ لِافْتِتَاحِ

الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ الِافْتِتَاحُ إِلَّا بِهِ فَلَوْ قَالَ أَحَدٌ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ أَوْ قَالَ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ مَثَلًا لَمْ يُجْزِهِ وَلَمْ يَصِحَّ الِافْتِتَاحُ بِهِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمَنْصُورُ هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ (وَإِنْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَمَرْتُهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَرْجِعَ إِلَى مَكَانِهِ وَيُسَلِّمَ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ فَكَمَا أَنَّ التَّكْبِيرَ مُتَعَيَّنٌ لِلتَّحْرِيمِ وَلِافْتِتَاحِ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ التَّسْلِيمُ مُتَعَيَّنٌ لِلتَّحْلِيلِ وَالْخُرُوجِ عَنِ الصَّلَاةِ (إِنَّمَا الْأَمْرُ عَلَى وَجْهِهِ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِهِ يَعْنِي قَوْلَهُ تَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ لَا يأول بَلْ يُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ أَنَّ السَّلَامَ فَرْضٌ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِهِ فَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا بِهِ يَكُونُ فَرْضًا كَمَا أَنَّ مَا يَدْخُلُ بِهِ فِيهَا يَكُونُ فَرْضًا وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ إِنَّهُ وَاجِبٌ دُونَ فَرْضٍ انْتَهَى كَلَامُ السِّنْدِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا بِجَوَازِ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِكُلِّ مَا دَلَّ عَلَى التَّعْظِيمِ الْخَالِصِ غَيْرِ الْمَشُوبِ بِالدُّعَاءِ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ هُوَ التَّعْظِيمُ قال الله تعالى وربك فكبر أَيْ عَظِّمْ وَقَالَ تَعَالَى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فصلى وَذِكْرُ اسْمِهِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ الْمَنْقُولُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً لَا أَنَّهُ الشَّرْطُ دُونَ غَيْرِهِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ فَلَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ تَحْرِيمُهَا لَفْظُ التَّكْبِيرِ بَلْ مَعْنَاهُ تَحْرِيمُهَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّعْظِيمِ قُلْتُ الْحَقُّ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ تحريم التَّكْبِيرُ وَلَا يَكُونُ الرَّجُلُ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ إِلَّا بِالتَّكْبِيرِ كَمَا عَرَفْتَ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى وربك فكبر فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ فَإِنَّهَا مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ قَبْلَ قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ الَّتِي فُرِضَتِ الصَّلَاةُ فِيهَا فَكَيْفَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالتَّكْبِيرِ فِيهَا تَكْبِيرَ الِافْتِتَاحِ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَعَبَّدُ وَيُصَلِّي تَطَوُّعًا فِي جَبَلِ حِرَاءٍ وَغَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ أَيْضًا أَنْ يُرَادَ بِالتَّكْبِيرِ تَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ الْمُتَعَيَّنُ فَالْمُرَادُ بِهِ خُصُوصُ لَفْظِ التَّكْبِيرِ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ لَفْظِ التَّكْبِيرِ أَلْبَتَّةَ وَلَا عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى وَذَكَرَ اسم ربه فصلى فَلَا نُسَلِّمُ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْمُرَادَ بِذِكْرِ اسْمِ رَبِّهِ تَكْبِيرُ الِافْتِتَاحِ لِمَ لَا يَجُوزُ أن

باب في نشر الأصابع

يَكُونَ الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ وَبِالصَّلَاةِ صَلَاةَ الْعِيدِ وَبِقَوْلِهِ تَزَكَّى زَكَاةَ الْفِطْرِ كَمَا رَوَاهُ عبد بن حميد وبن المنذر وبن أبي حاتم وعبد الرزاق وبن مردويه والبيهقي وغيرهم عن بن عباس رضي الله تعالى عنهما وبن عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَى هَذَا فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ وَأَمَّا جَوَابُهُمْ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي لَا لِلْأَلْفَاظِ فَفِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ لَا سِيَّمَا أَذْكَارُ الصَّلَاةِ وَأَدْعِيَتُهَا هُوَ التَّوْقِيفُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَأَمَّا قَوْلُ الحنفية فلا دليل عليه قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ ص 264 ج 1 الْمِثَالُ الْخَامِسَ عَشَرَ رَدُّ الْمُحْكَمِ الصَّرِيحِ مِنْ تَعْيِينِ التكبير للدخول في الصلاة بقوله إذا أقيمت الصَّلَاةُ فَكَبِّرْ وَقَوْلُهُ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَقَوْلُهُ لَا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر وَهِيَ نُصُوصٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ فَرُدَّتْ بِالْمُتَشَابِهِ من قوله وذكر اسم ربه فصلى انتهى 4 - (باب في نشر الأصابع [239]) قَوْلُهُ (نَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ) الْعِجْلِيُّ الْكُوفِيُّ صدوق عابد يخطىء كَثِيرًا وَقَدْ تَغَيَّرَ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَحْمَدُ ليس بحجة وقال بن الْمَدِينِيِّ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ صَدُوقٌ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ كَثْرَةَ الْغَلَطِ (عَنِ بن أَبِي ذِئْبٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْقُرَشِيِّ الْعَامِرِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ مِنَ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَحْمَدُ يُشَبَّهُ بِابْنِ الْمُسَيَّبِ وَهُوَ أَصْلَحُ وأروع وَأَقْوَمُ بِالْحَقِّ مِنْ مَالِكٍ وَلَمَّا حَجَّ الْمَهْدِيُّ دَخَلَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ الْمُسَيَّبُ بْنُ زُهَيْرٍ قُمْ هَذَا أمير المؤمنين فقال بن أَبِي ذِئْبٍ إِنَّمَا يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ فَقَالَ الْمَهْدِيُّ دَعْهُ فَلَقَدْ قَامَتْ كُلُّ شَعْرَةٍ فِي رَأْسِي قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ مَاتَ سَنَةَ 159 تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَمْعَانَ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ وَلَمْ يُصِبِ الْأَزْدِيُّ فِي تَضْعِيفِهِ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِذَا كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ نَشَرَ أَصَابِعَهُ) أَيْ بَسَطَهَا قَالَهُ السُّيُوطِيُّ يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بالنشر ضد

الْقَبْضِ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ أَوِ الْمُرَادُ خِلَافُ الضَّمِّ أَيْ تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا وَلَمْ يَضُمَّ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ انْتَهَى وَفِي السِّعَايَةِ شرح شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلُهُ غَيْرُ مُفَرِّجٍ أَصَابِعَهُ وَلَا ضَامٍّ أَيْ لَا يَتَكَلَّفُ فِي تَفْرِيجِ الْأَصَابِعِ عِنْدَ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَلَا فِي ضَمِّهَا بَلْ يَتْرُكُهَا عِنْدَ الرَّفْعِ كَمَا كَانَتْ قَبْلَهُ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمُ اسْتِحْبَابَ التَّفْرِيجِ مُسْتَدِلِّينَ بما رواه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ يَمَانٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْشُرُ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ نَشْرًا وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا بِالرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ لِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ فِي جَامِعِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ إِلَخْ قُلْتُ وَالظَّاهِرُ الرَّاجِحُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ فَإِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ قد أخطأ فيه بن يَمَانٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ الْيَمَانِ وَأَخْطَأَ بن يَمَانٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ) الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَصَحُّ الصَّحِيحِ يَعْنِي أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى بِلَفْظِ كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا صَحِيحَةٌ وَرِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ الْيَمَانِ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ بَلْ هِيَ خَطَأٌ [240] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ الْفَضْلِ بْنِ بَهْرَامَ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ الْحَافِظُ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مُتْقِنٌ رَوَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَيَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ (أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ) أَبُو عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ ضَعَّفَهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا) قَالَ بن سَيِّدِ النَّاسِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَدًّا مَصْدَرًا مُخْتَصًّا كَقَعَدَ الْقُرْفُصَاءَ أَوْ مَصْدَرًا مِنَ الْمَعْنَى كَقَعَدْتُ جُلُوسًا أَوْ حَالًا مِنْ رَفَعَ انْتَهَى قُلْتُ وَإِذَا كَانَ حَالًا يَكُونُ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَوِ اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ رَفَعَ مَادًّا يَدَيْهِ أَوْ رَفَعَ

باب في فضل التكبيرة الأولى

يَدَيْهِ مَمْدُودَتَيْنِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَصِبًا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ وَهُوَ يَمُدُّهُمَا مَدًّا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَصِبًا عَلَى الْحَالِيَّةِ أَيْ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي حَالِ كَوْنِهِ مَادًّا لَهُمَا إِلَى رَأْسِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا مُنْتَصِبًا بِقَوْلِهِ رَفَعَ لِأَنَّ الرَّفْعَ بِمَعْنَى الْمَدِّ وَأَصْلُ الْمَدِّ فِي اللُّغَةِ الْجَرُّ قَالَهُ الرَّاغِبُ وَالِارْتِفَاعُ وَمَدُّ النَّهَارِ ارْتِفَاعُهُ وَلَهُ مَعَانٍ أُخَرُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ فسر بن عَبْدِ الْبَرِّ الْمَدَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ بِمَدِّ الْيَدَيْنِ فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ مَعَ الرَّأْسِ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ لَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَايَةَ الْمَدِّ فَهُوَ مُجْمَلٌ فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي بَيَّنَتْ فِيهَا غَايَتَهُ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ) أَيِ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ يحيى بن يمان) تَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا بن مَاجَهْ قَالَهُ فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ لَا مَطْعَنَ فِي إِسْنَادِهِ (وَحَدِيثُ يَحْيَى بن يمان خطأ) قال بن أَبِي حَاتِمٍ قَالَ أَبِي وَهِمَ يَحْيَى إِنَّمَا أَرَادَ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ مَدًّا كَذَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ مِنْ أَصْحَابِ بن أبي ذئب انتهى 5 - (باب فِي فَضْلِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى [241]) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْعَمِّيُّ الْبَصْرِيُّ الْحَافِظُ رَوَى عَنْ يَحْيَى القطان وغندر وبن مَهْدِيٍّ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ ثِقَةٌ ثِقَةٌ تَنْبِيهٌ قَدْ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عُتْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ بِالْعَيْنِ وَالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ بِالْعَيْنِ وَالْقَافِ (قَالَا نَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ) بفتح السين وسكون اللام الشعيري الخرساني نَزِيلُ الْبَصْرَةِ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ طُعْمَةَ بْنِ عَمْرٍو) بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الجعفري وثقه بن معين

قَوْلُهُ مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَيْ خَالِصًا لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَيْ وَلَيْلَةً فِي جَمَاعَةٍ مُتَعَلِّقٌ يصلى يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَظَاهِرُهَا التَّكْبِيرَةُ التَّحْرِيمِيَّةُ مَعَ الْإِمَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَشْمَلَ التَّكْبِيرَةَ التَّحْرِيمِيَّةَ لِلْمُقْتَدِي عِنْدَ لُحُوقِ الرُّكُوعِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ إِدْرَاكَ الصَّلَاةِ بِكَمَالِهَا مَعَ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ يَتِمُّ بإدراك الركعة الأولى كذا قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ هَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ الرَّاجِحُ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا لِكُلِّ شَيْءٍ أَنْفٌ وَإِنَّ أَنْفَ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى فَحَافِظُوا عَلَيْهَا أَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ (بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ) أَيْ خَلَاصٌ ونجاة منها يقال برأ مِنَ الدَّيْنِ وَالْعَيْبِ خَلَصَ (وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ يُؤَمِّنُهُ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الْمُنَافِقِ وَيُوَفِّقُهُ لِعَمَلِ أَهْلِ الْإِخْلَاصِ وفي الاخرة يؤمنه مما يعذبه الْمُنَافِقُ وَيَشْهَدُ لَهُ بِأَنَّهُ غَيْرُ مُنَافِقٍ يَعْنِي بِأَنَّ الْمُنَافِقِينَ إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى وَحَالُ هَذَا بِخِلَافِهِمْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (قَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ موقوفا) قال القارىء وَمِثْلُ هَذَا مَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فموقوفه في حكم المرفوع قال بن حَجَرٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ وَمَعَ ذَلِكَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَرَوَى الْبَزَّارُ وَأَبُو دَاوُدَ خَبَرَ لِكُلِّ شَيْءٍ صَفْوَةٌ وَصَفْوَةُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى فَحَافِظُوا عَلَيْهَا وَمِنْ ثَمَّ كان إدراكها سنة مؤكدة وَكَانَ السَّلَفُ إِذَا فَاتَتْهُمْ عَزَّوْا أَنْفُسَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَإِذَا فَاتَتْهُمُ الْجَمَاعَةُ عَزَّوْا أَنْفُسَهُمْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ (وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ الْبَجَلِيِّ) بِمُوَحَّدَةٍ وَجِيمٍ أَبِي عَمْرٍو الْبَصْرِيِّ نَزِيلُ الْكُوفَةِ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ وَقِيلَ يُكَنَّى أَبَا كَشُوثَا بِفَتْحِ الْكَافِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ مَضْمُومَةٌ ثُمَّ وَاوٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُثَلَّثَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَنْهُ خَالِدُ بْنُ طَهْمَانَ أَبُو الْعَلَاءِ الْخَفَّافُ وَطُعْمَةُ بْنُ عَمْرٍو الْجَعْفَرِيُّ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي فَضْلِ مَنْ صَلَّى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ موقوفا ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى

قَوْلُهُ (وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (بْنُ غَزِيَّةَ) بفتح العين المعجمة وكسر الزاي بعدها تحتانية ثقيلة بن الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ الْمَازِنِيُّ الْمَدَنِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ أَنَسٍ مُرْسَلَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو زُرْعَةَ مَاتَ سَنَةَ 140 أَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هذا) أخرجه بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِ جَمَاعَةٍ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لَا تَفُوتُهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عِتْقًا مِنَ النَّارِ قَوْلُهُ (وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ) أَيْ مُنْقَطِعٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَضَعَّفَهُ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَاسْتَغْرَبَهُ وَرَوَى عَنْ أَنَسٍ عَنْ عمر رواه بن مَاجَهْ وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ فِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا مَدَارُهُ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي غَيْرِ الشَّامِيِّينَ وَهَذَا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ مَدَنِيٍّ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ فِي الْعِلَلِ وَضَعَّفَهُ وَذَكَرَ أَنَّ قَيْسَ بْنَ الرَّبِيعِ وَغَيْرَهُ رَوَيَاهُ عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ وَهُوَ وَهْمٌ وَإِنَّمَا هُوَ حبيب الاسكاف وله طريق أخرى أوردها بن الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ مِنْ حَدِيثِ بَكْرِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَحْمِيٍّ الْوَاسِطِيِّ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ تَحِيَّةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ مَنْ صَلَّى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ صَلَاةَ الْفَجْرِ وَصَلَاةَ الْعِشَاءِ كُتِبَ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنَ النِّفَاقِ وَقَالَ بَكْرٌ وَيَعْقُوبُ مَجْهُولَانِ انْتَهَى قَالَ الرَّافِعِيُّ وَوَرَدَتْ أَخْبَارٌ فِي إِدْرَاكِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ نَحْوُ هَذَا قَالَ الْحَافِظُ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ وَالْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ فِي الْكُنَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي كَاهِلٍ بِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ وَزَادَ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الأولى قال الْعُقَيْلِيُّ إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ وَالْحَاكِمُ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْمُعْتَمَدِ عَلَيْهِ وَرَوَى الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لِكُلِّ شَيْءٍ صَفْوَةٌ وَصَفْوَةُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى وَقَدْ رواه البزار ولبس فِيهِ إِلَّا الْحَسَنُ بْنُ السَّكَنِ لَكِنْ قَالَ لَمْ يَكُنِ الْفَلَّاسُ يَرْضَاهُ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْفَى مِثْلُهُ وَفِيهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَفَعَهُ لِكُلِّ شَيْءٍ أَنْفٌ وَإِنَّ أَنْفَ

باب ما يقول عند افتتاح الصلاة

الصَّلَاةِ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى فَحَافِظُوا عَلَيْهَا وَفِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ وَالْمَنْقُولُ عَنِ السَّلَفِ فِي فَضْلِ التَّكْبِيرَةِ الأولى كثيرة وفي الطبراني عن رجل من طيء عن أبيه أن بن مَسْعُودٍ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَعَلَ يُهَرْوِلُ فَقِيلَ لَهُ أَتَفْعَلُ هَذَا وَأَنْتَ تَنْهَى عَنْهُ قَالَ إِنَّمَا أَرَدْتُ حَدُّ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرَةُ الْأُولَى انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ 6 - (بَاب مَا يَقُولُ عِنْدَ افتتاح الصلاة) [242] قوله (حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي) بضم الضاد المعجمة وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَبُو سُلَيْمَانَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ زَاهِدٌ لَكِنَّهُ كَانَ يَتَشَيَّعُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ الرِّفَاعِيِّ) بِالْفَاءِ الْبَصْرِيِّ يُكَنَّى أَبَا إِسْمَاعِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ رُمِيَ بِالْقَدَرِ وَكَانَ عَابِدًا وَيُقَالُ كَانَ يُشْبِهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ ثُمَّ يَقُولُ سُبْحَانَكَ اللهم وبحمدك قال بن الْمَلَكِ سُبْحَانَ اسْمٌ أُقِيمَ مُقَامَ الْمَصْدَرِ وَهُوَ التَّسْبِيحُ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ أُسَبِّحُكَ تَسْبِيحًا أَيْ أُنَزِّهُكَ تَنْزِيهًا مِنْ كُلِّ السُّوءِ وَالنَّقَائِصِ وَقِيلَ تَقْدِيرُهُ أُسَبِّحُكَ تَسْبِيحًا مُلْتَبِسًا وَمُقْتَرِنًا بِحَمْدِكَ فَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ وَالْوَاوُ زَائِدَةٌ وَقِيلَ الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ أَيْ أُسَبِّحُكَ مَعَ التَّلَبُّسِ بِحَمْدِكَ وَحَاصِلُهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ وَإِثْبَاتُ النُّعُوتِ الثُّبُوتِيَّةِ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ أَيْ كَثُرَتْ بَرَكَةُ اسْمِكَ إِذْ وُجِدَ كُلُّ خَيْرٍ مِنْ ذِكْرِ اسْمِكَ وَقِيلَ تَعَاظَمَ ذَاتُكَ أَوْ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ التَّعَاظُمَ إِذَا ثَبَتَ لِأَسْمَائِهِ تَعَالَى فَأَوْلَى لِذَاتِهِ وَنَظِيرُهُ قوله تعالى سبح اسم ربك الأعلى وَتَعَالَى جَدُّكَ قَالَ مَيْرَكُ تَعَالَى تَفَاعَلَ مِنَ الْعُلُوِّ أَيْ عَلَا وَرُفِعَ عَظَمَتُكَ عَلَى عظمة غيرك غاية العلو والرفع وقال بن حَجَرٍ أَيْ تَعَالَى غِنَاؤُكَ عَنْ أَنْ يُنْقِصَهُ إِنْفَاقٌ أَوْ يَحْتَاجَ إِلَى مُعِينٍ وَنَصِيرٍ ثُمَّ يقول الله أكبر بالسكون ويضم قاله القارىء كبيرا حال مُؤَكِّدَةً وَقِيلَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْقَطْعِ مِنِ اسْمِ اللَّهِ وَقِيلَ بِإِضْمَارِ أَكْبَرُ وَقِيلَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ تَكْبِيرًا كَبِيرًا

مِنْ هَمْزِهِ بَدَلُ اشْتِمَالٍ أَيْ وَسْوَسَتِهِ وَنَفْخِهِ أَيْ كِبْرِهِ الْمُؤَدِّي إِلَى كُفْرِهِ وَنَفْثِهِ أَيْ سِحْرِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ النَّفْخُ كِنَايَةٌ عَنِ الْكِبْرِ كَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفُخُ فِيهِ بِالْوَسْوَسَةِ فَيُعَظِّمُهُ فِي عَيْنِهِ وَيُحَقِّرُ النَّاسَ عِنْدَهُ وَالنَّفْثُ عِبَارَةٌ عَنِ الشِّعْرِ لِأَنَّهُ يَنْفُثُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ فِيهِ كَالرُّقْيَةِ انْتَهَى وَقِيلَ مِنْ نَفْخِهِ أَيْ تَكَبُّرِهِ يَعْنِي مِمَّا يَأْمُرُ النَّاسَ بِهِ مِنَ التَّكَبُّرِ وَنَفْثُهُ مما يأمر الناس بإنشاء الشِّعْرِ الْمَذْمُومِ مِمَّا فِيهِ هَجْوُ مُسْلِمٍ أَوْ كُفْرٌ أَوْ فِسْقٌ وَهَمْزِهِ أَيْ مِنْ جَعْلِهِ أَحَدًا مَجْنُونًا بِنَخْسِهِ وَغَمْزِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي مِنْ هَمْزِهِ فُسِّرَ فِي الْحَدِيثِ بِالْمَوْتَةِ وَهِيَ شَبَهُ الْجُنُونِ وَنَفْخِهِ فُسِّرَ بِالْكِبْرِ وَنَفْثِهِ فُسِّرَ بِالشِّعْرِ قَالَ بن سَيِّدِ النَّاسِ وَتَفْسِيرُ الثَّلَاثَةِ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ جَاءَ هَذَا التَّفْسِيرُ فِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مطعم وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَأَعَلَّهُ أَبُو حَاتِمٍ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ قَوِيٌّ وَأَمَّا حَدِيثُ جابر بن مطعم فأخرجه أبو داود وبن ماجه وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ قَالَ وَالْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَشْهَرُ حَدِيثٍ فِي هَذَا الْبَابِ) أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ قَوْلُهُ (وَقَدْ أَخَذَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْحَدِيثِ) فَاخْتَارُوا أَنْ يُقَالَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ إِلَى قَوْلِهِ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ ثُمَّ يُقَالُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثُمَّ يُقَالُ أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ إِلَخْ (وَأَمَّا أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالُوا إِنَّمَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ) فَاخْتَارُوا هَذَا الدُّعَاءَ دُونَ

مَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ مِنَ الزِّيَادَةِ (وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) أَمَّا أَثَرُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا أَثَرُ عبد الله بن مسعود فأخرجه بن الْمُنْذِرِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الْحَاكِمُ وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ ثُمَّ سَاقَهُ وهو في صحيح بن خُزَيْمَةَ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَظِنَّتِهِ اسْتِطْرَادًا وَفِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ قُلْتُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي بَابِ عَدَمِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ عَنْ عَبْدَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ وَعَبْدَةُ هذا هو بن أَبِي لُبَابَةَ وَهُوَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَلِذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي إِسْنَادِهِ انقطاع ورواه الدراقطني مَوْصُولًا كَمَا فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَثَرَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَمِنْ شَرْطِ مُسْلِمٍ أَنْ لَا يُخَرِّجَ فِي صَحِيحِهِ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ وَالْمُنْقَطِعُ مِنْ أَقْسَامِ الضَّعِيفِ قُلْتُ أَخْرَجَهُ اسْتِطْرَادًا وَمَقْصُودُهُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ بَعْدَ هَذَا الْأَثَرِ فِي عَدَمِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ أَخْرَجَهُ اسْتِطْرَادًا وَلِمَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى إِخْرَاجِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّصِلِ قُلْتُ إِنَّمَا فَعَلَ مُسْلِمٌ هَذَا لِأَنَّهُ سَمِعَهُ هَكَذَا فَأَدَّاهُ كَمَا سَمِعَ وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَلَا إِنْكَارَ فِي هَذَا كُلِّهِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العلم من التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ) وَعَلَيْهِ عَمَلُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الْحَافِظُ بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ يَقُولُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَفْتِحُ بِذَلِكَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عثمان بن عفان وبن الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ الْأَسْوَدُ كَانَ عُمَرُ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ يُسْمِعُنَا ذَلِكَ وَيُعَلِّمُنَا رَوَاهُ الدارقطني ثم قال بن تَيْمِيَةَ وَاخْتِيَارُ هَؤُلَاءِ وَجَهَرَ عُمَرُ بِهِ أَحْيَانًا بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لِيَتَعَلَّمَهُ النَّاسُ مَعَ أَنَّ السُّنَّةَ إِخْفَاؤُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْأَفْضَلُ وَأَنَّهُ الَّذِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدَاوِمُ عَلَيْهِ غَالِبًا وَإِنْ

اسْتَفْتَحَ بِمَا رَوَاهُ عَلِيٌّ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَحَسَنٌ لصحة الرواية انتهى كلام بن تَيْمِيَةَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى بِالْإِيثَارِ وَالِاخْتِيَارِ وَأَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ ثُمَّ حَدِيثُ عَلِيٍّ انْتَهَى قُلْتُ أَرَادَ الشَّوْكَانِيُّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَبَّرَ فِي الصَّلَاةِ سَكَتَ هنيهة قبل القراءة فقلت يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَرَأَيْتَ سُكُوتَكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقُرْآنِ مَا تَقُولُ قَالَ أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الْحَدِيثَ وَأَرَادَ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ الْحَدِيثَ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ أَصَحَّ مَا رُوِيَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ هُوَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ أَوْلَى بِالْإِيثَارِ وَالِاخْتِيَارِ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَمْ يُشِرْ إِلَيْهِ لَكِنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي بَابِ السَّكْتَتَيْنِ [243] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عرفة) وثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ (عَنْ حَارِثَةَ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ) قَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) رَوَى أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي سُنَنِهِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ لَيْسَ فِيهِ حَارِثَةُ وَسَنَدُهُ هكذا حدثنا حسين بن عيسى ناطلق بن غنام ناعبد السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ الْمَلَائِيُّ عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ إِلَخْ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَالَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ وَقَدْ رَوَى قِصَّةَ الصَّلَاةِ عَنْ بُدَيْلٍ جَمَاعَةٌ لَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ شَيْئًا مِنْ هَذَا انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ يَعْنِي دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ عَبْدِ السَّلَامِ غَيْرُ طَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْقَوِيِّ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ انْتَهَى (وَحَارِثَةُ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي

الميزان ضعفه أحمد وبن مَعِينٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ وَقَالَ خ مُنْكَرُ الحديث لم يعتد به أحمد قال بن عَدِيٍّ عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ مُنْكَرٌ انْتَهَى فَائِدَةٌ قال الحافظ في التلخيص قال بن خُزَيْمَةَ لَا نَعْلَمُ فِي الِافْتِتَاحِ بِسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ خَبَرًا ثَابِتًا عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ وَأَحْسَنُ أَسَانِيدِهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَلَا سَمِعْنَا بِهِ اسْتَعْمَلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى وَجْهِهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي جَاءَ فِيهِ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بيني وبين خطاياي ألخ قال الشيخ بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنَ الْكُلِّ لِأَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى قُلْتُ فَهُوَ الْأَوْلَى بِالِاخْتِيَارِ ثُمَّ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهِ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ بِلَفْظِ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ إِلَخْ لِأَنَّهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَبَعْدَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هُوَ أَوْلَى بِالِاخْتِيَارِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ كَانَتْ أَوْ تَطَوُّعًا هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ فَإِيرَادُهُ فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُ فِي التهجد وقال الحافظ في بلوغ المرام بعد ما ذَكَرَهُ عَنْ مُسْلِمٍ مَا لَفْظُهُ وَفِي رِوَايَةٍ له أَنَّ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ انْتَهَى فَيَكُونُ هَذَا الدُّعَاءُ مَخْصُوصًا بِصَلَاةِ التَّطَوُّعِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فِي الْمَكْتُوبَةِ قُلْتُ مُجَرَّدُ إِيرَادِ مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُ فِي التَّهَجُّدِ كَمَا لَا يَخْفَى وَأَمَّا قَوْلُ الْحَافِظِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَرْوِيٌّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ صَلَاةِ اللَّيْلِ مِنْ وَجْهَيْنِ لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ بَلْ وَقَعَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ وَجْهَيْنِ لَمْ يَقَعْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ بَلْ وَاقِعٌ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ إِذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ قَالَ وَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَخْ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ في النيل وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَزَادَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَقَيَّدَهُ أَيْضًا بِالْمَكْتُوبَةِ وَكَذَا غَيْرُهُمَا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ مَخْصُوصٌ بِصَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَلَا يَكُونُ مَشْرُوعًا فِي الْمَكْتُوبَةِ بَاطِلٌ جدا ومن ها هنا ظهر

باب ما جاء في ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

بُطْلَانُ قَوْلِ صَاحِبِ آثَارِ السُّنَنِ أَنَّ الْقَيْدَ بِالْمَكْتُوبَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ فَإِنَّ هَذَا الْقَيْدَ مَوْجُودٌ فِي كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ تَنْبِيهٌ رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي تَطَوُّعًا قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فطر السماوات والأرض الخ قال الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ فِي قَوْلِهِ إِذَا قَامَ يُصَلِّي تَطَوُّعًا دَلِيلٌ عَلَى الْمَخْصُوصِيَّةِ بِالتَّطَوُّعِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا انْتَهَى قُلْتُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْمَخْصُوصِيَّةِ بِالتَّطَوُّعِ كَيْفَ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ رِوَايَاتِ حَدِيثِ عَلِيٍّ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَخْصُوصِيَّةِ هَذَا الدُّعَاءِ بِالتَّطَوُّعِ لَكَانَ الدُّعَاءُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْحَنَفِيَّةُ لِلْفَرْضِ أَيْضًا مَخْصُوصًا بِالتَّطَوُّعِ فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ وَأَبَا دَاوُدَ قَدْ رَوَيَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ كَبَّرَ ثُمَّ يَقُولُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ الْحَدِيثَ فَتَفَكَّرْ تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي عُمْدَةِ الرِّعَايَةِ اخْتَارَ الْمُتَأَخِّرُونَ يَعْنِي مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنْ يَقْرَأَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ قَبْلَ التَّحْرِيمَةِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي إِحْضَارِ الْقَلْبِ وَجَمْعِ الْعَزِيمَةِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْبِنَايَةِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنَّ هَذَا مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ فِي السُّنَّةِ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ فِي الْأَحَادِيثِ التَّوْجِيهُ فِي الصَّلَاةِ لَا قَبْلَهَا انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَفِي حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ كَانَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي تَطَوُّعًا قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَخْ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ لَهُ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ ثُمَّ قَالَ وَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَخْ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [244]) اعْلَمْ أَنَّ فِي قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وُجُوبَ الْفَاتِحَةِ كَمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِنَ الْفَاتِحَةِ وَالثَّانِي أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ سِرًّا وَجَهْرًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّالِثُ أَنَّهَا جَائِزَةٌ بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ ثُمَّ مَعَ قِرَاءَتِهَا هَلْ يُسَنُّ الْجَهْرُ بِهَا أَوْ لَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا يُسَنُّ الْجَهْرُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ وَالثَّانِي لَا يُسَنُّ الْجَهْرُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالرَّأْيِ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَقِيلَ مُخَيَّرٌ بينهما وهو قول إسحاق بن راهويه وبن حزم كذا في نصب الرواية قُلْتُ قَدْ ثَبَتَ قِرَاءَةُ الْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ

بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْإِسْرَارُ بِهَا عِنْدِي أَحَبُّ مِنَ الْجَهْرِ بِهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَائِدَةٌ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ فِي تَرْجَمَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مَا لَفْظُهُ اللَّالَكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ نَا الْمُخَلِّصُ نَا أَبُو الْفَضْلِ شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ نَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبِ بْنِ بِسَامٍ سَمِعْتُ شُعَيْبَ بْنَ جَرِيرٍ يَقُولُ قُلْتُ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدِّثْ بِحَدِيثِ السُّنَّةِ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ فَإِذَا وَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ يَا رَبِّ حَدَّثَنِي بِهَذَا سُفْيَانُ فَأَنْجُو أَنَا وَتُؤْخَذُ قَالَ اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مِنْهُ بَدَأَ وَإِلَيْهِ يَعُودُ مَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ وَالْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ وَنِيَّةٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ إِلَى أَنْ قَالَ يَا شُعَيْبُ لَا يَنْفَعُكَ مَا كَتَبْتَ حَتَّى تَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَحَتَّى تَرَى أَنَّ إِخْفَاءَ بِسْمِ الله الرحمن الرحيم أفضل من الجهر به إِلَى أَنْ قَالَ إِذَا وَقَفْتَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ فَسَأَلَكَ عَنْ هَذَا فَقُلْ يَا رَبِّ حَدَّثَنِي بِهَذَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ثُمَّ خَلِّ بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ الذَّهَبِيُّ هَذَا ثَابِتٌ عَنْ سُفْيَانَ وَشَيْخُ الْمُخْلِصِ ثِقَةٌ انْتَهَى [244] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُقْسِمٍ الأسدي البصري) بن عُلَيَّةَ وَهِيَ أُمُّهُ قَالَ أَحْمَدُ إِلَيْهِ الْمُنْتَهَى في التثبت قال بن مَعِينٍ كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْجُرَيْرِيُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ مُصَغَّرًا هُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ (عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَايَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٌ ثِقَةٌ مِنْ أَوْسَاطِ التابعين كنيته أبو نعامة قال بن عبد البر هو ثقة عند جيمعهم (عن بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ) اسْمُهُ يَزِيدُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ) أَيْ قَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ مُحْدَثٌ (إِيَّاكَ وَالْحَدَثَ) تَحْذِيرٌ أَيْ حَذِّرْ نَفْسَكَ مِنَ الْحَدَثِ واتق منه (قال) أي بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ (يَعْنِي مِنْهُ) أَيْ مِنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الرُّوَاةِ (وَقَالَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ (وَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ

يَقُولُهَا) أَيِ الْبَسْمَلَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَاشَ فِي خِلَافَتِهِ بِالْكُوفَةِ وَمَا أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ إِلَّا يَسِيرًا فَلَعَلَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ لَمْ يُدْرِكْهُ وَلَمْ يَضْبِطْ صَلَاتَهُ كَذَا فِي إِنْجَاحِ الْحَاجَةِ (فَلَا تَقُلْهَا) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ نَهَاهُ عن البسملة رسا يعني لا يقول سِرًّا وَلَا جَهْرًا لَكِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْجَهْرِ إِذِ السَّمَاعُ عَادَةً يَتَعَلَّقُ بِالْجَهْرِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّرْجَمَةِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ حَدِيثٌ حسن) وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَدْ ضَعَّفَ الْحُفَّاظُ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَنْكَرُوا عَلَى التِّرْمِذِيِّ تَحْسِينَهُ كابن خزيمة وبن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْخَطِيبِ وَقَالُوا إِنَّ مَدَارَهُ عَلَى بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ انتهى وقال في تهذيب التهذيب بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عَنْ أَبِيهِ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ وَعَنْهُ أَبُو نَعَامَةَ الْحَنَفِيُّ قِيلَ اسْمُهُ يَزِيدُ قُلْتُ ثَبَتَ كَذَلِكَ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْبُخَارِيِّ انْتَهَى وَقَدْ أَطَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ثُمَّ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا حَدِيثٌ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ الْجَهْرِ بِالتَّسْمِيَةِ وَهُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَقْسَامِ الصَّحِيحِ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ وَقَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَدِيثُ الْحَسَنُ يُحْتَجُّ بِهِ لَا سِيَّمَا إِذَا تَعَدَّدَتْ شَوَاهِدُهُ وَكَثُرَتْ مُتَابَعَاتُهُ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ لَمْ أَجِدْ تَرْجَمَةَ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فَإِنْ كَانَ ثِقَةً قَابِلًا لِلِاحْتِجَاجِ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَقْسَامِ الصَّحِيحِ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ وَإِلَّا فَهُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كانو يفتتحون الصلاة بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ زَادَ مُسْلِمٌ لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا وَفِي رواية لأحمد والنسائي وبن خزيمة لا يجهرون ببسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَفِي أُخْرَى لِابْنِ خُزَيْمَةَ كَانُوا يُسِرُّونَ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ النَّفْيُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ خِلَافًا لِمَنْ أَعَلَّهَا انْتَهَى وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي فَانْدَفَعَ بِهَذَا تَعْلِيلُ مَنْ أَعَلَّهُ بِالِاضْطِرَابِ كَابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ لِأَنَّ الْجَمْعَ إِذَا أَمْكَنَ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ انْتَهَى

باب ما جاء من رأى الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم

قُلْتُ وَالْعِلَّةُ الَّتِي أَعَلَّهَا بِهَا مَنْ أَعَلَّهَا هي أن الأوزاعي روى هذه الز يادة عَنْ قَتَادَةَ مُكَاتَبَةً وَقَدْ رُدَّتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ بِأَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا بَلْ قَدْ رَوَاهَا غَيْرُهُ رِوَايَةً صَحِيحَةً فَإِنْ قُلْتَ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ إِنْكَارُ ذَلِكَ فَرَوَى أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَالَ إِنَّكَ لَتَسْأَلُنِي عَنْ شَيْءٍ مَا أَحْفَظُهُ أَوْ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قُلْتُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَأَمَّا مَا رُوِيَ مِنْ إِنْكَارِ أَنَسٍ فَلَا يُقَاوَمُ مَا يَثْبُتُ عَنْ خِلَافِهِ فِي الصَّحِيحِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسٌ نَسِيَ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَكِبَرِهِ وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرًا كَمَا سُئِلَ يَوْمًا عَنْ مَسْأَلَةٍ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْحَسَنِ فَاسْأَلُوهُ فَإِنَّهُ حَفِظَ وَنَسِينَا وَكَمْ مِمَّنْ حَدَّثَ وَنَسِيَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ ذِكْرِهَا فِي الصَّلَاةِ أَصْلًا لَا عَنِ الْجَهْرِ بِهَا وَإِخْفَائِهَا انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ وَقَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْجَهْرِ عِنْدَهُمْ كَانَ مِيرَاثًا عَنْ نَبِيِّهِمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَارَثُهُ خَلَفُهُمْ عَنْ سَلَفِهِمْ وَهَذَا وَحْدَهُ كَافٍ فِي الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الصَّلَوَاتِ الْجَهْرِيَّةَ دَائِمَةٌ صَبَاحًا وَمَسَاءً فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَجْهَرُ بِهَا دَائِمًا لَمَا وَقَعَ فِيهِ اخْتِلَافٌ وَلَا اشْتِبَاهٌ وَلَكَانَ مَعْلُومًا بِالِاضْطِرَارِ وَلَمَا قَالَ أَنَسٌ لَمْ يَجْهَرْ بِهَا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَا خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ وَلَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ ذَلِكَ أَيْضًا وَسَمَّاهُ حَدَثًا وَلَمَا اسْتَمَرَّ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي مِحْرَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَقَامِهِ عَلَى تَرْكِ الْجَهْرِ يَتَوَارَثُهُ آخِرُهُمْ عَنْ أَوَّلِهِمْ وَذَلِكَ جَارٍ عِنْدَهُمْ مَجْرَى الصَّاعِ وَالْمُدِّ بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ لِاشْتِرَاكِ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ تَتَكَرَّرُ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَكَمْ مِنْ إِنْسَانٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى صَاعٍ وَلَا مُدٍّ وَمَنْ يَحْتَاجُهُ يَمْكُثُ مُدَّةً لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَلَا يَظُنُّ عَاقِلٌ أَنَّ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانُوا يُوَاظِبُونَ عَلَى خِلَافِ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفعله انتهى كلامه الزيلعي 8 - (باب ما جاء من رأى الجهر ببسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [245]) قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْأَشْعَرِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ وعنه معتمر بن سليمان

قال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ يَكْتُبُ حديثه وفرق بن أَبِي حَاتِمٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَمَّادٍ الْبَصْرِيِّ الرَّاوِي عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَعَنْهُ مُعْتَمِرٌ وَلَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ فِي التاريخ غير بن أَبِي سُلَيْمَانَ وَقَالَ الْأَزْدِيُّ فِي إِسْمَاعِيلَ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ حَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَيَحْكِيهِ عَنْ مَجْهُولٍ يَعْنِي الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ أبي خالد الوالبي عن بن عباس في الاستفتاح بالبسملة وقال بن عدي ليس إسناده بذاك وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى (عَنْ أَبِي خَالِدٍ) الْوَالِبِيِّ يَأْتِي تَرْجَمَتُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ (يَفْتَتِحُ صَلَاتَهُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِالْبَسْمَلَةِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ) أَيْ بِذَاكَ الْقَوِيِّ قَالَ الطِّيبِيُّ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِذَاكَ مَا فِي ذِهْنِ مَنْ يَعْتَنِي بِعِلْمِ الْحَدِيثِ وَيَعْتَدُّ بِالْإِسْنَادِ القوي قال الحافظ في الدراية وأخرجه بن عَدِيٍّ وَقَالَ لَا يَرْوِيهِ وَفِيهِ أَبُو خَالِدٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالْحَدِيثُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا أَعْرِفُ أَبَا خَالِدٍ وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ وَقَالَ هُوَ مَجْهُولٌ وَقِيلَ إِنَّهُ الْوَالِبِيُّ وَاسْمُهُ هُرْمُزُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالرَّاوِي عَنْهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ ضَعِيفٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ بِهَذَا عِدَّةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ قَالَ بِالْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِعِدَّةِ أَحَادِيثَ أُخْرَى أَكْثَرُهَا ضَعِيفَةٌ وَأَجْوَدُهَا حَدِيثُ نُعَيْمٍ الْمُجْمَرِ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ وَقَالَ النَّاسُ آمِينَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ النسائي وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ وَرَدَ فِي ذَلِكَ يَعْنِي فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ قَالَ وَقَدْ تُعُقِّبَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَشْبَهُكُمْ أَيْ فِي مُعْظَمِ الصَّلَاةِ لَا فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهَا وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ غَيْرُ نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِدُونِ ذِكْرِ الْبَسْمَلَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ نُعَيْمًا ثِقَةٌ فَتُقْبَلُ زِيَادَتُهُ وَالْخَبَرُ ظَاهِرٌ فِي جَمِيعِ الْأَجْزَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَثْبُتَ دَلِيلٌ يُخَصِّصُهُ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ

باب افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين

مُحْتَمَلًا أَنَّهُ يُرِيدُ فِي أَكْثَرِ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَأَقْوَالِهَا إِلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَيَبْعُدُ عَنِ الصَّحَابِيِّ أَنْ يَبْتَدِعَ فِي صَلَاتِهِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا ثُمَّ يَقُولَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمُ انْتَهَى قَالَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ بِهَا تَارَةً جَهْرًا وَتَارَةً يُخْفِيهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ حَمَّادٍ) قال الذهبي في الميزان إسماعيل بن حماد بن أبي سليمان الكوفي وثقه بن مَعِينٍ وَقَالَ الْأَزْدِيُّ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ حَدِيثُهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَيَحْكِيهِ عَنْ مَجْهُولٍ ثُمَّ ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِهِ (هُوَ أَبُو خَالِدٍ الْوَالِبِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِمُوَحَّدَةٍ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ الْكُوفِيُّ اسْمُهُ هُرْمُزُ وَيُقَالُ هَرَمٌ مَقْبُولٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ وَقِيلَ حَدِيثُهُ عَنْهُ مُرْسَلٌ فَيَكُونُ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ أَبُو خالد عن بن عباس لا يعرف 9 - (باب افتتاح القراءة بالحمد لله رب العالمين [246]) قوله (يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين) بِضَمِّ الدَّالِ عَلَى الْحِكَايَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِذَلِكَ فَقِيلَ الْمَعْنَى كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِالْفَاتِحَةِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ أَثْبَتَ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا إِنَّمَا تُسَمَّى الْحَمْدُ فَقَطْ وَأُجِيبَ بِمَنْعِ الْحَصْرِ وَمُسْتَنَدُهُ ثُبُوتُ تَسْمِيَتِهَا بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهِيَ الحمد لله رب العالمين فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَخْرَجَهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ أَلَا أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ سَبْعُ الْمَثَانِي وَقِيلَ الْمَعْنَى كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ تَمَسُّكًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَهَذَا قَوْلُ مَنْ نَفَى قِرَاءَةَ الْبَسْمَلَةِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِالْحَمْدُ أَنَّهُمْ لَمْ يقرأوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سِرًّا وَقَدْ أَطْلَقَ أَبُو هُرَيْرَةَ السُّكُوتَ عَلَى الْقِرَاءَةِ سِرًّا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب ما جاء أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب

70 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ [247]) قَوْلُهُ (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَرْضٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فَرِيضَةً كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا قَالَ الشَّاهُ وَلِيُّ اللَّهِ الدِّهْلَوِيُّ فِي حُجَّةِ اللَّهِ الْبَالِغَةِ تَحْتَ قَوْلِهِ الْأُمُورُ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا فِي الصَّلَاةِ وَمَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ الرُّكْنِيَّةِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تجزىء صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمَا سَمَّى الشَّارِعُ الصَّلَاةَ بِهِ فَإِنَّهُ تَنْبِيهٌ بَلِيغٌ عَلَى كَوْنِهِ رُكْنًا فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَالْحَدِيثُ بِعُمُومِهِ شَامِلٌ لِكُلِّ مُصَلٍّ مُنْفَرِدًا كَانَ أَوْ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي قَتَادَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ الْحَدِيثَ وأما حديث عائشة فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ

وَالْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ بِلَفْظِ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ وَأَبِي قَتَادَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِمَا وَأَمَّا حَدِيثُهُمَا فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَسَيَجِيءُ تَخْرِيجُهُمَا فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ وَالْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ مُخْدَجَةٌ مُخْدَجَةٌ مُخْدَجَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ فَهِيَ خِدَاجٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَغَيْرُهُمْ) كَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ (قَالُوا لا تجزىء صَلَاةٌ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبِهِ يَقُولُ بن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) فَعِنْدَ هَؤُلَاءِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِهَا وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ فَإِنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ بِلَفْظِ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ تَنْبِيهٌ بَلِيغٌ عَلَى رُكْنِيَّةِ الفاتحة كما تقدم ورواه الدارقطني وبن خزيمة وبن حبان وغيرهم بإسناد صحيح بلفظ لا تجزىء صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي رُكْنِيَّةِ الْفَاتِحَةِ لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى رُكْنِيَّةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ خِدَاجٌ أَيْ نَاقِصَةٌ نَقْصَ فَسَادٍ وَبُطْلَانٍ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ وَمِنَ الْمَجَازِ خَدَجَ الرَّجُلُ فَهُوَ خَادِجٌ إِذَا نَقَصَ عُضْوٌ مِنْهُ وَأَخْدَجَهُ اللَّهُ فَهُوَ مُخْدَجٌ وَكَانَ ذُو الثُّدَيَّةِ مُخْدَجَ الْيَدِ وَأَخْدَجَ صَلَاتَهُ نَقَصَ بَعْضَ أَرْكَانِهَا وَصَلَاتِي مُخْدَجَةٌ وَخَادِجَةٌ وَخِدَاجٌ وَصْفٌ بِالْمَصْدَرِ انْتَهَى وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ فَهِيَ خِدَاجٌ أَيْ نَاقِصَةٌ نَقْصَ بُطْلَانٍ وَفَسَادٍ تَقُولُ الْعَرَبُ أَخَدَجَتِ النَّاقَةُ إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا وَهُوَ دَمٌ لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقُهُ فَهِيَ مُخْدِجٌ وَالْخِدَاجُ اسْمٌ مَبْنِيٌّ مِنْهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَخَدَجَتِ النَّاقَةُ إِذَا أَسْقَطَتْ وَالسِّقْطُ مَيِّتٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتَهَى

وَقَالَ الْجَزْرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْخِدَاجُ النُّقْصَانُ يُقَالُ خَدَجَتِ النَّاقَةُ إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا قَبْلَ أَوَانِهِ وَإِنْ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ وَأَخْدَجَتْهُ إِذَا وَلَدَتْهُ نَاقِصَ الْخَلْقِ وَإِنْ كَانَ لِتَمَامِ الْحَمْلِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ خَدَجَتِ النَّاقَةُ وَكُلُّ ذَاتِ خُفٍّ وَظِلْفٍ وَحَافِرٍ إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا لِغَيْرِ تَمَامِ الْحَمْلِ وَزَادَ بن الْقُوطِيَّةِ وَإِنْ تَمَّ خَلْقُهُ وَأَخْدَجَتْهُ بِالْأَلِفِ أَلْقَتْهُ نَاقِصَ الْخَلْقِ انْتَهَى قُلْتُ وَالْمُرَادُ مِنْ إِلْقَاءِ النَّاقَةِ وَلَدَهَا لِغَيْرِ تَمَامِ الْحَمْلِ وَإِنْ تَمَّ خَلْقُهُ إِسْقَاطُهَا وَالسِّقْطُ مَيِّتٌ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ كَمَا عَرَفْتَ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ قَوْلَهُ فَهِيَ خِدَاجٌ مَعْنَاهُ نَاقِصَةٌ نَقْصَ فَسَادٍ وَبُطْلَانٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تجزىء صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قُلْتُ فَإِنْ كُنْتُ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ وَقَالَ اقْرَأْ فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ قَالَ البيهقي رواه بن خُزَيْمَةَ الْإِمَامُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ فَهِيَ خِدَاجٌ الْمُرَادُ بِهِ النُّقْصَانُ الَّذِي لَا تجزىء مَعَهُ انْتَهَى فَالْحَاصِلُ أَنَّ اسْتِدْلَالَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجُمْهُورِهِمْ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى رُكْنِيَّةِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُمْ هُوَ الرَّاجِحُ الْمَنْصُورُ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بِأَنَّ النَّفْيَ فِي قَوْلِهِ لَا صَلَاةَ لِلْكَمَالِ وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أن رواية بن خزيمة وغيره بلفظ لا تجزىء صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ تُبْطِلُ تَأْوِيلَهُمْ هَذَا إِبْطَالًا صَرِيحًا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ صَرَّحَ بِصِحَّتِهَا أَئِمَّةُ الْفَنِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرَوَاهُ يَعْنِي حَدِيثَ عُبَادَةَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ إِلَّا أَنْ يَقْرَأَ الرَّجُلُ فيها بأم القران وصححه بن القطان انتهى وقال القارىء في المرقاة نق عن بن حجر المكي ومنها خبر بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ فِي صِحَاحِهِمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَا تجزىء صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ انْتَهَى وَالثَّانِي أَنَّ النَّفْيَ فِي قَوْلِهِ لَا صَلَاةَ إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ نَفْيُ الْحَقِيقَةِ أَوْ نَفْيُ الصِّحَّةِ أَوْ نَفْيُ الْكَمَالِ فَالْأَوَّلُ حَقِيقَةٌ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ مَجَازٌ وَالثَّانِي أَعْنِي نَفْيَ الصِّحَّةِ أَقْرَبُ الْمَجَازَيْنَ إِلَى الْحَقِيقَةِ وَالثَّالِثُ أَعْنِي نَفْيَ الْكَمَالِ أَبْعَدُهُمَا فَحَمْلُ النَّفْيِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَاجِبٌ إِنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَحَمْلُهُ عَلَى أَقْرَبِ الْمَجَازَيْنِ وَاجِبٌ وَمُتَعَيِّنٌ وَمَعَ إِمْكَانِ الْحَقِيقَةِ أَوْ أَقْرَبِ الْمَجَازَيْنِ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى أَبْعَدِ الْمَجَازَيْنِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ عُبَادَةَ يَدُلُّ عَلَى تَعَيُّنِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ لِأَنَّ النَّفْيَ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ يَتَوَجَّهُ إِلَى الذَّاتِ إِنْ أَمْكَنَ انْتِفَاؤُهَا وَإِلَّا تَوَجَّهَ إِلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إِلَى الذَّاتِ وَهُوَ الصِّحَّةُ لَا

إِلَى الْكَمَالِ لِأَنَّ الصِّحَّةَ أَقْرَبُ الْمَجَازَيْنِ وَالْكَمَالُ أَبْعَدُهُمَا وَالْحَمْلُ عَلَى أَقْرَبِ الْمَجَازَيْنِ وَاجِبٌ وَتَوَجُّهُ النفي ها هنا إِلَى الذَّاتِ مُمْكِنٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ مَعْنَاهَا الشَّرْعِيُّ لَا اللُّغَوِيُّ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ أَلْفَاظَ الشَّارِعِ مَحْمُولَةٌ عَلَى عُرْفِهِ لِكَوْنِهِ بُعِثَ لِتَعْرِيفِ الشَّرْعِيَّاتِ لَا لِتَعْرِيفِ الْمَوْضُوعَاتِ اللُّغَوِيَّةِ وَإِذَا كَانَ الْمَنْفِيُّ الصَّلَاةَ الشَّرْعِيَّةَ اسْتَقَامَ نَفْيُ الذَّاتِ لِأَنَّ الْمُرَكَّبَ كَمَا يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ جَمِيعِ أَجْزَائِهِ يَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ بَعْضِهَا فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى إِضْمَارِ الصِّحَّةِ وَلَا الْإِجْزَاءِ وَلَا الْكَمَالِ كَمَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهِيَ عَدَمُ إِمْكَانِ انْتِفَاءِ الذَّاتِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ المراد ها هنا الصَّلَاةُ اللُّغَوِيَّةُ فَلَا يُمْكِنُ تَوَجُّهُ النَّفْيِ إِلَى الذَّاتِ لِأَنَّهَا قَدْ وُجِدَتْ فِي الْخَارِجِ كَمَا قَالَهُ الْبَعْضُ لَكَانَ الْمُتَعَيِّنُ تَوْجِيهُ النَّفْيِ إِلَى الصِّحَّةِ أَوِ الْإِجْزَاءِ لَا إِلَى الْكَمَالِ مَا أَوَّلَا فَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ الْمَجَازَيْنِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِرِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّهَا مُصَرِّحَةٌ بِالْإِجْزَاءِ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيرُهُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِنْ سَلَّمْنَا تَعَذُّرَ الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَالْحَمْلُ عَلَى أَقْرَبِ الْمَجَازَيْنِ إِلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى مِنَ الْحَمْلِ عَلَى أَبْعَدِهِمَا وَنَفْيُ الْإِجْزَاءِ أَقْرَبُ إِلَى نَفْيِ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ السَّابِقُ إِلَى الْفَهْمِ وَلِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْكَمَالِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَيَكُونُ أَوْلَى وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ الْوَلِيدِ النَّرْسِيِّ أَحَدِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بهذا الاسناد بلفظ لا تجزىء صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَتَابَعَهُ على ذلك زياد بن أيوب أَحَدُ الْأَثْبَاتِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِهَذَا اللَّفْظِ أَخْرَجَهُ بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا وَلِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَادَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا لَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ لَفْظَ الْخِدَاجِ يَدُلُّ عَلَى النُّقْصَانِ لَا عَلَى الْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فِي تَرْكِ الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي حَدِيثِ فَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَرُدَّ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَصَلَاتُهُ نَاقِصَةٌ نَقْصَ بُطْلَانٍ وَفَسَادٍ وَقَدْ عَرَفْتَ بَيَانَهُ وَلَمْ يَقَعْ لَفْظُ الْخِدَاجِ فِي حَدِيثِ فَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ عَلَى تَرْكِ الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَطْ بَلْ عَلَى تَرْكِ مَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ هَكَذَا الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى تَشَهُّدٌ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَخَشُّعٌ وَتَضَرُّعٌ وتمسكن ثم تقنع يديك يقول ترفعهما إلى رَبِّكَ مُسْتَقْبِلًا تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ لَيْسَتْ بِفَرْضٍ بَلْ هِيَ وَاجِبَةٌ قَالُوا الْفَرْضُ عِنْدَنَا مُطْلَقُ الْقِرَاءَةِ لِقَوْلِهِ تعالى فاقرأوا ما تيسر من القران وَتَقْيِيدُهُ بِالْحَدِيثِ زِيَادَةٌ عَلَى الْكِتَابِ وَذَا لَا يجوز فعملنا بِالْكِتَابِ وَالْحَدِيثِ فَقُلْنَا إِنَّ مُطْلَقَ الْقُرْآنِ فَرْضٌ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَاجِبٌ

قُلْتُ إِثْبَاتُ فَرْضِيَّةِ مُطْلَقِ الْقُرْآنِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فاقرأوا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِعَيْنِهَا وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَلْ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فِيهِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ الصَّلَاةُ أَيْ فَصَلُّوا مَا تَيَسَّرَ عَلَيْكُمْ القول الثاني أن المراد من قوله فاقرأوا ما تيسر من القران قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِعَيْنِهَا انْتَهَى وَهَكَذَا فِي عَامَّةِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي فِيهِ بُعْدٌ عَنْ مُقْتَضَى السِّيَاقِ قَالَ الشَّيْخُ الْأَلُوسِيُّ الْبَغْدَادِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمُسَمَّى بِرُوحِ الْمَعَانِي أَيْ فَصَلُّوا مَا تَيَسَّرَ لَكُمْ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ عَبَّرَ عَنِ الصَّلَاةِ بِالْقِرَاءَةِ كَمَا عَبَّرَ عَنْهَا بِسَائِرِ أَرْكَانِهَا وَقِيلَ الْكَلَامُ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ طَلَبِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِعَيْنِهَا وَفِيهِ بُعْدٌ عَنْ مُقْتَضَى السِّيَاقِ انْتَهَى كَلَامُهُ فَلَمَّا ظَهَرَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ تعالى فاقرأوا الْقَوْلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَأَنَّ الْقَوْلَ الثَّانِيَ فِيهِ بُعْدٌ لَاحَ لَكَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ عَلَى فَرْضِيَّةِ مُطْلَقِ الْقِرَاءَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي أَعْنِي قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِعَيْنِهَا فَحَدِيثُ الْبَابِ مَشْهُورٌ بَلْ مُتَوَاتِرٌ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ تَوَاتَرَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ انْتَهَى وَالزِّيَادَةُ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ جَائِزٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى أن قوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القران عَامٌّ مَخْصُوصٌ مِنْهُ الْبَعْضُ فَهُوَ ظَنِّيٌّ فَلَا يَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّةِ مُطْلَقِ الْقِرَاءَةِ وَيَجُوزُ تَخْصِيصُهُ وَلَوْ بِالْأَحَادِيثِ قَالَ الْملّاجيونُ فِي تَفْسِيرِهِ ثُمَّ أَقَلُّ الْقِرَاءَةِ فَرْضًا عِنْدَنَا آيَةٌ وَاحِدَةٌ طَوِيلَةٌ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهَا أَوْ ثَلَاثُ آيَاتٍ قَصِيرَةٍ كمدهامتان وهذا هو الأصح وقيل إنه وَاحِدَةٌ طَوِيلَةً كَانَتْ أَوْ قَصِيرَةً وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُعْتَدُّ بِهِ يُنَادِي عَلَيْهِ كُتُبُ الْفِقْهِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَكُونُ مَا دُونَ الْآيَةِ مَخْصُوصًا مِنْ هَذَا الْعَامِّ فَيَكُونُ الْعَامُّ ظَنِّيًّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْقِرَاءَةِ وَأَنْ يُعَارِضَهُ الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ انْتَهَى كَلَامُهُ وأما ما قيل من أن الْآيَةِ لَا يُسَمَّى قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عُرْفًا وَالْعُرْفُ قَاضٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ فَهَذَا دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَيَلْزَمُ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُدْهَامَّتَانِ الَّتِي هِيَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَلَا يَكُونُ أَكْثَرُ آيَةِ الْمُدَايَنَةِ الَّتِي هِيَ كَلِمَاتٌ كَثِيرَةٌ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَهَذَا كَمَا تَرَى وَأَيْضًا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ أَحَدٌ نِصْفَ آيَةِ الْمُدَايَنَةِ فِي الصَّلَاةِ لَا تَجُوزُ وَعَامَّةُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى جَوَازِهَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةِ الْمُدَايَنَةِ قِيلَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ تَمَامِ الْآيَةِ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْجَوَازِ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَعْلِيمِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ الْفَاتِحَةِ إِذْ لَوْ كَانَتْ فَرْضًا لَأَمَرَهُ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ التَّعْلِيمِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْهُ قُلْتُ قَدْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ رفاعة بن رَافِعٍ مَرْفُوعًا وَإِذَا قُمْتَ فَتَوَجَّهْتَ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ

باب ما جاء في التأمين

هَذَا بِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ معك من القران ظاهر لإطلاق التَّخْيِيرُ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عُبَادَةَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَا اسْتَيْسَرَ من الهدى ثُمَّ عَيَّنَتِ السُّنَّةُ الْمُرَادَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَوَاتِ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِهَا وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّأْمِينِ [248]) التَّأْمِينُ مَصْدَرُ أَمَّنَ أَيْ قَالَ آمِينَ وَهِيَ بِالْمَدِّ وَالتَّخْفِيفِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَعَنْ جَمِيعِ الْقُرَّاءِ وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ عَنْ حَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ الْإِمَالَةَ وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ أُخْرَى شَاذَّةٍ الْقَصْرُ أَيْ أَمِينَ وَالتَّشْدِيدُ مَعَ الْمَدِّ وَالْقَصْرِ أَيْ آمِّينَ وَأَمِّينَ وَخَطَّأَ الْأُخْرَيَيْنِ جَمَاعَةٌ وَأَمَّا الْأُولَى مِنْهَا فَحَكَاهَا ثَعْلَبٌ وأنشد لها شاهدا وأنكرها بن دَرَسْتَوَيْهِ وَطَعَنَ فِي الشَّاهِدِ بِأَنَّهُ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ وَمَعْنَى آمِينَ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَرْجِعُ جَمِيعُهُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى وَقِيلَ هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّ آمِينَ مِثْلُ الطَّابَعِ عَلَى الصَّحِيفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ صَلَّى الله عليه وسلم إن ختم بآمين فقد أَوْجَبَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ النُّونِ لَقَبُ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِيِّ أَحَدُ أَوْعِيَةِ السُّنَّةِ قَالَ الذَّهَبِيُّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِبُنْدَارٍ نَا (يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) الْقَطَّانُ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (قَالَا نَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ) الْحَضْرَمِيِّ الْكُوفِيِّ قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَالْعِجْلِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ سَلَمَةَ هذا وكله بِفَتْحِ اللَّامِ إِلَّا عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ إِمَامَ قَوْمِهِ وَبَنِي سَلِمَةَ الْقَبِيلَةُ مِنَ الْأَنْصَارِ فَبِكَسْرِهَا وَفِي عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ سَلِمَةَ الْوَجْهَانِ (عَنْ حُجْرِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ (بْنِ عَنْبَسٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْحَضْرَمِيِّ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَهُ الحافظ وقال الخزرجي وثقه بن مَعِينٍ (عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَسْرُوقٍ الْحَضْرَمِيِّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ وَكَانَ مِنْ مُلُوكِ الْيَمَنِ ثُمَّ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ فِي وِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

قَوْلُهُ (وَقَالَ آمِينَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ آمِينَ وَهَذَا مَوْضِعٌ اخْتَلَفَ فِيهِ العلماء فروى بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقُولُ آمِينَ وَإِنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ خَلْفَهُ وَهُوَ قَوْلُ الْمِصْرِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُهَا الْإِمَامُ كَمَا يَقُولُ الْمُنْفَرِدُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ الْمَدَنِيِّينَ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَحَدِيثُ بِلَالٍ لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ كَذَا فِي الِاسْتِذْكَارِ قُلْتُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَا يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالثَّانِي كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْآثَارِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ قَوْلَ الْجُمْهُورِ هُوَ الْحَقُّ (وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ) أَيْ رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ وَجَهَرَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ فَجَهَرَ بِآمِينَ وَرَوَاهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ وَجَهَرَ بِهَا وَرَفَعَ صَوْتَهُ بِهَا فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ احْتَجَّ الرَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ وَائِلٍ الَّذِي بِلَفْظِ مَدَّ بِهَا صَوْتَهُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَهْرِ بِآمِينَ وَقَالَ فِي أَمَالِيهِ يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى لُغَةِ الْمَدِّ دُونَ الْقَصْرِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَلَكِنَّ رِوَايَةَ مَنْ قَالَ رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ تُبْعِدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَلِهَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ عَقِبَهُ وَبِهِ يَقُولُ غَيْرُ وَاحِدٍ يَرَوْنَ أَنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدِّهْلَوِيُّ فِي اللُّمَعَاتِ قَوْلُهُ مَدَّ بِهَا صَوْتَهُ أَيْ بِكَلِمَةِ آمِينَ يَحْتَمِلُ الْجَهْرَ بِهَا وَيَحْتَمِلُ مَدَّ الْأَلِفِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ بِقَرِينَةِ الرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ فَفِي بَعْضِهَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَعْنَى الْجَهْرِ وَفِي رواية بن مَاجَهْ حَتَّى يَسْمَعَهَا الصَّفُّ الْأَوَّلُ فَيَرْتَجَّ بِهَا الْمَسْجِدُ وَفِي بَعْضِهَا يَسْمَعَهَا مَنْ كَانَ فِي الصف الأول رواه أبو داود وبن مَاجَهْ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ قُلْتُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ قَوْلَهُ مَدَّ بِهَا صَوْتَهُ يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى لُغَةِ الْمَدِّ دُونَ الْقَصْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا ألْبَتَّةَ لِمَا عَرَفْتَ وَلِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ وَالْجَهْرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَتَبَّعَ مظان استعمال هذا اللفظ ونحن نذكر ها هنا بَعْضَهَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ البَرَاءِ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ وَخَنْدَقُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ يقول اللهم لولا أنت ما اهتدنا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا قَالَ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا انْتَهَى وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ خَيْرٌ مِنْ تَمِيمٍ وَأَسَدَ وَغَطَفَانَ وَبَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ فَقَالَ الْقَوْمُ قَدْ خَابُوا وَخَسِرُوا قَالَ فَهُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ فِي التَّرْجِيعِ بِلَفْظِ ثُمَّ ارْجِعْ فَمُدَّ مِنْ صَوْتِكَ فَلَفْظُ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا فِي الْأَوَّلِ وَيَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ فِي الثَّانِي وَفَمُدَّ مِنْ صَوْتِكَ فِي الثَّالِثِ لَمْ يُطْلَقْ إِلَّا

عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ وَكَذَلِكَ إِذَا تَتَبَّعْتَ هَذَا اللَّفْظَ أَعْنِي لَفْظَ الْمَدِّ مَعَ الصَّوْتِ فِي مَظَانِّ اسْتِعْمَالِهِ لَا تَجِدُ إِلَّا فِي مَعْنَى رَفْعِ الصَّوْتِ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ قَوْلَهُ مَدَّ بِهَا صَوْتَهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ تَكَلَّمَ عَلَى لُغَةِ الْمَدِّ لَيْسَ مِمَّا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لِمَنْ قَالَ بِسُنِّيَّةِ الْجَهْرِ بِالتَّأْمِينِ وَرَفْعِ الصَّوْتِ بِهِ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ آمِينَ إِذَا قَرَأَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَ وَلَا الضَّالِّينَ رَفَعَ صَوْتَهُ بِآمِينَ كَذَا فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ آمِينَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَالْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَالْبَيْهَقِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الراية وسكت عنه وقال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ انْتَهَى وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْجَهْرِ بِالتَّأْمِينِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ نُعَيْمٍ الْمُجْمَرِ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضالين فَقَالَ آمِينَ فَقَالَ النَّاسُ آمِينَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ الْحُصَيْنِ فَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ ثَنَا هَارُونُ بْنُ الْأَعْوَرِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عن بن أُمِّ الْحُصَيْنِ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا صَلَّتْ خَلْفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قال ولا الضالين قَالَ آمِينَ فَسَمِعَتْهُ وَهِيَ فِي صَفِّ النِّسَاءِ ذكره الحافظ بن حَجَرٍ وَالْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيجِهِمَا لِلْهِدَايَةِ وَسَكَتَا عَنْهُ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَفِيهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ سَنَدُهُ صَحِيحٌ وصححه الدارقطني وأعله بن الْقَطَّانِ بِحُجْرِ بْنِ عَنْبَسٍ وَأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ بَلْ هُوَ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ قِيلَ لَهُ صُحْبَةٌ وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ انْتَهَى قُلْتُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَقَدِ اعْتَرَفَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ حَدِيثَ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ هَذَا صَحِيحٌ كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْحَقِّ الدِّهْلَوِيِّ فِي تَرْجَمَةِ الْمِشْكَاةِ وَأَبِي الطَّيِّبِ

المدني في شرح الترمذي وبن التُّرْكُمَانِيِّ فِي الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي السِّعَايَةِ لَقَدْ طُفْنَا كَمَا طُفْتُمْ سنينا بهذا البيت طرا جميعنا فَوَجَدْنَا بَعْدَ التَّأَمُّلِ وَالْإِمْعَانِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالْجَهْرِ بِآمِينَ هُوَ الْأَصَحُّ لِكَوْنِهِ مُطَابِقًا لِمَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدِ بَنِي عَدْنَانَ وَرِوَايَةُ الْخَفْضِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفَةٌ لَا تُوَازِي رِوَايَاتِ الْجَهْرِ وَأَيُّ ضَرُورَةٍ دَاعِيَةٍ إِلَى حَمْلِ رِوَايَاتِ الْجَهْرِ عَلَى بَعْضِ الْأَحْيَانِ أَوِ الْجَهْرِ لِلتَّعْلِيمِ مَعَ عَدَمِ وُرُودِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ أَضْعَفُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ قَدْ صَحَّحَهُ مِنْ رِوَايَةِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَهُوَ إِنَّمَا أَسْلَمَ في أواخر الأمر كما ذكره بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ الْإِنْصَافُ أَنَّ الْجَهْرَ قَوِيٌّ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَرَوْنَ أَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ صَوْتَهُ بِالتَّأْمِينِ وَلَا يُخْفِيهَا) وقال البخاري في صحيحه أمن بن الزُّبَيْرِ وَمَنْ مَعَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً انْتَهَى قَالَ الْعَيْنِيُّ وَصَلَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جريج عن عطاء قلت له أكان بن الزُّبَيْرِ يُؤَمِّنُ عَلَى إِثْرِ أُمِّ الْقُرْآنِ قَالَ نَعَمْ وَيُؤَمِّنُ مَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا آمِينَ دُعَاءٌ وَرَوَاهُ الشافعي عن مسلم بن خالد عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ كُنْتُ أَسْمَعُ الْأَئِمَّةَ بن الزُّبَيْرِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَقُولُونَ آمِينَ وَيَقُولُ مَنْ خَلْفَهُ آمِينَ حَتَّى إِنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً وَفِي المصنف حدثنا بن عيينة قال لعله بن جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ كَانَ لِلْمَسْجِدِ رَجَّةٌ أَوْ قَالَ لَجَّةٌ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ أَدْرَكْتُ مِائَتَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ غَيْرِ المغضوب عليهم ولا الضالين سَمِعْتَ لَهُمْ رَجَّةً بِآمِينَ انْتَهَى وَكَذَلِكَ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رِوَايَةَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَرِوَايَةَ الْبَيْهَقِيِّ قُلْتُ وَكَذَلِكَ قَدْ ثَبَتَ جَهْرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِالتَّأْمِينِ خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْإِسْرَارُ بِالتَّأْمِينِ بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ الْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ جَهَرَ بِالتَّأْمِينِ فَقَدْ ثَبَتَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى الْجَهْرِ بِالتَّأْمِينِ عَلَى طَرِيقِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إن بن الزُّبَيْرِ أَفْتَى فِي زَنْجِيٍّ وَقَعَ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ بِنَزْحِ مَائِهَا وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا فَكَذَلِكَ يقال إن بن الزُّبَيْرِ أَمَّنَ بِالْجَهْرِ فِي الْمَسْجِدِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ بَلْ وَافَقُوهُ وَجَهَرُوا مَعَهُ بِآمِينَ حَتَّى كَانَ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً فَكَانَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ

عَلَى الْجَهْرِ بِالتَّأْمِينِ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ سُئِلَ الشَّافِعِيُّ عَنِ الْإِمَامِ هَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِآمِينَ قَالَ نَعَمْ وَيَرْفَعُ بِهَا مَنْ خَلْفَهُ أَصْوَاتَهُمْ إِلَى أَنْ قَالَ وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهِ انْتَهَى وَهَذَا الْقَوْلُ أَعْنِي الْجَهْرَ بِالتَّأْمِينِ لِلْإِمَامِ وَلِمَنْ خَلْفَهُ هُوَ الرَّاجِحُ الْقَوِيُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِالْإِسْرَارِ بِالتَّأْمِينِ وَالْإِخْفَاءِ بِهِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ وَائِلٍ الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا بلفظ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ وخفض بها صَوْتَهُ وَهُوَ حَدِيثٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ كَمَا سَتَعْرِفُ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ سُمْرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ حَفِظَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَكْتَتَيْنِ سَكْتَةً إِذَا كَبَّرَ وَسَكْتَةً إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضالين قَالَ الْأَظْهَرُ أَنَّ السَّكْتَةَ الثَّانِيَةَ كَانَتْ لِلتَّأْمِينِ سِرًّا وَالْجَوَابُ أَنَّ السَّكْتَةَ الثَّانِيَةَ لَمْ تَكُنْ لِلتَّأْمِينِ سِرًّا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ صَوْتُهُ بِالتَّأْمِينِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِسْرَارُ بِالتَّأْمِينِ فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّهَا كَانَتْ لِلتَّأْمِينِ سِرًّا بَلِ السَّكْتَةُ الثَّانِيَةُ كَانَتْ لِأَنْ يَتَرَادَّ إِلَيْهِ نَفَسُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَتَادَةُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَثَرِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ كَانَ عمر وعلي لا يجهران ببسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلَا بِالتَّعَوُّذِ وَلَا بِآمِينَ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْأَثَرَ ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّ في سنده سعيد بن المرذبان الْبَقَّالُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ تَرَكَهُ الْفَلَّاسُ وقال بن مَعِينٍ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةِ أَبَانِ بن جبلة الكوفي نقل بن الْقَطَّانِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ كُلُّ مَنْ قُلْتُ فِيهِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ فَلَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ انْتَهَى وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ خَمْسٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَالتَّعَوُّذَ وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَآمِينَ وَاللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ الصَّحِيحَةِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ قَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي السِّعَايَةِ أَمَّا أَثَرُ النَّخَعِيِّ وَنَحْوُهُ فَلَا يُوَازِي الرِّوَايَاتِ الْمَرْفُوعَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ حُجْرٍ أَبِي الْعَنْبَسِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ

وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضالين فَقَالَ آمِينَ وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ) فَخَالَفَ شُعْبَةُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدُ بِقَوْلِهِ وَأَخْطَأَ شُعْبَةُ فِي مَوَاضِعَ إِلَخْ (سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ حَدِيثُ سُفْيَانَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ فِي هَذَا) أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَصَحُّ الصَّحِيحِ وَالْمَعْنَى أَنَّ حَدِيثَ سُفْيَانَ صَحِيحٌ وَحَدِيثَ شُعْبَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ فِي مَوَاضِعَ (وَأَخْطَأَ شُعْبَةُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ) أَيْ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ مِنْهُ (فَقَالَ) أَيْ شُعْبَةُ (عَنْ حُجْرٍ أَبِي الْعَنْبَسِ وَإِنَّمَا هُوَ حُجْرُ بْنُ الْعَنْبَسِ) كَمَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ (وَيُكَنَّى) أَيْ حُجْرُ بْنُ الْعَنْبَسِ (أَبَا السَّكَنِ) أَيْ لَيْسَ كُنْيَتُهُ أَبَا الْعَنْبَسِ بَلْ كُنْيَتُهُ أَبُو السَّكَنِ وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الْأَوَّلُ مِنْ خَطَأِ شُعْبَةَ (وَزَادَ فِيهِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ) أَيْ زَادَ بَيْنَ حُجْرٍ وَوَائِلٍ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلٍ (وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ عَلْقَمَةَ) كَمَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَهَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّانِي مِنْ خَطَأِ شُعْبَةَ فَإِنْ قِيلَ سُفْيَانُ وَشُعْبَةُ كِلَاهُمَا ثِقَتَانِ حَافِظَانِ فَلِمَ نُسِبَ الْخَطَأُ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ إِلَى شُعْبَةَ وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَى سُفْيَانَ قُلْنَا نُسِبَ الْخَطَأُ إِلَى شُعْبَةَ دُونَ سُفْيَانَ لأربعة وجوه الأول أن شعبة كان يخطىء فِي الرِّجَالِ كَثِيرًا وَأَمَّا سُفْيَانُ فَلَمْ يَكُنْ يخطىء قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ شعبة ثقة ثبت في الحديث وكان يخطىء في أسماء الرحال قَلِيلًا وَكَذَلِكَ نَقَلَ الْحَافِظُ عَنْ أَبِي دَاوُدَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ عِدَّةِ أَسْطُرٍ وَأَمَّا مَا تقدم من أنه كان يخطىء فِي الْأَسْمَاءِ فَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ كان شعبة يخطىء فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ كَثِيرًا لِتَشَاغُلِهِ بِحِفْظِ الْمُتُونِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ خَطَأَ شُعْبَةَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ جَامِعِهِ فَمِنْهَا فِي بَابِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ كَانَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ يَعْنِي حَدِيثَ عَلِيٍّ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَلْقَمَةَ فَأَخْطَأَ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ فَقَالَ مَالِكُ بْنُ عُرْفُطَةَ قَالَ وَالصَّحِيحُ خَالِدُ بْنُ عَلْقَمَةَ وَمِنْهَا فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي التَّخَشُّعِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ يَعْنِي حَدِيثَ الْفَضْلِ بْنِ

عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ فَأَخْطَأَ فِي مَوَاضِعَ فَقَالَ عَنْ أَنَسِ بْنِ أَبِي أُنَيْسٍ وَهُوَ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ وَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ وَإِنَّمَا هُوَ عبد الله بن نافع بن العميا عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَقَالَ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْمُطَّلِبِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَنِ الفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَحْمَدُ وَحَدِيثُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ انْتَهَى وَمِنْهَا فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ الطَّوَافِ عريانا حدثنا بن عُمَرَ وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَا نَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَهُ يَعْنِي نَحْوَ الْحَدِيثِ المذكور وقالا زيد بن يُثَيْعٍ وَهَذَا أَصَحُّ وَشُعْبَةُ وَهِمَ فِيهِ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أُثَيْلٍ انْتَهَى وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ شُعْبَةَ كَانَ شَاكًّا يَشُكُّ كَثِيرًا فِي الْأَسَانِيدِ وَالْمُتُونِ وَأَمَّا شُعْبَةُ فَلَمْ يَكُنْ شَاكًّا وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُمَا ثِقَتَانِ حَافِظَانِ لَكِنَّ سُفْيَانَ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَةَ كَمَا سَتَقِفُ عَلَى هَذَا وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ أَنَّ شُعْبَةَ قَدْ تَفَرَّدَ بِمَا قَالَ فِي رِوَايَتِهِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ وَأَمَّا سُفْيَانُ فَلَمْ يَتَفَرَّدْ بِمَا قَالَ فِي رِوَايَتِهِ فِيهِمَا بَلْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ وَعَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ فَبِهَذِهِ الْوُجُوهِ قَدْ نُسِبَ الْخَطَأُ إِلَى شُعْبَةَ وَلَمْ يُنْسَبْ إِلَى سُفْيَانَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ أَجَابَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَمَّا نَسَبَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ مِنَ الْخَطَأِ الْأَوَّلِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ هُوَ حُجْرُ بْنُ الْعَنْبَسِ وَلَيْسَ بِأَبِي الْعَنْبَسِ لَيْسَ كَمَا قَالَهُ بَلْ هُوَ أَبُو الْعَنْبَسِ حُجْرُ بْنُ الْعَنْبَسِ وجزم به بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ فَقَالَ كُنْيَتُهُ كَاسْمِ أَبِيهِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ يُكَنَّى أَبَا السَّكَنِ لَا يُنَافِي أَنْ تَكُونَ كُنْيَتُهُ أَيْضًا أَبَا الْعَنْبَسِ لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ لِشَخْصٍ كُنْيَتَانِ انْتَهَى قُلْنَا لَمْ يَثْبُتْ مِنْ كُتُبِ الرِّجَالِ وَالتَّرَاجِمِ أَنَّ كُنْيَةَ حُجْرِ بْنِ الْعَنْبَسِ أَبُو الْعَنْبَسِ أَيْضًا وَأَنَّ لَهُ كُنْيَتَانِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ أحد من أئمة الفن غير بن حِبَّانَ مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَبْنَى قَوْلِهِ هُوَ رِوَايَةُ شُعْبَةَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ خَطَأُ شُعْبَةَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو زُرْعَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ تابع سفيان شعبة في أبي العنبس أخرج أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نَا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر أَبِي الْعَنْبَسِ الْحَضْرَمِيِّ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكَنَدِيُّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَالْمُحَارِبِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سلمة بن كهيل عن حجر أبي العنبس وهو بن الْعَنْبَسِ الْحَدِيثَ فَثَبَتَ أَنَّ شُعْبَةَ لَيْسَ مُتَفَرِّدًا بِأَبِي الْعَنْبَسِ بَلْ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ وَوَكِيعٌ وَالْمُحَارِبِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَيْضًا

قُلْنَا كُلُّ مَنْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ سفيان عن سلمة بن كهيل عن الحجر أَبِي الْعَنْبَسِ فَرِوَايَتُهُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ أَمَّا رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ فَإِنَّهُ قَدْ خَالَفَ فِي ذِكْرِ حُجْرٍ أَبِي الْعَنْبَسِ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ فَإِنَّهُمَا قَالَا فِي رِوَايَتِهِمَا حُجْرُ بْنُ الْعَنْبَسِ كَمَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ الْمَذْكُورَةِ وَهُمَا أَحْفَظُ وَأَتْقَنُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ وَأَمَّا رِوَايَةُ وَكِيعٍ وَالْمُحَارِبِيِّ فَقَدْ تَفَرَّدَ بِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكَنَدِيُّ وَقَدْ خَالَفَ فِي ذِكْرِ حُجْرٍ أَبِي الْعَنْبَسِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ وَيَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظَ قَالُوا فِي رِوَايَاتِهِمْ حُجْرُ بْنُ الْعَنْبَسِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بْنِ عَنْبَسَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُبَشِّرٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ ثَنَا يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ قَالَا نَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ عَنْ حُجْرِ بْنِ عَنْبَسَ قَالَ سَمِعْتُ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ غير المغضوب عليهم ولا الضالين قَالَ آمِينَ وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ هَذَا هُوَ الْمُحَارِبِيُّ فَفِي كَوْنِ لَفْظِ أَبِي الْعَنْبَسِ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ مَحْفُوظًا كَلَامٌ فَإِنْ قِيلَ قَدْ أَجَابَ الْعَيْنِيُّ أَيْضًا عَمَّا نَسَبَ التِّرْمِذِيُّ إِلَى شُعْبَةَ مِنْ خَطَئِهِ الثَّانِي حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُهُ وَزَادَ فِيهِ عَلْقَمَةَ لَا يَضُرُّ لِأَنَّ زِيَادَةَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ لَا سِيَّمَا مِنْ مِثْلِ شُعْبَةَ انْتَهَى قُلْنَا قد عرفت انفا أن شعبة كان يخطىء كَثِيرًا فِي الرِّجَالِ وَأَنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ لَا ثِقَةٌ ولا ضعيف وقد خالف في ذِكْرَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ سُفْيَانُ وَالْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ وَعَلِيُّ بْنُ الصَّالِحِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَذْكُرُوا فِي رِوَايَاتِهِمْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَسَتَعْرِفُ أَنَّ سُفْيَانَ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَةَ وَأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ شُعْبَةَ إِذَا خَالَفَ سُفْيَانَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ سُفْيَانَ وَمَعَ هَذَا كُلُّهُ قَدْ نَصَّ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ أَخْطَأَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ شُعْبَةَ أَخْطَأَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَقَالَ خَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَدَّ بِهَا صَوْتَهُ) هَذَا هُوَ الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي أَخْطَأَ فِيهَا شُعْبَةُ فَقَوْلُ شُعْبَةَ فِيهِ وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ مَدَّ بِهَا صَوْتَهُ كَمَا رَوَاهُ سُفْيَانُ فَإِنْ قِيلَ إِنَّ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ كِلَيْهِمَا ثِقَتَانِ ثَبْتَانِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمَا أَحَقُّ بِالْخَطَأِ مِنَ الْآخَرِ فَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ سُفْيَانَ هُوَ الَّذِي أَخْطَأَ فِي قَوْلِهِ وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ فَأَيُّ دَلِيلٍ عَلَى أن المخطىء هو شعبة

قُلْنَا إِنَّ هُنَا أَدِلَّةً عَدِيدَةً عَلَى أَنَّ المخطىء هُوَ شُعْبَةُ فَمِنْهَا أَنَّ سُفْيَانَ وَشُعْبَةَ وَإِنْ كَانَا ثِقَتَيْنِ حَافِظَيْنِ لَكِنَّهُمَا لَيْسَا بِمُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْحِفْظِ بَلْ سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَةَ وَقَدْ نَصَّ عَلَى هَذِهِ شُعْبَةُ نَفْسُهُ قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ كَانَ شُعْبَةُ يَقُولُ سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنِّي انْتَهَى وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَا جَاءَ ص 424 فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مَا أَحَدٌ يَعْدِلُ عِنْدِي شُعْبَةَ وَإِذَا خَالَفَهُ سُفْيَانُ أَخَذْتُ بِقَوْلِ سُفْيَانَ سَمِعْتُ أَبَا عَمَّارٍ يَذْكُرُ عَنْ وَكِيعٍ قَالَ شُعْبَةُ سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنِّي وَمَا حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ أَحَدٍ بِشَيْءٍ فَسَأَلْتُهُ إِلَّا وَجَدْتُهُ كَمَا حَدَّثَنِي انْتَهَى وَبَطَلَ بِهَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ شُعْبَةَ جَعَلَ سُفْيَانَ أَحْفَظَ مِنْ نَفْسِهِ هَضْمًا لِنَفْسِهِ وَقَدْ صَرَّحَ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ بِأَنَّ سُفْيَانَ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَةَ قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ قَالَ صَالِحٌ جَزَرَةُ سُفْيَانَ أَحْفَظُ من شعبة يبلغ حديثه ثلاثين ألف وَحَدِيثُ شُعْبَةَ نَحْوَ عَشَرَةِ آلَافٍ انْتَهَى وَقَالَ الحافظ بن حَجَرٍ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ سُفْيَانَ قال أبو حاتم وأبو زرعة وبن مَعِينٍ هُوَ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَةَ انْتَهَى وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ شُعْبَةَ إِذَا خَالَفَ سُفْيَانَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ سُفْيَانَ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ نَقْلًا عَنِ البَيْهَقِيِّ قَالَ يَحْيَى القطان ويحيى بن معين إذا خالف شعبة سُفْيَانَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ سُفْيَانَ انْتَهَى وَلِذَلِكَ رَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ سُفْيَانَ عَلَى حَدِيثِ شُعْبَةَ لَمَّا اخْتَلَفَا فِي سَنَدِ حَدِيثِ خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ حَيْثُ زَادَ شُعْبَةُ فِيهِ رَجُلًا وَلَمْ يَزِدْهُ سُفْيَانُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ كَانَ حَدِيثُ سُفْيَانَ أَشْبَهَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مَا عِنْدِي أَحَدٌ يَعْدِلُ شُعْبَةَ وَإِذَا خَالَفَهُ سُفْيَانُ أَخَذْتُ بِقَوْلِ سُفْيَانَ إِلَى آخِرِ مَا نَقَلْتُ عَنِ التِّرْمِذِيِّ آنِفًا وَلِذَلِكَ رَجَّحَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ سُفْيَانَ عَلَى حَدِيثِ شُعْبَةَ لَمَّا اخْتَلَفَا فِي حَدِيثِ اشْتِرَاءِ سَرَاوِيلَ حَيْثُ قَالَ سُفْيَانُ فِيهِ وَثَمَّ رَجُلٌ يَزِنُ بِالْأَجْرِ وَلَمْ يَقُلْ شُعْبَةَ يَزِنُ بِالْأَجْرِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ رَوَاهُ قَيْسٌ كَمَا قَالَ سُفْيَانُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ كَانَ سُفْيَانُ أَحْفَظَ مِنِّي انْتَهَى كَلَامُ أَبِي دَاوُدَ تَنْبِيهٌ كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَكَلَامُ أَبِي دَاوُدَ هَذَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُخَالَفَةِ فِي قَوْلِ يَحْيَى الْقَطَّانِ ويحيى بن معين إذا خالف شعبة سفيان فَالْقَوْلُ قَوْلُ سُفْيَانَ الْمُخَالَفَةُ فِي الرِّوَايَةِ فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْمُخَالَفَةِ فِي الْفِقْهِ وَالدِّرَايَةِ وَمِنْهَا أَنَّ شُعْبَةَ لَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ فِي قَوْلِهِ وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ لَا ثِقَةٌ وَلَا ضَعِيفٌ وَأَمَّا سُفْيَانُ فَقَدْ تَابَعَهُ فِي قَوْلِهِ مَدَّ بِهَا صَوْتَهُ ثَلَاثَةٌ أَحَدُهُمُ الْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى هَذَا الحديث عن

سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَالْعَلَاءُ بْنُ صَالِحٍ ثِقَةٌ وَالثَّانِي عَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ خالد الشعيري حدثنا بن نميرنا علي بن صالح عن سلمة بن كهيل عَنْ حُجْرِ بْنِ عَنْبَسَ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَهَرَ بِآمِينَ الْحَدِيثَ وَعَلِيُّ بْنُ صَالِحٍ أَيْضًا ثِقَةٌ وَالثَّالِثُ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ شُعْبَةَ مَا لَفْظُهُ هَكَذَا قَالَ شُعْبَةُ وَأَخْفَى بِهَا صوته ويقال إنه وهم لأن سفيان الثوري وَمُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ وَغَيْرَهُمَا رَوَوْهُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ فَقَالُوا وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ انْتَهَى وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ ضَعِيفٌ فَتَابَعَ سُفْيَانَ ثِقَتَانِ وَضَعِيفٌ وَلَمْ يُتَابِعْ شُعْبَةَ أَحَدٌ لَا ثِقَةٌ وَلَا ضَعِيفٌ وَمِنْهَا أَنَّ سُفْيَانَ لَمْ يُرْوَ عند خِلَافُ الْمَدِّ بِالصَّوْتِ وَالرَّفْعِ وَالْجَهْرِ لَا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَلَا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَأَمَّا شُعْبَةُ فَرُوِيَ عَنْهُ خِلَافُ الْخَفْضِ وَالْإِخْفَاءِ فَرُوِيَ عَنْهُ مُوَافِقًا لِحَدِيثِ سُفْيَانَ فِي السَّنَدِ وَالْمَتْنِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَطَعَنَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ هَذَا بِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلَافُهُ كَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ بن الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ سَمِعْتُ حُجْرًا أَبَا عَنْبَسَ يُحَدِّثُ عَنْ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّهُ صَلَّى خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ رَافِعًا بِهَا صَوْتَهُ قَالَ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُوَافِقُ رِوَايَةَ سُفْيَانَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ إِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَحِيحٌ انْتَهَى قُلْتُ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَنَبَّهَ لِذَلِكَ فَعَادَ إِلَى الصَّوَابِ فِي مَتْنِهِ وَتَرَكَ ذِكْرَ عَلْقَمَةَ فِي إِسْنَادِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ فَهَذِهِ الأدلة بمجموعها تدل على أن المخطىء هُوَ شُعْبَةُ وَلِذَلِكَ جَزَمَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ وَالْحَافِظُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ بِخَطَأِ شُعْبَةَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ أَجْمَعَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَدْ رُوِيَ مِنْ أَوْجُهٍ فَجَهَرَ بِهَا انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ رَجَحَتْ رِوَايَةُ سُفْيَانَ بِمُتَابَعَةِ اثْنَيْنِ لَهُ بِخِلَافِ شُعْبَةَ وَلِذَلِكَ جَزَمَ النُّقَّادُ بِأَنَّ حَدِيثَ سُفْيَانَ أَصَحُّ وَأَرْجَحُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ انْتَهَى قُلْتُ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ حَدِيثَ سُفْيَانَ بِلَفْظِ مَدَّ بِهَا صَوْتَهُ هُوَ الصَّوَابُ وَأَنَّ حَدِيثَ شُعْبَةَ بِلَفْظِ وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ خَطَأٌ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ الْقَوْلَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّأْمِينِ وَالْجَهْرِ بِهِ هُوَ الرَّاجِحُ الْقَوِيُّ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ بِالتَّأْمِينِ وَاعْتَذَرُوا عَنِ العَمَلِ بِهَا بِمَا لَا يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إِلَيْهَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَالَ عَطَاءٌ آمِينَ دُعَاءً وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (ادْعُوا ربكم تضرعا وخفية) انتهى

قُلْتُ تَقْرِيرُ اسْتِدْلَالِ هَذَا الْبَعْضِ عَلَى الشَّكْلِ الْأَوَّلِ هَكَذَا آمِينَ دُعَاءٌ وَكُلُّ دُعَاءٍ لَا بُدَّ أَنْ يُخْفَى بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (ادْعُوا ربكم تضرعا وخفية) فَآمِينَ لَا بُدَّ أَنْ يُخْفَى بِهَا وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ صِحَّةُ الصُّغْرَى وَكُلِّيَّةُ الْكُبْرَى صَحَّتْ هَذِهِ النَّتِيجَةُ لَكِنَّ فِي صِحَّةِ الصُّغْرَى نَظَرًا فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ آمِينَ دُعَاءٌ بَلْ نَقُولُ إِنَّهَا كَالطَّابَعِ وَالْخَاتَمِ لِلدُّعَاءِ كَمَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زُهَيْرٍ النُّمَيْرِيِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّ آمِينَ مِثْلُ الطَّابَعِ عَلَى الصَّحِيفَةِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ صَلَّى الله عليه وسلم إن ختم بآمين فقد أَوْجَبَ وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ آمِينَ دُعَاءٌ فَنَقُولُ إِنَّهَا لَيْسَتْ بِدُعَاءٍ مُسْتَقِلٍّ بِالْأَصَالَةِ بَلْ هِيَ مِنْ تَوَابِعِ الدُّعَاءِ وَلِذَلِكَ لَا يُدْعَى بِآمِينَ وَحْدَهَا بَلْ يُدْعَى بِدُعَاءٍ أَوَّلًا ثُمَّ تُقَالُ هِيَ عُقَيْبَهُ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْجَهْرُ بِهَا وَالْإِخْفَاءُ بِهَا تَابِعًا لِأَصْلِ الدُّعَاءِ إِنْ جَهْرًا فجهرا وإن سرا فسرا ولو سلمناأن آمِينَ دُعَاءٌ بِالْأَصَالَةِ فَلَا نُسَلِّمُ كُلِّيَّةَ الْكُبْرَى أَلَا تَرَى أَنَّ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الذين أنعمت عليهم إِلَخْ دُعَاءٌ وَيُقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ بِالْجَهْرِ وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَدْعِيَةِ قَدْ ثَبَتَ الْجَهْرُ بِهَا فَهَذَا الِاسْتِدْلَالُ مِمَّا لَا يُصْغَى إِلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْجَهْرَ كَانَ أَحْيَانَا لِلتَّعْلِيمِ كَمَا جَهَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِالثَّنَاءِ عَلَى الِافْتِتَاحِ كَذَلِكَ كَانَ الْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ تَعْلِيمًا قُلْتُ الْقَوْلُ بِأَنَّ جَهْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّأْمِينِ كَانَ لِلتَّعْلِيمِ سَخِيفٌ جَدًّا فَإِنَّهُ ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَى سَخَافَتِهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَجْهَرُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى كَانَ لِلْمَسْجِدِ رَجَّةٌ فَلَوْ كَانَ جَهْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّأْمِينِ لِلتَّعْلِيمِ لَمْ يَجْهَرُوا بِالتَّأْمِينِ خَلْفَ إِمَامِهِمْ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ جَهْرُهُ بِهِ لِلتَّعْلِيمِ كَانَ أَحْيَانًا لَا عَلَى الدَّوَامِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُدَاوِمُ عَلَى الْجَهْرِ فَإِنْ قُلْتَ أَخْرَجَ الدُّولَابِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَفَّانَ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ قَالَ أَنْبَأْنَا يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَكَنٍ حُجْرِ بْنِ عَنْبَسَ الثَّقَفِيِّ قَالَ سَمِعْتُ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ الْحَضْرَمِيَّ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَقَرَأَ غَيْرِ المغضوب عليهم وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ يَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ مَا أَرَادَ إِلَّا يُعَلِّمُنَا فَقَوْلُهُ مَا أَرَادَ إِلَّا يُعَلِّمُنَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَهْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّأْمِينِ كَانَ لِلتَّعْلِيمِ قُلْتُ قَدْ تَفَرَّدَ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ مَا أَرَادَ إِلَّا يُعَلِّمُنَا يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ مَتْرُوكٌ وَكَانَ شِيعِيًّا انْتَهَى وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ هَذَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُنْكَرَةٌ مَرْدُودَةٌ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ الْمُنْكَرَةِ عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّأْمِينِ كَانَ أَحْيَانَا لِلتَّعْلِيمِ بَاطِلٌ جِدًّا

قَالَ (وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ) الرَّازِيَّ اسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ فروخ المخزومي أحد ثقة الحفاظ تقدم ترجمته في المقدمة قال بن وَارَةَ سَمِعْتُ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ يَقُولُ كُلُّ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُهُ أَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (قَالَ) أَيْ أبو زرعة (روى العلاء بن صالح الأسدي) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ الْعَلَاءُ بْنُ صالح التيمي وَيُقَالُ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ وَسَمَّاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ عَلِيَّ بْنَ صَالِحٍ وَهُوَ وَهْمٌ رَوَى عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو وَعَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو أَحْمَدَ الزبيري وعبد الله بن نمير قال بن معين وأبو داود ثقة وقال بن مَعِينٍ أَيْضًا وَأَبُو حَاتِمٍ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ الْحَافِظُ لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثُ وَائِلٍ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى قُلْتُ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ حديث وائل من طريق بن نُمَيْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي تَرْجَمَةِ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وعنه أخوه وبن عيينة ووكيع وأبو أحمد الزبيري وبن نُمَيْرٍ انْتَهَى فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْعَلَاءَ بْنَ صالح الأسدي وَعَلِيَّ بْنَ صَالِحٍ رَجُلَانِ وَكِلَاهُمَا يَرْوِيَانِ عَنْ سلمة بن كهيل ويروي عن كليهما بن نُمَيْرٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَلَاءَ بْنَ صَالِحٍ وَعَلِيَّ بْنَ صَالِحٍ كِلَيْهِمَا يَرْوِيَانِ حَدِيثَ وَائِلٍ عَنْ سلمة بن كهيل ويروي عن كليهما بن نُمَيْرٍ فَلَا أَدْرِي لِمَ جَزَمَ الْحَافِظُ بِأَنَّهُ سَمَّاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ عَلِيَّ بْنَ صَالِحٍ وَهُوَ وَهْمٌ فَتَفَكَّرْ [249] قَوْلُهُ (ثَنَا أَبُو بكر محمد بن أبان) بن وزير البلغي الْمُسْتَمْلِي يُلَقَّبُ حَمْدَوَيْهِ وَكَانَ مُسْتَمْلِيَّ وَكِيعٍ ثِقَةٌ حافظ قاله الحافظ روى عن بن عُيَيْنَةَ وَغُنْدَرٍ وَطَبَقَتِهِمَا وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعِ مَاتَ سَنَةَ 144 أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ) بِضَمِّ النُّونِ مُصَغَّرًا الْهَمْدَانِيُّ أَبُو هِشَامٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ صَاحِبُ حَدِيثٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ

باب ما جاء في فضل التأمين

(بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ التَّأْمِينِ [250]) قَوْلُهُ إِذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا أَيْ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ آمِينَ فَقُولُوا آمِينَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِالتَّأْمِينِ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ تَأْمِينُ الْإِمَامِ مَسْمُوعًا لِلْمَأْمُومِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَقَدْ عَلَّقَ تَأْمِينَهُ بِتَأْمِينِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَوْضِعَهُ مَعْلُومٌ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْجَهْرَ بِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُخِلَّ بِهِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ عِلْمَ الْمَأْمُومِ بِهِ وَقَدْ رَوَى رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الحديث قال بن شِهَابٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا قال ولا الضالين جَهَرَ بِآمِينَ أَخْرَجَهُ السَّرَّاجُ وَلِابْنِ حِبَّانَ مِنْ رواية الزبيدي في هذا الحديث عن بن شِهَابٍ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ آمِينَ كَذَا فِي الْفَتْحِ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ زاد يونس عن بن شِهَابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ قَبْلَ قَوْلِهِ فَمَنْ وَافَقَ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمُوَافَقَةُ فِي الْقَوْلِ وَالزَّمَانِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ الْمُرَادُ الْمُوَافَقَةُ فِي الْإِخْلَاصِ وَالْخُشُوعِ كَابْنِ حِبَّانَ ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَائِكَةِ جَمِيعُهُمْ وَاخْتَارَهُ بْنُ بَزِيزَةَ وَقِيلَ الْحَفَظَةُ مِنْهُمْ وَقِيلَ الَّذِينَ يَتَعَاقَبُونَ مِنْهُمْ إِذَا قُلْنَا إِنَّهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَنْ يَشْهَدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِمَّنْ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ فَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ وَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ صُفُوفُ أَهْلِ الْأَرْضِ عَلَى صُفُوفِ أَهْلِ السَّمَاءِ فَإِذَا وَافَقَ آمِينَ فِي الْأَرْضِ آمِينَ فِي السَّمَاءِ غُفِرَ لِلْعَبْدِ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَوْلَى قَالَهُ الْحَافِظُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ظَاهِرُهُ غُفْرَانُ جَمِيعِ الذُّنُوبِ الْمَاضِيَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الصَّغَائِرِ لِوُرُودِ الِاسْتِثْنَاءِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا

باب ما جاء في السكتتين

(باب ما جاء في السكتتين [251]) قَوْلُهُ (عَنِ الْحَسَنِ) الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ مَشْهُورٌ وَكَانَ يُرْسِلُ كَثِيرًا وَيُدَلِّسُ وَقَالَ الْبَزَّارُ كَانَ يَرْوِي عَنْ جَمَاعَةٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَيَتَجَوَّزُ وَيَقُولُ حَدَّثَنَا وَخَطَبَنَا يَعْنِي قَوْمَهُ الَّذِينَ حَدَّثُوا وَخَطَبُوا بِالْبَصْرَةِ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (عن سمرة) بفتح أوله وضم ثانيه بن جُنْدُبِ بْنِ هِلَالٍ الْفَزَارِيِّ حَلِيفِ الْأَنْصَارِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ (سَكْتَتَانِ حَفِظْتُهَمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ حَفِظْتُ سَكْتَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ سَكْتَةً إِذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ حَتَّى يَقْرَأَ وَسَكْتَةً إِذَا فَرَغَ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةً عِنْدَ الرُّكُوعِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ سَكْتَةً إِذَا كَبَّرَ وَسَكْتَةً إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَيْ مَا حَفِظَهُ سَمُرَةُ مِنَ السَّكْتَتَيْنِ (عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ) بِالتَّصْغِيرِ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَهُوَ مِمَّنِ اعْتَزَلَ الْفِتْنَةَ (قَالَ) أَيْ عِمْرَانُ (حَفِظْنَا سَكْتَةً) أَيْ وَاحِدَةً (فَكَتَبْنَا) قَائِلُهُ سَمُرَةُ (إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ سَيِّدِ الْقُرَّاءِ كَتَبَ الْوَحْيَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقرأ عليه رضي الله عنه وَكَانَ مِمَّنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ (فَكَتَبَ أُبَيُّ) بْنُ كَعْبٍ (أَنْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ (حَفِظَ سَمُرَةُ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَصَدَقَ سَمُرَةُ (إذا دخل في صلاة) هذا السَّكْتَةُ لِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ وَقَدْ وَقَعَ بَيَانُهَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ يَقُولُ اللهم باعد بيني وبين خطاياي الحديث (إذا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ) أَيْ كُلِّهَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَهَذِهِ السَّكْتَةُ لِيَتَرَادَّ إِلَيْهِ نَفَسُهُ كَمَا يَأْتِي بَيَانُهَا فِي قَوْلِ قَتَادَةَ (ثُمَّ قَالَ) أَيْ قَتَادَةُ (بَعْدَ ذَلِكَ وَإِذَا قرأ ولا الضالين) قَالَ النَّوَوِيُّ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَسْكُتُ قَدْرَ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِينَ الْفَاتِحَةَ قَالَ وَيُخْتَارُ الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ وَالْقِرَاءَةُ سِرًّا لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَ فِيهَا سُكُوتٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ انْتَهَى

باب ما جاء في وضع اليمين على الشمال

قُلْتُ تَعْيِينُ هَذِهِ السَّكْتَةِ بِهَذَا الْمِقْدَارِ وَاخْتِيَارُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ سِرًّا فِي هَذِهِ السَّكْتَةِ لِلْإِمَامِ مُحْتَاجٌ إِلَى الدَّلِيلِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الرِّوَايَاتِ ثَلَاثُ سَكَتَاتٍ الْأُولَى بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِحْرَامِ وَالثَّانِيَةُ إِذَا قَرَأَ وَلَا الضَّالِّينَ وَالثَّالِثَةُ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ كُلِّهَا قِيلَ وَهِيَ أَخَفُّ مِنَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَذَلِكَ بِقَدْرِ مَا تَنْفَصِلُ الْقِرَاءَةُ عَنِ التَّكْبِيرِ فَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الوَصْلِ فِيهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَفِيهِ بَيَانُ سُكُوتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَقَوْلُهُ فِي هَذَا السُّكُوتِ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ إِلَخْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَدْ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ سُنَنِهِ مِنْهَا حَدِيثُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَحَدِيثُ جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِدَارِ الْجَارِ وَحَدِيثُ لَا تَلَاعَنُوا بِلَعْنَةِ اللَّهِ وَلَا بِغَضَبِ اللَّهِ وَلَا بِالنَّارِ وَحَدِيثُ صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى مُقْتَضَى تَصَرُّفِهِ جَدِيرًا بِالتَّصْحِيحِ وَقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رُوَاةُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ انْتَهَى 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي وَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشمال) [252] قَوْلُهُ (عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ الطَّائِيُّ الْكُوفِيُّ مَقْبُولٌ

مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ (عَنْ أَبِيهِ هُلْبٍ الطَّائِيِّ) صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَقِيلَ اسْمُهُ يَزِيدُ وَهُلْبٌ لَقَبٌ (فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ) أَيْ وَيَضَعُهُمَا عَلَى صَدْرِهِ فَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَرَأَيْتُهُ يَضَعُ هَذِهِ عَلَى صَدْرِهِ وَصَفَّ يَحْيَى الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَوْقَ الْمِفْصَلِ وَسَتَأْتِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ بِتَمَامِهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَغُطَيْفِ بن الحارث وبن عباس وبن مَسْعُودٍ وَسَهْلِ بْنِ سَهْلٍ كَذَا وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ سَهْلُ بْنُ سَهْلٍ) وَوَقَعَ فِي غَيْرِهَا مِنَ النُّسَخِ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَوَّلُ غَلَطٌ أَمَّا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ الْتَحَفَ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ بن خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ غُطَيْفٍ وهو بضم الغين مصغرا فأخرجه الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَالِاسْتِذْكَارِ بِلَفْظِ قَالَ مَهْمَا رَأَيْتُ شَيْئًا نَسِيتُهُ فَإِنِّي لَمْ أَنْسَ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ كَذَا فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عباس وبن مَسْعُودٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ قَالَ كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ قوله (حديث هلب حديث حسن) وأخرجه بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَرَوْنَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ) وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ بِإِرْسَالِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي الْأَعْلَامِ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ مَا لَفْظُهُ فَهَذِهِ الْآثَارُ قَدْ رُدَّتْ بِرِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ تَرْكُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا قَدْ رُدَّتْ بِهِ سِوَاهُ انْتَهَى وَالْعَجَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمْ كَيْفَ آثَرُوا رِوَايَةَ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي إِرْسَالِ الْيَدَيْنِ حَدِيثٌ

صَحِيحٌ وَتَرَكُوا أَحَادِيثَ وَضْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ أَخْرَجَ مَالِكٌ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْمَذْكُورَ وَقَدْ عَقَدَ لَهُ بَابًا بِلَفْظِ وَضْعُ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ فَذَكَرَ أَوَّلًا أَثَرَ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ أَنَّهُ قَالَ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ وَوَضْعُ الْيَدَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ يَضَعُ الْيُمْنَى عَلَى اليسرى وتعجيل الفطر والاستيناس بِالسَّحُورِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الْمَذْكُورَ (وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَضَعَهُمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَضَعَ تَحْتَ السُّرَّةِ) قَدْ أَجْمَلَ التِّرْمِذِيُّ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَلَنَا أَنْ نُفَصِّلَهُ فَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرَّجُلَ يَضَعُ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ وَالْمَرْأَةَ تَضَعُهُمَا عَلَى الصَّدْرِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَصْحَابِهِ شَيْءٌ خِلَافُ ذَلِكَ وَأَمَّا الْإِمَامُ مَالِكٌ فَعَنْهُ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إِحْدَاهَا وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ أَنَّهُ يُرْسِلُ يَدَيْهِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي مُحِيطِهِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ مَالِكٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْعَلَّامَةُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ الشَّاسِيُّ الْمَالِكِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِعِقْدِ الْجَوَاهِرِ الثَّمِينَةِ فِي مَذْهَبِ عَالِمِ الْمَدِينَةِ وَالزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ أَنَّ إِرْسَالَ اليد رواية بن الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَزَادَ الزُّرْقَانِيُّ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ الثَّانِيَةُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ تَحْتَ الصَّدْرِ فَوْقَ السُّرَّةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ عَنْ مَالِكٍ وَفِي عِقْدِ الْجَوَاهِرِ أَنَّ هَذِهِ رِوَايَةُ مُطَرِّفٍ وَالْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ الثَّالِثَةُ أَنَّهُ تَخَيَّرَ بَيْنَ الْوَضْعِ وَالْإِرْسَالِ وَذَكَرَ فِي عِقْدِ الْجَوَاهِرِ وَشَرْحِ الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ قَوْلُ أَصْحَابِ مَالِكٍ الْمَدَنِيِّينَ وَأَمَّا الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فَعَنْهُ أَيْضًا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إِحْدَاهَا أَنَّهُ يَضَعُهُمَا تَحْتَ الصَّدْرِ فَوْقَ السُّرَّةِ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَهِيَ الْمُخْتَارَةُ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَ أَصْحَابِهِ الْمَذْكُورَةُ فِي أَكْثَرِ مُتُونِهِمْ وَشُرُوحِهِمْ الثَّانِيَةُ وَضْعُهُمَا عَلَى الصَّدْرِ وَهِيَ الرواية التي نقلها صاحب الهداية من الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ إِنَّهَا الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَاوِي مِنْ كُتُبِهِمْ الثَّالِثَةُ وَضْعُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ بِلَفْظِ قِيلَ وَقَالَ فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِّيَّةِ إِنَّهَا رِوَايَةٌ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ فَعَنْهُ أَيْضًا ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إِحْدَاهَا وَضْعُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَالثَّانِيَةُ وَضْعُهُمَا تَحْتَ الصَّدْرِ وَالثَّالِثَةُ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا وَأَشْهَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْحَنَابِلَةِ هَذَا كُلُّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ فَوْزِ الْكِرَامِ لِلشَّيْخِ مُحَمَّد قَائِم السِّنْدِيِّ وَدَرَاهِمِ الصُّرَّةِ لِمُحَمَّد هَاشِم السِّنْدِيِّ

وكل ذلك واسع عندهم أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْوَضْعِ فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ السُّرَّةِ إِنَّمَا هُوَ فِي الِاخْتِيَارِ وَالْأَفْضَلِيَّةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ قَدْ وَرَدَتْ مُخْتَلِفَةً فِي هَذَا الْبَابِ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَا أَنَا أَذْكُرُ مُتَمَسِّكَاتِهِمْ فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ مَعَ بَيَانِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وَضْعِ الْيَدَيْنِ تَحْتَ السُّرَّةِ وَقَدْ تَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ هَذَا بِأَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رَضِيَ الله عنه روى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُوسَى بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ تَحْتَ السُّرَّةِ قَالَ الْحَافِظُ الْقَاسِمُ بْنُ قُطْلُوبُغَا فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الِاخْتِيَارِ شَرْحِ الْمُخْتَارِ هَذَا سَنَدٌ جَيِّدٌ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا حَدِيثٌ قَوِيٌّ مِنْ حَيْثُ السَّنَدِ وَقَالَ الشَّيْخُ عَابِدٌ السِّنْدِيُّ فِي طَوَالِعِ الْأَنْوَارِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ قُلْتُ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ جَيِّدًا لَكِنْ فِي ثُبُوتِ لَفْظِ تَحْتَ السُّرَّةِ فِي هَذَا الحديث نظرا قويا قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد حَيَاة السِّنْدِيُّ فِي رِسَالَتِهِ فَتْحِ الْغَفُورِ فِي زِيَادَةِ تَحْتَ السُّرَّةِ نَظَرٌ بَلْ هِيَ غَلَطٌ مُنْشَؤُهُ السَّهْوُ فَإِنِّي رَاجَعْتُ نُسْخَةً صَحِيحَةً مِنَ الْمُصَنَّفِ فَرَأَيْتُ فِيهَا هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا السَّنَدِ وَبِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ إِلَّا إِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَذَكَرَ فِيهَا بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثَ أَثَرَ النَّخَعِيِّ وَلَفْظُهُ قَرِيبٌ مِنْ لَفْظِ هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ فِي آخِرِهِ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ فَلَعَلَّ بَصَرَ الْكَاتِبِ زَاغَ مِنْ مَحَلٍّ إِلَى مَحَلٍّ آخَرَ فَأَدْرَجَ لَفْظَ الْمَوْقُوفِ فِي الْمَرْفُوعِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ مُحَمَّد حَيَاة السِّنْدِيُّ وَقَالَ صَاحِبُ الرِّسَالَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالدُّرَّةِ فِي إِظْهَارِ غِشِّ نَقْدِ الصُّرَّةِ وَأَمَّا مَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ الَّذِي رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ فَهَذَا حَدِيثٌ فِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ قال وروى هذا الحديث بن أَبِي شَيْبَةَ وَرَوَى بَعْدَهُ أَثَرَ النَّخَعِيِّ وَلَفْظُهُمَا قَرِيبٌ وَفِي آخِرِ الْأَثَرِ لَفْظُ تَحْتَ السُّرَّةِ وَاخْتَلَفَ نُسَخُهُ فَفِي بَعْضِهَا ذَكَرَ الْحَدِيثَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَحَلِّ الْوَضْعِ مَعَ وُجُودِ الْأَثَرِ الْمَذْكُورِ وَفِي الْبَعْضِ وَقَعَ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ بِزِيَادَةِ لفظ تحت السرة بدون أثر النخعي فيحمل أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُنْشَؤُهَا تَرْكُ الْكَاتِبِ سَهْوًا نَحْوَ سَطْرٍ فِي الْوَسَطِ وَإِدْرَاجُ لَفْظِ الْأَثَرِ فِي الْمَرْفُوعِ كَمَا يُحْتَمَلُ سُقُوطُ لَفْظِ تَحْتَ السُّرَّةِ فِي النُّسْخَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَكِنَّ اخْتِلَافَ النُّسْخَتَيْنِ على هذا الوجه يؤذن بإدخال الْأَثَرِ فِي الْمَرْفُوعِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الدُّرَّةِ

وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد فَاخِر الْمُحَدِّثُ الْإِلَهُ آبَادِي في منظومته المسماة بنور السنة وأنكه ازجمع حلقة أعلام بن قطلو بغاست قاسم نام ازكتاب مصنف آرد نقل نكند هيج بأور آنرا عقل دركتا بيكه من دران ديدم غَيْر مَقْصُودٍ أَوْ عيان ديدم حَاصِلُهُ أَنَّ مَا نقله القاسم بن قُطْلُوبُغَا عَنِ الْمُصَنِّفِ لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ فَإِنَّ الْكِتَابَ الَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَا وَجَدْتُ فِيهِ خِلَافَ مَقْصُودِهِ قُلْتُ مَا قَالَهُ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامُ يُؤَيِّدُهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ أحمد في مسنده بعين سند بن أَبِي شَيْبَةَ وَلَيْسَتْ فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُمَيْرٍ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا بِعَيْنِ سند بن أَبِي شَيْبَةَ وَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا هَذِهِ الزِّيَادَةُ قَالَ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَعُثْمَانُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَحْوَلُ قَالَا نَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى نَا وَكِيعٌ نَا مُوسَى بْنُ عُمَيْرٍ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أن بن التُّرْكُمَانِيِّ شَيْخَ الْحَافِظِ الزَّيْلَعِيِّ ذَكَرَ فِي الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ لِتَأْيِيدِ مَذْهَبِهِ حَدِيثَيْنِ ضَعِيفَيْنِ حَيْثُ قَالَ قال بن حَزْمٍ وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَضَعَ الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ النُّبُوَّةِ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ انْتَهَى وَنَقَلَ قَبْلَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَثَرَ أَبِي مِجْلَزٍ عن مصنف بن أبي شيبة حيث قال قال بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ ثَنَا يَزِيدُ بْنُ هارون نا الْحَجَّاجُ بْنُ حَسَّانَ سَمِعْتُ أَبَا مِجْلَزٍ أَوْ سَأَلْتُهُ قُلْتُ كَيْفَ أَضَعُ قَالَ يَضَعُ بَاطِنَ كَفِّ يَمِينِهِ عَلَى ظَاهِرِ كَفِّ شِمَالِهِ وَيَجْعَلُهُمَا أسفل من السرة انتهى ولم ينقل بن التركماني عن مصنف بن أَبِي شَيْبَةَ غَيْرَ هَذَا الْأَثَرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي حَدِيثِ وَائِلٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ زِيَادَةُ تَحْتَ السُّرَّةِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ مَعَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لنقله بن التُّرْكُمَانِيِّ إِذْ بَعِيدٌ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يَذْكُرَ بن التُّرْكُمَانِيِّ لِتَأْيِيدِ مَذْهَبِهِ حَدِيثَيْنِ ضَعِيفَيْنِ وَيَنْقُلَ عَنْ مصنف بن أَبِي شَيْبَةَ أَثَرَ أَبِي مِجْلَزٍ التَّابِعِيِّ وَلَا يَنْقُلَ عَنْهُ حَدِيثَ وَائِلٍ الْمَرْفُوعَ مَعَ وُجُودِهِ فِيهِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَمَعَ صِحَّةِ إِسْنَادِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّد حَيَاة السِّنْدِيُّ فِي رِسَالَتِهِ فَتْحِ الْغَفُورِ مِنْ أَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْتَ السُّرَّةِ بَلْ مَا رَأَيْتُ وَلَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ

الْعِلْمِ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ إِلَّا القاسم هذا بن عَبْدِ الْبَرِّ حَافِظُ دَهْرِهِ قَالَ فِي التَّمْهِيدِ وقال الثوري أبو حَنِيفَةَ أَسْفَلَ السُّرَّةِ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي مصنف بن أَبِي شَيْبَةَ لَذَكَرَهُ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَكْثَرَ في هذا الباب وغيره الرواية عن بن أبي شيبة وهذا بن حَجَرٍ حَافِظُ عَصْرِهِ يَقُولُ فِي فَتْحِهِ وَقَدْ روى بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ أَنَّهُ وَضَعَهُمَا عَلَى صَدْرِهِ وَلِلْبَزَّارِ عِنْدَ صَدْرِهِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي حَدِيثِ هُلْبٍ نَحْوَهُ وَيَقُولُ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ وَإِسْنَادُ أَثَرِ عَلِيٍّ ضَعِيفٌ وَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ وَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الرَّافِعِيِّ فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَوْجُودَةً فِي الْمُصَنَّفِ لَذَكَرَهَا وَكُتُبُهُ مَمْلُوءَةٌ مِنْ أَحَادِيثِهِ وَآثَارِهِ وَقَدِ اخْتَصَرَهُ كَمَا قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الزَّيْلَعِيَّ الَّذِي شَمَّرَ ذَيْلَهُ بِجَمْعِ أَدِلَّةِ الْمَذْهَبِ لَمْ يَظْفَرْ بِهَا وَإِلَّا لَذَكَرَهَا وَهُوَ مِنْ أَوْسَعِ النَّاسِ اطِّلَاعًا وَهَذَا السُّيُوطِيُّ الَّذِي هُوَ حَافِظُ وَقْتِهِ يَقُولُ فِي وَظَائِفِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَكَانَ يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى ثُمَّ يَشُدُّهُمَا عَلَى صَدْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ فِي مُسْنَدِ وَائِلٍ نَحْوَ تِسْعَةَ أَحَادِيثَ عَنِ الْمُصَنَّفِ وَلَفْظُ بَعْضِهَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا اللَّفْظُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ نَقْدِ الصُّرَّةِ إِلَّا أَنَّهُ زَادَ لَفْظَ تَحْتَ السُّرَّةِ فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَوْجُودَةً فِي الْمُصَنَّفِ لَذَكَرَهَا السُّيُوطِيُّ وَهَذَا الْعَيْنِيُّ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ فِي تَصَانِيفِهِ يَقُولُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْبُخَارِيِّ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ وائل بن حجر أخرجه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ وَيَسْتَدِلُّ عُلَمَاؤُنَا الْحَنَفِيَّةُ بِدَلَائِلَ غَيْرِ وَثِيقَةٍ فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مَوْجُودَةً فِي الْمُصَنَّفِ لَذَكَرَهَا وَقَدْ ملأ تصانيفه بالنقل عنه وهذا بن أمير الحاج الذي بلغ شيخه بن الْهُمَامِ فِي التَّحْقِيقِ وَسَعَةِ الِاطِّلَاعِ يَقُولُ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إِنَّ الثَّابِتَ مِنَ السُّنَّةِ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ حَدِيثٌ يُوجِبُ تَعْيِينَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَكُونُ الْوَضْعُ فِيهِ مِنَ البدن إلا حديث وائل المذكور وهكذا قال صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ فَلَوْ كَانَ الْحَدِيثُ فِي المصنف بهذه الزيادة لذكره بن أَمِيرِ الْحَاجِّ مَعَ أَنَّ شَرْحَهُ مَحْشُوٌّ مِنَ النَّقْلِ عَنْهُ فَهَذِهِ أُمُورٌ قَادِحَةٌ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ مُحَمَّدٍ حَيَاةٍ السِّنْدِيِّ قُلْتُ فَحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ الْمَذْكُورُ وَإِنْ كَانَ إِسْنَادُهُ جَيِّدًا لَكِنْ فِي ثُبُوتِ زِيَادَةِ تَحْتَ

السُّرَّةِ فِيهِ نَظَرًا قَوِيًّا كَمَا عَرَفْتَ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وَضْعِ الْيَدَيْنِ تَحْتَ السُّرَّةِ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عنه روى أبو داود وأحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ السُّنَّةُ وَضْعُ الْكَفِّ عَلَى الْكَفِّ تَحْتَ السُّرَّةِ قُلْتُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَاسِطِيُّ وَعَلَيْهِ مَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذكر هذا الحديث قال بن القطان عبد الرحمن بن إسحاق هو بن الحرب أبو شيبة الواسطي قال فيه بن حنبل وأبو حاتم منكر الحديث وقال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ لَا يَثْبُتُ إِسْنَادُهُ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَاسِطِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَشَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَضْعِيفِهِ فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إِسْحَاقَ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى ما في نصب الراية وقال الشيخ بن الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ إِذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ لِلرَّجُلِ فِيهِ نَظَرٌ فَحَدِيثُهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَلَا يُسْتَشْهَدُ بِهِ وَلَا يَصْلُحُ لِلِاعْتِبَارِ انْتَهَى فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَلَا لِلِاسْتِشْهَادِ وَلَا لِلِاعْتِبَارِ ثُمَّ حَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا يُخَالِفُ لِتَفْسِيرِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَانْحَرْ) أَنَّهُ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى وَسَطِ سَاعِدِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ وَضَعَهُمَا عَلَى صدره في الصلاة رواه البيهقي وبن أبي شيبة وبن المنذر وبن أبي حاتم والدارقطني وأبو الشيخ والحاكم وبن مَرْدَوَيْهِ كَذَا فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ قَالَ الْفَاضِلُ مُلَّا الْهَدَّادُ فِي حَاشِيَةِ الْهِدَايَةِ إِذَا كَانَ حَدِيثُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ تَحْتَ السُّرَّةِ ضَعِيفًا وَمُعَارَضًا بِأَثَرِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ فَسَّرَ قَوْلَهُ تَعَالَى (وَانْحَرْ) بِوَضْعِ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ عَلَى الصَّدْرِ يَجِبُ أَنْ يُعْمَلَ بِحَدِيثِ وَائِلٍ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ ثُمَّ حَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا مَنْسُوخٌ عَلَى طَرِيقِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الدُّرَّةِ فِي إِظْهَارِ غِشِّ نَقْدِ الصُّرَّةِ وَهُوَ حَنَفِيُّ الْمَذْهَبِ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَرِيرٍ الضَّبِّيِّ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ عَلِيًّا يُمْسِكُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ عَلَى الرُّسْغِ فَوْقَ السُّرَّةِ وَأَصْلُ عُلَمَائِنَا إِذَا خَالَفَ الصَّحَابِيُّ فِي مَرْوِيِّهِ فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ وَهَذَا الْفِعْلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَقْوَى مِنَ الْقَوْلِ فَلَا أقل أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ انْتَهَى قُلْتُ إِسْنَادُ أَثَرِ عَلِيٍّ هَذَا أَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَرِيرٍ الضَّبِّيِّ صَحِيحٌ كَمَا سَتَعْرِفُ وَالْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَخْذُ الْأَكُفِّ عَلَى الْأَكُفِّ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ قُلْتُ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْوَاسِطِيُّ فَهَذَا الْحَدِيثُ

أَيْضًا لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَلَا لِلِاسْتِشْهَادِ وَلَا لِلِاعْتِبَارِ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا وَالْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ أنس ذكره بن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى تَعْلِيقًا بِلَفْظِ ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ النُّبُوَّةِ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيَدِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ يَذْكُرُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ وَيَحْتَجُّونَ بِهِ وَلَكِنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ إِسْنَادَهُ فَمَا لَمْ يُعْلَمْ إِسْنَادُهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَلَا لِلِاسْتِشْهَادِ وَلَا لِلِاعْتِبَارِ قَالَ صَاحِبُ الدُّرَّةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ مِنْ أَخْلَاقِ النُّبُوَّةِ وَضْعُ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ الَّذِي قَالَ فِيهِ الْعَيْنِيُّ إنه رواه بن حَزْمٍ فَسَنَدُهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لِيُنْظَرَ فِيهِ هَلْ رِجَالُهُ مَقْبُولُونَ أَمْ لَا وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ تَحْتَ السُّرَّةِ وَالزِّيَادَةُ إِنَّمَا تُقْبَلُ مِنَ الثِّقَةِ الْمَعْلُومِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الدُّرَّةِ وَقَالَ الشَّيْخُ هَاشِمٌ السِّنْدِيُّ فِي رِسَالَتِهِ دَرَاهِمِ الصُّرَّةِ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وبن أمير الحاج وبن نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ أَنَّهُ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السَّحُورُ وَوَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ تَحْتَ السُّرَّةِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ لَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرَ أَنَّ الزَّاهِدِيَّ زَادَ أَنَّهُ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لكن قال بن أمير الحاج وبن نُجَيْمٍ إِنَّ الْمُخَرِّجِينَ لَمْ يَعْرِفُوا فِيهِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا لَفْظُ (تَحْتَ السُّرَّةِ) انْتَهَى كَلَامُ هَاشِمٍ السِّنْدِيِّ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ هِيَ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى وَضْعِ الْيَدَيْنِ تَحْتَ السُّرَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهَا لِلِاسْتِدْلَالِ الْفَصْلُ الثَّانِي فِي ذِكْرِ مَا تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وَضْعِ الْيَدَيْنِ فَوْقَ السُّرَّةِ لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ نَعَمْ أَثَرُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ جَرِيرٍ الضَّبِّيِّ قَالَ رَأَيْتُ عَلِيًّا يُمْسِكُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ عَلَى الرُّسْغِ فَوْقَ السُّرَّةِ قُلْتُ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ لَكِنَّهُ فِعْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ فَوْقَ السُّرَّةِ عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ مِنَ السُّرَّةِ أَيْ عَلَى الصَّدْرِ أَوْ عِنْدَ الصَّدْرِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَفِي حديث هلب الطائي ومرسل طاؤس وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ وَيُؤَيِّدُهُ تَفْسِيرُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَانْحَرْ) بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّدْرِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي ذِكْرِ مُتَمَسِّكَاتِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّدْرِ احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ أخرجه بن خزيمة وهذا حديث صحيح صححه بن خزيمة كما صرح به بن سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَقَدِ اعْتَرَفَ الشَّيْخُ مُحَمَّد قَائِم السِّنْدِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي رِسَالَتِهِ فوز

الكرام أن هذا الحديث على شرط بن خُزَيْمَةَ حَيْثُ قَالَ فِيهَا الَّذِي أَعْتَقِدُهُ أَنَّ هذا الحديث على شرط بن خُزَيْمَةَ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ صَنِيعِ الْحَافِظِ فِي الإتحاف والظاهر من قول بن سَيِّدِ النَّاسِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ وَائِلٍ فِي شرح جامع الترمذي وصححه بن خزيمة انتهى وقال بن أمير الحاج الذي بلغ شيخه بن الْهُمَامِ فِي التَّحْقِيقِ وَسَعَةِ الِاطِّلَاعِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ إِنَّ الثَّابِتَ مِنَ السُّنَّةِ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ وَلَمْ يَثْبُتْ حَدِيثٌ يُوجِبُ تَعْيِينَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَكُونُ الْوَضْعُ فِيهِ مِنَ الْبَدَنِ إلا حديث وائل المذكور وهكذا قال صاحب الْبَحْرِ الرَّائِقِ كَذَا فِي فَتْحِ الْغَفُورِ لِلشَّيْخِ حَيَاةٍ السِّنْدِيِّ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ أَخْرَجَهُ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَصَحَّحَهُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ مَحَلَّهُمَا مِنَ الْجَسَدِ وَقَدْ رَوَى بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ أَنَّهُ وَضَعَهُمَا عَلَى صَدْرِهِ وَالْبَزَّارُ عِنْدَ صَدْرِهِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي حديث هلب الطائي نحوه في زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ وَضَعَهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ انْتَهَى فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ هَذَا أَنَّ حَدِيثَ وَائِلٍ عِنْدَهُ صحيح أو حسن لأنه ذكر ها هنا لِغَرَضِ تَعْيِينِ مَحَلِّ وَضْعِ الْيَدَيْنِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ حَدِيثَ وَائِلٍ وَحَدِيثَ هُلْبٍ وَحَدِيثَ عَلِيٍّ وَضَعَّفَ حَدِيثَ عَلِيٍّ وَقَالَ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَسَكَتَ عَنْ حَدِيثِ وَائِلٍ وَحَدِيثَ هُلْبٍ فَلَوْ كَانَا هُمَا أَيْضًا ضَعِيفَيْنِ عِنْدَهُ لَبَيَّنَ ضَعْفَهُمَا وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي أَوَائِلِ مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ مَا لَفْظُهُ فَإِذَا تَحَرَّرَتْ هَذِهِ الْفُصُولُ وَتَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْأُصُولُ افْتَتَحْتُ شَرْحَ الْكِتَابِ فَأَسُوقُ الْبَابَ وَحَدِيثَهُ أَوَّلًا ثُمَّ أَذْكُرُ وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا إِنْ كَانَتْ خَفِيَّةً ثُمَّ أَسْتَخْرِجُ ثَانِيًا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْمَتْنِيَّةِ وَالْإِسْنَادِيَّةِ مِنْ تَتِمَّاتٍ وَزِيَادَاتٍ وَكَشْفِ غَامِضٍ وَتَصْرِيحِ مُدَلِّسٍ بِسَمَاعٍ وَمُتَابَعَةِ سَامِعٍ مِنْ شَيْخٍ اخْتَلَطَ قَبْلَ ذَلِكَ مُنْتَزِعًا كُلَّ ذَلِكَ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمَسَانِيدِ وَالْجَامِعِ وَالْمُسْتَخْرَجَاتِ وَالْأَجْزَاءِ وَالْفَوَائِدِ بِشَرْطِ الصِّحَّةِ أَوِ الْحُسْنِ فِيمَا أُورِدُهُ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ فَقَوْلُهُ بِشَرْطِ الصِّحَّةِ أَوِ الْحُسْنِ فِيمَا أُورِدُهُ مِنْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ وَائِلٍ وَكَذَا حَدِيثَ هُلْبٍ الطَّائِيِّ عِنْدَهُ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ فَتَفَكَّرْ وَأَيْضًا قَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ وَائِلٍ أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَهُوَ فِي مُسْلِمٍ دُونَ قَوْلِهِ عَلَى صَدْرِهِ انْتَهَى فَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّ حديث بن خُزَيْمَةَ هَذَا هُوَ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى سَنَدًا وَمَتْنًا بِدُونِ ذِكْرِ الْمَحَلِّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ صَحِيحٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّدْرِ فِي الصَّلَاةِ تَامٌّ صَحِيحٌ وَمِنْهَا حَدِيثُ هُلْبٍ الطَّائِيِّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ ثَنَا سِمَاكٌ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ

يَسَارِهِ وَرَأَيْتُهُ يَضَعُ هَذِهِ عَلَى صَدْرِهِ وَوَصَفَ يَحْيَى الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَوْقَ الْمِفْصَلِ وَرُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَإِسْنَادُهُ مُتَّصِلٌ أَمَّا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْقَطَّانُ الْبَصْرِيُّ الْحَافِظُ الْحُجَّةُ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ حَافِظٌ إِمَامٌ قُدْوَةٌ وَأَمَّا سُفْيَانُ فَهُوَ الثَّوْرِيُّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ حَافِظٌ فَقِيهٌ عَابِدٌ إِمَامٌ حُجَّةٌ وَرُبَّمَا كَانَ دَلَّسَ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ صرح ها هنا بِالتَّحْدِيثِ فَانْتَفَتْ تُهْمَةُ التَّدْلِيسِ وَأَمَّا سِمَاكٌ فَهُوَ بن حَرْبِ بْنِ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ الذُّهْلِيُّ الْبَكْرِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو الْمُغِيرَةِ صَدُوقٌ وَرِوَايَتُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ خَاصَّةٌ مُضْطَرِبَةٌ وَكَانَ قَدْ تَغَيَّرَ بِأَخَرَةٍ فَكَانَ رُبَّمَا يُلَقَّنُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ قَالَ أَحْمَدُ سِمَاكٌ مُضْطَرِبٌ وَضَعَّفَهُ شَيْبَةُ وَقَالَ بن عَمَّارٍ كَانَ يَغْلَطُ وَقَالَ الْعِجْلِيُّ رُبَّمَا وَصَلَ الشَّيْءَ وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يُضَعِّفُهُ وَقَالَ رِوَايَتُهُ مُضْطَرِبَةٌ وَلَيْسَ مِنَ الْمُثْبَتِينَ وَقَالَ صَالِحٌ يُضَعَّفُ وَقَالَ بن خداش فيه لين ووثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ انْتَهَى وَكَوْنُ السِّمَاكُ مُضْطَرِبَ الْحَدِيثِ لَا يَقْدَحُ فِي حَدِيثِهِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ قَبِيصَةَ وَرِوَايَتُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ خَاصَّةً مُضْطَرِبَةٌ وَكَذَا تَغَيُّرُهُ فِي آخِرِهِ لَا يَقْدَحُ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ رَوَاهُ عَنْهُ سُفْيَانُ وَهُوَ مِمَّنْ سَمِعَ قَدِيمًا مِنْ سِمَاكٍ قَالَ فِي تَهْذِيبِ الْكَمَالِ قَالَ يَعْقُوبُ وَرِوَايَتُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ خَاصَّةً مُضْطَرِبَةٌ وَهُوَ فِي غَيْرِ عِكْرِمَةَ صَالِحٌ وَلَيْسَ مِنَ الْمُثْبَتِينَ وَمَنْ سَمِعَ قَدِيمًا مِنْ سِمَاكٍ مِثْلُ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ فَحَدِيثُهُمْ عَنْهُ مُسْتَقِيمٌ انْتَهَى وَأَمَّا قَبِيصَةُ فَهُوَ أَيْضًا ثِقَةٌ كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا أَبُوهُ فَهُوَ صَحَابِيٌّ فَحَدِيثُ هُلْبٍ الطَّائِيِّ هَذَا حَسَنٌ وَقَدِ أعترف صاحب اثار السنن بِأَنَّ إِسْنَادَهُ حَسَنٌ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّدْرِ فِي الصَّلَاةِ صَحِيحٌ وَمِنْهَا حَدِيثُ طَاوُسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو تَوْبَةَ حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ يَعْنِي بن حُمَيْدٍ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ طَاوُسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى ثُمَّ يَشُدُّ بَيْنَهُمَا عَلَى صَدْرِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ وُجِدَ فِي بَعْضِ نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَفِ فِي حَرْفِ الطَّاءِ مِنْ كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ وَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ فَحَدِيثُ طَاوُسٍ هَذَا مُرْسَلٌ لِأَنَّ طَاوُسًا تَابِعِيٌّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَالْحَدِيثُ الْمُرْسَلُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ مُطْلَقًا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إِذَا اعْتُضِدَ بِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ يُبَايِنُ الطَّرِيقَ الْأُولَى مُسْنَدًا كَانَ أَوْ مُرْسَلًا وَقَدِ اعتضد هَذَا الْمُرْسَلُ بِحَدِيثِ وَائِلٍ وَبِحَدِيثِ هُلْبٍ الطَّائِيِّ الْمَذْكُورَيْنِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّدْرِ فِي الصَّلَاةِ صَحِيحٌ تَنْبِيهٌ قَالَ بَعْضُ الحنفية حديث وائل فيه اضطراب فأخرج بن خُزَيْمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صَدْرِهِ وَالْبَزَّارُ عند صدره وبن أَبِي شَيْبَةَ تَحْتَ السُّرَّةِ

قُلْتُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْحَدِيثِ أَنَّ مُجَرَّدَ الِاخْتِلَافِ لَا يُوجِبُ الِاضْطِرَابَ بَلْ مِنْ شَرْطِهِ اسْتِوَاءُ وُجُوهِ الِاخْتِلَافِ فَمَتَى رَجَحَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ قُدِّمَ (وَلَا يُعَلُّ الصَّحِيحُ) بِالْمَرْجُوحِ وَمَعَ الاستواء يتعذر الجمع على قواعد المحدثين وههنا وُجُوهُ الِاخْتِلَافِ لَيْسَتْ بِمُسْتَوِيَةٍ فَإِنَّ فِي ثُبُوتِ لفظ (تحت السرة) في رواية بن أَبِي شَيْبَةَ نَظَرًا قَوِيًّا كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وأما رواية بن خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ عَلَى صَدْرِهِ وَرِوَايَةُ الْبَزَّارِ بِلَفْظِ عِنْدَ صَدْرِهِ فَالْأُولَى رَاجِحَةٌ فَتُقَدَّمُ عَلَى الْأُخْرَى وَوَجْهُ الرُّجْحَانِ أَنَّ لَهَا شَاهِدًا حَسَنًا مِنْ حَدِيثِ هُلْبٍ وَأَيْضًا يَشْهَدُهَا مُرْسَلُ طَاوُسٍ بِخِلَافِ الْأُخْرَى فَلَيْسَ لَهَا شَاهِدٌ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِمُتَعَذِّرٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْمَحَاسِنِ مُحَمَّدٌ الْمُلَقَّبُ بِالْقَائِمِ السِّنْدِيِّ فِي رِسَالَتِهِ فَوْزِ الْكِرَامِ قَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ فِي رِسَالَةِ جَوَازِ التَّقْلِيدِ وَالْعَمَلُ بِالْحَدِيثِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ وَائِلٍ وَهُلْبٍ وَمُرْسَلِ طَاوُسٍ وتفسير علي وأنس وبن عَبَّاسٍ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ قَدْ أَخَذَ بِهَا الشَّافِعِيُّ لَكِنْ قَالَ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الصَّدْرِ بِحَيْثُ تَكُونُ آخِرُ الْيَدِ تَحْتَ الصَّدْرِ جَمْعًا بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَبَيْنَ مَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الصَّدْرِ انْتَهَى وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَيْنَهُمَا بِالْحَمْلِ عَلَى صَلَاتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَنَظِيرُ هَذَا الِاخْتِلَافِ اخْتِلَافُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ وَحَذْوَ الْأُذُنَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ بِالِاضْطِرَابِ فِي حَدِيثِ وَائِلٍ مِمَّا لَا يُصْغَى إِلَيْهِ تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ النِّيمَوِيُّ فِي آثَارِ السُّنَنِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ هُلْبٍ الطَّائِيِّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَكِنَّ قَوْلَهُ عَلَى صَدْرِهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ يَعْنِي أَنَّهُ شَاذٌّ وَبَيَّنَ وَجْهَ كَوْنِهِ شَاذًّا غَيْرَ مَحْفُوظٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ خَالَفَ فِي زِيَادَةِ قَوْلِهِ عَلَى صَدْرِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ وَسِمَاكٍ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوا هَذِهِ الزِّيَادَاتِ وَعُرِّفَ الشَّاذُّ بِأَنَّهُ مَا رَوَاهُ الثِّقَةُ مُخَالِفًا فِي نَوْعٍ مِنَ الصِّفَاتِ لِمَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ أَوْ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ وَأَحْفَظُ وَأَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ الْمُخَالَفَةُ مُنَافِيَةً لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَمْ لَا وَادَّعَى أَنَّ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشافعي وأحمد بن حنبل وبن مَعِينٍ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهُمْ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا يُفْهَمُ مِنْ صَنِيعِهِمْ فِي زيادة ثم لا يعود في حديث بن مسعود وفصاعدا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَكَذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاضِعِ حَيْثُ جَعَلُوا الزِّيَادَاتِ شَاذَّةً بِزَعْمِهِمْ أَنَّ رَاوِيَهَا قَدْ تَفَرَّدَ بِهَا مَعَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ لِأَصْلِ الْحَدِيثِ قُلْتُ تَعْرِيفُ الشَّاذِّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ آثَارِ السُّنَنِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَيْسَ هُوَ مَذْهَبُ الْمُحَدِّثِينَ الْمُتَقَدِّمِينَ ألْبَتَّةَ وَجْهُ عَدَمِ صِحَّتِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ زِيَادَةٍ زَادَهَا ثِقَةٌ وَلَمْ يَزِدْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ أَوْ لَمْ يَزِدْهَا مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ وَلَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِأَصْلِ الْحَدِيثِ شَاذَّةً غَيْرَ مَقْبُولَةٍ

وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى بُطْلَانِ اللَّازِمِ أَنَّ كُلَّ زِيَادَةٍ هَذَا شَأْنُهَا قَبِلَهَا الْمُحَدِّثُونَ الْمُتَقَدِّمُونَ كَالشَّافِعِيِّ وَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَكَذَا قَبِلَهَا الْمُتَأَخِّرُونَ إِلَّا إِنْ ظَهَرَتْ لَهُمْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَقْبَلُونَهَا أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ أَدْخَلَ فِي صَحِيحِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا تَفَرَّدَ بِهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ بِزِيَادَةٍ فِيهِ غَيْرِ مُنَافِيَةٍ وَلَمْ يَزِدْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ أَوْ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ وَأَحْفَظُ وَقَدْ طَعَنَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ بِإِدْخَالِ مِثْلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي صَحِيحِهِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ وَقَدْ أَجَابَ الْمُحَقِّقُونَ عَنْ هَذَا الطَّعْنِ بِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ صحيحة قال الحافظ في مقدمة ص 402 الفتح فَالْأَحَادِيثُ الَّتِي انْتَقَدْتُ عَلَيْهِمَا أَيِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ تنقسم أقساما ثم بين الحافظ والقسم الأول والثاني ثم قال القسم الثالث منها مَا تَفَرَّدَ بِهِ بَعْضُ الرُّوَاةِ بِزِيَادَةٍ فِيهِ دُونَ مَنْ هُوَ أَكْثَرُ عَدَدًا أَوْ أَضْبَطُ مِمَّنْ لَمْ يَذْكُرْهَا فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ التَّعْلِيلُ بِهِ إِلَّا إِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مُنَافِيَةً بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ أَمَّا إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ لَا مُنَافَاةَ فِيهَا بِحَيْثُ يَكُونُ كَالْحَدِيثِ الْمُسْتَقِلِّ فَلَا اللَّهُمَّ إِلَّا إِنْ وَضَحَ بِالدَّلَائِلِ الْقَوِيَّةِ أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مُدْرَجَةٌ فِي الْمَتْنِ مِنْ كَلَامِ بَعْضِ رُوَاتِهِ فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ فَهُوَ مُؤَثِّرٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ وَالثَّلَاثِينَ انْتَهَى وَأَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ فِيهَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ أَبِي غَسَّانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ نَظَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ يُقَاتِلُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ هُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ لَمِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَعْمَلُ فِيمَا يَرَى النَّاسُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بالخواتيم قال وقد رواه بن أَبِي حَازِمٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدٌ الْجُمَحِيُّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ فَلَمْ يَقُولُوا فِي آخِرِهِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالْخَوَاتِيمِ قَالَ الْحَافِظُ زَادَهَا أَبُو غَسَّانَ وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ فَاعْتَمَدَهُ الْبُخَارِيُّ انْتَهَى وَقَدْ صَرَّحَ بِقَبُولِ مِثْلِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بن التُّرْكُمَانِيِّ فِي الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ وَالْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ بَلْ أَشَارَ النِّيمَوِيُّ نَفْسُهُ فِي كِتَابِهِ آثَارِ السُّنَنِ أَيْضًا بِقَبُولِ مِثْلِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ ص 17 حَيْثُ قَالَ فَزِيَادَتُهُ أَيْ زِيَادَةُ الْحُمَيْدِيِّ تُقْبَلُ جِدًّا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِمَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِنْهُ انْتَهَى فَلَمَّا ظَهَرَ بُطْلَانُ اللَّازِمِ ثَبَتَ بُطْلَانُ الْمَلْزُومِ أَعْنِي بُطْلَانَ تَعْرِيفِ الشَّاذِّ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ آثَارِ السُّنَنِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا تَعْرِيفُ الشَّاذِّ الَّذِي عليه المحققون قلت قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي ص 445 وَأَمَّا الْمُخَالَفَةُ وَيَنْشَأُ عَنْهَا الشُّذُوذُ وَالنَّكَارَةُ فَإِذَا رَوَى الضَّابِطُ أَوِ الصَّدُوقُ شَيْئًا فَرَوَاهُ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرُ عَدَدًا بِخِلَافِ مَا رَوَى بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ عَلَى قَوَاعِدِ الْمُحَدِّثِينَ فَهَذَا شَاذٌّ انْتَهَى فَهَذَا التَّعْرِيفُ هُوَ

الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ ص 37 فَإِنْ خُولِفَ بِأَرْجَحَ مِنْهُ لِمَزِيدِ ضَبْطٍ أَوْ كَثْرَةِ عَدَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّرْجِيحَاتِ فَالرَّاجِحُ يُقَالُ لَهُ الْمَحْفُوظُ وَمُقَابِلُهُ وَهُوَ الْمَرْجُوحُ يُقَالُ لَهُ الشَّاذُّ (إِلَى أَنْ قَالَ) وَعُرِفَ مِنْ هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الشَّاذَّ مَا رَوَاهُ الْمَقْبُولُ مُخَالِفًا لِمَنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي تَعْرِيفِ الشَّاذِّ بِحَسَبِ الِاصْطِلَاحِ انْتَهَى وَالْمُرَادُ مِنَ الْمُخَالَفَةِ فِي قَوْلِهِ مُخَالِفًا الْمُنَافَاةُ دُونَ مُطْلَقِ الْمُخَالَفَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْحَافِظِ فِي هَذَا الْكِتَابِ ص 37 وَزِيَادَةُ رَاوِيهِمَا أَيِ الصَّحِيحُ وَالْحَسَنُ مَقْبُولَةٌ مَا لَمْ تَقَعْ مُنَافِيَةً لِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ أَوْثَقُ مِمَّنْ لَمْ يَذْكُرْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ لَا تُنَافِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ رِوَايَةِ مَنْ لَمْ يَذْكُرْهَا فَهَذِهِ تُقْبَلُ مُطْلَقًا لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْحَدِيثِ الْمُسْتَقِلِّ الَّذِي يَتَفَرَّدُ بِهِ الثِّقَةُ وَلَا يَرْوِيهِ عَنْ شَيْخِهِ غَيْرُهُ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُنَافِيَةً بِحَيْثُ يَلْزَمُ مِنْ قَبُولِهَا رَدُّ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي يَقَعُ التَّرْجِيحُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مُعَارِضِهَا فَيُقْبَلُ الرَّاجِحُ وَيُرَدُّ الْمَرْجُوحُ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ بن حَجَرٍ الْهَيْثَمِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْبَسْمَلَةِ الشَّاذُّ اصْطِلَاحًا فِيهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَالَّذِي عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ أَنَّ مَا خَالَفَ فِيهِ رَاوٍ ثِقَةٍ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فِي سَنَدٍ أَوْ مَتْنٍ ثِقَاتٍ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَعَ اتِّحَادِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ عُمَرُ الْبَيْقُونِيُّ فِي مَنْظُومَتِهِ فِي مُصْطَلَحِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمَا يُخَالِفُ ثِقَةٌ فِيهِ الْمَلَا فَالشَّاذُّ وَالْمَقْلُوبُ قِسْمَانِ تَلَا قَالَ الشَّارِحُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْبَاقِي الزُّرْقَانِيُّ وَمَا يُخَالِفُ ثِقَةٌ فِيهِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فِي السَّنَدِ أَوِ الْمَتْنِ الْمَلَأَ أَيِ الْجَمَاعَةَ الثِّقَاتِ فِيمَا رَوَوْهُ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَالشَّاذُّ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ لِأَنَّ الْعَدَدَ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنَ الْوَاحِدِ وَعَلَيْهِ فَمَا خَالَفَ الثِّقَةُ فِيهِ الواحد الأحفظ شاذ وفي كلام بن الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ مَا يُفْهِمُهُ انْتَهَى وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الْمَجْدُ صَاحِبُ الْقَامُوسِ فِي مَنْظُومَتِهِ فِي أُصُولِ الْحَدِيثِ ثُمَّ الَّذِي يُنْعَتُ بِالشُّذُوذِ كُلُّ حَدِيثٍ مُفْرَدٍ مَجْذُوذِ خَالَفَ فِيهِ النَّاسَ مَا رَوَاهُ لأن روى ما لا يروى سِوَاهُ قَالَ الشَّيْخُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَرَ بْنِ مَقْبُولٍ الْأَهْدَلُ فِي شَرْحِهِ الْمُسَمَّى بالمنهل الروى الشاذ لغة المنفرد يقال شذيشذ شُذُوذًا إِذَا انْفَرَدَ وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَفِيهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَمُقْتَضَى مَا ذَكَرَهُ النَّاظِمُ الْإِشَارَةُ إِلَى قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ أَنَّهُ مَا رَوَاهُ الثِّقَةُ مُخَالِفًا لِرِوَايَةِ النَّاسِ أَيِ الثِّقَاتِ وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَدَدَ الكثير أولى بالحفظ من الواحد وألحق بن الصَّلَاحِ بِالثِّقَاتِ الثِّقَةَ الْأَحْفَظَ وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْمُخَالَفَةُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ فِي سَنَدٍ أَوْ مَتْنٍ إِنْ كَانَتْ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ فِيهِمَا مَعَ اتِّحَادِ الْمَرْوِيِّ انْتَهَى

باب ما جاء في التكبير عند الركوع والسجود

فَإِنْ قُلْتَ فَلِمَ لَمْ يَقْبَلِ الْمُحَدِّثُونَ الْمُتَقَدِّمُونَ كالشافعي وأحمد بن حنبل وبن مَعِينٍ وَالْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَأَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيِّ وَالْحَاكِمِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِمْ زِيَادَةَ ثُمَّ لا يعود في حديث بن مَسْعُودٍ وَزِيَادَةَ فَصَاعِدًا فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ وَزِيَادَةَ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَلَمْ يَجْعَلُوهَا غَيْرَ مَحْفُوظَةٍ مَعَ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَاتِ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ لِأَصْلِ الْحَدِيثِ قُلْتُ إِنَّمَا لَمْ يَقْبَلُوا هَذِهِ الزِّيَادَاتِ لِأَنَّهُ قَدْ وَضَحَ لَهُمْ دَلَائِلُ عَلَى أَنَّهَا وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ كَمَا بَيَّنُوهُ وَأَوْضَحُوهُ لَا لِمُجَرَّدِ أَنَّ رَاوِيَهَا قَدْ تَفَرَّدَ بِهَا كَمَا زَعَمَ النِّيمَوِيُّ وَإِنَّمَا أَطْنَبْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ الْقَاصِرُونَ بِمَا حَقَّقَ النِّيمَوِيُّ فِي زَعْمِهِ الْفَاسِدِ قَوْلُهُ (وَاسْمُ هُلْبٍ يَزِيدُ بْنُ قُنَافَةَ الطَّائِيُّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَخِفَّةِ النُّونِ وَبِفَاءٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي لِصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبِحَارِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّكْبِيرِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) [253] قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ إِلَخْ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ إِلَّا فِي الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَمِنَ الْأَعْصَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَقَدْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ زَمَنَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَانَ بَعْضُهُمْ لَا يَرَى التَّكْبِيرَ إِلَّا لِلْإِحْرَامِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وأنس وبن عُمَرَ وَأَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي مُوسَى وَعِمْرَانَ

بن حصين ووائل بن حجر وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ النسائي وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مالك الأشعري فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ والنسائي وبن ماجه وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ صَلَّيْتُ الظُّهْرَ بِالْبَطْحَاءِ خَلْفَ شَيْخٍ أَحْمَقَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً يُكَبِّرُ إِذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ بن عَبَّاسٍ تِلْكَ صَلَاةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَغَيْرُهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَالْعُلَمَاءِ) قَالَ الْبَغَوِيُّ اتَّفَقَتِ الأمه على هذه التكبيرات قال بن سَيِّدِ النَّاسِ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يُشْرَعُ إِلَّا تَكْبِيرُ الْإِحْرَامِ فَقَطْ يُحْكَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَقَتَادَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعُمَرَ بن عبد العزيز والحسن البصري ونقله بن الْمُنْذِرِ عَنِ القَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عبد الله بن عمر ونقله بن بَطَّالٍ عَنْ جَمَاعَةٍ أَيْضًا مِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ بْنُ أبي سفيان وبن سِيرِينَ قَالَ أَبُو عُمَرَ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ التَّكْبِيرَ لَيْسَ بِسُنَّةٍ إِلَّا فِي الْجَمَاعَةِ وَأَمَّا مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُكَبِّرَ وَقَالَ أَحْمَدُ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُكَبِّرَ إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فِي الْفَرْضِ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فَلَا وَرُوِيَ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُكَبِّرُ إِذَا صَلَّى وحده واستدل مَنْ قَالَ بِعَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ كَذَلِكَ بِمَا أخرجه أحمد وأبو داود عن بن أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ إِذَا خَفَضَ وَرَفَعَ وَفِي رِوَايَةٍ فَكَانَ لَا يُكَبِّرُ إِذَا خَفَضَ يَعْنِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَسَنُ بْنُ عمران قال أبو زرعة شيخ ووثقه بن حِبَّانَ وَحَكَى عَنْ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ أَنَّهُ قَالَ هَذَا عِنْدِي بَاطِلٌ وَهَذَا لَا يَقْوَى عَلَى مُعَارَضَةِ أَحَادِيثِ الْبَابِ لِكَثْرَتِهَا وَصِحَّتِهَا وَكَوْنِهَا مُثْبِتَةً وَمُشْتَمِلَةً عَلَى الزِّيَادَةِ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي هَذَا الْبَابِ أَقَلُّ أَحْوَالِهَا الدَّلَالَةُ عَلَى سُنِّيَّةِ التَّكْبِيرِ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ عُثْمَانُ حِينَ كَبَّرَ وَضَعَّفَ صَوْتَهُ وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرَكَ الْجَهْرَ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ مُعَاوِيَةُ وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ تَرَكَهُ زِيَادٌ وَهَذِهِ

الروايات غير متنافية لِأَنَّ زِيَادًا تَرَكَهُ بِتَرْكِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ مُعَاوِيَةُ تَرَكَهُ بِتَرْكِ عُثْمَانَ وَقَدْ حَمَلَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْإِخْفَاءِ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ بَنِي أُمَيَّةَ كَانُوا يَتْرُكُونَ التَّكْبِيرَ فِي الْخَفْضِ دُونَ الرَّفْعِ وَمَا هَذِهِ بِأَوَّلِ سُنَّةٍ تَرَكُوهَا وَقَدِ اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِمَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إِلَى أَنَّهُ مَنْدُوبٌ فِيمَا عَدَا تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَبَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ يَجِبُ كُلُّهُ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ عَلَى النُّدْبِيَّةِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ صَلَاتَهُ وَلَوْ كَانَ واجبا لعلمه وأيضا حديث بن أَبْزَى يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ تَرْكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي بَعْضِ الحالات لبيان الجواز وا شعار بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ الْمُسِيءَ صَلَاتَهُ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُسِيءِ بِلَفْظِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَرْكَعُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُكَبِّرُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ قُلْتُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُعَلِّمْهُ الْمُسِيءَ صلاته التكبير [254] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ آخِرُهُ رَاءٌ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيُّ الزَّاهِدُ ثِقَةٌ عَابِدٌ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ وَرَوَى عَنْهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ (قَالَ سَمِعْتُ عَلِيَّ بن الحسن) بن شَقِيقٍ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيَّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ روى عن إبراهيم بن طهمان وبن المبارك وغيرهما وعنه البخاري وأحمد وبن مَعِينٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مَاتَ سَنَةَ 215 خَمْسَ عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ قَوْلُهُ (كَانَ يُكَبِّرُ وَهُوَ يَهْوِي أَيْ يَهْبِطُ إِلَى السُّجُودِ الْأَوَّلِ مِنْ هَوَى يَهْوِي هُوِيًّا كَضَرَبَ يَضْرِبُ إِذَا سَقَطَ وَأَمَّا هَوَى بِمَعْنَى مَالَ وَأَحَبَّ فَهُوَ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مُطَوَّلًا وَفِيهِ) ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِيهِ أن التكبير ذكر الهوى فيبتدي بِهِ مِنْ حِينِ يَشْرَعُ فِي الْهُوِيِّ بَعْدَ الِاعْتِدَالِ إِلَى حِينِ يَتَمَكَّنُ سَاجِدًا انْتَهَى

باب رفع اليدين عند الركوع

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ مِنَ الْمَكْتُوبَةِ وَغَيْرِهَا فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ فَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ يَقُولُ حِينَ يَنْصَرِفُ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي لَأَقْرَبُكُمْ شَبَهًا بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ حَتَّى فَارَقَ الدنيا 6 - (باب رفع اليدين عند الركوع) [255] قوله (وبن أَبِي عُمَرَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أبي عمر العدني نزيل مكة ويقال إن أَبَا عُمَرَ كُنْيَةُ يَحْيَى صَدُوقٌ صَنَّفَ الْمُسْنَدَ وكان لازم بن عُيَيْنَةَ لَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ كَانَتْ فِيهِ غفلة (عن سالم) وهو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَوْلُهُ (إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يحاذي منكبيه وإذا رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ) هَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ سُنَّةٌ وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَنَقَلَ البخاري في صحيحه عقب حديث بن عُمَرَ هَذَا عَنْ شَيْخِهِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ عند الركوع والرفع منه لحديث بن عمر هذا وهذا في رواية بن عَسَاكِرَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَزَادَ وَكَانَ أَعْلَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ انْتَهَى (وَكَانَ لَا يَرْفَعُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ

[256] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ الصَّبَاحِ الْبَغْدَادِيُّ) السِّمْسَارُ روى عن بن عيينة وهشيم وعنه الترمذي وبن ماجه وثقه بن مَعِينٍ قَالَ الْحَافِظُ أَصْلُهُ مِنْ نَهَاوَنْدَ ثِقَةٌ عَابِدٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي حُمَيْدٍ وَأَبِي أَسِيدٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَأَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَجَابِرٍ وَعُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِيمَا حَكَاهُ الْخَلَّالُ وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم وأما حديث أنس فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَسِيدٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ مسلمة فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَأَخْرَجَهُ الدارقطني وأما حديث جابر فأخرجه بن ماجه وأما حديث عمير الليثي فأخرجه بن مَاجَهْ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْأَزْهَارِ الْمُتَنَاثِرَةِ فِي الْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ إِنَّ حَدِيثَ الرَّفْعِ مُتَوَاتِرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عن بن عُمَرَ وَمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَمُسْلِمٌ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَالْأَرْبَعَةُ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبُو دَاوُدَ عن سهل بن سعد وبن الزبير وبن عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَأَبِي أَسِيدٍ وَأَبِي قتادة وأبي هريرة وبن مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ وَجَابِرٍ وَعُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ وَأَحْمَدُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُمَيْرٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَالْبَرَاءِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ رَوَاهُ سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ وَأَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ مِمَّنْ رَوَاهُ الْعَشَرَةُ الْمُبَشَّرَةُ وَذَكَرَ شَيْخُنَا أَبُو الْفَضْلِ الْحَافِظُ أَنَّهُ تَتَبَّعَ مَنْ رَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَبَلَغُوا خَمْسِينَ رَجُلًا انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَسَرَدَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ وَفِي الْخِلَافِيَّاتِ أَسْمَاءَ مَنْ

رَوَى الرَّفْعَ نَحْوًا مِنْ ثَلَاثِينَ صَحَابِيًّا وَقَالَ سَمِعْتُ الْحَاكِمَ يَقُولُ اتَّفَقَ عَلَى رِوَايَةِ هَذِهِ السُّنَّةِ الْعَشَرَةُ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ قَالَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَلَا يُعْلَمُ سُنَّةٌ اتَّفَقَ عَلَى رِوَايَتِهَا الْعَشَرَةُ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ عَلَى تَفَرُّقِهِمْ فِي الْأَقْطَارِ الشَّاسِعَةِ غَيْرُ هَذِهِ السُّنَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَبِهَذَا يَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم بن عُمَرَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ إِلَّا أَهْلَ الْكُوفَةِ وَقَدْ صَنَّفَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جُزْءًا مُفْرَدًا وَحَكَى فِيهِ عَنِ الْحَسَنِ وَحُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْحَسَنُ أَحَدًا انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ قَالَ الْحَسَنُ وَحُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ لَمْ يَسْتَثْنِ أَحَدًا مِنْهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ أَحَدٍ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ وَيُرْوَى أَيْضًا عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما وصفنا وكذلك رِوَايَتُهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ وَالْيَمَنِ وَعِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْقَاسِمُ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ والنعمان بن أبي عياش والحسن وبن سيرين وطاووس وَمَكْحُولٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ وَنَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ وَعِدَّةٌ كَثِيرَةٌ وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ أَنَّهَا كَانَتْ تَرْفَعُ يَدَيْهَا وَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يَرْفَعُ يديه وكذلك عامة أصحاب بن الْمُبَارَكِ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَعَبْدُ بْنُ عمر ويحيى بن يحيى ومحدثي أَهْلِ بُخَارَى مِنْهُمْ عِيسَى بْنُ مُوسَى

وَكَعْبُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ وَعَبْدُ الله بن محمد والمسندي وَعِدَّةٌ مِمَّنْ لَا يُحْصَى لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ مَا وَصَفْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بن إبراهيم يثبتون عامة هذه الأحاديث مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَرَوْنَهَا حَقًّا وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ انْتَهَى كَلَامُ الْبُخَارِيِّ (وَبِهِ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَهُوَ آخِرُ قَوْلَيْهِ وَأَصَحُّهُمَا قَالَ الحافظ في الفتح قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ عَنْ مَالِكٍ ترك الرفع فيهما إلا بن القاسم والذي نأخذ به الرفع حديث بن عمر وهو الذي رواه بن وَهْبٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَحْكِ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَالِكٍ غَيْرَهُ وَنَقَلَ الْخَطَّابِيُّ وَتَبِعَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ أَنَّهُ آخِرُ قَوْلَيْ مَالِكٍ وَأَصَحُّهُمَا وَلَمْ أَرَ لِلْمَالِكِيَّةِ دَلِيلًا عَلَى تَرْكِهِ وَلَا متمسكا إلا بقول بن الْقَاسِمِ انْتَهَى لَطِيفَةٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ نَقْلًا عَنْ جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ لِلْبُخَارِيِّ وكان بن الْمُبَارَكِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَهُوَ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ فيما يعرف ولقد قال بن الْمُبَارَكِ صَلَّيْتُ يَوْمًا إِلَى جَنْبِ النُّعْمَانِ فَرَفَعْتُ يَدَيَّ فَقَالَ لِي أَنَا خَشِيتُ أَنْ تَطِيرَ قال فقلت له إذ لَمْ أَطِرْ فِي الْأُولَى لَمْ أَطِرْ فِي الثانية قال وكيع رحم الله بن الْمُبَارَكِ كَانَ حَاضِرَ الْجَوَابِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بذلك) أي بحديث بن مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْفَعْ إِلَّا أَوَّلَ مَرَّةٍ (عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ) الْمَرْوَزِيِّ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ بن الْمُبَارَكِ ثِقَةٌ مَاتَ قَبْلَ الْمِائَتَيْنِ قَالَهُ الْحَافِظُ قوله (حدثنا وكيع) هو بن الْجَرَّاحِ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ الْجَرْمِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وقال بن المديني لا يحتج بما ينفرد به

قَوْلُهُ (فَصَلَّى فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِنَسْخِ مَشْرُوعِيَّةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ لَكِنَّ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَعْرِفُ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ أُذُنَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُعِدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْهُ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ لَمْ يُعِدْ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَرَوَاهُ عَنْهُ بِدُونِهَا شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَخَالِدٌ الطَّحَّانُ وَزُهَيْرٌ وغيرهم من الحفاظ وقال الْحُمَيْدِيُّ إِنَّمَا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ يَزِيدُ وَيَزِيدُ يَزِيدُ وَقَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ لَا يَصِحُّ وَكَذَا ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ ويحيى الدارمي وَالْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ هذا حديث واهي قَدْ كَانَ يَزِيدُ يُحَدِّثُ بِهِ بُرْهَةً مِنْ دَهْرِهِ لَا يَقُولُ فِيهِ (ثُمَّ لَا يَعُودُ) فَمَا لَقَّنُوهُ تَلَقَّنَ فَكَانَ يَذْكُرُهَا كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ ص 83 وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ رَوَى مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَلَقِيتُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ فَحَدَّثَنِي بِهِ وَلَيْسَ فِيهِ (ثُمَّ لَا يَعُودُ) فَقُلْتُ لَهُ إن بن أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنِي عَنْكَ وَفِيهِ ثُمَّ لَا يَعُودُ قَالَ لَا أَحْفَظُ هَذَا انْتَهَى قَوْلُهُ (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَقَدْ حسن الترمذي هذا الحديث وصححه بن حزم وقد ضعفه بن الْمُبَارَكِ وَقَالَ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ ص 272 بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا حَدِيثٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَلَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ انْتَهَى وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ قَالَ نَظَرْتُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ لَيْسَ فِيهِ ثُمَّ لَمْ يُعِدْ فَهَذَا أَصَحُّ لِأَنَّ الْكِتَابَ أَحْفَظُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ الرَّجُلَ يُحَدِّثُ بِشَيْءٍ ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْكِتَابِ فَيَكُونُ كَمَا فِي الْكِتَابِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الربيع ثنا بن إِدْرِيسَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرحمن بن الْأَسْوَدِ ثَنَا عَلْقَمَةُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ (علمنا

رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة فَقَامَ فَكَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَكَعَ وَطَبَّقَ يَدَيْهِ فَجَعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ) فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدًا فَقَالَ صَدَقَ أَخِي أَلَا بَلْ قَدْ نَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أُمِرْنَا بِهَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ انتهى كلام البخاري وقال الحافظ بن عبد البر في التمهيد وأما حديث بن مَسْعُودٍ (أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَصَلَّى فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا مَرَّةً) فَإِنَّ أَبَا دَاوُدَ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى وَقَالَ الْبَزَّارُ فِيهِ أَيْضًا إِنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَلَا يُحْتَجُّ بمثله وأما حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْبَابِ فَحَدِيثٌ مَدَنِيٌّ صَحِيحٌ لَا مَطْعَنَ لِأَحَدٍ فِيهِ وَقَدْ رَوَى نَحْوَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْيَدَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ صحابيا انتهى كلام بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الراية قال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَكَبَّرَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ لَمْ يُعِدْ) فَقَالَ أَبِي هَذَا خَطَأٌ يُقَالُ وَهِمَ فِيهِ الثَّوْرِيُّ فَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ عَاصِمٍ وَقَالُوا كُلُّهُمْ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَكَعَ فَطَبَّقَ وَجَعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ) وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مَا رَوَى الثَّوْرِيُّ انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وهذا الحديث حسنه الترمذي وصححه بن حزم وقال بن المبارك لم يثبت عندي وقال بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ هَذَا حَدِيثٌ خَطَأٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَشَيْخُهُ يَحْيَى بْنُ آدَمَ هُوَ ضَعِيفٌ نَقَلَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُمَا وَتَابَعَهُمَا عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ لَيْسَ هُوَ بصحيح وقال الدارقطني لم يثبت وقال بن حِبَّانَ فِي الصَّلَاةِ هَذَا أَحْسَنُ خَبَرٍ رُوِيَ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ فِي نَفْيِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ أَضْعَفُ شَيْءٍ يُعَوَّلُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ عِلَلًا تُبْطِلُهُ انْتَهَى فَثَبَتَ بِهَذَا كُلِّهِ أن حديث بن مَسْعُودٍ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا بِحَسَنٍ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِمِثْلِهِ حُجَّةٌ وَأَمَّا تَحْسِينُ التِّرْمِذِيِّ فَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنَ التساهل وأما تصحيح بن حَزْمٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ السَّنَدِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ صِحَّةَ السَّنَدِ لَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ المتن على أن تصحيح بن حَزْمٍ لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي جَنْبِ تَضْعِيفِ هَؤُلَاءِ الْحُفَّاظِ النُّقَّادِ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ عَلَى تَرْكِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَنَسْخِهِ فِي غَيْرِ الِافْتِتَاحِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَوْ تَنَزَّلْنَا وَسَلَّمْنَا أن حديث بن مَسْعُودٍ هَذَا صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ بن مَسْعُودٍ قَدْ نَسِيَهُ كَمَا قَدْ نَسِيَ أُمُورًا كَثِيرَةً قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ نَقْلًا عَنْ صَاحِبِ التَّنْقِيحِ لَيْسَ فِي نِسْيَانِ بن مسعود لذلك ما يستغرب قد نسي بن

مَسْعُودٍ مِنَ الْقُرْآنِ مَا لَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ بَعْدُ وَهِيَ الْمُعَوِّذَتَانِ وَنَسِيَ مَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى نَسْخِهِ كَالتَّطْبِيقِ وَنَسِيَ كَيْفَ قِيَامُ الِاثْنَيْنِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الصُّبْحَ يَوْمَ النَّحْرِ فِي وَقْتِهَا وَنَسِيَ كَيْفِيَّةَ جَمْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ وَنَسِيَ مَا لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِيهِ مِنْ وَضْعِ الْمِرْفَقِ وَالسَّاعِدِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ وَنَسِيَ كَيْفَ كَانَ يَقْرَأُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأنثى وإذا جاز على بن مَسْعُودٍ أَنْ يَنْسَى مِثْلَ هَذَا فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ لَا يَجُوزُ مِثْلُهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ انتهى ولو سلم أن بن مَسْعُودٍ لَمْ يَنْسَ فِي ذَلِكَ فَأَحَادِيثُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ لِأَنَّهَا قَدْ جَاءَتْ عَنْ عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَتَّى قَالَ السُّيُوطِيُّ إِنَّ حَدِيثَ الرَّفْعِ مُتَوَاتِرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا قَبْلُ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ إِنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ كَثْرَةُ عَدَدِ الرُّوَاةِ وَشُهْرَةُ الْمَرْوِيِّ حَتَّى إِذَا كَانَ أَحَدُ الْخَبَرَيْنِ يَرْوِيهِ وَاحِدٌ وَالْآخَرُ يَرْوِيهِ اثْنَانِ فَالَّذِي يَرْوِيهِ اثْنَانِ أَوْلَى بِالْعَمَلِ بِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ وَمِمَّا يُرَجَّحُ بِهِ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى الْآخَرِ كَثْرَةُ الْعَدَدِ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَهِيَ مُؤَثِّرَةٌ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهَا تُقَرِّبُ مِمَّا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَهُوَ التَّوَاتُرُ انتهى ثم حديث بن مَسْعُودٍ لَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي غَيْرِ الِافْتِتَاحِ بَلْ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عدم وجوبه قال بن حَزْمٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الْمَذْكُورِ فِيمَا تَقَدَّمَ مَا لَفْظُهُ إِنْ صَحَّ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَلَا تَعَارُضَ بينه وبين حديث بن عُمَرَ وَغَيْرِهِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا كُلُّهُ عَلَى تقدير التنزل وإلا فحديث بن مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ كَمَا عَرَفْتَ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وبن عُمَرَ وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى آثَارِ هَؤُلَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّهُ منسوخ بحديث بن مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءِ وَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّهُمَا ضَعِيفَانِ لَا يَقُومُ بِهِمَا الْحُجَّةُ اسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَثَرِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ قُلْتُ فِيهِ أَنَّ هَذَا الْأَثَرَ بِهَذَا اللَّفْظِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ

الحاكم رواه بن الْحَسَنُ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبْجَرَ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ بِلَفْظِ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ بِلَفْظِ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ لَيْسَ فِيهِ ثُمَّ لَا يَعُودُ وَقَدْ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ انْتَهَى ثُمَّ هَذَا الْأَثَرُ يعارضه رواية طاؤس عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَاعْتَرَضَهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ شَاذَّةٌ لَا يَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ فَلَا تُعَارَضُ بها الأخبار الصحيحة عن طاؤس بن كيسان عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ في الدراية ويعارضه رواية طاؤس عن بن عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ وَعِنْدَ الرفع منه انتهى قلت ولرواية طاؤس شَاهِدٌ ضَعِيفٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ انْتَهَى تَنْبِيهٌ زَعَمَ النِّيمَوِيُّ أَنَّ زِيَادَةَ قَوْلِهِ إِنَّ عُمَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ عن بن عُمَرَ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ هِيَ سَهْوٌ غَيْرُ صحيحة قال والصواب هكذا عن طاؤس بن كيسان عن بن عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَخْ وَقَدْ قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِنْ نَصْبِ الراية ويعارضه رواية طاؤس عن بن عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرِ فِي الركوع وعند الرفع منه وقال بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَارَضَهُ الْحَاكِمُ بِرِوَايَةِ طاؤس بن كيسان عن بن كيسان عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَخْ قَالَ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ الْحَاكِمَ عارضه برواية بن عُمَرَ لَا بِرِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ انْتَهَى كَلَامُ النِّيمَوِيِّ قُلْتُ دَعْوَى السَّهْوِ فِي زِيَادَةِ قَوْلِهِ إِنَّ عُمَرَ بَاطِلَةٌ جِدًّا كَيْفَ وَقَدْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشُذُوذِ أَثَرِ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ قَالَ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثم لا يعود برواية طاؤس عن بن عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ إِنَّ عمر في رواية طاؤس صَحِيحٌ ثَابِتٌ فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِشُذُوذِ أَثَرِ صَحَابِيٍّ بِأَثَرِ صَحَابِيٍّ آخَرَ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَافِظِ في الدراية ويعارض رواية طاؤس عن بن عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَخْ فَحَذَفَ الْحَافِظُ لَفْظَ إِنَّ عُمَرَ اخْتِصَارًا وَالضَّمِيرُ فِي كَانَ يرجع إلى عمر وكذلك فعل بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمِثْلُ هَذَا الْحَذْفِ شَائِعٌ اخْتِصَارًا وَاعْتِمَادًا عَلَى الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَثَرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ الطحاوي وبن أبي شيبة والبيهقي عن عاصم بن كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ مِنَ الصَّلَاةِ ثُمَّ لَا يَرْفَعُ بَعْدُ قَالَ

الزَّيْلَعِيُّ هُوَ أَثَرٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القاريء إِسْنَادُ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قُلْتُ أَثَرُ عَلِيٍّ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هُوَ أَثَرٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ذَكَرْتُ لِلثَّوْرِيِّ حَدِيثَ النَّهْشَلِيِّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ فَأَنْكَرَهُ انْتَهَى قُلْتُ وَانْفَرَدَ بِهَذَا الْأَثَرِ عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ كَانَ مِنَ الْعُبَّادِ الأولياء لكنه مرجىء وثقه يحيى بن معين وغيره وقال بن الْمَدِينِيِّ لَا يُحْتَجُّ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ انْتَهَى وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ أَثَرَ عَلِيٍّ هَذَا صَحِيحٌ فَهُوَ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ كَمَا زَعَمَ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ رِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ عَلِيٌّ لِيَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ ثُمَّ يَتْرُكُ إِلَّا وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَهُ نَسْخُهُ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ عَلِيٍّ وَكَذَا ترك بن مَسْعُودٍ وَتَرْكُ غَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ إِنْ ثَبَتَ عَنْهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا الرَّفْعَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً يَلْزَمُ الْأَخْذُ بِهَا وَلَا يَنْحَصِرُ ذَلِكَ فِي النسخ بل لا يجترء بِنَسْخِ أَمْرٍ ثَابِتٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُجَرَّدِ حُسْنِ الظَّنِّ بِالصَّحَابِيِّ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ فِعْلِ الرَّسُولِ وَفِعْلِهِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بأثر بن عُمَرَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ صليت خلف بن عُمَرَ فَلَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي التكبيرة الأولى من الصلاة قلت أثر بن عُمَرَ هَذَا ضَعِيفٌ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ فِي سَنَدِهِ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ وَكَانَ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ بِأَخَرَةٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ شَاذٌّ فَإِنَّ مجاهدا خالف جميع أصحاب بن عُمَرَ وَهُمْ ثِقَاتٌ حُفَّاظٌ وَالثَّالِثُ أَنَّ إِمَامَ هَذَا الشَّأْنِ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ قَالَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ حُصَيْنٍ إِنَّمَا هُوَ تَوَهُّمٌ مِنْهُ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَيُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أنه لم ير بن عُمَرَ رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرِ وَرَوَى عَنْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْ من بن عُمَرَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ سَهَا أَلَا تَرَى أن بن عُمَرَ كَانَ يَرْمِي مَنْ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ بالحصى فكيف يترك بن عُمَرَ شَيْئًا يَأْمُرُ بِهِ غَيْرَهُ وَقَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ حُصَيْنٍ إِنَّمَا هُوَ تَوَهُّمٌ مِنْهُ لَا أَصْلَ لَهُ انْتَهَى مُخْتَصَرًا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ حَدِيثُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ هَذَا أَخْبَرَنَاهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ فَذَكَرَهُ بِسَنَدِهِ ثُمَّ أَسْنَدَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ اخْتَلَطَ بِأَخَرَةٍ وقد رواه الربيع والليث وطاؤس وسالم ونافع وأبو الزبير ومحارب بن دثار وغيرهم قالوا رأينا بن عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ

إِذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ وَكَانَ يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرٍ قَدِيمًا عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ بن مسعود مرسلا موقوفا أن بن مَسْعُودٍ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ ثُمَّ لَا يَرْفَعُهُمَا بَعْدُ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَالْأَوَّلُ خَطَأٌ فاحش لمخالفته الثقات من أصحاب بن عُمَرَ قَالَ الْحَاكِمُ كَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ ثُمَّ اخْتَلَطَ حِينَ سَاءَ حِفْظُهُ فَرَوَى مَا خُولِفَ فِيهِ فَكَيْفَ يجوز دعوى نسخ حديث بن عُمَرَ بِمِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ أَوْ نَقُولُ إِنَّهُ تَرَكَ مَرَّةً لِلْجَوَازِ إِذْ لَا يَقُولُ بِوُجُوبِهِ فَفِعْلُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَتَرْكُهُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ انْتَهَى كَذَا فِي نصب الراية للزيلعي وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَعَوَّلُوا على رواية مجاهد أنه صلى خلف بن عُمَرَ فَلَمْ يَرَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأُجِيبُوا بِالطَّعْنِ فِي إِسْنَادِهِ لِأَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ رَاوِيهِ سَاءَ حِفْظُهُ بِأَخَرَةٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَقَدْ أَثْبَتَ ذَلِكَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ وَغَيْرُهُمَا وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى مِنْ وَاحِدٍ لَا سِيَّمَا وَهُمْ مُثْبِتُونَ وَهُوَ نَافٍ مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ مُمْكِنٌ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَاجِبًا فَفَعَلَهُ تَارَةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى مُوَطَّأِ مُحَمَّدٍ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ أُصُولِ أَصْحَابِنَا أَنَّ مجاهدا قال صحبت بن عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ فَلَمْ أَرَهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلا مرة وقالوا قد روى بن عُمَرَ حَدِيثَ الرَّفْعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَهُ وَالصَّحَابِيُّ الرَّاوِي إِذَا تَرَكَ مَرْوِيًّا ظَاهِرًا فِي مَعْنَاهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ لِلتَّأْوِيلِ يَسْقُطُ الِاحْتِجَاجُ بِالْمَرْوِيِّ وَقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ بن عُمَرَ فَلَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنَ الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ فَهَذَا بن عُمَرَ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ ثُمَّ قَدْ تَرَكَ الرَّفْعَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَكُونُ ذلك إلا وقد ثبت عنده نسخه وههنا أَبْحَاثٌ الْأَوَّلُ مُطَالَبَةُ إِسْنَادِ مَا نَقَلُوهُ عَنْ مُجَاهِدٍ مِنْ أَنَّهُ صَحِبَ عَشْرَ سِنِينَ وَلَمْ ير بن عُمَرَ فِيهَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي التَّكْبِيرِ الأول الثاني المعارضة بخبر طاؤس وغيره من الثقات أنهم رأوا بن عُمَرَ يَرْفَعُ وَالثَّالِثُ إِنَّ فِي طَرِيقِ الطَّحَاوِيِّ أبو بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ لَا تُوَازِي رِوَايَتُهُ رِوَايَةَ غَيْرِهِ مِنَ الثِّقَاتِ قَالَ البيهقي في كتاب المعرفة بعد ما أخرج حديث مجاهد من طريق بن عَيَّاشٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ اختلط بآخره وقد رواه الربيع وليث وطاؤس وسالم ونافع وأبو الزبير ومحارب بن دثار وغيرهم قالوا رأينا بن عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ وَإِذَا رَفَعَ ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْبَيْهَقِيِّ إِلَى آخِرِ مَا نَقَلْتُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قُلْتَ آخِذًا مِنْ شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ إِنَّهُ يَجُوزُ أن

يكون بن عمر فعل ما راه طاؤس قَبْلَ أَنْ تَقُومَ الْحُجَّةُ بِنَسْخِهِ ثُمَّ لَمَّا ثبت الْحُجَّةُ بِنَسْخِهِ عِنْدَهُ تَرَكَهُ وَفَعَلَ مَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ قُلْتُ هَذَا مِمَّا لَا يَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَإِنَّ لِقَائِلٍ أَنْ يُعَارِضَ وَيَقُولَ يَجُوزُ أن يكون فعل بن عُمَرَ مَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ الحجة بلزوم الرفع ثم لما ثبت عنده الْتَزَمَ الرَّفْعَ عَلَى أَنَّ احْتِمَالَ النَّسْخِ احْتِمَالٌ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ فَلَا يُسْمَعُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ الدَّلِيلُ هُوَ خِلَافُ الرَّاوِي مَرْوِيَّهُ قُلْنَا لَا يُوجِبُ ذَلِكَ النَّسْخَ كَمَا مَرَّ وَالرَّابِعُ وَهُوَ أَحْسَنُهَا أَنَّا سَلَّمْنَا ثُبُوتَ التَّرْكِ عَنِ بن عُمَرَ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِعَدَمِ رِوَايَةِ الرَّفْعِ سُنَّةً لَازِمَةً فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي ثُبُوتِ الرَّفْعِ عَنْهُ وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخَامِسُ أَنَّ تَرْكَ الرَّاوِي مَرْوِيَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ مُسْقِطًا لِلِاحْتِجَاجِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا كَانَ خِلَافَهُ بيقين كما هو مصرح في كتبهم وههنا لَيْسَ كَذَلِكَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الرَّفْعُ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حمله بن عُمَرَ عَلَى الْعَزِيمَةِ وَتَرَكَ أَحْيَانًا بَيَانًا لِلرُّخْصَةِ فَلَيْسَ تَرْكُهُ خِلَافًا لِرِوَايَتِهِ بِيَقِينٍ انْتَهَى مَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ وَلَنَا مَا فِي الطَّحَاوِيِّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ عن بن أَبِي زِيَادٍ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ مَا رَأَيْتُ فَقِيهًا قَطُّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي غَيْرِ تَكْبِيرِ التَّحْرِيمَةِ انْتَهَى قُلْتُ لَعَلَّ قَوْلَ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ هَذَا إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ مَا سَاءَ حِفْظُهُ وَاخْتَلَطَ كَيْفَ وَقَدِ اعْتَرَفَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ بِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الرَّفْعُ تَوَاتُرًا عَمَلًا لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ إِنْكَارُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ أَجْمَعَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ ذَلِكَ إِلَّا أَهْلَ الْكُوفَةِ كَمَا عَرَفْتَ وقال ولنا حديث آخر مرفوع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ فِي خِلَافِيَّاتِ الْبَيْهَقِيِّ وَنَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّخْرِيجِ وَقَالَ الْحَاكِمُ إِنَّهُ مَوْضُوعٌ وَلَمْ أَطَّلِعْ عَلَى أَوَّلِ إِسْنَادِهِ (إِلَى قَوْلِهِ) فَلَعَلَّ إِسْنَادَهُ قَوِيٌّ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ بن عُمَرَ هَذَا بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ خِلَافِيَّاتِ الْبَيْهَقِيِّ مَا لَفْظُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُذْكَرَ إِلَّا عَلَى سَبِيلِ الْقَدْحِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ وَنَقَلَ عَنِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ فَهَدَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى هؤلاء المقلدين الذين يتركون حديث بن عُمَرَ الصَّحِيحَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ وَيَتَمَسَّكُونَ بِحَدِيثِهِ الَّذِي حَكَمَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ وَلَا سِيَّمَا هَذَا الْمُقَلِّدُ الَّذِي مَعَ عَدَمِ

اطِّلَاعِهِ عَلَى أَوَّلِ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْحَاكِمَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ يَرْجُو أَنَّ إِسْنَادَهُ قَوِيٌّ وَيَتَمَسَّكُ بِهِ وَقَالَ وَلَنَا حَدِيثٌ آخَرُ مُرْسَلٌ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَبَّادٌ تَابِعِيٌّ قَالَ لَمْ يَرْفَعِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَمَرَّ عَلَيْهِ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَقَالَ وَلْيُنْظَرْ فِي إِسْنَادِهِ وَإِنِّي رَأَيْتُ السَّنَدَ وَبَدَا لِي فِي نَصْبِ الرَّايَةِ سَهْوَ الْكَاتِبِ فَإِنَّهُ كَتَبَ مُحَمَّدٌ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَالْحَقُّ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ ثِقَةٌ فَصَارَ السَّنَدُ صَحِيحًا انْتَهَى قُلْتُ لَمْ يَقُلِ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَلْيُنْظَرْ فِي إِسْنَادِهِ بَلْ قَالَ وَهَذَا مُرْسَلٌ وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا مَنْ يُنْظَرُ فِيهِ فَتَكَلَّمَ الْحَافِظُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَالْمُرْسَلُ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَالثَّانِي أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُنْظَرُ فِيهِ فَكُلُّ مَنْ يَدَّعِي صِحَّةَ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ كَوْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رِجَالِ سَنَدِهِ ثِقَةً قَابِلًا لِلِاحْتِجَاجِ وَاتِّصَالَهُ وَدُونَهُ خَرْطُ الْقَتَادِ وَأَمَّا دَعْوَى سَهْوِ الْكَاتِبِ فِي مُحَمَّدٍ أَبِي يَحْيَى فَبَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهَا لَا تَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ فِيهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ مِنْ كُتُبِ الرِّجَالِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيَكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى مَنْعِ الرَّفْعِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَخْصُوصَةِ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالرَّفْعُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ إِلَى الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا تُؤَمِّنُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدُكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَمِنْ عَنْ شِمَالِهِ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْتَفِتْ إلى صاحبه ولا يومي بيديه وقال بن حِبَّانَ ذَكَرَ الْخَبَرَ الْمُتَقَصِّي لِلْقِصَّةِ الْمُخْتَصَرَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِأَنَّ الْقَوْمَ إِنَّمَا أُمِرُوا بِالسُّكُونِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الْإِشَارَةِ بِالتَّسْلِيمِ دُونَ الرَّفْعِ الثَّابِتِ عِنْدَ الرُّكُوعِ ثُمَّ رَوَاهُ كَنَحْوِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ مَنِ احْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عَلَى مَنْعِ الرَّفْعِ عِنْدَ الرُّكُوعِ فَلَيْسَ لَهُ حَظٌّ مِنَ الْعِلْمِ هَذَا مَشْهُورٌ لَا خِلَافَ فِيهِ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ فِي حَالِ التَّشَهُّدِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ الْمُخْتَصَرِ الْمَذْكُورِ مُلَخَّصُهُ وَاعْتَرَضَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي وَضَعَهُ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فَقَالَ وَأَمَّا احْتِجَاجُ بَعْضِ مَنْ لَا يَعْلَمُ

باب ما جاء في وضع اليدين على الركبتين في الركوع

بِحَدِيثِ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ الْمُخْتَصَرَ وَقَالَ وَهَذَا إِنَّمَا كَانَ فِي التَّشَهُّدِ لَا فِي الْقِيَامِ فَفَسَّرَهُ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقِبْطِيَّةِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ يَقُولُ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ حَدِيثَهُ الطَّوِيلَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لَكَانَ الرَّفْعُ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ أَيْضًا مَنْهِيًّا عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ رَفْعًا دُونَ رَفْعٍ بَلْ أَطْلَقَ انْتَهَى قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُمَا حَدِيثَانِ لَا يُفَسِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَمَا جَاءَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ وَالَّذِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَالَ التَّسْلِيمِ لَا يُقَالُ لَهُ اسْكُنْ فِي الصَّلَاةِ إِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِمَنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَهُوَ حَالَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَنَحْوِ ذَلِكَ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَالرَّاوِي رَوَى هَذَا فِي وَقْتٍ كَمَا شَاهَدَهُ وَرَوَى الْآخَرَ فِي وَقْتٍ آخَرَ كَمَا شَاهَدَهُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ بُعْدٌ انْتَهَى قُلْتُ لَمْ يُجِبِ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ وَلَوْ كَانَ كَمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لَكَانَ الرَّفْعُ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ أَيْضًا مَنْهِيًّا عَنْهُ فَمَا هُوَ جَوَابُهُ عَنْهُ فَهُوَ جَوَابُنَا عَنِ الرَّفْعِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالَّذِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَالَ التَّسْلِيمِ لَا يُقَالُ لَهُ اسْكُنْ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ بَلِ الَّذِي يَرْفَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَالِانْصِرَافِ مِنَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ حَالَ التَّسْلِيمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فَمَا لَمْ يَفْرُغْ مِنَ التَّسْلِيمِ الثَّانِي هُوَ فِي الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رَأَى رَجُلًا رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لم يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ فَتَفَكَّرْ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ فِي الرُّكُوعِ) [258] قَوْلُهُ (نَا أَبُو حَصِينٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ الْكُوفِيُّ الْأَسَدِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَثْبَاتِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ سُنِّيٌّ وَرُبَّمَا دَلَّسَ مِنَ الرَّابِعَةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَبُو شِهَابٍ الْخَيَّاطُ سَمِعْتُ أَبَا حَصِينٍ يَقُولُ إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُفْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَوْ وَرَدَتْ عَلَى عُمَرَ لَجَمَعَ لَهَا أَهْلَ بَدْرٍ مَاتَ سَنَةَ 128 ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السَّلَمِيِّ) بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ كَذَا فِي الْمُغْنِي اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ الْكُوفِيُّ مشهور بكنيته

ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ قَوْلُهُ (إِنَّ الرُّكَبَ) جَمْعُ رُكْبَةٍ (سُنَّتْ لَكُمْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الرُّكَبِ أَيْ سُنَّ أَخْذُهَا لَكُمْ فَفِيهِ مَجَازُ الْحَذْفِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ قَالَ عُمَرُ إِنَّمَا السُّنَّةُ الْأَخْذُ بِالرُّكَبِ (فَخُذُوا بِالرُّكَبِ) أَيْ فِي الرُّكُوعِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ كُنَّا إِذَا رَكَعْنَا جَعَلْنَا أَيْدِيَنَا بَيْنَ أَفْخَاذِنَا فَقَالَ عُمَرُ إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ الْأَخْذَ بِالرُّكَبِ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الرَّفْعِ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا قَالَ السُّنَّةُ كَذَا أَوْ سُنَّ كَذَا كَانَ الظَّاهِرُ انْصِرَافَ ذَلِكَ إِلَى سُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا سِيَّمَا إِذَا قَالَهُ مِثْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَهَى قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي حُمَيْدٍ وَأَبِي أَسِيدٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَأَبِي مَسْعُودٍ (أَمَّا حديث سعد وهو بن أَبِي وَقَاصٍّ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ) وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ وهو بن مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ السَّرْهَنْدِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فِي بَيَانِ هَيْئَةِ الرُّكُوعِ وَوَضْعِ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا وَقَدْ سُمِّيَ مِنَ الْعَشَرَةِ أَبُو أَسِيدٍ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (إِلَّا مَا رُوِيَ عن بن مَسْعُودٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُطَبِّقُونَ) رَوَاهُ عَنْهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَوَضَعْنَا

أَيْدِيَنَا عَلَى رُكَبِنَا فَضَرَبَ أَيْدِيَنَا ثُمَّ طَبَّقَ بين يديه ثم جعلهما بين فخذيه فلما صَلَّى قَالَ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُمِلَ هَذَا عَلَى أَنَّ بن مَسْعُودٍ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ قَوْلُهُ (وَالتَّطْبِيقُ مَنْسُوخٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) التَّطْبِيقُ هُوَ إِلْصَاقٌ بَيْنَ بَاطِنَيِ الْكَفَّيْنِ وَجَعْلُهُمَا بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَى نَسْخِ التَّطْبِيقِ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ قَالَ سَعْدُ بْنُ أبي وقاص إلخ وروى بن خُزَيْمَةَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ طَبَّقَ يَدَيْهِ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ فَرَكَعَ فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدًا فَقَالَ صَدَقَ أَخِي كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا ثُمَّ أُمِرْنَا بِهَذَا يَعْنِي الْإِمْسَاكَ بِالرُّكَبِ قَالَ الْحَافِظُ فَهَذَا شَاهِدٌ قَوِيٌّ لِطَرِيقِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ مَا يُوَافِقُ قَوْلَ سَعْدٍ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ قَالَ صَلَّيْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ فَطَبَّقَ ثُمَّ لَقِينَا عُمَرَ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ فَطَبَّقْنَا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ ذَلِكَ الشَّيْءُ كُنَّا نَفْعَلُهُ ثُمَّ تُرِكَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ التَّطْبِيقِ مِنْ طَرِيقَيْنِ مَا لَفْظُهُ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ فَذَهَبَ نَفَرٌ إِلَى الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ كَافَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَرَأَوْا أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ بن مَسْعُودٍ كَانَ مُحْكَمًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نسخ ولم يبلغ بن مَسْعُودٍ نَسْخُهُ وَعَرَفَ ذَلِكَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فَرَوَوْهُ وَعَمِلُوا بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ أَبِي فَلَمَّا رَكَعْتُ جَعَلْتُ يَدَيَّ بَيْنَ رُكْبَتَيَّ فَنَحَّاهُمَا فَعُدْتُ فَنَحَّاهُمَا وَقَالَ إِنَّا كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا فَنُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ الْأَيْدِيَ عَلَى الرُّكَبِ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ عَنْ شُعْبَةَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ وَلَهُ طُرُقٌ فِي كُتُبِ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ رَكَعَ فَطَبَّقَ وَوَضَعَ يَدَيْهِ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدًا فَقَالَ صَدَقَ أَخِي كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا ثُمَّ أُمِرْنَا بِهَذَا وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَالَ فَفِي إِنْكَارِ سَعْدٍ حُكْمَ التَّطْبِيقِ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِثُبُوتِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَفِيهِمُ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيُّ [259] (قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ كُنَّا نَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَازِمِيِّ

باب ما جاء أنه يجافي يديه عن جنبيه في الركوع

78 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ يُجَافِي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي الرُّكُوعِ) [260] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَرَ ثِقَةٌ (حَدَّثَنَا فُلَيْحُ) بِضَمِّ الْفَاءِ مُصَغَّرًا (بْنُ سُلَيْمَانَ) بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ الْخُزَاعِيُّ أَوِ الْأَسْلَمِيُّ أَوْ يَحْيَى الْمَدَنِيُّ وَيُقَالُ فُلَيْحٌ لَقَبٌ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ مِنَ السَّابِعَةِ مَاتَ سَنَةَ 861 ثَمَانٍ وَسِتِّينَ ومائة (حدثنا عَبَّاسُ بْنُ سَهْلِ) بْنِ سَعْدٍ السَّعْدِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (قَالَ اجْتَمَعَ أَبُو حُمَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (وَأَبُو أُسَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ أَيْضًا (وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ) كَذَا ذَكَرَ عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ فِي رِوَايَتِهِ اجْتِمَاعَ أَبِي حُمَيْدٍ مَعَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ سَمِعْتُهُ وَهُوَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدُهُمْ أَبُو قَتَادَةَ بْنُ رِبْعِيٍّ يَقُولُ أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ وَتَأْتِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ فِي بَابِ وَصْفِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (وَوَتَّرَ يَدَيْهِ) مِنَ التَّوْتِيرِ وَهُوَ جَعْلُ الْوَتَرِ عَلَى الْقَوْسِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ جَعَلَهُمَا كَالْوِتْرِ مِنْ قَوْلِكَ وَتَّرْتَ الْقَوْسَ وَأَوْتَرْتَهُ شَبَّهَ يَدَ الرَّاكِعِ إِذَا مَدَّهَا قَابِضًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ بِالْقَوْسِ إِذَا أُوتِرَتْ انْتَهَى (فَنَحَّاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ) مِنْ نَحَّى يُنَحِّي تَنْحِيَةً إِذَا أَبْعَدَ يَعْنِي أَبْعَدَ يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ حَتَّى كَانَتْ يَدُهُ كَالْوِتْرِ وَجَنْبُهُ كَالْقَوْسِ

باب ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَنَسٍ كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِسِرَاجِ أَحْمَدَ السَّرْهَنْدِيِّ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ التِّرْمِذِيِّ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْبِيحِ فِي الركوع والسجود) [261] قوله (عن بن أَبِي ذِئْبٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ (عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ الْهُذَلِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ (عَنْ عَوْنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ) بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (وَذَلِكَ أَدْنَاهُ) أَيْ أَدْنَى تَمَامِ رُكُوعِهِ قَالَ بن الْمَلَكِ أَيْ أَدْنَى الْكَمَالِ فِي الْعَدَدِ وَأَكْمَلُهُ سَبْعُ مَرَّاتٍ فَالْأَوْسَطُ خَمْسُ مَرَّاتٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إِنَّ الْكَمَالَ إِحْدَى عَشْرَةَ أَوْ تِسْعٌ وَأَوْسَطَهُ خَمْسٌ وَلَوْ سَبَّحَ مَرَّةً مَرَّةً حَصَلَ التَّسْبِيحُ انْتَهَى وَقِيلَ إِنَّ الْكَمَالَ عَشْرُ تَسْبِيحَاتٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ

هَذَا الْفَتَى يَعْنِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قال فحذرنا فِي رُكُوعِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ وَفِي سُجُودِهِ عَشْرَ تَسْبِيحَاتٍ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ كَمَالَ التَّسْبِيحِ عَشْرُ تَسْبِيحَاتٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَزِيدُ فِي التَّسْبِيحِ مَا أَرَادَ وَكُلَّمَا زَادَ كَانَ أَوْلَى وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي تَطْوِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاطِقَةٌ بِهَذَا وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ إِذَا كَانَ الْمُؤْتَمُّونَ لَا يَتَأَذَّوْنَ بِالتَّطْوِيلِ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ الْأَوْلَى لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يَقْتَصِرَ فِي التَّسْبِيحِ عَلَى قَدْرِ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في صَلَوَاتِهِ الطَّوِيلَةِ مُنْفَرِدًا وَأَمَّا الْإِمَامُ فَالْأَوْلَى لَهُ بَلِ الْمُتَعَيَّنُ لَهُ التَّخْفِيفُ فِي تَمَامٍ وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمُؤْتَمُّونَ لَا يَتَأَذَّوْنَ بِالتَّطْوِيلِ فَهَلْ يَزِيدُ الْإِمَامُ فِي التَّسْبِيحِ مَا أَرَادَ وَيُطَوِّلُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَا شَاءَ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ أَوْ يُخَفِّفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا فقال بن عَبْدِ الْبَرِّ يَنْبَغِي لِكُلِّ إِمَامٍ أَنْ يُخَفِّفَ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ عَلِمَ قوة من خلفه فإنه لايدري مَا يَحْدُثُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَادِثٍ وَشُغُلٍ وَعَارِضٍ وَحَاجَةٍ وَحَدَثٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي بَابِ إِذَا أَمَّ أَحَدُكُمُ النَّاسَ فَلْيُخَفِّفْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ مسلم والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ فَسَبِّحْ بِاسْمِ ربك العظيم قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ سَبِّحِ اسم ربك الأعلى قَالَ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ قَوْلُهُ (لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ) وَمَعَ عَدَمِ اتِّصَالِ السَّنَدِ فِيهِ إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا عرفت وقال الشوكاني قال بن سَيِّدِ النَّاسِ لَا نَعْلَمُهُ وُثِّقَ وَلَا عُرِفَ إلا برواية بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْهُ خَاصَّةً فَلَمْ تَرْتَفِعْ عَنْهُ الجهالة العينية ولا الحالية انتهى وحديث بن مَسْعُودٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وبن ماجه

قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ لَا يَنْقُصَ الرَّجُلُ فِي الرُّكُوعِ والسجود من ثلاث تسبيحات) واستدل على ذلك بحديث بن مسعود المذكور وقد عرفت أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَمَعَ انْقِطَاعِهِ فِي سَنَدِهِ مَجْهُولٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَبِّحُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثًا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَقَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي بَكْرَةَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ صَالِحُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَبِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى ثَلَاثًا رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ الْبَزَّارُ لَا يُرْوَى عَنْ جُبَيْرٍ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ صَالِحٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَبِحَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صَلَّى فَلَمَّا رَكَعَ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَفِيهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَفِيهِ بَعْضُ كَلَامٍ وَقَدْ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ بِمَجْمُوعِهَا تَصْلُحُ بِأَنْ يُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى اسْتِحْبَابِ أَنْ لَا يَنْقُصَ الرَّجُلُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مِنْ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وروى عن بن الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ أَسْتَحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُسَبِّحَ خَمْسَ تَسْبِيحَاتٍ إِلَخْ) قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النيل بعد نقل قول بن الْمُبَارَكِ هَذَا عَنِ التِّرْمِذِيِّ وَنَقَلِ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيِّ الَّذِي تَقَدَّمَ مَا لَفْظُهُ لَا دَلِيلَ عَلَى تَقْيِيدِ الْكَمَالِ بِعَدَدٍ مَعْلُومٍ بَلْ يَنْبَغِي الِاسْتِكْثَارُ مِنَ التَّسْبِيحِ عَلَى مِقْدَارِ تَطْوِيلِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعَدَدٍ وَأَمَّا إِيجَابُ سُجُودِ السَّهْوِ فِيمَا زَادَ عَلَى التِّسْعِ وَاسْتِحْبَابُ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ التَّسْبِيحِ وِتْرًا لَا شَفْعًا فِيمَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ فَمِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ انْتَهَى

(وَهَكَذَا قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ مَخْلَدٍ الْحَنْظَلِيُّ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ رَاهَوَيْهِ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مُجْتَهِدٌ قَرِينُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَهُ الحافظ [262] قوله (حدثنا أبو داود) هوالطيالسي اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ (عَنِ الْأَعْمَشِ) هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ (قَالَ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ السَّلَمِيُّ أَبُو حَمْزَةَ الْكُوفِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (يُحَدِّثُ عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وإسكان المهملة وفتح المثناة وكسر الراء بن الأحنف الكوفي وثقه بن الْمَدِينِيِّ (عَنْ صِلَةَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ اللَّامِ الخفيفة (بن زُفَرَ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْفَاءِ الْعَبْسِيِّ بِالْمُوَحَّدَةِ الْكُوفِيِّ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ ثِقَةٌ جَلِيلٌ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ إِلَخْ فَظَهَرَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ الَّتِي صَلَّى حُذَيْفَةُ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ صَلَاةَ اللَّيْلِ (إِلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ) أَيِ الرَّحْمَةَ (إِلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ) أَيْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى النَّوَافِلِ قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ كَمَا عَرَفْتَ وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ وُقُوفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُؤَالَهُ عِنْدَ الْإِتْيَانِ عَلَى آيَةِ الرَّحْمَةِ وَكَذَا وُقُوفَهُ وَتَعَوُّذَهُ عِنْدَ الْإِتْيَانِ عَلَى آيَةِ الْعَذَابِ كَانَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب ما جاء في النهي عن القراءة في الركوع والسجود

80 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ [264]) قَوْلُهُ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا الْهَاشِمِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِيهِ) ثِقَةٌ قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ) قَالَ الْبَاجِيُّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ قَالَ فَسَّرَهُ بن وَهْبٍ بِأَنَّهَا ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ يُرِيدُ مُخَطَّطَةً بِالْحَرِيرِ وَكَانَتْ تُعْمَلُ بِالْقَسِّ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِمِصْرَ يَلِي الْفَرَمَا وَفِي النِّهَايَةِ هِيَ ثِيَابٌ مِنْ كَتَّانٍ مَخْلُوطٍ بِالْحَرِيرِ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ نُسِبَتْ إِلَى قَرْيَةٍ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ قَرِيبًا مِنْ تِنِّيسٍ يُقَالُ لَهَا الْقَسُّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَكْسِرُهَا وَقِيلَ أَصْلُ الْقَسِّيِّ الْقَزِّيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَزِّ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْإِبْرَيْسَمِ أبدل الزاء سِينًا كَذَا فِي تَنْوِيرِ الْحَوَالِكِ (وَالْمُعَصْفَرِ) أَيْ مَا صُبِغَ بِالْعُصْفُرِ (وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ) النَّهْيُ عَنْهُمَا لِلرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ (وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمَّا كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَهُمَا فِي غَايَةِ الذُّلِّ وَالْخُضُوعِ مَخْصُوصَيْنِ بِالذِّكْرِ وَالتَّسْبِيحِ نَهَى عَنِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَفِيهِ أَلَا وَإِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا وَسَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لكم

باب ما جاء فيمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود

قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وبن مَاجَهْ 1196196196 196 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ [265]) قَوْلُهُ (عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ) التَّيْمِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْأَزْدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ) الْبَدْرِيِّ اسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ مَاتَ قَبْلَ الْأَرْبَعِينَ وَقِيلَ بعدها قوله لا تجزيء صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا يَعْنِي صُلْبَهُ أي أظهره أَيْ لَا يَجُوزُ صَلَاةُ مَنْ لَا يُسَوِّي ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْمُرَادُ الطُّمَأْنِينَةُ قَالَهُ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الْأَرْكَانِ وَاعْتَذَرَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ بِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى النَّصِّ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ مُطْلَقُ السُّجُودِ فَيَصْدُقُ بِغَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ فَالطُّمَأْنِينَةُ زِيَادَةٌ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْمُتَوَاتِرِ بِالْآحَادِ لَا تُعْتَبَرُ وَعُورِضَ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ زِيَادَةً لَكِنْ لِبَيَانِ الْمُرَادِ بِالسُّجُودِ وَأَنَّهُ خَالَفَ السجود اللغوي لأنه مجدد وَضْعِ الْجَبْهَةِ فَبَيَّنَتِ السُّنَّةُ أَنَّ السُّجُودَ الشَّرْعِيَّ مَا كَانَ بِالطُّمَأْنِينَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ تَأْكِيدًا لِوُجُوبِ السُّجُودِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ مَعَهُ يُصَلُّونَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِغَيْرِ طُمَأْنِينَةٍ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَرِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ علي بن شيبان فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُقِمْ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَمَّا حَدِيثُ

أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَلَفْظُهُ أَقِيمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَرَاكُمْ مِنْ بَعْدِي وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ رِفَاعَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ أَيْضًا قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ إِلَخْ) فَعِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الْأَرْكَانِ فَرْضٌ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ الْحَافِظُ وَاشْتُهِرَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ سُنَّةٌ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ مُصَنِّفِيهِمْ لَكِنَّ كَلَامَ الطَّحَاوِيِّ كَالصَّرِيحِ فِي الْوُجُوبِ عِنْدَهُمْ فَإِنَّهُ تَرْجَمَ مِقْدَارَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فِي الرُّكُوعِ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ قَالَ فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ هَذَا مِقْدَارُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يُجْزِئُ أدنى منه قال وخالفهم آخرون فقالوا إذا استوى راكعا واطمأن ساجدا أجزأ ثم قال وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ تَعْدِيلُ الْأَرْكَانِ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهَا فَرْضٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَقِيلَ وَاجِبٌ وَقِيلَ سُنَّةٌ قَالَ صَاحِبُ السِّعَايَةِ ص 142 ج 2 بَعْدَ ذِكْرِ عِبَارَاتِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ مَا لَفْظُهُ وَجُمْلَةُ الْمَرَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ رُكْنَانِ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اطْمِئْنَانِهِمَا فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ فَرْضٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ فَرْضٌ عَلَى مَا نَقَلَهُ الطَّحَاوِيُّ وَسُنَّةٌ عَلَى تَخْرِيجِ الْجُرْجَانِيِّ وَاجِبٌ عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ وَهُوَ الَّذِي نقله جمع

عَظِيمٌ عَنْهُمَا وَعَلَيْهِ الْمُتُونُ وَالْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ وَالِاطْمِئْنَانُ فِيهِمَا كُلٌّ مِنْهَا فَرْضٌ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقُدَمَاءُ وَاجِبٌ عَلَى مَا حققه المتأخرون ومقتضى القاعدة المشهورة أن تقوم الْقَوْمَةُ وَالْجِلْسَةُ وَاجِبَتَيْنِ وَالِاطْمِئْنَانُ فِيهِمَا سُنَّةً لَكِنْ لَا عِبْرَةَ بِهَا بَعْدَ تَحْقِيقِ الْحَقِّ انْتَهَى كَلَامُهُ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْفَرْضِيَّةِ بِحَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِفَرْضِيَّةِ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَبِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَرَدَّ وَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ الْحَدِيثَ وَفِيهِ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَافْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ نَحْوَهُ وَفِيهِ فَإِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ وَمَا انْتَقَصْتَ مِنْ هَذَا شَيْئًا فَإِنَّمَا انْتَقَصْتَهُ من صلاتك ورواه بن أَبِي شَيْبَةَ وَفِيهِ دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً لَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَلَا سُجُودَهَا وَاسْمُ هَذَا الرَّجُلِ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ التَّعْدِيلَ مِنَ الْأَرْكَانِ بِحَيْثُ إِنَّ فَوْتَهُ يُفَوِّتُ أَصْلَ الصَّلَاةِ وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ لَمْ تُصَلِّ فَإِنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ خَلَّادَ بْنَ رَافِعٍ لَمْ يَكُنْ تَرَكَ رُكْنًا مِنَ الْأَرْكَانِ الْمَشْهُورَةِ إِنَّمَا تَرَكَ التَّعْدِيلَ وَالِاطْمِئْنَانَ فَعُلِمَ أَنَّ تَرْكَهُ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ بِوُجُوهٍ كُلِّهَا مَخْدُوشَةٍ مِنْهَا مَا قَالُوا إِنَّ آخِرَ حَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّةِ التَّعْدِيلِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَمَا نَقَصْتَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّمَا نَقَصْتَهُ مِنْ صَلَاتِكَ فَلَوْ كَانَ تَرْكُ التَّعْدِيلِ مُفْسِدًا لَمَا سَمَّاهُ صَلَاةً كَمَا لَوْ تَرَكَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ وَرَدَّهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ إِنَّمَا سَمَّاهُ صَلَاةً بِحَسَبِ زَعْمِ الْمُصَلِّي كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِضَافَةُ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَمَا نَقَصْتَ شَيْئًا مِنْ هَذَا أَيْ مِمَّا ذُكِرَ سَابِقًا وَمِنْهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ أَيْضًا فَيَلْزَمُ أن تسمى مالا رُكُوعَ فِيهِ أَوْ لَا سُجُودَ فِيهِ أَيْضًا صلاة بعين التقرير المذكور وإذ لَيْسَ فَلَيْسَ انْتَهَى وَمِنْهَا مَا قَالُوا إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى فَرْضِيَّةِ التَّعْدِيلِ بَلْ عَلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم ترك الأعرابي حين فرغ عن صَلَاتِهِ وَلَوْ كَانَ مَا تَرَكَهُ رُكْنًا لَفَسَدَتْ صَلَاتُهُ فَكَانَ الْمُضِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْرَابِيِّ عَبَثًا وَلَا يَحِلُّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتْرُكَهُ فَكَانَ تَرْكُهُ دَلَالَةً مِنْهُ أَنَّ صَلَاتَهُ جَائِزَةٌ إِلَّا أَنَّهُ تَرَكَ

الْإِكْمَالَ فَأَمَرَهُ بِالْإِعَادَةِ زَجْرًا لَهُ عَنْ هَذِهِ الْعَادَةِ وَرَدَّهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ بِأَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ كَانَتْ صَلَاتُهُ فَاسِدَةً وَلِذَا أُمِرَ بِالْإِعَادَةِ وَقَالَ لَهُ لَمْ تُصَلِّ وَإِنَّمَا تَرَكَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَهْتَدِي إِلَى الصَّلَاةِ الصَّحِيحَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ كَمَا شَهِدَتْ بِهِ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ يَعْنِي بِهَا الَّتِي رَوَاهَا التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي وَصْفِ الصَّلَاةِ وَفِيهَا إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ كَالْبَدَوِيِّ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ لَهُمْ جَفَاءٌ وَغِلَظٌ فَلَوْ أَمَرَهُ ابْتِدَاءً لَكَانَ يَقَعُ فِي خَاطِرِهِ شَيْءٌ وَكَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ التَّعْلِيمِ وَبِالْجُمْلَةِ لَا دَلَالَةَ لِعَدَمِ إِنْكَارِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى صَلَاتِهِ ابْتِدَاءً وَأَمْرِهِ بِالْإِعَادَةِ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ انْتَهَى وَمِنْهَا مَا قَالُوا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِقَوْلِهِ يا أيها الذين امنوا اركعوا واسجدوا وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَفْظٌ خَاصٌّ مَعْنَاهُ مَعْلُومٌ فَالرُّكُوعُ هُوَ الِانْحِنَاءُ وَالسُّجُودُ هُوَ الِانْخِفَاضُ فَمُطْلَقُ الْمَيَلَانِ عَنِ الِاسْتِوَاءِ وَوَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ فَرْضٌ بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفَرْضِيَّةُ التَّعْدِيلِ الثَّابِتَةُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ وَكَذَا فَرْضِيَّةُ القومة والجلسة بحديث لا تجزيء صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَمْثَالُهُ إِنْ لَحِقَتْ بِالْقُرْآنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ فَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْبَيَانَ إِنَّمَا يَكُونُ لِلْمُجْمَلِ وَلَا إِجْمَالَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِنْ لَحِقَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّغْيِيرِ لِإِطْلَاقِ الْقُرْآنِ فَهُوَ لَيْسَ بِجَائِزٍ أَيْضًا لِأَنَّ نَسْخَ إِطْلَاقِ الْقُرْآنِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ لَا يَجُوزُ كَمَا حَقَّقَهُ الْأُصُولِيُّونَ وَلَمَّا لَمْ يَجُزْ إِلْحَاقُ مَا ثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ بِالثَّابِتِ بِالْقُرْآنِ وَلَمْ يُمْكِنْ تَرْكُ أَخْبَارِ الْآحَادِ بِالْكُلِّيَّةِ أَيْضًا فَقُلْنَا مَا ثَبَتَ بِالْقَطْعِيِّ وَهُوَ مُطْلَقُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَرْضٌ وَمَا ثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ الظَّنِّيَّةِ الثُّبُوتِ وَاجِبٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعْنَاهُمَا الشَّرْعِيُّ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الْبَيَانِ فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ لَحِقَتْ بِالْقُرْآنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ وَلَا إِشْكَالَ وَقَدْ صَرَّحَ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مَعْنَاهُمَا الشَّرْعِيَّ هُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ قَدْ لَحِقَتْ بِالْقُرْآنِ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ عِنْدَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ شَرِيكٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُصُولِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَيُجْرِيهَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ قَائِلٌ بِفَرْضِيَّةِ التَّعْدِيلِ فَيَرِدُ عَلَيْهِ إِشْكَالٌ عَسِيرٌ وَهُوَ أَنَّهُ كَيْفَ يُنْسَخُ إِطْلَاقُ الْكِتَابِ ها هنا بِخَبَرِ الْآحَادِ وَيُجْعَلُ التَّعْدِيلُ فَرْضًا وَقَدْ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ فِي دَفْعِ هَذَا الْإِشْكَالِ مَا نقله بن عَابِدِينَ فِي حَوَاشِي الْبَحْرِ عَنْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّكُوعِ

باب ما يقول الرجل إذا رفع رأسه من الركوع

وَالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ عِنْدَهُمَا مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ مَعْلُومٌ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْبَيَانِ فَلَوْ قُلْنَا بِافْتِرَاضِ التَّعْدِيلِ تَلْزَمُ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْآحَادِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَعْنَاهُمَا الشَّرْعِيُّ وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ فَيَحْتَاجُ إِلَى الْبَيَانِ انْتَهَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ حَمْلَ لَفْظِ الرُّكُوعِ وَلَفْظِ السُّجُودِ فِي الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى مَعْنَاهُمَا الشَّرْعِيِّ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي النُّصُوصِ يَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ إِلَّا أَنْ يَمْنَعَ مَانِعٌ وَلَا مَانِعَ ها هنا وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ تَعْدِيلَ الْأَرْكَانِ فَرْضٌ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 2 - (بَاب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ [266]) قَوْلُهُ (الْمَاجِشُونِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ مَضْمُومَةٌ هُوَ لَقَبُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مُعَرَّبُ مَاه كون أَيْ شَبَهَ الْقَمَرِ أَحَدُ الْأَعْلَامِ رَوَى عَنِ الزهري وبن المنكدر وخلق وعنه الليث وبن مَهْدِيٍّ وَخَلْقٌ قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مُصَنِّفٌ قُلْتُ هُوَ مَدَنِيٌّ نَزِيلُ بَغْدَادَ (عَنْ عَمِّي) هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَفِيهِ فِي تَرْجَمَتِهِ أَنَّهُ صَدُوقٌ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَاتِبَ عَلِيٍّ وَهُوَ ثِقَةٌ) قَوْلُهُ (قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) مَعْنَاهُ قَبِلَ حَمْدَ مَنْ حَمِدَ وَاللَّامُ فِي (لِمَنْ) لِلْمَنْفَعَةِ وَالْهَاءُ فِي (حَمِدَهُ) للكناية وقيل للسكتة والاستراحة ذكره بن الْمَلَكِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَجَابَ حَمْدَهُ وَتَقَبَّلَهُ يُقَالُ اسْمَعْ دُعَائِي أَيْ أَجِبْ لِأَنَّ غَرَضَ السَّائِلِ الْإِجَابَةُ وَالْقَبُولُ انْتَهَى فَهُوَ دُعَاءٌ بِقَبُولِ الْحَمْدِ كَذَا قِيلَ وَيُحْتَمَلُ الْإِخْبَارُ (رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) أَيْ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا وَلَكَ الْحَمْدُ على

هِدَايَتِكَ إِيَّانَا لِمَا يُرْضِيكَ عَنَّا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَاوَ عَاطِفَةٌ لَا زَائِدَةٌ خِلَافًا لِلْأَصْمَعِيِّ وَعَطْفُ الْخَبَرِ عَلَى الْإِنْشَاءِ جَوَّزَهُ جَمْعٌ مِنَ النَّحْوِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَبِتَقْدِيرِ اعْتِمَادِ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنِ امْتِنَاعِهِ فَالْخَبَرُ هُنَا بِمَعْنَى إِنْشَاءِ الْحَمْدِ لَا الْإِخْبَارِ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ إِذْ لَيْسَ فِيهِ كَبِيرُ فَائِدَةٍ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الِامْتِثَالُ لِمَا أُمِرْنَا بِهِ مِنَ الْحَمْدِ (مِلْءَ السَّمَاوَاتِ) بِالنَّصْبِ هُوَ أَشْهَرُ كَمَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَقِيلَ حَالٌ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مَالِئًا لِتِلْكَ الْأَجْرَامِ عَلَى تَقْدِيرِ تَجْسِيمِهِ وَبِالرَّفْعِ صِفَةُ الْحَمْدِ وَالْمِلْءُ بِالْكَسْرِ اسْمُ مَا يَأْخُذُهُ الْإِنَاءُ إِذَا امْتَلَأَ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هَذَا تَمْثِيلٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يَسَعُ الْأَمَاكِنَ وَالْمُرَادُ بِهِ كَثْرَةُ الْعَدَدِ يَقُولُ لَوْ قُدِّرَ أَنْ تَكُونَ كَلِمَاتُ الْحَمْدِ أَجْسَامًا لَبَلَغَتْ مِنْ كَثْرَتِهَا أَنْ تَمْلَأَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تَفْخِيمَ شَأْنِ كَلِمَةِ الْحَمْدِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَجْرَهَا وَثَوَابَهَا انْتَهَى (وملء ماشئت مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْقَطْعِ عَنِ الْإِضَافَةِ وَنِيَّةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَيْ بَعْدَ الْمَذْكُورِ وَذَلِكَ كَالْكُرْسِيِّ وَالْعَرْشِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ إِلَّا اللَّهُ وَالْمُرَادُ الِاعْتِنَاءُ فِي تكثير الحمد قوله (وفي الباب عن بن عمر وبن عباد وبن أَبِي أَوْفَى وَأَبِي جُحَيْفَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حديث بن عمر فأخرجه البخاري وأما حديث بن عباس فأخرجه النسائي وأما حديث بن أبي أوفى فأخرجه مسلم وبن ماجه وأما حديث أبي جحيفة فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ هَذَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَلَا يَقُولُهُ فِي صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ هذا

قَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ مِنْ ثَلَاثَةِ وُجُوهٍ وَوَقَعَ فِي إِحْدَاهَا إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ إِذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَزَادَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كذا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَقَيَّدَهُ أَيْضًا بِالْمَكْتُوبَةِ وَكَذَا غَيْرُهُمَا انْتَهَى فَثَبَتَ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ يَقُولُ هَذَا فِي الْمَكْتُوبَةِ وَالتَّطَوُّعِ حَقٌّ وَصَوَابٌ وَأَنَّ قَوْلَ بَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَقُولُ هَذَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَلَا يَقُولُهُ فِي صَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ 3 - بَاب مِنْهُ آخَرُ [267] قَوْلُهُ (الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ (عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدَّةِ الْيَاءِ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) اسْمُهُ ذَكْوَانُ السَّمَّانُ الزَّيَّاتُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ بِالْوَاوِ بَعْدَ رَبَّنَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ بَابُ فَضْلِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى بن الْقَيِّمِ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَمْ يَرِدِ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّهُمَّ وَالْوَاوِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ أَيْ فِي الزَّمَانِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَائِكَةِ جَمِيعُهُمْ وَاخْتَارَهُ بْنُ بَزِيزَةَ وَقِيلَ الْحَفَظَةُ مِنْهُمْ وَقِيلَ الَّذِينَ يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمْ إِذَا قُلْنَا إِنَّهُمْ غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَنْ يَشْهَدُ تِلْكَ الصَّلَاةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مِمَّنْ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ظَاهِرُهُ غُفْرَانُ جَمِيعِ الذُّنُوبِ الْمَاضِيَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الصَّغَائِرِ

قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ) أَيْ قَوْلَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَطْ وَالْمُؤْتَمُّ يَقُولُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ الْبَابِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتَدَلَّ بِهِ (أَيْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقُولُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَعَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِكَوْنِ ذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَمَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ بَلْ فِيهِ أَنَّ قَوْلَ الْمَأْمُومِ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ يَكُونُ عَقِبَ قَوْلِ الْإِمَامِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَالْوَاقِعُ فِي التَّصْوِيرِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ التَّسْمِيعَ فِي حَالِ انْتِقَالِهِ وَالْمَأْمُومُ يَقُولُ التَّحْمِيدَ فِي حَالِ اعْتِدَالِهِ فَقَوْلُهُ يَقَعُ عَقِبَ قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْخَبَرِ وَهَذَا الْمَوْضِعُ يَقْرَبُ مِنْ مَسْأَلَةِ التَّأْمِينِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ إِذَا قَالَ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُؤَمِّنُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا الضَّالِّينَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ يُؤَمِّنُ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا أَنَّهُ يَقُولُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ لَكِنَّهُمَا مُسْتَفَادَانِ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى صَحِيحَةٍ صَرِيحَةٍ قَالَ وَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مِنْ أَنَّ الْمَعْنَى سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ طَلَبُ التَّحْمِيدِ فَيُنَاسِبُ حَالَ الْإِمَامِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَتُنَاسِبُهُ الْإِجَابَةُ بِقَوْلِهِ (رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ) وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَفِيهِ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ يَسْمَعُ مَا ذَكَرْتُمْ فَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ لَا يَدُلُّ مَا ذَكَرْتُمْ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَقُولُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ إِنَّمَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ طَالِبًا وَمُجِيبًا وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ التَّأْمِينِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْإِمَامِ دَاعِيًا وَالْمَأْمُومِ مُؤَمِّنًا أَنْ لَا يَكُونَ الْإِمَامُ مُؤَمِّنًا وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْمَعُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالْجُمْهُورِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَشْهَدُ لَهُ وَزَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَجْمَعُهُمَا بَيْنَهُمَا أَيْضًا لَكِنْ لَمْ يَصِحَّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَحَكَى الطَّحَاوِيُّ وبن عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَجَعَلَهُ الطَّحَاوِيُّ حُجَّةً لِكَوْنِ الْإِمَامِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى اتِّحَادِ حُكْمِ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ لَكِنْ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إِلَى خِلَافٍ عِنْدَهُمْ فِي الْمُنْفَرِدِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِاخْتِصَارٍ قَوْلُهُ (وَقَالَ بن سِيرِينَ وَغَيْرُهُ يَقُولُ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ إِلَخْ) احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَفِيهِ ثُمَّ

باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود

يَقُولُ (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ ثُمَّ يَقُولُ وَهُوَ قَائِمٌ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ إِلَخْ) بِانْضِمَامِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ مَنْ وَرَاءَهُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَكِنْ قَدْ صَرَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِأَنَّ الْمَحْفُوظَ لَفْظُ إِذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَلْيَقُلْ مَنْ وَرَاءَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا بُرَيْدَةُ إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَقُلْ سَمِعَ اللَّهُ لمن حمده اللهم ربنا ولك الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا وَلَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ وَلَيْسَ فِي جَمْعِ الْمَأْمُومِ بَيْنَ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي وَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ [268]) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَابُ مَا جَاءَ فِي وَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ وَهَذَا هُوَ يُطَابِقُهُ حَدِيثُ الْبَابِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ النَّيْسَابُورِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ نَزِيلُ مَكَّةَ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ أَحَدُ الثِّقَاتِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ آخِرُهُ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيُّ الزَّاهِدُ ثِقَةٌ عَابِدٌ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ (وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ) النُّكْرِيُّ بِضَمِّ النُّونِ الْبَغْدَادِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ (حَدَّثَنَا يزيد بن هارون) بن زَاذَانَ السُّلَمِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ عَابِدٌ قَوْلُهُ (إِذَا سَجَدَ يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ لَكِنَّ

الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَعْرِفُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُ أَحَدًا رَوَاهُ غَيْرَ شَرِيكٍ) فِي كَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ حَسَنًا نَظَرٌ فإنه قد تفرد به شريك وهو بن عبد الله النخعي الكوفي صدوق يخطيء كثير تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ عَنْ شَرِيكٍ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ غَيْرُ شَرِيكٍ وَشَرِيكٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا حَدِيثٌ يُعَدُّ فِي أَفْرَادِ شَرِيكٍ الْقَاضِي وَإِنَّمَا تَابَعَهُ هَمَّامٌ مُرْسَلًا هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُتَقَدِّمِينَ هَذَا اخر كلامه وشريك هذا هو بن عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الْقَاضِي وَفِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ مُتَابَعَةً انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل مَا لَفْظُهُ وَرَوَاهُ هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَمَّامٌ وثنا شَقِيقٌ يَعْنِي أَبَا اللَّيْثِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَهُوَ الْمَحْفُوظُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ قُلْتُ طَرِيقُ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ عَبْدَ الْجَبَّارِ لَمْ يَسْمَعْ عَنْ أَبِيهِ وَطَرِيقُ هَمَّامٍ عَنْ شَقِيقٍ أَيْضًا ضَعِيفٌ فَإِنَّ شَقِيقًا أَبَا اللَّيْثِ مَجْهُولٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ شَقِيقٌ أَبُو اللَّيْثِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ مَجْهُولٌ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ شَقِيقٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ وَعَنْهُ هَمَّامٌ لَا يُعْرَفُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ إِلَخْ) قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كتاب الاعتبار قال بن الْمُنْذِرِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ فَمِمَّنْ رَأَى أَنْ يَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَمُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَضَعُ يَدَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ إِذَا سَجَدَ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَدْرَكْتُ النَّاسَ يَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ

قَبْلَ رُكَبِهِمْ انْتَهَى وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قال نافع كان بن عُمَرَ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَذَهَبَتِ الْعِتْرَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وبن حَزْمٍ إِلَى اسْتِحْبَابِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَرَوَى الْحَازِمِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَدْرَكْتُ النَّاسَ يَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ قبل ركبهم قال بن أَبِي دَاوُدَ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَرَوَى هَمَّامٌ عَنْ عَاصِمٍ هَذَا مُرْسَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَقَدْ تُعُقِّبَ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ هَمَّامًا إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْحَازِمِيِّ 5 - بَاب آخَرُ مِنْهُ [269] قَوْلُهُ يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَبْرُكُ فِي صَلَاتِهِ بَرْكَ الْجَمَلِ بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ أَيْ أَيَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ كَمَا يَضَعُ الْبَعِيرُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ أَيْ لَا يَفْعَلُ هَكَذَا بَلْ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ وليضع يديه قبل ركبتيه انتهى قال القارىء فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ نَهْيٌ وَقِيلَ نَفْيٌ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ أَيْ لَا يَضَعُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ شَبَّهَ ذَلِكَ بِبُرُوكِ الْبَعِيرِ مَعَ أَنَّهُ يَضَعُ يَدَيْهِ قَبْلَ رِجْلَيْهِ لِأَنَّ رُكْبَةَ الْإِنْسَانِ فِي الرِّجْلِ وَرُكْبَةَ الدَّوَابِّ فِي الْيَدِ إِذَا وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا فَقَدْ شَابَهَ الْإِبِلَ فِي الْبُرُوكِ وَلْيَضَعْ بِسُكُونِ اللَّامِ وَتُكْسَرُ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ كَيْفَ نَهَى عَنْ بُرُوكِ الْبَعِيرِ ثُمَّ أَمَرَ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْبَعِيرُ يَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرِّجْلَيْنِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الرُّكْبَةَ مِنَ الْإِنْسَانِ فِي الرِّجْلَيْنِ وَمِنْ ذَوَاتِ

الأربع في اليدين انتهى كلام القارىء وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَدْرَكْتُ النَّاسَ يَضَعُونَ أَيْدِيَهُمْ قَبْلَ رُكَبِهِمْ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ مَالِكٌ هَذِهِ الصِّفَةُ أَحْسَنُ فِي خُشُوعِ الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِالتَّخْيِيرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزِّنَادِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ والنسائي أخرجوه في كتبهم انتهى وقال القارىء في المرقاة قال بن حَجَرٍ سَنَدُهُ جَيِّدٌ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ لِذَاتِهِ رِجَالُهُ كلهم ثقات فأما قتيبة فهو بن سَعِيدِ بْنِ جَمِيلٍ الثَّقَفِيُّ أَبُو رَجَاءٍ الْبَغْلَانِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ فَهُوَ الصَّائِغُ أَبُو مُحَمَّدٍ المدني وثقه بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَمَّا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ فَوَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ قَالَهُ الْخَزْرَجِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ يُلَقَّبُ بِالنَّفْسِ الزَّكِيَّةِ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ وَأَمَّا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَهُ الْخَزْرَجِيُّ فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ ثِقَةٌ صَحِيحُ الْكِتَابِ فِي حِفْظِهِ لِينٌ انْتَهَى فَإِذَا كَانَ فِي حِفْظِهِ لِينٌ فَكَيْفَ يَكُونُ حَدِيثُهُ صَحِيحًا قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ قَدْ وَثَّقَهُ إِمَامُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَوَثَّقَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ ثُمَّ هُوَ لَيْسَ مُتَفَرِّدًا بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بَلْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ قَالَ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رِجْلَيْهِ وَلَا يَبْرُكْ بُرُوكَ الْبَعِيرِ حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلِ بْنُ زِيَادٍ ثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ ثَنَا أَبُو ثَابِتٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ وَلَا يَبْرُكْ بروك الجمل انتهى وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَهُوَ أَقْوَى مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَإِنَّ لِلْأَوَّلِ شَاهِدًا من حديث بن عمر صححه بن خُزَيْمَةَ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا مَوْقُوفًا انْتَهَى كَلَامُ

الحافظ وقال الحافظ بن سَيِّدِ النَّاسِ أَحَادِيثُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ أَرْجَحُ وَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ دَاخِلًا فِي الْحَسَنِ عَلَى رَسْمِ التِّرْمِذِيِّ لسلامة رواته عن الجرح انتهى وقال بن التُّرْكُمَانِيِّ فِي الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا يَعْنِي وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ دَلَالَةٌ قَوْلِيَّةٌ وقد تأيد بحديث بن عُمَرَ فَيُمْكِنُ تَرْجِيحُهُ عَلَى حَدِيثِ وَائِلٍ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ فِعْلِيَّةٌ عَلَى مَا هُوَ الْأَرْجَحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ انْتَهَى وَرَجَّحَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى حَدِيثِ وَائِلٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ الْهَيْئَةُ الَّتِي رَأَى مَالِكٌ (وَهِيَ الْهَيْئَةُ الَّتِي هِيَ مَرْوِيَّةٌ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ) مَنْقُولَةٌ فِي صَلَاةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَتَرَجَّحَتْ بِذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم) رواه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِلَفْظِ إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَلَا يَبْرُكْ كَبُرُوكِ الْفَحْلِ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سعيد القطان وغيره) قال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ مَرَّةً لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ الْفَلَّاسُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مَتْرُوكٌ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ اسْتَبَانَ كَذِبُهُ فِي مَجْلِسٍ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ ذَاهِبٌ وَقَالَ أَحْمَدُ مَرَّةً لَيْسَ بِذَاكَ وَمَرَّةً قَالَ مَتْرُوكٌ وَقَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ تَرَكُوهُ كَذَا فِي الْمِيزَانِ اعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ وَغَيْرَهُمُ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى اسْتِحْبَابِ وَضْعِ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ أَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ بِوُجُوهٍ عَدِيدَةٍ كُلِّهَا مَخْدُوشَةٍ الْأَوَّلُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا منسوخ بما رواه بن خزيمة عن مصعب بن سعد سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا نَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ فَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ وَفِيهِ أَنَّ دَعْوَى النَّسْخِ بِحَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ بَاطِلَةٌ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ أَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَلَوْ كَانَ مَحْفُوظًا لَدَلَّ عَلَى النَّسْخِ غَيْرَ أَنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِيهِ حَدِيثُ نَسْخِ التَّطْبِيقِ انْتَهَى قُلْتُ وَفِي إِسْنَادِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ وَهُوَ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ وَهُمَا ضَعِيفَانِ لَا يَصْلُحَانِ لِلِاحْتِجَاجِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ اتَّهَمَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَةِ إِسْمَاعِيلَ وَالِدِ إِبْرَاهِيمَ مَتْرُوكٌ

الثَّانِي أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَلْبًا مِنَ الرَّاوِي وَكَانَ أَصْلُهُ وَلْيَضَعْ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يديه ويدل عليه أول حديث وَهُوَ قَوْلُهُ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ بُرُوكِ الْبَعِيرِ هُوَ تَقْدِيمُ اليدين على الرجلين قاله بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَقَالَ وَلَمَّا عَلِمَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ ذَلِكَ قَالُوا رُكْبَتَا الْبَعِيرِ فِي يَدَيْهِ لَا فِي رِجْلَيْهِ فَهُوَ إِذَا بَرَكَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا فَهَذَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ قَالَ وَهُوَ فَاسِدٌ وَحَاصِلُهَا أَنَّ الْبَعِيرَ إِذَا بَرَكَ يَضَعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَاهُ قَائِمَتَانِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ رُكْبَتَيِ الْبَعِيرِ فِي يَدَيْهِ لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا لَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ لِأَنَّ أَوَّلَ مَا يَمَسُّ الْأَرْضَ مِنَ الْبَعِيرِ يَدَاهُ انْتَهَى وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَلْبٌ مِنَ الرَّاوِي فِيهِ نَظَرٌ إِذْ لَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَمْ يَبْقَ اعْتِمَادٌ عَلَى رِوَايَةِ رَاوٍ مَعَ صِحَّتِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَوْنُ رُكْبَتَيِ الْبَعِيرِ فِي يَدَيْهِ لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُ سُرَاقَةَ سَاخَتْ يَدَا فَرَسِي فِي الْأَرْضِ حَتَّى بَلَغَتَا الرُّكْبَتَيْنِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَهَذَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ رُكْبَتَيِ الْبَعِيرِ تَكُونَانِ فِي يَدَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالُوا لَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ فَفِيهِ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ رُكْبَتَيِ الْبَعِيرِ تَكُونَانِ فِي يَدَيْهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ ركبتين الْإِنْسَانِ تَكُونَانِ فِي رِجْلَيْهِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ فَكَيْفَ يَقُولُ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ أَيْ فَلْيَضَعْ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَالثَّالِثُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ قَالَ تَفَرَّدَ بِهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَسَنٍ انْتَهَى وَالدَّرَاوَرْدِيُّ وَإِنْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُمَا لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ يهم وقال أبو زرعة سيء الْحِفْظِ فَتَفَرُّدُ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مُوَرِّثٌ لِلضَّعْفِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وَقَالَ لَا أَدْرِي أَسَمِعَ مِنْ أَبِي الزِّنَادِ أَمْ لَا انْتَهَى وَفِيهِ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ كَمَا عَرَفْتَ وَأَمَّا قَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ تَفَرَّدَ بِهِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ قَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِي مَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ نَظَرٌ فَقَدْ رَوَى نَحْوَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ ثُمَّ تَفَرُّدُ الدَّرَاوَرْدِيِّ لَيْسَ مُوَرِّثًا لِلضَّعْفِ لِأَنَّهُ قَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَوَثَّقَهُ إِمَامُ هَذَا الشَّأْنِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا قَوْلُ الْبُخَارِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِمُضِرٍّ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ وَلِحَدِيثِهِ شاهد من حديث بن عمر وصححه بن خزيمة قال بن التُّرْكُمَانِيِّ فِي الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَقَوْلُ الْبُخَارِيِّ لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْجَرْحِ فَلَا

يُعَارِضُ تَوْثِيقَ النَّسَائِيِّ انْتَهَى وَكَذَا لَا يَضُرُّ قَوْلُهُ لَا أَدْرِي أَسَمِعَ مِنْ أَبِي الزِّنَادِ أَمْ لَا فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ بِمُدَلِّسٍ وَسَمَاعُهُ مِنْ أَبِي الزِّنَادِ مُمْكِنٌ فَإِنَّهُ قُتِلَ سَنَةَ 145 خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَهُوَ بن خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَبُو الزِّنَادِ مَاتَ سَنَةَ 130 ثَلَاثِينَ ومائة فيحمل عنعنته على السماع عند جهود الْمُحَدِّثِينَ وَالرَّابِعُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مُضْطَرِبٌ فإنه رواه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَلَا يَبْرُكْ كَبُرُوكِ الْفَحْلِ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُخَالِفُ الرِّوَايَةَ الَّتِي رَوَاهَا التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَالِاضْطِرَابُ مُوَرِّثٌ لِلضَّعْفِ وَفِيهِ أَنَّ رِوَايَةَ بن أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّحَاوِيِّ هَذِهِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا فَإِنَّ مَدَارَهَا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَا اضْطِرَابَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ الِاضْطِرَابِ اسْتِوَاءَ وُجُوهِ الِاخْتِلَافِ وَلَا تُعَلُّ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ بِالرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ الْوَاهِيَةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ وَالْخَامِسُ أَنَّ حَدِيثَ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَقْوَى وَأَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا انْتَهَى فَحَدِيثُ وَائِلٍ هُوَ الْأَوْلَى بِالْعَمَلِ وَفِيهِ أَنَّ فِي كَوْنِ حَدِيثِ وَائِلٍ أَثْبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَظَرًا فَإِنَّ حَدِيثَ وَائِلٍ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ حَسَنٌ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ فَلَا يَكُونُ هُوَ حَسَنًا لِذَاتِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ الضِّعَافِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ لِذَاتِهِ وَمَعَ هذا فله شاهد من حديث بن عمر صححه بن خزيمة وقد عرفت قول الحافظ بن حجر وبن سيد الناس وبن التُّرْكُمَانِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرِ بْنِ الْعَرَبِيِّ فِي تَرْجِيحِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ أَثْبَتُ وَأَقْوَى مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ فَإِنْ قِيلَ إِنْ كَانَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ شَاهِدٌ فَلِحَدِيثِ وَائِلٍ شَاهِدَانِ أَحَدُهُمَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْحَطَّ بِالتَّكْبِيرِ فَسَبَقَتْ رُكْبَتَاهُ يَدَيْهِ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَا أَعْلَمُ لَهُ علة وثانيهما ما أخرجه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنَّا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا أن الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ يُقَالُ هَذَانِ الْحَدِيثَانِ لَا يَصْلُحَانِ أَنْ يَكُونَا شَاهِدَيْنِ لِحَدِيثِ وَائِلٍ أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلِأَنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ الْعَلَاءُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْعَطَّارُ وَهُوَ مَجْهُولٌ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ الْعَلَاءُ

باب ما جاء في السجود على الجبهة والأنف

بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ انْتَهَى وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ سَاءَ حِفْظُهُ فِي الْآخِرِ صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ أَبُو زرعة ساء حفظة بعد ما اسْتَقْضَى فَمَنْ كَتَبَ عَنْهُ مِنْ كِتَابِهِ فَهُوَ صَالِحٌ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَدْ عَرَفْتَ فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا اتَّهَمَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُوهُ إِسْمَاعِيلُ مَتْرُوكٌ وَأَنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْ مُصْعَبٍ عَنْ أَبِيهِ نَسْخُ التَّطْبِيقِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ لِذَاتِهِ وَهُوَ أَقْوَى وَأَثْبَتُ وَأَرْجَحُ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ هَذَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السُّجُودِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ [270]) قَوْلُهُ (ثَنَا أَبُو عَامِرٍ) الْعَقَدِيُّ قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا سَجَدَ أَمْكَنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ الْأَرْضَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَكَّنْتُهُ مِنَ الشَّيْءِ أَوْ أَمْكَنْتُهُ مِنْهُ فَتَمَكَّنَ وَاسْتَمْكَنَ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ تَمْكِينُ باي برجا كردن وَكَذَا الْإِمْكَانُ يُقَالُ مَكَّنَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْءِ وَأَمْكَنَهُ مِنْهُ بِمَعْنًى انْتَهَى وَفِيهِ أَنْ يَضَعَ الْمُصَلِّي جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ فِي السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ (وَنَحَّى يَدَيْهِ) أَيْ أَبْعَدَهُمَا مِنْ نَحَّى يُنَحِّي تَنْحِيَةً (وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَلَفْظُهُ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أعضاء ولا يكف شعرا ولا ثوبا الجبهة وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَفِي لَفْظٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ وَلَا أَكْفِتَ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ والقدمين رواه

مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ وَاضِعًا جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ فِي سجوده وأما حديث أبي سعيد فأخرجه الشيحان وَفِيهِ فَصَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ وَالْمَاءِ عَلَى جَبْهَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْنَبَتِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أيضا بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَسْجُدَ الرَّجُلُ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ دُونَ أَنْفِهِ فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُجْزِئُهُ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنَّ أَعْضَاءَ السُّجُودِ سَبْعَةٌ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلسَّاجِدِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهَا كُلِّهَا وَأَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ جَمِيعًا فَأَمَّا الْجَبْهَةُ فَيَجِبُ وَضْعُهَا مَكْشُوفَةً عَلَى الْأَرْضِ وَيَكْفِي بَعْضُهَا وَالْأَنْفُ مُسْتَحَبٌّ فَلَوْ تَرَكَهُ جَازَ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَتَرَكَ الْجَبْهَةَ لَمْ يَجُزْ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْأَكْثَرِينَ وقال أبو حنيفة وبن الْقَاسِمِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَقَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ وبن حَبِيبٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يَجِبُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ جَمِيعًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ بَلْ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ عُضْوٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْحَدِيثِ سَبْعَةٌ فَإِنْ جُعِلَا عُضْوَيْنِ صَارَتْ ثَمَانِيَةً وَذَكَرَ الْأَنْفَ اسْتِحْبَابًا انْتَهَى قُلْتُ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى وُجُوبِ السَّجْدَةِ عَلَى الْجَبْهَةِ دُونَ الْأَنْفِ وَقَالَ أَبُو حنيفة إنه يجزيء السُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ وَحْدَهَا وَذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَجْمَعَهُمَا وهو قول الشافعي واستدل الجمهور برواية بن عَبَّاسٍ الَّتِي رَوَاهَا الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِلَفْظِ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ على سبعة أعضاء ولا يكف شعرا ولا ثَوْبًا الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَاسْتَدَلَّ أَبُو حنيفة برواية بن عَبَّاسٍ الَّتِي رَوَاهَا الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَأَشَارَ عَلَى أَنْفِهِ إِلَخْ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْجَبْهَةَ وَأَشَارَ إِلَى الأنف فدل على أنه المراد ورده بن دَقِيقِ الْعِيدِ فَقَالَ إِنَّ الْإِشَارَةَ لَا تُعَارِضُ التَّصْرِيحَ بِالْجَبْهَةِ لِأَنَّهَا قَدْ تُعَيِّنُ الْمُشَارَ إِلَيْهِ بِخِلَافِ الْعِبَارَةِ فَإِنَّهَا مُعَيِّنَةٌ وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الجمع

باب ما جاء أين يضع الرجل وجهه إذا سجد

بينهما برواية بن عَبَّاسٍ الَّتِي رَوَاهَا مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ وَلَا أَكْفِتَ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عُضْوًا مُسْتَقِلًّا لَلَزِمَ أَنْ تَكُونَ الْأَعْضَاءُ ثَمَانِيَةً وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِالسُّجُودِ عَلَى الْأَنْفِ وَحْدَهَا وَالْجَبْهَةِ وَحْدَهَا فَيَكُونُ دَلِيلًا لِأَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضُ الْعُضْوِ وَهُوَ يَكْفِي كَمَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْمَشْيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمُتَحَتِّمُ وَالْمُنَاقَشَةُ بِالْمَجَازِ بِدُونِ مُوجِبٍ لِلْمَصِيرِ إِلَيْهِ غَيْرُ ضَائِرَةٍ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَجْمُوعِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ السُّجُودَ عَلَى مَجْمُوعِ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ مُسْتَحَبٌّ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ وَائِلٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ وَاضِعًا جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ فِي سُجُودِهِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ عن بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفَهُ مِنَ الْأَرْضِ مَا يُصِيبُ الْجَبِينَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الصَّوَابُ عَنْ عِكْرِمَةَ مُرْسَلًا وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِسَمُّوَيْهِ فِي فوائده عن عكرمة عن بن عباس قال إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ أَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ فإنكم قد أمرتم بذلك هذا تَلْخِيصُ مَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ وُجُوبُ السُّجُودِ عَلَى مَجْمُوعِ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 7 - (بَاب مَا جَاءَ أَيْنَ يَضَعُ الرَّجُلُ وَجْهَهُ إِذَا سَجَدَ [270]) قَوْلُهُ (عَنِ الْحَجَّاجِ) بْنِ أَرْطَأَةَ الْكُوفِيِّ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ اخْتَلَطَ بِأَخَرَةٍ قَوْلُهُ (فَقَالَ بَيْنَ كَفَّيْهِ) أَيْ كَانَ يَضَعُ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَلِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا اخْتَلَفَ عَمَلُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَبَعْضُهُمْ عَمِلُوا عَلَى حَدِيثِ الْبَرَاءِ هَذَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَبَعْضُهُمْ عَلَى حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَالْكُلُّ جَائِزٌ وثابت

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَأَبِي حُمَيْدٍ) أَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَفِيهِ فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي سَنَدِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ رَمَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ بِهِ وَلَفْظُهُ كَانَتْ يَدَاهُ حَذْوَ أُذُنَيْهِ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا سَجَدَ وَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ أَخْرَجَهُ عَنْ فُلَيْحٍ عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُمَا كَانَ إِذَا سَجَدَ مَكَّنَ أَنْفَهُ وَجَبْهَتَهُ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبِهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ انْتَهَى كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ قَوْلُهُ (وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَكُونَ يَدَاهُ قَرِيبًا مِنْ أُذُنَيْهِ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَالْبَرَاءِ مَا لَفْظُهُ فَكَانَ كُلُّ مَنْ ذَهَبَ فِي الرَّفْعِ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ إِلَى الْمَنْكِبَيْنِ يَجْعَلُ وَضْعَ الْيَدَيْنِ فِي السجود حيال الْمَنْكِبَيْنِ أَيْضًا وَكُلُّ مَنْ ذَهَبَ فِي الرَّفْعِ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ إِلَى الْأُذُنَيْنِ يَجْعَلُ وَضْعَ الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ حِيَالَ الْأُذُنَيْنِ أَيْضًا وَقَدْ ثَبَتَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ تَصْحِيحُ قَوْلِ مَنْ ذَهَبَ فِي الرَّفْعِ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ إِلَى حِيَالِ الْأُذُنَيْنِ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ ذَهَبَ فِي وَضْعِ الْيَدَيْنِ فِي السُّجُودِ حِيَالَ الْأُذُنَيْنِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَى قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ هَذَا وَلَمْ يُجِبِ الطَّحَاوِيُّ عَنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ بِشَيْءٍ قُلْتُ قَدْ ذَكَرْنَا مَا هُوَ الْأَوْلَى فِي الرَّفْعِ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ فِي موضعه

باب ما جاء في السجود على سبعة أعضاء

88 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السُّجُودِ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ [272]) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ مَوْلَى شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ الْمِصْرِيِّ أَبُو مُحَمَّدٍ أَوْ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّامِنَةِ رَوَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَيَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ بن وهب وبن الْقَاسِمِ وَقُتَيْبَةُ مَاتَ سَنَةَ 174 أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ (عن بن الهادي) هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مُكْثِرٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَخْرٍ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْخَزْرَجِيُّ أَحَدُ الْعُلَمَاءِ الْمَشَاهِيرِ عَنْ أَنَسٍ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ فِي ت س فَمَا أَدْرِي سَمِعَ مِنْهُ أَمْ لَا فَأَرْسَلَ عَنْ أُسَامَةَ وَعَنْهُ يَزِيدُ بْنُ الْهَادِ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَيَحْيَى بن سعيد الأنصاري وعدة قال بن سَعْدٍ كَانَ فَقِيهًا مُحَدِّثًا وَقَالَ أَحْمَدُ يَرْوِي أحاديث منكرة ووثقه بن مَعِينٍ وَالنَّاسُ تُوُفِّيَ سَنَةَ 120 عِشْرِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ 104 أَرْبَعٍ ومائة (عن بن الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ) بِالْمَدِّ جَمْعُ إِرْبٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ وَهُوَ الْعُضْوُ (وَجْهُهُ وَكَفَّاهُ) إِلَخْ بَدَلٌ مِنْ سَبْعَةِ آرَابٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْيَدَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَلَا الشَّعَرَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودُ عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِيهِ أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ يَعْلَى وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ذَكَرَ حَدِيثَهُمَا الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْعَبَّاسِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ [273] قَوْلُهُ (أُمِرَ) قَالَ

باب ما جاء في التجافي في السجود

الْحَافِظُ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ عَلَى الْبِنَاءِ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَهُوَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَعُرِفَ ذَلِكَ بِالْعُرْفِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَنَظَّرَهُ الْحَافِظُ قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ صِيغَةُ أَفْعَلَ وَهُوَ سَاقِطٌ لِأَنَّ لَفْظَ أُمِرَ أَدَلُّ عَلَى الْمَطْلُوبِ مِنْ صِيغَةِ أَفْعَلَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَلَكِنَّ الَّذِي يَتَوَجَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِاقْتِضَائِهِ الْوُجُوبَ عَلَى الْأُمَّةِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ خِطَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِطَابٌ لِأُمَّتِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ عُمُومَ أَدِلَّةِ التَّأَسِّي تَقْتَضِي ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ عمرو بن دينار عن طاووس عن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ أُمِرْنَا وَهُوَ دَالٌّ عَلَى الْعُمُومِ كَذَا فِي النَّيْلِ (وَلَا يَكُفَّ) أَيْ لَا يَضُمَّ وَلَا يَجْمَعَ (شَعْرَهُ) أَيْ شَعْرَ رَأْسِهِ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ فِي حَالِ الصلاة وإليه جنح الداؤدي وَرَدَّهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ بِأَنَّهُ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ فَإِنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ لِلْمُصَلِّي سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا قَالَ الْحَافِظُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ لكن حكى بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْحَسَنِ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا رَفَعَ ثَوْبَهُ وَشَعْرَهُ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْأَرْضِ أَشْبَهَ الْمُتَكَبِّرِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 9 - (بَاب مَا جاء في التجافي في السجود [274]) أي التفرج فيه قَوْلُهُ (عَنْ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ) الْفَرَّاءِ الدَّبَّاغِ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَقْرَمَ) بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عَلَى الرَّاءِ حِجَازِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَقْرَمَ وَهُوَ صَحَابِيٌّ مُقِلٌّ قَوْلُهُ (بِالْقَاعِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَاعُ أَرْضٌ سَهْلَةٌ مُطْمَئِنَّةٌ قَدِ انْفَرَجَتْ عَنْهَا الجبال والآكام قِيعٌ وَقِيعَةٌ وَقِيعَانٌ بِكَسْرِهِنَّ وَأَقْوَاعٌ وَأَقْوُعٌ انْتَهَى (مِنْ نَمِرَةَ) بِفَتْحٍ ثُمَّ كَسْرٍ قَالَ فِي القاموس نمرة كفرحة

مَوْضِعٌ بِعَرَفَاتٍ أَوِ الْجَبَلُ الَّذِي عَلَيْهِ أَنْصَابُ الْحَرَمِ عَلَى يَمِينِكَ خَارِجًا مِنَ الْمَأْزِمَيْنِ انْتَهَى (إِلَى عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ) الْعُفْرَةُ بِالضَّمِّ هُوَ بَيَاضٌ غَيْرُ خَالِصٍ بَلْ كَلَوْنِ عُفْرِ الْأَرْضِ وَهُوَ وَجْهُهَا أَرَادَ مَنْبَتَ الشَّعَرِ مِنَ الْإِبْطَيْنِ بِمُخَالَطَةِ بَيَاضِ الْجِلْدِ سَوَادَ الشَّعَرِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (وَأَرَى بَيَاضَهُ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَانْظُرْ إِلَى عُفْرَتَيْ إِبْطَيْهِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ فِي السُّجُودِ أَنْ يُنَحِّيَ يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ (قال وفي الباب عن بن عباس وبن بُحَيْنَةَ وَجَابِرٍ وَأَحْمَرَ بْنِ جُزْءٍ وَمَيْمُونَةَ وَأَبِي حُمَيْدٍ وَأَبِي أُسَيْدٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وعدي بن عميرة وعائشة) أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَلْفِهِ فَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ وَهُوَ مُجَنَّحٌ قَدْ فَرَّجَ يديه وأما حديث بن بُحَيْنَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَلَفْظُهُ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ وَاسْمُ بن بجينة عَبْدُ اللَّهِ وَبُحَيْنَةُ اسْمُ أُمِّهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ إِذَا سَجَدَ جَافَى حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَحْمَرَ بْنِ جُزْءٍ فَأَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود وبن ماجه وصححه بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُهُ قَالَ إِنْ كُنَّا لَنَأْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا يُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ إِذَا سَجَدَ وَأَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ وَأَبِي حُمَيْدٍ فأخرجه مسلم ولفظها كَانَ إِذَا سَجَدَ خَوَّى بِيَدَيْهِ حَتَّى يُرَى وَضَحُ إِبْطَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُسَيْدٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ كَانَ إِذَا سَجَدَ بَسَطَ كَفَّيْهِ ورفع عجيزته وخوى ورواه بن خُزَيْمَةَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِلَفْظِ كَانَ إِذَا جَنَحَ يُقَالُ جَنَحَ الرَّجُلُ فِي صَلَاتِهِ إِذَا مَدَّ ضَبُعَيْهِ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ أَيْ فَتَحَ عَضُدَيْهِ وَخَوَّى يَعْنِي جَنَحَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ

باب ما جاء في الاعتدال في السجود

90 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الِاعْتِدَالِ فِي السُّجُودِ [275]) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سُفْيَانَ) اسْمُهُ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ الْوَاسِطِيُّ الْإِسْكَافُ نَزَلَ مَكَّةَ صَدُوقٌ قَالَهُ في التقريب وقال في الخلاصة روى عن أبي أيوب وبن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَعَنْهُ الْأَعْمَشُ فَأَكْثَرَ قَالَ أَحْمَدُ والنسائي ليس به بأس وقال بن مَعِينٍ لَا شَيْءَ قَوْلُهُ إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فليعتدل أي فليتوسط بين الافتراش والقبض ويوضع الْكَفَّيْنِ عَلَى الْأَرْضِ وَرَفَعَ الْمِرْفَقَيْنِ عَنْهَا وَعَنِ الْجَنْبَيْنِ وَالْبَطْنِ عَنِ الفَخِذِ إِذْ هُوَ أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَأَبْلَغُ فِي تَمْكِينِ الْجَبْهَةِ وَأَبْعَدُ مِنَ الْكَسَالَةِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَلَا يَفْتَرِشُ ذِرَاعَيْهِ أَيْ لَا يَجْعَلُ ذِرَاعَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَالْفِرَاشِ افْتِرَاشَ الْكَلْبِ بِالنَّصْبِ أَيْ مِثْلَ افْتِرَاشِ الْكَلْبِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا شَكَّ فِي كَرَاهَةِ هَذِهِ الْهَيْئَةِ وَلَا فِي اسْتِحْبَابِ نَقِيضِهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ أَحَدُ النُّقَبَاءِ الْمَدَنِيِّ نَزِيلُ حِمْصَ مَاتَ فِي أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ وَأَبِي حُمَيْدٍ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَلَفْظُهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَقْرَةِ الْغُرَابِ وَافْتِرَاشِ السَّبُعِ وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ فِي الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرُ وَأَمَّا

باب ما جاء في وضع اليدين ونصب القدمين في السجود

حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ قَالَ قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ وَلَا يَنْبَسِطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الْكَلْبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ إِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضِهِمَا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن خُزَيْمَةَ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي [276] قَوْلُهُ (اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ) أَيْ كُونُوا مُتَوَسِّطِينَ بَيْنَ الِافْتِرَاشِ وَالْقَبْضِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 1 - (بَابَ مَا جَاءَ فِي وَضْعِ الْيَدَيْنِ وَنَصْبِ الْقَدَمَيْنِ فِي السُّجُودِ [277]) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ الْحَافِظُ صَاحِبُ السَّنَدِ (أَخْبَرَنَا وُهَيْبٌ) بالتصغير هو بن خَالِدِ بْنِ عَجْلَانَ الْبَاهِلِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ لَكِنَّهُ تَغَيَّرَ قَلِيلًا بِأَخَرَةٍ

قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ) الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدٍ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ لَهُ أَفْرَادٌ (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ (عَنْ أَبِيهِ) سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَحَدُ الْعَشَرَةِ وَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ [278] قَوْلُهُ (أَمَرَ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ) الْمُرَادُ بِهِمَا الْكَفَّانِ الْمَنْهِيُّ عَنِ افْتِرَاشِ الذِّرَاعَيْنِ كَافْتِرَاشِ الْكَلْبِ وَالْمُرَادُ وَضْعُهُمَا حِذَاءَ الْمَنْكِبَيْنِ أَوْ حِذَاءَ الْوَجْهَيْنِ وَيَسْتَقْبِلُ بِهِمَا الْقِبْلَةَ لِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ بن عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ بِيَدَيْهِ فَإِنَّهُمَا يَسْجُدَانِ مَعَ الْوَجْهِ انْتَهَى قُلْتُ وَمِنْ ثَمَّ نُدِبَ ضَمُّ الْأَصَابِعِ فِي السجود لأنها لو انفرجت انحرفت رؤوس بَعْضِهَا عَنِ الْقِبْلَةِ (وَنَصْبِ الْقَدَمَيْنِ) وَالْمُرَادُ أَنْ يَجْعَلَ قَدَمَيْهِ قَائِمَتَيْنِ عَلَى بُطُونِ أَصَابِعِهِمَا وَيَسْتَقْبِلَ بِأَطْرَافِهِمَا الْقِبْلَةَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ (وَقَالَ الْمُعَلَّى أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ الخ) حاصله أن المعلى بن أسد رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ وُهَيْبٍ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ فَأَمَّا وُهَيْبٌ فَأَسْنَدَ الْحَدِيثَ فَقَالَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ وَأَمَّا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ فَأَرْسَلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ أَبِيهِ وَحَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ مَسْعَدَةَ الْمُرْسَلُ هُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ وُهَيْبٍ الْمُسْنَدِ فَإِنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ رَوَوْهُ مُرْسَلًا كَرِوَايَةِ حَمَّادِ بن مسعدة

باب ما جاء في إقامة الصلب إذا رفع رأسه من السجود

92 - (باب ما جاء في إقامة الصلب إذا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ) وَالرُّكُوعِ [279] قَوْلُهُ (كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إِذَا رَكَعَ إِلَخْ) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ كَانَ رُكُوعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السجدتين وإذا رفع من الركوع ماخلا القيام والقعود قريبا من السواء قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ طَوِيلٌ وَحَدِيثُ أَنَسٍ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى ذَلِكَ بَلْ هُوَ نَصٌّ فِيهِ فَلَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ لِدَلِيلٍ ضَعِيفٍ وَهُوَ قَوْلُهُمْ لَمْ يُسَنَّ فِيهِ تَكْرِيرُ التَّسْبِيحَاتِ كَالرُّكُوعِ والسجود ووجه ضَعْفِهِ أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَهُوَ فَاسِدٌ وَأَيْضًا فَالذِّكْرُ الْمَشْرُوعُ فِي الِاعْتِدَالِ أَطْوَلُ مِنَ الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ فِي الرُّكُوعِ فَتَكْرِيرُ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ ثَلَاثًا يَجِيءُ قَدْرَ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ وَقَدْ شُرِعَ فِي الِاعْتِدَالِ ذِكْرٌ أَطْوَلُ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ بَعْدَ قَوْلِهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ من شيء بعد زاد في حديث بن أَبِي أَوْفَى اللَّهُمَّ طَهِّرْنِي بِالثَّلْجِ إِلَخْ وَزَادَ فِي حَدِيثِ الْآخَرِينَ أَهْلُ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ إِلَخْ كذا في فتح الباري ص 435 ج اوالمراد بِحَدِيثِ أَنَسٍ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَامَ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَوْهَمَ ثُمَّ يَسْجُدُ وَيَقْعُدُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَوْهَمَ قَوْلُهُ (قَرِيبًا مِنَ السَّوَاءِ) فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ فِيهَا تَفَاوُتًا لَكِنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ فِي الِاعْتِدَالِ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِمَا عُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ مِنْ تَطْوِيلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ تَنْبِيهٌ قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى التِّرْمِذِيِّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مُبَالَغَةُ الرَّاوِي انْتَهَى قُلْتُ كَلَّا ثُمَّ كَلَّا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كانوا لا يبالغون من عند أنفسم فِي وَصْفِ صَلَاتِهِ وَحِكَايَةِ أَفْعَالِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُقَصِّرُونَ بَلْ يَحْكُونَ عَلَى حَسَبِ مَا يَرَوْنَ فَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مُبَالَغَةُ الرَّاوِي بَاطِلٌ وَمَرْدُودٌ عَلَيْهِ

باب ما جاء في كراهية أن يبادر الامام في الركوع

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ آنِفًا [280] قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يُبَادِرَ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ) وَالسُّجُودِ [281] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) وَهُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ) الْخَطْمِيِّ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ كَانَ أَمِيرًا على الكوفة في زمن بن الزُّبَيْرِ (وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ) أَيْ غَيْرُ كَاذِبٍ قَالَ الْحَافِظُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى الْحُمَيْدِيُّ فِي جَمْعِهِ وَصَاحِبُ الْعُمْدَةِ لَكِنْ رَوَى عِيَاشٌ الدَّوْرِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ قَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ كَذُوبٍ إِنَّمَا يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الرَّاوِي عَنِ البَرَاءِ لَا الْبَرَاءَ وَلَا يُقَالُ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم غَيْرُ كَذُوبٍ يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْعِبَارَةَ إِنَّمَا تَحْسُنُ فِي مَشْكُوكٍ فِي عَدَالَتِهِ وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى تَزْكِيَةٍ وَقَدْ تَعَقَّبَهُ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ هَذَا الْقَوْلُ لَا يُوجِبُ تُهْمَةً فِي الرَّاوِي إِنَّمَا يُوجِبُ حَقِيقَةَ الصِّدْقِ لَهُ قَالَ وَهَذِهِ عَادَتُهُمْ إِذَا أَرَادُوا تَأْكِيدَ الْعِلْمِ بِالرَّاوِي وَالْعَمَلَ بِمَا رَوَى كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يقول سمعت خليلي الصادق المصدوق وقال بن مَسْعُودٍ حَدَّثَنِي الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ وَقَالَ عِيَاضٌ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ لَا وَصْمَ فِي هَذَا عَلَى الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْدِيلَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَقْوِيَةَ الْحَدِيثِ إِذْ حَدَّثَ الْبَرَاءُ وَهُوَ غَيْرُ مُتَّهَمٍ وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُ أَبِي مُسْلِمٍ الخولاني حدثني الحبيب الأمين وقد قال بن مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَذَكَرَهُمَا قَالَ وَهَذَا قَالُوهُ تَنْبِيهًا عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ لَا أَنَّ قَائِلَهُ قصد به تعديل رواية وأيضا فتنزيه بن مَعِينٍ لِلْبَرَاءِ عَنِ التَّعْدِيلِ لِأَجْلِ صُحْبَتِهِ وَلَمْ يُنَزِّهْ عَنْ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ لَا وَجْهَ لَهُ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ عَلِمْتُ

أَنَّهُ أَخَذَ كَلَامَ الْخَطَّابِيِّ فَبَسَطَهُ وَاسْتَدْرَكَ عَلَيْهِ الْإِلْزَامَ الْأَخِيرَ وَلَيْسَ بِوَارِدٍ لِأَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ لَا يُثْبِتُ صُحْبَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَقَدْ نَفَاهَا أَيْضًا مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ وَتَوَقَّفَ فِيهَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو داود وأثبتها بن الْبَرْقِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَآخَرُونَ انْتَهَى قَوْلُهُ (لَمْ يَحْنِ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَمْ يُثْنِ يُقَالُ حَنَيْتُ الْعُودَ إِذَا ثَنَيْتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ لَا يَحْنُو وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ يُقَالُ حَنَيْتُ وَحَنَوْتُ بِمَعْنًى قَالَهُ الْحَافِظُ (حَتَّى يَسْجُدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ حَتَّى يَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ (فنسجد) ولأحمد عَنْ غُنْدَرٍ عَنْ شُعْبَةَ حَتَّى يَسْجُدَ ثُمَّ يسجدون واستدل به بن الْجَوْزِيِّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَشْرَعُ فِي الرُّكْنِ حَتَّى يُتِمَّهُ الْإِمَامُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا التَّأَخُّرُ حَتَّى يَتَلَبَّسَ الْإِمَامُ بِالرُّكْنِ الَّذِي يَنْتَقِلُ إِلَيْهِ بِحَيْثُ يَشْرَعُ الْمَأْمُومُ بَعْدَ شُرُوعِهِ وَقَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَكَانَ لَا يَحْنِي أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَسْتَتِمَّ سَاجِدًا وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ حَتَّى يَتَمَكَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السُّجُودِ وَهُوَ أَوْضَحُ فِي انْتِفَاءِ الْمُقَارَنَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ قوله (وفي الباب عن أنس ومعاوية وبن مَسْعَدَةَ صَاحِبِ الْجُيُوشِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي إِمَامُكُمْ لَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ وَلَا بِالْقِيَامِ وَلَا بِالِانْصِرَافِ فَإِنِّي أَرَاكُمْ أَمَامِي وَمِنْ خَلْفِي وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وأما حديث بن مَسْعَدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ الَّذِي رَوَاهُ عن بن مَسْعَدَةَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَكْثَرُ رِوَايَتِهِ عَنِ التَّابِعِينَ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ أَهْلُ الْعِلْمِ إِنَّ مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ إِنَّمَا يَتَّبِعُونَ الْإِمَامَ فِيمَا يَصْنَعُ وَلَا يَرْكَعُونَ

باب ما جاء في كراهية الاقعاء بين السجدتين

إِلَّا بَعْدَ رُكُوعِهِ وَلَا يَرْفَعُونَ إِلَّا بَعْدَ رَفْعِهِ إِلَخْ) فَلَا يَجُوزُ لَهُمُ التَّقَدُّمُ وَلَا الْمُقَارَبَةُ 42092020 0 - 2 - 0 (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْإِقْعَاءِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ [282]) قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْإِقْعَاءِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَلْصَقَ إِلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ هَكَذَا فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى وَصَاحِبُهُ أَبُو عُبَيْدِ الْقَاسِمِ بْنُ سَلَامٍ وَآخَرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهَذَا النَّوْعُ هُوَ الْمَكْرُوهُ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ وَالنَّوْعُ الثَّانِي أَنْ يَجْعَلَ إِلْيَتَيْهِ عَلَى الْعَقِبَيْنِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ انْتَهَى وَذَكَرَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ ثُمَّ ذَكَرَ التَّفْسِيرَ الثَّانِيَ بِلَفْظِ قِيلَ ثُمَّ قَالَ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ قوله (حدثنا عبد الله بن دينار) هُوَ الدَّارِمِيُّ الْحَافِظُ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ قَوْلُهُ يَا عَلِيُّ أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي وَأَكْرَهُ لَكَ مَا أَكْرَهُ لِنَفْسِي الْمَقْصُودُ إِظْهَارُ الْمَحَبَّةِ لِوُقُوعِ النُّصْحِيَّةِ وَإِلَّا فَهُوَ مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ كَذَلِكَ لَا تُقْعِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مِنَ الْإِقْعَاءِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ النَّهْيُ عَنِ الْإِقْعَاءِ بين السجدتين وحديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الْآتِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَنَذْكُرُ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْبَابِ الْآتِي قَوْلُهُ (وَقَدْ ضَعَّفَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْحَارِثَ الْأَعْوَرَ) هُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْوَرُ الْهَمْدَانِيُّ بِسُكُونِ الْمِيمِ أَبُو زُهَيْرٍ صَاحِبُ عَلِيٍّ كَذَّبَهُ الشَّعْبِيُّ فِي رِوَايَةٍ وَرُمِيَ بِالرَّفْضِ وَفِي حَدِيثِهِ ضَعْفٌ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ سِوَى حَدِيثَيْنِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ بن الزُّبَيْرِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَرَوَى

باب في الرخصة في الاقعاء

مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ حَدَّثَنِي الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ وَكَانَ كَذَّابًا انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَرَأْتُ بِخَطِّ الذَّهَبِيِّ فِي الْمِيزَانِ وَالنَّسَائِيُّ مَعَ تَعَنُّتِهِ فِي الرِّجَالِ قَدِ احْتَجَّ بِهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَوْهِينِهِ مَعَ رِوَايَتِهِمْ لِحَدِيثِهِ فِي الْأَبْوَابِ وَهَذَا الشَّعْبِيُّ يُكَذِّبُهُ ثُمَّ يَرْوِي عَنْهُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَكْذِبُ فِي حِكَايَاتِهِ لَا فِي الْحَدِيثِ قَالَ الْحَافِظُ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ النَّسَائِيُّ وَإِنَّمَا خَرَّجَ لَهُ فِي السُّنَنِ حَدِيثًا وَاحِدًا مَقْرُونًا بِابْنِ مَيْسَرَةَ وَآخَرَ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مُتَابَعَةً وَهَذَا جميع ماله عِنْدَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّاتُ وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ وَأَمَّا حديث أنس فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَلَا تُقْعِ كَمَا يُقْعِي الْكَلْبُ الْحَدِيثَ وَفِي إِسْنَادِهِ الْعَلَاءُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرِ الدِّيكِ وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَإِسْنَادُ أَحْمَدَ حَسَنٌ 5 - (بَابٌ فِي الرُّخْصَةِ في الاقعاء [283]) تقدم في الباب أن الاقعاء على نوعين وسيطهر لَكَ أَنَّ الرُّخْصَةَ فِي الْإِقْعَاءِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي (إِنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرِّجْلِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التلخيص ضبط بن عَبْدِ الْبَرِّ بِالرِّجْلِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَغَلِطَ مَنْ ضَبَطَهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَخَالَفَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ رَدَّ

الجمهور على بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالُوا الصَّوَابُ الضَّمُّ وَهُوَ الَّذِي يَلِيقُ بِهِ إِضَافَةُ الْجَفَاءِ إِلَيْهِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو عُمَرَ مَا رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ جَفَاءً بِالْقَدَمِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ ما رواه بن أَبِي خَيْثَمَةَ بِلَفْظِ لَنَرَاهُ جَفَاءَ الْمَرْءِ فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَالْجَفَاءُ غِلَظُ الطَّبْعِ وَتَرْكُ الصِّلَةِ وَالْبِرِّ (بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ) هَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْإِقْعَاءَ سُنَّةٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هذا الحديث وبين الْوَارِدَةِ فِي النَّهْيِ عَنِ الْإِقْعَاءِ فَجَنَحَ الْخَطَّابِيُّ والماوردي إلى أن الاقعاء منسوخ ولعل بن عَبَّاسٍ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ وَجَنَحَ الْبَيْهَقِيُّ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِقْعَاءَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يضع إليتيه عَلَى عَقِبَيْهِ وَتَكُونَ رُكْبَتَاهُ فِي الْأَرْضِ وَهَذَا هو الذي رواه بن عَبَّاسٍ وَفَعَلَتْهُ الْعَبَادِلَةُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الِافْتِرَاشَ أَفْضَلُ مِنْهُ لِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ لَهُ وَلِأَنَّهُ أَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي وَأَحْسَنُ فِي هَيْئَةِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي أَنْ يَضَعَ إِلْيَتَيْهِ وَيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِكَرَاهَتِهِ وتبع البيهقي على هذا الجمع بن الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ وَأَنْكَرَا عَلَى مَنِ ادَّعَى فِيهِمَا النَّسْخَ وَقَالَا كَيْفَ ثَبَتَ النَّسْخُ مَعَ عَدَمِ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِالتَّارِيخِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ وَقَالَ فِي النَّيْلِ وَهَذَا الْجَمْعُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ وَالْمُعَارِضُ لَهَا يُرْشِدُ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّصْرِيحِ بِإِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَلِمَا فِي أَحَادِيثِ الْعَبَادِلَةِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِالْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ وَعَلَى أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ وَقَدْ رُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَمَسَّ عَقِبَيْكَ إِلْيَتَيْكَ وَهُوَ مُفَسِّرٌ لِلْمُرَادِ فَالْقَوْلُ بِالنَّسْخِ غَفْلَةٌ عَنْ ذَلِكَ وَعَمَّا صَرَّحَ بِهِ الْحُفَّاظُ مِنْ جَهْلِ تَارِيخِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَعَنِ المَنْعِ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى النَّسْخِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فِعْلُهُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَدِ اخْتَارَ هَذَا الْجَمْعَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ كَابْنِ الْهُمَامِ وَغَيْرِهِ فَائِدَةٌ قَالَ بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ الِافْتِرَاشُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنَ الْإِقْعَاءِ الْمَسْنُونِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَكْثَرُ من أحواله عليه السلام انتهى قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ بْنِ حَجَرٍ هذا ما لفظه وفيه أن الأولى أَنْ يُحْمَلَ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمَسْنُونُ وَغَيْرُهُ إِمَّا لِعُذْرٍ أَوْ لِبَيَانِ الْجَوَازِ انْتَهَى قلت لو كان لعذر لم يقل بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ والظاهر هو ما قال بن حَجَرٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما يقول بين السجدتين

قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَوْنَ بِالْإِقْعَاءِ بَأْسًا) قَالَ الحافظ في التلخيص وللبيهقي عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الْأُولَى يَقْعُدُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَيَقُولُ إنه السنة وفيه عن بن عمر وبن عباس أنهما كانا يقعيان وعن طاووس قَالَ رَأَيْتُ الْعَبَادِلَةَ يُقْعُونَ أَسَانِيدُهَا صَحِيحَةٌ انْتَهَى قُلْتُ لَكِنَّ إِقْعَاءَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانَ بِالْمَعْنَى الثَّانِي وَلَمْ يَكُنْ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ) وَهُوَ قَوْلُ عطاء وطاوس وبن أَبِي مُلَيْكَةَ وَنَافِعٍ وَالْعَبَادِلَةِ كَذَا نَقَلَ الْعَيْنِيُّ عن بن تَيْمِيَةَ (وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ الْإِقْعَاءَ بَيْنَ السجدتين) وهو قول أبي حنيفة ومالك الشافعي وَأَحْمَدَ كَذَا قِيلَ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ لَنَا مَا فِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عن بن عُمَرَ تَصْرِيحٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّتِهِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ زِيَادَةَ الِاعْتِمَادِ فِي نَقْلِ السنة على بن عمر فإن بن عَبَّاسٍ رُبَّمَا يَقُولُ بِاجْتِهَادِهِ وَرَأْيِهِ وَيُعَبِّرُهُ بِالسُّنَّةِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا مُجَرَّدُ ادِّعَاءٍ وَلَوْ سُلِّمَ فَإِنَّمَا يَكُونُ تَعْبِيرُهُ بِالسُّنَّةِ لَا بِسُنَّةِ نَبِيِّكُمْ وَقَدْ قَالَ فِي الْإِقْعَاءِ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ على أنه قد صرح بن عُمَرَ أَيْضًا بِأَنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ الْأُولَى يَقْعُدُ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَيَقُولُ إِنَّهُ السُّنَّةُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَمَا عَرَفْتَ 6 - (بَاب مَا يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ [284]) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ) الْمَسْمَعِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ ثِقَةٌ مِنْ شُيُوخِ التِّرْمِذِيِّ

وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا (عَنْ كَامِلٍ أَبِي الْعَلَاءِ) هُوَ كامل بن العلاء التميمي الكوفي صدوق يخطيء مِنَ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي) وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي وَعِنْدَ بن مَاجَهْ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْزُقْنِي وارفعني قال الحافظ في التلخيص وجمع بينهما الْحَاكِمُ كُلِّهَا إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ وَعَافِنِي انْتَهَى قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَاجْبُرْنِي أَيِ أَغْنِنِي مِنْ جَبَرَ اللَّهُ مُصِيبَتَهُ أَيْ رَدَّ عَلَيْهِ مَا ذَهَبَ عَنْهُ أَوْ عَوَّضَهُ عَنْهُ وَأَصْلُهُ مِنْ جَبْرِ الْكَسْرِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدُّعَاءِ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي الْقَعْدَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ رَبِّ اغْفِرْ لِي رَبِّ اغْفِرْ لِي رواه النسائي وبن مَاجَهْ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مُطَوَّلًا [285] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) تَفَرَّدَ بِهِ كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَنَقَلَ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ ثُمَّ قَالَ وَكَامِلٌ هُوَ أَبُو الْعَلَاءِ وَيُقَالُ أَبُو عُبَيْدِ اللَّهِ كَامِلُ بْنُ الْعَلَاءِ التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ الْكُوفِيُّ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قُلْتُ وقال بن عَدِيٍّ لَمْ أَرَ لِلْمُتَقَدِّمِينَ فِيهِ كَلَامًا وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ أَشْيَاءُ أَنْكَرْتُهَا وَمَعَ هَذَا أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ مَرَّةً لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ بن حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ يَقْلِبُ الْأَسَانِيدَ وَيَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الرِّجَالِ فَقَوْلُ النَّسَائِيِّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ جَرْحٌ مُبْهَمٌ ثُمَّ هُوَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَأَمَّا قول بن حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ يَقْلِبُ الْأَسَانِيدَ إِلَخْ غَيْرُ قَادِحٍ فَإِنَّهُ مُتَعَنِّتٌ وَمُسْرِفٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ فَحَدِيثُهُ هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا فَلَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في الاعتماد في السجود

97 - (باب ما جاء في الاعتماد في السجود [286]) قَوْلُهُ (عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدَّةِ الْيَاءِ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ رَوَى عَنْ مولاه وأبي صالح ذكوان وبن الْمُسَيَّبِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ ثِقَةٌ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ قَتَلَتْهُ الْحَرُورِيَّةُ سَنَةَ 53 خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ثِقَةٌ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) هُوَ ذَكْوَانُ قَوْلُهُ (إِذَا تَفَرَّجُوا) إِذَا بَاعَدُوا الْيَدَيْنِ عَنِ الْجَنْبَيْنِ وَرَفَعُوا الْبَطْنَ عَنِ الفخذين في السجود استعينوا بالركب قال بن عَجْلَانَ أَحَدُ رُوَاةِ الْحَدِيثِ وَذَلِكَ أَنْ يَضَعَ مرفقيه على ركبتيه إذا طال السجود وأعيا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِعَانَةِ بِالرُّكَبِ فِي السُّجُودِ عِنْدَ الْمَشَقَّةِ فِي التَّفْرِيجِ قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثِ التَّفْرِيجِ فِي السُّجُودِ مَا لَفْظُهُ ظَاهِرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وُجُوبُ التَّفْرِيجِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ شَكَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مَشَقَّةَ السُّجُودِ عَلَيْهِمْ إِذَا انْفَرَجُوا فَقَالَ اسْتَعِينُوا بِالرُّكَبِ وَتَرْجَمَ لَهُ الرُّخْصَةَ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي تَرْكِ التَّفْرِيجِ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّفْرِيجَ فِي السُّجُودِ وَاجِبٌ عِنْدَ عَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ وَأَمَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ فَيَجُوزُ تَرْكُ التَّفْرِيجِ وَالِاسْتِعَانَةُ بِالرُّكَبِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ أبو داود تنبيه قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَعْدَ نَقْلِ حَدِيثِ الْبَابِ عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مَا لَفْظُهُ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَتِهِ يَعْنِي فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ إِذَا انْفَرَجُوا فَتَرْجَمَ لَهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاعْتِمَادِ إِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ فَجَعَلَ مَحَلَّ الِاسْتِعَانَةِ بِالرُّكَبِ لِمَنْ يَرْفَعُ مِنَ

باب كيف النهوض من السجود

السُّجُودِ طَالِبًا لِلْقِيَامِ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُ مَا قَالَ لَكِنَّ الزِّيَادَةَ الَّتِي أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ تُعَيِّنُ الْمُرَادَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء مَا لَفْظُهُ وَفِي التَّلْوِيحِ وَزَعَمَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ هَذَا كَانَ رُخْصَةً وَأَمَّا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فَإِنَّهُ فَهِمَ مِنْهُ غَيْرَ مَا قَالَهُ بن عَجْلَانَ فَذَكَرَهُ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الِاعْتِمَادِ إِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاعْتِمَادِ فِي السُّجُودِ وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا إِذَا قَامَ مِنَ السُّجُودِ وَقَدْ وَقَعَ فِي جَمِيعِهَا لَفْظُ إِذَا تَفَرَّجُوا كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أبي داود فلعله وقع في بضع النُّسَخِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَصَاحِبُ التَّوْشِيحِ وَاللَّهُ تعالى أعلم 8 - (بَابُ كَيْفَ النُّهُوضُ مِنَ السُّجُودِ [287]) قَوْلُهُ (إِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ (لَمْ يَنْهَضْ) أَيْ لَمْ يَقُمْ (حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا) وَهَذِهِ الْجِلْسَةُ تُسَمَّى بِجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَأَخَذَ بِهَا الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وَذَكَرَ الْخَلَّالُ أَنَّ أَحْمَدَ رَجَعَ إِلَى الْقَوْلِ بِهَا ولم يستحبها الْأَكْثَرُ انْتَهَى كَلَامُهُ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِسُنِّيَّةِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَبِأَحَادِيثَ أُخْرَى فَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَعْلَمُكُمْ

بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا فَاعْرِضْ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ يَهْوِي إِلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا فَيُجَافِي يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَيَفْتَحُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيُثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَعْتَدِلُ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ثُمَّ يَسْجُدُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَيَرْفَعُ وَيُثْنِي رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَيَقْعُدُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَعْتَدِلُ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إِلَى مَوْضِعِهِ ثُمَّ يَنْهَضُ ثُمَّ يَصْنَعُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ إِلَخْ رَوَاهُ أبو داود والدارمي وروى الترمذي وبن مَاجَهْ مَعْنَاهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ كَذَا فِي مِشْكَاةِ الْمَصَابِيحِ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ هَكَذَا ثُمَّ هَوَى إِلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ إِبْطَيْهِ وَفَتَحَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ عَلَيْهَا ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ نَهَضَ ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ إِلَخْ ومنها حديث بن عَبَّاسٍ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَآخَرُونَ وَفِيهِ ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنَ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ الْحَدِيثَ قَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي كِتَابِهِ الْآثَارِ الْمَرْفُوعَةِ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ فِي إِثْبَاتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ مَا لَفْظُهُ اعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا الْحَنَفِيَّةِ وَكَثِيرًا مِنَ الْمَشَايِخِ الصُّوفِيَّةِ قَدْ ذَكَرُوا فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي حَكَاهَا التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْخَالِيَةَ عَنْ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْمُحَدِّثُونَ أَكْثَرُهُمُ اخْتَارُوا الْكَيْفِيَّةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا أَسْلَفْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ ثُبُوتًا هُوَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ فَلْيَأْخُذْ بِهَا مَنْ يُصَلِّيهَا حَنَفِيًّا كَانَ أَوْ شَافِعِيًّا انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ تَنْبِيهٌ قَدِ اعْتَذَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَقُلْ بِجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ عَنِ العَمَلِ بِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ بِأَعْذَارٍ كُلِّهَا بَارِدَةٍ فَمِنْهَا مَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الْكِبَرِ وَرَدَّهُ صَاحِبُ بَحْرِ الرَّائِقِ حَيْثُ قَالَ يُرَدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صَلُّوا كما رأيتموني أصلي انتهى وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ هَذَا تَأْوِيلٌ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُفَارِقَهُ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَلَمْ يُفَصِّلْ لَهُ فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَمِنْهَا مَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ خَالٍ عَنْهَا أَيْ عَنْ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَإِنَّهُ سَاقَهُ بِلَفْظِ قَامَ وَلَمْ يَتَوَرَّكْ قَالَ فَلَمَّا تَخَالَفَا احْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلَهُ فِي حَدِيثِ

مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ لِعِلَّةٍ كَانَتْ بِهِ فَقَعَدَ لِأَجْلِهَا لَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ انْتَهَى وَفِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْعِلَّةِ وَأَنَّ مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ هُوَ رَاوِي حَدِيثِ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي فَحِكَايَاتُهُ لِصِفَاتِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ هَذَا الْأَمْرِ وَلَمْ تَتَّفِقِ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَلَى نَفْيِ هَذِهِ الْجِلْسَةِ بَلْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِإِثْبَاتِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِثْبَاتِهَا كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَشُرِعَ لَهَا ذِكْرٌ مَخْصُوصٌ وَفِيهِ أَنَّهَا جِلْسَةٌ خَفِيفَةٌ جِدًّا اسْتُغْنِيَ فِيهَا بِالتَّكْبِيرِ الْمَشْرُوعِ لِلْقِيَامِ فَإِنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ النُّهُوضِ إِلَى الْقِيَامِ وَمِنْهَا أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَذَكَرَهَا كُلُّ مَنْ وَصَفَ صَلَاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ أَنَّ السُّنَنَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا لَمْ يَسْتَوْعِبْهَا كل واحد ممن وصفع صَلَاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أُخِذَ مَجْمُوعُهَا مِنْ مَجْمُوعِهِمْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لِمَنْ قَالَ بِسُنِّيَّةِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَهُوَ الْحَقُّ وَالْأَعْذَارُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ لَا يَلِيقُ أَنْ يُلْتَفَتَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا مُسْلِمًا وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ) وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَإِلَى الْقَوْلِ بِهَا رَجَعَ أَحْمَدُ كَمَا تَقَدَّمَ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَجَعَ عَنِ القَوْلِ بِتَرْكِ جِلْسَةِ الاستراحة إلى القول بها قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ هَلْ يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ فَرُوِيَ عَنْهُ لَا يَجْلِسُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخِرَقِيِّ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَجْلِسُ وَاخْتَارَهَا الْخَلَّالُ قَالَ الْخَلَّالُ رَجَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِلَى هَذَا يَعْنِي تَرَكَ قَوْلَهُ بِتَرْكِ الْجُلُوسِ لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْلِسُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ أَنْ يَنْهَضَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا أَبُو حُمَيْدٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ وَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ فِي الشَّرْحِ الْكَبِيرِ عَلَى مَتْنِ الْمُقْنِعِ لِشَمْسِ الدِّينِ أَبِي الْفَرَجِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَقْدِسِيِّ وَفِيهِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّهُ يَجْلِسُ اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ قَالَ الْخَلَّالُ رَجَعَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَوْلِهِ بِتَرْكِ الْجُلُوسِ وقال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ قَالَ الْخَلَّالُ رَجَعَ أَحْمَدُ إِلَى حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ

فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ فَفِي رُجُوعِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنِ القَوْلِ بِتَرْكِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ إِلَى الْقَوْلِ بِهَا لَا شَكَّ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْلِيقَاتِهِ عَلَى الترمذي رجوعه عن الحافظ بن حجر وعن بن الْقَيِّمِ ثُمَّ قَالَ وَظَنِّي أَنَّ أَحْمَدَ لَمْ يَرْجِعْ انْتَهَى قُلْتُ مَبْنَى ظَنِّهِ هَذَا وَمَنْشَؤُهُ لَيْسَ إِلَّا التَّقْلِيدُ فَإِنَّهُ إِذَا تَمَكَّنَ فِي قَلْبٍ وَرَسَخَ فِيهِ يَنْشَأُ مِنْهُ كَذَلِكَ ظُنُونٌ فَاسِدَةٌ (وَبِهِ يَقُولُ أَصْحَابُنَا) يَعْنِي أَصْحَابَ الْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِذَا قَالَ أَصْحَابُنَا يُرِيدُ بِهِمْ أَصْحَابَ الحديث 9214214214 214 - باب منه أيضا [288] قوله (عن خَالِدُ بْنُ إِيَاسٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَخِفَّةِ التَّحْتِيَّةِ (وَيُقَالُ خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ بْنِ صَخْرِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ أَبُو الْهَيْثَمِ الْعَدَوِيُّ الْمَدَنِيُّ إِمَامُ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ مِنَ السَّابِعَةِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ (عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ باخره قال بن عَدِيٍّ لَا بَأْسَ بِرِوَايَةِ الْقُدَمَاءِ عَنْهُ كَابْنِ أبي ذئب وبن جُرَيْجٍ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ) أَيْ بِدُونِ الْجُلُوسِ وَالْحَدِيثُ قَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِسُنِّيَّةِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لَا يَقُومُ بِمِثْلِهِ الْحُجَّةُ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ خَالِدَ بْنَ إِيَاسٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَمَا عَرَفْتَ وَأَيْضًا فِيهِ صَالِحٌ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ وَكَانَ قَدِ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ كَمَا عَرَفْتَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ أَنْ يَنْهَضَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ) لَوْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ

لَكَانَ أَوْلَى فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ أَصْحَابُنَا وَاسْتَدَلَّ مَنِ اخْتَارَ النُّهُوضَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ الْقَدَمَيْنِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثَ أُخْرَى وَآثَارٍ فَعَلَيْنَا أَنْ نَذْكُرَهَا مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فَمِنْهَا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إِنَّهُ أَحْمَقُ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قِيلَ يُسْتَفَادُ مِنْهُ تَرْكُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَإِلَّا لَكَانَتِ التَّكْبِيرَاتُ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ جِلْسَةٌ خَفِيفَةٌ جِدًّا وَلِذَلِكَ لَمْ يُشْرَعْ فِيهَا ذِكْرٌ فَهِيَ لَيْسَتْ بِجِلْسَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ بَلْ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ النُّهُوضِ إِلَى الْقِيَامِ فَكَيْفَ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَرْكُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَلَوْ سُلِّمَ فَدَلَالَتُهُ عَلَى التَّرْكِ لَيْسَ إِلَّا بِالْإِشَارَةِ وَحَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهَا بِالْعِبَارَةِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْعِبَارَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِشَارَةِ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ جَمَعَ قَوْمَهُ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَشْعَرِيِّينَ اجْتَمِعُوا وَاجْمَعُوا نِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ أُعَلِّمْكُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ كَبَّرَ وَخَرَّ سَاجِدًا ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ كَبَّرَ فَانْتَهَضَ قَائِمًا رَوَاهُ أَحْمَدُ قِيلَ قَوْلُهُ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ فَانْتَهَضَ قَائِمًا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ شَهْرَ بْنَ حَوْشَبٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ وَالْأَوْهَامِ انْتَهَى ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِصَرِيحٍ بِنَفْيِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَلَوْ سُلِّمَ فَهُوَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ وُجُوبِهَا لَا عَلَى نَفْيِ سُنِّيَّتِهَا ثُمَّ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَقْوَى وَأَصَحُّ وَأَثْبَتُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَفِيهِ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ فَقَامَ وَلَمْ يَتَوَرَّكْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ صَحِيحٍ وَالتِّرْمِذِيَّ بِإِثْبَاتِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُمَا وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي

باب ما جاء في التشهد

وَأَمَّا الْآثَارُ فَمِنْهَا أَثَرُ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ قَالَ أَدْرَكْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَالثَّالِثَةِ قَامَ كَمَا هُوَ وَلَمْ يَجْلِسْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَجْلَانَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ عَيَّاشٍ بِالْعَنْعَنَةِ على أن محمد بن عجلان سيء الْحِفْظِ وَقَدْ تَفَرَّدَ هُوَ بِهِ وَرَوَى عَنْهُ أبو خالد الأحمر وهو أيضا سيىء الحفظ ومنها أثر بن مَسْعُودٍ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ رَمَقْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فِي الصَّلَاةِ فَرَأَيْتُهُ يَنْهَضُ وَلَا يَجْلِسُ قَالَ يَنْهَضُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْأَثَرِ وَهُوَ عَنِ بن مَسْعُودٍ صَحِيحٌ وَمُتَابَعَةُ السُّنَّةِ أَوْلَى انْتَهَى كَذَا فِي الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ ص 741 ج 1 قُلْتُ وَتَرْكُ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا لَا عَلَى نَفْيِ سُنِّيَّتِهَا وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَطِيَّةَ العوفي قال رأيت بن عمر وبن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُومُونَ عَلَى صُدُورِ أَقْدَامِهِمْ فِي الصَّلَاةِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ بَعْدَ إِخْرَاجِ هَذَا الْأَثَرِ وَعَطِيَّةُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ الْكُوفِيُّ تَابِعِيٌّ شَهِيرٌ ضَعِيفٌ انتهى 00 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّشَهُّدِ [289]) قَوْلُهُ (التَّحِيَّاتُ) جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَمَعْنَاهَا السَّلَامُ وَقِيلَ الْبَقَاءُ وَقِيلَ الْعَظَمَةُ وَقِيلَ السَّلَامَةُ مِنَ الْآفَاتِ وَالنَّقْصِ وَقِيلَ الْمُلْكُ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ التَّحِيَّةِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ هَذِهِ الْمَعَانِي وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغَوِيُّ الْمُرَادُ بِالتَّحِيَّاتِ لِلَّهِ أَنْوَاعُ التَّعْظِيمِ لَهُ (وَالصَّلَوَاتُ) قِيلَ الْمُرَادُ الْخَمْسُ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ وَقِيلَ الْعِبَادَاتُ كُلُّهَا وَقِيلَ

الْمُرَادُ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ التَّحِيَّاتُ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ وَالصَّلَوَاتُ الْعِبَادَاتُ الْفِعْلِيَّةُ وَالطَّيِّبَاتُ الصَّدَقَاتُ الْمَالِيَّةُ (وَالطَّيِّبَاتُ) أَيْ مَا طَابَ مِنَ الْكَلَامِ وَحَسُنَ أَنْ يُثْنَى بِهِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى دُونَ مَا لَا يَلِيقُ بِصِفَاتِهِ مِمَّا كَانَ الْمُلُوكُ يُحَيَّوْنَ بِهِ وَقِيلَ الطَّيِّبَاتُ ذِكْرُ اللَّهِ وَقِيلَ الْأَقْوَالُ الصَّالِحَةُ كَالدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ وَقِيلَ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَهُوَ أَعَمُّ قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ إِذَا حُمِلَتِ التَّحِيَّةُ عَلَى السَّلَامِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ التَّحِيَّاتُ الَّتِي تُعَظَّمُ بِهَا الْمُلُوكُ مُسْتَمِرَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الْبَقَاءِ فَلَا شَكَّ فِي اخْتِصَاصِ اللَّهِ بِهِ وَكَذَلِكَ الْمُلْكُ الْحَقِيقِيُّ وَالْعَظَمَةُ التَّامَّةُ وَإِذَا حُمِلَتِ الصَّلَاةُ عَلَى الْعَهْدِ أَوِ الْجِنْسِ كَانَ التَّقْدِيرُ أَنَّهَا لِلَّهِ وَاجِبَةٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقْصَدَ بِهَا غَيْرُهُ وَإِذَا حُمِلَتْ عَلَى الرَّحْمَةِ فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ لِلَّهِ أَنَّهُ الْمُتَفَضِّلُ بِهَا لِأَنَّ الرَّحْمَةَ التَّامَّةَ لِلَّهِ يُؤْتِيهَا مَنْ يَشَاءُ وَإِذَا حُمِلَتْ عَلَى الدُّعَاءِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الطَّيِّبَاتُ فَقَدْ فُسِّرَتْ بِالْأَقْوَالِ وَلَعَلَّ تَفْسِيرَهَا بِمَا هُوَ أَعَمُّ أَوْلَى فَتَشْمَلُ الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ وَالْأَوْصَافَ وَطِيبُهَا كَوْنُهَا كَامِلَةً خَالِصَةً عَنِ الشَّوَائِبِ (السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ شُرِعَ هَذَا اللَّفْظُ وَهُوَ خِطَابُ بَشَرٍ مَعَ كَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ قِيلَ مَا الْحِكْمَةُ فِي الْعُدُولِ عَنِ الغَيْبَةِ إِلَى الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ مَعَ أَنَّ لَفْظَ الْغَيْبَةِ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ كَأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ فَيَنْتَقِلُ مِنْ تَحِيَّةِ اللَّهِ إِلَى تَحِيَّةِ النَّبِيِّ ثُمَّ إِلَى تَحِيَّةِ النَّفْسِ ثُمَّ إِلَى تَحِيَّةِ الصَّالِحِينَ أَجَابَ الطِّيبِيُّ بِمَا مُحَصَّلُهُ نَحْنُ نَتَّبِعُ لَفْظَ الرَّسُولِ بِعَيْنِهِ الَّذِي كَانَ عَلَّمَهُ الصَّحَابَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ مَا يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُقَالُ بِلَفْظِ الْخِطَابِ وَأَمَّا بعده فيقال بلفظ الغيبة ففي الاستيذان مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْمَرٍ عن بن مَسْعُودٍ بَعْدَ أَنْ سَاقَ حَدِيثَ التَّشَهُّدِ قَالَ وَهُوَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ يَعْنِي عَلَى النَّبِيِّ كَذَا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالسَّرَّاجُ وَالْجَوْزَقِيُّ وأبو نعيم الأصبحاني وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ إِلَى أَبِي نُعَيْمٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ بِلَفْظِ فَلَمَّا قُبِضَ قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ بِحَذْفِ لَفْظِ يَعْنِي وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ وَقَدْ وَجَدْتُ لَهُ مُتَابِعًا قويا قال عبد الرزاق أخبرنا بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَقُولُونَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ فَلَمَّا مَاتَ قَالُوا السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ انْتَهَى (وَرَحْمَةُ اللَّهِ) أَيْ إِحْسَانُهُ (وَبَرَكَاتُهُ) أَيْ زِيَادَتُهُ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ (السَّلَامُ عَلَيْنَا) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْبُدَاءَةِ بِالنَّفْسِ فِي الدُّعَاءِ وَفِي التِّرْمِذِيِّ مُصَحَّحًا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا فَدَعَا لَهُ بَدَأَ بِنَفْسِهِ وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَمِنْهُ قَوْلُ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كَمَا فِي التَّنْزِيلِ (وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ) الْأَشْهَرُ فِي تَفْسِيرِ الصَّالِحِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ

مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَتَتَفَاوَتُ دَرَجَاتُهُ قَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْظَى بِهَذَا السَّلَامِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ الْخَلْقُ فِي الصَّلَاةِ فليكن عبدا صالحا والإحرام هَذَا الْفَضْلَ الْعَظِيمَ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بن عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَائِشَةَ أَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ) وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حديث جابر فأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ كَذَا فِي النَّيْلِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وقفه قاله في النيل قوله (حديث بن مَسْعُودٍ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ وَهُوَ أَصَحُّ حَدِيثٍ إِلَخْ) قَالَ الْبَزَّارُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ هو عندي حديث بن مَسْعُودٍ وَرُوِيَ مِنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ طَرِيقًا ثُمَّ سَرَدَ أَكْثَرَهَا وَقَالَ لَا أَعْلَمُ فِي التَّشَهُّدِ أَثْبَتَ مِنْهُ وَلَا أَصَحَّ أَسَانِيدَ وَلَا أَشْهَرَ رِجَالًا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ وَمِنْ رُجْحَانِهِ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ وَأَنَّ الرُّوَاةَ عَنْهُ الثِّقَاتِ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَلْفَاظِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ تَلَقَّاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلْقِينًا فَفِي رِوَايَةٍ لِلطَّحَاوِيِّ أَخَذْتُ التَّشَهُّدَ مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولقنيه كَلِمَةً كَلِمَةً ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ وُجُوهًا أُخَرَ لرجحانه قوله (وهو قول سفيان الثوري وبن المبارك وأحمد وإسحاق) وهو قول أبي حنيفة وَاخْتَارَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ تَشَهُّدَ عُمَرَ لِكَوْنِهِ عَلَّمَهُ لِلنَّاسِ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ فَيَكُونُ إجماعا ولفظه نحو حديث بن عَبَّاسٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ الزَّاكِيَاتُ بَدَلَ الْمُبَارَكَاتِ وكأنه بالمعنى واختار الشافعي تشهد بن عباس وقال بعد أن أخرج حديث بن عَبَّاسٍ رَوَيْتُ أَحَادِيثَ فِي التَّشَهُّدِ مُخْتَلِفَةً وَكَانَ هَذَا أَحَبَّ إِلَيَّ لِأَنَّهُ أَكْمَلُهَا وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ اخْتِيَارِهِ تَشَهُّدَ بن عباس لما رأيته واسعا

وسمعته عن بن عَبَّاسٍ صَحِيحًا كَانَ عِنْدِي أَجْمَعَ وَأَكْثَرَ لَفْظًا من غيره وأخذت بِهِ غَيْرَ مُعَنِّفٍ لِمَنْ يَأْخُذُ بِغَيْرِهِ مِمَّا صَحَّ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ إِنَّمَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ لَا شَكَّ في أن حديث بن مَسْعُودٍ أَرْجَحُ مِنْ جَمِيعِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي التَّشَهُّدِ فَالْأَخْذُ بِهِ هُوَ الْأَوْلَى وَاللَّهُ تَعَالَى أعلم 01 - بَابٌ مِنْهُ أَيْضًا [290] قَوْلُهُ (التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ) الْمُبَارَكَاتُ جَمْعُ مُبَارَكَةٍ مَعْنَاهَا كَثِيرَةُ الْخَيْرِ وَقِيلَ النَّمَاءُ قَالَ النَّوَوِيُّ تَقْدِيرُهُ وَالْمُبَارَكَاتُ والصلوات والطيبات كما في حديث بن مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ وَلَكِنْ حُذِفَتِ الْوَاوُ اخْتِصَارًا وَهُوَ جَائِزٌ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ (سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا) كَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ سَلَامٌ عَلَيْكَ وَسَلَامٌ عَلَيْنَا بِغَيْرِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ السَّلَامُ عَلَيْنَا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ قَالَ النَّوَوِيُّ يَجُوزُ فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ حَذْفُ اللَّامِ وَإِثْبَاتُهَا وَالْإِثْبَاتُ أَفْضَلُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ بِحَذْفِ اللَّامِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ ذَلِكَ فِي حديث بن عَبَّاسٍ وَهُوَ مِنْ أَفْرَادِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ (الرُّؤَاسِيُّ) بِضَمِّ رَاءٍ فَهَمْزَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَنْسُوبٌ إِلَى رُؤَاسِ بْنِ كِلَابٍ كَذَا فِي

باب ما جاء أنه يخفى التشهد

الْمُغْنِي قَوْلُهُ (وَرَوَى أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ) بِنُونٍ وموحدة (عن أبي الزبير عن جابر) وأما اللَّيْثُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ فَرَوَيَا عَنْ أبي الزبير عن سعيد بن جبير وطاووس عن بن عَبَّاسٍ (وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التلخيص أيمن بن نابل رواية عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَخْطَأَ فِي إِسْنَادِهِ وَخَالَفَهُ اللَّيْثُ وَهُوَ مِنْ أَوْثَقِ النَّاسِ فِي أَبِي الزبير فقال عن أبي الزبير عن طاووس وسعيد بن جبير عن بن عَبَّاسٍ قَالَ حَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ قَوْلُهُ عَنْ جَابِرٍ خَطَأٌ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِي التَّشَهُّدِ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ إِلَّا أَيْمَنَ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ خَالَفَ النَّاسَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا حَدِيثَ التَّشَهُّدِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عنه فقال خطأ وقال النسائي لانعلم أَحَدًا تَابَعَهُ وَهُوَ لَا بَأْسَ بِهِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ خَطَأٌ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ 02 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ يُخْفِي التَّشَهُّدَ [291]) قَوْلُهُ (يُونُسُ بْنُ بُكَيْرِ) بْنِ وَاصِلٍ الشَّيْبَانِيُّ أَبُو بَكْرٍ الْجَمَّالُ الْكُوفِيُّ صدوق يخطيء قاله الحافظ وقال الخزرجي قال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ وَضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ ليس بحجة يأخذ كلام بن إِسْحَاقَ فَيُوَصِّلُهُ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ مُتَابَعَةً قَوْلُهُ (مِنَ السُّنَّةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ إِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا فَهُوَ فِي الْحُكْمِ كَقَوْلِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا مذهب الجمهور من المحدثين والفقهاء وجعل بَعْضُهُمْ مَوْقُوفًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى

باب كيف الجلوس في التشهد

قوله (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قُلْتُ فِي سَنَدِهِ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق وهو مدلس 03218218218 - 2 - 1 - 8 (باب كَيْفَ الْجُلُوسُ فِي التَّشَهُّدِ [292]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ) بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ عابد قوله (افترش رجله اليسرى) وفي رواته الطَّحَاوِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ فَرَشَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْأَرْضِ وَجَلَسَ عَلَيْهَا وَالْحَدِيثُ قَدِ احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِاسْتِحْبَابِ الِافْتِرَاشِ فِي التَّشَهُّدَيْنِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ وَحَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ الْآتِي مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثوري وبن المبارك وأهل

الْكُوفَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدَيْنِ التَّوَرُّكُ أَمِ الِافْتِرَاشُ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَطَائِفَةٍ تَفْضِيلُ التَّوَرُّكِ فِيهِمَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٍ تَفْضِيلُ الِافْتِرَاشِ فِيهِمَا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ يَفْتَرِشُ فِي الْأَوَّلِ وَيَتَوَرَّكُ في الأخير الحديث أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ وَرُفْقَتِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِتَوَرُّكٍ أَوِ افْتِرَاشٍ مُطْلَقَةٌ لَمْ يُبَيَّنْ فِيهَا أَنَّهُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو حُمَيْدٍ وَرُفْقَتُهُ وَوَصَفُوا الِافْتِرَاشَ فِي الْأَوَّلِ وَالتَّوَرُّكَ فِي الْأَخِيرِ وَهَذَا مُبَيَّنٌ فَوَجَبَ حَمْلُ ذَلِكَ الْمُجْمَلِ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ أَحْمَدَ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ اخْتِصَاصُ التَّوَرُّكِ بِالصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا التَّشَهُّدَانِ انْتَهَى قُلْتُ اسْتُدِلَّ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَمَنْ مَعَهُ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَرَاهُمُ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ فَنَصَبَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى وَرِكِهِ الْأَيْسَرِ وَلَمْ يَجْلِسْ عَلَى قَدَمِهِ ثُمَّ قَالَ أَرَانِي هَذَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مُعَارَضٌ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ الْقَاسِمَ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْصِبَ الْيُمْنَى وَيَجْلِسَ عَلَى الْيُسْرَى فَيُحْمَلُ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ دَفْعًا لِلتَّعَارُضِ وَاسْتُدِلَّ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ مَعَهُ بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ حَتَّى إِذَا كَانَتِ السَّجْدَةُ الَّتِي يَكُونُ فيها التسليم وفي رواية عند بن حِبَّانَ الَّتِي تَكُونُ خَاتِمَةَ الصَّلَاةِ أَخْرَجَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ مُتَوَرِّكًا عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ قَالَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي أَنَّ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُغَايِرَةٌ لِهَيْئَةِ الْجُلُوسِ فِي الْأَخِيرِ وَقَدْ قِيلَ فِي حِكْمَةِ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَهُمَا إِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى عَدَمِ اشْتِبَاهِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ تَعْقُبُهُ حَرَكَةٌ بِخِلَافِ الثَّانِي وَلِأَنَّ الْمَسْبُوقَ إِذَا رَآهُ عَلِمَ قَدْرَ مَا سُبِقَ بِهِ واستدل به

الشَّافِعِيُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ تَشَهُّدَ الصُّبْحِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ مِنْ غَيْرِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَاسْتُدِلَّ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ تَفْضِيلِ الِافْتِرَاشِ فِي التَّشَهُّدَيْنِ بِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ الْمَذْكُورِ لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي بَابِ مَوْضِعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَضْجَعَ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى إِلَخْ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّاتُ وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبَةِ الشَّيْطَانِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَأَمَّا قَوْلُ بن التُّرْكُمَانِيِّ بِأَنَّ إِطْلَاقَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي التَّشَهُّدَيْنِ بَلْ هُوَ فِي قُوَّةِ قولها وكان يفعل ذلك في التشهدين إِذْ قَوْلُهَا أَوَّلًا وَكَانَ يَقُولُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّاتُ يَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَفِيهِ وإن إِطْلَاقَهُ وَإِنْ كَانَ يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ لَكِنْ حَمْلُهُ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُتَعَيِّنٌ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ الْمَذْكُورِ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي ثُبُوتِ التَّوَرُّكِ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي وَحَدِيثَ عَائِشَةَ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي نَفْيِهِ بَلْ غَايَةُ مَا يُقَالُ إِنَّهُ يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى نَفْيِ التَّوَرُّكِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ أَنَّ النَّصَّ يُقَدَّمُ عَلَى الظَّاهِرِ عند التعارض وبحديث بن عُمَرَ قَالَ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ الْقَدَمَ الْيُمْنَى وَاسْتِقْبَالُهُ بِأَصَابِعِهِ الْقِبْلَةَ وَالْجُلُوسُ عَلَى الْيُسْرَى رَوَاهُ النَّسَائِيُّ قُلْتُ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ آنِفًا فَتَذَكَّرْ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَمَنْ مَعَهُ وَلَا فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ مَعَهُ وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ مَعَهُ فَفِيهِ نَصٌّ صَرِيحٌ فَهُوَ الْمَذْهَبُ الرَّاجِحُ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَجَابَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ بِأَنَّهُ ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْكِبَرِ قُلْتُ جَوَابُهُ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يُصْغَى إِلَيْهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ وَالْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ أَمَّا تَضْعِيفُ الطَّحَاوِيِّ فَمَذْكُورٌ في شرحه بمالا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَأَمَّا الْحَمْلُ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ أَبَا حُمَيْدٍ وَصَفَ صَلَاتَهُ الَّتِي وَاظَبَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَوَافَقَهُ عَشَرَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِحَالِ الْكِبَرِ وَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَدْ أَنْصَفَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى مُوَطَّأِ مُحَمَّدٍ الْمُسَمَّى بِالتَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَحَمَلَ أَصْحَابُنَا هَذَا يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ عَلَى الْعُذْرِ وَعَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَهُوَ حَمْلٌ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَمَالَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى تَضْعِيفِهِ وَتَعَقَّبَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَذَكَرَ قَاسِمُ بْنُ قُطْلُوبُغَا فِي رِسَالَتِهِ الْأُسُوسُ فِي كَيْفِيَّةِ الْجُلُوسِ فِي إِثْبَاتِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَحَادِيثَ كَحَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى وَحَدِيثَ وَائِلٍ صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَعَدَ وَتَشَهَّدَ فَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَحَدِيثَ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإذا جَلَسْتَ فَاجْلِسْ عَلَى فَخِذِكَ الْيُسْرَى أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وحديث بن عُمَرَ مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ إِلَخْ وَلَا يَخْفَى عَلَى الْفَطِنِ أَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَأَمْثَالَهَا لَا تَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِنَا صَرِيحًا بَلْ يَحْتَمِلُهُ وَغَيْرَهُ وَمَا كَانَ مِنْهَا دَالًّا صَرِيحًا لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ فِي جَمِيعِ الْقَعَدَاتِ عَلَى مَا هُوَ الْمُدَّعَى وَالْإِنْصَافُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ حَدِيثٌ يَدُلُّ صَرِيحًا عَلَى اسْتِنَانِ الْجُلُوسِ عَلَى الرِّجْلِ الْيُسْرَى فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ مُفَصَّلٌ فَلْيُحْمَلِ الْمُبْهَمُ عَلَى الْمُفَصَّلِ انْتَهَى 04 - بَاب مِنْهُ أَيْضًا [293] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ) بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ الْمَدَنِيُّ وَيُقَالُ فُلَيْحٌ لَقَبٌ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ (أَخْبَرَنَا عَبَّاسُ بْنُ سَهْلٍ السَّاعِدِيُّ) ثِقَةٌ قَوْلُهُ (فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَأَقْبَلَ بِصَدْرِ الْيُمْنَى عَلَى قِبْلَتِهِ) هَذِهِ الْجِلْسَةُ هِيَ جِلْسَةُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَإِنَّهُ وَصَفَ فِيهِ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ الْأَوَّلِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ ثُمَّ وَصَفَ بَعْدَهَا هَيْئَةَ الْجُلُوسِ الْآخِرِ فَذَكَرَ فِيهَا التَّوَرُّكَ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ فِي بَابِ وَصْفِ الصَّلَاةِ مُطَوَّلًا وَفِي آخِرِهِ حَتَّى كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي تَنْقَضِي فِيهَا صَلَاتُهُ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ عَلَى شِقِّهِ مُتَوَرِّكًا ثُمَّ سَلَّمَ

باب ما جاء في الاشارة في التشهد

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا مُسْلِمًا قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالُوا يَقْعُدُ فِي التَّشَهُّدِ الْآخِرِ عَلَى وَرِكِهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْوَرِكُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وككيف مَا فَوْقَ الْفَخِذِ مُؤَنَّثَةٌ ج أَوْرَاكٌ وَوَرَكَ يَرِكُ وَرَكًا وَتَوَرَّكَ وَتَوَارَكَ اعْتَمَدَ عَلَى وَرِكِهِ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ أَحْمَدَ اخْتِصَاصُ التَّوَرُّكِ بِالصَّلَاةِ الَّتِي فِيهَا تَشَهُّدَانِ (وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ) أَيْ بِحَدِيثِهِ الْمُطَوَّلِ الْآتِي فِي بَابِ وَصْفِ الصَّلَاةِ وَهُوَ احْتِجَاجٌ قَوِيٌّ لِمَنْ قَالَ بِسُنِّيَّةِ التَّوَرُّكِ فِي الْجِلْسَةِ الْأَخِيرَةِ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ كَصَاحِبِ الْهِدَايَةِ إِنَّهُ ضَعِيفٌ أَوْ إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْكِبَرِ أَوْ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ فَهُوَ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ كَمَا عَرَفْتَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ 05 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِشَارَةِ فِي التَّشَهُّدِ [294]) قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ وَرَفَعَ إِصْبَعَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ

رَفْعَ الْإِصْبَعِ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْجُلُوسِ (الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ) وَهِيَ الْمُسَبِّحَةُ (يَدْعُو بِهَا) أَيْ يُشِيرُ بِهَا (بَاسِطَهَا عَلَيْهِ) بِالنَّصْبِ أَيْ حَالَ كونه باسطايده عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى مِنْ غَيْرِ رَفْعِ إِصْبَعٍ وفي رواية مسلم بَاسِطَهَا عَلَيْهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْفَخِذِ حَالَ التَّشَهُّدِ هَيْئَاتٌ هَذِهِ إِحْدَاهَا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ قَبْضِ الْأَصَابِعِ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ مسلم من حديث بن الزُّبَيْرِ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ بِدُونِ ذِكْرِ الْقَبْضِ وَالظَّاهِرُ أَنْ تُحْمَلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْقَبْضِ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَعْقِدَ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى وَيُرْسِلَ الْمُسَبِّحَةَ وَيَضُمَّ الْإِبْهَامَ إِلَى أَصْلِ الْمُسَبِّحَةِ وَهُوَ عَقْدُ ثَلَاثَةٍ وَخَمْسِينَ كَمَا أخرج مسلم من حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَعَدَ فِي التَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى وَعَقَدَ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَصُورَتُهَا أَنْ يُجْعَلَ الْإِبْهَامُ مُعْتَرِضَةً تَحْتَ الْمُسَبِّحَةِ انْتَهَى وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَعْقِدَ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَيُرْسِلَ السَّبَّابَةَ وَيُحَلِّقَ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى كَمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فِي وَصْفِ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَحَدَّ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ ثِنْتَيْنِ وَحَلَّقَ حَلْقَةً وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالرَّابِعَةُ قَبْضُ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا وَالْإِشَارَةُ بِالسَّبَّابَةِ كما روي مسلم من حديث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ قال الزيلعي الْأَخْبَارُ وَرَدَتْ بِهَا جَمِيعًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ مَرَّةً هَكَذَا وَمَرَّةً هَكَذَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هذه الهيئات انتهى فجعل الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادَ الْمَعَادِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا وَاحِدَةً وَتَكَلَّفَ فِي بَيَانِ تَوْحِيدِهَا وَالْحَقُّ مَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ

قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ يَخْتَارُونَ الْإِشَارَةَ فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا) الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَصْحَابِنَا أَهْلُ الْحَدِيثِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَكَانَ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنْ يَقُولَ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي هَذَا خِلَافُ السَّلَفِ قَالَ محمد في موطأه بعد ذكر حديث بن عُمَرَ فِي الْإِشَارَةِ وَبِصُنْعِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة انتهى قال علي القارىء وَكَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَلَا يُعْرَفُ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافُ السَّلَفِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَإِنَّمَا خَالَفَ فِيهَا بَعْضُ الْخَلَفِ فِي مَذْهَبِنَا مِنَ الْفُقَهَاءِ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ وَأَبَا يُوسُفَ وَمُحَمَّدًا اتَّفَقُوا عَلَى تَجْوِيزِ الْإِشَارَةِ لِثُبُوتِهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ بِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَقَدْ قَالَ بِهِ غَيْرُ واحد من العلماء حتى قال بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّهُ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَإِلَى اللَّهِ الْمُشْتَكَى مِنْ صَنِيعِ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ أَصْحَابِ الْفَتَاوَى كَصَاحِبِ الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ حَيْثُ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُخْتَارَ عَدَمُ الْإِشَارَةِ بَلْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ فَالْحَذَرُ الْحَذَرُ مِنَ الِاعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا يُشِيرُ عِنْدَ قَوْلِهِ إِلَّا اللَّهُ مِنَ الشَّهَادَةِ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ مَوْضِعُ الْإِشَارَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ فِي شرح قوله وأشار بالسبابة في حديث بن عُمَرَ أَيْ رَفَعَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ إِلَّا اللَّهُ لِيُطَابِقَ الْقَوْلُ الْفِعْلَ عَلَى التَّوْحِيدِ انْتَهَى وَقَالَ علي القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ الطِّيبِيِّ هَذَا وَعِنْدَنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ يَرْفَعُهَا عِنْدَ لَا إِلَهَ وَيَضَعُهَا عِنْدَ إِلَّا اللَّهُ لِمُنَاسَبَةِ الرَّفْعِ لِلنَّفْيِ وَمُلَاءَمَةِ الْوَضْعِ لِلْإِثْبَاتِ وَمُطَابَقَةً بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ حَقِيقَةً انْتَهَى قُلْتُ ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى الْإِشَارَةِ مِنِ ابْتِدَاءِ الْجُلُوسِ وَلَمْ أَرَ حَدِيثًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ السُّبُلِ سَنَدَهُ وَلَا لَفْظَهُ فَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَيْفَ حَالُهُ

باب ما جاء في التسليم في الصلاة

تَنْبِيهٌ آخَرُ قَدْ جَاءَ فِي تَحْرِيكِ السَّبَّابَةِ حِينَ الْإِشَارَةِ حَدِيثَانِ مُخْتَلِفَانِ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إِذَا دَعَا وَلَا يُحَرِّكُهَا قَالَ النَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيكِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيكِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّحْرِيكِ الْإِشَارَةَ بِهَا لَا تَكْرِيرَ تَحْرِيكِهَا حتى لا يعارض حديث بن الزبير عند أحمد وأبي داود والنسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ كَانَ يُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ وَلَا يُحَرِّكُهَا وَلَا يُجَاوِزُ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَمِمَّا يُرْشِدُ إِلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ لِحَدِيثِ وَائِلٍ فَإِنَّهَا بِلَفْظِ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ انْتَهَى فَائِدَةٌ السُّنَّةُ أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ إِشَارَتَهُ كَمَا فِي حديث بن الزُّبَيْرِ الْمَذْكُورِ آنِفًا وَيُشِيرُ بِهَا مُوَجَّهَةً إِلَى القبلة وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص وقال بن رَسْلَانَ وَالْحِكْمَةُ فِي الْإِشَارَةِ بِهَا أَنَّ الْمَعْبُودَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَاحِدٌ لِيَجْمَعَ فِي تَوْحِيدِهِ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَالِاعْتِقَادِ 06 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْلِيمِ فِي الصَّلَاةِ [295]) قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) هو بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ مُجَاوِزًا نَظَرَهُ عَنْ يَمِينِهِ كَمَا يُسَلِّمُ أَحَدٌ عَلَى مَنْ فِي يَمِينِهِ (وَعَنْ يَسَارِهِ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ التَّسْلِيمُ إِلَى جِهَةِ الْيَمِينِ ثُمَّ إِلَى جِهَةِ الْيَسَارِ وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مُبَالَغَةٍ فِي الِالْتِفَاتِ إِلَى جِهَةِ الْيَمِينِ وَإِلَى جِهَةِ الْيَسَارِ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إِلَخْ) إِمَّا حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ أَيْ يُسَلِّمُ قَائِلًا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ عَلَى تَقْدِيرِ مَاذَا كَانَ يَقُولُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن سعد بن أبي وقاص وبن عُمَرَ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَالْبَرَاءِ وَعَمَّارٍ

وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَعَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى أَرَى بياض خده وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ وفيه حريث بن أبي عطر تَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فأخرجه الدارقطني وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَعَنْ شِمَالِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ فأخرجه بن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَالزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِمَا قَوْلُهُ (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ فِي التَّلْخِيصِ أخرجه الأربعة والدارقطني وبن حِبَّانَ وَلَهُ أَلْفَاظٌ وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْمَرٍ أَنَّ أَمِيرًا كَانَ بِمَكَّةَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي بن مَسْعُودٍ أَنَّى عَلِقَهَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ والأسانيد صحاح ثابتة في حديث بن مَسْعُودٍ فِي تَسْلِيمَتَيْنِ وَلَا يَصِحُّ فِي تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا يدل عليه حديث بن مَسْعُودٍ مِنْ أَنَّ الْمَسْنُونَ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَتَانِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمَنْصُورُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ

107 - بَاب مِنْهُ أَيْضًا [296] قَوْلُهُ (عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّيْمِيُّ أَبُو الْمُنْذِرِ سَكَنَ الشَّامَ ثُمَّ الْحِجَازَ وَرِوَايَةُ أَهْلِ الشَّامِ عَنْهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ فَضُعِّفَ بِسَبَبِهَا قَالَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ كَانَ زُهَيْرًا الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ الشَّامِيُّونَ آخَرَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ حَدَّثَ بِالشَّامِ مِنْ حِفْظِهِ فَكَثُرَ غَلَطُهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (كَانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الصَّلَاةِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ شَامِيٌّ وَرِوَايَةُ أَهْلِ الشام عنه ضعيفة وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ أَمَّا رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيسِيِّ يَعْنِي عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ فَبَوَاطِيلُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْفَتْحِ ذكر العقيلي وبن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ حَدِيثَ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ مَعْلُولٌ وبسط بن عَبْدِ الْبَرِّ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ إِنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ كَذَا فِي النَّيْلِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ مَعَ بَيَانِ ضَعْفِهَا قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عَائِشَةَ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) والحديث أخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ وَزُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ لَكِنْ لَهُ مَنَاكِيرُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْهَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَالْحَدِيثُ

أَصْلُهُ الْوَقْفُ عَلَى عَائِشَةَ هَكَذَا رَوَاهُ الْحَافِظُ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَلَا يُقْبَلُ تَصْحِيحُ الْحَاكِمِ لَهُ وَلَيْسَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ شَيْءٌ ثَابِتٌ انْتَهَى كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَوْلُهُ (وَرِوَايَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ أَشْبَهُ) أَيْ رِوَايَةُ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ وَالصِّحَّةِ (كَأَنَّ) مِنَ الْحُرُوفِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْفِعْلِ (وَالَّذِي كَانَ وَقَعَ عِنْدَهُمْ) أَيْ عِنْدَ أَهْلِ الشَّامِ (لَيْسَ هُوَ هَذَا الَّذِي يُرْوَى عَنْهُ بِالْعِرَاقِ) أَيْ يَرْوِي النَّاسُ عَنْهُ فِي الْعِرَاقِ فَقَوْلُهُ يُرْوَى بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ قَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي التَّسْلِيمِ فِي الصَّلَاةِ) يَعْنِي قَالَ بِالتَّسْلِيمِ الْوَاحِدِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ تَسْلِيمَةٌ واحدة بن عمر وأنس وسلمة بن الأكرع وعائشة من الصحابة والحسن وبن سِيرِينَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْإِمَامِيَّةُ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَوَّلُونَ يَعْنِي الْقَائِلِينَ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ وَصِحَّةِ بَعْضِهَا وَحُسْنِ بَعْضِهَا وَاشْتِمَالِهَا عَلَى الزِّيَادَةِ وَكَوْنِهَا مثبتة بخلاف الأحاديث الواردة في التسليمة الواحدةفإنها مَعَ قِلَّتِهَا ضَعِيفَةٌ لَا تُنْتَهَضُ لِلِاحْتِجَاجِ وَلَوْ سُلِّمَ انْتِهَاضُهَا لَمْ تَصْلُحْ لِمُعَارَضَةِ أَحَادِيثِ التَّسْلِيمَتَيْنِ لِمَا عَرَفْتَ مِنِ اشْتِمَالِهَا عَلَى الزِّيَادَةِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ شَاءَ سَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَإِنْ شَاءَ تَسْلِيمَتَيْنِ) كَذَا قال

باب ما جاء أن حذف السلام سنة

التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَحْتَ حَدِيثِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ إِلَخْ فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أنه يسن تسليمتان انتهى فكلام النَّوَوِيِّ هَذَا خِلَافُ مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ 08 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ حَذْفَ السَّلَامِ سنة [297]) قال بن الأثين حَذْفُ السَّلَامِ هُوَ تَخْفِيفُهُ وَتَرْكُ الْإِطَالَةِ فِيهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ النَّخَعِيِّ التَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَالسَّلَامُ جَزْمٌ فَإِنَّهُ إِذَا جَزَمَ السَّلَامَ وَقَطَعَهُ فَقَدْ خَفَّفَهُ وَحَذَفَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْهِقْلُ بْنُ زِيَادٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْقَافِ ثُمَّ لَامٌ قِيلَ هُوَ لَقَبٌ وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ أَوْ عَبْدُ اللَّهِ وَكَانَ كَاتِبَ الْأَوْزَاعِيِّ ثِقَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (حَذْفُ السَّلَامِ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ هُوَ مَا نَقَلَ الترمذي عن بن الْمُبَارَكِ) أَيْ تَمُدُّهُ مَدًّا يَعْنِي يَتْرُكُ الْإِطَالَةَ في لفظه ويسرع فيه وقال بن سَيِّدِ النَّاسِ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْرِجَ لَفْظَ السَّلَامِ وَلَا يَمُدُّهُ مَدًّا لَا أَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا بَيْنَ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى (سُنَّةٌ) قال بن سَيِّدِ النَّاسِ وَهَذَا مِمَّا يَدْخُلُ فِي الْمُسْنَدِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ وَفِيهِ خِلَافٌ عند الأصوليين معروف انتهى (وقال بن الْمُبَارَكِ يَعْنِي أَنْ لَا تَمُدَّهُ مَدًّا) وَقَدْ أَسْنَدَ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ حَذْفِ السَّلَامِ فَقَالَ لَا يَمُدُّ كَذَا فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ لِلسَّخَاوِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ قَالَ الْحَافِظُ فِي

باب ما يقول إذا سلم من الصلاة

التَّلْخِيصِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ الصَّوَابُ مَوْقُوفٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ اخْتُلِفَ فِيهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (التَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَالسَّلَامُ جَزْمٌ) أَيْ لَا يُمَدَّانِ وَلَا يُعْرَبُ أَوَاخِرُ حُرُوفِهِمَا بَلْ يُسَكَّنُ فَيُقَالُ اللَّهُ أَكْبَرْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَالْجَزْمُ الْقَطْعُ مِنْهُ سُمِّيَ جَزْمُ الْإِعْرَابِ وَهُوَ السُّكُونُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ الْجَزَرِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ صَفْحَةَ 48 حَذْفُ السَّلَامِ الْإِسْرَاعُ به وهو المراد بقوله جزم وأما بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فَقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ التَّكْبِيرَ وَالسَّلَامَ لَا يُمَدَّانِ وَلَا يُعْرَبُ التَّكْبِيرُ بَلْ يُسَكَّنُ آخِرُهُ وَتَبِعَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ جَزْمٌ لَا يُمَدُّ قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ لَفْظِ الْجَزْمِ فِي مُقَابِلِ الْإِعْرَابِ اصْطِلَاحٌ حَادِثٌ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْأَلْفَاظُ النَّبَوِيَّةُ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ تَنْبِيهٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ التَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَالسَّلَامُ جَزْمٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ لَا أَصْلَ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ انْتَهَى وَقَالَ السَّخَاوِيُّ فِي الْمَقَاصِدِ الْحَسَنَةِ حَدِيثُ التَّكْبِيرُ جَزْمٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْمَرْفُوعِ مَعَ وقوعه في كتبا الرافعي وإنما هو حق مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ وَمِنْ جِهَتِهِ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ بِزِيَادَةِ وَالْقِرَاءَةُ جَزْمٌ وَالْأَذَانُ جَزْمٌ وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ كَانُوا يَجْزِمُونَ التَّكْبِيرَ انْتَهَى 09 - (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ [298]) قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ) الْبَصْرِيِّ تَابِعِيٌّ رَوَى عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْهُ عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ وَغَيْرُهُ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (إِذَا سَلَّمَ لَا يَقْعُدُ إِلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ إِلَخْ) أَيْ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ قُعُودُهُ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ أَزْيَدَ مِنْ هَذَا الْمِقْدَارِ (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ) هُوَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ أَنْتَ السَّلِيمُ مِنَ الْمَعَائِبِ وَالْآفَاتِ وَمِنْ كُلِّ نَقْصٍ (وَمِنْكَ السَّلَامُ) هَذَا بِمَعْنَى السَّلَامَةِ أَيْ أَنْتَ الَّذِي تُعْطِي السَّلَامَةَ وَتَمْنَعُهَا قَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ وَأَمَّا مَا يُزَادُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمِنْكَ السَّلَامُ وَإِلَيْكَ يَرْجِعُ السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ وَأَدْخِلْنَا دَارَكَ السَّلَامَ فَلَا أَصْلَ لَهُ بل مختلق بَعْضِ الْقُصَّاصِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (تَبَارَكْتَ) مِنَ الْبَرَكَةِ وَهِيَ الْكَثْرَةُ وَالنَّمَاءُ أَيْ تَعَاظَمَتْ إِذَا كَثُرَتْ صِفَاتُ جَلَالِكَ وَكَمَالِكَ (ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) أَيْ يَا ذَا الْجَلَالِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ وَالْجَلَالُ الْعَظَمَةُ وَالْإِكْرَامُ الْإِحْسَانُ [299] (وَقَالَ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) أَيْ قَالَ هَنَّادٌ فِي رِوَايَتِهِ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ بِزِيَادَةِ لَفْظِ يا قوله (وفي الباب عن ثوبان وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) أَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قُلْتُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَالَ كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قُلْنَا لِأَبِي سَعِيدٍ هَلْ حَفِظْتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا كان يقوله بعد ما سَلَّمَ قَالَ نَعَمْ كَانَ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ والحمد لله رب العالمين قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَالَ إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا قَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْحَدِيثَ

قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ لَا إِلَهَ إِلَا اللَّهُ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِدُونِ لَفْظِ يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ الْمُغِيرَةِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ إِلَى قَدِيرٍ وَرُوَاتُهُ مُوَثَّقُونَ وَثَبَتَ مِثْلُهُ عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ لَكِنْ فِي الْقَوْلِ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى انْتَهَى (لَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ فِي اللَّفْظَيْنِ أَيْ لَا يَنْفَعُ صَاحِبُ الْغِنَى مِنْكَ غِنَاهُ وإنما يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْجَدُّ الْغِنَى وَيُقَالُ الْحَظُّ قَالَ وَمِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْكَ بِمَعْنَى الْبَدَلِ قَالَ الشَّاعِرُ فَلَيْتَ لَنَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ شَرْبَةً مُبَرَّدَةً بَاتَتْ عَلَى الظَّمْآنِ يُرِيدُ لَيْتَ لَنَا بَدَلَ مَاءِ زَمْزَمَ انْتَهَى وَفِي الصِّحَاحِ مَعْنَى مِنْكَ هُنَا عِنْدَكَ أَيْ لَا يَنْفَعُ ذَا الْغِنَى عِنْدَكَ غِنَاهُ إِنَّمَا يَنْفَعُهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وقال بن التِّينِ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَعْنَى الْبَدَلِ وَلَا عِنْدَ بَلْ هُوَ كَمَا تَقُولُ وَلَا يَنْفَعُكَ مِنِّي شَيْءٌ إِنْ أَنَا أَرَدْتُكَ بِسُوءٍ وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ كَلَامِهِ مَعْنًى وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا بمعنى عند أوفيه حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ مِنْ قَضَائِي أَوْ سَطْوَتِي أَوْ عَذَابِي وَاخْتَارَ الشَّيْخُ جَمَالُ الدِّينِ فِي الْمُغْنِي الْأَوَّلَ قَالَ وَالْجَدُّ مَضْبُوطٌ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَمَعْنَاهُ الْغِنَى أَوِ الْحَظُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الْحَظُّ فِي الدُّنْيَا بِالْمَالِ أَوِ الْوَلَدِ أَوِ الْعَظَمَةِ أَوِ السُّلْطَانِ وَالْمَعْنَى لَا يُنْجِيهِ حَظُّهُ مِنْكَ وَإِنَّمَا يُنْجِيهِ فَضْلُكَ وَرَحْمَتُكَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُلَخَّصًا قُلْتُ فَالْجَدُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْجِدُّ بكسر الجيم فقد حكى عن أبي عمر والشيباني أَنَّهُ رَوَاهُ بِالْكَسْرِ كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَلَا يَسْتَقِيمُ مَعْنَاهُ هُنَا إِلَّا بِتَكَلُّفٍ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْفَعُ ذَا الِاجْتِهَادِ اجْتِهَادُهُ وَأَنْكَرَهُ الطَّبَرِيُّ وَقَالَ الْقَزَّازُ فِي تَوْجِيهِ إِنْكَارِهِ الِاجْتِهَادُ فِي الْعَمَلِ نَافِعٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ دَعَا الْخَلْقَ إِلَى ذَلِكَ فَكَيْفَ لَا يَنْفَعُ عِنْدَهُ قَالَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ الِاجْتِهَادُ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَتَضْيِيعِ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَقِيلَ لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يَنْفَعُ بمجرده مالم يُقَارِنْهُ الْقَبُولُ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِفَضْلِ ورحمته

قَوْلُهُ (وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّكَ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى كَمَا عَرَفْتَ (رَبِّ الْعِزَّةِ) أَيِ الْغَلَبَةِ بَدَلٌ مِنْ رَبِّكَ (عَمَّا يَصِفُونَ) بِأَنَّ لَهُ وَلَدًا (وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) أَيِ الْمُبَلِّغِينَ عَنِ اللَّهِ التَّوْحِيدَ وَالشَّرَائِعَ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) عَلَى نَصْرِهِمْ وَهَلَاكِ الْكَافِرِينَ [300] قوله (أَخْبَرَنَا شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ) هُوَ شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ثِقَةٌ (قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو أَسْمَاءَ الرَّحَبِيُّ) اسْمُهُ عُمَرُ بْنُ مَرْثَدٍ وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ صَلَاتِهِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِالِانْصِرَافِ السَّلَامُ (اسْتَغْفَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) قَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْوَلِيدُ فَقُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ كَيْفَ الِاسْتِغْفَارُ قَالَ يَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ اسْتِغْفَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أنه مغفور له قال بن سَيِّدِ النَّاسِ هُوَ وَفَاءٌ بِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ وَقِيَامٌ بِوَظِيفَةِ الشُّكْرِ كَمَا قَالَ أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا وَلِيُبَيِّنَ لَلْمُؤْمِنِينَ سُنَّتَهُ فِعْلًا كَمَا بَيَّنَهَا قَوْلًا فِي الدُّعَاءِ وَالضَّرَاعَةِ لِيُقْتَدَى بِهِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى (أَنْتَ السَّلَامُ) وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ فَائِدَةٌ قَالَ الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَأَمَّا الدُّعَاءُ بَعْدَ السَّلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوِ الْمَأْمُومِينَ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلًا وَلَا رُوِيَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا حَسَنٍ وَأَمَّا تَخْصِيصُ ذَلِكَ بِصَلَاتَيِ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ خُلَفَائِهِ وَلَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ أُمَّتَهُ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَانٌ رَآهُ مَنْ رَآهُ عِوَضًا مِنَ السُّنَّةِ بَعْدَهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَعَامَّةُ الْأَدْعِيَةِ المتعلقة

بِالصَّلَاةِ إِنَّمَا فَعَلَهَا فِيهَا وَأَمَرَ بِهَا فِيهَا وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِحَالِ الْمُصَلِّي فَإِنَّهُ مُقْبِلٌ عَلَى رَبِّهِ يُنَاجِيهِ مَا دَامَ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا سَلَّمَ مِنْهَا انْقَطَعَتْ تِلْكَ الْمُنَاجَاةُ وَزَالَ ذَلِكَ الْمَوْقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ فَكَيْفَ يَتْرُكُ سُؤَالَهُ فِي حَالِ مُنَاجَاتِهِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَسْأَلُ إِذَا انْصَرَفَ عَنْهُ وَلَا رَيْبَ أَنَّ عَكْسَ هَذَا الْحَالِ هُوَ الأولى بالمصلى إلا أن ها هنا نُكْتَةً لَطِيفَةً وَهُوَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَذَكَرَ اللَّهَ وَهَلَّلَهُ وَسَبَّحَهُ وَحَمِدَهُ وَكَبَّرَهُ بِالْأَذْكَارِ الْمَشْرُوعَةِ عُقَيْبَ الصَّلَاةِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَدْعُوَ مَا شَاءَ وَيَكُونُ دعاءه عُقَيْبَ هَذِهِ الْعِبَادَةِ الثَّانِيَةِ لَا لِكَوْنِهِ دُبُرَ الصَّلَاةِ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرَ اللَّهَ وَحَمِدَهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتُجِيبَ لَهُ الدُّعَاءُ عُقَيْبَ ذَلِكَ كَمَا فِي حَدِيثِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِحَمْدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَدْعُ بِمَا شَاءَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حديث صحيح انتهى كلام بن القيم وتعقبه الحافظ بن حَجَرٍ كَمَا نَقَلَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي الْمَوَاهِبِ بِقَوْلِهِ مَا ادَّعَاهُ مِنَ النَّفْيِ مُطْلَقًا مَرْدُودٌ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ يَا مُعَاذُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ فَلَا تَدَعْ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ أَنْ تَقُولَ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ النسائي وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ سَمِعْتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَحَدِيثُ صُهَيْبٍ رَفَعَهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انصرف من الصَّلَاةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الْحَدِيثَ أخرجه النسائي وصححه بن حِبَّانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ بِدُبُرِ الصَّلَاةِ قُرْبُ آخِرِهَا وَهُوَ التَّشَهُّدُ قُلْتُ قَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالذِّكْرِ دُبُرَ الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ بِهِ بَعْدَ السَّلَامِ إِجْمَاعًا فَكَذَا هَذَا حَتَّى يَثْبُتَ مَا يُخَالِفُهُ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قِيلَ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوْفُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ قَالَ الدُّعَاءُ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ أَفْضَلُ مِنَ الدُّعَاءِ بَعْدَ النَّافِلَةِ كَفَضْلِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ وَفَهِمَ كَثِيرٌ من الحنابلة أن مراد بن الْقَيِّمِ نَفْيُ الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ حَاصِلَ كَلَامِهِ أَنَّهُ نَفَاهُ بِقَيْدِ استمرار المصلى القبلة وإيراده عقب السلام وأما إذا نفل بِوَجْهِهِ أَوْ قَدَّمَ الْأَذْكَارَ الْمَشْرُوعَةَ فَلَا يُمْنَعُ عِنْدَهُ الْإِتْيَانُ بِالدُّعَاءِ حِينَئِذٍ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ لَا رَيْبَ فِي ثُبُوتِ الدُّعَاءِ بَعْدَ الِانْصِرَافِ مِنَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا وَفِعْلًا وَقَدْ ذَكَرَهُ الحافظ بن الْقَيِّمِ أَيْضًا فِي زَادِ الْمَعَادِ حَيْثُ قَالَ فِي فَصْلِ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَعْدَ انْصِرَافِهِ مِنَ الصَّلَاةِ مَا لَفْظُهُ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ فِي صَحِيحِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ

انْصِرَافِهِ مِنْ صَلَاتِهِ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي جَعَلْتَهُ عِصْمَةَ أَمْرِي وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي جَعَلْتَ فِيهَا مَعَاشِي اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَأَعُوذُ بِعَفْوِكَ مِنْ نِقْمَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّهُ قَالَ مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا سَمِعْتُهُ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلَاتِهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَذُنُوبِي كُلَّهَا اللَّهُمَّ ابْعَثْنِي وَأَحْيِنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي لِصَالِحِ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ إِنَّهُ لَا يَهْدِي لِصَالِحِهَا وَلَا يَصْرِفُ سَيِّئَهَا إِلَّا أنت وذكر بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مُسْلِمٍ التَّمِيمِيِّ قَالَ قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّيْتَ الصُّبْحَ فَقُلْ قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمَ اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ يَوْمِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جِوَارًا مِنَ النَّارِ وَإِذَا صَلَّيْتَ المغرب قَبْلَ أَنْ تَتَكَلَّمَ اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنَّكَ إِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ كَتَبَ اللَّهُ لَكَ جِوَارًا مِنَ النَّارِ انْتَهَى كلام بن الْقَيِّمِ فَقَوْلُهُ أَمَّا الدُّعَاءُ بَعْدَ السَّلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ أَوِ الْمَأْمُومِينَ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَدْرِي مَا مَعْنَاهُ وَمَا مُرَادُهُ بِهَذَا إِلَّا أَنْ يُقَالَ نَفَاهُ بِقَيْدِ اسْتِمْرَارِ الْمُصَلِّي الْقِبْلَةَ وَإِيرَادُهُ عَقِبَ السَّلَامِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّ عُلَمَاءَ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الزَّمَانِ فِي أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا انْصَرَفَ مِنَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ رَافِعًا يَدَيْهِ وَيُؤَمِّنَ مَنْ خَلْفَهُ مِنَ الْمَأْمُومِينَ رَافِعِي أَيْدِيَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِالْجَوَازِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ جَوَازِهِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ بِدْعَةٌ قَالُوا إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ بَلْ هُوَ أَمْرٌ مُحْدَثٌ وَكُلُّ مُحْدَثٍ بِدْعَةٌ وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ فَاسْتَدَلُّوا بِخَمْسَةِ أَحَادِيثَ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي هريرة قال الحافظ بن كثير في تفسيره ص 172 ج 3 قال بن أبي حاتم حدثنا أبو معمر المقرئ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَقَالَ اللَّهُمَّ خَلِّصِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَضَعَفَةَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يهتدون سبيلا من أيدي الكفار وقال بن جَرِيرٍ حَدَّثَنَا الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي دُبُرِ صَلَاةِ الظُّهْرِ اللَّهُمَّ خَلِّصِ الْوَلِيدَ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ وَضَعَفَةَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا وَلِهَذَا الْحَدِيثِ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى ما في تفسير بن كثير

قُلْتُ وَفِي سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ فِي رِسَالَتِهِ فَضُّ الْوِعَاءِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الْأَسْلَمِيِّ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَرَأَى رَجُلًا رَافِعًا يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ قُلْتُ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَقَالَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَتَرْجَمَ لَهُ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ انْتَهَى الْحَدِيثُ الثَّالِثُ حَدِيثُ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ السُّنِّيُّ فِي كِتَابِهِ عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ يَعْقُوبُ بْنُ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ الْبَالِسِيُّ حدثنا عبد العزيز بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ عَنْ خَصِيفٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَا مِنْ عَبْدٍ بَسَطَ كَفَّيْهِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِلَهِي وَإِلَهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَإِلَهَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ أَسْأَلُكَ أَنْ تَسْتَجِيبَ دَعْوَتِي فَإِنِّي مُضْطَرٌّ وَتَعْصِمَنِي فِي دِينِي فَإِنِّي مُبْتَلًى وَتَنَالَنِي بِرَحْمَتِكَ فَإِنِّي مُذْنِبٌ وَتَنْفِيَ عَنِّيَ الْفَقْرَ فَإِنِّي مُتَمَسْكِنٌ إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ لَا يَرُدَّ يَدَيْهِ خَائِبَتَيْنِ قُلْتُ فِي سَنَدِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ قَالَ فِي الْمِيزَانِ اتَّهَمَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ بن حِبَّانَ كَتَبْنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ سِنَانٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ خَالِدٍ عَنْهُ نُسْخَةً ثَبَّتَهَا بِمِائَةِ حَدِيثٍ مَقْلُوبَةٍ مِنْهَا مَا لَا أَصْلَ لَهُ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُلْزَقٌ بِإِنْسَانٍ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بِحَالٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَضَرَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَلَى حَدِيثِهِ انْتَهَى الْحَدِيثُ الرَّابِعُ حَدِيثُ الْأَسْوَدِ الْعَامِرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفجر فما سَلَّمَ انْحَرَفَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ كَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الْأَعْلَامِ هَذَا الْحَدِيثَ بِغَيْرِ سَنَدٍ وَعَزَاهُ إِلَى الْمُصَنِّفِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ فَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَيْفَ هُوَ صَحِيحٌ أَوْ ضَعِيفٌ الْحَدِيثُ الْخَامِسُ حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الصلاة مَثْنَى مَثْنَى تَشَهُّدٌ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَخَشُّعٌ وتضرع وتمسكن ثن تقنع يديك يقول ترفعهما إلى ربك مستقبلا بِبُطُونِهِمَا وَجْهَكَ وَتَقُولُ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَفِي رِوَايَةٍ فَهُوَ خِدَاجٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ

وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِعُمُومِ أَحَادِيثِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ قَالُوا إِنَّ الدُّعَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ مُسْتَحَبٌّ مُرَغَّبٌ فِيهِ وَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاءُ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ وَأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الدُّعَاءِ وَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتِ الْمَنْعُ عَنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بَلْ جَاءَ فِي ثُبُوتِهِ الْأَحَادِيثُ الضِّعَافُ قَالُوا فَبَعْدَ ثُبُوتِ هَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ وَعَدَمِ ثُبُوتِ الْمَنْعِ لَا يَكُونُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ بِدْعَةً سَيِّئَةً بَلْ هُوَ جَائِزٌ لَا بَأْسَ عَلَى مَنْ يَفْعَلُهُ أَمَّا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ قَالَ جَوْفُ اللَّيْلِ الْأَخِيرِ وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ كَعْبًا حَلَفَ لَهُ بِاللَّهِ الَّذِي فَلَقَ الْبَحْرَ لِمُوسَى إِنَّا لَنَجِدُ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ دَاوُدَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي جَعَلْتَهُ لِي عِصْمَةً وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي جَعَلْتَ فِيهَا مَعَاشِي الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ قَالَ وَحَدَّثَنِي كَعْبٌ أَنَّ صُهَيْبًا حَدَّثَهُ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُهُنَّ عند إنصرافه من صلاته والحديث صححه بن حِبَّانَ كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدْ تَقَدَّمَ في كلام بن الْقَيِّمِ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ وَحَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ مُسْلِمٍ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَأَمَّا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ رَفَعَهُ إِنَّ رَبَّكُمْ حيي كريم يستحي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ خَالِيَةً قَالَ الْحَافِظُ سَنَدُهُ جَيِّدٌ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ ذكر الرجل يطيل السفر أشعت أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ أَفْرَدَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي جُزْءٍ سَرَدَ مِنْهَا النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ جُمْلَةً وَعَقَدَ لَهَا الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بَابًا ذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدِمَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ دَوْسًا عَصَتْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهَا فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ دُونَ قَوْلِهِ وَرَفَعَ يديه وحديث جابر أن الطفيل بن عمر وهاجر فَذَكَرَ قِصَّةَ الرَّجُلِ الَّذِي هَاجَرَ مَعَهُ وَفِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّهَا رَأَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو رَافِعًا يَدَيْهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ الْحَدِيثَ وَهُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَمِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو لِعُثْمَانَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ فِي قِصَّةِ الْكُسُوفِ فانتهيت

إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَدْعُو وَعِنْدَهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْكُسُوفِ أَيْضًا ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وَفِي حَدِيثِهَا عِنْدَهُ فِي دُعَائِهِ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ الْحَدِيثَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الطَّوِيلِ فِي فَتْحِ مَكَّةَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَجَعَلَ يَدْعُو وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حميد في قصة بن اللُّتْبِيَّةِ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى رَأَيْتُ عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ وَمِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ أُمَّتِي وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ يُسْمَعُ عِنْدَ وَجْهِهِ كَدَوِيِّ النَّحْلِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمًا ثُمَّ سَرَّى عَنْهُ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَفِي حَدِيثِ أُسَامَةَ كُنْتُ رَدِفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ فَرَفَعَ يَدَيْهِ يَدْعُو فَمَالَتْ بِهِ نَاقَتُهُ فَسَقَطَ خِطَامُهَا فَتَنَاوَلَهُ بِيَدِهِ وَهُوَ رَافِعٌ الْيَدَ الْأُخْرَى أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَفِي حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ عَلَى آلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ الْحَدِيثَ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ وَفِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ رِسَالَةٌ لِلسُّيُوطِيِّ سَمَّاهَا فَضَّ الْوِعَاءِ فِي أَحَادِيثِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ أَتَى رَجُلٌ أَعْرَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْبَدْوِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتِ الْمَاشِيَةُ هَلَكَ الْعِيَالُ هَلَكَ النَّاسُ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ يَدْعُو وَرَفَعَ النَّاسُ أَيْدِيَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالُوا هَذَا الرَّفْعُ هَكَذَا وَإِنْ كَانَ فِي دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ لَكِنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ وَلِذَلِكَ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي مُطْلَقِ الدُّعَاءِ قُلْتُ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ عِنْدِي أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ جَائِزٌ لَوْ فَعَلَهُ أَحَدٌ لَا بَأْسَ عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ فِي هَذَا الزَّمَانِ يُوَاظِبُونَ عَلَى رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ كُلِّ مَكْتُوبَةٍ مُوَاظَبَةَ الْوَاجِبِ فَكَأَنَّهُمْ يَرَوْنَهُ وَاجِبًا وَلِذَلِكَ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ سَلَّمَ مِنَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذا الجلال والاكرام ثم قال وَلَمْ يَدْعُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَصَنِيعُهُمْ هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِ إِمَامِهِمُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَيْضًا مُخَالِفٌ لِمَا فِي كُتُبِهِمُ الْمُعْتَبَرَةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كُلُّ صَلَاةٍ يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا يَقُومُ وَمَا لَا يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا كَالْعَصْرِ وَالصُّبْحِ فهو مخير وهو قول أبي مجلز لا حق بْنِ حُمَيْدٍ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ ولم

باب ما جاء في الانصراف عن يمينه وعن شماله

يَذْكُرِ الْمُصَنِّفُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَدْ قَالُوا إِنْ كَانَ إِمَامًا وَكَانَتْ صَلَاةٌ يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا بِأَنَّهُ يَقُومُ وَيَتَحَوَّلُ عَنْ مَكَانِهِ إِمَّا يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ خَلْفَهُ وَالْجُلُوسُ مُسْتَقْبِلًا بِدْعَةٌ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا يَقْعُدُ مَكَانَهُ وَإِنْ شَاءَ انْحَرَفَ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا وَإِنْ شَاءَ اسْتَقْبَلَهُمْ بِوَجْهِهِ انْتَهَى وَقَالَ فِي العالم كيرية وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ مِنَ الظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ كُرِهَ لَهُ الْمُكْثُ قَاعِدًا لَكِنَّهُ يَقُومُ إِلَى التَّطَوُّعِ وَلَا يَتَطَوَّعُ فِي مَكَانِ الْفَرِيضَةِ وَلَكِنْ يَنْحَرِفُ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً أَوْ يَتَأَخَّرُ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ يَتَطَوَّعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُقْتَدِيًا أَوْ يُصَلِّي وَحْدَهُ إِنْ لَبِثَ فِي مُصَلَّاهُ يَدْعُو جَازَ وَكَذَا إِنْ قَامَ إِلَى التَّطَوُّعِ فِي مَكَانِهِ أَوْ تَأَخَّرَ أَوِ انْحَرَفَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً جَازَ وَالْكُلُّ سَوَاءٌ وَفِي صَلَاةٍ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَهَا كَالْفَجْرِ وَالْعَصْرِ يُكْرَهُ الْمُكْثُ قَاعِدًا فِي مَكَانِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّى هَذَا بِدْعَةً ثُمَّ هُوَ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ ذَهَبَ وَإِنْ شَاءَ جَلَسَ فِي مِحْرَابِهِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَهُوَ أَفْضَلُ وَيَسْتَقْبِلُ الْقَوْمَ بِوَجْهِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِحِذَائِهِ مَسْبُوقٌ فَإِنْ كَانَ يَنْحَرِفُ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً وَالصَّيْفُ وَالشِّتَاءُ سَوَاءٌ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ انْتَهَى 10 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الِانْصِرَافِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ [301]) قَوْلُهُ فَيَنْصَرِفُ عَلَى جَانِبَيْهِ جَمِيعًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَكَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِقَّيْهِ (عَلَى يَمِينِهِ وَعَلَى شِمَالِهِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ عَلَى جَانِبَيْهِ أَيْ حِينًا عَلَى يَمِينِهِ وَحِينًا عَلَى شِمَالِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ قَالَ لَا يَجْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ يَرَى أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إِلَّا عَنْ يَمِينِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ وَفِي لَفْظٍ أَكْثَرُ انْصِرَافِهِ عَنْ يَسَارِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ بن ماجه قال

رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْفَتِلُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ هُلْبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وصححه بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِيعَابِ وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَفِي إِسْنَادِهِ قَبِيصَةُ بْنُ هُلْبٍ وَقَدْ رَمَاهُ بعضهم بالجهالة ولكنه وثقه العجلي وبن حِبَّانَ وَمَنْ عَرَفَهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْ كَذَا فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَقَدْ صَحَّ الْأَمْرَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنْ قُلْتَ قَدِ اسْتَعْمَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صِيغَةَ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ فَظَاهِرُ قَوْلِ أَحَدِهِمَا يُنَافِي ظَاهِرَ قَوْلِ الْآخَرِ فَمَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ قُلْتُ قَالَ النَّوَوِيُّ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ تَارَةً هَذَا وَتَارَةً هَذَا فَأَخْبَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ الْأَكْثَرُ وَقَالَ الْحَافِظُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أن يحمل حديث بن مَسْعُودٍ عَلَى حَالَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ حُجْرَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ يَسَارِهِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَنَسٍ عَلَى مَا سِوَى ذَلِكَ كَحَالِ السَّفَرِ ثُمَّ إِذَا تعارض اعتقاد بن مسعود وأنس رجح بن مَسْعُودٍ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ وَأَسَنُّ وَأَجَلُّ وَأَكْثَرُ مُلَازَمَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقْرَبُ إِلَى مَوَاقِفِهِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ أَنَسٍ وَبِأَنَّ فِي إِسْنَادِ أَنَسٍ مَنْ تُكُلِّمَ فِيهِ وَهُوَ السُّدِّيُّ وبأن حديث بن مسعود متفق عليه وبأن رواية بن مَسْعُودٍ تُوَافِقُ ظَاهِرَ الْحَالِ لِأَنَّ حُجْرَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ عَلَى جِهَةِ يَسَارِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ الظَّاهِرُ عِنْدِي هُوَ الْجَمْعُ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَيُرْوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ إِنْ كَانَتْ حَاجَتُهُ عَنْ يَمِينِهِ أَخَذَ عن يمينه

باب ما جاء في وصف الصلاة

إلخ ) أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَلَفْظُهُ قَالَ إِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ وَأَنْتَ تُرِيدُ حَاجَةً فَكَانَتْ حَاجَتُكَ عَنْ يَمِينِكَ أَوْ عَنْ يَسَارِكَ فَخُذْ نَحْوَ حَاجَتِكَ انْتَهَى قَالَ فِي النَّيْلِ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ الِانْصِرَافُ إِلَى جِهَةِ حَاجَتِهِ لَكِنْ قَالُوا إِذَا اسْتَوَتِ الْجِهَتَانِ فِي حَقِّهِ فَالْيَمِينُ أَفْضَلُ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِفَضْلِ التَّيَامُنِ انْتَهَى 11 - (بَاب مَا جَاءَ فِي وَصْفِ الصَّلَاةِ [302]) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ) بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ أَبُو إسحاق القارىء ثِقَةٌ ثَبْتٌ تُوُفِّيَ سَنَةَ 081 ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادِ بن رافع الزرقي) بضم الزاء وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا قَافٌ الْمَدَنِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ جَدِّهِ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَأَبُوهُ عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنِ خَلَّادٍ ثِقَةٌ وَجَدُّهُ يَحْيَى بْنُ خَلَّادِ بْنِ رَافِعٍ لَهُ رِوَايَةٌ وذكره بن حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ) بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ أَبِي مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيِّ صَحَابِيٌّ بَدْرِيٌّ جَلِيلٌ قَوْلُهُ (بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ أَيْ فِي نَاحِيَتِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ كَالْبَدْوِيِّ) هَذَا الرَّجُلُ هُوَ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ جَدُّ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى رَاوِي الخبر بينه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ رِفَاعَةَ أَنَّ خَلَّادًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ وَأَمَّا مَا وَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ كَالْبَدْوِيِّ فَصَلَّى فَأَخَفَّ صَلَاتَهُ فَهَذَا لَا يَمْنَعُ تَفْسِيرَهُ بِخَلَّادٍ لِأَنَّ رِفَاعَةَ شَبَّهَهُ بِالْبَدْوِيِّ لِكَوْنِهِ أَخَفَّ الصَّلَاةَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى (فَصَلَّى) زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ رَكْعَتَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ إشعار بأنه صلى نقلا وَالْأَقْرَبُ أَنَّهَا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ (فَأَخَفَّ صَلَاتَهُ) وَفِي رواية بن أَبِي شَيْبَةَ فَصَلَّى صَلَاةً خَفِيفَةً لَمْ يُتِمَّ ركوعها ولا

سُجُودَهَا (ثُمَّ انْصَرَفَ) أَيْ مِنْ صَلَاتِهِ (فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَدَّمَ حَقَّ اللَّهِ عَلَى حَقِّ رَسُولِهِ كَمَا هُوَ أَدَبُ الزِّيَارَةِ لِأَمْرِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ قَبْلَ صَلَاةِ التَّحِيَّةِ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ فَصَلِّ ثُمَّ ائْتِ فَسَلِّمْ عَلَيَّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ فَارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ قَالَ عِيَاضٌ فِيهِ أَنَّ أفعال الجاهل في العبادة على غير علم لا تجزىء وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ نَفْيُ الْإِجْزَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَمَنْ حَمَلَهُ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ تَمَسَّكَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْمُرْهُ بَعْدِ التَّعْلِيمِ بِالْإِعَادَةِ فَدَلَّ عَلَى إجزائها وإلالزم تَأْخِيرُ الْبَيَانِ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَمَرَهُ فِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ بِالْإِعَادَةِ فَسَأَلَهُ التَّعْلِيمَ فَعَلَّمَهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ أَعِدْ صَلَاتَكَ على هذه الكيفية أشار إلى ذلك بن الْمُنِيرِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ثَلَاثًا بِغَيْرِ الشَّكِّ (كُلُّ ذَلِكَ يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسَلِّمُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَكْرَارِ السَّلَامِ وَرَدِّهِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَوْضِعِ إِذَا وَقَعَتْ صُورَةُ انْفِصَالٍ (فَخَافَ النَّاسُ) أَيْ كَرِهُوا (وَكَبُرَ عَلَيْهِمْ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَاعِلُهُ قَوْلُهُ (أَنْ يَكُونَ مَنْ أَخَفَّ صَلَاتَهُ لَمْ يُصَلِّ) أَيْ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَخَافُوا مِنْهُ (فَقَالَ الرَّجُلُ فِي آخِرِ ذَلِكَ فَأَرِنِي) صِيغَةُ أَمْرٍ مِنَ الْإِرَاءَةِ (وَعَلِّمْنِي) قال بن الملك في شرح المشارك فَإِنْ قِيلَ لِمَ سَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ تَعْلِيمِهِ أَوَّلًا حَتَّى افْتَقَرَ إِلَى الْمُرَاجَعَةِ كَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قُلْنَا لِأَنَّ الرَّجُلَ لَمَّا لَمْ يَسْتَكْشِفِ الْحَالَ مُغْتَرًّا بِمَا عِنْدَهُ سَكَتَ عَنْ تَعْلِيمِهِ زَجْرًا لَهُ وَإِرْشَادًا إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَكْشِفَ مَا اسْتَبْهَمَ عَلَيْهِ فَلَمَّا طَلَبَ كَشْفَ الْحَالِ بَيَّنَهُ بِحُسْنِ الْمَقَالِ انْتَهَى وَاسْتُشْكِلَ تَقْرِيرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى صَلَاتِهِ وَهِيَ فَاسِدَةٌ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ النَّفْيَ لِلصِّحَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ اسْتِدْرَاجَهُ بِفِعْلِ مَا جَهِلَهُ مَرَّاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فَعَلَهُ نَاسِيًا أَوْ غَافِلًا فَيَتَذَكَّرَ فَيَفْعَلَهُ مِنْ غَيْرِ تَعْلِيمٍ فَلَيْسَ مِنْ بَابِ التَّقْرِيرِ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ مِنْ بَابِ تَحَقُّقِ الْخَطَأِ أَوْ بِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّمْهُ أَوَّلًا لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَعْرِيفِهِ وَتَعْرِيفِ غَيْرِهِ وَلِتَفْخِيمِ الْأَمْرِ وَتَعْظِيمِهِ عَلَيْهِ وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَيْسَ التَّقْرِيرُ بِدَلِيلٍ عَلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا بَلْ لَا بُدَّ مِنِ انْتِفَاءِ الْمَوَانِعِ وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي زِيَادَةِ قَبُولِ الْمُتَعَلِّمِ لِمَا يُلْقَى عَلَيْهِ بَعْدَ تَكْرَارِ فِعْلِهِ وَاسْتِجْمَاعِ نَفْسِهِ وَتَوَجُّهُ سُؤَالِهِ مَصْلَحَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ وُجُوبِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى التَّعْلِيمِ لَا سِيَّمَا مَعَ عَدَمِ خَوْفِ الْفَوَاتِ إِمَّا بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ أو

بِوَحْيٍ خَاصٍّ انْتَهَى فَقَالَ أَجَلْ أَيْ نَعَمْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَجَلْ جَوَابٌ كَنَعَمْ إِلَّا أَنَّهُ أَحْسَنُ مِنْهُ فِي التَّصْدِيقِ وَنَعَمْ أَحْسَنُ مِنْهُ فِي الِاسْتِفْهَامِ ثُمَّ تَشَهَّدْ أَيْ أَذِّنْ فَأَقِمْ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ثُمَّ تَشَهَّدْ فَأَقِمْ وَلَيْسَ فِيهَا لَفْظَةُ أَيْضًا قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ ثُمَّ تَشَهَّدْ أَيْ قُلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ بَعْدَ الْوُضُوءِ فَأَقِمْ أَيِ الصَّلَاةَ وَقِيلَ مَعْنَى تَشَهَّدْ أَذِّنْ لِأَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى كَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ فَأَقِمْ عَلَى هَذَا يُرَادُ بِهِ الْإِقَامَةُ لِلصَّلَاةِ كَذَا نَقَلَهُ مَيْرَكُ عَنِ الْأَزْهَارِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ تَشَهَّدْ فَأَقِمْ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ أَيْضًا بَعْدَ قَوْلِهِ فَأَقِمْ فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فَاقْرَأْ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَبِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَقْرَأَ قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ هذه الرواية ولأحمد وبن حِبَّانَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ثُمَّ اقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ اقْرَأْ بِمَا شِئْتَ تَرْجَمَ لَهُ بن حِبَّانَ بِبَابِ فَرْضُ الْمُصَلِّي قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثُمَّ اعْتَدِلْ قَائِمًا وَفِي لَفْظِ أَحْمَدَ فَأَقِمْ صُلْبَكَ حَتَّى تَرْجِعَ الْعِظَامُ إِلَى مَفَاصِلِهَا ثُمَّ اسْجُدْ فَاعْتَدِلْ سَاجِدًا ثُمَّ اجْلِسْ فَاطْمَئِنَّ جَالِسًا وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى تَطْمَئِنَّ مَفَاصِلُهُ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُكَبِّرُ فَإِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ أَيْ مَا ذُكِرَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ أَيْ صَارَتْ تَمَامًا غَيْرَ نَاقِصَةٍ وَإِنِ انْتَقَصْتَ أَيْ نَقَصْتَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَنْقَصَهُ وَنَقَّصَهُ وَانْتَقَصَهُ نَقَصَهُ وَكَانَ هَذَا أَهْوَنَ أَيْ أَسْهَلَ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عنه مِنَ الْأُولَى أَيْ مِنَ الْمَقَالَةِ الْأُولَى وَهِيَ فَارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ أَنَّهُ مَنِ انْتَقَصَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَخْ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ حَدِيثٌ حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وقال بن عبد

الْبَرِّ هَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ نَقَلَهُ مَيْرَكُ عَنِ الْمُنْذِرِيِّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رِفَاعَةَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو وَمُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ وَدَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ كُلِّهِمْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى بْنِ خَلَّادِ بْنِ رَافِعٍ الزرفي عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسَمِّ رِفَاعَةَ قَالَ عَنْ عَمٍّ لَهُ بَدْرِيٍّ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رِفَاعَةَ لَكِنْ لَمْ يَقُلِ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِيهِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ آخَرُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ [302] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) هُوَ الْعُمَرِيُّ قَوْلُهُ (فَدَخَلَ رَجُلٌ) هُوَ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ كَمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَافْعَلْ ذَلِكَ إِلَخْ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كلها قال الحافظ وقع في رواية بن نُمَيْرٍ فِي الِاسْتِئْذَانِ يَعْنِي فِي بَابِ الِاسْتِئْذَانِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ السُّجُودِ الثَّانِي ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا يَدُلُّ عَلَى إِيجَابِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أن هذه اللفظة

وهم فإنه عقبه بأن قال قَالَ أَبُو أُسَامَةَ فِي الْأَخِيرِ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا عَلَى الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ وَكَلَامُ الْبُخَارِيِّ ظَاهِرٌ فِي أن أبا أسامة خالف بن نُمَيْرٍ لَكِنْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مسنده عن أبي أسامة كما قال بن نُمَيْرٍ بِلَفْظِ ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ اقْعُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَاعِدًا ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ اقْعُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَاعِدًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَالَ كَذَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي قُدَامَةَ وَيُوسُفَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي أُسَامَةَ بِلَفْظِ ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى كَذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَرِوَايَةُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَصَحُّ) أَيْ مِنْ رِوَايَةِ بْنُ نُمَيْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ خَالَفَ يَحْيَى الْقَطَّانُ أَصْحَابَ عُبَيْدِ اللَّهِ كُلَّهُمْ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقُولُوا عَنْ أَبِيهِ وَيَحْيَى حَافِظٌ قَالَ فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عُبَيْدُ اللَّهِ حَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الْبَزَّارُ لَمْ يُتَابَعْ يَحْيَى عَلَيْهِ وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ يَحْيَى قَالَ الْحَافِظُ لِكُلٍّ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَجْهٌ مُرَجَّحٌ أَمَّا رِوَايَةُ يَحْيَى فَلِلزِّيَادَةِ مِنَ الْحَافِظِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فَلِلْكَثْرَةِ وَلِأَنَّ سَعِيدًا لَمْ يُوصَفْ بِالتَّدْلِيسِ وَقَدْ ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ ثَمَّ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ الطريقين انتهى كلام الحافظ 112 - [304] قَوْلُهُ (قَالَ سَمِعْتُهُ) أَيْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عمرو وسمعت أَبَا حُمَيْدٍ (وَهُوَ فِي عَشَرَةٍ) أَيْ وَالْحَالُ أنه

كَانَ جَالِسًا فِي عَشَرَةٍ (أَحَدُهُمْ أَبُو قَتَادَةَ بْنُ رِبْعِيٍّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَ مُهْمَلَةٍ اسْمُهُ الْحَارِثُ وَيُقَالُ عَمْرٌو أَوِ النُّعْمَانُ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَلَمْ يَصِحَّ شُهُودُهُ بَدْرًا مَاتَ لسنة 54 أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ سَنَةَ 38 ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (فَاعْرِضْ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ أَيْ إِذَا كُنْتَ أَعْلَمَ فَاعْرِضْ وَبَيِّنْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ عَرَضْتُ عَلَيْهِ أَمْرَ كَذَا أَوْ عَرَضْتُ لَهُ الشَّيْءَ أَظْهَرْتُهُ وَأَبْرَزْتُهُ إِلَيْهِ اعْرِضْ بِالْكَسْرِ لَا غَيْرُ أَيْ بَيِّنْ عِلْمَكَ بِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا لِنُوَافِقَكَ إِنْ حَفِظْنَاهُ وَإِلَّا اسْتَفَدْنَاهُ (وَرَكَعَ ثُمَّ اعْتَدَلَ) أَيْ فِي الرُّكُوعِ بِأَنْ سَوَّى رَأْسَهُ وَظَهْرَهُ حَتَّى صَارَ كَالصَّفْحَةِ (فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ) مِنَ التَّصْوِيبِ أَيْ لَمْ يَحُطَّهُ حَطًّا بَلِيغًا بَلْ يَعْتَدِلُ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ اعْتَدَلَ (وَلَمْ يُقْنِعْ) مِنْ أَقْنَعَ رَأْسَهُ إِذَا رَفَعَ أَيْ لَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَى مِنْ ظَهْرِهِ (ثُمَّ هَوَى) أَيْ نَزَلَ وَانْحَطَّ وَالْهُوِيُّ السُّقُوطُ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى أَسْفَلَ (جافى) أي باعد ونحى (وفتح أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ ثَنَاهَا وَلَيَّنَهَا فَوَجَّهَهَا إِلَى الْقِبْلَةِ (ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ) أَيْ عَطَفَهَا (وَقَعَدَ وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ نَهَضَ) فِيهِ سُنِّيَّةُ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لَا تَشَهُّدَ فِيهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي مَوْضِعِهَا (حَتَّى إِذَا قَامَ مِنَ السَّجْدَتَيْنِ) أَيِ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ (حَتَّى كَانَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي تَنْقَضِي فِيهَا صَلَاتُهُ أَخَّرَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ عَلَى شِقِّهِ مُتَوَرِّكًا) فِيهِ سُنِّيَّةُ التَّوَرُّكِ فِي الْقَعْدَةِ الْأَخِيرَةِ قَالَ

باب ما جاء في القراءة في الصبح

الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ قَوِيَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ فِي أَنَّ هَيْئَةَ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُغَايِرَةٌ لِهَيْئَةِ الْجُلُوسِ فِي الْأَخِيرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود والدارمي وبن مَاجَهْ [305] قَوْلُهُ (وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ أَبُو عَلِيٍّ الْخَلَّادُ نَزِيلُ مَكَّةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ لَهُ تَصَانِيفُ مِنْ شُيُوخِ التِّرْمِذِيِّ مَاتَ سَنَةَ 242 اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ 13 - (بَاب مَا جَاءَ في القراءة في الصُّبْحِ [306]) قَوْلُهُ (عَنْ مِسْعَرٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثانيه وفتح المهملة هو بن كدام بكسر أوله وتخفيف ثانيه بن ظَهِيرٍ الْهِلَالِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَاضِلٌ قَالَ الْقَطَّانُ مَا رَأَيْتُ مِثْلَهُ كَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ وَقَالَ شُعْبَةُ كَانَ يُسَمَّى الْمُصْحَفَ لِإِتْقَانِهِ وَقَالَ وَكِيعٌ شَكُّهُ كَيَقِينِ غَيْرِهِ مَاتَ سَنَةَ 153 ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ (وَسُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْقَافِ الثَّعْلَبِيِّ بِالْمُثَلَّثَةِ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ 125 خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عَمِّهِ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ) بِضَمِّ القاف وسكون

الطَّاءِ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (يقرأ في الفجر والنخل باسقات) أَيْ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ السُّورَةَ الَّتِي فيها والنخل باسقات وَهِيَ ق وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَرَأَ ق والقران المجيد وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فَقَرَأَ فِي أَوَّلِ ركعة والنخل باسقات لها طلع نضيد قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ وَأَبِي بَرْزَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقرأ في الفجر بق والقران المجيد وَنَحْوِهَا وَكَانَ صَلَاتُهُ بِمَدٍّ إِلَى تَخْفِيفٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَاللَّيْلِ إِذَا يغشى وَفِي الْعَصْرِ نَحْوَ ذَلِكَ وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ كَانَ إذا دحضت الشمس صلى الظهر وقرأ بنحومن والليل إذا يغشى وَالْعَصْرَ كَذَلِكَ وَالصَّلَوَاتُ كُلُّهَا كَذَلِكَ إِلَّا الصُّبْحَ فَإِنَّهُ كَانَ يُطِيلُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصبح بِمَكَّةَ فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْمُؤْمِنِينَ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ مُوسَى وَهَارُونَ أَوْ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْلَةٌ فَرَكَعَ فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقرأ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ اية وفي لفظ بن حِبَّانَ كَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الْفَجْرِ تَعْلِيقًا بِلَفْظِ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطُّورِ وَوَصَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ صَحِيحِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الصُّبْحِ بِالْوَاقِعَةِ) أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ (وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مِنْ سِتِّينَ آيَةً إِلَى مِائَةٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَرْزَةَ (وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قرأ إذا الشمس كورت) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ

عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ (وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ص 922 رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنِ اقْرَأْ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بِسُورَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ مِنَ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَفِي مَعْنَى أَثَرِ عُمَرَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ فُلَانٌ يُطِيلُ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِهِ وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِهِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَقَالَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْمُفَصَّلُ مِنَ الْحُجُرَاتِ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَطِوَالُهُ مِنَ الْحُجُرَاتِ إِلَى آخِرِ سُورَةِ الْبُرُوجِ وَوَسَطُهُ إِلَى آخِرِ سُورَةِ لَمْ يَكُنْ وَقِصَارُهُ إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا اخْتِلَافُ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ فَهُوَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالُوا فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَتَكُونَ الصُّبْحُ أَطْوَلَ وَفِي الْعِشَاءِ وَالْعَصْرِ بِأَوْسَاطِهِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ قَالُوا وَالْحِكْمَةُ فِي إِطَالَةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ أَنَّهُمَا فِي وَقْتِ غَفْلَةٍ بِالنَّوْمِ آخِرَ اللَّيْلِ وَفِي الْقَائِلَةِ فَيُطَوِّلُهُمَا لِيُدْرِكَهُمَا الْمُتَأَخِّرُ بِغَفْلَةٍ وَنَحْوِهَا وَالْعَصْرُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ تُفْعَلُ فِي وَقْتِ تَعَبِ أَهْلِ الْأَعْمَالِ فَخُفِّفَتْ عَنْ ذَلِكَ وَالْمَغْرِبُ ضَيِّقَةُ الْوَقْتِ فَاحْتِيجَ إِلَى زِيَادَةِ التَّخْفِيفِ لِذَلِكَ وَلِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى عَشَاءِ صَائِمِهِمْ وَضَيْفِهِمْ وَالْعِشَاءُ فِي وَقْتِ غَلَبَةِ النَّوْمِ وَالنُّعَاسِ وَلَكِنَّ وَقْتَهَا وَاسِعٌ فَأَشْبَهَتِ الْعَصْرَ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ وَسَتَعْرِفُ اخْتِلَافَ أَحْوَالِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ بِمَا لَا يَتِمُّ بِهِ هَذَا التفصيل

باب ما جاء في القراءة في الظهر والعصر

114 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ [307]) قَوْلُهُ (كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَشِبْهِهِمَا) قَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ كَمَا سَتَعْرِفُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَجُمِعَ بَيْنَهَا بِوُقُوعِ ذَلِكَ فِي أَحْوَالٍ مُتَغَايِرَةٍ إِمَّا لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ من الأسباب واستدل بن الْعَرَبِيِّ بِاخْتِلَافِهَا عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ سُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ فِي صَلَاةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهُوَ وَاضِحٌ فِيمَا اخْتُلِفَ لَا فِيمَا لَمْ يُخْتَلَفْ كَتَنْزِيلُ وَهَلْ أَتَى فِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ خَبَّابٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي قَتَادَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَالْبَرَاءِ) أَمَّا حديث خباب فأخرجه البخاري والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ كُنَّا نَحْزِرُ قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ قَدْرَ قِرَاءَةِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ وَفِي رِوَايَةٍ في كل ركعة قدر ثلثين آيَةً وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَحَزَرْنَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ قِيَامِهِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ مِنَ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَيُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ فَنَسْمَعُ مِنْهُ الْآيَةَ بَعْدَ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ

باب في القراءة في المغرب

(وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الظُّهْرِ قَدْرَ تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ إِلَخْ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ آنِفًا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الركعة الأولى من الظهر يسبح اسم ربك الأعلى وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ (وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ (وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَعْدِلُ صَلَاةُ الْعَصْرِ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي الْقِرَاءَةِ) أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ كَانُوا يَعْدِلُونَ الظُّهْرَ بِالْعِشَاءِ وَالْعَصْرَ بِالْمَغْرِبِ كَذَا فِي الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ تُضَعَّفُ صَلَاةُ الظُّهْرِ عَلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ فِي الْقِرَاءَةِ أَرْبَعَ مِرَارٍ) يَخْدِشُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي تَقَدَّمَ 15 - (بَاب فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْمَغْرِبِ [308]) قَوْلُهُ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ الْفَضْلِ اسْمُهَا لُبَابَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةُ وَيُقَالُ إِنَّهَا أَوَّلُ امْرَأَةٍ أَسْلَمَتْ بَعْدَ خَدِيجَةَ قاله الحافظ

قَوْلُهُ (وَهُوَ عَاصِبٌ رَأْسَهُ) أَيْ شَادٌّ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ (فَصَلَّى الْمَغْرِبَ فَقَرَأَ بِالْمُرْسَلَاتِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصِّحَّةِ بِأَطْوَلَ مِنَ الْمُرْسَلَاتِ لِكَوْنِهِ كَانَ فِي حَالِ شِدَّةِ مَرَضِهِ وَهُوَ مَظِنَّةُ التَّخْفِيفِ وَهُوَ يَرُدُّ عَلَى أَبِي دَاوُدَ ادِّعَاءَهُ نَسْخَ التَّطْوِيلِ لِأَنَّهُ رَوَى عَقِبَ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْقِصَارِ قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى نَسْخِ حَدِيثِ زَيْدٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الدَّلَالَةِ وَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى عُرْوَةَ رَاوِيَ الْخَبَرِ عَمِلَ بِخِلَافِهِ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى نَاسِخِهِ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا الْحَمْلِ وَكَيْفَ تَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ وَأُمُّ الْفَضْلِ تَقُولُ إِنَّ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا بِهِمْ قَرَأَ بِالْمُرْسَلَاتِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (فَمَا صَلَّاهَا بَعْدُ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ) وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ الظُّهْرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ جَمَعَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ عَائِشَةَ حَكَتْ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ لِقَرِينَةِ قَوْلِهَا بِأَصْحَابِهِ وَالَّتِي حَكَتْهَا أُمُّ الْفَضْلِ كَانَتْ فِي بَيْتِهِ كَمَا رَوَى ذَلِكَ النَّسَائِيُّ وَلَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ بِلَفْظِ خَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَاصِبٌ رَأْسَهُ فِي مَرَضِهِ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ قَوْلِهَا خَرَجَ إِلَيْنَا أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ فِيهِ رَاقِدًا إِلَى مَنْ فِي الْبَيْتِ انْتَهَى مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن جبير بن مطعم وبن عُمَرَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عمر فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ (قُلْ يَا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) وأما حديث أبي أيوب فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَمِيعًا وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ زَادَ أَبُو دَاوُدَ قُلْتُ وَمَا طُولَى الطُّولَيَيْنِ قَالَ الْأَعْرَافُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُمِّ الْفَضْلِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كِلْتَيْهِمَا) رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنَّ رَسُولَ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ بِسُورَةِ الْأَعْرَافِ فَرَّقَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ مَيْرَكُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ (وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) يَعْنِي عَلَى الْقِرَاءَةِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ فِي الْمَغْرِبِ وَبِهِ يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقرأ في المغرب بقصار المفصل وبما روى بن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ قُلْ يا أيها الكافرون (وقل هو الله أحد) وَبِمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى أَنِ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَبِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ هُشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يقرأ في صلاة المغرب بنحو ما تقرأون والعاديات وَنَحْوَهُ مِنَ السُّوَرِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النهدي أنه صلى خلف بن مسعود المغرب فقرأ بقل هو الله أحد وَبِمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) مَقُولَةُ قَوْلِهِ الْآتِي لَا أَكْرَهُ ذَلِكَ إِلَخْ (وَذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ أنه يكره إلخ) بالواو لِلْحَالِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَكْرَهُ ذَلِكَ بَلْ أَسْتَحِبُّ أَنْ يُقْرَأَ بِهَذِهِ السُّوَرِ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ) أَعَادَ قَوْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لِطُولِ الْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقُولِهِ لَا أَكْرَهُ ذَلِكَ إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ ذُكِرَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقْرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالسُّوَرِ الطِّوَالِ نَحْوِ الطُّورِ وَالْمُرْسَلَاتِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَكْرَهُ ذَلِكَ بَلْ أستحب وكذا نقله البغوي نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي ذلك ولا

اسْتِحْبَابَ وَأَمَّا مَالِكٌ فَاعْتَمَدَ الْعَمَلَ بِالْمَدِينَةِ بَلْ وبغيرها قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ اسْتَمَرَّ الْعَمَلُ عَلَى تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَتَقْصِيرِهَا فِي الْمَغْرِبِ وَالْحَقُّ عِنْدَنَا أَنَّ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَثَبَتَ مُوَاظَبَتُهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَمَا لَا يَثْبُتُ مُوَاظَبَتُهُ عَلَيْهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ قَالَ الْحَافِظُ وَلَمْ أَرَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا فِيهِ التَّنْصِيصُ عَلَى الْقِرَاءَةِ فِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ إِلَّا حَدِيثًا فِي بن ماجه عن بن عُمَرَ نَصَّ فِيهِ عَلَى الْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصُ وَمِثْلُهُ لِابْنِ حِبَّانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَمَّا حديث بن عمر فظاهر إسناد الصِّحَّةُ إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَخْطَأَ فِيهِ بَعْضُ رُوَاتِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَفِيهِ سَعِيدُ بْنُ سِمَاكٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ قَرَأَ بِهِمَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَاعْتَمَدَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا وَغَيْرُهُمْ حَدِيثَ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فُلَانٍ قَالَ سُلَيْمَانُ فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وصححه بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَهَذَا يُشْعِرُ بِالْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ ولكن في الاستدلال به نظر نغم حَدِيثُ رَافِعٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنْتَضِلُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ يَدُلُّ عَلَى تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْيَانًا يَدُلُّ عَلَى تَخْفِيفِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْيَانًا يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فِي الْمَغْرِبِ إِمَّا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَإِمَّا لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ (أَيِ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَكَرَّرَ مِنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَعْنِي مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا لَكَ تَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَقَدْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ أَنْكَرَ عَلَى مَرْوَانَ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَلَوْ كَانَ مَرْوَانُ يَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ لِيَحْتَجَّ بِهِ عَلَى زَيْدٍ لَكِنْ لَمْ يُرِدْ زَيْدٌ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى الْقِرَاءَةِ بِالطِّوَالِ وَإِنَّمَا أَرَادَ مِنْهُ أَنْ يَتَعَاهَدَ ذَلِكَ كَمَا رَآهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الصِّحَّةِ بِأَطْوَلَ مِنَ الْمُرْسَلَاتِ لِكَوْنِهِ كَانَ فِي حَالِ شِدَّةِ مَرَضِهِ وَهُوَ مَظِنَّةُ التَّخْفِيفِ انْتَهَى كَلَامُهُ قَالَ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ هَذَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ فَجَائِزٌ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْرَأَ فِي الْمَغْرِبِ وَفِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا بِمَا أَحَبَّ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ إِمَامًا اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُخَفِّفَ فِي القراءة كما

باب ما جاء في القراءة في صلاة العشاء

تَقَدَّمَ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْقُرْطُبِيِّ مَا وَرَدَ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ التَّقْصِيرُ أَوْ عَكْسُهُ فَهُوَ مَتْرُوكٌ وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ عَلَى تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَرَأَ بَعْضَ السُّورَةِ ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي حَدِيثِ جُبَيْرٍ بِلَفْظِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ (إِنَّ عذاب ربك لواقع) قَالَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ هِيَ هَذِهِ الْآيَةَ خَاصَّةً انْتَهَى وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَقْتَضِي قَوْلَهُ خَاصَّةً مَعَ كَوْنِ رِوَايَةِ هُشَيْمٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِخُصُوصِهَا مُضَعَّفَةٌ بَلْ جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَرَأَ السُّورَةَ كُلَّهَا فَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ سَمِعْتُهُ يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الْآيَةَ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غير شيء أم هم الخالقون الايات إلى قوله (المصيطرون) كاد قلبي يطير ونحوه لقاسم بن اصبع وفي رواية أسامة ومحمد بن عمرو المتقدمين سمعته يقرأ والطور وكتاب مسطور ومثله لا بن سَعْدٍ وَزَادَ فِي أُخْرَى فَاسْتَمَعْتُ قِرَاءَتَهُ حَتَّى خَرَجْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ ادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الْمَذْكُورَ يَأْتِي فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَكَذَا أَبْدَاهُ الْخَطَّابِيُّ احْتِمَالًا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَرَأَ بِشَيْءٍ مِنْهَا يَكُونُ قَدْرَ سُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ لَمَا كَانَ لِإِنْكَارِ زَيْدٍ مَعْنًى وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لِمَرْوَانَ إِنَّكَ لَتُخِفُّ الْقِرَاءَةَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ فَوَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِيهَا بِسُورَةِ الْأَعْرَافِ في الركعتين جميعا أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَاخْتُلِفَ عَلَى هِشَامٍ فِي صَحَابِيِّهِ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَقَالَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَوْ أَبِي أَيُّوبَ وَقِيلَ عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُقْتَصِرًا عَلَى الْمَتْنِ دُونَ الْقِصَّةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ 16 - (بَاب مَا جَاءَ فِي القراءة في صلاة العشاء [309]) قوله (أخبرنا بن وَاقِدٍ) هُوَ الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ مَوْلَى عَبْدِ الله بن عامر المروزي قاضيها وثقه بن مَعِينٍ مَاتَ سَنَةَ 159 تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ) بْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيِّ

الْمَرْوَزِيِّ قَاضِيهَا ثِقَةٌ (عَنْ أَبِيهِ) بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا صَحَابِيٌّ أَسْلَمَ قَبْلَ بَدْرٍ مَاتَ سَنَةَ 63 ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ قَوْلُهُ (يَقْرَأُ فِي العشاء الاخرة بالشمس وضحاها وَنَحْوِهَا مِنَ السُّوَرِ) هَذَا فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لِمُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَتُرِيدُ أَنْ تَكُونَ يَا مُعَاذُ فَتَّانًا إِذَا أممت الناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبح اسم ربك الأعلى والليل إذا يغشى قَالَهُ لَهُ حِينَ أُخْبِرَ أَنَّهُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْعِشَاءَ فَطَوَّلَ عَلَيْهِمْ وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ هَذِهِ السُّوَرَ وَنَحْوَهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ (وَالتِّينِ والزيتون) الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي سَفَرٍ فَقَرَأَ فِي الْعِشَاءِ فِي إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إذا السماء أنشقت فَسَجَدَ فَقُلْتُ مَا هَذِهِ قَالَ سَجَدْتُ فِيهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ وَاعْلَمْ أن سورة (والتين والزيتون) مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَسُورَةَ (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) مِنْ أَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَإِنَّمَا قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ لِكَوْنِهِ كَانَ مُسَافِرًا وَالسَّفَرُ يُطْلَبُ فِيهِ التَّخْفِيفُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَضَرِ فَلِذَلِكَ قَرَأَ فِيهَا بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قرأ في العشاء الاخر بسورة والتين والزيتون) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ كَمَا عَرَفْتَ (وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِسُوَرٍ مِنْ أَوْسَاطِ

باب ما جاء في القراءة خلف الامام

الْمُفَصَّلِ نَحْوَ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ وَأَشْبَاهِهَا) وَقَدْ تَقَدَّمَ حديث سليمان بن يسار عن أبي هريرة وَفِيهِ وَيَقْرَأُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْعِشَاءِ مِنْ وَسَطِ الْمُفَصَّلِ (كَأَنَّ الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ وَاسِعٌ) كَأَنَّ بِشَدَّةِ النُّونِ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْفِعْلِ يَعْنِي كأن أمر القراء في صلاة العشاء فيه وسعة عندهم لا تضييق فيه ولأجل ذلك قرأوا فِيهَا بِأَكْثَرَ مِنَ الْمَذْكُورِ وَأَقَلَّ (وَأَحْسَنُ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قرأ بالشمس وضحاها والتين والزيتون) بَلْ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي ذَلِكَ مَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقِرَاءَتِهِ مِنَ السُّوَرِ وَأَمْثَالِهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 17 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ [311]) قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ أَبُو بَكْرٍ الْمُطَّلِبِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ الْعِرَاقِ إِمَامُ الْمَغَازِي وَهُوَ ثِقَةٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ قَالَ بَدْرُ الدِّينِ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ بن إِسْحَاقَ مِنَ الثِّقَاتِ الْكِبَارِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْتَهَى وقال بن الهمام في فتح القدير وأما بن إِسْحَاقَ فَثِقَةٌ ثِقَةٌ لَا شُبْهَةَ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ وَلَا عِنْدَ مُحَقِّقِي الْمُحَدِّثِينَ انْتَهَى وَقَالَ أيضا وهو يعني توثيق بن إِسْحَاقَ الْحَقُّ الْأَبْلَجُ وَمَا نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ لَا يَثْبُتُ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَقْبَلْهُ أَهْلُ الْعِلْمِ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ شُعْبَةُ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ وَرَوَى عَنْهُ مِثْلُ الثوري وبن إدريس وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وبن علية وعبد الوارث وبن المبارك واحتمله أحمد وبن مَعِينٍ وَعَامَّةُ أَهْلِ

الْحَدِيثِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُمْ وَقَدْ أَطَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَوْثِيقِهِ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَإِنَّ مَالِكًا رَجَعَ عَنِ الكلام في بن إِسْحَاقَ وَاصْطَلَحَ مَعَهُ وَبَعَثَ إِلَيْهِ هَدِيَّةً انْتَهَى كلام بن الهمام وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الْقَوْلِ الْمُسَدَّدِ وَأَمَّا حَمْلُهُ يَعْنِي بن الْجَوْزِيِّ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فَلَا طَائِلَ فِيهِ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ قَبِلُوا حَدِيثَهُ وَأَكْثَرُ مَا عيب فيه التدليس والرواية عن المجهولين وأما هُوَ فِي نَفْسِهِ فَصَدُوقٌ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الْمَغَازِي عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (عَنْ مَكْحُولٍ) وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ فذكر فيه سماع بن إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ فَصَارَ الْحَدِيثُ مَوْصُولًا صَحِيحًا انْتَهَى وَمَكْحُولٌ هَذَا هُوَ مَكْحُولٌ الشَّامِيُّ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ فَقِيهٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ مَشْهُورٌ مِنَ الْخَامِسَةِ مَاتَ سَنَةَ بِضْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ) أَيْ شَقَّ عَلَيْهِ التَّلَفُّظُ وَالْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ (فَلَمَّا انْصَرَفَ) أَيْ فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ (إِي وَاللَّهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ نَعَمْ وَاللَّهِ نَحْنُ نَقْرَأُ قَالَ لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ سَوَاءٌ جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ خَافَتَ بِهَا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ لَا طَعْنَ فِيهِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قِرَاءَةَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ سِرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمَنْصُورُ عِنْدِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي قَتَادَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثَلَاثًا غَيْرُ تَمَامٍ فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ قَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ

عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَجَاءَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ تَصْرِيحُ سماع بن إِسْحَاقَ مِنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ فَزَالَتْ شُبْهَةُ التَّدْلِيسِ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ بِعُمُومِهِمَا شَامِلَانِ لِلْمَأْمُومِينَ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ القراءة والبيهقي في كتاب القراءة وبن حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ أتقرأون في صلاتكم وا مام يَقْرَأُ فَسَكَتُوا فَقَالَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَقَالَ قَائِلٌ أَوْ قَائِلُونَ إِنَّا لَنَفْعَلُ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا وَلْيَقْرَأْ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي نَفْسِهِ قَالَهُ صَاحِبُ الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ ثُمَّ قَالَ سَمِعَهُ مِنْ أَنَسٍ وسمعه من بن أَبِي عَائِشَةَ فَالطَّرِيقَانِ مَحْفُوظَانِ انْتَهَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ بن عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال أتقرأون خَلْفِي قُلْنَا نَعَمْ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَظِيمِ عَنِ النَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أتقرأون خَلْفِي قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَنَهُزُّهُ هَزًّا قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَاهُ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ عَنْ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنِ النَّضْرِ وَفِي بَابِ أَحَادِيثَ أُخْرَى ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِنَا تَحْقِيقُ الْكَلَامِ فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَفِي كِتَابِنَا أَبْكَارُ الْمِنَنِ فِي نَقْدِ آثَارِ السُّنَنِ وَذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ فَمِنْهَا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ احْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فِي جُمْلَةِ مَا احْتَجَّ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ وَصَحَّحَهُ أَبُو دَاوُدَ والترمذي والدارقطني وبن حبان والحاكم والبيهقي من طريق بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عُبَادَةَ وَتَابَعَهُ زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مَكْحُولٍ وَمِنْ شَوَاهِدِهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لعلكم

تقرأون وَالْإِمَامُ يَقْرَأُ قَالُوا إِنَّا لَنَفْعَلُ قَالَ لَا إِلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَحَدُكُمْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ انْتَهَى وَقَالَ فِي نَتَائِجِ الْأَفْكَارِ لِتَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْأَذْكَارِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ قَالَ مَيْرَكُ نَقْلًا عَنِ الْمُلَقِّنِ حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَوَاهُ أبو داود والترمذي والدارقطني وبن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ وَقَالَ الْحَاكِمُ إِسْنَادُهُ مُسْتَقِيمٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ صَحِيحٌ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ بن إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْهُ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ مَحْمُودٍ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بن أنس وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ) وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا قال العيني في عمدة القارىء بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَسْتَحْسِنُونَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَبَعْضُهُمْ فِي السِّرِّيَّةِ فَقَطْ وَعَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ انْتَهَى وَقَالَ الملَّاجيونُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي التَّفْسِيرِ الْأَحْمَدِيِّ فَإِنْ رَأَيْتَ الطَّائِفَةَ الصُّوفِيَّةَ وَالْمَشَائِخِينَ الْحَنَفِيَّةَ تَرَاهُمْ يَسْتَحْسِنُونَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ لِلْمُؤْتَمِّ كَمَا اسْتَحْسَنَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْضًا احْتِيَاطًا فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ عُمْدَةِ الرِّعَايَةِ حَاشِيَةِ شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ لِلْمُؤْتَمِّ فِي السِّرِّيَّةِ وَرُوِيَ

باب ما جاء في ترك القراءة خلف الامام إذا جهر

مِثْلُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ الْمُجْتَبَى شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا هُوَ مُخْتَارُ كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِنَا انْتَهَى تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بن أنس وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيهِ إِجْمَالٌ وَمَقْصُودُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ كلهم يروا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ إِمَّا فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ أو في السِّرِّيَّةِ فَقَطْ وَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَالِاسْتِحْسَانِ فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ سرية كما كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً فَاسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمَنْصُورُ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ 18 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ إِذَا جَهَرَ) الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ [312] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ) وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الأنصاري (عن بن أُكَيْمَةَ) بِالتَّصْغِيرِ اسْمُهُ عُمَارَةُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَالتَّخْفِيفِ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ يُكَنَّى أَبَا الْوَلِيدِ وَقِيلَ اسْمُهُ عَمَّارٌ أَوْ عُمَرُ أَوْ عَامِرٌ يَأْتِي غَيْرَ مُسَمًّى ثِقَةٌ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً نَظُنُّ أَنَّهَا الصُّبْحُ (إني أقول مالي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَنَصْبِ الْقُرْآنَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ أَيْ فِيهِ كَذَا قَالَ صَاحِبُ الْأَزْهَارِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أُدَاخَلُ فِي الْقِرَاءَةِ وَأُغَالَبُ عَلَيْهَا وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ أُجَاذَبُ فِي قِرَاءَتِهِ كَأَنَّهُمْ جَهَرُوا بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَهُ فَشَغَلُوهُ فَالْتَبَسَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَأَصْلُ النَّزْعِ الْجَذْبُ وَمِنْهُ نَزْعُ الْمَيِّتِ بِرُوحِهِ انْتَهَى (قَالَ فَانْتَهَى النَّاسُ إِلَخْ) أَيْ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَانْتَهَى النَّاسُ كَمَا رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ فَقَوْلُهُ فَانْتَهَى النَّاسُ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَسَيَجِيءُ تَصْرِيحُ الْحُفَّاظِ بِكَوْنِهِ مُدْرَجًا وَالْحَدِيثُ قَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ

الْإِمَامِ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ نَظَرٌ كَمَا سَتَقِفُ عليه قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ قَالَ كَانُوا يقرأون خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خَلَطْتُمْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْهُ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الظُّهْرِ أَوِ الْعَصْرِ فَقَالَ أَيُّكُمْ قَرَأَ خلفي بسبح اسم ربك الأعلى فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا وَلَمْ أُرِدْ بِهَا إلا الخير قال قد علمت أن بضعكم خالجنيها وأما حديث جابر فأخرجه بن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَعْرِفُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَرَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ وَذَكَرُوا هَذَا الْحَرْفَ قَالَ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الْقِرَاءَةِ إِلَخْ) يَعْنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ فَصَلَ قَوْلَهُ فَانْتَهَى النَّاسُ إِلَخْ عَنِ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ قَوْلُهُ فَانْتَهَى النَّاسُ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ بَيَّنَهُ لِي الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَاحِ قَالَ حَدَّثَنَا مُبَشَّرٌ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَاتَّعَظَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ فلم يكونوا يقرأون فِيمَا جَهَرَ وَقَالَ مَالِكٌ قَالَ رَبِيعَةُ إِذَا حَدَّثْتَ فَبَيِّنْ كَلَامَكَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ قَوْلُهُ فَانْتَهَى النَّاسُ مِنَ الْقِرَاءَةِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ صَاحِبُ الزُّهْرِيَّاتِ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِرِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ حِينَ مَيَّزَهُ مِنَ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَأْمُرُ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ بِهِ وَفِيمَا خَافَتَ انْتَهَى وَقَالَ فِي كتاب القراءة رواية بن عُيَيْنَةَ عَنْ مَعْمَرٍ دَالَّةٌ عَلَى كَوْنِهِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَكَذَلِكَ انْتِهَاءُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وهو من الحفاظ الأثبات الفقهاء مع بن جريج برواية

الْحَدِيثِ مِنَ الزُّهْرِيِّ إِلَى قَوْلِهِ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ وَأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ فَفَصَلَ كَلَامَ الزُّهْرِيِّ مِنَ الْحَدِيثِ بِفَصْلٍ ظَاهِرٍ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ وَقَوْلُهُ فَانْتَهَى النَّاسُ إِلَى آخِرِهِ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ بَيَّنَهُ الْخَطِيبُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَأَبُو دَاوُدَ وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ وَالذُّهْلِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُدْخَلُ عَلَى مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ إِلَخْ) حَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْوِيَّ فِي هَذَا الْبَابِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ حَتَّى يَكُونَ حُجَّةً عَلَى الْقَائِلِينَ بِهَا فَإِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ الَّذِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ رَوَى هُوَ حَدِيثَ الْخِدَاجِ الَّذِي يَدُلُّ على وجوب قراءة الفاتحة على كل مصلى إِمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا وَقَدْ أَفْتَى أَبُو هُرَيْرَةَ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ خَلْفَ الْإِمَامِ حَيْثُ قَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ فَعُلِمَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْوِيَّ فِي هَذَا الْبَابِ لَيْسَ فِيهِ مَا يُدْخَلُ عَلَى مَنْ رَأَى الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ أَيْ لَيْسَ فِيهِ مَا يَضُرُّ الْقَائِلِينَ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الدَّخَلُ مُحَرَّكَةٌ مَا دَاخَلَكَ مِنْ فَسَادٍ فِي عَقْلٍ أَوْ جِسْمٍ وَقَدْ دَخِلَ كَفَرِحَ وَعُنِيَ دَخْلًا وَدَخَلًا وَالْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ وَالْعَيْبُ فِي الْحَسَبِ انْتَهَى (وَرَوَى أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أُنَادِيَ أَنْ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ بِأَسَانِيدَ وَأَلْفَاظٍ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فليرجع إليه تنبيه إعلم أن الامام مالك وَالزُّهْرِيَّ وَغَيْرَهُمَا مِمَّنْ قَالُوا بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَوَاتِ السِّرِّيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ قَدِ اسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ لَكِنْ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَطْلُوبِهِمْ نَظَرٌ أَمَّا حَدِيثُ الْمُنَازَعَةِ الَّذِي رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا وَهِيَ الْقِرَاءَةُ بِالسِّرِّ وَفِي النَّفْسِ بِحَيْثُ لَا يُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ بِقِرَاءَةِ

الْإِمَامِ نَعَمْ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ بِالْجَهْرِ خَلْفَهُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّهُ لَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ لِأَنَّ مَحَلَّ النِّزَاعِ هُوَ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ سِرًّا وَالْمُنَازَعَةُ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ جَهْرِ الْمُؤْتَمِّ لَا مَعَ إِسْرَارِهِ وَقَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ غَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ فَهُوَ إِنْ دَلَّ عَلَى النَّهْيِ فَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى نَهْيِ الْقِرَاءَةِ الْمُفْضِيَةِ إِلَى المنازعة في الجهرية انتهى وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ التَّخْلِيطِ عَلَى الْإِمَامِ وَالتَّخْلِيطُ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا قُرِئَ خَلْفَ الْإِمَامِ بِالْجَهْرِ وَأَمَّا إِذَا قُرِئَ خَلْفَهُ بِالسِّرِّ وَفِي النَّفْسِ فَلَا يَكُونُ التَّخْلِيطُ ألْبَتَّةَ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ والبخاري في جزء القراءة حديث بن مَسْعُودٍ هَذَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوم كانوا يقرأون عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِقِرَاءَتِهِمْ خَلْفَهُ بِالْجَهْرِ وَعَلَى ذَلِكَ أَنْكَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ خَلَطْتُمْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ فَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا خَارِجٌ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَهُوَ أَيْضًا خارج عن محل النزاع قال الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مَعْنَى قَوْلِهِ خَالَجَنِيهَا أَيْ نَازَعَنِي وَالْمُخَالَجَةُ هُنَا عِنْدَهُمْ كَالْمُنَازَعَةِ فَحَدِيثُ عمران هذا الحديث بن أُكَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا تَكُونُ الْمُنَازَعَةُ إِلَّا فِيمَا جَهَرَ فِيهِ الْمَأْمُومُ وَرَاءَ الْإِمَامِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ يَا فَارِسِيُّ انْتَهَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ إِنْ كَانَ كَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِرَاءَتِهِ شَيْئًا فَإِنَّمَا كَرِهَ جَهْرَهُ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ أَلَا تَرَاهُ قَالَ أَيُّكُمْ قَرَأَ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَلَوْلَا أَنَّهُ رَفَعَ صَوْتَهُ بِقِرَاءَةِ هَذِهِ السُّورَةِ وَإِلَّا لَمْ يُسَمِّ لَهُ مَا قَرَأَ وَنَحْنُ نَكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَأَمَّا أَنْ يَتْرُكَ أَصْلَ الْقِرَاءَةِ فَلَا وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَذَلِكَ يُؤَكِّدُ مَا قُلْنَا انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَعْرِفُ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي السِّرِّيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وَبِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا وَسَيَأْتِي الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ فَانْتَظِرْ قَوْلُهُ (وَاخْتَارَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَقْرَأَ الرَّجُلُ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَقَالُوا يَتَّبِعُ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ) جَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ صَلَّى

صَلَاةً مَكْتُوبَةً مَعَ الْإِمَامِ فَلْيَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي سَكَتَاتِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا وَفِيهِ مَنْ صَلَّى صَلَاةً مَعَ إِمَامٍ يَجْهَرُ فَلْيَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي بَعْضِ سَكَتَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَصَلَاتُهُ خِدَاجٌ غَيْرُ تَمَامٍ وَقَالَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ مَا لَفْظُهُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْتَجٍّ بِهِ وَكَذَلِكَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ مِمَّنْ رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَلِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ شَوَاهِدُ صَحِيحَةٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ خَبَرًا عَنْ فِعْلِهِمْ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ فَتْوَاهُمْ وَنَحْنُ نَذْكُرُهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِ أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي أَقَاوِيلِ الصَّحَابَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده أنهم كانوا يقرأون خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أنصت فإذا قرأ لم يقرأوا وإذا أنصت قرأوا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كَانُوا إِذَا كَبَّرُوا لَا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَنْ خلفه قد قرأوا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَرَأْتُ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ تَصْنِيفُ الْبُخَارِيِّ قَالَ قَالَ بن خُثَيْمٍ قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ قَالَ نَعَمْ وَإِنْ سَمِعْتَ قِرَاءَتَهُ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَحْدَثُوا مَا لَمْ يَكُونُوا يَصْنَعُونَهُ إِنَّ السَّلَفَ كَانَ إِذَا أَمَّ أَحَدُهُمُ النَّاسَ كَبَّرَ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَظُنَّ أَنَّ مَنْ خَلْفَهُ قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ قَرَأَ وَأَنْصَتَ انْتَهَى مَا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي نَتَائِجِ الْأَفْكَارِ هَذَا مَوْقُوفٌ صَحِيحٌ فَقَدْ أَدْرَكَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ جَمَاعَةً مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَمِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ انْتَهَى ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ يا بني اقرأوا فِي سَكْتَةِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا تَتِمُّ صَلَاةٌ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ ثُمَّ هِيَ خِدَاجٌ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ يَقْرَأُ قَالَ أَبُو سَلَمَةَ لِلْإِمَامِ سَكْتَتَانِ فَاغْتَنَمُوهُمَا سَكْتَةٌ حِينَ يُكَبِّرُ وَسَكْتَةٌ حِينَ يَقُولُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهم ولا الضالين قَالَ فَهَذَا الْجَوَابُ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا قَالَهُ أبو هريرةورواية الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَشْهَدُ لِذَلِكَ بِالصِّحَّةِ انْتَهَى قُلْتُ رِوَايَةُ الْعَلَاءِ لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِقِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ الْحَدِيثَ وَعِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي هَذَا

الْكِتَابِ ص 21 قَالَ قُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فَقَالَ يَا فَارِسِيُّ أو يا بن الْفَارِسِيِّ اقْرَأْ فِي نَفْسِكَ وَعِنْدَهُ أَيْضًا فِي هَذَا الْكِتَابِ ص 19 قُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَكَيْفَ أَصْنَعُ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ قَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ قَالَ مَكْحُولٌ اقْرَأْ بِهَا يَعْنِي بِالْفَاتِحَةِ فِيمَا جَهَرَ بِهِ الْإِمَامُ إِذَا قَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسَكَتَ سِرًّا وَإِنْ لَمْ يَسْكُتِ اقْرَأْ بِهَا قَبْلَهُ وَمَعَهُ وَبَعْدَهُ لَا تَتْرُكْهَا عَلَى حَالٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَرَأَى أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمُ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ) وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ اقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قُلْتُ وَإِنْ كُنْتَ قَالَ وَإِنْ كُنْتُ أَنَا قُلْتُ وَإِنْ جَهَرْتَ قَالَ وإن جهرت قال الدارقطني رواية كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَأَخْرَجَهُ بِإِسْنَادٍ آخَرَ وَقَالَ هَذَا إسناد صحيح وأخرج إسناده عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ كان علي يقول اقرأوا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ إخراجه هذا إسناد صحيح خرجه بِإِسْنَادٍ آخَرَ بِلَفْظِ كَانَ يَأْمُرُ أَوْ يَقُولُ إقرأوا خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وسورة وفي الأخريين أو بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَدْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا كَانَا يَأْمُرَانِ بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ انْتَهَى وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقِفَ عَلَى آثَارِ الصَّحَابَةِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَارْجِعْ إِلَى كِتَابِنَا تَحْقِيقِ الْكَلَامِ وَإِلَى كِتَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لِلْبَيْهَقِيِّ قَوْلُهُ (وبه يقول مالك وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَنَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الْمَلِيحِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَمَكْحُولٌ وَمَالِكُ بْنُ عَوْنٍ وَسَعِيدُ بن عَرُوبَةَ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ وَقَالَ فِيهِ وَقَالَ الْحَسَنُ وسعيد بن جبير وميمون بن مهران ومالا أُحْصِي مِنَ التَّابِعِينَ وَأَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يُقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَإِنْ جَهَرَ انْتَهَى (وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ أَنَا أقرأ خلف الامام والناس يقرأون إِلَّا قَوْمٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ) يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ فَهُمْ لَا يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ

لَا فِي السِّرِّيَّةِ وَلَا فِي الْجَهْرِيَّةِ وَظَهَرَ من كلام بن الْمُبَارَكِ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ فِي عهد بن المبارك من التابعين وأتباعهم كانوا يقرأون خَلْفَ الْإِمَامِ غَيْرَ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ (وَأَرَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ) أَيْ خَلْفَ الْإِمَامِ (صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ) فَابْنُ الْمُبَارَكِ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ (وَشَدَّدَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَرْكِ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وإن كان خلف الامام) فقالوا لا تجزيء صَلَاةٌ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهُ كَانَ أَوْ خَلْفَ الْإِمَامِ قَوْلُهُمْ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمَنْصُورُ وَذَهَبُوا إِلَى مَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّ لَفْظَ مَنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَهُوَ شَامِلٌ لِلْمَأْمُومِ قَطْعًا كَمَا هُوَ شَامِلٌ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَكَذَلِكَ لَفْظُ صَلَاةَ فِي قَوْلِهِ لَا صَلَاةَ عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ صَلَاةٍ فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا صَلَاةَ الْإِمَامِ كَانَتْ أَوْ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ أَوْ صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ سِرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً قَالَ الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَتْرُكُ أَحَدٌ مِنَ الْمَأْمُومِينَ قِرَاءَةَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِيمَا جَهَرَ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَخُصَّ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ مُصَلِّيًا مِنْ مُصَلٍّ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ سَوَاءٌ أَسَرَّ الْإِمَامُ أَوْ جَهَرَ لِأَنَّ صَلَاتَهُ صَلَاةٌ حَقِيقَةٌ فَتَنْتَفِي عِنْدَ انْتِفَاءِ الْقِرَاءَةِ انْتَهَى (وَقَرَأَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَتَأَوَّلَ قول النبي صلى الله عليه وسلم لا صَلَاةَ إِلَّا بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ حِرامِ بْنِ حَكِيمٍ وَمَكْحُولٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ كَذَا قَالَ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فَقُلْتُ رَأَيْتُكَ صَنَعْتَ فِي صَلَاتِكَ شَيْئًا قَالَ وَمَا ذَاكَ قُلْتُ سَمِعْتُكَ تَقْرَأُ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأَبُو نُعَيْمٍ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ قَالَ نَعَمْ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَقْرَأُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ قُلْنَا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَقُولُ مَا لِي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ فَلَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ إِذَا جَهَرْتُ

بِالْقِرَاءَةِ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ كُلُّهُمْ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَرْوِي عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ أَوْجَبُوا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ اخرين أنهم كانوا لا يقرأون وَافْتَرَقَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ فَكَانَ مَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ يَقُولُونَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ بِهِ وَفِيمَا لَمْ يَجْهَرْ مِنَ الصَّلَاةِ وقال الزهري ومالك وبن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَقْرَأُ فِيمَا أَسَرَّ الْإِمَامُ فِيهِ وَلَا يَقْرَأُ فِيمَا جَهَرَ بِهِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ جَهَرَ أَوْ أَسَرَّ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ تَنْبِيهٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ تَحْتَ حَدِيثِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا وَهْمٌ مِنَ الْعَيْنِيِّ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْمُبَارَكِ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَا عَرَفْتَ وَكَذَلِكَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ لَمْ يَكُونُوا قَائِلِينَ بِوُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ (وَأَمَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ وَكَذَا قَالَ سُفْيَانُ كَمَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قُلْتُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخُصُّ إِلَّا بِدَلِيلٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِقَوْلِ أَحْمَدَ وَلَا بِقَوْلِ سُفْيَانَ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَيْثُ قَالَ مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ هَذَا قَوْلُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَيْسَ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ (قَالَ أَحْمَدُ فَهَذَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَوَّلَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَنَّ هَذَا إِذَا كَانَ وَحْدَهُ) حَمْلُ جَابِرٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ الْمَأْمُومِ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ بِعُمُومِهِ شَامِلٌ لِلْمَأْمُومِ أَيْضًا وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وهو راوي الْحَدِيثِ قَدْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ أَدْرَى بِمُرَادِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِهِ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ

الامام من طريق بن إِسْحَاقَ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْهُ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ عُبَادَةَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعُمُومِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ ص 151 فَأَمَّا قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَجُمْلَةُ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهَا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ كَانَ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا مَعَ ثُبُوتِ الدَّلَالَةِ فِيهِ عَنْ مَنْ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ وَأَنَّ وُجُوبَهَا عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَهُوَ بِالْآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ فَمَنْ تَرَكَ تَفْسِيرَهُمَا وَأَخَذَ بِتَفْسِيرِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ الَّذِي وُلِدَ بَعْدَهُمَا بِسِنِينَ وَلَمْ يُشَاهِدْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاهَدَا حَيْثُ قَالَ لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا لِمَنْ يُصَلِّي وَحْدَهُ أَوْ أَخَذَ بِتَأْوِيلِ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى غَيْرِ مَا تَأَوَّلَا مِنَ الْفُقَهَاءِ كَانَ تَارِكًا لِسَبِيلِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي قَبُولِ الْأَخْبَارِ وَرَدِّهَا فَنَحْنُ إِنَّمَا صِرْنَا إِلَى تَفْسِيرِ الصَّحَابِيِّ الَّذِي حَمَلَ الْحَدِيثَ لِفَضْلِ عِلْمِهِ بِسَمَاعِ الْمَقَالِ وَمُشَاهَدَةِ الْحَالِ عَلَى غَيْرِهِ قَالَ وَلَوْ صَارَ تَأْوِيلُ سُفْيَانَ حُجَّةً لَمْ يَجِبْ عَلَى الْإِمَامِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ لَا يُصَلِّي وَحْدَهُ إِنَّمَا يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ انْتَهَى (وَاخْتَارَ أَحْمَدُ مَعَ هَذَا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَأَنْ لَا يَتْرُكَ الرَّجُلُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ) وَكَذَلِكَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَمَلَ حَدِيثَ عُبَادَةَ الْمَذْكُورَ عَلَى الَّذِي يَكُونُ وَحْدَهُ وَمَعَ هَذَا كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ تَنْبِيهٌ عَقَدَ التِّرْمِذِيُّ للقراءة خلف الامام ما بين وَذَكَرَ فِيهِمَا مَذَاهِبَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَذْهَبَ أَهْلِ الْكُوفَةِ مِنَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ فَلَنَا أَنْ نَذْكُرَ مَذْهَبَهُمْ وَدَلَائِلَهُمْ مَعَ بَيَانِ مَا لَهَا وَمَا عَلَيْهَا بِالِاخْتِصَارِ وَلَنَا كِتَابٌ مَبْسُوطٌ فِي تَحْقِيقِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَمَّيْنَاهُ تَحْقِيقَ الْكَلَامِ فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَفِيهِ بَابَانِ الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي إِثْبَاتِ وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي الْجَوَابِ عَنْ أَدِلَّةِ الْمَانِعِينَ وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْكَلَامَ فِي كُلٍّ مِنَ الْبَابَيْنِ وَبَسَطْنَاهُ وَقَدْ أَطَلْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِنَا أَبْكَارِ الْمِنَنِ فَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ لَا يُقْرَأَ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا جَهَرَ فِيهِ وَلَا فِيمَا لَمْ يَجْهَرْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ انْتَهَى هَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَمَّا أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ فَيَقُولُونَ إِنَّ الْقِرَاءَةَ خلف الامام

مكروهة كراهة تحريم ويستدلون على مذهبهم كالشيخ بن الْهُمَامِ وَغَيْرِهِ هُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وأنصتوا لعلكم ترحمون فَكَانُوا يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ (فَاسْتَمِعُوا) عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَوَاتِ الْجَهْرِيَّةِ وَبِقَوْلِهِ (وَأَنْصِتُوا) عَلَى الْمَنْعِ فِي الصَّلَوَاتِ السِّرِّيَّةِ وَالْآنَ قَدْ حَصْحَصَ الْحَقُّ لَهُمْ فَاعْتَرَفُوا بِمَا فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ مِنَ الِاخْتِلَالِ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ فِي رِسَالَتِهِ إِمَامُ الْكَلَامِ الْإِنْصَافُ الَّذِي يَقْبَلُهُ مَنْ لَا يَمِيلُ إِلَى الِاعْتِسَافِ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا أَصْحَابُنَا عَلَى مَذْهَبِهِمْ لَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ وَلَا عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ حَالَ السَّكْتَةِ انْتَهَى وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ فِي رِسَالَتِهِ الْفُرْقَانُ إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ قَدِ ادَّعَوْا الْحَنَفِيَّةِ قَدِ ادَّعَوْا أَنَّ قِرَاءَةَ الْمُقْتَدِي مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وَاجْتَهَدُوا فِي إِثْبَاتِ النَّسْخِ بِهِ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَا يُسَاعِدُهُ الدَّلِيلُ وَالْعَجَبُ مِنْ أَكَابِرِ الْعُلَمَاءِ يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ الَّذِينَ كَانُوا في العلوم الدينية كالبحر الذخار كَيْفَ تَصَدَّوْا لِإِثْبَاتِ النَّسْخِ بِهَذِهِ الْآيَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ مُتَرْجَمًا وَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ بَعْدَ ذِكْرِ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ تَخْدِشُ الِاسْتِدْلَالَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَا لَفْظُهُ غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ الْآيَةَ لَمَّا احْتَمَلَتْ هَذِهِ الْوُجُوهَ كَانَ الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ لَهُ قِرَاءَةٌ كَمَا تَمَسَّكَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَوْضَحَ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ ذَكَرْنَا فِي تَحْقِيقِ الْكَلَامِ وُجُوهًا كَثِيرَةً كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِدْلَالَ الْحَنَفِيَّةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَطْلُوبِهِمُ الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ الْمَذْكُورِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا يَثْبُتُ بِهَا مُدَّعَاهُمْ ونذكر ها هنا خَمْسَةَ وُجُوهٍ مِنْهَا فَالْأَوَّلُ مِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ سَاقِطَةٌ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي كُتُبِ أُصُولِهِمْ قَالَ فِي التَّلْوِيحِ فِي بَابِ الْمُعَارَضَةِ وَالتَّرْجِيحِ مِثَالُ الْمَصِيرِ إِلَى السُّنَّةِ عند تعارض الآيتين قوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القرآن وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لعلكم ترحمون تَعَارَضَا فَصِرْنَا إِلَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ انْتَهَى وَكَذَا فِي نُورِ الْأَنْوَارِ وَزَادَ فِيهِ فَالْأَوَّلُ بِعُمُومِهِ يُوجِبُ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْمُقْتَدِي وَالثَّانِي بِخُصُوصِهِ يَنْفِيهِ وَقَدْ وَرَدَا فِي الصَّلَاةِ جَمِيعًا فَتَسَاقَطَا فَيُصَارُ إِلَى حَدِيثٍ بعده إِلَى حَدِيثٍ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ من كانت لَهُ إِمَامٌ إِلَخْ فَالْعَجَبُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمْ مَعَ وُجُودِ هَذَا التَّصْرِيحِ فِي كُتُبِ أُصُولِهِمْ كَيْفَ اسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ

وَالثَّانِي أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ) إِنَّمَا يَنْفِيَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ جَهْرًا وَبِرَفْعِ الصَّوْتِ فَإِنَّهَا تَشْغَلُ عَنِ اسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ خَلْفَهُ فِي النَّفْسِ وَبِالسِّرِّ فَلَا يَنْفِيهَا فَإِنَّهَا لَا تَشْغَلُ عَنِ الِاسْتِمَاعِ فَنَحْنُ نَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ عَمَلًا بِأَحَادِيثِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي النَّفْسِ وَسِرًّا وَنَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ عَمَلًا بقوله (وإذا قرئ القرآن) وَالِاشْتِغَالُ بِأَحَدِهِمَا لَا يُفَوِّتُ الْآخَرَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُقَهَاءَ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ إِنَّ اسْتِمَاعَ الْخُطْبَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ القرآن وَمَعَ هَذَا يَقُولُونَ إِذَا خَطَبَ الْخَطِيبُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما فَيُصَلِّي السَّامِعُ سِرًّا وَفِي النَّفْسِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إِلَّا أَنْ يَقْرَأَ الْخَطِيبُ قَوْلَهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صلوا عليه الْآيَةَ فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ قَوْلُهُ فَيُصَلِّي السَّامِعُ فِي نَفْسِهِ أَيْ فَيُصَلِّي بِلِسَانِهِ خَفِيًّا انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي رَمْزِ الْحَقَائِقِ لَكِنْ إِذَا قَرَأَ الْخَطِيبُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما يُصَلِّي السَّامِعُ وَيُسَلِّمُ فِي نَفْسِهِ سِرًّا ائْتِمَارًا لِلْأَمْرِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْبِنَايَةِ فَإِنْ قُلْتَ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا وَالْأَمْرُ الْآخَرُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا قَالَ مُجَاهِدٌ نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِأَحَدِهِمَا يُفَوِّتُ الْآخَرَ قُلْتُ إِذَا صَلَّى فِي نَفْسِهِ وَنَصَتَ وَسَكَتَ يَكُونُ آتِيًا بِمُوجِبِ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى وقال الشيخ بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي نَفْسِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَشْغَلُهُ عَنْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ فَكَانَ إِحْرَازًا لِلْفَضِيلَتَيْنِ انْتَهَى وَالثَّالِثُ قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ السُّؤَالُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنْ نَقُولَ الْفُقَهَاءُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَخْصِيصُ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَهَبْ أَنَّ عُمُومَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا يُوجِبُ سُكُوتَ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَوْلَهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَخَصُّ مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَثَبَتَ أَنَّ تَخْصِيصَ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَازِمٌ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَى تَخْصِيصِ هَذِهِ الْآيَةِ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهَذَا السُّؤَالُ حَسَنٌ انْتَهَى وَفِي تَفْسِيرِ النَّيْسَابُورِيِّ وَقَدْ سَلَّمَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ عُمُومَ اللَّفْظِ إِلَّا أَنَّهُمْ جَوَّزُوا تَخْصِيصَ عُمُومِ القرآن بخبر الواحد وذلك ها هنا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ غَيْثِ الغمام حاشية إمام الكلام ذكر بن الْحَاجِبِ فِي مُخْتَصَرِ الْأُصُولِ وَالْعَضُدِ فِي شَرْحِهِ أَنَّ تَخْصِيصَ عَامِّ الْقُرْآنِ بِالْمُتَوَاتِرِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا وَأَمَّا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ فَقَالَ بِجَوَازِهِ

الأئمة الأربعة وقال بن أَبَانٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ الْعَامُّ قَدْ خُصَّ مِنْ قَبْلُ بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ مُنْفَصِلًا كَانَ أَوْ مُتَّصِلًا وَقَالَ الْكَرْخِيُّ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ الْعَامُّ قَدْ خُصَّ مِنْ قَبْلُ بِدَلِيلِ مُنْفَصِلًا قَطْعِيًّا كَانَ أَوْ ظَنِّيًّا انْتَهَى وَالرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ إِذَا جَهَرَ الْإِمَامُ فَإِنَّ الِاسْتِمَاعَ وَالْإِنْصَاتَ لَا يُمْكِنُ إِلَّا إِذَا جَهَرَ وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا فَقَالَ قَائِلٌ فِي تَعْلِيقَاتِهِ عَلَى التِّرْمِذِيِّ مَا لَفْظُهُ وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا يَعْنِي هَذِهِ الْآيَةَ بِالسِّرِّيَّةِ وَالْإِنْصَاتُ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ كَانَ لكانا أورسننا وَيَكُونُ فِي الْجَهْرِيَّةِ سِيَّمَا إِذَا اجْتَمَعَ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ وَمَا مِنْ كَلَامٍ فَصِيحٍ يَكُونُ الْإِنْصَاتُ فِيهِ فِي السِّرِّ انْتَهَى فَنَحْنُ نَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الصَّلَوَاتِ السِّرِّيَّةِ وَفِي الْجَهْرِيَّةِ أَيْضًا عِنْدَ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ فَإِنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ إِلَّا إِذَا جَهَرَ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ قِيلَ لَهُ احتجاجك بقول الله تعالى فاستمعوا وأنصتوا أَرَأَيْتَ إِذَا لَمْ يَجْهَرِ الْإِمَامُ يَقْرَأُ خَلْفَهُ فَإِنْ قَالَ لَا بَطَلَ دَعْوَاهُ لِأَنَّ اللَّهَ تعالى قال فاستمعوا له وأنصتوا وَإِنَّمَا يَسْتَمِعُ لِمَا يَجْهَرُ مَعَ أَنَّا نَسْتَعْمِلُ قول الله تعالى فاستمعوا له نَقُولُ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ عِنْدَ السَّكَتَاتِ انْتَهَى وقد أعترف بهذا كله بعض الْفَاضِلِ اللَّكْنَوِيِّ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ حَيْثُ قَالَ هَذِهِ الْآيَةُ لَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ وَلَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ حَالَ السَّكْتَةِ الْخَامِسُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا خِطَابٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ بَلْ فِيهَا خِطَابٌ مَعَ الْكُفَّارِ فِي ابْتِدَاءِ التَّبْلِيغِ قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَلِلنَّاسِ فِيهِ أَقْوَالٌ الْأَوَّلُ هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّا نُجْرِي هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى عُمُومِهَا فَفِي أَيِّ مَوْضِعٍ قَرَأَ الْإِنْسَانُ وَجَبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ اسْتِمَاعُهُ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ نَزَلَتْ فِي تَرْكِ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَرَاءَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالرَّابِعُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي السُّكُوتِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ وَفِي الْآيَةِ قول الخامس وَهُوَ أَنَّهُ خِطَابٌ مَعَ الْكُفَّارِ فِي ابْتِدَاءِ التَّبْلِيغِ وَلَيْسَ خِطَابًا مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ مُنَاسِبٌ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَى قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ أَقْوَامًا مِنَ الْكُفَّارِ يَطْلُبُونَ آيَاتٍ مَخْصُوصَةً وَمُعْجِزَاتٍ مَخْصُوصَةً فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَأْتِيهِمْ بِهَا قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا فَأَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَ جَوَابًا عَنْ كَلَامِهِمْ إِنَّهُ لَيْسَ لِي أَنْ أَقْتَرِحَ عَلَى رَبِّي وَلَيْسَ لِي إِلَّا أَنْ أَنْتَظِرَ الْوَحْيَ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا تَرَكَ الْإِتْيَانَ بِتِلْكَ الْمُعْجِزَاتِ الَّتِي اقْتَرَحُوهَا فِي صِحَّةِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزَةٌ تَامَّةٌ كَافِيَةٌ فِي إِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ وَعَبَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لقوم يؤمنون فَلَوْ قُلْنَا إِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى

وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا الْمُرَادُ مِنْهُ قِرَاءَةُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الْإِمَامِ لَمْ يَحْصُلْ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهَا تَعَلُّقٌ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ وَانْقَطَعَ النَّظْمُ وَحَصَلَ فَسَادُ التَّرْكِيبِ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ شَيْئًا آخَرَ سِوَى هَذَا الْوَجْهِ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى كَوْنَ الْقُرْآنِ بَصَائِرَ وَهُدًى وَرَحْمَةً مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ مُعْجِزَةٌ دَالَّةٌ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَوْنُهُ كَذَلِكَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا بِشَرْطٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ عَلَى أُولَئِكَ الْكُفَّارِ اسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصَتُوا حَتَّى يَقِفُوا عَلَى فَصَاحَتِهِ وَيُحِيطُوا بِمَا فِيهِ مِنَ الْعُلُومِ الْكَثِيرَةِ فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَهُمْ كَوْنُهُ مُعْجِزًا دَالًّا عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْتَغْنَوْا بِهَذَا الْقُرْآنِ عَنْ طَلَبِ سَائِرِ الْمُعْجِزَاتِ وَيَظْهَرُ لَهُمْ صِدْقُ قَوْلِهِ فِي صِفَةِ الْقُرْآنِ بَصَائِرُ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَثَبَتَ أَنَّا إِذَا حَمَلْنَا الْآيَةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ اسْتَقَامَ النَّظْمُ وَحَصَلَ التَّرْتِيبُ فَثَبَتَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا ظَهَرَ أَنَّ قَوْلَهُ وإذا قرئ القرآن فاستمعوا خِطَابٌ مَعَ الْكُفَّارِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ وَبِكَوْنِهِ مُعْجِزًا عَلَى صِدْقِ نُبُوَّتِهِ وَعِنْدَ هَذَا يَسْقُطُ اسْتِدْلَالُ الْخُصُومِ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ وَمِمَّا يُقَوِّي أَنَّ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوْلَى وُجُوهٌ الْأَوَّلُ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ فَلَمَّا حَكَى عَنْهُمْ ذَلِكَ نَاسَبَ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِاسْتِمَاعِ وَالسُّكُوتِ حَتَّى يُمْكِنَهُمُ الْوُقُوفُ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْوُجُوهِ الْكَثِيرَةِ الْبَالِغَةِ إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ هَذَا بَصَائِرُ من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون فَحَكَمَ بِكَوْنِ هَذَا الْقُرْآنِ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ وَالْجَزْمِ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا قُرِئَ القرآن إِلَخْ وَلَوْ كَانَ الْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ فَاسْتَمِعُوا وَأَنْصِتُوا هم المؤمنون لما قال لعلكم ترحمون لأنه جزم قبل هذه الآية يكون الْقُرْآنِ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ قَطْعًا فَكَيْفَ يَقُولُ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ لَعَلَّهُ يَكُونُ الْقُرْآنُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ أَمَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ هُمُ الْكَافِرُونَ صَحَّ حِينَئِذٍ قَوْلُهُ (لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ انْتَهَى كَلَامُ الرَّازِيِّ مُلَخَّصًا فَإِنْ قُلْتَ قَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قَالَ أَجْمَعَ الناس على أن هذه الآية في الصلاة انْتَهَى فَمَعَ إِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ فِيهَا خِطَابًا مَعَ الْكُفَّارِ وَلَيْسَ فِيهَا خِطَابٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ قُلْتُ لَمْ يَذْكُرِ الزَّيْلَعِيُّ إِسْنَادَ قَوْلِ أَحْمَدَ هَذَا وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ فِي أَيِّ كِتَابٍ أَخْرَجَهُ وَقَدْ طَالَعْتُ كِتَابَ الْقِرَاءَةِ لَهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ قَوْلَ أَحْمَدَ هَذَا وَكَذَا طَالَعْتُ بَابَ الْقِرَاءَةِ

خَلْفَ الْإِمَامِ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ لَهُ وَلَمْ أَجِدْ فِيهِ أَيْضًا هَذَا الْقَوْلَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ فِي أَيِّ كِتَابٍ أَخْرَجَهُ وَكَيْفَ حَالُ إِسْنَادِهِ ثُمَّ هَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي نَفْسِهِ فَإِنَّ فِي شَأْنِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَقْوَالًا مِنْهَا أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي السُّكُوتِ عِنْدَ الْخُطْبَةِ وَأَيْضًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صحته قول بن المبارك أنا أقرأ خلف الإمام والناس يقرأون إِلَّا قَوْمٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ وَأَيْضًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهِ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ اخْتَارَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَأَنْ لَا يَتْرُكَ الرَّجُلُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَا ذَكَرَهُ الترمذي فتفكر وأيضا يدل على عدم صحة أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَقَدْ قَالَ بِهَا أكثر أهل العلم كما صرح به الترمذي فتفكر فإن قلت الخطاب في هذا الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْكُفَّارِ لَكِنْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ لَكِنْ قَدْ تَقَرَّرَ أَيْضًا فِي مَقَرِّهِ أَنَّ اللَّفْظَ لَوْ يُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ يَلْزَمُ التَّعَارُضُ وَالتَّنَاقُضُ وَلَوْ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ يَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ فَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ قَالَ الشيخ بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَمَا رُوِيَ فِي الصحيحين أن عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلٌ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا فَقَالُوا صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَضَرُّوا بِهِ بِدَلِيلِ مَا وَرَدَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي لَفْظِ إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمُ الصَّوْمُ وَالْعِبْرَةُ وَإِنْ كَانَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ لَكِنْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ إِلَخْ فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَوْ يُحْمَلُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ القرآن على عمومه لزم التعارض والتناقض والتناقض بينه وبين قوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القرآن وَأَحَادِيثِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَوْ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ يَنْدَفِعُ التَّعَارُضُ فَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ عَلَى خُصُوصِ السَّبَبِ هَذَا وَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى الْوُجُوهِ الْأُخْرَى فَارْجِعْ إِلَى كِتَابِنَا تَحْقِيقِ الْكَلَامِ وَالدَّلِيلُ الثَّانِي لِلْحَنَفِيَّةِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى قَالَ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلْيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ قُلْتُ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ هُوَ قَوْلُهُ وَإِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فَأَنْصِتُوا وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ عِنْدَ أَكْثَرِ الْحُفَّاظِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى وَقَدْ أَجْمَعَ الْحُفَّاظُ عَلَى خَطَأِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ أبو داود وأبو حاتم وبن

مَعِينٍ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالُوا إِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ انتهى ولو سُلِّمَ أَنَّ لَفْظَ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَحْفُوظٌ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا قرئ القرآن لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا عَرَفْتَ وَعَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْمَنْعِ وُجُوهٌ أُخْرَى ذَكَرْنَاهَا فِي كِتَابِنَا تَحْقِيقِ الْكَلَامِ مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ وإذا قرئ فَأَنْصِتُوا مَحْمُولٌ عَلَى مَا عَدَا الْفَاتِحَةَ جَمْعًا بين الأحاديث قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنْهُ فِي الْجَهْرِيَّةِ كَالْمَالِكِيَّةِ بِحَدِيثِ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَيُنْصِتُ فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةَ أَوْ يُنْصِتُ إِذَا قَرَأَ الْإِمَامُ وَيَقْرَأُ إِذَا سَكَتَ وَقَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ يَحْتَمِلُ سِوَى الْفَاتِحَةِ وَإِنْ قَرَأَ فِيمَا سَكَتَ الْإِمَامُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُفْتِي بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ جَهْرِيَّةً كَانَتْ أَوْ سِرِّيَّةً وَهُوَ رَاوِي حَدِيثِ وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا أَيْضًا وَالدَّلِيلُ الثَّالِثُ لِلْحَنَفِيَّةِ حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا قُلْتُ الِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِجَمِيعِ طُرُقِهِ ضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِنَا تَحْقِيقِ الْكَلَامِ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَاسْتَدَلَّ مَنْ أَسْقَطَهَا عَنِ الْمَأْمُومِ مُطْلَقًا كَالْحَنَفِيَّةِ بِحَدِيثِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْحَافِظِ وَقَدِ اسْتَوْعَبَ طُرُقَهُ وَعَلَّلَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَلَهُ طُرُقٌ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكُلُّهَا مَعْلُولَةٌ انْتَهَى وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ فَلَنَا عَنْهُ أَجْوِبَةٌ عَدِيدَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي تَحْقِيقِ الْكَلَامِ فَمِنْهَا مَا قَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي كِتَابِهِ إِمَامِ الْكَلَامِ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَعْنِي حَدِيثَ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ إِلَخْ لَيْسَ بِنَصٍّ عَلَى تَرْكِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ بَلْ يَحْتَمِلُهَا وَيَحْتَمِلُ قِرَاءَةَ مَا عَدَاهَا وَتِلْكَ الرِّوَايَاتُ يَعْنِي رِوَايَاتِ عُبَادَةَ وَغَيْرِهِ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ أَوِ اسْتِحْسَانِهَا نَصًّا فَيَنْبَغِي تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ قَطْعًا انْتَهَى وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا حَدِيثُ عُبَادَةَ نَصٌّ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَأَحَادِيثُ التَّرْكِ وَالنَّهْيِ لَا تَدُلُّ عَلَى تَرْكِهَا نَصًّا بَلْ ظَاهِرًا وَتَقْدِيمُ النَّصِّ عَلَى الظَّاهِرِ مَنْصُوصٌ فِي كُتُبِ الْأَعْلَامِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ والثلاثون أن يكون الحاكم الذي

الَّذِي تَضَمَّنَهُ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ مَنْطُوقًا بِهِ وَمَا تَضَمَّنَهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ يَكُونُ مُحْتَمِلًا يَعْنِي فَيَتَقَدَّمُ الْأَوَّلُ عَلَى الثَّانِي انْتَهَى وَمِنْهَا مَا قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ الْقِرَاءَةِ فَلَوْ ثَبَتَ الخبر أن كِلَاهُمَا لَكَانَ هَذَا مسْتَثْنًى مِنَ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ لَا يَقْرَأَنَّ إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ جُمْلَةً وَقَوْلُهُ إِلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُسْتَثْنًى مِنَ الْجُمْلَةِ كَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ثُمَّ قَالَ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ إِلَّا الْمَقْبُرَةَ وَمَا اسْتَثْنَاهُ مِنَ الْأَرْضِ وَالْمُسْتَثْنَى خَارِجٌ مِنَ الْجُمْلَةِ وَكَذَلِكَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ خَارِجٌ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ كَانَ لَهُ إِمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ مَعَ انْقِطَاعِهِ انْتَهَى وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَارِدٌ فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةِ قَالَ صَاحِبُ إِمَامِ الْكَلَامِ قَدْ يُقَالُ إِنَّ مَوْرِدَ هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ قِرَاءَةُ رَجُلٍ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ شَاهِدٌ لِكَوْنِهِ وَارِدًا فِيمَا عَدَا الْفَاتِحَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَحَمَلَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى مَا عَدَا الْفَاتِحَةِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ قال لعلكم تقرأون خَلْفَ إِمَامِكُمْ قُلْنَا نَعَمْ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَبِهَذَا يَجْمَعُ الْأَدِلَّةَ الْمُثْبِتَةَ لِلْقِرَاءَةِ وَالنَّافِيَةَ انْتَهَى وَمِنْهَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَتَقْرِيرُ النَّسْخِ عِنْدَهُمْ أَنَّ جَابِرًا رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسٌ وَأَبُو سَعِيدٍ وبن عَبَّاسٍ وَعَلِيٌّ وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم وكل هؤلاء كانوا يقرأون خَلْفَ الْإِمَامِ وَيُفْتُونَ بِهَا وَعَمَلُ الرَّاوِي وَفَتْوَاهُ خِلَافُ حَدِيثِهِ يَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ عِنْدَهُمْ أَمَّا قراءة جابر فقد رواه بن مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ السِّنْدِيُّ فِي حاشية بن مَاجَهْ قَوْلُهُ كُنَّا نَقْرَأُ قَالَ الْمِزِّيُّ مَوْقُوفٌ ثُمَّ قَالَ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ انْتَهَى وَأَمَّا فَتْوَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي حَدِيثِ الْخِدَاجِ بِلَفْظِ فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ انْتَهَى وَأَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ فَقُلْتُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنِّي أَسْمَعُ قِرَاءَةَ القرآن فغمزني بيده قال يا فارسي أو بن الْفَارِسِيِّ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ انْتَهَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَفِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ العَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قُلْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ إِنِّي أَسْمَعُ

قراءة الإمام فقال يا فارسي أو بن الْفَارِسِيِّ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ انْتَهَى وَأَسَانِيدُ هذا الْفَتْوَى صَحِيحَةٌ وَأَمَّا فَتْوَى أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْهُ قَالَ كَانَ يَأْمُرُنَا بِالْقِرَاءَةِ خ لف الْإِمَامِ قَالَ وَكُنْتُ أَقُومُ إِلَى جَنْبِ أَنَسٍ فَيَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ وَيُسْمِعُنَا قِرَاءَتَهُ لِنَأْخُذَ عَنْهُ وَأَمَّا فَتْوَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ صَاحِبُ آثَارِ السُّنَنِ وأما فتوى بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُ قَالَ اقْرَأْ خَلْفَ الإمام جهرا ولم يَجْهَرْ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ لَا تَدَعْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ جَهَرَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَجْهَرْ وَأَخْرَجَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ حدثنا العيزار بن حريث قال سمعت بن عَبَّاسٍ يَقُولُ اقْرَأْ خَلْفَ الْإِمَامِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَأَمَّا فَتْوَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ اقْرَأْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وسورة قال البيهقي هذا الإسناد من أصحح الْأَسَانِيدِ فِي الدُّنْيَا انْتَهَى وَأَمَّا فَتْوَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ عَنْهُ قَالَ لَا تزكوا صَلَاةُ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطُهُورِ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَرَاءَ الْإِمَامِ وَغَيْرِ الْإِمَامِ وَمِنْهَا أَنَّ هذا الحديث معارض ومخالف لقوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القرآن فَإِنَّهُ بِعُمُومِهِ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ قِرَاءَةٍ حَقِيقِيَّةٍ خَلْفَ الْإِمَامِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ الْحَقِيقِيَّةِ خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى قَوْلِ أَكْثَرِهِمْ أَوْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى الْقِرَاءَةِ الْحَقِيقِيَّةِ خَلْفَ الْإِمَامِ بَلْ قِرَاءَةُ إِمَامِهِ تَكْفِيهِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَعَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ يَسْقُطُ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ وَقَدِ استدل الحنفية بحديث بن أُكَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ بِلَفْظِ أني أقول مالي أنازع القران وبحديث بن مسعود وبحديث عمران بن حصين الذين أَشَارَ إِلَيْهِمَا التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الثَّلَاثَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا وَهِيَ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي النَّفْسِ

وَبِالسِّرِّ بِحَيْثُ لَا تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ بِقِرَاءَةِ الْإِمَامِ نَعَمْ تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ بِالْجَهْرِ خَلْفَهُ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى مَنْعِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ بِبَعْضِ آثَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَأَثَرِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنْ زيد وجابر وبن عُمَرَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يُقْرَأُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ قُلْتُ احْتِجَاجُهُمْ بِهَذِهِ الْآثَارِ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الْحَنَفِيَّةَ كَالشَّيْخِ بن الْهُمَامِ وَغَيْرِهِ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ مَا لَمْ يَنْفِهِ شَيْءٌ مِنَ السُّنَّةِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ الصَّحِيحَةَ دَالَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فَهِيَ تَنْفِي هَذِهِ الْآثَارَ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهَا قَالَ صاحب إمام الكلام صرح بن الْهُمَامِ وَغَيْرُهُ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ مَا لم ينفيه شَيْءٌ مِنَ السُّنَّةِ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ دَالَّةٌ عَلَى إِجَازَةِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ خَلْفَ الْأَئِمَّةِ فَكَيْفَ يُؤْخَذُ بِالْآثَارِ وَتُتْرَكُ السُّنَّةُ انْتَهَى وَأَيْضًا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ حُجِّيَّةَ آثَارِ الصَّحَابَةِ إِنَّمَا تَكُونُ مُفِيدَةً إِذَا لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ مُخْتَلَفًا فِيهِ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي التَّوْضِيحِ وَنُورِ الْأَنْوَارِ وَالْأَمْرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بل فيه اختلاف الصحابة رضي الله عنه كَمَا عَرَفْتَ فَكَيْفَ يَصِحُّ احْتِجَاجُهُمْ بِهَذِهِ الْآثَارِ لَا بُدَّ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ أَوْ عَلَى الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ لِئَلَّا تُخَالِفَ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ الصَّحِيحَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَيْ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَحْمُولٌ عَلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ الَّتِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُشْرَعُ لَهُ قِرَاءَتُهَا وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِيُحْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ قَوْلُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ التابعين قال في هذه المسألة قو لا يُحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَمْ يَرَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ إِلَّا وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ تَرْكُ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ انْتَهَى [313] قَوْلُهُ (مَنْ صَلَّى رَكْعَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَلَمْ يُصَلِّ إِلَخْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ القراءة

باب ما جاء ما يقول عند دخوله المسجد

ص 112 بَعْدَ مَا أَخْرَجَ هَذَا الْأَثَرَ مَا لَفْظُهُ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى تَعَيُّنِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَوُجُوبِ قِرَاءَتِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ خِلَافَ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا يَتَعَيَّنُ وَلَا يَجِبُ قِرَاءَتُهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ فَأَمَّا قَوْلُهُ إِلَّا وَرَاءَ الْإِمَامِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَذْهَبِهِ جَوَازُ تَرْكِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِيمَا يَجْهَرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْهُ فِيمَا تَقَدَّمَ كُنَّا نَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الرَّكْعَةُ الَّتِي يُدْرِكُ الْمَأْمُومُ إِمَامَهُ رَاكِعًا فَيُجْزِي عَنْهُ بِلَا قِرَاءَةٍ وَإِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ ذَهَبَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ فِيمَا حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ عَنْهُ فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو غَانِمٍ أَزْهَرُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمْدُونٍ الْمُنَادِي بِبَغْدَادَ أَخْبَرَنَا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ أَخْبَرَنَا بُكَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَخْبَرَنَا مِسْعَرٌ عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَلَاةٌ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَشَيْءٍ معها وفي رواية بن بشر أن فَمَا فَوْقَ ذَاكَ أَوْ قَالَ فَمَا أَكْثَرَ مِنْ ذَاكَ وَهَذَا لَفْظٌ عَامٌّ يَجْمَعُ الْمُنْفَرِدَ وَالْمَأْمُومَ وَالْإِمَامَ وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي الأولين بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَالصَّحَابِيُّ إِذَا قَالَ سُنَّةٌ وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يُخَرِّجُونَهُ فِي الْمَسَانِيدِ انْتَهَى مَا فِي كِتَابِ الْقِرَاءَةِ 19234234234 234 - (بَاب مَا جَاءَ مَا يَقُولُ عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ [314]) قَوْلُهُ (عَنْ لَيْثٍ) هُوَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ أَخِيرًا فَلَمْ يَتَمَيَّزْ حَدِيثُهُ فَتُرِكَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ جَلِيلُ الْقَدْرِ (عَنْ أمه فاطمة بنت الحسين) هي فاطمة بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيَّةُ الْمَدَنِيَّةُ زَوْجُ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ علي بن طَالِبٍ ثِقَةٌ عَنْ (جَدَّتِهَا فَاطِمَةَ الْكُبْرَى) هِيَ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُّ الْحَسَنَيْنِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ هَذِهِ الأمة تزوجها

عَلِيٌّ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَمَاتَتْ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَدْ جَاوَزَتِ الْعِشْرِينَ بِقَلِيلٍ قَوْلُهُ (إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ وَقَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رحمتك قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ يُحْتَمَلُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى ثُمَّ حِكْمَتُهُ بَعْدَ تَعْلِيمِ أُمَّتِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ بِنَفْسِهِ كَمَا كَانَ يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ فَكَذَا طُلِبَ مِنْهُ تَعْظِيمُهَا بِالصَّلَاةِ مِنْهُ عَلَيْهَا كَمَا طُلِبَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى وَفِي رواية بن مَاجَهْ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ (وَإِذَا خَرَجَ صَلَّى عَلَى مُحَمَّدٍ وَسَلَّمَ وَقَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّ السِّرَّ فِي تَخْصِيصِ الرَّحْمَةِ بِالدُّخُولِ وَالْفَضْلِ بِالْخُرُوجِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ اشْتَغَلَ بِمَا يُزَلِّفُهُ إِلَى ثَوَابِهِ وَجَنَّتِهِ فَيُنَاسِبُ ذِكْرَ الرَّحْمَةِ وَإِذَا خَرَجَ اشْتَغَلَ بِابْتِغَاءِ الرِّزْقِ الْحَلَالِ فَنَاسَبَ ذِكْرَ الْفَضْلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَانْتَشِرُوا في الأرض وابتغوا من فضل الله انْتَهَى [315] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ وَأَبِي أَسِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي حميد فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَقُلِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَسِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هريرة فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ ثُمَّ لْيَقُلِ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ وَإِذَا خَرَجَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ وَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ اعْصِمْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

باب ما جاء إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين

قَوْلُهُ (حَدِيثُ فَاطِمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ إِلَخْ) فَإِنْ قُلْتَ قَدِ اعْتَرَفَ التِّرْمِذِيُّ بِعَدَمِ اتِّصَالِ إِسْنَادِ حَدِيثِ فَاطِمَةَ فَكَيْفَ قَالَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ حَسَّنَهُ لِشَوَاهِدِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَدْ يُحَسِّنُ الْحَدِيثَ مَعَ ضَعْفِ الْإِسْنَادِ للشواهد وهذا الحديث أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ أَيْضًا فَإِنْ قُلْتَ لِمَ أَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَ فَاطِمَةَ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ وَلَمْ يُورِدْ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي أَسِيدٍ وَهُوَ صَحِيحٌ بَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ قُلْتُ لِيُبَيِّنَ مَا فِيهِ مِنَ الِانْقِطَاعِ وَلِيَسْتَشْهِدَ بِحَدِيثِ أَبِي أَسِيدٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْمُقَدِّمَةِ 20 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ [316]) قَوْلُهُ (عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ الْأَسَدِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ عَابِدٌ (عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهُ قَافٌ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مَاتَ سنة 104 أربع ومائة يقال له رواية) قَوْلُهُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ أَيْ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ إِطْلَاقِ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاتَّفَقَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ في ذلك للندب ونقل بن بَطَّالٍ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ الْوُجُوبَ وَالَّذِي صَرَّحَ به بن حَزْمٍ عَدَمُهُ وَمِنْ أَدِلَّةِ عَدَمِ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي رَآهُ يَتَخَطَّى اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِصَلَاةٍ كَذَا اسْتَدَلَّ بِهِ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى قُلْتُ لَعَلَّ وَجْهَ النَّظَرِ أَنَّهُ لَا مَانِعَ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَعَلَهَا فِي جَانِبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ قَبْلَ وُقُوعِ التَّخَطِّي مِنْهُ أَوْ أَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِهَا وَالنَّهْيِ عَنْ تَرْكِهَا

قُلْتُ وَمِنْ أَدِلَّةِ عَدَمِ الْوُجُوبِ مَا أَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُونَ الْمَسْجِدَ ثُمَّ يَخْرُجُونَ وَلَا يُصَلُّونَ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ التَّحِيَّةَ إِنَّمَا تُشْرَعُ لِمَنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ وَلَيْسَ فِي الرِّوَايَةِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَدْخُلُونَ وَيَجْلِسُونَ وَيَخْرُجُونَ بِغَيْرِ صَلَاةِ تَحِيَّةٍ وَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا مُجَرَّدُ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ فَلَا يَتِمُّ الِاسْتِدْلَالُ إِلَّا بَعْدَ تَبْيِينِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْلِسُونَ وَمِنْ أَدِلَّةِ عَدَمِ الْوُجُوبِ حَدِيثُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا لَمَّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَاةِ فَقَالَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فَقَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بأن التعاليم الواقعة في مبادىء الشريعة لا تصلح الصرف وُجُوبِ مَا تَجَدَّدَ مِنَ الْأَوَامِرِ وَإِلَّا لَزِمَ قَصْرُ وَاجِبَاتِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالشَّهَادَتَيْنِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَكَذَا الْمَلْزُومُ وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّ قَوْلَهُ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ يَنْفِي وُجُوبَ الْوَاجِبَاتِ ابْتِدَاءً لَا الْوَاجِبَاتِ بِأَسْبَابٍ يَخْتَارُ الْمُكَلَّفُ فِعْلَهَا كَدُخُولِ الْمَسْجِدِ مَثَلًا لِأَنَّ الدَّاخِلَ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الصَّلَاةَ بِالدُّخُولِ فَكَأَنَّهُ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ فَلَا يَصِحُّ شُمُولُ ذَلِكَ الصَّارِفِ لِمِثْلِهَا وَذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ جَوَابًا ثَالِثًا وَذَكَرَ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ مُفَصَّلًا وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا لَاحَ لَكَ أَنَّ الظَّاهِرَ مَا قَالَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ انْتَهَى وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا الْأَوْقَاتُ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهَا لَيْسَ هَذَا الْأَمْرُ بِدَاخِلٍ فِيهَا قَالَ الْحَافِظُ هُمَا عُمُومَانِ تَعَارَضَا الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ لِكُلِّ دَاخِلٍ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَالنَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِ أَحَدِ الْعُمُومَيْنِ فَذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى تَخْصِيصِ النَّهْيِ وَتَعْمِيمِ الْأَمْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَذَهَبَ جَمْعٌ إِلَى عَكْسِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَيْنِ الْعُمُومَيْنِ مَا لَفْظُهُ فَتَخْصِيصُ أَحَدِ الْعُمُومَيْنِ بِالْآخَرِ تَحَكُّمٌ وَكَذَلِكَ تَرْجِيحُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَعَ كَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِطُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَمَعَ اشْتِمَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى النَّهْيِ أَوِ النَّفْيِ الَّذِي فِي مَعْنَاهُ وَلَكِنَّهُ إِذَا وَرَدَ مَا يَقْضِي بِتَخْصِيصِ أَحَدِ الْعُمُومَيْنِ عُمِلَ عَلَيْهِ وَصَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَّةَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ مُخْتَصٌّ بِهِ بَلْ ثَبَتَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ أَفَنَقْضِيهِمَا إِذَا فَاتَتَا قَالَ لَا وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ الِاخْتِصَاصِ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ إِلَّا جَوَازُ قَضَاءِ سُنَّةِ الظُّهْرِ لَا جَوَازُ جَمِيعِ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ نَعَمْ حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الَّذِي سَيَأْتِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلرَّجُلَيْنِ مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا فَقَالَا قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا فَقَالَ إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ

أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ وَكَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ صَلَاةَ الصُّبْحِ كَمَا سَيَأْتِي يَصْلُحُ لِأَنْ يَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَصِّصَاتِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالْكَرَاهَةِ وَكَذَلِكَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يُعْلَمُ أَنَّ فِعْلَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ في الأوقات المكروهة وتركها لا يخلوا عِنْدَ الْقَائِلِ بِوُجُوبِهَا مِنْ إِشْكَالٍ وَالْمَقَامُ عِنْدِي مِنَ الْمَضَائِقِ وَالْأَوْلَى لِلْمُتَوَرِّعِ تَرْكُ دُخُولِ الْمَسَاجِدِ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قَوْلُهُ (قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ) قَالَ الْحَافِظُ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ إِذَا خَالَفَ وَجَلَسَ لَا يُشْرَعُ التَّدَارُكُ وفيه نظر لما رواه بن حبان في صحيحه من حديث أبي ذرأنه دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَارْكَعْهُمَا ترجم عليه بن حِبَّانَ أَنَّ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ قَالَ الْحَافِظُ وَمِثْلُهُ قِصَّةُ سُلَيْكٍ كَمَا سَيَأْتِي في الجمعة انتهى قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَّامِّ مِنَ الْجُلُوسِ أَوَّلًا ثُمَّ الْقِيَامِ لِلصَّلَاةِ ثَانِيًا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ انْتَهَى قُلْتُ وَيُبْطِلُهُ حَدِيثُ الْبَابِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي ذَرٍّ وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بلفظ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ سُلَيْكًا الْغَطَفَانِيَّ لَمَّا أَتَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ والنبي صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَقَعَدَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ لَمَّا أَتَى الْمَسْجِدَ بِثَمَنِ جَمَلِهِ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّكْعَتَيْنِ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه بن عَدِيٍّ كَمَا فِي التَّلْخِيصِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذر فأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْدَمُ مِنْ سَفَرٍ إِلَّا نَهَارًا فِي الضُّحَى فَإِذَا قَدِمَ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فِيهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ (وَرَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ

باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام

جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) فَذَكَرَ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بَدَلَ أَبِي قَتَادَةَ وَخَالَفَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ 21 - (بَاب مَا جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة وَالْحَمَّامَ [317]) قَوْلُهُ (وَأَبُو عَمَّارٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ الْخُزَاعِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ رَوَى عَنِ الفَضْلِ بْنِ مُوسَى وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَفَضْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ خ م د ت س ود بِالْإِجَازَةِ مَاتَ رَاجِعًا مِنَ الْحَجِّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ قَوْلُهُ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ أَيْ يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهَا إِلَّا الْمَقْبُرَةَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَقْبُرَةُ مُثَلَّثَةُ الْبَاءِ وَكَمِكْنَسَةٍ مَوْضِعُ الْقُبُورِ وَالْحَمَّامَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْأُولَى هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُغْتَسَلُ فِيهِ بِالْحَمِيمِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْمَاءُ الْحَارُّ ثُمَّ قِيلَ لِمَوْضِعِ الِاغْتِسَالِ بِأَيِّ مَاءٍ كَانَ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبُرَةِ وَالْحَمَّامِ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْمَقْبُرَةُ فَذَهَبَ أَحْمَدُ إِلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبُرَةِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمَنْبُوشَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَفْرِشَ عَلَيْهَا شَيْئًا يَقِيهِ مِنَ النَّجَاسَةِ أَمْ لَا وَلَا بَيْنَ أَنْ

يَكُونَ فِي الْقُبُورِ أَوْ فِي مَكَانٍ مُنْفَرِدٍ مِنْهَا كَالْبَيْتِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَتِ الظَّاهِرِيَّةُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقْبُرَةِ الْمَنْبُوشَةِ وَغَيْرِهَا فَقَالَ إِذَا كَانَتْ مُخْتَلِطَةً بِلَحْمِ الْمَوْتَى وَصَدِيدِهِمْ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ لَمْ تَجُزِ الصَّلَاةُ فِيهَا لِلنَّجَاسَةِ فَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ مِنْهَا أَجْزَأَتْهُ وَذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبُرَةِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا كَمَا فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ مَعَهُ بَيْنَ الْمَنْبُوشَةِ وَغَيْرِهَا وَذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبُرَةِ وَعَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَحَدِيثُ الْبَابِ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الظَّاهِرِيَّةُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَمَّا الْحَمَّامُ فَذَهَبَ أَحْمَدُ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ مَعَ الطَّهَارَةِ وَتَكُونُ مَكْرُوهَةً وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ هُوَ الْمَنْعُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو وأبي هريرة وجابر وبن عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي ذَرٍّ قَالُوا إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَطَهُورًا يعني أن هؤلاء الصحابة رضي الله عنه لَمْ يَذْكُرُوا الِاسْتِثْنَاءَ أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ السَّرَّاجُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ قَالَ الْعِرَاقِيُّ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي كتاب السير وقال حسن صحيح وأما حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قُلْتُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى أَخْرَجَهُ أحمد والطبراني بإسناده جيد وعن بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَيْنِ) أَيْ رُوِيَ عَنْهُ عَلَى نَحْوَيْنِ فَبَعْضُ أَصْحَابِهِ رَوَاهُ عَنْهُ مَوْصُولًا بِذِكْرِ أَبِي سَعِيدٍ وَبَعْضُهُمْ رَوَاهُ عَنْهُ مُرْسَلًا وَبَيَّنَهُ

التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَذْكُرْهُ قَوْلُهُ (وَرَوَاهُ محمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عَنْ أَبِيهِ) يَعْنِي لَمْ يَذْكُرْ أَبَا سَعِيدٍ (قَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ (وَكَانَ عَامَّةُ رِوَايَتِهِ) أَيْ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ كَانَ عَامَّةُ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ بِذَكَرِ أَبِي سَعِيدٍ مَوْصُولًا (وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَيْ لَكِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَبَا سَعِيدٍ بَلْ رَوَاهُ مُرْسَلًا (وَكَأَنَّ رِوَايَةَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتُ وَأَصَحُّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ الْبَزَّارُ رَوَاهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى مَوْصُولًا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمُرْسَلُ الْمَحْفُوظُ وَقَالَ فِيهَا حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَذِّنُ ثِقَةٌ حَدَّثَنَا السُّرِّيُّ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَقَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِهِ مَوْصُولًا وَقَالَ الْمُرْسَلُ الْمَحْفُوظُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وجدته عندي عن بن عُيَيْنَةَ مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ الْمُرْسَلَ أَيْضًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ هُوَ ضَعِيفٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِمَامِ حَاصِلُ مَا عُلِّلَ بِهِ الْإِرْسَالُ وَإِذَا كَانَ الْوَاصِلُ لَهُ ثِقَةً فَهُوَ مَقْبُولٌ وأفحش بن دِحْيَةَ فَقَالَ فِي كِتَابِ التَّنْوِيرِ لَهُ هَذَا لَا يَصِحُّ مِنْ طَرِيقٍ مِنَ الطُّرُقِ كَذَا قَالَ فَلَمْ يُصِبْ قُلْتُ وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا نَهَى عن الصلاة في المقبرة أخرجه بن حِبَّانَ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ أَنَّ حِبِّي نَهَانِي أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَقْبُرَةِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ انتهى

باب ما جاء في فضل بنيان المسجد

122 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ [318]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ) اسْمُهُ عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ الصَّغِيرُ رَوَى عَنْهُ بُنْدَارٌ وَأَحْمَدُ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ انْتَهَى قُلْتُ هُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ قَوْلُهُ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا التَّنْكِيرُ فِيهِ لِلشُّيُوعِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا وَقَوْلُهُ لِلَّهِ يَعْنِي يَبْتَغِي بِهِ وجه الله قال بن الْجَوْزِيِّ مَنْ كَتَبَ اسْمَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي يَبْنِيهِ كَانَ بَعِيدًا مِنَ الْإِخْلَاصِ انْتَهَى وَمَنْ بَنَاهُ بِالْأُجْرَةِ لَا يَحْصُلُ لَهُ هَذَا الْوَعْدُ الْمَخْصُوصُ لِعَدَمِ الْإِخْلَاصِ وَإِنْ كَانَ يُؤَجَّرُ فِي الْجُمْلَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ بَنَى بِنَاءً مِثْلَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ مِثْلَهُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ بَنَى اللَّهُ تَعَالَى مِثْلَهُ فِي مُسَمَّى الْبَيْتِ وَأَمَّا صِفَتُهُ فِي السَّعَةِ وَغَيْرِهَا فَمَعْلُومٌ فَضْلُهَا وَأَنَّهَا مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ الثَّانِي أَنَّ فَضْلَهُ عَلَى بُيُوتِ الْجَنَّةِ كَفَضْلِ الْمَسْجِدِ عَلَى بُيُوتِ الدُّنْيَا انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَقِيلَ أَيْ مِثْلُ الْمَسْجِدِ فِي الْقَدْرِ وَالْمِسَاحَةِ لَكِنَّهُ أَنْفَسُ مِنْهُ بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَفْظُ الْمِثْلِ لَهُ اسْتِعْمَالَانِ أَحَدُهُمَا الْإِفْرَادُ مُطْلَقًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا والآخر المطابقة كقوله تعالى أمم أمثالكم فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الْجَزَاءُ أَبْنِيَةً مُتَعَدِّدَةً فَيَحْصُلُ جَوَابُ مَنِ اسْتَشْكَلَ التَّقَيُّدَ بِقَوْلِهِ مِثْلَهُ مَعَ أَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لِاحْتِمَالِهَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَنَى اللَّهُ لَهُ عَشَرَةَ أَبْنِيَةٍ مِثْلَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ ثَوَابَ الْحَسَنَةِ الْوَاحِدَةِ وَاحِدٌ بِحُكْمِ الْعَدْلِ وَالزِّيَادَةُ بِحُكْمِ الْفَضْلِ ومن الأجوبة المرضية أن المثلية ها هنا بِحَسَبِ الْكَمِّيَّةِ وَالزِّيَادَةُ حَاصِلَةٌ بِحَسَبِ الْكَيْفِيَّةِ فَكَمْ مِنْ بَيْتٍ خَيْرٌ مِنْ عَشَرَةٍ بَلْ مِنْ مِائَةٍ أَوْ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْمِثْلِيَّةِ أَنَّ جَزَاءَ هَذِهِ الْحَسَنَةِ مِنْ جِنْسِ الْبِنَاءِ لَا مِنْ غَيْرِهِ مِنْ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ حَاصِلٌ قَطْعًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى ضِيقِ الدُّنْيَا وَسَعَةِ الْجَنَّةِ إِذْ مَوْضِعُ شِبْرٍ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حديث واثلة بلفظ بنى الله في الجنة أفضل منه والطبراني من

حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بِلَفْظِ أَوْسَعَ مِنْهُ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْمِثْلِيَّةَ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْمُسَاوَاةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن أبي بكر وعمرو وعلي وعبد الله بن عمرو وأنس وبن عباس وعائشة) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَهْبُ بْنُ حَفْصٍ وهو ضعيف انتهى قوله (وأبي ذر وعمرو بن عبسة ووائلة بْنِ الْأَسْقَعِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله) وأما حديث عمر فأخرجه بن حِبَّانَ بِلَفْظِ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فيه اسم الله بنى الله بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نَحْوَ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَزَادَ أَوْسَعَ مِنْهُ وَرَوَى أَحْمَدُ أَيْضًا نَحْوَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو مُسْلِمٍ الْكَجِّيُّ مِثْلَ حَدِيثِ أَنَسٍ وَزَادَ وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ الْكَبِيرِ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَذِهِ الْمَسَاجِدُ الَّتِي فِي طَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ وَتِلْكَ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ بِلَفْظِ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا يُصَلَّى فِيهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَفْضَلَ مِنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مَنْ بَنَى لِلَّهِ بَيْتًا يُعْبَدُ اللَّهُ فِيهِ حَلَالًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ مِنَ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ وَأَمَّا حديث جابر فأخرجه بن خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ مَنْ حَفَرَ مَاءً لَمْ يَشْرَبْ كَبِدٌ حَيٌّ مِنْ جِنٍّ وَلَا إِنْسٍ وَلَا طَائِرٍ إِلَّا آجَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ بَنَى مَسْجِدًا كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ قُلْتُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي قِرْصَافَةَ وَنُبَيْطِ بْنِ شَرِيطٍ وَعُمَرَ بْنِ مَالِكٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ وَمُعَاذٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أوفى وأبي موسى وعبد الله بن عمرو بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

فَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قِرْصَافَةَ وَاسْمُهُ جَنْدَرَةُ بْنُ خَيْشَنَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ابْنُوا الْمَسَاجِدَ وَأَخْرِجُوا الْقُمَامَةَ مِنْهَا فَمَنْ بَنَى فَذَكَرَهُ وَزَادَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَذِهِ الْمَسَاجِدُ الَّتِي تُبْنَى فِي الطَّرِيقِ قَالَ نَعَمْ وَإِخْرَاجُ الْقُمَامَةِ مِنْهَا مُهُورُ حُورِ الْعِينِ وَفِي إِسْنَادِهِ جَهَالَةٌ وَأَمَّا حَدِيثُ نُبَيْطٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فِي الصَّغِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ وَلَفْظُهُ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ نَحْوَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو الْفَرَجِ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَمَنْ عَلَّقَ فِيهِ قِنْدِيلًا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يطفيء ذَلِكَ الْقِنْدِيلُ وَمَنْ بَسَطَ فِيهِ حَصِيرًا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يَنْقَطِعَ ذَلِكَ الْحَصِيرُ وَمَنْ أَخْرَجَ مِنْهُ قَذَاةً كَانَ لَهُ كِفْلَانِ مِنَ الْأَجْرِ وَفِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى فَأَخْرَجَهُ الْحَافِظُ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ بْنُ خَلَفٍ الدِّمْيَاطِيُّ فِي جُزْءٍ جَمَعَهُ وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى كَذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ رِوَايَةِ الْحَاكِمِ بْنِ ظهير وهو متروك عن بن أبي ليلى عن نافع عن بن عُمَرَ فَذَكَرَهُ وَزَادَ فِيهِ الطَّبَرَانِيُّ وَلَوْ كَمَفْحَصِ قطاة كذا في عمدة القارىء قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُثْمَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [319] قَوْلُهُ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا صَغِيرًا كان أو كبيرا وفي رواية بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ مَنْ بَنَى مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَيْضًا عند بن حِبَّانَ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَعِنْدَ أبي مسلم الكجي من حديث بن عَبَّاسٍ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أنس وبن عُمَرَ وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَحَمَلَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ ذَلِكَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ الْمَكَانَ الَّذِي تَفْحَصُ القطاة عنه لتضع فيها بِيضَهَا وَتَرْقُدُ عَلَيْهَا لَا يَكْفِي مِقْدَارُهُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْتُ لِلْعُلَمَاءِ فِي تَوْجِيهِ قَوْلِهِ وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنْ يَزِيدَ فِي مَسْجِدٍ قَدْرًا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَتَكُونُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ أَوْ يَشْتَرِكَ جَمَاعَةٌ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَتَقَعُ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ذَلِكَ الْقَدْرُ

باب ما جاء في كراهية أن يتخذ على القبر مسجدا

قِيلَ هَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ مَا يَتَبَادَرُ إِلَيْهِ الذِّهْنُ وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُتَّخَذُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ مَوْضِعَ السُّجُودِ وَهُوَ مَا يَسَعُ الْجَبْهَةَ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ قُلْتُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَنَى يَقْتَضِي وُجُودَ بِنَاءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمَسْجِدِ الْمَعْهُودِ بَيْنَ النَّاسِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ مَنْ بَنَى لِلَّهِ بَيْتًا وَقَدْ تَقَدَّمَ وَحَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَيْضًا (حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسِ) بْنِ رَبَاحٍ الْأَزْدِيُّ أَبُو رَوْحٍ الْبَصْرِيُّ أَخُو خَالِدٍ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى قَيْسٍ) مَجْهُولٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ والخلاصة (عن زيادة النُّمَيْرِيِّ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُصَغَّرًا وَزِيَادٌ هَذَا هُوَ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النُّمَيْرِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ وَقَالَ الذهبي في الميزان ضعفه بن مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَذَكَرَهُ فِي الضُّعَفَاءِ أَيْضًا فَقَالَ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ قَالَ الذَّهَبِيُّ فَهَذَا تَنَاقُضٌ قَالَ لَهُ فِي بِنَاءِ الْمَسَاجِدِ انْتَهَى (عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا) أَيْ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ رَاوِيًا مجهو وَرَاوِيًا ضَعِيفًا وَلَكِنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا زِيَادَةُ وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ تُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ (وَهُمَا غُلَامَانِ صَغِيرَانِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَةِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ وَجُلُّ رِوَايَتِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي تَرْجَمَةِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ 23 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يَتَّخِذَ عَلَى الْقَبْرِ مَسْجِدًا [320]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدِ) بْنِ ذَكْوَانَ الْعَنْبَرِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (عَنْ

مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُهْمَلَةِ ثِقَةٌ قَوْلُهُ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ قَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُرَخِّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَلَمَّا رَخَّصَ دَخَلَ فِي رُخْصَتِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا كُرِهَ زِيَارَةُ الْقُبُورِ فِي النِّسَاءِ لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ وَكَثْرَةِ جَزَعِهِنَّ انْتَهَى وَنَذْكُرُ هُنَاكَ مَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (والمتخذين عليها المساجد) قال بن الْمَلَكِ إِنَّمَا حَرَّمَ اتِّخَاذَ الْمَسَاجِدِ عَلَيْهَا لِأَنَّ فِي الصَّلَاةِ فِيهَا اسْتِنَانًا بِسُنَّةِ الْيَهُودِ انْتَهَى قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَقَيْدُ عَلَيْهَا يُفِيدُ أَنَّ اتِّخَاذَ الْمَسَاجِدِ بِجَنْبِهَا لَا بَأْسَ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ انْتَهَى قُلْتُ إِنْ كَانَ اتِّخَاذُ الْمَسَاجِدِ بِجَنْبِ الْقُبُورِ لِتَعْظِيمِهَا أَوْ لِنِيَّةٍ أُخْرَى فَاسِدَةٍ فَلَيْسَ بِجَائِزٍ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ (وَالسُّرُجُ) جَمْعُ سِرَاجٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ نَهَى عَنِ الْإِسْرَاجِ لِأَنَّهُ تَضْيِيعُ مَالٍ بِلَا نَفْعٍ أَوِ احْتِرَازًا عَنْ تَعْظِيمِ الْقُبُورِ كَاتِّخَاذِهَا مَسَاجِدَ تَنْبِيهٌ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَحَدِيثُ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ كَانُوا يَجْعَلُونَهَا قِبْلَةً يَسْجُدُونَ إِلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ كَالْوَثَنِ وَأَمَّا مَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا فِي جِوَارِ صَالِحٍ أَوْ صَلَّى فِي مَقْبُرَةٍ قَاصِدًا بِهِ الِاسْتِظْهَارَ بِرُوحِهِ أَوْ وُصُولِ أَثَرٍ مِنْ آثَارِ عِبَادَتِهِ إِلَيْهِ لَا التَّوَجُّهَ نَحْوَهُ وَالتَّعْظِيمَ لَهُ فَلَا حَرَجَ فِيهِ أَلَا يُرَى أَنَّ مَرْقَدَ إِسْمَاعِيلَ فِي الْحِجْرِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالصَّلَاةَ فِيهِ أَفْضَلُ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدِّهْلَوِيُّ فِي اللُّمَعَاتِ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ لَمَّا أَعْلَمَهُ بِقُرْبِ أَجَلِهِ فَخَشَيَ أَنْ يَفْعَلَ بَعْضُ أُمَّتِهِ بِقَبْرِهِ الشَّرِيفِ مَا فَعَلَتْهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِقُبُورِ أَنْبِيَائِهِمْ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ هُوَ مُخَرَّجٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا كَانُوا يَسْجُدُونَ لِقُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ تَعْظِيمًا لَهُمْ وَقُصِدَ الْعِبَادَةُ فِي ذَلِكَ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَحَرَّوْنَ الصَّلَاةَ فِي مَدَافِنِ الْأَنْبِيَاءِ وَالتَّوَجُّهَ إِلَى قُبُورِهِمْ فِي حَالَةِ الصَّلَاةِ وَالْعِبَادَةِ لِلَّهِ نَظَرًا مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الصَّنِيعَ أَعْظَمُ مَوْقِعًا عند الله لاشتماله على الأمرين عبادة وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِ الْأَنْبِيَاءِ وَكِلَا الطَّرِيقَيْنِ غَيْرُ مَرْضِيَّةٍ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَشِرْكٌ جَلِيٌّ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ خَفِيًّا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَمِّ الْوَجْهَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَشْبَهُ كَذَا قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الصَّلَاةُ إِلَى قَبْرِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ تَبَرُّكًا وَإِعْظَامًا قَالَ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَأَمَّا إِذَا وُجِدَ بِقُرْبِهَا مَوْضِعٌ بُنِيَ

لِلصَّلَاةِ أَوْ مَكَانٌ يَسْلَمُ فِيهِ الْمُصَلِّي عَنِ التوجه إلى القبور فإنه في ندحة مِنَ الْأَمْرِ وَكَذَلِكَ إِذَا صَلَّى فِي مَوْضِعٍ قد اشتهر بأن فيه مدفن بنى لَمْ يَرَ لِلْقَبْرِ فِيهِ عَلَمًا وَلَمْ يَكُنْ تَهْدِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْعَمَلِ الْمُلْتَبِسِ بِالشِّرْكِ الْخَفِيِّ وَفِي شَرْحِ الشَّيْخِ مِثْلُهُ حَيْثُ قَالَ وَخَرَجَ بِذَلِكَ اتِّخَاذُ مَسْجِدٍ بِجِوَارِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ وَالصَّلَاةُ عِنْدَ قَبْرِهِ لَا لِتَعْظِيمِهِ وَالتَّوَجُّهِ نَحْوَهُ بَلْ لِحُصُولِ مَدَدٍ مِنْهُ حَتَّى يُكْمِلَ عِبَادَتَهُ بِبَرَكَةِ مُجَاوَرَتِهِ لِتِلْكَ الرُّوحِ الطَّاهِرَةِ فَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ لِمَا وَرَدَ أَنَّ قَبْرَ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحِجْرِ تَحْتَ الْمِيزَابِ وأن الْحَطِيمِ بَيْنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَزَمْزَمَ قَبْرَ سَبْعِينَ نَبِيًّا وَلَمْ يُنْهَ أَحَدٌ عَنِ الصَّلَاةِ فِيهِ انْتَهَى وَكَلَامُ الشَّارِحِينَ مُطَابِقٌ فِي ذَلِكَ انْتَهَى مَا فِي اللُّمَعَاتِ قُلْتُ ذَكَرَ صَاحِبُ الدِّينِ الْخَالِصِ عِبَارَةَ اللُّمَعَاتِ هَذِهِ كُلَّهَا ثُمَّ قَالَ رَدًّا عَلَيْهَا مَا لَفْظُهُ مَا أَبْرَدَ هَذِهِ التَّحْرِيرَ وَالِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ التَّقْرِيرِ لِأَنَّ كَوْنَ قَبْرِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ سَوَاءٌ كَانُوا سَبْعِينَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَلَا هُوَ وَهُمْ دُفِنُوا لِهَذَا الْغَرَضِ هُنَاكَ وَلَا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَلَامَاتِ لِقُبُورِهِمْ مُنْذُ عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَحَرَّى نَبِيُّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَبْرًا مِنْ تِلْكَ الْقُبُورِ عَلَى قَصْدِ الْمُجَاوَرَةِ بِهَذِهِ الْأَرْوَاحِ الْمُبَارَكَةِ وَلَا أَمَرَ بِهِ أَحَدًا وَلَا تَلَبَّسَ بِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا بَلِ الَّذِي أَرْشَدَنَا إِلَيْهِ وَحَثَّنَا عَلَيْهِ أَنْ لَا نَتَّخِذَ قُبُورَ الْأَنْبِيَاءِ مَسَاجِدَ كَمَا اتَّخَذَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَدْ لَعَنَهُمْ عَلَى هَذَا الِاتِّخَاذِ فَالْحَدِيثُ بُرْهَانٌ قَاطِعٌ لِمَوَادِّ النِّزَاعِ وَحُجَّةٌ نَيِّرَةٌ عَلَى كَوْنِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ جَالِبَةً لِلَّعْنِ وَاللَّعْنُ أَمَارَةُ الْكَبِيرَةِ الْمُحَرَّمَةِ أَشَدَّ التَّحْرِيمِ فَمَنِ اتَّخَذَ مَسْجِدًا بِجِوَارِ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ رَجَاءَ بَرَكَتِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَمُجَاوَرَةِ رُوحِ ذَلِكَ الْمَيِّتِ فَقَدْ شَمِلَهُ الْحَدِيثُ شُمُولًا وَاضِحًا كَشَمْسِ النَّهَارِ وَمَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ وَاسْتَمَدَّ مِنْهُ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَشْرَكَ بِاللَّهِ وَخَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يُشْرَعِ الزِّيَارَةُ فِي مِلَّةِ الْإِسْلَامِ إِلَّا لِلْعِبْرَةِ وَالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالدُّعَاءِ بِالْمَغْفِرَةِ لِلْمَوْتَى وَأَمَّا هَذِهِ الْأَغْرَاضُ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ مَنْ يُعْزَى إِلَى الْفِقْهِ وَالرَّأْيِ وَالْقِيَاسِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهَا أَثَارَةٌ مِنْ عِلْمٍ وَلَمْ يَقُلْ بِهَا فِيمَا عَلِمْتُ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ بَلِ السَّلَفُ أَكْثَرُ النَّاسِ إِنْكَارًا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْبِدَعِ الشِّرْكِيَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ مِنْهُ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا

باب ما جاء في النوم في المسجد

قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ جُنْدُبٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَلَا وَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذلك أخرجه مسلم قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 24239239239 239 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ [321]) قَوْلُهُ (وَنَحْنُ شَبَابٌ) عَلَى وَزْنِ سَحَابٍ جَمْعُ شَابٍّ وَلَا يُجْمَعُ فَاعِلٌ عَلَى فَعَالٍ غَيْرَهُ قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا وأخرجه بن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ وروى عن بن عَبَّاسٍ كَرَاهِيَتُهُ إِلَّا لِمَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ وَعَنِ بن مسعود مطلقا وعن مالك التفضيل بَيْنَ مَنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَيُكْرَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَا مَسْكَنَ لَهُ فَيُبَاحُ انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ في عمدة القارىء وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَمَنْ رَخَّصَ في النوم فيه بن عمرو قال كُنَّا نَبِيتُ فِيهِ

باب ما جاء في كراهية البيع والشراء وإنشاد الضالة

وَنَقِيلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ مِثْلَهُ وَهُوَ أحد قولي الشافعي واختلف عن بن عَبَّاسٍ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا تَتَّخِذِ الْمَسْجِدَ مَرْقَدًا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إِنْ كُنْتَ تَنَامُ فِيهِ لِصَلَاةٍ لَا بَأْسَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا أُحِبُّ لِمَنْ لَهُ مَنْزِلٌ أَنْ يَبِيتَ فِي الْمَسْجِدِ وَيَقِيلَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ مَالِكٌ وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبِيتُونَ فِي المسجد وكره النوم فيه بن مسعود وطاووس وَمُجَاهِدٌ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَقَدْ سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ عَنِ النَّوْمِ فِيهِ فَقَالَا كَيْفَ تَسْأَلُونَ عَنْهَا وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ يَنَامُونَ فِيهِ وَهُمْ قَوْمٌ كَانَ مَسْكَنُهُمُ الْمَسْجِدُ وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ نَائِمًا فِيهِ وَلَيْسَ حَوْلَهُ أَحَدٌ وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ وَقَدْ نَامَ فِي الْمَسْجِدِ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ بِغَيْرِ مَحْذُورٍ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ فِيمَا يَحِلُّ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجُلُوسِ وَشِبْهِ النَّوْمِ مِنَ الْأَعْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ 25 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِنْشَادِ الضَّالَّةِ) وَالشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ [322] قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الضَّالَّةُ هِيَ الضَّائِعَةُ مِنْ كُلِّ مَا يُقْتَنَى مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ ضَلَّ الشَّيْءُ إِذَا ضَاعَ وَضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ إِذَا حَارَ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ فَاعِلَةٌ ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهَا فَصَارَتْ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ وَتَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَتُجْمَعُ عَلَى الضَّوَالِّ انْتَهَى وَقَالَ يُقَالُ نَشَدْتُ الضَّالَّةَ فَأَنَا نَاشِدٌ إِذَا طَلَبْتُهَا وَأَنْشَدْتُهَا فَأَنَا مُنْشِدٌ إِذَا عَرَّفْتُهَا انْتَهَى وَفِي الْقَامُوسِ أَنْشَدَ الضَّالَّةَ عَرَّفَهَا وَاسْتَرْشَدَ عَنْهَا ضِدٌّ انْتَهَى وَفِي الصُّرَاحِ تَعْرِيفُ كردن كم شَده وَشَعر خواندن قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) يَأْتِي تَرَاجِمُ هَؤُلَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِدِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَنْشَدَ الشِّعْرَ قَرَأَهُ وَبِهِمْ هَجَاهُمْ وَتَنَاشَدُوا أَنْشَدَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَالنِّشْدَةُ بِالْكَسْرِ الصَّوْتُ وَالنَّشِيدُ رَفْعُ الصَّوْتِ وَالشِّعْرُ الْمُتَنَاشَدُ كَالْأُنْشُودَةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ هُوَ أَنْ يُنْشِدَ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ نَشِيدًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ افْتِخَارًا أَوْ مُبَاهَاةً وَعَلَى وَجْهِ التَّفَكُّهِ بِمَا يُسْتَطَابُ مِنْهُ وَأَمَّا مَا كَانَ فِي مَدْحِ حَقٍّ وَأَهْلِهِ وذم

بَاطِلٍ أَوْ تَمْهِيدِ قَوَاعِدَ دِينِيَّةٍ أَوْ إِرْغَامًا لِلْمُخَالِفَيْنِ فَهُوَ حَقٌّ خَارِجٌ عَنِ الذَّمِّ وَإِنْ خالطه نشيب انْتَهَى (وَعَنِ البَيْعِ وَالشَّرَاءِ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْمَدِّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَا عُقِدَ مِنَ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ نَقْضُهُ وَهَكَذَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ حَمْلَ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ يَحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ عَنِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ التَّحْرِيمُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ النَّهْيَ حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ وَهُوَ الْحَقُّ وَإِجْمَاعُهُمْ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ النَّقْضِ وَصِحَّةِ الْعَقْدِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْرِيمِ فَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ قَرِينَةً لِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشَّرَاءُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَحَادِيثُ تَرُدُّ عَلَيْهِ انْتَهَى (وَأَنْ يَتَحَلَّقَ النَّاسُ فِيهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ) أَيْ أَنْ يَجْلِسُوا مُتَحَلِّقِينَ حَلْقَةً وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ وَإِنْ كَانَ لِمُذَاكَرَةِ عِلْمٍ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَطَعَ الصُّفُوفَ مَعَ كَوْنِهِمْ مَأْمُورِينَ بِالتَّبْكِيرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالتَّرَاصِّ فِي الصُّفُوفِ الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ هَيْئَةَ اجْتِمَاعِ الْمُصَلِّينَ وَلِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ لِلْجُمُعَةِ خَطْبٌ عَظِيمٌ لَا يَسَعُ مَنْ حَضَرَهَا أَنْ يَهْتَمَّ بِمَا سِوَاهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا وَالتَّحَلُّقُ قَبْلَ الصَّلَاةِ يُوهِمُ غَفْلَتَهُمْ عَنِ الْأَمْرِ الَّذِي نُدِبُوا إِلَيْهِ وَلِأَنَّ الْوَقْتَ وَقْتُ الِاشْتِغَالِ بِالْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ وَالتَّقْيِيدُ بِقَبْلَ الصَّلَاةَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ بَعْدَهَا لِلْعِلْمِ وَالذِّكْرِ وَالتَّقْيِيدُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ فِي غَيْرِهِ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَزَادَ وَأَنْ تَنْشُدَ فِيهِ ضَالَّةً قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ وَجَابِرٍ وأنس) أما حديث بريدة فأخرجه مسلم والنسائي وبن ماجه وأما حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَوْلُهُ (حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وبن ماجه والحديث صححه بن خُزَيْمَةَ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ص 273 وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَمَنْ يُصَحِّحُ نُسْخَتَهُ يُصَحِّحُهُ قَالَ وَفِي الْمَعْنَى عِدَّةُ أَحَادِيثَ لَكِنْ فِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْفَتْحِ ص 15 تَرْجَمَةُ عمرو بن قَوِيَّةٌ عَلَى الْمُخْتَارِ لَكِنْ حَيْثُ لَا تَعَارُضَ انتهى

قوله (عمرو بن شعيب هو بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن الْعَاصِ) مَرْجِعٌ هُوَ شُعَيْبٌ فَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ وَالِدُ شُعَيْبٍ وَجَدُّ عَمْرٍو وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو جَدُّ شُعَيْبٍ وَالِدُ جَدِّ عَمْرٍو (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (رَأَيْتُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَذَكَرَ غَيْرَهُمَا يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ) فِي شَرْحِ أَلْفِيَّةِ الْعِرَاقِيِّ لِلْمُصَنِّفِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّهَا واجبة مطلقا إذا صح السند إليه قال بن الصَّلَاحِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ حَمْلًا لِلْجَدِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الصَّحَابِيِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو دُونَ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ وَالِدِ شُعَيْبٍ لماظهر لَهُمْ مِنْ إِطْلَاقِهِ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ وَأَبَا عُبَيْدٍ وَأَبَا خَيْثَمَةَ وَعَامَّةَ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَا تَرَكَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَثَبَّتُوهُ فَمَنِ النَّاسُ بَعْدَهُمْ وقول بن حِبَّانَ هِيَ مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّ شُعَيْبًا لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ مَرْدُودٌ فَقَدْ صَحَّ سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَأَحْمَدُ وَكَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مُحَمَّدًا مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَأَنَّ أَبَاهُ كَفَلَ شُعَيْبًا وَرَبَّاهُ وَقِيلَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ مُطْلَقًا انْتَهَى كَلَامُهُ بِتَلْخِيصٍ قَالَ (مُحَمَّدٌ) يَعْنِي الْبُخَارِيَّ (وَقَدْ سَمِعَ شُعَيْبُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) وَكَذَلِكَ قَدْ صَرَّحَ غَيْرُ وَاحِدٍ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ زِيَادٍ صَحَّ سَمَاعُ عَمْرٍو مِنْ أَبِيهِ وَصَحَّ سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الْجَوْزَجَانِيُّ قُلْتُ لِأَحْمَدَ سَمِعَ عَمْرٌو مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا قَالَ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبِي قُلْتُ فَأَبُوهُ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ نَعَمْ أَرَاهُ قَدْ سَمِعَ مِنْهُ كَذَا فِي هَامِشِ الْخُلَاصَةِ نَقْلًا عَنِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنْ جَدِّهِ انْتَهَى قُلْتُ وَيَدُلُّ عَلَى سَمَاعِهِ مِنْهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ والحاكم والبيهقي عنه في إفساد الحجج فَقَالُوا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَسْأَلُهُ عَنِ الْمُحْرِمِ وَقَعَ بِامْرَأَتِهِ فَأَشَارَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقَالَ اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ فَاسْأَلْهُ قَالَ شُعَيْبٌ فَلَمْ يَعْرِفْهُ الرَّجُلُ فذهبت

معه فسأل بن عُمَرَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْعِرَاقِيِّ (وَمَنْ تَكَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إِنَّمَا ضَعَّفَهُ لِأَنَّهُ يُحَدِّثُ عَنْ صَحِيفَةِ جَدِّهِ كَأَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مِنْ جَدِّهِ) قَدْ أَطَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ الْكَلَامَ فِي تَرْجَمَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقَالَ فِي آخِرِهِ قَدْ أَجَبْنَا عَنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمُرْسَلَةٍ وَلَا مُنْقَطِعَةٍ أَمَّا كَوْنُهَا وِجَادَةً أَوْ بَعْضُهَا سَمَاعٌ وَبَعْضُهَا وِجَادَةٌ فَهَذَا مَحَلُّ نَظَرٍ وَلَسْنَا نَقُولُ إِنَّ حَدِيثَهُ مِنْ أَعْلَى أَقْسَامِ الصَّحِيحِ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْحَسَنِ انْتَهَى كَلَامُهُ (قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَذَكَرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عِنْدَنَا وَاهٍ) أَيْ ضَعِيفٌ وَعَلِيُّ بْنُ عبد الله هو بن الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده حُجَّةٌ مُطْلَقًا إِذَا صَحَّ السَّنَدُ إِلَيْهِ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْبَيْعَ وَالشَّرَاءَ فِي الْمَسْجِدِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ رُخْصَةٌ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ) لَمْ يَقُمْ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْبَعْضِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ بَلْ تَرُدُّهُ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ (رُخْصَةٌ فِي إِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ) كَحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ شَهِدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَأَصْحَابُهُ يَتَذَاكَرُونَ الشِّعْرَ وَأَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَرُبَّمَا تَبَسَّمَ مَعَهُمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْآدَابِ مِنْ جَامِعِهِ ص 463 بِلَفْظِ جَالَسْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ فَكَانَ أَصْحَابُهُ يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ وَيَذْكُرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَرُبَّمَا يَتَبَسَّمُ مَعَهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح وكحديث سعيد بن المسيب قال عُمَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَحِسَانُ فِيهِ يُنْشِدُ فَلَحَظَ إِلَيْهِ فَقَالَ كُنْتُ أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَالَ نَعَمْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالرُّخْصَةِ عَلَى بَيَانِ الجواز

باب ما جاء في المسجد الذي أسس على التقوى

وَالثَّانِي حَمْلُ أَحَادِيثِ الرُّخْصَةِ عَلَى الشِّعْرِ الْحَسَنِ الْمَأْذُونِ فِيهِ كَهِجَاءِ حَسَّانَ لِلْمُشْرِكِينَ وَمَدْحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى التَّفَاخُرِ وَالْهِجَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ذَكَرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ أَنْ يُحْمَلَ النهي على تناشد الأشعار الجاهلية والمبطين الْمَأْذُونُ فِيهِ مَا سَلِمَ مِنْ ذَلِكَ وَقِيلَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَا إِذَا كَانَ التَّنَاشُدُ غَالِبًا عَلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَتَشَاغَلَ بِهِ مَنْ فِيهِ انتهى وقال بن الْعَرَبِيِّ لَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا كَانَ فِي مَدْحِ الدِّينِ وَإِقَامَةِ الشَّرْعِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْخَمْرُ مَمْدُوحَةً بِصِفَاتِهَا الْخَبِيثَةِ مِنْ طِيبِ رَائِحَةٍ وَحُسْنِ لَوْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَذْكُرُهُ مَنْ يَعْرِفُهَا وَقَدْ مَدَحَ فِيهِ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فقال بانت سعاد وقلبي الْيَوْمَ مَتْبُولُ إِلَى قَوْلِهِ فِي صِفَةِ رِيقِهَا كَأَنَّهُ مَنْهَلٌ بِالرَّاحِ مَعْلُولُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهَذِهِ قَصِيدَةٌ قَدْ رَوَيْنَاهَا مِنْ طُرُقٍ لَا يَصِحُّ منها شيء وذكرها بن إِسْحَاقَ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ عَنْ كَعْبٍ وَإِنْشَادِهِ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَيْسَ فِيهَا مَدْحُ الْخَمْرِ وَإِنَّمَا فِيهِ مَدْحُ رِيقِهَا وَتَشْبِيهِهِ بِالرَّاحِ انْتَهَى 26241241241 241 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى [323]) قَوْلُهُ (عَنْ أُنَيْسِ بْنِ أَبِي يَحْيَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُصَغَّرًا الْأَسْلَمِيِّ وَاسْمُ أَبِي يَحْيَى سَمْعَانُ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِيهِ) سَمْعَانَ الْمَدَنِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ

قَوْلُهُ (امْتَرَى رَجُلٌ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ تَمَارَى قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ الِامْتِرَاءُ وَالْمُمَارَاةُ الْمُجَادَلَةُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا تَنَازَعَا وَاخْتَلَفَا فَقَالَ هُوَ أَيِ الْمَسْجِدُ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أول يوم أحق أن تقوم فيه (هَذَا) أَيْ هَذَا الْمَسْجِدُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ هُوَ مَسْجِدِي (يَعْنِي مَسْجِدَهُ) هَذَا قَوْلُ الرَّاوِي يفسر قول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وَفِي ذَلِكَ أي مسجد قبا خَيْرٌ كَثِيرٌ زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ يَعْنِي مسجد قبا وَهَذَا قَوْلُ الرَّاوِي يُفَسِّرُ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ أَيْ يُرِيدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ ذلك مسجد قبا وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى هُوَ الْمَسْجِدُ النَّبَوِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يوم فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَسْجِدُ قُبَاءٍ وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فَقَالَ هُوَ مَسْجِدُكُمْ هَذَا وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ اخْتَلَفَ رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى فَقَالَ أَحَدُهُمَا هُوَ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْآخَرُ هُوَ مَسْجِدُ قُبَاءٍ فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ هُوَ هَذَا وَفِي ذَلِكَ يَعْنِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَلِأَحْمَدَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كعب مرفوعا قال القرطبي هذا السؤال صدره ممن ظَهَرَتْ لَهُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ فِي اشْتِرَاكِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا بَنَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مَسْجِدُهُ وَكَأَنَّ الْمَزِيَّةَ الَّتِي اقْتَضَتْ تَعْيِينَهُ دُونَ مَسْجِدِ قُبَاءٍ لَمْ يَكُنْ بِنَاؤُهُ بِأَمْرِ جَزْمٍ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ أَوْ كَانَ رَأْيًا رَآهُ بِخِلَافِ مَسْجِدِهِ أَوْ كَانَ حَصَلَ لَهُ أَوْ لِأَصْحَابِهِ فِيهِ مِنَ الْأَحْوَالِ الْقَلْبِيَّةِ مَا لَمْ يَحْصُلْ لِغَيْرِهِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْمَزِيَّةُ لِمَا اتُّفِقَ مِنْ طُولِ إِقَامَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ بِخِلَافِ مَسْجِدِ قباء فما أقام به إلا أيام قَلَائِلَ وَكَفَى بِهَذَا مَزِيَّةً مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى مَا تَكَلَّفَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَالْحَقُّ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي بَقِيَّةِ الْآيَةِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا يُؤَيِّدُ كَوْنَ الْمُرَادِ مَسْجِدَ قُبَاءٍ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَزَلَتْ (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) فِي أَهْلِ قُبَاءٍ وَعَلَى هَذَا فَالسِّرُّ فِي جَوَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْمَسْجِدَ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مَسْجِدُهُ رَفَعَ تَوَهُّمَ أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِمَسْجِدِ قُبَاءٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قال الداوردي وَغَيْرُهُ لَيْسَ هَذَا

باب ما جاء في الصلاة في مسجد قباء

اخْتِلَافًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَكَذَا قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَزَادَ غَيْرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ تعالى (من أول يوم) يَقْتَضِي أَنَّهُ مَسْجِدُ قُبَاءٍ لِأَنَّ تَأْسِيسَهُ كَانَ فِي يَوْمِ حَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَارِ الْهِجْرَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ 27 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ [324]) بِضَمِّ الْقَافِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَمْدُودَةٍ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْبَكْرِيُّ مِنَ الْعَرَبِ مَنْ يُذَكِّرُهُ فَيَصْرِفُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤَنِّثُهُ فَلَا يَصْرِفُهُ وَفِي الطالع عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَقَالَ يَاقُوتٌ عَلَى يَسَارٍ قَاصِدَ مَكَّةَ وَهُوَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ وَسُمِّيَ بِاسْمِ بِئْرٍ هُنَاكَ كَذَا فِي الفتح ومسجد قبا هُوَ مَسْجِدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ أَوَّلُ مَسْجِدٍ أَسَّسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَبْرَدِ مَوْلَى بَنِي خَطْمَةَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُهُ زِيَادٌ الْمَدَنِيُّ مَقْبُولٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (أَنَّهُ سَمِعَ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ) كِلَاهُمَا بِالتَّصْغِيرِ وَلَهُمَا صُحْبَةٌ قَوْلُهُ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ أَيِ الصَّلَاةُ الْوَاحِدَةُ فِيمَا يَعْدِلُ ثَوَابُهَا ثَوَابَ عُمْرَةٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سهل بن حنيف) أخرجه النسائي وبن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ مَسْجِدَ قُبَاءٍ فَيُصَلِّيَ فِيهِ كَانَ لَهُ كَعِدْلِ عُمْرَةٍ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا مَا

أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الملك النوفل عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا مَنْ تَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ ثُمَّ عَمِدَ إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ لَا يُرِيدُ غَيْرَهُ وَلَا يَحْمِلُهُ عَلَى الْغُدُوِّ إِلَّا الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ فَصَلَّى فِيهِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ إِلَى اللَّهِ وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ضَعِيفٌ كَذَا في عمدة القارىء وَفِي الْبَابِ أَيْضًا مَا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ بِإِسْنَادٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ لَأَنْ أُصَلِّيَ فِي مسجد قباء ركعتين أحب إلى من آتِيَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ مَرَّتَيْنِ لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي قُبَاءٍ لَضَرَبُوا إِلَيْهِ أَكْبَادَ الْإِبِلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُهُ راكبا وماشيا رواه البخاري وغيره عن بن عُمَرَ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ كُلَّ سَبْتٍ مَاشِيًا وَرَاكِبًا قَوْلُهُ (قَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى (حَدِيثُ أُسَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ زِيَادٍ أَبِي الْأَبْرَدِ رَوَى عَنْ أُسَيْدِ بْنِ ظُهَيْرٍ صَحَّحَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ وَهُوَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ وَهَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ فَقَطْ انْتَهَى قُلْتُ لَا أَدْرِي مَا وَجْهُ كَوْنِهِ مُنْكَرًا وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ حنيف حديث كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَوْلُهُ (وَأَبُو الْأَبْرَدِ اسْمُهُ زِيَادٌ مَدِينِيٌّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أبو الأبرد المدني مولى بني خطبة رَوَى عَنْ أُسَيْدِ بْنِ ظُهَيْرٍ وَعَنْهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ رَوَى لَهُ الترمذي وبن مَاجَهْ حَدِيثًا وَاحِدًا صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ كَعُمْرَةٍ قَالَ تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذَلِكَ كَلَامَ التِّرْمِذِيِّ وَهُوَ وَهْمٌ وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِأَبِي الْأَبْرَدِ الْحَارِثِيِّ فَإِنَّ اسْمَهُ زِيَادٌ كَمَا قَالَ بن مَعِينٍ وَأَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ وَأَبُو بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ أَبَا الْأَبْرَدِ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي مَنْ لَا يُعْرَفُ اسمه أبو أحمد الحاكم في الكنى وبن أبي حاتم وبن حِبَّانَ وَأَمَّا الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ فِي 4 الْمُسْتَدْرَكِ اسْمُهُ مُوسَى بْنُ سُلَيْمٍ انْتَهَى

باب ما جاء في أي المساجد أفضل

128 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَيِّ الْمَسَاجِدِ أَفْضَلُ [325]) (عَنْ زَيْدِ بْنِ رَبَاحٍ) الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ (وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ) ثِقَةٌ وَاسْمُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَلْمَانُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ) الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا) قَالَ النَّوَوِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ الْمُصَلِّي عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِي زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ مَا زِيدَ فِيهِ بَعْدَهُ لِأَنَّ التَّضْعِيفَ إِنَّمَا وَرَدَ فِي مَسْجِدِهِ وَقَدْ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ هَذَا بِخِلَافِ مَسْجِدِ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ جَمِيعَ مَكَّةَ بَلْ صَحَّ أَنَّهُ يَعُمُّ جَمِيعَ الْحَرَمِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ في الفتح وسكت عنه قلت قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَدْ وَافَقَ النَّوَوِيَّ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ وأعترضه بن تيمية وأطال فيه والمحب الطبري وأوردا آثار اسْتَدَلَّا بِهَا وَبِأَنَّهُ سُلِّمَ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ لَا تَخْتَصُّ بِمَا كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِأَنَّ الْإِشَارَةَ فِي الْحَدِيثِ إِنَّمَا هِيَ لِإِخْرَاجِ غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَبِأَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ بِعَدَمِ الْخُصُوصِيَّةِ وَقَالَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْبَرَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَهُ وَزُوِيَتْ لَهُ الْأَرْضُ فَعَلِمَ بِمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ وَلَوْلَا هَذَا مَا اسْتَجَازَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَنْ يَسْتَزِيدُوا فِيهِ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَبِمَا فِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الزِّيَادَةِ قَالَ لَوِ انْتَهَى إِلَى الْجَبَّانَةِ وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ لَكَانَ الْكُلُّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَوْ زِيدَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مَا زِيدَ كَانَ الْكُلُّ مَسْجِدِي وَفِي رِوَايَةٍ لَوْ بُنِيَ هَذَا الْمَسْجِدُ إِلَى صَنْعَاءَ كَانَ مَسْجِدِي هَذَا خُلَاصَةُ مَا ذَكَرَهُ بن حَجَرٍ فِي الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ فِي زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُكَرَّمِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ لَوْ كَانَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَوْ زِيدَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ إِلَخْ لَكَانَ قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ وَلَا أَدْرِي مَا حَالُهُ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ أَمْ لَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قَبْلَ الِاسْتِثْنَاءِ يَحْتَمِلُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدِي لَا تَفْضُلُ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ

الحرام يألف بَلْ بِدُونِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ وَيُحْتَمَلُ الْمُسَاوَاةُ أَيْضًا قُلْتُ كَأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ لَمْ يَقِفْ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أحمد وصححه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي هَذَا وفي رواية بن حِبَّانَ وَصَلَاةٌ فِي ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صلاة في مسجد المدينة قال بن عبد البر اختلف على بن الزُّبَيْرِ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَمَنْ رَفَعَهُ أَحْفَظُ وَأَثْبَتُ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ انْتَهَى وَمِنْهَا حديث جابر رضي الله عنه أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ فِي ذَلِكَ عنه قال بن عَبْدِ الْبَرِّ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عَطَاءٍ فِي ذَلِكَ عَنْهُمَا وَعَلَى ذَلِكَ يَحْمِلُهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عَطَاءً إِمَامٌ وَاسِعُ الدِّرَايَةِ معروف بالرواية عن جابر وبن الزُّبَيْرِ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ وَالصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِي بِأَلْفِ صَلَاةٍ وَالصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِخَمْسِ مِائَةِ صَلَاةٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْبَزَّارُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَمَيْمُونَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن الزبير وبن

عُمَرَ وَأَبِي ذَرٍّ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ ميمونة فأخرجه بن مَاجَهْ عَنْهَا قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ والمنشر إيتوه فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ قَالَ تُهْدِي إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فَأَخْرَجَهُ أحمد وبن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ في هذا وزاد بن حِبَّانَ يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَيْهِ مِائَةَ صَلَاةٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ في الترغيب وإسناده صحيح وأما حديث بن عمر فأخرجه مسلم والنسائي وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ أَفْضَلُ أَوْ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى هُوَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ وَلَقَيْدُ سَوْطٍ أَوْ قَالَ قَوْسُ الرَّجُلِ حَيْثُ يُرَى مِنْهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ أَوْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا جميعا قال المنذري رواه البيهقي بإسناده لَا بَأْسَ بِهِ وَفِي مَتْنِهِ غَرَابَةٌ انْتَهَى [326] قوله لا تشد على البناء للمفعول بلفط النَّفْيِ وَالْمُرَادُ النَّهْيُ قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ أَبْلَغُ مِنْ صَرِيحِ النَّهْيِ كَأَنَّهُ قَالَ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقْصَدَ بِالزِّيَارَةِ إِلَّا هَذِهِ الْبِقَاعُ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَا اخْتُصَّتْ بِهِ الرِّحَالُ جَمْعُ رَحْلٍ وَهُوَ كَوْرُ الْبَعِيرِ كَنَّى بِشَدِّ الرِّحَالِ عَنِ السَّفَرِ لِأَنَّهُ لَازِمُهُ وَخَرَجَ ذِكْرُهَا مَخْرَجَ الْغَالِبِ فِي رُكُوبِ الْمُسَافِرِ وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ رُكُوبِ الرَّوَاحِلِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْمَشْيِ فِي

الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ إِنَّمَا يُسَافِرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ وَالتَّقْدِيرُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَوْضِعٍ وَلَازِمُهُ مَنْعُ السَّفَرِ إِلَى كُلِّ مَوْضِعِ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْمُفَرَّغِ مُقَدَّرٌ بِأَعَمِّ الْعَامِّ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْعُمُومِ هُنَا الْمَوْضِعُ الْمَخْصُوصُ وَهُوَ الْمَسْجِدُ قَالَهُ الْحَافِظُ مَسْجِدِ الْحَرَامِ أَيِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ كَقَوْلِهِمُ الْكِتَابُ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ وَالْمَسْجِدُ بِالْخَفْضِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَالْمُرَادُ جَمِيعُ الْحَرَمِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ دُونَ الْبُيُوتِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْحَرَمِ وَمَسْجِدِي هَذَا أَيْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَيْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ وَقَدْ جَوَّزَ الْكُوفِيُّونَ وَاسْتَشْهَدُوا بِقَوْلِهِ تعالى وما كنت بجانب الغربي والبصريون يأولونه بِإِضْمَارِ الْمَكَانِ أَيِ الَّذِي بِجَانِبِ الْمَكَانِ الْغَرْبِيِّ وَمَسْجِدِ الْمَكَانِ الْأَقْصَى وَنَحْوِ ذَلِكَ وَسُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِهِ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فِي الْمَسَافَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ وَمَزِيَّتُهَا عَلَى غَيْرِهَا لِكَوْنِهَا مَسَاجِدَ الْأَنْبِيَاءِ وَلِأَنَّ الْأَوَّلَ قِبْلَةُ النَّاسِ وَإِلَيْهِ حَجُّهُمْ وَالثَّانِيَ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى وَالثَّالِثَ كَانَ قِبْلَةَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَاخْتُلِفَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى غَيْرِهَا كَالذَّهَابِ إِلَى زِيَارَةِ الصَّالِحِينَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا وَإِلَى الْمَوَاضِعِ الْفَاضِلَةِ لِقَصْدِ التبرك لها وَالصَّلَاةِ فِيهَا فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ يحرم شد الرحال إلى غيرها عم بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَشَارَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إِلَى اخْتِيَارِهِ وَبِهِ قَالَ عِيَاضٌ وَطَائِفَةٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ إِنْكَارِ نَضْرَةَ الْغِفَارِيِّ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ خُرُوجَهُ إِلَى الطُّورِ وقال له لو أردكتك قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مَا خَرَجْتَ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَرَى حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ وَوَافَقَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْفَضِيلَةَ التَّامَّةَ إِنَّمَا هِيَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ بِلَفْظِ لَا يَنْبَغِي لِلْمَطِيِّ أَنْ تُعْمَلَ وَهُوَ لَفْظٌ ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ التَّحْرِيمِ وَمِنْهَا أَنَّ النَّهْيَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ مِنْ سَائِرِ الْمَسَاجِدِ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ

غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا قَصْدُ غَيْرِ الْمَسَاجِدِ لِزِيَارَةِ صَالِحٍ أَوْ قَرِيبٍ أَوْ طَلَبِ عِلْمٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ نُزْهَةٍ فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ وَذَكَرَ عِنْدَهُ الصَّلَاةَ فِي الطُّورِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينبغي للمصلي أن يشد رجاله إِلَى مَسْجِدٍ تُبْتَغَى فِيهِ الصَّلَاةُ غَيْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي وَشَهْرٌ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ بَعْضُ الضَّعْفِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ قَصْدُهَا بِالِاعْتِكَافِ فِيمَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ قَالَ لَا يَعْتَكِفُ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ أَنْظَارٌ وَخَدَشَاتٌ أَمَّا الْجَوَابُ الْأَوَّلُ مِنْهَا ففِيهِ أَنَّ قَوْلَهُمُ الْمُرَادُ الْفَضِيلَةُ التَّامَّةُ إِنَّمَا هِيَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَخْ خِلَافُ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَأَمَّا لَفْظُ لَا يَنْبَغِي فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فَهُوَ خِلَافُ أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ فَقَدْ وَقَعَ فِي عَامَّةِ الرِّوَايَاتِ لَفْظُ لَا تُشَدُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَفْظُ لَا يَنْبَغِي ظَاهِرٌ فِي غَيْرِ التَّحْرِيمِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ قَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ قَدِ اطَّرَدَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ اسْتِعْمَالُ لَا يَنْبَغِي فِي الْمَحْظُورِ شَرْعًا أَوْ قَدَرًا وَفِي الْمُسْتَحِيلِ الْمُمْتَنِعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا وَقَوْلِهِ وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ وَقَوْلِهِ تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وقوله على لسان نبيه كذبني بن ادم وما ينبغي له وشتمني بن آدَمَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لِبَاسِ الْحَرِيرِ لَا يَنْبَغِي هَذَا لِلْمُتَّقِينَ انْتَهَى وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي فَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُمُ النَّهْيُ مَخْصُوصٌ بِمَنْ نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ إِلَخْ فَفِيهِ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ بِلَا دَلِيلٍ وَكَذَا فِي الْجَوَابِ الرَّابِعِ تَخْصِيصٌ بِلَا دَلِيلٍ وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّالِثُ فَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُمُ الْمُرَادُ حُكْمُ الْمَسَاجِدِ فَقَطْ وَأَنَّهُ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَخْ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْعُمُومُ وَأَنَّ الْمُرَادَ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى مَوْضِعٍ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ فَإِنَّ الاستثناء مفرغ والمثنى مِنْهُ فِي الْمُفَرَّغِ يُقَدَّرُ بِأَعَمِّ الْعَامِّ نَعَمْ لَوْ صَحَّ رِوَايَةُ أَحْمَدَ بِلَفْظِ لَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يَشُدَّ رِحَالَهُ إِلَى مَسْجِدٍ إِلَخْ لَاسْتَقَامَ هَذَا الْجَوَابُ لَكِنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهَذَا اللَّفْظِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَلَمْ يَزِدْ لَفْظَ مسجد أحد غيره فما أَعْلَمُ وَهُوَ كَثِيرُ الْأَوْهَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الحافظ بن حَجَرٍ فِي التَّقْرِيبِ فَفِي ثُبُوتِ لَفْظِ مَسْجِدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَلَامٌ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ هُوَ الْعُمُومُ وَأَنَّ الْمُرَادَ لَا يَجُوزُ السَّفَرُ إِلَى مَوْضِعٍ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ إِلَّا إِلَى ثلاثة

باب ما جاء في المشي إلى المسجد

مَسَاجِدَ وَأَمَّا السَّفَرُ إِلَى مَوْضِعٍ لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِطَلَبِ الْعِلْمِ أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ صَحِيحٌ مِمَّا ثَبَتَ جَوَازُهُ بِأَدِلَّةٍ أُخْرَى فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ حكم هذا الحديث هذا ماعندي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 29 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْمَسْجِدِ [327]) قَوْلُهُ وَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ قَالَ الْحَافِظُ هُوَ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مِنْ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّ الْمُسْرِعَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يُتَرَجَّى إِدْرَاكُ فَضِيلَةِ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ نَهَى عَنِ الْإِسْرَاعِ فَغَيْرُهُ مِمَّنْ جَاءَ قَبْلَ الْإِقَامَةِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْإِسْرَاعِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ إِدْرَاكُ الصَّلَاةِ كُلِّهَا فَيُنْهَى عَنِ الْإِسْرَاعِ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى انْتَهَى فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ قَالَ فِي الصُّرَاحِ سَعَى دويدن وشتاب كردن وَجُمْلَةُ وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ حَالِيَّةٌ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَالْوَقَارُ قَالَ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ هُوَ بِمَعْنَى السَّكِينَةِ وَذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَأَنَّ السَّكِينَةَ التَّأَنِّي فِي الْحَرَكَاتِ وَاجْتِنَابُ الْعَبَثِ وَالْوَقَارُ فِي الْهَيْئَةِ كَغَضِّ الْبَصَرِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِذَا بَيَّنْتُ لَكُمْ مَا هُوَ أَوْلَى بِكُمْ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ أَوِ التَّقْدِيرُ إِذَا فَعَلْتُمْ فَمَا أَدْرَكْتُمْ أَيْ فَعَلْتُمُ الَّذِي أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنَ السَّكِينَةِ وَتَرْكِ الْإِسْرَاعِ وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا أَيْ أَكْمِلُوا وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَلَهُ طُرُقٌ وَأَلْفَاظٌ

قوله (وفي الباب عن أبي قتادة وأبي بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى قَالَ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ فَلَا تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أبي سعيد فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نُرِيدُ الصَّلَاةَ فَكَانَ يُقَارِبُ الْخُطَى فَقَالَ أَتَدْرُونَ لِمَ أُقَارِبُ الْخُطَى قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ فِي الصَّلَاةِ مَا دَامَ فِي طَلَبِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ الضَّحَّاكُ بْنُ نِبْرَاسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزوائد وأما حديث جابر فأخرجه بن حبان وأما حديث أنس وهو بن مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَأْتُوا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَصَلُّوا مَا أَدْرَكْتُمْ وَاقْضُوا مَا سُبِقْتُمْ قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ وَكَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى الْإِسْرَاعَ إِذَا خَافَ فَوْتَ تكبيرة الْأُولَى) هَذَا رَأْيٌ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِذَا سَمِعْتُمُ الْإِقَامَةَ فَامْشُوا إِلَى الصَّلَاةِ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ وَلَا تُسْرِعُوا قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ وَلَا تُسْرِعُوا فِيهِ زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ الرَّدُّ عَلَى مَنْ أَوَّلَ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ لَا تَفْعَلُوا أَيِ الِاسْتِعْجَالَ الْمُفْضِيَ إِلَى عَدَمِ الْوَقَارِ وَأَمَّا الْإِسْرَاعُ الَّذِي لَا يُنَافِي الْوَقَارَ كَمَنْ خَافَ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَلَا وَهَذَا مَحْكِيٌّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ قَالَ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ رِوَايَةُ الْعَلَاءِ الَّتِي فِيهَا فَهُوَ فِي صَلَاةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ نَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُدْرِكْ مِنَ الصَّلَاةِ شَيْئًا لَكَانَ مُحَصِّلًا لِمَقْصُودِهِ لِكَوْنِهِ فِي صَلَاةٍ وَعَدَمُ الْإِسْرَاعِ أَيْضًا يَسْتَلْزِمُ كَثْرَةَ الْخُطَى وَهُوَ مَعْنًى مَقْصُودٌ لِذَاتِهِ وَرَدَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ انْتَهَى (حَتَّى ذُكِرَ عَنْ بضعهم أَنَّهُ كَانَ يُهَرْوِلُ إِلَى الصَّلَاةِ) قَالَ فِي الصراح هرولة نوعي ازرفتار ودويدن وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ بَيْنَ الْمَشْيِ وَالْعَدْوِ (وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَ الْإِسْرَاعَ وَاخْتَارَ أَنْ يَمْشِيَ عَلَى تُؤَدَةٍ وَوَقَارٍ) أَيْ وَإِنْ خَافَ

فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَالتُّؤَدَةُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ التَّأَنِّي وَأَصْلُ التَّاءِ فِيهَا وَاوٌ (وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَا الْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ) وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَقَالَ إِسْحَاقُ إِنْ خَافَ فَوْتَ تكبيرة الْأُولَى فَلَا بَأْسَ أَنْ يُسْرِعَ فِي الْمَشْيِ) لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْبَابِ كَمَا عَرَفْتَ وَأَيْضًا قَدْ وَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ أَيْ أَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُصَلِّي فَيَنْبَغِي لَهُ اعْتِمَادُ مَا يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي اعتماده واجتناب ما ينبغي للمصلي اجتنابه وإذاثبت أَنَّ الْعَامِدَ إِلَى الصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّهُ لَا بَأْسَ فِي الْإِسْرَاعِ إِنْ خاف فوت تكبيره الْأُولَى [328] قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ) يَعْنِي قَوْلَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَذَلِكَ لِأَنَّ سُفْيَانَ قَدْ تَابَعَ عَبْدَ الرَّزَّاقِ فَقَالَ هُوَ أَيْضًا فِي رِوَايَتِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ سُفْيَانَ بَعْدَ هَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَهَذَا عَمَلٌ صَحِيحٌ لَوْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ الزُّهْرِيَّ حَدَّثَ بِهِ عَنْهُمَا قَالَ وَقَدْ جَمَعَهُمَا الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ فِي بَابِ الْمَشْيِ إِلَى الْجُمُعَةِ عَنْ آدَمَ فَقَالَ فِيهِ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَجَزَمَ بِأَنَّهُ عِنْدَهُ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَقَالَ وَكَانَ رُبَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِهَا انْتَهَى [329] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ بن عُيَيْنَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ

باب ما جاء في القعود في المسجد وانتظار الصلاة

130 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقُعُودِ فِي الْمَسْجِدِ وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ) مِنْ الْفَضْلِ [330] قَوْلُهُ (عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الموحدة المشددة بن كَامِلٍ الصَّنْعَانِيِّ وَهُوَ أَخُو وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (لَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ) أَيْ فِي ثَوَابِ صَلَاةٍ لَا فِي حُكْمِهَا لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ الْكَلَامُ وَغَيْرُهُ مِمَّا مُنِعَ فِي الصَّلَاةِ (وَلَا تَزَالُ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي) أَيْ تَسْتَغْفِرُ وَالْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ الْحَفَظَةُ أَوِ السَّيَّارَةُ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ (مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إِذَا انْصَرَفَ عَنْهُ انْقَضَى ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ فِي مُصَلَّاهُ عَلَى الْمَكَانِ الْمُعَدِّ لِلصَّلَاةِ لَا الْمَوْضِعِ الْخَاصِّ بِالسُّجُودِ فَلَا يَكُونُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ تَخَالُفٌ (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تُصَلِّي أَيْ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إِلَخْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ أَنَّ الْمَغْفِرَةَ سَتْرُ الذُّنُوبِ وَالرَّحْمَةَ إِفَاضَةُ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ (مَا لَمْ يُحْدِثْ) مِنَ الْإِحْدَاثِ أَيْ مَا لَمْ يُبْطِلْ وُضُوءَهُ (وَمَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ) لَعَلَّ سَبَبَ الِاسْتِفْسَارِ إِطْلَاقُ الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ عَلَى غَيْرِ مَا ذُكِرَ أَوْ ظَنُّوا أَنَّ الْإِحْدَاثَ بِمَعْنَى الِابْتِدَاعِ (فَقَالَ فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ) الصَّوْتُ الْخَارِجُ مِنَ الدُّبُرِ إِنْ كَانَ بِلَا صَوْتٍ فَهُوَ الْفُسَاءُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْمَدِّ وَإِنْ كَانَ بِالصَّوْتِ فَهُوَ الضُّرَاطُ بِضَمِّ الضَّادِ قَالَ السَّفَاقِسِيُّ الْحَدَثُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ يُحْرَمُ بِهِ الْمُحْدِثُ اسْتِغْفَارَ الْمَلَائِكَةِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْحَدَثِ فِيهِ كَفَّارَةٌ تَرْفَعُ أَذَاهُ كَمَا يَرْفَعُ الدَّفْنُ أَذَى النُّخَامَةِ فِيهِ عُوقِبَ بِحِرْمَانِ الِاسْتِغْفَارِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لِمَا اذاهم به من الرائحة الخبيثة وقال بن بَطَّالٍ مَنْ أَرَادَ أَنْ تُحَطَّ عَنْهُ ذُنُوبُهُ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ فَلْيَغْتَنِمْ مُلَازَمَةَ مُصَلَّاهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ لِيَسْتَكْثِرَ مِنْ دُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ وَاسْتِغْفَارِهِمْ لَهُ فَهُوَ مَرْجُوٌّ إِجَابَتُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَشْفَعُونَ إلا لمن ارتضى وفي

باب ما جاء في الصلاة على الخمرة

الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضِيلَةِ مَنِ انْتَظَرَ الصَّلَاةَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ ثَبَتَ فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ مِنَ الْمَسْجِدِ أَوْ تَحَوَّلَ إِلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي عُمْدَةِ القارىء قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ وَإِعْمَالُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَغْسِلُ الْخَطَايَا غَسْلًا وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وأما حديث أبي سعيد فأخرجه بن ماجه وبن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِيهِ وَمَا مِنْ أَحَدٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ فَيُصَلِّيَ فِيهِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ الَّتِي بَعْدَهَا إِلَّا قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ البخاري بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ لَيْلَةً صَلَاةَ الْعِشَاءِ إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ بَعْدَ مَا صَلَّى فَقَالَ صَلَّى النَّاسُ وَرَقَدُوا وَلَمْ تَزَالُوا فِي صَلَاةٍ مُنْذُ انْتَظَرْتُمُوهَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ وَإِنَّ مَنْ أَتَى الْمَسْجِدَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِيهِ عَبْدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْعَطَّارُ وهو متروك ورضيه أبو حاتم وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ يَغْرُبُ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِأَلْفَاظٍ 31 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ [331]) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ الطَّبَرِيُّ هُوَ مُصَلًّى صَغِيرٌ يُعْمَلُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ

سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَتْرِهَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ مِنْ حَرِّ الْأَرْضِ وَبَرْدِهَا فَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً سُمِّيَتْ حَصِيرًا وَكَذَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَصَاحِبُهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ بَعْدَهُمْ وَزَادَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا تَكُونُ خُمْرَةٌ إِلَّا هَذَا الْمِقْدَارَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ السَّجْدَةُ يَسْجُدُ عَلَيْهَا الْمُصَلِّي ثُمَّ ذكر حديث بن عَبَّاسٍ فِي الْفَأْرَةِ الَّتِي جَرَّتِ الْفَتِيلَةَ حَتَّى أَلْقَتْهَا عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَيْهَا الْحَدِيثَ قَالَ فَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِإِطْلَاقِ الْخُمْرَةِ عَلَى مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْوَجْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الباري ص 413 ج 1 قلت حديث بن عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَفْظُهُ هَكَذَا قَالَ جَاءَتْ فَأْرَةٌ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ فَقَالَ إِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَيُحْرِقَكُمْ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ ذِكْرًا فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ كُتُبِهِمْ وَإِنْ كَانَ هُوَ عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ وَقَعَ فِيهِ تَصْحِيفٌ كَذَا فِي الْأَصْلِ وَهِيَ طَبَقَةٌ لَا تَحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قُلْتُ عَمْرُو بْنُ طَلْحَةَ هَذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ الْكُوفِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَنَّادُ رَوَى عَنْ أَسْبَاطِ بْنِ نَصْرٍ وَمِنْدَلِ بْنِ عَلِيٍّ وَرَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ فَرَدَّ حَدِيثَهُ وَإِبْرَاهِيمُ الْجَوْزَجَانِيُّ قَالَ مُطَيَّنٌ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ رَافِضِيٌّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (كَانَ يصلي على الخمرة) قال بن بَطَّالٍ لَا خِلَافَ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَانَ يُؤْتَى بِتُرَابٍ فَيُوضَعُ عَلَى الْخُمْرَةِ فَيَسْجُدُ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ عَلَى جِهَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ فَلَا يَكُونُ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْجَمَاعَةِ وقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى شَيْءٍ دُونَ الْأَرْضِ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ غَيْرِ عُرْوَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ص 243 ج 1 وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى السَّجَّادَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْخِرَقِ أَوِ الْخُوصِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَانَتْ كَبِيرَةً كَالْحَصِيرِ وَالْبِسَاطِ لِمَا ثَبَتَ مِنْ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَصِيرِ وَالْبِسَاطِ وَالْفَرْوَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَفْلَحَ يَا أَفْلَحُ تَرِّبْ وَجْهَكَ أَيْ فِي سُجُودِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى التُّرَابِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَمْكِينَ الْجَبْهَةِ مِنَ الْأَرْضِ وَكَأَنَّهُ رَآهُ يُصَلِّي وَلَا يُمَكِّنُ جَبْهَتَهُ مِنَ الْأَرْضِ فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ لَا أَنَّهُ رَآهُ يُصَلِّي عَلَى شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ الْأَرْضِ فَأَمَرَهُ بِنَزْعِهِ انْتَهَى

باب ما جاء في الصلاة على الحصير

قوله (وفي الباب عن أم حبيبة وبن عُمَرَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ وَأُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَلَمْ تَسْمَعْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَّا حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ وأما حديث أم كلثوم فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ (وَبِهِ يَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْخُمْرَةِ الْجُمْهُورُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَبِهِ يَقُولُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ نَسَبَهُ الْعِرَاقِيُّ إِلَى الْجُمْهُورِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْخُمْرَةُ هُوَ حَصِيرٌ صَغِيرٌ يَدُلُّ عليه حديث بن عَبَّاسٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ 32 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الحصير [332]) قال بن بَطَّالٍ إِنْ كَانَ مَا يُصَلِّي عَلَيْهِ كَبِيرًا قَدْرَ طُولِ الرَّجُلِ وَأَكْثَرَ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ حَصِيرٌ وَلَا يُقَالُ لَهُ خُمْرَةٌ وَكُلُّ ذَلِكَ يُصْنَعُ مِنْ سَعَفِ النَّخْلِ وَمَا أَشْبَهَهُ قَوْلُهُ (صلى على الحصير) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ

باب ما جاء في الصلاة على البسط

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى الْحَصِيرِ وأما ما رواه بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ وَاللَّهُ يقول وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا فَقَالَتْ لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ فَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ لِمُعَارَضَتِهِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَحَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ بَلْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان لَهُ حَصِيرٌ يَبْسُطُهُ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ فِي النَّيْلِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ المسيب ومكحول وغيرهما مِنَ التَّابِعِينَ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ وَصَرَّحَ بن الْمُسَيِّبِ بِأَنَّهَا سُنَّةٌ وَمِمَّنِ اخْتَارَ مُبَاشَرَةَ الْمُصَلِّي لِلْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ وِقَايَةٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي وَلَا يَسْجُدُ إِلَّا عَلَى الْأَرْضِ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ وَيَسْجُدُ عَلَى الْأَرْضِ 33248248248 248 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْبُسُطِ [333]) بِضَمِّ الْبَاءِ وَالسِّينِ جَمْعُ بِسَاطٍ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ مَا يُبْسَطُ أَيْ يُفْرَشُ وَأَمَّا الْبَسَاطُ بِفَتْحِ الْبَاءِ فَهِيَ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ الْمُسْتَوِيَةُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ

حُمَيْدٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (الضُّبَعِيُّ) بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ (حَتَّى كَانَ يَقُولُ) غَايَةٌ يُخَالِطُ أَيِ انْتَهَى مُخَالَطَتُهُ لِأَهْلِنَا حَتَّى الصَّبِيَّ يُلَاعِبُهُ (مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرُ نُغَرٍ بِضَمٍّ ثُمَّ فَتْحٍ طَيْرٌ كَالْعُصْفُورِ مُحْمَرُّ الْمِنْقَارِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَهُ الْبُلْبُلَ أَيْ مَا شَأْنُهُ وَحَالُهُ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ النُّغَرُ كَصُرَدَ الْبُلْبُلُ جَمْعُهُ نِغْرَانٌ كَصِرْدَانٍ انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ النُّغَيْرُ هُوَ تَصْغِيرُ النُّغَرِ وَهُوَ طَائِرٌ يُشْبِهُ الْعُصْفُورَ أَحْمَرُ الْمِنْقَارِ انْتَهَى (وَنُضِحَ) أَيْ رُشَّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَضَحَ الْبَيْتَ يَنْضَحُهُ رَشَّهُ (بِسَاطٌ لَنَا قَالَ السُّيُوطِيُّ فُسِّرَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِالْحَصِيرِ انْتَهَى قُلْتُ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ أُمَّ سُلَيْمٍ فَتُدْرِكُهُ الصَّلَاةُ أَحْيَانًا فَيُصَلِّي عَلَى بِسَاطٍ لَنَا وَهُوَ حَصِيرٌ تَنْضَحُهُ بِالْمَاءِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ بَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْبِسَاطِ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْحَصِيرِ وَعَقَدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَابًا وقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي سُنَنِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِسَاطِ الْحَصِيرُ بِلَفْظِ فَيُصَلِّي أَحْيَانًا عَلَى بِسَاطٍ لَنَا وَهُوَ حَصِيرٌ فَنَنْضَحُهُ بِالْمَاءِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فَتَبَيَّنَ أَنَّ مُرَادَ أَنَسٍ بِالْبِسَاطِ الْحَصِيرُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ صَادِقٌ عَلَى الْحَصِيرِ لِكَوْنِهِ يُبْسَطُ عَلَى الْأَرْضِ أَيْ يُفْرَشُ انْتَهَى قوله (وفي الباب عن بن عباس) أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ عَنْهُ بِلَفْظِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ وَفِي إِسْنَادِهِ زمعة بن صالح الحيدي ضعفه أحمد وبن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فَرْدَ حَدِيثٍ مَقْرُونًا بِآخَرَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه قوله (لم يروا بالبساط وَالطِّنْفِسَةِ بَأْسًا) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الطِّنْفِسَةُ بِكَسْرِ طَاءٍ وَفَاءٍ وَضَمِّهِمَا

باب ما جاء في الصلاة في الحيطان

وَبِكَسْرٍ فَفَتْحٍ بِسَاطٌ لَهُ خَمْلٌ رَقِيقٌ وَجَمْعُهُ طَنَافِسُ وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا هُوَ كِسَاءٌ ذُو خَمْلٍ يُجْلَسُ عَلَيْهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فَرَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا قَالَا الصَّلَاةُ عَلَى الطُّنْفُسَةِ وَهِيَ الْبِسَاطُ الَّذِي تَحْتَهُ خَمْلٌ مُحْدَثَةٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ كَانَ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ وَيُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ نَبَاتِ الْأَرْضِ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى شَيْءٍ دُونَ الْأَرْضِ كَذَا فِي النَّيْلِ وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ 34 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْحِيطَانِ [334]) جَمْعُ حَائِطٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحَائِطُ الْجِدَارُ جَمْعُهُ حِيطَانٌ وَالْبُسْتَانُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ) لَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وَاشْتُهِرَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُنْيَةِ أَبِيهِ وَاسْمُ أَبِيهِ عَجْلَانُ وَقِيلَ عَمْرٌو الْجُفْرِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَرَاءٍ النِّسْبَةُ إِلَى جُفْرَةِ خالد مكان بِالْبَصْرَةِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَوْلُهُ (كَانَ يَسْتَحِبُّ الصَّلَاةَ فِي الْحِيطَانِ) قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ الْحَائِطُ الْبُسْتَانُ مِنَ النَّخْلِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَهُوَ الْجِدَارُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ اسْتِحْبَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فِي الْحِيطَانِ يَحْتَمِلُ مَعَانِيَ أَحَدُهَا قَصْدُ الْخَلْوَةِ عَنِ النَّاسِ فِيهَا وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الثَّانِي قَصْدُ حُلُولِ الْبَرَكَةِ فِي ثِمَارِهَا بِبَرَكَةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا جَالِبَةٌ لِلرِّزْقِ الثَّالِثُ أَنَّ هَذَا مِنْ كَرَامَةِ الْمَزُورِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَكَانِهِ

باب ما جاء في سترة المصلى

الرَّابِعُ أَنَّهَا تَحِيَّةُ كُلِّ مَنْزِلٍ نَزَلَهُ أَوْ تَوْدِيعُهُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ الرَّاوِي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ (يَعْنِي الْبَسَاتِينَ) جَمْعُ بُسْتَانٍ قَوْلُهُ (وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ قَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ) قَالَ الْفَلَّاسُ صَدُوقٌ منكر الحديث وقال بن الْمَدِينِيِّ ضَعِيفٌ وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي الْمِيزَانِ قَوْلُهُ (أَبُو الزُّبَيْرِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ مُدَلِّسًا 35 - (بَاب مَا جَاءَ فِي سُتْرَةِ الْمُصَلِّي [335]) قَوْلُهُ مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ هُوَ الْعُودُ الَّذِي يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ رَاكِبُ الرَّحْلِ وَفِي الْمُؤَخِّرَةِ لُغَاتٌ ضَمُّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ حَكَاهَا أَبُو عُبَيْدٍ وَأَنْكَرَهَا يَعْقُوبُ وَفَتْحُ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ مَعًا مَعَ تشديد الخاء حكاها صاحب المشارق وقال بن الْعَرَبِيِّ الْمُحَدِّثُونَ يَرْوُونَهُ مُشَدَّدًا وَأَنْكَرَهَا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَقَالَ وَلَا تُشَدَّدُ وَسُكُونُ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُ الْخَاءِ الْمُخَفَّفَةِ حَكَاهَا صَاحِبُ السَّرَقُسْطِيِّ فِي غَرِيبِهِ وَأَنْكَرَهَا بن قُتَيْبَةَ وَفَتْحُ الْمِيمِ وَسُكُونُ الْوَاوِ مِنْ غَيْرِ هَمْزَةٍ وَكَسْرُ الْخَاءِ حَكَاهَا صَاحِبُ الْمَشَارِقِ

وَاللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ فِيهَا آخِرَةُ الرَّحْلِ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَكَذَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الاتي وقال بن الْعَرَبِيِّ إِنَّهُ الصَّوَابُ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اعْتَبَرَ الْفُقَهَاءُ مُؤَخِّرَةَ الرَّحْلِ فِي مِقْدَارِ أَقَلِّ السُّتْرَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِهَا بِفِعْلِ ذَلِكَ فَقِيلَ ذِرَاعٌ وَقِيلَ ثُلُثَا ذِرَاعٍ وَهُوَ أَشْهَرُ لَكِنْ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ نافع أن مؤخرة رحل بن عُمَرَ كَانَتْ قَدْرَ ذِرَاعٍ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ أَقَلَّ السُّتْرَةِ مُؤَخِّرَةُ الرَّحْلِ وَهِيَ قَدْرُ عَظْمِ الذِّرَاعِ هُوَ نَحْوُ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ وَيَحْصُلُ بِأَيِّ شَيْءٍ أَقَامَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ هَكَذَا وَشَرَطَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ فِي غِلَظِ الرُّمْحِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَهْلِ بن أبي حثمة وبن عُمَرَ وَسَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ وَأَبِي جُحَيْفَةَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ سَبْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا قَوْلُهُ (حَدِيثُ طَلْحَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد ومسلم وبن مَاجَهْ (وَقَالُوا سُتْرَةُ الْإِمَامِ لِمَنْ خَلْفَهُ) أَيْ مِنَ الْمَأْمُومِينَ فَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إِلَى اتِّخَاذِ سُتْرَةٍ لَهُمْ عَلَى حِدَةٍ بَلْ يَكْفِيهِمْ سُتْرَةُ الْإِمَامِ وَتُعْتَبَرُ تِلْكَ السُّتْرَةُ لَهُمْ أَيْضًا وَلِهَذَا يَكُونُ الْمُرُورُ الْمُضِرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ هُوَ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي في حق الامام قال بن عبد البر حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا أَيِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ يَخُصُّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلَا يَضُرُّهُ مَنْ مَرَّ بين يديه لحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فيه بين العملاء وَكَذَا نَقَلَ عِيَاضٌ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومِينَ يُصَلُّونَ إِلَى سُتْرَةٍ لَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ سُتْرَتُهُمْ سُتْرَةُ الْإِمَامِ أَمْ سُتْرَتُهُمُ الْإِمَامُ نَفْسُهُ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي سَفَرٍ

باب ما جاء في كراهية المرور بين يدي المصلى

وَبَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَمَرَّتْ حَمِيرٌ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ فَأَعَادَ بِهِمُ الصَّلَاةَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ إِنَّهَا لَمْ تَقْطَعْ صَلَاتِي لَكِنْ قَطَعَتْ صَلَاتَكُمْ فَهَذَا يُعَكِّرُ عَلَى مَا نُقِلَ مِنَ الِاتِّفَاقِ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا سُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ سُوَيْدٌ عَنْ عَاصِمٍ انْتَهَى وَسُوَيْدٌ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ وَوَرَدَتْ أَيْضًا في حديث موقوف على بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ الَّذِي نَقَلَهُ عِيَاضٌ فِيمَا لَوْ مَرَّ بَيْنَ يَدَيِ الْإِمَامِ أَحَدٌ فَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ مَنْ خَلْفَهُ يَضُرُّ صَلَاتَهُ وَصَلَاتَهُمْ مَعًا وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْإِمَامَ نَفْسَهُ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ يَضُرُّ صَلَاتَهُ وَلَا يَضُرُّ صَلَاتَهُمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي 36 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي [336]) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ) وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى الْخَطْمِيُّ أَبُو مُوسَى الْمَدَنِيُّ ثُمَّ الْكُوفِيُّ أَحَدُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (أَرْسَلَ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ بِالتَّصْغِيرِ أَيْ أَرْسَلَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ بُسْرَ بْنَ سَعِيدٍ فَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِي جُهَيْمٍ قَوْلُهُ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي أَيْ أَمَامَهُ بِالْقُرْبِ مِنْهُ وَعَبَّرَ بِالْيَدَيْنِ لِكَوْنِ أَكْثَرِ الشُّغْلِ يَقَعُ بِهِمَا وَاخْتُلِفَ فِي تَحْدِيدِ ذَلِكَ فَقِيلَ إِذَا مَرَّ بَيْنَهُ وبين مقدار سجوده وقيل بينه قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَقِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَدْرُ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ الْمُرَادُ بِالْمُرُورِ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مُعْتَرِضًا أَمَّا إِذَا مَشَى بَيْنَ يَدَيْهِ ذَاهِبًا لِجِهَةِ الْقِبْلَةِ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي الْوَعِيدِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ يَخْتَصُّ بِمَنْ مَرَّ لَا بِمَنْ وَقَفَ عَامِدًا مَثَلًا بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي أَوْ قَعَدَ أَوْ رَقَدَ لَكِنْ إِنْ كَانَتِ الْعِلَّةُ فِيهِ التَّشْوِيشُ عَلَى الْمُصَلِّي فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَارِّ انْتَهَى قَوْلُهُ مَاذَا عَلَيْهِ أَيْ مِنَ الْإِثْمِ

قَوْلُهُ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ يَعْنِي أَنَّ الْمَارَّ لَوْ عَلِمَ مِقْدَارَ الْإِثْمِ الَّذِي يَلْحَقُهُ مِنْ مُرُورِهِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لَيَخْتَارُ أَنْ يَقِفَ الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ حَتَّى لَا يَلْحَقَهُ ذَلِكَ الْإِثْمُ قَوْلُهُ خَيْرٌ لَهُ بِالرَّفْعِ كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَعَ هُنَا بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ كَانَ وَفِي الْبُخَارِيِّ بِالنَّصْبِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ فِي شَرْحِهِ مُتَعَقِّبًا عَلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْ يَقِفَ اسْمٌ مَعْرِفَةٌ تقدير أَيْ وُقُوفُهُ وَخَيْرٌ نَكِرَةٌ فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِكَانَ وَأَنْ يَقِفَ خَبَرًا لَهُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى يَأْبَى ذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْمُهَا ضَمِيرَ الشَّأْنِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرَهَا قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو النَّضْرِ) هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَهُ الْحَافِظُ (لَا أَدْرِي قَالَ أَرْبَعِينَ شَهْرًا أَوْ أَرْبَعِينَ سَنَةً) فِيهِ إِبْهَامُ مَا عَلَى الْمَارِّ مِنَ الْإِثْمِ زَجْرًا لَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَزَّارِ بِلَفْظِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّارِ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُرُورِ فَإِنَّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ النَّهْيَ الْأَكِيدَ وَالْوَعِيدَ الشَّدِيدَ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ بن ماجه (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال وَالَّذِي يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الرَّجُلِ وَهُوَ يُصَلِّي عَمْدًا يَتَمَنَّى يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ شَجَرَةٌ يَابِسَةٌ قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَفِيهِ من أجد من مترجمه قَوْلُهُ (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ يَقِفَ مِائَةَ عَامٍ) أخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي بن ماجه وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ

باب ما جاء لا يقطع الصلاة شيء

أَبِي هُرَيْرَةَ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْخُطْوَةِ الَّتِي خَطَاهَا قَالَ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ إِطْلَاقَ الْأَرْبَعِينَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِ الْأَمْرِ لِخُصُوصِ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ وَجَنَحَ الطَّحَاوِيُّ إلى أن التقيد بِالْمِائَةِ وَقَعَ بَعْدَ التَّقْيِيدِ بِالْأَرْبَعِينَ زِيَادَةً فِي تَعْظِيمِ الْأَمْرِ عَلَى الْمَارِّ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَقَعَا مَعًا إِذِ الْمِائَةُ أَكْثَرُ مِنَ الْأَرْبَعِينَ وَالْمَقَامُ مَقَامُ زَجْرٍ وَتَخْوِيفٍ فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْمِائَةِ عَلَى الْأَرْبَعِينَ بَلِ الْمُنَاسِبُ أَنْ يَتَأَخَّرَ وَمُمَيِّزُ الْأَرْبَعِينَ إِنْ كَانَ هُوَ السَّنَةُ ثَبَتَ الْمُدَّعَى أَوْ مَا دُونَهَا فَمِنْ بَابِ الْأَوْلَى انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا الْمُرُورَ إِلَخْ) الْمُرَادُ مِنَ الْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ مَعْنَى الْكَرَاهَةِ عِنْدَ السَّلَفِ 37 - (بَاب مَا جَاءَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ [337]) وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ مَنْ قَالَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ مِنْ فِعْلِ غَيْرِ الْمُصَلِّي وَالْجُمْلَةُ الْمُتَرْجَمُ بِهَا أَوْرَدَهَا فِي الْبَابِ صَرِيحًا مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهَا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعَةً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَالِمٍ لَكِنَّ إِسْنَادَهَا ضَعِيفٌ وَوَرَدَتْ أَيْضًا مَرْفُوعَةً مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِي إِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعْفٌ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمَا نَحْوَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (كُنْتُ رَدِيفَ الْفَضْلِ) هُوَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ الْهَاشِمِيُّ هُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتُشْهِدَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ (عَلَى أَتَانٍ) بفتح الهمزة وشذ كسرها كما حكاه الصغاني هِيَ الْأُنْثَى مِنَ الْحَمِيرِ وَرُبَّمَا قَالُوا لِلْأُنْثَى أَتَانَةٌ حَكَاهُ يُونُسُ وَأَنْكَرَ غَيْرُهُ (فَجِئْنَا

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى) زَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ إِلَى غَيْرِ جدار قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَدْ نَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أن المراد بقول بن عَبَّاسٍ إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبَزَّارِ بِلَفْظِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ لَيْسَ شَيْءٌ يَسْتُرُهُ لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ الْإِمَامُ سُتْرَةٌ لِمَنْ خَلْفَهُ وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ هناك سترة قال الشيخ بن حَجَرٍ يَعْنِي الْعَسْقَلَانِيَّ كَأَنَّ الْبُخَارِيَّ حَمَلَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمَأْلُوفِ الْمَعْرُوفِ مِنْ عَادَتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي الْفَضَاءِ إِلَّا وَالْعَنَزَةُ أَمَامَهُ كَذَا ذَكَرَهُ مَيْرَكُ وَفِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ قَالَ الْمُظْهِرُ قَوْلُهُ إِلَى غَيْرِ جِدَارِ أَيْ إِلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ وَالْغَرَضُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرُورَ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ انْتَهَى كَلَامُهُ فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُهُ إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ لَا يَنْفِي شَيْئًا غَيْرَهُ فكيف فسره بالسترة قلت إخبار بن عَبَّاسٍ عَنْ مُرُورِهِ بِالْقَوْمِ وَعَنْ عَدَمِ جِدَارٍ مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ وَأَنَّهُ مَظِنَّةُ إِنْكَارٍ يَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ أَمْرٍ لَمْ يُعْهَدْ قيل ذَلِكَ مِنْ كَوْنِ الْمُرُورِ مَعَ عَدَمِ السُّتْرَةِ غَيْرَ مُنْكَرٍ فَلَوْ فَرَضَ سُتْرَةً أُخْرَى لَمْ يكن لهذا الاخبار فائدة انتهى قال القارىء يُمْكِنُ إِفَادَتُهُ أَنَّ سُتْرَةَ الْإِمَامِ سُتْرَةُ الْقَوْمِ كَمَا فَهِمَ الْبُخَارِيُّ (فَنَزَلْنَا عَنْهَا) أَيْ عَنِ الْأَتَانِ (فَوَصَلْنَا الصَّفَّ فَمَرَّتْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَمْ تَقْطَعْ صَلَاتَهُمْ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مُرُورَ الْحِمَارِ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ فَيَكُونُ نَاسِخًا لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي كَوْنِ الْحِمَارِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَكَذَا مُرُورُ الْمَرْأَةِ وَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ قُلْتُ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ فَتَفَكَّرْ وَقَدْ أَوْضَحَهُ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عائشة والفضل بن عباس وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ كَاعْتِرَاضِ الْجِنَازَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ لَنَا وَمَعَهُ عَبَّاسٌ فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ وَحِمَارَةٌ لَنَا وَكَلْبَةٌ تَعِيثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا بَالَى بِذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ نَحْوَهُ وَفِي إِسْنَادِهِ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ حَدِيثًا مَقْرُونًا بِجَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الشَّعْبِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالُوا لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ وَادْرَأْ مَا أستطعت وفيه إبراهيم بن يزيد الخوذي وهو ضعيف قال

باب ما جاء أنه لا يقطع الصلاة إلا الكلب والحمار

العراقي والصحيح عن بن عُمَرَ مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ مِمَّا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيِ الْمُصَلِّي قَوْلُهُ (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِنَحْوِهِ لَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمَا فَمَرَّتْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَمْ تَقْطَعْ صَلَاتَهُمْ قَوْلُهُ (قَالُوا لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ وَالشَّافِعِيُّ) وَبِهِ يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ لَا يَقْطَعُ الصلاة شيء روى عن بن عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَجَابِرٍ وَبِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمَا نَحْوَ ذَلِكَ مَوْقُوفًا كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ 38 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إِلَّا الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ) وَالْمَرْأَةُ [338] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ) بِالتَّصْغِيرِ هُوَ بن بَشِيرٍ بِوَزْنِ عَظِيمِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ السُّلَمِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ بْنُ أَبِي حَازِمٍ الْوَاسِطِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ أَخْبَرَنَا (يُونُسُ وَمَنْصُورُ بن زاذان) يونس هذا هو بن عُبَيْدِ بْنِ دِينَارٍ الْعَبْدِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ وَخَلْقٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَاضِلٌ وَرِعٌ وَمَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ بِالزَّايِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْوَاسِطِيُّ أَبُو الْمُغِيرَةِ الثَّقَفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ) الْعَدَوِيِّ الْبَصْرِيِّ ثقة عالم توقف فيه بن سِيرِينَ لِدُخُولِهِ عَمَلَ السُّلْطَانِ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ) الْغِفَارِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ) الْغِفَارِيَّ الصَّحَابِيَّ الْمَشْهُورَ اسْمُهُ جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ عَلَى الْأَصَحِّ تَقَدَّمَ إِسْلَامُهُ وَتَأَخَّرَ هِجْرَتُهُ فَلَمْ يَشْهَدْ بدرا

وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ جِدًّا قَوْلُهُ وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ كَآخِرَةِ الرَّحْلِ بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْخَشَبَةُ الَّتِي يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا الرَّاكِبُ مِنْ كَوْرِ الْبَعِيرِ أَوْ كَوَاسِطَةِ الرَّحْلِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَاسِطَةُ الْكَوْرِ وَوَاسِطُهُ مُقَدَّمُهُ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ وَاسِط الكور بيش بالان قَالَ الْعِرَاقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا وَسَطُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا مُقَدَّمُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذلك جميعا ويحتمل أن شَكٌّ مِنْ بَعْضِ رُوَاةِ إِسْنَادِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ ذِكْرَ وَاسِطَةِ الرَّحْلِ انْفَرَدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ انْتَهَى قَطَعَ صَلَاتَهُ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقْطَعُ هَؤُلَاءِ الصَّلَاةَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقْطَعُهَا الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَفِي قَلْبِي مِنَ الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَوَجْهُ قَوْلِهِ إِنَّ الْكَلْبَ لَمْ يجيء فِي التَّرْخِيصِ فِيهِ شَيْءٌ يُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَفِيهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَعْنِي الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ وَفِي الْحِمَارِ حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَجُمْهُورٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِمُرُورِ شَيْءٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ نَقْصُ الصَّلَاةِ لِشُغُلِ الْقَلْبِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إِبْطَالَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي نَسْخَهُ بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ المرء شيء وادرأوا مَا اسْتَطَعْتُمْ وَهَذَا غَيْرُ مَرَضِيٍّ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَتَأْوِيلِهَا وَعَلِمْنَا التَّارِيخَ وَلَيْسَ هُنَا تَارِيخٌ وَلَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَالتَّأْوِيلُ بَلْ يُتَأَوَّلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ أَنَّ حَدِيثَ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمَرْءِ شَيْءٌ ضَعِيفٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَالْحَكَمِ الْغِفَارِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وأدرأوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَكَمِ الْغِفَارِيِّ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلَ مُؤَخِّرَةِ

الرَّحْلِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المغفل أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ قَالَ الشوكاني رواه بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ جَمِيلِ بْنِ الْحَسَنِ وَفِيهِ ضعف وبقية رجاله ثقات وعن بن عباس أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَلَمْ يَقُلْ أَبُو دَاوُدَ الْأَسْوَدُ وَقَدْ روى موقوفا عن بن عباس وعن بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ آخَرُ مَرْفُوعٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَزَادَ فِيهِ الْخِنْزِيرَ وَالْيَهُودِيَّ وَالْمَجُوسِيَّ وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ ذِكْرَ الْخِنْزِيرِ وَالْمَجُوسِيِّ فِيهِ نَكَارَةٌ قَالَ وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَأَحْسَبُهُ وَهْمٌ لِأَنَّهُ كَانَ حَدَّثَنَا مِنْ حِفْظِهِ انْتَهَى وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ أَعْلَى الْوَادِي يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ قَدْ قَامَ وَقُمْنَا إِذْ خَرَجَ عَلَيْنَا حِمَارٌ مِنْ شِعْبٍ فَأَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُكَبِّرْ وَأَجْرَى إِلَيْهِ يَعْقُوبُ بْنُ زَمْعَةَ حَتَّى رَدَّهُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ إِلَّا الْحِمَارُ وَالْكَافِرُ وَالْكَلْبُ والمرأة لقد قرنا بدواب سوء قال الْعِرَاقِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَيْهِ قَالُوا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ قَالَ أَحْمَدُ الَّذِي لَا أَشُكُّ فِيهِ أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَفِي نَفْسِي مِنَ الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ شَيْءٌ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ أَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلْبَ وَالْمَرْأَةَ وَالْحِمَارَ تَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَالْمُرَادُ بِقَطْعِ الصَّلَاةِ إِبْطَالُهَا وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو هريرة وأنس وبن عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ أبي ذر وبن عمر وجاء عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ بِهِ فِي الْكَلْبِ وَقَالَ بِهِ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ فِي الْحِمَارِ وَمِمَّنْ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ بِقَطْعِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ الحسن البصري وأبو الأحوص صاحب بن مَسْعُودٍ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي ما حكاه عنه بن حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ يُخَصِّصُهُ بِالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَيَتَوَقَّفُ فِي الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ

باب ما جاء في الصلاة في الثوب الواحد

قال بن دقيق العيد وهو أجود مما دل عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَثْرَمِ مِنْ جَزْمِ الْقَوْلِ عَنْ أَحْمَدَ بِأَنَّهُ لَا يَقْطَعُ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ أَيْضًا إِلَى قَطْعِ الصَّلَاةِ بِالثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ إِذَا كَانَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ بَيْنَ يَدَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ مَارًّا أَمْ غَيْرَ مَارٍّ وَصَغِيرًا أَمْ كَبِيرًا حَيًّا أَمْ مَيِّتًا وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّجُلِ مَارَّةً أَمْ غَيْرَ مَارَّةٍ صَغِيرَةً أَمْ كَبِيرَةً إِلَّا أَنْ تَكُونَ مُضْطَجِعَةً مُعْتَرِضَةً وَذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَقْطَعُ الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض بن عَبَّاسٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَاسْتَدَلَّا بِالْحَدِيثِ السابق عند أبي داود وبن مَاجَهْ يَعْنِي الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي مَا تَقَدَّمَ وَلَا عُذْرَ لِمَنْ يَقُولُ بِحَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ مِنْ ذَلِكَ وَهُمُ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا مَنْ يَعْمَلُ بِالْمُطْلَقِ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ فَلَا يلزمهم ذلك وقال بن الْعَرَبِيِّ إِنَّهُ لَا حُجَّةَ لِمَنْ قَيَّدَ بِالْحَائِضِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ قَالَ وَلَيْسَتْ حَيْضَةُ الْمَرْأَةِ فِي يَدِهَا وَلَا بَطْنِهَا وَلَا رِجْلِهَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِنْ أَرَادَ بِضَعْفِهِ ضَعْفَ رُوَاتِهِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ جَمِيعَهُمْ ثِقَاتٌ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ كون الأكثرين وقفوه على بن عَبَّاسٍ فَقَدْ رَفَعَهُ شُعْبَةُ وَرَفْعُ الثِّقَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى وَقْفِ مَنْ وَقَفَهُ وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فِي الْأُصُولِ وَعُلُومِ الْحَدِيثِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالَ إِسْحَاقُ لَا يَقْطَعُهَا شَيْءٌ إلا الكلب الأسود) وحكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ أَخْرَجَ الْحِمَارَ وَحَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَ الْمَرْأَةَ بِلَفْظِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي حُجْرَتِهَا فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عُمَرُ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَرَجَعَ فَمَرَّتِ ابْنَةُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَمَضَتْ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال هن أغلب رواه أحمد وبن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ وَهُوَ قَيْسٌ الْمَدَنِيُّ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ الْمَرْأَةَ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْأَسْوَدِ أَخْرَجَ مَا عَدَاهُ مِنَ الْكِلَابِ قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِحَدِيثِ بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ عَلَى إِخْرَاجِ الْحِمَارِ وَبِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ عَلَى إِخْرَاجِ الْمَرْأَةِ كَلَامٌ فَتَفَكَّرْ وَقَدْ ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ 39 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ [339]) قَوْلُهُ (مُشْتَمِلًا فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) زَادَ الشَّيْخَانِ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَالْعَاتِقُ مَا بَيْنَ

الْمَنْكِبِ إِلَى أَصْلِ الْعُنُقِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الِاشْتِمَالُ التَّوَشُّحُ وَالْمُخَالَفَةُ بَيْنَ طَرَفَيِ الثَّوْبِ بِأَنْ يَأْخُذَ الَّذِي أَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَيَأْخُذَ طَرَفَهُ الَّذِي أَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ مِنْ تَحْتِ يَدِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ يَعْقِدُهُمَا عَلَى صَدْرِهِ يَعْنِي لِئَلَّا يَكُونَ سَدْلًا وكذا قال بن السكيت وقال بن بَطَّالٍ فَائِدَةٌ الِالْتِحَافُ الْمَذْكُورُ أَنْ لَا يَنْظُرَ الْمُصَلِّي إِلَى عَوْرَةِ نَفْسِهِ إِذَا رَكَعَ وَلِئَلَّا يَسْقُطَ الثَّوْبُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةُ وَجَابِرٍ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَأَنَسٍ وَعَمْرِو بْنِ أَبِي أَسِيدٍ وَأَبِي سعيد الخدري وكيسان وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ هَانِئٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْأَنْصَارِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْهُ بِلَفْظِ لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ يَا جَابِرُ إِذَا كَانَ وَاسِعًا فَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ وَإِذَا كَانَ ضَيِّقًا فَاشْدُدْهُ عَلَى حَقْوَيْكَ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أَبِي أَسِيدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ كَيْسَانَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فِي ثوب واحد متلببابه وأما حديث بن عباس فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي الْمُتَّفَقِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ هانئ وعمار بن ياسر فأخرجه بن عَسَاكِرَ بِلَفْظِ قَالَ أَمَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا به

وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرزاق وبن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا تَرَى فِي الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَأَطْلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم إزاراه فطارت به رداءه ثُمَّ اشْتَمَلَ بِهِمَا فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ أَكُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصامت الأنصاري أخرجه بن عَسَاكِرَ بِلَفْظِ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ قَطِيفَةٌ رُومِيَّةٌ قَدْ عَقَدَهَا عَلَى عُنُقِهِ ثُمَّ صَلَّى بِنَا مَا عَلَيْهِ غَيْرُهَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي ثَوْبَيْنِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَانَ الْخِلَافُ فِي مَنْعِ جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الواحد قديما روى بن أبي شيبة عن بن مَسْعُودٍ قَالَ لَا تُصَلِّيَنَّ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وإن كان واسع ما بين السماء والأرض ونسب بن بَطَّالٍ ذَلِكَ لِابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى الْجَوَازِ انْتَهَى فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ جَائِزَةٌ لَكِنَّهَا فِي الثَّوْبَيْنِ أَفْضَلُ عِنْدَ وُجُودِهِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ أو كلكم يَجِدُ ثَوْبَيْنِ ثُمَّ سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ فَقَالَ إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ فَأَوْسِعُوا جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ صَلَّى رَجُلٌ فِي إِزَارٍ وَقَمِيصٍ فِي إِزَارٍ وَقَبَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَرِدَاءٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ فِي سَرَاوِيلَ وَقَبَاءٍ الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ جَمَعَ رَجُلٌ هُوَ بَقِيَّةُ قَوْلِ عُمَرَ وَأَوْرَدَهُ بصيغة الخبر ومراده الأمر قال بن بَطَّالٍ يَعْنِي لِيَجْمَعْ وَيُصَلِّي انْتَهَى قَالَ وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الثَّوْبَيْنِ أَفْضَلُ مِنَ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ انْتَهَى قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي مَنْ صَلَّى فِي سَرَاوِيلَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الثِّيَابِ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُعِيدُ فِي الْوَقْتِ وَلَا فِي غَيْرِهِ وعن بن الْقَاسِمِ مِثْلُهُ وَعَنْ أَشْهَبَ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فِي الْوَقْتِ وَعَنْهُ أَنَّ صَلَاتَهُ تَامَّةٌ إِنْ كَانَ ضَيِّقًا وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن يُصَلِّيَ فِي لِحَافٍ وَلَا يُوَشَّحَ بِهِ وَالْآخَرُ أَنْ تُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ لَيْسَ عَلَيْكَ رِدَاءٌ وَبِظَاهِرِهِ أَخَذَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَقَالَ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إِذَا سَتَرَ عَوْرَتَهُ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ

باب ما جاء في ابتداء القبلة

140 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ابْتِدَاءِ الْقِبْلَةِ [340]) قَوْلُهُ (يجب أَنْ يُوَجَّهَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مَبْنِيًّا للمفعول أي يجب أَنْ يُؤْمَرَ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ إِبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السماء أَيْ تَرَدُّدَ وَجْهِكَ فِي جِهَةِ السَّمَاءِ مُتَطَلِّعًا لِلْوَحْيِ قَوْلُهُ (فَصَلَّى رَجُلٌ مَعَهُ الْعَصْرَ) هُوَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ وَقِيلَ عَبَّادُ بْنُ نَهِيكٍ قَوْلُهُ (وَهُمْ رُكُوعٌ) جَمْعُ رَاكِعٍ (فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ تَوِيلَةَ بِنْتِ أَسْلَمَ صَلَّيْتُ الظُّهْرَ أَوِ الْعَصْرَ فِي مَسْجِدِ بَنِي حَارِثَةَ فَاسْتَقْبَلْنَا مَسْجِدَ إِيلِيَاءَ فَصَلَّيْنَا سَجْدَتَيْنِ أَيْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَاءَنَا مَنْ يُخْبِرُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِ اسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ (فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (هُوَ يُشْهِدُ) يَعْنِي بِذَلِكَ نَفْسَهُ وَهُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّجْرِيدِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَشْهَدُ بِاللَّهِ (فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ) بِأَنْ تَحَوَّلَ الْإِمَامُ مِنْ مُقَدِّمِ الْمَسْجِدِ إِلَى مُؤَخِّرِهِ ثُمَّ تَحَوَّلَتِ الرِّجَالُ حَتَّى صَارُوا خَلْفَهُ وَتَحَوَّلَتِ النِّسَاءُ حَتَّى صِرْنَ خَلْفَ الرِّجَالِ وَقَدْ وَقَعَ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ الِانْحِرَافِ وَالتَّحَوُّلِ فِي خَبَرِ تَوِيلَةَ قَالَتْ فَتَحَوَّلَ النِّسَاءُ مَكَانَ الرِّجَالِ وَالرِّجَالُ مَكَانَ النِّسَاءِ قَالَ الْحَافِظُ وَتَصْوِيرُهُ أَنَّ الْإِمَامَ تحول

مِنْ مَكَانِهِ فِي مُقَدِّمِ الْمَسْجِدِ إِلَى مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ مَنِ اسْتَقْبَلَ الْكَعْبَةَ اسْتَدْبَرَ بَيْتَ المقدس وهو لودار فِي مَكَانِهِ لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ مَكَانٌ يَسَعُ الصُّفُوفَ وَلَمَّا تَحَوَّلَ الْإِمَامُ تَحَوَّلَتِ الرِّجَالُ حَتَّى صَارُوا خَلْفَهُ وَتَحَوَّلَتِ النِّسَاءُ حَتَّى صِرْنَ خَلْفَ الرِّجَالِ وَهَذَا يَسْتَدْعِي عَمَلًا كَثِيرًا فِي الصَّلَاةِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ كَمَا كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اغْتُفِرَ الْعَمَلُ الْمَذْكُورُ مِنْ أَجْلِ الْمَصْلَحَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ وَقَعَتِ الْخُطُوَاتُ غَيْرَ مُتَوَالِيَةٍ عِنْدَ التَّحَوُّلِ بَلْ مُفَرَّقَةً انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعُمَارَةَ بْنِ أَوْسٍ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المزني وأنس) أما حديث بن عمر فأخرجه الشيخان وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَارَةَ بن أوس فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ المزني وأنس فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ [341] قَوْلُهُ (عن بن عُمَرَ قَالَ كَانُوا رُكُوعًا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ) أخرج الشيخان عن بن عمر قال بينما الناس بقبا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إِلَى الْكَعْبَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ اخْتِلَافِ الرِّوَايَةِ فِي الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ أَنَّ الْأَمْرَ بَلَغَ إِلَى قَوْمٍ فِي الْعَصْرِ وَبَلَغَ إِلَى أهل قبا فِي الصُّبْحِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ هَذَا لَا يُخَالِفُ حَدِيثَ الْبَرَاءِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُمْ كَانُوا في صلاة الصبح لِأَنَّ الْخَبَرَ وَصَلَ وَقْتَ الْعَصْرِ إِلَى مَنْ هُوَ دَاخِلَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو حَارِثَةَ وَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَوَصَلَ الْخَبَرُ وَقْتَ الصُّبْحِ إِلَى مَنْ هُوَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَهُمْ بَنُو عمرو بن عوف وذلك في حديث بن عمر انتهى

باب ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب قبلة

قلت ها هنا اخْتِلَافٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَصَلَّى رَجُلٌ مَعَهُ الْعَصْرَ وَفِي حَدِيثِ عُمَارَةَ بْنِ أَوْسٍ أَنَّ الَّتِي صَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْكَعْبَةِ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ وَهَكَذَا فِي حَدِيثِ عُمَارَةَ بْنِ روبية وَحَدِيثِ تَوِيلَةَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى أَنَّهَا الظُّهْرُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ مَنْ قَالَ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ شَكَّ هَلْ هِيَ الظُّهْرُ أَوِ الْعَصْرُ وَلَيْسَ مَنْ شك حجة على من جزم فنظرنا مَنْ جَزَمَ فَوَجَدْنَا بَعْضَهُمْ قَالَ الظُّهْرُ وَبَعْضَهُمْ قَالَ الْعَصْرُ وَوَجَدْنَا رِوَايَةَ الْعَصْرِ أَصَحَّ لِثِقَةِ رِجَالِهَا وَإِخْرَاجِ الْبُخَارِيِّ لَهَا فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ كَوْنِهَا الظُّهْرَ فَفِي إِسْنَادِهَا مَرْوَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَنَّ أهل قبا كانوا في صلاة الصبح فيمكن أن أَبْطَأَ الْخَبَرَ عَنْهُمْ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ كَذَا فِي النَّيْلِ 41 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ [342]) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ) السِّنْدِيُّ بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِ النُّونِ وَاسْمُ أَبِي مَعْشَرٍ نَجِيحٌ صَدُوقٌ قَالَهُ في التقريب وقال في الخلاصة روى عن أَبِيهِ وَعَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَثَّقَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ قال بن قَانِعٍ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَقَالَ ابْنُهُ دَاوُدُ سَنَةَ سَبْعٍ (أَخْبَرَنَا أَبِي) أَيْ نَجِيحٌ أَبُو مَعْشَرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ (عن أبي سلمة) هو بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ قيل اسمه عبد الله وقيل إسماعيل ثقة مُكْثِرٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ قَالَ السُّيُوطِيُّ لَيْسَ هَذَا عَامًّا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ الْمُرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَنْ كَانَتْ قِبْلَتُهُ عَلَى سَمْتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الْعِرَاقِيُّ لَيْسَ هَذَا عَامًّا فِي سَائِرِ الْبِلَادِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَمَا وَافَقَ قِبْلَتَهَا وَهَكَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الخلافيات وهكذا قال أحمد بن خالويه الرهبي قَالَ وَلِسَائِرِ الْبُلْدَانِ مِنَ السَّعَةِ فِي الْقِبْلَةِ مِثْلُ ذَلِكَ بَيْنَ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ وَنَحْوُ ذَلِكَ قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا صَحِيحٌ لَا مَدْفَعَ لَهُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ وَقَالَ الْأَثْرَمُ سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ مَعْنَى

الْحَدِيثِ فَقَالَ هَذَا فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ إِلَّا بِمَكَّةَ عِنْدَ الْبَيْتِ فَإِنَّهُ إِنْ زَالَ عَنْهُ شَيْئًا وَإِنْ قَلَّ فَقَدْ تَرَكَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ قَالَ هَذَا الْمَشْرِقُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَهَذَا الْمَغْرِبُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ وَمَا بَيْنَهُمَا قِبْلَةٌ قُلْتُ لَهُ فَصَلَاةُ مَنْ صَلَّى بَيْنَهُمَا جَائِزَةٌ قَالَ نَعَمْ وينبغي أن يتحرى الوسط قال بن عَبْدِ الْبَرِّ تَفْسِيرُ قَوْلِ أَحْمَدَ هَذَا فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ يُرِيدُ أَنَّ الْبُلْدَانَ كُلَّهَا لِأَهْلِهَا فِي قِبْلَتِهِمْ مِثْلُ مَا كَانَتْ قِبْلَتُهُمْ بِالْمَدِينَةِ الْجَنُوبَ الَّتِي يَقَعُ لَهُمْ فِيهَا الْكَعْبَةُ فَيَسْتَقْبِلُونَ جهتها ويتسعون يمينا وشمالا فيها مابين الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ يَجْعَلُونَ الْمَغْرِبَ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَالْمَشْرِقَ عَنْ يَسَارِهِمْ وَكَذَلِكَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ مِنَ السَّعَةِ فِي قِبْلَتِهِمْ مِثْلُ مَا لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ إِذَا تَوَجَّهُوا أَيْضًا قِبَلَ الْقِبْلَةِ إِلَّا أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْمَشْرِقَ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَالْمَغْرِبَ عَنْ يَسَارِهِمْ وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ لَهُمْ مِنَ السَّعَةِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ مَا بَيْنَ الْجَنُوبِ وَالشَّمَالِ مِثْلُ مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فِيمَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَكَذَلِكَ ضِدُّ الْعِرَاقِ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ أَيْضًا وَإِنَّمَا تَضِيقُ الْقِبْلَةُ كُلَّ الضِّيقِ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهِيَ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَوْسَعُ قَلِيلًا ثُمَّ هِيَ لِأَهْلِ الْحَرَمِ أَوْسَعُ قَلِيلًا ثُمَّ هِيَ لِأَهْلِ الْآفَاقِ مِنَ السَّعَةِ عَلَى حَسَبِ مَا ذَكَرْنَا انْتَهَى [343] قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ) يَعْنِي مِنْ أَسَانِيدَ متعددة والحديث أخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَبِي مَعْشَرٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَاسْمُهُ نَجِيحٌ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ نَجِيحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّنْدِيُّ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ الْمَدَنِيُّ أَبُو مَعْشَرٍ وَهُوَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ أَسَنَّ وَاخْتَلَطَ (قَالَ مُحَمَّدٌ لَا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا) مُحَمَّدٌ هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي مَعْشَرٍ نَجِيحٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْخَفِيفَةِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ قَالَ الْحَافِظُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَخْنَسِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ

وثقه بن معين وقال بن المديني روى عن بن الْمُسَيَّبِ مَنَاكِيرَ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَخَالَفَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنْ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فَنَظَرْنَا فِي الْإِسْنَادِ فَوَجَدْنَا عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ بْنِ شُرَيْقٍ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ وقد اختلف فيه فقال بن المديني إنه روى أحاديث مناكير ووثقه بن معين وبن حِبَّانَ فَكَانَ الصَّوَابُ مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ بن تيمية في الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا وَتَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ مَا لَفْظُهُ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا يُعَضِّدُ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (منهم عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) رَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ إِذَا تَوَجَّهَ قِبَلَ الْبَيْتِ (وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ) أخرج قوله بن أبي شيبة (وقال بن عُمَرَ إِذَا جَعَلْتَ الْمَغْرِبَ عَنْ يَمِينِكَ وَالْمَشْرِقَ عَنْ يَسَارِكَ فَمَا بَيْنَهُمَا قِبْلَةٌ) فَإِنَّ مَكَّةَ عَلَى جِهَةِ الْجَنُوبِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَهَذَا لِأَهْلِ المدينة وقول بن عمر هذا أخرجه البيهقي (وقال بن الْمُبَارَكِ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ هَذَا لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدْ يستشكل قول بن الْمُبَارَكِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَنْ فِي الْمَشْرِقِ إِنَّمَا يَكُونُ قِبْلَتُهُ الْمَغْرِبَ فَإِنَّ مَكَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْمَشْرِقِ الْبِلَادَ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْمَشْرِقِ كَالْعِرَاقِ مَثَلًا فَإِنَّ قِبْلَتَهُمْ أَيْضًا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَقَدْ وَرَدَ مُقَيَّدًا بِذَلِكَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْمَشْرِقِ قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وروى بن أبي شيبة عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا جَعَلْتَ الْمَغْرِبَ عَنْ يَمِينِكَ وَالْمَشْرِقَ عَنْ يَسَارِكَ فَمَا بَيْنَهُمَا قِبْلَةٌ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ

باب ما جاء في الرجل يصلي لغير القبلة في الغيم

يُرِيدُ مَا بَيْنَ مَشْرِقِ الشَّمْسِ فِي الشِّتَاءِ وَهُوَ مَطْلَعُ قَلْبِ الْعَقْرَبِ وَمَغْرِبِ الصَّيْفِ وَهُوَ مَغْرِبُ السِّمَاكِ الرَّامِحِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا قِبْلَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهَا وَاقِعَةٌ بَيْنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ وَهِيَ إِلَى الطَّرَفِ الْغَرْبِيِّ أَمْيَلُ انْتَهَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا (وَاخْتَارَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ التَّيَاسُرَ لِأَهْلِ مَرْوَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ المرو بَلَدٌ بِفَارِسَ انْتَهَى وَقَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدٌ طَاهِرٌ فِي الْمُغْنِي مَدِينَةٌ بِخُرَاسَانَ انْتَهَى وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ مَرْوُ شهرى ست ازخراسان سروزي مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَهُمْ مَرَاوِزَةٌ انْتَهَى وَالتَّيَاسُرُ ضِدُّ التَّيَامُنِ وَالْأَخْذُ فِي جِهَةِ الْيَسَارِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ قَالَ الْمُظْهِرُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبَابِ يَعْنِي مَنْ جَعَلَ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ أَوَّلَ الْمَغَارِبِ وَهُوَ مَغْرِبُ الصَّيْفِ عَنْ يَمِينِهِ وَآخِرَ الْمَشَارِقِ وَهُوَ مَشْرِقُ الشِّتَاءِ عَنْ يَسَارِهِ كَانَ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْمَشْرِقِ أَهْلُ الْكُوفَةِ وَبَغْدَادَ وَخُوزِسْتَانَ وَفَارِسَ وَعِرَاقٍ وَخُرَاسَانَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْبِلَادِ انْتَهَى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ 42 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فِي الْغَيْمِ [345]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَشْعَثُ بْنُ سَعِيدٍ السَّمَّانُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَتْرُوكٌ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَمِّ أبيه عبد الله بن عمر وبن عَمِّهِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَغَيْرِهِمْ وَرَوَى عَنْهُ مَالِكٌ حَدِيثًا وَاحِدًا وَشُعْبَةُ وَالسُّفْيَانَانِ وَأَشْعَثُ بْنُ سَعِيدٍ السَّمَّانُ وَغَيْرُهُمْ ضَعِيفٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) الْعَنَزِيِّ حَلِيفِ بَنِي عَدِيٍّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيِّ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعِجْلِيُّ مَدَنِيٌّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ (عَنْ أَبِيهِ) عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْعَنَزِيِّ كَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا

قَوْلُهُ (عَلَى حِيَالِهِ) أَيْ فِي جِهَتِهِ وَتِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَالْحِيَالُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْخَفِيفَةِ قُبَالَةُ الشَّيْءِ وَقَعَدَ حِيَالَهُ وَبِحِيَالِهِ أَيْ بِإِزَائِهِ وقَوْلُهُ (لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ) أَيْ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ السَّمَّانِ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ تَابَعَهُ عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ بن الْمُلَقَّبُ بِسَنْدَلٍ عَنْ عَاصِمٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ قَالَ إِلَّا عُمَرَ بْنَ قَيْسٍ مُشَارِكٌ لِأَشْعَثَ فِي الضَّعْفِ بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ أَسْوَأَ حَالًا مِنْهُ فَلَا عِبْرَةَ حِينَئِذٍ بِمُتَابَعَتِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِيُسْتَفَادَ انْتَهَى كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قُلْتُ يُؤَيِّدُ حَدِيثَ الْبَابِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ فِي سَفَرٍ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّيْنَا إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ قَالَ قَدْ رُفِعَتْ صَلَاتُكُمْ بِحَقِّهَا إِلَى اللَّهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ بَعْدَ ذكره وفيه أبو عيلة وقد وثقه بن حِبَّانَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَأَشْعَثُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو الرَّبِيعِ السَّمَّانُ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ أَحْمَدُ مضطرب الحديث ليس بذالك وقال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ س لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ وَقَالَ هِشَامٌ كَانَ يَكْذِبُ وَقَالَ خ لَيْسَ بِالْحَافِظِ عِنْدَهُمْ سَمِعَ مِنْهُ وَكِيعٌ وَلَيْسَ بِمَتْرُوكٍ كَذَا فِي الْمِيزَانِ قوله (وبه يقول سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ وَبِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ فَقَالُوا وَمَنِ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ تَحَرَّى وَإِنْ أَخْطَأَ لَمْ يُعِدْ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْوَاجِبِ فِي حَقِّهِ وَهُوَ الصَّلَاةُ إِلَى جِهَةِ تَحَرِّيهِ انْتَهَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ وَاجِبٌ قَطْعًا وَحَدِيثُ السِّرِّيَّةِ فِيهِ ضَعْفٌ قَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ

باب ما جاء في كراهية ما يصلي إليه

الشَّافِعِيِّ مَا لَفْظُهُ الْأَظْهَرُ الْعَمَلُ بِخَبَرِ السِّرِّيَّةِ لِتَقَوِّيهِ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ وَحْدَهُ انْتَهَى 43 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ مَا يُصَلَّى إِلَيْهِ) وَفِيهِ [346] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْمُقْرِئُ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ أَوِ الْأَهْوَازِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَسَبْعِينَ سَنَةً وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ) الْغَافِقِيُّ الْمِصْرِيُّ أَبُو الْعَبَّاسِ عَالِمُ أَهْلِ مِصْرَ وَمُفْتِيهِمْ رَوَى عَنْ أَبِي نَبِيلٍ وَيَزِيدَ بن أبي حبيب وعنه المقرئ وخلف كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ (عَنْ زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْحَافِظُ مَتْرُوكٌ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ يُصَلَّى) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (فِي الْمَزْبَلَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَثْبِيتِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكَانُ الَّذِي يُلْقَى فِيهِ الزِّبْلُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الزِّبْلُ بِكَسْرِ الزَّايِ وَكَأَمِيرٍ السِّرْقِينُ وَالْمَزْبَلَةُ وَتُضَمُّ الْبَاءُ مَلْقَاهُ وَمَوْضِعُهُ (والمجزرة) بفتح الميم والزاي وبكسرها وهي الوضع الَّذِي يُنْحَرُ فِيهِ الْإِبِلُ وَيُذْبَحُ الْبَقَرُ وَالشَّاةُ نَهَى عَنْهَا لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ فِيهَا مِنَ الدِّمَاءِ وَالْأَرْوَاثِ (وَالْمَقْبُرَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَبْرُ مَدْفِنُ الْإِنْسَانِ وَالْمَقْبُرَةُ مُثَلَّثَةُ الْبَاءِ وَكَمِكْنَسَةٍ مَوْضِعُهَا انْتَهَى (وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ) الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيِ الطَّرِيقُ الَّتِي يَقْرَعُهَا النَّاسُ بِأَرْجُلِهِمْ أَيْ يَدُقُّونَهَا وَيَمُرُّونَ عَلَيْهَا وقيل هي وسطها أو أعلاها والمراد ها هنا نَفْسُ الطَّرِيقِ وَكَأَنَّ الْقَارِعَةَ بِمَعْنَى الْمَقْرُوعَةِ أَوِ الصِّيغَةُ لِلنِّسْبَةِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهَا لِاشْتِغَالِ الْقَلْبِ بِمُرُورِ النَّاسِ وَتَضْيِيقِ الْمَكَانِ عَلَيْهِمْ (وَفِي الْحَمَّامِ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ وَفِي الْمَقْبُرَةِ فِي بَابِ مَا جَاءَ أَنَّ الْأَرْضَ كُلَّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبُرَةَ وَالْحَمَّامَ (وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ) جَمْعُ مَعْطِنٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَهُوَ مَبْرَكُ الْإِبِلِ حَوْلَ الْمَاءِ وَيَجِيءُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَابِ الْآتِي (وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ) لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ ثَابِتَةٌ تَسْتُرُهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مصلى عَلَى الْبَيْتِ لَا إِلَى

الْبَيْتِ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى الصِّحَّةِ بِشَرْطِ أَنْ يستقبل من بناءها قَدْرَ ثُلْثَيْ ذِرَاعٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يشترط ذلك وكذا قال بن السُّرَيْجِ قَالَ لِأَنَّهُ كَمُسْتَقْبِلِ الْعَرْصَةِ لَوْ هُدِمَ الْبَيْتُ عِيَاذًا بِاللَّهِ كَذَا فِي النَّيْلِ [347] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَرْثَدٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا البخاري وبن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ لَا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا عَلَيْهَا وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ وَأَنَسٍ فَعِنْدَ بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ كَمَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (حديث بن عُمَرَ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ (وَقَدْ تُكُلِّمَ فِي زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى ضَعْفِ زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَالْأَزْدِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وقال بن عَدِيٍّ عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابِعُهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ انْتَهَى مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عن بن عمر عن عمر إلخ) أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي صَالِحٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ إِلَخْ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ مُسْنَدِ عُمَرَ والرواية المذكورة في الباب من مسند بن عُمَرَ وَالرِّوَايَتَانِ ضَعِيفَتَانِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ فِي سَنَدِ التِّرْمِذِيِّ زَيْدُ بْنُ جَبِيرَةَ وَهُوَ ضعيف جدا وفي سند بن مَاجَهْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ الْمَذْكُورُ فِي سَنَدِهِ ضَعِيفٌ أيضا انتهى قوله (وحديث بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَشْبَهُ وَأَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ) قِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ

من حديث الليث صفة لحديث بن عُمَرَ بِأَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ الَّذِي هُوَ أصح من حديث بن جَبِيرَةَ كَذَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ هَذَا خِلَافُ الظَّاهِرِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ تَفْضِيلِيَّةٌ وَالْمَعْنَى أن حديث بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الَّذِي مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ جَبِيرَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ نَافِعٍ أَصَحُّ وَأَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي أن حديث بن عُمَرَ أَحْسَنُ حَالًا وَأَقَلُّ ضَعْفًا مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ لِأَنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ كِلَيْهِمَا ضَعِيفَانِ وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ لَكِنَّ في كون حديث بن عُمَرَ أَصَحَّ وَأَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ نَظَرًا ظَاهِرًا بَلِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ وَلَعَلَّهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ قِيلَ إِنَّ قَوْلَهُ مِنْ حَدِيثِ اللَّيْثِ صِفَةٌ لحديث بن عُمَرَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ عَابِدٌ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ رَوَى عَنْ نَافِعٍ وَجَمَاعَةٍ رَوَى أَحْمَدُ بْنُ أبي مريم عن بن معين ليس به بأس يكتب حديثه وقال الدَّارِمِيُّ قُلْتُ لِابْنِ مَعِينٍ كَيْفَ حَالُهُ فِي نَافِعٍ قَالَ صَالِحٌ ثِقَةٌ وَقَالَ الْفَلَّاسُ كَانَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ صَالِحٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ ليس بالقوي وقال بن عَدِيٍّ فِي نَفْسِهِ صَدُوقٌ وَقَالَ أَحْمَدُ كَانَ عُبَيْدُ اللَّهِ رَجُلًا صَالِحًا كَانَ يُسْأَلُ عَنِ الْحَدِيثِ فِي حَيَاةِ أَخِيهِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَيَقُولُ أما وأبو عثمان حي فلا وقال بن المديني عبد الله ضعيف وقال بن حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاحُ وَالْعِبَادَةُ حَتَّى غَفَلَ عَنْ حِفْظِ الْأَخْبَارِ وَجَوْدَةِ الْحِفْظِ لِلْآثَارِ فَلَمَّا فَحُشَ خَطَؤُهُ اسْتَحَقَّ التَّرْكَ وَمَاتَ سَنَةَ 173 ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَةٍ انْتَهَى مَا فِي الْمِيزَانِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَذَكَرَ السَّبْعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حديث الباب وزاد الصلاة إلى المقبرة وإلى جدار مرحاض عليه نجاسة والكنيسة والبيعة وإلى التماثيل وفي دار العذاب وزاد العراقي والصلاة في الدار المغصوبة والصلاة إلى النائم والمتحدث والصلاة في بطن الوادي والصلاة في الأرض المغصوبة والصلاة في مسجد الضرار والصلاة إِلَى التَّنُّورِ فَصَارَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا وَدَلِيلُ الْمَنْعِ مِنَ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ أَمَّا السَّبْعَةُ الْأُوَلُ فَلِمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا الصَّلَاةُ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَلِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ وأما الصلاة إلى جدار مرحاض فلحديث بن عَبَّاسٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِلَفْظِ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ تِجَاهَهُ

باب ما جاء في الصلاة في مرابض الغنم وأعطان الابل

حش أخرجه بن عَدِيٍّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَلَمْ يَصِحَّ إِسْنَادُهُ وَرَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو أنه قال لا يصلي في الْحَشِّ وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ لَا يُصَلِّي تِجَاهَ حَشٍّ وَفِي كَرَاهَةِ اسْتِقْبَالِهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ وأما الكنيسة والبيعة فروى بن أبي شيبة في المصنف عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ الصَّلَاةَ فِي الْكَنِيسَةِ إِذَا كَانَ فِيهَا تَصَاوِيرُ وَقَدْ رُوِيَتِ الْكَرَاهَةُ عَنِ الْحَسَنِ وَلَمْ يَرَ الشَّعْبِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ بِالصَّلَاةِ فِي الْكَنِيسَةِ وَالْبِيعَةِ بَأْسًا وَلَمْ ير بن سِيرِينَ بِالصَّلَاةِ فِي الْكَنِيسَةِ بَأْسًا وَصَلَّى أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي كَنِيسَةٍ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْكَرَاهَةِ اتِّخَاذُهُمْ لِقُبُورِ أَنْبِيَائِهِمْ وَصُلَحَائِهِمْ مَسَاجِدَ لِأَنَّهَا تُصَيِّرُ جَمِيعَ الْبِيَعِ وَالْمَسَاجِدِ مظنة لذلك وأماالصلاة إِلَى التَّمَاثِيلِ فَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ لَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزِيلِي عَنِّي قِرَامَكِ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ لِي فِي صَلَاتِي وَكَانَ لَهَا سِتْرٌ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي دَارِ الْعَذَابِ فَلِمَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ نَهَانِي حِبِّي أَنْ أُصَلِّيَ فِي أَرْضِ بَابِلَ لِأَنَّهَا مَلْعُونَةٌ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَأَمَّا إِلَى النائم والمتحدث فهو في حديث بن عباس عند أبي داود وبن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَمْ يُسَمَّ وَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ فَلِمَا فِيهَا مِنِ اسْتِعْمَالِ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ في مسجد الضرار فقال بن حزم إنه لا يجزئ أَحَدًا الصَّلَاةُ فِيهِ لِقِصَّةِ مَسْجِدِ الضِّرَارِ وَقَوْلُهُ (لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا) فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ صَلَاةٍ وَأَمَّا الصَّلَاةُ إِلَى التَّنُّورِ فَكَرِهَهَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَقَالَ بَيْتُ نَارٍ رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ مَوَاطِنَ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ أَوْ فِي أَكْثَرِهَا تَمَسَّكُوا فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي صَحَّتْ أَحَادِيثُهَا بِأَحَادِيثَ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ وَنَحْوِهَا وَجَعَلُوهَا قَرِينَةً قَاضِيَةً بِصِحَّةِ تَأْوِيلِ الْقَاضِيَةِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَقَدْ عَرَّفْنَاكَ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَنِ الْمَقْبُرَةِ وَالْحَمَّامِ وَنَحْوِهِمَا خَاصَّةٌ فَتُبْنَى الْعَامَّةُ عَلَيْهَا وَتَمَسَّكُوا فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي لَمْ تَصِحَّ أَحَادِيثُهَا بِالْقَدْحِ فِيهَا لِعَدَمِ التَّعَبُّدِ بِمَا لَمْ يَصِحَّ وَكِفَايَةُ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ يَنْقُلُ عَنْهَا لَا سِيَّمَا بَعْدَ وُرُودِ عُمُومَاتٍ قَاضِيَةٍ بِأَنَّ كُلَّ مَوْطِنٍ مِنْ مَوَاطِنِ الْأَرْضِ مَسْجِدٌ تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ وَهَذَا مُتَمَسَّكٌ صَحِيحٌ لَا بُدَّ مِنْهُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ 44 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ [348])

قَوْلُهُ صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ جَمْعُ مَرْبِضٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهُ ضَادٌ مُعْجَمَةٌ وَهُوَ مَأْوَى الْغَنَمِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْمَرَابِضُ لِلْغَنَمِ كَالْمَعَاطِنِ لِلْإِبِلِ وَاحِدُهَا مَرْبِضٌ مِثَالُ مَجْلِسٍ قَالَ وَرُبُوضُ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْفَرَسِ مِثْلُ بُرُوكِ الْإِبِلِ وَجُثُومِ الطَّيْرِ انْتَهَى وَالْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْإِبِلِ أَوْ أَنَّهُ أُخْرِجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ حِينَ سَأَلَهُ عَنِ الْأَمْرَيْنِ فَأَجَابَ فِي الْإِبِلِ بِالْمَنْعِ وَفِي الْغَنَمِ بِالْإِذْنِ قَوْلُهُ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ جَمْعُ عَطَنٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ مَعَاطِنُ وَهِيَ جَمْعُ مَعْطِنٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الطَّاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْعَطَنُ مَبْرَكُ الْإِبِلِ حَوْلَ الْمَاءِ قَالَ السيوطي قال بن حَزْمٍ كُلُّ عَطَنٍ مَبْرَكٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَبْرَكٍ عَطَنًا لِأَنَّ الْعَطَنَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَاخُ فِيهِ عِنْدَ وُرُودِهَا الْمَاءَ فَقَطْ وَالْمَبْرَكُ أَعَمُّ لِأَنَّهُ الْمَوْضِعُ الْمُتَّخَذُ لَهُ فِي كُلِّ حَالٍ انْتَهَى قُلْتُ الْمُرَادُ بِأَعْطَانِ الْإِبِلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَبَارِكُهَا فَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَقَالَ لَا تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا مِنَ الشَّيَاطِينِ [349] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَالْبَرَاءِ وَسَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وعبد الله مغفل وبن عُمَرَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فَأَخْرَجَهُ بن ماجة أيضا والنسائي وأما حديث بن عمر فأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ سُلَيْكٍ الْغَطَفَانِيِّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَيْضًا وَفِي إِسْنَادِهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَوَثَّقَهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ وَعَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ أحمد وفي إسناده بن لَهِيعَةَ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَعَنْ يَعِيشَ الْجُهَنِيِّ الْمَعْرُوفِ بِذِي الْغُرَّةِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثقات

فائدة ذكر بن حَزْمٍ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ مُتَوَاتِرَةٌ بِنَقْلٍ تَوَاتَرَ يُوجِبُ الْعِلْمَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ) أَيْ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَتَحْرِيمِهَا فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ (عِنْدَ أَصْحَابِنَا) يَعْنِي أَصْحَابَ الْحَدِيثِ (وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَعَلَى تَحْرِيمِهَا فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ لَا تَصِحُّ بِحَالٍ وَقَالَ مَنْ صَلَّى فِي عَطَنِ إِبِلٍ أَعَادَ أَبَدًا وَسُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ لَا يَجِدُ إِلَّا عَطَنَ إِبِلٍ قَالَ لَا يُصَلِّي فِيهِ قِيلَ فَإِنْ بَسَطَ عَلَيْهِ ثَوْبًا قَالَ لَا وقال بن حَزْمٍ لَا تَحِلُّ فِي عَطَنِ إِبِلٍ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الْكَرَاهَةِ مَعَ عَدَمِ النَّجَاسَةِ وَعَلَى التَّحْرِيمِ مَعَ وُجُودِهَا وَهَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ هِيَ النَّجَاسَةُ وَذَلِكَ مُتَوَقِّفٌ عَلَى نَجَاسَةِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَأَزْبَالِهَا وَقَدْ عَرَفْتَ مَا قَدَّمْنَا فِيهِ وَلَوْ سَلَّمْنَا النَّجَاسَةَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ جَعْلُهَا علة لأن العلة لو كانت النجاسة لماأفترق الْحَالُ بَيْنَ أَعْطَانِهَا وَبَيْنَ مَرَابِضِ الْغَنَمِ إِذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَرْوَاثِ كُلٍّ مِنَ الْجِنْسَيْنِ وَأَبْوَالِهَا كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَأَيْضًا قَدْ قِيلَ إِنَّ حِكْمَةَ النَّهْيِ مَا فِيهَا مِنَ النُّفُورِ فَرُبَّمَا نَفَرَتْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَتُؤَدِّي إِلَى قَطْعِهَا أَوْ أَذًى يَحْصُلُ لَهُ مِنْهَا أَوْ تُشَوِّشُ الْخَاطِرَ الْمُلْهِي عَنِ الْخُشُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَبِهَذَا عَلَّلَ النَّهْيَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابُ مَالِكٍ وَعَلَى هَذَا فَيُفَرَّقُ بَيْنَ كَوْنِ الْإِبِلِ فِي مَعَاطِنِهَا وَبَيْنَ غَيْبَتِهَا عَنْهَا إِذْ يُؤْمَنُ نُفُورُهَا حِينَئِذٍ وَيُرْشِدُ إِلَى صِحَّةِ هَذَا حَدِيثُ بن

باب ما جاء في الصلاة على الدابة حيث ما توجهت

مُغَفَّلٍ عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ لَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنَ الْجِنِّ أَلَا تَرَوْنَ إِلَى عُيُونِهَا وَهَيْئَتِهَا إِذَا نَفَرَتْ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ أَنْ يُجَاءَ بِهَا إِلَى مَعَاطِنِهَا بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ فَيَقْطَعُهَا أَوْ يَسْتَمِرُّ فِيهَا مَعَ شَغْلِ خَاطِرِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ الرَّاعِيَ يَبُولُ بَيْنَهَا وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ كَوْنُهَا خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ ويدل على هذا أيضا حديث بن مُغَفَّلٍ السَّابِقُ وَكَذَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِهِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وَعِنْدَ بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا الِاخْتِلَافَ فِي الْعِلَّةِ تَبَيَّنَ لَكَ أَنَّ الْحَقَّ الْوُقُوفُ عَلَى مُقْتَضَى النَّهْيِ وَهُوَ التَّحْرِيمُ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَأَمَّا الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَأَمْرُ إِبَاحَةٍ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْإِبِلِ أَوْ أَنَّهُ أُخْرِجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ حِينَ سَأَلَهُ عَنِ الْأَمْرَيْنِ فَأَجَابَ فِي الْإِبِلِ بِالْمَنْعِ وَفِي الْغَنَمِ بِالْإِذْنِ وَأَمَّا التَّرْغِيبُ الْمَذْكُورُ فِي الْأَحَادِيثِ بِلَفْظِ فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ فَهُوَ إِنَّمَا ذُكِرَ لِقَصْدِ تَبْعِيدِهَا عَنْ حُكْمِ الْإِبِلِ كَمَا وَصَفَ أَصْحَابَ الْإِبِلِ بِالْغِلَظِ وَالْقَسْوَةِ وَوَصَفَ أَصْحَابَ الْغَنَمِ بِالسَّكِينَةِ انْتَهَى 45 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ) بِهِ [351] قَوْلُهُ (وَيَحْيَى بْنُ آدَمَ) بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَتَيْنِ (قَالَا أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ) قَوْلُهُ (يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ) لَيْسَ فِيهِ قَيْدُ السَّفَرِ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أنس

عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قَيْدُ السَّفَرِ وَكَذَا فِي حديث بن عُمَرَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّطَوُّعِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ قِبَلَ جِهَةِ مَقْصِدِهِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْحَافِظُ وَالْعِرَاقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فِي الْحَضَرِ فَجَوَّزَهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ من أصحاب الشافعي وأهل الظاهر قال بن حَزْمٍ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَى رِحَالِهِمْ وَدَوَابِّهِمْ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ قَالَ وَهَذِهِ حِكَايَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عُمُومًا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ انْتَهَى قَالَ الْعِرَاقِيُّ اسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَمْ يُصَرَّحْ فِيهَا بِذِكْرِ السَّفَرِ وَهُوَ مَاشٍ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ بَلْ يُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فَأَمَّا مَنْ يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُمْ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فَحَمَلَ الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةَ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالسَّفَرِ انْتَهَى قُلْتُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ الْمُقَيَّدَةِ بِالسَّفَرِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قوله (وفي الباب عن أنس وبن عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سَافَرَ وَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ بِنَاقَتِهِ فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجَّهَهُ رِكَابُهُ وَأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ على راحلته حيث توجهت به يومىء إِيمَاءً صَلَاةَ اللَّيْلِ إِلَّا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ

باب في الصلاة إلى الراحلة

146 - (باب فِي الصَّلَاةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ [352]) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الرَّاحِلَةُ النَّاقَةُ الَّتِي تَصْلُحُ لِأَنْ يُوضَعَ الرَّحْلُ عَلَيْهَا وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الرَّاحِلَةُ الْمَرْكُوبُ النَّجِيبُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ وَالْبَعِيرُ يُقَالُ لِمَا دَخَلَ فِي الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (صَلَّى إِلَى بَعِيرِهِ أَوْ رَاحِلَتِهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَنَّهُ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا وَقَوْلُهُ يُعَرِّضُ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يَجْعَلُهَا عَرْضًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّسَتُّرِ بِمَا يَسْتَقِرُّ مِنَ الْحَيَوَانِ وَلَا يُعَارِضُهُ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ فِي مَعَاطِنِ الْإِبِلِ لِأَنَّ الْمَعَاطِنَ مَوَاضِعُ إِقَامَتِهَا عِنْدَ الْمَاءِ وَكَرَاهَةُ الصَّلَاةِ حِينَئِذٍ عِنْدَهَا إِمَّا لِشِدَّةِ نَتْنِهَا وَإِمَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَخَلَّوْنَ بَيْنَهَا مُسْتَتِرِينَ بِهَا انْتَهَى وَقَالَ غَيْرُهُ عِلَّةُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ كَوْنُ الْإِبِلِ خُلِقَتْ مِنَ الشَّيَاطِينِ فَيُحْمَلُ مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي السَّفَرِ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَيْهَا عَلَى حَالَةِ الضَّرُورَةِ وَنَظِيرُهُ صَلَاتُهُ إِلَى السَّرِيرِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ لِكَوْنِ الْبَيْتِ كَانَ ضَيِّقًا وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يَسْتَتِرُ بِامْرَأَةٍ وَلَا دَابَّةٍ فِي حال الاختيار وروى عبد الرزاق عن بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّ بن عُمَرَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى الْبَعِيرِ إِلَّا وَعَلَيْهِ رَحْلٌ وَكَانَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهَا فِي حَالِ شَدِّ الرَّحْلِ عَلَيْهَا أَقْرَبُ إِلَى السُّكُونِ مِنْ حَالِ تَجْرِيدِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ بِالصَّلَاةِ إِلَى الْبَعِيرِ بَأْسًا أَنْ يَسْتَتِرَ بِهِ) وَهُوَ الْحَقُّ وَلَا يَسْتَلْزِمُ مِنَ النَّهْيِ عن الصلاة في معاطن الابل النهي على الصَّلَاةِ إِلَى الْبَعِيرِ الْوَاحِدِ فِي غَيْرِ الْمَعَاطِنِ

باب ما جاء إذا حضر العشاء وأقيمت الصلاة

147 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ وَأُقِيمَتْ الصلاة) فابدأوا بِالْعَشَاءِ [353] قَوْلُهُ (عَنْ أَنَسٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ يَرْفَعُهُ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَهُوَ طَعَامٌ يُؤْكَلُ عِنْدَ الْعِشَاءِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمُرَادُ بِحُضُورِهِ وَضْعُهُ بَيْنَ يَدَيِ الْآكِلِ لَا اسْتِوَاؤُهُ وَلَا غَرْفُهُ فِي الأوعية لحديث بن عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وُضِعَ عَشَاءُ أحدكم وأقيمت الصلاة فابدأوا بِالْعَشَاءِ وَلَا يَعْجَلْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ وَكَانَ بن عُمَرَ يُوضَعُ لَهُ الطَّعَامُ وَتُقَامُ الصَّلَاةُ فَلَا يَأْتِيهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ انْتَهَى وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ المصنف أيضا حيث قال وروي عن بن عُمَرَ إِلَخْ وَيُؤَيِّدُ مَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِحُضُورِهِ وَضْعُهُ بَيْنَ يَدَيِ الْآكِلِ حَدِيثُ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ وَلِمُسْلِمٍ إِذَا قُرِّبَ الْعَشَاءُ وَعَلَى هَذَا فَلَا يُنَاطُ الْحُكْمُ بِمَا إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ لَكِنَّهُ لَمْ يُقَرَّبْ لِلْآكِلِ كَمَا لَوْ لَمْ يقرب قوله وأقيمت الصلاة قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ وَلَا عَلَى تَعْرِيفِ الْمَاهِيَّةِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تُحْمَلَ عَلَى المغرب لقوله فابدأوا بِالْعَشَاءِ وَيَتَرَجَّحُ حَمْلُهُ عَلَى الْمَغْرِبِ لِقَوْلِهِ فِي الرواية الأخرى فابدأوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا الْمَغْرِبَ وَالْحَدِيثُ يُفَسِّرُ بعضه بضعا وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ إِذَا وُضِعَ الْعَشَاءُ وَأَحَدُكُمْ صَائِمٌ انْتَهَى وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ نَظَرًا إِلَى الْعِلَّةِ وَهِيَ التَّشْوِيشُ الْمُفْضِي إِلَى تَرْكِ الْخُشُوعِ وَذِكْرُ الْمَغْرِبِ لَا يَقْتَضِي حَصْرًا فِيهَا لِأَنَّ الْجَائِعَ غَيْرُ الصَّائِمِ قَدْ يَكُونُ أَشَوْقَ إِلَى الْأَكْلِ مِنَ الصَّائِمِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَحَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ نَظَرًا إِلَى الْعِلَّةِ الْحَاقًا لِلْجَائِعِ بِالصَّائِمِ وَلِلْغِذَاءِ بِالْعَشَاءِ لَا بِالنَّظَرِ إلى اللفظ الوارد انتهى قوله فابدأوا بِالْعَشَاءِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ بِطَعَامِ الْعَشَاءِ

قوله (وفي الباب عن عائشة وبن عُمَرَ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا هُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ وَأَمَّا حديث بن عمر فأخرجه الشيخان وأبو داود وأحمد وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَقُولَانِ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ وَإِنْ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَهُ بِمَنْ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى الْأَكْلِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَزَادَ الْغَزَالِيُّ مَا إِذَا خَشِيَ فَسَادَ الْمَأْكُولِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَيِّدْ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَعَلَيْهِ يدل فعل بن عمر أي الاتي ومنهم من اختار البداء بِالصَّلَاةِ إِلَّا إِنْ كَانَ الطَّعَامُ خَفِيفًا نَقَلَهُ بن الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى قُلْتُ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ (سَمِعْتُ الْجَارُودَ يَقُولُ سَمِعْتُ وَكِيعًا يَقُولُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَبْدَأُ بِالْعَشَاءِ إِذَا كَانَ الطَّعَامُ يُخَافُ فَسَادُهُ) هَذَا مقول الترمذي والجارود هو بن مُعَاذٍ السُّلَمِيُّ التِّرْمِذِيُّ شَيْخُ الْمُؤَلِّفِ الْمُتَوَفِّي سَنَةَ 244 أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَوَكِيعٌ هُوَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَقَوْلُ وَكِيعٍ هَذَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ يُخَالِفُ إِطْلَاقَ الْحَدِيثِ وَلِذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ (وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم أشبه بالاتباع) أي أولى وَالْعَمَلِ مِمَّا قَالَ وَكِيعٌ (وَإِنَّمَا أَرَادُوا) أَيْ بعض أهل العلم المذكورون (أَنْ لَا يَقُومَ الرَّجُلُ إِلَى الصَّلَاةِ وَقَلْبُهُ مَشْغُولٌ بِسَبَبِ شَيْءٍ) أَيْ حَالَ كَوْنِ قَلْبِهِ مشغولا بسبب شيء (وقد روي

باب ما جاء في الصلاة عند النعاس

عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا نَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَفِي أَنْفُسِنَا شَيْءٌ) رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وبن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وبن عباس أنهما كان يَأْكُلَانِ طَعَامًا وَفِي التَّنُّورِ شِوَاءٌ فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أن يقيم فقال له بن عَبَّاسٍ لَا تَعْجَلْ لِئَلَّا نَقُومَ وَفِي أَنْفُسِنَا منه شيء كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي 48 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ النُّعَاسِ [355]) النُّعَاسُ أَوَّلُ النَّوْمِ وَمُقَدِّمَتُهُ قَوْلُهُ إِذَا نَعِسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي الواو للحال والجملة الحالية فَلْيَرْقُدْ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَلْيَنْصَرِفْ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّسْلِيمُ مِنَ الصَّلَاةِ قَالَهُ الْحَافِظُ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَرْقُدْ وَقَدْ حَمَلَهُ طَائِفَةٌ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ عَامٌّ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْمُهَلَّبُ إِنَّمَا هَذَا فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ لَيْسَتْ فِي أَوْقَاتِ النَّوْمِ وَلَا فِيهَا مِنَ التَّطْوِيلِ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ جَاءَ عَلَى سَبَبٍ لَكِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ فَيُعْمَلُ بِهِ أَيْضًا فِي الْفَرَائِضِ إِنْ وَقَعَ مَا أَمْكَنَ بَقَاءُ الْوَقْتِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي رِوَايَةٍ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ قَالَتْ مَرَّتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَوْلَاءُ بِنْتُ تُوَيْتٍ فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا تُصَلِّي بِاللَّيْلِ صَلَاةً كَثِيرَةً فَإِذَا غَلَبَهَا النَّوْمُ ارْتَبَطَتْ بِحَبْلٍ فَتَعَلَّقَتْ بِهِ الْحَدِيثَ فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ بِقَوْلِهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ جَاءَ عَلَى سَبَبٍ فَلَعَلَّهُ

باب ما جاء من زار قوما فلا يصل بهم

يَذْهَبُ لِيَسْتَغْفِرَ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ قَالَ الْحَافِظُ مَعْنَى يَسُبَّ يَدْعُو عَلَى نَفْسِهِ وَصَرَّحَ بِهِ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِ أَيْ يُرِيدُ وَيَقْصِدُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي مَثَلًا يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي فَيَقُولُ اللهم اغفر لِي وَالْعَفْرُ هُوَ التُّرَابُ فَيَكُونُ دُعَاءً عَلَيْهِ بِالذُّلِّ وَالْهَوَانِ وَهُوَ تَمْثِيلٌ وَإِلَّا فَلَا يُشْتَرَطُ والتصحيف وَقَوْلُهُ فَيَسُبَّ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى يَسْتَغْفِرَ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِلَامِ كَيْ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُصَّلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ وَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنَ النَّوْمِ إِذَا نَعِسَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنَمْ حَتَّى يَعْلَمَ مَا يَقْرَأُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مَرْفُوعًا إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 49 - (بَاب مَا جاء مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يُصَلِّ بِهِمْ [356]) قَوْلُهُ (عَنْ بُدَيْلِ بْنِ مَيْسَرَةَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ بِالتَّصْغِيرِ (الْعُقَيْلِيِّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عَطِيَّةَ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ أَبُو عَطِيَّةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ لَا

يُدْرَى مَنْ هُوَ رَوَى عَنْهُ بُدَيْلُ بْنُ ميسرة وقال الحافظ في التقريب أو عطية مولى بن عُقَيْلٍ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (رَجُلٍ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ عَطِيَّةَ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ قَوْلُهُ (فِي مُصَلَّانَا) أَيْ فِي مَسْجِدِنَا (تَقَدَّمْ) أَيْ وَصَلِّ بِنَا وَأُمَّنَا (حَتَّى أُحَدِّثَكُمْ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَسَأُحَدِّثُكُمْ مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يَؤُمَّهُمْ فِي أَنَّ الْمَزُورَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِنَ الزَّائِرِ وَإِنْ كَانَ أَعْلَمَ أَوْ أَقْرَأَ مِنَ الْمَزُورِ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أَذِنَ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ) كذا قال الترمذي وقال الحافظ بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ الزَّائِرِ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَكَانِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَيُعَضِّدُهُ عُمُومُ مَا روى بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَبْدٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ وَرَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ وَرَجُلٌ يُنَادِي بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا إِلَّا بإذنهم ولا يخص نفسه بدعوة دونهم فإن فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ انْتَهَى مَا فِي الْمُنْتَقَى قُلْتُ وَحَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَلَا يُؤَمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ لَكِنْ قَالَ فِيهِ لَا يَؤُمُّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا يَقْعُدُ عَلَى تَكْرِمَتِهِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ لَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ وَلَا في سلطانه ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه فائدة قال بن الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ

باب ما جاء في كراهية أن يخص الامام نفسه بالدعاء

فَالْأَفْضَلُ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَنْ يُقَدِّمَهُ وَإِنِ اسْتَوَيَا فَمِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ انْتَهَى فَائِدَةٌ أُخْرَى قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَزُورُ أَهْلًا لِلْإِمَامَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلًا كَالْمَرْأَةِ فِي صُورَةِ كَوْنِ الزَّائِرِ رَجُلًا وَالْأُمِّيِّ فِي صُورَةِ كَوْنِ الزَّائِرِ قَارِئًا وَنَحْوِهِمَا فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْإِمَامَةِ انْتَهَى 50 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يَخُصَّ الْإِمَامُ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ [357]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشِ) بْنِ سُلَيْمٍ الْعَنْسِيُّ أَبُو عُتْبَةَ الْحِمْصِيُّ صَدُوقٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ مُخَلِّطٌ فِي غَيْرِهِمْ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ أحمد وبن معين ودحيم والبخاري وبن عَدِيٍّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَضَعَّفَهُ فِي الْحِجَازِيِّينَ انْتَهَى قُلْتُ رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَإِنَّهُ حِمْصِيٌّ (حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ صَالِحٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ حَبِيبُ بْنُ صالح أو بن أَبِي مُوسَى الطَّائِيُّ أَبُو مُوسَى الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيُّ الْحِمْصِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ) كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ في الخلاصة ووثقه بن حِبَّانَ (عَنْ أَبِي حَيٍّ الْمُؤَذِّنِ) اسْمُهُ شَدَّادُ بْنُ حَيٍّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي لَيْسَ لِلثَّلَاثَةِ يَعْنِي لِحَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ وَيَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ وَأَبِي حَيٍّ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ انْتَهَى (عَنْ ثَوْبَانَ) الْهَاشِمِيِّ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِبَهُ وَلَازَمَهُ وَنَزَلَ بَعْدَهُ الشَّامَ وَمَاتَ بِحِمْصَ سَنَةَ 54 أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ قوله لا يحل أي لا يجوز لامرىء وكذا لمرأة أَنْ يَنْظُرَ فِي جَوْفِ بَيْتِ امْرِئٍ أَيْ

دَاخِلَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِي قَعْرِ بَيْتٍ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَيْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنْ نَظَرَ فَقَدْ دَخَلَ أَيْ إِنْ نَظَرَ قَبْلَ الاستئذان من حجر أَوْ غَيْرِهِ فَقَدِ ارْتَكَبَ إِثْمَ مَنْ دَخَلَ البيت بلا استئذان قال بن الْعَرَبِيِّ الِاطِّلَاعُ عَلَى النَّاسِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ فَمَنْ نَظَرَ دَارَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ دَخَلَ دَارَهُ ولا يؤم بالرفع نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ قَوْمًا فَيَخُصَّ بِالنَّصْبِ بِأَنِ الْمُقَدَّرَةِ لِوُرُودِهِ بَعْدَ النَّفْيِ عَلَى حَدِّ لَا يقضى عليهم فيموتوا قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ قُلْتُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى لَا يَؤُمُّ (نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ) أَيْ دُونَ مُشَارَكَتِهِمْ فِي دُعَائِهِ (فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ) قَالَ الطِّيبِيُّ نَسَبَ الْخِيَانَةَ إِلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ شَرْعِيَّةَ الْجَمَاعَةِ لِيُفِيدَ كُلٌّ مِنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ الْخَيْرَ عَلَى صَاحِبِهِ بِبَرَكَةِ قُرْبِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ خَصَّ نَفْسَهُ فَقَدْ خان صاحبه وإنما خص الإمام بالخيانة فإنه صَاحِبُ الدُّعَاءِ وَإِلَّا فَقَدْ تَكُونُ الْخِيَانَةُ مِنْ جَانِبِ الْمَأْمُومِ (وَهُوَ حَقِنٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ الَّذِي بِهِ بَوْلٌ شَدِيدٌ يَحْبِسُهُ والجملة حال قال بن الْعَرَبِيِّ اخْتُلِفَ فِي تَعْلِيلِهِ فَقِيلَ لِأَنَّهُ يَشْتَغِلُ وَلَا يُوَفِّي الصَّلَاةَ حَقَّهَا مِنَ الْخُشُوعِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ حَامِلُ نَجَاسَةٍ لِأَنَّهَا مُتَدَافِعَةٌ لِلْخُرُوجِ فَإِذَا أَمْسَكَهَا قَصْدًا فَهُوَ كَالْحَامِلِ لَهَا انْتَهَى وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَلَا يُصَلِّ وَهُوَ حَقِنٌ حَتَّى يَتَخَفَّفَ نَفْسَهُ بِخُرُوجِ الْفَضْلَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ ثَوْرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِي حَيٍّ الْمُؤَذِّنِ عَنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ ثَوْبَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنِ السَّفْرِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ (بْنِ نُسَيْرٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا وَآخِرُهُ رَاءٌ الْأَزْدِيِّ الْحِمْصِيِّ أَرْسَلَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَهُوَ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ وروى هذا الحديث بهذا الطريق بن مَاجَهْ بِلَفْظِ نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ حَاقِنٌ وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ أَنْ

يَخُصَّ الْإِمَامُ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ وَلَا يُشَارِكُ الْمَأْمُومِينَ فِيهِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ الْمَرْوِيِّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ بِجَمْعِ الضَّمِيرِ مَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورُ بْنُ إِدْرِيسَ الْحَنْبَلِيُّ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ وَالرِّوَايَةُ إِفْرَادُ الضَّمِيرِ وَجَمَعَ الْمُؤَلِّفُ لِأَنَّ الْإِمَامَ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشَارِكَ الْمَأْمُومَ فِي الدُّعَاءِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورُ بْنُ يُونُسَ الْبُهُوتِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ إِمَامٌ بِالْإِفْرَادِ فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قُلْتُ ذَكَرُوا فِي التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا وُجُوهًا قَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَالْمَحْفُوظُ فِي أَدْعِيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا بِلَفْظِ الْإِفْرَادِ كَقَوْلِهِ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَسَائِرُ الْأَدْعِيَةِ الْمَحْفُوظَةِ عَنْهُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَالْمَاءِ الْبَارِدِ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الْحَدِيثَ وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يؤم عبد قوما فيخص نفسه بدعوة فإن فعل فقد خانهم قال بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ ذَكَرَ حَدِيثَ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ الْحَدِيثَ قَالَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى رَدِّ الْحَدِيثِ الْمَوْضُوعِ لَا يَؤُمُّ عَبْدٌ قَوْمًا فَيَخُصُّ نَفْسَهُ بِدَعْوَةٍ دُونَهُمْ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ خَانَهُمْ وَسَمِعْتُ شَيْخَ الْإِسْلَامِ بن تَيْمِيَةَ يَقُولُ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي فِي الدُّعَاءِ الَّذِي يَدْعُو بِهِ الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ وَلِلْمَأْمُومِينَ وَيَشْتَرِكُونَ فيه كدعاء القنوت ونحوه انتهى كلام بن الْقَيِّمِ قُلْتُ الْحُكْمُ عَلَى حَدِيثِ ثَوْبَانَ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هُوَ حَسَنٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْعَزِيزِيُّ هَذَا فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ خَاصَّةً بِخِلَافِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالتَّشَهُّدِ وَقَالَ فِي التَّوَسُّطِ مَعْنَاهُ تَخْصِيصُ نَفْسِهِ بِالدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ وَالسُّكُوتِ عَنِ الْمُقْتَدِينَ وَقِيلَ نَفْيُهُ عَنْهُمْ كَارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا وَكِلَاهُمَا حَرَامٌ أَوِ الثَّانِي حَرَامٌ فَقَطْ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ بَعْدَ التَّكْبِيرِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ الْحَدِيثَ انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اهْدِنَا بِجَمْعِ الضَّمِيرِ فِيهِ

باب ما جاء من أم قوما وهم له كارهون

أَنَّهُ خِلَافُ الْمَأْثُورِ وَالْمَأْثُورُ إِنَّمَا هُوَ بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ كَمَا ثَبَتَ لَكِنْ لَا يَنْوِي بِهِ خَاصَّةَ نَفْسِهِ بَلْ يَنْوِي بِهِ الْعُمُومَ وَالشُّمُولَ لِنَفْسِهِ وَلِمَنْ خَلْفَهُ مِنَ الْمَأْمُومِينَ هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 51 - (بَاب ما جاء من أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ [358]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَسَدِيُّ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ أَرَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وَلَيْسَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الْكُتُبِ شَيْءٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا كَذَّبَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ أَحَادِيثُهُ مَوْضُوعَةٌ (عَنِ الْفَضْلِ بْنِ دَلْهَمٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ اللَّامِ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ هُوَ لَيِّنٌ رُمِيَ بِالِاعْتِزَالِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لِأَمْرٍ مَذْمُومٍ فِي الشَّرْعِ وَإِنْ كَرِهُوا لِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ قال بن الْمَلَكِ كَارِهُونَ لِبِدْعَتِهِ أَوْ فِسْقِهِ أَوْ جَهْلِهِ أَمَّا إِذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كَرَاهَةُ عَدَاوَةٍ بِسَبَبِ أَمْرٍ دُنْيَوِيٍّ فَلَا يَكُونُ لَهُ هَذَا الْحُكْمُ وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ هَذَا إِذَا كَانَ السُّخْطُ لِسُوءِ خُلُقِهَا أَوْ سُوءِ أَدَبِهَا أَوْ قِلَّةِ طَاعَتِهَا أَمَّا إِنْ كَانَ سُخْطُ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ فَلَا إِثْمَ عليها قاله بن الْمَلَكِ وَقَالَ الْمُظْهِرُ هَذَا إِذَا كَانَ السُّخْطُ لِسُوءِ خُلُقِهَا وَإِلَّا فَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ انْتَهَى قَالَ فِي الْقَامُوسِ السُّخْطُ بِالضَّمِّ وَكَعُنُقٍ وَجَبَلٍ وَمَقْعَدٍ ضِدُّ الرِّضَا وَقَدْ سَخِطَ كَفَرِحَ وَتَسَخَّطَ وَأَسْخَطَهُ أَغْضَبَهُ وَرَجُلٌ سَمِعَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ أَيْ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ مَعَ الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَطَلْحَةَ) أَيْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (وعبد الله بن عمرو وأبي أسامة) أما حديث بن عباس فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ ثَلَاثَةٌ لَا تَرْتَفِعُ صَلَاتُهُمْ فوق

رؤوسهم شِبْرًا رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول أَيُّمَا رَجُلٍ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لم تجر صَلَاتُهُ أُذُنَيْهِ وَفِي إِسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَيُّوبَ الطَّلْحِيُّ قَالَ فِيهِ أَبُو زُرْعَةَ عَامَّةُ أَحَادِيثِهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ صَاحِبُ مَنَاكِيرَ وَقَدْ وُثِّقَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كَانَ يَقُولُ ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَرَجُلٌ أَتَى الصَّلَاةَ دَبَارًا وَالدَّبَارُ أَنْ يَأْتِيَهَا بعد أن تفوته ورجل اعتيد مُحَرَّرَهُ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ الْإِفْرِيقِيُّ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ البيهقي وعن سلمان عند بن أَبِي شَيْبَةَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ لَا يَصِحُّ إِلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الثَّابِتَ هُوَ الْمُرْسَلُ وَأَمَّا الموصول فهي ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِوَصْلِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ الْأَسَدِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَيُنْتَهَضُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى تَحْرِيمِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ إِمَامًا لِقَوْمٍ يَكْرَهُونَهُ وَيَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ نَفْيُ قَبُولِ الصَّلَاةِ وَأَنَّهَا لَا تُجَاوِزُ آذَانَ الْمُصَلِّينَ وَلَعْنُ الْفَاعِلِ لِذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (فَإِذَا كَانَ الْإِمَامُ غَيْرَ ظَالِمٍ فَإِنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ) يُرِيدُ أَنَّ مَحْمَلَ الْحَدِيثِ مَا إِذَا كَانَ سَبَبُ الْكَرَاهَةِ مِنَ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ بَلِ الْإِثْمُ عَلَى الْقَوْمِ (قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي هَذَا إِذَا كَرِهَ وَاحِدٌ أَوِ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ حَتَّى يَكْرَهَهُ أَكْثَرُ الْقَوْمِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَيَّدُوهُ بِأَنْ

يَكُونَ الْكَارِهُونَ أَكْثَرَ الْمَأْمُومِينَ وَلَا اعْتِبَارَ بِكَرَاهَةِ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ إِذَا كَانَ الْمُؤْتَمُّونَ جَمْعًا كَثِيرًا إِلَّا إِذَا كَانُوا اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فإن كراهتهم أو كراهة أكثرهم مقبرة قَالَ وَالِاعْتِبَارُ بِكَرَاهَةِ أَهْلِ الدِّينِ دُونَ غَيْرِهِمْ حَتَّى قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ لَوْ كَانَ الْأَقَلُّ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ يَكْرَهُونَهُ فَالنَّظَرُ إِلَيْهِمْ قَالَ وَحَمَلَ الشَّافِعِيُّ الْحَدِيثَ عَلَى إِمَامٍ غَيْرِ الْوَالِي لِأَنَّ الْغَالِبَ كَرَاهَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ قَالَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَدَمُ الْفَرْقِ انْتَهَى [359] قَوْلُهُ (عَنْ هِلَالِ بْنِ يِسَافٍ) بِكَسْرِ التَّحْتَانِيَّةِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ فَاءٍ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ) الْأَشْجَعِيِّ أَخُو سَالِمٍ الْكُوفِيِّ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ وَعَنْهُ هِلَالُ بْنُ يساف وثقه بن حِبَّانَ قَالَهُ الْخَزْرَجِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ خو جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ صَحَابِيٌّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (قَالَ كَانَ يُقَالُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا اثْنَانِ إِلَخْ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ هَذَا كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ كُنَّا نَقُولُ وَكُنَّا نَفْعَلُ فَإِنَّ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ لَهُ صُحْبَةٌ وَهُوَ أَخُو جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَإِذَا حُمِلَ عَلَى الرَّفْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ قِيلَ لَنَا وَالْقَائِلُ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى [360] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ) الْمَرْوَزِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي ثِقَةٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ جَمْعُ الْأُذُنِ الْجَارِحَةِ أَيْ لَا تُقْبَلُ قَبُولًا كَامِلًا أَوْ تُرْفَعُ إِلَى اللَّهِ رَفْعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ بَلْ أَدْنَى شَيْءٍ مِنَ الرَّفْعِ وَخَصَّ الْآذَانَ بِالذِّكْرِ لِمَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ التِّلَاوَةِ وَالدُّعَاءِ وَلَا تَصِلُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى قَبُولًا وَإِجَابَةً وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَارِقَةِ يقرأون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ عَبَّرَ عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ بِعَدَمِ مُجَاوَزَةِ الْآذَانِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ لَا يُرْفَعُ

باب ما جاء إذا صلى الإمام قاعدا فصلوا قعودا

عَنْ آذَانِهِمْ فَيُظِلُّهُمْ كَمَا يُظِلُّ الْعَمَلُ الصَّالِحُ صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي أَيْ لَا تُرْفَعُ إلى السماء كما في حديث بن عباس عند بن ماجه لا نرفع صلاتهم فوق رؤوسهم شِبْرًا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ كَمَا في حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَهُمْ صَلَاةً انْتَهَى حَتَّى يَرْجِعَ أَيْ إِلَى أَمْرِ سَيِّدِهِ وَفِي مَعْنَاهُ الْجَارِيَةُ الْآبِقَةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَصَفَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْأَرْجَحُ هُنَا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَذَكَرَ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَوْلُهُ (وَأَبُو غَالِبٍ اسْمُهُ حَزَوَّرٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَشِدَّةِ الْوَاوِ الْمَفْتُوحَةِ وَآخِرُهُ رَاءٌ مُهْمَلَةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو غَالِبٍ صَاحِبُ أَبِي أُمَامَةَ الْبَصْرِيُّ نَزَلَ أَصْبَهَانَ قِيلَ اسْمُهُ حَزَوَّرٌ وَقِيلَ سَعِيدُ بْنُ الْحَزَوَّرِ وقيل نافع صدوق يخطىء مِنَ الْخَامِسَةِ 52267267267 267 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا [361]) قَوْلُهُ (خَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَرَسٍ) مِنَ الْخُرُورِ أَيْ سَقَطَ (فَجُحِشَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ خُدِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ يَعْنِي قُشِرَ جِلْدُهُ فَتَأَثَّرَ تَأَثُّرًا مَنَعَهُ اسْتِطَاعَةَ الْقِيَامِ كَذَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ فِي شَرْحِهِ قُلْتُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ سَاقُهُ أَوْ كَتِفُهُ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ فَجُحِشَ شِقُّهُ الْأَيْمَنُ وَرَوَى أبو داود وبن خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا فِي الْمَدِينَةِ فَصَرَعَهُ عَلَى جِذْعِ نَخْلَةٍ فَانْفَكَّتْ قَدَمُهُ الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِاحْتِمَالِ وُقُوعِ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى وَإِذَا

صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أَجْمَعُونَ قَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ أَنَّ الْمَأْمُومَ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَأْمُومُ مَعْذُورًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وجابر وبن عُمَرَ وَمُعَاوِيَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا كَبَّرَ كَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا أجمعون وأما حديث جابر فأخرجه مسلم وبن مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ بِلَفْظِ اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ فَالْتَفَتَ إِلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إِلَيْنَا فَقَعَدْنَا فَصَلَّيْنَا بِصَلَاتِهِ قُعُودًا فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ إِنْ كُنْتُمْ آنِفًا تَفْعَلُونَ فِعْلَ فَارِسَ وَالرُّومِ يَقُومُونَ عَلَى مُلُوكِهِمْ وَهُمْ قُعُودٌ فَلَا تَفْعَلُوا ائْتَمُّوا بِأَئِمَّتِكُمْ إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا قِيَامًا وَإِنْ صَلَّى قاعدا فصلوا قعودا وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أيضا وعن أبي أمامة عند بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَّ عَنْ فَرَسٍ فَجُحِشَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ إِلَخْ) قد استدل

بِأَحَادِيثِ الْبَابِ الْقَائِلُونَ إِنَّ الْمَأْمُومَ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الصَّلَاةِ قَاعِدًا وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَأْمُومُ معذورا وممن قال بن حَزْمٍ وَبِهَذَا نَأْخُذُ إِلَّا فِيمَنْ يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْإِمَامِ يُذَكِّرُ النَّاسَ وَيُعْلِمُهُمْ تَكْبِيرَ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَبَيْنَ أن يصلي قائما قال بن حَزْمٍ وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ قَالَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ فِي الصَّحَابَةِ وَرَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّهُ قَالَ مَا رَأَيْتُ النَّاسَ إِلَّا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا صَلَّى مَنْ خَلْفَهُ قُعُودًا قَالَ وَهِيَ السُّنَّةُ عَنْ غير واحد وقد حكاه بن حِبَّانَ أَيْضًا عَنِ الصَّحَابَةِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ وَعَنْ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ أَيْضًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَحَكَاهُ أَيْضًا عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْهَاشِمِيِّ وَأَبِي خَيْثَمَةَ وبن أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مِثْلُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ عِنْدِي ضَرْبٌ مِنَ الْإِجْمَاعِ الَّذِي أَجْمَعُوا عَلَى إِجَازَتِهِ لِأَنَّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أربعة أَفْتَوْا بِهِ وَالْإِجْمَاعُ عِنْدَنَا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يرووا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافًا لِهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ لَا بِإِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ وَلَا مُنْقَطِعٍ فَكَأَنَّ الصَّحَابَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا كَانَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا قُعُودًا وَقَدْ أَفْتَى بِهِ مِنَ التَّابِعِينَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَصْلًا خِلَافُهُ لَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَا وَاهٍ فَكَأَنَّ التَّابِعِينَ أَجْمَعُوا عَلَى إِجَازَتِهِ قَالَ وَأَوَّلُ مَنْ أَبْطَلَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ قَاعِدًا إِذَا صَلَّى إِمَامُهُ جَالِسًا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ صَاحِبُ النَّخَعِيِّ وَأَخَذَ عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ ثُمَّ أَخَذَ عَنْ حَمَّادٍ أَبُو حَنِيفَةَ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ مَنْ كَانَ بَعْدَهُ من أصحابه انتهى كلام بن حِبَّانَ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ خِلَافَ ذَلِكَ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عن جمهور السلف خلاف ما حكى بن حزم عنهم وحكاه بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ الْمَشْهُورِينَ وَقَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ مَا لَفْظُهُ وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يُصَلُّونَ قِيَامًا وَلَا يُتَابِعُونَ الْإِمَامَ فِي الْجُلُوسِ

وَقَدْ أَجَابَ الْمُخَالِفُونَ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا دَعْوَى النَّسْخِ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْحُمَيْدِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَجَعَلُوا النَّاسِخَ مَا وَرَدَ مِنْ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ بِالنَّاسِ قَاعِدًا وَهُمْ قَائِمُونَ خَلْفَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْقُعُودِ وَأَنْكَرَ أَحْمَدُ نَسْخَ الْأَمْرِ بِذَلِكَ وَجَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِتَنْزِيلِهِمْ عَلَى حَالَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا إِذَا ابْتَدَأَ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ قَائِمًا لَزِمَ الْمَأْمُومِينَ أَنْ يُصَلُّوا خَلْفَهُ قِيَامًا سَوَاءٌ طَرَأَ مَا يَقْتَضِي صَلَاةَ إِمَامِهِمْ قَاعِدًا أَمْ لَا كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ تَقْرِيرَهُ لَهُمْ عَلَى الْقِيَامِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمُ الْجُلُوسُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ قَائِمًا وَصَلَّوْا مَعَهُ قِيَامًا بِخِلَافِ الْحَالَةِ الْأُولَى فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ جَالِسًا فَلَمَّا صَلَّوْا خَلْفَهُ قِيَامًا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ وَيُقَوِّي هَذَا الْجَمْعَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّسْخِ لَا سِيَّمَا وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَسْتَلْزِمُ النَّسْخَ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي حُكْمِ الْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ قَاعِدًا وَقَدْ نُسِخَ إِلَى الْقُعُودِ فِي حَقِّ مَنْ صَلَّى إِمَامُهُ قَاعِدًا فَدَعْوَى نَسْخِ الْقُعُودِ بَعْدَ ذَلِكَ تَقْتَضِي وُقُوعَ النَّسْخِ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَالْجَوَابُ الثَّانِي مِنَ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي أَجَابَ بِهَا الْمُخَالِفُونَ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ دَعْوَى التَّخْصِيصِ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَوْنِهِ يَؤُمُّ جَالِسًا حَكَى ذَلِكَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ وَلَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَؤُمَّ جَالِسًا بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ وَجَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ قَالَ وَهَذَا أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَصِحُّ التَّقَدُّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَلَا لِعُذْرٍ وَلَا لِغَيْرِهِ وَرُدَّ بِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَقَدِ اسْتُدِلَّ عَلَى دَعْوَى التَّخْصِيصِ بِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا لَا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَصِحُّ مِنْ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ أَيْضًا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا وَجَابِرٌ مَتْرُوكٌ وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ عن الشعبي ومجالد ضعفه الجمهور وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّخْصِيصِ حَتَّى يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ انْتَهَى عَلَى أَنَّهُ يَقْدَحُ فِي التَّخْصِيصِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَنَّ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ كَانَ يَؤُمُّ قَوْمَهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ إِمَامَنَا مَرِيضٌ فَقَالَ إِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ وَمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ قَيْسِ بْنِ فَهْدٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ إِمَامًا لَهُمُ اشْتَكَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَكَانَ يَؤُمُّنَا جَالِسًا وَنَحْنُ جُلُوسٌ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ

وَالْجَوَابُ الثَّالِثُ مِنَ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي أَجَابَ بِهَا الْمُخَالِفُونَ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ تَرُدُّهُ لِمَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ أَجَابَ الْمُتَمَسِّكُونَ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَنِ الأحاديث المخالفة لها بأجوبة منها قول بن خُزَيْمَةَ إِنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي وَرَدَتْ بِأَمْرِ الْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا لَمْ يُخْتَلَفْ فِي صِحَّتِهَا ولا في سباقها وَأَمَّا صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَاخْتُلِفَ فِيهَا هَلْ كَانَ إِمَامًا أَوْ مَأْمُومًا وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَهُمْ جَمَعَ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْجُلُوسِ كَانَ لِلنَّدْبِ وَتَقْرِيرُهُ قِيَامُهُمْ خَلْفَهُ كَانَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَمِنْهَا أَنَّهُ اسْتَمَرَّ عَمَلُ الصَّحَابَةِ عَلَى الْقُعُودِ خَلْفَ الْإِمَامِ الْقَاعِدِ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أُسَيْدِ بْنِ حضير وقيس بن فهد وروى بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ اشْتَكَى فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَصَلَّوْا مَعَهُ جُلُوسًا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَنَّهُ أَفْتَى بِذَلِكَ وَإِسْنَادُهُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ صَحِيحٌ ومنها ما روى عن بن شَعْبَانَ أَنَّهُ نَازَعَ فِي ثُبُوتِ كَوْنِ الصَّحَابَةِ صَلَّوْا خَلْفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيَامًا غَيْرَ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَرِدْ صَرِيحًا قَالَ الْحَافِظُ وَالَّذِي ادَّعِي نَفْيَهُ قَدْ أَثْبَتَهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ إِنَّهُ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ الْحَافِظُ ثُمَّ وَجَدْتُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَفْظُهُ فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدًا وَجَعَلَ أبا بكر ورواءه بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ وَصَلَّى النَّاسُ وَرَاءَهُ قِيَامًا قَالَ وَهَذَا مُرْسَلٌ يَعْتَضِدُ بِالرِّوَايَةِ الَّتِي عَلَّقَهَا الشَّافِعِيُّ عَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ وَهَذَا الَّذِي يَقْتَضِيهِ النظر لأنهم ابتدأوا الصَّلَاةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ قِيَامًا فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُمْ قَعَدُوا بَعْدَ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ 53 - بَاب مِنْهُ [362] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ) بْنُ سَوَّارٍ الْمَدَائِنِيُّ أَصْلُهُ مِنْ خُرَاسَانَ يُقَالُ كَانَ اسْمُهُ مَرْوَانَ مَوْلَى بَنِي فَزَارَةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ من التاسعة مات سنة أربع أو خمسين أَوْ سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ (عَنْ نُعَيْمِ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ أَبِي هِنْدٍ) النُّعْمَانِ بْنِ أَشْيَمَ الْأَشْجَعِيِّ ثِقَةٌ رُمِيَ بِالنَّصْبِ مِنَ الرَّابِعَةِ مَاتَ سَنَةَ 110 عَشْرٍ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) اسْمُهُ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مَاتَ فِي خِلَافَةِ

عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَهُ مِائَةُ سَنَةٍ قَوْلُهُ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ قَاعِدًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْقَاعِدِ لِعُذْرٍ خَلْفَ الْقَائِمِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ بِتَمَامِهِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ (وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ فِي مَرَضِهِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَصَلَّى إِلَى جَنْبِ أَبِي بَكْرٍ وَالنَّاسُ يَأْتَمُّونَ بِأَبِي بَكْرٍ وَأَبُو بَكْرٍ يَأْتَمُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) رواه الشيخان عنها قال مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَرَادَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن مكانك ثم أتيابه حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي قَائِمًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي قَاعِدًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَلِلْبُخَارِيِّ فِي رِوَايَةٍ فَخَرَجَ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَلِمُسْلِمٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَبُو بكر يسمعهم التكبير فقوله عن يسار أبو بَكْرٍ فِيهِ رَدٌّ عَلَى الْقُرْطُبِيِّ حَيْثُ قَالَ لَمْ يَقَعْ فِي الصَّحِيحِ بَيَانُ جُلُوسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ وَقَوْلُهُ يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِمَامًا وَأَبُو بَكْرٍ مُؤْتَمًّا بِهِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا شَدِيدًا كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان الْمُقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الْمُقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقَدَّمَ وَأَخْرَجَ بن الْمُنْذِرِ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صلى خلف أبي بكر وأخرج بن حِبَّانَ عَنْهَا بِلَفْظِ كَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن خزيمة

عَنْهَا بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ تَضَافَرَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ عَائِشَةَ بِالْجَزْمِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ هُوَ الْإِمَامَ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ سَلَكَ التَّرْجِيحَ فَقَدَّمَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ مَأْمُومًا لِلْجَزْمِ بِهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَهُوَ أَحْفَظُ فِي حَدِيثِ الْأَعْمَشِ مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ ذَلِكَ فَقَدَّمَ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ كَانَ إِمَامًا وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَكَ الْجَمْعَ فَحَمَلَ الْقِصَّةَ عَلَى التَّعَدُّدِ وَالظَّاهِرُ مِنْ رِوَايَةِ حَدِيثِ الْبَابِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِمَامًا وَأَبُو بَكْرٍ مُؤْتَمًّا لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ الْمَذْكُورَ الْمُرَادُ بِهِ الِائْتِمَامُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمُ التَّكْبِيرَ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي هَذَا الْبَابِ (وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ قَاعِدٌ) ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَهُ فَقَالَ [363] (حَدَّثَنَا بِذَلِكَ) أَيْ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِغَيْرِ السَّنَدِ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الْقَطَوَانِيُّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمُهْمَلَةِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ الدِّهْقَانُ صَدُوقٌ قاله الحافظ روى عن بن عُيَيْنَةَ وَوَكِيعٍ وَزَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ وَعَنْهُ د ت ق قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ قَالَهُ الْخَزْرَجِيُّ أَخْبَرَنَا (شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشِدَّةِ الْوَاوِ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ) بْنِ مُصَرِّفٍ الْيَامِيُّ الْكُوفِيُّ عَنْ أَبِيهِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَطَائِفَةٍ وَعَنْهُ شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ وَخَلْقٌ قَالَ أَحْمَدُ لَا بَأْسَ بِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَكَادُ يَقُولُ حَدَّثَنَا وقال النسائي ليس بالقوي وقال بن حبان ثقة يخطىء وأختلف فيه كلام بن معين مات سنة 761 سبع وستون وَمِائَةٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ وَأَنْكَرُوا سَمَاعَهُ مِنْ أَبِيهِ لِصِغَرِهِ (عَنْ حُمَيْدٍ) بالتَّصْغِيرُ هُوَ حُمَيْدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ مَوْلَى طَلْحَةَ الطَّلَحَاتِ أَبُو عُبَيْدَةَ الطَّوِيلُ مُخْتَلَفٌ فِي اسْمِ أَبِيهِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَمَالِكٌ وَالسُّفْيَانَانِ وَالْحَمَّادَانِ وَخَلْقٌ قَالَ الْقَطَّانُ مَاتَ حُمَيْدٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي قَالَ شُعْبَةُ لَمْ يَسْمَعْ حُمَيْدٌ مِنْ أَنَسٍ إِلَّا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ حَدِيثًا مَاتَ سَنَةَ 241 ثِنْتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مُدَلِّسٌ وَعَابَهُ زَائِدَةُ لِدُخُولِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْأُمَرَاءِ (عَنْ ثَابِتِ) بْنِ أَسْلَمَ الْبُنَانِيِّ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبِنُونَيْنِ مَوْلَاهُمُ البصري عن بن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَأَنَسٍ وَخَلْقٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَالْحَمَّادَانِ وَمَعْمَرٌ قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ عَابِدٌ

باب ما جاء في الامام ينهض في الركعتين ناسيا

قَوْلُهُ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ قَاعِدًا) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ إِمَامًا بَلْ كَانَ الْإِمَامُ أَبَا بَكْرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا (فِي ثَوْبٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ) أَيْ مُتَغَشِّيًا بِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ إِنَّهُ كَانَ يَتَوَشَّحُ أَيْ يَتَغَشَّى بِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ 54 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِمَامِ يَنْهَضُ فِي الركعتين ناسيا [364]) قوله (أخبرنا بن أَبِي لَيْلَى) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي أَبُو عبد الرحمن صدوق سيء الْحِفْظِ جِدًّا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَخَذَ عَنْ أَخِيهِ عِيسَى وَالشَّعْبِيِّ وَعَطَاءٍ وَغَيْرِهِمْ (عَنِ الشَّعْبِيِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ قَالَ مَكْحُولٌ مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْهُ وُلِدَ لِسِتِّ سِنِينَ خَلَتْ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَرَوَى عَنْهُ وعن علي وبن مَسْعُودٍ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وعائشة وجرير وبن عَبَّاسٍ وَخَلْقٍ قَالَ أَدْرَكْتُ خَمْسَمِائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وعنه بن سِيرِينَ وَالْأَعْمَشُ وَشُعْبَةُ وَخَلْقٌ قَوْلُهُ (فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ) يَعْنِي أَنَّهُ قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ (فَسَبَّحَ بِهِ الْقَوْمُ) أَيْ قَالُوا سُبْحَانَ اللَّهِ لِيَرْجِعَ عَنِ الْقِيَامِ وَيَجْلِسَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ (وَسَبَّحَ بِهِمْ) أَيْ قَالَ سبحان الله

مُشِيرًا إِلَيْهِمْ أَنْ يَقُومُوا فَالْبَاءُ بِمَعْنَى اللَّامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ) (فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ وَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ فِيهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وسعد وعبد الله بن بُحَيْنَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْهُ أَنَّهُ قَامَ فِي صَلَاتِهِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَقَالَ النَّاسُ سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ فَعَرَفَ الَّذِي يُرِيدُونَ فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُكُمْ تَقُولُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ لِكَيْ أَجْلِسَ وَأَنْ لَيْسَ تِلْكَ السُّنَّةَ إِنَّمَا السُّنَّةُ الَّتِي صَنَعْتُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُقْبَةَ وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَفِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ صَلَّى بِنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَسَبَّحْنَا لَهُ فَاسْتَتَمَّ قَائِمًا قَالَ فَمَضَى فِي قِيَامِهِ حَتَّى فَرَغَ قَالَ أَكُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنْ أَجْلِسَ إِنَّمَا صَنَعْتُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ قَالَ أَبُو عُثْمَانَ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ لَمْ نَسْمَعْ أَحَدًا يَرْفَعُ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرَ أَبِي مُعَاوِيَةَ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصحيح وأما حديث عبد الله بن بُحَيْنَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي بن أَبِي لَيْلَى مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ قَالَ أَحْمَدُ لا يحتج بحديث بن أَبِي لَيْلَى) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ صَدُوقٌ إمام سيء الْحِفْظِ وَقَدْ وُثِّقَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ كَانَ فَقِيهًا صَدُوقًا صَاحِبَ سُنَّةٍ جَائِزَ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ بِأَقْوَى مَا يَكُونُ وَقَالَ أَحْمَدُ مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ وَقَالَ شُعْبَةُ مَا رَأَيْتُ أَسْوَأَ مِنْ حِفْظِهِ وَقَالَ يحيى القطان سيء الْحِفْظِ جِدًّا وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِذَلِكَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رَدِيءُ الْحِفْظِ كَثِيرُ الْوَهَمِ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ عَامَّةُ أَحَادِيثِهِ مَقْلُوبَةٌ انْتَهَى مَا فِي الميزان مختصرا

قَوْلُهُ (وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ جَابِرٍ) هُوَ جَابِرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْحَارِثِ الْجُعْفِيُّ (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُبَيْلٍ) بِضَمِّ الشِّينِ مُصَغَّرًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ شِبْلٍ قَالَ الْحَافِظُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شِبْلٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ بِالتَّصْغِيرِ الْبَجَلِيُّ الأحمصي أَبُو الطُّفَيْلِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ) بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ فَإِنِ اسْتَوَى قَائِمًا فَلَا يجلس ويسجد سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ قَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ تَرَكَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعَبْدُ الرحمن المهدي وَغَيْرُهُمَا جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ هَذَا أَحَدُ عُلَمَاءِ الشِّيعَةِ يُؤْمِنُ بِرَجْعَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ الثَّوْرِيُّ كَانَ جَابِرٌ وَرِعًا فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ شُعْبَةُ صَدُوقٌ وَإِذَا قَالَ حَدَّثَنَا وَسَمِعْتُ فَهُوَ مِنْ أَوْثَقِ النَّاسِ وَقَالَ وَكِيعٌ إِنَّ جَابِرًا ثِقَةٌ هَذِهِ أَقْوَالُ الْمُعَدِّلِينَ فِيهِ وَأَمَّا أَقْوَالُ الْجَارِحِينَ فَقَالَ أَيُّوبُ كَذَّابٌ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ اتُّهِمَ بِالْكَذِبِ وَتَرَكَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ الْكُوفِيُّ مَا رَأَيْتُ أَكْذَبَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَقَالَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ كَذَّابٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مَتْرُوكٌ وتركه سفيان بن عيينة وقال الجونجاني كذاب وقال بن عَدِيٍّ عَامَّةُ مَا قَذَفُوهُ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يؤمن بالرجعة وليس لجابر الجعفي في النسائي وَأَبِي دَاوُدَ سِوَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ فِي سُجُودِ السهو وقال بن حِبَّانَ كَانَ يَقُولُ إِنَّ عَلِيًّا يَرْجِعُ إِلَى الدُّنْيَا وَقَالَ زَائِدَةُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ رَافِضِيٌّ يَشْتُمُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ جَابِرًا ضَعِيفٌ رَافِضِيٌّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ قُلْتُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ رَافِضِيٌّ

باب ما جاء في مقدار القعود في الركعتين الأوليين

قَوْلُهُ (مِنْهُمْ مَنْ رَأَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى بَعْدَ التَّسْلِيمِ إِلَخْ) يَجِيءُ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَبْوَابِ السُّجُودِ [365] قَوْلُهُ (عَنِ الْمَسْعُودِيِّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَضَابِطُهُ أَنَّ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بِبَغْدَادَ فَبَعْدَ الِاخْتِلَاطِ انْتَهَى 55 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مِقْدَارِ الْقُعُودِ في الركعتين الأوليين [366]) قوله أخبرنا سعد أبي إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَلِيَ قَضَاءَ الْمَدِينَةِ وَكَانَ ثِقَةً فَاضِلًا عَابِدًا مِنَ الْخَامِسَةِ (سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَبُو عُبَيْدَةَ هَذَا اسْمُهُ عَامِرٌ وَيُقَالُ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ وَقَدِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِحَدِيثِهِ فِي صَحِيحَيْهِمَا غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَأَلْتُ أَبَا عُبَيْدَةَ هَلْ تَذْكُرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ شَيْئًا قَالَ مَا أَذْكُرُ شَيْئًا انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ

قَوْلُهُ (كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ) بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَبِفَتْحٍ وَبَعْدَهَا فَاءٌ جَمْعُ رَضْفَةٍ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ عَلَى النَّارِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّخْفِيفِ فِي الْجُلُوسِ وَقَالَ شُعْبَةُ ثُمَّ حَرَّكَ سَعْدٌ أَيِ بن إِبْرَاهِيمَ شَيْخُ شُعْبَةَ (شَفَتَيْهِ بِشَيْءٍ) أَيْ تَكَلَّمَ سَعْدٌ بِشَيْءٍ بِالسِّرِّ لَمْ يَسْمَعْهُ شُعْبَةُ إِلَّا أَنَّهُ رَأَى تَحْرِيكَ شَفَتَيْهِ (فَأَقُولُ حَتَّى يَقُومَ) أَيْ قَالَ شُعْبَةُ فَقُلْتُ لِسَعْدٍ الَّذِي حَرَّكْتَ بِهِ شَفَتَيْهِ هُوَ مَتَى يَقُومُ (فَيَقُولُ حَتَّى يَقُومَ) أَيْ فَقَالَ سَعْدٌ حَتَّى يَقُومَ وَالضَّمِيرُ فِي يَقُومُ يَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقوله أقول وَيَقُولُ مُضَارِعَانِ بِمَعْنَى الْمَاضِي إِشْعَارًا لِإِحْضَارِ تِلْكَ الْحَالَةِ لِضَبْطِ الْحَدِيثِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ قُلْتُ حَتَّى يَقُومَ قَالَ ذَلِكَ يُرِيدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ) فَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ قَالَ الحافظ في التلخيص وروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ كان أبو بكر إذ جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ إِسْنَادُهُ صحيح وعن بن عمر نحوه وروى أحمد وبن خزيمة من حديث بن مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فَكَانَ يَقُولُ إِذَا جَلَسَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ وَفِي آخِرِهَا عَلَى وَرِكِهِ الْيُسْرَى التَّحِيَّاتُ إِلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَالَ ثُمَّ إِنْ كَانَ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ نَهَضَ حِينَ يَفْرُغُ مِنْ تَشَهُّدِهِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهَا دَعَا بَعْدَ تَشَهُّدِهِ بِمَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَدْعُوَ ثُمَّ يُسَلِّمُ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (وَقَالُوا إِنْ زَادَ عَلَى التَّشَهُّدِ فَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ هَكَذَا رُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْتُ وَلِيَ فِيهِ تَأَمُّلٌ

باب ما جاء في الاشارة في الصلاة

156 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ [367]) أَيْ لِرَدِّ السَّلَامِ أَوْ لِحَاجَةٍ تَعْرِضُ قَوْلُهُ (عَنْ نَابِلٍ صَاحِبِ الْعَبَاءِ) أَوَّلُهُ نُونٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْكُتُبِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ نَابِلٌ صَاحِبُ الْعَبَاءِ وَالْأَكْسِيَةِ وَالشِّمَالِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ صُهَيْبٍ) هُوَ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو يَحْيَى الرُّومِيُّ أَصْلُهُ مِنَ النَّمِرِ يُقَالُ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ الْمَلِكِ وَصُهَيْبٌ لَقَبُ صَحَابِيٍّ شَهِيرٍ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ 38 ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَكَانَ مَنْزِلُهُ بِأَرْضِ الْمَوْصِلِ بَيْنَ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ فَأَغَارَتِ الرُّومُ عَلَى تِلْكَ النَّاحِيَةِ فَسَبَتْهُ وَهُوَ غُلَامٌ فَنَشَأَ بِالرُّومِ فَابْتَاعَهُ مِنْهُمْ كَلْبٌ ثُمَّ قَدِمَتْ بِهِ مَكَّةَ فَاشْتَرَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ فَأَعْتَقَهُ فَأَقَامَ مَعَهُ إِلَى أَنْ هَلَكَ وَيُقَالُ إِنَّهُ لَمَّا كَبِرَ فِي الرُّومِ وَعَقَلَ هَرَبَ مِنْهُمْ وَقَدِمَ مَكَّةَ فَخَالَفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُدْعَانَ وَأَسْلَمَ قَدِيمًا بِمَكَّةَ وَكَانَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الْمُعَذَّبِينَ فِي اللَّهِ بِمَكَّةَ ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وفيه نزل ومن الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضاة الله كَذَا فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ لِصَاحِبِ الْمِشْكَاةِ قَوْلُهُ (فَرَدَّ إِلَيَّ إِشَارَةٍ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ (وَقَالَ) أَيْ نابل (لا أعلم إلا أنه) أي بن عُمَرَ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بِلَالٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ فَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن خزيمة وبن حِبَّانَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عائشة فأخرجه الشيخان وأبو داود وبن مَاجَهْ فِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاكِيًا وَفِيهِ فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا الْحَدِيثَ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ رَدِّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ وَاخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ

وَمِنْهُمُ الطَّحَاوِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَاسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ يَعْنِي الصَّلَاةَ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ مَنْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ إِشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُعِدْهَا يَعْنِي الصَّلَاةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ بِالْعَنْعَنَةِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَهْمٌ وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَانِئٍ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ مَنْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ إِشَارَةً يُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُعِدِ الصَّلَاةَ فَقَالَ لَا يَثْبُتُ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قال بن أَبِي دَاوُدَ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو غَطَفَانَ قَالَ بن أَبِي دَاوُدَ هُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ قَالَ وَآخِرُ الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ وَالصَّحِيحُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ قُلْتُ وَلَيْسَ بِمَجْهُولٍ فَقَدْ رَوَى عنه جماعة ووثقه النسائي وبن حِبَّانَ انْتَهَى وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الرَّدَّ بِالْإِشَارَةِ مَنْسُوخٌ لِأَنَّهُ كَلَامُ مَعْنًى وَقَدْ نُسِخَ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ كَوْنَ الْإِشَارَةِ فِي مَعْنَى الْكَلَامِ بَاطِلٌ قَدْ أَبْطَلَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ وَأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ الباب بأنها كان قَبْلَ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مَرْدُودٌ إِذْ لَوْ كَانَتْ قَبْلَ نَسْخِ الْكَلَامِ لَرُدَّ بِاللَّفْظِ لَا بِالْإِشَارَةِ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ يؤيده حديث بن مَسْعُودٍ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا وَلَمْ يَقُلْ فَأَشَارَ إِلَيْنَا وَكَذَا حَدِيثُ جَابِرٍ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي فَلَوْ كَانَ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ جَائِزًا لَفَعَلَهُ وَأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْإِشَارَةِ لَوْ لَمْ تَكُنْ بَعْدَ نَسْخِهِ لَوَدَّعَهُ بِاللَّفْظِ إِذِ الرَّدُّ بِاللَّفْظِ وَاجِبٌ إِلَّا لِمَانِعٍ كَالصَّلَاةِ فَلَمَّا رُدَّ بِالْإِشَارَةِ عُلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنَ الْكَلَامِ قَالُوا وأما حديث بن مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ فَالْمُرَادُ بِنَفْيِ الرَّدِّ فِيهِ بِالْكَلَامِ بدليل لفظ بن حبان في حديث بن مَسْعُودٍ وَقَدْ أُحْدِثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ وَأَجَابُوا أَيْضًا عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّ إِشَارَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لِلنَّهْيِ عَنِ السَّلَامِ لَا لِرَدِّهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ هَذَا الْحَمْلَ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ أَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّهُ وَتُبْطِلُهُ

باب ما جاء أن التسبيح للرجال والتصفيق للنساء

[368] قَوْلُهُ (قَالَ كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ) وَفِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ الْمُتَقَدِّمِ بِأُصْبُعِهِ وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَشَارَ مَرَّةً بِأُصْبُعِهِ وَمَرَّةً بِيَدِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْيَدِ الْأُصْبُعَ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَحَدِيثُ صُهَيْبٍ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 57 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ التَّسْبِيحَ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقَ لِلنِّسَاءِ [369]) قَوْلُهُ التَّسْبِيحُ لِلرِّجَالِ أَيْ قَوْلُ سُبْحَانَ اللَّهِ إِذَا نَابَ شَيْءٌ فِي الصَّلَاةِ وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ التَّصْفِيحُ لِلنِّسَاءِ قَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ الْمَشْهُورُ إِنَّ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ قَالَ عُقْبَةُ وَالتَّصْفِيحُ التَّصْفِيقُ وَكَذَا قَالَ أبو علي البغدادي والخطابي والجوهري وقال بن حزم لا خلاف في أن التصفيح التصفيق معنى وَاحِدٍ وَهُوَ الضَّرْبُ بِإِحْدَى صَفْحَتَيِ الْكَفِّ عَلَى الْأُخْرَى قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَمَا ادَّعَاهُ مِنْ نَفْيِ الْخِلَافِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ فِيهِ قَوْلَانِ آخَرَانِ أَنَّهُمَا مُخْتَلِفَا الْمَعْنَى أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّصْفِيحَ الضَّرْبُ بِظَاهِرِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَالتَّصْفِيقُ الضَّرْبُ بِبَاطِنِ إِحْدَاهُمَا عَلَى بَاطِنِ الْأُخْرَى حَكَاهُ صَاحِبُ الْإِكْمَالِ وَصَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ التَّصْفِيحَ الضَّرْبُ بِأُصْبُعَيْنِ لِلْإِنْذَارِ وَالتَّنْبِيهِ وَبِالْقَافِ بِالْجَمِيعِ لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ عِيسَى بن

باب ما جاء في كراهية التثاؤب في الصلاة

أَيُّوبَ أَنَّ التَّصْفِيحَ الضَّرْبُ بِأُصْبُعَيْنِ مِنَ الْيَمِينِ عَلَى بَاطِنِ الْكَفِّ الْيُسْرَى كَذَا فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّسْبِيحِ لِلرِّجَالِ وَالتَّصْفِيقِ لِلنِّسَاءِ إِذَا نَابَ أَمْرٌ مِنَ الْأُمُورِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وجابر وأبي سعيد وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ فَإِنَّمَا التَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ وَحَدِيثُهُ طَوِيلٌ وَهَذَا طَرَفٌ مِنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فأخرجه بن أبي شيبة وأماحديث أبي سعيد فأخرجه بن عدي في الكامل وأما حديث بن عمر فأخرجه بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (قَالَ عَلِيٌّ كُنْتُ إِذَا اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يصلي سبح) أخرجه أحمد وبن ماجه والنسائي وصححه بن السَّكَنِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ وَقِيلَ سَبَّحَ وَقِيلَ تَنَحْنَحَ وَمَدَارُهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُجَيٍّ قَالَ الْحَافِظُ وَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ فَقِيلَ عَنْ عَلِيٍّ وَقِيلَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وضعفه غيره ووثقه النسائي وبن حِبَّانَ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَمْ يَسْمَعْهُ عَبْدُ اللَّهِ عَنْ عَلِيٍّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَلِيٍّ أَبُوهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 58 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ التَّثَاؤُبِ فِي الصَّلَاةِ [370]) التَّثَاؤُبُ تَنَفُّسٌ يَنْفَتِحُ مِنْهُ الْفَمُ مِنَ الِامْتِلَاءِ وَكُدُورَةِ الْحَوَاسِّ قَوْلُهُ التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الشَّيْطَانِ جَعَلَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ كَرَاهِيَةً لَهُ لِأَنَّهُ يَكُونُ مَعَ ثِقَلِ

باب ما جاء أن صلاة القاعد على النصف من صلاة

الْبَدَنِ وَامْتِلَائِهِ وَاسْتِرْخَائِهِ وَمَيْلِهِ إِلَى الْكَسَلِ وَالنَّوْمِ فَأُضِيفَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ الدَّاعِي إِلَى إِعْطَاءِ النَّفْسِ شَهْوَتَهَا وَأَرَادَ بِهِ التَّحْذِيرَ مِنْ سَبَبِهِ وَهُوَ التَّوَسُّعُ فِي الْمَطْعَمِ وَالشِّبَعِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ أَيْ فَتَحَ فَاهُ لِلْكَسَلِ وَكُدُورَةِ الْحَوَاسِّ فَلْيَكْظِمْ بِفَتْحِ يَاءِ الْمُضَارَعَةِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لِيَحْبِسْهُ وَلْيُمْسِكْهُ بِوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ أَوْ تَطْبِيقِ السِّنِّ وَضَمِّ الشَّفَتَيْنِ مَا اسْتَطَاعَ أَيْ مَا أَمْكَنَهُ وَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَدِّ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جَدِّ عدي بن ثابت فأخرجه بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ بِلَفْظِ إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَقُلْ هَا فَإِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنَ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ التَّثَاؤُبَ فِي الصَّلَاةِ) وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ (قَالَ إِبْرَاهِيمُ) هُوَ النَّخَعِيُّ (إِنِّي لَأَرُدُّ) أَيْ مِنَ الرَّدِّ أَيْ إِنِّي لَأَدْفَعُ 59 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ) الْقَائِمِ [371] قَوْلُهُ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَدَّثَنِي عمران بن حصين وكان ميسورا أَيْ كَانَتْ بِهِ بَوَاسِيرُ

قَوْلُهُ (وَمَنْ صَلَّاهَا نَائِمًا) أَيْ مُضْطَجِعًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ لَا أَحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ نَائِمًا كَمَا رَخَّصُوا فِيهَا قَاعِدًا فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ولو تَكُنْ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ مُدْرَجَةً فِي الْحَدِيثِ قياسا على صلاة القاعدة أو اعتبار بِصَلَاةِ الْمَرِيضِ نَائِمًا إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقُعُودِ دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ تَطَوُّعِ الْقَادِرِ عَلَى الْقُعُودِ مُضْطَجِعًا قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَنِّي سَمِعْتُ نائما إلا في هذا الحديث وقال بن بَطَّالٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ مَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ فَلَا يَصِحُّ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ النَّافِلَةَ لَا يُصَلِّيهَا الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ إِيمَاءً قَالَ وَإِنَّمَا دَخَلَ الْوَهَمُ عَلَى نَاقِلِ الْحَدِيثِ وَتَعَقَّبَ ذَلِكَ العراقي فقال أما نفي الخطابي وبن بَطَّالٍ لِلْخِلَافِ فِي صِحَّةِ التَّطَوُّعِ مُضْطَجِعًا لِلْقَادِرِ فَمَرْدُودٌ فَإِنَّ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ وَجْهَيْنِ الْأَصَحُّ منهما الصحة وعند المالكية ثلاثا أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْإِكْمَالِ أَحَدُهَا الْجَوَازُ مُطْلَقًا فِي الِاضْطِرَارِ وَالِاخْتِيَارُ لِلصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ جَوَازَهُ فَكَيْفَ يُدَّعَى مَعَ هَذَا الْخِلَافِ الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ الِاتِّفَاقُ انْتَهَى وَقَدِ اخْتَلَفَ شُرَّاحُ الْحَدِيثِ فِي هَذَا هَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّطَوُّعِ أَوْ عَلَى الْفَرْضِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْقَادِرِ فَحَمَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَلَى الثَّانِي وَهُوَ مَحْمَلٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمَرِيضَ الْمُفْتَرِضَ الَّذِي أَتَى بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْقُعُودِ وَالِاضْطِجَاعِ يُكْتَبُ لَهُ جَمِيعُ الأجر لا نصفه وحمله سفيان الثوري وبن الْمَاجِشُونِ عَلَى التَّطَوُّعِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ وَقَالَ إِنَّهُ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ كَذَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ الْمَرِيضَ الْمُفْتَرِضَ الَّذِي يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَامَلَ فَيَقُومَ مَعَ مَشَقَّةٍ فَجَعَلَ أَجْرَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ تَرْغِيبًا لَهُ الْقِيَامِ مَعَ جَوَازِ الْقُعُودِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ هَذَا وَهُوَ حَمْلٌ مُتَّجَهٌ قَالَ فَمَنْ صَلَّى فَرْضًا قَاعِدًا وَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِيَامُ أَجْزَأَهُ وَكَانَ هُوَ وَمَنْ صَلَّى قَائِمًا سَوَاءً فَلَوْ تَحَامَلَ هَذَا الْمَعْذُورُ وَتَكَلَّفَ الْقِيَامَ وَلَوْ شَقَّ عَلَيْهِ كَانَ أَفْضَلَ لِمَزِيدِ أَجْرِ تَكَلُّفِ الْقِيَامِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ أَجْرُهُ عَلَى ذَلِكَ نَظِيرَ أَجْرِهِ عَلَى أَصْلِ الصَّلَاةِ فَيَصِحُّ أَنَّ أَجْرَ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى النَّفْلَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ أَجْزَأَهُ وَكَانَ أَجْرُهُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ أَجْرِ الْقَائِمِ بِغَيْرِ إِشْكَالٍ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنِ اقْتِصَارِ الْعُلَمَاءِ فِي حَمْلِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ عَلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ أَنْ لَا تُرَادَ الصُّورَةُ الَّتِي ذكرها الخطابي

وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَشْهَدُ لَهَا فَعِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَهِيَ مُحَمَّةٌ فحمى النَّاسُ فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ مِنْ قُعُودٍ فَقَالَ صَلَاةُ القاعدة مِثْلُ صَلَاةِ الْقَائِمِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ مُتَابِعٌ لَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ وَارِدٌ فِي الْمَعْذُورِ فَيُحْمَلُ عَنْ مَنْ تَكَلَّفَ الْقِيَامَ مَعَ مَشَقَّتِهِ عَلَيْهِ كَمَا بَحَثَهُ الْخَطَّابِيُّ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَسٍ وَيَزِيدَ بْنِ السَّائِبِ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ صَلَاةُ الرَّجُلِ قَاعِدًا نِصْفُ الصَّلَاةِ وَلَكِنِّي لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى الْأَرْضِ فِي الْمَكْتُوبَةِ قَاعِدًا وقعد في التسبيح في الأرض فأومئ إِيمَاءً قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِيهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَاضِي حَلَبَ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ السَّائِبِ فَلَمْ أَقِفْ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَالنَّيْلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (بِهَذَا الْإِسْنَادِ) أَيْ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ (إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ) أَيْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا) قَالَ الْحَافِظُ لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الْقُعُودِ فَيُؤْخَذُ مِنْ إِطْلَاقِهِ جَوَازُهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَ الْمُصَلِّي وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ فَعَنِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا وَقِيلَ يَجْلِسُ مُفْتَرِشًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَقِيلَ مُتَوَرِّكًا وَفِي كُلٍّ مِنْهَا أَحَادِيثُ انْتَهَى (فَعَلَى جَنْبٍ) فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ بِوَجْهِهِ وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي الِانْتِقَالِ مِنَ الْقُعُودِ إِلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنْبِ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يَسْتَلْقِي عَلَى ظَهْرِهِ وَيَجْعَلُ على رِجْلَيْهِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ حَالَةَ الِاسْتِلْقَاءِ تَكُونُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ لَا يَنْتَقِلُ الْمَرِيضُ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنِ الِاسْتِلْقَاءِ إِلَى حالة أخرى

كالإ شارة بِالرَّأْسِ ثُمَّ الْإِيمَاءِ بِالطَّرْفِ ثُمَّ إِجْرَاءِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ عَلَى اللِّسَانِ ثُمَّ الْقَلْبِ لِكَوْنِ جَمِيعِ ذَلِكَ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طهمان الخرساني أَبِي سَعِيدٍ سَكَنَ نَيْسَابُورَ ثُمَّ مَكَّةَ ثِقَةٌ يغرب وتكلم فيه الارجاء وَيُقَالُ رَجَعَ عَنْهُ مِنَ السَّابِعَةِ [372] (لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ نَحْوَ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ وَقَدْ رَوَى أَبُو أُسَامَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ نَحْوَ رِوَايَةِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ تَضْعِيفُ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ كما فهمه بن الْعَرَبِيِّ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ وَرُدَّ عَلَى التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ رِوَايَةَ إِبْرَاهِيمَ تُوَافِقُ الْأُصُولَ وَرِوَايَةَ غَيْرِهِ تُخَالِفُهَا فَتَكُونُ رِوَايَةُ إِبْرَاهِيمَ أَرْجَحَ لِأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى التَّرَجُّحِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لَا مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادُ وَإِلَّا فَاتِّفَاقُ الْأَكْثَرِ عَلَى شَيْءٍ يَقْتَضِي أَنَّ رِوَايَةَ مَنْ خَالَفَهُمْ تَكُونُ شَاذَّةً وَالْحَقُّ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَتَانِ كَمَا صَنَعَ الْبُخَارِيُّ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى حُكْمٍ غَيْرِ الْحُكْمِ الَّذِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْأُخْرَى انْتَهَى قَوْلُهُ (وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ) أَيِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ عَنِ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ (عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ) وحكاه النَّوَوِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ (قَالَ إِنْ شَاءَ الرَّجُلُ صَلَّى صَلَاةَ التَّطَوُّعِ قَائِمًا وَجَالِسًا وَمُضْطَجِعًا) قَالَ الطيبي وهل يجوز أن يصلي التطوع قائما مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ أَوِ الْقُعُودِ فَذَهَبَ بَعْضٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى جَوَازِهِ فَأَجْرُهُ نِصْفُ الْقَاعِدِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَوْلَى لِثُبُوتِهِ فِي السُّنَّةِ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ مَا قال الطيبي وقال القارىء وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَقِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي حَقِّ الْمُفْتَرِضِ الْمَرِيضِ الَّذِي أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ أَوِ الْقُعُودُ مَعَ شِدَّةٍ وَزِيَادَةٍ فِي الْمَرَضِ انْتَهَى

باب من يتطوع جالسا

قُلْتُ هَذَا عِنْدِي خِلَافُ الظَّاهِرِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَقَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ مِثْلُ قَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ) وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَفَعَهُ إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ صَالِحُ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ قَالَ الْحَافِظُ في الفتح وله شواهد كثيرة 60 - (باب من يَتَطَوَّعُ جَالِسًا [373]) قَوْلُهُ (عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ السَّهْمِيِّ) صَحَابِيٌّ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَنَزَلَ الْمَدِينَةَ وَمَاتَ بِهَا وَأُمُّهُ أَرْوَى بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِنْتُ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (صلى في سبحته) السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ نَافِلَتِهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَيُقَالُ لِلذِّكْرِ وَصَلَاةُ النَّافِلَةِ سُبْحَةٌ أَيْضًا وَهِيَ مِنَ التَّسْبِيحِ كَالسُّخْرَةِ مِنَ التَّسْخِيرِ وَخُصَّتِ النَّافِلَةُ بِهَا وَإِنْ شَارَكَتْهَا الْفَرِيضَةُ فِي مَعْنَاهَا لِأَنَّ التَّسْبِيحَاتِ فِي الْفَرَائِضِ نَوَافِلُ فَالنَّافِلَةُ شَارَكَتْهَا فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَتَّى تَكُونَ أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا) يَعْنِي أَنَّ مُدَّةَ قِرَاءَتِهِ لَهَا أَطْوَلُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةٍ أُخْرَى أَطْوَلَ مِنْهَا إِذَا قُرِئَتْ غَيْرَ مُرَتَّلَةٍ وَإِلَّا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ السُّورَةُ نَفْسُهَا أَطْوَلَ مِنْ أَطْوَلَ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ تَقَيُّدٍ بِالتَّرْتِيلِ وَالْإِسْرَاعِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مِنْ قُعُودٍ وَهُوَ مُجْمَعٌ عليه وفيه

اسْتِحْبَابُ تَرْتِيلِ الْقِرَاءَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثِهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ حَفْصَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ جَالِسًا فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا فَإِذَا قَرَأَ وَهُوَ قَائِمٌ رَكَعَ وَسَجَدَ وَهُوَ قَائِمٌ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ لَا شَكَّ أَنَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ يُنَافِيَانِ الْقِيَامَ فَالْمُرَادُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ وَهُوَ نَائِمٌ فَيَخِرُّ مِنْ قِيَامِهِ إِلَى رُكُوعِهِ وَمِنْ قَوْمَتِهِ الَّتِي هِيَ الْقِيَامُ أَيْضًا إِلَى سُجُودِهِ قَوْلُهُ (قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَالْعَمَلُ عَلَى كِلَا الْحَدِيثَيْنِ إِلَخْ قَالَ الْعِرَاقِيُّ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يفعل مرة كذا ومرة كذا

باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني

161 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إني) لأسمع إلخ [376] قَوْلُهُ (فَأُخَفِّفُ) بَيْنَ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ مَحِلُّ التَّخْفِيفِ وَلَفْظُهُ فَيَقْرَأُ السُّورَةَ القصيرة وبين بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ مِقْدَارُهَا وَلَفْظُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِسُورَةٍ طَوِيلَةٍ فَسَمِعَ بُكَاءَ صَبِيٍّ فَقَرَأَ بِالثَّانِيَةِ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَهَذَا مُرْسَلٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (مَخَافَةَ أَنْ تَفْتَتِنَ أُمُّهُ) مِنَ الِافْتِتَانِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنْ تُفْتَنَ مِنَ الْفِتْنَةِ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ تَلْتَهِيَ عَنْ صَلَاتِهَا لِاشْتِغَالِ قَلْبِهَا بِبُكَائِهِ زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءٍ أَوْ تَتْرُكَهُ فَيَضِيعَ انْتَهَى وَقَوْلُهُ مَخَافَةَ بِفَتْحِ الْمِيمِ أي خوفا من افتتان أمه قال بن بَطَّالٍ احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إِطَالَةُ الرُّكُوعِ إِذَا سَمِعَ بِحِسٍّ دَاخِلٍ لِيُدْرِكَهُ وتعقبه بن الْمُنِيرِ بِأَنَّ التَّخْفِيفَ نَقِيضُ التَّطْوِيلِ فَكَيْفَ يُقَاسُ عَلَيْهِ قَالَ ثُمَّ أَنَّ فِيهِ مُغَايَرَةً لِلْمَطْلُوبِ لِأَنَّ فِيهِ إِدْخَالَ مَشَقَّةٍ عَلَى جَمَاعَةٍ لِأَجْلِ وَاحِدٍ انْتَهَى وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مَحِلُّ ذَلِكَ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَبِذَلِكَ قَيَّدَهُ أحمد وإسحاق وأبو ثور وما ذكره بن بَطَّالٍ سَبَقَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ وَوَجَّهَهُ بِأَنَّهُ إِذَا جاز التخفيف لِحَاجَةٍ مِنْ حَاجَاتِ الدُّنْيَا كَانَ

باب ما جاء لا تقبل صلاة الحائض إلا بخمار

التَّطْوِيلُ لِحَاجَةٍ مِنْ حَاجَاتِ الدِّينِ أَجْوَزَ وَتَعَقَّبَهُ القرطبي بأن في التطويل ها هنا زِيَادَةَ عَمَلٍ فِي الصَّلَاةِ غَيْرِ مَطْلُوبٍ بِخِلَافِ التَّخْفِيفِ فَإِنَّهُ مَطْلُوبٌ انْتَهَى وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَتَفْصِيلٌ وَأَطْلَقَ النَّوَوِيُّ عَنِ المذهب استحباب ذلك وفي التجريد للحاملي نَقَلُ كَرَاهِيَتِهِ عَنِ الْجَدِيدِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ شِرْكًا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ وَالنَّسَائِيَّ 62277277277 277 - (بَاب مَا جَاءَ لَا تقبل صلاة الحائض إِلَّا بِخِمَارٍ [377]) قَوْلُهُ لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ الْحَائِضِ الْمُرَادُ مِنَ الْحَائِضِ مَنْ بَلَغَ سِنَّ الْمَحِيضِ لَا مَنْ هِيَ مُلَابِسَةُ الْمَحِيضِ فَإِنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا بِخِمَارٍ بِكَسْرِ الْخَاءِ هُوَ مَا يُغَطَّى بِهِ رَأْسُ الْمَرْأَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْخِمَارُ بِالْكَسْرِ النَّصِيفُ كَالْخِمِرِّ كَطِمِرٍّ وَكُلُّ مَا سَتَرَ شَيْئًا فَهُوَ خِمَارُهُ جَمْعُهُ أَخْمِرَةٌ وَخُمْرٌ وَخُمُرٌ وَقَالَ نَصِيفٌ كَأَسِيرِ الْخِمَارِ وَالْعِمَامَةِ وَكُلِّ مَا غَطَّى الرَّأْسَ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ الْمَرْأَةِ رَأْسَهَا حَالَ الصَّلَاةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَنَفْيُ الْقَبُولِ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا نَفْيُ الصِّحَّةِ وَالْإِجْزَاءِ وَقَدْ يُطْلَقُ الْقَبُولُ وَيُرَادُ بِهِ كَوْنُ الْعِبَادَةِ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الثَّوَابُ فَإِذَا نُفِيَ كَانَ نَفْيًا لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الثَّوَابِ لَا نَفْيًا لِلصِّحَّةِ كَمَا وَرَدَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ

صَلَاةَ الْآبِقِ وَلَا مَنْ فِي جَوْفِهِ خَمْرٌ كَذَا قِيلَ قَالَ وَقَدْ بَيَّنَّا فِي رِسَالَةِ الْإِسْبَالِ وَحَوَاشِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ أَنَّ نَفْيَ الْقَبُولِ يُلَازِمُ نَفْيَ الصِّحَّةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِلَفْظِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنِ امْرَأَةٍ صَلَاةً حَتَّى تُوَارِيَ زِينَتَهَا وَلَا مِنْ جَارِيَةٍ بَلَغَتِ الْحَيْضَ حَتَّى تَخْتَمِرَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بِإِسْنَادِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (إِذَا أَدْرَكَتْ) أَيْ بَلَغَتْ وَصَارَتْ مكلفة قول (قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ قِيلَ إِنْ كَانَ ظَهْرُ قَدَمَيْهَا مَكْشُوفًا فَصَلَاتُهَا جَائِزَةٌ) لَكِنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ تَغْطِيَةِ ظُهُورِ قَدَمَيْهَا وَلَفْظُهُ أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ بِغَيْرِ إِزَارٍ قَالَ إِذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ وَقَفَهُ كَذَا فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَلَهُ حكم الرفع وإن كان موقوفا وإذا الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا مَسْرَحَ لِلِاجْتِهَادِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ مَوْقُوفًا وَلَفْظُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قُنْفُذٍ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا سَأَلَتْ أُمَّ سَلَمَةَ مَاذَا تُصَلِّي فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنَ الثِّيَابِ قَالَتْ تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ إِذَا غَيَّبَ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا انْتَهَى مَا فِي السُّبُلِ وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ قَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ سَتْرِ المرأة رأسها حال الصلاة واستدل بن مَنْ سَوَّى بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِي الْعَوْرَةِ لِعُمُومِ ذِكْرِ الْحَائِضِ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ بَيْنَ عَوْرَةِ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فَجَعَلُوا عَوْرَةَ الْأَمَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَالرَّجُلِ وَالْحُجَّةُ لَهُمْ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي حَدِيثِ وَإِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ أَوْ أَجِيرَهُ فَلَا يَنْظُرْ إِلَى مَا دُونَ السُّرَّةِ وَفَوْقَ الرُّكْبَةِ وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا بِلَفْظِ إِذَا زَوَّجَ أَحَدُكُمْ عَبْدَهُ أَمَتَهُ فَلَا يَنْظُرْ إِلَى عَوْرَتِهَا قالوا

باب ما جاء في كراهية السدل في الصلاة

وَالْمُرَادُ بِالْعَوْرَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا صَرَّحَ بِبَيَانِهِ فِي الْحَدِيثِ وَقَالَ مَالِكٌ الْأَمَةُ عَوْرَتُهَا كَالْحُرَّةِ حَاشَا شَعْرِهَا فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَكَأَنَّهُ رَأَى العمل في الحجاز على كشف الاماء لرؤوسهن هكذا حكاه عنه بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّ عَوْرَةَ الْأَمَةِ كَالرَّجُلِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ عَوْرَةِ الْحُرَّةِ فَقِيلَ جَمِيعُ بَدَنِهَا مَا عَدَا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَمَالِكٌ وَقِيلَ وَالْقَدَمَيْنِ وَمَوْضِعَ الْخَلْخَالِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْقَاسِمُ فِي قَوْلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ وَقِيلَ بَلْ جَمِيعُهَا إِلَّا الْوَجْهَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وداود وَقِيلَ جَمِيعُهَا بِدُونِ اسْتِثْنَاءٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَا وَقَعَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (إِلَّا مَا ظهر منها) وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُقْبَلُ صَالِحٌ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الشَّرْطِيَّةِ كَمَا قِيلَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ انْتَهَى 63 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ [378]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ) بْنُ عُقْبَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ السُّوَائِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ أَبُو عَامِرٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا خَالَفَ (عَنْ عِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ بِفَتْحَتَيْنِ التَّمِيمِيُّ أَبُو قُرَّةَ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ انْتَهَى قُلْتُ ذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَمَا فِي التَّهْذِيبِ (عَنْ عطاء) هو بن أَبِي رَبَاحٍ قَوْلُهُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ قال في النيل قال قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِهِ السَّدْلُ إِسْبَالُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضُمَّ جَانِبَيْهِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنْ ضَمَّهُ فَلَيْسَ بِسَدْلٍ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِثَوْبِهِ وَيُدْخِلَ يَدَيْهِ مِنْ دَاخِلٍ فَيَرْكَعَ وَيَسْجُدَ وَهُوَ كَذَلِكَ قَالَ وَهَذَا مُطَّرِدٌ فِي الْقَمِيصِ وَغَيْرِهِ مِنَ الثِّيَابِ قَالَ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَضَعَ وَسَطَ الْإِزَارِ عَلَى رَأْسِهِ وَيُرْسِلَ طَرَفَيْهِ عَنْ يَمِينِهِ

وَشِمَالِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْعَلَهُمَا عَلَى كَتِفَيْهِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ سَدَلَ ثَوْبَهُ يَسْدُلُهُ بِالضَّمِّ سَدْلًا أَيْ أَرْخَاهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ السَّدْلُ إِرْسَالُ الثَّوْبِ حَتَّى يُصِيبَ الْأَرْضَ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا السَّدْلُ وَالْإِسْبَالُ وَاحِدٌ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بالسدل سدل الشعر ومنه حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَدَلَ نَاصِيَتَهُ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا سَدَلَتْ قِنَاعَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ أَيْ أَسْبَلَتْهُ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْمَعَانِي إِنْ كَانَ السَّدْلُ مُشْتَرِكًا بَيْنَهَا وَحَمْلُ الْمُشْتَرِكُ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ هُوَ الْمَذْهَبُ الْقَوِيُّ انْتَهَى كَلَامُهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا نَعْرِفُهُ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَزَادَ أَبُو داود وبن حِبَّانَ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ الْبَابِ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ لِتَفَرُّدِ عِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ قَالَ الْخَلَّالُ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ حَدِيثِ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ لَيْسَ هُوَ بِصَحِيحِ الْإِسْنَادِ وَقَالَ عِسْلُ بْنُ سُفْيَانَ غَيْرُ مُحْكَمِ الْحَدِيثِ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ والبخاري واخرون وذكره بن حبان في الثقات وقال يخطىء وَيُخَالِفُ عَلَى قِلَّةِ رِوَايَتِهِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَعِسْلُ بْنُ سُفْيَانَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ فَقَدْ شَارَكَهُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ عَطَاءٍ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ وَتَرْكُ يَحْيَى لَهُ لَمْ يَكُنْ إِلَّا لقوله إنه كان قدريا وقد قال بن عَدِيٍّ أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ فِي قَوْلِهِ فَقَدْ شَارَكَهُ في الرواية عن عطاء عن الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ نَظَرٌ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ حديث الباب في سننه بإسناده عن بن الْمُبَارَكِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَالْمُشَارِكُ لِعِسْلِ بْنِ سُفْيَانَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ عَطَاءٍ هُوَ سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ لَا الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ وَاعْلَمْ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ أَخْرَجَ حَدِيثَ الْبَابِ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ وَأَشَارَ إِلَى طَرِيقِ عِسْلِ بن سفيان ثم ذكر بإسناده عن بن جُرَيْجٍ قَالَ أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ عَطَاءً يُصَلِّي سَادِلًا قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا يُضَعِّفُ ذَلِكَ الْحَدِيثَ انْتَهَى فَحَدِيثُ الْبَابِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ ضَعِيفٌ قُلْتُ حَدِيثُ الْبَابِ عِنْدِي لَا يَنْحَطُّ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ فَرِجَالُ إِسْنَادِهِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إِلَّا عِسْلَ بْنَ سُفْيَانَ وَهُوَ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ بَلْ تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ كَمَا عَرَفْتَ وَتَابَعَهُ أَيْضًا عَامِرٌ

الْأَحْوَلُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ مُتَابَعَةِ سُلَيْمَانَ الْأَحْوَلِ مَا لَفْظُهُ وَتَابَعَهُ أَيْضًا عَامِرٌ الْأَحْوَلُ كَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي بَحْرٍ الْبَكْرَاوِيِّ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فَذَكَرَهُ وَرِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثقات إلا البكراوي فإنه ضعفه أحمد وبن مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا وَكَأَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ حَسَّنَ الرأي فيه وروى عنه قال بن عَدِيٍّ وَهُوَ مِمَّنْ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ سَدَلَ ثَوْبَهُ فِي الصَّلَاةِ فَضَمَّهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَقَطَعَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَعَطَفَهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ انْتَهَى وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ فَكَرِهَ بَعْضُهُمُ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ وَقَالُوا هَكَذَا تَصْنَعُ اليهود وأخرج الخلال في العلل وأبي عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ خَرَجَ فَرَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ قَدْ سَدَلُوا ثِيَابَهُمْ فَقَالَ كَأَنَّهُمُ الْيَهُودُ خرجوا من قهرههم قال أبو عبيد هو موضع مدارسهم الَّذِي يَجْتَمِعُونَ فِيهِ قَالَ صَاحِبُ الْإِمَامِ وَالْقُهْرُ بضم القاف وسكون الهاء موضع مدارسهم الَّذِي يَجْتَمِعُونَ وَذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ وَالنِّهَايَةِ فِي الْفَاءِ لَا فِي الْقَافِ كَذَا فِي النَّيْلِ (قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا كُرِهَ السَّدْلُ فِي الصَّلَاةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَأَمَّا إِذَا سَدَلَ عَلَى الْقَمِيصِ فَلَا بَأْسَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى دَلِيلِ هَذَا التَّقْيِيدِ وَالْحَدِيثُ مطلق (وكره بن الْمُبَارَكِ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ مُطْلَقًا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ مَعْنَى النَّهْيِ الْحَقِيقِيِّ وكرهه بن عُمَرَ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ أَحْمَدُ يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وبن سِيرِينَ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِلْعُدُولِ عَنِ التَّحْرِيمِ إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ لِعَدَمِ وِجْدَانِ صَارِفٍ لَهُ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في كراهية مسح الحصى في الصلاة

164 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ مَسْحِ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ [379]) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ) قَالَ النَّسَائِيُّ لَمْ نَقِفْ عَلَى اسْمِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ وَقَدِ انْفَرَدَ الزُّهْرِيُّ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ وَلَيْسَ لَهُ عند المصنف وعند بن مَاجَهْ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ أَبُو الْأَحْوَصِ هَذَا لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو الْأَحْوَصِ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ وَغِفَارٍ مَقْبُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ قَوْلُهُ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ أَيْ إِذَا دَخَلَ فِيهَا فَلَا يَمْسَحِ الْحَصَى هِيَ الْحِجَارَةُ الصَّغِيرَةُ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَصَى خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِكَوْنِهِ كَانَ الْغَالِبَ عَلَى فُرُشِ مَسَاجِدِهِمْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التُّرَابِ وَالرَّمْلِ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ مُعَيْقِيبٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ الدُّخُولُ فِيهَا فَلَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْ مَسْحِ الْحَصَى إِلَّا بَعْدَ دُخُولِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى لَا يَشْتَغِلَ عِنْدَ إِرَادَةِ الصَّلَاةِ إِلَّا بِالدُّخُولِ فِيهَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَيُرَجِّحُهُ حَدِيثُ مُعَيْقِيبٍ فَإِنَّهُ سَأَلَ عَنْ مَسْحِ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ دُونَ مَسْحِهِ عِنْدَ الْقِيَامِ كَمَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ يُرِيدُ بِمَسْحِ الْحَصَى تَسْوِيَتَهُ لِيَسْجُدَ عَلَيْهِ وَكَانَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا وَيُسَوِّي فِي صَلَاتِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ انْتَهَى (فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ) أَيْ تَنْزِلُ عَلَيْهِ وَتُقْبِلُ إِلَيْهِ هَذَا التَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمَسْحِ أَنْ لَا يَشْغَلَ خَاطِرَهُ بِشَيْءٍ يُلْهِيهِ عَنِ الرَّحْمَةِ الْمُوَاجِهَةِ لَهُ فَيَفُوتَهُ حَظُّهُ مِنْهَا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ حِكْمَةَ ذَلِكَ أَنْ لَا يُغَطِّيَ شَيْئًا مِنَ الْحَصَى بِمَسْحِهِ فَيَفُوتَهُ السُّجُودُ عليه رواه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ إِذَا سَجَدْتَ فَلَا تَمْسَحِ الْحَصَى فَإِنَّ كُلَّ حَصَاةٍ تُحِبُّ أَنْ يُسْجَدَ عَلَيْهَا قَالَ بن الْعَرَبِيِّ مَعْنَاهُ الْإِقْبَالُ عَلَى الرَّحْمَةِ وَتَرْكُ الِاشْتِغَالِ عنها بالحصباء وسواه إلا أن يكون لحاجة كتعديل موضح السُّجُودِ أَوْ إِزَالَةِ مُضِرٍّ وَقَدْ كَانَ مَالِكٌ يَفْعَلُهُ وَغَيْرُهُ يَكْرَهُهُ انْتَهَى

[380] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عوف الزهري المدني قيل اسمه عبد اللَّهِ وَقِيلَ إِسْمَاعِيلُ ثِقَةٌ مُكْثِرٌ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ (عَنْ مُعَيْقِيبٍ) بِقَافٍ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ مُصَغَّرًا بن فَاطِمَةَ الدَّوْسِيِّ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ مِنَ السَّابِقِينَ وَالْأَوَّلِينَ هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ الْمَشَاهِدَ وَوَلِيَ بَيْتَ الْمَالِ لِعُمَرَ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ أَوْ عَلِيٍّ قَوْلُهُ (فَقَالَ إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَمَرَّةً وَاحِدَةً) بِالنَّصْبِ أَيْ فَافْعَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً وَفِيهِ الْإِذْنُ بِمَسْحِ الْحَصَى مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ الْحَاجَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَحُذَيْفَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُعَيْقِيبٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْرَجَهُ أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ أيضا أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَيْقِيبٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ تخرجه وَلَعَلَّ التِّرْمِذِيُّ أَشَارَ إِلَى حَدِيثٍ آخَرَ لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى أَشَارَ إِلَيْهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) وَحَكَى النَّوَوِيُّ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ مسح

باب ما جاء في كراهية النفخ في الصلاة

الْحَصَى وَغَيْرِهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَقَدْ حَكَى الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا وَكَانَ يَفْعَلُهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ انْتَهَى 65 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ [381]) النَّفْخُ إِخْرَاجُ الرِّيحِ مِنَ الْفَمِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مَيْمُونٌ أَبُو حَمْزَةَ) الْأَعْوَرُ الْقَصَّابُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى طَلْحَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ هُوَ مَوْلَاهَا وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ لَا يعرف وقاله المزي في التهذيب اسمه زاذن وَلَيْسَ لَهُ فِي الْكِتَابِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو صَالِحٍ مَوْلَى طَلْحَةَ أَوْ أُمِّ سَلَمَةَ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ يُقَالُ اسْمُهُ زَاذَانُ انْتَهَى قَوْلُهُ (إِذَا سَجَدَ نَفَخَ) أَيْ فِي الْأَرْضِ لِيَزُولَ عَنْهَا التُّرَابُ فَيَسْجُدُ تَرِّبْ وَجْهَكَ مِنَ التَّتْرِيبِ أَيْ أَوْصِلْهُ إِلَى التُّرَابِ وَضَعْهُ عَلَيْهِ وَلَا تُبْعِدْهُ عَنْ مَوْضِعِ وَجْهِكَ بِالنَّفْخِ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى التَّوَاضُعِ فَإِنَّ إِلْصَاقَ التُّرَابِ بِالْوَجْهِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْأَعْضَاءِ غَايَةُ التَّوَاضُعِ قَوْلُهُ (قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ وَبِهِ نَأْخُذُ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ كَمَا سَتَعْرِفُ

[382] قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ وَمَيْمُونٌ أَبُو حَمْزَةَ قَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ أَحْمَدُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ كَذَا فِي الْمِيزَانِ قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنْ نَفَخَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَقْبَلَ الصَّلَاةَ) أَيِ اسْتَأْنَفَ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى إِبْطَالِ الصَّلَاةِ بِالنَّفْخِ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا اسْتَفَادَ مِنْ قَوْلِهِ تَرِّبْ وَجْهَكَ اسْتِحْبَابَ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ فَهُوَ نَحْوُ النَّهْيِ عَنْ مَسْحِ الْحَصَى قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَعَنْ أَنَسٍ وَبُرَيْدَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ جِدًّا وَثَبَتَ كَرَاهَةُ النَّفْخِ عن بن عباس كما رواه بن أَبِي شَيْبَةَ وَالرُّخْصَةُ فِيهِ عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ انْتَهَى وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَقَالُوا إِنَّ النَّفْخَ كَلَامٌ وَاحْتَجُّوا عَلَى كَوْنِ النَّفْخِ كلاما بأثر بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ كَلَامٌ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سننه وروى البيهقي بإسناد صحيح إلى بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْشَى أَنْ يَكُونَ النَّفْخُ كَلَامًا وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ النَّفْخِ فِي السُّجُودِ فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّفْخِ فِي السُّجُودِ وَعَنِ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ خَالِدَ بْنَ إِلْيَاسَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَنْفُخَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي شَرَابِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَفَعَهُ قَالَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْجَفَاءِ أَنْ يَنْفُخَ الرَّجُلُ فِي سُجُودِهِ الْحَدِيثَ وَفِي إِسْنَادِهِ خَالِدُ بْنُ أَيُّوبَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مَعَ بَيَانِ مَا فِيهَا مِنَ الْكَلَامِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ النَّفْخُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ نَفَخَ فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَخَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَأَجَابُوا بِمَنْعِ كَوْنِ النَّفْخِ مِنَ الْكَلَامِ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُتَرَكِّبٌ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُعْتَمِدَةِ عَلَى الْمَخَارِجِ وَلَا اعْتِمَادَ فِي النَّفْخِ وَأَيْضًا الْكَلَامُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ هُوَ الْمُكَالَمَةُ قَالُوا وَلَوْ سلم

باب ما جاء في النهي عن الاختصار في الصلاة

صَدَقَ اسْمُ الْكَلَامِ عَلَى النَّفْخِ كَمَا قَالَ بن عَبَّاسٍ لَكَانَ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنِ الْكَلَامِ كَذَا فِي النَّيْلِ 66 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ [382]) الْمُرَادُ مِنَ الِاخْتِصَارِ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا) قَالَ الْحَافِظُ في الفتح قد فسره بن أبي شيبة في روايته فقال قال بن سِيرِينَ هُوَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي وَبِذَلِكَ جَزَمَ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ تَفْسِيرِهِ وَحَكَى الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاخْتِصَارِ قِرَاءَةُ آيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ من اخر السورة وقيل إن بحذف الطُّمَأْنِينَةَ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ وَإِنْ كَانَ أَخْذُهُمَا مِنَ الاختصار ممكنا لكن رواية الخصر وَالْخَصْرِ تَأْبَاهُمَا وَقِيلَ الِاخْتِصَارُ أَنْ يَحْذِفَ الْآيَةَ التي فيها السجدة إذا أمر بِهَا فِي قِرَاءَتِهِ حَتَّى لَا يَسْجُدَ فِي الصَّلَاةِ لِتِلَاوَتِهَا حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَمْسِكَ بِيَدِهِ مِخْصَرَةً أَيْ عَصًا يتوكأ عليها في الصلاة وأنكر هذا بن الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فَأَبْلَغَ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ زِيَادٍ قَالَ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ بن عُمَرَ فَوَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى خَاصِرَتِي فَلَمَّا صَلَّى قَالَ هَذَا الصَّلْبُ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُ قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَلَفْظُهُ آنِفًا قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الِاخْتِصَارَ فِي الصَّلَاةِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ

باب ما جاء في كراهة كف الشعر في الصلاة

ص 237 ج 3 اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْخَصْرِ فِي الصلاة فكرهه بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَآخَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى تَحْرِيمِ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ الظَّاهِرُ مَا قَالَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ لِعَدَمِ قِيَامِ قَرِينَةٍ تَصْرِفُ النَّهْيَ عَنِ التَّحْرِيمِ الَّذِي هُوَ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ كَمَا هُوَ الْحَقُّ (وَالِاخْتِصَارُ هُوَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ فِي الصَّلَاةِ) وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الْحَقُّ فَائِدَةٌ اخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ النَّهْيِ عَنْ ذلك فقيل لأن إبليس أهبط متخصرا أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ مَوْقُوفًا وَقِيلَ لِأَنَّ الْيَهُودَ تُكْثِرُ مِنْ فِعْلِهِ فَنَهَى عَنْهُ كَرَاهَةً لِلتَّشَبُّهِ بِهِمْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْ عَائِشَةَ زَادَ بن أَبِي شَيْبَةَ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ رَاحَةُ أَهْلِ النار أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْحَقْوِ اسْتِرَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ صِفَةُ الرَّاجِزِ حِينَ يُنْشِدُ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقِيلَ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْمُتَكَبِّرِينَ حَكَاهُ الْمُهَلَّبُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ فِعْلُ أَهْلِ الْمَصَائِبِ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَقَوْلُ عَائِشَةَ أَعْلَى مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْجَمِيعِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَمْشِيَ الرَّجُلُ مُخْتَصِرًا وَيُرْوَى أَنَّ إِبْلِيسَ إِذَا مَشَى يَمْشِي مُخْتَصِرًا) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ 67 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كراهة كَفِّ الشَّعْرِ فِي الصَّلَاةِ [384]) الْكَفُّ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ قَوْلُهُ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُوسَى) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ هُوَ أَخُو أَيُّوبَ مَقْبُولٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ بن حِبَّانَ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ) ثِقَةٌ تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ

بِأَرْبَعِ سِنِينَ (عَنْ أَبِيهِ) وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ وَاسْمُهُ كَيْسَانُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (عَنْ أَبِي رَافِعٍ) مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ وَقِيلَ أَسْلَمُ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ هُرْمُزُ مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ عَلَى الصَّحِيحِ قَوْلُهُ وَقَدْ عَقَصَ ضَفْرَتَهُ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْعَقْصُ جَمْعُ الشَّعْرِ وَسْطَ رَأْسِهِ أَوْ لَفُّ ذَوَائِبِهِ حَوْلَ رَأْسِهِ كَفِعْلِ النِّسَاءِ وَقَالَ فِيهِ أَصْلُ الْعَقْصِ اللَّيُّ وَإِدْخَالُ أَطْرَافِ الشَّعْرِ فِي أُصُولِهِ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةِ أبي داود وقد غرز ضفره أي لو ى شَعْرَهُ وَأَدْخَلَ أَطْرَافَهُ فِي أُصُولِهِ وَالْمُرَادُ مِنَ الضَّفْرِ الْمَضْفُورُ مِنَ الشَّعْرِ وَأَصْلُ الضَّفْرِ الْفَتْلُ وَالضَّفِيرُ وَالضَّفَائِرُ هِيَ الْعَقَائِصُ الْمَضْفُورَةُ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ (فِي قَفَاهُ) الْقَفَا بِالْفَارِسِيَّةِ يس سر يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (فَحَلَّهَا) أَيْ أَطْلَقَ ضَفَائِرَهُ الْمَغْرُوزَةَ فِي قفاه (مغضبا) بفتح الضاد (ذلك) أي الظفر الْمَغْرُوزَ (كِفْلُ الشَّيْطَانِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ مَوْضِعُ قُعُودِ الشَّيْطَانِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ذَلِكَ كِفْلُ الشَّيْطَانِ يَعْنِي مَقْعَدَ الشَّيْطَانِ يَعْنِي مَغْرِزَ ضَفْرِهِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَمَّا الْكِفْلُ فَأَصْلُهُ أَنْ يَجْمَعَ الْكِسَاءَ عَلَى سَنَامِ الْبَعِيرِ ثُمَّ يَرْكَبَ قَالَ الشَّاعِرُ وَرَاكِبٌ عَلَى الْبَعِيرِ مُكْتَفِلٌ يَحْفَى عَلَى آثَارِهَا وَيَنْتَعِلُ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِإِرْسَالِ الشَّعْرِ لِيَسْقُطَ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ صَاحِبُهُ مِنَ الْأَرْضِ فَيَسْجُدَ مَعَهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا عَلَيْهِ السَّلَامُ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ وَأَنْ لَا أَكُفَّ شَعْرًا وَلَا ثَوْبًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) أما حديث أم سلمة فأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا وَفِي الْبَابِ أيضا عن بن مسعود أخرجه بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَخْرَجَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ فِي الْأَحْكَامِ وَعَنْ جَابِرٍ أخرجه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ

باب ما جاء في التخشع في الصلاة

قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ مَعْقُوصٌ شَعْرُهُ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ لِأَنَّ شَعْرَهُنَّ عَوْرَةٌ يَجِبُ سَتْرُهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا نَقَضَتْهُ رُبَّمَا اسْتَرْسَلَ وَتَعَذَّرَ سَتْرُهُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهَا وَأَيْضًا فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهَا فِي نَقْضِهِ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ رَخَّصَ لَهُنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في أَنْ لَا يَنْقُضْنَ ضَفَائِرَهُنَّ فِي الْغُسْلِ مَعَ الْحَاجَةِ إِلَى بَلِّ جَمِيعِ الشَّعْرِ 68 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّخَشُّعِ فِي الصَّلَاةِ [385]) التَّخَشُّعُ هُوَ السُّكُونُ وَالتَّذَلُّلُ قِيلَ وَالْخُشُوعُ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ الْخُضُوعِ إِلَّا أَنَّ الْخُضُوعَ فِي الْبَدَنِ وَالْخُشُوعَ فِي الْبَصَرِ وَالْبَدَنِ وَالصَّوْتِ وَقِيلَ الْخُضُوعُ فِي الظَّاهِرِ وَالْخُشُوعُ فِي الْبَاطِنِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو يَحْيَى الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ (الْعَمْيَاءِ) مَجْهُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعِ بْنِ أَبِي الْعَمْيَاءِ وَرُبَّمَا قيل بن النَّافِعِ بْنُ الْعَمْيَاءِ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ رَوَى عَنْهُ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ حَدِيثَهُ الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى وَتَضَرُّعٌ وَتَخَشُّعٌ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ الصَّلَاةُ مَثْنَى مَثْنَى قِيلَ الصَّلَاةُ مُبْتَدَأٌ وَمَثْنَى مَثْنَى خَبَرُهُ وَالْأَوَّلُ تَكْرِيرٌ وَالثَّانِي تَوْكِيدٌ (تَشَهَّدٌ في كل ركعة) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ كَالْبَيَانِ لِمَثْنَى مَثْنَى أَيْ ذَاتُ تَشَهُّدٍ وَكَذَا الْمَعْطُوفَاتُ وَلَوْ جُعِلَتْ أَوَامِرَ اخْتَلَّ النَّظْمُ وَذَهَبَ الطَّرَاوَةُ وَالطَّلَاوَةُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَجَدْنَا الرِّوَايَةَ فِيهِنَّ بِالتَّنْوِينِ لَا غَيْرَ وَكَثِيرٌ مِمَّنْ لَا عِلْمَ لَهُ بِالرِّوَايَةِ يَسْرُدُونَهَا عَلَى الْأَمْرِ وَنَرَاهَا تَصْحِيفًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمَشْهُورُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا أَفْعَالٌ مُضَارَعَةٌ حُذِفَ مِنْهَا إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَأَنْ تَتَشَهَّدَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ

الرِّوَايَاتِ بِالتَّنْوِينِ فِيهَا عَلَى الِاسْمِيَّةِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ انْتَهَى (وَتَخَشُّعٌ) التَّخَشُّعُ السُّكُونُ وَالتَّذَلُّلُ وَقِيلَ الْخُشُوعُ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنَ الْخُضُوعِ إِلَّا أَنَّ الْخُضُوعَ فِي الْبَدَنِ وَالْخُشُوعَ فِي الْبَصَرِ وَالْبَدَنِ وَالصَّوْتِ وَقِيلَ الْخُضُوعُ فِي الظَّاهِرِ وَالْخُشُوعُ فِي الْبَاطِنِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا بِمَعْنًى لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ خَشَعَ قَلْبُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَالْخُشُوعُ مِنْ كَمَالِ الصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خاشعون قال القارىء وَفِي قَوْلِهِ تَخَشُّعٌ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خُشُوعٌ فَيَتَكَلَّفُ وَيَطْلُبُ مِنْ نَفْسِهِ الْخُشُوعَ وَيَتَشَبَّهُ بِالْخَاشِعِينَ (وَتَضَرُّعٌ) فِي النِّهَايَةِ التَّضَرُّعُ التَّذَلُّلُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي السُّؤَالِ وَالرَّغْبَةِ يُقَالُ ضَرَعَ يَضْرَعُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَتَضَرَّعَ إِذَا خَضَعَ وذل (وتمسكن) قال بن الْمَلَكِ التَّمَسْكُنُ إِظْهَارُ الرَّجُلِ الْمَسْكَنَةَ مِنْ نَفْسِهِ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَفِيهِ أَنَّهُ قَالَ للمصلي تبأس وَتَمَسْكُنٌ أَنْ تَذِلَّ وَتَخْضَعَ وَهُوَ تَمَفْعُلٌ مِنَ السُّكُونِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُقَالَ تَسَكُّنٌ وَهُوَ الْأَكْثَرُ الْأَفْصَحُ وَقَدْ جَاءَ عَلَى الْأَوَّلِ أَحْرُفٌ قَلِيلَةٌ قَالُوا تَمَدْرُعٌ وَتَمَنْطُقٌ وَتَمَنْدُلٌ انْتَهَى (وَتُقْنِعُ يَدَيْكَ) مِنْ إِقْنَاعِ الْيَدَيْنِ رَفْعُهُمَا فِي الدُّعَاءِ وَمِنْهُ قوله تعالى مقنعي رؤوسهم أَيْ تَرْفَعُ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَدَيْكَ لِلدُّعَاءِ فَعُطِفَ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ إِذَا فَرَغْتَ مِنْهَا فَسَلِّمْ ثُمَّ ارْفَعْ يَدَيْكَ سَائِلًا حَاجَتَكَ فَوَضَعَ الْخَبَرَ مَوْضِعَ الطَّلَبِ قَالَ الْمُظَهَّرُ فَإِنْ قُلْتَ لَوْ جَعَلْتَهَا أَوَامِرَ وَعَطَفْتَ أَمْرًا عَلَى أَمْرٍ وَقَطَعْتَ تَشَهَّدْ عَنِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى لِاخْتِلَافِ الْخَبَرِ وَالطَّلَبِ لَكَانَ لَكَ مَنْدُوحَةٌ عَنْ هَذَا التَّقْدِيرِ قُلْتُ حِينَئِذٍ خَرَجَ الْكَلَامُ الْفَصِيحُ إِلَى التَّعَاظُلِ فِي التركيب وهو مذموم وذكر بن الْأَثِيرِ أَنَّ تَوَارُدَ الْأَفْعَالِ تَعَاظُلٌ وَنَقَلْنَا عَنْهُ فِي التِّبْيَانِ شَوَاهِدَ نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ وَقَوْلُهُ تَعَاظُلٌ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ فَفِي الْقَامُوسِ تَعَظَّلُوا عَلَيْهِ اجْتَمَعُوا وَيَوْمُ الْعُظَالَى كَحُبَارَى مَعْرُوفٌ لِأَنَّ النَّاسَ رَكِبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا أَوْ لِأَنَّهُ رَكِبَ الِاثْنَانِ وَالثَّلَاثَةُ دَابَّةً كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (يَقُولُ) أَيِ الرَّاوِي مَعْنَاهُ (تَرْفَعُهُمَا) أَيْ لِطَلَبِ الْحَاجَةِ (إِلَى رَبِّكَ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تُقْنِعُ وَقِيلَ يَقُولُ فَاعِلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْفَعُهُمَا يَكُونُ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ وَتُقْنِعُ يَدَيْكَ (مُسْتَقْبِلًا بِبُطُونِهِمَا وَجْهَكَ) أَيْ وَلَوْ كَانَ الدُّعَاءُ اسْتِعَاذَةً (وَتَقُولُ يَا رَبِّ يا رب) الظاهر أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّكْرَارِ التَّكْثِيرُ (وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَشْيَاءِ فِي الصَّلَاةِ (فَهُوَ) أَيْ فِعْلُ صَلَاتِهِ (كَذَا وَكَذَا قَالَ الطِّيبِيُّ كِنَايَةٌ عَنْ أَنَّ صَلَاتَهُ نَاقِصَةٌ غَيْرُ تَامَّةٍ يُبَيِّنُ ذَلِكَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى) أَعْنِي قوله فهو

خداج (وقال غير بن الْمُبَارَكِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ) أَيْ مَكَانَ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا (وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ خِدَاجٌ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ نَاقِصٌ قِيلَ تَقْدِيرُهُ فَهُوَ ذَاتُ خِدَاجٍ أَيْ صَلَاتُهُ ذَاتُ خِدَاجٍ أَوْ وَصْفُهَا بِالْمَصْدَرِ نَفْسِهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا نَاقِصَةٌ وَفِي الْفَائِقِ الْخِدَاجُ مَصْدَرُ خَدَجَتِ الْحَامِلُ إِذَا أَلْقَتْ وَلَدَهَا قَبْلَ وَقْتِ النِّتَاجِ فَاسْتُعِيرَ وَالْمَعْنَى ذَاتُ نُقْصَانٍ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَفِي النِّهَايَةِ وَصْفُهَا بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَةٌ كَقَوْلِهِ فَإِنَّمَا هِيَ إِقْبَالٌ وَإِدْبَارٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْخِدَاجِ بِالْبَسْطِ فَتَذَكَّرْ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ في الترغيب والخداج معناه ها هنا النَّاقِصُ فِي الْأَجْرِ وَالْفَضِيلَةِ انْتَهَى فَتَفَكَّرْ قَوْلُهُ (فَأَخْطَأَ فِي مَوَاضِعَ) أَيْ مِنَ الْإِسْنَادِ (فَقَالَ عَنْ أَنَسِ بْنِ أُنَيْسٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُصَغَّرًا (قَالَ مُحَمَّدٌ وَحَدِيثُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يُغَلِّطُونَ شُعْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ حَكَى قَوْلَ الْبُخَارِيِّ الْمُتَقَدِّمَ وَقَالَ قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِثْلَ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ وَخَطَّأَ شُعْبَةَ وَصَوَّبَ لَيْثَ بْنَ سَعْدٍ وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ مَا لَفْظُهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَتَرَدَّدَ فِي ثُبُوتِهِ رَوَوْهُ كُلُّهُمْ عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ بِإِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ قال ورواه أبو داود وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عن بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ الْعَمْيَاءِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ انْتَهَى وقال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ قُلْتُ مَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعِ بْنِ الْعَمْيَاءِ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَلَى مَا قَالَ الْحَافِظُ وقال البخاري لم يصح حديثه وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ

باب ما جاء في كراهية التشبيك بين الأصابع في الصلاة

169 - (باب ما جاء في كراهية التشبيك بين الْأَصَابِعِ فِي الصَّلَاةِ [386]) التَّشْبِيكُ إِدْخَالُ الْأَصَابِعِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ قَوْلُهُ (إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ) بِمُرَاعَاةِ السُّنَنِ وَحُضُورِ الْقَلْبِ وَتَصْحِيحِ النِّيَّةِ (ثُمَّ خَرَجَ) أَيْ مِنْ بَيْتِهِ (عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ) أَيْ قَاصِدًا إِلَيْهِ (فَلَا يُشَبِّكَنَّ بَيْنَ أَصَابِعِهِ) أَيْ لَا يُدْخِلَنَّ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ (فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ) أَيْ حُكْمًا وَالْحَدِيثُ فِيهِ كَرَاهَةُ التَّشْبِيكِ مِنْ وَقْتِ الْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ وَفِيهِ أَنَّهُ يُكْتَبُ لِقَاصِدِ الصَّلَاةِ أَجْرُ الْمُصَلِّي مِنْ حِينِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى بَعْدَ أَنْ سَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي خَبَرِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَذَلِكَ يُفِيدُ عَدَمَ التحريم ولا يمنع الكراهة لكونه فعله نادر انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَدْ عَارَضَ حَدِيثَ الْبَابِ يَعْنِي حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ مَعَ مَا فِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي تَشْبِيكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ بِلَفْظِ ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَفِيهِمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ وَعِنْدَ البخاري من حديث بن عُمَرَ قَالَ شَبَّكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ تَشْبِيكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ كَانَ لِاشْتِبَاهِ الْحَالِ عَلَيْهِ فِي السَّهْوِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ وَلِذَلِكَ وَقَفَ كَأَنَّهُ غَضْبَانُ وَتَشْبِيكُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَقَعَ لِقَصْدِ التَّشْبِيهِ لِتَعَاضُدِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ كَمَا أَنَّ البيان المشبك بعضه بعض يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّشْبِيكِ لِلْعَبَثِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَمُقَدِّمَاتِهَا وَلَوَاحِقِهَا مِنَ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْمَشْيِ إِلَيْهِ أَوْ يَجْمَعُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى مِنْ أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ نَادِرًا يَرْفَعُ التَّحْرِيمَ وَلَا يَرْفَعُ الْكَرَاهَةَ وَلَكِنْ يَبْعُدُ أَنْ يَفْعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ مَكْرُوهًا وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إِنَّ النَّهْيَ عَنِ التَّشْبِيكِ وَرَدَ بِأَلْفَاظٍ خَاصَّةٍ بِالْأُمَّةِ وَفِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ الْخَاصَّ بِهِمْ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ انْتَهَى كَلَامُ الشوكاني

باب ما جاء في طول القيام في الصلاة

قَوْلُهُ (حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَوَاهُ غَيْرُ واحد عن بن عجلان مثل حديث الليث) والحديث أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ قَالَ مَيْرَكُ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ رَجُلٍ غَيْرِ مُسَمًّى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ لَمْ يَذْكُرِ الرَّجُلَ لَكِنَّ لَهُ شَاهِدًا عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سعيد ذكره القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَقَدْ ذُكِرَ قَبْلَ هَذَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَقَالَ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ يَرْفَعُهُ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ فَإِنَّ التَّشْبِيكَ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَزَالُ فِي الصَّلَاةِ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وحديث كعب بن عجرة أخرجه أيضا بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَهُوَ الرَّاوِي لَهُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَقَدْ كَنَّى أَبُو دَاوُدَ هَذَا الرَّجُلَ الْمَجْهُولَ فَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو ثُمَامَةَ الْخَيَّاطُ عَنْ كَعْبٍ وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَأَخْرَجَ لَهُ فِي صَحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ انْتَهَى (وَحَدِيثُ شَرِيكٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ) لِأَنَّ شَرِيكًا قَدْ خَالَفَ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ وغير واحد في روايته عن بن عَجْلَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَانَ قَدْ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ وَكَانَ كَثِيرَ الْخَطَأِ وَأَمَّا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فَقَدْ كَانَ ثِقَةً ثَبْتًا 70 - (بَاب مَا جَاءَ فِي طُولِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ [387]) قَوْلُهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ قَالَ طُولُ الْقُنُوتِ هُوَ يُطْلَقُ بِإِزَاءِ مَعَانٍ وَالْمُرَادُ هُنَا طُولُ الْقِيَامِ قَالَ النَّوَوِيُّ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَصْرِيحُ أَبِي دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ طُولُ الْقِيَامِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ مِنَ السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِمَا وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الشَّافِعِيُّ

باب ما جاء في كثرة الركوع والسجود

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَشِدَّةِ الْيَاءِ (وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ إِيمَانٌ لَا شَكَّ فِيهِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَأَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ قَالَ طُولُ الْقُنُوتِ وَأَمَّا حديث أنس وأخرجه أحمد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ فِيهِ فَأَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ قَالَ طُولُ الْقُنُوتِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد ومسلم وبن مَاجَهْ 71 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَثْرَةِ الرُّكُوعِ والسجود [388]) قوله (حدثنا أبو عمار) أسمه الحسين بْنُ حُرَيْثِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ ثَابِتٍ مَوْلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْخُزَاعِيُّ الْمَرْوَزِيُّ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعَنْهُ خ م د ت س د بِالْإِجَازَةِ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ مَاتَ رَاجِعًا مِنَ الْحَجِّ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (حَدَّثَنِي مَعْدَانُ بْنُ طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَعْدَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ويقال بن طَلْحَةَ الْيَعْمَرِيُّ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمِيمِ بَيْنَهُمَا مُهْمَلَةٌ شَامِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (قَالَ لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْحَافِظُ ثَوْبَانُ الْهَاشِمِيُّ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِبَهُ وَلَازَمَهُ وَنَزَلَ بَعْدَهُ الشَّامَ وَمَاتَ بِحِمْصَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ (فَسَكَتَ عَنِّي مَلِيًّا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَلِيُّ الطَّائِفَةُ مِنَ الزَّمَانِ لَا حَدَّ لَهَا

يُقَالُ مَضَى مَلِيٌّ مِنَ النَّهَارِ وَمَلِيٌّ مِنَ الدَّهْرِ أَيْ طَائِفَةٌ مِنْهُ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ (وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ) قَالَ لَقِيتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ أَعْمَلُهُ يُدْخِلُنِي بِهِ اللَّهُ الْجَنَّةَ أَوْ قَالَ بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ فَسَكَتَ ثُمَّ سَأَلْتُهُ فَسَكَتَ ثُمَّ سَأَلْتُهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ عَلَيْكَ بِالسُّجُودِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول مَا مِنْ عَبْدٍ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَيْكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ فَإِنَّكَ لَنْ تَسْجُدَ لِلَّهِ سَجْدَةً إِلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً إِلَخْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ السُّجُودِ مُرَغَّبٌ فِيهَا وَالْمُرَادُ بِهِ السُّجُودُ فِي الصَّلَاةِ وَسَبَبُ الْحَثِّ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ أَنَّ أَقْرَبَ ما يكون مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تعالى واسجد واقترب كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ إِنَّ السُّجُودَ أَفْضَلُ مِنَ الْقِيَامِ وَسَائِرِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَذَاهِبُ قَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي فَاطِمَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي فَاطِمَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فِي كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ طُولُ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ قال

الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ وَلَا يُعَارِضُ حَدِيثُ جَابِرٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ السُّجُودِ لِأَنَّ صِيغَةَ أَفْعَلَ الدَّالَّةِ عَلَى التَّفْضِيلِ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي فَضْلِ طُولِ الْقِيَامِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ فَضْلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلِيَّتُهُمَا عَلَى طُولِ الْقِيَامِ وَأَمَّا حَدِيثُ مَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَى اللَّهِ بِأَفْضَلَ مِنْ سُجُودٍ خَفِيٍّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِإِرْسَالِهِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَلِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْعَبْدِ أَقْرَبَ إِلَى رَبِّهِ حَالَ سُجُودِهِ أَفْضَلِيَّتُهُ عَلَى الْقِيَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ أَحَادِيثَ أَفْضَلِيَّةِ طُولِ الْقِيَامِ محمولة على صلاة النفل التي لا نشرع فِيهَا الْجَمَاعَةُ وَعَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ فَأَمَّا الْإِمَامُ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِالتَّخْفِيفِ الْمَشْرُوعِ إِلَّا إِذَا عُلِمَ مِنْ حَالِ الْمَأْمُومِينَ الْمَحْصُورِينَ إِيثَارُ التَّطْوِيلِ وَلَمْ يَحْدُثْ مَا يَقْتَضِي التَّخْفِيفَ مِنْ بُكَاءِ الصَّبِيِّ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِالتَّطْوِيلِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ صَلَاتُهُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْأَعْرَافِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ القيام وممن قال بذلك بن عُمَرَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في هَذَا حَدِيثَانِ وَلَمْ يَقْضِ فِيهِ بِشَيْءٍ) بَلْ تَوَقَّفَ فِيهِ (وَقَالَ إِسْحَاقُ أَمَّا بِالنَّهَارِ فَكَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) أَيْ أَفْضَلُ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ (وَأَمَّا بِاللَّيْلِ فَطُولُ الْقِيَامِ) أَيْ أَفْضَلُ مِنْ كَثْرَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ لَهُ جُزْءٌ بِاللَّيْلِ يَأْتِي عَلَيْهِ أَيْ جُزْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُومُ بِهِ فِي اللَّيْلِ (فَكَثْرَةُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي هَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ لِأَنَّهُ يَأْتِي عَلَى جُزْئِهِ وَقَدْ رَبِحَ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ جُزْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ يَقُومُ بِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ فَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ لَهُ لِأَنَّهُ يَقْرَأُ جُزْأَهُ وَيَرْبَحُ كَثْرَةَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (قَالَ أَبُو عِيسَى وإنما قال إسحاق

باب ما جاء في قتل الأسودين في الصلاة

هذا لأنه كذا وصف) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُصِفَ طُولُ الْقِيَامِ إِلَخْ) وَكَذَا وَجَّهَ بن عَدِيٍّ قَوْلَ إِسْحَاقَ وَلَفْظَهُ عَلَى مَا نَقَلَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ إِنَّمَا قَالَ إِسْحَاقُ هَذَا لِأَنَّهُمْ وَصَفُوا صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ بِطُولِ الْقِيَامِ وَلَمْ يُوصَفْ مِنْ تَطْوِيلِهِ بِالنَّهَارِ مَا وُصِفَ مِنْ تَطْوِيلِهِ بِاللَّيْلِ انتهى 72 - (باب ما جاء في قتل الأسودين فِي الصَّلَاةِ [390]) الْمُرَادُ بِالْأَسْوَدَيْنِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ) الْهُنَائِيِّ بِضَمِّ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مَمْدُودًا ثِقَةٌ كَانَ لَهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ كِتَابَانِ أَحَدُهُمَا سَمَاعٌ والآخر إرسال فحديث الكوفيين عنه شَيْءٌ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وقال النسائي ليس به بأس وقال بن حبان كان متقنا ظابطا كَذَا فِي التَّهْذِيبِ (عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ جَوْسٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ ثُمَّ سِينٌ مُهْمَلَةٌ ويقال بن الْحَارِثِ بْنِ جَوْسٍ الْيَمَامِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ) فَيَجُوزُ قَتْلُهُمَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ (الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ) بَيَانٌ لِلْأَسْوَدَيْنِ وَتَسْمِيَةُ الْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ بِالْأَسْوَدَيْنِ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ وَلَا يُسَمَّى بِالْأَسْوَدِ فِي الْأَصْلِ إلا الحية قوله (وفي الباب عن بن عباس وأبي رافع) أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أبي رافع فأخرجه بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْدَلٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَكَذَلِكَ شَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ وفي الباب عن بن عُمَرَ عَنْ إِحْدَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عنه الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى الموصلي وفي إسناده معاوية بن يحيى الصد في ضعفه وَعَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا وَذَكَرَ

صَاحِبُ الْمُنْتَقَى هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الحديث نقله بن عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ وَتَبِعَهُ الْمِزِّيُّ وَتَبِعَهُمَا الْمُصَنِّفُ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ صَحَّحَهُ وَالَّذِي فِي النُّسَخِ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَمْ يَرْتَفِعْ إِلَى الصِّحَّةِ وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ انْتَهَى فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الشَّوْكَانِيِّ أَنَّ نُسَخَ التِّرْمِذِيِّ مُخْتَلِفَةٌ فَفِي بَعْضِهَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي بَعْضِهَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَقَالَ وَأَمَّا مَنْ قَتَلَهَا فِي الصَّلَاةِ أوهم بقتلها فعلي بن أبي طالب وبن عمر روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ رَأَى رِيشَةً وَهُوَ يُصَلِّي فَحَسِبَ أَنَّهَا عَقْرَبٌ فَضَرَبَهَا بِنَعْلِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَقَالَ فَضَرَبَهَا بِرِجْلِهِ وَقَالَ حَسِبْتُ أَنَّهَا عَقْرَبٌ وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَعَطَاءٌ وَمُوَرِّقٌ الْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى (وَكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَتْلَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ) هُوَ النَّخَعِيُّ (إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا) كَذَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا لَمْ تَتَعَرَّضْ لَكَ فَلَا تَقْتُلْهَا وَاسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ مِنْ ذَلِكَ إِذَا بَلَغَ إِلَى حَدِّ الْفِعْلِ الْكَثِيرِ كَالْهَادَوِيَّةِ وَالْكَارِهُونَ لَهُ كَالنَّخَعِيِّ بِحَدِيثِ إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا وَبِحَدِيثِ اسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ خَاصٌّ فَلَا يُعَارِضُهُ مَا ذَكَرُوهُ وَهَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ فِعْلٍ كَثِيرٍ وَرَدَ الْإِذْنُ بِهِ كَحَدِيثِ حَمْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَامَةَ وَحَدِيثِ خَلْعِهِ لِلنَّعْلِ وَحَدِيثِ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَنُزُولِهِ لِلسُّجُودِ وَرُجُوعِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَحَدِيثِ أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدَرْءِ الْمَارِّ وَإِنْ أَفْضَى إِلَى الْمُقَاتَلَةِ وَحَدِيثِ مَشْيِهِ لِفَتْحِ الْبَابِ وَكُلِّ مَا كَانَ كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ أَدِلَّةِ الْمَنْعِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْرَ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِضَرْبَةٍ أَوْ ضَرْبَتَيْنِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَاكَ لِلْحَيَّةِ ضَرْبَةٌ أَصَبْتَهَا أم أخطأتها وهذا يوم التَّقْيِيدِ بِالضَّرْبَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا إِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وُقُوعَ الْكِفَايَةِ بِهَا فِي الْإِتْيَانِ بِالْمَأْمُورِ فَقَدْ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا وَأَرَادَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِذَا امْتَنَعَتْ بِنَفْسِهَا عِنْدَ الْخَطَأِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْمَنْعَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ اسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَنْ

باب ما جاء في سجدتي السهو قبل السلام

قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّانِيَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً أَدْنَى مِنَ الْأُولَى وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً أَدْنَى مِنَ الثَّانِيَةِ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَفِي مَعْنَى الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ كُلُّ ضِرَارٍ مُبَاحِ الْقَتْلِ كَالزَّنَابِيرِ وَنَحْوِهَا كَذَا فِي النَّيْلِ 73 - (بَاب مَا جَاءَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ قَبْلَ السلام [391]) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ السَّهْوُ الْغَفْلَةُ عَنِ الشَّيْءِ وَذَهَابُ الْقَلْبِ إِلَى غَيْرِهِ وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ السَّهْوِ وَالنِّسْيَانِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ دَقِيقٌ وَهُوَ أَنَّ السَّهْوَ أَنْ يَنْعَدِمَ لَهُ شُعُورٌ وَالنِّسْيَانُ لَهُ فِيهِ شعور قوله (عن عبد الله بن بُحَيْنَةَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ وَأَمَّا بُحَيْنَةُ فَهِيَ أُمُّهُ فَاسْمُ أَبِيهِ مَالِكٌ وَاسْمُ أُمِّهِ بُحَيْنَةُ (الْأَسْدِيِّ) بِسُكُونِ السِّينِ وَالْأَسْدُ وَالْأَزْدُ وَاحِدٌ وَبُحَيْنَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا يَاءُ التَّصْغِيرِ وَنُونٌ وَهِيَ أُمُّهُ وَأَبُوهُ مَالِكُ بْنُ الْقِشْبِ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ المنصف وَأَبِي دَاوُدَ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَوْلُهُ (قَامَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَجْلِسَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَامَ مِنِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ (فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ) قَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ لِمَنْ زَعَمَ أَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ مِنَ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ أَنْ جَلَسَ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ السَّلَامُ لِتَحْلِيلٍ مِنَ الصَّلَاةِ كَانَ الْمُصَلِّي إِذَا انْتَهَى إِلَيْهِ كَمَنْ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ في رواية بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ جَمَاعَةٍ مِنَ الثِّقَاتِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْأَعْرَجِ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يُسَلِّمَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَذَفَ الِاسْتِثْنَاءَ لِوُضُوحِهِ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ) وفي رواية بن مَاجَهْ فَكَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ سَلَّمَ (وَهُوَ جَالِسٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ سَجَدَ أَيْ أَنْشَأَ السُّجُودَ جَالِسًا (قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ فِي كَوْنِ جَمِيعِهِ كَذَلِكَ نَعَمْ يُرَدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ جَمِيعَهُ بَعْدَ

السَّلَامِ كَالْحَنَفِيَّةِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مُسْتَنَدِهِمْ (وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنَ الْجُلُوسِ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ خَاصٌّ بِالسَّهْوِ فَلَوْ تعمد ترك شيء مما يخبر بِسُجُودِ السَّهْوِ لَا يَسْجُدُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَرَجَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَنَاسٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) أَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى وَأَبُو دَاوُدَ وَأَبُو دَاوُدَ هَذَا هُوَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ) وأما عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ الشَّامِيُّ رَوَى عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتَوَائِيِّ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ بُنْدَارٌ وَغَيْرُهُ قال بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ ثِقَةٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَا بأس به وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ كَانَ مُتْقِنًا فِي الحديث قدريا غير واعية إليه (قال أَخْبَرَنَا هِشَامٌ) هُوَ هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ سَنْبَرٍ الدَّسْتَوَائِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ رَوَى عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَقَالَ كَانَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحَدِيثِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثقة قوله (أن أبا هريرة والسائب القارىء كَانَا يَسْجُدَانِ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ أَبَا هُرَيْرَةَ فِيمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ كُلَّهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ قَالَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ خِلَافَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن بُحَيْنَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) بَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَرَى سُجُودَ السَّهْوِ كُلَّهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ) قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ وَمِمَّنْ رَأَى السُّجُودَ كُلَّهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الشَّامِ

وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى (وَيَقُولُ) أَيِ الشَّافِعِيُّ (هَذَا النَّاسِخُ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَيُذْكَرُ أَنَّ آخِرَ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى هَذَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ وَآخِرُ الْأَمْرَيْنِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ أَكَّدَهُ الشَّافِعِيُّ بِرِوَايَةِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ قَالَ وَصُحْبَةُ مُعَاوِيَةَ مُتَأَخِّرَةٌ ذَكَرَهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ ثُمَّ قَالَ وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنْ نَقُولَ أَمَّا حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ الَّذِي فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى النَّسْخِ فَفِيهِ انْقِطَاعٌ فَلَا يَقَعُ مُعَارِضًا لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ وَأَمَّا بَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ فِي السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ قَوْلًا وَفِعْلًا فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً ثَابِتَةً فَفِيهَا نَوْعُ تَعَارُضٍ غَيْرَ أَنَّ تَقْدِيمَ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ غَيْرُ مَعْلُومٍ بِرِوَايَةٍ مَوْصُولَةٍ صَحِيحَةٍ وَالْأَشْبَهُ حَمْلُ الْأَحَادِيثِ عَلَى التَّوَسُّعِ وَجَوَازُ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ وَرِوَايَةُ مُعَاوِيَةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا الْحَازِمِيُّ أَخْرَجَهَا هُوَ بِلَفْظِ إِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ صَلَّى بِهِمْ فَنَسِيَ وَقَامَ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمْ يَجْلِسْ فَلَمَّا كَانَ آخِرُ صَلَاتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ (وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فإنه يسجد سجدتين السهو قبل السلام على حديث بن بُحَيْنَةَ) يَأْتِي تَحْرِيرُ مَذْهَبِهِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ (وعبد الله بن بحينة) هو وعبد الله بن مالك بالتنوين (بن بُحَيْنَةَ) بِالْأَلِفِ (مَالِكٌ أَبُوهُ وَبُحَيْنَةُ أُمُّهُ) فَيَجِبُ أن يكتب ألف بن وينون مالك ليندفع الوهم ويعرف أن بن بُحَيْنَةَ نَعْتٌ لِعَبْدِ اللَّهِ لَا لِمَالِكٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بُحَيْنَةُ اسْمُ أُمِّهِ أَوْ أُمِّ أَبِيهِ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُكْتَبَ بن بُحَيْنَةَ بِأَلِفٍ انْتَهَى (فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَسْجُدَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ طَائِفَةٌ رَأَتِ السُّجُودَ كُلَّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَمِمَّنْ رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْهُ مِنَ

الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ انْتَهَى وَاسْتَدَلُّوا بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا السُّجُودُ بَعْدَ السَّلَامِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهَا فِي كَوْنِ جَمِيعِهِ كَذَلِكَ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسْجُدُهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ إِلَخْ) قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ وَمِمَّنْ رَأَى السُّجُودَ كُلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الشَّامِ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَتْ زِيَادَةٌ في الصلاة فبعد السلام وإذا كان نقصانا فَقَبْلَ السَّلَامِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وزعم بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ قَالَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلنَّظَرِ لِأَنَّهُ فِي النَّقْصِ جَبْرٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ من أصل الصلاة وفي الزيادة ترغيم للشيطان فيكون خارجها وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَا شَكَّ أَنَّ الْجَمْعَ أَوْلَى مِنَ التَّرْجِيحِ وَادِّعَاءِ النَّسْخِ وَيَتَرَجَّحُ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ بِالْمُنَاسَبَةِ الْمَذْكُورَةِ وَإِذَا كَانَتِ الْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةً وَكَانَ الحكم على وقفها كَانَتْ عِلَّةً فَيَعُمُّ الْحُكْمُ جَمِيعَ مَحَالِّهَا فَلَا تُخَصَّصُ إِلَّا بِنَصٍّ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ كَوْنَ السُّجُودِ فِي الزِّيَادَةِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ فَقَطْ مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ جَبْرٌ أَيْضًا لِمَا وَقَعَ مِنَ الْخَلَلِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً فَهُوَ نَقْصٌ فِي الْمَعْنَى وَإِنَّمَا سَمَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُجُودَ السَّهْوِ تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ فِي حَالَةِ الشَّكِّ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يُرَجِّحْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ إِلَى فَرْقٍ صَحِيحٍ وَأَيْضًا فَقِصَّةُ ذِي الْيَدَيْنِ وَقَعَ السُّجُودُ فِيهَا بَعْدَ السَّلَامِ وَهِيَ عَنْ نُقْصَانٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَقَالَ أَحْمَدُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُسْتَعْمَلُ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (كُلٌّ) أَيْ كُلُّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَى جِهَتِهِ) أَيْ عَلَى جِهَةِ مَا رُوِيَ (يَرَى إِذَا قام في الركعتين على حديث بن بُحَيْنَةَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُهَا قَبْلَ السَّلَامِ) هَذَا تَفْصِيلٌ لِقَوْلِهِ فَيُسْتَعْمَلُ كُلٌّ عَلَى جِهَتِهِ وَيَرَى بِمَعْنَى يَعْتَقِدُ أَنْ يَرَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَنَّهُ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ أَوِ الثُّلَاثِيَّةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ سَهْوًا وَلَمْ

يَجْلِسْ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ كما في حديث عبد الله بن بُحَيْنَةَ (وَإِذَا صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَإِنَّهُ يَسْجُدُهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْآتِي وَإِذَا سَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَإِنَّهُ يَسْجُدُهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ) كَمَا فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي سَجَدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةٌ أَحَدُهَا قَامَ مِنْ ثِنْتَيْنِ عَلَى ما جاء في حديث بن بُحَيْنَةَ وَالثَّانِي سَلَّمَ فِي ثِنْتَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَالثَّالِثُ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثٍ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ صَلَّى خَمْسًا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَالْخَامِسُ السُّجُودُ عَلَى الشَّكِّ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قُلْتُ هَذَا إِذَا كَانَتْ وَاقِعَةُ حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ غَيْرَ وَاقِعَةِ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَمَّا إِذَا كَانَتَا وَاحِدَةً فَالْمَوَاضِعُ الَّتِي سَجَدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ (وَكُلُّ سَهْوٍ لَيْسَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرٌ فَإِنَّ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ) هَذَا آخِرُ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَحَاصِلُ قَوْلِهِ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ كُلُّ حَدِيثٍ فِيمَا وَرَدَ فِيهِ وَمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ شَيْءٌ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَقَالَ لَوْلَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ لَرَأَيْتُهُ كُلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ فَيَفْعَلُهُ قَبْلَ السَّلَامِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَقَالَ إِسْحَاقُ نَحْوَ قَوْلِ أَحْمَدَ فِي هَذَا كُلِّهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ كُلُّ سَهْوٍ لَيْسَ فِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذِكْرٌ إلخ) حرر إسحاق مذهبه من قولي أحمد ومالك قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ أَعْدَلُ الْمَذَاهِبِ فِيمَا يَظْهَرُ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ ثَمَانِيَةِ أَقْوَالٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَفْظُهُ وَأَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِي الْمَقَامِ أَنَّهُ يَعْمَلُ على ماتقتضيه أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ فَمَا كَانَ مِنْ أَسْبَابِ السُّجُودِ مُقَيَّدًا بِقَبْلِ السَّلَامِ سَجَدَ لَهُ قَبْلَهُ وَمَا كَانَ مُقَيَّدًا بِبَعْدِ السَّلَامِ سَجَدَ لَهُ بَعْدَهُ وَمَا لَمْ يَرِدْ تَقْيِيدُهُ بِأَحَدِهِمَا كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ السُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ لِمَا أخرجه مسلم في صحيحه عن بن مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا زَادَ الرَّجُلُ أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَجَمِيعُ أَسْبَابِ السُّجُودِ لَا تَكُونُ إِلَّا زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا أَوْ مَجْمُوعَهُمَا قَالَ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مَذْهَبًا تَاسِعًا انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ هَذَا هُوَ أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام

174 - (بَاب مَا جَاءَ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ [392]) قَوْلُهُ (عَنِ الْحَكَمِ) بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ بن عتيبة الفقيه الكوفي (عن إبراهيم) هو بن يَزِيدَ النَّخَعِيُّ قَوْلُهُ (صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا) أَيْ خَمْسَ رَكَعَاتٍ (أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ للاستخبار (فسجد سجدتين بعد ما سلم) أي فسجد سجدتين للسهو بعد السلام الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَقِيلَ لَهُ أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ خمسا فسجد سجدتين بعد ما سَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ لَا قَالُوا فَإِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَمْسًا فَانْفَتَلَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ صَلَّى خَمْسًا سَاهِيًا وَلَمْ يَجْلِسْ فِي الرَّابِعَةِ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَفْسُدُ خِلَافًا لِلْكُوفِيِّينَ وَقَوْلُهُمْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَعَدَ فِي الرَّابِعَةِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ بَلِ السِّيَاقُ يُرْشِدُ إِلَى خِلَافِهِ وَعَلَى أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى سَبِيلِ السَّهْوِ لَا تُبْطِلُهَا وَعَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِسَهْوِهِ إِلَّا بَعْدَ السَّلَامِ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَعَلَى أَنَّ الْكَلَامَ الْعَمْدَ فِيمَا يَصْلُحُ بِهِ الصَّلَاةُ لَا يُفْسِدُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ [393] قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ الْكَلَامِ) كَذَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَيْضًا هَكَذَا مُخْتَصَرًا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْكَلَامِ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ وهو بن خديج فأخرجه أبو داود وبن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [394] قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ إِلَى الْجُمْهُورِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ أَيْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ رَكْعَةً نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بَلْ إِنْ عَلِمَ بَعْدَ السَّلَامِ فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُ صَحِيحَةً وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إِنْ ذَكَرَ بَعْدَ السَّلَامِ بِقَرِيبٍ وَإِنْ طَالَ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لا يسجد قال وقال أبو حنيفة وأهل الكوفة رضي الله عنه إِذَا زَادَ رَكْعَةً سَاهِيًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَزِمَهُ إِعَادَتُهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنْ كَانَ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ ثُمَّ زَادَ خَامِسَةً أَضَافَ إِلَيْهَا سَادِسَةً شَفْعًا وَكَانَتْ نَفْلًا بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَيَخْرُجُ مِنَ الصَّلَاةِ بِكُلِّ مَا يُنَافِيهَا وَأَنَّ الرَّكْعَةَ الْمُفْرَدَةَ لَا تَكُونُ صَلَاةً قَالَ وَإِنْ لَمْ يَتَشَهَّدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْجُلُوسَ بِقَدْرِ التَّشَهُّدِ وَاجِبٌ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ حَتَّى أَتَى بِالْخَامِسَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَرُدُّ كُلَّ مَا قَالُوهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْجِعْ مِنَ الْخَامِسَةِ وَلَمْ يَشْفَعْهَا وَإِنَّمَا تَذَكَّرَ بعد السلام ففيه رد عليهم وحجة الجمهور انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ

باب ما جاء في التشهد في سجدتي السهو

قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَبَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَحَدِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ 75290290290 290 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّشَهُّدِ فِي سَجْدَتَيْ السَّهْوِ [395]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ) هُوَ أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثِقَةٌ فقيه (عن بن سِيرِينَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ كَبِيرُ الْقَدْرِ كَانَ لَا يَرَى الرِّوَايَةَ بِالْمَعْنَى قَوْلُهُ (فَسَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِالتَّشَهُّدِ بَعْدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ حَسَنٌ غَرِيبٌ مَا لَفْظُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ على شرط الشيخين وضعفه البيهقي وبن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُمَا وَوَهِمُوا رِوَايَةَ أَشْعَثَ لِمُخَالَفَتِهِ غيره من الحفاظ عن بن سِيرِينَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّشَهُّدِ وَرَوَى السَّرَّاجُ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ أَيْضًا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قُلْتُ لِابْنِ سِيرِينَ فَالتَّشَهُّدُ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ فِي التَّشَهُّدِ شَيْئًا وَكَذَا الْمَحْفُوظُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّشَهُّدِ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَصَارَتْ زِيَادَةُ أَشْعَثَ شاذة ولهذا قال بن الْمُنْذِرِ لَا أَحْسَبُ التَّشَهُّدَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ يَثْبُتُ لَكِنْ قَدْ وَرَدَ فِي التَّشَهُّدِ فِي سجود السهو عن بن مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَعَنِ الْمُغِيرَةِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَفِي إِسْنَادِهِمَا ضَعْفٌ فَقَدْ يُقَالُ إن الأحاديث الثلاثة في التشهد بإجتماعها يرتقى إِلَى دَرَجَةِ الْحَسَنِ قَالَ الْعَلَائِيُّ وَلَيْسَ ذَلِكَ ببعيد وقد صح ذلك عن بن مسعود من قوله أخرجه بن أبي شيبة انتهى

قوله (وروى بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ وَهُوَ عَمُّ أَبِي قلابة غير هذا الحديث) يعني أن بن سِيرِينَ رَوَى غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَرَوَاهُ بِوَاسِطَةِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي المهلب (وروى محمد) أي بن سِيرِينَ (هَذَا الْحَدِيثَ) أَيِ الْمَذْكُورَ (عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ) قال بن حبان ما روى بن سِيرِينَ عَنْ خَالِدٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَكَابِرِ عَنِ الْأَصَاغِرِ انْتَهَى قُلْتُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ مِنَ الطَّبَقَةِ الْخَامِسَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَصَاغِرِ (وَهُوَ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْعَصْرَ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ فَقَالَ أَصَدَقَ هَذَا قَالُوا نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّشَهُّدِ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ) أَيْ إِذَا سَجَدَهُمَا بَعْدَ السَّلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ أَمَّا قَبْلَ السَّلَامِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ وَحَكَى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ اللَّيْثِ أَنَّهُ يُعِيدُهُ وَعَنِ الْبُوَيْطِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ مِثْلَهُ وَخَطَؤُهُ فِي هَذَا النَّقْلِ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ وَعَنْ عَطَاءٍ يَتَخَيَّرُ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَمَّا مَنْ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ فَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ ونقله أبو حامد الإسفرائيني عَنِ الْقَدِيمِ لَكِنْ وَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ إِذَا سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ تَشَهَّدَ أَوْ قَبْلَ السَّلَامِ أَجْزَأَهُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ هَذَا النَّصَّ عَلَى أَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى كَذَا فِي فَتْحِ

باب في من يشك بالزيادة والنقصان

الْبَارِي (فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَشَهَّدُ فِيهِمَا وَيُسَلِّمُ) لِحَدِيثِ الْبَابِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ فِيهِمَا تَشَهُّدٌ وَتَسْلِيمٌ) أَمَّا عَدَمُ التَّشَهُّدِ فَلِعَدَمِ ذِكْرِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا عَدَمُ التَّسْلِيمِ فَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ فَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ التَّسْلِيمُ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ فَفِيهِ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّسْلِيمِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنِ النَّوَوِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَا يُثْبِتُونَ التَّسْلِيمَ وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَعْرُوفِ فِي كُتُبِهِمْ وَخِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ قَالَ وَالصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُسَلِّمُ وَلَا يَتَشَهَّدُ إنتهى 76 - (باب في مَنْ يَشُكُّ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ [396]) قَوْلُهُ (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) أَيْ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ فَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ كَمَا فِي رواية مسلم غيره فَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن عثمان وبن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ فأخرجه أحمد وفيه من صلى فلم يرد أَشَفَعَ أَمْ أَوْتَرَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا إِتْمَامُ صَلَاتِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي كَبْشَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُثْمَانَ وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ يَزِيدَ بن أبي

كَبْشَةَ عَنْ مَرْوَانَ عَنْ عُثْمَانَ وَأَمَّا حَدِيثُ بن مسعود فأخرجه الجماعة إلا االترمذي عن إبراهيم عن علقمة عن بن مسعود قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ زَادَ أَوْ نَقَصَ فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يَا رسول الله اللَّهِ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لْيُسَلِّمْ ثُمَّ لْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ (قبل أن يسلم) وفي لفظ بن مَاجَهْ وَمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ فَلْيَنْظُرْ أَقْرَبَ ذَلِكَ إِلَى الصَّوَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ كَذَا فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَلَى مَا قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجٌ أَحْمَدُ السَّرْهَنْدِيُّ فِي شَرْحِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن ماجه بلفظ إن الشيطان يدخل بين بن آدَمَ وَبَيْنَ نَفْسِهِ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَهُوَ لِبَقِيَّةِ الْجَمَاعَةِ إِلَّا قَوْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ قال بن الْمُنْذِرِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ في صحيحه بإسناد غير إسناد التِّرْمِذِيِّ قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ فَلْيَجْعَلْهُمَا وَاحِدَةً إِلَخْ أَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ كَمَا سَتَعْرِفُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا) أَيِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي الْوَاحِدَةِ وَالثِّنْتَيْنِ إِلَخْ مِنَ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا مَثَلًا لَزِمَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ الْأَقَلُّ فَيَأْتِي عَمَلُهُ بِمَا بَقِيَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ إِلَخْ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَحَمَلُوا التَّحَرِّيَ في حديث بن مَسْعُودٍ عَلَى الْأَخْذِ بِالْيَقِينِ قَالُوا وَالتَّحَرِّي هُوَ الْقَصْدُ وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (تَحَرَّوْا رَشَدًا) فَمَعْنَى الْحَدِيثِ فَلْيَقْصِدِ الصَّوَابَ فَلْيَعْمَلْ بِهِ وَقَصْدُ الصَّوَابِ هُوَ مَا بَيَّنَهُ فِي

حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى فَلْيُعِدْ) وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ سَهَا فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى فَقَالَ لِيُعِدْ صَلَاتَهُ وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَاعِدًا وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ يَسْمَعْ إِسْحَاقُ مِنْ جَدِّهِ عُبَادَةَ انْتَهَى فَلَا يَنْتَهِضُ لِمُعَارَضَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِوُجُوبِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ أَنَّهَا قَالَتْ أَفْتِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي رَجُلٍ سَهَا فِي صَلَاتِهِ فَلَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى قَالَ يَنْصَرِفُ ثُمَّ يَقُومُ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ كَمْ صَلَّى فَإِنَّمَا ذَلِكَ الْوَسْوَاسُ يَعْرِضُ فَيُسَهِّيهِ عَنْ صَلَاتِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّرَائِفِيُّ الْجَزَرِيُّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ كَبَقِيَّةَ فِي الشَّامِيِّينَ يَرْوِي عَنِ الْمَجَاهِيلِ وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ يَزِيدَ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا فِي الْعِرَاقِيِّ كَذَا فِي النَّيْلِ وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ إِنْ شَكَّ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى اسْتَأْنَفَ وَإِنْ كَثُرَ تَحَرَّى وَأَخَذَ مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ أَخَذَ الْأَقَلَّ وَوَجْهُ الِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ فَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ شَكَّ وَلَمْ يَدْرِ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَى مَا إستيقن وفي بعضها يبني على الأقل وبعضها يدل عَلَى أَنَّهُ يَتَحَرَّى الصَّوَابَ وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فَالْحَنَفِيَّةُ حَمَلُوا مَا يَدُلُّ عَلَى الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ عَرَضَ لَهُ الشَّكُّ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَتَحَرَّى الصَّوَابَ عَلَى مَا إِذَا كَثُرَ الشَّكُّ وَمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْأَقَلِّ عَلَى مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ بَعْدَ التَّحَرِّي وَمَنْ قَالَ بِالْإِعَادَةِ أَخَذَ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْإِعَادَةِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهَا لَا تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ لِضَعْفِهَا وَالْجُمْهُورُ أَخَذُوا بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ وَحَمَلُوا التَّحَرِّيَ في حديث بن مَسْعُودٍ عَلَى الْأَخْذِ بِالْيَقِينِ كَمَا مَرَّ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَأَقْوَى الْمَذَاهِبِ هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالَّذِي يَلُوحُ لِي أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَتَحَرِّي الصَّوَابِ وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ فِي اللُّغَةِ هُوَ طَلَبُ مَا هُوَ أَحْرَى إِلَى الصَّوَابِ وَقَدْ أَمَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَالْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ عِنْدَ عُرُوضِ الشَّكِّ فإن أمكن الخروج بالتحري عن ثائرة الشَّكِّ لُغَةً وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِالِاسْتِيقَانِ بِأَنَّهُ قَدْ فَعَلَ مِنَ الصَّلَاةِ كَذَا رَكَعَاتٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ لأن

الشَّارِعَ قَدْ شَرَطَ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ عَدَمَ الدِّرَايَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهَذَا التَّحَرِّي قَدْ حَصَلَتْ لَهُ الدِّرَايَةُ وَأُمِرَ الشَّاكُّ بِالْبِنَاءِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَمَنْ بَلَغَ بِهِ تَحَرِّيهِ إِلَى الْيَقِينِ قَدْ بَنَى عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَنَّ التَّحَرِّيَ الْمَذْكُورَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْأَقَلِّ وَقَدْ أَوْقَعَ النَّاسَ ظَنُّ التَّعَارُضِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي مَضَائِقَ لَيْسَ عَلَيْهَا أَثَارَةٌ مِنْ عِلْمٍ كَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْمُبْتَلَى وَالرُّكْنِ وَالرَّكْعَةِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ [397] قَوْلُهُ (فَيَلْبِسُ عَلَيْهِ) بِفَتْحِ الْيَاءِ الْمُضَارَعَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَخْلِطُ عَلَيْهِ وَيُشَوِّشُ خَاطِرَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَبَسْتَ الْأَمْرَ بِالْفَتْحِ أَلْبِسُهُ إِذَا خَلَطْتَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (ولبسنا عليهم ما يلبسون) وَرُبَّمَا شُدِّدَ لِلتَّكْثِيرِ (فَإِذَا وَجَدَ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وبن مَاجَهْ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ [398] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ يُقَالُ إِنَّهَا أُمُّهُ وَهُوَ بَصْرِيٌّ صدوق يخطىء مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوِ اثْنَتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ إِلَخْ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْحَدِيثُ مُفَصِّلٌ لِلْإِجْمَالِ الْوَارِدِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فَعَلَيْهِ التَّعْوِيلُ وَيَجِبُ إِرْجَاعُ الْإِجْمَالِ إِلَيْهِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِي الشَّكِّ مِنْ كَوْنِهِ أَوَّلَ مَا سَهَا وَثَانِيًا لِأَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالنَّاسِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرْسِلَ رحمه

باب ما جاء في الرجل يسلم في الركعتين من الظهر

وَرَأْفَةً لَهُمْ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ الْحَدِيثُ مَعْلُولٌ لأنه من رواية بن إسحاق عن مكحول عن كريب عن بن عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ رواه أحمد في المسند عن بن علية عن بن إسحاق عن مكحول مرس قال بن إِسْحَاقَ فَلَقِيتُ حُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لِي هَلْ أَسْنَدَهُ لَكَ قُلْتُ لَا فَقَالَ لَكِنَّهُ حَدَّثَنِي أَنَّ كُرَيْبًا حَدَّثَهُ بِهِ وَحُسَيْنٌ ضَعِيفٌ جِدًّا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ الله بن عتبة عن بن عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَالْهَيْثَمُ بْنُ كُلَيْبٍ فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ طريق الزهري عن عبيد الله عن بن عَبَّاسٍ مُخْتَصَرًا إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي شَكٍّ مِنَ النُّقْصَانِ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُصَلِّ حَتَّى يَكُونَ فِي شَكٍّ مِنَ الزِّيَادَةِ وَفِي إِسْنَادِهِمَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى 77 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ) وَالْعَصْرِ [399] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ (انْصَرَفَ مِنِ اثْنَتَيْنِ) أَيْ رَكْعَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَكَانَتْ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ عَلَى مَا جَاءَ فِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ قَالَ بن سِيرِينَ سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا وَفِي رِوَايَةِ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهَا الظُّهْرُ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وفي الموطأ

الْعَصْرُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي شَرْحِهِ الْمَطْبُوعِ وَكَانَتْ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعِشَاءِ وَهُوَ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ الْعَشِيُّ لَا الْعِشَاءُ (فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ) قَالَ الْحَافِظُ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ اسْمَ ذِي الْيَدَيْنِ الْخِرْبَاقُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَآخِرُهُ قَافٌ اعْتِمَادًا عَلَى مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ وَهَذَا صَنِيعُ مَنْ يُوجِدُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي نَظَرِي وَإِنْ كان بن خُزَيْمَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ جَنَحُوا إِلَى التَّعَدُّدِ وَالْحَامِلُ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِي السِّيَاقَيْنِ فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ السَّلَامَ وَقَعَ مِنِ اثْنَتَيْنِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَأَنَّهُ دَخَلَ مَنْزِلَهُ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ حَكَى الْعَلَائِيُّ أَنَّ بَعْضَ شُيُوخِهِ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ سَلَّمَ فِي ابْتِدَاءِ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَاسْتَبْعَدَهُ وَلَكِنَّ طَرِيقَ الْجَمْعِ يُكْتَفَى فِيهَا بِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ وَلَيْسَ بِأَبْعَدَ مِنْ دَعْوَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ ذِي الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ اسْتَفْهَمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَاسْتَفْهَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةَ عَنْ صِحَّةِ قَوْلِهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلَعَلَّ الرَّاوِيَ لَمَّا رَآهُ تَقَدَّمَ مِنْ مَكَانِهِ إِلَى جِهَةِ الْخَشَبَةِ ظَنَّ أَنَّهُ دَخَلَ مَنْزِلَهُ لِكَوْنِ الْخَشَبَةِ كَانَتْ فِي جِهَةِ مَنْزِلِهِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وإلا فرواية أبي هريرة أرجح لموافقة بن عُمَرَ لَهُ عَلَى سِيَاقِهِ كَمَا أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وأبو داود وبن ماجه وبن خُزَيْمَةَ وَلِمُوَافَقَةِ ذِي الْيَدَيْنِ نَفْسِهِ لَهُ عَلَى سِيَاقِهِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ وَعَبْدُ الله بن أحمد في زيادات المسند وأبي بَكْرِ بْنُ حَثْمَةَ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ تَشْبِيكِ الْأَصَابِعِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ رَاوِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ يَرَى التَّوْحِيدَ بَيْنَهُمَا وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (أَقُصِرَتِ الصَّلَاةُ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَقُصِرَتْ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ أنَّ اللَّهَ قَصَرَهَا وَبِفَتْحٍ ثُمَّ ضَمٍّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ صَارَتْ قَصِيرَةً قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا أَكْثَرُ وَأَرْجَحُ (أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) حَصَرَ فِي الْأَمْرَيْنِ لِأَنَّ السَّبَبَ إِمَّا مِنَ اللَّهِ وَهُوَ الْقَصْرُ أَوْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ النِّسْيَانُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ أَيْ أصدق في النقص الَّذِي هُوَ سَبَبُ السُّؤَالِ الْمَأْخُوذِ مِنْ مَفْهُومِ الِاسْتِفْهَامِ (فَقَالَ النَّاسُ نَعَمْ) أَيْ صَدَقَ (فَصَلَّى اثْنَتَيْنِ) أَيْ رَكْعَتَيْنِ (أُخْرَيَيْنِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ وَأُخْرَى سَاكِنَةٍ تَحْتِيَّتَيْنِ (ثُمَّ كَبَّرَ فَسَجَدَ) أَيْ لِلسَّهْوِ (مِثْلَ سُجُودِهِ) السَّابِقِ فِي صَلَاتِهِ (أَوْ أَطْوَلَ مِنْ سُجُودِهِ السَّابِقِ) (ثُمَّ كَبَّرَ

فَرَفَعَ) أَيْ رَأْسَهُ (ثُمَّ سَجَدَ) أَيْ مَرَّةً ثَانِيَةً (مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ) فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ فَقِيلَ صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ نَاسِيًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لِلسَّهْوِ وَلَا حَاجَةَ إِلَى إِعَادَةِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وبن عُمَرَ وَذِي الْيَدَيْنِ) أَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم صلى العصر فسلم في ثلاثة رَكَعَاتٍ ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ وَفِي لَفْظٍ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدِهِ طُولٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ فَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى النَّاسِ فَقَالَ أَصَدَقَ هَذَا قَالُوا نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسلم في الركعتين فذكر نحو حديث بن سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهَا فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقُصِرَتْ أَمْ نَسِيتَ قَالَ مَا قُصِرَتْ وَمَا نَسِيتُ قَالَ إِذًا فَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا نَعَمْ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ وَأَمَّا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ ص 77 والبيهقي وفي الباب أيضا عن بن عباس عند البزارفي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعَدَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ خَدِيجٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَعَنْ أَبِي العريان عند الطبراني في الكبير قال بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ أَبَا الْعُرْيَانِ الْمَذْكُورَ هُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ إِنَّ ذَا الْيَدَيْنِ يُكَنَّى بِالْعُرْيَانِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ كِلَا الْقَوْلَيْنِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَأَبُو الْعُرْيَانِ صَحَابِيٌّ آخَرُ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ ذَكَرَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِيهِمْ فِي الْكُنَى وَكَذَلِكَ أَوْرَدَهُ أبو موسى المديني في ذيله على بن مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ فِي التَّلْخِيصِ لِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ وَأَلْفَاظٌ وَقَدْ جَمَعَ جَمِيعَ طُرُقِهِ الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ كَلَامًا شَافِيًا انْتَهَى

قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِذَا تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مَا كَانَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلَاةَ وَاعْتَلُّوا بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ) قَالَ صَاحِبُ آثَارِ السُّنَنِ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ حَاضِرًا فِي حَادِثَةِ ذِي الْيَدَيْنِ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ إِلَخْ فَحُضُورُهُ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ حِينَ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ حَدَثَ بِهِ تِلْكَ الْحَادِثَةُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ وَفَعَلَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذِي الْيَدَيْنِ أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ فِي مَعَانِي الْآثَارِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ صَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَصْحَابِهِ فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي جَهَّزْتُ عِيرًا مِنَ الْعِرَاقِ بِأَحْمَالِهَا وَأَقْتَابِهَا حَتَّى وَرَدَتِ الْمَدِينَةَ فَصَلَّى بِهِمْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَالَهُ هَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ قُلْتُ لَيْسَ هَذَا مُرْسَلًا جَيِّدًا بَلْ هُوَ مِنْ أَضْعَفِ الْمَرَاسِيلِ قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ عَطَاءٍ قَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ فِي الْمُرْسَلِ أَضْعَفُ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ والعطاء يَأْخُذَانِ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ انْتَهَى فَمُرْسَلُ عَطَاءٍ هَذَا لَا يَصِحُّ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَتْ حِينَ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا عَلَى أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إِذْ ذَاكَ قَدْ ذَهِلَ عَنْ قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَمَا كَانَ قَدْ ذَهِلَ عَنْ قِصَّةِ التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ بِتَذْكِيرِ عَمَّارٍ مَعَ أَنَّهُ حَضَرَ مَعَهُ تِلْكَ الْقِصَّةَ وَأَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَرَى أَنَّ مَنْ حَدَثَ بِهِ هَذِهِ الْحَادِثَةُ فَلَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الصَّلَاةَ وَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ وَلَمْ يَرَ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبًا فَإِذَا جَاءَ الِاحْتِمَالُ بَطَلَ الِاسْتِدْلَالُ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا أَعَادَ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ بَعْدَ الِانْصِرَافِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ بِكَلَامٍ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ حَيْثُ قَالَ إِنِّي جَهَّزْتُ عِيرًا مِنَ الْعِرَاقِ بِأَحْمَالِهَا وَأَقْتَابِهَا حَتَّى وَرَدَتِ الْمَدِينَةَ فَتَفَكَّرْ قَالَ النِّيمَوِيُّ أَحَادِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَحْضُرْ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَكَانَ إِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَهُ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ قُلْتُ الْقَوْلُ بِأَنَّ أبا هريرة لم يحضر قصته ذِي الْيَدَيْنِ بَاطِلٌ قَطْعًا فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ حُضُورُهُ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ صَرِيحَةٍ فَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى عَدَمِ حُضُورِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ بِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَكَانَ إِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَهُ فَفَاسِدٌ فَإِنَّ الْمَقْتُولَ بِبَدْرٍ هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ لَا ذو اليدين قال الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَهُوَ (أَيْ ذُو الْيَدَيْنِ) غَيْرُ ذِي الشِّمَالَيْنِ الْمَقْتُولِ بِبَدْرٍ بِدَلِيلِ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ ذَكَرَهَا مَعَهُ مِنْ حُضُورِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ مِمَّنْ كَانَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَلَّى بِنَا وَبَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْفُوظٌ مِنْ نَقْلِ الْحَافِظِ وَأَمَّا قول بن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ إِنَّهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ فَلَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَحَمَلَهُ الزُّهْرِيُّ عَلَى أَنَّهُ الْمَقْتُولُ يَوْمَ بَدْرٍ وَغَلِطَ فِيهِ وَالْغَلَطُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدُ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَحْضُرْهَا وَإِنَّمَا رَوَاهَا مُرْسَلًا بِدَلِيلِ أَنَّ ذَا الشِّمَالَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَرَدَّهُ بِأَنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ صَرِيحَةٌ فِي حُضُورِ أَبِي هُرَيْرَةَ تِلْكَ الْقِصَّةَ وَالْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَصَاحِبُ الْقِصَّةِ هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ وهو غيره انتهى وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَضَرَ الْقِصَّةَ وَحَمَلَهُ الطَّحَاوِيُّ عَلَى الْمَجَازِ فَقَالَ إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ صَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ وَيَدْفَعُ الْمَجَازَ الَّذِي ارْتَكَبَهُ الطَّحَاوِيُّ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ بِأَنَّ هَذَا تَرَكَ الظَّاهِرَ عَلَى أَنَّهُ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَجُزْ فِي هَذَا الْقَوْلِ مَعْنَاهُ صَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ انْتَهَى قُلْتُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ بِلَفْظِ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي حُضُورِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ وَلَيْسَ عِنْدَ مَنِ ادَّعَى عَدَمَ حُضُورِهِ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ جَوَابٌ شَافٍ وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ صَاحِبُ الْعُرْفِ الشَّذِيِّ أَيْضًا حَيْثُ قَالَ وَلَكِنَّ الطَّحَاوِيَّ لم يجب عما في طريق في مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي إِلَخْ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمْ أَجِدْ جَوَابًا شافيا عن هذه وقال بن عَابِدِينَ مَا قَالَ وَتَعَجَّبَ مِنْ عَدَمِ جَوَابِ البحر أقول إن بن عَابِدِينَ غَفَلَ عَمَّا فِي مُسْلِمٍ فَإِنَّ الرِّوَايَةَ ها هنا أَنَا أُصَلِّي رَوَاهَا مُسْلِمٌ ص 412 وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَجِدْ جَوَابًا شَافِيًا أَيْضًا انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْعُرْفِ الشَّذِيِّ بِلَفْظِهِ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ لَمَّا عَجَزُوا عَنْ جَوَابِ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَرَفَ بَعْضُهُمْ بِعَدَمِ وِجْدَانِ الْجَوَابِ الشَّافِي عَنْهَا وَسَعَى بَعْضُهُمْ فِي إِثْبَاتِ الْوَهَمِ فِيهَا مِنَ الرَّاوِي فَقَالَ صَاحِبُ الْعُرْفِ الشَّذِيِّ بَعْدَ قَوْلِهِ وَأَمَّا أَنَا فَلَمْ أَجِدْ جَوَابًا شَافِيًا أَيْضًا مَا لَفْظُهُ إِلَّا أَنْ يُحْكَمَ بِأَنَّهُ وَهَمُ الرَّاوِي فَإِنَّهُ لَمَّا رَأَى بَيْنَا نَحْنُ نُصَلِّي زَعَمَ كَوْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْوَاقِعَةِ وَأَمَّا وَجْهُ الْوَهَمِ فَلَعَلَّهُ وَهْمٌ مِنْ شَيْبَانَ فَإِنَّهُ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ حَدِيثَانِ فَإِنَّهُ رَوَى حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ كَمَا فِي مُسْلِمٍ ص 302 حَدِيثَ الْعُطَاسِ وَفِيهِ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ وَأَخَذَ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَوَضَعَهُ بِسَبَبِ الِاخْتِلَاطِ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُسْلِمٍ ص 412 انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ قَوْلُهُ (فَإِنَّهُ رَوَى حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ كَمَا فِي مُسْلِمٍ) حَدِيثَ الْعُطَاسِ وَهْمٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ شَيْبَانَ لَمْ يَرْوِ حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ حَدِيثَ الْعُطَاسِ فَإِنَّ سَنَدَهُ فِي مُسْلِمٍ ص 312 هَكَذَا حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَتَقَارَبَا فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ قَالَا أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ إِلَخْ فَقَوْلُهُ (وَأَخَذَ هَذَا اللَّفْظَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَخْ) بِنَاءُ الْبَاطِلِ عَلَى الْبَاطِلِ وَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْعُرْفِ الشَّذِيِّ كَيْفَ ارْتَكَبَ الْأَمْرَ الْقَبِيحَ لِإِثْبَاتِ وَهَمِ الرَّاوِي فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الصَّحِيحَةِ تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ النِّيمَوِيُّ قَوْلُهُ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَلَعَلَّ بَعْضَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ فَهِمَ مِنْ قَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ صَلَّى بِنَا أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا فَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ بِالْمَعْنَى عَلَى مَا زَعَمَهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ خَمْسِ طُرُقٍ فَلَفْظُهُ فِي طَرِيقَيْنِ صَلَّى بِنَا وَفِي طَرِيقٍ صَلَّى لَنَا وَفِي طَرِيقٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَفِي طَرِيقٍ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَخَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَكَيْفَ يُقْبَلُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي انْتَهَى قُلْتُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مُتْقِنٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ قَالَ شُعْبَةُ حَدِيثٌ أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ يَحْيَى مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ إِنَّمَا يُعَدُّ مَعَ الزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَإِذَا خَالَفَهُ الزُّهْرِيُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ يَحْيَى انْتَهَى فَكَيْفَ لَا يُقْبَلُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ مِثْلُ هَذَا الثِّقَةِ الثَّبْتِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ وَإِذَا خَالَفَهُ الزُّهْرِيُّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فَقَوْلُ النِّيمَوِيِّ قَوْلُهُ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي غَيْرُ مَحْفُوظٍ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ

وَالْحَاصِلُ أَنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ بِلَفْظِ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي صَحِيحَةٌ مَحْفُوظَةٌ وَهِيَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي شُهُودِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ وَلَيْسَ لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ جَوَابٌ شَافٍ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ شُهُودِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ ذَكَرَهَا النِّيمَوِيُّ فِي آثَارِ السُّنَنِ وَكُلُّهَا مَخْدُوشَةٌ وَاهِيَةٌ فَلَنَا أَنْ نَذْكُرَهَا ها هنا مَعَ بَيَانِ مَا فِيهَا مِنَ الْخَدْشَةِ فَقَالَ النِّيمَوِيُّ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أن بن عُمَرَ نَصَّ بِأَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ بعد ما قُتِلَ ذُو الْيَدَيْنِ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مَعَانِي الْآثَارِ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ فقال كان إسلام أبي هريرة بعد ما قُتِلَ ذُو الْيَدَيْنِ انْتَهَى قُلْتُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ ضَعِيفَةٌ مُنْكَرَةٌ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا تَفَرَّدَ بِهَا عَبْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ عَابِدٌ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْكَبِيرِ عَنِ الْبُخَارِيِّ ذَاهِبٌ لَا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ كَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يُضَعِّفُهُ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ صدوق في حفظه شيء وقال بن المديني عبد الله ضعيف وقال بن حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الصَّلَاحُ وَالْعِبَادَةُ حَتَّى غَفَلَ عَنْ حِفْظِ الْأَخْبَارِ وَجَوْدَةِ الْحِفْظِ لِلْآثَارِ فَلَمَّا فَحَشَ اسْتَحَقَّ التَّرْكَ انْتَهَى فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ الْمُنْكَرَةِ عَلَى عَدَمِ شُهُودِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ لَيْسَ بِشَيْءٍ قَالَ النِّيمَوِيُّ فِي تَصْحِيحِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ الْمُنْكَرَةِ مَا لَفْظُهُ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إِلَّا الْعُمَرِيَّ فَاخْتُلِفَ فِيهِ قَوَّاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأئمة وضعفه النسائي وبن حبان وغيرها مِنَ الْمُتَشَدِّدِينَ وَتَبِعَهُمُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ ضَعِيفٌ وَأَعْرَضَ عَنْ أَعْدَلِ مَا وُصِفَ بِهِ خِلَافًا لِمَا وَعَدَهُ فِي دِيبَاجَتِهِ وَأَحْسَنُ شَيْءٍ مَا قَالَهُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ انْتَهَى قُلْتُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ أَحْسَنَ شَيْءٍ هُوَ مَا قَالَهُ الذَّهَبِيُّ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْعُمَرِيَّ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ وَحَدِيثُهُ هَذَا مُخَالِفٌ لِأَحَادِيثِ الصَّحِيحَيْنِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى شُهُودِ أَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ فَهُوَ مُنْكَرٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَلْيُعْلَمْ أَنَّ النِّيمَوِيَّ جَعَلَ بن حبان ها هنا مِنَ الْمُتَشَدِّدِينَ فَإِنَّهُ ضَعَّفَ الْعُمَرِيَّ وَجَعَلَهُ فِي بَحْثِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ مِنَ الْمُتَسَاهِلِينَ فَإِنَّهُ وَثَّقَ نَافِعَ بْنَ مَحْمُودٍ أَحَدَ رُوَاةِ حَدِيثِ القراءة خلف الامام حيث قال وأما بن حِبَّانَ فَهُوَ مِنَ الْمُتَسَاهِلِينَ انْتَهَى

ثُمَّ لْيُعْلَمْ أَنَّ مِنْ عَادَةِ النِّيمَوِيِّ أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ أَقْوَالُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي رَاوٍ وَيَكُونُ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مُفِيدًا لَهُ يَذْكُرُهُ ثُمَّ يَقُولُ هَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِيهِ لِمَا وَعَدَ الْحَافِظُ فِي دِيبَاجَةِ التَّقْرِيبِ مِنْ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى كُلِّ رَاوٍ بِأَعْدَلِ مَا وُصِفَ بِهِ وَأَمَّا إِذَا لَا يَكُونُ قَوْلُهُ مُفِيدًا لَهُ فَيَذْكُرُهُ ثُمَّ يَقُولُ أَعْرَضَ الْحَافِظُ عَنْ أَعْدَلِ مَا وُصِفَ بِهِ خِلَافًا لِمَا وَعَدَ فِي دِيبَاجَتِهِ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ثُمَّ ذَكَرَ النِّيمَوِيُّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ مِنَ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ وَثَانِيهِمَا أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِوُجُوهٍ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَا الشِّمَالَيْنِ مَكَانَ ذِي الْيَدَيْنِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ والطبراني في الكبير عن بن عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا ثُمَّ سَلَّمَ فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ أَنُقِصَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ كَذَلِكَ يَا ذَا الْيَدَيْنِ قَالَ نَعَمْ فَرَكَعَ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ النِّيمَوِيُّ أَقْوَالَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَابْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ وَذَا الشِّمَالَيْنِ وَاحِدٌ وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ أَنَّ ذَا الشِّمَالَيْنِ اسْتُشْهِدَ بِبَدْرٍ انْتَهَى كَلَامُ النِّيمَوِيِّ قُلْتُ اسْتِشْهَادُ ذِي الشِّمَالَيْنِ بِبَدْرٍ مُسَلَّمٌ وَأَمَّا أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ الَّذِي قُتِلَ بِبَدْرٍ فَهُوَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلِ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ غير ذي الشمالين قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ وَقَدِ اتَّفَقَ مُعْظَمُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى أَنَّ ذَا الشِّمَالَيْنِ غَيْرُ ذِي الْيَدَيْنِ وَنَصَّ عَلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فِي اخْتِلَافِ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ وَرَقَةٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّوَابَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ ذِي الْيَدَيْنِ وَذِي الشِّمَالَيْنِ انْتَهَى وَأَمَّا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظِ ذِي الشِّمَالَيْنِ مَكَانَ ذِي الْيَدَيْنِ وَكَذَا بَعْضُ الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى الَّتِي وَقَعَ فِيهَا لَفْظُ ذِي الشِّمَالَيْنِ مَكَانَ ذِي الْيَدَيْنِ فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِعَامَّةِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فَلَا اعْتِدَادَ بِهَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَهِمَ الزُّهْرِيُّ فِي قَوْلِهِ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ وَذُو الشِّمَالَيْنِ تَقَدَّمَ مَوْتُهُ فِي مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَذُو الْيَدَيْنِ بَقِيَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُقَالُ انْتَهَى وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَذُو الشِّمَالَيْنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَائِرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي انْتَهَى وَقَالَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ شَهِدَ قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَحَضَرَهَا كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي لَفْظٍ بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ قَالَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ إِسْلَامَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ بَعْدَ بَدْرٍ بِخَمْسِ سِنِينَ انْتَهَى وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ رَوَى الزُّهْرِيُّ حَدِيثَ التَّسْلِيمِ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَقَالَ فِيهِ فَقَامَ ذُو الشِّمَالَيْنِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ هَكَذَا إِلَّا الزُّهْرِيَّ وَهُوَ غَلَطٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ

باب ما جاء في الصلاة في النعال

ذُو الْيَدَيْنِ السُّلَمِيُّ وَاسْمُهُ خِرْبَاقٌ وَذُو الشِّمَالَيْنِ قُتِلَ بِبَدْرٍ وَالْحَدِيثُ شَهِدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَانَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ بِسِنِينَ وَمَاتَ ذُو الْيَدَيْنِ السُّلَمِيُّ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ انْتَهَى كَذَا نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ وَقَوْلُ الْبَيْهَقِيِّ وَالْسُهَيْلِيِّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَنُقِلَ عَنْ خُلَاصَةِ النَّوَوِيِّ مَا لَفْظُهُ وَذُو الْيَدَيْنِ اسْمُهُ خِرْبَاقٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْعُرْيَانِ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا ذُو الشِّمَالَيْنِ فَهُوَ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيُّ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ شَهِيدًا وَهُوَ غَيْرُ الْمُتَكَلِّمِ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ هَذَا قَوْلُ جَمِيعِ الْحُفَّاظِ إِلَّا الزُّهْرِيَّ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى تَغْلِيطِ الزُّهْرِيِّ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي كِتَابِنَا أَبْكَارِ الْمِنَنِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَهُ 78 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ [400]) بِكَسْرِ النُّونِ جَمْعُ نَعْلٍ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَزِيدَ أَبِي سلمة الأزدي ثم الطالحي الْبَصْرِيِّ الْقَصِيرِ ثِقَةٌ رَوَى عَنْ أَنَسٍ

وَأَبِي نَضْرَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وبن عُلَيَّةَ وَغَيْرُهُمَا) قَوْلُهُ (يُصَلِّي فِي نَعْلَيْهِ) قَالَ بن بَطَّالٍ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ ثُمَّ هِيَ مِنَ الرُّخَصِ كما قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ لَا مِنَ الْمُسْتَحَبَّاتِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَعْنَى الْمَطْلُوبِ مِنَ الصَّلَاةِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَلَابِسِ الزِّينَةِ إِلَّا أَنَّ مُلَامَسَتَهُ الْأَرْضَ الَّتِي تَكْثُرُ فِيهَا النَّجَاسَاتُ قَدْ تَقْصُرُ عَنْ هَذِهِ الرُّتْبَةِ وَإِذَا تَعَارَضَتْ مُرَاعَاةُ مَصْلَحَةِ التَّحْسِينِ وَمُرَاعَاةُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ قُدِّمَتِ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ دَفْعِ الْمَفَاسِدِ وَالْأُخْرَى مِنْ بَابِ جَلْبِ الْمَصَالِحِ قَالَ إِلَّا أَنْ يَرِدَ دَلِيلٌ بِإِلْحَاقِهِ بِمَا يَتَجَمَّلُ بِهِ فَيَرْجِعُ إِلَيْهِ وَيَتْرُكُ هَذَا النَّظَرَ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مَرْفُوعًا خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلَا فِي خِفَافِهِمْ فَيَكُونُ اسْتِحْبَابُ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ قَصْدِ الْمُخَالَفَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ وَوَرَدَ فِي كَوْنِ الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ مِنَ الزِّينَةِ الْمَأْمُورِ بِأَخْذِهَا فِي الاية حديث ضعيف جدا وردها بن عدي في الكامل وبن مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ وَالْعُقَيْلِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَأَوْسٍ الثَّقَفِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي شَيْبَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ تُكُلِّمَ فِيهِ وَلَهُ حَدِيثٌ ثَالِثٌ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو حَمْزَةَ الْأَعْوَرُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فَأَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الشَّمَائِلِ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ شَدَّادِ بن أوس فأخرجه أبو داود وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَا مَطْعَنَ فِي إِسْنَادِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَوْسٍ الثقفي فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ وأما حديث عطاء فأخرجه بن مندة في معرفة الصحابة والطبراني وبن نافع

باب ما جاء في القنوت في صلاة الفجر

قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَعْنِي يُجَوِّزُونَ الصَّلَاةَ فِي النِّعَالِ إِذَا كَانَتْ طَاهِرَةً سَوَاءٌ كَانَتِ النِّعَالُ جَدِيدَةً أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَتِ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي غَيْرِهِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِجَوَازِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِالنِّعَالِ وَبِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهَا عَلَى جَوَازِ الْمَشْيِ بِهَا بَيْنَ الْقُبُورِ حَيْثُ قَالَ قَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ مُتَوَاتِرَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَدْ ذَكَرْنَا عَنْهُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي نَعْلَيْهِ ومن إباحته الناس الصَّلَاةَ فِي النِّعَالِ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ الصَّلَاةِ فِي النِّعَالِ ثُمَّ قَالَ فَلَمَّا كَانَ دُخُولُ الْمَسَاجِدِ بِالنِّعَالِ غَيْرَ مَكْرُوهٍ وَكَانَتِ الصَّلَاةُ بِهَا أَيْضًا غَيْرَ مَكْرُوهَةٍ كَانَ الْمَشْيُ بِهَا بَيْنَ الْقُبُورِ أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ مَكْرُوهًا وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ انْتَهَى مختصر 79 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ [401]) قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَرْكِ الْقُنُوتِ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ فِي أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ وَهِيَ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ قَالَ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْقُنُوتِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَذَهَبَ أَكْثَرُ النَّاسِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى إِثْبَاتِ الْقُنُوتِ فِيهَا قَالَ فَمِمَّنْ رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَمِنَ الصَّحَابَةِ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو حَلِيمَةَ مُعَاذُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ وَخُفَافُ بْنُ إِيمَاءِ بْنِ رَحْضَةَ وَأُهْبَانُ بْنُ صَيْفِيٍّ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ وَعَرْفَجَةُ بْنُ شُرَيْحٍ الْأَشْجَعِيُّ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَعَائِشَةُ الصِّدِّيقَةُ وَمِنَ الْمُخَضْرَمِينَ أَبُو رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيُّ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَأَبُو رَافِعٍ الصَّائِغُ وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وأبان بن عثمان وقتادة وطاووس وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَالرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَعُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَزِيَادُ بْنُ عُثْمَانَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَحُمَيْدٌ الطَّوِيلُ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْفُقَهَاءِ أَبُو إِسْحَاقَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وَحَمَّادٌ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الشَّامِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ رِوَايَتَانِ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ خلق كثير

وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَنَعُوا مِنْ شَرْعِيَّةِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ وَزَعَمَ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا ثُمَّ نُسِخَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ قَوْلُهُ (كَانَ يَقْنُتُ فِي صلاة الصبح والمغرب) قال الحافظ بن حَجَرٍ وَغَيْرُهُ أَيْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ أَثْبَتَ الْقُنُوتَ فِي الصُّبْحِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي وَقْعِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا نِزَاعَ فِي وُقُوعِ الْقُنُوتِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي اسْتِمْرَارِ مَشْرُوعِيَّتِهِ فَإِنْ قَالُوا لَفْظُ كَانَ يَفْعَلُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِمْرَارِ الْمَشْرُوعِيَّةِ قُلْنَا إِنَّ النَّوَوِيَّ قَدْ حَكَى عَنْ جُمْهُورِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهَا لَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ سَلَّمْنَا فَغَايَتُهُ مُجَرَّدُ الِاسْتِمْرَارِ وَهُوَ لَا يُنَافِي التَّرْكَ آخِرًا كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَدِلَّةُ الْأُخْرَى عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الْفَجْرِ وَالْمَغْرِبِ فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنِ الْمَغْرِبِ فَهُوَ جَوَابُنَا عَنِ الْفَجْرِ وَأَيْضًا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فَمَا هُوَ جَوَابُكُمْ عَنْ مدلول لفظ كان ها هنا فَهُوَ جَوَابُنَا قَالُوا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَأَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى قَاتِلِي أَصْحَابِهِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ ثُمَّ تَرَكَ فَأَمَّا الصُّبْحُ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا وَأَوَّلُ الْحَدِيثِ فِي الصحيحين ولو صح هذا لكان قاطعا للبراع وَلَكِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ قَالَ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ يَخْلِطُ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ يَهِمُ كَثِيرًا وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الفلاس صدوق سيء الحفظ وقال بن معين ثقة لكنه يخطيء وَقَالَ الدَّوْرِيُّ ثِقَةٌ لَكِنَّهُ يَغْلَطُ وَحَكَى السَّاجِيُّ أَنَّهُ قَالَ صَدُوقٌ لَيْسَ بِالْمُتْقِنِ وَقَدْ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلِحَدِيثِهِ هَذَا شَاهِدٌ وَلَكِنَّ فِي إِسْنَادِهِ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ قَالَ الحافظ ويعكر على هذا مارواه الْخَطِيبُ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ قُلْنَا لِأَنَسٍ إِنَّ قَوْمًا يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ قَالَ كَذَبُوا إِنَّمَا قَنَتَ شَهْرًا وَاحِدًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَقِيسٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لكنه لم يتهم بكذب وروى بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقْنُتْ إِلَّا إِذَا دَعَا لِقَوْمٍ أَوْ دَعَا فَاخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ عَنْ أَنَسٍ وَاضْطَرَبَتْ فَلَا يَقُومُ لِمِثْلِ هَذَا حُجَّةٌ انْتَهَى إِذَا تَقَرَّرَ لَكَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحَقَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْقُنُوتَ مُخْتَصٌّ بِالنَّوَازِلِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي عِنْدَ نُزُولِ النَّازِلَةِ أَنْ لَا تُخَصَّ بِهِ صَلَاةٌ دُونَ صَلَاةٍ وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الِاخْتِصَاصِ

من حديث أنس عند بن خُزَيْمَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عند بن حِبَّانَ بِلَفْظِ كَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا أَنْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ علي وأنس وأبي هريرة وبن عَبَّاسٍ وَخُفَافٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَاءَيْنِ (بْنِ إِيمَاءِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَمُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتٍ مَمْدُودٌ مَصْرُوفٌ وَفِيهِ أَيْضًا فَتْحُ الْهَمْزَةِ مَعَ الْقَصْرِ (بْنِ رَحْضَةَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ كَذَا فِي قُوتِ المغتذي أماحديث عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ قَالَ كَانَ الْقُنُوطُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْفَجْرِ وَلَهُ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي الْقُنُوتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ لَأُقَرِّبَنَّ بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْنُتُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الظهر والعشاء الاخرة وصلاة الصبح بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ ويلعن الكفار وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ عَلَى حَيٍّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ خُفَافٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمُ الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَحَكَاهُ الْحَازِمِيُّ عَنْ أَكْثَرِ النَّاسِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَدْ عَرَفْتَ مُتَمَسَّكَاتِهِمْ وَمَا فِيهَا

باب ما جاء في ترك القنوت

180 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْقُنُوتِ [402]) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ) اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ عَلَى وَزْنِ الْأَحْمَرِ (قَالَ) أَيْ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ (قُلْتُ لِأَبِي) أَيْ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ مُسْلِمٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ ابْنِهِ (وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ) أَيْ بِالْمَدِينَةِ (وَعَلِيِّ بْنِ أبي طالب ها هنا بالكوفة) أي صليت خلف علي ها هنا بِالْكُوفَةِ فَهُمَا ظَرْفَانِ مُتَعَلِّقَانِ بِصَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيٍّ الْمَحْذُوفِ كَذَا فِي شَرْحِ أَبِي الطَّيِّبِ الْمَدَنِيِّ (نَحْوًا مِنْ خَمْسِ سِنِينَ) هَذَا أَيْضًا مُتَعَلِّقٌ بِصَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيٍّ الْمَحْذُوفِ (أكَانُوا يَقْنُتُونَ) وَفِي رواية بن مَاجَهْ أَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ (أَيْ بُنَيَّ مُحْدَثٌ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْنُتْ وَصَلَّيْتُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَقْنُتْ وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ فَلَمْ يَقْنُتْ وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عُثْمَانَ فَلَمْ يَقْنُتْ وَصَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيٍّ فَلَمْ يَقْنُتْ ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا بِدْعَةٌ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الْقُنُوتِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَاخْتَلَفَ النَّافُونَ لِمَشْرُوعِيَّتِهِ هَلْ يُشْرَعُ فِي النَّوَازِلِ أَمْ لَا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ الرَّاجِحَ هُوَ أَنَّ الْقُنُوتَ مُخْتَصٌّ بِالنَّوَازِلِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي عِنْدَ نُزُولِ النَّازِلَةِ أَنْ لَا تُخَصَّ بِهِ صَلَاةٌ دُونَ صَلَاةٍ [403] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي النَّيْلِ وَكُلُّهَا ضِعَافٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) وَحَكَاهُ الْعِرَاقِيُّ عَنْ أَبِي بكر وعمر وعلي

باب ما جاء في الرجل يعطس في الصلاة

وبن عَبَّاسٍ وَقَالَ قَدْ صَحَّ عَنْهُمُ الْقُنُوتُ وَإِذَا تَعَارَضَ الْإِثْبَاتُ وَالنَّفْيُ قُدِّمَ الْمُثْبَتُ وَحَكَاهُ عَنْ أربعة من التابعين وعن أبي حنيفة وبن المبارك وأحمد وإسحاق (وأبو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ الْأَشْجَعِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ 81 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَعْطِسُ فِي الصَّلَاةِ [404]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا رِفَاعَةُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ) الْأَنْصَارِيُّ إِمَامُ مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ عَمِّ أَبِيهِ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ الزُّرَقِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ عَنْ أَبِيهِ) أَيْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيِّ هُوَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ (صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ السُّيُوطِيُّ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي المغرب انتهى وهذه الزيادة إن ثبتت تَرُدُّ عَلَى التَّأْوِيلِ الَّذِي نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ فِي التَّطَوُّعِ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَادَ فِي الصَّلَاةِ جَمَاعَةً هُوَ الْفَرْضُ لَا النَّفْلُ (مُبَارَكًا فِيهِ مُبَارَكًا عَلَيْهِ) قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ مُبَارَكًا عَلَيْهِ تَأْكِيدًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقِيلَ الْأَوَّلُ بِمَعْنَى الزِّيَادَةِ وَالثَّانِي بِمَعْنَى الْبَقَاءِ (كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا

وَيَرْضَى) فِيهِ مِنْ حُسْنِ التَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ تعالى ما هو الغاية في القصد (بضع وَثَلَاثُونَ) الْبِضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ أَوْ إِلَى الخمس أو مابين الْوَاحِدِ إِلَى الْأَرْبَعَةِ أَوْ مِنْ أَرْبَعٍ إِلَى تِسْعٍ أَوْ سَبْعٍ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبِضْعَ يَخْتَصُّ بِمَا دُونَ الْعِشْرِينَ (أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا) أَيُّهُمْ مُبْتَدَأٌ وَيَصْعَدُ خَبَرُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ وَالْحَدِيثُ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْعَاطِسَ فِي الصَّلَاةِ يَحْمَدُ اللَّهَ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ وَعَلَى جَوَازِ إِحْدَاثِ ذِكْرٍ فِي الصَّلَاةِ غَيْرِ مَأْثُورٍ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُخَالِفٍ لِلْمَأْثُورِ وَعَلَى جَوَازِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ مَا لَمْ يُشَوِّشْ عَلَى مَنْ مَعَهُ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ رِفَاعَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَلَفْظُهُ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي يَوْمًا وَرَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ وَرَائِهِ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَنِ الْمُتَكَلِّمُ قَالَ أَنَا قَالَ رَأَيْتُ بِضْعًا وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْعُطَاسَ وَلَا زَادَ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى وَزَادَ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّ الرَّجُلَ الْمُبْهَمَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ هُوَ رِفَاعَةُ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَلَا مَانِعَ أَنْ يُكَنِّيَ عَنْ نَفْسِهِ إِمَّا لِقَصْدِ إِخْفَاءِ عَمَلِهِ أَوْ لِنَحْوِ ذَلِكَ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ عُطَاسَهُ وَقَعَ عِنْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ قَوْلُهُ (وَكَانَّ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ فِي التَّطَوُّعِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح وأفاد بشر بن عمر الزاهراني فِي رِوَايَتِهِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ يَحْيَى أَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ كَانَتِ الْمَغْرِبَ انْتَهَى فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَرُدُّ عَلَى مَنْ حَمَلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى التَّطَوُّعِ (قَالُوا إِذَا عَطَسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ إِنَّمَا يَحْمَدُ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يوسعوا بأكثر من ذلك) قال القارىء في المرقاة قال بن الْمَلَكِ يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِ الْحَمْدِ لِلْعَاطِسِ فِي الصَّلَاةِ يَعْنِي عَلَى الصَّحِيحِ الْمُعْتَمَدِ بِخِلَافِ رواية البطلان

باب في نسخ الكلام في الصلاة

فَإِنَّهَا شَاذَّةٌ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَحْمَدَ فِي نَفْسِهِ أَوْ يَسْكُتَ خُرُوجًا مِنَ الْخِلَافِ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ انْتَهَى قُلْتُ لَوْ كان سكت القارىء عَنْ قَوْلِهِ أَوْ يَسْكُتُ لَكَانَ خَيْرًا لَهُ فَإِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْحَمْلِ لِلْعَاطِسِ بِلَا مِرْيَةٍ 82 - (بَابٌ فِي نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ [405]) قَوْلُهُ (عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ) بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرٌ الْعِجْلِيِّ أَبِي الطُّفَيْلِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا صَاحِبَهُ إِلَى جَنْبِهِ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ كُنَّا نَتَكَلَّمُ زَادَ الْبُخَارِيُّ بِحَاجَتِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَتَكَلَّمُونَ فِيهَا بِكُلِّ شَيْءٍ وَإِنَّمَا يَقْتَصِرُونَ عَلَى الْحَاجَةِ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ وَنَحْوِهِ (حتى نزلت وقوموا لله قانتين) أي ساكتين قوله (وفي الباب عن بن مسعود ومعاوية بن الحكم) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ قَالَ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فِي الصَّلَاةِ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا فَقَالَ إِنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ بَيْنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهُ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي قَالَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ القران الحديث

قَوْلُهُ (حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوْلُهُ (وهو قول الثوري وبن الْمُبَارَكِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا تَكَلَّمَ عَامِدًا فِي الصَّلَاةِ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَجْزَأَهُ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ عَامِدًا لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا أَوْ إِنْقَاذِ مُسْلِمٍ مُبْطِلٌ لَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي السَّاهِي وَالْجَاهِلِ فَلَا يُبْطِلُهَا الْقَلِيلُ مِنْهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَبْطَلَهَا الْحَنَفِيَّةُ انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عُمْدَةِ القارىء أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ لِغَيْرِ مَصْلَحَتِهَا أَوْ لِغَيْرِ إِنْقَاذِ هَالِكٍ أَوْ شُبْهَةٍ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ وَأَمَّا الْكَلَامُ لِمَصْلَحَتِهَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَجَوَّزَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ وَأَمَّا النَّاسِي فَلَا تَبْطُلُ صلاته بالكلام عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَعِنْدَ أَصْحَابِنَا تَبْطُلُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ دَلِيلُنَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ وَأَجَابَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِنَّ حَدِيثَ قصة ذي اليدين منسوخ بحديث بن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَذَا رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَنَّ قِصَّتَهُ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا كَوْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ عَنْ بَدْرٍ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ يَرْوِي مَا لَا يَحْضُرُهُ بِأَنْ يَسْمَعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ هَذَا الْجَوَابُ الَّذِي نَقَلَهُ الْعَيْنِيُّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَدْ رَدَّهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ حَيْثُ قَالَ هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَيْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وساق الْوَاقِعَةِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي حُضُورِهِ فَحَدِيثُ أَبِي هريرة حجة للجمهور فإن كلام الناس وَمَنْ يُظَنُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لَا يُفْسِدُهَا وَلَمْ أَرَ عَنْهُ جَوَابًا شَافِيًا انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ الرَّائِقِ لَا شَكَّ فِي حُضُورِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي وَاقِعَةِ ذي اليدين

باب ما جاء في الصلاة عند التوبة

فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ صَرِيحَةٍ فَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا مَبْسُوطًا فِي بَابِ مَا جَاءَ يُسَلِّمُ الرَّجُلُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَتَذَكَّرْ 83 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ التَّوْبَةِ [406]) قَوْلُهُ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ) الثَّقَفِيِّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيِّ الْأَعْشَى وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي زُرْعَةَ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ رَوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ وَعَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ وَعَنْهُ مِسْعَرٌ وَشُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ) بْنِ نَضْلَةَ الْوَالِبِيِّ بِكَسْرِ اللَّامِ وَمُوَحَّدَةٍ الْكُوفِيِّ أَبِي الْمُغِيرَةِ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الثَّلَاثَةِ (عَنْ أَسْمَاءَ بْنِ الْحَكَمِ الْفَزَارِيِّ) الْكُوفِيِّ عَنْ عَلِيٍّ فَرْدَ حَدِيثٍ وَعَنْهُ عَلِيُّ بْنُ رَبِيعَةَ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ ذَكَرَهُ الْخَزْرَجِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَيْسَ لَهُ فِي الْكِتَابِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَلَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ إِلَّا عَلِيَّ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثٌ آخَرُ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (فَإِذَا حَلَفَ لِي صَدَّقْتُهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَدِّقُهُ بِلَا حَلِفٍ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا عُلِمَ مِنْ قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ الْعَدْلِ بِلَا حَلِفٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِذَلِكَ زِيَادَةُ التوثيق بالخبر والأطمئنان به إذا الْحَاصِلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ الظَّنُّ وَهُوَ مِمَّا يَقْبَلُ الضَّعْفَ وَالشِّدَّةَ وَمَعْنَى صَدَّقْتُهُ أَيْ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَإِنْ كَانَ الْقَبُولُ الْمُوجِبُ لِلْعَمَلِ حَاصِلًا بِدُونِهِ كَذَا فِي شَرْحِ أَبِي الطَّيِّبِ الْمَدَنِيِّ (وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ) أَيْ عَلِمْتُ صِدْقَهُ فِي ذلك على وجه الكلام بلا حلف وقال بن حَجَرٍ بَيَّنَ بِهَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَلَالَةَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُبَالَغَتَهُ فِي الصِّدْقِ حَتَّى سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم صديقا وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مُلْتَزِمًا أَنْ لَا يَرْوِيَ إِلَّا إِذَا كَانَ مَحْفُوظُهُ بِالْمَبْنَى دُونَ الْمَرْوِيِّ بِالْمَعْنَى بِخِلَافِ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَلِذَا قَلَّتْ رِوَايَتُهُ كَأَبِي حَنِيفَةَ تَبَعًا لَهُ فِي هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةِ فَهَذَا وَجْهٌ لِقَوْلِهِ وَصَدَقَ أَبُو بكر انتهى كلام القارىء

قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ محمد بن سعد العوفي سمعت بن مَعِينٍ يَقُولُ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ ثِقَةً لَا يُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ إِلَّا بِمَا يَحْفَظُهُ وَلَا يُحَدِّثُ بِمَا لَا يَحْفَظُ انْتَهَى (يَقُولُ مَا مِنْ رَجُلٍ) أَيْ أَوِ امْرَأَةٍ وَمِنْ زَائِدَةٌ لِزِيَادَةِ إِفَادَةِ الِاسْتِغْرَاقِ (يُذْنِبُ ذَنْبًا) أَيَّ ذَنْبٍ كَانَ (ثم يقوم) قال الطيبي ثم المتراخي فِي الرُّتْبَةِ وَإِلَّا ظَهَرَ أَنَّهُ لِلتَّرَاخِي الزَّمَانِيِّ يَعْنِي وَلَوْ تَأَخَّرَ الْقِيَامُ بِالتَّوْبَةِ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ التَّعْقِيبَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَالْإِتْيَانُ بِثُمَّ لِلرَّجَاءِ وَالْمَعْنَى ثُمَّ يَسْتَيْقِظُ مِنْ نَوْمِ الْغَفْلَةِ كقوله تعالى أن تقوموا لله (فيتطهر) أي فيتوضأ كما في رواية بن السُّنِّيِّ (ثُمَّ يُصَلِّي) أَيْ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي رواية بن السني وبن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ (ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) أَيْ لِذَلِكَ الذنب كما في رواية بن السُّنِّيِّ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِغْفَارِ التَّوْبَةُ بِالنَّدَامَةِ وَالْإِقْلَاعِ وَالْعَزْمِ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ إِلَيْهِ أَبَدًا وَأَنْ يَتَدَارَكَ الْحُقُوقَ إِنْ كَانَتْ هُنَاكَ وَثُمَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِمُجَرَّدِ الْعَطْفِ التَّعْقِيبِيِّ (ثُمَّ قَرَأَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِشْهَادًا وَاعْتِضَادًا أَوْ قَرَأَ أَبُو بَكْرٍ تَصْدِيقًا وَتَوْفِيقًا وَالَّذِينَ إذا فعلوا فاحشة أَيْ ذَنْبًا قَبِيحًا كَالزِّنَا أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَيْ بِمَا دُونَهُ كَالْقُبْلَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَيَّ ذَنْبٍ كَانَ مِمَّا يُؤَاخَذُونَ بِهِ انْتَهَى فيكون تعميما بعد تخصيص ذكروا الله أَيْ ذَكَرُوا عِقَابَهُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (إِلَى آخِرِ الْآيَةِ) تَمَامُ الْآيَةِ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فيها ونعم أجر العاملين قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَمُعَاذٍ وَوَاثِلَةَ وَأَبِي الْيَسَرِ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ (اسمه كعب بن عمرو) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ وَوَاثِلَةَ وَأَبِي الْيَسَرِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَدَعَا بِلَالًا فَقَالَ يَا بِلَالُ بِمَ سَبَقَتْنِي إِلَى الْجَنَّةِ إِنِّي دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَذْنَبْتُ قَطُّ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ وَمَا أَصَابَنِي حَدَثٌ قَطُّ إِلَّا تَوَضَّأْتُ عندها وصليت ركعتين رواه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَفِي رِوَايَةٍ مَا أَذْنَبْتُ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ وَعَنِ

باب ما جاء متى يؤمر الصبي بالصلاة

الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى بِرَازٍ مِنَ الْأَرْضِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ الذَّنْبِ إِلَّا غَفَرَهُ اللَّهُ لَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مُرْسَلًا الْبِرَازُ بِكَسْرِ الْبَاءِ بَعْدَهَا رَاءٌ ثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ زَايٌ هُوَ الْأَرْضُ الْفَضَاءُ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَا ثُمَّ يُصَلِّي ركعتين وذكره بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ وَذَكَرَ فِيهِمُ الرَّكْعَتَيْنِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ 84 - (بَاب مَا جَاءَ مَتَى يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّلَاةِ [407]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ (الْجُهَنِيُّ) أَبُو مَعْبَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَهُ الْحَافِظُ روى عن أبيه وعنه الحميدي وثقه بن حِبَّانَ (عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ) وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التقريب وقال الذهبي ضعفه بن معين وقال بن الْقَطَّانِ وَإِنْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فَغَيْرُ مُحْتَجٍّ بِهِ انْتَهَى (عَنْ أَبِيهِ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى عَبْدِ الْمَلِكِ وَأَبُوهُ هُوَ الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْهُ ابْنَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَالْعِجْلِيُّ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ جَدِّ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ سَبْرَةُ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَبْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيُّ وَالِدُ الرَّبِيعِ لَهُ صُحْبَةٌ وَأَوَّلُ مَشَاهِدِهِ الْخَنْدَقُ وَكَانَ يَنْزِلُ الْمَرْوَةَ وَمَاتَ بِهَا فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ (عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلَاةَ) وَفِي رِوَايَةِ أبي داود مروا الصبي بالصلاة قال العلقي في

شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَنْ يُعَلِّمُوهُمْ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ الصَّلَاةُ مِنْ شُرُوطٍ وَأَرْكَانٍ وَأَنْ يَأْمُرُوهُمْ بِفِعْلِهَا بَعْدَ التَّعْلِيمِ وَأُجْرَةُ التَّعْلِيمِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَإِلَّا فَعَلَى الولي انتهى (بن سبع سنين) حال من الصبي وهكذا بن عَشْرَةٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ (وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى تَرْكِهَا والضمير يرجع إلى الصلاة (بن عشرة) قال العلقي إِنَّمَا أَمَرَ بِالضَّرْبِ لِعَشْرٍ لِأَنَّهُ حَدٌّ يُتَحَمَّلُ فِيهِ الضَّرْبُ غَالِبًا وَالْمُرَادُ بِالضَّرْبِ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَأَنْ يَتَّقِيَ الْوَجْهَ فِي الضَّرْبِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو) أي بن الْعَاصِ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَبْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَا مَا تَرَكَ الْغُلَامُ بَعْدَ عَشْرٍ مِنَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا يَدُلُّ عَلَى إِغْلَاظِ الْعُقُوبَةِ لَهُ إِذَا تَرَكَهَا مُدْرِكًا وَكَانَ بَعْضُ فُقَهَاءِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَحْتَجُّ بِهِ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ إِذَا تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَيَقُولُ إِذَا اسْتَحَقَّ الصَّبِيُّ الضَّرْبَ وَهُوَ غَيْرُ بَالِغٍ فَقَدْ عَقَلَ أَنَّهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ يَسْتَحِقُّ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنَ الضَّرْبِ وَلَيْسَ بَعْدَ الضَّرْبِ شَيْءٌ مِمَّا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حُكْمِ تَارِكِ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يُقْتَلُ تَارِكُ الصَّلَاةِ وَقَالَ مَكْحُولٌ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ حَمَّادُ بْنُ يَزِيدَ وَوَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُقْتَلُ وَلَكِنْ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ وَعَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فَاسِقٌ يُضْرَبُ ضَرْبًا مُبَرِّحًا وَيُسْجَنُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ تَارِكُ الصَّلَاةِ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ كَافِرٌ وَهَذَا قَوْلُ إِبْرَاهِيمِ النَّخَعِيِّ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ

باب ما جاء في الرجل يحدث بعد التشهد

وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَكْفُرُ أَحَدٌ بِذَنْبٍ إِلَّا تَارِكُ الصَّلَاةِ عَمْدًا وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ انْتَهَى 85 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرجل يحدث بعد التَّشَهُّدِ [408]) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ بن مُوسَى أَبُو الْعَبَّاسِ السِّمْسَارُ الْمَرْوَزِيُّ الْمُلَقَّبُ بِمَرْدَوَيْهِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ حَافِظٌ (أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْإِفْرِيقِيُّ قَاضِيهَا قَالَ الْحَافِظُ ضَعِيفٌ فِي حِفْظِهِ مِنَ السَّابِعَةِ (أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ رَافِعٍ) التَّنُوخِيَّ الْمِصْرِيَّ قَاضِي إِفْرِيقِيَّةَ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَغَزِيَّةَ وَيُقَالُ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَعَنْهُ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ مَغْرِبِيٌّ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ لَا يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ إذا كان من رواية بن أَنْعُمٍ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْمَنَاكِيرُ فِي حَدِيثِهِ مِنْ أَجْلِهِ انْتَهَى (وَبَكْرَ بْنَ سَوَادَةَ) بْنِ ثُمَامَةَ الْجُذَامِيَّ الْمِصْرِيَّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ الْعَاصِ السَّهْمِيِّ أَحَدِ السَّابِقِينَ الْمُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَحَدِ العباد له الْفُقَهَاءِ مَاتَ فِي ذِي الْحِجَّةِ لَيَالِيَ الْحَرَّةِ قَوْلُهُ (إِذَا أَحْدَثَ يَعْنِي الرَّجُلَ) ضَمِيرُ يَعْنِي يَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا تَفْسِيرُ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي أَحْدَثَ من بعض الرواه قال القارىء أَيْ عَمْدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُطْلَقًا عِنْدَ صَاحِبَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الصَّلَاةِ بِصُنْعِهِ فَرْضٌ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا انْتَهَى قُلْتُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَقْيِيدٌ بِالْعَمْدِ فَالظَّاهِرُ مَا قَالَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَقَدْ جلس في اخر صلاته) قال القارىء أَيْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ انْتَهَى

قُلْتُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ مِقْدَارِ الْجُلُوسِ (قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ) اسْتَدَلَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذا أحدث في اخر صلاته بعد ما جَلَسَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ وَقَدِ اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَادِهِ) قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا يُعْرَفُ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيِّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ قَالَ وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّسْلِيمُ ثُمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ ينزل التسليم أنتهى قال القارىء في المرقاة تحت هذا الحديث قال بن الصَّلَاحِ الْمُضْطَرِبُ هُوَ الَّذِي يُرْوَى عَلَى أَوْجُهٍ مُخْتَلِفَةٍ مُتَفَاوِتَةٍ وَالِاضْطِرَابُ قَدْ يَقَعُ فِي السَّنَدِ أَوِ الْمَتْنِ أَوْ مِنْ رَاوٍ أَوْ مِنْ رُوَاةٍ وَالْمُضْطَرِبُ ضَعِيفٌ لِإِشْعَارِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يُضْبَطْ ذكره الطيبي قال القارىء لِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ وَتَعَدُّدُ الطُّرُقِ يُبَلِّغُ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ إِلَى حَدِّ الْحَسَنِ انْتَهَى كلام القارىء قُلْتُ فِيهِ إِنَّ تَعَدُّدَ طُرُقِ الْحَدِيثِ إِنَّمَا يُبَلِّغُهُ إِلَى حَدِّ الْحَسَنِ إِذَا كَانَتْ تِلْكَ الطُّرُقُ مُتَبَايِنَةً وَلَمْ يَكُنْ مَدَارُ كُلِّهَا عَلَى ضَعِيفٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَطُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا الطَّحَاوِيُّ لَيْسَتْ مُتَبَايِنَةً بَلْ مَدَارُ كُلِّهَا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيِّ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا قَالُوا إِذَا جَلَسَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا أَحْدَثَ عَمْدًا وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ مُطْلَقًا بناء على أن الخروج من الصلاة فَرْضٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا

وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّشَهُّدَ وَالسَّلَامَ كِلَيْهِمَا فَرْضَانِ عِنْدَهُ (وَقَالَ أَحْمَدُ إِذَا لَمْ يَتَشَهَّدْ وَسَلَّمَ أَجْزَأَهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ وَالتَّشَهُّدُ أَهْوَنُ) أَيْ لَيْسَ بِفَرْضٍ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اثْنَتَيْنِ فَمَضَى فِي صَلَاتِهِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ هَذَا دَلِيلُ الْأَهْوَنِيَّةِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ التَّسْلِيمُ فَرْضٌ وَالتَّشَهُّدُ لَيْسَ بِفَرْضٍ (وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ إِذَا تشهد ولم يسلم أجزأه وأحتج بحديث بن مَسْعُودٍ حِينَ عَلَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ فَقَالَ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّ قَوْلَهُ إِذَا قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ مِنْ كَلَامِ بن مَسْعُودٍ فَصَلَهُ شَبَابَةُ عَنْ زُهَيْرٍ وَجَعَلَهُ مِنْ كلام بن مَسْعُودٍ وَقَوْلُهُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ مِمَّنْ أَدْرَجَهُ وَقَدِ اتفق من روى تشهد بن مَسْعُودٍ عَلَى حَذْفِهِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ ذَهَبَ الْحُفَّاظُ إِلَى أَنَّ هَذَا وَهْمٌ مِنْ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَقَالَ النووي في الخلاصة اتفق الحفاظ على أنها مُدْرَجَةٌ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الأحوص عن بن مَسْعُودٍ مَا يُخَالِفُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِلَفْظِ مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ التَّكْبِيرُ وَانْقِضَاؤُهَا التَّسْلِيمُ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ فَقُمْ إِنْ شِئْتَ قَالَ وَهَذَا الْأَثَرُ صَحِيحٌ عن بن مسعود وقال بن حزم قد صح عن بن مَسْعُودٍ إِيجَابُ السَّلَامِ فَرْضًا وَذَكَرَ رِوَايَةَ أَبِي الْأَحْوَصِ هَذِهِ عَنْهُ كَذَا فِي النَّيْلِ وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ فَقَدْ قَضَيْتَ صَلَاتَكَ فَاخْرُجْ عَنْهَا بِتَحْلِيلٍ كَمَا دَخَلْتَهَا بِإِحْرَامٍ انْتَهَى

باب ما جاء إذا كان المطر فالصلاة في الرحال

186 - (باب ما جاء إذا كان المطر فالصلاة فِي الرِّحَالِ [409]) قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ الرِّحَالُ الْمَنَازِلُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ صُوفٍ أَوْ وَبَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَاحِدُهُ رَحْلٌ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ) بْنِ خَدِيجِ بْنِ خَيْثَمَةَ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الْجَزِيرَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِلَّا أَنَّ سَمَاعَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِآخِرَةٍ (مَنْ شَاءَ فَلْيُصَلِّ فِي رَحْلِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الرِّحَالِ لِعُذْرِ الْمَطَرِ وَنَحْوِهِ رُخْصَةٌ وَلَيْسَتْ بِعَزِيمَةٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عُمَرَ وَسَمُرَةَ وَأَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ وَعَبْدِ الرحمن بن سمرة ) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ ذَاتُ بَرْدٍ وَمَطَرٍ يَقُولُ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ عَنْهُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ زَادَ الْبَزَّارُ كَرَاهَةَ أَنْ يُشَقَّ عَلَيْنَا رحاله ثِقَاتٌ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَ يَوْمَ مَطَرٍ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيَهُ أَنَّ الصلاة في الرحال قال الْمُنْذِرِيُّ وَأَبُو الْمَلِيحِ اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ أُسَامَةَ وَقِيلَ زَيْدُ بْنُ أُسَامَةَ وَقِيلَ أُسَامَةُ بْنُ عَامِرٍ وَقِيلَ عُمَيْرُ بْنُ أُسَامَةَ هُذَلِيٌّ بَصْرِيٌّ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ وَأَبُوهُ لَهُ صحبة أنتهى

وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ السَّنَدِ بِلَفْظِ إِذَا كَانَ مَطَرٌ وَابِلٌ فَصَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ وَفِي إِسْنَادِهِ نَاصِحُ بْنُ الْعَلَاءِ وهو منكر الحديث قاله البخاري وقال بن حِبَّانَ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَوَثَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (قَوْلُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقُعُودِ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمْعَةِ إِلَخْ) لِأَحَادِيثِ الْبَابِ ولحديث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ إِذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا فَقَالَ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي إِنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ وإني كرهت أن أحرجكم فَتَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ الرُّخْصَةَ إِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْجُمُعَةَ فِي الْمَطَرِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أورد المصنف يعني البخاري هنا حديث بن عَبَّاسٍ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِمَا تُرْجِمُ لَهُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْمَطَرِ وَكَثِيرِهِ وَعَنْ مَالِكٍ لَا يُرَخِّصُ فِي تركها بالمطر وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا حُجَّةٌ فِي الْجَوَازِ انْتَهَى وَاعْلَمْ أنه وقع في حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوِ الْمَطِيرَةِ وَفِي صَحِيحِ أَبِي عَوَانَةَ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ أَوْ ذَاتُ مَطَرٍ أَوْ ذَاتُ رِيحٍ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَفِيهِ أَنَّ كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ عُذْرٌ فِي التَّأَخُّرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَنَقَلَ بن بَطَّالٍ فِيهِ الْإِجْمَاعَ لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الرِّيحَ عُذْرٌ فِي اللَّيْلِ فَقَطْ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ اخْتِصَاصُ الثَّلَاثَةِ بِاللَّيْلِ وَفِي السُّنَنِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَطِيرَةِ وَالْغَدَاةِ الْقِرَّةِ وَفِيهَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُمْ مُطِرُوا يَوْمًا فَرَخَّصَ لَهُمْ وَكَذَلِكَ في حديث بن عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ قَالَ الْحَافِظُ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ التَّرْخِيصَ لِعُذْرِ الرِّيحِ فِي النَّهَارِ صَرِيحًا انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ

وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ هَلْ يَكْفِي الْمَطَرُ فَقَطْ أَوِ الرِّيحُ أَوِ الْبَرْدُ فِي رُخْصَةِ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ أم احتجاج إِلَى ضَمِّ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالْمَطَرِ فَأَجَابَ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عُذْرٌ مُسْتَقِلٌّ فِي تَرْكِ الْحُضُورِ إِلَى الْجَمَاعَةِ نَظَرًا إِلَى الْعِلَّةِ وَهِيَ الْمَشَقَّةُ انْتَهَى كَلَامُ الْكِرْمَانِيِّ قُلْتُ رِوَايَةُ أَبِي عَوَانَةَ الْمَذْكُورَةُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عُذْرٌ مُسْتَقِلٌّ فِي التَّأَخُّرِ عَنِ الْجَمَاعَةِ فَإِنَّ كَلِمَةَ أَوْ فِيهَا لِلتَّنْوِيعِ لَا للشك والله تعالى أعلم وقال القارىء في المرقاة قال بن الْهُمَامِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ سَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَنِ الْجَمَاعَةِ فِي طِينٍ وَرَدْغَةٍ أَيْ وَحْلٍ كَثِيرٍ فَقَالَ لَا أُحِبُّ تَرْكَهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ الْحَدِيثُ رُخْصَةٌ يَعْنِي قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا ابْتَلَّتِ النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ أنتهى كلام القارىء قُلْتُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ بَعْدَ رِوَايَةِ حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ هَذَا رُخْصَةٌ وَالصَّلَاةُ في الجماعة أفضل انتهى فقول القارىء يَعْنِي قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا ابْتَلَّتْ إِلَخْ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ بِلَفْظِ إِذَا ابْتَلَّتِ النِّعَالُ فَالصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ لَمْ أَرَهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيُّ فِي الْإِقْلِيدِ لَمْ أَجِدْهُ فِي الْأُصُولِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (قَالَ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ) أَيْ قَالَ أَبُو عِيسَى سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ وَأَبُو زُرْعَةَ هَذَا هُوَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ وَاسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ فَرُّوخَ إِمَامٌ حَافِظٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ (رَوَى عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ حَدِيثًا) يَعْنِي أَنَّ عَفَّانَ بْنَ مُسْلِمٍ مِنْ شُيُوخِ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ مِنْ تَلَامِيذِهِ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ رَوَى عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْهُ حَدِيثًا كَمَا أَنَّ الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ مِنْ شُيُوخِ التِّرْمِذِيِّ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ حَدِيثًا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ فِي تَرْجَمَةِ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ حَدَّثَ عَنْهُ السِّتَّةُ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا بِوَاسِطَةٍ وَعَفَّانُ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِهِ وَأَبُو زُرْعَةَ إِلَخْ (وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَمْ أَرَ بِالْبَصْرَةِ أَحْفَظَ مِنْ هَؤُلَاءِ

باب ما جاء في التسبيح في أدبار الصلاة

الثلاثة علي بن المديني وبن الشَّاذَكُونِيِّ وَعَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ) كَذَا وَقَعَ فِي نسخ جامع الترمذي وبن الشَّاذَكُونِيِّ وَوَقَعَ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ وَالشَّاذَكُونِيِّ بِحَذْفِ لفظ بن وعبادة تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ هَكَذَا قَالَ أَبُو زُرْعَةَ ذَلِكَ (يَعْنِي عَمْرَو بْنَ عَلِيٍّ) مِنْ فُرْسَانِ الْحَدِيثِ لم ير بالبصرة أحفظ منه ومن بن المديني والشاذكوني انتهى عبارة تذكرة الحافظ الشَّاذَكُونِيُّ هَذَا هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيُّ الْبَصْرِيُّ أَبُو أَيُّوبَ الْحَافِظُ ذَكَرَ تَرْجَمَتَهُ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ وَالْمِيزَانِ وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ هَذَا هُوَ أَبُو حَفْصٍ الْمَذْكُورُ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ الْبَابِ ثِقَةٌ حَافِظٌ 87 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْبِيحِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَاةِ [410]) وَاحِدُ الْأَدْبَارِ الدُّبُرُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الدُّبُرُ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ نَقِيضُ الْقُبُلِ وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَقِبُهُ وَمُؤَخَّرُهُ انتهى قوله (جاء الفقراء) وفي حديث أبو هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا (وَلَهُمْ أَمْوَالٌ يُعْتِقُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ) أَيْ وَنَحْنُ لَا نُعْتِقُ وَلَا نَتَصَدَّقُ (قَالَ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ) أَيِ الْمَكْتُوبَةَ كَمَا فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ لَكِنْ حَمَلَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْفَرْضِ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ التَّقْيِيدُ بِالْمَكْتُوبَةِ وَكَأَنَّهُمْ حَمَلُوا الْمُطْلَقَاتِ عَلَيْهَا (فَقُولُوا سُبْحَانَ اللَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً وَاللَّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً ولا إله إلا الله عشرة مَرَّاتٍ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صلاة

ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَتِلْكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَقَالَ تَمَامُ الْمِائَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ لَهُ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ وَفِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَسْبِيحَةً وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ تَحْمِيدَةً وَأَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ تَكْبِيرَةً قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ النَّوَوِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يُكَبِّرَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَيَقُولَ مَعَهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ إِلَى آخِرِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ يُجْمَعُ بِأَنْ يَخْتِمَ مَرَّةً بِزِيَادَةِ تَكْبِيرَةٍ وَمَرَّةً بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَلَى وَفْقِ مَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ انْتَهَى قُلْتُ وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى عِنْدِي وَعَلَى هَذَا فَيَقُولُ مَرَّةً كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةً قَالَ بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَرَدَ التَّسْبِيحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَعَشْرَةً وَثَلَاثًا وَمَرَّةً وَاحِدَةً وَسَبْعِينَ وَمِائَةً وَوَرَدَ التَّحْمِيدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَعَشْرَةً وَمِائَةً وَوَرَدَ التَّهْلِيلُ عَشْرَةً وَخَمْسًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْنُ الْعِرَاقِيُّ وَكُلُّ ذَلِكَ حَسَنٌ وَمَا زَادَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَجَمَعَ الْبَغَوِيُّ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ صُدُورَ ذَلِكَ فِي أَوْقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ أَوْ يَفْتَرِقَ بِافْتِرَاقِ الْأَحْوَالِ فَائِدَةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ كَانَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُ إِنَّ الْأَعْدَادَ الْوَارِدَةَ كَالذِّكْرِ عَقِبَ الصَّلَاةِ إِذَا رُتِّبَ عَلَيْهَا ثَوَابٌ مَخْصُوصٌ فَزَادَ الْآتِي بِهَا عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ لَا يَحْصُلُ لَهُ ذَلِكَ الثَّوَابُ الْمَخْصُوصُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِتِلْكَ الْأَعْدَادِ حِكْمَةٌ وَخَاصِّيَّةٌ تَفُوتُ بِمُجَاوَزَةِ ذَلِكَ الْعَدَدِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمِقْدَارِ الَّذِي رُتِّبَ الثَّوَابُ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ فَحَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ بِذَلِكَ فَإِذَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِهِ فَكَيْفَ تَكُونُ الزِّيَادَةُ مُزِيلَةً لِذَلِكَ الثَّوَابِ بَعْدَ حُصُولِهِ انْتَهَى وَيُمْكِنُ أَنْ يَفْتَرِقَ الْحَالُ فِيهِ بِالنِّيَّةِ فَإِنْ نَوَى عِنْدَ الِانْتِهَاءِ إِلَيْهِ امْتِثَالَ الْأَمْرِ الْوَارِدِ ثُمَّ أَتَى بِالزِّيَادَةِ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا لَا مَحَالَةَ وَإِنْ زَادَ بِغَيْرِ نِيَّةٍ بِأَنْ يَكُونَ الثَّوَابُ رُتِّبَ عَلَى عَشْرَةٍ مَثَلًا فَرَتَّبَهُ هُوَ عَلَى مِائَةٍ فَيَتَّجِهُ الْقَوْلُ الْمَاضِي وَقَدْ بَالَغَ الْقَرَافِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ فَقَالَ مِنَ الْبِدَعِ الْمَكْرُوهَةِ الزِّيَادَةُ فِي الْمَنْدُوبَاتِ الْمَحْدُودَةِ شَرْعًا لِأَنَّ شَأْنَ الْعُظَمَاءِ إِذَا حَدُّوا شَيْئًا أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ وَيُعَدُّ الْخَارِجُ عَنْهُ مُسِيئًا لِلْأَدَبِ انْتَهَى وَقَدْ مَثَّلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالدَّوَاءِ يَكُونُ مَثَلًا فِيهِ أُوقِيَّةُ سُكَّرٍ فَلَوْ زِيدَ فِيهِ أُوقِيَّةٌ أُخْرَى لَتَخَلَّفَ الِانْتِفَاعُ بِهِ فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْأُوقِيَّةِ فِي الدَّوَاءِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مِنَ السُّكَّرِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ لَمْ يَتَخَلَّفِ الِانْتِفَاعُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَذْكَارَ الْمُتَغَايِرَةَ إِذَا وَرَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا عَدَدٌ مَخْصُوصٌ مَعَ طَلَبِ الْإِتْيَانِ بِجَمِيعِهَا مُتَوَالِيَةً لَمْ تَحْسُنِ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ

باب ما جاء في الصلاة على الدابة في الطين والمطر

قَطْعِ الْمُوَالَاةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِلْمُوَالَاةِ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ خَاصَّةٌ تَفُوتُ بِفَوَاتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو وزيد بن ثابت وأبي الدرداء وبن عُمَرَ وَأَبِي ذَرٍّ) أَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدرداء فأخرجه النسائي وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فأخرجه بن مَاجَهْ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أنه قَالَ خَصْلَتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ 88303303303 303 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ فِي الطِّينِ وَالْمَطَرِ [411]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ الرَّمَّاحِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ هُوَ عُمَرُ بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُمَرُ بْنُ مَيْمُونِ بْنِ بَحْرِ بْنِ سَعْدٍ الرَّمَّاحُ الْبَلْخِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْقَاضِي وَسَعْدٌ هُوَ الرَّمَّاحُ ثِقَةٌ عَمِيَ فِي أَخَرَةٍ (عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَسْتُورٌ وَقَالَ الخزرجي في الخلاصة وثقه بن حِبَّانَ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عُثْمَانَ بْنِ يَعْلَى قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ

مَجْهُولٌ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَهُوَ صَحَابِيٌّ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَمَا بَعْدَهَا قَوْلُهُ (إِلَى مَضِيقٍ) أَيْ إِلَى مَوْضِعٍ ضَيِّقٍ (فَمُطِرُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ) السَّمَاءُ مُبْتَدَأٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ بِلَا وَاوٍ والمراد من السماء ها هنا الْمَطَرُ قَالَ الشَّاعِرُ إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ مَا زِلْنَا نَطَأُ فِي السَّمَاءِ حَتَّى أَتَيْنَاكُمْ (وَالْبِلَّةُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيِ النَّدَاوَةُ (فَأَذَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنَ التَّأْذِينِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى أنه صلى الله عليه وسلم باشر الْأَذَانَ بِنَفْسِهِ وَعَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مَبْسُوطًا وَفِي الروضة مختصرا ووردت رواية أخرى مريحة ذلك فِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَمَنْ قَالَ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبَاشِرْ هَذِهِ الْعِبَادَةَ بِنَفْسِهِ وَأَلْغَزَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ماسنة أَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَفْعَلْهَا فَقَدْ غَفَلَ وَقَدْ بُسِطَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَفِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ انْتَهَى كلام السيوطي في قوت المغتذي وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ جَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ مَرَّةً فِي السَّفَرِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ وَرُدَّ بِأَنَّ أَحْمَدَ أَخْرَجَهُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَبِهِ يُعْلَمُ اخْتِصَارُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَأَنَّ مَعْنَى أَذَّنَ فِيهَا أَمَرَ بِلَالًا بِالْأَذَانِ كَبَنَى الْأَمِيرُ الْمَدِينَةَ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا بِلَفْظِ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَالْمُفَصَّلُ يَقْضِي عَلَى المجمل انتهى وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَمِمَّا كَثُرَ السُّؤَالُ عَنْهُ هَلْ بَاشَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَذَانَ بِنَفْسِهِ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ السُّهَيْلِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ فِي السَّفَرِ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ وَهُمْ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلِهِمْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقٍ تَدُورُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الرَّمَّاحِ يَرْفَعُهُ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ اه وَلَيْسَ هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَكَذَا جَزَمَ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ مَرَّةً فِي السَّفَرِ وَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ وَقَوَّاهُ وَلَكِنْ وَجَدْنَاهُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ فَعَرَفَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ اخْتِصَارًا وَأَنَّ

باب ما جاء في الاجتهاد في الصلاة

مَعْنَى قَوْلِهِ أَذَّنَ أَمَرَ بِلَالًا بِهِ كَمَا يُقَالُ أَعْطَى الْخَلِيفَةُ الْعَالِمَ الْفُلَانِيَّ أَلْفًا وَإِنَّمَا بَاشَرَ الْعَطَاءَ غَيْرُهُ وَنُسِبَ لِلْخَلِيفَةِ لِكَوْنِهِ آمِرًا بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (فَصَلَّى بِهِمْ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يَعْنِي أَمَّهُمْ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ فَرْضًا لِأَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ الْفَرْضُ وَكَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الِاهْتِمَامُ وَالْأَذَانُ لِأَنَّ النَّوَافِلَ لَمْ يُشْرَعْ لَهَا الْأَذَانُ فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِ الْفَرْضِ عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ الْعُذْرِ وَبِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَأَهْلُ الْعِلْمِ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ فِعْلِهِ وَصَحَّحَهُ وَحَسَّنَهُ التَّوَّزِيُّ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي النَّيْلِ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَيَجُوزُ الْفَرِيضَةُ عِنْدَهُمْ عَلَى الدَّابَّةِ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا يُؤَدِّي فِيهِ الْفَرِيضَةَ نَازِلًا وَرَوَاهُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ حَدِيثُ يَعْلَى ضَعِيفُ السَّنَدِ صَحِيحُ الْمَعْنَى قَالَ الصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ صَحِيحَةٌ إِذَا خاف من خُرُوجَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّزُولِ لِضِيقِ الْمَوْضِعِ أَوْ لِأَنَّهُ غَلَبَهُ الطِّينُ وَالْمَاءُ انْتَهَى 89304304304 304 - (باب ما جاء في الاجتهاد في الصلاة [412]) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْجَهْدُ الطَّاقَةُ وَالْمَشَقَّةُ وَاجْهَدْ جَهْدَكَ ابْلُغْ غَايَتَكَ وَجَهَدَ كَمَنَعَ جَدَّ كَاجْتَهَدَ (حَتَّى انْتَفَخَتْ قَدَمَاهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ حَتَّى تورمت وفي رواية له حتى ترم مِنَ الْوَرَمِ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ حَتَّى تَزَلَّعَ قَدَمَاهُ بِزَايٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَقَالَ البخاري في

صَحِيحِهِ قَالَتْ عَائِشَةُ حَتَّى تَفَطَّرَ قَدَمَاهُ وَالْفُطُورُ الشُّقُوقُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَإِنَّهُ إِذَا حَصَلَ الِانْتِفَاخُ أَوِ الْوَرَمُ حَصَلَ الزَّلَعُ وَالتَّشَقُّقُ انْتَهَى (أَتَتَكَلَّفُ هذا) أي تلزم نَفْسَكَ بِهَذِهِ الْكُلْفَةِ وَالْمَشَقَّةِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا (وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ) قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ قَدْ ظَنَّ مَنْ سَأَلَ عَنْ سَبَبِ تَحَمُّلِهِ الْمَشَقَّةَ فِي الْعِبَادَةِ أَنَّ سَبَبَهَا إِمَّا خَوْفُ الذَّنْبِ أَوْ رَجَاءُ الْمَغْفِرَةِ فَأَفَادَهُمْ أَنَّ لَهَا سَبَبًا آخَرَ أَتَمَّ وَأَكْمَلَ وَهُوَ الشُّكْرُ عَلَى التَّأَهُّلِ لَهَا مَعَ الْمَغْفِرَةِ وَإِجْزَالِ النِّعْمَةِ انْتَهَى (أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا) أَيْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيَّ بِغُفْرَانِ ذُنُوبِي وَسَائِرِ مَا أنعم الله علي قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ أَيِ أَتْرُكُ تِلْكَ الْكُلْفَةَ نَظَرًا إِلَى الْمَغْفِرَةِ فَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا لَا بَلْ أَلْزَمُهَا وَإِنْ غُفِرَ لِي لِأَكُونَ عَبْدًا شَكُورًا وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ مُسَبَّبٌ عَنْ مَحْذُوفٍ أَيْ أَأَتْرُكُ قِيَامِي وَتَهَجُّدِي لِمَا غُفِرَ لِي فَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا يَعْنِي أَنَّ غُفْرَانَ اللَّهِ إِيَّايَ سَبَبٌ لِأَنْ أَقُومَ وَأَتَهَجَّدَ شُكْرًا لَهُ فَكَيْفَ أَتْرُكُهُ قَوْلُ بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَخْذُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّدَّةِ فِي الْعِبَادَةِ وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِبَدَنِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِمَا سَبَقَ لَهُ فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَضْلًا عَمَّنْ لَمْ يَأْمَنْ مِنْ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ النَّارَ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَمَحَلُّ ذَلِكَ مَا إِذَا لَمْ يُفْضِ إِلَى الْمَلَالِ لِأَنَّ حَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ أَكْمَلَ الْأَحْوَالِ فَكَانَ لَا يَمَلُّ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِبَدَنِهِ بَلْ صَحَّ أَنَّهُ قَالَ وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ فَأَمَّا غَيْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا خَشِيَ الْمَلَالَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكْرِهَ نَفْسَهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حتى تملوا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان والنسائي وبن ماجه

باب ما جاء في أن أول ما يحاسب به العبد

190 - (باب ما جاء في أَنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ الصَّلَاةُ [413] قَوْلُهُ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ (عَنْ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ قَبِيصَةُ بْنُ حُرَيْثٍ وَيُقَالُ حُرَيْثُ بْنُ قَبِيصَةَ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ الْأَنْصَارِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ) بِالرَّفْعِ عَلَى نِيَابَةِ الْفَاعِلِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ) أَيِ الْمَفْرُوضَةُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي الدِّمَاءِ فَحَدِيثُ الْبَابِ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَدِيثُ الصَّحِيحِ مَحْمُولٌ عَلَى حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَإِنْ قِيلَ فَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ مُحَاسَبَةُ الْعِبَادِ عَلَى حَقِّ اللَّهِ أَوْ مُحَاسَبَتُهُمْ عَلَى حُقُوقِهِمْ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا أَمْرٌ تَوْقِيفِيٌّ وَظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يَقَعُ أَوَّلًا الْمُحَاسَبَةُ عَلَى حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ حُقُوقِ الْعِبَادِ انْتَهَى وَقِيلَ الْأَوَّلُ مِنْ تَرْكِ الْعِبَادَاتِ وَالثَّانِي مِنْ فِعْلِ السَّيِّئَاتِ (فَإِنْ صَلُحَتْ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا قَالَ بن الْمَلَكِ صَلَاحُهَا بِأَدَائِهَا صَحِيحَةً (فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ) الْفَلَاحُ الْفَوْزُ وَالظَّفَرُ وَالْإِنْجَاحُ بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْحَاءِ يُقَالُ أَنْجَحَ فُلَانٌ إِذَا أَصَابَ مَطْلُوبَهُ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فَقَدْ أَفْلَحَ أَيْ فَازَ بِمَقْصُودِهِ وَأَنْجَحَ أَيْ ظَفِرَ بِمَطْلُوبِهِ فَيَكُونُ فِيهِ تَأْكِيدٌ وَفَازَ بِمَعْنَى خَلَصَ مِنَ الْعِقَابِ وَأَنْجَحَ أَيْ حَصَلَ لَهُ الثَّوَابُ (وَإِنْ فَسَدَتْ) بِأَنْ لَمْ تُؤَدَّ أَوْ أُدِّيَتْ غَيْرَ صَحِيحَةٍ أَوْ غَيْرَ مَقْبُولَةٍ (فَقَدْ خَابَ) بِحِرْمَانِ الْمَثُوبَةِ (وَخَسِرَ) بِوُقُوعِ الْعُقُوبَةِ وَقِيلَ مَعْنَى خَابَ نَدِمَ وَخَسِرَ أَيْ صَارَ مَحْرُومًا مِنَ الْفَوْزِ وَالْخَلَاصِ قَبْلَ الْعَذَابِ (فَإِنِ انْتَقَصَ) بِمَعْنَى نَقَصَ الْمُتَعَدِّي (شَيْئًا) أَيْ مِنَ الْفَرَائِضِ (هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ) أَيْ فِي صَحِيفَتِهِ سُنَّةٌ أَوْ نَافِلَةٌ مِنْ صَلَاةٍ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ السِّيَاقِ قَبْلَ الْفَرْضِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ مُطْلَقًا (فَيُكَمِّلُ) بِالتَّشْدِيدِ

وَيُخَفَّفُ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ وَهُوَ الأظهر وبالنصب ويرفع قاله القارىء (بها) قال بن الْمَلَكِ أَيْ بِالتَّطَوُّعِ وَتَأْنِيثُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ النَّافِلَةِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الظَّاهِرُ نَصْبُ فَيُكَمِّلَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى جَوَابًا لِلِاسْتِفْهَامِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ فَكَمَّلُوا بِهَا فَرِيضَتَهُ وَإِنَّمَا أَنَّثَ ضمير التطوع في بها نظر إِلَى الصَّلَاةِ (مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ) فَهُوَ مُتَعَدٍّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا انْتَقَصَهُ مِنَ السُّنَنِ وَالْهَيْئَاتِ الْمَشْرُوعَةِ فِيهَا مِنَ الْخُشُوعِ وَالْأَذْكَارِ وَالْأَدْعِيَةِ وَأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فِيهَا وَإِنَّمَا فَعَلَهُ فِي التَّطَوُّعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا انْتَقَصَ أَيْضًا مِنْ فُرُوضِهَا وَشُرُوطِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ مَا تَرَكَ مِنَ الْفَرَائِضِ رَأْسًا فَلَمْ يُصَلِّهِ فَيُعَوِّضُ عَنْهُ مِنَ التَّطَوُّعِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقْبَلُ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ الصَّحِيحَةِ عِوَضًا عَنِ الصَّلَوَاتِ المفروضة انتهى وقال بن الْعَرَبِيِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يُكَمِّلُ لَهُ مَا نَقَصَ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَأَعْدَادِهَا بِفَضْلِ التَّطَوُّعِ وَيُحْتَمَلُ مَا نَقَصَهُ مِنَ الْخُشُوعِ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ ثُمَّ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ وَسَائِرُ الْأَعْمَالِ وَلَيْسَ فِي الزَّكَاةِ إِلَّا فَرْضٌ أَوْ فَضْلٌ فَكَمَا يُكَمِّلُ فَرْضَ الزَّكَاةِ بِفَضْلِهَا كَذَلِكَ الصَّلَاةُ وَفَضْلُ اللَّهِ أَوْسَعُ وَوَعْدُهُ أَنْفَذُ وَعَزْمُهُ أَعَمُّ انْتَهَى (ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ إِنِ انْتَقَصَ فَرِيضَةً مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ تُكَمَّلُ مِنَ التَّطَوُّعِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ تميم الداري) أخرجه أحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَلَاتُهُ فَإِنْ كَانَ أَتَمَّهَا كُتِبَتْ لَهُ تَامَّةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَتَمَّهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ انْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمِّلُ بِهَا فَرِيضَتَهُ ثُمَّ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ ثُمَّ تُؤْخَذُ الْأَعْمَالُ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ قَالَ مَيْرَكُ وَرَوَاهُ الترمذي بهذا اللفظ وبن ماجه قال بن حَجَرٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَأَمَّا خَبَرُ لَا تُقْبَلُ نَافِلَةُ الْمُصَلِّي حَتَّى يُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ فَضَعِيفٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَسَنِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ حُرَيْثٍ غَيْرَ هَذَا

باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة

الْحَدِيثِ وَالْمَشْهُورُ هُوَ قَبِيصَةُ بْنُ حُرَيْثٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَبِيصَةُ بْنُ حُرَيْثٍ وَيُقَالُ حُرَيْثُ بْنُ قَبِيصَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ وَعَنْهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ حُرَيْثِ بْنِ قَبِيصَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَسَنِ عَنْهُ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ حُرَيْثٍ وَالْمَشْهُورُ هُوَ قَبِيصَةُ بْنُ حريث وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ مَاتَ فِي طَاعُونِ الْجَارِفِ سَنَةَ 167 سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ قَالَ الْحَافِظُ وجهله بن الْقَطَّانِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ وَذَكَرَ أَبُو الْعَرَبِ التَّمِيمِيُّ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ الْعِجْلِيَّ قَالَ قَبِيصَةُ بْنُ حُرَيْثٍ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ وَأَفْرَطَ بن حَزْمٍ فَقَالَ ضَعِيفٌ مَطْرُوحٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ) الضَّبِّيِّ الْبَصْرِيِّ مَسْتُورٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هَذَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ حَكِيمٍ الضَّبِّيِّ قَالَ خَافَ مِنْ زِيَادٍ أَوِ بن زِيَادٍ فَأَتَى الْمَدِينَةَ فَلَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ فَنَسَبَنِي فَانْتَسَبْتُ لَهُ فَقَالَ يَا فَتَى أَلَا أُحَدِّثُكَ حَدِيثًا قَالَ قُلْتُ بَلَى رَحِمَكَ اللَّهُ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ النَّاسُ الْحَدِيثَ 91 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وليلة ثنتي عشرة) ركعة إلخ [414] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ) الْقُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ ثقة عابد من الحادية عشرة (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيُّ) أَبُو يَحْيَى كُوفِيُّ الْأَصْلِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بن زياد) البجلي الموصلي وثقه وكيع وبن معين وبن عَدِيٍّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ (عَنْ عَطَاءٍ) هُوَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ لَكِنَّهُ كَثِيرُ الارسال قال بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً عَالَمًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ انْتَهَتْ إِلَيْهِ الْفَتْوَى بِمَكَّةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا لقيت أفضل من عطاء وقال بن عَبَّاسٍ وَقَدْ سُئِلَ

عَنْ شَيْءٍ يَا أَهْلَ مَكَّةَ تَجْتَمِعُونَ عَلَيَّ وَعِنْدَكُمْ عَطَاءٌ مَاتَ سَنَةَ 114 أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ قَوْلُهُ (مَنْ ثَابَرَ) أَيْ دَامَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُثَابَرَةُ الْحِرْصُ عَلَى الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ وَمُلَازَمَتُهُمَا (أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إِلَخْ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ حبيبة وأبي هريرة وأبي موسى وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَلَّى اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بُنِيَ لَهُ بِهِنَّ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ تَطَوُّعًا وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي زِيَادَةِ التَّفْسِيرِ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ أَظُنُّهُ قَالَ قَبْلَ الْعَصْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَظُنُّهُ قَالَ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَصْبَهَانِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ بِدُونِ التَّفْسِيرِ وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ حَفِظْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ركعتين قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ (وَمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَدْ عرفت أنه قد وثقه وكيع وبن معين في رواية وبن عَدِيٍّ وَغَيْرُهُمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّ إِسْنَادَ هَذَا الْحَدِيثِ لَا يَنْحَطُّ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [415] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُؤَمَّلُ) بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْعَدَوِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَصْرِيُّ عَنْ شُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَعَنْهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وبن المديني وطائفة وثقه بن معين وقال البخاري ومنكر

الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ 206 سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي الخلاصة وقال في الميزان وثقه بن مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ شَدِيدٌ فِي السُّنَّةِ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ فِي حَدِيثِهِ خَطَأٌ كَثِيرٌ وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فَعَظَّمَهُ وَرَفَعَ مِنْ شَأْنِهِ مَاتَ بِمَكَّةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ 206 سِتٍّ وَمِائَتَيْنِ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ السَّبِيعِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ اخْتَلَطَ بِآخِرَةٍ (عَنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ) الْأَسَدِيِّ الْكَاهِلِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سفيان) بن حرب بن أمية القرشي الأموي أَخِي مُعَاوِيَةَ يُقَالُ لَهُ رَوِيَّةُ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّهُ تَابِعِيٌّ وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ إِلَخْ) فِيهِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هريرة وحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا اللَّذَيْنِ أَشَارَ إِلَيْهِمَا التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُمَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قال الداودي وقع في حديث بن عمران قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَرْبَعًا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصَفَ مَا رَأَى قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نسي بن عُمَرَ رَكْعَتَيْنِ مِنَ الْأَرْبَعِ وَقَالَ الْحَافِظُ هَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَالَيْنِ فَكَانَ تَارَةً يُصَلِّي ثِنْتَيْنِ وَتَارَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا وَقِيلَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقْتَصِرُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَفِي بَيْتِهِ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي إِذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الْمَسْجِدِ فصلى ركعتين فرأى بن عُمَرَ مَا فِي الْمَسْجِدِ دُونَ مَا فِي بَيْتِهِ وَاطَّلَعَتْ عَائِشَةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ الْأَرْبَعُ كَانَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِهِ وَالرَّكْعَتَانِ فِي قَلِيلِهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عَنْبَسَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ فِي هَذَا الْبَابِ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ

باب ما جاء في ركعتي الفجر من الفضل

192 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مِنْ الْفَضْلِ [416]) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ ذَكْوَانَ الْبَاهِلِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ التِّرْمِذِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ زُرَارَةَ) بِضَمِّ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ (بْنِ أَوْفَى) الْعَامِرِيِّ الْحَرَشِيِّ بِمُهْمَلَةٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ الْبَصْرِيُّ قَاضِيهَا ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ فَجْأَةً فِي الصَّلَاةِ (عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامِ) بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ اسْتُشْهِدَ بِأَرْضِ الْهِنْدِ قَوْلُهُ (رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) أَيْ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الطِّيبِيُّ إِنْ حَمَلَ الدُّنْيَا عَلَى أَعْرَاضِهَا وَزَهْرَتِهَا فَالْخَيْرُ إِمَّا مُجْرًى عَلَى زَعْمِ مَنْ يَرَى فِيهَا خَيْرًا أَوْ يَكُونُ مِنْ باب أي الفريقين خير مقاما وَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَكُونُ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ أَكْثَرَ ثَوَابًا مِنْهَا وَقَالَ الشاه ولي الله الدهلوي في حجة الله الْبَالِغَةِ إِنَّمَا كَانَتَا خَيْرًا مِنْهَا لِأَنَّ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ وَنَعِيمُهَا لَا يَخْلُو عَنْ كَدَرِ النَّصَبِ وَالتَّعَبِ وَثَوَابُهُمَا بَاقٍ غَيْرُ كَدِرٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْغُبَرِيِّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ بِعَيْنِ سَنَدِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَأْنِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جميعا قوله (وفي الباب عن علي وبن عمر وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهِ قَالَ عَلَيْكَ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَإِنَّ فِيهِمَا فَضِيلَةً وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَيْضًا قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَدَعُوا الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّ فِيهِمَا الرَّغَائِبَ وَرَوَى أَحْمَدُ عنه ركعتي

باب ما جاء في تخفيف ركعتي الفجر والقراءة فيها

الْفَجْرِ حَافِظُوا عَلَيْهِمَا فَإِنَّ فِيهِمَا الرَّغَائِبَ كَذَا في الترغيب للمنذري وأما حديث بن عباس فأخرجه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي شَأْنِ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا 93308308308 308 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَخْفِيفِ رَكْعَتَيْ الفجر والقراءة فيها [417]) قَوْلُهُ (وَأَبُو عَمَّارٍ) اسْمُهُ حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ رَوَى عن الجماعة سوى بن ماجه وسوى أبو دَاوُدَ فَكِتَابَةٌ (أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِلَّا أَنَّهُ قد يخطىء فِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ قَوْلُهُ (رَمَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا) أَيْ نَظَرْتُ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ سُورَتَيِ الْإِخْلَاصِ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن مسعود وأنس وأبي هريرة وبن عباس وحفصة وعائشة) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مسلم وأبو داود والنسائي وبن ماجه وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ بِلَفْظِ

فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قولوا امنا بالله وما أنزل إلينا وَالَّتِي فِي آلِ عِمْرَانَ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سواء بيننا وبينكم وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَفِي الْآخِرَةِ بِآمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ بِلَفْظِ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إِنِّي لَأَقُولُ هَلْ قَرَأَ فِيهِمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّخْفِيفِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ فَذَهَبَتْ إِلَى اسْتِحْبَابِ إِطَالَةِ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصَرَائِحِ الْأَدِلَّةِ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ تَمَسَّكَ مَالِكٌ وَقَالَ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا شَكَّتْ هَلْ كَانَ يَقْرَأُ بِالْفَاتِحَةِ أَمْ لَا لِشِدَّةِ تَخْفِيفِهِ لَهُمَا وَهَذَا لَا يَصْلُحُ التَّمَسُّكُ بِهِ لِرَدِّ الْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ من طرق متعددة وقد أخرج بن مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ نَفْسِهَا أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَكَانَ يَقُولُ نِعْمَ السُّورَتَانِ هُمَا يَقْرَأُ بِهِمَا فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون وقل هو الله أحد وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ مُطْلَقِ التَّخْفِيفِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ مِنَ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي التَّخْفِيفِ لَهُمَا فَقِيلَ لِيُبَادِرَ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَبِهِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ وَقِيلَ لِيَسْتَفْتِحَ صَلَاةَ النَّهَارِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ لِيَدْخُلَ فِي الْفَرْضِ أَوْ مَا يُشَابِهُهُ بِنَشَاطٍ وَاسْتِعْدَادٍ تَامٍّ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْعِرَاقِيُّ فِي شرح الترمذي قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ

باب ما جاء في الكلام بعد ركعتي الفجر

الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ وَأَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَكَذَا وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ كَابْنِ مَعِينٍ وَالْعِجْلِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ كَانَ كَثِيرَ الْخَطَأِ فِي حَدِيثِ سُفْيَانَ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِيِّ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِيِّ أَوْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ دِرْهَمٍ الْأَسَدِيُّ أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إلا أنه قد يخطيء فِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ انْتَهَى 94 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْكَلَامِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ [418]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ) بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ بِسُكُونِ الْوَاوِ أَبُو مُحَمَّدٍ الكوفي ثقة فقيه عابد من الثامنة (عن أَبِي النَّضْرِ) اسْمُهُ سَالِمُ بْنُ أُمَيَّةَ الْمَدَنِيُّ ثقة ثبت (عن أبي سلمة) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (فَمَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَيَّ حَاجَةٌ كَلَّمَنِي وَإِلَّا خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ) وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمُ الْكَلَامَ بَعْدَ طُلُوعِ الفجر إلخ

باب ما جاء لا صلاة بعد طلوع الفجر إلا ركعتين

قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَفِي تَحْدِيثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْكَلَامِ بَعْدَهُمَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الجمهور وقد روى عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ رَوَى ذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ وَمِمَّنْ كَرِهَهُ مِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَحُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ كَانُوا يَكْرَهُونَ الْكَلَامَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلْيَسْكُتُوا وَإِنْ كَانُوا رُكْبَانًا وَإِنْ لَمْ يَرْكَعُوهُمَا فَلْيَسْكُتُوا انْتَهَى (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْكَلَامِ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الْقَاضِي وَكَرِهَهُ الْكُوفِيُّونَ وَرُوِيَ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَبَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِغْفَارِ وَالصَّوَابُ الْإِبَاحَةُ لِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَوْنُهُ وَقْتَ اسْتِحْبَابِ الِاسْتِغْفَارِ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْكَلَامِ انْتَهَى وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي إِرْشَادِ السَّارِي وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ الْمُبَاحِ بَعْدَ ركعتي الفجر قال بن الْعَرَبِيِّ لَيْسَ فِي السُّكُوتِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَضْلٌ مَأْثُورٌ إِنَّمَا ذَلِكَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ انْتَهَى قُلْتُ أَمَّا أَثَرُ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْكَرَاهَةِ فَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ خَرَجَ بن مَسْعُودٍ عَلَى قَوْمٍ يَتَحَدَّثُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ فَنَهَاهُمْ عَنِ الْحَدِيثِ وَقَالَ إِنَّمَا أَجَبْتُمْ لِلصَّلَاةِ فَإِمَّا أَنْ تُصَلُّوا وَإِمَّا أَنْ تَسْكُتُوا وَكَذَا رَوَاهُ فِيهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَلَيْسَ هَذَا الْأَثَرُ بِمُتَّصِلٍ عَطَاءٌ لم يسمع من بن مَسْعُودٍ وَكَذَا أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ وَإِنْ صَحَّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ الْمُتَحَدِّثِينَ لَعَلَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِمَا لَا يُجْدِي نَفْعًا فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَالسُّكُوتُ عَنْ مِثْلِ هَذَا لَيْسَ بِمُخْتَصٍّ فِي هَذَا بِوَقْتٍ وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى هَذَا فَالتَّحْدِيثُ بِالْكَلَامِ الْمُبَاحِ ثَابِتٌ مِنَ الشَّارِعِ وَكَلَامُ الصَّحَابَةِ لَا يُوَازِنُ كلام الشارع وأما قول بن الْعَرَبِيِّ إِنَّمَا ذَلِكَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَأَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ مَرْفُوعًا مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ بذكر الله حتى كانت له تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ 95 - (بَاب مَا جَاءَ لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ [419]) قَوْلُهُ (لَا صلاة بعد الفجر) أي بعد طلوع كَمَا فَسَّرَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ الفجر (إلا

سَجْدَتَيْنِ) يَعْنِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ السُّنَّةَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَحَفْصَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ لَا صَلَاةَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَّا رَكْعَتَيْنِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي إِسْنَادِهِمَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ الْإِفْرِيقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ خفيفتين واللفظ لمسلم قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى وَرَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِ شَيْخِهِ يَعْنِي شَيْخَ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى فَقِيلَ أَيُّوبُ بْنُ حُصَيْنٍ وَقِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ حُصَيْنٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ لَا يُعْرَفُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْهُولٌ انتهى فحديث بن عُمَرَ هَذَا ضَعِيفٌ وَقَدِ اعْتَرَضَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى بِأَنَّ الطَّبَرَانِيَّ قَدْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا قُدَامَةُ قُلْتُ لَا اعْتِرَاضَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَنْفِي عِلْمَهُ وَمَعْرِفَتَهُ (وَهُوَ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ دَعْوَى التِّرْمِذِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِذَلِكَ عَجِيبٌ فَإِنَّ الخلاف فيه مشهور حكاه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ) وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنْ يَفْعَلَهُ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَقَدْ أَطْنَبَ فِي ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ انْتَهَى وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ التَّنَفُّلَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَنْبَسَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ اللَّيْلِ أَسْمَعُ قَالَ جَوْفُ اللَّيْلِ الْأَخِيرُ فَصَلِّ مَا شِئْتَ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَقْبُولَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ وَفِي لَفْظٍ فَصَلِّ مَا بَدَا لَكَ حَتَّى تُصَلِّيَ الصُّبْحَ الْحَدِيثَ قُلْتُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ لِدَلَالَةِ أَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَيْهِ صَرَاحَةً

باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر

وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي عَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 96 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ [420]) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِشْرُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ (بْنُ مُعَاذٍ الْعَقَدِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ أَبُو سهل البصري الغرير صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ) الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ فتح الباري قال بن مَعِينٍ أَثْبَتُ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ ثُمَّ أَبُو مُعَاوِيَةَ ثُمَّ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ ثِقَةٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ منه ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم وبن سَعْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْعِجْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ حَتَّى قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ كَذَا قَالَ وَقَدْ أَشَارَ يَحْيَى الْقَطَّانُ إلى لينه فروى بن الْمَدِينِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَا رَأَيْتُهُ طَلَبَ حَدِيثًا قَطُّ وَكُنْتُ أُذَاكِرُهُ لِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ فَلَا يَعْرِفُ مِنْهُ حَرْفًا قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا غَيْرُ قَادِحٍ لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ الْجَمَاعَةُ انْتَهَى (إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ) يَعْنِي سُنَّةَ الْفَجْرِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ يَعْنِي بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الذي أخرج الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ أَذَانِ الْفَجْرِ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ فَيَخْرُجُ (فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ) هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ لِكُلِّ أَحَدٍ الْمُتَهَجِّدِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْحَقُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ آنِفًا وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو

داود وبن مَاجَهْ قَالَ فِي النَّيْلِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ فِي فَتْحِ الْعَلَّامِ أَنَّ إِسْنَادَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يَكُونُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا حَسَنًا صَحِيحًا وَكَيْفَ يَكُونُ إِسْنَادُهُ إِلَى الْأَعْمَشِ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَفِيهِ الْأَعْمَشُ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ بِالْعَنْعَنَةِ قُلْتُ نَعَمْ هُوَ مُدَلِّسٌ لَكِنَّ عَنْعَنَتَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاتِّصَالِ قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ هُوَ يُدَلِّسُ وَرُبَّمَا دَلَّسَ عَنْ ضَعِيفٍ وَلَا يَدْرِي بِهِ فَمَتَى قَالَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ فَلَا كَلَامَ وَمَتَى قَالَ عَنْ تَطَرَّقَ إِلَيْهِ احْتِمَالُ التَّدْلِيسِ إِلَّا فِي شُيُوخٍ لَهُ أَكْثَرَ عَنْهُمْ كَإِبْرَاهِيمَ وبن وَائِلٍ وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ فَإِنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ هَذَا الصِّنْفِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاتِّصَالِ انْتَهَى فَإِنْ قلت قال بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أبي هريرة سمعت بن تَيْمِيَةَ يَقُولُ هَذَا بَاطِلٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ عَنْهُ الْفِعْلُ وَالْأَمْرُ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ وَغَلِطَ فِيهِ قُلْتُ تَفَرُّدُ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ بِهِ غَيْرُ قَادِحٍ فِي صِحَّتِهِ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَدِ احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَهُوَ مِنْ أَثْبَتِ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ كَمَا عَرَفْتَ مِنْ عِبَارَةِ مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ فقول الامام بن تَيْمِيَةَ هَذَا بَاطِلٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ إِلَخْ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَيْفَ وَقَدْ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ مِنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُ يَحْيَى الْقَطَّانِ مَا رَأَيْتُهُ طَلَبَ حَدِيثًا قَطُّ وَكُنْتُ أُذَاكِرُهُ لِحَدِيثِ فَلَا يَعْرِفُ مِنْهُ حَرْفًا فَغَيْرُ قَادِحٍ أَيْضًا فَإِنَّهُ كَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ ما عَرَفْتَ فِيمَا سَبَقَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ وَكُلُّ مَا ضَعَّفُوهُ بِهِ فَهُوَ مَدْفُوعٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فِي بَيْتِهِ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ) قَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاضْطِجَاعِ فِي الْبَيْتِ دُونَ الْمَسْجِدِ وهو محكي عن بن عُمَرَ وَقَوَّاهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فعله في المسجد وصح عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْصِبُ مَنْ يَفْعَلُهُ فِي المسجد فِي هَذَا الْبَابِ مُطْلَقٌ فَبِإِطْلَاقِهِ يَثْبُتُ اسْتِحْبَابُ الاضطجاع في البيت وفي

الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا لَمْ يُنْقَلْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي سُنَّةَ الْفَجْرِ فِي الْبَيْتِ فَكَانَ يَضْطَجِعُ فِي الْبَيْتِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَفْعَلَ هَذَا) أَيِ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ (اسْتِحْبَابًا) أَيْ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ دُونَ الْوُجُوبِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْأَمْرِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ الْوُجُوبَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُدَاوِمُ عَلَى هَذَا الِاضْطِجَاعِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ عَائِشَةَ كَانَ إِذَا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَبِذَلِكَ احْتَجَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَحَمَلُوا الْأَمْرَ الْوَارِدَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَالَ وأفرط بن حزم فقال يجب على كل أحد وجعله شَرْطًا لِصَلَاةِ الصُّبْحِ وَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ حتى طعن بن تَيْمِيَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِتَفَرُّدِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ بِهِ وَفِي حِفْظِهِ مَقَالٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الِاضْطِجَاعِ أَقْوَالٌ الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ قَدْ ذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنَّفِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عن بن سِيرِينَ أَنَّ أَبَا مُوسَى وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يَضْطَجِعُونَ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَيَأْمُرُونَ بِذَلِكَ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ مِمَّنْ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَوْ يُفْتِي بِهِ عَنِ الصَّحَابَةِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ انْتَهَى وَمَنْ قَالَ بِهِ مِنَ التَّابِعِينَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَلِيُّ بْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ فِي كِتَابِ السَّبْعَةِ أَنَّهُمْ يَعْنِي سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَأَبَا بَكْرٍ هُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ كَانُوا يَضْطَجِعُونَ عَلَى أَيْمَانِهِمْ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ انْتَهَى وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ انْتَهَى وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ هَذَا الِاضْطِجَاعَ وَاجِبٌ لَا بُدَّ مِنَ الْإِتْيَانِ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدٍ عَلِيِّ بْنِ حَزْمٍ الظَّاهِرِيِّ كَمَا قَالَ فِي الْمُحَلَّى كُلُّ مَنْ رَكَعَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ إِلَّا بِأَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ بَيْنَ سَلَامِهِ مِنْ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَبَيْنَ تَكْبِيرِهِ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَإِنْ لم يصل

رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَضْطَجِعَ فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الضَّجْعَةِ عَلَى الْيَمِينِ لِخَوْفٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ حسب طاقته ثم قال بعيد هَذَا قَالَ عَلِيٌّ قَدْ أَوْضَحْنَا أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهُ عَلَى الْفَرْضِ حَتَّى يَأْتِيَ نَصٌّ آخَرُ أَوْ إِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ عَلَى أَنَّهُ نَدْبٌ فَنَقِفُ عِنْدَهُ وَإِذَا تَنَازَعَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَالرَّدُّ إِلَى كَلَامِ اللَّهِ وَكَلَامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْأَمْرَ الْوَارِدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُدَاوِمُ عَلَى الِاضْطِجَاعِ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِصِحَّةِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقَدْ مَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّوْكَانِيُّ إِلَى الْوُجُوبِ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ بَحْثِ الِاضْطِجَاعِ وَعَلِمْتَ بِمَا أَسْلَفْنَا لَكَ مِنْ أَنَّ تَرْكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُعَارِضُ الْأَمْرَ لِلْأُمَّةِ الْخَاصَّ بِهِمْ وَلَاحَ لَكَ قُوَّةُ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّ هَذَا الِاضْطِجَاعَ بِدْعَةٌ ومكروه وممن قال به من الصحابة بن مسعود وبن عُمَرَ عَلَى اخْتِلَافٍ عَنْهُ وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ أَنَّهُ خلاف الأولى روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ لَا يُعْجِبُهُ الِاضْطِجَاعُ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَنْ يَقُومُ اللَّيْلَ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِلِاسْتِرَاحَةِ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَلَا يُشْرَعُ لَهُ واختاره بن الْعَرَبِيِّ وَقَالَ لَا يَضْطَجِعُ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَامَ اللَّيْلَ فَيَضْطَجِعَ اسْتِجْمَامًا لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَا بَأْسَ وَيَشْهَدُ لِهَذَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْطَجِعُ لِسُنَّةٍ وَلَكِنَّهُ كَانَ يَدْأَبُ لَيْلَهُ فَيَسْتَرِيحُ وَهَذَا لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ رَاوِيًا لَمْ يُسَمَّ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْهَا ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَقَدْ رَوَتْ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ وَالْحُجَّةُ فِي فِعْلِهِ وَقَدْ ثَبَتَ أَمْرُهُ بِهِ فَتَأَكَّدَتْ بِذَلِكَ مَشْرُوعِيَّتُهُ وَقَدْ أَجَابَ مَنْ لَمْ يَرَ مَشْرُوعِيَّةَ الِاضْطِجَاعِ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَجْوِبَةٍ كُلُّهَا مَخْدُوشَةٌ فَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا وَعَلَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَدَشَاتِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَ فَتْحَ الْبَارِي وَالنَّيْلَ وَغَيْرَهُمَا وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ الِاضْطِجَاعَ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ مَشْرُوعٌ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

197 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ [421]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا رَوْحُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (بْنُ عُبَادَةَ) بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ حَسَّانَ الْقَيْسِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ الْحَافِظُ أَحَدُ الرُّؤَسَاءِ الْأَشْرَافِ عَنْ حُسَيْنٍ المعلم وبن عَوْنٍ وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَخَلْقٌ وَثَّقَهُ الْخَطِيبُ وَغَيْرُهُ وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ مِنْهَا التَّفْسِيرُ وَالسُّنَنُ قَالَ خَلِيفَةُ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَتَيْنِ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ (أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بْنُ إِسْحَاقَ) الْمَكِّيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَعَنْهُ وَكِيعٌ وَأَبُو عَاصِمٍ وروح بن عبادة وجماعة قال بن مَعِينٍ يَرَى الْقَدَرَ وَثَّقَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ) أَيْ إِذَا شَرَعَ فِي الْإِقَامَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ عمرو بن دينار فيما أخرجه بن حِبَّانَ بِلَفْظِ إِذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ إِلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِيهِ مَنْعُ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي إِقَامَةِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ رَاتِبَةً أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَكْتُوبَةِ الْمَفْرُوضَةُ وَزَادَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَالَ وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ أخرجه بن عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ يَحْيَى بْنِ نَصْرِ بْنِ حَاجِبٍ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي النَّافِلَةِ عِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الفجر وغيرهما قوله (وفي الباب عن بن بحينة وعبد الله بن عمرو بن سرجس وبن عباس وأنس) أما حديث بن بحينة وهو عبد الله بن مالك بن بُحَيْنَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاثَ بِهِ النَّاسُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا الصُّبْحَ أَرْبَعًا وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلَمْ

أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ فَأَخْرَجَهُ مسلم وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الصُّبْحَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ يَا فُلَانُ بِأَيِّ صَلَاتَيْكَ اعْتَدَدْتَ بِالَّتِي صَلَّيْتَ وَحْدَكَ أَوْ بِالَّتِي صَلَّيْتَ مَعَنَا وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي وَأَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَجَذَبَنِي نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يعلى وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ إِنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَرَأَى نَاسًا يُصَلُّونَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَقَالَ صَلَاتَانِ مَعًا وَنَهَى أَنْ تُصَلَّيَا إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَبِلَالٌ يُقِيمُ الصَّلَاةَ فَقَالَ أَصَلَاتَانِ مَعًا وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ بن معين وبن حِبَّانَ وَعَنْ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الْغَدَاةِ حِينَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ فَغَمَزَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْكِبِهِ وَقَالَ أَلَا كَانَ هذا قبل هذا قال العراقي إسناده جيد وعن عائشة عند بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ حِينَ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَرَأَى نَاسًا يُصَلُّونَ فَقَالَ أَصَلَاتَانِ مَعًا وَفِي إِسْنَادِهِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ (وَهَكَذَا رَوَى أَيُّوبُ وَوَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ وَزِيَادُ بْنُ سَعْدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةُ مِنْ أَصْحَابِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا (وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَلَمْ يَرْفَعَاهُ) بَلْ رَوَيَاهُ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ مَرْفُوعًا وَفِي آخِرِهِ قَالَ حَمَّادٌ ثُمَّ لَقِيتُ عَمْرًا فَحَدَّثَنِي بِهِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا الْكَلَامُ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ

الْحَدِيثِ وَرَفْعِهِ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ رَفَعُوهُ (وَالْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ أَصَحُّ عِنْدَنَا) لِكَثْرَةِ عَدَدِ الرَّافِعِينَ فَإِنَّهُمْ خَمْسَةٌ وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الرَّفْعُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَقْفِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ عَدَدُ الرَّفْعِ أَقَلَّ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ انْتَهَى (رَوَاهُ عَيَّاشُ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ (بْنُ عَبَّاسٍ) بِمُوَحَّدَةٍ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ (الْقِتْبَانِيُّ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ (الْمِصْرِيُّ) ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ وَبِهِ يقول سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ النَّهْيُ الصَّرِيحُ عَنِ افْتِتَاحِ نَافِلَةٍ بَعْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ رَاتِبَةً كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَلَّى رَكْعَتَيْ سُنَّةِ الصُّبْحِ صَلَّاهُمَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ مَا لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَالَ طَائِفَةٌ يُصَلِّيهِمَا خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَلَا يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الْإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ انْتَهَى قُلْتُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تِسْعَةُ أَقْوَالٍ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي النَّيْلِ قَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى تِسْعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا الْكَرَاهَةُ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى خِلَافٍ عَنْهُ فِي ذَلِكَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمِنَ التَّابِعِينَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَطَاوُسٌ وَمُسْلِمُ بْنُ عُقَيْلٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ هَكَذَا أَطْلَقَ التِّرْمِذِيُّ الرِّوَايَةَ عَنِ الثوري وروى عنه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّوَوِيُّ تَفْصِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا خَشِيَ فَوْتَ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ دَخَلَ مَعَهُمْ وَتَرَكَ سُنَّةَ الْفَجْرِ وَإِلَّا صَلَّاهَا وَسَيَأْتِي

الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَلَاةُ شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ إِذَا كَانَتِ الْمَكْتُوبَةُ قَدْ قَامَتْ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهِمَا قاله بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِصَلَاةِ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَالْإِمَامُ فِي الفريضة حكاه بن المنذر عن بن مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَمَكْحُولٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فَفَرَّقَ هَؤُلَاءِ بَيْنَ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ إِلَّا رَكْعَتَيِ الصُّبْحِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ قَالَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لَا أَصْلَ لَهَا وَفِي إِسْنَادِهَا حَجَّاجُ بْنُ نَصْرٍ وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ وَهُمَا ضَعِيفَانِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فلا صلاة إلا المكتوبة قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ قَالَ وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَفِي إِسْنَادِهِ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَقَدْ وثقه بن حِبَّانَ وَاحْتَجَّ بِهِ فِي صَحِيحِهِ الْقَوْلُ الرَّابِعُ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى مع الامام أولا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فَقَالَ إِذَا كَانَ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلْيَدْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يَرْكَعْهُمَا يَعْنِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلِ الْمَسْجِدَ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ أَنْ يَفُوتَهُ الْإِمَامُ بِرَكْعَةٍ فَلْيَرْكَعْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ فَلْيَدْخُلْ وَلْيُصَلِّ مَعَهُ الْقَوْلُ الْخَامِسُ أَنَّهُ إِنْ خَشِيَ فَوْتَ الرَّكْعَتَيْنِ مَعًا وَأَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الْإِمَامَ قَبْلَ رَفْعِهِ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الثَّانِيَةِ دَخَلَ مَعَهُ وَإِلَّا فَيَرْكَعُهُمَا يَعْنِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه كما حكاه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَحُكِيَ عَنْهُ أَيْضًا نَحْوُ قَوْلِ مَالِكٍ وَهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا حَكَاهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْهُ مِثْلَ قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ الْآتِي ذِكْرُهُ الْقَوْلُ السَّادِسُ أَنَّهُ يَرْكَعُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَأَمَّا الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَلْيَرْكَعْ وَإِنْ فَاتَتْهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ الْقَوْلُ السَّابِعُ يَرْكَعُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ إِلَّا إِذَا خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَهُوَ قول سفيان الثوري حكى ذلك عنه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ الْقَوْلُ الثَّامِنُ أَنَّهُ يُصَلِّيهِمَا وَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْإِمَامِ إِذَا كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا قاله بن الْجَلَّابِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ

باب ما جاء في من تقوته الركعتان قبل الفجر يصليهما

الْقَوْلُ التَّاسِعُ أَنَّهُ إِذَا سَمِعَ الْإِقَامَةَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الدُّخُولُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَلَا فِي غَيْرِهِمَا مِنَ النَّوَافِلِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ خَارِجِهِ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ عَصَى وهو قول أهل الظاهر ونقله بن حَزْمٍ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَحَكَى الْكَرَاهَةَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ صَلَاةُ تَطَوُّعٍ فِي وَقْتِ إِقَامَةِ الْفَرِيضَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الظَّاهِرُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ الْإِقَامَةَ الَّتِي يَقُولُهَا الْمُؤَذِّنُ عِنْدَ إِرَادَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُتَعَارَفُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الْأَذْهَانِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِعْلَهَا كَمَا هُوَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) فَإِنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي فِعْلِ النَّافِلَةِ عِنْدَ إِقَامَةِ الْمُؤَذِّنِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ فَهَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْفَرَاغُ مِنَ الْإِقَامَةِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَشْرَعُ فِي فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ شُرُوعُ الْمُؤَذِّنِ فِي الْإِقَامَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ شُرُوعُهُ فِي الْإِقَامَةِ ليتهيأ المأمون لِإِدْرَاكِ التَّحْرِيمِ مَعَ الْإِمَامِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا صَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ حِينَ أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ الْمُرَادُ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ الْإِقَامَةُ الَّتِي يَقُولُهَا الْمُؤَذِّنُ عِنْدَ إِرَادَةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِرِوَايَةِ بن حِبَّانَ بِلَفْظِ إِذَا أَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَالرِّوَايَاتُ بَعْضُهَا يُفَسِّرُ بَعْضًا ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ شُرُوعُ الْمُؤَذِّنِ فِيهَا لَا الْفَرَاغُ مِنْهَا يَدُلُّ على ذلك رواية بن حبان هذه وحديث بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي وَأَخَذَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَجَذَبَنِي نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ الْمَذْكُورُ آنِفًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ الْقَوْلُ التَّاسِعُ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 98 - (بَاب مَا جَاءَ فِي من تقوته الركعتان قبل الفجر يصليهما) بعد صلاة الصبح [422] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ الْبَلْخِيُّ صَدُوقٌ رَوَى عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَهُشَيْمٍ وَوَكِيعٍ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَغَيْرُهُمْ تُوُفِّيَ سَنَةَ 236 سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ

قَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي أَحَدُ مَشَاهِيرِ الْمُحَدِّثِينَ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَقَالَ أَحْمَدُ كَانَ مَعْرُوفًا بِالطَّلَبِ وَإِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ وَإِذَا حَدَّثَ مِنْ كُتُبِ النَّاسِ وَهِمَ وَقَالَ أَبُو زرعة سيء الحفظ وربما حدث من حفظ السيء فيخطىء وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَحَدِيثُهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مُنْكَرٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَيْنِ قَرَنَهُ فِيهِمَا بِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَغَيْرِهِ وَأَحَادِيثَ يَسِيرَةً أَفْرَدَهُ لَكِنَّهُ أَوْرَدَهَا بِصِيغَةِ التَّعْلِيقِ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَاحْتَجَّ بِهِ الْبَاقُونَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا (عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيِّ وَهُوَ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ الحافظ صدوق سيء الْحِفْظِ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وبن مَعِينٍ وَقَالَ مَرَّةً صَالِحٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بالقوي وقال بن عدي لا أرى بحديثه بأسا وقال بن سَعْدٍ ثِقَةٌ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدٍ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ جَدِّ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ (قَيْسِ) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيِّ صَحَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ (فَقَالَ مَهْلًا يَا قَيْسُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ يُقَالُ مَهْلًا يَا رَجُلُ وَكَذَا لِلْأُنْثَى وَالْجَمْعُ بِمَعْنَى أَمْهِلْ (أَصَلَاتَانِ مَعًا) الِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ أَيْ أَفَرْضَانِ فِي وَقْتِ فَرْضٍ وَاحِدٍ إِذْ لَا نَفْلَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ (إِنِّي لَمْ أَكُنْ رَكَعْتُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِنِّي لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ (فَلَا إِذَنْ) أَيْ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ أَنْ تُصَلِّيَهُمَا حِينَئِذٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال بن الْمَلَكِ سُكُوتُهُ يَدُلُّ عَلَى قَضَاءِ سُنَّةِ الصُّبْحِ بَعْدَ فَرْضِهِ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّهَا قَبْلَهُ وَبِهِ قال الشافعي قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ هَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا إِذَنْ مَعْنَاهُ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ أَنْ تُصَلِّيَهُمَا حِينَئِذٍ كَمَا ذَكَرْتُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِوَايَةُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ بِلَفْظِ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النيل قال العراقي إسناده حسن ورواية بن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ فَلَمْ يَأْمُرْهُ وَلَمْ يَنْهَهُ ورواية بن حِبَّانَ بِلَفْظِ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ وَالرِّوَايَاتُ بَعْضُهَا يُفَسِّرُ بَعْضًا وَبِهَذَا فَسَّرَ الْعُلَمَاءُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي شَرْحِ

الترمذي في شرح قوله فلان إِذَنْ أَيْ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكَ حِينَئِذٍ وَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ وَلَا لَوْمَ عَلَيْكَ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ سِرَاجٌ أَحْمَدُ السَّرْهَنْدِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فِي تَرْجَمَةِ فَلَا إِذَنْ بس نداين وقت منع ميكنم ترا اذكزاردن سنت انْتَهَى فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ ظَهَرَ لَكَ بُطْلَانُ قَوْلِ صَاحِبِ الْعُرْفِ الشَّذِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ فَلَا إِذَنْ مَعْنَاهُ فَلَا تُصَلِّ مَعَ هَذَا الْعُذْرِ أَيْضًا فَلَا إِذَنْ لِلْإِنْكَارِ انْتَهَى وَأَمَّا إِطَالَتُهُ الْكَلَامَ فِي إِثْبَاتِ هَذَا الْمَعْنَى فَمَبْنِيٌّ عَلَى قُصُورِ فَهْمِهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى المتأمل بالمتأمل الصَّادِقِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ لَا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بن سعيد) والحديث أخرجه أبو داود وبن ماجه وأحمد في مسنده وبن شَيْبَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ (وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ سَمِعَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ مِنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ) هَذَا الْحَدِيثَ وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلًا وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ مَا لَفْظُهُ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ قَالَ قَالَ سُفْيَانُ كَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى عَبْدُ رَبِّهِ وَيَحْيَى ابْنَا سَعِيدٍ هَذَا الْحَدِيثَ مُرْسَلًا أَنَّ جَدَّهُمْ زَيْدًا صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ قَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا أَنْ يصلي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ) وهذا هو مذهب عطاء وطاووس وبن جُرَيْجٍ وَالشَّافِعِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وَقْتِ قَضَاءِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فروى عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَقْضِيهِمَا بعد صلاة الصبح وبه قال عطاء وطاووس وبن جُرَيْجٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَقْضِيهَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَبِهِ قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِنْ أَحَبَّ قَضَاهُمَا إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَطَوُّعٌ وَقَالَ مَالِكٌ يَقْضِيهِمَا ضُحًى إِلَى وَقْتِ زَوَالِ الشَّمْسِ وَلَا يَقْضِيهِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ انْتَهَى وقال الشوكاني

فِي النَّيْلِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا يُفْعَلَانِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَيَكُونَانِ أَدَاءً انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَيْسٌ هُوَ جَدُّ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَيُقَالُ هُوَ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو وَيُقَالُ هُوَ قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَبِالدَّالِ (وَإِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ قَيْسٍ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ إِنَّهُ مُرْسَلٌ وَمُنْقَطِعٌ لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَقَدْ جَاءَ مُتَّصِلًا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أبيه عن جده قيس رواه بن خزيمة في صحيحه وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ وَطَرِيقِ غَيْرِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَيْسٍ الْمَذْكُورِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ فَيَصِحُّ مَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنَ الِانْقِطَاعِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ الْقَائِلَ بِذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فَقَدْ أخرج بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ وَوَصِيفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ قَالَا حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدثنا أسد بْنُ مُوسَى قَالَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ وَلَمْ يَكُنْ رَكَعَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَلَمْ يُنْكِرْ عليه ورجاله كلهم ثقات أما بن أَبِي شَيْبَةَ وَشَيْخُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فَهُمَا إِمَامَانِ جَلِيلَانِ حَافِظَانِ ثِقَتَانِ ثَبْتَانِ وَأَمَّا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُرَادِيُّ الْمِصْرِيُّ الْمُؤَذِّنُ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ قَالَ النسائي لا بأس به وقال بن يُونُسَ كَانَ ثِقَةً وَكَذَا قَالَ الْخَطِيبُ وَقَالَ بن أَبِي حَاتِمٍ سَمِعْنَا مِنْهُ وَهُوَ صَدُوقٌ ثِقَةٌ سُئِلَ أَبِي عَنْهُ فَقَالَ صَدُوقٌ وَقَالَ الْخَلِيلِيُّ ثِقَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى وَأَمَّا أَسَدُ بْنُ مُوسَى وَيُقَالُ لَهُ أَسَدُ السُّنَّةِ فَقَالَ الْبُخَارِيُّ مشهور الحديث وقال النسائي ثقة وقال بن يُونُسَ حَدَّثَ بِأَحَادِيثَ مُنْكَرَةٍ وَأَحْسَبُ الْآفَةَ مِنْ غيره وقال أيضا هو وبن قانع والعجلي والبزار ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَأَمَّا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ مَشْهُورٌ وَأَمَّا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ قَيْسٍ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ قَيْسٍ فثقة أورده بن حِبَّانَ فِي كِتَابِ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ وَأَمَّا قَيْسٌ جَدُّ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَصَحَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ

مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ جَاءَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ الْفَجْرِ فَصَلَّى مَعَهُ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ فَقَالَ لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ فَسَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ وَالطَّرِيقُ إِلَيْهِ صَحِيحٌ انْتَهَى وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَنَصْرُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَا أَخْبَرَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ جَاءَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِمِثْلِ لَفْظِ الْحَاكِمِ وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ جَوَابَهُ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ الْقَائِلَ بِذَلِكَ وَقَدْ عَرَفْتَ آنِفًا أَنَّ الْحَاكِمَ قَدْ قَالَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ قَيْسُ بْنُ قَهْدٍ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ وَالطَّرِيقُ إِلَيْهِ صَحِيحٌ فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْإِصَابَةِ فِي تَمْيِيزِ الصَّحَابَةِ وأخرجه بن مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ أَسَدِ بْنِ مُوسَى عَنِ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَقَالَ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَسَدٌ مَوْصُولًا وَقَالَ غيره عن الليث عن يحيى أنه حَدِيثَهُ مُرْسَلٌ قُلْتُ تَفَرُّدُهُ لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ ثِقَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ الْمِنْهَاجِ إِذَا رَوَاهُ بَعْضُ الثِّقَاتِ الضَّابِطِينَ مُتَّصِلًا وَبَعْضُهُمْ مُرْسَلًا أَوْ بَعْضُهُمْ مَوْقُوفًا وَبَعْضُهُمْ مَرْفُوعًا أَوْ وَصَلَهُ هُوَ أَوْ رَفَعَهُ فِي وَقْتٍ وَأَرْسَلَهُ أَوْ وَقَفَهُ فِي وَقْتٍ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَقَالَهُ الْفُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ وَصَحَّحَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّ الْحُكْمَ لِمَنْ وَصَلَهُ أَوْ رَفَعَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَالِفُ لَهُ مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَحْفَظَ لِأَنَّهُ زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ وَقَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ صَلَاةِ اللَّيْلِ إِنَّ الصَّحِيحَ بَلِ الصَّوَابَ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ وَمُحَقِّقُو الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا رُوِيَ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا أَوْ مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا حُكِمَ بِالرَّفْعِ وَالْوَصْلِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّافِعُ وَالْوَاصِلُ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فِي الْحِفْظِ وَالْعَدَدِ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى فِي المعتصر من المحتصر وَمَا رَوَى اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بن سعيد عن أبيه عن جده قيس بن قهد ثم ساقه ثم قَالَ فَهُوَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهَا لِعِلَّةٍ فِي رُوَاتِهِ ذُكِرَتْ مُفَصَّلَةً فِي الْمُطَوَّلِ انْتَهَى كَلَامُهُ فَكَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ صحيحا قابلا للاحتجاح قُلْتُ الشَّيْخُ يُوسُفُ بْنُ مُوسَى صَاحِبُ الْمُعْتَصَرِ لَيْسَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ هَذَا لَيْسَ مما

باب ما جاء في إعادتهما بعد طلوع الشمس

يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي رُوَاتِهِ عِلَّةٌ تُوجِبُ الْقَدْحَ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ فَقَدْ عَرَفْتَ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ وَكَذَا عَرَفْتَ الْجَوَابَ عَنْ تَفَرُّدِ أَسَدِ بْنِ مُوسَى بِهِ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هذا الباب ومنها ما أخرج بن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ (قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي بَعْدَ الْغَدَاةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَكُنْ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَصَلَّيْتُهُمَا الْآنَ فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا) قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مُرْسَلًا قَالَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَجُلًا صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ الْحَدِيثَ وَفِي الْبَابِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى 99 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِعَادَتِهِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ [423]) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ (بْنُ مُكْرَمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ (الْعَمِّيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَوَى يَحْيَى الْقَطَّانُ وَغُنْدَرُ بْنُ مَهْدِيٍّ وَخَلْقٌ وَعَنْهُ م د ت ق قَالَ أَبُو دَاوُدَ ثقة ثِقَةٌ (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمِ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْكِلَابِيُّ الْقَيْسِيُّ أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التقريب وقال في مقدمة الفتح وثقه بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ لَا أَنْشَطُ لِحَدِيثِهِ وَقَدَّمَ عَلَيْهِ الْحَوْضِيَّ قَالَ الْحَافِظُ قَدِ احْتَجَّ بِهِ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ وَالْبَاقُونَ انْتَهَى (عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَآخِرُهُ كَافٌ السَّدُوسِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا بعد ما تَطْلُعُ الشَّمْسُ) وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُصَلِّهِمَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ مَنْ نَسِيَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَلْيُصَلِّهِمَا إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) يَعْنِي مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا

هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ إِلَخْ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُمَا آنِفًا وَقَالَ الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ انْتَهَى وَلَمْ يَحْكُمِ التِّرْمِذِيُّ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ قُلْتُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ قَتَادَةُ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنِ النَّضْرِ بن أنس بالعنعنة قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ السَّدُوسِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ حَافِظَ عَصْرِهِ وَمَشْهُورٌ بِالتَّدْلِيسِ وَصَفَهُ بِهِ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ تَفَرَّدَ بِهِ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ عَنْ هَمَّامٍ وَخَالَفَ جَمِيعَ أَصْحَابِ هَمَّامٍ فَإِنَّهُمْ رَوَوْهُ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ قَوْلُهُ (وقد روى عن أبي عُمَرَ أَنَّهُ فَعَلَهُ) أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ إِنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَاتَتْهُ رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ أَنْ طلعت الشمس ورواه بن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وبن الْمُبَارَكِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا يُفْعَلَانِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَيَكُونَانِ أَدَاءً قَالَ وَالْحَدِيثُ لَا يَدُلُّ صَرِيحًا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَهُمَا قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَا يَفْعَلُهُمَا إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا الْأَمْرُ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّهِمَا مُطْلَقًا أَنْ يُصَلِّيَهُمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا إِذَا تُرِكَا فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ فُعِلَا فِي وَقْتِ الْقَضَاءِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ فِعْلِهِمَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ فَإِنَّهُمَا بِلَفْظِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُصَلِّهِمَا انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قَوْلُهُ (وَالْمَعْرُوفُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ إِلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ شَاذٌّ وَالْمَحْفُوظُ مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فقد

باب ما جاء في الأربع قبل الظهر

أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 00 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ [424]) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا محمد بن بشار) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ النُّونِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ) اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ الْعَقَدِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ) السَّلُولِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ فِي الخلاصة وثقه بن المديني وبن مَعِينٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ) عَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أكثر أهل العلم كما صرح به الترمذي وَتَمَسَّكُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَبِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ صَلَاةِ الْغَدَاةِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثنتي عشرة ركعة من السنة ماله مِنَ الْفَضْلِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ أيضا قبل الظهر روى الشيخان عن بن عُمَرَ قَالَ حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ الحافظ في الداودي وقع في حديث بن عُمَرَ أَنَّ قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَرْبَعًا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصَفَ مَا رَأَى قَالَ وَيُحْتَمَلُ أن يكون بن عُمَرَ نَسِيَ رَكْعَتَيْنِ مِنَ الْأَرْبَعِ قَالَ الْحَافِظُ هَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَالَيْنِ فَكَانَ يُصَلِّي تَارَةً ثِنْتَيْنِ وَتَارَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا وَقِيلَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقْتَصِرُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَفِي بَيْتِهِ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي إِذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى المسجد فيصلي ركعتين فرأى بن عُمَرَ مَا فِي الْمَسْجِدِ دُونَ مَا فِي بيته واطلعت

عَائِشَةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَيُقَوِّي الْأَوَّلَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ الْأَرْبَعُ كَانَتْ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَحْوَالِهِ وَرَكْعَتَانِ فِي قَلِيلِهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَالَيْنِ فَكَانَ تَارَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا وَتَارَةً رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُ حَدِيثِهِمَا آنِفًا قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) فِي إِسْنَادِهِ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ بِالْعَنْعَنَةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعَطَّارُ) اسْمُهُ أحمد بن محمد بن إبراهيم الأبلي صَدُوقٌ (قَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بن جعفر الْحَسَنِ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَعْلَمُ أَهْلِ عَصْرِهِ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ حَتَّى قَالَ الْبُخَارِيُّ مَا اسْتَصْغَرْتُ نَفْسِي إِلَّا عِنْدَهُ (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ فَرُّوخَ الْقَطَّانِ أَحَدِ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ كَمَا فِي الْمِيزَانِ (كُنَّا نَعْرِفُ فَضْلَ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَلَى حَدِيثِ الْحَارِثِ) أَيِ الْأَعْوَرِ وَقَالَ أَحْمَدُ هُوَ أَعْلَى مِنَ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ وَهُوَ عِنْدِي حُجَّةٌ وقال بن حِبَّانَ رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالْحَكَمُ كَانَ رَدِيءَ الْحِفْظِ فَاحِشَ الْخَطَأِ يَرْفَعُ عَنْ عَلِيٍّ قَوْلَهُ كَثِيرًا فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ عَلَى أَنَّهُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْحَارِثِ كَذَا فِي الْمِيزَانِ قَوْلُهُ (وهو قول سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ (وَقَالَ بَعْضُ

أَهْلِ الْعِلْمِ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى يَرَوْنَ الْفَصْلَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَبِهِ يَقُولُ الشافعي وأحمد) واستدل لهم بحديث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى رواه أحمد وأصحاب السنن وبن خزيمة وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ الْأَزْدِيِّ عَنْهُ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِدُونِ ذِكْرِ النَّهَارِ وَفِيهِ أَنَّ فِي صِحَّةِ زِيَادَةِ وَالنَّهَارِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَلَامًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِنَّ أَكْثَرَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَعَلُّوا هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ وَالنَّهَارِ بِأَنَّ الْحَافِظَ من أصحاب بن عمر لَمْ يَذْكُرُوهَا عَنْهُ وَحَكَمَ النَّسَائِيُّ عَلَى رَاوِيهَا بِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهَا وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ مَنْ عَلِيٌّ الْأَزْدِيُّ حَتَّى أَقْبَلَ مِنْهُ وَادَّعَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ نَافِعٍ أن بن عُمَرَ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ بن عُمَرَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الرَّاجِحِ وَبِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقُيِّدَ الْجَوَابُ بِذَلِكَ مُطَابَقَةً لِلسُّؤَالِ وَبِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا قَالَ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ ليس فيهن بتسليم تُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والترمذي في الشمائل ورواه بن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُعَتِّبٍ الضَّبِّيُّ انْتَهَى وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحسن في موطأه حَدَّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ عَامِرٍ الْبَجَلِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ فَسَأَلَهُ أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ فَأُحِبُّ أَنْ يَصْعَدَ لِي فِي تِلْكَ السَّاعَةِ خَيْرٌ قُلْتُ أَفِي كُلِّهِنَّ قِرَاءَةٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَتَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ فَقَالَ لَا قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي أيوب هذا ضعيف بكلتا الطريقين أَمَّا طَرِيقُ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ فَفِيهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ مُعَتِّبٍ الضَّبِّيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمَعَ ضَعْفِهِ قَدِ اخْتَلَطَ بِأَخَرَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الحافظ وقال الزيلعي في نصب الراية قال صاحب التنقيح وروى بن خُزَيْمَةَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ وَضَعَّفَهُ فَقَالَ وَعُبَيْدَةُ بْنُ مُعَتِّبٍ لَيْسَ مِمَّنْ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهِ انْتَهَى وَأَمَّا طَرِيقُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَفِيهَا بُكَيْرُ بْنُ عَامِرٍ الْبَجَلِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ ضعفه بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَ مَرَّةً لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ انْتَهَى وَلَمْ أَجِدْ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا صَرِيحًا فِي الْفَصْلِ بَيْنَ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ بِالتَّسْلِيمِ وَلَا فِي الْوَصْلِ بَيْنَهُنَّ فَإِنْ شَاءَ صَلَّاهُنَّ بِسَلَامٍ وَاحِدٍ فَإِنْ شَاءَ صَلَّاهُنَّ بِسَلَامَيْنِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في الركعتين بعد الظهر

201 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ [425]) قَوْلُهُ (وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا) فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ بَعْدَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ وَقَدْ جَاءَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ أَيْضًا كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْآتِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَمَّا حَدِيثُ عائشة فأخرجه مسلم قول (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مُطَوَّلًا وتقدم في الباب المتقدم 02 - بَاب مِنْهُ آخَرُ [426] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ صَدُوقٌ قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا لَمْ يصل أربعا قبل الظهر صلاهن بعدها) أَيْ بَعْدَ الظُّهْرِ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَاتَتْهُ الْأَرْبَعُ قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهُنَّ بعد الركعتين بعد الظهر ورواه رواية بن مَاجَهْ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إِلَّا قَيْسَ بْنَ الرَّبِيعِ فَفِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ وُثِّقَ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ لَمَّا كَبِرَ وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ ما لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ فَحَدَّثَ بِهِ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى السُّنَنِ الَّتِي قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَعَلَى امْتِدَادِ وَقْتِهَا إِلَى

آخِرِ وَقْتِ الْفَرِيضَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ أَوْقَاتُهَا تَخْرُجُ بِفِعْلِ الْفَرَائِضِ لَكَانَ فِعْلُهَا بَعْدَهَا قَضَاءً وَكَانَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى فِعْلِ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهَا تُفْعَلُ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الظُّهْرِ ذَكَرَ مَعْنَى ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَالَ وَقَدْ يُعْكَسُ هَذَا فَيُقَالُ لَوْ كَانَ وَقْتُ الْأَدَاءِ بَاقِيًا لَقُدِّمَتْ عَلَى رَكْعَتَيِ الظُّهْرِ وَذَكَرَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ رِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ إِلَّا عَبْدَ الْوَارِثِ بْنَ عبيد الله العتكي وقد ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى قُلْتُ وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ إِنَّهُ صَدُوقٌ (وَرَوَاهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ نَحْوَ هَذَا) أخرجه بن ماجه وتقدم لفظه (وقد روى عن الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هذا) أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ مُرْسَلًا بِلَفْظِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَاتَتْهُ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهَا بَعْدَهَا [427] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا (يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ) ثِقَةٌ مُتْقِنٌ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشُّعَيْثِيِّ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُثَلَّثَةٌ قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ وَقَالَ فِي النَّيْلِ وَثَّقَهُ دحيم والمفضل بن غسان العلائي والنسائي وبن حِبَّانَ انْتَهَى (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بن المهاجر الشعثي النصري الدمشقي قال الحافظ مقبول وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ (عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَنْبَسَةُ بْنُ أَبِي سفيان بن حرب بن أمية القرشي الأموي أَخُو مُعَاوِيَةَ يُكَنَى أَبَا الْوَلِيدِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ يُقَالُ لَهُ رِوَايَةٌ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ اتفق الأئمة على أنه تابعي وذكره بن حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ مَاتَ قَبْلَ أَخِيهِ قَوْلُهُ (مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ) وَفِي رِوَايَةٍ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ وَفِي رِوَايَةٍ حُرِّمَ عَلَى النَّارِ وَفِي رِوَايَةٍ حَرَّمَ اللَّهُ لَحْمَهُ عَلَى النَّارِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ هَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَصْلًا أَوْ أَنَّهُ إِنْ قُدِّرَ عَلَيْهِ دُخُولُهَا لَا تَأْكُلُهُ النَّارُ أَوْ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَنْ

تَسْتَوْعِبَ أَجْزَاءَهُ وَإِنْ مَسَّتْ بَعْضَهُ كَمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ فَتَمَسُّ وَجْهَهُ النَّارُ أَبَدًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَحُرِّمَ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مَوَاضِعَ السُّجُودِ فَيَكُونَ قَدْ أَطْلَقَ الْكُلَّ وَأُرِيدَ الْبَعْضُ مَجَازًا وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحَرِّمُ جَمِيعَهُ عَلَى النَّارِ وَفَضْلُ اللَّهِ أَوْسَعُ وَرَحْمَتُهُ أَعَمُّ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ مَنْ صَلَّى أَنَّ التَّحْرِيمَ يَحْصُلُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْآتِيَةَ بِلَفْظِ مَنْ حَافَظَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا لِلْمُحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى [428] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن إسحاق البغدادي) المغاني بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمُعْجَمَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ التِّنِّيسِيُّ) بِكَسْرِ مُثَنَّاةِ فَوْقَ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَكَسْرِ نُونٍ مُشَدَّدَةٍ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتَ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ (عَنِ الْقَاسِمِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) قَدْ بَيَّنَ تَرْجَمَتَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (مَنْ حَافَظَ) أي داوم واظب قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ رَكْعَتَانِ مِنْهَا مُؤَكَّدَةٌ وَرَكْعَتَانِ مُسْتَحَبَّةٌ فَالْأَوْلَى بِتَسْلِيمَتَيْنِ بِخِلَافِ الْأُولَى انْتَهَى قُلْتُ فِيهِ مَا فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَأَكُّدِ اسْتِحْبَابِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهُ وَكَفَى بِهَذَا التَّرْغِيبِ بَاعِثًا عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَهُوَ ثِقَةٌ شَامِيٌّ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ الْقَاسِمُ هَذَا اخْتُلِفَ فِيهِ فمنهم

باب ما جاء في الأربع قبل العصر

مَنْ يُضَعِّفُ رِوَايَتَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يُوَثِّقُهُ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ إِنَّهُ صَدُوقٌ وقال الذهبي في الميزان وثقه بن مَعِينٍ مِنْ وُجُوهٍ عَنْهُ وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ كَانَ خيارا فاصلا أَدْرَكَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ ثِقَةٌ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ مِنْهُمْ مَنْ يُضَعِّفُهُ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ قَبْلَ هَذَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ أَعَاجِيبَ وَمَا أَرَاهَا إِلَّا مِنْ قِبَلِ الْقَاسِمِ وقال بن حِبَّانَ كَانَ الْقَاسِمُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَزْعُمُ أَنَّهُ لَقِيَ أَرْبَعِينَ بَدْرِيًّا كَانَ مِمَّنْ يَرْوِي عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُعْضِلَاتِ وَأَتَى عَنِ الثِّقَاتِ بِالْمَقْلُوبَاتِ حَتَّى يَسْبِقَ إِلَى الْقَلْبِ أَنَّهُ كَانَ الْمُتَعَمِّدَ لَهَا انْتَهَى 03318318318 - 3 - 1 - 8 (بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ [429]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ) الْعَقَدِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ ثِقَةٌ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الله السبيعي ثِقَةٌ مُدَلِّسٌ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ) السَّلُولِيُّ صَدُوقٌ قَوْلُهُ (يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْيَانًا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَحْيَانًا رَكْعَتَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَالرَّجُلُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعًا أَوْ رَكْعَتَيْنِ وَالْأَرْبَعُ أَفْضَلُ (يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ) الْمُرَادُ بِالتَّسْلِيمِ تَسْلِيمُ التَّشَهُّدِ دُونَ تَسْلِيمِ التَّحَلُّلِ كَمَا سَتَقِفُ عليه قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أبي

هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْعَصْرِ حَرَّمَ اللَّهُ بَدَنَهُ عَلَى النَّارِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ الترمذي وَالْبَزَّارُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْهُ يَعْنِي عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ كان بن الْمُبَارَكِ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ قَدْ أَعَادَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا فِي الْبَابِ كَيْفَ يَتَطَوَّعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهَارِ وَذُكِرَ هُنَاكَ أَنَّهُ رُوِيَ عن بن الْمُبَارَكِ أَنَّهُ كَانَ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ وَنَذْكُرُ هُنَاكَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْكَلَامِ قَوْلُهُ (وَاخْتَارَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَنْ لَا يَفْصِلَ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ) أَيْ لَا يُصَلِّي الْأَرْبَعَ بِتَسْلِيمَتَيْنِ بَلْ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ (وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ إِنَّهُ يَفْصِلُ بينهن بالتسليم يعني التشهد) قَالَ الْبَغَوِيُّ الْمُرَادُ بِالتَّسْلِيمِ التَّشَهُّدُ دُونَ السَّلَامِ أَيْ وَسُمِّيَ تَسْلِيمًا عَلَى مَنْ ذَكَرَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهِ وكذا قاله بن الْمَلَكِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ انْتَهَى قُلْتُ وَقِيلَ المراد بالتسليم التَّحَلُّلِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ مَا اخْتَارَهُ إِسْحَاقُ وَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ حَيْثُ أَعَادَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ (وَرَأَى الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى يَخْتَارَانِ الْفَصْلَ أَيْ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ رُبَاعَ رُبَاعَ وَقَالَ صَاحِبَاهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَصَلَاةُ النَّهَارِ رُبَاعَ رُبَاعَ) وَالِاخْتِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَنَذْكُرُ دلائل كل من هؤلاء مع بيان مالها وَمَا عَلَيْهَا وَمَا هُوَ الْأَوْلَى عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ كَيْفَ يَتَطَوَّعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهَارِ

[430] قَوْلُهُ (وَأَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ كَثِيرٍ الدَّوْرَقِيُّ النُّكْرِيُّ الْبَغْدَادِيُّ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والترمذي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ وَقَالَ صالح جَزَرَةَ كَانَ أَحْمَدُ أَكْثَرَهُمَا حَدِيثًا وَأَعْلَمَهُمَا بِالْحَدِيثِ وَكَانَ يَعْقُوبُ يَعْنِي أَخَاهُ أَسْنَدَهُمَا وَكَانَا جَمِيعًا ثِقَتَيْنِ وَكَانَ مَوْلِدُ أَحْمَدَ سَنَةَ وَمَاتَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ مِهْرَانَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ مِهْرَانَ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَصْرِيٌّ يُحَدِّثُ عَنْ جَدِّهِ لَا بَأْسَ بهما وقال بن حبان في الثقات كان يخطيء (سَمِعَ جَدَّهُ) هُوَ مُسْلِمُ بْنُ مِهْرَانَ أَبُو الْمُثَنَّى قَالَ الْحَافِظُ مُسْلِمُ بْنُ الْمُثَنَّى وَيُقَالُ بن مِهْرَانَ بْنُ الْمُثَنَّى أَبُو الْمُثَنَّى الْكُوفِيُّ رَوَى عن بن عُمَرَ وَعَنْهُ حَفِيدُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مسلم قال أبو زرعة ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَوْلُهُ (رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا) قَالَ الْعِرَاقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دُعَاءً وَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِتَقْدِيمِ لَفْظِ حَسَنٍ عَلَى لَفْظِ غَرِيبٍ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ جَرَتْ عَادَةُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنْ يُقَدِّمَ الْوَصْفَ بِالْحَسَنِ عَلَى الْغَرَابَةِ وَقُدِّمَ هُنَا غَرِيبٌ عَلَى حَسَنٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْوَصْفَ الْغَالِبَ عَلَى الْحَدِيثِ فَإِنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْحُسْنُ قَدَّمَهُ وَإِنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْغَرَابَةُ قَدَّمَهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَانْتَفَتْ فِيهِ وُجُوهُ الْمُتَابَعَاتِ وَالشَّوَاهِدِ فَغَلَبَ عَلَيْهِ وَصْفُ الْغَرَابَةِ انْتَهَى كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي فَيَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّ هَذَا أَنَّهُ كَانَ فِي النُّسْخَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَهُ هَذَا غَرِيبٌ حَسَنٌ بِتَقْدِيمِ لَفْظِ غَرِيبٍ عَلَى لَفْظِ حسن وحديث بن عُمَرَ هَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذكره رواه أبو داود والترمذي وحسنه وبن حبان وصححه وكذا شيخه بن خزيمة من حديث بن عُمَرَ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ وَفِيهِ مَقَالٌ لكن وثقه بن حبان انتهى

باب ما جاء في الركعتين بعد المغرب والقراءة فيهما

204319 - (باب ما جاء في الركعتين بعد المغرب وَالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا [431]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا بَدَلُ) بِفَتْحَتَيْنِ (بْنُ الْمُحَبَّرِ) عَلَى وَزْنِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ بَعْدَ الْمِيمِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِلَّا فِي حَدِيثِهِ عن زائدة (أخبرنا بعد الْمَلِكِ بْنُ مَعْدَانَ) هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمَعْدَانِ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قال بن مَعِينٍ صَالِحٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفٌ وَقَالَ بن حِبَّانَ يَقْلِبُ الْأَسَانِيدَ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ سَمِعَ مِنْهُ بَدَلٌ وَعَبْدُ الصَّمَدِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وسكون الهاء وفتح الدال المهملة هو بن أَبِي النَّجُودِ الْكُوفِيِّ أَحَدِ السَّبْعَةِ الْقُرَّاءِ ثَبْتٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ دُونَ الثَّبْتِ صدوق بهم وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِحَافِظٍ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحِلُّهُ الصِّدْقُ وقال بن خراش في حديثه نكرة قال الذَّهَبِيُّ هُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو زُرْعَةَ ثِقَةٌ خَرَّجَ لَهُ الشَّيْخَانِ لَكِنْ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ لَا أَصْلًا وَانْفِرَادًا انْتَهَى كَلَامُ الذَّهَبِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ حُجَّةٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَحَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَقْرُونٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ مَا أُحْصِي) أَيْ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَعُدَّ (مَا سَمِعْتُ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ (يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وفي الركعتين قبل صلاة الفجر بقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد) أَيْ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْهُمَا قُلْ يا أيها الكافرون وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بعد المغرب قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ قوله (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ

باب ما جاء أنه يصليهما في البيت

مَعْدَانَ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ تُعَضِّدُهُ 05 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ يُصَلِّيهِمَا فِي الْبَيْتِ [432]) قَوْلُهُ (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ) الْمُرَادُ مِنَ الْمَعِيَّةِ هَذِهِ مُجَرَّدُ الْمُتَابَعَةِ فِي الْعَدَدِ وَهُوَ أَنَّ بن عُمَرَ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَحْدَهُ كَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ لَا أَنَّهُ اقْتَدَى بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِمَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ بِنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِمَنْ قَالَ يَجْمَعُ فِي رَوَاتِبِ الْفَرَائِضِ انْتَهَى وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّةَ الْمَغْرِبِ فِي الْبَيْتِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ أَمَّا حَدِيثُ رافع فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُمُ السُّبْحَةَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عجرة فأخرجه أبو داود بفلظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي مَسْجِدَ بَنِي الْأَشْهَلِ فَصَلَّى فِيهِ الْمَغْرِبَ فَلَمَّا قَضَوْا صَلَاتَهُمْ رَآهُمْ يُسَبِّحُونَ بَعْدَهَا فَقَالَ هَذِهِ صلاة البيوت قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [433] قَوْلُهُ (وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ) وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا قَالَ الْحَافِظُ الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَالَيْنِ فَكَانَ يُصَلِّي تَارَةً ثِنْتَيْنِ وَتَارَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا (وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي بَيْتِهِ (وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي بَيْتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَأَمَّا الْمَغْرِبُ

وَالْعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ فِعْلَ النَّوَافِلِ اللَّيْلِيَّةِ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ رَوَاتِبِ النَّهَارِ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِذَلِكَ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ عَنْ عَمْدٍ وَإِنَّمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَشَاغَلُ بِالنَّاسِ فِي النَّهَارِ غَالِبًا وَبِاللَّيْلِ يَكُونُ فِي بَيْتِهِ غَالِبًا قَالَ وأغرب بن أبي ليلى فقال لا تجزىء سُنَّةُ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ حَكَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بن أحمد عنه عقب روايته الحديث مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَفَعَهُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ مِنْ صَلَاةِ الْبُيُوتِ وَقَالَ إِنَّهُ حَكَى ذلك لأبيه عن بن أَبِي لَيْلَى فَاسْتَحْسَنَهُ انْتَهَى قُلْتُ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي وحدثنا بن أَبِي عَدِيٍّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي بعد الْأَشْهَلِ فَصَلَّى بِهِمُ الْمَغْرِبَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُمْ قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قُلْتُ لِأَبِي إِنَّ رَجُلًا قَالَ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ تُجْزِهِ إِلَّا أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي بَيْتِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذِهِ مِنْ صَلَوَاتِ الْبُيُوتِ قَالَ مَنْ قَالَ هَذَا قُلْتُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ أَوْ مَا أَحْسَنَ مَا انْتَزَعَ انْتَهَى مَا فِي الْمُسْنَدِ وَفِيهِ أَيْضًا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حدثنا أبي عن بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِعْلَ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ وَأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَمْدٍ [434] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب ما جاء في فضل التطوع ست ركعات بعد المغرب

206 - (باب ما جاء في فضل التطوع ست رَكَعَاتٍ بَعْدَ الْمَغْرِبِ [435]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ أَبِي خَثْعَمٍ) هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ) أَيْ بَعْدَ فَرْضِهِ (سِتَّ رَكَعَاتٍ) الْمَفْهُومُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الرَّاتِبَتَيْنِ دَاخِلَتَانِ فِي السِّتِّ وَكَذَا فِي الْعِشْرِينَ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي قَالَهُ الطيبي قال القارىء فَيُصَلِّي الْمُؤَكَّدَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ وَفِي الْبَاقِي بِالْخِيَارِ (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيمَا بَيْنَهُنَّ) أَيْ فِي أَثْنَاءِ أَدَائِهِنَّ وقال بن حَجَرٍ إِذَا سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ (بِسُوءٍ) أي بكلام سيء أو بكلام يوجب سوءا (عدلن) بصيغة للمجهول وَقِيلَ بِالْمَعْلُومِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ يُقَالُ عَدَلْتَ فُلَانًا بِفُلَانٍ إِذَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمَا (لَهُ) أَيْ لِمَنْ صَلَّى (بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً) قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا مِنْ بَابِ الْحَثِّ وَالتَّحْرِيضِ فَيَجُوزُ أَنْ يُفَضِّلَ مَا لَا يَعْرِفُ عَلَى مَا يَعْرِفُ وَإِنْ كَانَ أَفْضَلَ حَثًّا وَتَحْرِيضًا وَقَالَ الْقَاضِي لَعَلَّ الْقَلِيلَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَالْحَالِ يُضَاعَفُ عَلَى الْكَثِيرِ فِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ عِشْرِينَ ركعة إلخ) أخرجه بن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ الْوَلِيدِ الْمَدَائِنِيِّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَيَعْقُوبُ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الميزان قال أحمد خرقتا حَدِيثَهُ وَكَذَّبَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَيَحْيَى وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا كَانَ مِنَ الْكَذَّابِينَ الْكِبَارِ يَضَعُ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ المنذري في الترغيب رواه بن ماجه وبن

باب ما جاء في الركعتين بعد العشاء

خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ أَبِي خَثْعَمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ (وَضَعَّفَهُ جِدًّا) أَيْ تَضْعِيفًا قَوِيًّا قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ لَهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ أَنَّ مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ وَمَنْ قَرَأَ الدُّخَانَ فِي لَيْلَةٍ حَدَّثَ عَنْهُ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ وعمر بن يونس اليمامي وغيرهما وهاه أَبُو زُرْعَةَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ذَاهِبٌ انْتَهَى وَفِي الْبَابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ رَأَيْتُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يُصَلِّي بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ وَقَالَ مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ حَدِيثٌ غَرِيبٌ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الثَّلَاثَةِ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ صَالِحُ بْنُ قَطَنٍ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ صَالِحٌ هَذَا لَا يَحْضُرُنِي الْآنَ فِيهِ جَرْحٌ وَلَا تَعْدِيلٌ انْتَهَى قُلْتُ لَمْ أَجِدْ أَنَا أَيْضًا تَرْجَمَتَهُ فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بِحَالِهِ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ فَصَلَّى إِلَى الْعِشَاءِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَقَدْ وَرَدَ فِي فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ بَيْنَ الْعِشَائَيْنِ غَيْرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا ضَعِيفَةً فَهِيَ مُنْتَهِضَةٌ بِمَجْمُوعِهَا لَا سِيَّمَا فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ انْتَهَى 07 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ [436]) قَوْلُهُ (فَقَالَتْ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَتْ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ثُمَّ يَخْرُجُ فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ قَالَ القارىء في المرقاة هذا دليل المختار مذهب أَنَّ الْمُؤَكَّدَةَ قَبْلَهَا أَرْبَعٌ انْتَهَى قُلْتُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ رَكْعَتَانِ وَالْكُلُّ ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ

باب ما جاء أن صلاة الليل مثنى مثنى

الصَّحِيحَةِ (وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ ثِنْتَيْنِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ يدخل فيصلي ركعتين وكان يصلي بالناس بالمغرب ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ وَيَدْخُلُ بَيْتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إِلَخْ قَالَ بن الْمَلَكِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ أَدَاءِ السُّنَّةِ فِي الْبَيْتِ قِيلَ فِي زَمَانِنَا إِظْهَارُ السُّنَّةِ الراتبة أولى ليعملها الناس انتهى قال القارىء أَيْ لِيَعْلَمُوا عَمَلَهَا أَوْ لِئَلَّا يَنْسُبُوهُ إِلَى الْبِدْعَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مُتَابَعَةَ السُّنَّةِ أَوْلَى مَعَ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ إِلَى غَيْرِ الْمَوْلَى قَوْلُهُ (وفي الباب عن علي وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 08 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى [437]) قَوْلُهُ (قَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) أي اثنين اثنين وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِتَكْرَارِ الْعَدْلِ قَالَهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَقَالَ آخَرُونَ الْعَدْلُ وَالْوَصْفُ وَأَمَّا إِعَادَةُ مثنى فللمبالغة في التأكيد وقد فسره بن عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ مَا مَعْنَى مَثْنَى مَثْنَى قَالَ تُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى مَثْنَى أَنْ يَتَشَهَّدَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ بِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَمَا فَسَّرَهُ بِهِ وَهُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الْفَهْمِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا إِنَّهَا مَثْنَى وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى تَعْيِينِ الْفَصْلِ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ الليل قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَهُوَ ظَاهِرُ السِّيَاقِ لِحَصْرِ الْمُبْتَدَأِ فِي الْخَبَرِ وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لِبَيَانِ الْأَفْضَلِ لِمَا صَحَّ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِهِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ أَيْضًا كَوْنُهُ كَذَلِكَ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْإِرْشَادِ إِلَى الْأَخَفِّ إِذِ السَّلَامُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَخَفُّ عَلَى الْمُصَلِّي مِنْ

الْأَرْبَعِ فَمَا فَوْقَهَا لِمَا فِيهِ مِنَ الرَّاحَةِ غَالِبًا وَقَضَاءِ مَا يَعْرِضُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ وَقَالَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ الَّذِي أَخْتَارُهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِنْ صَلَّى بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَلَا بَأْسَ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ نَحْوَهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ قَالَ وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي آخِرِهَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوَصْلِ إِلَّا أَنَّا نَخْتَارُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِكَوْنِهِ أَجَابَ بِهِ السَّائِلَ وَلِكَوْنِ أَحَادِيثِ الْفَصْلِ أَثْبَتُ وَأَكْثَرُ طُرُقًا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا وَاسْتَدَلُّوا بِمَفْهُومِ حَدِيثِ الباب وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الرَّاجِحِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْأَخْذِ بِهِ فَلَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي أَرْبَعٍ وَبِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقُيِّدَ الْجَوَابُ بِذَلِكَ مُطَابَقَةً لِلسُّؤَالِ وبأنه قد تبين من رواية أخرى أنه حُكْمَ الْمَسْكُوتِ عَنْهُ الْمَنْطُوقُ بِهِ فَفِي السُّنَنِ وصححه بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ عَنِ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا الْأَخِيرُ بِأَنَّ أَكْثَرَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَعَلُّوا هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ وَالنَّهَارِ بِأَنَّ الحفاظ من أصحاب بن عمر لَمْ يَذْكُرُوهَا عَنْهُ وَحَكَمَ النَّسَائِيُّ عَلَى رَاوِيهَا بِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهَا وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ مَنْ عَلِيٌّ الْأَزْدِيُّ حَتَّى أَقْبَلَ مِنْهُ وَادَّعَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ نَافِعٍ أن بن عُمَرَ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ وَلَوْ كَانَ حَدِيثُ الْأَزْدِيِّ صَحِيحًا لَمَا خالفه بن عُمَرَ يَعْنِي مَعَ شِدَّةِ اتِّبَاعِهِ رَوَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي سُؤَالَاتِهِ لَكِنْ رَوَى بن وهب بإسناد قوى عن بن عُمَرَ قَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى موقوف أخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ فَلَعَلَّ الْأَزْدِيَّ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ الْمَوْقُوفُ بِالْمَرْفُوعِ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةً عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِي الصَّحِيحِ أن لا يكون شاذا وقد روى بن أبي شيبة من وجه اخر عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا وهذا موافق لما نقله بن مَعِينٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي 534 قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن عمرو بن عنبسة) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ مَفْتُوحَاتٍ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ بَعْدَ أُحُدٍ ثُمَّ نزل الشام وأخرج حديثه بن نَصْرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَجَوْفُ اللَّيْلِ أَحَقُّ بِهِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَفِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ مريم ضعيف قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب ما جاء في فضل صلاة الليل

209 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ صَلَاةِ اللَّيْلِ [438]) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) اسْمُهُ جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ الْيَشْكُرِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) ثِقَةٌ فَقِيهٌ قَوْلُهُ (شَهْرُ اللَّهِ) صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ وَالْإِضَافَةُ لِلتَّعْظِيمِ (الْمُحَرَّمُ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ الْمُضَافِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَرَادَ بِصِيَامِ شَهْرِ اللَّهِ صيام يوم عاشوراء قال القارىء الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ جَمِيعُ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ وَفِي خَبَرِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ صُمْ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَاتْرُكْ صُمْ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَاتْرُكْ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ القارىء (وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْحَدِيثُ حُجَّةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْفَرَائِضَ وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الرَّوَاتِبُ أَفْضَلُ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَأَوْفَقُ لِنَصِّ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَلَعَمْرِي إِنَّ صَلَاةَ التَّهَجُّدِ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَضْلٌ سِوَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مقاما محمودا وقوله تعالى (تتجافى جنوبهم عن المضاجع إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قرة أعين) وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْآيَاتِ لَكَفَاهُ مَزِيَّةً انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَبِلَالٍ وَأَبِي أُمَامَةَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ إِنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ بِلَالٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي كِتَابِ التَّرْغِيبِ

باب ما جاء في وصف صلاة النبي

قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ وأبو داود والنسائي وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ قَوْلُهُ (وَهُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَثْقِيلِ التَّحْتَانِيَّةِ كَذَا ضَبَطَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ 10 - (بَاب مَا جَاءَ فِي وَصْفِ صَلَاةِ النَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ [439] قَوْلُهُ (يُصَلِّي أَرْبَعًا) يُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُتَّصِلَاتٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ ويحتمل أنها مُفَصَّلَاتٌ وَهُوَ بَعِيدٌ إِلَّا أَنَّهُ يُوَافِقُ حَدِيثَ صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى قَالَهُ صَاحِبُ السُّبُلِ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ نَهَتْ عَنْ سُؤَالِ ذَلِكَ إِمَّا لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ الْمُخَاطَبُ عَلَى مِثْلِهِ فَأَيُّ حَاجَةٍ لَهُ فِي السُّؤَالِ أَوْ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ حُسْنَهُنَّ وَطُولَهُنَّ لِشُهْرَتِهِ فَلَا يَسْأَلُ عَنْهُ أَوْ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تَصِفَ ذَلِكَ (ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا) الظَّاهِرُ أَنَّهَا مُفَصَّلَاتٌ (أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ) كَأَنَّهُ كَانَ يَنَامُ بَعْدَ الْأَرْبَعِ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي الثَّلَاثَ وَكَأَنَّهُ كَانَ قد تقرر عند عائشة أن النوم ناقص (إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ انْتَهَى وَقَالَ الحافظ في التلخيص لا ينتقض وضوؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّوْمِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ عَيْنَيَّ تنامان ولا ينام قلبي وعن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وفي البخاري

في حديث الْإِسْرَاءِ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ أَنَسٍ وَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنَهُمْ وَلَا تَنَامُ قُلُوبُهُمْ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ يَعْنِي لَيْلَةَ التَّعْرِيسِ مَعَ قَوْلِهِ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا يُدْرِكُ الْحِسِّيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ كَالْحَدَثِ وَالْأَلَمِ وَنَحْوِهِمَا وَلَا يُدْرِكُ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَغَيْرَهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَإِنَّمَا يُدْرَكُ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ وَالْعَيْنُ نَائِمَةٌ وَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ يَقْظَانَ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَالَانِ أَحَدُهُمَا يَنَامُ فِيهِ الْقَلْبُ وَصَادَفَ هَذَا الْمَوْضِعَ وَالثَّانِي لَا يَنَامُ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [440] قَوْلُهُ (يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ إِحْدَى عشرة ركعة يوتر بها مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يُصَلِّي مَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَهِيَ الَّتِي يَدْعُونَ النَّاسُ الْعَتَمَةَ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ إِلَى أَنْ يَنْصَدِعَ الْفَجْرُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ بين كل اثنتين ويوتر بواحدة وكان يمكث فِي سُجُودِهِ بِقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ مِنْكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ وَيَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ وَفِي أُخْرَى كَانَ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ انْتَهَى [441] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ متفق عليه

211 - بَاب مِنْهُ [442] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ اسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ الضُّبَعِيُّ نَزِيلُ خُرَاسَانَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً) وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ عن مخرمة عن كريب أن بن عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَاتَ لَيْلَةً عِنْدَ مَيْمُونَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَوْتَرَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ بِإِسْنَادِهِ وَفِيهِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَوْتَرَ فَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِإِسْنَادِهِ وَفِيهِ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى جَنْبِهِ فَصَلَّى الْعَتَمَةَ ثُمَّ صَلَّى ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَجْدَةً قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَامَ فَصَلَّى فَتَتَامَّتْ صَلَاتُهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً إِلَخْ 12 - بَاب مِنْهُ [443] قَوْلُهُ (يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ تِسْعَ رَكَعَاتٍ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَتَى شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ

وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَحْدَهُ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثم يسلم تسليمة يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ فَلَمَّا أَسَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم وأخذ اللحم أوتر بسبع وصنع الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الْأَوَّلِ فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيَّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَالْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ لَأَرْمُقَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّيْلَةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ أَوْتَرَ فَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي التَّخَشُّعِ فِي الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ في صحيحه عن سعد بن هشام حدثنا طَوِيلًا وَفِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا ثُمَّ يُصَلِّي ركعتين بعد ما يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ فَلَمَّا أَسَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الْأَوَّلِ فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيَّ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَ رَكْعَةً مَعَ الوتر) كما عرفت في حديث بن عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ (وَأَقَلُّ مَا وُصِفَ مِنْ صَلَاتِهِ مِنَ اللَّيْلِ تِسْعُ رَكَعَاتٍ بَلْ سَبْعُ رَكَعَاتٍ كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ) فَلَمَّا أَسَنَّ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وأخذ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ فَقَالَتْ سَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ سِوَى رَكْعَتَيِ الفجر

[445] قَوْلُهُ (إِذَا لَمْ يُصَلِّ مِنَ اللَّيْلِ مَنَعَهُ نَوْمٌ أَوْ غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وكان إذا غلبه النوم أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ (صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً) أَيْ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كَمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَقَرَأَهُ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الظُّهْرِ كُتِبَ لَهُ كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْأَوْرَادِ وأنها إذا فاتت تقصى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي ضِمْنِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَوْلُهُ (كَانَ زُرَارَةُ بْنُ أَوْفَى قَاضِي الْبَصْرَةِ) هُوَ مِنْ أَوْسَاطِ التابعين ثقة عابد (فكان يوم بَنِي قُشَيْرٍ) وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَهُوَ يَؤُمُّ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ (فَقَرَأَ يَوْمًا) فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ (فَإِذَا نقر في الناقور) أَيْ نُفِخَ فِي الصُّورِ وَبَعْدَهُ فَذَلِكَ يَوْمئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يسير (خرميتا) وكذلك وقع الاخرين أَنَّهُمْ مَاتُوا لِسَمَاعِ بَعْضِ آيَاتِ الْقُرْآنِ فَفِي قيام الليل وصلى خُلَيْدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَرَأَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت فَرَدَّدَهَا مِرَارًا فَنَادَاهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ كَمْ تُرَدِّدُ هَذِهِ الْآيَةَ فَلَقَدْ قَتَلْتَ بِهَا أَرْبَعَةَ نفر من الجن لم يرفعوا رؤوسهم إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَاتُوا مِنْ تَرْدَادِكَ هَذِهِ الْآيَةَ فَوَلِهَ خُلَيْدٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَهًا شَدِيدًا حَتَّى أَنْكَرَهُ أَهْلُهُ كَأَنَّهُ لَيْسَ الَّذِي كَانَ وَسَمِعَ آخَرُ قَارِئًا يَقْرَأُ (وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مولاهم الحق) الْآيَةَ فَصَرَخَ وَاضْطَرَبَ حَتَّى مَاتَ وَسَمِعَ آخَرُ قَارِئًا يَقْرَأُ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا الناس والحجارة فَمَاتَ لِأَنَّ مَرَارَتَهُ تَفَطَّرَتْ وَقِيلَ لِفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ مَا سَبَبُ مَوْتِ ابْنِكَ قَالَ بَاتَ يَتْلُو الْقُرْآنَ فِي مِحْرَابِهِ فَأَصْبَحَ مَيِّتًا

باب في نزول الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا

213 - (بَابٌ فِي نُزُولِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا) في كُلَّ لَيْلَةٍ [446] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْإسْكَنْدرانِيُّ) ثِقَةٌ قَوْلُهُ (يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ) قَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى النُّزُولِ عَلَى أَقْوَالٍ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَهُمُ الْمُشَبِّهَةُ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ صِحَّةَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ جُمْلَةً وَهُمُ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَهُوَ مُكَابَرَةٌ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَاهُ عَلَى مَا وَرَدَ مُؤْمِنًا بِهِ عَلَى طَرِيقِ الْإِجْمَالِ مُنَزِّهًا اللَّهَ تَعَالَى عَنِ الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ وَهُمْ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَالسُّفْيَانَيْنِ وَالْحَمَّادَيْنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْحَقُّ فَعَلَيْكَ اتِّبَاعَ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ التَّأْوِيلِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (حِينَ يَمْضِي ثُلُثُ اللَّيْلِ الأول) بالرفع صفة ثلث (من الَّذِي يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ) بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ وَالرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَأُعْطِيَهُ وَفَأَغْفِرَ لَهُ وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فيضاعفه له الْآيَةَ وَلَيْسَتِ السِّينُ فِي أَسْتَجِيبُ لِلطَّلَبِ بَلْ أَسْتَجِيبُ بِمَعْنَى أُجِيبُ (حَتَّى يُضِيءَ الْفَجْرُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ وَالْمَعْنَى حَتَّى يَطْلُعَ وَيَظْهَرَ الْفَجْرُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَرِفَاعَةَ الجهني وجبير بن مطعم وبن

مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ) أما حديث علي وبن مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَرِفَاعَةَ الْجُهَنِيِّ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَوْجُهٍ كَثِيرَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يَنْزِلُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ وَهَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ) بِرَفْعِ الْآخِرُ لِأَنَّهُ صِفَةُ الثُّلُثِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ وَهَذَا أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ مَا لَفْظُهُ وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمُخَالِفَةَ لَهُ اخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى رُوَاتِهَا وَسَلَكَ بَعْضُهُمْ طَرِيقَ الْجَمْعِ وَذَلِكَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ انْحَصَرَتْ فِي سِتَّةِ أَشْيَاءَ أَوَّلُهَا هَذِهِ يَعْنِي حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ ثانيها إذا مضى الثُّلُثُ الْأَوَّلُ أَوِ النِّصْفُ رَابِعُهَا النِّصْفُ خَامِسُهَا النِّصْفُ أَوِ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ سَادِسُهَا الْإِطْلَاقُ فَأَمَّا الرِّوَايَاتُ الْمُطْلَقَةُ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ وَأَمَّا الَّتِي بِأَوْ فَإِنْ كَانَتْ أَوْ لِلشَّكِّ فَالْمَجْزُومُ بِهِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْكُوكِ فِيهِ وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّرَدُّدِ بَيْنَ حَالَيْنِ فَيُجْمَعُ بِذَلِكَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ لِكَوْنِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ تَخْتَلِفُ فِي الزَّمَانِ وَفِي الْآفَاقِ بِاخْتِلَافِ تَقَدُّمِ دُخُولِ اللَّيْلِ عِنْدَ قَوْمٍ وَتَأَخُّرِهِ عِنْدَ قَوْمٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ يَقَعُ فِي الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَالْقَوْلُ يَقَعُ فِي النِّصْفِ وَالثُّلُثِ الثَّانِي وَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ بِهَا الْأَخْبَارُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْلِمَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ فِي وَقْتٍ فَأَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ أُعْلِمَ بِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَأَخْبَرَ بِهِ فَنَقَلَ الصَّحَابَةُ ذَلِكَ عَنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

باب ما جاء في القراءة الليل

214 - (باب ما جاء في القراءة اللَّيْلِ [447]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ) البجلي أبو زكريا السيلحيني البغدادي قال بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً حَافِظًا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رباح الأنصاري المدني أبي خالد مسكن الْبَصْرَةَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَتَلَهُ الْأَزَارِقَةُ قَوْلُهُ (قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ مَرَرْتُ بِكَ) وَفِي رِوَايَةِ أبي داود رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لَيْلَةً فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ يُصَلِّي يَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ وَمَرَّ بِعُمَرَ وَهُوَ يُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَهُ قَالَ فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَرَرْتُ بِكَ إِلَخْ (وَأَنْتَ تَقْرَأُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (وَأَنْتَ تَخْفِضُ) ضِدُّ الرَّفْعِ (فَقَالَ إِنِّي أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ) جَوَابٌ مُتَضَمِّنٌ لِعِلَّةِ الْخَفْضِ أَيْ أَنَا أُنَاجِي رَبِّي وَهُوَ يَسْمَعُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى رَفْعِ الصَّوْتِ (فَقَالَ إِنِّي أُوقِظُ) أَيْ أُنَبِّهُ (الْوَسْنَانَ) أَيِ النَّائِمَ الَّذِي لَيْسَ بِمُسْتَغْرِقٍ فِي نَوْمِهِ (وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ) أَيْ أُبْعِدُهُ (قَالَ ارْفَعْ قَلِيلًا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ارْفَعْ من صوتك شيئا (قال اخفض قلي) أَيِ اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عائشة وأم هانيء وأنس وأم سلمة وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أم هانيء فَأَخْرَجَهُ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِلَفْظِ قَالَتْ كُنْتُ أَسْمَعُ قِرَاءَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَا عَلَى عَرِيشِ أَهْلِي وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَفِيهِ كَانَ يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى ثُمَّ يُصَلِّي قَدْرَ مَا نَامَ ثُمَّ يَنَامُ قَدْرَ مَا صَلَّى حَتَّى يُصْبِحَ ثُمَّ نَعَتَتْ قِرَاءَتَهُ فَإِذَا هِيَ تَنْعَتُ قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ قَالَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَدْرِ مَا يَسْمَعُهُ مَنْ فِي الْحُجْرَةِ وَهُوَ فِي الْبَيْتِ وَفِي قِيَامِ اللَّيْلِ لِمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ سُئِلَ بن عَبَّاسٍ عَنْ جَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِرَاءَةِ بِاللَّيْلِ فَقَالَ كَانَ يَقْرَأُ فِي حُجْرَتِهِ قِرَاءَةً لَوْ أَرَادَ حَافِظٌ أَنْ يَحْفَظَهَا فَعَلَ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَرْجَمَتِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيِّ الْبَصْرِيِّ الْقَاضِي ثِقَةٌ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَيْلَةً وَالظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنك أنت العزيز الحكيم فروى النسائي وبن مَاجَهْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ بِآيَةٍ وَالْآيَةُ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنك أنت العزيز الحكيم ورواه محمد بن نصر ف ي قِيَامِ اللَّيْلِ مُطَوَّلًا وَفِيهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ يَتْلُو آيَةً وَاحِدَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِهَا يَرْكَعُ وَبِهَا يَسْجُدُ وَبِهَا يَدْعُو إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الحكيم الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ قُمْتُ اللَّيْلَةَ بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ بِهَا تَرْكَعُ وَبِهَا تَسْجُدُ وَبِهَا تَدْعُو وَقَدْ عَلَّمَكَ اللَّهُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ قَالَ إِنِّي دَعَوْتُ لِأُمَّتِي قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَى حَالِهِ [449] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ) النَصْرِيِّ بِالنُّونِ هُوَ أَبُو الْأَسْوَدِ الْحِمْصِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّيْلِ) أَيْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِالسِّرِّ أَوْ بِالْجَهْرِ (رُبَّمَا أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ وَرُبَّمَا جَهَرَ) بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَهْرَ وَالْإِسْرَارَ جَائِزَانِ فِي قِرَاءَةِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الْمَذْكُورُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ التَّوَسُّطُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِي النَّيْلِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ (حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ (وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا هُوَ الْبَجَلِيُّ السَّيْلَحِينِيُّ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صحيحه انتهى [448] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ) لَمْ أَقِفْ عَلَى تَرْجَمَتِهِ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيِّ) الْبَصْرِيِّ الْقَاضِي ثِقَةٌ (قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ لَيْلَةً) وَالظَّاهِرُ أَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ إِنْ

باب ما جاء في فضل صلاة التطوع في البيت

تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أنت العزيز الحكيم فروى النسائي وبن مَاجَهْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ باية وا ية إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنك أنت العزيز الحكيم وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مطو وَفِيهِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ يَتْلُو آيَةً وَاحِدَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ بِهَا يَرْكَعُ وَبِهَا يَسْجُدُ وَبِهَا يَدْعُو (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنك أنت العزيز الحكيم) الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ قُمْتُ اللَّيْلَةَ بِآيَةٍ وَاحِدَةٍ بِهَا تَرْكَعُ وَبِهَا تَسْجُدُ وَبِهَا تَدْعُو وَقَدْ عَلَّمَكَ اللَّهُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ قَالَ إِنِّي دَعَوْتُ لِأُمَّتِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) فِي إِسْنَادِهِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَى حاله 15 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي الْبَيْتِ [450]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ) الْفَزَارِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قُلْتُ هُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وثقه بن مَعِينٍ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا (عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ) هُوَ سَالِمُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَكَانَ يُرْسِلُ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ السِّتَّةِ (عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وسكون السين المدني العابد مولى بن الْحَضْرَمِيِّ ثِقَةٌ جَلِيلٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ قَالَ مَالِكٌ مَاتَ وَلَمْ يُخَلِّفْ كَفَنًا قَوْلُهُ (أَفْضَلُ صَلَاتِكُمْ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ فِي بُيُوتِكُمْ وَهَذَا عَامٌّ لِجَمِيعِ النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ إِلَّا النَّوَافِلَ الَّتِي مِنْ شِعَارِ الْإِسْلَامِ كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ (إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ) أَيِ الْمَفْرُوضَةَ فَإِنَّهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تُشْرَعُ لَهَا فَهِيَ بِمَحِلِّهَا أفضل

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هريرة وبن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا قَضَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيبًا مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا وَأَمَّا حديث أبي سعيد فأخرجه بن مَاجَهْ مِثْلَ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَفِرُّ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَجْعَلُوهَا عَلَيْكُمْ قُبُورًا وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الله بن سعد فأخرجه بن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَلَفْظُهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا أَفْضَلُ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِي أَوِ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ أَلَا تَرَى إِلَى بَيْتِي مَا أَقْرَبَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ فَلَأَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَلَاةً مَكْتُوبَةً وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا قال الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قال بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِهِ بِلَفْظِ أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ رواه الجماعة إلا بن مَاجَهْ [451] قَوْلُهُ (صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ) أَيِ النَّوَافِلَ وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ

صَلَاتِكُمْ (وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا) أَيْ لَا تَكُونُوا كَالْمَوْتَى الَّذِينَ لَا يُصَلُّونَ فِي بُيُوتِهِمْ وَهِيَ الْقُبُورُ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ فِي بَيْتِهِ جَعَلَ نَفْسَهُ كَالْمَيِّتِ وَبَيْتَهُ كَالْقَبْرِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ كَمَثَلِ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَدْفِنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ فَقَدْ دُفِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ الَّذِي كَانَ يَسْكُنُهُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ مُتَعَقِّبًا عَلَيْهِ لَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الأنبياء يدفنون حيث يموتون قول (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

3 - أبواب الوتر

3 - أَبْوَابُ الْوِتْرِ (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْوِتْرِ [452]) قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ) الْمُضَرِيِّ أَبِي رَجَاءٍ وَاسْمُ أَبِيهِ سُوَيْدٌ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَاشِدٍ الزَّوْفِيِّ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبِفَاءٍ الْحَافِظُ مَسْتُورٌ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ وَثَّقَهُ بن حِبَّانَ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ الزَّوْفِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بِحَدِيثِ الْوِتْرِ رَوَاهُ عَنْهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ وَخَالِدُ بْنُ يَزِيدَ لا يعرف سماعه من بن أَبِي مُرَّةَ قُلْتُ وَلَا هُوَ بِالْمَعْرُوفِ وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ الزَّوْفِيِّ) صَدُوقٌ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ خَارِجَةَ مُنْقَطِعَةٌ قَالَهُ الحافظ وقال الخزرجي في الخلاصة قال بن حِبَّانَ خَبَرُهُ بَاطِلٌ وَالْإِسْنَادُ مُنْقَطِعٌ انْتَهَى وَالْمُرَادُ بِخَبَرِهِ حَدِيثُ الْوِتْرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّهْذِيبِ (عَنْ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ) هُوَ صَحَابِيٌّ سَكَنَ مِصْرَ كَانَ أَحَدَ فُرْسَانِ قُرَيْشٍ يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ يُعْدَلُ بِأَلْفِ فَارِسٍ وَعِدَادُهُ فِي أَهْلِ مِصْرَ وَهُوَ الَّذِي قَتَلَهُ الْخَارِجِيُّ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَالْخَارِجِيُّ هُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ اتَّفَقُوا عَلَى قَتْلِ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَتَوَجَّهَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ فَنَفَذَ قَضَاءُ اللَّهِ فِي عَلِيٍّ دُونَهُمَا وَكَانَ قَتْلُ خَارِجَةَ فِي سَنَةِ أَرْبَعِينَ قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ زَادَكُمْ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبِحَارِ هُوَ مِنْ أَمَدَّ الْجَيْشَ إِذَا أَلْحَقَ بِهِ مَا يُقَوِّيهِ أَيْ فَرَضَ عَلَيْكُمُ الْفَرَائِضَ

لِيُؤْجِرَكُمْ بِهَا وَلَمْ يَكْتَفِ بِهِ فَشَرَعَ صَلَاةَ التَّهَجُّدِ وَالْوِتْرِ لِيَزِيدَكُمْ إِحْسَانًا عَلَى إِحْسَانٍ انْتَهَى وقال القارىء وغيره أي جعلها زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ مِنْ مَدَّ الْجَيْشَ وَأَمَدَّهُ أَيْ زَادَ وَالْأَصْلُ فِي الْمَزِيدِ أَنْ يكون من جنس الْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ الْوِتْرُ وَاجِبًا انْتَهَى قُلْتُ (اسْتَدَلَّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى وُجُوبِ الْوِتْرِ بِهَذَا التَّقْرِيرِ) وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ حيث قال فيه به احتج علماء وَأَبُو حَنِيفَةَ فَقَالُوا إِنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ وَهَذِهِ دَعْوَى بَلِ الزِّيَادَةُ تَكُونُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَزِيدِ كَمَا لَوِ ابْتَاعَ بِدِرْهَمٍ فَلَمَّا قَضَاهُ زَادَهُ ثَمَنًا أَوْ رُبْعًا إِحْسَانًا كَزِيَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجَابِرٍ فِي ثَمَنِ الْجَمَلِ فَإِنَّهَا زِيَادَةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ يَتَعَلَّلُونَ بِهِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كما قال بن الْعَرَبِيِّ لَا شَكَّ فِي أَنَّ قَوْلَهُمْ إِنَّ الزِّيَادَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ مجرد دعوى لا دليل عليها بل يردها مَا ذَكَرَهُ هُوَ بِقَوْلِهِ كَمَا لَوِ ابْتَاعَ بِدِرْهَمٍ إِلَخْ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ زَادَكُمْ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الْوِتْرِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُزَادُ مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ فَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفْعَهُ إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً إِلَى صَلَاتِكُمْ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ أَلَا وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَنُقِلَ عن بن خزيمة أنه قال لو أمكني لَرَحَّلْتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَابِ الْآتِي (هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ جَمْعُ أَحْمَرَ وَالنَّعَمُ الْإِبِلُ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تَرْغِيبًا لِلْعَرَبِ فِيهَا لِأَنَّ حُمْرَ النَّعَمِ أَعَزُّ الْأَمْوَالِ عِنْدَهُمْ فَكَانَتْ كِنَايَةً عَنْ أَنَّهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا كُلِّهَا لِأَنَّهَا ذَخِيرَةُ الْآخِرَةِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (الْوِتْرِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ صَلَاةٍ بَدَلُ الْمَعْرِفَةِ مِنَ النَّكِرَةِ وَبِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ الْوِتْرُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَبُرَيْدَةَ وَأَبِي بَصْرَةَ صَاحِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ بِلَفْظِ إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ أَحْمَدَ وبن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا وَفِي إِسْنَادِهِ الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ قَالَ فِيهِ أَبُو زُرْعَةَ شَيْخٌ صَالِحٌ وَضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً فَحَافِظُوا عَلَيْهَا وَهِيَ الْوِتْرُ وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ الْوِتْرُ حَقٌّ

باب ما جاء أن الوتر ليس بحتم

فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أبو المنيب العتكي المروزي وقد وثقه بن مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ صَالِحُ الْحَدِيثِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا فِي مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ فَحَافِظُوا عَلَيْهَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ لِتَفَرُّدِ التَّابِعِيِّ عن الصحابي ورواه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَنُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِ هَؤُلَاءِ عَنْ بَعْضٍ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ الزَّوْفِيِّ عَنْ خَارِجَةَ منقطعة وقال بن حِبَّانَ خَبَرُهُ بَاطِلٌ وَالْإِسْنَادُ مُنْقَطِعٌ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ لَيْسَ لِعَبْدِ اللَّهِ الزَّوْفِيِّ وَلَا لِشَيْخِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُرَّةَ وَلِشَيْخِهِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ يَعْنِي أَبَا دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيَّ وبن مَاجَهْ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ وَلَيْسَ لَهُمْ رِوَايَةٌ فِي بَقِيَّةِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ انْتَهَى 333333333 333 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِحَتْمٍ [453]) أَيْ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ وَاجِبٍ بَلْ سُنَّةٌ وَخَالَفَهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ إِنَّهُ وَاجِبٌ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ فرض قال الحافظ بن حجر وقد بالغ أبو حامد فَادَّعَى أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ انْفَرَدَ بِوُجُوبِ الْوِتْرِ ولم يوافقه صاحباه مع أن بن أَبِي شَيْبَةَ أَخْرَجَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَالضَّحَّاكِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَهُ عَنْ مجاهد الوتر واجب ولم يثبت ونقله بن الْعَرَبِيِّ عَنْ أَصْبَغَ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ وَوَافَقَهُ سَحْنُونٌ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ مَنْ تَرَكَهُ أُدِّبَ وَكَانَ جُرْحَةً فِي شَهَادَتِهِ انْتَهَى

قَوْلُهُ (الْوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحَتْمُ اللَّازِمُ الْوَاجِبُ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ انْتَهَى (وَلَكِنْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ جَعَلَهُ مَسْنُونًا غَيْرَ حَتْمٍ (إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْوِتْرُ الْفَرْدُ وَتُكْسَرُ وَاوُهُ وَتُفْتَحُ فَاللَّهُ وَاحِدٌ فِي ذَاتِهِ لَا يَقْبَلُ الِانْقِسَامَ وَالتَّجْزِئَةَ وَاحِدٌ فِي صِفَاتِهِ فَلَا شِبْهَ لَهُ وَلَا مِثْلَ وَاحِدٌ فِي أَفْعَالِهِ فَلَا شَرِيكَ لَهُ وَلَا مُعِينَ (يُحِبُّ الْوِتْرَ) أَيْ يُثِيبُ عَلَيْهِ وَيَقْبَلُهُ مِنْ عَامِلِهِ قَالَ الْقَاضِي كُلُّ مَا يُنَاسِبُ الشَّيْءَ أَدْنَى مُنَاسَبَةٍ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا لَمْ يَكُنْ لَهُ تِلْكَ الْمُنَاسَبَةُ (فَأَوْتِرُوا) أَمْرٌ بِصَلَاةِ الْوِتْرِ وَهُوَ أَنْ يُصَلِّيَ مَثْنَى مَثْنَى ثُمَّ يُصَلِّيَ فِي آخِرِهَا رَكْعَةً مُفْرَدَةً أَوْ يُضِيفَهَا إِلَى مَا قَبْلَهَا مِنَ الرَّكَعَاتِ كَذَا في النهاية قال بن الْمَلَكِ الْفَاءُ تُؤْذِنُ بِشَرْطٍ مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قَالَ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا انْتَهَى (يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ) أَيْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِهِ فَإِنَّ الْأَهْلِيَّةَ عَامَّةٌ لِمَنْ آمَنَ به سواء قرأ أم لم يقرأ وإن كَانَ الْأَكْمَلُ مِنْهُمْ مَنْ قَرَأَ وَحَفِظَ وَعَلِمَ وَعَمِلَ شَامِلَةٌ مِمَّنْ تَوَلَّى قِيَامَ تِلَاوَتِهِ وَمُرَاعَاةَ حدوده وأحكامه قوله (وفي الباب عن بن عمر وبن مسعود وبن عباس) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بَلَاغًا أَنَّ رجلا سأل بن عُمَرَ عَنِ الْوِتْرِ أَوَاجِبٌ هُوَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يُرَدِّدُ عَلَيْهِ وَعَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَوْتَرَ الْمُسْلِمُونَ وَأَمَّا حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ فَأَوْتِرُوا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَتْ لَكَ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ وَفِي رِوَايَةٍ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ لست من أهله وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ النَّحْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى هَذَا لَفْظُ أَحْمَدَ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ قَالَ الْوِتْرُ حَسَنٌ جَمِيلٌ عَمِلَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ

اعْلَمْ أَنَّ الْجُمْهُورَ قَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى عَدَمِ وجوب الوتر بأحاديث الباب وبحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ عَلَى بَعِيرِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْفَرِيضَةَ لَا تُصَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ وَرَوَى مسلم عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ وَبِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُدْعَى الْمُخْدَجِيَّ سَمِعَ رَجُلًا بِالشَّامِ يُدْعَى أَبَا مُحَمَّدٍ يَقُولُ إِنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ قَالَ فَرُحْتُ إِلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ عُبَادَةُ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ وَقَدْ عَقَدَ الْحَافِظُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ قِيَامِ اللَّيْلِ بَابًا بِلَفْظِ بَابُ الْأَخْبَارِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ وَذَكَرَ فِيهَا أَحَادِيثَ وَآثَارًا كَثِيرَةً مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ وَاسْتَدَلَّ من قال بوجوب الوتر بحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَكَذَا آخِرُهُ وَبِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ جَعْلِ آخِرِ صَلَاةٍ بِاللَّيْلِ وِتْرًا لَا عَلَى وُجُوبِ نَفْسِ الْوِتْرِ وَالْمَطْلُوبُ هذا لاذا فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْوِتْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْإِيتَارِ قَبْلَ الْإِصْبَاحِ لَا عَلَى وُجُوبِ نَفْسِ الْإِيتَارِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي سَنَدِهِ أَبُو الْمُنِيبِ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ قَبُولِهِ فَيَحْتَاجُ مَنِ احْتَجَّ بِهِ إِلَى أَنْ يُثْبِتَ أَنَّ لَفْظَ حَقٌّ بِمَعْنَى وَاجِبٌ فِي عُرْفِ الشَّارِعِ وَأَنَّ لَفْظَ وَاجِبٌ بِمَعْنًى مَا ثَبَتَ مِنْ طَرِيقِ الْآحَادِ انْتَهَى وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ الْوِتْرُ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ فَضْلِ الْوِتْرِ وَقَدْ عَرَفْتَ هُنَاكَ الْجَوَابَ عَنْهُ قَالَ بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثِ الْقَائِلِينَ بِوُجُوبِ الْوِتْرِ مَا لَفْظُهُ وَأَحَادِيثُهُمْ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهَا ثُمَّ إِنَّ الْمُرَادَ بِهَا تَأْكِيدُهُ وَفَضِيلَتُهُ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَذَلِكَ حَقٌّ وَزِيَادَةُ الصَّلَاةِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ سُنَّةً وَالتَّوَعُّدُ عَلَى تَرْكِهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَأْكِيدِهِ كَقَوْلِهِ مَنْ أَكَلَ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ فَلَا يَقْرَبَنْ مَسْجِدَنَا انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى الْوُجُوبِ وَالْأَحَادِيثِ

باب ما جاء في كراهية النوم قبل الوتر

الَّتِي تَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ مَا لَفْظُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ كَقَوْلِهِ فَلَيْسَ مِنَّا وَقَوْلُهُ الْوِتْرُ حَقٌّ وَقَوْلُهُ أَوْتِرُوا وَحَافِظُوا وَقَوْلُهُ الْوِتْرُ وَاجِبٌ وَفِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَهُوَ بَقِيَّةُ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَتَكُونُ صَارِفَةً لِمَا يُشْعِرُ بِالْوُجُوبِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْوِتْرِ وَاجِبٌ فَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَكَانَ مُشْكِلًا لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْوُجُوبِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مَصْرُوفٌ إِلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْأَلْفَاظِ الْمُشْعِرَةِ بِالْوُجُوبِ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ الْوِتْرُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عن بن مَسْعُودٍ وَفِي إِسْنَادِهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ فَهُوَ ضَعِيفٌ ثُمَّ التَّصْرِيحُ بِالْوُجُوبِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مَصْرُوفٌ إِلَى غَيْرِهِ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ ثُمَّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَمِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إِلَّا أَنْ تطوع وروى الشيخان أيضا من حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِأَنَّ بَعْثَ مُعَاذٍ كَانَ قَبْلَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَسِيرٍ انتهى قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وصححه الحاكم كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (بَاب مَا جَاءَ فِي كراهية النوم قبل الْوِتْرِ [455]) أَيْ لِمَنْ يَخْشَى أَنْ لَا يَسْتَيْقِظَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَوْلُهُ (عَنْ عِيسَى بْنِ أَبِي عَزَّةَ) بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَاسْمُهُ مساك الكوفي مولى

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الشَّعْبِيِّ رَوَى عَنِ بن عُمَرَ مَوْلَاهُ عَامِرٌ الشَّعْبِيُّ وَشُرَيْحٌ الْقَاضِي وَعَنْهُ إِسْرَائِيلُ وَغَيْرُهُ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالتَّقْرِيبِ (عَنْ أَبِي ثَوْرٍ الْأَزْدِيِّ) الْحُدَّانِيِّ الْكُوفِيِّ قِيلَ هُوَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَوْلُهُ (أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ) وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقَدُّمِ الْوِتْرِ عَلَى النَّوْمِ وَذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَثِقْ بِالِاسْتِيقَاظِ وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَرَدَ مِثْلُهَا لِأَبِي الدَّرْدَاءِ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَبِي ذَرٍّ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَبَدًا أَوْصَانِي بِصَلَاةِ الضُّحَى وَبِالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ وَبِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَيْضًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَى حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ من وجه اخر عنه باللفظ الَّذِي ذَكَرْنَا (وَأَبُو ثَوْرٍ الْأَزْدِيُّ اسْمُهُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) كَذَا جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّهُمَا وَاحِدٌ وَفَرَّقَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَةِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ النَّهْدِيِّ إِنَّهُ أَبُو ثَوْرٍ الْكُوفِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقِيلَ إِنَّهُ أَبُو ثَوْرٍ الْأَزْدِيُّ وَلَا يَصِحُّ انْتَهَى (وَقَدِ اخْتَارَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن بعدهم أَنْ لَا يَنَامَ الرَّجُلُ حَتَّى يُوتِرَ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمُ اخْتَارُوهُ لِمَنْ يَخْشَى أَنْ لَا يَسْتَيْقِظَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جابر

باب ما جاء في الوتر من أول الليل واخره

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ خَشِيَ مِنْكُمْ إِلَخْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ مَحْضُورَةٌ أَيْ تَحْضُرُهَا مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ (وَهِيَ) أَيْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ وَصِيَّةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْوِتْرِ قَبْلَ النَّوْمِ وَبَيْنَ قَوْلِ عَائِشَةَ وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لِإِرَادَةِ الِاحْتِيَاطِ وَالْآخَرَ لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ قُوَّةً كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ تَحْتَ حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَ الْوِتْرِ إِلَى آخِرِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ لِمَنْ وَثِقَ بِالِاسْتِيقَاظِ آخِرَ اللَّيْلِ وَأَنَّ مَنْ لَا يَثِقُ بِذَلِكَ فَالتَّقْدِيمُ لَهُ أَفْضَلُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ يُحْمَلُ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ عَلَى هَذَا التفصيل الصحيح الصريح انتهى (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَآخِرِهِ [456]) (أَخْبَرَنَا أَبُو حَصِينٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ) بتشديد المثلثة الأسدي مولاهم الكوفي المقرئ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ) أَيْ قَدْ أَوْتَرَ مِنْ كُلِّ أَجْزَاءِ اللَّيْلِ (أَوَّلِهِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ وَالْمُرَادُ بِأَوَّلِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ (فَانْتَهَى وِتْرُهُ حِينَ مَاتَ فِي وَجْهِ السَّحَرِ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ كَانَ آخِرُ أمر الإيثار فِي السَّحَرِ وَالْمُرَادُ بِهِ آخِرُ اللَّيْلِ كَمَا قَالَتْ فِي الرِّوَايَاتِ

باب ما جاء في الوتر بسبع

الْأُخْرَى فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْإِيتَارِ آخِرَ اللَّيْلِ وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَيْهِ قَالَ وَفِيهِ جَوَازُ الْإِيتَارِ فِي جَمِيعِ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ وَقْتِ الْوِتْرِ مَغِيبُ الشَّفَقِ بَعْدَ صَلَاةِ العشاء كذا نقله بن الْمُنْذِرِ لَكِنْ أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَدْخُلُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ قَالُوا وَيَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ فِيمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَبَانَ أَنَّهُ كَانَ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ ثُمَّ صَلَّى الْوِتْرَ مُتَطَهِّرًا أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ فَصَلَّى الْوِتْرَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ دُونَ الْأَوَّلِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وأبي قتادة) أما حديث علي فأخرجه بن مَاجَهْ بِنَحْوِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَأَوْسَطِهِ وَآخِرِهِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ بِسَبْعٍ [457]) قَوْلُهُ (عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ) الْعُرَنِيِّ الْكُوفِيِّ قِيلَ اسْمُ أَبِيهِ زَبَّانٌ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالْغُلُوِّ بِالتَّشَيُّعِ قَوْلُهُ (يُوتِرُ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ) أَيْ مَعَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ أَوْ مَعَ الرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ يَفْتَتِحُ بِهِمَا صَلَاةَ اللَّيْلِ كَمَا سَتَعْرِفُ (فَلَمَّا كَبِرَ) مِنْ بَابِ عَلِمَ يُسْتَعْمَلُ فِي كِبَرِ السِّنِّ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ مَا يُقْرَأُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنْهَا الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ كَانَتْ صَلَاتُهُ عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَظَاهِرُ رِوَايَةِ عَائِشَةَ الْأُولَى يُخَالِفُ رِوَايَتَهَا الثَّانِيَةَ قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَضَافَتْ إِلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ سُنَّةَ الْعِشَاءِ لِكَوْنِهِ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي بَيْتِهِ أَوْ مَا كَانَ يَفْتَتِحُ بِهِ صَلَاةَ اللَّيْلِ فَقَدْ ثَبَتَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْهَا أَنَّهُ كَانَ يَفْتَتِحُهَا بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا أَرْجَحُ فِي نَظَرِي لِأَنَّ رِوَايَةَ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا بِلَفْظِ مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ الْحَدِيثَ دَلَّتْ عَلَى الْحَصْرِ فِي إِحْدَى عَشْرَةَ جَاءَ فِي صِفَتِهَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ وَغَيْرِهِ يُصَلِّي أَرْبَعًا ثُمَّ أَرْبَعًا ثُمَّ ثَلَاثًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَتَعَرَّضْ لِلرَّكْعَتَيْنِ الْخَفِيفَتَيْنِ وَتَعَرَّضَتْ لَهُمَا فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِتْرُ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَتِسْعٍ وَسَبْعٍ وَخَمْسٍ وَثَلَاثٍ وَوَاحِدَةٍ) وَرَدَ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَمَا سَتَعْرِفُ (قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ (قَالَ إِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يصلي من الليل ثلاث عشرة مَعَ الْوِتْرِ فَنُسِبَتْ صَلَاةُ اللَّيْلِ إِلَى الْوِتْرِ) وَأَطْلَقَ عَلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ مَعَ الْوِتْرِ لَفْظَ الْوِتْرِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ يُوتِرُ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ أَيْ يُصَلِّي صَلَاةَ اللَّيْلِ مَعَ الْوِتْرِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً (وَروَى فِي ذَلِكَ

باب ما جاء في الوتر بخمس

حَدِيثًا عَنْ عَائِشَةَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ كَانَ يُوتِرُ بِأَرْبَعٍ وَثَلَاثٍ وَسِتٍّ وَثَلَاثٍ وَثَمَانٍ وَثَلَاثٍ وَعَشْرَةٍ وَثَلَاثٍ وَلَمْ يَكُنْ يُوتِرُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَلَا أَنْقَصَ مِنْ سَبْعٍ (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ بِخَمْسٍ [459]) قَوْلُهُ (لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ) أَيْ لَا يَجْلِسُ فِي رَكْعَةٍ مِنَ الرَّكَعَاتِ الْخَمْسِ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِيتَارِ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ بِقَعْدَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِتَعْيِينِ الثَّلَاثِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً بِرَكْعَتَيْهِ قَبْلَ الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً مِنَ اللَّيْلِ سِتٌّ مِنْهُنَّ مَثْنَى مَثْنَى وَيُوتِرُ بِخَمْسٍ لَا يَقْعُدُ فِيهِنَّ وَرَوَى أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ أَنْبِئِينِي عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يسمعنا ثم يصلي ركعتين بعد ما يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَتِلْكَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يَا بُنَيَّ فَلَمَّا أَسَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وَصَنَعَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَنِيعِهِ الْأَوَّلِ فَتِلْكَ تِسْعٌ يَا بُنَيَّ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ فَلَمَّا أَسَنَّ وَأَخَذَهُ اللَّحْمُ أَوْتَرَ بِسَبْعِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي السَّابِعَةِ فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ تَدُلَّانِ عَلَى إِثْبَاتِ الْقُعُودِ فِي السَّادِسَةِ فِي الْإِيتَارِ بِالسَّبْعِ وَالرِّوَايَتَانِ الْأُولَيَانِ تَدُلَّانِ عَلَى نَفْيِهِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ النَّفْيِ لِلْقُعُودِ فِي الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى الْقُعُودِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ التَّسْلِيمُ انْتَهَى

باب ما جاء في الوتر بثلاث

قُلْتُ الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَدْ يَقْعُدُ فِي السَّادِسَةِ فِي الْإِيتَارِ بِالسَّبْعِ وَقَدْ لَا يَقْعُدُ فِيهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ شَاءَ بِسَبْعٍ وَمَنْ شَاءَ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ وَقَدْ روى في الإيتار بسبع وبخمس أحاديث كثير فَمِنْهَا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ وَخَمْسٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ وَلَا كَلَامٍ أخرجه أحمد والنسائي وبن ماجه وعن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ ثُمَّ صَلَّى سَبْعًا أَوْ خَمْسًا لَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمُ الْوِتْرَ بِخَمْسٍ وَقَالُوا لَا يَجْلِسُ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ كَانَ يُوتِرُ بِخَمْسِ رَكَعَاتٍ لَا يَنْصَرِفُ فِيهَا أَيْ لَا يُسَلِّمُ وَقَالَ الشَّيْخُ سِرَاجٌ أَحْمَدُ السَّرْهَنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَبَعْضِ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ بثلاث [460]) قوله (عن الحارث) هو بن عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْوَرُ صَاحِبُ عَلِيٍّ أَحَدُ كِبَارِ الشيعة قال الشعبي وبن الْمَدِينِيِّ كَذَّابٌ قَوْلُهُ (يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِثَلَاثِ سُوَرٍ آخِرُهُنَّ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) زَادَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ قَالَ أَسْوَدُ بْنُ عامر شيخ أَحْمَدَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ وإنا أنزلناه في ليلة القدر وإذا

زلزلت الأرض) وفي الركعة الثانية (والعصر وإذا جاء نصر الله والفتح وإنا أعطيناك الكوثر) وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ (قُلْ يَا أَيُّهَا الكافرون وتبت يدا أبي لهب وقل هو الله أحد) كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وعائشة وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِيهِ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا الْحَدِيثَ وَلِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي الْإِيتَارِ بِثَلَاثٍ وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ ثُمَّ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الاتي وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ الأربعة إلا الترمذي وصححه بن حِبَّانَ وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ وَقْفَهُ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى أو قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد وفي رواية النسائي يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى وفي الركعة الثانية بقل يا أيها الكافرون وفي الثالثة بقل هو الله أحد (وَيُرْوَى أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَأَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ (هَكَذَا رَوَى بَعْضُهُمْ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبْزَى قَدْ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي صُحْبَتِهِ وَقَدِ اخْتَلَفُوا هَلْ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ وَكَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ رَجُلًا وَكَانَ عَلَى خُرَاسَانَ لِعَلِيٍّ انْتَهَى وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ صَحَابِيٌّ وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَاسِطَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ أَيْضًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَكِلَاهُمَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ انْتَهَى

قَوْلُهُ (قَالَ سُفْيَانُ إِنْ شِئْتَ أَوْتَرْتَ بِخَمْسٍ وَإِنْ شِئْتَ أَوْتَرْتَ بِثَلَاثٍ وَإِنْ شِئْتَ أَوْتَرْتَ بركعة) روى أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَآخَرُونَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِتْرُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ صَحَّحَ أَبُو حَاتِمٍ وَالذُّهْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَقَفَهُ وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى وَقَالَ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ إِذْ لَا مَسْرَحَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ انْتَهَى فَهَذَا الْحَدِيثُ وَالْأَحَادِيثُ الْأُخْرَى تَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ سُفْيَانُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ الْوِتْرَ بِوَاحِدَةٍ وَبِثَلَاثٍ وَخَمْسٍ وَسَبْعٍ وَتِسْعٍ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَسَنٌ عَلَى مَا رُوِّينَا مِنَ الْأَخْبَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مِنْ بَعْدِهِ انْتَهَى قُلْتُ وَهُوَ الْحَقُّ (قَالَ وَالَّذِي اسْتُحِبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ) وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ كما ستقف عليه (وهو قول بن الْمُبَارَكِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ الْوِتْرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَقَلُّ وَقَوْلُهُمْ هَذَا بَاطِلٌ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الْإِيتَارُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَبِأَقَلَّ مِنْهَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْآثَارِ الْقَوِيَّةِ كَمَا عَرَفْتَ وَكَمَا سَتَعْرِفُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَعْقُوبَ الطَّالْقَانِيُّ) أَبُو بَكْرٍ ثقة صاحب حديث قال بن حبان ربما أخطأ (عن هشام هو بن حَسَانَ الْأَزْدِيُّ الْقَرْدُوسِيُّ) بِالْقَافِ وَضَمِّ الدَّالِ الْبَصْرِيِّ ثقة من أثبت الناس في بن سِيرِينَ وَفِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ مَقَالٌ لِأَنَّهُ قِيلَ كَانَ يُرْسِلُ عَنْهُمَا (قَالَ كَانُوا يُوتِرُونَ) أَيِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ (بِخَمْسٍ وَبِثَلَاثٍ وَبِرَكْعَةٍ وَيَرَوْنَ كُلَّ ذَلِكَ حَسَنًا) وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ

مِنْهُمْ مَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِيتَارُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَلَا بِأَقَلَّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَزَعَمَ النُّعْمَانُ أَنَّ الْوِتْرَ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُنْتَقَصَ مِنْهُ فَمَنْ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ فَوِتْرُهُ فَاسِدٌ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْوِتْرَ فَيُوتِرَ بِثَلَاثٍ إِلَى أَنْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَقَوْلُهُ هَذَا خِلَافٌ لِلْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَخِلَافٌ لِمَا جمع عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْإِيتَارِ بِثَلَاثٍ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا عَدَاهُ فَأَخَذْنَا مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَتَرَكْنَا مَا عَدَاهُ وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَلَا بِأَكْثَرَ قُلْتُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَرْدُودَةٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ ثَبَتَ الْإِيتَارُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَبِأَكْثَرَ مِنْهَا بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ صَرِيحَةٍ فَلَا تُتْرَكُ بِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ أَلْبَتَّةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ قَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ لِلنُّعْمَانِ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْوِتْرَ لَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَلَا بِأَكْثَرَ بِأَنْ زَعَمَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ بِثَلَاثٍ جَائِزٌ حَسَنٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْوِتْرِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَأَكْثَرَ فَأَخَذَ بِمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ وَتَرَكَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَذَلِكَ مِنْ قِلَّةِ مَعْرِفَةِ الْمُحْتَجِّ بِهَذَا بِالْأَخْبَارِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ رُوِيَ فِي كَرَاهَةِ الْوِتْرِ بِثَلَاثِ أَخْبَارٍ بَعْضُهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضُهَا عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ تُشَبِّهُوا بِالْمَغْرِبِ وَلَكِنْ أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ بِسَبْعٍ أَوْ بِتِسْعٍ أَوْ بِإِحْدَى عَشْرَةَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَفِي الباب عن عائشة وميمونة وعن بن عَبَّاسٍ الْوِتْرُ سَبْعٌ أَوْ خَمْسٌ وَلَا نُحِبُّ ثلاثا بترا وفي رواية إن لَأَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ ثَلَاثًا بَتْرًا لَكِنْ بِسَبْعٍ أَوْ خَمْسٍ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْوِتْرُ سَبْعٌ أَوْ خَمْسٌ وَإِنِّي لَأَكْرَهُ أَنْ تَكُونَ ثَلَاثًا بَتْرًا وَفِي لَفْظٍ أَوْلَى لِلْوِتْرِ خَمْسٌ وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ حَازِمٍ قَالَ سَأَلْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنِ الْوِتْرِ بِثَلَاثٍ فَكَرِهَ الثَّلَاثَ وَقَالَ لَا تُشَبِّهِ التَّطَوُّعَ بِالْفَرِيضَةِ أَوْتِرْ بِرَكْعَةٍ أَوْ بِخَمْسٍ أَوْ بِسَبْعٍ انْتَهَى قُلْتُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ إِلَخْ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ مَا لَفْظُهُ وَقَدْ صَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وقد صححه بن حبان والحاكم ومن طريق مقسم عن بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ كَرَاهَةُ الْوِتْرِ بِثَلَاثٍ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ كَرِهَ الثَّلَاثَ فِي الْوِتْرِ فَهَذِهِ الْآثَارُ تَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ الَّذِي نَقَلَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْإِيتَارِ بِثَلَاثٍ وَالتَّشْبِيهِ بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِيتَارِ بِثَلَاثٍ مَوْصُولَةٍ

قُلْتُ قَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الثَّلَاثِ إِذَا كَانَ يَقْعُدُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوْسَطِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمَغْرِبَ وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَقْعُدْ إِلَّا فِي آخِرِهَا فَلَا يُشْبِهُ الْمَغْرِبَ قَالَ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَجْهُ الْجَمْعِ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَنْ صَلَاةِ الثَّلَاثِ بِتَشَهُّدَيْنِ وَقَدْ فَعَلَهُ السَّلَفُ يَعْنِي الْإِيتَارَ بِثَلَاثٍ بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ فَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَنْهَضُ فِي الثَّالِثَةِ مِنَ الْوِتْرِ بِالتَّكْبِيرِ وَمِنْ طَرِيقِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّ عُمَرَ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ لَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ ومن طريق بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَقْعُدُ بَيْنَهُنَّ وَمِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ مِثْلَهُ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّهُمْ أَوْتَرُوا بِثَلَاثٍ كَالْمَغْرِبِ وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّهْيُ الْمَذْكُورُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ يُؤَيِّدُ هَذَا الْجَمْعَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ لَا يَقْعُدُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ وَهَذَا وِتْرُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَنْهُ أَخَذَهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَبَانِ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْهَا فَإِنْ قُلْتَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَالْمَحْفُوظُ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عُرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْوِتْرِ فَإِنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي عَرُوبَةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي قَتَادَةَ وَأَبَانُ بْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الثِّقَاتِ لَكِنَّهُ دُونَ سَعِيدٍ فَيَكُونُ مَا رواه سعيد عن قتادة أرجح مما رواه أَبَانٌ عَنْهُ قُلْتُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ قَوْلِهِ لَا يُسَلِّمُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الْوِتْرِ وَقَوْلُهُ لَا يَقْعُدُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ فَتَفَكَّرْ عَلَى أَنَّ أَبَانَ بْنَ يَزِيدَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَحْمَدُ ثبت في كل المشايخ وقال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ انْتَهَى وَكَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ قَالَ بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ مُتَمَاسِكٌ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ انْتَهَى وَمَعَ هَذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الِاخْتِلَاطِ قَطُّ وَأَمَّا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فَلَمْ يَكُنْ صَاحِبَ كِتَابٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ لَمْ يَكُنْ لِسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ كِتَابٌ إِنَّمَا يَحْفَظُ ذَلِكَ كُلَّهُ انْتَهَى وَمَعَ هَذَا كَانَ قَدِ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ قال الأزدي اختلط اختلاطا قبيحا قال بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ بَقِيَ فِي اخْتِلَاطِهِ خَمْسَ سِنِينَ وَقَالَ الذُّهْلِيُّ عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْخَفَّافِ خولط سعيد سنة وعاش بعد ما خولط تسع

باب ما جاء في الوتر بركعة

سِنِينَ انْتَهَى وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ هَذَا فَكَيْفَ يَكُونُ مَا رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَرْجَحَ مِمَّا رَوَاهُ أَبَانٌ عَنْ قَتَادَةَ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ رَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ وَمَعْمَرٌ وَهَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ سَعِيدٍ قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ فَمَنْ يَدَّعِي صِحَّةَ مُتَابَعَةِ هَؤُلَاءِ لِسَعِيدٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ رِوَايَاتِهِمْ سَنَدًا وَمَتْنًا لِيَنْظُرَ هَلْ هِيَ صَالِحَةٌ لِلْمُتَابَعَةِ أَمْ لَا هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ آثَارِ السُّنَنِ مُتَعَقِّبًا عَلَى هَذَا الْجَمْعِ مَا لَفْظُهُ هَذَا الْجَمْعُ سَخِيفٌ جِدًّا بَعِيدٌ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ لَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ ذِهْنُ الذَّاهِنِ بَلْ هُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ ثُمَّ بَيَّنَ مَعْنَى حَدِيثِ لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ تَشَبَّهُوا بِالْمَغْرِبِ فَقَالَ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ تَطَوُّعًا قَبْلَ الْإِيتَارِ بِثَلَاثٍ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ قُلْتُ كَلَامُ صَاحِبِ آثَارِ السُّنَنِ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى فَرْطِ التَّعَصُّبِ فَإِنَّ حُسْنَ الْجَمْعِ الْمَذْكُورِ لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِنْصَافِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي بَيَانِ مَعْنَى حَدِيثِ لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ إِلَخْ أَنَّهُ لَا يَتْرُكُ تَطَوُّعًا قَبْلَ الْإِيتَارِ بِثَلَاثٍ فَكَفَى لِبُطْلَانِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ التَّطَوُّعُ قَبْلَ الْإِيتَارِ بِثَلَاثٍ وَاجِبًا وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ فَتَفَكَّرْ وَلِبُطْلَانِهِ وُجُوهٌ أُخْرَى لَا تَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ [461]) قَوْلُهُ (عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ) هُوَ أَخُو مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (أُطِيلُ فِي رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْمُرَادُ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ سُنَّةُ الْفَجْرِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ أَرَأَيْتَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ أُطِيلُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ (يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) بِلَا تَنْوِينٍ لِعَدَمِ انْصِرَافِهِ لِلْعَدْلِ وَالْوَصْفِ عَلَى مَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ أَيْ ثِنْتَيْنِ ثنتين قال بن الْمَلَكِ اسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ (وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ) فِيهِ المشروعية الْإِيتَارِ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْحَقُّ (وَكَانَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ) أَيْ سُنَّةَ الْفَجْرِ (وَالْأَذَانُ فِي أُذُنِهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَكَأَنَّ الْأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ قَالَ حَمَّادٌ أَيْ بِسُرْعَةٍ

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ بِأُذُنَيْهِ أَيْ لقرب صلاته من الأذان والمراد به ها هنا الْإِقَامَةُ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ يُسْرِعُ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ إِسْرَاعَ مَنْ يَسْمَعُ إِقَامَةَ الصَّلَاةِ خَشْيَةَ فَوَاتِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ تَخْفِيفُ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا فَيَحْصُلُ بِهِ الْجَوَابُ عَنْ سُؤَالِ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا قَالَ وَقَوْلُهُ بِسُرْعَةٍ هُوَ تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي لِقَوْلِهِ كَأَنَّ الْأَذَانَ بِأُذُنَيْهِ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِالْأَذَانِ هُنَا الْإِقَامَةُ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى شِدَّةِ تَخْفِيفِهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَاقِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَالْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِلَفْظِ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُ مَثْنَى مَثْنَى وَأَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَفِيهِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى صَلَّى عَشْرَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى سَجْدَةً فَأَوْتَرَ بِهَا وَنَادَى الْمُنَادِي عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فَجَعَلَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنِ الفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَالنَّاسُ إِنَّمَا رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عِنْدَنَا انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ عَنْهُ مَرْفُوعًا الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أن وقفه هو صواب وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أبي مجلز سألت بن عَبَّاسٍ عَنِ الْوِتْرِ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ اخر الليل قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ رَأَوْا أَنْ يَفْصِلَ الرَّجُلُ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالثَّالِثَةِ يُوتِرُ بِرَكْعَةٍ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ

رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَبِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْصِلُ بَيْنَ الْوِتْرِ وَالشَّفْعِ بِتَسْلِيمَةٍ وَيُسْمِعُنَاهَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذكره رواه أحمد وبن حبان وبن السَّكَنِ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ الصائغ عن نافع عن بن عُمَرَ بِهِ وَقَوَّاهُ أَحْمَدُ انْتَهَى قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلَفْظِ إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً تُوتِرُ لَهُ مَا قَدْ صَلَّى مَا لَفْظُهُ فالذي تختاره لِمَنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ أَنْ يُسَلِّمَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ صَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي الركعة الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون وَيَتَشَهَّدُ فِي الثَّانِيَةِ وَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فيصلي ركعة يقرأ فيها بفاتحة الكتاب وقل هو الله أحد وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي السَّادِسَةِ وَالسَّابِعَةِ وَلَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِتِسْعٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ وَالتَّاسِعَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يُعْمَلَ بِهِ اقْتِدَاءً بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ أَجَابَ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَاخْتَرْنَا مَا هُوَ اخْتِيَارٌ لِأُمَّتِهِ وَأَجَزْنَا فِعْلَ مَنِ اقْتَدَى بِهِ فَفَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ إِذْ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ نَهْيٌ عَنْ ذَلِكَ بَلْ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ شَاءَ فَلْيُوتِرْ بِخَمْسٍ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُوتِرْ بِثَلَاثٍ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُوتِرْ بِوَاحِدَةٍ غَيْرَ أَنَّ الْأَخْبَارَ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ هِيَ أَثْبَتُ وَأَصَحُّ وَأَكْثَرُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْأَخْبَارِ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَوْتِرُوا بِرَكْعَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْأَخْبَارَ الْمَرْوِيَّةَ عَنِ السَّلَفِ فِي الْوِتْرِ بِرَكْعَةٍ فَنَحْنُ نذكر ها هنا بَعْضًا مِنْهَا مِنْ كِتَابِهِ قِيَامِ اللَّيْلِ وَغَيْرِهِ روى البخاري في صحيحه عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ أَوْتَرَ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ الْعِشَاءِ بركعة وعنده مولى لابن عباس فأتى بن عَبَّاسٍ فَقَالَ دَعْهُ فَإِنَّهُ قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ قَالَ قُلْتُ لَا يَغْلِبُنِي اللَّيْلَةَ عَلَى الْمَقَامِ أحد فقمت أصلي فوجدت حسن رَجُلٍ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِي فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَتَنَحَّيْتُ لَهُ فَتَقَدَّمَ فَاسْتَفْتَحَ الْقُرْآنَ حَتَّى خَتَمَ ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ فَقُلْتُ أَوَهِمَ الشَّيْخُ فَلَمَّا صَلَّى قُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَةً وَاحِدَةً فَقَالَ أَجَلْ هِيَ وِتْرِي وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ أَمَّنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ تَنَحَّى فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَصَلَّى رَكْعَةً فَأَتْبَعْتُهُ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ

باب ما جاء ما يقرأ في الوتر

يَا أَبَا إِسْحَاقَ مَا هَذِهِ الرَّكْعَةُ فَقَالَ وِتْرٌ أَنَامُ عَلَيْهِ وَفِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيِّ قَالَ أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَجُلٌ فَقَالَ كَيْفَ أُوتِرُ قَالَ أَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ قَالَ إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَقُولَ النَّاسُ إِنَّهَا الْبُتَيْرَاءُ قَالَ أَسُنَّةَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ تُرِيدُ هَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَعَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ قَالَ كَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ حِينَ أَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يَقُومَ بِالنَّاسِ يُسَلِّمُ فِي اثْنَتَيْنِ مِنَ الْوِتْرِ ثُمَّ قَرَأَ بَعْدَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثٍ فَقَالَ لَهُ بن عُمَرَ لِمَ سَلَّمْتَ فِي ثَلَاثٍ فَقَالَ إِنَّمَا فَعَلْتُ ذَلِكَ لِئَلَّا يَنْصَرِفَ النَّاسُ فَلَا يُوتِرُونَ وعن نافع سمعت معاذ القارىء يُسَلِّمُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَنْهُ كُنَّا نَقُومُ فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَؤُمُّنَا مُعَاذٌ فَكَانَ يُسَلِّمُ رَافِعًا صَوْتَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ وَكَانَ يُصَلِّي مَعَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَرَ أَحَدًا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ أَوْتَرَ بِهَا وَعَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ مَوْلًى لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ وَعَنْ شُرَحْبِيلَ أَنَّهُ رَأَى سَعْدًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَةً أَوْتَرَ بِهَا ثُمَّ خَرَجَ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ رَأَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَفَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يُوتِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِرَكْعَةٍ وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي هَذَا الْبَابِ آثَارًا أُخْرَى مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ (بَاب مَا جَاءَ ما يقرأ في الوتر [462]) قوله (عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْوِتْرِ إِلَخْ) الْحَدِيثَ رواه أبو داود وبن ماجه أيضا

(فِي رَكْعَةٍ رَكْعَةٍ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ انْفَرَدَ الْمُصَنِّفُ يعني الترمذي بهذه الزيادة عن النسائي وبن مَاجَهْ وَمَعْنَاهَا أَنَّهُ يَقْرَأُ بِكُلِّ سُورَةٍ مِنَ السُّوَرِ الثَّلَاثِ فِي رَكْعَةِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ بِثَلَاثٍ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي الْوِتْرِ فِي الركعة الثالثة بالمعوذتين وقل هو الله أحد) رواه أحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الأولى بسبح اسم ربك الأعلى وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وفي الثالثة قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ (وَالَّذِي اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن بعدهم أن يقرأ بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ ذَلِكَ بِسُورَةٍ) وبه قال الحنفية قال بن الْهُمَامِ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَوَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى سَبِّحِ اسم ربك الأعلى وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وفي الثالثة قل هو الله أحد انتهى

قُلْتُ وَإِنَّمَا اخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ حديث بن عَبَّاسٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ بِإِسْقَاطِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ أَصَحُّ وقال بن الْجَوْزِيِّ أَنْكَرَ أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ زِيَادَةَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ [463] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ الْبَصْرِيُّ) الشَّهِيدِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيُّ) ثِقَةٌ (عَنْ خُصَيْفٍ) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا هُوَ بن عبد الرحمن الجزري أبو عون صدوق سيىء الْحِفْظِ خَلَطَ بِأَخَرَةٍ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَوَثَّقَهُ بن معين وأبو زرعة وقال بن عَدِيٍّ إِذَا حَدَّثَ عَنْهُ ثِقَةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ) الْمَكِّيِّ مَوْلَى قُرَيْشٍ لَيِّنٌ قَالَ الْعِجْلِيُّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ وَأَخْطَأَ خُصَيْفٌ فَصَرَّحَ بِسَمَاعِهِ مِنَ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ لَا يُتَابَعُ فِي حَدِيثِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي كَوْنِهِ حَسَنًا نَظَرٌ فَإِنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ جُرَيْجٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ كَمَا عَرَفْتَ وَأَيْضًا فِيهِ خُصَيْفٌ وَهُوَ قَدْ خَلَطَ بِأَخَرَةٍ وَلَا يَدْرِي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَلَمَةَ رَوَاهُ عَنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ أَوْ بَعْدَهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ نَعَمْ يُعْتَضَدُ بِرِوَايَةِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ خُصَيْفٌ وَفِيهِ لِينٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَعَبْدُ الْعَزِيزِ هَذَا) الَّذِي وَقَعَ فِي إسناد حديث عائشة المذكور (والد بن جريج) بن جُرَيْجٍ هَذَا هُوَ الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ الْمَكِّيُّ الْمُتَوَفَّى سنة 051 خمسين ومائة (صاحب عطاء) قال بن جُرَيْجٍ لَزِمْتُ عَطَاءً سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَعَطَاءٌ هذا هو بن أَبِي رَبَاحٍ (وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ) فَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدِّهِ جُرَيْجٍ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ) رواه

باب ما جاء في القنوت في الوتر

الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ قَالَ الحافظ في التلخيص ورواه الدارقطني وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَتَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْهُ وَفِيهِ مَقَالٌ وَلَكِنَّهُ صَدُوقٌ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ إِسْنَادُهُ صَالِحٌ انْتَهَى 0341341341 - 3 - 4 - 1 (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ [464]) قَوْلُهُ (عَنْ بُرَيْدِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُصَغَّرًا (بْنِ أَبِي مَرْيَمَ) السَّلُولِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مَاتَ سَنَةَ 144 أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ اسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانَ السَّعْدِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ اهْدِنِي) أَيْ ثَبِّتْنِي عَلَى الْهِدَايَةِ (فِيمَنْ هَدَيْتَ) أَيْ فِي جُمْلَةِ مَنْ هَدَيْتَهُمْ أَوْ هَدَيْتَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ كَمَا قَالَ سُلَيْمَانُ (وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) وقال بن الْمَلَكِ أَيِ اجْعَلْنِي فِيمَنْ هَدَيْتَهُمْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَقِيلَ فِي فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ بِمَعْنَى مَعَ قَالَ تَعَالَى فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عليهم (وعافني فيمن عافيت) قال بن الْمَلَكِ مِنَ الْمُعَافَاةِ الَّتِي هِيَ دَفْعُ السُّوءِ (وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ) أَمْرُ مُخَاطَبٍ مِنْ تَوَلَّى إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا وَقَامَ بِحِفْظِهِ وَحِفْظِ أَمْرِهِ (وَبَارِكْ) (أَيْ أَكْثِرِ الْخَيْرَ لِي) أَيْ لِمَنْفَعَتِي (فِيمَا أَعْطَيْتَ) أَيْ فِيمَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْعُمُرِ وَالْمَالِ وَالْعُلُومِ وَالْأَعْمَالِ (وَقِنِي) أَيِ احْفَظْنِي (شَرَّ مَا قَضَيْتَ) مَا قَدَّرْتَ لِي (فَإِنَّكَ تَقْضِي) أَيْ تَقْدِرُ أَوْ تَحْكُمُ بِكُلِّ مَا أَرَدْتَ (وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ) فَإِنَّهُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِكَ (وَإِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (لَا يَذِلُّ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ لَا يَصِيرُ ذَلِيلًا (مَنْ وَالَيْتَ) الْمُوَالَاةُ ضد المعاداة قال بن حَجَرٍ أَيْ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ مِنْ عِبَادِكَ فِي الْآخِرَةِ أَوْ مُطْلَقًا وَإِنِ ابْتُلِيَ بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ وَسُلِّطَ عَلَيْهِ مَنْ أَهَانَهُ وَأَذَلَّهُ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ لِأَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ الرِّفْعَةِ وَالْعِزَّةِ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ أَوْلِيَائِهِ وَلَا عِبْرَةَ إلا بهم ومن ثم وقع للأنبياء عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنَ الِامْتِحَانَاتِ الْعَجِيبَةِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ وَلَا يَعِزُّ مَنْ

عَادَيْتَ أَيْ لَا يَعِزُّ فِي الْآخِرَةِ أَوْ مُطْلَقًا وَإِنْ أُعْطِيَ مِنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا وَمُلْكِهَا مَا أُعْطِيَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَمْتَثِلْ أَوَامِرَكَ وَلَمْ يَجْتَنِبْ نَوَاهِيَكَ (تَبَارَكْتَ) أَيْ تَكَاثَرَ خَيْرُكَ فِي الدَّارَيْنِ (رَبَّنَا) بِالنَّصْبِ أَيْ يَا رَبَّنَا (وَتَعَالَيْتَ) أي ارتفع عَنْ مُشَابَهَةِ كُلِّ شَيْءٍ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ زَادَ النَّسَائِيُّ فِي آخِرِهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ أَبُو داود والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حديث أبي الحوراء السعدي) وأخرجه أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ) هَلْ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا أَمْ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَقَطْ وَهَلْ يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَمْ بَعْدَهُ (فَرَأَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا وَاخْتَارَ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ في كتاب الاثار عن إبراهيم أن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقْنُتُ السَّنَةَ كُلَّهَا فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَسَنَدُهُ مُنْقَطِعٌ وروى بن أبي شيبة عن علقمة أن بن مَسْعُودٍ وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ قَالَ بن التركماني في الجوهر النفي هَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ (وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وبن الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ

يوتر فيقنت قبل الركوع رواه بن مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَبِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي الْمَغَازِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ سَأَلَ رجل أسنا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ قَالَ بَلْ عِنْدَ فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَبِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْقُنُوتِ فَقَالَ قَدْ كَانَ الْقُنُوتُ قُلْتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ قَبْلَهُ قَالَ فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ قُلْتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَقَالَ كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا أَرَاهُ كَانَ بَعَثَ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمُ الْقُرَّاءُ زُهَاءَ سَبْعِينَ رَجُلًا إلا قَوْمٍ مُشْرِكِينَ دُونَ أُولَئِكَ وَكَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ قُلْتُ قَدْ جَاءَ عَنْ أَنَسٍ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْنُتُ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَرَوَى أَيْضًا فِيهِ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَدْ عَقَدَ بَابًا بِلَفْظِ بَابُ تَرْكِ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَذَكَرَ فِيهِ آثَارًا عَدِيدَةً فَرَوَى أَثَرَ مُعَاذِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ إِذَا انْتَصَفَ رَمَضَانُ لُعِنَ الكفرة وكان بن عُمَرَ لَا يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَلَا فِي الْوِتْرِ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَعَنِ الْحَسَنِ كَانُوا يَقْنُتُونَ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَكَانَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدٌ وَقَتَادَةُ يَقُولُونَ القنوت في النصف الأواخر مِنْ رَمَضَانَ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ أَمَرَنِي أَبُو مِجْلَزٍ أَنْ أَقْنُتَ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي مِنْ رَمَضَانَ قَالَ إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الركوع فاقنت وعن بن شِهَابٍ كَانُوا يَلْعَنُونَ الْكَفَرَةَ فِي النِّصْفِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا قُنُوتَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَرُوِيَ فِيهِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَمَّ النَّاسَ فِي رَمَضَانَ فَكَانَ لَا يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَيَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ فَلَمَّا دَخَلَ الْعَشْرُ أَبَقَ وَخَلَا عَنْهُمْ فَصَلَّى بِهِمْ معاذ القارىء وَسُئِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ بَدْءِ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ فَقَالَ بَعَثَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَيْشًا فَوُرِّطُوا مُتَوَرَّطًا خَافَ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا كَانَ النِّصْفُ الْآخِرُ مِنْ رَمَضَانَ قُلْتُ يَدْعُو لَهُمْ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ) قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ

اللَّيْلِ قَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْنُتُوا فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ وَلَا يُقْنَتُ فِي سَائِرِ السَّنَةِ وَلَا فِي رَمَضَانَ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْآخِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَكَذَلِكَ حَكَى الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ حَدَّثَنِي أَبُو دَاوُدَ قُلْتُ لِأَحْمَدَ الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ السَّنَةَ كُلَّهَا قَالَ إِنْ شَاءَ قُلْتُ فَمَا تَخْتَارُ قَالَ أَمَّا أَنَا فَلَا أَقْنُتُ إِلَّا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي إِلَّا أَنْ أُصَلِّيَ خَلْفَ إِمَامٍ يَقْنُتُ فَأَقْنُتُ مَعَهُ قُلْتُ إِذَا كان يقنت النصف الاخر متى يبتديء قَالَ إِذَا مَضَى خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً سَادِسَ عَشْرَةَ وَكَانَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ يَخْتَارُ الْقُنُوتَ فِي السَّنَةِ كُلِّهَا انْتَهَى كَلَامُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ قُلْتُ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِكَوْنِ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ بَعْدَ الرَّكْعَةِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ حَتَّى كَانَ عُثْمَانُ فَقَنَتَ قَبْلَ الرَّكْعَةِ لِيُدْرِكَ النَّاسُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي وَبِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ يَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شيء) إلى قوله (فإنهم ظالمون) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رُوَاةُ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرَّفْعِ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ وَعَلَيْهِ دَرَجَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ انْتَهَى وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَمْ بَعْدَهُ وَهَلْ تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي الدُّعَاءِ فِي الْوِتْرِ فَقَالَ الْقُنُوتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى قِيَاسِ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُنُوتِ فِي الْغَدَاةِ وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو أَيُّوبَ وَأَبُو خَيْثَمَةَ وبن أَبِي شَيْبَةَ وَكَانَ إِسْحَاقُ يَخْتَارُ الْقُنُوتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الْوِتْرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَهَذَا الرَّأْيُ أَخْتَارُهُ انْتَهَى قُلْتُ يَجُوزُ الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي كَوْنُهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَيُعَضِّدُ كَوْنَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْلَى فِعْلُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ لِذَلِكَ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الصُّبْحِ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ اخْتَارُوا الْقُنُوتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فَإِذَا كَانُوا يُرِيدُونَ الْقُنُوتَ قَبْلَ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ يُكَبِّرُونَ وَيَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ كَرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ ثُمَّ يَقْنُتُونَ أَمَّا التَّكْبِيرُ فَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى ثُبُوتِهِ بِبَعْضِ الْآثَارِ وَقَدْ عَقَدَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ لِذَلِكَ بَابًا فَقَالَ بَابُ التَّكْبِيرِ لِلْقُنُوتِ وَذَكَرَ فِيهِ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ كَبَّرَ ثُمَّ قَنَتَ ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ يعني في

باب ما جاء في الرجل ينام عن الوتر

الْفَجْرِ وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي الْقُنُوتِ حِينَ فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَحِينَ رَكَعَ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يَفْتَتِحُ الْقُنُوتَ بِتَكْبِيرَةٍ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ فِي الْوِتْرِ إِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ حِينَ يَقْنُتُ وَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْقُنُوتِ وَعَنِ الْبَرَاءِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنَ السُّورَةِ كَبَّرَ ثُمَّ قَنَتَ وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ كَبَّرَ ثُمَّ قَنَتَ ثُمَّ كَبَّرَ وَرَكَعَ وَعَنْ سُفْيَانَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِذَا فَرَغَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْوِتْرِ أَنْ يُكَبِّرَ ثُمَّ يَقْنُتَ وَعَنْ أَحْمَدَ إِذَا كَانَ يَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ افْتَتَحَ الْقُنُوتَ بِتَكْبِيرَةٍ قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِي التَّكْبِيرِ لِلْقُنُوتِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى أَسَانِيدِ هَذِهِ الْآثَارِ وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِيهِ أَيْضًا نعم جاء فيه عن بن مَسْعُودٍ مِنْ فِعْلِهِ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ مِنَ الْوِتْرِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فَيَقْنُتُ قَبْلَ الرَّكْعَةِ وَقَدْ عَقَدَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ بَابًا بِلَفْظِ بَابُ رَفْعِ الْأَيْدِي عِنْدَ الْقُنُوتِ وَذَكَرَ فِيهِ عَنِ الْأَسْوَدِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ إِلَى صَدْرِهِ وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ كَانَ عُمَرُ يَقْنُتُ بِنَا فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُخْرِجَ ضَبْعَيْهِ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي قُنُوتِهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَمَكْحُولٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا فِي قُنُوتِ رَمَضَانَ وَذَكَرَ آثَارًا أُخْرَى عَنِ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ بَعْضُهَا فِي ثُبُوتِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَبَعْضُهَا فِي نَفْيِهِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَى كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى ثُبُوتِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ كَرَفْعِهِمَا عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ بِهَذِهِ الْآثَارِ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ نَظَرٌ إِذْ لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا بَلِ الظَّاهِرُ مِنْهَا ثُبُوتُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ كَرَفْعِهِمَا فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّ الْقُنُوتَ دُعَاءٌ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَنَامُ عَنْ الْوِتْرِ) أَوْ ينسى [465] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) ضَعِيفٌ ضعفه أحمد وبن الْمَدِينِيِّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ (عَنْ أَبِيهِ) زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الْعَدَوِيِّ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثِقَةٌ

قَوْلُهُ (مَنْ نَامَ عَنِ الْوِتْرِ) أَيْ عَنْ أَدَائِهِ (أَوْ نَسِيَهُ) فَلَمْ يُصَلِّهِ (فَلْيُصَلِّ) أَيْ قَضَاءً (إِذَا ذَكَرَ) رَاجِعٌ إِلَى النِّسْيَانِ (وَإِذَا اسْتَيْقَظَ) رَاجِعٌ إِلَى النَّوْمِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أبو داود وبن مَاجَهْ [466] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَالْقَزَّازُ وضعفه بن معين وبن عَدِيٍّ قَوْلُهُ (مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ فَلْيُصَلِّ إذا أصبح) قال بن الْمَلَكِ أَيْ فَلْيَقْضِ الْوِتْرَ بَعْدَ الصُّبْحِ مَتَى اتَّفَقَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَقْضِي الْوِتْرَ بَعْدَ الصُّبْحِ انْتَهَى قُلْتُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ مُوَافِقٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ وَالْمُرْسَلُ مِنْ أَقْسَامِ الضَّعِيفِ قُلْتُ قَالَ مَيْرَكُ نَقْلًا عَنِ التَّصْحِيحِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَغَرَّ الْمَدَنِيِّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَإِسْنَادُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ صَحِيحٌ كَمَا سَتَعْرِفُ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا أَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مُتَّصِلًا فَإِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ زَيْدٍ ضَعِيفٌ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنُ زيد ثقة عند أحمد وبن الْمَدِينِيِّ لَكِنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا قَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى قَالَ فِي النَّيْلِ وَإِسْنَادُ الطَّرِيقِ الَّتِي أَخْرَجَهُ مِنْهَا أَبُو دَاوُدَ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ السِّجْزِيَّ) بِسِينٍ مَكْسُورَةٍ وَغَيْرِهَا وَسُكُونِ جِيمٍ وَبِزَايٍ نِسْبَةٌ إِلَى سِجْزَ وَاسْمٌ لِسِجِسْتَانَ وَقِيلَ نِسْبَةٌ إِلَى سِجِسْتَانَ بِغَيْرِ قِيَاسٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي وَأَبُو دَاوُدَ هَذَا هُوَ صَاحِبُ السُّنَنِ وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ بَشِيرِ بْنِ شَدَّادٍ الْأَزْدِيُّ السِّجِسْتَانِيُّ

(وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ (يَذْكُرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ السَّعْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمَدِينِيِّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِمَامٌ أَعْلَمُ أَهْلِ عَصْرِهِ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ حَتَّى قَالَ الْبُخَارِيُّ مَا اسْتَصْغَرْتُ نفسي إلا عنده وقال فيه شيخه بن عُيَيْنَةَ كُنْتُ أَتَعَلَّمُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّمُهُ مِنِّي كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا يوتر الرجل إذا ذكر وإن كان بعد ما طَلَعَتِ الشَّمْسُ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَضَاءِ الْوِتْرِ إِذَا فَاتَ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ كَذَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ قَالَ وَمِنَ التَّابِعِينَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ وَعُبَيْدَةُ السَّلْمَانِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ وَأَبُو خَيْثَمَةَ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ إِلَى متى يقضي على ثمانية أقوال أحدها مالم يصل الصبح وهو قول بن عَبَّاسٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي خَيْثَمَةَ حَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ عَنْهُمْ ثَانِيهَا أَنَّهُ يَقْضِي الْوِتْرَ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ وَلَوْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ ثَالِثُهَا أَنَّهُ يَقْضِي بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الزَّوَالِ روى ذلك عن الشعبي وعطاء والحسن وطاؤس وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَرُوِيَ أَيْضًا عن بن عُمَرَ وَذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ بَاقِيَ الْأَقْوَالِ قَالَ ثَامِنُهَا التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ لِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ عَمْدًا فَإِنْ تَرَكَهُ لِنَوْمٍ أَوْ نِسْيَانٍ قَضَاهُ إِذَا اسْتَيْقَظَ أَوْ إِذَا ذَكَرَ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ لَيْلًا أَوْ نهارا وهو ظاهر الحديث واختاره بن حَزْمٍ وَاسْتَدَلَّ بِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاتِهِ أَوْ نَسِيَهَا فليصلها إذا ذكرها قال وهذا عموم

باب ما جاء في مبادرة الصبح بالوتر

يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ نَافِلَةٍ وَهُوَ فِي الْفَرْضِ أَمْرُ فَرْضٍ وَفِي النَّفْلِ أمر انْتَهَى 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مُبَادَرَةِ الصُّبْحِ بِالْوِتْرِ [467]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ) الْهَمْدَانِيُّ أَبُو سَعِيدٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ مِنْ رِجَالِ السُّنَّةِ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ) بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَوْلُهُ (بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ) أَيْ أَسْرِعُوا بِأَدَاءِ الْوِتْرِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أيضا [468] قوله (أوتروا قبل أن تصبحوا) الحديث رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَأَبَا دَاوُدَ [469] قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا وِتْرَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ) أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِلَفْظِ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وِتْرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَفِي سَنَدِهِ أَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ يَتَلَوَّنُ خَارِجِيٌّ وَشِيعِيٌّ وَضَعَّفَهُ شُعْبَةُ وَكَذَّبَهُ الْجُوزَجَانِيُّ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ بن عُمَرَ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الْمَذْكُورَيْنِ

فِي الْبَابِ مَا لَفْظُهُ فَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يُؤَخَّرَ الْوِتْرُ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ اتِّبَاعًا لِلْآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالْوِتْرِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَكَانَ وِتْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَّتُهُ كَذَلِكَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ نَامَ عَنِ الْوِتْرِ أَوْ سَهَا عَنْهُ أَوْ فَرَّطَ فِيهِ فَلَمْ يُوتِرْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْفَجْرَ إِذَا طَلَعَ فَقَدْ ذَهَبَ وَقْتُ الْوِتْرِ وَلَا يُقْضَى بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا يُصَلَّى فِي وَقْتِهِ فَإِذَا ذَهَبَ وَقْتُهُ لَمْ يُقْضَ عَلَى مَا رُوِّينَا عَنْ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ثُمَّ ذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ وَقَدْ ذَكَرَ لَفْظَهُ آنِفًا ثُمَّ قَالَ وَهَذَا حَدِيثٌ لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ حُجَّةً لَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ لَا يَحْتَجُّونَ بِرِوَايَةِ هَارُونَ الْعَبْدِيِّ قَالَ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَلَمْ يُوتِرْ فَإِنَّهُ يُوتِرُ مَا لَمْ يُصَلِّ الْغَدَاةَ اتِّبَاعًا لِلْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ أَوْتَرُوا بَعْدَ الصُّبْحِ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ أَوْتَرَ بعد ما أَصْبَحَ فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ فَإِنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا لَا يُقْضَى الْوِتْرُ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ أَيْضًا وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِنَا ثُمَّ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْأَخْبَارَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بَعْضُهَا مَرْفُوعَةٌ وَأَكْثَرُهَا آثَارُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي أَقُولُ بِهِ أَنَّهُ يُصَلِّي الْوِتْرَ مَا لَمْ يُصَلِّ الْغَدَاةَ فَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ قَضَاهُ عَلَى مَا يَقْضِي التَّطَوُّعَ فَحَسَنٌ قَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي نَامَ فِيهَا عَنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَكَذَا الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا بَعْدَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي شُغِلَ فِيهِ عَنْهَا وَقَدْ كَانُوا يَقْضُونَ صَلَاةَ اللَّيْلِ إِذَا فَاتَتْهُمْ بِاللَّيْلِ نَهَارًا فَلِذَلِكَ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ انْتَهَى كَلَامُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَا يَرَوْنَ الْوِتْرَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ قِيلَ لَا وِتْرَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ يَقْضِيهِ مَتَى كَانَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرٍ فَلْيُصَلِّ إِذَا أَصْبَحَ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ قَضَاءُ الْوِتْرِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُصَلِّي صَاحِبَ تَرْتِيبٍ وَصَلَّى الصُّبْحَ قَبْلَ الْوِتْرِ ذَاكِرًا لَمْ يَصِحَّ

باب ما جاء لا وتران في ليلة

13 - (بَاب مَا جَاءَ لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ [470]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو) هُوَ مُلَازِمُ بن عمرو بن عبد الله بن بدر الْيَمَامِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بن بدر) اليمامي عن بن عَبَّاسٍ وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَنْهُ سَبْطُهُ مُلَازِمُ بن عمرو وعكرمة بن عمار وثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قَوْلُهُ (لا وتران في ليلة) قال بن الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ أَوْتَرَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُعِيدُ الْوِتْرَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إلا بن مَاجَهْ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُ التِّرْمِذِيِّ صَحَّحَهُ وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ نَقْضَ الْوِتْرِ وَقَالُوا يُضِيفُ إِلَيْهَا رَكْعَةً إِلَخْ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إِنِّي إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَقُومَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْتَرْتُ بِرَكْعَةٍ فَإِذَا قُمْتُ ضَمَمْتُ إِلَيْهَا رَكْعَةً فَمَا شَبَّهْتُهَا إِلَّا بِالْغَرِيبَةِ مِنَ الْإِبِلِ تُضَمُّ إِلَى الْإِبِلِ وَقَالَهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ أَمَّا أَنَا فَإِذَا أَرَدْتُ أَنْ أُصَلِّيَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْتَرْتُ بِرَكْعَةٍ فَإِذَا اسْتَيْقَظْتُ صَلَّيْتُ إِلَيْهَا رَكْعَةً ثُمَّ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ ثم أوترت وعن سالم كان بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي يَشْفَعُ وِتْرَهُ الْأَوَّلَ بركعة ثم يصلي بوتر وعن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِذَا أَوْتَرَ الرَّجُلُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ شَفَعَ وِتْرَهُ بِرَكْعَةٍ ثُمَّ صَلَّى مَا بَدَا لَهُ ثُمَّ أَوْتَرَ مِنْ آخِرِ صَلَاتِهِ وَعَنْ أُسَامَةَ بِمَعْنَاهُ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ كَانَ أَبِي يُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَإِذَا قَامَ شَفَعَ انْتَهَى باختصار

وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنَ اللَّيْلِ وِتْرًا فَقَالُوا إِذَا هُوَ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمْ يَشْفَعْ وِتْرَهُ وَصَلَّى مَثْنَى مَثْنَى ثُمَّ لَمْ يُوتِرْ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ كَانَ قَدْ جَعَلَ صَلَاتَهُ مِنَ اللَّيْلِ شَفْعًا لَا وِتْرًا وَتَرَكَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا كَذَا فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِآثَارِ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا بن ماجه وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُ التِّرْمِذِيِّ صَحَّحَهُ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم إِذَا أَوْتَرَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ مِنْ آخِرِهِ أَنَّهُ يُصَلِّي مَا بَدَا لَهُ وَلَا يَنْقُضُ وِتْرَهُ إِلَخْ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فَإِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ صَلَّى مَثْنَى مَثْنَى حَتَّى يَفْرُغَ مِمَّا يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنِ الْوِتْرِ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَأُوتِرُ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ فَإِنْ رَزَقَنِي اللَّهُ شَيْئًا صَلَّيْتُ شَفْعًا شَفْعًا إِلَى أَنْ أُصْبِحَ وَعَنْ عَائِشَةَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ وِتْرَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يلعبون بصلاتهم وروي عن بن عَبَّاسٍ أَيْضًا بِنَحْوِهِ وَعَنْهُ فِي رِوَايَةٍ فِي الَّذِي يُوتِرُ ثُمَّ يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ قَالَ يُصَلِّي مَثْنَى مَثْنَى وَفِي رِوَايَةٍ حَسْبُهُ وِتْرُهُ الأول وعنه لما بلغه فعل بن عمر لم يعجبه وقال إن بن عُمَرَ يُوتِرُ فِي لَيْلَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا صَلَّيْتُ الْعِشَاءَ صَلَّيْتُ بَعْدَهَا خَمْسَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَنَامُ فَإِنْ قُمْتُ صَلَّيْتُ مَثْنَى مَثْنَى وَإِنْ أَصْبَحْتُ أَصْبَحْتُ عَلَى وِتْرٍ وَسُئِلَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَنِ الْوِتْرِ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُوتِرُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ فَإِنْ رُزِقْتُ شَيْئًا مِنْ آخِرِهِ صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى أُصْبِحَ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وأحمد وبن الْمُبَارَكِ وَهَذَا أَصَحُّ) وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ وَإِنْ شَفَعَ وِتْرَهُ اتِّبَاعًا لِلْأَخْبَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا رَأَيْتُهُ جَائِزًا انْتَهَى وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالُوا إِنَّ مَنْ أَوْتَرَ وَأَرَادَ الصَّلَاةَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَنْقُضُ وِتْرَهُ وَيُصَلِّي شَفْعًا شَفْعًا حَتَّى يُصْبِحَ انْتَهَى وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي وَلَمْ أَجِدْ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ نَقْضِ الْوِتْرِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قَوْلُهُ (لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَلَّى بَعْدَ الْوِتْرِ) وَأَجَابُوا عَنِ الْقَائِلِينَ بِجَوَازِ نَقْضِ الْوِتْرِ بِأَنَّهُ إِذَا أَوْتَرَ الرَّجُلُ أَوَّلَ اللَّيْلِ فَقَدْ قَضَى وِتْرَهُ فَإِذَا هُوَ نَامَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ وَتَوَضَّأَ وَصَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى فَهَذِهِ صَلَاةٌ غَيْرُ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَغَيْرُ جَائِزٍ فِي النَّظَرِ أَنْ تَتَّصِلَ هَذِهِ الرَّكْعَةُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى الَّتِي صَلَّاهَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ فَلَا يَصِيرَانِ صَلَاةً وَاحِدَةً وَبَيْنَهُمَا نَوْمٌ وَحَدَثٌ ووضوء وكلام في الغالب وإنما هُمَا صَلَاتَانِ مُتَبَايِنَتَانِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَوْتَرَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ هُوَ إِذَا أَوْتَرَ أَيْضًا فِي آخِرِ صَلَاتِهِ صَارَ مُوتِرًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنَ اللَّيْلِ وِتْرًا وَهَذَا قَدْ جَعَلَ الْوِتْرَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَأَيْضًا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ وَهَذَا قَدْ أَوْتَرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ وَقَدْ قَالَ مَنْ ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنَ اللَّيْلِ وِتْرًا إِنَّمَا هُوَ نَدْبٌ وَاخْتِيَارٌ وَلَيْسَ بِإِيجَابٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ صَلَاةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْوِتْرِ بِاللَّيْلِ قَالَ والدليل على ذلك أيضا أن بن عُمَرَ الرَّاوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ مِنَ اللَّيْلِ وِتْرًا وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَشْفَعُ وِتْرَهُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ قَامَ مِنَ اللَّيْلِ وَقَدْ أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ فَصَلَّى مَثْنَى مَثْنَى وَلَمْ يَشْفَعْ وِتْرَهُ قَالَ ذَلِكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ فَدَلَّ فُتْيَاهُ أَنَّهُ رَأَى قَوْلَهُ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ وِتْرًا نَدْبًا لَا إِيجَابًا ثُمَّ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فُتْيَاهُ بِسَنَدِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَالْوِتْرُ رَكْعَةٌ إِنَّمَا هُوَ نَدْبٌ وَاخْتِيَارٌ لَا إِيجَابٌ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ وِتْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسٍ وَسَبْعٍ وَتِسْعٍ لَمْ يُسَلِّمْ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ انْتَهَى [471] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ) التَّمِيمِيُّ أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مُوسَى الْمَرَائِيِّ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهَمْزَةٍ أَبُو مُوسَى الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مُدَلِّسٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ مُدَلِّسٌ الْبَصْرِيُّ (عَنْ أُمِّهِ) اسْمُهَا خَيْرَةُ مَوْلَاةُ أُمِّ سَلَمَةَ مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ وَزَادَا وَهُوَ جَالِسٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَعَائِشَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ بلفظ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَهُوَ جَالِسٌ يقرأ فيهما بإذا زلزلت الأرض زلزالها وقل يا أيها الكافرون وَأَخْرَجَهُ بِنَحْوِهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ

باب ما جاء في الوتر على الراحلة

الدَّارَقُطْنِيِّ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَهُمَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَى ذَلِكَ بَلْ فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ قَلِيلَةً وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِهَا كَانَ يُصَلِّي فَإِنَّ الْمُخْتَارَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ لَفْظَ كَانَ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا الدَّوَامُ وَلَا التَّكْرَارُ قَالَ وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَا حَدِيثَ الرَّكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ بِالْأَمْرِ بِجَعْلِ آخِرِ صَلَاةِ اللَّيْلِ وِتْرًا فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَشْبَاهِهَا أَنَّهُ يُدَاوِمُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَيَجْعَلُهُمَا آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ قَالَ وَأَمَّا مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ تَرْجِيحِ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَرَدِّ رِوَايَةِ الرَّكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ إِذَا صَحَّتْ وَأَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهَا تَعَيَّنَ وَقَدْ جَمَعْنَا بَيْنَهَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ 4345345345 345 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ [472]) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ) الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (فَتَخَلَّفْتُ عَنْهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلَمَّا خَشِيتُ الصُّبْحَ نَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ ثُمَّ لَحِقْتُهُ (فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ فَقُلْتُ أَوْتَرْتُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَيْنَ كُنْتَ فَقُلْتُ خَشِيتُ الصُّبْحَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ (أَلَيْسَ لك في رسول الله أسوة حسنة) قال فِي الْقَامُوسِ الْأُسْوَةُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ الْقُدْوَةُ إِرْشَادُ الْعَالِمِ لِرَفِيقِهِ مَا قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنَ السُّنَنِ (يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَهُوَ الْحَقُّ وَفِي رِوَايَةٍ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ وَهُوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ كَذَا فِي قِيَامِ اللَّيْلِ قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْتَرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ

قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ إِلَى هَذَا وَرَأَوْا أَنْ يُوتِرَ الرَّجُلُ عَلَى رَاحِلَتِهِ) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ عَنْ نَافِعٍ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يوتر على البعير يوميء برأسه وعن بن جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ أُوتِرُ وَأَنَا مُدْبِرٌ عَنِ الْقِبْلَةِ عَلَى دَابَّتِي قَالَ نَعَمْ وَعَنْ عَطَاءٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُوتِرَ عَلَى بَعِيرِهِ وَعَنْ سُفْيَانَ إِنْ أَوْتَرْتَ عَلَى دَابَّتِكَ فَلَا بَأْسَ وَالْوِتْرُ بِأَرْضٍ أَحَبُّ إِلَيَّ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ الْحَقُّ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُوتِرُ الرَّجُلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ إِلَخْ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بَعْدَ رِوَايَةِ حديث بن عمر وبن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَيْنِ وَالْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ مَا لَفْظُهُ وَزَعَمَ النُّعْمَانُ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ أَنَّ الْوِتْرَ عَلَى الدَّابَّةِ لَا يَجُوزُ خِلَافًا لِمَا رَوَيْنَا وَاحْتَجَّ بعضهم له بحديث رواه عن بن عُمَرَ أَنَّهُ نَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ فَأَوْتَرَ بِالْأَرْضِ فَيُقَالُ لِمَنِ احْتَجَّ بِذَلِكَ هَذَا ضَرْبٌ مِنَ الْغَفْلَةِ هَلْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوتِرَ بِالْأَرْضِ إِنَّمَا قَالَ الْعُلَمَاءُ لَا بَأْسَ أَنْ يُوتِرَ عَلَى الدَّابَّةِ وَإِنْ شاء أوتر بالأرض وكذلك كان بن عَمْرٍو يَفْعَلُ رُبَّمَا أَوْتَرَ عَلَى الدَّابَّةِ وَرُبَّمَا أوتر على الأرض وعن نافع أن بن عُمَرَ كَانَ رُبَّمَا أَوْتَرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَرُبَّمَا نَزَلَ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَكَانَ رُبَّمَا نَزَلَ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ أَخَذَ أَصْحَابُنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ بِالْآثَارِ الْوَارِدَةِ بنزول بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْوِتْرِ وَشَيَّدُوهُ بِالْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ الْوَارِدَةِ فِي نُزُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْوِتْرِ وَقَالَ الْمُجَوِّزُونَ لِأَدَائِهِ عَلَى الدَّابَّةِ إنه لا تعارض ها هنا إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ فَأَحْيَانًا أَدَّى الْوِتْرَ عَلَى الدَّابَّةِ وَأَحْيَانًا عَلَى الْأَرْضِ وَاقْتَدَى بِهِ بن عُمَرَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إسحاق عن نافع قال كان بن عُمَرَ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَرُبَّمَا نَزَلَ فَأَوْتَرَ على الأرض

باب ما جاء في صلاة الضحى

وذكر الطحاوي بعد ما أَخْرَجَ آثَارَ الطَّرَفَيْنِ الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوتِرُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قَبْلَ أَنْ يُحْكِمَ بِالْوِتْرِ وَيُغَلِّظَ أَمْرَهُ ثُمَّ أَحْكَمَ بَعْدُ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي تَرْكِهِ ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ إِنَّ اللَّهَ أَمَدَّكُمْ بِصَلَاةٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى الْفَجْرِ الْوِتْرُ الْوِتْرُ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ وَأَبِي بَصْرَةَ ثُمَّ قَالَ فَيَجُوزُ أن يكون ما روى بن عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وِتْرِهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ كَانَ مِنْهُ قَبْلَ تَأْكِيدِهِ إِيَّاهُ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ لَا يَخْفَى إِذْ لَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِ النَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ مَا لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ انْتَهَى 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الضُّحَى [473]) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الضُّحَى بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ فَوْقَ الضَّحْوَةُ وَهِيَ ارْتِفَاعُ أَوَّلِ النَّهَارِ وَالضَّحَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ هُوَ إِذَا عَلَتِ الشَّمْسُ إِلَى رُبُعِ السماء فما بعده أنتهى قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قِيلَ صَلَاةُ وَقْتِ الضُّحَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِضَافَةَ الصَّلَاةِ إِلَى الضُّحَى بِمَعْنَى فِي كَصَلَاةِ النَّهَارِ وَصَلَاةِ اللَّيْلِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقَوْلِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ وَقِيلَ مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمُسَبَّبِ إِلَى السَّبَبِ كَصَلَاةِ الظُّهْرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ فُلَانِ بْنِ أَنَسٍ) وَيُقَالُ هُوَ مُوسَى بْنُ حَمْزَةَ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ عَمِّهِ ثُمَامَةَ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ الْبَصْرِيُّ قَاضِيهَا صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً) هَذَا أَكْثَرُ مَا وَرَدَ فِي عَدَدِ صَلَاةِ الضُّحَى قَالَ الْعَيْنِيُّ لَمْ يَرِدْ فِي صَلَاةِ الضُّحَى أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ أَيْضًا وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي الْبَابِ وأخرجه أيضا أحمد وبن ماجه

وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ قَالَ أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ (وَنُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ) بِهَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَشِدَّةِ مِيمٍ وَبِرَاءٍ صَحَابِيٌّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا بن آدَمَ لَا تُعْجِزْنِي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَكْفِكَ آخِرَهُ (وَأَبِي ذَرٍّ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا قَالَ يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُعَاذَةَ أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ كَمْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي صَلَاةَ الضُّحَى قَالَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَزِيدُ مَا شَاءَ وَأَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ تَقُولُ لَوْ نُشِرَ لِي أَبَوَايَ مَا تَرَكْتُهَا (وَأَبِي أُمَامَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَعُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ ثَبَتَ حَتَّى يُسَبِّحَ اللَّهَ سُبْحَةَ الضُّحَى كان له كأجر حاج ومعتمر (وبن أَبِي أَوْفَى) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ إِنَّمَا صَلَّيْتَهَا رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ رَكْعَتَيْنِ (وَأَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الْمُؤَلِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ (وَزَيْدِ بن أرقم) أخرجه مسلم (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ بَنِي آدَمَ فِي كل يوم صدقة ويجزيء مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ رَكْعَتَا الضُّحَى وَفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدْ ذَكَرَ أَحَادِيثَهُمُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) قَالَ مَيْرَكُ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا مَنْ صَلَّى الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ وَمَنْ صَلَّى أَرْبَعًا كُتِبَ مِنَ التَّائِبِينَ وَمَنْ صَلَّى سِتًّا كُفِيَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَمَنْ صَلَّى ثَمَانِيًا كُتِبَ مِنَ الْعَابِدِينَ وَمَنْ صَلَّى عَشْرَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ

قَالَ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَوَاهُ الْبَزَّارُ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا قَالَ لَكِنْ إِذَا ضُمَّ إِلَيْهِ أَيْ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ حَدِيثُ أَبِي ذر وأبي الدرداء قوى وتصلح للاحتجاج به انتهى كلام الحافظ [474] قوله (ما أخبرني أحد وفي رواية بن شيبة عن بن أَبِي لَيْلَى أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ فَلَمْ يُخْبِرْنِي أَحَدٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الضُّحَى إِلَّا أُمَّ هَانِئٍ) وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ عَدَمِ وُصُولِ الْخَبَرِ إِلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُ عَدَمُهُ إِلَّا أُمَّ هَانِئٍ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ النُّونِ وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ أُخْتُ عَلِيٍّ شَقِيقَتُهُ قَوْلُهُ (سَبَّحَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ) قَالَ الْحَافِظُ زَادَ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ فَسَلَّمَ من كل ركعتين أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِهِ فِي صَلَاتِهَا مَوْصُولَةً سَوَاءٌ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ أو أقل وفي الطبراني من حديث بن أَبِي أَوْفَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ وَرَأَتْ أُمُّ هَانِئٍ بَقِيَّةَ الثَّمَانِ وَهَذَا يُقَوِّي أَنَّهُ صَلَّاهَا مَفْصُولَةً انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ) قَالَ الطِّيبِيُّ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ فِيهِ التَّفَرُّغَ لِمُهِمَّاتِ الْفَتْحِ لِكَثْرَةِ شُغْلِهِ بِهِ وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى الضُّحَى فَطَوَّلَ فيها أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى إِثْبَاتِ سُنَّةِ الضُّحَى وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ دَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ قَالُوا وَإِنَّمَا هِيَ سُنَّةُ الْفَتْحِ وَقَدْ صَلَّاهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي بَعْضِ فُتُوحِهِ كَذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهَا كَانَتْ قَضَاءً عَمَّا شُغِلَ عَنْهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ مِنْ حِزْبِهِ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ صِحَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ كُرَيْبٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى وَلِمُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ ثُمَّ صَلَّى ثمان ركعات سبحة الضحى وروى بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ قَالَتْ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ فصلى ثمان ركعات فقلت ما هذه قالت هَذِهِ صَلَاةُ الضُّحَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

قَوْلُهُ (وَكَأَنَّ أَحْمَدَ رَأَى أَصَحَّ شَيْءٍ فِي الباب حديث أم هانيء) قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ كَمَا قَالَ قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفُوا فِي نُعَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ أَيْ فِي اسْمِ أَبِيهِ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ نُعَيْمُ بْنُ خَمَّارٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ المعجمة وشدة الميم وبراء (وقال بعضهم بن هَمَّارٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَشِدَّةِ الْمِيمِ وَبِرَاءٍ (وَيُقَالُ بن هَبَّارٍ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَشِدَّةِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِرَاءٍ (وَيُقَالُ بن همام) بميمين (والصحيح بن هَمَّارٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ رَجَّحَ الْأَكْثَرُ أَنَّ اسْمَ أَبِيهِ هَمَّارٌ انْتَهَى وَقَالَ الْغَلَّابِيُّ عن بن مَعِينٍ أَهْلُ الشَّامِ يَقُولُونَ نُعَيْمُ بْنُ هَمَّارٍ وَهُمْ أَعْلَمُ بِهِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (وَأَبُو نُعَيْمٍ وَهِمَ فِيهِ) أَبُو نُعَيْمٍ هَذَا هُوَ فَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ أَيْ أَبُو نُعَيْمٍ فَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَهِمَ فِي اسْمِ وَالِدِ نُعَيْمٍ الْمَذْكُورِ (أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدِ) بْنِ نَصْرٍ الْكَشِّيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ وبذلك جزم بن حِبَّانَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ ثِقَةٌ حَافِظٌ انْتَهَى قُلْتُ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا [475] (أَبُو جَعْفَرٍ السِّمْنَانِيُّ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَنُونَيْنِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْهِرٍ) بِمَضْمُومَةٍ وَسُكُونِ مُهْمَلَةٍ وَكَسْرِ هَاءٍ بِرَاءٍ اسْمُهُ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ الْغَسَّانِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ السَّادِسَةِ قوله (بن ادم) أي يا بن آدَمَ (ارْكَعْ) أَيْ صَلِّ (لِيَ) أَيْ خَالِصًا لِوَجْهِي (مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ

قِيلَ الْمُرَادُ صَلَاةُ الضُّحَى وَقِيلَ صَلَاةُ الْإِشْرَاقِ وَقِيلَ سُنَّةُ الصُّبْحِ وَفَرْضُهُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ فَرْضِ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ قُلْتُ حَمَلَ الْمُؤَلِّفُ وَكَذَا أَبُو دَاوُدَ هَذِهِ الرَّكَعَاتِ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى وَلِذَلِكَ أَدْخَلَا هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ صَلَاةِ الضُّحَى (أَكْفِكَ) أَيْ مُهِمَّاتِكَ (آخِرَهُ) أَيِ النَّهَارِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَكْفِكَ شُغْلَكَ وَحَوَائِجَكَ وَأَدْفَعُ عَنْكَ مَا تَكْرَهُهُ بَعْدَ صَلَاتِكَ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ وَالْمَعْنَى أَفْرِغْ بَالَكَ بِعِبَادَتِي فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أُفْرِغْ بَالَكَ فِي آخِرِهِ بِقَضَاءِ حَوَائِجِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدرداء وأبي ذَرٍّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَفِيهِ مَقَالٌ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ مَنْ يُصَحِّحُ حَدِيثَهُ عَنِ الشَّامِيِّينَ وَهَذَا الْحَدِيثُ شَامِيُّ الْإِسْنَادِ انْتَهَى وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ هَذَا أَنَّ فِي نُسْخَةِ التِّرْمِذِيِّ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ كَانَ فِيهَا هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ [476] قَوْلُهُ (عَنْ نَهَّاسِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْهَاءِ وَآخِرُهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ (بْنِ قَهْمٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْهَاءِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (مَنْ حَافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى) قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ ضَمُّ الشِّينِ وَقَالَ الهروي وبن الْأَثِيرِ تُرْوَى بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ كَالْغَرْفَةِ وَالْغُرْفَةِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الشَّفْعِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْمُرَادُ رَكْعَتَا الضُّحَى كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ) لِاشْتِهَارِهِ بِالْكَثْرَةِ عِنْدَ الْمُخَاطَبِينَ [477] قَوْلُهُ (فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ مُصَغَّرًا صَدُوقٌ يَهِمُ وَرُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ (عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبِالْفَاءِ هُوَ عَطِيَّةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُنَادَةَ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يخطيء كَثِيرًا كَانَ شِيعِيًّا مُدَلِّسًا مِنَ الثَّالِثَةِ

باب ما جاء في الصلاة عند الزوال

قَوْلُهُ (حَتَّى نَقُولَ) بِالنُّونِ (لَا يَدَعُ) أَيْ لَا يَتْرُكُهَا أَبَدًا (وَيَدَعُهَا)) أَيْ أَحْيَانًا (حَتَّى نَقُولَ لَا يُصَلِّي) وَكَانَ ذَلِكَ بِحَسَبِ مُقْتَضَى الْأَوْقَاتِ مِنَ الْعَمَلِ بِالرُّخْصَةِ وَالْعَزِيمَةِ كَمَا يَفْعَلُ فِي صَوْمِ النَّفْلِ وَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ فَضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ وَقَالَ فِيهِ حَكَى شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ بن الحسين في شرح الترمذي أنه اشتهر بَيْنَ الْعَوَامِّ أَنَّ مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثُمَّ قَطَعَهَا يَعْمَى فَصَارَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَتْرُكُونَهَا أَصْلًا لِذَلِكَ وَلَيْسَ لِمَا قَالُوهُ أَصْلٌ بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ العوام ليحرمهم الخير الكثير لا سيما وما وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الزَّوَالِ [478]) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي الْوَضَّاحِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَشِدَّةِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (هُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْمُؤَدِّبُ) الْقُضَاعِيُّ الْجَزَرِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ صَدُوقٌ يَهِمُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ) هُوَ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ (كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا بَعْدَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ هِيَ غَيْرُ الْأَرْبَعِ الَّتِي هِيَ سُنَّةُ الظُّهْرِ قَبْلَهَا وَتُسَمَّى هَذِهِ سُنَّةَ الزَّوَالِ (وَقَالَ إِنَّهَا) أَيْ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَنَّثَهُ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ وَهُوَ (سَاعَةٌ تُفْتَحُ) بِالتَّخْفِيفِ وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ (فِيهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ) لِطُلُوعِ أَعْمَالِ الصَّالِحِينَ (أَنْ يَصْعَدَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيُضَمُّ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ (عَمَلٌ صَالِحٌ) أَيْ إِلَى السَّمَاءِ وَفِيهِ تَلْمِيحٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ والعمل الصالح يرفعه

باب ما جاء في صلاة الحاجة

قَوْلُهُ (فِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ (وَأَبِي أَيُّوبَ) الْأَنْصَارِيِّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ تُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ الزَّوَالِ لَا يُسَلِّمُ إِلَّا فِي آخِرِهِنَّ) روى بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ وَقَالَ إِنَّ أَبْوَابَ السَّمَاءِ تُفْتَحُ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِيهِ إِنَّ الْأَفْضَلَ صَلَاةُ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالُوا هُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي صَلَاتِهَا بِتَسْلِيمَتَيْنِ انْتَهَى 7 - (بَاب مَا جاء في صلاة الحاجة [479]) قوله (وأخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ) عَطْفٌ عَلَى حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ هَذَا شَيْخُ الْمُؤَلِّفِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ) هُوَ السَّهْمِيُّ الْمَذْكُورُ وَلَوْ قَالَ الْمُؤَلِّفُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ الْبَغْدَادِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَكْرٍ السَّهْمِيِّ عَنْ فَائِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَخْ لَكَانَ أَوْضَحَ وَأَخْصَرَ لَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ هَكَذَا لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ عِيسَى رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِلَفْظِ التَّحْدِيثِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُنِيرٍ رَوَاهُ عَنْهُ بلفظ عن فلا ظهار هَذَا الْفَرْقِ قَالَ كَمَا قَالَ (عَنْ فَائِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بِالْفَاءِ مَتْرُوكٌ اتَّهَمُوهُ مِنْ صِغَارِ الْخَامِسَةِ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُؤَلِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ قَوْلُهُ (ثُمَّ لْيُثْنِ) مِنَ الْإِثْنَاءِ (وَلْيُصَلِّ) وَالْأَصَحُّ الْأَفْضَلُ صَلَاةُ التَّشَهُّدِ (لَا إِلَهَ إلا الله

الْحَلِيمُ) الَّذِي لَا يُعَجِّلُ بِالْعُقُوبَةِ (الْكَرِيمُ) الَّذِي يُعْطِي بِغَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ وَبِدُونِ الْمِنَّةِ (رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) اخْتُلِفَ فِي كَوْنِ الْعَظِيمِ صِفَةٌ لِلرَّبِّ أو العرش كما قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ نقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ رَوَاهُ بِرَفْعِ الْعَظِيمِ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِلرَّبِّ وَالَّذِي ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِلْعَرْشِ وَكَذَلِكَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (رَبِّ الْعَرْشِ العظيم ورب العرش الكريم) بِالْجَرِّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ فِي الْمَقَامِ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ العَجْزِ فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا يَعْجِزُ عَنْ إِعْطَاءِ مسؤول عَبْدِهِ الْمُتَوَجِّهِ إِلَى رَبِّهِ الْكَرِيمِ (مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ أَسْبَابِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ جَمْعُ مُوجِبَةٍ وَهِيَ الْكَلِمَةُ الْمُوجِبَةُ لِقَائِلِهَا الْجَنَّةَ وَقَالَ بن الْمَلَكِ يَعْنِي الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ وَالصِّفَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ رَحْمَتُكَ بِسَبَبِهَا (وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ) قَالَ السُّيُوطِيُّ أَيْ مُوجِبَاتِهَا جَمْعُ عَزِيمَةٍ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَعْمَالًا تَتَعَزَّمُ وَتَتَأَكَّدُ بِهَا مَغْفِرَتُكَ (وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بر) قال القارىء أَيْ طَاعَةً وَعِبَادَةً فَإِنَّهُمَا غَنِيمَةٌ مَأْخُوذَةٌ بِغَلَبَةِ دَوَاعِي عَسْكَرِ الرُّوحِ عَلَى جُنْدِ النَّفْسِ فَإِنَّ الْحَرْبَ قَائِمٌ بَيْنَهُمَا عَلَى الدَّوَامِ وَلِهَذَا يُسَمَّى الْجِهَادَ الْأَكْبَرَ لِأَنَّ أَعْدَى عَدُوِّكَ نَفْسُكَ الَّتِي بين جنبيك (والسلام مِنْ كُلِّ إِثْمٍ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِيهِ جَوَازُ سُؤَالِ الْعِصْمَةِ مِنْ كُلِّ الذُّنُوبِ وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ ذَلِكَ إِذِ الْعِصْمَةُ إِنَّمَا هِيَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ قَالَ وَالْجَوَابُ أَنَّهَا فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَاجِبَةٌ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِمْ جَائِزَةٌ وَسُؤَالُ الْجَائِزِ جَائِزٌ إِلَّا أَنَّ الْأَدَبَ سُؤَالُ الْحِفْظِ فِي حَقِّنَا لَا الْعِصْمَةُ وَقَدْ يَكُونُ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ هُنَا انْتَهَى (لَا تَدَعْ) أَيْ لَا تَتْرُكْ (لِي ذَنْبًا إِلَّا غَفَرْتَهُ) أَيْ إِلَّا مَوْصُوفًا بِوَصْفِ الْغُفْرَانِ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ وفيما يليه مفرع من أعم الأحوال (ولاهما) أَيْ غَمًّا (إِلَّا فَرَّجْتَهُ) بِالتَّشْدِيدِ وَيُخَفَّفُ أَيْ أزلته وكشفته (ولا حاجة هي لك رضى) أي بها يعني مريضة قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ في الترغيب رواها الترمذي وبن مَاجَهْ كِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ فَائِدِ بْنِ عَبْدِ الرحمن بن أبي الورقاء وزاد بن مَاجَهْ بَعْدَ قَوْلِهِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ثُمَّ يَسْأَلُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مَا شَاءَ فَإِنَّهُ يُقَدَّرُ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ بِاخْتِصَارٍ ثُمَّ قَالَ أَخْرَجْتُهُ شَاهِدًا وَفَائِدٌ مُسْتَقِيمُ

باب ما جاء في صلاة الإستخارة

الْحَدِيثِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْعِصْمَةَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ وَفَائِدٌ متروك روى عنه الثقات وقال بن عَدِيٍّ مَعَ ضَعْفِهِ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ [480]) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِيَ) بِفَتْحٍ اسْمُهُ زَيْدٌ وَقِيلَ أَبُو الْمَوَالِ جَدُّهُ أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى آلِ عَلِيٍّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ) أَيْ صَلَاةَ الِاسْتِخَارَةِ وَدُعَاءَهَا (فِي الْأُمُورِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كُلِّهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الْعُمُومِ وَأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَحْتَقِرُ أَمْرًا لِصِغَرِهِ وَعَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِهِ فَيَتْرُكُ الِاسْتِخَارَةَ فِيهِ فَرُبَّ أَمْرٍ يَسْتَخِفُّ بِأَمْرِهِ فَيَكُونُ في الإقدام عليه ضرر عظيم أوفى تَرْكِهِ (كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الِاسْتِخَارَةِ وَأَنَّهُ مُتَأَكَّدٌ مُرَغَّبٌ فِيهِ (إِذَا هَمَّ) أَيْ قَصَدَ (بِالْأَمْرِ) أَيْ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُرِيدُ فِعْلَهُ أَوْ تَرْكَهُ (فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ (مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا تَحْصُلُ سُنَّةُ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ بِوُقُوعِ الدُّعَاءِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ (ثُمَّ لْيَقُلْ) أَيْ بَعْدَ الصَّلَاةِ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ) أَيْ أَطْلُبُ مِنْكَ الْخَيْرَ أَوِ الْخِيَرَةَ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ اسْتَخَارَ اللَّهَ طَلَبَ مِنْهُ الْخَيْرَ وقال صاحب النهاية خار الله لك أَيْ أَعْطَاكَ اللَّهُ مَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ قَالَ وَالْخَيْرَةُ بِسُكُونِ الْيَاءِ الِاسْمُ مِنْهُ قَالَ فَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهِيَ الِاسْمُ مِنْ قَوْلِهِ اخْتَارَهُ اللَّهُ كَذَا فِي النَّيْلِ (بِعِلْمِكَ) الْبَاءُ فِيهِ وَفِي قَوْلِهِ بِقُدْرَتِكَ لِلتَّعْلِيلِ أَيْ بِأَنَّكَ أَعْلَمُ وَأَقْدَرُ قَالَهُ زَيْنُ الدَّيْنِ الْعِرَاقِيُّ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِعَانَةِ وَأَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِعْطَافِ كَمَا فِي قَوْلِهِ (رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ) أَيْ بِحَقِّ عِلْمِكَ وَقُدْرَتِكَ الشَّامِلَيْنِ كَذَا فِي عمدة القارىء وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ بِسَبَبِ عِلْمِكَ وَالْمَعْنَى أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تَشْرَحَ صَدْرِي لِخَيْرِ الْأَمْرَيْنِ بِسَبَبِ عِلْمِكَ بِكَيْفِيَّاتِ الْأُمُورِ وَجُزْئِيَّاتِهَا وَكُلِّيَّاتِهَا إِذْ لَا يُحِيطُ بِخَيْرِ الْأَمْرَيْنِ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلَّا مَنْ هُوَ كَذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وأنتم لا تعلمون

قَالَ الطِّيبِيُّ الْبَاءُ فِيهِمَا إِمَّا لِلِاسْتِعَانَةِ أَيْ أطلب خبرك مُسْتَعِينًا بِعِلْمِكَ فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ فِيهِمْ خَيْرَكَ وَأَطْلُبُ مِنْكَ الْقُدْرَةَ فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ وَإِمَّا لِلِاسْتِعْطَافِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا وَأَسْتَقْدِرُكَ أَيْ أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تَجْعَلَ لِيَ قُدْرَةً عَلَيْهِ (وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ) أَيْ تَعْيِينَ الْخَيْرِ وَتَبْيِينَهُ وَتَقْدِيرَهُ وَتَيْسِيرَهُ وَإِعْطَاءَ الْقُدْرَةِ لِيَ عَلَيْهِ (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ) أَيِ الَّذِي يُرِيدُهُ قَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ فَأَوْقَعَ الْكَلَامَ مَوْقِعَ الشَّكِّ عَلَى مَعْنَى التَّفْوِيضِ إِلَيْهِ وَالرِّضَا بِعِلْمِهِ فِيهِ وَهَذَا النَّوْعُ يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْبَلَاغَةِ تَجَاهُلَ الْعَارِفِ وَمَزْجَ الشَّكِّ بِالْيَقِينِ يُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّكَّ فِي أَنَّ الْعِلْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ لا في أصل العلم انتهى قال القارىء وَالْقَوْلُ الْآخَرُ هُوَ الظَّاهِرُ وَنَتَوَقَّفُ فِي جَوَازِ الْأَوَّلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى (فِي دِينِي) أَيْ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِدِينِي (وَمَعِيشَتِي) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمَعَاشِي قَالَ الْعَيْنِيُّ الْمَعَاشُ وَالْمَعِيشَةُ وَاحِدٌ يُسْتَعْمَلَانِ مَصْدَرًا وَاسْمًا وَفِي الْمُحْكَمِ الْعَيْشُ الْحَيَاةُ عَاشَ عَيْشًا وَعِيشَةً وَمَعِيشًا وَمَعَاشًا ثُمَّ قَالَ الْمَعِيشُ وَالْمَعَاشُ وَالْمَعِيشَةُ مَا يُعَاشُ بِهِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ زَادَ أَبُو دَاوُدَ وَمَعَادِي وَهُوَ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعَاشِ الْحَيَاةُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمَعَاشِ مَا يُعَاشُ فِيهِ وَلِذَلِكَ وقع في حديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي دُنْيَايَ وَآخِرَتِي انْتَهَى (وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَاقْتُصِرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ على عاقبة أمري وكذا في حديث بن مَسْعُودٍ وَهُوَ يُؤَيِّدُ أَحَدَ الِاحْتِمَالَيْنِ وَأَنَّ الْعَاجِلَ وَالْآجِلَ مَذْكُورَانِ بَدَلَ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ أَوْ بَدَلَ الْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْكِرْمَانِيِّ لَا يَكُونُ الدَّاعِي جَازِمًا بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا إِنْ دَعَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ مَرَّةً فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي وَمَرَّةً فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ وَمَرَّةً فِي دِينِي وَعَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ قَالَ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ أَيِ الشَّكُّ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَلَا أَبِي هُرَيْرَةَ أَصْلًا انْتَهَى (فَيَسِّرْهُ لِي) وَفِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ عن بن مَسْعُودٍ فَوَفِّقْهُ وَسَهِّلْهُ (وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ) بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا أَيْ يَسِّرْهُ عَلَيَّ وَاجْعَلْهُ مَقْدُورًا لِفِعْلِي (حَيْثُ كَانَ) أَيِ الْخَيْرُ (ثُمَّ أَرْضِنِي بِهِ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ أَيِ

اجْعَلْنِي رَاضِيًا بِهِ (يُسَمِّي حَاجَتَهُ) أَيْ أَثْنَاءَ الدُّعَاءِ عِنْدَ ذِكْرِهَا بِالْكِنَايَةِ عَنْهَا فِي قَوْلِهِ إِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ بَعْدَهَا فِي الْأُمُورِ الَّتِي لَا يَدْرِي الْعَبْدُ وَجْهَ الصَّوَابِ فِيهَا أَمَّا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ خَيْرُهُ كَالْعِبَادَاتِ وَصَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ فَلَا حَاجَةَ لِلِاسْتِخَارَةِ فِيهَا قَالَ النَّوَوِيُّ إِذَا اسْتَخَارَ مَضَى بَعْدَهَا لِمَا شُرِحَ لَهُ صَدْرُهُ انْتَهَى وَهَلْ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وفي الْأَمْرِ الْوَاحِدِ إِذَا لَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهُ الصَّوَابِ فِي الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ مِمَّا لَمْ يَنْشَرِحْ لَهُ صَدْرُهُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ الظَّاهِرُ الِاسْتِحْبَابُ وَقَدْ وَرَدَ تَكْرَارُ الِاسْتِخَارَةِ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ بن السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا هَمَمْتَ بِأَمْرٍ فَاسْتَخِرْ رَبَّكَ فِيهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ انْظُرْ إِلَى الَّذِي يَسْبِقُ إِلَى قَلْبِكَ فَإِنَّ الْخَيْرَ فِيهِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ سَاقِطٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ فِي رَكْعَتَيِ الِاسْتِخَارَةِ فِي الْأُولَى بَعْدَ الفاتحة قل يا أيها الكافرون وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ أَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ أَحَادِيثِ الِاسْتِخَارَةِ مَا يُقْرَأُ فِيهِمَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ (وأبي أيوب) أخرجه أحمد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (وَهُوَ شَيْخٌ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ إِلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ حَكَمَ التِّرْمِذِيُّ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ بِالصِّحَّةِ تَبَعًا لِلْبُخَارِيِّ فِي إِخْرَاجِهِ فِي الصَّحِيحِ وَصَحَّحَهُ أيضا بن حِبَّانَ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ إِنَّ حَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي الموالي في الاستخارة منكر وقال بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالَّذِي أَنْكَرَ عَلَيْهِ حَدِيثَ الِاسْتِخَارَةِ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وقال شيخنا زين الدين كان بن عدي أراد بذلك أن لحديثه هذا شاهد مِنْ حَدِيثِ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَخَرَجَ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فَرْدًا مُطْلَقًا وَقَدْ وَثَّقَهُ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى

باب ما جاء في صلاة التسبيح

19 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ [482]) قَوْلُهُ (أخبرنا موسى بن عبيدة) بضم أوله بن نَشِيطٍ الرَّبَذِيُّ أَبُو عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَدَنِيُّ ضَعِيفٌ وَلَا سِيَّمَا فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَكَانَ عَابِدًا مِنْ صِغَارِ السَّادِسَةِ (حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَكَذَا قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (عَنْ أَبِي رَافِعٍ) الْقِبْطِيِّ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمُهُ بن إِبْرَاهِيمُ وَقِيلَ أَسْلَمُ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ هُرْمُزُ مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ عَلَى الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (أَلَا أَصِلُكَ) مِنَ الصِّلَةِ (أَلَا أَحْبُوكَ) أَيْ أَلَا أُعْطِيكَ يُقَالُ حَبَاهُ كَذَا وَبِكَذَا إِذَا أَعْطَاهُ وَالْحِبَاءُ الْعَطِيَّةُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (يا عم صل أربع ركعات) ظاهر أنه بتسليم واحد لي كَانَ أَوْ نَهَارًا (فَإِذَا انْقَضَتِ الْقِرَاءَةُ) وَفِي حديث بن عَبَّاسٍ فَإِذَا فَرَغْتَ عَنِ الْقِرَاءَةِ (فَقُلِ اللَّهُ أَكْبَرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ التَّرْتِيبَ غَيْرُ لَازِمٍ بَلْ بِأَيِّهِنَّ بَدَأَ يَصِحُّ (ثُمَّ ارْكَعْ فَقُلْهَا عَشْرًا) أَيْ بَعْدَ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ كَذَا (فِي شَرْحِ السُّنَّةِ ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقُلْهَا عَشْرًا) أَيْ بَعْدَ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ (ثُمَّ اسْجُدْ فَقُلْهَا عَشْرًا) أَيْ بَعْدَ تَسْبِيحِ السُّجُودِ (ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقُلْهَا عَشْرًا) قَالَ القارىء مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ دُعَاءٍ عِنْدَنَا وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَقُولَهَا بَعْدَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَنَحْوِهِ انْتَهَى قُلْتُ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ (ثُمَّ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَقُلْهَا عَشْرًا قَبْلَ أَنْ تَقُومَ) أَيْ فِي جِلْسَةِ الاستراحة وفيه ثبوت جلسة الاستراحة قال القارىء هُوَ يَحْتَمِلُ جِلْسَةَ

الِاسْتِرَاحَةِ وَجِلْسَةَ التَّشَهُّدِ انْتَهَى قُلْتُ هُوَ لَا يَحْتَمِلُ إِلَّا جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ فَإِنَّ جِلْسَةَ التَّشَهُّدِ لَا تَكُونُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (فَذَلِكَ) أَيْ مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّسْبِيحَاتِ (مِثْلُ رَمْلٍ عَالِجٍ) أَوَّلُهُ عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ وَآخِرُهُ جِيمٌ وَهُوَ مَا تَرَاكَمَ مِنَ الرَّمَلِ وَدَخَلَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ وَهُوَ أَيْضًا اسْمُ مَوْضِعٍ كَثِيرِ الرِّمَالِ (حَتَّى قَالَ فَقُلْهَا فِي سَنَةٍ) وَفِي رِوَايَةِ بن عَبَّاسٍ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي عُمُرِكَ مَرَّةً قَوْلُهُ وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي بَالَغَ بن الْجَوْزِيِّ فَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَأَعَلَّهُ بِمُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَمْ يَنْتَهِ إِلَى دَرَجَةِ الْوَضْعِ وَمُوسَى ضَعَّفُوهُ وَقَالَ فِيهِ بن سَعْدٍ ثِقَةٌ وَلَيْسَ بِحَجَّةٍ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ صَدُوقٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ جَدًّا وَشَيْخُهُ سَعِيدٌ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وقد ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ مَا رَوَى عَنْهُ سِوَى مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ انتهى ما في قوت المغتذي [481] قَوْلُهُ كَبِّرِي اللَّهَ عَشْرًا وَسَبِّحِي اللَّهَ عَشْرًا وَاحْمَدِيهِ عَشْرًا قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِيرَادُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي التَّسْبِيحِ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ لَا فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي عِدَّةِ طُرُقٍ مِنْهَا فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى وَالدُّعَاءِ لِلطَّبَرَانِيِّ فَقَالَ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ إِذَا صَلَّيْتِ الْمَكْتُوبَةَ فَقُولِي سُبْحَانَ اللَّهِ عَشْرًا إِلَى آخِرِهِ انْتَهَى كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ أَجَابَ عَنْهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَلَّمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَقُولَ فِي الصَّلَاةِ وأن

تَقُولَ بَعْدَهَا وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ مَعَ بَقَاءِ كُلِّ رِوَايَةٍ عَلَى ظَاهِرِهَا قَالَ وَيُؤَيِّدُ أَنَّهُ عَلَّمَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَقُولَهَا فِي الصَّلَوَاتِ قَوْلُهَا أقولهن في صلاتي لكن أم يذهب أحد من أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِحَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ أقولهن في دبر صلاتي وإيراد المصنف ها هنا بِاعْتِبَارِ مُنَاسَبَةٍ مَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عباس) أخرجه أبو داود وبن ماجه والبيهقي في الدعوات الكبير وبن خزيمة في صحيحه وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو) بْنِ الْعَاصِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ) أخرجه أبو نعيم في كتاب القربان مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ كَذَا فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْأَذْكَارِ الْمُسَمَّاةِ بِنَتَائِجِ الْأَفْكَارِ لِلْحَافِظِ بن حجر (وأبي رافع) أخرجه المؤلف وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ حَدِيثٍ فِي صَلَاةِ التسبيح) قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي نَتَائِجِ الْأَفْكَارِ وَرَدَتْ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَخِيهِ الْفَضْلِ وَأَبِيهِمَا الْعَبَّاسِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو علي بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَخِيهِ جَعْفَرٍ وَابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَالْأَنْصَارِيِّ غَيْرُ مُسَمًّى وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ تَخْرِيجَ أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ كَبِيرُ شَيْءٍ) قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي الترغيب بعد ذكر حديث عكرمة عن بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طريق كَثِيرَةٍ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَمْثَلُهَا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ هَذَا وَقَدْ صَحَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ وَشَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحِيمِ الْمِصْرِيُّ وَشَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَقْدِسِيُّ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ لَيْسَ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَيْرُ هَذَا وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ رحمه الله تعالى لا يروى هَذَا الْحَدِيثِ إِسْنَادٌ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا يَعْنِي إسناد حديث عكرمة عن بن عَبَّاسٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي فَضَائِلِ سُوَرِ الْقُرْآنِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَأَصَحُّ شَيْءٍ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعَقِيلِيُّ لَيْسَ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ

حَدِيثٌ يَثْبُتُ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ لَيْسَ فِيهَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ وَبَالَغَ بن الْجَوْزِيِّ فَذَكَرَهُ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَصَنَّفَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ جُزْءًا فِي تَصْحِيحِهِ فَتَبَايَنَا وَالْحَقُّ أَنَّ طرقه كلها ضعيفة وإن كان حديث بن عَبَّاسٍ يَقْرُبُ مِنْ شَرْطِ الْحَسَنِ إِلَّا أَنَّهُ شَاذٌّ لِشِدَّةِ الْفَرْدِيَّةِ فِيهِ وَعَدَمِ الْمُتَابِعِ وَالشَّاهِدِ مِنْ وَجْهٍ مُعْتَبَرٍ وَمُخَالَفَةِ هَيْئَتِهَا لِهَيْئَةِ بَاقِي الصلوات موسى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا صَالِحًا فَلَا يُحْتَمَلُ مِنْهُ هَذَا التَّفَرُّدُ وَقَدْ ضَعَّفَهَا بن تيمية والمزي وتوقف الذهبي حكاه بن الْهَادِي فِي أَحْكَامِهِ عَنْهُمْ وَقَدِ اخْتَلَفَ كَلَامُ الشيخ محي الدِّينِ فَوَهَّاهَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ حَدِيثُهَا ضَعِيفٌ وَفِي اسْتِحْبَابِهَا عِنْدِي نَظَرٌ لِأَنَّ فِيهَا تغييرا الهيئة الصَّلَاةِ الْمَعْرُوفَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تُفْعَلَ وَلَيْسَ حَدِيثُهَا بِثَابِتٍ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ قد جاء في صلاة التسبيع حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ وَذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهِيَ سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَمَالَ فِي الْأَذْكَارِ أَيْضًا إِلَى اسْتِحْبَابِهِ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ قُلْتُ قَدِ اخْتَلَفَ كَلَامُ الْحَافِظِ أَيْضًا فَضَعَّفَهُ فِي التَّلْخِيصِ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا وَمَالَ إِلَى تَحْسِينِهِ فِي الْخِصَالِ الْمُفَكِّرَةِ لِلذُّنُوبِ الْمُقَدَّمَةِ وَالْمُؤَخَّرَةِ فَقَالَ رِجَالُ إِسْنَادِهِ لَا بَأْسَ بِهِمْ عِكْرِمَةُ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَالْحَكَمُ صَدُوقٌ وَمُوسَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ فِيهِ بن مَعِينٍ لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا وَقَالَ النَّسَائِيُّ نحو ذلك قال بن الْمَدِينِيِّ فَهَذَا الْإِسْنَادُ مِنْ شَرْطِ الْحَسَنِ فَإِنَّ له شواهد تقويه وقد أساء بن الْجَوْزِيِّ بِذِكْرِهِ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَقَوْلُهُ إِنَّ مُوسَى مَجْهُولٌ لَمْ يُصِبْ فِيهِ لِأَنَّ مَنْ يُوَثِّقُهُ بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ فَلَا يَضُرُّهُ أَنْ يَجْهَلَ حَالَهُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمَا وَشَاهِدُهُ مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ من حديث العباس والترمذي وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وَرَوَاهُ أَبُو داود من حديث بن عَمْرٍو بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ من طريق بن عَمْرٍو وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى انْتَهَى وَكَذَا مَالَ إِلَى تَحْسِينِهِ فِي أَمَالِي الْأَذْكَارِ قَوْلُهُ (وَقَدْ روى بن الْمُبَارَكِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ صَلَاةَ التَّسْبِيحِ وَذَكَرُوا الْفَضْلَ فِيهِ)

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي رافع المذكور رواه بن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يَفْعَلُهَا وَتَدَاوَلَهَا الصَّالِحُونَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِلْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ انْتَهَى [483] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو وَهْبٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْعَامِرِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَرْوَزِيُّ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَتَيْنِ (ثُمَّ يَقُولُ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَفَاتِحَةَ الكتاب وسورة) ليس فيه حديث أبي رافع ولا في حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَيْنِ ذِكْرُ التَّسْبِيحِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ كَمَا عَرَفْتَ (ثُمَّ يَقُولُ عَشْرَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَرْكَعُ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ الْمَذْكُورِ فَإِذَا انْقَضَتِ الْقِرَاءَةُ فَقُلِ اللَّهُ أَكْبَرُ والحمد لله سحبان اللَّهِ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ بِذِكْرِ التَّسْبِيحِ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرَّةً فِي هَذَا الْمَوْضِعِ كَمَا عَرَفْتَ (ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ فَيَقُولُهَا عَشْرًا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ عَلَى هذا) ليس في رواية بن الْمُبَارَكِ هَذِهِ ذِكْرُ التَّسْبِيحِ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ وحديث بن عباس المذكوري وَقَدْ ذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ هَذِهِ فِي التَّرْغِيبِ نَقْلًا عَنْ هَذَا الْكِتَابِ أَعْنِي جَامِعَ التِّرْمِذِيِّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ من صفتها موافق لما في حديث بن عَبَّاسٍ وَأَبِي رَافِعٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ يُسَبِّحُ قبل القراءة خمش عَشْرَةَ وَبَعْدَهَا عَشْرًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ تَسْبِيحًا وَفِي حَدِيثِهِمَا أَنَّهُ يُسَبِّحُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ قَبْلَهَا تَسْبِيحًا وَيُسَبِّحُ أَيْضًا بَعْدَ الرَّفْعِ فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ عَشْرًا

وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُنَابٍ الْكَلْبِيِّ عن أبي الجوزاء عن بن عمر وقال قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أَحْبُوكَ أَلَا أُعْطِيكَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِالصِّفَةِ التي رواها الترمذي عن بن الْمُبَارَكِ قَالَ وَهَذَا يُوَافِقُ مَا رَوَيْنَاهُ عَنِ بن الْمُبَارَكِ وَرَوَاهُ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ قَالَ نَزَلَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَخَالَفَهُ فِي رَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرِ التَّسْبِيحَاتِ فِي ابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ إِنَّمَا ذَكَرَهَا بَعْدَهَا ثُمَّ ذَكَرَ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ كَمَا ذَكَرَهَا سَائِرُ الرُّوَاةِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ جُمْهُورُ الرُّوَاةِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حديث بن عباس وأبي رافع والعمل بها أولى أولى إذا لَا يَصِحُّ رَفْعُ غَيْرِهَا انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ (وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ العزيز هو بن أَبِي رِزْمَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ الْيَشْكُرِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ (عن عبد الله) هو بن الْمُبَارَكِ (قَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ) هُوَ الضَّبِّيُّ (أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ زَمْعَةَ) التَّمِيمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ مِنْ قُدَمَاءِ الْعَاشِرَةِ (قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ إِنْ سَهَا فِيهَا) أَيْ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ (أَيُسَبِّحُ فِي سَجْدَتَيِ السَّهْوِ عَشْرًا عَشْرًا قَالَ لَا إِنَّمَا هِيَ ثلاث مائة تسبيحة) قال القارىء في المرقاة مفهومة أنه سَهَا وَنَقَصَ عَدَدًا مِنْ مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ يَأْتِي به في محل اخر تكمله للعد الْمَطْلُوبِ انْتَهَى فَوَائِدُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِصَلَاةِ التَّسْبِيحِ الْأُولَى قَدْ وَقَعَ اخْتِلَافُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّ حَدِيثَ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ حَسَنٌ أَمْ ضَعِيفٌ أَمْ مَوْضُوعٌ وَالظَّاهِرُ عندي أنه لا ينحط وإن حديث بن عَبَّاسٍ يَقْرُبُ مِنْ شَرْطِ الْحَسَنِ إِلَّا أَنَّهُ شَاذٌّ لِشِدَّةِ الْفَرْدِيَّةِ فِيهِ وَعَدَمِ الْمُتَابِعِ وَالشَّاهِدِ من وجه

مُعْتَبَرٍ فَجَوَابُهُ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِ فِي الْخِصَالِ الْمُكَفِّرَةِ وَأَمَالِي الْأَذْكَارِ وَأَمَّا مُخَالَفَةُ هَيْئَتِهَا لِهَيْئَةِ بَاقِي الصَّلَوَاتِ فَلَا وَجْهَ لِضَعْفِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي كِتَابِهِ الْآثَارِ الْمَرْفُوعَةِ اعْلَمْ أَنَّ أَكْثَرَ أَصْحَابِنَا الْحَنَفِيَّةِ وكثير من المشائخ الصُّوفِيَّةِ قَدْ ذَكَرُوا فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي حَكَاهَا التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ الْخَالِيَةَ عَنْ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَالْمُشْتَمِلَةَ عَلَى التَّسْبِيحَاتِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَبَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَذَلِكَ لِعَدَمِ قَوْلِهِمْ بِجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِي غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَاتِ الرَّاتِبَةِ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْمُحَدِّثُونَ أَكْثَرُهُمُ اخْتَارُوا الْكَيْفِيَّةَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَى جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا أَسْلَفْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ ثُبُوتًا هُوَ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ فَلْيَأْخُذْ بِهَا من يصليها حنيفا كَانَ أَوْ شَافِعِيًّا انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ إِنَّ جُمْهُورَ الرواة على الصفة المذكورة في حديث بن عَبَّاسٍ وَأَبِي رَافِعٍ وَالْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى إِذْ لَا يَصِحُّ رَفْعُ غَيْرِهَا انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ هَذَا الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ الْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ التَّسْبِيحِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ عكرمة عن بن عَبَّاسٍ مِنْ حَدِيثِ أُبَيٍّ الْجَوَازَ حَدَّثَنِي رَجُلٌ كَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ يَرَوْنَ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ قَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ائْتِنِي غَدًا أَحْبُوكَ وَأُثِيبُكَ وَأُعْطِيكَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ يُعْطِينِي قَالَ إِذَا زَالَ النَّهَارُ فَقُمْ فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَالَ ثُمَّ تَرْفَعُ رَأَسَكَ يَعْنِي مِنَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَوِ جَالِسًا وَلَا تَقُمْ حَتَّى تسبح عشرا وتكبير عَشْرًا وَتَحَمَدَ عَشْرًا وَتُهَلِّلَ عَشْرًا ثُمَّ تَصْنَعَ ذَلِكَ فِي الْأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ الْحَدِيثَ وَسَكَتَ عَنْهُ أبو داود والمنذري وقال السيوطي في اللالىء قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ تَنْبِيهٌ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَيَنْبَغِي لِلْمُتَعَبِّدِ أَنْ يَعْمَلَ بِحَدِيثِ بن عباس تارة ويعمل بحديث بن الْمُبَارَكِ أُخْرَى وَأَنْ يَفْعَلَهَا بَعْدَ الزَّوَالِ قَبْلَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَأَنْ يَقْرَأَ فِيهَا تَارَةً بِالزَّلْزَلَةِ والعاديات والفتح وا خلاص وتارة بألهاكم والعصر والكافرون وا خلاص وأن يكون دعاءه بَعْدَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَيَدْعُوُ لِحَاجَتِهِ فَفِي كُلِّ شَيْءٍ ذَكَرْتُهُ وَرَدَتْ سُنَّةٌ انْتَهَى قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَا وَرَدَ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مِنَ السُّنَّةِ إِلَّا فِي فِعْلِ صَلَاةِ التَّسْبِيحِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالْأَوْلَى عِنْدِي العمل بحديث بن عباس وأبي رافع واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في صفة الصلاة على النبي

20 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ [483]) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (عَنْ مسعر) هو بن كِدَامٍ (وَالْأَجْلَحِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُجَيَّةَ بالمهملة والجيم مصغر الْكِنْدِيِّ يُقَالُ اسْمُهُ يَحْيَى صَدُوقٌ شِيعِيٌّ مِنَ السَّابِعَةِ (مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ الْكُوفِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ (هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَلِمْنَا) يَعْنِي بِمَا فِي أَحَادِيثِ التَّشَهُّدِ وَهُوَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهُ وَبَرَكَاتُهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَأَخُّرِ مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَنِ التَّشَهُّدِ كَذَا فِي النَّيْلِ (فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ) وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ عَلَى مَا فِي الْمِشْكَاةِ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللَّهَ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ وَفِي الْمِرْقَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ سَنَدُهَا جَيِّدٌ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النبي يا أيها الذي امنوا صلوا عليه وسلموا تسليما جاء رجل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إِلَخْ وَفِي أُخْرَى لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَسَكَتَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يُسْأَلْ ثُمَّ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ إِلَخْ وَفِي آخِرِهِ وَالسَّلَامُ كَمَا عَلِمْتُمْ أَيْ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَوْ بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مَعَ تَشْدِيدِ اللَّامِ انْتَهَى (قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ على محمد) قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ مَعْنَاهُ عَظَمَةٌ فِي الدُّنْيَا بِإِعْلَاءِ ذِكْرِهِ وَإِظْهَارِ دَعْوَتِهِ وَإِبْقَاءِ شَرِيعَتِهِ وَفِي الْآخِرَةِ بِتَشْفِيعِهِ فِي أُمَّتِهِ وَتَضْعِيفِ أَجْرِهِ وَمَثُوبَتِهِ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَمْ نَبْلُغْ قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْ ذَلِكَ أَحَلْنَاهُ عَلَى اللَّهِ وَقُلْنَا اللَّهُمَّ صَلِّ أَنْتَ عَلَى مُحَمَّدٍ لِأَنَّكَ أَعْلَمُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَهَذَا الدُّعَاءُ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ هَلْ يَجُوزُ إِطْلَاقُهُ عَلَى غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ فَلَا يُقَالُ لِغَيْرِهِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الصَّلَاةُ الَّتِي بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ وَالتَّكْرِيمِ لَا تُقَالُ لِغَيْرِهِ وَالَّتِي بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَالتَّبَرُّكِ تُقَالُ لِغَيْرِهِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى أَيْ تَرَحَّمْ وَبَرِّكْ وَقِيلَ فِيهِ إِنَّ هَذَا خَاصٌّ لَهُ وَلَكِنَّهُ هُوَ آثَرَ بِهِ غَيْرَهُ وَأَمَّا سِوَاهُ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ أَحَدٌ انْتَهَى مَا فِي النِّهَايَةِ (عَلَى

آلِ مُحَمَّدٍ) فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَآلِ مُحَمَّدٍ بِحَذْفِ عَلَى وَسَائِرُ الرِّوَايَاتِ فِي هَذَا الحديث وغيره بإثباتها وقد ذهب فالأكثر على أنهم هل بَيْتِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ دَلَّ هَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِمُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ أن ال محمد هم الذي حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ وَعُوِّضُوا مِنْهَا الْخُمُسَ وَهُمْ صليبة بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ قِيلَ آلُهُ أَصْحَابُهُ وَمَنْ آمَنَ بِهِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى الْجَمِيعِ انْتَهَى مَا فِي النِّهَايَةِ قُلْتُ وَفِي تَفْسِيرِ آلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْوَالٌ أُخْرَى وَقَدْ جَاءَ فِي تَفْسِيرِ الْآلِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سئل عن الال قال ال محمد تَقِيٍّ وَرُوِيَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَمِنْ حديث أنس رضي الله عنهما وَفِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَعْنَى الْآلِ لُغَةً قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْآلُ أَهْلُ الرَّجُلِ وَأَتْبَاعُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ وَلَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا فِيهِ شَرَفٌ غَالِبًا فَلَا يُقَالُ آلُ الْإِسْكَافِ كَمَا يُقَالُ أَهْلُهُ انْتَهَى (كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) فِي هَذَا التَّشْبِيهِ إِشْكَالٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ أَنَّ المقرر كون المشبهه دون المشبه به والواقع ها هنا عَكْسُهُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا وَحْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ وَأُجِيبُ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ هَذَا قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ وَمِنْهَا أَنَّهُ قَالَ تَوَاضُعًا وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ فِي الْأَصْلِ لَا فِي الْقَدْرِ كَمَا قِيلَ فِي (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قبلكم) وَكَمَا فِي (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلى نوح) وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَمِنْهَا أَنَّ الْكَافَ لِلتَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى ما هداكم) وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ مُعَلَّقٌ بِقَوْلِهِ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْهَا أَنَّ التَّشْبِيهَ مِنْ بَابِ إِلْحَاقِ مَا لَمْ يَشْتَهِرْ بِمَا اشْتُهِرَ وَمِنْهَا أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْمَذْكُورَةَ مَدْفُوعَةٌ بَلْ قَدْ يَكُونُ التَّشْبِيهُ بِالْمِثْلِ وَبِمَا دُونَهُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (مثل نوره كمشكاة) وَمِنْهَا أَنَّ الْمُشَبَّهَ مَجْمُوعُ الصَّلَاةِ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ بِمَجْمُوعِ الصَّلَاةِ عَلَى إِبْرَاهِيمِ وَآلِهِ وَفِي آلِ إِبْرَاهِيمَ مُعْظَمُ الْأَنْبِيَاءِ فَالْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَمِنْهَا أَنَّ مُرَادَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتِمَّ النِّعْمَةَ عَلَيْهِ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جُمْلَةِ آلِ إِبْرَاهِيمَ وَكَذَلِكَ آلُهُ فَالْمُشَبَّهُ هُوَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَى

إِبْرَاهِيمَ وَآلِهِ الَّذِي هُوَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ فَلَا ضَيْرَ فِي ذَلِكَ (إِنَّكَ حَمِيدٌ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَحْمُودٌ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ بِأَلْسِنَةِ خَلْقِهِ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلٍ فَإِنَّهُ يَحْمَدُ ذَاتَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْحَامِدُ وَهُوَ الْمَحْمُودُ (مَجِيدٌ) أَيْ عَظِيمٌ كَرِيمٌ (وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ) أَيْ آدَمَ وَأَثْبِتْ مَا أَعْطَيْتَهُ مِنَ التَّشْرِيفِ وَالْكَرَامَةِ وَأَصْلُهُ مِنْ بَرَكَ الْبَعِيرُ إِذَا ناخ فِي مَوْضِعِهِ وَلَزِمَهُ وَتُطْلَقُ الْبَرَكَةُ عَلَى الزِّيَادَةِ وَالْأَصْلُ هُوَ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (قَالَ مَحْمُودٌ) أَيِ بن غيلان شيخ الترمذي (وزادني زائدة) هو بن قُدَامَةَ الثَّقَفِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ صَاحِبُ سُنَّةٍ (قَالَ وَنَحْنُ نَقُولُ وَعَلَيْنَا مَعَهُمْ) أَيْ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَنَحْنُ نَقُولُ بَعْدَ قَوْلِهِ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْنَا مَعَهُمْ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ إِنَّمَا يَزِيدُونَهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي حُمَيْدٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ وَطَلْحَةَ وَأَبِي سعيد وبريدة وزيد بن خارجة ويقال بن جَارِيَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي مُسْنَدِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا فِي النَّيْلِ وَلَفْظُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَأْتِي فِي تَخْرِيجِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ كَذَا فِي المنتفي وأما حديث طلحة وهو بن عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَفِي رِوَايَةٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ فِيهَا وَآلِ إِبْرَاهِيمَ كَذَا فِي النَّيْلِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه بلفظ قولوا اللهم صلى عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتَكَ وَبَرَكَاتِكَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا جَعَلْتَهَا عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَفِيهِ أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى اسْمُهُ نُفَيْعٌ

باب ما جاء في فضل الصلاة على النبي

وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَمُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ صلى عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى) مُبْتَدَأٌ (كُنْيَتُهُ أَبُو عِيسَى) جُمْلَةٌ وَهِيَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ أَبُو عِيسَى الْكُوفِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ وَبِلَالٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَدْرَكَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ الْأَنْصَارِيِّينَ وَعَنْهُ ابْنُهُ عِيسَى وَمُجَاهِدٌ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَكْبَرُ مِنْهُ وَالْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو وخلق وثقه بن مَعِينٍ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ انْتَهَى (وَأَبُو لَيْلَى اسْمُهُ يَسَارٌ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ وَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَحَابِيٌّ اسْمُهُ بِلَالٌ أَوْ بُلَيْلٌ بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَالُ دَاوُدُ وَقِيلَ هُوَ يَسَارٌ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَقِيلَ أَوْسٌ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَعَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ انْتَهَى 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ [484]) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَثْمَةَ) بِمُثَلَّثَةٍ سَاكِنَةٍ قَبْلَهَا فَتْحَةٌ وَيُقَالُ إِنَّهَا أُمُّهُ الْحَنَفِيُّ الْبَصْرِيُّ صدوق يخطيء مِنْ الْعَاشِرَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ فِي هَامِشِهَا نَقْلًا عَنِ التَّهْذِيبِ قَالَ أبو حاتم صالح الحديث وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ رُبَّمَا أَخْطَأَ (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ) أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ صدوق سيء الْحِفْظِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ وثقه بن مَعِينٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ أَبُو داود هو صالح وقال بن المديني ضعيف منكر الحديث وقال بن عَدِيٍّ عِنْدِي لَا بَأْسَ بِهِ وَبِرِوَايَاتِهِ

انْتَهَى (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَيْسَانَ الزُّهْرِيُّ مَوْلَاهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَعَنْهُ موسى بن يعقوب الزمعي وثقه بن حِبَّانَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَيْسَانَ الزُّهْرِيُّ مَوْلَى طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ مَقْبُولٌ مِنَ الخامسة (أن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ) بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيَّ أَبَا الْوَلِيدِ الْمَدَنِيِّ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَهُ الْعِجْلِيُّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ الثِّقَاتِ وَكَانَ مَعْدُودًا في الفقهاء مات بالكوفة مقتو سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَقِيلَ بَعْدَهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (أَوْلَى النَّاسِ بِي) أَيْ أَقْرَبُهُمْ بِي أَوْ أَحَقُّهُمْ بِشَفَاعَتِي (أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً) لِأَنَّ كَثْرَةَ الصَّلَاةِ مُنْبِئَةٌ عَنِ التَّعْظِيمِ الْمُقْتَضِي لِلْمُتَابَعَةِ النَّاشِئَةِ عَنِ الْمَحَبَّةِ الْكَامِلَةِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَيْهَا مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ قوله (هذا حديث حسن غريب) أخرجه بن حبان في صحيحه قال بن حِبَّانَ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانٌ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِيَامَةِ يَكُونُ أَصْحَابَ الْحَدِيثِ إِذْ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ أَكْثَرُ صَلَاةً عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَقَالَ غَيْرُهُ لِأَنَّهُمْ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ قَوْلًا وَفِعْلًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ [485] قَوْلُهُ (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً) أَيْ وَاحِدَةً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا) أَيْ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَالْمَعْنَى رَحِمَهُ وَضَاعَفَ أَجْرَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَقَلُّ الْمُضَاعَفَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ عَلَى ظَاهِرِهَا كَلَامًا يَسْمَعُهُ الْمَلَائِكَةُ تَشْرِيفًا لِلْمُصَلِّي وَتَكْرِيمًا لَهُ كَمَا جَاءَ وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَأٍ خير منهم قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الطِّيبِيِّ هَذَا لا حاجة إلى التقيد بِسَمَاعِ الْمَلَائِكَةِ لِأَنَّهُ جَاءَ وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي

انْتَهَى قُلْتُ إِذَا كَانَتِ الصَّلَاةُ عَلَى ظَاهِرِهَا كَلَامًا تَشْرِيفًا لِلْمُصَلِّي وَتَكْرِيمًا لَهُ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّقْيِيدِ بِسَمَاعِ الْمَلَائِكَةِ لِيُظْهِرَ عِنْدَهُمْ شَرَافَتَهُ وَكَرَامَتَهُ بِسَمَاعِهِمْ صَلَاةِ اللَّهِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَعَمَّارٍ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَنَسٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى دَخَلَ نَخْلًا فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ تَوَفَّاهُ قَالَ فَجِئْتُ أَنْظُرُ فرفع رأسه فقال مالك فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِي أَلَا أُبَشِّرُكَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لَكَ مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَاةً صَلَّيْتُ عَلَيْهِ وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ قَالَ مَيْرَكُ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الاسناد رواه أبو يعلى وبن أَبِي الدُّنْيَا نَحْوَهُ وَزَادَ أَحْمَدُ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ فَسَجَدْتُ شُكْرًا لِلَّهِ انْتَهَى وَقَالَ السَّخَاوِيُّ فِي الْقَوْلِ الْبَدِيعِ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنِ الْحَاكِمِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا أَعْلَمُ فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ أَصَحَّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى وَلَهُ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ ذَكَرَهَا السَّخَاوِيُّ فِي الْقَوْلِ الْبَدِيعِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ وهو بن يَاسِرٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَمَّارُ إن الله عَزَّ وَجَلَّ مَلَكًا أَعْطَاهُ الْخَلَائِقَ كُلَّهَا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى قَبْرِي إِذَا مِتُّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي يُصَلِّي عَلَيَّ صَلَاةً إِلَّا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ وَبِاسْمِ أَبِيهِ قَالَ صَلَّى عَلَيْكَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ كَذَا وَكَذَا فَيُصَلِّي الرَّبُّ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ بِكُلِّ وَاحِدٍ عَشْرًا انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبِشْرُ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ أَمَا يُرْضِيكَ يَا مُحَمَّدُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلَّا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا وَلَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِكَ إِلَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا انْتَهَى وَرَوَاهُ بن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وبن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ وَرُفِعَتْ لَهُ عشر درجات انتهى قال ميرك ورواه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي

قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا صَلَاةُ الرَّبِّ الرَّحْمَةُ وَصَلَاةُ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ) وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ صَلَاةُ اللَّهِ ثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء قال بن عَبَّاسٍ يُصَلُّونَ يُبَرِّكُونَ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح تحت قول أبي العالية أخرجه بن أبي حاتم وقال تحت قول بن عَبَّاسٍ وَصَلَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ (يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) قَالَ يُبَرِّكُونَ عَلَى النَّبِيِّ أَيْ يَدْعُونَ لَهُ بِالْبَرَكَةِ فَيُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي الْعَالِيَةِ لَكِنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ انْتَهَى [486] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلْمٍ الْبَلْخِيُّ الْمُصَاحِفِيُّ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ سُلَيْمَانُ بن سلم بإسكان اللام بن سَابِقٍ الْهَدَّادِيُّ أَبُو دَاوُدَ الْبَلْخِيُّ الْمَصَاحِفِيُّ عَنِ بن مُطِيعٍ وَالنُّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَعَنْهُ تَعْلِيقَاتٌ س وَوَثَّقَهُ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ (أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ) الْمَازِنِيُّ أَبُو الْحَسَنِ النَّحْوِيُّ نَزِيلُ مَرْوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ وَلَهُ اثْنَانِ وَثَمَانُونَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ أَبِي قُرَّةَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَشِدَّةِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ (الْأَسَدِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو قُرَّةَ الْأَسَدِيُّ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ أَبُو قُرَّةَ الْأَسَدِيُّ حَدَّثَ بِبَلَدِ صَيْدَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَجْهُولٌ تَفَرَّدَ عَنْهُ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (لَا يَصْعَدُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَقِيلَ بِضَمِّهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب) والجمهور على الفتح وقريء فِي الشَّوَاذِّ بِالضَّمِّ (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الدُّعَاءِ جِنْسُهُ (حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ عُمَرَ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا وَأَنْ يَكُونَ نَاقِلًا كَلَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحِينَئِذٍ فِيهِ تَجْرِيدٌ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ الْخِطَابُ عَامٌّ لَا يَخْتَصُّ مُخَاطَبٌ دُونَ مُخَاطَبٍ انْتَهَى قَالَ مَيْرَكُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مَوْقُوفًا وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا أَيْضًا وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ لَكِنْ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ إِنَّ هَذَا لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ حُكْمًا انْتَهَى قُلْتُ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لِجَهَالَةِ أَبِي قُرَّةَ الْأَسَدِيِّ وَفِي الْحِصْنِ الْحَصِينِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ إِذَا سَأَلْتَ

اللَّهَ حَاجَةً فَابْدَأْ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ادْعُ بِمَا شِئْتَ ثُمَّ اخْتِمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بِكَرَمِهِ يَقْبَلُ الصَّلَاتَيْنِ وَهُوَ أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يَدَعَ مَا بَيْنَهُمَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أَيِ الْوَاقِعُ فِي سَنَدِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي مَرَّ قَبْلَ هَذَا (هُوَ بن يَعْقُوبَ هُوَ مَوْلَى الْحُرَقَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحُرَقِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ أَبُو شِبْلٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَبِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ الْخَامِسَةِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيُّ مَوْلَى الْحُرَقَةِ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ عَنْ أَبِيهِ وَأَنَسٍ وَعِكْرِمَةَ وعنه بن جريج وبن إِسْحَاقَ وَمَالِكٌ وَخَلْقٌ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحٌ أُنْكِرُ مِنْ حَدِيثِهِ أَشْيَاءَ قَالَ الْوَاقِدِيُّ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ انْتَهَى (وَالْعَلَاءُ هُوَ مِنَ التَّابِعِينَ) أَيْ مِنْ صِغَارِهِمْ فَإِنَّ الْحَافِظَ عَدَّهُ مِنَ الطَّبَقَةِ الْخَامِسَةِ وَهِيَ الطَّبَقَةُ الصُّغْرَى مِنَ التَّابِعِينَ (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْقُوبَ وَالِدُ الْعَلَاءِ هُوَ مِنَ التَّابِعِينَ) أَيْ مِنْ أَوْسَاطِهِمْ فَإِنَّ الْحَافِظَ جَعَلَهُ فِي التَّقْرِيبِ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ طبقة الْوُسْطَى مِنَ التَّابِعِينَ (وَيَعْقُوبُ هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَدْ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَخْ) جَعَلَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ طَبَقَةُ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ يَعْقُوبُ مَوْلَى الْحُرَقَةِ مَدَنِيٌّ مُقِلٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَهُ عِنْدَهُ يَعْنِي عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ مَوْقُوفٌ انْتَهَى وَهُوَ قَوْلُهُ لَا يَبِعْ فِي سُوقِنَا إِلَّا مَنْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّهْذِيبِ [487] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِيُّ) ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنْ كِبَارِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ يَعْقُوبَ (قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا يَبِعْ إِلَخْ) قَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ

التِّرْمِذِيُّ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ أَنَّ يَعْقُوبَ قَدْ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَرَوَى عَنْهُ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ أَدْخَلَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي هَذَا الباب قوله (والعلاء بن عب الرَّحْمَنِ) أَيِ الْوَاقِعُ فِي سَنَدِ حَدِيثِ أَبِي هريرة الذي مر قبل هذا (هو بن يعقوب هو مولى احرقة) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْحُرَقِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ أَبُو شِبْلٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَبِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ الْخَامِسَةِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيُّ مَوْلَى الْحُرَقَةِ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ عَنْ أبيه وأنس وعكرمة وعنه وبن جريج وبن إِسْحَاقَ وَمَالِكٌ وَخَلْقٌ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحٌ أُنْكِرُ من حدثنا أَشْيَاءَ قَالَ الْوَاقِدِيُّ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ انْتَهَى (وَالْعَلَاءُ هُوَ مِنَ التَّابِعِينَ) أَيْ مِنْ صِغَارِهِمْ فَإِنَّ الْحَافِظَ عَدَّهُ مِنَ الطَّبَقَةِ الْخَامِسَةِ وَهِيَ الطَّبَقَةُ الصُّغْرَى مِنَ التَّابِعِينَ (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْقُوبَ وَالِدُ الْعَلَاءِ هُوَ مِنَ التَّابِعِينَ) أَيْ مِنْ أَوْسَاطِهِمْ فَإِنَّ الْحَافِظَ جَعَلَهُ فِي التقريب من الطبقة الثالثة وهي طبقة الْوُسْطَى مِنَ التَّابِعِينَ (وَيَعْقُوبُ هُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَدْ أَدْرَكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ إِلَخْ) جَعَلَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مِنَ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وهب طَبَقَةُ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ يَعْقُوبُ مَوْلَى الْحُرَقَةِ مَدَنِيٌّ مُقِلٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَهُ عِنْدَهُ يَعْنِي عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ مَوْقُوفٌ انْتَهَى وَهُوَ قَوْلُهُ لَا يَبِعْ فِي سُوقِنَا إِلَّا مَنْ تَفَقَّهَ فِي الدين كما صرح به في التهذيب

4 - أبواب الجمعة

4 - أَبْوَابُ الْجُمُعَةِ [488] يُقَالُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا حَكَاهُنَّ الْفَرَّاءُ وَالْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَوَجَّهُوا الْفَتْحَ بِأَنَّهَا تَجْمَعُ النَّاسَ وَيَكْثُرُونَ فِيهَا كَمَا يُقَالُ هُمَزَةٌ وَلُمَزَةٌ بِكَثْرَةِ الْهَمْزِ وَاللَّمْزِ وَنَحْوُ ذَلِكَ سُمِّيَتْ جُمُعَةً لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُسَمَّى الْعَرُوبَةَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (بَابُ فَضْلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) قَوْلُهُ (فِيهِ خُلِقَ آدَمُ إِلَخْ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْقَضَايَا الْمَعْدُودَةَ لَيْسَتْ لِذِكْرِ فَضِيلَتِهِ لِأَنَّ إِخْرَاجَ آدَمَ وَقِيَامَ السَّاعَةِ لَا يُعَدُّ فَضِيلَةً وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعِظَامِ وَمَا سَيَقَعُ لِيَتَأَهَّبَ الْعَبْدُ فِيهِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِنَيْلِ رَحْمَةِ اللَّهِ وَدَفْعِ نِقْمَتِهِ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ الْجَمِيعُ مِنَ الْفَضَائِلِ وَخُرُوجُ آدَمَ مِنَ الْجَنَّةِ هُوَ سَبَبُ وُجُودِ الذُّرِّيَّةِ وَهَذَا النَّسْلِ الْعَظِيمِ وَوُجُودِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا طَرْدًا كَمَا كَانَ خُرُوجُ إِبْلِيسَ وَإِنَّمَا كَانَ خُرُوجُهُ مُسَافِرًا لِقَضَاءِ أَوْطَارٍ ثُمَّ يَعُودُ إِلَيْهَا وَأَمَّا قِيَامُ السَّاعَةِ فَسَبَبٌ لِتَعْجِيلِ جَزَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ وَالْأَوْلِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَإِظْهَارِ كَرَامَتِهِمْ وَشَرَفِهِمْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي لبابة) أخرجه بن مَاجَهْ (وَسَلْمَانَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

باب في الساعة التي ترجى في يوم الجمعة

(وأبي ذر) هو الغفاري وحديثه عند بن عبد البر في التمهيد وبن الْمُنْذِرِ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ (وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ (وَأَوْسِ بْنِ أَوْسٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن ماجه والدارمي والبيهقي في الدعوات الكبير قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي (بَابٌ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ [489]) أَيْ تُطْمَعُ إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ فِيهَا قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ) فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمَدَنِيُّ لَقَبُهُ حَمَّادٌ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (الْتَمِسُوا) أَيِ اطْلُبُوا (تُرْجَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تُطْمَعُ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ فِيهَا (بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ) (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ) قَالَ القارىء نَقْلًا عَنْ مَيْركَ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ بن لَهِيعَةَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَهِيَ قَدْرُ هَذَا وَأَشَارَ إِلَى قَبْضَتِهِ وَإِسْنَادُهُ أَصَحُّ مِنْ إِسْنَادِ الترمذي وقال العسقلاني يعني الحافظ بن حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَرُوِيَ هَذَا عَنِ بن عباس موقوفا عليه رواه بن جَرِيرٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سعيد

الْخُدْرِيِّ انْتَهَى (وَقَالَ أَحْمَدُ أَكْثَرُ الْحَدِيثِ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تُرْجَى فِيهَا إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ أَنَّهَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَتُرْجَى بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلًا وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ أَرْجَحَ الْأَقْوَالِ الْمَذْكُورَةِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ انْتَهَى وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى هُوَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ هُوَ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ قَوْلِهِ هِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشمس قال الحافظ بن حَجَرٍ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ أَصَحُّ الْأَحَادِيثِ فِيهَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَأَشْهَرُ الْأَقْوَالِ فِيهَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ انْتَهَى قَالَ وَمَا عَدَاهُمَا إِمَّا مُوَافِقٌ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَوْ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ أَوْ مَوْقُوفٌ اسْتَنَدَ قَائِلُهُ إِلَى اجْتِهَادٍ دُونَ تَوْقِيفٍ وَلَا يُعَارِضُهُمَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنْسِيَهَا بَعْدَ أَنْ عَلِمَهَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَا سَمِعَا ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ أُنْسِيَ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَنَّ أَيَّهُمَا أَرْجَحُ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْفَضْلِ أَحْمَدَ بْنِ سَلَمَةَ النَّيْسَابُورِيِّ أَنَّ مُسْلِمًا قَالَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى أَجْوَدُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّهُ وَبِذَلِكَ قَالَ البيهقي وبن الْعَرَبِيِّ وَجَمَاعَةٌ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ الْخِلَافِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى غَيْرِهِ وَقَالَ بن النَّوَوِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَابُ وَجَزَمَ فِي الرَّوْضَةِ بِأَنَّهُ الصَّوَابُ وَرَجَّحَهُ أَيْضًا بِكَوْنِهِ مَرْفُوعًا صَرِيحًا وَفِي أَحَدِ الصَّحِيحَيْنِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ فَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ على ذلك وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّهُ أَثْبَتُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ نَاسًا مِنَ الصَّحَابَةِ اجْتَمَعُوا فَتَذَاكَرُوا سَاعَةَ الْجُمُعَةِ

ثُمَّ افْتَرَقُوا فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهَا آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَرَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَيْضًا كَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ الطَّرْطُوشِيُّ وَحَكَى العلائي أن شيخه بن الزَّمْلَكَانِيِّ شَيْخَ الشَّافِعِيَّةِ فِي وَقْتِهِ كَانَ يَخْتَارُهُ وَيَحْكِيهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَأَجَابُوا عَنْ كَوْنِهِ لَيْسَ فِي أَحَدِ الصَّحِيحَيْنِ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ بِمَا في الصحيحين أو أحداهما إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَا يَكُونُ مِمَّا انْتَقَدَهُ الحفاظ كحديث أبو موسى هذا فإنه أعلى بِالِانْقِطَاعِ وَالِاضْطِرَابِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ وَجْهَ الِانْقِطَاعِ وَالِاضْطِرَابِ ثُمَّ قَالَ وَسَلَكَ صَاحِبُ الْهُدَى مَسْلَكًا آخَرَ فَاخْتَارَ أَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ مُنْحَصِرَةٌ فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَأَنَّهُمَا لَا يُعَارِضُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَّ عَلَى أَحَدِهِمَا فِي وَقْتٍ وَعَلَى الآخر في وقت آخر وهذا كقول بن عَبْدِ الْبَرِّ الَّذِي يَنْبَغِي الِاجْتِهَادُ فِي الدُّعَاءِ فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَسَبَقَ إِلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَهُوَ أَوْلَى فِي طَرِيقِ الْجَمْعِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ [490] قَوْلُهُ (زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ الْبَغْدَادِيُّ) أَوْ هَاشِمٌ الطُّوسِيُّ الْأَصْلُ وَلَقَبُهُ شُعْبَةُ الصَّغِيرُ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ مَاتَ سَنَةَ 252 (أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْقَافِ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عوف المزني عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ مِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ زَيْدٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده قال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ وَضَرَبَ أَحْمَدُ عَلَى حديثه وقال الدارقطني وغيره متروك وقال بن حِبَّانَ لَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ وَأَمَّا حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ فَرَوَى مِنْ حَدِيثِهِ الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَصَحَّحَهُ فَلِهَذَا لَا يَعْتَمِدُ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ انْتَهَى مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ (لَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا) أَيْ يَلِيقُ السُّؤَالُ فِيهِ وَقَدْ وَرَدَ فِي بعض الروايات الاخرى خَيْرًا مَكَانَ شَيْئًا (إِلَّا آتَاهُ) أَيْ أَعْطَى العبد (إياه) أي ذلك الشيء أي إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَهُ لَهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهُ لَهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ (قَالَ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ إِلَى انْصِرَافٍ مِنْهَا) وَفِي حَدِيثِ أبو موسى

عِنْدَ مُسْلِمٍ هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مُوسَى) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لفظه (وأبي ذر) روى بن المنذر وبن عَبْدِ الْبَرِّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ إِلَى الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُجَيْرَةَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ امْرَأَتَهُ سَأَلَتْهُ عَنْهَا فَقَالَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ بِشِبْرٍ إِلَى ذِرَاعٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَسَلْمَانَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أخرجه (وعبد الله بن سلام) أخرجه بن ماجه (وأبي لبابة) أخرجه بن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ (وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي كَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ حَسَنًا كَلَامٌ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عوف وقد تقدم حاله قال الحافظ في كَلَامٌ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ حَالُهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ ضَعَّفَ كَثِيرٌ رِوَايَةَ كَثِيرٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ مَا بَيْنَ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ مِنَ الْمِنْبَرِ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ وَرَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مُغِيرَةَ عَنْ وَاصِلٍ الأحدب عن أبي بردة قوله وإسناده قوى إليه وفيه أن بن عُمَرَ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ وَمَسَحَ على رأسه وروى بن جرير وسعيد بن منصور عن بن سِيرِينَ نَحْوَهُ انْتَهَى [491] قَوْلُهُ (لَا يُوَافِقُهَا) أَيْ لا يصادفها وهو أعلم مِنْ أَنْ يَقْصِدَ لَهَا أَوْ يَتَّفِقَ لَهُ وُقُوعُ الدُّعَاءِ فِيهَا (يُصَلِّي) صِفَةٌ لِعَبْدٍ أَوْ حَالٌ لِاتِّصَافِهِ بِمُسْلِمٍ (فَيَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا) أَيْ مِمَّا يَلِيقُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ الْمُسْلِمُ وَيَسْأَلَ رَبَّهُ تَعَالَى وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الطَّلَاقِ يَسْأَلُ اللَّهَ خيرا وفي حديث أبي لبابة عند بن مَاجَهْ مَا لَمْ يَسْأَلْ حَرَامًا وَفِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ مَا لَمْ يسأل إنما أَوْ قَطِيعَةَ رَحِمٍ (وَلَا تَضْنَنْ) أَيْ لَا تبجل قَالَ الْعِرَاقِيُّ يَجُوزُ فِي ضَبْطِهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ أحدها فتح

باب ما جاء في الاغتسال في يوم الجمعة

الضَّادِ وَتَشْدِيدُ النُّونَيْنِ وَفَتْحُهُمَا وَالثَّانِي كَسْرُ الضَّادِ وَالْبَاقِي مِثْلُ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثُ فَتْحُ الضَّادِ وَتَشْدِيدُ النُّونِ الْأُولَى وَفَتْحُهَا وَتَخْفِيفُ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعُ كَسْرُ الضَّادِ وَالْبَاقِي مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ وَالْخَامِسُ إِسْكَانُ الضَّادِ وَفَتْحِ النُّونِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ الثَّانِيَةِ وَالسَّادِسُ كَسْرُ النُّونِ الْأُولَى وَالْبَاقِي مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ انْتَهَى قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ حَاصِلُ جَمِيعِ الْوُجُوهِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ بِالنُّونِ الثَّقِيلَةِ أَوِ الْخَفِيفَةِ أَوْ مِنْ بَابِ الْفَتْحِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَالْبَابُ يَحْتَمِلُ فَتْحَ الْعَيْنِ فِي الْمُضَارِعِ وكسرها فتصير الْوُجُوهِ سِتَّةٌ انْتَهَى (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ) رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ بِطُولِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وَالضَّنِينُ الْبَخِيلُ وَالظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ) الضِّنُّ بِالْكَسْرِ وَالضَّنِينُ بخيلي كردن وَهُوَ ضَنِينٌ وَالظِّنَّةُ بِالظَّاءِ بِالْكَسْرِ التهمة والظنين المتهم كذا في الصراح والقاموس (باب ما جاء في الاغتسال في يَوْمَ الْجُمُعَةِ [492]) قَوْلُهُ (مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَلِمُسْلِمٍ إِذَا أَرَادَ أحدكم أن

يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَاسْتُدِلَّ مِنْ مَفْهُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْغُسْلَ لَا يُشْرَعُ لِمَنْ لَا يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ وَقَدْ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَاهُ فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ وَاقِدٍ عَنْ نَافِعٍ عِنْدَ أَبِي عوانة وبن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صِحَاحِهِمْ بِلَفْظِ مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ قَالَ الْبَزَّارُ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ بْنُ وَاقِدٍ وَهِمَ فِيهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعُمَرَ وَجَابِرٍ وَالْبَرَاءِ وَعَائِشَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ وَالسِّوَاكُ وَأَنْ يَمَسَّ مِنَ الطِّيبِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلُ يَوْمٍ وَهُوَ الْجُمُعَةُ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْتَسِلُوا يَوْمَ الجمعة الحديث وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنَ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ فَيُصِيبُهُمُ الْغُبَارُ وَالْعَرَقُ فَتَخْرُجُ مِنْهُمُ الرِّيحُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدرداء فلينظر من أخرجه قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وعد بن مَنْدَهْ مَنْ رَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ فَبَلَغُوا فَوْقَ ثَلَاثِمِائَةِ نَفْسٍ وَعَدَّ مَنْ رَوَاهُ مِنَ الصَّحَابَةِ غير بن عُمَرَ فَبَلَغُوا أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ جَمَعْتُ طُرُقَهُ مِنْ نَافِعٍ فَبَلَغُوا مِائَةً وَعِشْرِينَ نَفْسًا قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ إِلَخْ) يَعْنِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ كَمَا نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عن الامام

الْبُخَارِيِّ [493] قَوْلُهُ (إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ) هُوَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا جَاءَ فِي عِدَّةِ روايات قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ (فَقَالَ) أَيْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ (أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ تَأْنِيثُ أَيِّ وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَتَوْبِيخٍ عَلَى تَأَخُّرِهِ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ وَكَأَنَّهُ يَقُولُ لِمَ تَأَخَّرْتَ إِلَى هَذِهِ السَّاعَةِ (فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (مَا هُوَ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ النِّدَاءَ وَمَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ إِنِّي شُغِلْتُ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ وَفِي رواية في الموطأ فقال يا أمير المؤمنين انْقَلَبْتُ مِنَ السُّوقِ فَسَمِعْتُ النِّدَاءَ فَمَا زِدْتُ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ وَالْمُرَادُ مِنَ النِّدَاءِ الْأَذَانُ بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ (وَالْوُضُوءَ أَيْضًا) قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ النَّصْبُ أَيْ تَوَضَّأْتَ الْوُضُوءَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي رِوَايَتِنَا بِالنَّصْبِ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ أَيْ وَالْوُضُوءَ أَيْضًا اقْتَصَرْتَ عَلَيْهِ وَاخْتَرْتَهُ دُونَ الْغُسْلِ وَالْمَعْنَى مَا اكْتَفَيْتَ بِتَأْخِيرِ الْوَقْتِ وَتَفْوِيتِ الْفَضِيلَةِ حَتَّى تَرَكْتَ الْغُسْلَ وَاقْتَصَرْتَ عَلَى الْوُضُوءِ وَجَوَّزَ الْقُرْطُبِيُّ الرَّفْعَ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيِ الْوُضُوءُ أَيْضًا يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ انْتَهَى [495] قَوْلُهُ وَرَوَى مَالِكٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ قَالَ بَيْنَمَا عُمَرُ إِلَخْ أَيْ لَمْ يَذْكُرْ

مَالِكٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَلْ رَوَاهُ مُنْقَطِعًا بِخِلَافِ مَعْمَرٍ وَيُونُسَ فَإِنَّهُمَا رَوَيَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَوْصُولًا بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا أَيْ عَنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ قَالَ بَيْنَمَا عُمَرُ إِلَخْ فَقَالَ الصَّحِيحُ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ كَمَا رَوَى مَعْمَرٌ وَيُونُسُ قَالَ مُحَمَّدٌ وقد روي عن مالك أيضا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ قَالَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ فِي الْخُطْبَةِ الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ عِنْدَ رُوَاةِ الْمُوَطَّأِ عن مالك ليس فيه ذكر بن عمر فحكى الْإِسْمَاعِيلِيُّ عَنِ الْبَغَوِيِّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لم يذكر في هَذَا الْحَدِيثَ أَحَدٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ غَيْرُ رَوْحِ بْنِ عُبَادَةَ وَجُوَيْرِيَةَ انْتَهَى وَقَدْ تَابَعَهُمَا أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْهُ بذكر بن عُمَرَ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْمُوَطَّأِ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ الثِّقَاتِ عَنْهُ خَارِجَ الْمُوَطَّأِ موصولا عنهم فذكر هؤلاء الثَّلَاثَةَ ثُمَّ قَالَ وَأَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ وَذَكَرَ جَمَاعَةً غَيْرَهُمْ فِي بَعْضِهِمْ مَقَالٌ ثُمَّ سَاقَ أَسَانِيدَهُمْ إِلَيْهِمْ بِذَلِكَ انْتَهَى

باب ما جاء في فضل الغسل يوم الجمعة

4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) قَوْلُهُ [496] (وَأَبُو جَنَابٍ) بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ وَنُونٍ خَفِيفَةٍ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ (يَحْيَى بْنُ أَبِي حَيَّةَ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّحْتَانِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعَّفُوهُ لِكَثْرَةِ تَدْلِيسِهِ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ وَكِيعٌ وَالسُّفْيَانَانِ وَغَيْرُهُمْ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا أَبُو جَنَابٍ بِالرَّفْعِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى وَكِيعٍ وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَحْمُودَ بْنَ غَيْلَانَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ وَكِيعٍ وَأَبِي جَنَابٍ كِلَيْهِمَا فَأَمَّا وَكِيعٌ فَرَوَاهُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى وَأَمَّا أَبُو جَنَابٍ فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَارِثِ) الذِّمَارِيِّ القارىء ثِقَةٌ (عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ) صَحَابِيٌّ سَكَنَ دِمَشْقَ قَوْلُهُ (مَنِ اغْتَسَلَ وَغَسَّلَ) رُوِيَ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ قِيلَ أَرَادَ بِهِ غَسَلَ رَأْسَهُ وَبِقَوْلِهِ اغْتَسَلَ غَسَلَ سَائِرَ بَدَنِهِ وَقِيلَ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فَأَوْجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلَ فَكَأَنَّهُ غَسَّلَهَا وَاغْتَسَلَ وَقِيلَ كَرَّرَ ذَلِكَ لِلتَّأْكِيدِ وَيُرَجِّحُ التَّفْسِيرَ الْأَوَّلَ مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ وَاغْتَسَلَ وَمَا فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ طَاوُسٍ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اغتسلوا واغسلوا رؤوسكم الْحَدِيثَ (وَبَكَّرَ) بِالتَّشْدِيدِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْ رَاحَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ (وَابْتَكَرَ) أَيْ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ وَرَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّ وَقِيلَ كَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ وَبِهِ جزم بن الْعَرَبِيِّ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ بَكَّرَ أَتَى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَكُلُّ مَنْ أَسْرَعَ إِلَى شَيْءٍ فَقَدْ بَكَّرَ إِلَيْهِ وَأَمَّا ابْتَكَرَ فَمَعْنَاهُ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ وَأَوَّلُ كُلِّ شَيْءٍ بَاكُورَتُهُ وَابْتَكَرَ الرَّجُلُ إِذَا أَكَلَ بَاكُورَةَ الْفَوَاكِهِ وَقِيلَ مَعْنَى اللَّفْظَتَيْنِ وَاحِدٌ وَإِنَّمَا كُرِّرَ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّوْكِيدِ كَمَا قَالُوا أَجَادَ مُجِدٌّ انْتَهَى وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ فِي رِوَايَاتِهِمْ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ (وَدَنَا) زَادَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنَ الإمام (واستمع

أَيِ الْخُطْبَةَ (وَأَنْصَتَ) تَأْكِيدٌ (بِكُلِّ خَطْوَةٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتُضَمُّ بُعْدُ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ (صِيَامِهَا وَقِيَامِهَا) بَدَلٌ مِنْ سَنَةٍ قَوْلُهُ (قَالَ مَحْمُودٌ) هو بن غَيْلَانَ شَيْخُ التِّرْمِذِيِّ (قَالَ وَكِيعٌ اغْتَسَلَ هُوَ وَغَسَّلَ امْرَأَتَهُ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ أَنَّ غَسَّلَ أَرَادَ بِهِ الْمُجَامَعَةَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إِلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَجْمَعُ غَضَّ الطَّرْفِ فِي الطَّرِيقِ يُقَالُ غَسَّلَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ إِذَا جَامَعَهَا وَقَدْ رُوِيَ مُخَفَّفًا وَقِيلَ أَرَادَ غَسَّلَ غَيْرَهُ وَاغْتَسَلَ هُوَ لِأَنَّهُ إِذَا جَامَعَ زَوْجَتَهُ أَحْوَجَهَا إِلَى الْغُسْلِ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى كَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حصين وسلمان وأبي ذر وأبي سعيد وبن عُمَرَ وَأَبِي أَيُّوبَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ عَنْهُمَا قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كُفِّرَتْ لَهُ ذُنُوبُهُ وَخَطَايَاهُ فَإِذَا أَخَذَ فِي الْمَشْيِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ عِشْرُونَ حَسَنَةً فإذا انصرف من الصلاة أجيز بعمل مئتي سَنَةٍ وَفِي سَنَدِهِ الضَّحَّاكُ بْنُ حَمْزَةَ ضَعَّفَهُ بن معين والنسائي وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلْمَانَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِي سَنَدِهِ محمد بن عبد الرحمن بن رواد وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَسْجِدَ فَيَرْكَعَ إِنْ بَدَا لَهُ وَلَمْ يُؤْذِ أَحَدًا ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يُصَلِّيَ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ

باب في الوضوء يوم الجمعة

قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ والنسائي وبن ماجه وبن خزيمة وبن حبان في صحيحهما وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ انْتَهَى وَفِي الْمِرْقَاةِ قَالَ النَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ نَقَلَهُ مَيْرَكٌ وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ لَمْ نَسْمَعْ فِي الشَّرِيعَةِ حَدِيثًا صَحِيحًا مُشْتَمِلًا عَلَى مِثْلِ هَذَا الثَّوَابِ انْتَهَى قَوْلُهُ (اسْمُهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ آدَةَ) وَفِي بَعْضِ النَّسْخِ شَرَاحِيلُ بْنُ آدَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ شَرَاحْبِيلُ بن آدة بالمد وتخفيف وَتَخْفِيفِ الدَّالِ أَبُو الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ وَيُقَالُ آدَةُ جد أبيه وهو بن شَرَاحِيلَ بْنُ كُلَيْبٍ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ شَهِدَ فَتْحَ دِمَشْقَ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ شراحبيل بْنُ آدَةَ وَيُقَالُ شُرَحْبِيلُ بْنُ كُلَيْبٍ بْنِ آدَةَ وَيُقَالُ شَرَاحِيلُ بْنُ كُلَيْبٍ وَيُقَالُ شَرَاحِيلُ بْنُ شَرَاحِيلَ وَيُقَالُ شُرَحْبِيلُ بْنُ شُرَحْبِيلُ انْتَهَى (باب فِي الْوُضُوءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ [497]) أَيْ فِي الِاكْتِفَاءِ عَلَى الْوُضُوءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَوْلُهُ (عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ) ذَكَرَ النَّسَائِيُّ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ إِلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَقَدْ صَحَّ سَمَاعُهُ مِنْهُ لِغَيْرِ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْهُ بِالْعَنْعَنَةِ فِي سَائِرِ الطُّرُقِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ لِكَوْنِهِ يُدَلِّسُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَوْلُهُ (فَبِهَا وَنِعْمَتْ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ أَيْ فَبِطَهَارَةِ الْوُضُوءِ حَصَلَ الْوَاجِبُ وَالتَّاءُ فِي نِعْمَتْ لِلتَّأْنِيثِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَعْنَاهُ وَنِعْمَتِ الْخَصْلَةُ هِيَ أَيِ الطَّهَارَةُ لِلصَّلَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَكَى الْأَزْهَرِيُّ أَنَّ قَوْلَهُ فَبِهَا وَنِعْمَتْ مَعْنَاهُ فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ بِالسُّنَّةِ قَالَهُ

الْأَصْمَعِيُّ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ أَيْضًا وَقَالَ إِنَّمَا ظَهَرَ تَاءُ التَّأْنِيثِ لِإِضْمَارِ السُّنَّةِ وَقَالَ غَيْرُهُ وَنِعْمَتِ الْخَصْلَةُ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الشَّاذَكِيُّ وَنِعْمَتِ الرُّخْصَةُ قَالَ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْغُسْلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فَبِالْفَرِيضَةِ أَخَذَ وَنِعْمَتِ الْفَرِيضَةُ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ (وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ يَجُوزُ الِاكْتِفَاءُ عَلَى الْوُضُوءِ وَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّ قَوْلَهُ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ يَقْتَضِي اشْتِرَاكَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فِي أَصْلِ الْفَضْلِ فَيَسْتَلْزِمُ إِجْزَاءَ الْوُضُوءِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ له وأما حديث أنس فأخرجه بن مَاجَهْ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَفِيهِ لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي لِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ أَشْهَرُهَا وَأَقْوَاهَا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ سمرة أخرجها أصحاب السنن الثلاثة وبن خزيمة وبن حبان وله علتان أحدهما أَنَّهُ مِنْ عَنْعَنَةِ الْحَسَنِ وَالْأُخْرَى أَنَّهُ اخْتَلَفَ عليه فيه وأخرجه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عبد الرحمن بن سمر والبزار من حديث أبي سعيد وبن عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ فِي الْإِمَامِ مَنْ يَحْمِلُ رِوَايَةَ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَلَى الِاتِّصَالِ يُصَحِّحُ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ مَذْهَبُ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ وَقِيلَ لَمْ يُجْمَعْ عَنْهُ إِلَّا حَدِيثُ الْعَقِيقَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْبَزَّارِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ لَمْ يُسْمَعْ عَنْهُ شَيْءٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا يُحَدِّثُ مِنْ كِتَابِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمُ اخْتَارُوا الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلخ) اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أنه

مُسْتَحَبٌّ وَقَالَ جَمَاعَةٌ إِنَّهُ وَاجِبٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ مَا لَفْظُهُ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ وَاجِبٌ على فرضية غسل الجمعة وقد حكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عن أحمد وحكاه بن حَزْمٍ عَنْ عُمَرَ وَجَمْعٍ جَمٍّ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ثُمَّ سَاقَ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمُ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ إِلَّا نَادِرًا وَإِنَّمَا اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَشْيَاءَ مُحْتَمَلَةٍ كَقَوْلِ سَعْدٍ مَا كُنْتُ أَظُنُّ مُسْلِمًا يَدَعُ غُسْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى (فَلَوْ عَلِمَا) أَيْ عُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ أَمْرَهُ عَلَى الْوُجُوبِ لَا عَلَى الِاخْتِيَارِ لَمْ يَتْرُكْ عُمَرُ عُثْمَانَ حَتَّى يَرُدَّهُ وَيَقُولَ لَهُ ارْجِعْ فَاغْتَسِلْ وَلَمَا خَفِيَ عَلَى عُثْمَانَ ذلك ومع عِلْمِهِ إلخ) هَذَا تَقْرِيرُ الِاسْتِدْلَالِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ مَنْ حَضَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَافَقُوهُمَا عَلَى ذَلِكَ فَكَانَ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قِصَّةَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ هَذِهِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ مِنْ جِهَةِ تَرْكِ عُمَرَ الْخُطْبَةَ وَاشْتِغَالِهِ بِمُعَاتَبَةِ عُثْمَانَ وَتَوْبِيخِ مِثْلِهِ عَلَى رؤوس النَّاسِ فَلَوْ كَانَ تَرْكُ الْغُسْلِ مُبَاحًا لَمَا فَعَلَ عُمَرُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يَرْجِعْ عُثْمَانُ لِلْغُسْلِ لِضِيقِ الْوَقْتِ إِذْ لَوْ فَعَلَ لَفَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَإِنَّمَا تَرَكَهُ عُثْمَانُ لِأَنَّهُ كَانَ ذَاهِلًا عَنِ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدِ اغْتَسَلَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُمْرَانَ أَنَّ عُثْمَانَ لم يكن يمضي عليه يوم حتى يفضي عَلَيْهِ الْمَاءَ وَتُعُقِّبَ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَاتَبَ عُثْمَانَ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ تَرْكَ السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ التَّبْكِيرُ إِلَى الْجُمُعَةِ فَيَكُونُ الْغُسْلُ كَذَلِكَ قُلْت قَدْ جَاءَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ بَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ وَبَعْضُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في التبكير إلى الجمعة

[498] قَوْلُهُ (مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ) أَيْ أَتَى بمكملاته من سننه ومستحباته قاله القارىء وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى إِحْسَانِ الْوُضُوءِ الْإِتْيَانُ بِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَدَلْكُ الْأَعْضَاءِ وَإِطَالَةُ الْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ وَتَقْدِيمُ الْمَيَامِنِ وَالْإِتْيَانُ بِسُنَنِهِ الْمَشْهُورَةِ انْتَهَى (ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ) أَيْ حَضَرَ خُطْبَتَهَا وَصَلَاتَهَا (فَدَنَا) أَيْ مِنَ الْإِمَامِ (وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُمَا شَيْئَانِ مُتَمَايِزَانِ وَقَدْ يَجْتَمِعَانِ فَالِاسْتِمَاعُ الْإِصْغَاءُ والإنصات السكوت ولهذا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا انْتَهَى قُلْتُ الْإِنْصَاتُ هُوَ السُّكُوتُ مَعَ الْإِصْغَاءِ لَا السُّكُوتُ الْمَحْضُ وَقَدْ حَقَّقْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِنَا تَحْقِيقِ الْكَلَامِ (غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِالْأُخْرَى الَّتِي مَضَتْ بَيَّنَهُ اللَّيْثُ عن بن عجلان في روايته عند بن خُزَيْمَةَ وَلَفْظُهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا انْتَهَى قَالَ ميركُ وَكَمَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُهُ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا انْتَهَى (وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) بِرَفْعِ زِيَادَةٍ عَطْفًا بِالْوَاوِ بِمَعْنَى مَعَ عَلَى مَا فِي مَا بَيْنَهُ أَيْ بَيْنَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الَّذِي فَعَلَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مَعَ زِيَادَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ عَلَى السَّبْعَةِ لِتَكُونَ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَجُوِّزَ الْجَرُّ فِي زِيَادَةٍ بِالْعَطْفِ عَلَى الْجُمُعَةِ وَالنَّصْبُ عَلَى الْمَفْعُولِ مَعَهُ (وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ النَّهْيُ عَنْ مَسِّ الْحَصَى وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْعَبَثِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِقْبَالِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ عَلَى الْخُطْبَةِ والمراد باللغو ها هنا الْبَاطِلُ الْمَذْمُومُ الْمَرْدُودُ انْتَهَى (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّبْكِيرِ إِلَى الْجُمُعَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ بَكَّرَ أَتَى الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَكُلُّ مَنْ أَسْرَعَ إِلَى شَيْءٍ فَقَدْ بَكَّرَ إِلَيْهِ [499] قَوْلُهُ (عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدَّةِ الْيَاءِ هُوَ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الحارث بن هِشَامٍ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (غُسْلَ الْجَنَابَةِ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ غُسْلًا كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَاغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ كما

يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ التَّشْبِيهَ لِلْكَيْفِيَّةِ لَا لِلْحُكْمِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْجِمَاعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِيَغْتَسِلَ فِيهِ لِلْجَنَابَةِ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنْ تَسْكُنَ نَفْسُهُ فِي الرَّوَاحِ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَا تَمْتَدَّ عَيْنُهُ إِلَى شَيْءٍ يَرَاهُ وَفِيهِ حَمْلُ الْمَرْأَةِ أَيْضًا عَلَى الِاغْتِسَالِ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَعَلَيْهِ حَمَلَ قَائِلُ ذَلِكَ حَدِيثَ مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى غَسَّلَ بِالتَّشْدِيدِ قَالَ النَّوَوِيُّ ذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إِلَى هَذَا وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ والصواب الأول وقد حكاه بن قُدَامَةَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَثَبَتَ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّهُ أَنْسَبُ الْأَقْوَالِ فَلَا وَجْهَ لِادِّعَاءِ بُطْلَانِهِ وَإِنْ كَانَ الأول أرجح ولعله أنه عني بَاطِلٌ فِي الْمَذْهَبِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (ثُمَّ رَاحَ) زَادَ أَصْحَابُ الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَيْ تَصَدَّقَ بِهَا مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ لِلْمُبَادَرَةِ فِي أَوَّلِ سَاعَةٍ نَظِيرَ مَا لِصَاحِبِ الْبَدَنَةِ مِنَ الثَّوَابِ مِمَّنْ شُرِعَ لَهُ الْقُرْبَانُ لِأَنَّ الْقُرْبَانَ لَمْ يُشْرَعْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ لِلْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَثَلُ الْمُهَجِّرِ كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي بَدَنَةً فَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْبَانِ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ الْإِهْدَاءُ إِلَى الْكَعْبَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ فِي لَفْظِ الْإِهْدَاءِ إِدْمَاجٌ بِمَعْنَى التَّعْظِيمِ لِلْجُمْعَةِ وَأَنَّ الْمُبَادِرَ إِلَيْهَا كَمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ إِلَى الْكَعْبَةِ وَالْمُرَادُ بِالْبَدَنَةِ الْبَعِيرُ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْوَحْدَةِ لَا لِلتَّأْنِيثِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمُخْتَصَرِ الْبَدَنَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ الْإِبِلِ وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَأَمَّا الْهَدْيُ فَمِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ الْبَدَنَةُ تَكُونُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَكَأَنَّهُ خَطَأٌ نَشَأَ عَنْ سَقْطٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (دَجَاجَةً) فَتْحُ الدَّالِ أَفْصَحُ مِنْ كَسْرِهَا كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَحَكَى الضَّمَّ قَالَ

الْكَرْمَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ الْقُرْبَانُ إِنَّمَا هُوَ فِي النعم لَا فِي الدَّجَاجَةِ وَالْبَيْضَةِ قُلْتُ مَعْنَى قَرَّبَ ها هنا تَصَدَّقَ مُتَقَرِّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهَا وَقَالَ الْعَيْنِيُّ وَفِيهِ إِطْلَاقُ الْقُرْبَانِ عَلَى الدَّجَاجَةِ وَالْبَيْضَةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّقَرُّبِ التَّصَدُّقُ وَيَجُوزُ التَّصَدُّقُ بِالدَّجَاجَةِ وَالْبَيْضَةِ وَنَحْوِهِمَا قَوْلُهُ (يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) أَيِ الْخُطْبَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَكَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَاتِ هُنَا لَحَظَاتٌ لَطِيفَةٌ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ والرواح عِنْدَهُمْ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَادَّعَوْا أَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِهِ وجماهير العلماء استحباب التبكير إليها أَوَّلَ النَّهَارِ وَالرَّوَاحُ يَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ لُغَةُ الْعَرَبِ الرَّوَاحُ الذَّهَابُ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ النَّهَارِ أَوْ آخِرَهُ أَوْ فِي اللَّيْلِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ وَالْمَعْنَى لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَكْتُبُ مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وَهُوَ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً ثُمَّ مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ الثَّالِثَةِ ثُمَّ الرَّابِعَةِ ثُمَّ الْخَامِسَةِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ السَّادِسَةِ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوُا الصُّحُفَ وَلَمْ يَكْتُبُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَحَدًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُجُ إِلَى الْجُمُعَةِ مُتَّصِلًا بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ بَعْدَ انْفِصَالِ السَّادِسَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا شَيْءَ مِنَ الْهَدْيِ وَالْفَضِيلَةِ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَكَذَا ذِكْرُ السَّاعَاتِ إِنَّمَا كَانَ لِلْحَثِّ عَلَى التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا وَالتَّرْغِيبِ فِي فَضِيلَةِ السَّبْقِ وَتَحْصِيلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَانْتِظَارِهَا بِالِاشْتِغَالِ بِالنَّفْلِ وَالذِّكْرِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَحْصُلُ بِالذَّهَابِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا فَضِيلَةَ لِمَنْ أَتَى بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ النِّدَاءَ يَكُونُ حِينَئِذٍ وَيَحْرُمُ التَّخَلُّفُ بَعْدَ النِّدَاءِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَسَمُرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ قَالَ تُبْعَثُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَكْتُبُونَ مَجِيءَ النَّاسِ فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طُوِيَتِ الصُّحُفُ وَرُفِعَتِ الْأَقْلَامُ فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَا حَبَسَ فُلَانًا فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ ضَالًّا فَاهْدِهِ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا فَاشْفِهِ وَإِنْ كَانَ عَائِلًا فَأَغْنِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ وَهُوَ بن جندب فأخرجه بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ مَثَلَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ التَّبْكِيرِ كَأَجْرِ الْبَقَرَةِ كَأَجْرِ الشَّاةِ حَتَّى ذَكَرَ الدَّجَاجَةَ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ

باب ما جاء في ترك الجمعة بغير عذر

قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ (بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ بغير عُذْرٍ) [500] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ) بِالْخَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ عَلَى وَزْنِ جَعْفَرٍ ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَبِيدَةَ بْنِ سُفْيَانَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْحَضْرَمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ من الثالثة قوله (عن أبي الجعد) ذكرها بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ أَنَّ اسْمَهُ أَدْرَعُ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ إِنَّ اسْمَهُ عَمْرُو بْنُ بَكْرٍ وَقِيلَ إِنَّ اسْمَهُ جُنَادَةُ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ إِلَّا عَبِيدَةُ بْنُ سُفْيَانَ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ يَعْنِي الضَّمْرِيَّ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَنْسُوبٌ إِلَى ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ قَالَهُ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَكَذَا فِي الْمُغْنِي (وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ فِيمَا زَعَمَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو) يَعْنِي أَنَّ أَبَا الْجَعْدِ كَانَ صَحَابِيًّا فِيمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَحَابِيٌّ حَدَثٌ قِيلَ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ قَوْلُهُ (تَهَاوُنًا بِهَا) قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمُرَادُ بِالتَّهَاوُنِ التَّرْكُ عَنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَالْمُرَادُ بِالطَّبْعِ أَنَّهُ يَصِيرُ قَلْبُهُ قَلْبَ مُنَافِقٍ انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ إِهَانَةٌ وَالظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّهَاوُنِ التَّكَاسُلُ وَعَدَمُ الْجِدِّ فِي أَدَائِهِ لَا الْإِهَانَةُ وَالِاسْتِخْفَافُ فَإِنَّهُ كُفْرٌ وَالْمُرَادُ بَيَانُ كَوْنِهِ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً قَوْلُهُ (طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) أَيْ خَتَمَ عَلَى قَلْبِهِ بِمَنْعِ إِيصَالِ الْخَيْرِ إِلَيْهِ وَقِيلَ كَتَبَهُ مُنَافِقًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ

باب ما جاء من كم يؤتى إلى الجمعة

قوله (وفي الباب عن بن عمر) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وبن ماجه بلفظ لينتهين أقوام عن ودعهم والجمعات أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ثُمَّ لَيَكُونُنَّ من الغافلين (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ مَنْ تَرَكَ جُمُعَةً مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كُتِبَ مُنَافِقًا فِي كِتَابٍ لَا يُمْحَى وَلَا يُبَدَّلُ (وَسَمُرَةَ) بْنِ جندب أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبِنِصْفِ دِينَارٍ وَرُوِيَ أبو يعلى عن بن عَبَّاسٍ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثَ جُمَعٍ مُتَوَالِيَاتٍ فَقَدْ نَبَذَ الْإِسْلَامَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي الْجَعْدِ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وصححه بن السكن عن هَذَا الْوَجْهِ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا مِنْ غَيْرِ ضرورة طبع على قلبه رواه النسائي وبن ماجه وبن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِنَّهُ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْجَعْدِ وَاخْتُلِفَ فِي حَدِيثِ أَبِي الْجَعْدِ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ فَقِيلَ عَنْهُ هَكَذَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ وَهْمٌ قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ انْتَهَى قَوْلُهُ (إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ) قَالَ السُّيُوطِيُّ بَلْ لَهُ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَذَكَرَ لَهُ الْبَزَّارُ حَدِيثًا آخَرَ وَقَالَ لَا نَعْلَمُ لَهُ إِلَّا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ (بَابُ مَا جَاءَ مِنْ كَمْ يُؤْتَى إِلَى الْجُمُعَةِ) أَيْ مِنْ كَمْ مَسَافَةٍ يُؤْتَى إِلَيْهَا

[501] قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ مَدَّوَيه) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَدُّوَيْهِ بميم وتثقيل القرشي صدوق من الحادية عشر (حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ) بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِ الكاف (عن ثوير) مصغرا بن أَبِي فَاخِتَةَ سَعِيدِ بْنِ عِلَاقَةَ الْكُوفِيُّ أَبُو الْجَهْمِ ضَعِيفٌ رُمِيَ بِالرَّفْضِ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ وَرَوَى أَبُو صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ عَنِ الثَّوْرِيِّ قَالَ ثُوَيْرٌ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الكذب وقال خ تركه يحيى وبن مَهْدِيٍّ (عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ) هَذَا الرَّجُلُ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ (أَنْ نَشْهَدَ الجمعة من قبا) بِضَمِّ قَافٍ وَخِفَّةِ مُوَحَّدَةٍ مَعَ مَدٍّ وَقَصْرٍ مَوْضِعٌ بِمِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ) أَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَهُوَ ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ ثُوَيْرَ بْنَ فَاخِتَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ وَلِأَنَّهُ يُرْوَى عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ قباء وهو مجهول وروى بن ماجه عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّ أَهْلَ قُبَاءَ كَانُوا يُجَمِّعُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَفِي سَنَدِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْعُمَرِيَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وقد ثبت أن أهل العوالي كانوا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي الصَّحِيحِ وَفِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ أَهْلَ ذِي الْحُلَيْفَةِ كَانُوا يُجَمِّعُونَ بِالْمَدِينَةِ قَالَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَذِنَ لِأَحَدٍ فِي إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْمَدِينَةِ وَلَا فِي الْقُرَى الَّتِي بِقُرْبِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (آوَاهُ اللَّيْلُ إِلَى أَهْلِهِ) فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ أَوَيْتُ إِلَى الْمَنْزِلِ وَآوَيْتُ غَيْرِي وَأَوَيْتُهُ وَفِي الْحَدِيثِ مَنِ الْمُتَعَدِّي قَالَ الْمُظَهِّرُ أَيِ الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ كَانَ بَيْنَ وَطَنِهِ وَبَيْنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ مَسَافَةٌ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ إِلَى وَطَنِهِ قَبْلَ اللَّيْلِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إِلَى

أَهْلِهِ قَبْلَ دُخُولِ اللَّيْلِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ السَّعْيُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَهُوَ بِخِلَافِ الْآيَةِ انْتَهَى (هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ ضعيف) وروى البيهقي بإسناد صحيح عن بن عُمَرَ قَالَ إِنَّمَا الْغُسْلُ عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَالْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ بَاتَ أَهْلَهُ قَالَ الْحَافِظُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ بَاتَ أَهْلَهُ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَجِبُ عِنْدَهُ عَلَى مَنْ يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ إِلَى مَوْضِعِهِ قبْلَ دُخُولِ اللَّيْلِ فَمَنْ كَانَ فَوْقَ هَذِهِ الْمَسَافَةِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ قَوْلُهُ (مِنْ حَدِيثِ مُعَارِكِ بْنِ عَبَّادٍ) فِي التَّقْرِيبِ مُعَارِكٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وآخره كاف بن عباد أو بن عَبْدِ اللَّهِ الْعَبْدِيُّ بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَتْرُوكٌ قوله (قال بعضهم تجب الجمعة على من آواه اللَّيْلُ إِلَى مَنْزِلِهِ) وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَنَافِعٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَكَمُ وَالْأَوْزَاعِيِّ قَالُوا إِنَّهَا تَجِبُ على من يؤويه اللَّيْلُ إِلَى أَهْلِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ إِلَّا عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ) وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ عَنْ سُفْيَانَ مَقْصُورًا عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَرْفَعُوهُ وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ قَبِيصَةُ قَوْلُهُ (وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق) وحكاه بن الْعَرَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَاوِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي النَّيْلِ قُلْتُ ظَاهِرُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو

الْمَذْكُورِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعِ النِّدَاءَ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ أَوْ فِي خَارِجِهِ لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَاَلَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ أَوْ كَانَ فِي قُوَّةِ السَّامِعِ سَوَاءٌ كَانَ دَاخِلَ الْبَلَدِ أَوْ خَارِجَهُ انْتَهَى وَقَدْ حَكَى الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُمْ يُوجِبُونَ الْجُمُعَةَ عَلَى أَهْلِ مِصْرٍ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا النِّدَاءَ انْتَهَى [502] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ الحسن) هذا قول الترمذي وأحمد بن الحسن هذا هُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنُ جُنَيْدِبٍ التِّرْمِذِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْحَافِظَ الْجَوَّالَ كَانَ مِنْ تَلَامِذَةِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن خُزَيْمَةَ وَكَانَ أَحَدَ أَوْعِيَةِ الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ 260 سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ) بِضَمِّ النُّونِ الْفَسَاطِيطِيُّ التَّنِّيسِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ كَانَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ مِنَ التَّاسِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَائِلُ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ لَا التِّرْمِذِيُّ وَكَذَا قَائِلُ قَوْلِهِ فَغَضِبَ عَلَيَّ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ قَوْلُهُ (اسْتَغْفِرْ رَبَّكَ) بِصِيَغِهِ الْأَمْرِ وَالتَّكْرَارِ لِلتَّأْكِيدِ أَيِ اسْتَغْفِرْ ربك يا أحمد بن الْحَسَنِ مِنْ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ ثَلَاثَةَ ضُعَفَاءٍ الْأَوَّلُ الْحَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالثَّانِي مُعَارِكٌ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَالثَّالِثُ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا فَعَلَ بِهِ أَحْمَدُ إلخ) هَذَا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ

باب ما جاء في وقت الجمعة

(بَاب مَا جَاءَ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ) [503] قَوْلُهُ (أخبرنا سريج) بالتصغير بن نُعْمَانَ الْجَوْهَرِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ أَصْلُهُ مِنْ خُرَاسَانَ ثِقَةٌ يَهِمُ قَلِيلًا مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ) أَيْ إِلَى الْمَغْرِبِ وَتَزُولُ مِنَ اسْتِوَائِهَا يَعْنِي بَعْدَ تَحَقُّقِ الزَّوَالِ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِيهِ إِشْعَارٌ بِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ انْتَهَى [504] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ خَلَا التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ كُنَّا نُجَمِّعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ نَرْجِعُ نَتَتَبَّعُ الْفَيْءَ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَرْجِعُ فنريح نواضحنا قال حسن يعني بن عَيَّاشٍ فَقُلْتُ لِجَعْفَرٍ فِي أَيِّ سَاعَةٍ تِلْكَ قَالَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ (وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامِّ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ فَنَبْتَدِرُ فِي الْآجَامِ فَمَا نَجِدُ مِنَ الظِّلِّ إِلَّا قَدْرَ مَوْضِعِ أَقْدَامِنَا قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ الْآجَامُ الْآطَامُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ وَقْتَ الْجُمُعَةِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ) وَاسْتَدَلُّوا

بِحَدِيثِ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ إِلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا إِلَّا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ فجوزها قَبْلَ الزَّوَالِ وَرُوِي فِي هَذَا أَشْيَاءُ عَنِ الصَّحَابَةِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ إِلَّا مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْجِيلِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَرَأَى بَعْضُهُمُ أَنَّ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ إِذَا صُلِّيَتْ قَبْلَ الزَّوَالِ أَنَّهَا تَجُوزُ أَيْضًا) أَيْ كَمَا تَجُوزُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ كُنَّا نُبَكِّرُ بِالْجُمُعَةِ وَنَقِيلُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ بَاكِرَ النَّهَارِ لَكِنْ طَرِيقُ الْجَمْعِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى التَّعَارُضِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ التَّبْكِيرَ يُطْلَقُ عَلَى فِعْلِ الشَّيْءِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ أَوْ تَقْدِيمِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَالْمَعْنَى أنهم كانوا يبدأون بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْقَيْلُولَةِ بِخِلَافِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْحَرِّ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَقِيلُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْإِبْرَادِ انْتَهَى وَمِنْهَا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا كُنَّا نَقِيلُ وَلَا نَتَغَدَّى إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْغَدَاءَ وَالْقَيْلُولَةَ مَحَلُّهُمَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَحَكَوْا عن بن قتيبة أنه قال لا يسمى غذاء وَلَا قَائِلَةً بَعْدَ الزَّوَالِ وَأَجَابَ عَنْهُ النَّوَوِيُّ وغيره بأن هذا الحديث وما مَعْنَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْجِيلِهَا وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَجِّلُونَ الْغَدَاءَ وَالْقَيْلُولَةَ فِي هَذَا الْيَوْمِ إلا مَا بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ نُدِبُوا إِلَى التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا فَلَوِ اشْتَغَلُوا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَهَا خَافُوا فَوْتَهَا أَوْ فَوْتَ التَّبْكِيرِ إِلَيْهَا وَمِنْهَا أَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ قَالَ شَهِدْتُ الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَشَهِدْتُهَا مَعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إِلَى أَنْ أَقُولَ قَدِ انْتَصَفَ النَّهَارُ وَأَجَابَ عَنْهُ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سِيدَانَ غير معروف العدالة قال بن عَدِيٍّ شِبْهُ الْمَجْهُولِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ بَلْ عَارَضَهُ مَا هُوَ أَقْوَى منه فروى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حِينَ زَالَتِ الشَّمْسُ إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللَّهُ عِيدًا لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ فَلَمَّا سَمَّاهُ عِيدًا جَازَتِ الصَّلَاةُ فِيهِ فِي وَقْتِ الْعِيدِ كَالْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عِيدًا أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى جَمِيعِ أَحْكَامِ الْعِيدِ بِدَلِيلِ أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ يَحْرُمُ صَوْمُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ

باب ما جاء في الخطبة على المنبر

بَعْدَهُ بِخِلَافِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالظَّاهِرُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْجُمُعَةُ إِلَّا بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهَا تَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَلَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ) أَيْ مَشْرُوعِيَّتِهِا وَلَمْ يُقَيِّدْهَا بِالْجُمُعَةِ لِيَتَنَاوَلَهَا وَيَتَنَاوَلَ غَيْرَهَا [505] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلَّاسُ) الصَّيْرَفِيُّ الْبَاهِلِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ) بْنِ فَارِسٍ الْعَبْدِيُّ بَصْرِيٌّ أَصْلُهُ مِنْ بُخَارَى ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (وَيَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ) مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلَاءِ) بْنِ عَمَّارٍ الْمَازِنِيُّ أَبُو غَسَّانَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ (وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ) أَيْ مُسْتَنِدًا إِلَى جِذْعٍ وَهُوَ وَاحِدُ جُذُوعِ النَّخْلَةِ قَوْلُهُ (حَنَّ الْجِذْعُ) أَيْ صَوَّتَ مُشْتَاقًا إِلَيْهِ وَأَصْلُ الْحَنِينِ تَرْجِيعُ النَّاقَةِ صَوْتَهَا إِثْرَ وَلَدِهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الِاعْتِصَامِ وَفِي الْفِتَنِ وَفِيهِ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ قِصَّةُ اتِّخَاذِ الْمِنْبَرِ وَصِيَاحِ النَّخْلَةِ (وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ قِصَّةُ عَمَلِ الْمِنْبَرِ (وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ زِيَادَاتِهِ فِي الْمُسْنَدِ وَفِيهِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَفِيهِ كَلَامٌ وَقَدْ وثق (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى عَلَى الْمِنْبَرِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ مُوَثَّقُونَ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ (وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ كَانَ

باب ما جاء في الجلوس بين الخطبتين

يَخْطُبُ إِلَى جِذْعِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا صُنِعَ الْمِنْبَرُ حَنَّ الْجِذْعُ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَكَنَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رجاله موثقون قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ مُطَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي حُبَابٍ الْكَلْبِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ لكنه مدلس وقد عنعنه كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ) [506] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَصْرِيٌّ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (كَانَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّهُ وَاجِبٌ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ كَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِاسْتِحْبَابِهَا وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ إِلَّا الشَّافِعِيَّ إِلَى أَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ سُنَّةٌ لَا شَيْءَ عَلَى مَنْ تَرَكَهَا كذا في عمدة القارىء وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى وُجُوبِهِ لِمُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ صَلُّوا كما رأيتموني أصلي قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى ثُبُوتِ أَنَّ إِقَامَةَ الْخُطْبَتَيْنِ دَاخِلٌ تَحْتَ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ وَإِلَّا فَهُوَ اسْتَدَلَالٌ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ثُمَّ يَجْلِسُ فَلَا يَتَكَلَّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ وَاسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا أَنَّ حَالَ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لَا كَلَامَ فِيهِ قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ نَفْيُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ أَوْ يَدْعُوَهُ سِرًّا انْتَهَى اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ تَصْرِيحُ مِقْدَارِ الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا رَأَيْتُهُ فِي حَدِيثٍ

باب ما جاء في قصر الخطبة

غيره وذكر بن التِّينِ أَنَّ مِقْدَارَهُ كَالْجِلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَعَزَاهُ لِابْنِ الْقَاسِمِ وَجَزَمَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنِ الْحَكَمِ عن مقسم عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ كَانَ يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ ثُمَّ يَخْطُبُ كَذَا فِي عمدة القارىء (وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ من طريق النمري عن نافع عن بن عُمَرَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ الْعُمَرِيُّ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى قُلْت وَفِي إِسْنَادَيِ التِّرْمِذِيِّ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُصَغَّرًا وَهُوَ ثقة 2 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي قِصَرِ الْخُطْبَةِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الصَّادِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقِصَرُ كَعِنَبٍ خِلَافُ الطُّولِ [507] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) هو سلام بن سليم الكوفي قال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ قَوْلُهُ (فكَانَتْ صَلَاتُهُ قَصْدًا) أَيْ مُتَوَسِّطَةً بَيْنَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ مِنَ التَّقْصِيرِ وَالتَّطْوِيلِ فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا يُنَافِي حَدِيثَ عَمَّارٍ مَرْفُوعًا إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وأقصروا الخطبة رواه مسلم قلت قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأَوَّلَ دَلَّ عَلَى الِاقْتِصَادِ فِيهِمَا وَالثَّانِيَ عَلَى اخْتِيَارِ الْمَزِيَّةِ فِي الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَا مُخَالَفَةَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بحديث

باب ما جاء في القراءة على المنبر

عَمَّارٍ أَنَّ الصَّلَاةَ تَكُونُ طَوِيلَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخُطْبَةِ لَا تَطْوِيلًا يَشُقُّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ وَهِيَ حِينَئِذٍ قَصْدٌ أَيْ مُعْتَدِلَةٌ وَالْخُطْبَةُ قَصْدٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَضْعِهَا انْتَهَى وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَوْ حَيْثُ احْتِيجَ إِلَى التَّطْوِيلِ لِإِدْرَاكِ بَعْضِ مَنْ تَخَلَّفَ قَالَ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ يَكُونُ الْأَخْذُ فِي حَقِّنَا بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ لَا بِفِعْلِهِ لِاحْتِمَالِ التَّخْصِيصِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا) فَإِنْ قُلْتَ هَذَا يُنَافِي حَدِيثَ أَبِي زَيْدٍ قَالَ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ فَنَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ قُلْتُ لَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا لِوُرُودِ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي زَيْدٍ نَادِرًا اقْتَضَاهُ الْوَقْتُ وَلِكَوْنِهِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ وَكَأَنَّهُ كَانَ وَاعِظًا وَالْكَلَامُ فِي الْخَطْبِ الْمُتَعَارَفَةِ قاله القارىء قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) أخرجه مسلم وتقدم لفظه (وبن أَبِي أَوْفَى) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطِيلُ الصَّلَاةَ وَيَقْصُرُ الْخُطْبَةَ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَأَبَا دَاوُدَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ) [508] قَوْلُهُ (يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ) أَيْ يَقُولُ الْكُفَّارُ لِمَالِكٍ خَازِنِ النَّارِ (يَا مَالِكُ لِيَقْضِ علينا ربك) أَيْ بِالْمَوْتِ وَالْمَعْنَى سَلْ رَبَّكَ أَنْ يَقْضِيَ عَلَيْنَا يَقُولُونَ هَذَا لِشِدَّةِ مَا بِهِمْ فَيُجَابُونَ بقوله (إنكم ماكثون) أَيْ خَالِدُونَ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقِرَاءَةِ في الخطبة

وَسَيَجِيءُ ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ خَطَبَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَذَكَرَ سُورَةً وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقْرَأُ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ (وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ وَفِيهِ وَيَقْرَأُ آيَاتٍ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ حديث غَرِيبٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (آيًا مِنَ الْقُرْآنِ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ جَمْعُ آيَةٍ قَوْلُهُ (أَعَادَ الْخُطْبَةَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى وُجُوبِ الْوَعْظِ وَقِرَاءَةِ آيَةٍ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَحَلِّ الْقِرَاءَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ فِي إِحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَالثَّانِي فِي الْأُولَى وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أصحاب الشافعي واستدلوا بما رواه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَيَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ سُورَةً ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ثُمَّ يَنْزِلُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وعمر يفعلانه والثالث أن القراءة مشروعة فيهما جَمِيعًا وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَالرَّابِعُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى وَيَدُلُّ لَهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ قَائِمًا ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ وَيَقْرَأُ آيَاتٍ وَيَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وجل قال

باب في استقبال الإمام إذا خطب

الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ وَيَقْرَأُ آيَاتٍ وَيَذْكُرُ اللَّهَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَخْطُبُ لَا عَلَى قَوْلِهِ يَقُومُ وَالظَّاهِرُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يُلَازِمُ قِرَاءَةَ سُورَةٍ أَوْ آيَةٍ مَخْصُوصَةٍ فِي الْخُطْبَةِ بَلْ كَانَ يَقْرَأُ مَرَّةً هَذِهِ السُّورَةَ وَمَرَّةً هَذِهِ وَمَرَّةً هَذِهِ الاية ومرة هذه انتهى 4 - (باب فِي اسْتِقْبَالِ الْإِمَامِ إِذَا خَطَبَ) [509] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُوفِيُّ) الرَّوَاجِنِيُّ صَدُوقٌ رَافضِيٌّ حديثه في البخاري مقرون بالغ بن حِبَّانَ فَقَالَ يَسْتَحِقُّ التَّرْكَ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ) الْكُوفِيُّ نَزِيلُ بُخَارَى كَذَّبُوهُ مِنَ الثَّامِنَةِ مَاتَ سَنَةَ 180 ثَمَانِينَ وَمِائَةٍ كَذَا في التقريب قوله (استقبلناه بوجوهنا) قال بن الْمَلَكِ أَيْ تَوَجَّهْنَاهُ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَوَجَّهَ الْقَوْمُ الْخَطِيبَ وَالْخَطِيبُ الْقَوْمَ انْتَهَى قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَيْ لَا بِالتَّحَلُّقِ حَوْلَ الْمِنْبَرِ لِمَا سَبَقَ مِنَ الْمَنْعِ عَنْهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَلْ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ فِي الصُّفُوفِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ وَلَفْظُهُ فَأَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ يَوْمًا عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَنَا مِنْ مِنْبَرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سَلَّمَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ فَإِذَا صَعِدَهُ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ لَفْظُ الْبَيْهَقِيِّ وَضَعَّفَهُ وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ تَوَجَّهَ إِلَى النَّاسِ وسلم عليهم كذا في عمدة القارىء وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ استقبله أصحابه بوجوههم أخرجه بن ماجه وقال بن مَاجَهْ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا قَالَ وَالِدُ عَدِيٍّ لَا صُحْبَةَ لَهُ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِأَبِيهِ جَدُّهُ أَبُو أَبِيهِ فَلَهُ صُحْبَةٌ عَلَى رَأْيِ بَعْضِ الْحُفَّاظِ

مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَطِيَّةَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ ذَاهِبٌ حَدِيثُهُ غَيْرُ حَافِظٍ لِلْحَدِيثِ وَهُوَ عَطْفُ بَيَانٍ لِقَوْلِهِ ضَعِيفٌ (عِنْدَ أصحابنا) أي عند أصحاب الحديث فحديث بن مَسْعُودٍ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَقَالَ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ عند بن خُزَيْمَةَ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ الحنفية قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ يُسْتَحَبُّ لِلْقَوْمِ أَنْ يَسْتَقْبِلُوا الْإِمَامَ عِنْدَ الْخُطْبَةِ لَكِنَّ الرَّسْمَ الْآنَ أَنَّهُمْ يَسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ لِلْحَرَجِ فِي تَسْوِيَةِ الصفوف لكثرة الزحام قال القارىء لَا يَلْزَمُ مِنَ اسْتِقْبَالِهِمُ الْإِمَامَ تَرْكُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ عَلَى مَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْآتِي فِي أَوَّلِ بَابِ الْعِيدِ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ وَالنَّاسُ جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ نَعَمِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرٌ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا يَعْنِي صَرِيحًا وَقَدِ اسْتَنْبَطَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى الْمِنْبَرِ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ اسْتِقْبَالَ النَّاسِ الْإِمَامَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ جُلُوسَهُمْ حَوْلَهُ لِسَمَاعِ كَلَامِهِ يَقْتَضِي نَظَرَهُمُ إِلَيْهِ غَالِبًا وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْقِيَامِ فِي الْخُطْبَةِ لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَتَحَدَّثُ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مَكَانٍ عَالٍ وَهُمْ جُلُوسٌ أَسْفَلَ مِنْهُ وإذَا كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ حَالِ الْخُطْبَةِ كَانَ حَالُ الْخُطْبَةِ أَوْلَى لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِالِاسْتِمَاعِ لَهَا وَالْإِنْصَاتِ عِنْدَهَا انْتَهَى كَلَامُ الحافظ

باب في الركعتين إذا جاء الرجل والإمام يخطب

15 - (باب فِي الرَّكْعَتَيْنِ إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) [510] قَوْلُهُ (إِذْ جَاءَ رَجُلٌ) هُوَ سُلَيْكٌ بِمُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا الْغَطَفَانِيُّ (قُمْ فَارْكَعْ) أَيْ قُمْ فَصَلِّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ (عَنْ عِيَاضِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ (بن عبد الله بن أبي سرج) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ الْقُرَشِيِّ الْعَامِرِيِّ الْمَكِّيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ [511] قَوْلُهُ (وَمَرْوَانُ يَخْطُبُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَمَرْوَانُ هَذَا هُوَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ بن أبي العاص أُمَيَّةَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْأُمَوِيُّ الْمَدَنِيُّ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فِي آخِرِ سَنَةِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ فِي رَمَضَانَ وَلَهُ ثَلَاثٌ أَوْ إِحْدَى وَسِتُّونَ سَنَةً لَا يَثْبُتُ لَهُ صُحْبَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي تَرْجَمَتِهِ وُلِدَ مَرْوَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ عَامَ الْخَنْدَقِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَمْ يَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَاهُ إِلَى الطَّائِفِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا حَتَّى وَلِيَ عُثْمَانُ فَرَدَّهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَدِمَهَا وَابْنُهُ مَعَهُ مَاتَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ 65 خَمْسٍ وَسِتِّينَ رَوَى عَنْ نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَرَوَى عَنْهُ نَفَرٌ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ انْتَهَى (فَجَاءَ الْحَرَسُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ حَرَسَهُ حَرَسًا وَحِرَاسَةً فَهُوَ حَارِسٌ ج

حَرَسٌ وَأَحْرَاسٌ وَحُرَّاسٌ وَالْحَرَسِيُّ وَاحِدُ حَرَسِ السُّلْطَانِ وَهُمُ الْحُرَّاسُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ حَرَسٌ بِفَتْحَتَيْنِ نكاهبان دركاه سلطان حراس ج حرسي يكي ازيشال انتهى (وليجلسوه) مِنَ الْإِجْلَاسِ وَالتَّجْلِيسِ (إِنْ كَادُوا لَيَقَعُوا بِكَ) كَلِمَةُ إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ أَيْ أَنَّ الشَّأْنَ كَادُوا لَيُوقِعُوا بِكَ بِالضَّرْبِ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ أَوِ السَّبِّ كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِأَبِي الطَّيِّبِ السِّنْدِيِّ قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا جَاءَ) وهو سليك قوله (في هيأة بَذَّةٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ سَيِّئَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْفَقْرِ قَالَ فِي القاموس بذذت كعلمت بَذَاذَةً وَبَذَاذًا وَبُذُوذَةً سَاءَتْ حَالُكَ وَبَاذُّ الْهَيْئَةِ وَبَذُّهَا رَثُّهَا انْتَهَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ قَالَ فِي مُنْتَقَى الْأَخْبَارِ هَذَا يُصَرِّحُ بِضَعْفِ مَا رُوِيَ أَنَّهُ أَمْسَكَ عَنْ خُطْبَتِهِ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ انْتَهَى قُلْتُ أَشَارَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَأَمْسَكَ عَنِ الْخُطْبَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَسْنَدَهُ عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَبْدِيُّ عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَوَهِمَ فِيهِ وَالصَّوَابُ عَنْ مُعْتَمِرٍ عَنْ أَبِيهِ كَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مُعْتَمِرٍ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ مُرْسَلًا وَعُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ هَذَا رَوَى عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ وَإِنَّمَا حَكَمَ عَلَيْهِ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالْوَهْمِ لِمُخَالَفَتِهِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ منه أحمد بن حنبل وغيره (قال بن أَبِي عُمَرَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ شيخ الترمذي (وكان أبو عبد الرحمن الْمُقْرِئُ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ أَوِ الْأَهْوَازِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَسَبْعِينَ سَنَةً مِنَ التَّاسِعَةِ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (يَرَاهُ) أَيْ يَعْتَقِدُهُ وَيُجَوِّزُهُ (كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ الْمَدَنِيُّ

صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ وثقه أحمد وبن معين وبن عيينة وأبو حاتم وروى عباس عن بن معين قال بن عَجْلَانَ أَوْثَقُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو مَا يَشُكُّ فِي هَذَا أَحَدٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حَدِيثًا كُلُّهَا شَوَاهِدُ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي سُوءِ حِفْظِهِ وَقَدْ بَسَطَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِنْ قِيلَ قَدْ صَدَّرَ الْمُصَنِّفُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ فَمَا وَجْهُ قَوْلِهِ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُ أَوَّلًا وَمَا عَادَتُهُ أَنْ يُعِيدَ ذِكْرَ صَحَابِيٍّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي الْبَابِ فَالْجَوَابُ لَعَلَّهُ أَرَادَ حَدِيثًا آخَرَ لِجَابِرٍ غَيْرَ الْحَدِيثِ الَّذِي قدمه وهو مارواه الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ دَخَلَ النُّعْمَانُ بْنُ نَوْفَلٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يخطب فليصل ركعتين وليخففهما كذا في قوت المغتذي (وأبي هريرة) أخرجه بن ماجه (وسهل بن سعد) أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ سُلَيْكٍ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ ركعتين خفيفتين ورواه أيضا بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ انْتَهَى وَقَالَ الحافظ في الفتح ورواه بن خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَهُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العلم وبه يقول الشافعي وأحمد وَإِسْحَاقُ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا يَعْنِي الَّتِي رَوَاهَا مُسْلِمٌ صَرِيحَةٌ فِي الدَّلَالَةِ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ إِذَا دَخَلَ الْجَامِعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَجَوَّزَ فِيهِمَا لِيَسْمَعَ بَعْدَهُمَا الْخُطْبَةَ وَحُكِيَ هَذَا الْمَذْهَبُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ (إِذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَإِنَّهُ يَجْلِسُ وَلَا يُصَلِّي وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَا يُصَلِّيهِمَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَحُجَّتُهُمُ الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ لِلْإِمَامِ وتأولوا أحاديث الباب بأنه كان عريانا فأمر النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِيَامِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَيَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ صَرِيحُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا وَهَذَا نَصٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ تَأْوِيلٌ وَلَا أَظُنُّ عَالِمًا يَبْلُغُهُ هَذَا اللَّفْظُ وَيَعْتَقِدُهُ صَحِيحًا فَيُخَالِفَهُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْقُرْطُبِيُّ أَقْوى مَا اعْتَمَدَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ إِلَى عَهْدِ مَالِكٍ أَنَّ التَّنَفُّلَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا وَتُعُقِّبَ بِمَنْعِ اتِّفَاقِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ ثَبَتَ فِعْلُ التَّحِيَّةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَهُوَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَمَلَهُ عَنْهُ أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَيْضًا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ صَرِيحًا مَا يُخَالِفُ ذلك وأما ما نقله بن بَطَّالٍ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمَنْعِ مُطْلَقًا فَاعْتِمَادُهُ فِي ذَلِكَ عَلَى رِوَايَاتٍ عَنْهُمْ فِيهَا احْتِمَالٌ كَقَوْلِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ أَدْرَكْتُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَكَانَ الْإِمَامُ إِذَا خَرَجَ تَرَكْنَا الصَّلَاةَ وَجْهُ الِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ثَعْلَبَةُ عَنَى بِذَلِكَ مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ خَاصَّةً قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ كُلُّ مَنْ نُقِلَ عَنْهُ يَعْنِي مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْعُ الصَّلَاةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانَ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهمُ التَّصْرِيحُ بِمَنْعِ التَّحِيَّةِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهَا حَدِيثٌ يَخُصُّهَا فَلَا تُتْرَكُ بِالِاحْتِمَالِ انْتَهَى وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ صَرِيحًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وبن الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ وَلَمْ يَرْكَعْ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ صَحَابِيَّانِ صَغِيرَانِ فقال الطحاوي لما لم ينكر بن الزبير على بن صَفْوَانَ وَلَا مَنْ حَضَرَهُمَا مِنَ الصَّحَابَةِ تَرْكَ التَّحِيَّةِ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَاهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ تَرْكَهُمُ النَّكِيرَ لَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا بَلْ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا وَلَمْ يَقُلْ بِهِ مُخَالِفُوهُمُ انْتَهَى (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا وَهَذَا نَصٌّ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ تَأْوِيلٌ وَكُلُّ مَا أَجَابَ بِهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَهُوَ مَخْدُوشٌ وَمِنَ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا أَنَّ هَذَا كَانَ فِي حَالَةِ إِبَاحَةِ الْأَفْعَالِ فِي الْخُطْبَةِ قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنْهَا قَالُوا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَ هَذَا الرَّجُلَ فَكَلَامُهُ مَعَ هَذَا الرَّجُلِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَبْلَ أَنْ يُنْسَخَ فِي الْخُطْبَةِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْإِنْصَاتِ وَالِاسْتِمَاعِ وَتَرْكِ الْكَلَامِ حَتَّى مَنَعَ مِنْ أَنْ يَقُولَ لصاحب أنصت

وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ سُلَيْكًا مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ جِدًّا فَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُنْسَخَ الْكَلَامُ فِي الْخُطْبَةِ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قِيلَ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ سُلَيْكًا مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ جِدًّا وَتَحْرِيمُ الْكَلَامِ مُتَقَدِّمٌ جِدًّا فَكَيْفَ يُدَّعَى نَسْخُ الْمُتَأَخِّرِ بِالْمُتَقَدِّمِ مَعَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ انْتَهَى وَمِنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَاطَبَ سُلَيْكًا سَكَتَ عَنْ خُطْبَتِهِ حَتَّى فَرَغَ سُلَيْكٌ مِنْ صَلَاتِهِ فَعَلَى هَذَا فَقَدْ جَمَعَ سُلَيْكٌ بَيْنَ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ وَصَلَاةِ التَّحِيَّةِ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ التَّحِيَّةَ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَدْ ضَعَّفَهُ وَقَالَ إِنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ مُرْسَلًا أَوْ مُعْضَلًا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء مُعْتَرِضًا عَلَى هَذَا الْجَوَابِ مَا لَفْظُهُ الْمُرْسَلُ حجة عندنا ويؤيد هذا ما أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ أَمْسَكَ عَنِ الْخُطْبَةِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ ثُمَّ عَادَ إِلَى خُطْبَتِهِ انْتَهَى قُلْتُ الْحَدِيثُ الْمُرْسَلُ وَإِنْ كَانَ حُجَّةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَكِنِ الْمُحَقَّقُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ فَحَدِيثُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ الْمُرْسَلُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ وَيُضَعِّفُهُ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ بِلَفْظِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَيُضَعِّفُهُ أَيْضًا حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ ومسلم وأبو داود وأما رواية بن أَبِي شَيْبَةَ فَهِيَ أَيْضًا مُرْسَلَةٌ وَمَعَ إِرْسَالِهَا فَهِيَ ضَعِيفَةٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ إِخْرَاجِهَا هَذَا مُرْسَلٌ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَأَبُو مَعْشَرٍ اسْمُهُ نَجِيحٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ نَجِيحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّنْدِيُّ أَبُو مَعْشَرٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ أَسَنَّ وَاخْتَلَطَ انْتَهَى فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسَكَ عَنِ الْخُطْبَةِ حِينَ أَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ بَلْ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَمِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ شُرُوعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ وقد بوب النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى عَنْ حَدِيثِ سُلَيْكٍ قَالَ بَابُ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ جَاءَ سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَعَدَ سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فاركعهما كذا في عمدة القارىء

وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْقُعُودَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا يَخْتَصُّ بِالِابْتِدَاءِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ أَيْضًا فَيَكُونُ كَلَّمَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ قَاعِدٌ فَلَمَّا قَامَ لِيُصَلِّيَ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْخُطْبَةِ لِأَنَّ زَمَنَ الْقُعُودِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ لَا يَطُولُ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي تَجَوَّزَ فِي قَوْلِهِ قَاعِدٌ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ كُلَّهَا مُطْبِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء مُعْتَرِضًا عَلَى هَذَا الْجَوَابِ مَا لَفْظُهُ الْأَصْلُ ابْتِدَاءُ قُعُودِهِ وَقُعُودُهُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ عَلَى الْأَصْلِ انْتَهَى قُلْتُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقُعُودَ الْأَوَّلَ أَصْلٌ وَالثَّانِيَ مُحْتَمَلٌ بَلْ نَقُولُ إِنَّ الْقُعُودَيْنِ كِلَيْهِمَا أَصْلٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَالْحُكْمُ بِالْمُحْتَمَلِ عَلَى الْأَصْلِ مُتَعَيَّنٌ ها هنا لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ كُلَّهَا مُطْبِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ثُمَّ قَالَ الْعَيْنِيُّ مُعْتَرِضًا عَلَى قَوْلِ الْحَافِظِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي تَجَوَّزَ إلخ مَا لَفْظُهُ هَذَا تَرْوِيجٌ لِكَلَامِهِ وَنِسْبَةُ الرَّاوِي إِلَى ارْتِكَابِ الْمَجَازِ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ انْتَهَى قُلْتُ نِسْبَةُ الرَّاوِي إِلَى ارْتِكَابِ الْمَجَازِ لَيْسَ بِلَا حَاجَةٍ وَضَرُورَةٍ بَلْ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ شَدِيدَةٍ وَقَدْ بَيَّنَهَا الْحَافِظُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ كُلَّهَا مُطْبِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ لَفْظَ قَاعِدٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ إِمَّا يُرَادُ بِهِ الْقُعُودُ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ أَوْ يُقَالُ إِنَّ الرَّاوِيَ تَجَوَّزَ فِيهِ وَإِلَّا فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَمِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَيُحْتَمَلُ اخْتِصَاصُهَا بِسُلَيْكٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ وَالرَّجُلُ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَقَالَ لَهُ أَصَلَّيْتَ قَالَ لَا قَالَ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَحَضَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ الْحَدِيثَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ لِيَرَاهُ بَعْضُ النَّاسِ وَهُوَ قَائِمٌ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ دَخَلَ فِي الْمَسْجِدِ فِي هَيْئَةٍ بَذَّةٍ فَأَمَرْتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يَفْطِنَ لَهُ رَجُلٌ فَيَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ قُلْتُ هَذَا مَرْدُودٌ فَإِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ وَالتَّعْلِيلُ بِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ الْقَوْلَ بِجَوَازِ التَّحِيَّةِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ بِالصَّلَاةِ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي قَصْدِ التَّصَدُّقِ مُعَاوَدَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَمْرِهِ بِالصَّلَاةِ أَيْضًا فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ لَهُ فِي الْجُمُعَةِ الْأُولَى ثَوْبَيْنِ فَدَخَلَ بِهِمَا فِي الثَّانِيَةِ فَتَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا فَنَهَاهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ أخرجه النسائي وبن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا وَلِأَحْمَدَ وبن حِبَّانَ أَنَّهُ كَرَّرَ أَمْرَهُ بِالصَّلَاةِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلَاثِ جُمَعٍ

باب ما جاء في كراهية الكلام والإمام يخطب

فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَصْدَ التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ جُزْءُ عِلَّةٍ لَا عِلَّةٌ كَامِلَةٌ كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ كَيْفَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي قِصَّةِ سُلَيْكٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَارْكَعْهُمَا وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا أَجَابَ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَهُوَ مَخْدُوشٌ لَيْسَ مِمَّا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَسْطًا حَسَنًا وَأَجَادَ فِيهِ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْكَلَامِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) [512] قَوْلُهُ (وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (أَنْصِتْ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ الْإِنْصَاتِ مَقُولُ الْقَوْلِ (فَقَدْ لَغَا) وَفِي رِوَايَةٍ الشَّيْخَيْنِ إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْأَخْفَشُ اللَّغْوُ الْكَلَامُ الَّذِي لَا أصل له من الباطل وشبهه قال بن عرفة اللغو السقط من القولوقيل الْمَيْلُ مِنَ الصَّوَابِ وَقِيلَ اللَّغْوُ الْإِثْمُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ اتَّفَقَتْ أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ اللَّغْوَ مَا لَا يَحْسُنُ مِنَ الْكَلَامِ وَقَالَ النُّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ مَعْنَى لَغَوْتَ خِبْتَ مِنَ الْأَجْرِ وَقِيلَ بَطَلَتْ فَضِيلَةُ جُمُعَتِكَ وَقِيلَ صَارَتْ جُمُعَتُكَ ظُهْرًا قَالَ الْحَافِظُ أَقْوَالُ أَهْلِ اللُّغَةِ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَيَشْهَدُ لِلْقَوْلِ الْأَخِيرِ مَا رواه أبو داود وبن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا وَمَنْ لَغَا وَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ كَانَتْ له ظهرا قال بن وَهْبٍ أَحَدُ رُوَاتِهِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَحُرِمَ فَضِيلَةَ الْجُمُعَةِ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا مَنْ قَالَ صَهٍ فَقَدْ تَكَلَّمَ وَمَنْ

تَكَلَّمَ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ وَلِأَبِي دَاوُدَ نَحْوُهُ ولأحمد والبزار من حديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَهُوَ كَالْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا وَاَلَّذِي يَقُولُ لَهُ أَنْصِتْ لَيْسَتْ لَهُ جُمْعَةٌ وَلَهُ شَاهِدٌ قَوِيٌّ فِي جَامِعِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنِ بن عُمَرَ مَوْقُوفًا قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لَا جُمُعَةَ لَهُ كَامِلَةً لِلْإِجْمَاعِ عَلَى إِسْقَاطِ فَرْضِ الْوَقْتِ عَنْهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بَعْدَ ذكر حديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَنْ تَكَلَّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلخ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ يُفَسِّرُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ قوله (وفي الباب عن بن أبي أوفى) أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ قَالَ ثَلَاثٌ مَنْ سَلِمَ مِنْهُنَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى مِنْ أَنْ يُحْدِثَ حَدَثًا يَعْنِي أَذًى أَوْ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوْ أَنْ يَقُولَ صَهٍ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَالَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا فَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قبل الرَّأْيِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الرَّفْعِ (وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عن بن عَبَّاسٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الجماعة إلا بن مَاجَهْ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ (فَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ يَرُدُّهُ بِقَلْبِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَرُدُّ السَّلَامَ وَيُشَمِّتُ الْعَاطِسَ فِيهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ يَرُدُّ وَيُشَمِّتُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَلْبِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ ذلك وهو قول الشافعي) وحكى

بن الْعَرَبِيِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ مُوَافَقَةَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ أَوْلَى مِمَّا نَقَلَهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ بِالْجَوَازِ فَقَالَ وَلَوْ عَطَسَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَشَمَّتَهُ رَجُلٌ رَجَوْتُ أَنْ يَسَعَهُ لِأَنَّ التَّشْمِيتَ سُنَّةٌ وَلَوْ سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَرَأَيْتُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ وَرَدَّهُ فَرْضٌ هَذَا لَفْظُهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إِنَّهُ الْأَصَحُّ كَذَا فِي النَّيْلِ وَقَدْ كَرِهَ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا رَدَّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتَ الْعَاطِسِ وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ كُرِهَ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَرَدُّ السَّلَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُمَا فَرْضٌ وَالْجَوَابُ أَنَّهُمَا فَرْضَانِ فِي كُلِّ وَقْتٍ إِلَّا عِنْدَ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ لِعَدَمِ الْإِذْنِ فِيهِمَا وَكَذَا الْحَمْدُ لِلْعَطْسَةِ وَفِي رَدِّ الْمُنْكَرِ بِالْإِشَارَةِ بِالْعَيْنِ وَالْيَدِ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ أَصْحَابُنَا إِذَا اشْتَغَلَ الْإِمَامُ بِالْخُطْبَةِ يَنْبَغِي لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ يَجْتَنِبَ مَا يَجْتَنِبُهُ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ الْحَدِيثَ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ رَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ انْتَهَى وَقَدْ حَكَى الْعَيْنِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ يَرُدُّهُ بِقَلْبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ قُلْتُ وجه الاختلاف أن ها هنا عُمُومَاتٍ مُتَعَارِضَةً فَالنَّهْيُ عَنِ التَّكَلُّمِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ يَعُمُّ كُلَّ كَلَامٍ وَكَذَا الْأَمْرُ بِالْإِنْصَاتِ يَعُمُّ السُّكُوتَ عَنْ كُلِّ كَلَامٍ وَالْأَمْرُ بِرَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ وَكَذَا الْأَمْرُ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذِكْرِهِ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَوْقَاتِ فَأَبْقَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْأَوَّلَ وَخَصَّصَ الثَّانِيَ وَخَصَّصَ بَعْضُهُمُ الْأَوَّلَ وَأَبْقَى الثَّانِيَ عَلَى عُمُومِهِ وَالْأَوْلَى عِنْدِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ الْمُتَعَارِضَةِ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنِ التَّكَلُّمِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ النَّهْيُ عَنْ مُكَالَمَةِ النَّاسِ وَكَذَا الْمُرَادُ بِالْإِنْصَاتِ السُّكُوتُ عَنْ مُكَالَمَةِ النَّاسِ دُونَ ذكر الله كما اختاره بن خُزَيْمَةَ فَإِذَا سَكَتَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ عَنْ مُكَالَمَةِ النَّاسِ وَرَدِّ السَّلَامَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ أَوْ شَمَّتَ الْعَاطِسَ سِرًّا أَوْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذِكْرِهِ يَكُونُ عَامِلًا بِكُلِّ مَا ذُكِرَ مِنَ النَّهْيِ وَالْأَمْرِ وَهَذَا كَمَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْخَطِيبُ قَوْلَهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ فَإِنْ قُلْتَ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا وَالْأَمْرُ الْآخَرُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا قَالَ مُجَاهِدٌ نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ وَالِاشْتِغَالُ بِأَحَدِهِمَا يُفَوِّتُ الْآخَرَ قُلْتُ إِذَا صَلَّى فِي نَفْسِهِ وَأَنْصَتَ وَسَكَتَ يَكُونُ آتِيًا بِمُوجَبِ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي عُمْدَةِ الرِّعَايَةِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ جَوَازِ كُلِّ مَا مَنَعُوهُ حَالَةَ

باب في كراهية التخطي يوم الجمعة

سَكَتَاتِ الْخَطِيبِ إِذَا لَمْ يُخِلَّ بِالِاسْتِمَاعِ 7 - (بَاب فِي كَرَاهِيَةِ التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ) قَالَ فِي الصُّرَاحِ تَخَطَّيْتُ رِقَابَ النَّاسِ أَيْ تَجَاوَزْتُهَا [513] قَوْلُهُ (عَنْ زَبَّانَ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَشَدَّةِ الْمُوَحَّدَةِ (بْنِ فَائِدٍ) بِالْفَاءِ أَبِي جُوَيْنٍ الْمِصْرِيِّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ مَعَ صَلَاحِهِ وَعِبَادَتِهِ (عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ) لَا بَأْسَ بِهِ إِلَّا فِي رِوَايَةِ زَبَّانَ عَنْهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ ضَعَّفَهُ بن معين وقال بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ لَسْتُ أَدْرِي أَوَقَعَ التَّخْلِيطُ مِنْهُ أَوْ مِنْ صَاحِبِهِ زَبَّانَ بْنِ فَائِدٍ انْتَهَى (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ وَهُوَ صَحَابِيٌّ نَزَلَ مِصْرَ وَبَقِيَ إِلَى خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَوْلُهُ (مَنْ تَخَطَّى) أَيْ تَجَاوَزَ (رِقَابَ النَّاسِ) قَالَ الْقَاضِي أَيْ بِالْخَطْوِ عَلَيْهَا (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) ظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَكُونُ التَّقْيِيدُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ لِاخْتِصَاصِ الْجُمُعَةِ بِكَثْرَةِ النَّاسِ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْجُمُعَةِ بَلْ يَكُونُ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ حُكْمَهَا وَيُؤَيَّدُ ذَلِكَ التَّعْلِيلُ بِالْأَذِيَّةِ وَظَاهِرُ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَغَيْرِهَا وَيُؤَيِّدُ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَخَطَّى حِلَقَ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَهُوَ عَاصٍ وَلَكِنْ فِي إِسْنَادِهِ جَعْفَرُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَقَدْ كَذَّبَهُ شُعْبَةُ وَتَرَكَهُ النَّاسُ (اتُّخِذَ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّمَ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ اتُّخِذَ عَلَى بِنَائِهِ لِلْمَفْعُولِ بِضَمِّ التَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُجْعَلُ جِسْرًا عَلَى طَرِيقِ جَهَنَّمَ لِيُوطَأَ وَيُتَخَطَّى كَمَا تَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَإِنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ أَنَّهُ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ جِسْرًا يَمْشِي عَلَيْهِ إِلَى جَهَنَّمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ وَفِيهِ بُعْدٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَوْفَقُ لِلرِّوَايَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ بِلَفْظِ مَنْ تَخَطَّى رَقَبَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ جَعَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِسْرًا عَلَى بَابِ جَهَنَّمَ لِلنَّاسِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَالتُّورِبِشْتِيُّ

ضُعِّفَ الْمَبْنِيُّ لِلْمَفْعُولِ رِوَايَةً وَدِرَايَةً انْتَهَى قُلْت فِي كَلَامِ الطِّيبِيِّ وَالتُّورِبِشْتِيِّ خِلَافُ مَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّ وَيُؤَيِّدُهُ لَفْظُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ جَعَلَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِسْرًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن جابر) أخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَجَعَلَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ وَفِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ بِمَعْنَى حَدِيثِ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَسَكَتَ عَنْهُ أبو داود والمنذري وصححه بن خزيمة وغيره وعن أرقم بْنِ الْأَرْقَمِ الْمَخْزُومِيِّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الَّذِي يَتَخَطَّى رقاب الناس يوم الجمعة ويفرق بَيْنَ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ كَالْجَارِّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَفِي إِسْنَادِهِ هِشَامُ بْنُ زِيَادٍ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَهُ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَزْرَقِ عِنْدَهُ فِي الْكَبِيرِ وَذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ أَلْفَاظَ أَحَادِيثِهِمْ فِي النَّيْلِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ إلخ) فِي إِسْنَادِهِ رِشْدِيْنُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ رجح أبو حاتم عليه بن علية وقال بن يُونُسَ كَانَ صَالِحًا فِي دِينِهِ فَأَدْرَكَتْهُ غَفْلَةُ الصَّالِحِينَ فَخَلَطَ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْخَامِسَةِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ كَانَ صَالِحًا عَابِدًا سيء الْحِفْظِ غَيْرَ مُعْتَمَدٍ انْتَهَى فَحَدِيثُ الْبَابِ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ مُعْتَضِدٌ بِأَحَادِيثَ أُخْرَى وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا أَنْ يَتَخَطَّى الرَّجُلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ رِقَابَ النَّاسِ وَشَدَّدُوا فِي ذَلِكَ) حَكَى أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنِ الشَّافِعِيِّ التَّصْرِيحَ بِالتَّحْرِيمِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي زَوَائِدِ الرَّوْضَةِ إِنَّ الْمُخْتَارَ تَحْرِيمُهُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاقْتَصَرَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَقَطْ وَرَوَى الْعِرَاقِيُّ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّهُ قَالَ لَأَنْ أَدَعَ الْجُمُعَةَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَخَطَّى

باب ما جاء في كراهية الاحتباء والإمام يخطب

الرِّقَابَ وَقَالَ الْمُسَيِّبُ لَأَنْ أُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِالْحَرَّةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ التَّخَطِّي وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ عَنْهُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَقَدِ اسْتُثْنِيَ مِنَ التَّحْرِيمِ أَوِ الْكَرَاهَةِ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةٌ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا إِلَّا بِالتَّخَطِّي وَهَكَذَا أَطْلَقَ النَّوَوِيُّ بِالرَّوْضَةِ وَقَيَّدَ ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ إِذَا لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا إِلَى الْمِنْبَرِ أَوِ الْمِحْرَابِ إِلَّا بِالتَّخَطِّي لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَحَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ صَلَّيْتُ وَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الْعَصْرَ ثُمَّ قَامَ مُسْرِعًا فَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إِلَى بَعْضِ حُجَرِ نِسَائِهِ الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّخَطِّي لِلْحَاجَةِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَمَنْ خَصَّصَ الْكَرَاهَةَ بِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ عِنْدَهُ وَمَنْ عَمَّمَ الْكَرَاهَةَ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ سَابِقًا فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الِاعْتِذَارِ عَنْهُ وَقَدْ خَصَّ الْكَرَاهَةَ بَعْضُهُمْ بِغَيْرِ مَنْ يَتَبَرَّكُ النَّاسُ بِمُرُورِهِ وَيَسُرُّهُمْ ذَلِكَ وَلَا يَتَأَذَّوْنَ لِزَوَالِ عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ الَّتِي هِيَ التَّأَذِّي كَذَا فِي النَّيْلِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الِاحْتِبَاءِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الِاحْتِبَاءُ هُوَ أَنْ يَضُمَّ الْإِنْسَانُ رِجْلَيْهِ إِلَى بَطْنِهِ بِثَوْبٍ يَجْمَعُهُمَا بِهِ مَعَ ظَهْرِهِ وَيَشُدَّهُ عَلَيْهَا وَقَدْ يَكُونُ الِاحْتِبَاءُ بِالْيَدَيْنِ عِوَضَ الثَّوْبِ يُقَالُ احْتَبَى يَحْتَبِي احْتِبَاءً وَالِاسْمُ الْحُبْوَةُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَالْجَمْعُ حِبًا وَحُبًا [514] قَوْلُهُ (وَالْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ) الْخُوَارَزْمِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَعْلَامِ رَوَى عَنْ أَبِي عَبْدِ الرحمن المقرئ وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَغَيْرِهِمَا وَرَوَى عَنْهُ أَصْحَابُ السنن الأربعة ولزم بن مَعِينٍ وَأَخَذَ عَنْهُ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مَاتَ سَنَةَ 172 إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ (قَالَا أخبرنا أبو عبد الرحمن الْمُقْرِئُ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ وَالْأَهْوَازِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَسَبْعِينَ سَنَةً مِنَ التَّاسِعَةِ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ) الْخُزَاعِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَاسْمُ أَبِي أَيُّوبَ مِقْلَاصٌ (قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو مَرْحُومٍ) اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مَيْمُونٍ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ زَاهِدٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ) بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ

قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الْحَبْوَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ احْتَبَى بِالثَّوْبِ اشْتَمَلَ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ ظَهْرِهِ وساقيه بعمامة ونحوها والاسم الحبوة وبضم انْتَهَى (يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا نَهَى عَنْ الِاحْتِبَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ يَجْلِبُ النَّوْمَ وَيُعَرِّضُ طَهَارَتَهُ لِلِانْتِقَاضِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الِاحْتِبَاءِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِحَالِ الْخُطْبَةِ وَلَا بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ مَظِنَّةٌ لِانْكِشَافِ عَوْرَةِ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِي سَنَدِهِ سَهْلُ بْنُ مُعَاذٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَفِي سَنَدِهِ أيضا أبو مرحوم ضعفه بن مَعِينٍ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عند بن مَاجَهْ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الِاحْتِبَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَعْنِي وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَفِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ رَوَاهُ بِالْعَنْعَنَةِ عَنْ شَيْخِهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَعَلَّهُ من شيوخه المجهولين عن جابر عند بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونٍ الْقَدَّاحُ وَهُوَ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْحَبْوَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ) قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ لَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا كَرِهَهَا إِلَّا عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ انْتَهَى قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَوَرَدَ عَنْ مَكْحُولٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَحْتَبُوا وَالْإِمَامُ يخطب يوم الجمعة رواه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ قَالَ وَلَكِنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ عَنِ الثَّلَاثَةِ فَنُقِلَ عَنْهُمُ الْقَوْلُ بِالْكَرَاهَةِ وَنُقِلَ عَنْهُمْ عَدَمُهَا وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهِيَ تُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا (وَرَخَّصَ فِي ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إلخ) قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سننه وكان بن عُمَرَ يَحْتَبِي وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَشُرَيْحٌ وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ وَنُعَيْمُ بْنُ سَلَامَةَ قَالَ لَا بَأْسَ بِهَا انْتَهَى وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ

باب ما جاء في كراهية رفع الأيدي على المنبر

يَعْلَى بْنِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ شَهِدْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ فَتْحَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَجَمَعَ بِنَا فَإِذَا جُلُّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَيْتُهُمْ مُحْتَبِينَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزِّبْرِقَانِ وَفِيهِ لِينٌ وقد وثقه بن حِبَّانَ وَأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ وَإِنْ كَانَ التِّرْمِذِيُّ قَدْ حَسَّنَ حَدِيثَ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ قُلْت أَحَادِيثُ الْبَابِ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً لَكِنْ يقوي بعضها بعضا ولا شك فِي أَنَّ الْحَبْوَةَ جَالِبَةٌ لِلنَّوْمِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْتَرَزَ عَنْهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ رَفْعِ الْأَيْدِي عَلَى المنبر) [515] قوله (أخبرنا هشيم) بالتصغير بن بَشِيرٍ بِوَزْنِ عَظِيمٍ الْوَاسِطِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ كَثِيرُ التدليس والإرسال (أخبرنا حصين) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُ أَبُو الْهُذَيْلِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ فِي الْآخِرِ (قَالَ سَمِعْتُ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (بْنَ رُوَيْبَةَ) بِرَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا الثَّقَفِيَّ يُكْنَى بِأَبِي زُهَيْرٍ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْكُوفَةَ (وَبِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ يَخْطُبُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ (فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ) لَيْسَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَفْظُ فِي الدُّعَاءِ (فَقَالَ عُمَارَةُ قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيُدَيَّتَيْنِ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ تَصْغِيرُ الْيَدَيْنِ (الْقُصَيِّرَتَيْنِ) تَصْغِيرُ الْقَصِيرَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ دُعَاءٌ عَلَيْهِ وَقِيلَ إِخْبَارٌ عَنْ قُبْحِ صُنْعِهِ (وَمَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ) أَيْ يُشِيرَ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ رَفْعِ الْأَيْدِي عَلَى الْمِنْبَرِ حَالَ الدُّعَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ

باب ما جاء في أذان الجمعة

20 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَذَانِ الْجُمُعَةِ) [516] قَوْلُهُ (عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ) بْنِ سَعِيدِ بْنِ ثُمَامَةَ الْكِنْدِيِّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ وَيُعْرَفُ بِابْنِ أُخْتِ النَّمِرِ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ لَهُ أَحَادِيثُ قَلِيلَةٌ وَحُجَّ بِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ بن سَبْعِ سِنِينَ وَوَلَّاهُ عُمَرُ سُوقَ الْمَدِينَةِ مَاتَ سَنَةَ 19 إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ (كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ) أَيْ لِلْخُطْبَةِ وَجَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ (أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَطْبُوعَةِ فِي الْهِنْدِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ وَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي رواية أبي عامر عن بن أبي ذئب عند بن خُزَيْمَةَ إِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ وَإِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وكذا للبيهقي من طريق بن أبي فديك عن بن أَبِي ذِئْبٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْمَعْنَى كَانَ الْأَذَانُ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَذَانَيْنِ أَحَدُهُمَا حِينَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالثَّانِي حِينَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فَكَانَ فِي عَهْدِهِمُ الْأَذَانَانِ فَقَطْ وَلَمْ يَكُنِ الْأَذَانُ الثَّالِثُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَانَيْنِ الْأَذَانُ الْحَقِيقِيُّ وَالْإِقَامَةُ وَفِي رواية وكيع عن بن أبي ذئب عند بن خُزَيْمَةَ كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أذانين يوم الجمعة قال بن خُزَيْمَةَ قَوْلُهُ أَذَانَيْنِ يُرِيدُ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ يَعْنِي تَغْلِيبًا أَوْ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْإِعْلَامِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ) أَيْ خِلَافَتُهُ أَوْ كَانَ خَلِيفَةً (زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ) قَالَ الحافظ في رواية وكيع عن بن أَبِي ذِئْبٍ فَأَمَرَ عُثْمَانُ بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ وَنَحْوُهُ لِلشَّافِعِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَزِيدًا يُسَمَّى ثَالِثًا وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ جُعِلَ مُقَدَّمًا عَلَى الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ يُسَمَّى أَوَّلًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ التَّأْذِينَ بِالثَّانِي أَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ وَتَسْمِيَتُهُ ثَانِيًا أَيْضًا مُتَوَجِّهٌ بِالنَّظَرِ إِلَى الْأَذَانِ الْحَقِيقِيِّ لَا الْإِقَامَةِ (عَلَى الزوراء) بفتح الزاء وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا رَاءٌ مَمْدُودَةٌ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ الزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ قَالَ الْحَافِظُ مَا فَسَّرَ بِهِ الْبُخَارِيُّ هُوَ المعتمد وجزم بن بَطَّالٍ بِأَنَّهُ حَجَرٌ كَبِيرٌ

عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا فِي رواية بن إسحاق عن الزهري عند بن خزيمة وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى دَارٍ فِي السُّوقِ يُقَالُ لَهَا الزَّوْرَاءُ وَفِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَأَمَرَ بِالنِّدَاءِ الْأَوَّلِ عَلَى دَارٍ لَهُ يُقَالُ لَهَا الزَّوْرَاءُ فَكَانَ يُؤَذَّنُ لَهُ عَلَيْهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَأُذِّنَ بِالزَّوْرَاءِ قَبْلَ خُرُوجِهِ لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّ الْجُمُعَةَ قَدْ حَضَرَتْ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ أيضا زاد أبو عامر يعني بن خزيمة عن بن أَبِي ذِئْبٍ فَثَبَتَ ذَلِكَ حَتَّى السَّاعَةِ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ يَعْنِي عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ فَثَبَتَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا بِفِعْلِ عُثْمَانَ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ إِذْ ذَاكَ لِكَوْنِهِ خَلِيفَةً مُطَاعَ الْأَمْرِ لَكِنْ ذَكَرَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَ الْأَذَانَ الْأَوَّلَ بِمَكَّةَ الْحَجَّاجُ وَبِالْبَصْرَةِ زِيَادٌ وَبَلَغَنِي أَنَّ أَهْلَ الْمَغْرِبِ الْأَدْنَى الْآنَ لَا تَأْذِينَ عِنْدَهُمْ سِوَى مَرَّةٍ وروى بن أبي شيبة من طريق بن عُمَرَ قَالَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُلُّ مَا لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ يُسَمَّى بِدْعَةً لَكِنْ مِنْهَا مَا يَكُونُ حَسَنًا وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ بِمَا مَضَى أَنَّ عُثْمَانَ أَحْدَثَهُ لِإِعْلَامِ النَّاسِ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قِيَاسًا عَلَى بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ فَأَلْحَقَ الْجُمُعَةَ بِهَا وَأَبْقَى خُصُوصِيَّتَهَا بِالْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيِ الْخَطِيبِ انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الْأَذَانُ الثَّالِثُ الَّذِي هُوَ الْأَوَّلُ وُجُودًا إِذَا كَانَتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ بِاجْتِهَادِ عُثْمَانَ وَمُوَافَقَةِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ لَهُ بِالسُّكُوتِ وَعَدَمِ الْإِنْكَارِ صَارَ أَمْرًا مَسْنُونًا نَظَرًا إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ انْتَهَى قُلْتُ لَيْسَ المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى الله عليه وسلم قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي أَيْ بِطَرِيقَتِي الثَّابِتَةِ عَنِّي وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا إِلَّا بِسُنَّتِي فَالْإِضَافَةُ إِلَيْهِمْ إِمَّا لِعَمَلِهِمْ بِهَا أَوْ لِاسْتِنْبَاطِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ إِيَّاهَا انتهى كلام القارىء وَقَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ أَمَّا حَدِيثُ عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدِي تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَمِثْلُهُ حَدِيثُ اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ وأخرجه أحمد وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَلَهُ طَرِيقٌ فِيهَا مَقَالٌ إِلَّا أَنَّهُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِسُنَّةِ الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب ما جاء في الكلام بعد نزول الإمام من المنبر

مِنْ جِهَادِ الْأَعْدَاءِ وَتَقْوِيَةِ شَعَائِرِ الدِّينِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْحَدِيثَ عَامٌّ لِكُلِّ خَلِيفَةٍ رَاشِدٍ لَا يَخُصُّ الشَّيْخَيْنِ وَمَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لِخَلِيفَةٍ رَاشِدٍ أَنْ يُشَرِّعَ طَرِيقَةً غَيْرَ مَا كَانَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ هَذَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَفْسُهُ الْخَلِيفَةُ الرَّاشِدُ سَمَّى مَا رَآهُ مِنْ تَجْمِيعِ صَلَاتِهِ لَيَالِيَ رَمَضَانَ بِدْعَةً وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهَا سُنَّةٌ فَتَأَمَّلْ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ خَالَفُوا الشَّيْخَيْنِ فِي مَوَاضِعَ وَمَسَائِلَ فَدَلَّ أَنَّهُمْ لَمْ يَحْمِلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ مَا قَالُوهُ وَفَعَلُوهُ حُجَّةٌ وَقَدْ حَقَّقَ الْبِرْمَاوِيُّ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ أَلْفِيَّتِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَعَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اتَّفَقَ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى قَوْلٍ كَانَ حُجَّةً لَا إِذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ لَيْسَ هُوَ التَّقْلِيدُ بَلْ هُوَ غَيْرُهُ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَافِلِ فِي بَحْثِ الْإِجْمَاعِ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ السُّبُلِ فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّهُ لَيْسَ المراد بسنة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لِطَرِيقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاحَ لَكَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى كَوْنِ الْأَذَانِ الثَّالِثِ الَّذِي هُوَ مِنْ مُجْتَهَدَاتِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أمرا مسنونا ليس بتام ألا ترى أن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِدْعَةٌ فَلَوْ كَانَ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ تَامًّا وَكَانَ الْأَذَانُ الثَّالِثُ أَمْرًا مَسْنُونًا لَمْ يُطْلِقْ عَلَيْهِ لَفْظَ الْبِدْعَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ غَيْرِ الْإِنْكَارِ فَإِنَّ الْأَمْرَ الْمَسْنُونَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْبِدْعَةِ بِأَيِّ مَعْنًى كَانَ فَتَفَكَّرْ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْكَلَامِ بَعْدَ نُزُولِ الْإِمَامِ مِنْ الْمِنْبَرِ) [517] قَوْلُهُ (يُكَلَّمُ بِالْحَاجَةِ إِذَا نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ) وَفِي الْمُنْتَقَى بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْزِلُ مِنَ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيُكَلِّمُهُ الرَّجُلُ فِي الْحَاجَةِ وَيُكَلِّمُهُ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ إِلَى مُصَلَّاهُ فَيُصَلِّي وَعَزَاهُ إِلَى الْخَمْسَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ بَعْدَ نُزُولِ الْإِمَامِ مِنَ الْمِنْبَرِ عِنْدَ الْحَاجَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ فِيهَا لِأَنَّ مُسْلِمًا قَدْ رَوَى أَنَّ السَّاعَةَ الَّتِي فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْمُسْتَجَابَةَ هِيَ مِنْ حِينِ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ إِلَى أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ فَيَنْبَغِي أَنْ

يَتَجَرَّدَ لِلذِّكْرِ وَالتَّضَرُّعِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَمِمَّا يُرَجِّحُ تَرْكَ الْكَلَامِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْإِنْصَاتِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الصَّلَاةُ كَمَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ بِلَفْظِ فَيُنْصِتُ حَتَّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ قَالَ وَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْكَلَامَ الْجَائِزَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ هُوَ كَلَامُ الْإِمَامِ لِحَاجَةٍ أَوْ كَلَامُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ لِحَاجَةٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهِمَ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى إلخ) يَعْنِي وَهِمَ جَرِيرٌ فِي قَوْلِهِ يُكَلَّمُ بِالْحَاجَةِ إِذَا نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَأَخَذَ رَجُلٌ الْحَدِيثَ وَلَيْسَ فِيهِ إِذَا نَزَلَ مِنَ الْمِنْبَرِ بَلْ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ لِقَوْلِهِ حَتَّى نَعَسَ بَعْضُ الْقَوْمِ كَمَا أَنَّ جَرِيرًا وَهِمَ فِي تَحْدِيثِهِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا الْحَدِيثَ لِأَنَّ ثَابِتًا لَمْ يُحَدِّثْ عَنْ أَنَسٍ وَإِنَّمَا كَانَ جَالِسًا عِنْدَ تَحْدِيثِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِأَبِي الطَّيِّبِ السِّنْدِيِّ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنْ ثَابِتٍ وَهُوَ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ انْتَهَى وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ ثَابِتٍ انْتَهَى قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي مَا أَعَلَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ الْحَدِيثَ مِنْ أن الصحيح كلام الرجل له بعد ما أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ لَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ بَلِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَعْدَ إِقَامَةِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَ نُزُولِهِ مِنَ الْمِنْبَرِ فَلَيْسَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُتَعَذِّرًا كَيْفَ وَجَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْمُخَرَّجِ لَهُمْ فِي الصَّحِيحِ فَلَا تَضُرُّ زِيَادَتُهُ فِي كَلَامِ الرَّجُلِ لَهُ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ نُزُولِهِ عَنِ الْمِنْبَرِ انْتَهَى

باب ما جاء في القراءة في صلاة الجمعة

قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ جَرِيرَ بن حازم أحد الثقات المخرج لهم في الصَّحِيحِ لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَلَهُ أَوْهَامٌ إِذَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ وَقَالَ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ حَدَّثَ بِمِصْرَ أَحَادِيثَ وَهِمَ فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ يحفظ انتهى 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ) [519] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا (حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) الْمَدَنِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْحَارِثِيُّ مَوْلَاهُمْ أَصْلُهُ مِنَ الْكُوفَةِ صَحِيحُ الْكِتَابِ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالصَّادِقِ صَدُوقٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ (عَنْ أَبِيهِ) مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ) كَانَ كَاتِبَ عَلِيٍّ وَهُوَ ثِقَةٌ مِنَ الثالثة قوله (استخلف مروان) هو بن الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْأُمَوِيُّ الْمَدَنِيُّ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فِي آخِرِ سَنَةِ 64 أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمَاتَ سَنَةَ 65 خَمْسٍ وَسِتِّينَ (أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ) أَيْ جَعَلَهُ خَلِيفَتَهُ وَنَائِبَهُ عليها (وَخَرَجَ) أَيْ مَرْوَانُ (فَقَرَأَ سُورَةَ الْجُمُعَةِ) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (وَفِي

السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ) أَيِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ (فَأَدْرَكْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ) أَيْ لَقِيتُهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَبِي عُتْبَةَ الْخَوْلَانِيِّ) أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ الم تَنْزِيلُ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ وَأَمَّا حَدِيثُ النُّعْمَانِ بن بشير فأخرجه الجماعة إلا البخاري وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَهَلْ أَتَاكَ حديث الغاشية قَالَ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَقْرَأُ بِهِمَا فِي الصَّلَاتَيْنِ وَرَوَى الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَسَأَلَهُ الضَّحَّاكُ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى إثْرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ كَانَ يَقْرَأُ هل أتاك حديث الغاشية وأما حديث بن عتبة الخولاني فأخرجه بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيَّ وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بالْمُنَافِقِينَ أَوْ فِي الأولى ب سبح اسم ربك الأعلى وَفِي الثَّانِيَةِ بِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية أَوْ فِي الْأُولَى بِالْجُمُعَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بهل أتاك حديث الغاشية قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالْأَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّاتِ قِرَاءَةُ الْجُمُعَةِ فِي الْأُولَى ثُمَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِيمَا رَوَاهُ عنه الرَّبِيعِ وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فَلَا وَجْهَ لِتَفْضِيلِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إِلَّا أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا لَفْظُ كَانَ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي أَيَّامٍ مُتَعَدِّدَةٍ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الأصول

باب ما جاء في ما يقرأ في صلاة الصبح

23 - (باب ما جاء في ما يقرأ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ) يَوْمَ الْجُمُعَةِ [520] قَوْلُهُ (عَنْ مُخَوَّلٍ) عَلَى وَزْنِ مُحَمَّدٍ وَقِيلَ عَلَى وَزْنِ مِنْبَرٍ ثِقَةٌ نُسِبَ إِلَى التَّشَيُّعِ (عَنْ مُسْلِمٍ البطين) هو مسلم بن عمران أو بن أَبِي عِمْرَانَ الْبَطِينُ مِنْ رِجَالِ الْجَمَاعَةِ قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ إلخ) قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الْيَوْمِ لِمَا تُشْعِرُ الصِّيغَةُ بِهِ مِنْ مُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ إِكْثَارِهِ منه بل ورد من حديث بن مَسْعُودٍ التَّصْرِيحُ بِمُدَاوَمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَلَفْظُهُ يُدِيمُ ذَلِكَ وأصله في بن مَاجَهْ بِدُونِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ صَوَّبَ أَبُو حَاتِمٍ إِرْسَالَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن سعد وبن مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ وَهُوَ بن أبي وقاص فأخرجه بن ماجه وأما حديث بن مسعود فأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ وَأَبَا دَاوُدَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي

باب في الصلاة قبل الجمعة وبعدها

24 - (باب فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَهَا) [521] قَوْلُهُ (كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ وَبِهِ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جابر) أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ جَاءَ سليك الغطفاني ورسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ قَالَ لَا قَالَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ لَمْ يَذْكُرِ الرَّافِعِيُّ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا حديثا وأصح ما فيه ما رواه بن مَاجَهْ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ ثُمَّ قال قال المجد بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ تَجِيءَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا سُنَّةُ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لاتحية الْمَسْجِدِ وَتَعَقَّبَهُ الْمِزِّيُّ بِأَنَّ الصَّوَابَ أَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ فَصَحَّفَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ انْتَهَى قوله (وقد روي عن نافع عن بن عُمَرَ أَيْضًا) أَيْ كَمَا رُوِيَ عَنْ سَالِمٍ عن بن عُمَرَ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ نَافِعٍ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ يُرِدِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِذَلِكَ إِلَّا بَيَانَ أَقَلِّ مَا يُسْتَحَبُّ وَإِلَّا فَقَدِ اسْتَحَبَّا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ذَكَرَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَنَقَلَ بن قُدَامَةَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ إِنْ شَاءَ صَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى أَرْبَعًا وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ سِتًّا كَذَا فِي النيل

قَوْلُهُ (كُنَّا نَعُدُّ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ ثَبْتًا فِي الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ بِأَخَرَةٍ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا وَتَعْلِيقًا انْتَهَى قُلْتُ احْتَجَّ بِهِ الْجَمَاعَةُ سوى البخاري وثقه بن عُيَيْنَةَ وَالْعِجْلِيُّ وَقَالَ النَّسَائِيُّ هُوَ خَيْرٌ مِنْ فُلَيْحٍ وَحُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ وَعَدَّ جَمَاعَةً يَعْتَرِضُ عَلَى الْبُخَارِيِّ فِي احْتِجَاجِهِ بِهِمْ وَعَدَمِ احْتِجَاجِهِ بِسُهَيْلٍ وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا وَتَعْلِيقًا قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّي بَعْدَهَا أَرْبَعًا روي ذلك عن بن مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أربعا روي ذلك عن علي وبن عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ إِلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ اسْتَحَبَّ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَرْبَعَ قَبْلَ الرَّكْعَتَيْنِ حُجَّةُ الْأَوَّلِينَ حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورُ وَحُجَّةُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ وَحُجَّةُ الطَّائِفَةِ الثَّالِثَةِ مَا رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ بن عُمَرَ الْجُمُعَةَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى أَرْبَعًا ثُمَّ انْصَرَفَ وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ

إبراهيم عن سليمان بن مسهر عن حرشة بْنِ الْحُرِّ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَرِهَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ صَلَاةٍ مِثْلَهَا هَذَا ملخص ما في عمدة القارىء لِلْعَيْنِيِّ قُلْتُ وَاسْتُدِلَّ لِلطَّائِفَةِ الثَّالِثَةِ بِمَا رَوَاهُ أبو داود عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعًا وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ صَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَالْحَدِيثُ هَذَا سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قُلْتُ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِعْلًا وَأَرْبَعٌ قَوْلًا وَأَمَّا السِّتُّ فَلَمْ تَثْبُتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ نَعَمْ ثبتت عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ فِعْلِهِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ الَّذِي نَقَلْنَاهُ آنِفًا عَنْ أَبِي دَاوُدَ فَقَالَ الْعِرَاقِيُّ إِنَّمَا أَرَادَ رَفْعَ فِعْلِهِ بِالْمَدِينَةِ فَحَسْبُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِمَكَّةَ انْتَهَى وَالْأَوْلَى بِالْعَمَلِ عِنْدِي أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلًا وَأَمَرَنَا بِهِ وَحَثَّنَا عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [523] قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا) أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ ورواه الطبراني عن بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وفي بن ماجه عن بن عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْكَعُ قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِشَيْءٍ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَفِي الْبَابِ عن بن مَسْعُودٍ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الطَّبَرَانِيِّ الأوسط وصح عن بن مَسْعُودٍ مِنْ فِعْلِهِ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَفِي الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ رَوَاهُ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ بِسَنَدِهِ إِلَى عَلِيٍّ وَزَادَ يَجْعَلُ التَّسْلِيمَ فِي آخِرِهِنَّ كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِسِرَاجِ أَحْمَدَ السَّرْهَنْدِيِّ وفي عمدة القارىء لِلْعَيْنِيِّ فِي سُنَنِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أبي عبد الرحمن السلمي قال علمنا بن مَسْعُودٍ أَنْ نُصَلِّيَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَّمَنَا أَنْ نُصَلِّيَ سِتًّا

قَوْلُهُ (وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلخ) حَاصِلُ احْتِجَاجِهِ أَنَّ حَدِيثَ الْأَرْبَعِ مُطْلَقٌ وَلَيْسَ مُقَيَّدًا بِكَوْنِهَا فِي الْبَيْتِ وَأَمَّا حَدِيثُ الرَّكْعَتَيْنِ فَهُوَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِمَا فِي الْبَيْتِ فَحَدِيثُ الرَّكْعَتَيْنِ يُحْمَلُ عَلَى مَا إِذَا صَلَّى فِي الْبَيْتِ وَحَدِيثُ الْأَرْبَعِ عَلَى مَا إِذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو عِيسَى وبن عُمَرَ هُوَ الَّذِي رَوَى إلخ ) مَقْصُودُ التِّرْمِذِيِّ الرَّدُّ عَلَى مَا قَالَ إِسْحَاقُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْأَمْرَ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ إِسْحَاقُ لَمَا صلى بن عُمَرَ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَنَصَّ لِلْحَدِيثِ مِنَ الزُّهْرِيِّ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ أَرْفَعَ لَهُ وَأَسْنَدَ انْتَهَى وَفِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ النَّسَائِيُّ عَنِ بن عُيَيْنَةَ مَرِضَ عَمْرٌو فَعَادَهُ الزُّهْرِيُّ فَلَمَّا قَامَ الزُّهْرِيُّ قَالَ مَا رَأَيْتُ شَيْخًا أَنَصَّ لِلْحَدِيثِ الْجَيِّدِ مِنْ هَذَا الشَّيْخِ انْتَهَى (إِنْ كَانَتِ الدارهم عِنْدَهُ) إِنْ هَذِهِ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ (سَمِعْتُ بن أَبِي عُمَرَ) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ ووقع في غيرها سمعت بن أَبِي عُمَرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَدْ سَقَطَ لَفْظُ (بن) من النسخة الأحمدية

باب فيمن يدرك من الجمعة ركعة

25 - (باب فيمن يدرك مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً) [524] قَوْلُهُ (فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ) لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ بِالرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ مُدْرِكًا لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ مِنَ الصَّلَاةِ فَإِذًا فِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ فَقَدْ أَدْرَكَ وَقْتَ الصَّلَاةِ أَوْ حُكْمَ الصَّلَاةِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُ إِتْمَامُ بَقِيَّتِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَمَنْ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا) أَيْ وَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ وَالْمُصَلِّينَ مَعَهُ جَالِسِينَ (صَلَّى أَرْبَعًا) أَيْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ شَيْئًا مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ يُصَلِّي مَا أَدْرَكَ مَعَهُ وَيُتِمُّ الْبَاقِيَ وَلَا يُصَلِّي الظُّهْرَ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ الْجُمُعَةَ فَيَلْزَمُ أَنَّ مُدْرِكَ رَكْعَةٍ مِنَ الْجُمُعَةِ مُدْرِكٌ لَهَا وَبِمَفْهُومِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً بَلْ دُونَهَا فَهُوَ غَيْرُ مُدْرِكٍ وَمَنْ لَمْ يُدْرِكِ الْجُمُعَةَ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَأَجَابَ عَنْهُ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ فَيُفِيدُ أَنَّ حُكْمَ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَاحِدٌ وَحُكْمُ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ أَنَّهُ إِذَا أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْهَا مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ يُصَلِّي مَا أَدْرَكَ مَعَهُ وَيُتِمُّ الْبَاقِيَ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فَكَيْفَ يَزِيدُ فِي الْجُمُعَةِ بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ وَالْمَفْهُومُ عِنْدَهُمْ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَلَوْ

كَانَ مُعْتَبَرًا لَا يُقَدَّمُ عَلَى الصَّرِيحِ كَذَا فِي شَرْحِ أَبِي الطَّيِّبِ الْمَدَنِيِّ وَاسْتَدَلَّ الْأَوَّلُونَ أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى وَمَنْ لَمْ يُدْرِكِ الرُّكُوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فَلْيُصَلِّ الظُّهْرَ أَرْبَعًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طريق ياسين بن معاذ عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ مِنْ طَرِيقِهِ بِلَفْظِ إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمُ الرَّكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ وَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً فَلْيَرْكَعْ إِلَيْهَا أُخْرَى وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ يَاسِينَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَقَدْ قَالَ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إِنَّهَا كُلَّهَا مَعْلُولَةٌ وَقَالَ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ لَا أَصْلَ لِهَذَا الْحَدِيثِ إِنَّمَا الْمَتْنُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَهَا وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي عِلَلِهِ وَقَالَ الصَّحِيحُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً وَكَذَا قَالَ الْعُقَيْلِيُّ انْتَهَى واستدلوا أيضا بحديث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا أُخْرَى وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَفِي لَفْظٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ رواه النسائي وبن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قال بن أَبِي دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ بَقِيَّةُ عَنْ يونس وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ هَذَا خَطَأٌ فِي الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ وَإِنَّمَا هُوَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ أَدْرَكَ مِنْ صَلَاةٍ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَوَهْمٌ قَالَ الْحَافِظُ إِنْ سَلِمَ مِنْ وَهْمِ بَقِيَّةَ فَفِيهِ تَدْلِيسُ التَّسْوِيَةِ لِأَنَّهُ عَنْعَنَ لِشَيْخِهِ انْتَهَى وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ قَدْ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ مَعَ بَيَانِ ضَعْفِهَا وَالْأَصَحُّ عِنْدِي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ شَيْئًا مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَلَوْ فِي التَّشَهُّدِ يُصَلِّي مَا أَدْرَكَ مَعَهُ وَيُتِمُّ الْبَاقِيَ وَلَا يُصَلِّي الظُّهْرَ لِإِطْلَاقِ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا فَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَوَّلُونَ فَلَمْ أَجِدْ حَدِيثًا صَحِيحًا صَرِيحًا يَدُلُّ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ تعالى أعلم

باب في القائلة يوم الجمعة

26 - (بَابٌ فِي الْقَائِلَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) الْقَائِلَةُ بِمَعْنَى الْقَيْلُولَةِ وَهِيَ الِاسْتِرَاحَةُ نِصْفَ النَّهَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا نَوْمٌ وَكَذَلِكَ الْمَقِيلُ [525] (قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ) الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ فَقِيهٌ (مَا كُنَّا نَتَغَدَّى) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْغَدَاءِ وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُؤْكَلُ أَوَّلَ النَّهَارِ (وَلَا نَقِيلُ) مِنْ قَالَ يَقِيلُ قَيْلُولَةً فَهُوَ قَائِلٌ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَحْمَدَ عَلَى جَوَازِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ قَبْلَ الزَّوَالِ بَلْ فِيهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَشَاغَلُونَ عَنِ الْغَدَاءِ وَالْقَائِلَةِ بِالتَّهَيُّؤِ لِلْجُمْعَةِ ثُمَّ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ فَيَقِيلُونَ وَيَتَغَدَّوْنَ فَكَوْنُ قائلتهم وغداؤهم بَعْدَ الْجُمُعَةِ عِوَضًا عَمَّا فَاتَهُمْ فِي وَقْتِهِ مِنْ أَجْلِ بُكُورِهِمْ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَعُمْدَةِ القارىء قَالَ الْعَيْنِيُّ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ وعامة العلماء انتهى قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَرْجِعُ إِلَى الْقَائِلَةِ فَنَقِيلُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 7 - (باب في من ينعس يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَتَحَوَّلُ مِنْ مَجْلِسِهِ) [526] قَوْلُهُ (إِذَا نَعَسَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي الْمَسْجِدِ

باب ما جاء في السفر يوم الجمعة

يَوْمَ الْجُمُعَةِ (فَلْيَتَحَوَّلْ) أَيْ فَلْيَنْتَقِلْ إِلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَالْحِكْمَةُ فِي الْأَمْرِ بِالتَّحَوُّلِ أَنَّ الْحَرَكَةَ تُذْهِبُ النُّعَاسَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ انْتِقَالُهُ مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي أَصَابَتْهُ فِيهِ الْغَفْلَةُ بِنَوْمِهِ وَإِنْ كَانَ النَّائِمُ لَا حَرَجَ عَلَيْهِ فَقَدْ أَمَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ نَوْمِهِمْ عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي الْوَادِي بِالِانْتِقَالِ مِنْهُ وَأَيْضًا مَنْ جَلَسَ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ وَالنُّعَاسُ فِي الصَّلَاةِ مِنَ الشَّيْطَانِ فَرُبَّمَا كَانَ الْأَمْرُ بِالتَّحَوُّلِ لِإِذْهَابِ مَا هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى الشَّيْطَانِ مِنْ حَيْثُ غَفْلَةُ الْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ عَنِ الذِّكْرِ أَوْ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ أَوْ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) [527] قوله (عن الحجاج) هو بن أَرْطَاةَ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي أَحَدُ الْفُقَهَاءِ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنِ الْحَكَمِ) هُوَ بن عُتَيْبَةَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا دَلَّسَ قَالَهُ في التقريب (عن مقسم) بكسر أوله بن بجرة بضم الموحدة وسكون الجيم ويقال نجدة بِفَتْحِ النُّونِ وَبِدَالٍ أَبُو الْقَاسِمِ مَوْلَى عَبْدِ الله بن الحارث ويقال له مولى بن عَبَّاسٍ لِلُزُومِهِ لَهُ صَدُوقٌ وَكَانَ يُرْسِلُ وَمَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ قَوْلُهُ (بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ) الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ أَحَدَ النُّقَبَاءِ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَالْمَشَاهِدَ بَعْدَهَا إِلَّا الْفَتْحَ وَمَا بَعْدَهُ فَإِنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ شَهِيدًا أَمِيرًا فِيهَا سَنَةَ ثَمَانٍ وَهُوَ أحد الشعراء المحسنين روى عنه بن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ (فِي سَرِيَّةٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَيْشِ أَقْصَاهَا أَرْبَعُمِائَةٍ (فَوَافَقَ ذَلِكَ) أَيْ زَمَنُ الْبَعْثِ (فَغَدَا أَصْحَابُهُ) أَيْ ذَهَبُوا أَوَّلَ النَّهَارِ (فَقَالَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي نَفْسِهِ وَنَوَى أن

يَتَخَلَّفَ فَيُصَلِّيَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ (فَضْلَ غَدْوَتِهِمْ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا أَيْ فَضِيلَةَ إِسْرَاعِهِمْ فِي ذَهَابِهِمْ إِلَى الْجِهَادِ قَالَ الطِّيبِيُّ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ غَدْوَتُهُمْ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِكَ هَذِهِ فَعَدَلَ إِلَى الْمَذْكُورِ مُبَالَغَةً كَأَنَّهُ قِيلَ لَا يُوَازِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَذَلِكَ أَنَّ تَأَخُّرَهُ ذَاكَ رُبَّمَا يُفَوِّتُ عَلَيْهِ مَصَالِحَ كَثِيرَةً وَلِذَلِكَ وَرَدَ لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا قَوْلُهُ (وَكَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَمْ يَسْمَعْهُ الْحَكَمُ مِنْ مِقْسَمٍ) وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ انْفَرَدَ بِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قُلْتُ وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ مُدَلِّسٌ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَكَمِ بِالْعَنْعَنَةِ قَوْلُهُ (فَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ بَأْسًا بِأَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَا لَمْ تَحْضُرِ الصَّلَاةُ) لِحَدِيثِ الْبَابِ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ هَيْئَةُ السَّفَرِ فَسَمِعَهُ يَقُولُ لَوْلَا أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ جُمُعَةٍ لَخَرَجْتُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ اخْرُجْ فَإِنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَحْبِسُ عَنِ السَّفَرِ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَنْتَظِرِ الصَّلَاةَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتِ الْمَنْعُ عَنِ السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا أَصْبَحَ فَلَا يَخْرُجُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ) لِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ مِنَ الْمَنْعِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التلخيص في الافراد للدارقطني عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا مَنْ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَعَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ أَنْ لَا يُصْحَبَ فِي سَفَرِهِ قال الحافظ وفيه بن لَهِيعَةَ وَفِي مُقَابِلِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنِ

باب في السواك والطيب يوم الجمعة

الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُسَافِرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ضَحْوَةً فَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَافَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَثَرَ عُمَرَ وَأَثَرَ أَبِي عُبَيْدَةَ الْمَذْكُورَيْنِ وَفِي اخْتِلَافِ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ وَأَرَادَ السَّفَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمْ يَجُزْ لَهُ إِلَّا أَنْ يُمْكِنَهُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فِي الطَّرِيقِ أَوْ يَتَضَرَّرَ بِتَخَلُّفِهِ عَنِ الرُّفْقَةِ وَهَلْ يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ إِمَامُنَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَجُوزُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا عَدَمُ الْجَوَازِ قَالَ أَحْمَدُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِأَنَّ وَقْتَهَا عِنْدَهُ مِنْ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ إِلَى آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ قَالَ إِلَّا أن يكون سفر الجهاد انتهى 9 - (باب فِي السِّوَاكِ وَالطِّيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) [528] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ يَتَّضِحْ مَنْ هُوَ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الطَّبَقَةِ ثَلَاثَةً الْأَوَّلُ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْحَسَنِ وَيُعْرَفُ بِأَبِي الشَّعْثَاءِ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَالثَّانِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَالْمُعَافَى بْنِ عِمْرَانَ رَوَى عَنْهُ النَّسَائِيُّ وَالثَّالِثُ علي بن الحسين الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ رَوَى عَنْهُ الْمُصَنِّفُ انْتَهَى قُلْت قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ إسماعيل بن إبراهيم التيمي وعنه صلى الله عليه وسلم فَلَعَلَّهُ اللَّانِيُّ انْتَهَى وَكَذَلِكَ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَاللَّانِيُّ هُوَ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ وَالْمُعَافَى وَعَنْهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ عَنْ أَبِي يَحْيَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَمَحْبُوبِ بْنِ مُحْرِزٍ الْقَوَارِيرِيِّ رَوَى عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ غَيْرُ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَأَظُنُّهُ اللَّانِيَّ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَمَالِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ فَوَهِمَ انْتَهَى قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا أَبُو يَحْيَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زياد الهاشمي مولاهم الكوفي ضَعِيفٌ كَبِرَ فَتَغَيَّرَ وَصَارَ يَتَلَقَّنُ وَكَانَ شِيعِيًّا كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ بن عَدِيٍّ يَكْتُبُ حَدِيثَهُ وَقَالَ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ الذَّهَبِيُّ هُوَ صَدُوقٌ رَدِيءُ الْحِفْظِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) قَالَ الطِّيبِيُّ حَقًّا مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ أَيْ حَقَّ ذَلِكَ حَقًّا فَحُذِفَ

الْفِعْلُ وَأُقِيمَ الْمَصْدَرُ مُقَامَهُ اخْتِصَارًا (أَنْ يَغْتَسِلُوا) فَاعِلُ حَقَّ الْمُقَدَّرِ (يَوْمَ الْجُمُعَةِ) ظَرْفٌ لِلِاغْتِسَالِ (وَلِيَمَسَّ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَيُسَكَّنُ قَالَ الطِّيبِيُّ عُطِفَ عَلَى مَا سَبَقَ بِحَسَبِ الْمَعْنَى إِذْ فِيهِ سِمَةُ الْأَمْرِ أَيْ لِيَغْتَسِلُوا وَلِيَمَسَّ أَحَدُكُمْ (مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ) أَيْ بِشَرْطِ طِيبِ أَهْلِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا عَنْ طِيبِ نَفْسٍ أَوْ مِنْ طِيبٍ لَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ طِيبًا (فَالْمَاءُ لَهُ طِيبٌ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتٍ أَيْ أَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الطِّيبِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّيبِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الطِّيبُ فَالْمَاءُ كَافٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ التَّنْظِيفُ وَإِزَالَةُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَفِيهِ تَطْيِيبٌ لِخَاطِرِ الْمَسَاكِينِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَشَيْخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ شَيْخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ حَقٌّ عَلَى الْمُسْلِمِ الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالسِّوَاكُ وَالطِّيبُ كَذَا فِي شَرْحِ أَحْمَدَ السَّرْهَنْدِيِّ [529] قَوْلُهُ (قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ) أَيْ قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ (نَحْوَهُ مَعْنَاهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَلَفْظُهُ إِنَّ مِنَ الْحَقِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَغْتَسِلَ أَحَدُهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَنْ يَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَ أَهْلِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ طِيبٌ فَإِنَّ الْمَاءَ أَطْيَبُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِي كَوْنِهِ حَسَنًا كَلَامٌ إِنَّ مَدَارَهُ فِيمَا أَعْلَمُ عَلَى يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ يَحْيَى لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ أَيْضًا لَا يُحْتَجُّ بِهِ وقال بن الْمُبَارَكِ ارْمِ بِهِ وَقَالَ شُعَيْبَةُ كَانَ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ رَفَّاعًا وَقَالَ أَحْمَدُ حَدِيثُهُ لَيْسَ بِذَلِكَ وَخَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِآخَرَ وَقَدْ عَرَفْتُ مِنَ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ كَبِرَ فَتَغَيَّرَ قَوْلُهُ (وَرِوَايَةُ هُشَيْمٍ أَحْسَنُ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بن إبراهيم) فإن هشيما وهو بن بَشِيرٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ضَعِيفٌ

أبواب العيدين

5 - (أبواب العيدين) (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمَشْيِ يَوْمَ الْعِيدِ) أَصْلُ الْعِيدِ عَوْدٌ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ عَادَ يَعُودُ عَوْدًا وَهُوَ الرُّجُوعُ قُلِبَتِ الْوَاوُ يَاءً كَمَا فِي الْمِيزَانِ وَالْمِيقَاتِ وَسُمِّيَا عِيدَيْنِ لِكَثْرَةِ عَوَائِدِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمَا وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ يَعُودُونَ إِلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَالَهُ الْعَيْنِيُّ [530] قَوْلُهُ (حدثنا إسماعيل بْنُ مُوسَى) هُوَ الْفَزَارِيُّ أَنْبَأَنَا (شَرِيكُ) بْنُ عبد الله الكوفي النخعي صدوق يخطىء كَثِيرًا تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنِ الْحَارِثِ) هُوَ الْأَعْوَرُ قَوْلُهُ (مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا) هَذَا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا مِنَ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنْ قَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ ضِعَافٌ أُخْرَى تُؤَيِّدُهُ كَمَا سَتَعْرِفُ (وَأَنْ تَأْكُلَ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ) هَذَا مُخْتَصٌّ بِعِيدِ الْفِطْرِ وَأَمَّا عِيدُ الْأَضْحَى فَلَا يَأْكُلُ حَتَّى يُصَلِّيَ لِمَا سَيَأْتِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) في كونه نَظَرٌ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ الْحَارِثَ الْأَعْوَرَ وَقَدْ عرفت حاله وفي الباب عن بن عُمَرَ وَعَنْ سَعْدٍ الْقَرَظِ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَمَّا حَدِيثُ بن عمر فأخرجه بن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا وَيَرْجِعُ مَاشِيًا وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ وقال أبو

زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ مِمَّا يُرْوَى عَنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ القرظ فأخرجه أيضا بن ماجه بنحو حديث بن عُمَرَ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدٍ الْقَرَظِ عَنْ أَبِيهِ عن جده وقد ضعفه بن مَعِينٍ وَأَبُوهُ سَعْدُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ فِي الْمِيزَانِ لَا يَكَادُ يُعْرَفُ وَجَدُّهُ عَمَّارُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلَى حديثه وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فأخرجه أيضا بن مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِي الْعِيدَ مَاشِيًا وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ وَمَنْدَلٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ ومحمد قال البخاري منكر الحديث وقال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا وَأَنْ لَا يَرْكَبَ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ لِاسْتِحْبَابِ الْمَشْيِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بِعُمُومِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَمْشُونَ فَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ صَلَاةٍ تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ قَالَ وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى صَلَاةِ الْعِيدِ مَاشِيًا فَمِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَمِنَ التَّابِعِينَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمِنَ الْأَئِمَّةِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا الْمَشْيُ فِي الرُّجُوعِ كَمَا فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ وَسَعْدٍ الْقَرَظِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَأْتِيَ الْعِيدَ مَاشِيًا ثُمَّ تَرْكَبَ إِذَا رَجَعْتَ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهَذَا أَمْثَلُ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ وَسَعْدٍ الْقَرَظِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا يَعْنِي الشَّافِعِيَّةَ وَقَدْ عَقَدَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِلَفْظِ بَابُ الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ إِلَى الْعِيدِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَشْيٍ وَلَا رُكُوبٍ قَالَ

الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَعَلَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى تَضْعِيفِ مَا وَرَدَ فِي النَّدْبِ إِلَى الْمَشْيِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ الْبَابِ وَحَدِيثَ سَعْدٍ الْقَرَظِ وَحَدِيثَ أَبِي رَافِعٍ ثُمَّ قَالَ وَأَسَانِيدُ الثَّلَاثَةِ ضِعَافٌ انْتَهَى قُلْتُ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَإِنْ كَانَتْ ضِعَافًا لَكِنَّهَا بَعْضَهَا يَعْتَضِدُ بِبَعْضٍ وَيُؤَيِّدُهَا عُمُومُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الْمَذْكُورِ فَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَائِدَةٌ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ البيهقي في سننهما عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا غَدَا يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى ثُمَّ يُكَبِّرَ حَتَّى يَأْتِيَ الْإِمَامُ انْتَهَى قَالَ البيهقي الصحيح وقفه على بن عُمَرَ وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا في الدراية ونصب الراية فائدة أخرى رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إِلَى الْمُصَلَّى وَقَدْ رُوِيَ فِي الِاغْتِسَالِ لِلْعِيدَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ كُلُّهَا ضَعِيفٌ قال الحافظ في الدراية روى بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ الْفَاكِهِ عَنْ جَدِّهِ وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ النَّحْرِ وَيَوْمَ عَرَفَةَ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِهِ والبزاروزاد يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلِابْنِ مَاجَهْ عَنِ بن عَبَّاسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلِلْبَزَّارِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ لِلْعِيدَيْنِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ انْتَهَى مَا فِي الدِّرَايَةِ فائدة أخرى روى بن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَلْبَسُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ فِي الْعِيدَيْنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ يُنْدَبُ لُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ وَالتَّطَيُّبُ بِأَجْوَدِ الْأَطْيَابِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ لِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ السَّبْطِ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ نَلْبَسَ أَجْوَدَ مَا نَجِدُ وَأَنْ نَتَطَيَّبَ بِأَجْوَدِ مَا نَجِدُ وَأَنْ نُضَحِّيَ بِأَسْمَنِ مَا نَجِدُ الْبَقَرَةُ عن سبعة والجزور عن عشرة وأن تظهر التَّكْبِيرَ وَالسَّكِينَةَ وَالْوَقَارَ قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ بُزْرُجَ لَوْلَا جَهَالَةُ إِسْحَاقَ لَحَكَمْتُ لِلْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ وَلَيْسَ بِمَجْهُولٍ فَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَزْدِيُّ ووثقه بن حِبَّانَ ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ انْتَهَى وَقَدِ اسْتَدَلَّ البخاري على التجمل في العيدين بحديث بن عُمَرَ قَالَ أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا فَأَتَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا

باب في صلاة العيدين قبل الخطبة

لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ الْحَدِيثَ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مِنْ جِهَةِ تَقْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ عَلَى أَصْلِ التَّجَمُّلِ لِلْعِيدِ وَقَصْرِ الْإِنْكَارِ عَلَى لُبْسِ مِثْلِ تِلْكَ الْحُلَّةِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ حريرا (باب فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ) [531] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ) اسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) هُوَ بن عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الْعُمَرِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يُصَلُّونَ فِي الْعِيدَيْنِ قبل الخطبة) وفي حديث بن عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جابر وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو داود وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَلَفْظُهُ آنِفًا قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إلخ) وَهُوَ الْحَقُّ (وَيُقَالُ أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتُلِفَ فِي أَوَّلِ مَنْ غَيَّرَ ذَلِكَ فَرِوَايَةُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَرْوَانُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ الْحَدِيثَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ مَرْوَانُ وَقِيلَ بَلْ سَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ عثمان وروى

باب أن صلاة العيدين بغير أذان ولا إقامة

بن الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ أَوَّلُ مَنْ خَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ عُثْمَانُ صَلَّى بِالنَّاسِ ثُمَّ خَطَبَهُمْ يَعْنِي عَلَى الْعَادَةِ فَرَأَى نَاسًا لَمْ يُدْرِكُوا الصَّلَاةَ فَفَعَلَ ذَلِكَ أَيْ صَارَ يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ الْعِلَّةُ غَيْرُ الْعِلَّةِ الَّتِي اعْتَلَّ بِهَا مَرْوَانُ لِأَنَّ عُثْمَانَ رَاعَى مَصْلَحَةَ الْجَمَاعَةِ فِي إِدْرَاكِهِمْ الصَّلَاةَ وَأَمَّا مَرْوَانُ فَرَاعَى مَصْلَحَتَهُمْ فِي إِسْمَاعِهِمْ الْخُطْبَةَ لَكِنْ قِيلَ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي زَمَنِ مَرْوَانَ يَتَعَمَّدُونَ تَرْكَ سَمَاعِ خُطْبَتِهِ لِمَا فِيهَا مِنْ سَبِّ مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ السَّبَّ وَالْإِفْرَاطِ فِي مَدْحِ بَعْضِ النَّاسِ فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا رَاعَى مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عُثْمَانُ فَعَلَ ذَلِكَ أَحْيَانًا بِخِلَافِ مَرْوَانَ فَوَاظَبَ عَلَيْهِ فَلِذَلِكَ نُسِبَ إِلَيْهِ وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن يزيد نحو حديث بن عَبَّاسٍ يَعْنِي الَّذِي تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَزَادَ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ فَقَدَّمَ الْخُطْبَةَ فَهَذَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَرْوَانَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَبَعًا لِمُعَاوِيَةَ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ مِنْ جِهَتِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِتَلْخِيصٍ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ الْمَذْكُورُ هُوَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْأُمَوِيُّ الْمَدَنِيُّ وَلِيَ الْخِلَافَةَ فِي آخِرِ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمَاتَ سَنَةَ خمس وستين (بَابُ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ) [532] قَوْلُهُ (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ) قَالَ الطِّيبِيُّ حَالٌ أَيْ كَثِيرٌ (بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا أَذَانَ وَلَا إِقَامَةَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ قَالَا لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلَا يَوْمَ الْأَضْحَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم أن لايؤذن لصلاة

باب القراءة في العيدين

الْعِيدَيْنِ وَلَا لِشَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ) قَالَ الْحَافِظُ العراقي وعليه عمل العلماء كافة وقال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَلَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِ إِلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عن بن الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَذَّنَ وَأَقَامَ قَالَ وَقِيلَ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ أَذَّنَ فِي الْعِيدَيْنِ زِيَادٌ انْتَهَى وروى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ بن الْمُسَيِّبِ قَالَ أَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ الْأَذَانَ فِي العيد معاوية وقد زعم بن الْعَرَبِيِّ أَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ مَنْ لَا يوثق به (بَابُ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ) [533] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ) اسْمُهُ وَضَّاحٌ بِتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ بن عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيُّ الْوَاسِطِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ ثبت من رجال الستة (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ) الْأَجْدَعِ الْهَمْدَانِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ (وَرُبَّمَا اجْتَمَعَا) أَيِ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ (فَيَقْرَأُ بِهِمَا) أي بسبح اسم ربك وهل أتاك وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ ب سبح اسم ربك الأعلى وَالْغَاشِيَةِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ فِيهِمَا بِ ق وَاقْتَرَبَتِ لِحَدِيثِ أَبِي وَاقِدٍ الْآتِي واستحب بن مَسْعُودٍ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِسُورَتَيْنِ مُعَيَّنَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ فيه شيء مؤقت وروى بن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَرَأَ فِي يَوْمِ عِيدٍ بِالْبَقَرَةِ حَتَّى رَأَيْتُ الشَّيْخَ يَمْتَدُّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَقَدْ جَمَعَ النَّوَوِيُّ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فَقَالَ كَانَ فِي وَقْتٍ يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ بِ ق وَاقْتَرَبَتْ وَفِي وَقْتٍ بِ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاكَ قُلْتُ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الظَّاهِرُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَوَجْهُ الْحِكْمَةِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ بِهَذِهِ السُّوَرِ أَنَّ فِي سُورَةِ سَبِّحِ الْحَثَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَى مَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فِي تَفْسِيرِ

قَوْلِهِ تَعَالَى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى فَاخْتَصَّتِ الْفَضِيلَةُ بِهَا كَاخْتِصَاصِ الجمعة بسورتها وأما الغاشيةفللموالاة بين سبح وبينها كما بين الجمعة والمنافقين وأما سورة ق واقتربتفنقل النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ ذلك اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِخْبَارِ بِالْبَعْثِ وَالْإِخْبَارِ عَنِ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ وَإِهْلَاكِ الْمُكَذِّبِينَ وَتَشْبِيهِ بُرُوزِ النَّاسِ فِي الْعِيدِ بِبُرُوزِهِمْ فِي الْبَعْثِ وَخُرُوجِهِمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن أبي واقد وسمرة بن جندب وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَسَيَجِيءُ لَفْظُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقرأ فِي الْعِيدَيْنِ بِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وهل أتاك وأما حديث بن عباس فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَفِي إِسْنَادِهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقرأ في العيدين ب عم يتساءلون وبالشمس وَضُحَاهَا وَفِي إِسْنَادِهِ أَيُّوبُ بْنُ سَيَّارٍ قَالَ فيه بن معين ليس بشيء وقال بن الْمَدِينِيِّ وَالْجُوزَجَانِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ وَلِابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا حَدِيثٌ ثَالِثٌ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَيْنِ رَكْعَتَيْنِ لَا يَقْرَأُ فِيهِمَا إِلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ لَمْ يزِدْ عَلَيْهَا شَيْئًا وَفِي إِسْنَادِهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ) يَعْنِي عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عن النعمان بن بشير (وأما بن عُيَيْنَةَ فَيُخْتَلَفُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ) يَعْنِي يَخْتَلِفُ أصحاب بن عُيَيْنَةَ عَلَيْهِ وَالِاخْتِلَافُ إِنَّمَا هُوَ فِي زِيَادَةِ لَفْظِ أَبِيهِ بَيْنَ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فَبَعْضُهُمْ يَزِيدُهُ وَبَعْضُهُمْ لَا وَبَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ (فَيُرْوَى عَنْهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بشير) بزيادة

لَفْظِ أَبِيهِ بَيْنَ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ وَبَيْنَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ (وَرَوَى عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَحَادِيثَ) أَيْ رَوَى حَبِيبُ بْنُ سَالِمٍ أَحَادِيثَ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ أَبِيهِ (وَقَدْ رُوِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَهُوَ عطف على قوله فيروي عنه (عن بن عُيَيْنَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْتَشِرِ نَحْوُ رِوَايَةِ هَؤُلَاءِ) أَيْ نَحْوُ رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ وَسُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ وَمِسْعَرٍ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ لَفْظِ أَبِيهِ بَيْنَ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ وَبَيْنَ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ بِقَافْ وَاقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ) وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا هُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ فِي هَذَا الْبَابِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَسْنَدَهُ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ إلخ [534] [534] قَوْلُهُ (عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ الْمَازِنِيِّ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ وَثَّقَهُ أحمد وبن مَعِينٍ قَوْلُهُ (إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ أبا واقد الليثي إلخ) قال القارىء لعل سؤال عمر رضي الله عنه التقرير وَالتَّمَكُّنِ فِي ذِهْنِ الْحَاضِرِينَ وَإِلَّا فَهُوَ مِنَ الْمُلَازِمِينَ لَهُ وَالْعَالِمِينَ بِأَحْوَالِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّ عُمَرَ شَكَّ فِي ذَلِكَ فَاسْتَثْبَتَهُ أَوْ أَرَادَ إِعْلَامَ النَّاسِ بِذَلِكَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ عُمَرَ كَانَ غَائِبًا فِي بَعْضِ الْأَعْيَادِ عَنْ شُهُودِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي شَهِدَهُ أَبُو وَاقِدٍ كَانَ فِي عِيدٍ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ وَلَا عَجَبَ أَنْ يَخْفَى عَلَى الصَّاحِبِ الْمُلَازِمِ بَعْضُ مَا وَقَعَ مِنْ مَصْحُوبِهِ كَمَا فِي قِصَّةِ الِاسْتِئْذَانِ ثَلَاثًا وَقَوْلِ عُمَرَ خَفِيَ عَلَى هَذَا أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُنْقَطِعَةٌ فَإِنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ لَكِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ مُتَّصِلٌ بِلَا شَكٍّ بِالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ قَالَ سَأَلَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أخرجه الترمذي من طريق أخرى

باب في التكبير في العيدين

5 - (باب فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ) [535] [536] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو عُمَرَ الْحَذَّاءُ الْمَدِينِيُّ) صَدُوقٌ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ) الصَّائِغُ مَوْلَى بن مخزوم أبو محمد المدني وثقه بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ صَحِيحُ الْكِتَابِ وَفِي حِفْظِهِ لِينٌ (عَنْ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ الْمَدَنِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ مِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إِلَى الْكَذِبِ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ رُكْنٌ من أركان الكذب وقال بن حِبَّانَ لَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ كَذَا فِي الْمِيزَانِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ قَالَ الحافظ مقبول وقال في الخلاصة وثقه بن حِبَّانَ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ عَنْ جَدِّ كَثِيرٍ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ صَحَابِيٌّ شَهِدَ بَدْرًا قَوْلُهُ (كَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ) أَيْ كَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كما في رواية وسنذكرها وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ القيام قوله (وفي الباب عن عائشة وبن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ سِوَى تكبيرتي الركوع وفي إسناده بن لهيعة وهو ضعيف وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَزَّارُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعُ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي إِسْنَادِهِ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ

مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ وَلَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَقَالَ أَحْمَدُ أَنَا أَذْهَبُ إِلَى هَذَا وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّكْبِيرُ فِي الْفِطْرِ سَبْعٌ فِي الْأُولَى وَخَمْسٌ فِي الْآخِرَةِ وَالْقِرَاءَةُ بَعْدَهُمَا كِلْتَيْهِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَالِحٌ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمُفْرَدَةِ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَذَا فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَعَلِيٌّ وَالْبُخَارِيُّ فِيمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ سَعْدٍ مُؤَذِّنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا قَبْلَ القراءة أخرجه بن مَاجَهْ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ قُلْتُ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى مِنْ وَجْهٍ أخرى قَالَ الْعَلَّامَةُ عَلَاءُ الدِّينِ فِي الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ فِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُخْرَجُ لَهُ الْعَنَزَةُ فِي الْعِيدَيْنِ حَتَّى يُصَلِّيَ إِلَيْهَا فَكَانَ يكبر ثلاث عشر تَكْبِيرَةً وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَسَنُ الْبَجَلِيُّ وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ وَقَدْ صَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَ هَذَا الْحَدِيثِ وَعَنِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا وَفِي إِسْنَادِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ يُكَبِّرَ لِلصَّلَاةِ فِي الْعِيدَيْنِ سَبْعًا وَخَمْسًا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ عِمَارَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسًا وَكَانَ يَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَدِّ كَثِيرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ تَحْسِينَهُ عَلَى التِّرْمِذِيِّ انْتَهَى وَجْهُ الْإِنْكَارِ هُوَ أَنَّ فِي سَنَدِهِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ في الخلاصة عن الترمذي في تَحْسِينِهِ فَقَالَ لَعَلَّهُ اعْتَضَدَ بِشَوَاهِدَ وغَيْرِهَا انْتَهَى وقال القارىء في المرقاة نقلا عن ميرك لعل اعْتَضَدَ عِنْدَ مَنْ صَحَّحَهُ بِشَاهِدٍ وَأُمُورٍ قَدْ خَفِيَتِ انْتَهَى وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ إِنَّمَا تَبِعَ فِي ذَلِكَ الْبُخَارِيَّ فَقَدْ قَالَ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ الْمُفْرَدَةِ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ أَصَحَّ مِنْهُ وَبِهِ أَقُولُ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثَ جَدِّ كَثِيرٍ لِكَثْرَةِ شَوَاهِدِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ قَدْ

يُحَسِّنُ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ لِشَوَاهِدِهِ أَلَّا تَرَى أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ أَنَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعًا وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً ضَعِيفٌ وَقَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي إِنَّمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ لِشَوَاهِدِهِ انْتَهَى وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ أَصَحَّ مِنْهُ فَفِيهِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَاسْمُهُ) أَيِ اسْمُ جَدِّ كَثِيرٍ (وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إلخ) أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ شَهِدْتُ الْأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْأُخْرَى خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وإسناده صحيح قلت وهكذا روي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ ثِنْتَيْ عشرة تكبيرة أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي عَمَّارِ بْنِ أَبِي عمار أن بن عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي عِيدٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ تَكْبِيرَةً سَبْعًا فِي الْأُولَى وَخَمْسًا فِي الْآخِرَةِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) إِلَّا أَنَّ مَالِكًا عَدَّ فِي الْأُولَى تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ سِوَاهَا وَالْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْخَمْسَ فِي الثَّانِيَةِ غَيْرُ تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ قَالَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ رَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ شَهِدْتُ الْأَضْحَى وَالْفِطْرَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَكَبَّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَفِي الْآخِرَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا انْتَهَى قَالَ الشَّيْخُ سَلَامُ اللَّهِ فِي الْمُحَلَّى وَهُوَ حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَمَالِكٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ انْتَهَى قُلْتُ وَقَدْ عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ الْحَافِظُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ الْوَجْهُ الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْحَدِيثَيْنِ قَدْ عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ دُونَ الثَّانِي فَيَكُونُ آكَدَ وَلِذَلِكَ قَدَّمَ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدَيْنِ سَبْعًا وَخَمْسًا عَلَى رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَرْبَعًا كَأَرْبَعِ الْجَنَائِزِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَيَكُونُ إِلَى الصِّحَّةِ أَقْرَبَ وَالْأَخْذُ بِهِ أَصْوَبَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ قَالَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي

هريرة وأبي سعيد وجابر وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو طَالِبٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ إِنَّ السَّبْعَ فِي الْأُولَى بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْمُزَنِيُّ إِنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مَعْدُودَةٌ مِنَ السَّبْعِ فِي الْأُولَى قَالَ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدِ الدَّارَقُطْنِيِّ سِوَى تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ سِوَى تَكْبِيرَتَيِ الرُّكُوعِ وَهُوَ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ السَّبْعَ لَا تُعَدُّ فِيهَا تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَالرُّكُوعِ وَالْخَمْسَ لَا تُعَدُّ فِيهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي يَعْنِي مَنْ قَالَ بِأَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ مَعْدُودَةٌ مِنَ السَّبْعِ فِي الْأُولَى بِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ مُلَخَّصًا فَإِنْ قُلْتَ مَا رَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ هُوَ حَدِيثٌ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَعْنِي هُوَ فِعْلُهُ وَلَيْسَ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فَكَيْفَ يَصِحُّ اسْتِدْلَالُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ قُلْتُ نَعَمْ هُوَ مَوْقُوفٌ لَكِنَّهُ مَرْفُوعٌ حُكْمًا فَإِنَّهُ لَا مَسَاغَ فِيهِ لِلِاجْتِهَادِ فَلَا يَكُونُ رَأْيًا إِلَّا تَوْقِيفًا يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِيهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ حَقِيقَةً وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَالِحٌ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمُفْرَدَةِ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ صَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَعَلِيٌّ وَالْبُخَارِيُّ فِيمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى وَقَدْ عَرَفْتَ هَذَا فِيمَا سَبَقَ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ كثير من الأحاديث المرفوعة حقيقة وهي وإن كَانَتْ ضِعَافًا وَلَكِنْ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا تَنْبِيهٌ قَالَ النِّيمَوِيُّ فِي آثَارِ السُّنَنِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ فِي تَعْلِيقِهِ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِيهِ كَلَامٌ قُلْتُ قَوْل النّيمَوِيِّ لَيْسَ مِمَّا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ إِذَا كَانَ السَّنَدُ إِلَيْهِ صَحِيحًا وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وترجمة عمرو قوية على المختار حيث لاتعارض انْتَهَى ثُمَّ قَالَ النّيمَوِيُّ وَمَعَ ذَلِكَ مَدَارُهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ قال الذهبي في الميزان ذكره بن حبان في الثقات وقال بن مَعِينٍ صُوَيْلِحٌ وَقَالَ مَرَّةً ضَعِيفٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ كَذَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ انْتَهَى قُلْتُ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ بَعْدَ هذه العبارة ما لفظه وقال بن عَدِيٍّ أَمَّا سَائِرُ

حَدِيثِهِ فَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَهِيَ مُسْتَقِيمَةٌ انْتَهَى وَهُوَ مِنْ رِجَالِ مُسْلِمٍ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ لَهُ فِي مُسْلِمٍ حَدِيثٌ وَاحِدٌ كَادَ أُمَيَّةُ أَنْ يُسْلِمَ انْتَهَى وَفِيهِ وقال العجلي ثقة وحكى بن خلفون أن بن الْمَدِينِيِّ وَثَّقَهُ فَإِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى عَمْرٍو حَسَنٌ صَالِحٌ وَتَرْجَمَةُ عَمْرٍو قَوِيَّةٌ عَلَى الْمُخْتَارِ فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ الْعِرَاقِيُّ إِسْنَادُهُ صَالِحٌ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبُخَارِيُّ ثُمَّ قَالَ النَّيْمَوِيُّ أَمَّا تَصْحِيحُ الإمام أحمد فيعارضه ما قال بن الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ وَقَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَيْسَ فِي تَكْبِيرِ الْعِيدَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ صَحِيحٌ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَالَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ وَذَهَبَ إِلَيْهِ فَقَوْلُهُ بِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَصْحِيحَهُ مُتَأَخِّرٌ مِنْ تَضْعِيفِهِ ثُمَّ قَالَ النّيمَوِيُّ وَأَمَّا تَصْحِيحُ الْبُخَارِيِّ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّائِفِيِّ إلخ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بعد ما أخرج عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ انْتَهَى وَقَالَ فِي عِلَلِهِ الْكُبْرَى سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَيْسَ شَيْءٌ فِي هَذَا الْبَابِ أَصَحَّ مِنْهُ وَبِهِ أَقُولُ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ أَيْضًا صَحِيحٌ وَالطَّائِفِيُّ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ انْتَهَى قَالَ بن الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ هَذَا لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي التَّصْحِيحِ فَقَوْلُهُ هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي الْبَابِ يَعْنِي مَا فِي الْبَابِ وَأَقَلَّ ضَعْفًا وَقَوْلُهُ بِهِ أَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ أَيْ وَأَنَا أَقُولُ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَشْبَهُ مَا فِي الْبَابِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَحَدِيثُ الطَّائِفِيِّ أَيْضًا صَحِيحٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الِاحْتِمَالُ بَعِيدٌ جِدًّا بَلِ الظَّاهِرُ الْمُتَعَيِّنُ هُوَ مَا فَهِمَهُ الحافظ بن حَجَرٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ وَبِهِ أَقُولُ مِنْ كَلَامِ الْبُخَارِيِّ وَالْمَعْنَى أَنَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَقُولُ وَإِلَيْهِ أَذْهَبُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ يَنْقُلُ عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ كَثِيرًا فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَبَيَانِ عِلَلِ الْحَدِيثِ وَلَا يَقُولُ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِهِ وَبِهِ أَقُولُ الْبَتَّةَ وَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِنْهُ فَفَتِّشْ وَتَتَبَّعِ الْمَقَامَاتِ الَّتِي نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ فِيهَا عَنِ الْبُخَارِيِّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ تَجِدْ مَا قُلْتُ لَكَ حَقًّا صَحِيحًا فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَسَنٌ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ وَيُؤَيِّدُهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ وَاَلَّتِي ذكرناها

قوله (وروي عن بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ تِسْعُ تَكْبِيرَاتٍ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَخَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ) أَحَدُهَا تَكْبِيرَةُ التَّحْرِيمَةِ وَالثَّلَاثُ زَوَائِدُ وَخَامِسُهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ تَكْبِيرَ الرُّكُوعِ لَيْسَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ (وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ يَبْدَأُ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا مَعَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ) فَصَارَتْ سِتَّ تَكْبِيرَاتٍ زَوَائِدَ ثَلَاثًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَثَلَاثًا في الركعة الثانية بعد القراءة وأثر بن مَسْعُودٍ هَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ قالا كان بن مَسْعُودٍ جَالِسًا وَعِنْدَهُ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَسَأَلَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَنِ التَّكْبِيرِ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ سَلِ الْأَشْعَرِيَّ فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ سَلْ عَبْدَ اللَّهِ فَإِنَّهُ أَقْدَمُنَا وَأَعْلَمُنَا فسأله فقال بن مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْكَعُ فَيَقُومُ فِي الثَّانِيَةِ فَيَقْرَأُ ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ قَالَ النّيمَوِيُّ فِي آثَارِ السُّنَنِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قُلْتُ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِالْعَنْعَنَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ إِسْنَادُهُ صَحِيحًا وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ أَنَّ بن مَسْعُودٍ كَانَ يُكَبِّرُ فِي الْعِيدَيْنِ تِسْعًا أَرْبَعًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ فَيَرْكَعُ وَفِي الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ فَإِذَا فَرَغَ كَبَّرَ أَرْبَعًا ثُمَّ رَكَعَ قَالَ النّيمَوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قُلْتُ فِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ الْمَذْكُورُ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ بِالْعَنْعَنَةِ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحو هذا) فمنهم بن عَبَّاسٍ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ شَهِدْتُ بن عَبَّاسٍ كَبَّرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ بِالْبَصْرَةِ تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَوَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ قَالَ وَشَهِدْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ انْتَهَى وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ كُرْدُوسٍ قَالَ أَرْسَلَ الْوَلِيدُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي مَسْعُودٍ بَعْدَ الْعَتَمَةِ فَقَالَ إِنَّ هَذَا عِيدٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَكَيْفَ الصَّلَاةُ فَقَالُوا سَلْ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَسَأَلَهُ

فَقَالَ يَقُومُ فَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا ثُمَّ يَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مِنَ الْمُفَصَّلِ ثُمَّ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا يَرْكَعُ فِي آخِرِهِنَّ فَتِلْكَ تِسْعٌ فِي الْعِيدَيْنِ فَمَا أَنْكَرَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ (وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةَ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذِهِ الْآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا آنِفًا وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي عَائِشَةَ جَلِيسٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ سَأَلَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ وَحُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا تَكْبِيرَهُ عَلَى الْجَنَائِزِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ صَدَقَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى كَذَلِكَ كُنْتُ أُكَبِّرُ فِي الْبَصْرَةِ حَيْثُ كُنْتُ عَلَيْهِمْ قَالَ أَبُو عَائِشَةَ وَأَنَا حَاضِرٌ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ قُلْتُ فِي سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ الْعَنْسِيِّ الدِّمَشْقِيُّ الزَّاهِدُ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ فَوَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عمره قال الحافظ صدوق يخطىء وَتَغَيَّرَ بِأخَرَةٍ انْتَهَى وَأَعَلَّهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى بِأَنَّهُ خُولِفَ رَاوِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ فِي رفعه وفي جواب أبي موسى والمشهور أنهم أسندوه إلى بن مَسْعُودٍ فَأَفْتَاهُمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يُسْنِدْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى فَلَا يَصْلُحُ هَذَا الْحَدِيثُ لِلِاسْتِدْلَالِ وَلَيْسَ فِي هَذَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ صَحِيحٌ فِي عِلْمِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَمَّا آثَارُ الصَّحَابَةِ فَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ كَمَا عَرَفْتَ فَالْأَوْلَى لِلْعَمَلِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ لِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِيهِ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ عَدِيدَةٌ وَبَعْضُهَا صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ وَالْبَاقِيَةُ مُؤَيِّدَةٌ لَهَا وَأَمَّا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْكُوفَةِ فَلَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ غَيْرَ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ الْحَازِمِيِّ أَنَّ أَحَدَ الْحَدِيثَيْنِ إِذَا كَانَ عَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ دُونَ الثَّانِي فَيَكُونُ آكَدَ وَأَقْرَبَ إِلَى الصِّحَّةِ وَأَصْوَبَ بِالْأَخْذِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ في موطأه بَعْدَ ذِكْرِ أَثَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا لَفْظُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ فَمَا أَخَذْتَ بِهِ فَهُوَ حَسَنٌ وَأَفْضَلُ ذَلِكَ عِنْدَنَا مَا رُوِيَ عَنِ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ عِيدٍ تِسْعًا خَمْسًا وَأَرْبَعًا فِيهِنَّ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ وَتَكْبِيرَتَا الرُّكُوعِ وَيُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ وَيُؤَخِّرُهَا فِي الْأُولَى وَيُقَدِّمُهَا فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ بَلْ أَفْضَلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا آنِفًا وَلَا وَجْهَ لِأَفْضَلِيَّةِ مَا رُوِيَ عَنِ بن مَسْعُودٍ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب لا صلاة قبل العيدين ولا بعدها

6 - (بَابُ لَا صَلَاةَ قَبْلَ الْعِيدَيْنِ وَلَا بَعْدَهَا) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ وَلَا بَعْدَهُمَا بِتَثْنِيَةِ الضَّمِيرِ [537] قَوْلُهُ (لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا) أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ ولا بعدها قال الشيخ بن الْهُمَامِ هَذَا النَّفْيُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُصَلَّى لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعِيدِ شَيْئًا فَإِذَا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا أَخْرَجَهُ بن ماجه وقد حسن الحافظ بن حَجَرٍ إِسْنَادَهُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ نَقْلِ تَحْسِينِ الْحَافِظِ وَتَصْحِيحِ الْحَاكِمِ مَا لَفْظُهُ فِي إسناده عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَفِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا فِيهِ مِنْ كَلَامِ أئمة الجرح والتعديل مالفظه حَدِيثُهُ فِي مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَبْسِيُّ الْحَافِظُ سَأَلْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ عَنْهُ فَقَالَ كَانَ ضَعِيفًا وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تاريخه كان أحمد وإسحاق يحتجبان بِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ صَدُوقٌ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ كَانَ أَحْمَدُ وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث بن عَقِيلٍ انْتَهَى فَالظَّاهِرُ مَا قَالَ الذَّهَبِيُّ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ فِي مَرْتَبَةِ الْحَسَنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو فأخرجه بن ماجه بنحو حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أيضا بن مَاجَهْ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ آنِفًا وَفِي الْبَابِ أيضا عن علي عند البزار وعن بن مَسْعُودٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ الصَّلَاةُ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَعَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عند الطبراني في الكبير أيضا وعن بن أَبِي أَوْفَى عِنْدَهُ فِيهِ أَيْضًا وَقَدْ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ مَعَ الْكَلَامِ عليها

قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وإسحاق) قال بن قدامة وهو مذهب بن عباس وبن عمر قال وروي ذلك عن علي وبن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَبُرَيْدَةَ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَجَابِرٍ وبن أَبِي أَوْفَى وَقَالَ بِهِ شُرَيْحٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ وَمَسْرُوقٌ وَالضَّحَّاكُ وَالْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَمَعْمَرٌ وبن جُرَيْجٍ وَالشَّعْبِيُّ وَمَالِكٌ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُتَطَوَّعُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ عُلَمَائِنَا يَذْكُرُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَانَ يُصَلِّي قبل تلك الصلاة ولا بعدها قال بن قُدَامَةَ وَهُوَ إِجْمَاعٌ كَمَا ذَكَرْنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعَنْ غَيْرِهِ انْتَهَى كَذَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ يَرُدُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ مَا حَكَى التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ رَأَى طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الصَّلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَقَبْلَهَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ) رَوَى ذَلِكَ الْعِرَاقِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَبُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي بَرْزَةَ قَالَ وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَخُوهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَصَفْوَانُ بْنُ مُحْرِزٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَعَلْقَمَةُ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَمَكْحُولٌ وَأَبُو بُرْدَةَ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ رَوَى ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ قَالَ وَأَمَّا أَقْوَالُ التَّابِعِينَ فَرَوَاهَا بن أَبِي شَيْبَةَ وَبَعْضُهَا فِي الْمَعْرِفَةِ لِلْبَيْهَقِيِّ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا لَا صَلَاةَ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ إِنْ صَحَّ هَذَا كَانَ دَلِيلًا عَلَى الْمَنْعِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ نَفْيٌ فِي قُوَّةِ النَّهْيِ وَقَدْ سَكَتَ عَلَيْهِ الْحَافِظُ فَيُنْظَرُ فِيهِ انْتَهَى قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ الصَّلَاةُ قَبْلَ خُرُوجِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي

باب في خروج النساء في العيدين

الْكَبِيرِ قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُ ثقات (باب فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ) [539] قَوْلُهُ (كَانَ يُخْرِجُ الْأَبْكَارَ) جَمْعُ الْبَكْرِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبِكْرُ بِالْكَسْرِ الْعَذْرَاءُ جَمْعُهُ أَبْكَارٌ (وَالْعَوَاتِقَ) جَمْعُ عَاتِقٍ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الشَّابَّةُ أَوَّلَ مَا تُدْرِكُ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي لَمْ تَبِنِ مِنْ وَالِدَيْهَا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَ إِدْرَاكِهَا وَقِيلَ هِيَ الَّتِي قاربت البلوغ وقال بن السِّكِّيتِ هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ تُدْرِكَ إِلَى أَنْ تَعْنَسَ وَلَمْ تُزَوَّجْ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهِيَ مَنْ بَلَغَتِ الْحُلُمَ أَوْ قَارَبَتْ وَاسْتَحَقَّتِ التَّزْوِيجَ أَوْ هِيَ الْكَرِيمَةُ عَلَى أَهْلِهَا أَوِ الَّتِي عَتَقَتْ عَنْ الِامْتِهَانِ فِي الْخُرُوجِ لِلْخِدْمَةِ قَالَ وَبَيْنَ الْعَاتِقِ وَالْبِكْرِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ انْتَهَى (وَذَوَاتِ الْخُدُورِ) جَمْعُ الْخِدْرِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْخِدْرُ نَاحِيَةٌ فِي الْبَيْتِ يُتْرَكُ عَلَيْهَا سِتْرٌ فَتَكُونُ فِيهِ الْجَارِيَةُ الْبِكْرُ انْتَهَى (وَالْحُيَّضَ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ جَمْعُ حَائِضٍ (فَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى) هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ قَالَ فِي الْفَتْحِ حَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى النَّدْبِ لِأَنَّ الْمُصَلَّى لَيْسَ بِمَسْجِدٍ فَيَمْتَنِعُ الْحُيَّضُ مِنْ دُخُولِهِ وَقَالَ بن الْمُنِيرِ الْحِكْمَةُ فِي اعْتِزَالِهِنَّ أَنَّ فِي وُقُوفِهِنَّ وَهُنَّ لَا يُصَلِّينَ مَعَ الْمُصَلِّيَاتِ إِظْهَارَ اسْتِهَانَةٍ بِالْحَالِ فَاسْتُحِبَّ لَهُنَّ اجْتِنَابُ ذَلِكَ (وَيَشْهَدْنَ) أَيْ يَحْضُرْنَ (إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ) بِكَسْرِ الْجِيمِ قَالَ الْجَزَرِيُّ الْجِلْبَابُ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ وَقِيلَ الْمِلْحَفَةُ وَقِيلَ هُوَ كَالْمِقْنَعَةِ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَظَهْرَهَا وَصَدْرَهَا جَمْعُهُ جَلَابِيبُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْجِلْبَابُ كَسِرْدَابٍ وَسِنِمَّارٍ

الْقَمِيصُ وَثَوْبٌ وَاسِعٌ لِلْمَرْأَةِ دُونَ الْمِلْحَفَةِ أَوْ ما يغطي بِهِ ثِيَابَهَا مِنْ فَوْقُ كَالْمِلْحَفَةِ أَوْ هُوَ الْخِمَارُ انْتَهَى (فَلْتُعِرْهَا) مِنَ الْإِعَارَةِ (أُخْتُهَا) أَيْ صَاحِبَتُهَا (مِنْ جِلْبَابِهَا) أَيْ فَلْتُعِرْهَا مِنْ ثِيَابِهَا مَا لَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلْجِنْسِ أَيْ تُعِيرُهَا مِنْ جِنْسِ ثيابها ويؤيده رواية بن خُزَيْمَةَ مِنْ جَلَابِيبِهَا وَلِلتِّرْمِذِيِّ فَلْتُعِرْهَا أُخْتُهَا مِنْ جَلَابِيبِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تُشْرِكُهَا مَعَهَا فِي ثَوْبِهَا وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ تُلْبِسُهَا صَاحِبَتُهَا طَائِفَةً مِنْ ثَوْبِهَا يَعْنِي إِذَا كَانَ وَاسِعًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثَوْبِهَا جِنْسَ الثِّيَابِ فَيَرْجِعُ لِلْأَوَّلِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ اشْتِمَالِ الْمَرْأَتَيْنِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ عِنْدَ التَّسَتُّرِ وَقِيلَ إِنَّهُ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ يَخْرُجْنَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَوِ اثْنَتَيْنِ فِي جلباب انتهى قوله (وفي الباب عن بن عباس وجابر) أما حديث بن عباس فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخْرِجُ بَنَاتِهِ وَنِسَاءَهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ فِي الْعِيدَيْنِ وَيُخْرِجُ أَهْلَهُ وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ المذكور وفي الباب أيضا عن بن عمر عند الطبراني في الكبير وعن بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَهُ أَيْضًا وَعَنْ عَائِشَةَ عند بن أَبِي شَيْبَةَ فِي الْمُصَنَّفِ وَأَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ وَلِعَائِشَةَ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَعَنْ عَمْرَةَ أُخْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَرَخَّصَ لِلنِّسَاءِ فِي الْخُرُوجِ إِلَى

الْعِيدَيْنِ) وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهَا قَاضِيَةٌ بِمَشْرُوعِيَّةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ إِلَى الْمُصَلَّى مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَالشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ والحائض وغيرها (وروي عن بن المبارك أَكْرَهُ الْيَوْمَ الْخُرُوجَ لِلنِّسَاءِ فِي الْعِيدَيْنِ إلخ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْعِيدَيْنِ عَلَى أَقْوَالٍ إِحْدَاهَا أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ وَحَمَلُوا الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى النَّدْبِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَالْجُرْجَانِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ إِطْلَاقِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَوْلُ الثَّانِي التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ تَبَعًا لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ جَائِزٌ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ لَهُنَّ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أحمد فيما نقله عنه بن قُدَامَةَ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عن الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَحَكَاهُ بن قُدَامَةَ عَنِ النَّخَعِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ لِلشَّابَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ وَالْقَوْلُ الْخَامِسُ أَنَّهُ حَقٌّ عَلَى النِّسَاءِ الْخُرُوجُ إِلَى الْعِيدِ حَكَاهُ القاضي عياض عن أبي بكر وعلي وبن عمر وقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا حَقٌّ عَلَى كُلِّ ذَاتِ نِطَاقٍ الْخُرُوجُ إِلَى الْعِيدَيْنِ انْتَهَى وَالْقَوْلُ بِكَرَاهَةِ الْخُرُوجِ عَلَى الْإِطْلَاقِ رَدٌّ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِالْآرَاءِ الْفَاسِدَةِ وَتَخْصِيصُ الثَّوَابِ يَأْبَاهُ صَرِيحُ الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَغَيْرُهُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ (فِي أَطْمَارِهَا) جَمْعُ طِمْرٍ بِالْكَسْرِ وَسُكُونِ الْمِيمِ الثَّوْبُ الْخَلِقُ أَوِ الْكِسَاءُ الْبَالِي مِنْ غَيْرِ الصُّوفِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (وَيُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَوْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى مَنْعِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْعِيدَيْنِ وَالْمَسْجِدِ مُطْلَقًا) وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ تَغَيُّرُ الْحُكْمِ لِأَنَّهَا عَلَّقَتْهُ عَلَى شَرْطٍ لَمْ يُوجَدْ بِنَاءً عَلَى ظَنٍّ ظَنَّتْهُ فَقَالَتْ لَوْ رَأَى لَمَنَعَ فَيُقَالُ عَلَيْهِ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَمْنَعْ فَاسْتَمَرَّ الْحُكْمُ حَتَّى إِنَّ عَائِشَةَ لَمْ تُصَرِّحْ بِالْمَنْعِ وَإِنْ كَانَ كَلَامُهَا يُشْعِرُ بِأَنَّهَا كَانَتْ تَرَى الْمَنْعَ وَأَيْضًا فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا سَيُحْدِثْنَ فَمَا أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ بِمَنْعِهِنَّ وَلَوْ كَانَ مَا أَحْدَثْنَ يَسْتَلْزِمُ مَنْعَهُنَّ مِنَ الْمَسَاجِدِ لَكَانَ مَنْعُهُنَّ مِنْ غَيْرِهَا كَالْأَسْوَاقِ أَوْلَى

باب ما جاء في خروج النبي صلى الله عليه وسلم

وَأَيْضًا فَالْإِحْدَاثُ إِنَّمَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ النِّسَاءِ لَا مِنْ جَمِيعِهِنَّ فَإِنْ تَعَيَّنَ الْمَنْعُ فَلْيَكُنْ لِمَنْ أَحْدَثَتْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِيهِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُنْظَرَ إِلَى مَا يُخْشَى مِنْهُ الْفَسَادُ فَيُجْتَنَبَ لِإِشَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى ذَلِكَ بِمَنْعِ التَّطَيُّبِ وَالزِّينَةِ وَكَذَلِكَ التَّقْيِيدُ بِاللَّيْلِ وَقَالَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي بَابِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْعِيدَيْنِ وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمُ النَّسْخَ فِيهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَأَمْرُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِخُرُوجِ الْحُيَّضِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ إِلَى الْعِيدِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمُونَ قَلِيلٌ فَأُرِيدَ التَّكْثِيرُ بِحُضُورِهِنَّ إِرْهَابًا لِلْعَدُوِّ وَأَمَّا الْيَوْمَ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ تَارِيخُ الْوَقْتِ لَا يُعْرَفُ قَالَ الْحَافِظُ بَلْ هُوَ مَعْرُوفٌ بدلالة حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ شَهِدَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فَلَمْ يَتِمَّ مُرَادُ الطَّحَاوِيِّ وَقَدْ صَرَّحَ فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ بِعِلَّةِ الْحُكْمِ وَهُوَ شُهُودُهُنَّ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجَاءُ بَرَكَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتِهِ وَقَدْ أَفْتَتْ بِهِ أُمُّ عَطِيَّةَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمُدَّةٍ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مُخَالَفَتُهَا فِي ذَلِكَ قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُخَصَّ بِمَنْ يُؤْمَنُ عَلَيْهَا وَبِهَا الْفِتْنَةُ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى حُضُورِهَا محذور ولا تُزَاحِمُهَا الرِّجَالُ فِي الطُّرُقِ وَلَا فِي الْمَجَامِعِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِاخْتِصَارٍ (وَيُرْوَى عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ الْيَوْمَ الْخُرُوجَ لِلنِّسَاءِ إِلَى الْعِيدِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ فِي حَقِّ الشَّوَابِّ وأما العجائز فقد جوز الشيخ بن الهمام وغيره خروجهن إلى العيد قال بن الْهُمَامِ وَتَخْرُجُ الْعَجَائِزُ لِلْعِيدِ لَا الشَّوَابُّ انْتَهَى قال القارىء في المرقاة بعد نقل كلام بن الْهُمَامِ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَهُوَ قَوْلٌ عَدْلٌ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُقَيَّدَ بِأَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُشْتَهَاةٍ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ بِإِذْنِ حَلِيلِهَا مَعَ الْأَمْنِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ بِأَنْ لَا يَخْتَلِطْنَ بِالرِّجَالِ أَوْ يَكُنَّ خَالِيَاتٍ مِنَ الْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ وَالْبَخُورِ وَالشُّمُومِ وَالتَّبَخْتُرِ وَالتَّكَشُّفِ وَنَحْوِهَا مِمَّا أَحْدَثْنَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مِنَ الْمَفَاسِدِ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مُلَازِمَاتُ الْبُيُوتِ لَا يَخْرُجْنَ انْتَهَى قُلْتُ لَا دَلِيلَ عَلَى مَنْعِ الْخُرُوجِ إِلَى الْعِيدِ لِلشَّوَابِّ مَعَ الْأَمْنِ مِنَ الْمَفَاسِدِ مِمَّا أَحْدَثْنَ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ لَهُنَّ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ كَمَا عَرَفْتَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بَاب مَا جَاءَ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِلَى الْعِيدِ في طريق الخ

[541] قَوْلُهُ (إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ فِي طَرِيقٍ رَجَعَ فِي غَيْرِهِ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ إِذَا خَرَجَ إِلَى الْعِيدِ يَرْجِعُ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي خَرَجَ فِيهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن ماجه ورجال اسناد بن مَاجَهْ ثِقَاتٌ وَفِي إِسْنَادِ أَبِي دَاوُدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ وَفِيهِ مَقَالٌ (وَأَبِي رافع) أخرجه بن مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والدارمي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى إِلَى مُسْلِمٍ وَلَمْ أَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ (رَوَى أَبُو تُمَيْلَةَ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ مُصَغَّرًا اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ وَحَدِيثُ جَابِرٍ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ قَوْلُهُ (قَدِ اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلْإِمَامِ إِذَا خَرَجَ فِي طَرِيقٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي غَيْرِهِ اتِّبَاعًا لِهَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَشْرِيعٌ عَامٌّ فَيَكُونُ مُسْتَحَبًّا لِكُلِّ أَحَدٍ وَلَا تَخْصِيصَ بِالْإِمَامِ إِلَّا إِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لِمَصْلَحَةٍ مَخْصُوصَةٍ بِالْأَئِمَّةِ فَقَطْ وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ فِعْلَهُ مَا كَانَ لِكَوْنِهِ مُشَرِّعًا انْتَهَى (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَاَلَّذِي فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي

باب في الأكل يوم الفطر قبل الخروج

الْوَجِيزِ إِلَّا لِلْإِمَامِ انْتَهَى وَبِالتَّعْمِيمِ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى قُلْتُ وَبِالتَّعْمِيمِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي مُخَالَفَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّرِيقَ فِي الذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ يَوْمَ الْعِيدِ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ قَالَ الْحَافِظُ اجْتَمَعَ لِي مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ قَوْلًا قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ فَوَائِدَ بَعْضُهَا قَرِيبٌ وَأَكْثَرُهَا دَعَاوَى فَارِغَةٌ فَقِيلَ إِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ وَقِيلَ سُكَّانُهُمَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَقِيلَ لِيُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا فِي مَزِيَّةِ الْفَضْلِ بِمُرُورِهِ أَوْ فِي التَّبَرُّكِ بِهِ أَوْ لِيُشَمَّ رَائِحَةُ الْمِسْكِ مِنَ الطَّرِيقِ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا لِأَنَّهُ كَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ وَقِيلَ لِيَزُورَ أَقَارِبَهُ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ وَقِيلَ لِيَصِلَ رَحِمَهُ وَقِيلَ لِيَتَفَاءَلَ بِتَغَيُّرِ الْحَالِ إِلَى الْمَغْفِرَةِ وَالرِّضَا وَقِيلَ لِإِظْهَارِ شِعَارِ الْإِسْلَامِ فِيهِمَا وَقِيلَ لِإِظْهَارِ ذِكْرِ اللَّهِ وَقِيلَ لِيَغِيظَ الْمُنَافِقِينَ أَوِ الْيَهُودَ وَقِيلَ لِيُرْهِبَهُمْ بِكَثْرَةِ مَنْ مَعَهُ وَقِيلَ فَعَلَ ذَلِكَ لِيَعُمَّهُمْ فِي السُّرُورِ بِهِ أَوِ التَّبَرُّكِ بِمُرُورِهِ وَبِرُؤْيَتِهِ وَالِانْتِفَاعِ بِهِ في قضاء حوائجهم فِي الِاسْتِفْتَاءِ أَوِ التَّعَلُّمِ وَالِاقْتِدَاءِ وَالِاسْتِرْشَادِ أَوِ الصَّدَقَةِ أَوِ السَّلَامِ عَلَيْهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَقِفُ فِي الطُّرُقَاتِ فَأَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ فَرِيقَانِ مِنْهُمْ وَقِيلَ لِئَلَّا يَكْثُرَ الِازْدِحَامُ وَقِيلَ لِأَنَّ عَدَمَ التَّكْرَارِ أَنْشَطُ عِنْدَ طِبَاعِ الْأَنَامِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَشَارَ صَاحِبُ الْهُدَى إِلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُحْتَمَلَةِ الْقَرِيبَةِ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ جَابِرٍ كَأَنَّهُ أَصَحُّ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ مِنْ فُلَيْحٍ فلعل شيخه سمعه جَابِرٍ وَمِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُقَوِّي ذَلِكَ اخْتِلَافُ اللَّفْظَيْنِ وَقَدْ رَجَّحَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ عَنْ جَابِرٍ وَخَالَفَهُ أَبُو مَسْعُودٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فَرَجَّحَا أَنَّهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي فِي ذَلِكَ ترجيح انتهى كلام الحافظ (باب فِي الْأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ) [542] قَوْلُهُ (عَنْ ثَوَابِ بْنِ عُتْبَةَ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وَلَيْسَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الْكُتُبِ شَيْءٌ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ

قَوْلُهُ (حَتَّى يَطْعَمَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ يَأْكُلَ قَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ إِنَّمَا يَأْكُلُ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إِلَى الصَّلَاةِ لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّ الصِّيَامَ يَلْزَمُ يَوْمَ الْفِطْرِ إِلَى أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَهَذَا الْمَعْنَى معدوم في يوم الأضحى وقال بن قُدَامَةَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ يَوْمَ الْفِطْرِ حَرُمَ فِيهِ الصِّيَامُ عَقِبَ وُجُوبِهِ فَاسْتُحِبَّ تَعْجِيلُ الْفِطْرِ لِإِظْهَارِ الْمُبَادَرَةِ إِلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ فِي الْفِطْرِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَالْأَضْحَى بِخِلَافِهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ اسْتِحْبَابِ الْفِطْرِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ) وفي رواية بن مَاجَهْ حَتَّى يَرْجِعَ وَزَادَ أَحْمَدُ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْأَثْرَمُ بِلَفْظِ حَتَّى يُضَحِّيَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَالنَّيْلِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ فَيَأْكُلَ مِنْ كَبِدِ أُضْحِيَّتِهِ كَذَا فِي عمدة القارىء وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ وَزَادَ حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ وَهِيَ زِيَادَةٌ صَحِيحَةٌ صَحَّحَهَا بن الْقَطَّانِ كَمَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ كَذَّبَهُ الشَّعْبِيُّ وَأَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَفِي رِوَايَةٍ مُعَلَّقَةٍ وَوَصَلَهَا أَحْمَدُ وَيَأْكُلُهُنَّ أَفْرَادًا قَوْلُهُ (حَدِيثُ بُرَيْدَةَ بْنِ خُصَيْبٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ (الْأَسْلَمِيِّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وصححه بن حِبَّانً كَذَا فِي الْبُلُوغِ وَقَالَ فِي النَّيْلِ وأخرجه أيضا بن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه بن الْقَطَّانِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدِ اسْتَحَبَّ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يَخْرُجَ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ شَيْئًا

وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى تَمْرٍ) قَالَ بن قُدَامَةَ لَا نَعْلَمُ فِي اسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الْأَكْلِ يوم الفطر اختلافا انتهى وقد روى بن أبي شيبة عن بن مَسْعُودٍ التَّخْيِيرَ فِيهِ وَعَنِ النَّخَعِيِّ أَيْضًا مِثْلُهُ وَالْحِكْمَةُ فِي اسْتِحْبَابِ التَّمْرِ لِمَا فِي الْحُلْوِ مِنْ تَقْوِيَةِ الْبَصَرِ الَّذِي يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ وَلِأَنَّ الْحُلْوَ مِمَّا يُوَافِقُ الْإِيمَانَ وَيَعْلُو بِهِ الْمَنَامُ وَهُوَ أَيْسَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَمِنْ ثَمَّ اسْتَحَبَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ أَنَّهُ يُفْطِرُ عَلَى الْحُلْوِ مُطْلَقًا كالعسل رواه بن أبي شيبة عن معاوية بن قرة وبن سِيرِينَ وَغَيْرِهِمَا وَرُوِيَ فِيهِ مَعْنًى آخَرُ عَنِ بن عَوْنٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّهُ يَحْبِسُ الْبَوْلَ هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَنْ يُفْطِرَ وَلَوْ عَلَى الْمَاءِ لِيَحْصُلَ لَهُ شَبَهٌ مِنْ الاتباع أشار إليه بن أَبِي جَمْرَةَ وَأَمَّا جَعْلُهُنَّ وِتْرًا فَقَالَ الْمُهَلَّبُ فَلِلْإِشَارَةِ إِلَى وَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ تَبَرُّكًا بِذَلِكَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَلَا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يَرْجِعَ) أَيْ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ إِنْ كَانَ لَهُ أُضْحِيَّةٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَقَدْ خَصَّصَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اسْتِحْبَابَ تَأْخِيرِ الْأَكْلِ فِي عِيدِ الْأَضْحَى بِمَنْ لَهُ ذِبْحٌ وَالْحِكْمَةُ فِي تَأْخِيرِ الْفِطْرِ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى أَنَّهُ يَوْمٌ تُشْرَعُ فِيهِ الْأُضْحِيَّةُ وَالْأَكْلُ مِنْهَا فَشُرِعَ لَهُ أَنْ يَكُونَ فطره على شيء منها قاله بن قُدَامَةَ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ وَقَعَ أَكْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلٍّ مِنَ الْعِيدَيْنِ فِي الْوَقْتِ الْمَشْرُوعِ لِإِخْرَاجِ صَدَقَتِهِمَا الْخَاصَّةِ بِهِمَا فَإِخْرَاجُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْغُدُوِّ إِلَى الْمُصَلَّى وَإِخْرَاجُ صَدَقَةِ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ ذَبْحِهَا [543] قَوْلُهُ (كَانَ يُفْطِرُ عَلَى تَمَرَاتٍ إلخ) وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ بِلَفْظِ مَا خَرَجَ يَوْمَ فِطْرٍ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ وِتْرًا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَكَلَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَضْحَى لَمْ يَطْعَمُ شَيْئًا وَفِي إِسْنَادِهِ نَاصِحٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ

أبواب السفر

6 - (أبواب السفر) باب التَّقْصِيرِ فِي السَّفَرِ [544] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْوَرَّاقُ الْبَغْدَادِيُّ) صَاحِبُ أَحْمَدَ رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الْأُمَوِيِّ وَمُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ وَعَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ أَحْمَدُ قَلَّ مَنْ يُرَى مِثْلُهُ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ 251 إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ الطَّائِفِيُّ الْقُرَشِيُّ مولاهم المكي الخراز بمعجمة ثم مهملة وثقه بن معين وبن سَعْدٍ وَالنَّسَائِيُّ إِلَّا فِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عمر وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ الْخَزْرَجِيُّ احْتَجَّ بِهِ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ السَّاجِيُّ أَخْطَأَ فِي أَحَادِيثَ رَوَاهَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ الْحَافِظُ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ شَيْئًا انْتَهَى (عن عبيد الله) هو بن عُمَرَ الْعُمَرِيُّ مِنَ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ قَوْلُهُ (فَكَانُوا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لَا يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ صَحِبْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَصَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا

الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ أَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يُصَلِّ فِي السَّفَرِ تَمَامًا وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ ثُمَّ أَتَمَّ وَفِي رِوَايَةٍ ثَمَانِ سِنِينَ أَوْ سِتَّ سِنِينَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَنَّ عُثْمَانَ أَتَمَّ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ مِنْ خِلَافَتِهِ وَتَأَوَّلَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِأَنَّ عُثْمَانَ لَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ فِي غَيْرِ مِنًى وَالرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ بِإِتْمَامِ عُثْمَانَ بَعْدَ صَدْرٍ مِنْ خِلَافَتِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْإِتْمَامِ بِمِنًى خَاصَّةً وَقَدْ صَرَّحَ فِي رِوَايَةٍ بِأَنَّ إِتْمَامَ عُثْمَانَ كَانَ بِمِنًى وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ قَالَ صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقِيلَ فِي ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ وَاعْلَمْ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَيْضًا كَانَتْ تُتِمُّ فِي السَّفَرِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ سَبَبِ إِتْمَامِهَا (لَا يُصَلُّونَ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا) أَيْ لَا يُصَلُّونَ السُّنَنَ الرَّوَاتِبَ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ نَفْيَ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا وَسَيَجِيءُ تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ (لَوْ كُنْتُ مُصَلِّيًا) أَيْ رَوَاتِبَ (قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا لَأَتْمَمْتُهَا) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْإِتْمَامِ وَصَلَاةِ الرَّاتِبَةِ لَكَانَ الْإِتْمَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ لَكِنَّهُ فَهِمَ مِنَ الْقَصْرِ التَّخْفِيفَ فَلِذَلِكَ كَانَ لَا يُصَلِّي الرَّاتِبَةَ وَلَا يُتِمُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن عمر وعلي وبن عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا وَصَلَّيْتُ مَعَهُ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْمَغْرِبَ ثَلَاثًا قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِي سَنَدِهِ الْحَارِثُ وَهُوَ ضعيف وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ مِثْلَ هَذَا) وَقَدْ عَرَفْتَ تَرْجَمَةَ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا عَرَفْتَهُ أَيْضًا

قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنِ بن عُمَرَ إلخ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تُتِمُّ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتِ الصَّلَاةُ أَوَّلَ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَانِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ فَمَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ قَالَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَدْ جَاءَ عَنْهَا سَبَبُ الْإِتْمَامِ صَرِيحًا وَهُوَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ تُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا فَقُلْتُ لَهَا لَوْ صليت ركعتين فقالت يا بن أُخْتِي إِنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيَّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَأَنَّ الْإِتْمَامَ لِمَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ التَّقْصِيرُ رُخْصَةٌ لَهُ فِي السَّفَرِ فَإِنْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ أَجْزَأَ عَنْهُ) قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَلِ الْقَصْرُ وَاجِبٌ أَمْ رُخْصَةٌ وَالتَّمَامُ أَفْضَلُ فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ الْحَنَفِيَّةُ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَنَسَبَهُ النَّوَوِيُّ إِلَى كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ كَانَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ هُوَ

الْوَاجِبُ فِي السَّفَرِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سُلَيْمَانَ يُعِيدُ مَنْ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ أَرْبَعًا وَقَالَ مَالِكٌ يُعِيدُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ انْتَهَى وَذَهَبَ إِلَى الثَّانِي الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَعُثْمَانَ وبن عباس قال بن الْمُنْذِرِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ فِي الصُّبْحِ وَلَا فِي الْمَغْرِبِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْقَصْرِ بِحُجَجٍ مِنْهَا مُلَازَمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْقَصْرِ فِي جَمِيعِ أَسْفَارِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ أَتَمَّ الرُّبَاعِيَّةَ فِي السَّفَرِ ألْبَتَّةَ كما قال بن الْقَيِّمِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ وَيُتِمُّ وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَهُوَ حَدِيثٌ فِيهِ كَلَامٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَإِنْ صَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِسْنَادَهُ وَكَذَا حَدِيثُهَا قَالَتْ خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ وَصُمْتُ وَقَصَرَ وَأَتْمَمْتُ فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي أَفْطَرْتَ وَصُمْتُ وَقَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ فَقَالَ أحسنت يا عائشة رواه الدارقطني لا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَإِنْ حَسَّنَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِسْنَادَهُ وَقَدْ بَيَّنَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ عَدَمَ صَلَاحِيَتِهِمَا لِلِاحْتِجَاجِ فِي النَّيْلِ بِالْبَسْطِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ وَيُجَابُ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ بِأَنَّ مُجَرَّدَ الْمُلَازَمَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ وَغَيْرُهُمْ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ بِأَلْفَاظٍ مِنْهَا فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ قَالُوا هُوَ دَلِيلٌ نَاهِضٌ عَلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّ صَلَاةَ السَّفَرِ إِذَا كَانَتْ مَفْرُوضَةً رَكْعَتَيْنِ لَمْ تَجُزِ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا كَمَا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ فِي الْحَضَرِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ غَيْرُ مَرْفُوعٍ وَأَنَّهَا لَمْ تَشْهَدْ زَمَانَ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَهُوَ مما لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أَنَّهَا لَمْ تُدْرِكِ الْقِصَّةَ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ وَهُوَ حُجَّةٌ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَيْسَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمَا أَتَمَّتْ عَائِشَةُ حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَرَضَ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ عَلَى الْمُسَافِرِ رَكْعَتَيْنِ وَعَلَى الْمُقِيمِ أَرْبَعًا وَالْخَوْفِ رَكْعَةً أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالُوا هَذَا الصَّحَابِيُّ الْجَلِيلُ قَدْ حَكَى عَنِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ فَرَضَ صَلَاةَ السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ أَتْقَى لِلَّهِ وَأَخْشَى مِنْ أَنْ يَحْكِيَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ ذَلِكَ بِلَا بُرْهَانٍ وَمِنْهَا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ

وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ مِنْ غَيْرِ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلم رواه أحمد والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ فِي النَّيْلِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا يَزِيدَ بْنَ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ وقد وثقه أحمد وبن معين قال بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ هُوَ ثَابِتٌ عَنْهُ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ وَالتَّمَامَ أَفْضَلُ بِحُجَجٍ مِنْهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أن تقصروا من الصلاة) وَنَفْيُ الْجُنَاحِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَزِيمَةِ بَلْ عَلَى الرُّخْصَةِ وَعَلَى أَنَّ الْأَصْلَ التَّمَامُ وَالْقَصْرُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ شَيْءٍ أَطْوَلَ مِنْهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ وَرَدَتْ فِي قَصْرِ الصِّفَةِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لَا فِي قَصْرِ الْعَدَدِ لِمَا عُلِمَ مِنْ تَقَدُّمِ شَرْعِيَّةِ قَصْرِ الْعَدَدِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ قَالُوا الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ صَدَقَةٌ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ فَقَطْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِقَبُولِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا مَحِيصَ عَنْهَا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَمِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يُسَافِرُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْهُمُ الْقَاصِرُ وَمِنْهُمُ الْمُتِمُّ وَمِنْهُمُ الصَّائِمُ وَمِنْهُمُ الْمُفْطِرُ لَا يَعِيبُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ لَمْ نَجِدْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلَهُ فَمِنْهُمُ الْقَاصِرُ وَمِنْهُمُ الْمُتِمُّ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَحَادِيثُ الصَّوْمِ وَالْإِفْطَارِ انْتَهَى قُلْتُ لَمْ نَجِدْ أَيْضًا هَذَا اللَّفْظَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَقَرَّرَهُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ نَادَتْ أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ وَيُتِمُّ وَيُفْطِرُ وَيَصُومُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَقَدْ عَرَفْتَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ هَذَا كُلُّهُ تَلْخِيصُ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مَعَ زِيَادَةٍ وَاخْتِصَارٍ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَهَذَا النِّزَاعُ فِي وُجُوبِ الْقَصْرِ وَعَدَمِهِ وَقَدْ لَاحَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْنَا رُجْحَانُ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ التَّمَامَ أَفْضَلُ فَمَدْفُوعَةٌ بِمُلَازَمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَمِيعِ أَسْفَارِهِ وَعَدَمِ صُدُورِ التَّمَامِ عَنْهُ وَيَبْعُدُ أَنْ يُلَازِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُولَ عُمَرِهِ الْمَفْضُولَ وَيَدَعَ الْأَفْضَلَ انْتَهَى قُلْتُ مِنْ شَأْنِ مُتَّبِعِي السُّنَنِ النَّبَوِيَّةِ وَمُقْتَفِي الْآثَارِ الْمُصْطَفَوِيَّةِ أَنْ يُلَازِمُوا الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ كَمَا لَازَمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ الْقَصْرُ غَيْرَ وَاجِبٍ فَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ فِي الْقَصْرِ فِي السَّفَرِ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَلَا حَاجَةَ لَهُمْ أَنْ يُتِمُّوا فِي السَّفَرِ وَيَتَأَوَّلُوا كَمَا تَأَوَّلَتْ عَائِشَةُ وَتَأَوَّلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

[545] قَوْلُهُ (وَمَعَ عُثْمَانَ سِتَّ سِنِينَ مِنْ خِلَافَتِهِ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بَعْدُ أَرْبَعًا وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ أَتَمَّهَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْمَنْقُولُ أَنَّ سَبَبَ إِتْمَامِ عُثْمَانَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى الْقَصْرَ مُخْتَصًّا بِمَنْ كَانَ شَاخِصًا سَائِرًا وَأَمَّا مَنْ أَقَامَ فِي مَكَانٍ فِي أَثْنَاءِ سَفَرِهِ فَلَهُ حُكْمُ الْمُقِيمِ فَيُتِمُّ وَالْحُجَّةُ فِيهِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ لَمَّا قَدِمَ عَلَيْنَا مُعَاوِيَةُ حَاجًّا صَلَّى بِنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ بِمَكَّةَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى دَارِ النَّدْوَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ مَرْوَانُ وَعَمْرُو بن عثمان فقالا لقد عبت أمر بن عَمِّك لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ قَالَ وَكَانَ عُثْمَانُ حَيْثُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ صَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ أَرْبَعًا أَرْبَعًا ثُمَّ إِذَا خَرَجَ إِلَى مِنًى وَعَرَفَةَ قَصَرَ الصَّلَاةَ فَإِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ وَأَقَامَ بمنى أتم الصلاة وقال بن بَطَّالٍ الْوَجْهُ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ أَنَّ عُثْمَانَ وَعَائِشَةَ كَانَا يَرَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَصَرَ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِالْأَيْسَرِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أُمَّتِهِ فَأَخَذَا لِأَنْفُسِهِمَا بِالشِّدَّةِ انْتَهَى وَهَذَا رَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ آخِرِهُمُ الْقُرْطُبِيُّ لَكِنَّ الْوَجْهَ الَّذِي قَبْلَهُ أَوْلَى لِتَصْرِيحِ الرَّاوِي بِالسَّبَبِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَذَكَرَ سَبَبًا آخَرَ فَقَالَ رَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ إِنَّمَا صَلَّى عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعًا لِأَنَّ الْأَعْرَابَ كَانُوا أَكْثَرُوا فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَأَحَبَّ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَنَّ الصَّلَاةَ أَرْبَعٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ أَتَمَّ بِمِنًى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ إِنَّ الْقَصْرَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ وَلَكِنَّهُ حَدَثَ طَغَامٌ يَعْنِي بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْمُعْجَمَةِ فَخِفْتُ أن يستنوا وعن بن جُرَيْجٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا نَادَاهُ فِي مِنًى يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا زِلْتُ أُصَلِّيهَا مُنْذُ رَأَيْتُكَ عَامَ أَوَّلَ رَكْعَتَيْنِ وَهَذِهِ طُرُقٌ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَصْلَ سَبَبِ الْإِتْمَامِ وَلَيْسَ بِمُعَارِضٍ لِلْوَجْهِ الَّذِي اخْتَرْتُهُ بَلْ يُقَوِّيهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ حَالَةَ الْإِقَامَةِ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ أَقْرَبُ إِلَى قِيَاسِ الْإِقَامَةِ الْمُطْلَقَةِ عَلَيْهَا بِخِلَافِ السَّائِرِ وَهَذَا مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ عُثْمَانَ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ لِإِتْمَامِ عُثْمَانَ الصَّلَاةَ فِي مِنًى أَسْبَابٌ أُخْرَى وَلَمْ أَتَعَرَّضْ لِذِكْرِهَا فَإِنَّهَا لَا

دَلِيلَ عَلَيْهَا بَلْ هِيَ ظُنُونٌ مِمَّنْ قَالَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) فِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَلِيٌّ ضَعِيفٌ انْتَهَى قُلْتُ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ صَدُوقٌ كَمَا فِي الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ حَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ عَلَى أَنَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ شَوَاهِدَ وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ ضَعِيفٍ قَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ لِشَوَاهِدِهِ قَوْلُهُ (وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ) الطَّائِفِيِّ نَزِيلِ مَكَّةَ ثَبْتٌ حَافِظٌ [546] قَوْلُهُ (صَلَّيْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا) أَيْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَرَادَ فِيهِ الْخُرُوجَ إِلَى مَكَّةَ لِلْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ (وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ) ذُو الْحُلَيْفَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ مَوْضِعٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي السَّفَرِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إِلَّا بَعْدَ مُفَارَقَةِ بُنْيَانِ الْبَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَقْصُرُ إِذَا كَانَ مِنَ الْمِصْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ إِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْصُرَ مِنْ مَنْزِلِهِ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْبَصْرَةِ فَصَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا ثم قال إنا لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين ذكره بن الْهُمَامِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا خَرَجَ إِلَى الْبَصْرَةِ رَأَى خُصًّا فَقَالَ لَوْلَا هَذَا الْخُصُّ لَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ قُلْتُ وَمَا الْخُصُّ قَالَ بَيْتٌ مِنْ قَصَبٍ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا فَقَالَ وَخَرَجَ عَلِيٌّ فَقَصَرَ وَهُوَ يَرَى الْبُيُوتَ فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الْكُوفَةُ قَالَ لَا حَتَّى نَدْخُلَهَا وَرَوَى أَيْضًا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن عمر عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ حِينَ يَخْرُجُ مِنْ شِعْبِ الْمَدِينَةِ وَيَقْصُرُ إِذَا رَجَعَ حَتَّى يَدْخُلَهَا كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ

باب ما جاء في كم تقصر الصلاة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [547] قَوْلُهُ (خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ لَا يَخَافُ إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْقَصْرَ مُخْتَصٌّ بِالْخَوْفِ وَاَلَّذِي قَالَ ذَلِكَ تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أو تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الذين كفروا وَلَمْ يَأْخُذِ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الْمَفْهُومِ فَقِيلَ لِأَنَّ شَرْطَ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ أَنْ لَا يَكُونَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَقِيلَ هُوَ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي شُرِعَ الْحُكْمُ فِيهَا بِسَبَبٍ ثُمَّ زَالَ السَّبَبُ وَبَقِيَ الْحُكْمُ كَالرَّمَلِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَصْرِ فِي الْآيَةِ قَصْرُ الصَّلَاةِ بِالْخَوْفِ إِلَى رَكْعَةٍ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ وَلَهُ صُحْبَةٌ أَنَّهُ سَأَلَ عُمَرَ عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الصَّحَابَةَ فَهِمُوا مِنْ ذَلِكَ قَصْرَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا لَا قَصْرَهَا فِي الْخَوْفِ خَاصَّةً وَفِي جَوَابِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِشَارَةٌ إِلَى الْقَوْلِ الثَّانِي وَرَوَى السَّرَّاجُ عَنْ أَبِي حَنْظَلَةَ قَالَ سألت بن عُمَرَ عَنِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فَقَالَ رَكْعَتَانِ فَقُلْتُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ (إِنْ خِفْتُمْ) وَنَحْنُ آمِنُونَ فَقَالَ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم وهذا يرجع الْقَوْلَ الثَّانِيَ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ (بَاب مَا جَاءَ فِي كَمْ تُقْصَرُ الصَّلَاةُ) يُرِيدُ بَيَانَ الْمُدَّةِ الَّتِي إِذَا أَرَادَ الْمُسَافِرُ الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعٍ إِلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ يُتِمُّ الصَّلَاةَ وَإِذَا أَرَادَ الْإِقَامَةَ إِلَى أَقَلَّ مِنْهَا يَقْصُرُ وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابًا بِلَفْظِ بَابُ فِي كَمْ تُقْصَرُ

الصَّلَاةُ لَكِنَّهُ أَرَادَ بَيَانَ الْمَسَافَةِ الَّتِي إِذَا أَرَادَ الْمُسَافِرُ الْوُصُولَ إِلَيْهَا جَازَ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا [548] قَوْلُهُ (خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ) أَيْ مُتَوَجِّهِينَ إِلَى مَكَّةَ لِحِجَّةِ الْوَدَاعِ (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) أَيْ فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ عَلَى مَا فِي الْمِشْكَاةِ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ (قَالَ عَشْرًا) أَيْ أَقَامَ بِمَكَّةَ عشرا قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ الْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ يُنَافِي مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ مِنْ أَنَّهُ إِذَا أَقَامَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ يَجِبُ الاتمام انتهى قلت قد نقل القارىء عن بن حجر الهيثمي مَا لَفْظُهُ لَمْ يُقِمِ الْعَشْرَ الَّتِي أَقَامَهَا لِحِجَّةِ الْوَدَاعِ بِمَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ دَخَلَهَا يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَرَجَ مِنْهَا صَبِيحَةَ الْخَمِيسِ فَأَقَامَ بِمِنًى وَالْجُمُعَةَ بِنَمِرَةَ وَعَرَفَاتٍ ثُمَّ عَادَ السَّبْتَ بِمِنًى لقضاء نسكه ثم بمكة لطواف الافاضة ثُمَّ بِمِنًى يَوْمَهُ فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّتَهُ وَالْأَحَدَ وَالْإِثْنَيْنَ وَالثُّلَاثَاءَ إِلَى الزَّوَالِ ثُمَّ نَفَرَ فَنَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ وَطَافَ فِي لَيْلَتِهِ لِلْوَدَاعِ ثُمَّ رَحَلَ قبل صلاة الصبح لمتفرق إِقَامَتِهِ قَصَرَ فِي الْكُلِّ وَبِهَذَا أَخَذْنَا أَنَّ لِلْمُسَافِرِ إِذَا دَخَلَ مَحَلًّا أَنْ يَقْصُرَ فِيهِ مَا لَمْ يَصِرْ مُقِيمًا أَوْ يَنْوِ إِقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ أَوْ يُقِيمُهَا وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ يُقِيمُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا وَكَانَ يَحْرُمُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ وَمُسَاكَنَةُ الْكُفَّارِ كَمَا رَوَيَاهُ أَيْضًا فَالْإِذْنُ فِي الثَّلَاثَةِ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ حُكْمِ السَّفَرِ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَرْبَعَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ كَمَا في حديث بن عَبَّاسٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ خَرَجَ صُبْحَ الرَّابِعِ عَشَرَ فَتَكُونُ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ وَضَوَاحِيهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا كَمَا قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَكُونُ مُدَّةُ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ سَوَاءً لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا أَقَامَ بِبَلْدَةٍ قَصَرَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ أَحْمَدُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بن عباس وجابر) أما حديث بن عباس فأخرجه البخاري وأبو داود وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَقَامَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ) أَيْ فِي فَتْحِ مَكَّةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمُ فَكَانَ في حجة الوداع قاله الحافظ بن حجر وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ (تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ) وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ عَنِ بن عَبَّاسٍ سَبْعَ عَشْرَةَ وَفِي أُخْرَى لَهُ عَنْهُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَفِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ شَهِدْتُ مَعَهُ الْفَتْحَ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ وَيَقُولُ يَا أَهْلَ الْبَلَدِ صَلُّوا أَرْبَعًا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَحْنُ إِذَا أَقَمْنَا مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ تِسْعَ عَشْرَةَ صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ زِدْنَا عَلَى ذَلِكَ أَتْمَمْنَا الصلاة) هذا هو مذهب بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَبِهِ أَخَذَ إِسْحَاقُ بن رَاهَوَيْهِ وَرَآهُ أَقْوَى الْمَذَاهِبِ (وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أَقَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَتَمَّ الصَّلَاةَ) أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ إِذَا أَقَمْتَ بِأَرْضٍ عَشْرًا فَأَتْمِمْ فَإِنْ قُلْتَ أَخْرَجُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ أَقَمْتَ شَهْرًا (وروي عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَال مَنْ أَقَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتَمَّ الصَّلَاةَ) أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ إِذَا كُنْتَ مُسَافِرًا فَوَطَّنْتَ نَفْسَكَ عَلَى إِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَتْمِمِ الصَّلَاةَ وَإِنْ كُنْتَ لَا تَدْرِي فَأَقْصِرِ الصلاة وأخرج الطحاوي عن بن عباس وبن عُمَرَ قَالَا إِذَا قَدِمْتَ بَلْدَةً وَأَنْتَ مُسَافِرٌ وَفِي نَفْسِكَ أَنْ تُقِيمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَتِمَّ الصَّلَاةَ وَرُوِيَ عَنْهُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِسِرَاجِ أَحْمَدَ السَّرْهَنْدِيِّ

(وَرَوَى عَنْهُ دَاوُدَ بْنُ أَبِي هِنْدٍ خِلَافَ هَذَا) رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْحُجَجِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ إِذَا قَدِمْتَ بَلْدَةً فَأَقَمْتَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَتِمَّ الصَّلَاةَ (واختلف أهل العلم بَعْدُ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ (فِي ذَلِكَ) أَيْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ مُدَّةِ الْإِقَامَةِ (فَأَمَّا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ فَذَهَبُوا إِلَى تَوْقِيتِ خَمْسِ عَشْرَةَ وَقَالُوا إِذَا أَجْمَعَ) أَيْ نَوَى (عَلَى إِقَامَةِ خَمْسِ عَشْرَةَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَ عَشْرَةَ يقصر الصلاة قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بن إسحاق واختلف علي بن إِسْحَاقَ فِيهِ فَرَوَى مِنْهُ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا وَرُوِيَ عَنْهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْ قَوْلِهِ انْتَهَى وَقَدْ ضَعَّفَ النَّوَوِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَةِ عَشَرَ فَضَعَّفَهَا النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لِأَنَّ رُوَاتَهَا ثِقَاتٌ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا بن إِسْحَاقَ فَقَدْ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِرَاقِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ فَهِيَ صَحِيحَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَثَرِ بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ تَوْقِيتُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ كَمَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ (وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِذَا أَجْمَعَ عَلَى إِقَامَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أَتَمَّ الصَّلَاةَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُسْتَنَدٌ فَرْعِيٌّ وَإِنَّمَا ذَلِكَ اجْتِهَادٌ مِنْ نَفْسِهِ انْتَهَى قُلْتُ لَعَلَّهُ اسْتَنَدَ بِمَا رُوِيَ عَنِ بن عُمَرَ تَوْقِيتِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ (وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ إِذَا أَجْمَعَ عَلَى إِقَامَةِ أَرْبَعٍ أَتَمَّ الصَّلَاةَ) قَالَ فِي السُّبُلِ صَفْحَةِ 156 وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُثْمَانَ وَالْمُرَادُ غَيْرُ يَوْمِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَنْعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرِينَ بَعْدَ مُضِيِّ النُّسُكِ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي مَكَّةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ بِالْأَرْبَعَةِ الْأَيَّامِ يَصِيرُ مُقِيمًا انْتَهَى

قُلْتُ وَرُدَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِأَنَّ الثَّلَاثَ قَدْرُ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ لَا لِكَوْنِهَا غَيْرَ إِقَامَةٍ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَى مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ أَجْلَى الْيَهُودَ مِنَ الْحِجَازِ ثُمَّ أَذِنَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْهُمْ تَاجِرًا أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ صَحَّحَهُ أَبُو زُرْعَةَ (أَمَّا إِسْحَاقُ) يَعْنِي بن راهويه (فرأى أقوى المذاهب فيه حديث بْنِ عَبَّاسٍ) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَقَامَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ (قَالَ) أَيْ إِسْحَاقُ (لِأَنَّهُ) أَيْ بن عَبَّاسٍ (رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَأَوَّلَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ أَخَذَ بِهِ وَعَمِلَ عَلَيْهِ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يقصر ما لم يجمع إقامته وَإِنْ أَتَى عَلَيْهِ سُنُونَ) جَمْعُ سَنَةٍ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامُوا بِرَامَهُرْمُزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ قَالَ النَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَفِيهِ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَاحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ انْتَهَى وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله بن عمر عن نافع عن بن عُمَر أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ انْتَهَى وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أن بن عمر قال أدنج عَلَيْنَا الثَّلْجُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فِي غَزَاةٍ وَكُنَّا نُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا سَنَدٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِيهِ آثَارًا أُخْرَى [549] قَوْلُهُ (سَافَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَفَرًا) أَيْ فِي فَتْحِ مَكَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ (فَصَلَّى) أَيْ فَأَقَامَ فَصَلَّى (تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ يَوْمًا بليلة زاد في المعازي بِمَكَّةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ سَبْعَةَ عَشَرَ بِتَقْدِيمِ السِّينِ وَلَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ وله من طريق بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عن بن عَبَّاسٍ أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ خَمْسَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصلاة

باب ما جاء في التطوع في السفر

وَجَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ مَنْ قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ عَدَّ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَمَنْ قَالَ سَبْعَ عَشْرَةَ حَذَفَهُمَا وَمَنْ قَالَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ عَدَّ أَحَدَهُمَا وَأَمَّا رِوَايَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَضَعَّفَهَا النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ لأن رواتها ثقات ولم ينفرد بها بن إِسْحَاقَ فَقَدْ أَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ وَإِذَا أُثْبِتَ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ فَلْيُحْمَلْ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ ظَنَّ أَنَّ الْأَصْلَ رِوَايَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ فَحَذَفَ مِنْهَا يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ فَذَكَرَ أَنَّهَا خَمْسَ عَشْرَةَ وَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ رِوَايَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ أرجح الروايات وبهذا أخذ إسحاق بن رَاهَوَيْهِ وَيُرَجِّحُهَا أَيْضًا أَنَّهَا أَكْثَرُ مَا وَرَدَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ الرِّوَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَرِوَايَةُ عبد بن حميد عن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا افْتَتَحَ مَكَّةَ أَقَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ مَا لَفْظُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ وَهِيَ رِوَايَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ وَجَمَعَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَيْهَقِيُّ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ السَّابِقَةِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِهَا لَمْ يَعُدَّ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَهِيَ رِوَايَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَعَدَّهَا فِي بَعْضِهَا وَهِيَ رِوَايَةُ تِسْعَ عَشْرَةَ وَعَدَّ يَوْمَ الدُّخُولِ وَلَمْ يَعُدَّ الْخُرُوجَ وَهِيَ رِوَايَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ جَمْعٌ مَتِينٌ وَتَبْقَى رِوَايَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ شَاذَّةً لِمُخَالَفَتِهَا وَرِوَايَةُ عِشْرِينَ وَهِيَ صَحِيحَةُ الْإِسْنَادِ إِلَّا أَنَّهَا شَاذَّةٌ أَيْضًا اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى جَبْرِ الْكَسْرِ وَرِوَايَةُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ مِنْ حَيْثُ الْإِسْنَادُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ) [550] قَوْلُهُ (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ مُصَغَّرًا ثِقَةٌ (عَنْ أَبِي بُسْرَةَ) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْغِفَارِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ

وثقه بن حِبَّانَ وَقَالَ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ تَابِعِيٌّ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْكُتُبِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ عند المصنف وبن مَاجَهْ وَرُبَّمَا اشْتَبَهَ عَلَى مَنْ يَتَنَبَّهُ لَهُ بِأَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ صَحَابِيٌّ اسْمُهُ حُمَيْلٌ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا انْتَهَى قَوْلُهُ (ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَفَرًا) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ كَذَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ الصَّحِيحَةِ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَدَلَهُ شَهْرًا وَهُوَ تَصْحِيفٌ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (فَمَا رَأَيْتُهُ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ هُمَا سُنَّةُ الظُّهْرِ فَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِجَوَازِ الْإِتْيَان بِالرَّوَاتِبِ فِي السَّفَرِ قَالَ صَاحِبُ الْهُدَى لَمْ يُحْفَظْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى سُنَّةَ الصَّلَاةِ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فِي السَّفَرِ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مُتَعَقِّبًا عَلَيْهِ وَيَرِدُ عَلَى إِطْلَاقِهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ سَافَرْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَفَرًا فَلَمْ أَرَهُ تَرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ لَكِنَّ التِّرْمِذِيَّ اسْتَغْرَبَهُ وَنُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ رَآهُ حَسَنًا وَقَدْ حَمَلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى سُنَّةِ الزَّوَالِ لَا عَلَى الرَّاتِبَةِ قَبْلَ الظُّهْرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عُمَرَ) قَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَابِ رِوَايَتَانِ وَسَيَجِيءُ تَخْرِيجُهُمَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ قَوْلُهُ (وروي عن بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَطَوَّعُ فِي السَّفَرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ حفص بن عاصم قال صحبت بن عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَاءَ رَحْلَهُ وَجَلَسَ فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ

قُلْتُ يُسَبِّحُونَ قَالَ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا أَتْمَمْتُ صَلَاتِي صَحِبْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ لَا يُزَادُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ (وَرُوِيَ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كَانَ يَتَطَوَّعُ فِي السَّفَرِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّذَكُّرِ وَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَتَطَوَّعُ فِي السَّفَرِ مَحْمُولٌ عَلَى النِّسْيَان وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بَلَاغًا عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى ابْنَهُ عُبَيْدَ اللَّهِ يَتَنَقَّلُ فِي السَّفَرِ فَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّجُلُ فِي السَّفَرِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) الْمُرَادُ مِنَ التَّطَوُّعِ النَّوَافِلُ الرَّاتِبَةُ وَأَمَّا النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا (وَمَعْنَى مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ قَبُولُ الرُّخْصَةِ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ التَّطَوُّعِ فِي السَّفَرِ مُرَادُهُ أَنَّ التَّطَوُّعَ رُخْصَةٌ فِي السَّفَرِ فَقَبِلَ الرُّخْصَةَ وَلَمْ يَتَطَوَّعْ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ التَّطَوُّعَ فِي السَّفَرِ مَمْنُوعٌ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَخْتَارُونَ التَّطَوُّعَ فِي السَّفَرِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فِي السَّفَرِ وَاخْتَلَفُوا في استحباب النوافل الراتبة فتركها بن عُمَرَ وَآخَرُونَ وَاسْتَحَبَّهَا الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الْعَامَّةُ الْمُطْلَقَةُ فِي نَدْبِ الرَّوَاتِبِ وَحَدِيثُ صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الضُّحَى يَوْمَ الْفَتْحِ بِمَكَّةَ وَرَكْعَتَيِ الصُّبْحِ حِينَ نَامُوا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَحَادِيثُ أُخْرَى صَحِيحَةٌ ذَكَرَهَا أَصْحَابُ السُّنَنِ وَالْقِيَاسُ عَلَى النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الرَّوَاتِبَ فِي رحله ولا يراه بن عُمَرَ فَإِنَّ النَّافِلَةَ فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ وَلَعَلَّهُ تَرَكَهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ تَنْبِيهًا عَلَى جَوَازِ تَرْكِهَا وَأَمَّا مَا يَحْتَجُّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِتَرْكِهَا مِنْ أَنَّهَا لَوْ شُرِعَتْ لَكَانَ إِتْمَامُ الْفَرِيضَةِ أَوْلَى فَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَرِيضَةَ مُتَحَتِّمَةٌ فَلَوْ شُرِعَتْ تَامَّةً لَتَحَتَّمَ إِتْمَامُهَا وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَهِيَ إِلَى خِيَرَةِ الْمُكَلَّفِ فَالرِّفْقُ بِهِ أَنْ تَكُونَ مَشْرُوعَةً وَيَتَخَيَّرُ إِنْ شَاءَ فَعَلَهَا وَحَصَّلَ ثَوَابَهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ تُعُقِّبَ هَذَا الْجَوَابُ بأن مراد بن عُمَرَ بِقَوْلِهِ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْإِتْمَامِ وَصَلَاةِ الرَّاتِبَةِ لَكَانَ الْإِتْمَامُ أَحَبَّ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ فَهِمَ مِنَ الْقَصْرِ التَّخْفِيفَ فَلِذَلِكَ كَانَ لَا يُصَلِّي الرَّاتِبَةَ وَلَا يُتِمُّ انْتَهَى قُلْتُ الْمُخْتَارُ عِنْدِي الْمُسَافِرَ فِي سَعَةٍ إِنْ شَاءَ صَلَّى الرَّوَاتِبَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [551] قَوْلُهُ (عن حجاج) هو بن أَرْطَاةَ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ (عن عطية) هو بن سَعْدِ بْنِ جُنَادَةَ الْكُوفِيُّ أَبُو الْحَسَنِ صَدُوقٌ يُخْطِئُ كَثِيرًا كَانَ شِيعِيًّا مُدَلِّسًا مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ الْكُوفِيُّ تَابِعِيٌّ شَهِيرٌ ضَعِيفٌ عن بن عباس وأبي سعيد وبن عُمَرَ وَعَنْهُ مِسْعَرٌ وَحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَطَائِفَةٌ قَوْلُهُ (الظُّهْرَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ فَرْضًا (وَبَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ (رَكْعَتَيْنِ) أَيْ سُنَّةَ الظُّهْرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) إِنَّمَا حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ أَنَّ فِي سَنَدِهِ حَجَّاجَ بْنَ أَرْطَاةَ وَعَطِيَّةَ وَكِلَاهُمَا مُدَلِّسٌ وروياه بالعنعنة فإنه قد تابع حجاجا بن أَبِي لَيْلَى فِي الطَّرِيقِ الْآتِيَةِ وَكَذَلِكَ تَابَعَ عَطِيَّةَ نَافِعٌ فِيهَا [552] قَوْلُهُ (وَالْمَغْرِبَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ سَوَاءً) حَالٌ أَيْ مُسْتَوِيًا عَدَدُهَا فِيهِمَا وَقَوْلُهُ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بَيَانٌ لَهَا (وَلَا يُنْقِصُ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ لَا يَنْقُصُ

باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين

رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب عَنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ وَلَا فِي السَّفَرِ لِأَنَّ الْقَصْرَ مُنْحَصِرٌ فِي الرُّبَاعِيَّةِ (وَهِيَ وِتْرُ النَّهَارِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ كَالتَّعْلِيلِ لِعَدَمِ جَوَازِ النقصان قاله الطيبي وحديث بن عُمَرَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِتْيَانِ بِالرَّوَاتِبِ فِي السَّفَرِ (بَاب مَا جَاءَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ) أي في السفر [553] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ) اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيُّ وَرُبَّمَا سُمِّيَ عمروا وُلِدَ عَامَ أُحُدٍ وَرَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَمَّنْ بَعْدَهُ وَعُمَرَ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ عَشْرٍ وَمِائَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ) غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الشَّامِ (قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ) أَيْ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنَّ زَيْغَ الشَّمْسِ هُوَ مَيْلُهَا عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ إِلَى جَانِبِ الْمَغْرِبِ (عَجَّلَ الْعَصْرَ إِلَى الظهر وصل الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ فِي السَّفَرِ وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِيهِ لَا يَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن علي وبن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَائِشَةَ وبن عباس

وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فأخرجه الدارقطني عن بن عُقْدَةَ بِسَنَدٍ لَهُ مِنْ حَدِيثِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ وَفِيهِ أَيْضًا الْمُنْذِرُ الْكَابُوسِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ وَأَمَّا حديث بن عمر فأخرجه الجماعة إلا بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَإِذَا زَاغَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ كَذَا فِيهِ الظُّهْرُ فَقَطْ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ عُقَيْلٍ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَجْمَعُ بَيْن الصَّلَاتَيْنِ إِلَّا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا وَبِهِ احْتَجَّ مَنْ أَبَى جمع التقديم لكن روى إسحاق بن رَاهَوَيْهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَبَابَةَ فَقَالَ كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَأُعِلَّ بِتَفَرُّدِ إِسْحَاقَ بِذَلِكَ عَنْ شَبَابَةَ ثُمَّ تَفَرَّدَ جَعْفَرٌ الْفِرْيَابِيُّ بِهِ عَنْ إِسْحَاقَ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِحٍ فَإِنَّهُمَا إِمَامَانِ حَافِظَانِ انْتَهَى وَقَالَ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ فِي الْأَرْبَعِينَ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي مُسْتَخْرَجِ مُسْلِمٍ كَانَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ إسحاق بن رَاهَوَيْهِ عَنْ شَبَابَةَ بْنِ سَوَّارٍ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ عُقَيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٌ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِي ذِهْنِي أَنَّ أَبَا دَاوُدَ أَنْكَرَهُ عَلَى إِسْحَاقَ وَلَكِنْ لَهُ مُتَابِعٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْأَرْبَعِينَ لَهُ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ الصغائي عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْمُفَضَّلِ بن فضالة عن عقيل عن بن شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ رَكِبَ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا السِّيَاقِ وَلَيْسَ فِيهِمَا وَالْعَصْرَ وَهِيَ زِيَادَةٌ غَرِيبَةٌ صَحِيحَةُ الْإِسْنَادِ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْمُنْذِرِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْعَلَائِيُّ وَتَعَجَّبَ مِنَ الْحَاكِمِ كَوْنَهُ لَمْ يُورِدْهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى رَوَاهَا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ ثُمَّ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ بِسَنَدِهَا وَمَتْنِهَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلْيُنْظَرْ مَنْ

أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ وَيُقَدِّمُ الْعَصْرَ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ وَيُقَدِّمُ الْعِشَاءَ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَآخَرُونَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي السَّفَرِ إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَرْكَبَ فَإِذَا لَمْ تَزِغْ فِي مَنْزِلِهِ سَارَ حَتَّى إِذَا حَانَتِ الْعَصْرُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِذَا حَانَتْ لَهُ الْمَغْرِبُ فِي مَنْزِلِهِ جَمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ وَإِذَا لَمْ تَحِنْ فِي مَنْزِلِهِ رَكِبَ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْعِشَاءُ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي إِسْنَادِهِ حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ أيوب عن أبي قلابة عن بن عَبَّاسٍ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا مَرْفُوعًا أَنَّهُ كَانَ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا فِي السَّفَرِ فَأَعْجَبَهُ أَقَامَ فِيهِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثُمَّ يَرْتَحِلُ فَإِذَا لَمْ يَتَهَيَّأْ لَهُ الْمَنْزِلُ مَدَّ فِي السَّيْرِ فَسَارَ حَتَّى يَنْزِلَ فَيَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي رَفْعِهِ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مَجْزُومًا بوقفه على بن عَبَّاسٍ وَلَفْظُهُ إِذَا كُنْتُمْ سَائِرِينَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِيهِ بَيَانُ الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ وَهُوَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِي حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ هَذَا الْحَدِيثُ) أَيْ حَدِيثُ مُعَاذٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ مُعَاذٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ قُتَيْبَةُ إلخ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَلَيْسَ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ حَدِيثٌ قَائِمٌ وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ لَمْ يُحَدِّثْ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا قُتَيْبَةُ وَيُقَالُ إِنَّهُ غلط فيه تغير بَعْضَ الْأَسْمَاءِ وَأَنَّ مَوْضِعَ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ أبو الزبير وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ لَا أعرفه

مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ دَخَلَ لَهُ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ وَأَطْنَبَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ فِي بَيَانِ عِلَّةِ هَذَا الْخَبَرِ فَيُرَاجَعُ مِنْهُ قَالَ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ وَهِشَامٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدْ خَالَفَهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي الزُّبَيْرِ كَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَقُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِي رِوَايَتِهِمْ جَمْعَ التَّقْدِيمِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ بِإِطْلَاقِ جَوَازِ الْجَمْعِ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَشْهَبُ انْتَهَى يَعْنِي قَالُوا بِجَوَازِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ سَائِرًا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ سَيْرًا مُجِدًّا أَمْ لَا قَالَ الْحَافِظُ وَقَالَ قَوْمٌ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ مُطْلَقًا إِلَّا بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ انْتَهَى وَقِيلَ يَخْتَصُّ الْجَمْعُ بِمَنْ يَجِدُّ فِي السَّيْرِ قَالَهُ اللَّيْثُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ وَقِيلَ يختص بالمسافر دون المنازل وهو قول بن حَبِيبٍ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِمَنْ لَهُ عُذْرٌ حُكِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَقِيلَ يَجُوزُ جَمْعُ التَّأْخِيرِ دُونَ التَّقْدِيمِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ بن حَزْمٍ انْتَهَى (يَقُولَانِ لَا بَأْسَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا) كَذَا فِي النُّسَخِ يَقُولَانِ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ يَقُولُونَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَالْمَعْنَى يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ بِجَمْعَيِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَهُوَ الْحَقُّ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ جَمْعِ التَّقْدِيمِ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ المذكور في الباب وبحديث أنس وبحديث بن عَبَّاسٍ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَلْفَاظَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى جَوَازِ جَمْعِ التَّأْخِيرِ بِحَدِيثِ بن عُمَرَ الْآتِي فِي هَذَا الْبَابِ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الْجَمْعِ الصُّورِيِّ وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْجَمْعِ بَعْضُهَا نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ فِي جَمْعِ التَّقْدِيمِ وَفِي جَمْعِ التَّأْخِيرِ لَا تَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ حَمَلَ أَصْحَابُنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْجَمْعِ عَلَى الْجَمْعِ الصُّورِيِّ وَقَدْ بَسَطَ الطَّحَاوِيُّ الْكَلَامَ فِيهِ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ لَكِنْ لَا أَدْرِي مَاذَا يَفْعَلُ بِالرِّوَايَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ صَرِيحَةً بِأَنَّ الْجَمْعَ كَانَ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهَا مِنَ

الكتب المعتمدة على ما لا يخفي مَنْ نَظَرَ فِيهَا فَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ الرُّوَاةَ لَمْ يَحْصُلِ التَّمَيُّزُ لَهُمْ فَظَنُّوا قُرْبَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَهَذَا أَمْرٌ بَعِيدٌ عَنِ الصَّحَابَةِ النَّاهِينَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنِ اخْتِيرَ تَرْكُ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ بِإِبْدَاءِ الْخَلَلِ فِي الْإِسْنَادِ فَهُوَ أَبْعَدُ وَأَبْعَدُ مَعَ إِخْرَاجِ الْأَئِمَّةِ لَهَا وَشَهَادَتِهِمْ بِتَصْحِيحِهَا وَإِنْ عُورِضَ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي صَرَّحَتْ بِأَنَّ الْجَمْعَ كَانَ بِالتَّأْخِيرِ إِلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَالتَّقْدِيمِ فِي أول الوقت فهو أعجب فإن الجمع بينهما يحملها عَلَى اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ مُمْكِنٌ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ ثَبَتَ فِي الْجَمْعِ أَحَادِيثُ نُصُوصٍ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا تَأْوِيلٌ وَدَلِيلُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى الِاسْتِنْبَاطُ مِنَ الْجَمْعِ بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ فَإِنَّ سَبَبَهُ احْتِيَاجُ الْحَاجِّ إِلَيْهِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمَنَاسِكِهِمْ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي كُلِّ الْأَسْفَارِ وَلَمْ تَتَقَيَّدِ الرُّخَصُ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ بِالنُّسُكِ إِلَى أَنْ قَالَ وَلَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ أَنَّ الْجَمْعَ أَرْفَقُ مِنَ الْقَصْرِ فَإِنَّ الْقَائِمَ إِلَى الصَّلَاةِ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ يَضُمُّهُمَا إِلَى رَكْعَتَيْهِ وَرِفْقُ الْجَمْعِ وَاضِحٌ لِمَشَقَّةِ النُّزُولِ عَلَى الْمُسَافِرِ انْتَهَى كَذَا نَقَلَ كَلَامَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وتعقب الخطابي وغيره على مِنْ حَمْلِ أَحَادِيثِ الْجَمْعِ عَلَى الْجَمْعِ الصُّورِيِّ بِأَنَّ الْجَمْعَ رُخْصَةٌ فَلَوْ كَانَ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ لَكَانَ أَعْظَمَ ضِيقًا مِنَ الْإِتْيَانِ بِكُلِّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا لِأَنَّ أَوَائِلَ الْأَوْقَاتِ وَأَوَاخِرَهَا مِمَّا لَا يُدْرِكُهُ أَكْثَرُ الْخَاصَّةِ فَضْلًا عَنِ الْعَامَّةِ وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ رُخْصَةٌ قول بن عباس أن لا يحرج أمته أخرج مُسْلِمٌ [555] قَوْلُهُ (أَنَّهُ اسْتُغِيثَ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ) أَيْ طُلِبَ مِنْهُ الْإِغَاثَةُ عَلَى بَعْضِ أَهْلِهِ وَذَلِكَ أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ زَوْجَةَ بن عُمَرَ كَانَتْ لَهَا حَالَةُ الِاحْتِضَارِ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ وَهُوَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ فَجَدَّ بِهِ السَّيْرُ وَعَجَّلَ فِي الْوُصُولِ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قُلْتُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثلاثا في السفر قال سالم وأخر بن عُمَرَ الْمَغْرِبَ وَكَانَ اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ إلخ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ اسْتُصْرِخَ بِالضَّمِّ أَيِ اسْتُغِيثَ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ وَهُوَ مِنَ الصُّرَاخِ وَالْمُصْرِخُ الْمُغِيثُ انْتَهَى (فَجَدَّ بِهِ السَّيْرُ) أَيِ اهْتَمَّ بِهِ وَأَسْرَعَ فِيهِ يُقَالُ جَدَّ يَجُدُّ وَيَجِدُّ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَجَدَّ بِهِ الْأَمْرُ وَأَجَدَّ وَجَدَّ فِيهِ وَأَجَدَّ إِذَا اجْتَهَدَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ السُّرْعَةِ فِي السَّيْرِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ طَرِيقِ أَسْلَمَ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةَ وَجَعٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى المغرب

باب ما جاء في صلاة الاستسقاء

وَالْعَتَمَةَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا (كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ) اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِاخْتِصَاصِ رُخْصَةِ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ بِمَنْ كَانَ سَائِرًا لَا نَازِلًا وَأُجِيبَ بِمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَ الصَّلَاةَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ خَرَجَ فَصَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَوْلُهُ دَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ لَا يَكُونُ إِلَّا وَهُوَ نَازِلٌ فَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يَجْمَعَ نازلا ومسافرا وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذَا أَوْضَحُ دَلِيلٍ عَلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ لَا يَجْمَعُ إِلَّا من جدبه السَّيْرُ وَهُوَ قَاطِعٌ لِلِالْتِبَاسِ انْتَهَى وَحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ بَعْضَهُمْ أَوَّلَ قَوْلَهُ ثُمَّ دَخَلَ أَيْ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ خَرَجَ عَنِ الطَّرِيقِ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اسْتَبْعَدَهُ وَلَا شَكَّ فِي بُعْدِهِ وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَكَانَ أَكْثَرُ عَادَتِهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ تَرْكُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَخْصِيصٌ لِأَحَادِيثِ الْأَوْقَاتِ الَّتِي بَيَّنَهَا جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِهَا الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَ الْمُسْنَدَ مِنْهُ مُسْلِمٌ (بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ) الِاسْتِسْقَاءُ لُغَةً طَلَبُ سَقْيِ الْمَاءِ مِنَ الْغَيْرِ لِلنَّفْسِ أَوْ لِلْغَيْرِ وَشَرْعًا طَلَبُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ حُصُولِ الْجَدْبِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْ طَلَبِ السُّقْيَا أَيْ إِنْزَالِ الْغَيْثِ عَلَى الْبِلَادِ وَالْعِبَادِ يُقَالُ سَقَى اللَّهُ عِبَادَهُ الْغَيْثَ وَأَسْقَاهُمْ وَالِاسْمُ السُّقْيَا بِالضَّمِّ وَاسْتَسْقَيْتُ فُلَانًا إِذَا طَلَبْتَ مِنْهُ أَنْ يَسْقِيَكَ انْتَهَى وَقَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ أَنْوَاعٌ أَدْنَاهَا الدُّعَاءُ الْمُجَرَّدُ وَأَوْسَطُهَا الدُّعَاءُ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ وَأَفْضَلُهَا الِاسْتِسْقَاءُ بِرَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ وَالْأَخْبَارُ وردت بجميع ذلك انتهى

[556] قَوْلُهُ (عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمِ) بْنِ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَدْ قيل أن له رواية (عَنْ عَمِّهِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ اسْمُ عَمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ وَهُوَ أَخُو أَبِيهِ لِأُمِّهِ انْتَهَى تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ عَمِّهِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ مَازِنٍ الْأَنْصَارِيُّ لَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ الَّذِي رَأَى الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ وَمَنْ ظَنَّهُمَا وَاحِدًا فَقَدْ غَلِطَ وَأَخْطَأَ قَوْلُهُ (خَرَجَ بِالنَّاسِ) أَيْ إِلَى الْمُصَلَّى كَمَا فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ (يَسْتَسْقِي) حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ (فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يوسف ومحمد قال محمد في موطأه أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَكَانَ لَا يَرَى فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةً وَأَمَّا فِي قَوْلِنَا فَإِنَّ الْإِمَامَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَدْعُو وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ هُوَ الصَّوَابُ وَالْحَقُّ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ أحمد وبن ماجه ومنها حديث بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ غَرِيبٌ وَإِسْنَادُهُ جيد ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ حُجَّةٌ بَيِّنَةٌ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَهِيَ حُجَّةٌ عَلَى الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا لَفْظُهُ وَبِهِ ظَهَرَ ضَعْفُ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فِي تَعْلِيلِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ انْتَهَى فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ بِالْكُلِّيَّةِ فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ تُكَذِّبُهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فَغَيْرُ قَادِحٍ انْتَهَى وَقَدْ رَدَّ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الْمَذْكُورِ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ حَيْثُ قَالَ أَمَّا اسْتِسْقَاؤُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَصَحِيحٌ ثَابِتٌ وَأَمَّا أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ الصَّلَاةُ فَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى فِيهِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ اسْتَسْقَى وَلَمْ يُصَلِّ بَلْ غَايَةُ مَا يُوجَدُ ذِكْرُ الِاسْتِسْقَاءِ دُونَ ذِكْرِ الصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ الشَّيْءِ عَدَمُ وُقُوعِهِ انْتَهَى قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي

جَمَاعَةٍ فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ إِنَّمَا الِاسْتِسْقَاءُ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ الِاسْتِسْقَاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ وَأُجِيبُ عَنِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الصَّلَاةُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا مَرَّةً وَتَرَكَهَا أخرى وهذا لَا يَدُلُّ عَلَى السُّنِّيَّةِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَرَدَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا مَا ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى فَلَمْ يَكُنْ سُنَّةً فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ لَا يُنْكَرُ ثُبُوتُ كِلَيْهِمَا مَرَّةٌ هَذَا وَمَرَّةٌ هَذَا لَكِنْ يُعْلَمُ مِنْ تَتَبُّعِ الطُّرُقِ أَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ بِالنَّاسِ إِلَى الصَّحْرَاءِ صَلَّى فَتَكُونُ الصَّلَاةُ مَسْنُونَةً في هذه الحالة بلا ريب ودعاءه الْمُجَرَّدُ كَانَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَالَ فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَلَعَلَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ لَمْ تَبْلُغِ الْإِمَامَ وَإِلَّا لَمْ يُنْكِرِ اسْتِنَانُ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا هُوَ الظَّنُّ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَإِنْ قُلْتَ اسْتَدَلَّ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مدرارا قَالَ عَلَّقَ نُزُولَ الْغَيْثِ بِالِاسْتِغْفَارِ لَا بِالصَّلَاةِ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهِ هُوَ الِاسْتِغْفَارُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى هَذَا يَدُلُّ عَلَى سُنِّيَّةِ الصَّلَاةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ قُلْتُ قَوْلُهُ تَعَالَى هَذَا لَا يُنَافِي سُنِّيَّةَ الصَّلَاةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُهَا وَقَدْ ثَبَتَ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى مَعَ النَّاسِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَاسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَلِذَلِكَ خَالَفَهُ أَصْحَابُهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُ (جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهِمَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَهْرِ بن بَطَّالٍ (وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ) كَيْفِيَّةُ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ أَنْ يَأْخُذَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ مِنْ جَانِبِ يَسَارِهِ وَبِيَدِهِ الْيُسْرَى الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ أَيْضًا مِنْ جَانِبِ يَمِينِهِ وَيُقَلِّبَ يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ بِحَيْثُ يَكُونُ الطَّرَفُ الْمَقْبُوضُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى كَتِفِهِ الْأَعْلَى مِنْ جَانِبِ الْيَمِينِ وَالطَّرَفُ الْمَقْبُوضُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى كَتِفِهِ الْأَعْلَى مِنْ جَانِبِ الْيَسَارِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدِ انْقَلَبَ الْيَمِينُ يَسَارًا وَالْيَسَارُ يَمِينًا وَالْأَعْلَى أَسْفَلَ وَبِالْعَكْسِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ وَقَعَ بَيَانُ الْمُرَادِ مِنْ ذَلِكَ فِي زِيَادَةِ سُفْيَانَ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَلَفْظُهُ قَلَبَ رِدَاءَهُ جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ وزاد فيه بن ماجه وبن خُزَيْمَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالشِّمَالَ عَلَى الْيَمِينِ وَلَهُ شَاهِدٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادٍ بِلَفْظِ فَجَعَلَ عِطَافَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَعِطَافَهُ الْأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيِّةَ عَنْ عَبَّادٍ اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ

بأسفلها فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليها قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ وَقَدِ اسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ فِعْلَ مَا هَمَّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَنْكِيسِ الرِّدَاءِ مَعَ التَّحْوِيلِ الْمَوْصُوفِ وَزَعَمَ الْقُرْطُبِيُّ كَغَيْرِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ اخْتَارَ في الجديد تنكيس الرداء لاتحويله وَاَلَّذِي فِي الْأُمِّ مَا ذَكَرْتُهُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّحْوِيلِ فَقَطْ وَلَا رَيْبَ أَنَّ الَّذِي اسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ أَحْوَطُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ لَا يُسْتَحَبُّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ فَائِدَةٌ فِي بَيَانِ مَحَلِّ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ فَاعْلَمْ أَنَّ مَحَلَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ حِينَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ لِلدُّعَاءِ فَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي وَأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَفِي أُخْرَى لَهُ فَجَعَلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللَّهَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ خَرَجَ بِالنَّاسِ يَسْتَسْقِي لَهُمْ فَقَامَ فَدَعَا اللَّهَ قَائِمًا ثُمَّ تَوَجَّهَ قِبَلَ الْقِبْلَةِ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّ التَّحْوِيلَ وَقَعَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ إِرَادَةِ الدُّعَاءِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَحَلُّ هَذَا التَّحْوِيلِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَوْعِظَةِ وَإِرَادَةِ الدُّعَاءِ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا يُحَوِّلُهُ فِي نَحْوِ ثُلُثِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَذَلِكَ حِينَ يَسْتَقْبِلُ القبلة انتهى فائدة أخرى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتَحَبَّ الْجُمْهُورُ أَنْ يُحَوِّلَ النَّاسُ بِتَحْوِيلِ الْإِمَامِ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبَّادٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ وَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَبُو يوسف يحول الامام وحده فاستثنى بن الْمَاجِشُونِ النِّسَاءَ فَقَالَ لَا يُسْتَحَبُّ فِي حَقِّهِنَّ انْتَهَى قُلْتُ فَالْقَوْلُ الظَّاهِرُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ فَائِدَةٌ أُخْرَى اخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ هَذَا التَّحْوِيلِ فَجَزَمَ الْمُهَلَّبُ بِأَنَّهُ لِلتَّفَاؤُلِ بِتَحْوِيلِ الْحَالِ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ وَتَعَقَّبَهُ بن الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْفَأْلِ أَنْ لَا يُقْصَدَ إِلَيْهِ قَالَ وَإِنَّمَا التَّحْوِيلُ أَمَارَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ قِيلَ لَهُ حَوِّلْ رِدَاءَكَ لِيَتَحَوَّلَ حَالُكَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي جَزَمَ بِهِ يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ وَاَلَّذِي رَدَّهُ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَهُ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْقَوْلِ بِالظَّنِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا حَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَكُونَ أَثْبَتَ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ فَلَا يَكُونُ سُنَّةً فِي كُلِّ حَالٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّحْوِيلَ مِنْ جِهَةٍ إِلَى جِهَةٍ لَا يَقْتَضِي الثبوت على العاتق فالجمل عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ أَوْلَى فَإِنَّ الِاتِّبَاعَ أَوْلَى من تركه

لِمُجَرَّدِ احْتِمَالِ الْخُصُوصِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَفِي الدراية وللحاكم من حديث جابر وتحول رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَقَلَبَ رِدَاءَهُ لِأَنْ يَنْقَلِبَ الْقَحْطُ إِلَى الْخِصْبِ انْتَهَى فَالْقَوْلُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي حِكْمَةِ التَّحْوِيلِ هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْمُهَلَّبُ قَوْلُهُ (فِي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُ حَدِيثِهِمَا (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ (وَآبِي اللَّحْمِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَهْرَ بِالْقِرَاءَةِ قَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ [557] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الهاد الليثي المدني وثقه بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ (مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ) الْغِفَارِيِّ صَحَابِيٌّ شَهِدَ خَيْبَرَ وَعَاشَ إِلَى نَحْوِ السَّبْعِينَ (عَنْ آبِي اللَّحْمِ) بِالْمَدِّ اسْمُ رَجُلٍ مِنْ قُدَمَاءِ الصَّحَابَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِامْتِنَاعِهِ مِنْ أَكْلِ اللحم أو لحم ماذبح عَلَى النُّصُبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ قَوْلُهُ (عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ) هُوَ مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْحَرَّةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِسَوَادِ أَحْجَارِهَا بِهَا كَأَنَّهَا طُلِيَتْ بِالزَّيْتِ (يَسْتَسْقِي) حَالٌ (وَهُوَ مُقْنِعٌ بِكَفَّيْهِ) أَيْ رَافِعٌ كَفَّيْهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَائِمًا يَدْعُو يَسْتَسْقِي رَافِعًا يَدَيْهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ وَالْحَدِيثُ اسْتُدِلَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى عَدَمِ اسْتِنَانِ الصَّلَاةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْهُ فَتَذَكَّرْ

قَوْلُهُ (كَذَا قَالَ قُتَيْبَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلخ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ [558] قَوْلُهُ (عَنْ هِشَامِ بْنِ إِسْحَاقَ) الْمَدَنِيِّ الْقُرَشِيِّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ قَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (خَرَجَ منبذة) أَيْ لَابِسًا ثِيَابَ الْبِذْلَةِ تَارِكًا ثِيَابَ الزِّينَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ التَّبَذُّلُ تَرْكُ التَّزَيُّنِ وَالتَّهَيُّؤِ بِالْهَيْئَةِ الْحَسَنَةِ الْجَمِيلَةِ عَلَى جِهَةِ التَّوَاضُعِ (مُتَوَاضِعًا) فِي الظَّاهِرِ (مُتَخَشِّعًا) فِي الْبَاطِنِ وَقَالَ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ مُتَخَشِّعًا أَيْ مُظْهِرًا لِلْخُشُوعِ لِيَكُونَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إِلَى نَيْلِ مَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ مُتَرَسِّلًا أَيْ غَيْرَ مُسْتَعْجِلٍ فِي مَشْيِهِ (مُتَضَرِّعًا) أَيْ مُظْهِرًا لِلضَّرَاعَةِ وَهِيَ التَّذَلُّلُ عِنْدَ طَلَبِ الْحَاجَةِ (فَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ) النَّفْيُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْقَيْدِ لَا إِلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِالْخُطْبَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ وَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ فَقَوْلُهُ فَرَقِيَ الْمِنْبَرَ أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّفْيَ مُتَوَجَّهٌ إِلَى الْقَيْدِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ أَحْمَدُ لَا تُسَنُّ الْخُطْبَةُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ فَلَمْ يَخْطُبْ وَلَكِنَّهُ خَطَبَ الْخُطْبَةَ وَاحِدَةً فَلِذَلِكَ نَفَى النَّوْعَ وَلَمْ وَلَمْ يَنْفِ الْجِنْسَ وَلَمْ يُرْوَ أَنَّهُ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ فَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَخْطُبُ خُطْبَةً وَاحِدَةً وَمُحَمَّدٌ يَقُولُ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَلَمْ أَجِدْ له شاهدا انتهى كلام الزيلعي (وصل رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ) اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ في

صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ كَتَكْبِيرِ الْعِيدِ وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَصَلَاةِ الْعِيدِ فِي الْعَدَدِ وَالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ وَكَوْنِهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ قَالَ أرسلني مروان إلى بن عَبَّاسٍ أَسْأَلُهُ عَنْ سُنَّةِ الِاسْتِسْقَاءِ فَقَالَ سُنَّةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةُ الصَّلَاةِ فِي الْعِيدَيْنِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَقَرَأَ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ وَقَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ وَكَبَّرَ فِيهَا خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ضَعْفُ الْحَدِيثِ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ لَيْسَ لَهُ حَدِيثٌ مُسْتَقِيمٌ الثَّانِي أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى فَخَطَبَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُكَبِّرْ فِيهِمَا إِلَّا تَكْبِيرَةً انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا وَلَا حُجَّةَ فِيهِ فَإِنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ اخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ فِي تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ أَوِ الْعَكْسِ فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ أَنَسٍ وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّهُ بَدَأَ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَكَذَا في حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ خَطَبَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ تَحْوِيلَ الظَّهْرِ إِلَى النَّاسِ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَالدُّعَاءَ وَتَحْوِيلَ الرِّدَاءِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَعْتَضِدُ الْقَوْلُ بِتَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ بِمُشَابَهَتِهَا لِلْعِيدِ وَكَذَا مَا تَقَرَّرَ مِنْ تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ أَمَامَ الْحَاجَةِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا اخْتَلَفَ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالدُّعَاءِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَطَبَ فَاقْتَصَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ عَلَى شَيْءٍ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ بِالدُّعَاءِ عَنِ الْخُطْبَةِ فَلِذَلِكَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ الشُّرُوعُ بِالصَّلَاةِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ كَذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَبِهِ قَالَ الْجَمَاهِيرُ وَقَالَ اللَّيْثُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَكَانَ مَالِكٌ يَقُولُ بِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ الْجَمَاهِيرِ قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَدَّمَ الْخُطْبَةَ عَلَى الصَّلَاةِ صَحَّتَا وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ وَخُطْبَتِهَا وَجَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ عَنِ الصَّحَابَةِ انْتَهَى

كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَالَ وَجَوَازُ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ بِلَا أَوْلَوِيَّةٍ هُوَ الْحَقُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو عَوَانَةَ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا أَبُو عوانة وبن حِبَّانَ قَوْلُهُ (وَزَادَ فِيهِ مُتَخَشِّعًا) أَيْ مُظْهِرًا لِلْخُشُوعِ لِيَكُونَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إِلَى نَيْلِ مَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ مُتَرَسِّلًا أَيْ غَيْرَ مُسْتَعْجِلٍ فِي مَشْيِهِ [559] قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ يُصَلِّي صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ نَحْوَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ يُكَبِّرُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سبعا وفي الثانية خمسا واحتج بحديث بن عَبَّاسٍ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فَتَذَكَّرْ (وَرُوِيَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ دَاوُدُ إِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَتَرْكِهِ قُلْتُ الرَّاجِحُ عِنْدِي قَوْلُ الْجُمْهُورِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا كَمَا يُكَبِّرُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ أَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في صلاة الكسوف

6 - (باب ما جاء فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمَشْهُورُ فِي اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْكُسُوفَ لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفَ لِلْقَمَرِ وَاخْتَارَهُ ثَعْلَبٌ وَذَكَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّهُ أَفْصَحُ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ وَحَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ عَكْسَهُ وَغَلَّطَهُ لِثُبُوتِهِ بِالْخَاءِ فِي الْقُرْآنِ وَقِيلَ يُقَالُ بِهِمَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَبِهِ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَدْلُولَ الْكُسُوفِ لُغَةً غَيْرُ مَدْلُولِ الْخُسُوفِ لِأَنَّ الْكُسُوفَ التَّغَيُّرُ إِلَى سَوَادٍ وَالْخُسُوفَ النُّقْصَانُ أَيِ الذُّلُّ فَإِذَا قِيلَ فِي الشَّمْسِ كَسَفَتْ أَوْ خَسَفَتْ لِأَنَّهَا تَتَغَيَّرُ وَلَحِقَهَا النَّقْصُ سَاغَ وَكَذَلِكَ الْقَمَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْكُسُوفَ وَالْخُسُوفَ مُتَرَادِفَانِ وَقِيلَ بِالْكَافِ فِي الِابْتِدَاءِ وَبِالْخَاءِ فِي الِانْتِهَاءِ وَقِيلَ بِالْكَافِ لِذَهَابِ جَمِيعِ الضَّوْءِ وَبِالْخَاءِ لِبَعْضِهِ وَقِيلَ بِالْخَاءِ لِذَهَابِ كُلِّ اللَّوْنِ وَبِالْكَافِ لِتَغَيُّرِهِ انْتَهَى [560] قَوْلُهُ (أَنَّهُ صَلَّى فِي كُسُوفٍ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ إلخ) أَيْ رَكَعَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَ رُكُوعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ قَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ وَفِي لَفْظٍ لَهُ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنِ بن عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ رُكُوعَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَلَفْظُهُمَا فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ انصرف وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَصَحُّ وَأَقْوَى وَأَمَّا حَدِيثُهُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَدِيثُهُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهُمَا مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بن أبي ثابت عن طاؤس عن بن عباس قال الحافظ في التلخيص قال بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ هَذَا

الْحَدِيثُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ حَبِيبِ بن أبي ثابت عن طاؤس ولم يسمعه حبيب من طاؤس وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ حَبِيبٌ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً فَإِنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ وَلَمْ يُبَيِّنْ سَمَاعَهُ فِيهِ مِنْ طاؤس وقَدْ خَالَفَهُ سُلَيْمَانُ الْأَحْوَلُ فَوَقَفَهُ انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكَعَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ رُكُوعَيْنِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ عِدَّةِ أَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاشْتَهَرَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ رُكُوعَيْنِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ كَذَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ عَنْ عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو بن العاص وبن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَأَبِي مَسْعُودٍ وَأَبِي بكرة وسمرة وبن مسعود وأسماء بنت أبي بكر وبن عُمَرَ وَقَبِيصَةَ الْهِلَالِيِّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وأبي موسى وعبد الرحم ن بْنِ سَمُرَةَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ قَالَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى عَلَى النَّاسِ فَقَرَأَ يس وَنَحْوَهَا ثُمَّ رَكَعَ نَحْوًا مِنْ قَدْرِ سُورَةِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ حَتَّى صَلَّى أَرْبَعَ رُكُوعَاتٍ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ فَفَعَلَ كَفِعْلِهِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ جَلَسَ يَدْعُو وَيُرَغِّبُ حَتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَلِكَ فَعَلَ انْتَهَى وَقَالَ مُسْلِمٌ في صحيحه بعد رواية حديث بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْلِمٌ لَفْظَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِي آخِرِهِ فَاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَلَفْظُهُ لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُودِيَ أَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةٌ فَرَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ ثُمَّ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي سَجْدَةٍ ثُمَّ جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ وَأَمَّا حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنَ الْمَكْتُوبَةِ رَكْعَتَيْنِ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ

وصححه بن عبد البر وأعله بن أَبِي حَاتِمٍ بِالِانْقِطَاعِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى وَصَلُّوا حَتَّى يَنْجَلِيَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوَا حَتَّى يَنْكَشِفَ ما بكم ورواه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَلَفْظُهُمَا فَإِذَا انْكَسَفَ أَحَدُهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَفِيهِ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاتِكُمْ وَلِلنَّسَائِيِّ مِثْلَ مَا تُصَلُّونَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْآتِي وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِيهِ حَبِيبُ بْنُ حَسَّانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَهُ بَلْ أَحَالَ عَلَى حَدِيثِ أَوَّلِ الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ فَصَلَّى بِالنَّاسِ تِلْكَ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَالَ ثُمَّ انْصَرَفَ عُثْمَانُ فَدَخَلَ دَارَهُ وَجَلَسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَجَلَسْنَا إِلَيْهِ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالصَّلَاةِ عِنْدَ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ قَدْ أَصَابَهُمَا فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْبَزَّارُ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ فَأَخْرَجَهُ الشيخان وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ قَبِيصَةَ الْهِلَالِيِّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوهَا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنَ الْمَكْتُوبَةِ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ كَذَا فِي النَّيْلِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ فَكَانَتْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حديث عبد الرحم ن بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَرْمِي بِأَسْهُمِي فِي حَيَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ فَنَبَذْتُهُنَّ وَقُلْتُ لَأَنْظُرَنَّ مَا يَحْدُثُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي انكساف الشمس اليوم فانتهيت إليه وهو يَدَيْهِ يَدْعُو وَيُكَبِّرُ وَيَحْمَدُ وَيُهَلِّلُ حَتَّى جُلِّيَ عَنِ الشَّمْسِ فَقَرَأَ سُورَتَيْنِ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وفيه فقرأ بسورة من الطول وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ الثانية فقرأ سورة من الطول وَرَكَعَ خَمْسَ رَكَعَاتٍ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو جَعْفَرٍ وَاسْمُهُ عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاهَانَ الرَّازِيُّ

وفيه مقال واختلف فيه قول بن معين وبن المديني انتهى قوله (حديث بن عباس حديث حسن صحيح) وقد ضعفه بن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُمَا (وَقَدْ رُوِيَ عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى فِي كُسُوفٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهَا فَالْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَرُكُوعَانِ وأما السجود فسجدتان كغيرهما قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهَذَا أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ وَبَاقِي الرِّوَايَاتِ الْمُخَالِفَةِ مُعَلَّلَةٌ ضَعِيفَةٌ وَحَمَلُوا حديث بن سَمُرَةَ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ به انتهى وقال الحافظ بن تَيْمِيَةَ فِي كِتَابِ التَّوَسُّلِ وَالْوَسِيلَةِ فِي بَيَانِ أَنَّ تَصْحِيحَ مُسْلِمٍ لَا يَبْلُغُ مَبْلَغَ تَصْحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا لَفْظُهُ كَمَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ الْكُسُوفِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِثَلَاثِ رُكُوعَاتٍ وَبِأَرْبَعِ رُكُوعَاتٍ كَمَا رَوِيَ أَنَّهُ صَلَّى بِرُكُوعَيْنِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ إِلَّا بِرُكُوعَيْنِ وَأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ الْكُسُوفَ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا الثَّلَاثُ وَالْأَرْبَعُ فِيهَا أَنَّهُ صَلَّاهَا يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ فِي يَوْمَيْ كُسُوفٍ وَلَا كَانَ إِبْرَاهِيمَانِ وَمَنْ نَقَلَ أَنَّهُ مَاتَ عَاشِرَ الشَّهْرِ فَقَدْ كَذَبَ انْتَهَى كَلَامُهُ قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يُسِرَّ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا بِالنَّهَارِ وَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا كَنَحْوِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ) وَيَجِيءُ دَلَائِلُ الْفَرِيقَيْنِ (وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَرَوْنَ

الْجَهْرَ فِيهَا) وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي (صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ إلخ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالرَّكَعَاتِ الرُّكُوعَاتُ (وَيَرَى أَصْحَابُنَا) أَيْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ (أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ فِي جَمَاعَةٍ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَيَؤُمَّ لَهُمْ بَعْضُهُمْ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَعَنِ الثَّوْرِيِّ إِنْ لَمْ يَحْضُرِ الْإِمَامُ صَلَّوْا فُرَادَى كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا بِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَحْضُرْ إِمَامُ الْجُمُعَةِ صَلَّوْا فُرَادَى وَقَالُوا لَا جَمَاعَةَ فِي صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ فَفِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ عِنْدَ الْكُسُوفِ يُصَلِّي إِمَامُ الْجُمُعَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ أَيْ إِمَامُ الْجُمُعَةِ صَلَّوْا فُرَادَى كَالْخُسُوفِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا وَفِي لَفْظٍ فَافْزَعُوا إِلَى الصَّلَاةِ وكذلك روياه من حديث بن عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ وَمَعْلُومٌ أَنَّ صَلَاتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ كَانَتْ بِالْجَمَاعَةِ فَالظَّاهِرُ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ أَيْضًا بِالْجَمَاعَةِ وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَحْضُرِ الْإِمَامُ الرَّاتِبُ فَيَؤُمَّ لَهُمْ بَعْضُهُمْ وَأَمَّا تَعْلِيلُهُمْ بِأَنَّ فِي الْجَمْعِ بِدُونِ حُضُورِ الْإِمَامِ الْمَأْذُونِ لَهُ احْتِمَالُ الْفِتْنَةِ فَفِيهِ أَنَّهُمْ إِذَا اتَّفَقُوا عَلَى أَحَدٍ يَؤُمُّهُمْ وَتَرَاضَوْا بِهِ لَا يَكُونُ احْتِمَالُ الْفِتْنَةِ

[561] قَوْلُهُ (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَسَجَدَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِلَفْظِ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ ثُمَّ سَجَدَ فَفِيهِ تَطْوِيلُ الرَّفْعِ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ السُّجُودُ وَلَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ هِيَ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ مُخَالِفَةٌ فَلَا يُعْمَلُ بِهَا أَوِ الْمُرَادُ زِيَادَةُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الِاعْتِدَالِ لَا إِطَالَتُهُ نَحْوَ الرُّكُوعِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَا لَفْظُهُ وتعقب بما رواه النسائي وبن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَيْضًا فَفِيهِ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ حَتَّى قِيلَ لَا يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ فَأَطَالَ حَتَّى قِيلَ لَا يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ حَتَّى قِيلَ لَا يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ فَجَلَسَ فَأَطَالَ الْجُلُوسَ حَتَّى قِيلَ لَا يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ لفظ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ وَالثَّوْرِيُّ سَمِعَ مِنْ عَطَاءٍ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَلَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ عَلَى تَطْوِيلِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ إِلَّا فِي هَذَا وَقَدْ نَقَلَ الْغَزَالِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى تَرْكِ إِطَالَتِهِ فَإِنْ أَرَادَ الِاتِّفَاقَ الْمَذْهَبِيَّ فَلَا كَلَامَ وَإِلَّا فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَرَوْنَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ) الْمُرَادُ بِالرَّكَعَاتِ الرُّكُوعَاتُ أَيْ يَرَوْنَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ وَسَجْدَتَيْنِ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعًا وَاحِدًا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ الثُّنَائِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ فَفِي

رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاتِكُمْ وللنسائي مثل ما تصلون وحمله بن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى كَمَا تُصَلُّونَ فِي الْكُسُوفِ لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ خَاطَبَ بِذَلِكَ أهل البصرة وقد كان بن عَبَّاسٍ عَلَّمَهُمْ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ركوعان كما روى ذلك الشافعي وبن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُمَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ أَبِي بَكْرَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ عَنْ يُونُسَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَاخِرِ الْكُسُوفِ أَنَّ ذلك وقع يوم مات إبراهيم بن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِثْلُهُ وَقَالَ فِيهِ إِنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَيْنِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اتِّحَادِ الْقِصَّةِ وَظَهَرَ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي بَكْرَةَ مُطْلَقَةٌ وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ زِيَادَةُ بَيَانٍ فِي صِفَةِ الرُّكُوعِ وَالْأَخْذُ بِهَا أَوْلَى وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ الطُّرُقِ وَعَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا أن في كل ركعة ركوعين وعند بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِهَا أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَفِيهِ فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ زِيَادَةُ بَيَانٍ فِي صِفَةِ الرُّكُوعِ فَالْأَخْذُ بِهَا هُوَ أَوْلَى كَمَا عَرَفْتَ

باب كيف القراءة في الكسوف

7 - (بَابُ كَيْفَ الْقِرَاءَةِ فِي الْكُسُوفِ) أَيْ بِالْجَهْرِ أَوْ بِالسِّرِّ [562] قَوْلُهُ (عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ) الْعَبْدِيِّ وَيُقَالُ الْعِجْلِيِّ الْكُوفِيِّ يُكْنَى أَبَا قَيْسٍ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عِبَادٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ الْعَبْدِيِّ الْبِصْرِيِّ مَقْبُولٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ تَابِعِيٌّ سَمِعَ سَمُرَةَ وَعَنْهُ الْأَسْوَدُ بْنُ قيس فقط بحديث الكسوف الطويل قال بن المديني الأسود يروي عن مجاهيل وقال بن حَزْمٍ ثَعْلَبَةُ مَجْهُولٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (لَا نَسْمَعُ له صوتا) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَتَبِعَهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ بن الهمام ويدل عليه أيضا حديث بن عباس روى أحمد وأبو يعلى في مسندهما عَنْهُ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ حَرْفًا مِنَ الْقِرَاءَةِ ورواه أبو نعيم في الحلية عن بن عَبَّاسٍ قَالَ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ فَلَمْ أَسْمَعْ لَهُ قِرَاءَةً قَالَ وَلَهُمَا رِوَايَةٌ عَنْ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَتْ جَهَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ جَهَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَصَحَّحَهُ وَلَفْظُهُ صَلَّى صَلَاةَ الْكُسُوفِ فَجَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا حَصَلَ التَّعَارُضُ وَجَبَ التَّرْجِيحُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ الْإِخْفَاءُ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ أَحَادِيثُ الْجَهْرِ نُصُوصٌ صَرِيحَةٌ فِي الْجَهْرِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ أَعْنِي حَدِيثَ سَمُرَةَ فَهُوَ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي السِّرِّ وَنَفْيِ الْجَهْرِ قَالَ الحافظ بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدِهِ لِأَنَّ فِي رِوَايَةٍ مَبْسُوطَةٍ لَهُ أَتَيْنَا وَالْمَسْجِدُ قَدِ امْتَلَأَ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ صَلَّيْتُ إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلخ فَهُوَ لَا يُوَازِي أَحَادِيثَ الْجَهْرِ فِي الصِّحَّةِ فَلَا شَكَّ في أن حديث الجهر مقدمة على حديث سمرة وحديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَحَزَرْتُ قِرَاءَتَهُ فَرَأَيْتُ أَنَّهُ قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ الْحَدِيثَ وَفِي سَنَدِهِ محمد بن إ سحاق وَقَدْ تَفَرَّدَ هُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ بَعْضُهُمْ مُطَوَّلًا وَبَعْضُهُمْ مُخْتَصَرًا وَقَدْ صَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وأعله بن حَزْمٍ بِجَهَالَةِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عِبَادٍ رَاوِيهِ عَنْ سمرة وقد قال بن المديني إنه مجهول وقد ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ مَعَ أَنَّهُ لَا رَاوِيَ لَهُ إِلَّا الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا) أَيْ إِلَى الْإِسْرَارِ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يُسِرُّ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَيَجْهَرُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ يَعْنِي مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَبَا حَنِيفَةَ يُسِرُّ فِي الشَّمْسِ وَيَجْهَرُ فِي الْقَمَرِ انْتَهَى وَقَدْ عَدَّ التِّرْمِذِيُّ مَالِكًا مِنَ الْقَائِلِينَ بِالْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَلَعَلَّ مِنَ الْإِمَامِ مَالِكٍ رِوَايَتَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بقول بن عَبَّاسٍ قَرَأَ نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى تَقْدِيرٍ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا مِنْهُ لَكِنْ ذَكَرَ الشافعي تعليقا عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى بِجَنْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكُسُوفِ فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ حَرْفًا وَوَصَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ أَسَانِيدُهَا داهية وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فَمُثْبِتُ الْجَهْرِ مَعَهُ قَدْرٌ زَائِدٌ فَالْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى وَإِنْ ثَبَتَ التَّعَدُّدُ فَيَكُونُ فَعَلَ ذَلِكَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَهَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ أَبِي خُزَيْمَةَ وَالتِّرْمِذِيِّ لَمْ يَسْمَعْ لَهُ صَوْتًا أَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْجَهْرِ [563] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ صَدَقَةَ) الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ

قَوْلُهُ (وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا) هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ وفي رواية بن حِبَّانَ كَسَفَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى بِهِمْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فِي رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ وَبِهَذِهِ الرِّوَايَةِ بَطَلَ مَا قَالَ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ رِوَايَةَ الْجَهْرِ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ وَرِوَايَةَ الْإِسْرَارِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ جَهَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ وَرَدَ الْجَهْرُ فِيهَا عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا وموقوفا أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ وَقَالَ بِهِ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وأحمد وإسحاق وبن خزيمة وبن المنذر وغيرهما من محدثي الشافعية وبن الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ انْتَهَى قَوْلُهُ هَذَا (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فَإِنْ قُلْتَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ فِي غَيْرِ الزُّهْرِيِّ فَكَيْفَ يَكُونُ حَدِيثُهُ هَذَا بِلَفْظِ وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا حَسَنًا صَحِيحًا قُلْتُ لَمْ يَتَفَرَّدْ هُوَ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بَلْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَقِيلٌ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذِهِ طُرُقٌ يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا يُفِيدُ مَجْمُوعُهَا الْجَزْمَ بِذَلِكَ فَلَا مَعْنَى لِتَعْلِيلِ مَنْ أَعَلَّهُ بِتَضْعِيفِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ وَغَيْرِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ

باب ما جاء في صلاة الخوف

8 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ) أَيْ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ عِنْدَ الْخَوْفِ مِنَ الْكُفَّارِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ ثَابِتَةُ الْحُكْمِ بَعْدَ مَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَيْدٌ وَاقِعِيٌّ نَحْوُ قَوْلِهِ (إِنْ خِفْتُمْ) فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الصِّفَاتِ الْمَرْوِيَّةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مُعْتَدٌّ بِهَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي التَّرْجِيحِ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ أَحْمَدَ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ صَلَّى بِوَاحِدَةٍ مِمَّا صَحَّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ بن تَيْمِيَةَ فِي مِنْهَاجِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الِاخْتِلَافَ الْوَارِدَ فِيهِ لَيْسَ اخْتِلَافَ تَضَادٍّ بَلِ اخْتِلَافَ وسعة وَتَخْيِيرٍ انْتَهَى [564] قَوْلُهُ (عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ (وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَقَامَتْ طَائِفَةٌ مَعَهُ وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْعَدُوِّ (ثُمَّ انْصَرَفُوا) أَيِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى الَّتِي صَلَّتْ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَامُوا فِي مَقَامِ أُولَئِكَ) أَيْ فِي مَقَامِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي لَمْ تُصَلِّ (ثُمَّ سَلَّمَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ (فَقَامَ هَؤُلَاءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ وَقَامَ هَؤُلَاءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي لَمْ تَخْتَلِفِ الطرق عن بن عُمَرَ فِي هَذَا وَظَاهِرٌ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَتَمُّوا عَلَى التعاقب وَهُوَ الرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِلَّا فَيَسْتَلْزِمُ تَضْيِيعَ الْحِرَاسَةِ الْمَطْلُوبَةِ وَإِفْرَادَ الْإِمَامِ وَحْدَهُ وَيُرَجِّحُهُ ما رواه أبو داود من حديث بن مَسْعُودٍ وَلَفْظُهُ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ هَؤُلَاءِ أَيِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَقَضَوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا ثم

ذَهَبُوا وَرَجَعَ أُولَئِكَ إِلَى مَقَامِهِمْ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمُوا انْتَهَى وَظَاهِرُهُ أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ وَالَتْ بَيْنَ رَكْعَتَيْهَا ثُمَّ أَتَمَّتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى بَعْدَهَا وَوَقَعَ فِي الرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ من كتب الفقه أن في حديث بن عُمَرَ هَذَا أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ تَأَخَّرَتْ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَأَتَمُّوا رَكْعَةً ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَعَادَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَأَتَمُّوا وَلَمْ نَقِفْ عَلَى ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الطُّرُقِ وَبِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ أَخَذَ الحنفية واختار في حديث بن مَسْعُودٍ أَشْهَبُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَهِيَ الْمُوَافِقَةُ لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ يحيى بن سعيد انتهى كلام الحافظ وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ تَفْصِيلُهُ أَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ ذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتِ الْأُولَى إِلَى مَكَانِهِمْ وَأَتَمُّوا صَلَاتَهُمْ مُنْفَرِدِينَ وَسَلَّمُوا وَذَهَبُوا إِلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ وَأَتَمُّوا مُنْفَرِدِينَ وَسَلَّمُوا كَمَا ذَكَرَهُ بعض الشراح من علمائنا قال بن الْمَلَكِ كَذَا قِيلَ وَبِهَذَا أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ لَكِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يُشْعِرْ بِذَلِكَ انْتَهَى وَهُوَ كذلك لكن قال بن الْهُمَامِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى بَعْضِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ مَشْيُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَإِتْمَامُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فِي مَكَانِهَا مِنْ خَلْفِ الْإِمَامِ وَهُوَ أَقَلُّ تَغْيِيرًا وَقَدْ دَلَّ عَلَى تَمَامِ مَا ذهب إليه ما هو موقوف على بن عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ وَسَاقَ إِسْنَادَ الْإِمَامِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ فَالْمَوْقُوفُ فِيهِ كَالْمَرْفُوعِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ إِذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِأَصْحَابِهِ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَ الْإِمَامِ وَطَائِفَةٌ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَيُصَلِّي الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ تَنْصَرِفُ الطَّائِفَةُ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا حَتَّى يَقُومُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُولَى حَتَّى يُصَلُّوا رَكْعَةً وُحْدَانًا ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ فَيَقُومُونَ مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى حَتَّى يَقْضُوا الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ وُحْدَانًا قَالَ مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عن بن عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهَذَا كُلُّهُ نَأْخُذُ انْتَهَى مَا فِي كِتَابِ الْآثَارِ قُلْتُ الْحَارِثُ هَذَا إِنْ كَانَ هُوَ الْأَعْوَرَ فَقَدْ كذبه الشعبي وبن الْمَدِينِيِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَحُذَيْفَةَ وزيد بن ثابت وبن عباس وأبي هريرة وبن

مَسْعُودٍ وَسَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَأَبِي عَيَّاشٍ الزرقي واسمه زيد بن ثابت وَأَبِي بَكْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود النسائي قُلْتُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَخَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو مَنْدَهْ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ وأما حديث أبي موسى فأخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إِلَى حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) الْآتِي وَفِي هَذَا الْبَابِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَحَدِيثُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ انْتَهَى وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ هُوَ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ وَرَدَ فِي كَيْفِيَّةِ صلاة الخوف صفات كثيرة ورجح بن عبد البر الكيفية الواردة في حديث بن عُمَرَ عَلَى غَيْرِهَا لِقُوَّةِ الْإِسْنَادِ وَلِمُوَافَقَةِ الْأُصُولِ فِي أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يُتِمُّ صَلَاتَهُ قَبْلَ سَلَامِ إِمَامِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ قَالَ ثَبَتَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ سِتَّةُ أَحَادِيثَ أَوْ سَبْعَةٌ أَيُّهَا فَعَلَ الْمَرْءُ جَازَ وَمَالَ إِلَى تَرْجِيحِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَكَذَا رَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَخْتَرْ إِسْحَاقُ شَيْئًا عَلَى شَيْءٍ وَبِهِ قال الطبري وغير واحد منهم بن المنذر وسرد ثمانية أوجه وكذا بن حبان في صحيحه وزاد تاسعا وقال بن حَزْمٍ صَحَّ فِيهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا وَبَيَّنَهَا في جزء مفرد وقال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْقَبَسِ جَاءَ فِيهَا رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ أصحها ستة عشر رِوَايَةً مُخْتَلِفَةً وَلَمْ يُبَيِّنْهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُبَيِّنْهَا أَيْضًا وَقَدْ بَيَّنَهَا شَيْخُنَا أَبُو الْفَضْلِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَزَادَ وَجْهًا آخَرَ فَصَارَتْ سَبْعَةَ عَشَرَ وَجْهًا لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ تَتَدَاخَلَ قَالَ صَاحِبُ الْهُدَى أُصُولُهَا سِتُّ صِفَاتٍ بَلَّغَهَا بَعْضُهُمْ أَكْثَرَ وَهَؤُلَاءِ

كُلَّمَا رَأَوُا اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِي قِصَّةٍ جَعَلُوا ذَلِكَ وَجْهًا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ اخْتِلَافِ الرُّوَاةِ انْتَهَى وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ شَيْخُنَا بِقَوْلِهِ يُمْكِنُ تَدَاخُلُهَا انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ (وَمَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا حَدِيثًا صحيحا) قال الحافظ في التلخيص ونقل بن الْجَوْزِيِّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ مَا أَعْلَمُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا إِلَّا صَحِيحًا قَوْلُهُ (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ [565] قَوْلُهُ (عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَبِالتَّاءِ الْفَوْقَانِيَّةِ أَنْصَارِيٌّ مَدَنِيٌّ تَابِعِيٌّ مَشْهُورٌ غَزِيرُ الْحَدِيثِ سَمِعَ أَبَاهُ وَسَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ (عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ) الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ الْمَدَنِيِّ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ وُلِدَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَهُ أَحَادِيثُ مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ (فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً وَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَيَسْجُدُونَ لِأَنْفُسِهِمْ سَجْدَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمْ ثُمَّ يَذْهَبُونَ فِي مَقَامِ أُولَئِكَ) وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَفِي الْمُوَطَّأِ فَيَرْكَعُ الْإِمَامُ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِاَلَّذِي مَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا ثَبَتَ وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمُ الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَيَنْصَرِفُونَ وَالْإِمَامُ

قَائِمٌ فَيَكُونُونَ وِجَاهَ الْعَدُوِّ (وَيَجِيءُ أُولَئِكَ فَيَرْكَعُ بِهِمْ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِهِمْ سَجْدَتَيْنِ) أَيْ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَحْدَهُ (فَهِيَ) أَيْ فَهَذِهِ الصَّلَاةُ (لَهُ) صلى الله عليه وسلم اثنتان أَيْ رَكْعَتَانِ (وَلَهُمْ) أَيْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ (وَاحِدَةٌ) أَيْ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ (ثُمَّ يَرْكَعُونَ رَكْعَةً وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ) أَيْ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ ثُمَّ يُقْبِلُ الْآخَرُونَ الَّذِينَ لَمْ يُصَلُّوا فَيُكَبِّرُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَيَرْكَعُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ بِهِمْ ثُمَّ يُسَلِّمُ فَيَقُومُونَ فَيَرْكَعُونَ لِأَنْفُسِهُمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ [566] قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ) أَيِ الْقَطَّانَ (عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ) أَيْ هَلْ بَلَغَكَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا أَمْ لَا (فَحَدَّثَنِي) أَيْ يَحْيَى الْقَطَّانُ (بِمِثْلِ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ) الْمَذْكُورِ الْمَوْقُوفِ (وَقَالَ لِي اكْتُبْهُ إِلَى جَنْبِهِ) هَذَا مَقُولُ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ أَيْ وَقَالَ لِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ اكْتُبِ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَيْتُهُ عَنْ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا إِلَى جَنْبِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْتُهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ مَوْقُوفًا وَلَسْتُ أَحْفَظُ الْحَدِيثَ أَيْ قَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ لَسْتُ أَحْفَظُ لَفْظَ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْتُهُ عَنْ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا (لَكِنَّهُ) أَيْ لَكِنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ (مِثْلُ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ) الْمَوْقُوفِ الْمَذْكُورِ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ قَدْ فَسَّرَ قَوْلَهُ وَقَالَ لِي اكْتُبْهُ إلخ هَكَذَا قَوْلُهُ وَقَالَ لي

باب ما جاء في سجود القرآن أي سجدة التلاوة

اكْتُبْهُ مَقُولَةُ يَحْيَى أَيْ قَالَ لِي شُعْبَةُ اكْتُبْ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَيْتُ لَكَ إِلَى جَنْبِ الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْتُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ انْتَهَى وَفِي هَذَا نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ فَتَأَمَّلْ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ الْمَوْقُوفُ الَّذِي رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا [567] قَوْلُهُ (وَبِهِ) أَيْ بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ (يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً رَكْعَةً إلخ أَخْرَجَ رِوَايَاتِ هَؤُلَاءِ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ قَالَ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً رَكْعَةً لِاخْتِلَافِ الْقِصَّتَيْنِ (بَاب مَا جَاءَ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ أَيْ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ) وَهِيَ أربع عشرة سجدات مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ عَدَّ مِنْهَا السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ سُورَةِ الْحَجِّ دُونَ سَجْدَةِ ص وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْعَكْسِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رَأَى بعض أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَسْجُدَ فِي ص وَهُوَ قول سفيان وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا يَكُونُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ كَذَا فِي الْمُحَلَّى شَرْحِ الْمُوَطَّأِ لِلشَّيْخِ سَلَامِ اللَّهِ

وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى إِثْبَاتِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَهُوَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاجِبٌ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَى اصْطِلَاحِهِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَالْفَرْضِ وهو سنة للقارىء وَالْمُسْتَمِعِ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِلسَّامِعِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ لَكِنْ لَا يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ تَأَكُّدَهُ فِي حَقِّ الْمُسْتَمِعِ الْمُصْغِي انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَقَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ هِيَ سَجْدَةٌ مُنْفَرِدَةٌ مَنْوِيَّةٌ مَحْفُوفَةٌ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ مَشْرُوطٌ فِيهَا مَا شُرِطَ لِلصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ يَدٍ وَقِيَامٍ وَتَشَهُّدٍ وَتَسْلِيمٍ وتجب على القارىء وَالسَّامِعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَمِعًا عِنْدَ أَبِي حنيفة وأصحابه انتهى كلام القارىء [568] قوله (عن عمر الدمشقي) هو بن حَيَّانَ الدِّمَشْقِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (سَجَدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً إلخ) هَذَا لَا يُنَافِي الزِّيَادَةَ غَايَتُهُ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ سَجَدَ مَعَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً وَلَمْ يَحْضُرْ فِي غَيْرِهَا قَالَهُ صَاحِبُ إنجاح الحاجة قلت ومع هذا فهو حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ عُمَرَ الدِّمَشْقِيَّ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا عَرَفْتَ وَفِي طَرِيقِهِ الثَّانِي الْآتِي قَالَ عُمَرُ الدِّمَشْقِيُّ سَمِعْتُ مُخْبِرًا يُخْبِرُنِي فَهَذَا الْمُخْبِرُ أَيْضًا مَجْهُولٌ وَقَدْ صَرَّحَ أَبُو دَاوُدَ بِتَضْعِيفِهِ حَيْثُ قَالَ فِي سُنَنِهِ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً وَإِسْنَادُهُ وَاهٍ انْتَهَى كَلَامُ أَبِي دَاوُدَ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَأَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَانِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حسنه المنذري والنووي وضعفه عبد الحق وبن الْقَطَّانِ وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنَيْنٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالرَّاوِي عَنْهُ الْحَارِثُ بْنُ سَعِيدٍ الْعُتَقِيُّ وهو لا يعرف أيضا وقال بن مَاكُولَا لَيْسَ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنَيْنٍ بِنُونٍ مُصَغَّرًا الْيَحْصُبِيُّ الْمِصْرِيُّ وَثَّقَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ الْحَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ الْعُتَقِيِّ أَنَّهُ مَقْبُولٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حَسَنٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَوَاضِعَ السُّجُودِ خَمْسَةَ عَشَرَ موضعا وإليه ذهب أحمد والليث وإسحاق وبن وَهْبٍ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي عِدَّةِ سَجَدَاتِ الْقُرْآنِ فَقَالَ أَحْمَدُ خَمْسَ عَشْرَةَ أَخْذًا بِظَاهِرِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَأَدْخَلَ سَجْدَةَ ص فِيهَا

وقال الشافعي أربع عشرة سجدة منها اثنتان فِي الْحَجِّ وَثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَلَيْسَتْ سَجْدَةُ ص مِنْهُنَّ بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَأَسْقَطَ الثَّانِيَةَ مِنَ الْحَجِّ وَأَثْبَتَ سَجْدَةَ ص وَقَالَ مَالِكٌ إِحْدَى عَشْرَةَ فَأَسْقَطَ سَجْدَةَ ص وَسَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ انْتَهَى كَلَامُ الطِّيبِيِّ قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا عَلَى مَا حَكَى التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ وَغَيْرِهِ كَمَا عَرَفْت فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّ أَوَّلَ مَوَاضِعِ السُّجُودِ خَاتِمَةُ الْأَعْرَافِ وَثَانِيَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الرَّعْدِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَثَالِثَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي النَّحْلِ وَيَفْعَلُون ما يؤمرون وَرَابِعَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا وَخَامِسَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي مَرْيَمَ خَرُّوا سجدا وبكيا وَسَادِسَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْحَجِّ إِنَّ اللَّهَ يفعل ما يشاء وَسَابِعَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْفُرْقَانِ وَزَادَهُمْ نُفُورًا وَثَامِنَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي النَّمْلِ رَبُّ الْعَرْشِ العظيم وَتَاسِعَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الم تَنْزِيلُ وَهُمْ لا يستكبرون وَعَاشِرَهَا عِنْدَ قَوْلِهِ فِي ص وَخَرَّ رَاكِعًا وأناب وَالْحَادِيَ عَشَرَ عِنْدَ قَوْلِهِ فِي حم السَّجْدَةِ إن كنتم إياه تعبدون وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ عِنْدَ قَوْلِهِ وهم لا يسأمون وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ سَجَدَاتُ الْمُفَصَّلِ وَالْخَامِسَ عَشَرَ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْحَجِّ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ علي وبن عباس وأبي هريرة وبن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ بِلَفْظِ عَزَائِمُ السُّجُودِ أربع ألم تنزيل للسجدة وَحم السَّجْدَةُ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَالنَّجْمُ كَذَا في شرح السراج وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بن العاص فأخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عُمَرَ الدِّمَشْقِيِّ) وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا عَرَفْتَ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَرْجَمَةِ

باب ما جاء في خروج النساء إلى المساجد

سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ صَدُوقٌ لَمْ أَرَ لِابْنِ حَزْمٍ فِي تَضْعِيفِهِ سَلَفًا إِلَّا أَنَّ السَّاجِيَ حَكَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ اخْتَلَطَ [569] قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ) أي حديث عبد الله بن عبد الرحم ن أَرْجَحُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعٍ وَضَعْفُهُ أَقَلُّ مِنْ ضَعْفِهِ فَإِنَّ سُفْيَانَ بْنَ وَكِيعٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ كَانَ صَدُوقًا إِلَّا أَنَّهُ ابْتُلِيَ بِوَرَّاقِهِ فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ فَنُصِحَ فَلَمْ يَقْبَلْ فَسَقَطَ حَدِيثُهُ انْتَهَى وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ) [570] (قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ) بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَخُو إِسْرَائِيلَ كُوفِيٌّ نَزَلَ الشَّامَ مِنْ إِبْطَا ثِقَةٌ مَأْمُونٌ قَوْلُهُ (ايْذَنُوا بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ الْإِذْنِ) وَكَأَنَّ أَصْلَهُ إءذنوا فَأُبْدِلَتِ الْهَمْزَةُ الثَّانِيَةُ بِالْيَاءِ (بِاللَّيْلِ) خَصَّ اللَّيْلَ بِالذِّكْرِ لِمَا فِيهِ مِنَ السَّتْرِ بِالظُّلْمَةِ (فَقَالَ ابْنُهُ) أَيْ بِلَالٌ أَوْ وَاقِدٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وبن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ هَذَا هُوَ بِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ جَاءَ مُبَيَّنًا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ هُوَ ابْنُهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ أَيْضًا وَقَدْ حَقَّقَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ صَاحِبَ الْقِصَّةِ بِلَالٌ (وَاللَّهِ لَا نَأْذَنُ لَهُنَّ) أَيْ لِلْخُرُوجِ إِلَى الْمَسَاجِدِ (يَتَّخِذْنَهُ دَغَلًا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ المعجمة وأصله الشجن الْمُلْتَفُّ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْمُخَادَعَةِ لِكَوْنِ الْمُخَادِعِ

يَلُفُّ فِي ضَمِيرِهِ أَمْرًا وَيُظْهِرُ غَيْرَهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا رَأَى مِنْ فَسَادِ بَعْضِ النِّسَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَحَمَلَتْهُ عَلَى ذَلِكَ الغيرة فقال أي بن عُمَرَ (فَعَلَ اللَّهُ بِكَ وَفَعَلَ) وَفِي رِوَايَةِ بِلَالٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ فَسَبَّهُ سَبًّا سَيِّئًا مَا سَمِعْتُهُ يَسُبُّهُ مِثْلَهُ قَطُّ وَفَسَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هُبَيْرَةَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ السَّبَّ الْمَذْكُورَ بِاللَّعْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي رِوَايَةِ زَائِدَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَانْتَهَرَهُ وَقَالَ أف لك وإنما أنكر عليه بن عُمَرَ بِمُخَالَفَةِ الْحَدِيثِ وَأُخِذَ مِنْهُ تَأْدِيبُ الْمُعْتَرِضِ عَلَى السُّنَنِ بِرَأْيِهِ وَعَلَى الْعَالِمِ بِهَوَاهُ وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا إِذَا تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي لَهُ وَجَوَازُ التَّأْدِيبِ بِالْهِجْرَانِ فقد وقع في رواية بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَمَا كَلَّمَهُ عَبْدُ اللَّهِ حَتَّى مَاتَ وَهَذَا إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَاتَ عَقِبَ هَذِهِ الْقِصَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبَى هُرَيْرَةَ وَزَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مساجد الله وليخرجن تفلات وأخرجه أيضا بن خُزَيْمَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْنَبَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا وأما حديث زيد بن خالد فأخرجه بن حِبَّانَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُسْلِمٌ مُطَوَّلًا فَائِدَةٌ اعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَ هَذَا لَوِ اسْتَأْذَنَتْ لِلصَّلَاةِ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا تُمْنَعُ بَلْ تُؤْذَنُ لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ بِشُرُوطٍ قَدْ وَرَدَتْ فِي الْأَحَادِيثِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ هَذَا وَشَبَهُهُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا لَا تُمْنَعُ الْمَسْجِدَ لَكِنْ بِشُرُوطٍ ذَكَرَهَا الْعُلَمَاءُ مَأْخُوذَةٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَهِيَ أَنْ لَا تَكُونَ مُطَيَّبَةً وَلَا مُتَزَيِّنَةً وَلَا ذَاتَ خَلَاخِلَ يُسْمَعُ صَوْتُهَا وَلَا ثِيَابٍ فَاخِرَةٍ وَلَا مُخْتَلِطَةً بِالرِّجَالِ وَلَا شَابَّةً وَنَحْوَهَا مِمَّنْ يُفْتَتَنُ بِهَا وَأَنْ لَا يَكُونَ فِي الطَّرِيقِ مَا يُخَافُ بِهِ مَفْسَدَةٌ وَنَحْوُهَا وَهَذَا النَّهْيُ عَنْ مَنْعِهِنَّ مِنَ الْخُرُوجِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ وَوُجِدَتِ الشُّرُوطُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ حَرُمَ الْمَنْعُ إِذَا وُجِدَتِ الشُّرُوطُ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ

باب ما جاء في كراهية البزاق في المسجد

وقال الحافظ في الفتح قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ هَذَا الْحَدِيثُ عَامٌّ فِي النِّسَاءِ إِلَّا أَنَّ الْفُقَهَاءَ خَصُّوهُ بِشُرُوطٍ مِنْهَا أَنْ لَا تَطَّيَّبَ وَهُوَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ أَيْ غَيْرَ مُتَطَيِّبَاتٍ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ زينب امرأة بن مَسْعُودٍ إِذَا شَهِدَتْ إِحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا قَالَ وَيَلْحَقُ بِالطِّيبِ مَا فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ مِنْهُ مَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيكِ دَاعِيَةِ الشَّهْوَةِ كَحُسْنِ الْمَلْبَسِ وَالْحُلِيِّ الَّذِي يَظْهَرُ وَالزِّينَةِ الْفَاخِرَةِ وَكَذَا الِاخْتِلَاطُ بِالرِّجَالِ وَفَرَّقَ كَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ إِلَّا إِنْ أُخِذَ الْخَوْفُ عَلَيْهَا مِنْ جِهَتِهَا لِأَنَّهَا إِذَا عَرِيَتْ مِمَّا ذُكِرَ وَكَانَتْ مُسْتَتِرَةً حَصَلَ الْأَمْنُ عَلَيْهَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي الْمَسْجِدِ فَعِنْدَ أَبِي داود عن بن عُمَرَ لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمُ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لهن وصححه بن خُزَيْمَةَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ عَنْ أُمِّ حُمَيْدٍ السَّاعِدِيَّةِ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ الصَّلَاةَ مَعَك قَالَ قَدْ عَلِمْتُ وَصَلَاتُكِ فِي بَيْتِكِ خَيْرٌ لَكِ مِنْ صَلَاتِكِ فِي حُجْرَتِكِ وَصَلَاتُكِ فِي حُجْرَتِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي دَارِكِ وَصَلَاتُكِ فِي دَارِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ وَصَلَاتُكِ فِي مَسْجِدِ قَوْمِكِ خَيْرٌ مِنْ صَلَاتِكِ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَإِسْنَادُ أَحْمَدَ حَسَنٌ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ مُخْتَصَرًا 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ) [571] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ مَنْصُورٍ) هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (عَنْ رِبْعِيِّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ (بْنِ حِرَاشٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مُخَضْرَمٌ قَوْلُهُ (إِذَا كُنْتَ فِي الصَّلَاةِ فَلَا تَبْزُقْ عَنْ يَمِينِكَ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا (وَلَكِنْ خَلْفَكَ) أَيِ إِذَا لَمْ يَكُنْ خَلْفَكَ أَحَدٌ يُصَلِّي (أَوْ تِلْقَاءَ شِمَالِكَ) أي

جَانِبَ شِمَالِكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ فَلَا يَبْزُقْ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْجِهَتَيْنِ لَكِنْ تَحْتَ قَدَمِهِ أَوْ ثَوْبِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي حَدِيثِ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مَا يُرْشِدُ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ أَوْ تِلْقَاءَ شِمَالِكَ إِنْ كَانَ فَارِغًا وَإِلَّا فَهَكَذَا وَبَزَقَ تَحْتَ رِجْلِهِ وَدَلَكَ وَلِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ وَلَوْ كَانَ تَحْتَ رِجْلِهِ مَثَلًا شَيْءٌ مَبْسُوطٌ أَوْ نَحْوُهُ تَعَيَّنَ الثَّوْبُ انْتَهَى (أَوْ تَحْتَ قَدَمِكَ الْيُسْرَى) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هريرة عند الْبُخَارِيِّ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الرِّيَاضِ الْمُرَادُ بِدَفْنِهَا مَا إِذَا كَانَ الْمَسْجِدُ تُرَابِيًّا أَوْ رَمْلِيًّا وَأَمَّا إِذَا كَانَ مُبَلَّطًا مَثَلًا فَدَلَكَهَا عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مَثَلًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَفْنٍ بَلْ زِيَادَةٌ فِي التَّقْذِيرِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ ألْبَتَّةَ فَلَا مَانِعَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ثُمَّ دَلَكَهُ بِنَعْلِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وبن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي جِدَارِ الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَتَّهَا وَقَالَ إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قدمه اليسرى وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مَرْفُوعًا الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ مَرْفُوعًا إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْصُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ طَارِقٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ وبن ماجه

قَوْلُهُ (الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْبُزَاقَ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ احْتَاجَ إِلَى الْبُزَاقِ أَوْ لَمْ يَحْتَجْ بَلْ يَبْزُقُ فِي ثَوْبِهِ فَإِنْ بَزَقَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدِ ارْتَكَبَ الْخَطِيئَةَ وَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ هَذِهِ الْخَطِيئَةَ بِدَفْنِ الْبُزَاقِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ أَنَّ الْبُزَاقَ خَطِيئَةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَلِلْقَاضِي عِيَاضٍ فِيهِ كَلَامٌ بَاطِلٌ حَاصِلُهُ أَنَّ الْبُزَاقَ لَيْسَ بِخَطِيئَةٍ إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَدْفِنْهُ وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ دَفْنَهُ فَلَيْسَ بِخَطِيئَةٍ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَشْيَاءَ بَاطِلَةٍ فَقَوْلُهُ هَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ مُخَالِفٌ لِنَفْسِ الْحَدِيثِ انْتَهَى قَالَ الحافظ في الفتح حاصل النزاع أن ها هنا عُمُومَيْنِ تَعَارَضَا وَهُمَا قَوْلُهُ الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَقَوْلُهُ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَالنَّوَوِيُّ يَجْعَلُ الْأَوَّلَ عَامًّا وَيَخُصُّ الثَّانِيَ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْجِدِ وَالْقَاضِي بِخِلَافِهِ يَجْعَلُ الثَّانِيَ عَامًّا وَيَخُصُّ الْأَوَّلَ بِمَنْ لَمْ يُرِدْ دَفْنَهَا وَقَدْ وَافَقَ الْقَاضِيَ جَمَاعَةٌ منهم بن مَكِّيٍّ فِي التَّنْقِيبِ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ وَغَيْرُهُمَا وَيَشْهَدُ لَهُمْ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا قَالَ مَنْ تَنَخَّمَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَدْفِنْهُ فَسَيِّئَةٌ وَإِنْ دَفَنَهُ فَحَسَنَةٌ فَلَمْ يَجْعَلْهُ سَيِّئَةً إِلَّا بِقَيْدِ عَدَمِ الدَّفْنِ وَنَحْوُهُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ عند مسلم مرفوعا قال وجدت في مساوىء أَعْمَالِ أُمَّتِي النُّخَامَةَ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فَلَمْ يُثْبِتْ لَهَا حُكْمَ السَّيِّئَةِ بمجرد إيقاعها في المسجد بل به ويتركها غَيْرَ مَدْفُونَةٍ انْتَهَى قَالَ وَتَوَسَّطَ بَعْضُهُمْ فَحَمَلَ الْجَوَازَ عَلَى مَا إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ كَأَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْعَ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ انْتَهَى [572] قَوْلُهُ (وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ إِنِ ارْتَكَبَ هَذِهِ الخطيئة فعليه تكفيرها كما أن الزنى وَالْخَمْرَ وَقَتْلَ الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ مُحَرَّمَاتٌ وَخَطَايَا وَإِذَا ارْتَكَبَهَا فَعَلَيْهِ عُقُوبَتُهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِدَفْنِهَا فَالْجُمْهُورُ قَالُوا الْمُرَادُ دَفْنُهَا فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ وَرَمْلِهِ وَحَصَاتِهِ إِنْ كَانَ فِيهِ تُرَابٌ أَوْ رَمْلٌ أَوْ حَصَاةٌ وَنَحْوُهَا وَإِلَّا فَيُخْرِجُهَا انْتَهَى تَنْبِيهٌ كَانَ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنْ يُورِدَ بَابَ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَبَابَ كَرَاهِيَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ أَبْوَابِ سُجُودِ الْقُرْآنِ أَوْ بَعْدَهَا وَأَمَّا إِيرَادُهُمَا فِي أَثْنَائِهَا فَلَيْسَ مما ينبغي

باب ما جاء في السجدة في إذا السماء انشقت

12 - (باب ما جاء في السجدة في إذا السماء انشقت) الخ [573] قَوْلُهُ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ مِينَاءَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِنُونٍ وَبِمَدٍّ وَيُقْصَرُ كَذَا فِي الْمُغْنِي قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (سَجَدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) هُمَا مِنَ الْمُفَصَّلِ فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ [574] قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ) أَيْ فِي إِسْنَادِهِ (أَرْبَعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ) مِنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ السُّجُودَ فِي إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمُتَقَدِّمُ

باب ما جاء في السجدة في النجم

13 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السَّجْدَةِ فِي النَّجْمِ) [575] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّازُ) بالموحدة والزايين المنقوطتين الحال أَبُو مُوسَى ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا أَبِي) أَيْ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ذَكْوَانَ الْعَنْبَرِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ التَّنُّورِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَالَ الذَّهَبِيُّ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ (عَنْ أَيُّوبَ) هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ قَوْلُهُ (سَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا يَعْنِي النَّجْمَ وَالْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْجِنُّ وَالْإِنْسُ) هَذِهِ اللَّامَّاتُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لِلْعَهْدِ أَيِ الَّذِينَ كَانُوا عِنْدَهُ وَهَذَا كَانَ بِمَكَّةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ نَقْلًا عَنْ ميركَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَانَ سَبَبُ سُجُودِهِمْ فِيمَا قَالَ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا أَوَّلُ سَجْدَةٍ نَزَلَتْ قَالَ الْقَاضِي وَأَمَّا مَا يَرْوِيهِ الْإِخْبَارِيُّونَ وَالْمُفَسِّرُونَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ مَا جَرَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ فَبَاطِلٌ لَا يَصِحُّ فِيهِ شَيْءٌ لَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ لِأَنَّ مَدْحَ إِلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كُفْرٌ وَلَا يَصِحُّ نِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَنْ يَقُولَهُ الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ وَلَا يَصِحُّ تَسْلِيطُ الشَّيْطَانِ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الْكِرْمَانِيُّ سَجَدَ الْمُشْرِكُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهَا أَوَّلُ سَجْدَةٍ نَزَلَتْ فَأَرَادُوا مُعَارَضَةَ الْمُسْلِمِينَ بِالسُّجُودِ لِمَعْبُودِهِمْ أَوْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِلَا قَصْدٍ أَوْ خَافُوا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ مِنْ مُخَالَفَتِهِمُ انْتَهَى كَلَامُ الْكِرْمَانِيِّ قَالَ الْحَافِظُ وَالِاحْتِمَالَاتُ الثَّلَاثَةُ فِيهَا نَظَرٌ وَالْأَوَّلُ مِنْهَا لِعِيَاضٍ والثاني يخالفه سياق بن مَسْعُودٍ حَيْثُ زَادَ فِيهِ إِنَّ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مِنْهُمْ أَخَذَ كَفًّا مِنْ حَصًى فَوَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي الْقَصْدِ وَالثَّالِثُ أَبْعَدُ إِذِ الْمُسْلِمُونَ حِينَئِذٍ هُمُ الَّذِينَ كَانُوا خَائِفِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَا الْعَكْسُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ إِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا صِحَّةَ لَهُ عَقْلًا وَلَا نَقْلًا انْتَهَى كَلَامُ الْكِرْمَانِيِّ قَالَ الْحَافِظُ وَمَنْ تَأَمَّلَ مَا أَوْرَدْتُهُ مِنْ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَجِّ عَرَفَ وَجْهَ الصَّوَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَمْدِ اللَّهِ تعالى انتهى

قُلْتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَجِّ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بعيد قال الامام البخاري في صحيحه قال بن عَبَّاسٍ فِي أُمْنِيَّتِهِ إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ فَيُبْطِلُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ويحكم آياته ويقال أمنيته قراءته الأماني يقرأون وَلَا يَكْتُبُونَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَعَلَى تأويل بن عَبَّاسٍ هَذَا يُحْمَلُ مَا جَاءَ عَنْ سَعِيدِ بن جبير وقد أخرجه بن أبي حاتم والطبري وبن الْمُنْذِرِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْهُ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَالنَّجْمِ فَلَمَّا بَلَغَ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ مَا ذَكَرَ آلِهَتَنَا بِخَيْرٍ قَبْلَ الْيَوْمِ فَسَجَدَ وَسَجَدُوا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ طُرُقًا عَدِيدَةً لِهَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ وَكُلُّهَا سِوَى طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إِمَّا ضَعِيفٌ وَإِمَّا مُنْقَطِعٌ لَكِنَّ كَثْرَةَ الطُّرُقِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْقِصَّةِ أَصْلًا مَعَ أَنَّ لَهَا طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ مُرْسَلَيْنِ رِجَالُهُمَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ بن شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَالثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سليمان وحماد بن سلمة فرقهما عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ ثُمَّ رَدَّ الْحَافِظُ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ لَا أَصْلَ لَهَا وَإنَّ كُلَّ مَا رُوِيَ فِيهَا فَهُوَ بَاطِلٌ ثُمَّ قَالَ إِنَّ الطُّرُقَ إِذَا كَثُرَتْ وَتَبَايَنَتْ مَخَارِجُهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا قَالَ وَقَدْ ذَكَرْتُ أَنَّ ثَلَاثَةَ أَسَانِيدَ مِنْهَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ وَهِيَ مَرَاسِيلُ يَحْتَجُّ بِمِثْلِهَا مَنْ يَحْتَجُّ بِالْمُرْسَلِ وَكَذَا مَنْ لَا يَحْتَجُّ بِهِ لِاعْتِضَادِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ قَالَ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ تَأْوِيلُ مَا وَقَعَ فِيهَا مِمَّا يُسْتَنْكَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَلْقَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِهِ تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى وَإِنَّ شَفَاعَتَهُنَّ لَتُرْتَجَى فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَزِيدَ فِي الْقُرْآنِ عَمْدًا مَا لَيْسَ مِنْهُ وَكَذَا سَهْوًا إِذَا كَانَ مُغَايِرًا لِمَا جَاءَ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ لِمَكَانِ عِصْمَتِهِ

ثُمَّ ذَكَرَ تَأْوِيلَاتٍ لِلْعُلَمَاءِ وَرَدَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا إِلَّا تَأْوِيلًا وَاحِدًا فَأَقَرَّهُ وَجَعَلَهُ أَحْسَنَ الْوُجُوهِ فَقَالَ وَقَدْ سَلَكَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مَسَالِكَ فَقِيلَ جَرَى ذَلِكَ عَلَى لِسَانِهِ حِينَ أَصَابَتْهُ سِنَةٌ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ فَلَمَّا عَلِمَ ذَلِكَ أَحْكَمَ اللَّهُ آيَاتِهِ قَالَ وَرَدَّهُ عِيَاضٌ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِكَوْنِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَلَا وِلَايَةَ لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ فِي النَّوْمِ وَقِيلَ إِنَّ الشَّيْطَانَ أَلْجَأَهُ إِلَى أَنْ قَالَ ذَلِكَ بغير اختياره ورده بن الْعَرَبِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الشَّيْطَانِ (وَمَا كان لي عليكم من سلطان) الْآيَةَ قَالَ فَلَوْ كَانَ لِلشَّيْطَانِ قُوَّةٌ عَلَى ذَلِكَ لَمَا بَقِيَ لِأَحَدٍ قُوَّةٌ فِي طَاعَةٍ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْحَافِظُ تَأْوِيلَاتٍ أُخَرَ وَرَدَّ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَتِّلُ الْقُرْآنَ فَارْتَصَدَهُ الشَّيْطَانُ فِي سَكْتَةٍ مِنَ السَّكَتَاتِ وَنَطَقَ بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ مُحَاكِيًا نَغْمَتَهُ بِحَيْثُ سَمِعَهُ مَنْ دَنَا إِلَيْهِ فَظَنَّهَا مِنْ قَوْلِهِ وَأَشَاعَهَا قَالَ وَهَذَا أَحْسَنُ الْوُجُوهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُلَخَّصًا قُلْتُ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ أَيْضًا كَلَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الطُّرُقَ إِذَا كَثُرَتْ وَتَبَايَنَتْ مَخَارِجُهَا دَلَّ ذَلِكَ أَنَّ لَهَا أَصْلًا فَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ قَانُونًا كُلِّيًّا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ كَثُرَتْ رُوَاتُهُ وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَحَدِيثِ الطَّيْرِ وَحَدِيثِ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ وَحَدِيثِ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ بَلْ قَدْ لَا يَزِيدُ الْحَدِيثَ كَثْرَةُ الطُّرُقِ إِلَّا ضَعْفًا انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ فَتَأَمَّلْ وَتَفَكَّرْ تَنْبِيهٌ الْغَرَانِيقُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ طُيُورُ الْمَاءِ شُبِّهَتِ الْأَصْنَامُ الْمُعْتَقِدُونَ فِيهَا أَنَّهَا تَشْفَعُ لَهُمْ بِالطُّيُورِ تَعْلُو فِي السَّمَاءِ وَتَرْتَفِعُ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ فَسَّرَ الْكَلْبِيُّ فِي رِوَايَتِهِ الْغَرَانِيقَ الْعُلَى بِالْمَلَائِكَةِ لَا بِآلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا يَقُولُونَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللَّهِ وَكَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وَرَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى فَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّهُ كَانَ قُرْآنًا ثُمَّ نُسِخَ لِتَوَهُّمِ الْمُشْرِكِينَ بِذَلِكَ مَدْحَ آلِهَتِهِمُ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ قَوْلُهُ فَعَلَى هَذَا فَلَعَلَّهُ كَانَ قُرْآنًا ثُمَّ نُسِخَ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَرْوِيَّةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَلْقَاهَا الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشيطان في أمنيته نزل في هذه القصة قوله تَعَالَى هَذَا أَيْضًا صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُلْقِيَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الشَّيْطَانُ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فَأَخْبَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ سُنَّتَهُ فِي رُسُلِهِ إِذَا قَالُوا قَوْلًا زَادَ الشَّيْطَانُ فِيهِ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الشَّيْطَانَ زَادَهُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَنَّ

باب ما جاء من لم يسجد فيه

النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَعْنِي تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى إلخ كَانَتْ قُرْآنًا ثُمَّ نُسِخَتْ فَتَأَمَّلْ تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ التَّحْقِيقُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ يَعْنِي تِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْعُلَى إلخ بِطَوْعِهِ وَأَنَّهُ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ نُسِخَ تِلَاوَتُهَا قَالَ وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ بِتِلْكَ الْغَرَانِيقُ الْمَلَائِكَةُ قَالَ وَأَتَى الْعَيْنِيُّ وَالْحَافِظُ بِرِوَايَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ مَرْفُوعَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الصَّحِيحِ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ كَلَامُهُ هَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِرِوَايَةٍ مَرْفُوعَةٍ صَحِيحِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِهَذَا اللَّفْظِ بِطَوْعِهِ وَأَنَّهُ آيَةٌ مِنَ الْقُرْآنِ نُسِخَ تِلَاوَتُهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَتَى الْعَيْنِيُّ وَالْحَافِظُ بِرِوَايَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ مَرْفُوعَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الصَّحِيحِ فَخَطَأٌ فَاحِشٌ وَوَهْمٌ قَبِيحٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْعَيْنِيُّ وَلَا الْحَافِظُ بِرِوَايَةٍ مَرْفُوعَةٍ صَحِيحَةٍ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَضْلًا عَنْ رِوَايَتَيْنِ مَرْفُوعَتَيْنِ صَحِيحَتَيْنِ 4 - (بَاب مَا جَاءَ مَنْ لَمْ يَسْجُدْ فِيهِ) أي في النجم [576] قوله (عن بن أَبِي ذِئْبٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ذِئْبٍ الْقُرَشِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ) بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا وَآخِرُهُ طَاءٌ مُهْمَلَةٌ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجْمَ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا) احْتَجَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُفَصَّلَ لَيْسَ فِيهِ سَجْدَةٌ كَالْمَالِكِيَّةِ أَوْ أَنَّ النَّجْمَ بِخُصُوصِهَا لَا سُجُودَ فِيهَا كَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ تَرْكُ السُّجُودِ فِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِهِ مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ فِي التَّرْكِ إِذْ ذَاكَ إِمَّا لِكَوْنِهِ كَانَ بِلَا وُضُوءٍ أَوْ لِكَوْنِ الْوَقْتِ كَانَ وَقْتَ كَرَاهَةٍ أَوْ لِكَوْنِ القارىء كَانَ لَمْ يَسْجُدْ أَوْ تَرَكَ حِينَئِذٍ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَهَذَا أَرْجَحُ الِاحْتِمَالَاتِ وَبِهِ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُ بِالسُّجُودِ وَلَوْ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

قَوْلُهُ (حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (وَتَأَوَّلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ إِنَّمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ لِأَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حِينَ قَرَأَ فَلَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسْجُدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَعْنِي أَنَّ القارىء إِمَامٌ لِلسَّامِعِ فَلَمَّا لَمْ يَسْجُدْ زَيْدٌ لَمْ يَسْجُدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتِّبَاعًا لزيد ويدل على كون القارىء إماما للسامع قول بن مَسْعُودٍ لِتَمِيمِ بْنِ حَذْلَمٍ وَهُوَ غُلَامٌ فَقَرَأَ عَلَيْهِ سَجْدَةً فَقَالَ اسْجُدْ فَإِنَّكَ إِمَامُنَا فِيهَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ رِوَايَةِ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قَالَ تَمِيمُ بْنُ حَذْلَمٍ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَا غُلَامٌ فَمَرَرْتُ بِسَجْدَةٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْتَ إِمَامُنَا فيها وقد روي مرفوعا أخرجه بن أبي شيبة من رواية بن عَجْلَانَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ غُلَامًا قَرَأَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدَةَ فَانْتَظَرَ الْغُلَامُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ فَلَمَّا لَمْ يَسْجُدْ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ فِي هَذِهِ السَّجْدَةِ سُجُودٌ قَالَ بَلَى وَلَكِنَّكَ كُنْتَ إِمَامَنَا فِيهَا وَلَوْ سَجَدْتَ لَسَجَدْنَا رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ بَلَغَنِي فَذَكَرَ نحوه أخرجه البيهقي من رواية بن وَهْبٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ وَحَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ مَعًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (وَقَالُوا السَّجْدَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا وَلَمْ يُرَخِّصُوا فِي تَرْكِهَا وَقَالُوا إِنْ سَمِعَ الرَّجُلُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِذَا تَوَضَّأَ سَجَدَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ) وَبِهِ قَالَ أَبُو حنيفة قال العيني في عمدة القارىء اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَلَى الْوُجُوبِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ تَلَاهَا ثُمَّ قَالَ كَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ وَالْحَدِيثُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِالْقَصْدِ قَالَ الْعَيْنِيُّ هَذَا غَرِيبٌ لَمْ يَثْبُتْ وَإِنَّمَا رَوَى بن أبي شيبة في مصنفه عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ عُثْمَانُ إِنَّمَا السُّجُودُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَ قَالَ وَاسْتُدِلَّ أيضا بالايات فما هم لَا يُؤمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهُمُ الْقُرْآنُ لَا يسجدون فاسجدوا لله واعبدوا واسجد واقترب

وَقَالُوا الذَّمُّ لَا يَتَعَلَّقُ إِلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ وَالْأَمْرُ فِي الْآيَتَيْنِ لِلْوُجُوبِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ وَاسْتُدِلَّ أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِذَا قَرَأَ بن آدَمَ السَّجْدَةَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا ويله أمر بن آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِي النَّارُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قُلْتُ قَوْلُ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا وَقَوْلُ عُثْمَانَ إِنَّمَا السُّجُودُ عَلَى مَنِ اسْتَمَعَ لَوْ سُلِّمَ أَنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فَهُوَ قَوْلُهُمَا وَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ وَقَوْلُهُمَا هَذَا مُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ فَمَعْنَاهُ لا يسجدون إباءا وَإِنْكَارًا كَمَا قَالَ الشَّيْطَانُ أُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فالذم متعلق بترك السجود إباءا وإنكارا قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي فَأَمَّا الْآيَةُ فَإِنَّهُ ذَمَّهُمْ لِتَرْكِ السُّجُودِ غَيْرَ مُعْتَقِدِينَ فَضْلَهُ وَلَا مَشْرُوعِيَّتَهُ انْتَهَى وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا وَقَوْلِهِ وَاسْجُدْ واقترب فَمَوْقُوفٌ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِيهِمَا لِلْوُجُوبِ وَعَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسُّجُودِ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ وَهُمَا مَمْنُوعَانِ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ مَنْ رَأَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُوجِبِ السُّجُودَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ وَحَمَلَ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ اسْجُدُوا عَلَى النَّدْبِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ سُجُودُ الصَّلَاةِ أَوْ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى الْوُجُوبِ وَفِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ عَلَى النَّدْبِ عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ مِنْهَا مَا هُوَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ وَمِنْهَا مَا هُوَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ فِي الَّتِي بِصِيغَةِ الْأَمْرِ هَلْ هِيَ فِيهَا سُجُودٌ أَوْ لَا وَهِيَ ثَانِيَةُ الْحَجِّ وَخَاتِمَةُ النَّجْمِ وَاقْرَأْ فَلَوْ كَانَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَاجِبًا لَكَانَ مَا وَرَدَ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ أَوْلَى أَنْ يُتَّفَقَ عَلَى السُّجُودِ فِيهِ مِمَّا وَرَدَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ فِيهَا وَالْتَمَسَ فَضْلَهَا وَرَخَّصُوا فِي تَرْكِهَا قَالُوا إِنْ أَرَادَ ذَلِكَ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَدَاوُدَ قَالُوا إِنَّهَا سنة وهو قول عمر وسلمان وبن عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ كذا في عمدة القارىء (وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قال قرأت

عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجْمَ فَلَمْ يَسْجُدْ فَقَالُوا لَوْ كَانَتِ السَّجْدَةُ وَاجِبَةً لَمْ يَتْرُكِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا حَتَّى كَانَ يَسْجُدُ وَيَسْجُدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَجَابَ الْعَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ هَذَا بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ عَلَى الْفَوْرِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّجْمِ سَجْدَةٌ وَلَا فِيهِ نَفْيُ الْوُجُوبِ انْتَهَى وَقَدْ عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ أَنَّ فِي تَرْكِ السُّجُودِ فِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ احْتِمَالَاتٍ وَأَرْجَحُ الِاحْتِمَالَاتِ أَنَّهُ ترك حينئذ لبيان الجواز (واحتجوا بحديث بن عُمَرَ أَنَّهُ قَرَأَ سَجْدَةً عَلَى الْمِنْبَرِ فَنَزَلَ فَسَجَدَ ثُمَّ قَرَأَهَا فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ فَتَهَيَّأَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَقَالَ إِنَّهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَشَاءَ فَلَمْ يَسْجُدْ وَلَمْ يَسْجُدُوا) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسُورَةِ النَّحْلِ حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّجْدَةُ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَانَتِ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّجْدَةُ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ وزاد نافع عن بن عُمَرَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ انْتَهَى وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ لَمْ يَفْرِضْ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ بِأَنَّ نَفْيَ الْفَرْضِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْوُجُوبِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ اصْطِلَاحٌ لَهُمْ حَادِثٌ وَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا وَيُغْنِي عَنْ هَذَا قَوْلُ عُمَرَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مُخَيَّرٌ فِي السُّجُودِ فَيَكُونُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَأَجَابَ مَنْ أَوْجَبَهُ بِأَنَّ الْمَعْنَى إِلَّا أَنْ نَشَاءَ قِرَاءَتَهَا فَيَجِبُ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَيَرُدُّهُ تَصْرِيحُ عُمَرَ بِقَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ بِأَنَّ انْتِقَاءَ الْإِثْمِ عَمَّنْ تَرَكَ الْفِعْلَ مُخْتَارًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي تَنْبِيهٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَاحْتَجُّوا أَيِ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِحَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْ عَلَيْنَا السُّجُودَ إِلَّا أَنْ نَشَاءَ وَهَذَا يَنْفِي الْوُجُوبَ قَالُوا قَالَ عُمَرُ هَذَا الْقَوْلَ وَالصَّحَابَةُ حَاضِرُونَ وَالْإِجْمَاعُ السُّكُوتِيُّ عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ وَأَجَابَ هُوَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَوْقُوفٌ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمُ انْتَهَى قُلْتُ الْعَجَبُ مِنَ الْعَيْنِيِّ أنه لم يُجِبْ عَنِ الْإِجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ بَلْ سَكَتَ عَنْهُ وهو حجة

باب ما جاء في سجدة

عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَصْحَابِهِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ هُوَ فِي رَدِّ حَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ مَا لَفْظُهُ حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ خَبَرُ آحَادٍ وَرَدَ مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَيُرَدُّ بيانه أن بن عباس وبن الزُّبَيْرِ أَفْتَيَا فِي زَنْجِيٍّ وَقَعَ فِي بِئْرِ زَمْزَمَ بِنَزْحِ الْمَاءِ كُلِّهِ وَلَمْ يَظْهَرْ أَثَرُهُ وَكَانَ الْمَاءُ مِنْ قُلَّتَيْنِ وَذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصحابة رضي الله عنهما وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمَا أَحَدٌ مِنْهُمْ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَخَبَرُ الْوَاحِدِ إِذَا وَرَدَ مُخَالِفًا لِلْإِجْمَاعِ يُرَدُّ انْتَهَى كَلَامُهُ فَلِلْقَائِلِينَ بِعَدَمِ وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَنْ يَقُولُوا نَحْنُ لَا نَحْتَجُّ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَلْ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا الِاحْتِجَاجَ احْتِجَاجٌ صَحِيحٌ لَيْسَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ جَوَابٌ شَافٍ عَنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ وَقَدْ أَنْصَفَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْلِيقَاتِهِ عَلَى جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عُمَرَ إلخ ليس هذا مرفوعا بل أثر عمرو هذا تَمَسُّكُ الْحِجَازِيِّينَ وَأَمَّا الْجَوَابُ مِنْ جَانِبِ الْأَحْنَافِ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَمَذْهَبُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَا يُفِيدُ فَإِنَّهُ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَيُمْكِنُ لِلشَّافِعِيَّةِ قَوْلُ إِنَّهُ إِجْمَاعُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ فَمَا أَجَابَ أَحَدٌ جَوَابًا شَافِيًا انْتَهَى ثُمَّ قَالَ هَذَا الْبَعْضُ رَادًّا عَلَى الْعَيْنِيِّ مَا لَفْظُهُ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ بِحَذْفِ الْمُسْتَثْنَى الْمُتَّصِلِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا إِلَّا أَنْ نَشَاءَ مَكْتُوبِيَّتَهَا وَقَالَ أَيْضًا إِنَّ الْمَشِيئَةَ تَتَعَلَّقُ بِالتِّلَاوَةِ لَا بِالسَّجْدَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ إِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالسَّجْدَةِ أَقُولُ تَأْوِيلُ الْعَيْنِيِّ فِيهِ أَنَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الْوُجُوبُ وَالْمُسْتَثْنَى هُوَ التَّطَوُّعُ يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا مُتَّصِلًا وَلَيْسَ حَدُّ الْمُتَّصِلِ وَالْمُنْفَصِلِ مَا هُوَ مَشْهُورٌ عَلَى الْأَلْسِنَةِ بَلْ تَفْصِيلُهُ مَذْكُورٌ فِي قَطْرِ النَّدَى وَشَرْحِ الشَّيْخِ السَّيِّدِ مَحْمُودٍ الْأُلُوسِيِّ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الْأَنْدَلُسِيَّةِ وَأَيْضًا يُخَالِفُ قَوْلَ الْعَيْنِيِّ لَفْظُ الْبَابِ فَلَمْ يَسْجُدْ وَلَمْ يَسْجُدُوا إلخ فَإِنَّهُ تَحَقَّقَ التِّلَاوَةُ فِي وَاقِعَةِ الْبَابِ وَأَمَّا قَوْلُ إِنَّهُ تَأْخِيرُ السَّجْدَةِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ لَا يَجِبُ فِي الْفَوْرِ فَبَعِيدٌ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ وَلَا نُكْتَةَ لِتَرْكِ السَّجْدَةِ الْآنَ بِخِلَافِ مَا مَرَّ مِنْ وَاقِعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَرَ جَوَابًا شَافِيًا انْتَهَى كَلَامُ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْلِيقِهِ الْمُسَمَّى بِالْعَرْفِ الشَّذِيِّ قُلْتُ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ وَأَمَّا تَأْوِيلُ الْعَيْنِيِّ بِأَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِهِ عَنْ وَقْتِ السَّمَاعِ فَبَاطِلٌ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ 5 - (بَاب ما جاء في سجدة) فِي ص [577] قَوْلُهُ (عَنْ أَيُّوبَ) هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ

قَوْلُهُ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي ص) هَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ على ثبوت السجدة في ص (قال بن عَبَّاسٍ وَلَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ) الْمُرَادُ بِالْعَزَائِمِ مَا وَرَدَتِ الْعَزِيمَةُ عَلَى فِعْلِهِ كَصِيغَةِ الْأَمْرِ مَثَلًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْمَنْدُوبَاتِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ عِنْدَ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْوُجُوبِ وقد روى بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بإسناد حسن أن العزائم حم والنجم واقرأ وألم تنزيل وكذا ثبت عن بن عباس في الثلاثة الأخر وقيل الأعراف وسبحان وحم وألم أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أن يسجد فيها وهو قول سفيان وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ عَدَّ التِّرْمِذِيُّ الشَّافِعِيَّ مِنَ الْقَائِلِينَ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي صَلَاتِهِ وَقَوْلُهُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ فِيهَا فِي الصَّلَاةِ وَيَسْجُدُ خَارِجَ الصَّلَاةِ قَالَ السَّجْدَةُ فِيهَا لَيْسَتْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ بَلْ سَجْدَةَ شُكْرٍ وَسُجُودُ الشَّاكِرِ لَا يُشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي أَنَّ صَلَاتَهُ فِيهَا سَجْدَةٌ تُفْعَلُ وَهُوَ أيضا مذهب سفيان وبن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ غَيْرَ أَنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهَا مِنَ الْعَزَائِمِ أَمْ لَا فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَيْسَتْ مِنَ الْعَزَائِمِ وَإِنَّمَا هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ تستحب في غير الصلاة وتحرم فيها الصَّحِيحُ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عِنْدَهُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ هِيَ من العزائم وبه قال بن شُرَيْحٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ أَيْضًا وَعَنْ أَحْمَدَ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَالْمَشْهُورُ مِنْهُمَا كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهَا تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَلَمْ يُرْوَ السُّجُودُ فِيهَا) قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ دَاوُدُ عن بن مَسْعُودٍ لَا سُجُودَ فِيهَا وَقَالَ هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَطَاءٍ وَعَلْقَمَةَ قَالَ واحتج الشافعي ومن معه بحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ

باب ما جاء في السجدة في الحج

وَلِابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ آخَرُ فِي سُجُودِهِ فِي صَلَاتِهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ فَقَالَ سَجَدَهَا دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوْبَةً وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا فِي الْكُبْرَى فِي التَّفْسِيرِ وَلَفْظُهُ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي ص أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قَالَ الْعَيْنِيُّ هَذَا كُلُّهُ حُجَّةٌ لَنَا وَالْعَمَلُ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أولى من العمل بقول بن عَبَّاسٍ وَكَوْنُهَا تَوْبَةً لَا يُنَافِي كَوْنَهَا عَزِيمَةً وَسَجَدَهَا دَاوُدُ تَوْبَةً وَنَحْنُ نَسْجُدُهَا شُكْرًا لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْغُفْرَانِ وَالْوَعْدِ بِالزُّلْفَى وَحُسْنِ مَآبٍ وَلِهَذَا لَا يُسْجَدُ عِنْدَنَا عَقِيبَ قَوْلِهِ (وَأَنَابَ) بَلْ عَقِيبَ قَوْلِهِ (وَحُسْنَ مَآبٍ) وَهَذِهِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ فِي حَقِّنَا فَكَانَتْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ لِأَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ مَا كَانَ سَبَبُ وُجُوبِهَا إِلَّا التِّلَاوَةَ وَسَبَبُ وُجُوبِ هَذِهِ السَّجْدَةِ تِلَاوَةُ هَذِهِ الْآيَةِ الَّتِي فِيهَا الْإِخْبَارُ عَنْ هَذِهِ النِّعَمِ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِطْمَاعُنَا فِي نَيْلِ مِثْلِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْعَمَلِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْعَمَلِ بقول بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَالْأَوْلَى بَلِ الْمُتَعَيَّنُ أَنْ يُسْجَدَ فِي ص اتِّبَاعًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ وَيُرَى أَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السجود كما قال بن عباس رضي الله عنهما وقول بن عَبَّاسٍ هَذَا مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ أَنَّهَا مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو عَلَى الْمِنْبَرِ ص فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجَدَ فِي ص وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السَّجْدَةِ فِي الحج) [578] قوله (أخبرنا بن لَهِيعَةَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ (عَنْ مِشْرَحٍ) كَمِنْبَرٍ (بْنِ هَاعَانَ) بِالْهَاءِ وَالْعَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ ثُمَّ أَلِفٌ وَنُونٌ كَذَا فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ وَكَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَالَ في القاموس ومشرح كمنبر بن عاهانَ التَّابِعِيُّ انْتَهَى وَكَذَلِكَ فِي الْمُغْنِي لِصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبِحَارِ فَلَعَلَّهُ يُقَالُ لِوَالِدِ مِشْرَحٍ عَاهَانُ بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ عَلَى الْهَاءِ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ مَقْبُولٌ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ في الميزان مشرح بن هاعان الْمِصْرِيُّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ صَدُوقٌ لَيَّنَهُ بن حبان وقال عثمان بن سعيد عن بن معين ثقة قال بن حِبَّانَ يُكْنَى أَبَا مُصْعَبٍ يَرْوِي عَنْ عُقْبَةَ مَنَاكِيرَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا فَالصَّوَابُ تَرْكُ مَا انْفَرَدَ بِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ) أُولَاهُمَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَهِيَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَالثَّانِيَةُ

عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا أَيِ السَّجْدَتَيْنِ فَلَا يَقْرَأْهُمَا قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَي آيَتَيِ السَّجْدَةِ حَتَّى لَا يَأْثَمَ بِتَرْكِ السَّجْدَةِ وَهُوَ يُؤَيِّدُ وُجُوبَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَوَجْهُ النَّهْيِ أَنَّ السَّجْدَةَ شُرِعَتْ فِي حَقِّ التَّالِي بِتِلَاوَتِهِ وَالْإِتْيَانُ بِهَا مِنْ حَقِّ التِّلَاوَةِ فَإِذَا كَانَ بِصَدَدِ التَّضْيِيعِ فَالْأَوْلَى بِهِ تَرْكُهَا لِأَنَّهَا إِمَّا وَاجِبَةٌ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا أَوْ سُنَّةٌ فَيَتَضَرَّرُ بِالتَّهَاوُنِ بِهَا كَذَا ذَكَرَ الطِّيبِيُّ قال بن الْهُمَامِ وَالسَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْحَجِّ عِنْدَنَا لِأَنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِالْأَمْرِ بِالرُّكُوعِ وَالْمَعْهُودُ فِي مِثْلِهِ مِنَ الْقُرْآنِ كَوْنُهُ مِنْ أَوَامِرِ مَا هُوَ رُكْنُ الصَّلَاةِ بِالِاسْتِقْرَاءِ نَحْوُ (اسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ حَدِيثُ الْبَابِ هَذَا ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ مُعْتَضِدٌ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَبِرِوَايَةٍ مُرْسَلَةٍ وَبِآثَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ كَمَا سَتَعْرِفُ فهو مقدم على الاستقراء الذي ذكره بن الهمام فالقول الراجح المعول عليه أن سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ ميركُ يُرِيدُ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ لَهِيعَةَ وَمِشْرَحَ بْنَ هَاعَانَ وَفِيهِمَا كَلَامٌ لَكِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِهِمَا يَعْنِي مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ ما لفظه وفيه بن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَاكِمُ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ وَأَكَّدَهُ الْحَاكِمُ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ صَحَّتْ فيه من قول عمر وابنه وبن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى وَعَمَّارٍ ثُمَّ سَاقَهَا مَوْقُوفَةً عَنْهُمْ وَأَكَّدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ مُرْسَلًا انْتَهَى قُلْتُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ

باب ما جاء ما يقول في سجود القرآن

قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا فَرُوِيَ عن عمر بن الخطاب وبن عُمَرَ أَنَّهُمَا قَالَا فُضِّلَتْ سُورَةُ الْحَجِّ بِأَنَّ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ) أَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نافع مولى بن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مِصْرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَرَأَ سُورَةَ الْحَجِّ فَسَجَدَ فِيهَا سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فُضِّلَتْ بِسَجْدَتَيْنِ وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سَجَدَ فِي سُورَةِ الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُمَا سَجَدَا فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ وَرَوَى الْحَاكِمُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَالزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ وبن عباس وبن مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِيهِ سجدتين (وبه يقول بن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْمُوَطَّأِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَالْحَقُّ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عمر رضي الله عنه وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ قَالَ (وَرَأَى بَعْضُهُمْ فِيهَا سَجْدَةً) أَيْ وَاحِدَةً وَهِيَ السَّجْدَةُ الْأُولَى قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الموطأ وكان بن عَبَّاسٍ لَا يَرَى فِي الْحَجِّ إِلَّا سَجْدَةً وَاحِدَةً الْأُولَى انْتَهَى قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ معاني الاثار بعد رواية أثر بن عباس هذا فبقول بن عباس نأخذ انتهى قلت روى بن أبي شيبة عن علي وأبي الدرداء وبن عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ سَجَدُوا فِيهِ سَجْدَتَيْنِ كَذَا فِي الْمُحَلَّى وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْحَاكِمَ رَوَى عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَجَدَ فِيهِ سَجْدَتَيْنِ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ 7 - (بَابُ مَا جَاءَ مَا يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ) [579] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ وَقَالَ فِي هَامِشِ الْخُلَاصَةِ زَادَ فِي التَّهْذِيبِ صَالِحٌ

كتبنا عنه بمكة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَالَ كَانَ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ رُبَّمَا أَخْطَأَ يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِحَدِيثِهِ إِذَا بَيَّنَ السَّمَاعَ فِي خَبَرِهِ انْتَهَى (أَخْبَرَنَا الحسن بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وَكَذَا فِي الْمِيزَانِ وَزَادَ فِيهِ وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهِ جهالة ما روى عنه سوى بن خُنَيْسٍ (أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ) الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (جَاءَ رَجُلٌ) قَالَ ميركُ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ كَمَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَتِهِ وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَسَجَدْتُ) يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ السَّجْدَةُ صَلَاتِيَّةً وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ وَأَنَّ الْآيَةَ آيَةُ ص (اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي) أَيْ أَثْبِتْ لِي بِهَا أَيْ بِسَبَبِ هَذِهِ السَّجْدَةِ (وَضَعْ) أَيْ حُطَّ (وِزْرًا) أَيْ ذَنْبًا (وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا) أَيْ كَنْزًا قِيلَ ذُخْرًا بِمَعْنَى أَجْرًا وَكُرِّرَ لِأَنَّ مَقَامَ الدُّعَاءِ يُنَاسِبُ الْإِطْنَابَ وَقِيلَ الْأَوَّلُ طَلَبُ كِتَابَةِ الْأَجْرِ وَهَذَا طَلَبُ بَقَائِهِ سالما من محبط أو مبطل قال القارىء هَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ (كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ) فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ سَجْدَةَ ص لِلتِّلَاوَةِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَسُرَ عَلَيَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِ طَلَبَ قَبُولٍ مِثْلِ ذَلِكَ الْقَبُولِ وَأَيْنَ ذَلِكَ اللِّسَانُ وَأَيْنَ تِلْكَ النِّيَّةُ قُلْتُ لَيْسَ الْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ فِي مُطْلَقِ الْقَبُولِ وَقَدْ وَرَدَ فِي دُعَاءِ الْأُضْحِيَّةِ وَتَقَبَّلْ مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِكَ وَمُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَأَيْنَ الْمَقَامُ مِنَ الْمَقَامِ مَا أُرِيدَ بِهَذَا إِلَّا مُطْلَقُ الْقَبُولِ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى الْإِيمَانِ بِهَؤُلَاءِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِذَا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِشَيْءٍ اتُّبِعَ وَلَا إِشْكَالَ انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ قَوْلُهُ (قَالَ لِي جَدُّكَ) هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ وَصَوَّبَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ رِوَايَةَ حَمَّادٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ كَذَا فِي النَّيْلِ وَالتَّلْخِيصِ قوله (هذا حديث غريب إلخ) وأخرجه بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ اللَّهُمَّ احْطُطْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا وَاكْتُبْ لِي بِهَا أَجْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذخرا ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ ما لفظه رواه الترمذي والحاكم وبن حبان وبن مَاجَهْ وَفِيهِ قِصَّةٌ وَضَعَّفَهُ الْعُقَيْلِيُّ بِالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ فَقَالَ فِيهِ جَهَالَةٌ انْتَهَى [580] قَوْلُهُ (يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ بِاللَّيْلِ) حِكَايَةٌ لِلْوَاقِعِ لَا لِلتَّقْيِيدِ بِهِ (سَجَدَ وَجْهِي) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِهَا (لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ) تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ أَيْ فَتَحَهُمَا وَأَعْطَاهُمَا الْإِدْرَاكَ وَأَثْبَتَ لَهُمَا الْإِمْدَادَ بعد الايجاد قال القارىء في المرقاة قال بن الْهُمَامِ وَيَقُولُ فِي السَّجْدَةِ مَا يَقُولُ فِي سَجْدَةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ (سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا) لِأَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ أَوْلِيَائِهِ وَقَالَ (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ ربنا لمفعولا) قال القارىء وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَا صُحِّحَ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنْ كَانَتِ السَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ فَيَقُولُ فِيهَا مَا يُقَالُ فِيهَا فَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً قَالَ سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى أَوْ نَفْلًا قَالَ ما شاء مما ورد لسجد وَجْهِي وَكَقَوْلِ اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي إلخ قَالَ وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ قَالَ كُلَّ مَا أثر من ذلك انتهى كلام القارىء قُلْتُ إِنْ كَانَتِ السَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ يقول فيهما أَيْضًا مَا شَاءَ مِمَّا وَرَدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَسَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ إلخ لَا مَانِعَ مِنْ قَوْلِ ذَلِكَ فِيهَا هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأصحاب السنن والدارقطني والحاكم والبيهقي وصححه بن السَّكَنِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ ثَلَاثًا زَادَ الْحَاكِمُ فِي آخِرِهِ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ وَزَادَ الْبَيْهَقِيُّ وَصَوَّرَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ خَلَقَهُ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مِثْلُهُ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ كَذَلِكَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ والنيل فائدة قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي يُشْتَرَطُ لِلسُّجُودِ مَا يُشْتَرَطُ لِصَلَاةِ النَّافِلَةِ مِنَ الطَّهَارَتَيْنِ مِنَ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالنِّيَّةِ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْحَائِضِ تسمع السجدة تومىء بِرَأْسِهَا وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَعَنِ الشَّعْبِيِّ فِيمَنْ سَمِعَ السَّجْدَةَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ يَسْجُدُ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ السُّجُودُ وَلِأَنَّهُ صَلَاةٌ فَيُشْتَرَطُ لَهُ ذَلِكَ كَذَاتِ الرُّكُوعِ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الطَّهَارَةُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَأَدِلَّةُ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ وَرَدَتْ لِلصَّلَاةِ وَالسَّجْدَةُ لَا تُسَمَّى صَلَاةً فَالدَّلِيلُ عَلَى مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مَا مُلَخَّصُهُ لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ مَا يدل على اعتبار أن يكون الساجد متوضأ وَهَكَذَا لَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ طَهَارَةِ الثِّيَابِ وَالْمَكَانِ وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ مَعَ الْإِمْكَانِ فَقِيلَ إِنَّهُ مُعْتَبَرٌ اتفاقا قال في الفتح لم يوافق بن عُمَرَ أَحَدٌ عَلَى جَوَازِ السُّجُودِ بِلَا وَضُوءٍ إلا الشعبي أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنُ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ السَّجْدَةَ ثُمَّ يَسْجُدُ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ وَضُوءٍ إِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ يَمْشِي يُومِئُ إيماءا انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ الِاحْتِيَاطُ لِلْعَمَلِ فِيمَا قال بن قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي وَعَلَيْهِ عَمَلُنَا هَذَا مَا عِنْدَنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما ذكر فيمن فاته حزبه من الليل فقضاه بالنهار

18 - (باب ما ذكر فيمن فاته حزبه من اللَّيْلِ فَقَضَاهُ بِالنَّهَارِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْحِزْبُ مَا يَجْعَلُهُ الرَّجُلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قراءة أو صلاة كالورد انتهى [581] قوله (عن يونس) هو بن يَزِيدَ (أَنَّ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ وَعُبَيْدَ اللَّهِ أخبراه) الضمير المنصوب يرجع إلى بن شهاب وعبيد الله هذا هو بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (عَنْ عبد الرحمن بن عبد القارىء) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عبد بغير إضافة إلى القارىء يقال له روية وَذَكَرَهُ الْعِجْلِيُّ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الْوَاقِدِيِّ فِيهِ قَالَ تَارَةً لَهُ صُحْبَةٌ وَتَارَةً تَابِعِيٌّ وَالْقَارِّيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْقَارَّةِ قَبِيلَةٌ مَشْهُورَةٌ بِجَوْدَةِ الرَّمْيِ قَوْلُهُ (مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ أَيْ عَنْ وِرْدِهِ يَعْنِي عَنْ تَمَامِهِ وفي رواية بن مَاجَهْ عَنْ جُزْئِهِ بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَبِالْهَمْزَةِ مَكَانَ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ أَوْ قَالَ جُزْئِهِ وَهُوَ شَكٌّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهَلِ الْمُرَادُ بِهِ صَلَاةُ اللَّيْلِ أَوْ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِ صَلَاةٍ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنَ الْأَمْرَيْنِ انْتَهَى (أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ) أَيْ مِنْ حِزْبِهِ يَعْنِي عَنْ بَعْضِ وِرْدِهِ (كُتِبَ لَهُ) جَوَابُ الشَّرْطِ (كَأَنَّمَا قَرَأَهُ مِنَ اللَّيْلِ) صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيِ أُثْبِتَ أَجْرُهُ فِي صَحِيفَةِ عَمَلِهِ إِثْبَاتًا مِثْلَ إِثْبَاتِهِ حِينَ قَرَأَهُ مِنَ الليل قاله القارىء وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ اتِّخَاذِ وِرْدٍ فِي اللَّيْلِ وَعَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قَضَائِهِ إِذَا فَاتَ لِنَوْمٍ أَوْ لِعُذْرٍ مِنَ الْأَعْذَارِ وَأَنَّ مَنْ فَعَلَهُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْفَجْرِ إِلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ كَانَ كَمَنْ فَعَلَهُ فِي اللَّيْلِ وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إِذَا مَنَعَهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً قوله

(هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ قَوْلُهُ (وَأَبُو صَفْوَانَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَكِّيُّ إلخ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَبُو صَفْوَانَ الْأُمَوِيُّ الدِّمَشْقِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ مَاتَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ (رَوَى عَنْهُ الْحُمَيْدِيُّ وَكِبَارُ النَّاسِ) كَأَحْمَدَ وبن المديني 9 - باب ما جاء من التَّشْدِيدِ فِي الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ [582] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ) الْجُمَحِيِّ مَوْلَاهُمْ (وهو أبو الحرث الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ) ثَبْتٌ رُبَّمَا أَرْسَلَ مِنْ رِجَالِ السِّتَّةِ قَوْلُهُ (أَمَا يَخْشَى) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَمَا نَافِيَةٌ (الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ) أَيْ مِنَ السُّجُودِ أَوِ الرُّكُوعِ (أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ) اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْوَعِيدِ فَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَمْرٍ مَعْنَوِيٍّ فَإِنَّ الْحِمَارَ مَوْصُوفٌ بِالْبَلَادَةِ فَاسْتُعِيرَ هَذَا الْمَعْنَى لِلْجَاهِلِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَيُرَجِّحُ لِهَذَا الْمَجَازِ أَنَّ التَّحْوِيلَ لَمْ يَقَعْ مَعَ كَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ لَكِنْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ وَلَا بُدَّ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ فَاعِلِهِ مُتَعَرِّضًا لِذَلِكَ وَكَوْنِ فِعْلِهِ مُمْكِنًا لِأَنْ يَقَعَ عَنْهُ ذَلِكَ الْوَعِيدُ وَلَا يَلْزَمُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلشَّيْءِ وقوع ذلك الشيء قال بن دقيق العيد وقال بن بَزِيزَةَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالتَّحْوِيلِ الْمَسْخُ أَوْ تَحْوِيلُ الْهَيْئَةِ الْحِسِّيَّةِ أَوِ الْمَعْنَوِيَّةِ أَوْ هُمَا مَعًا وَحَمَلَهُ آخَرُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ إِذْ لَا مَانِعَ مِنْ وُقُوعِ ذَلِكَ بَلْ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ وُقُوعِ الْمَسْخِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ فَإِنَّ فِيهِ ذِكْرَ الْخَسْفِ وَفِي آخِرِهِ يَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يوم القيامة

وَيُقَوِّي حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ بن حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ كَلْبٍ فهذا يبعد المجاز لانتقاء الْمُنَاسَبَةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا مِنْ بَلَادَةِ الْحِمَارِ ومِمَّا يُبْعِدُهُ أَيْضًا إِيرَادُ الْوَعِيدِ بِالْأَمْرِ الْمُسْتَقْبَلِ وَبِاللَّفْظِ الدَّالِّ عَلَى تَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ الْحَاصِلَةِ وَلَوْ أُرِيدَ تَشْبِيهُهُ بِالْحِمَارِ لِأَجْلِ الْبَلَادَةِ لَقَالَ مَثَلًا فَرَأْسُهُ رَأْسُ حِمَارٍ وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ وَهِيَ الْبَلَادَةُ حَاصِلَةٌ فِي فَاعِلِ ذَلِكَ عِنْدَ فِعْلِهِ الْمَذْكُورِ فَلَا يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ لَهُ يُخْشَى إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ أَنْ تَصِيرَ بَلِيدًا مَعَ أَنَّ فِعْلَهُ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا نَشَأَ مِنَ الْبَلَادَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ الْقَوْلُ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ هُوَ حَمْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّأْوِيلِ مَعَ مَا فِيهِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ وَيُؤَيِّدُ حَمْلَهُ عَلَى الظَّاهِرِ مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ رَحَلَ إِلَى دِمَشْقَ لِأَخْذِ الْحَدِيثِ عَنْ شَيْخٍ مَشْهُورٍ بها فقرأ جملة لكنه كان يجعل بيني وَبَيْنَهُ حِجَابًا وَلَمْ يَرَ وَجْهَهُ فَلَمَّا طَالَتْ مُلَازَمَتُهُ لَهُ وَرَأَى حِرْصَهُ عَلَى الْحَدِيثِ كَشَفَ لَهُ السِّتْرَ فَرَأَى وَجْهَهُ وَجْهَ حِمَارٍ فَقَالَ لَهُ احْذَرْ يَا بُنَيَّ أَنْ تَسْبِقَ الْإِمَامَ فَإِنِّي لَمَّا مَرَّ بِي الْحَدِيثُ اسْتَبْعَدْتُ وُقُوعَهُ فَسَبَقْتُ الْإِمَامَ فَصَارَ وَجْهِي كَمَا تَرَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَ لِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ إِنَّمَا قَالَ أَمَا يَخْشَى) فِي حَاشِيَةِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ غَرَضُهُ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ دَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ قَالَ إِنَّا نُشَاهِدُ مِنَ النَّاسِ الرَّفْعَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَلَا يُحَوَّلُ رَأْسُهُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ إِنَّ قَوْلَهُ أَمَا يَخْشَى وَرَدَ ألْبَتَّةَ لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ إِمَّا التَّهْدِيدُ أَوْ يَكُونُ فِي الْبَرْزَخِ أَوْ فِي النَّارِ انْتَهَى مَا فِي الْحَاشِيَةِ قُلْتُ رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ أَوْ أَلَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فَوَقَعَ الشَّكُّ لِشُعْبَةَ فِي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ أَمَا يَخْشَى أَوْ أَلَا يَخْشَى فَالظَّاهِرُ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ سَأَلَ مُحَمَّدَ بْنَ زِيَادٍ عَنْ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَكَ بِلَفْظِ أَمَا يَخْشَى أَوْ أَلَا يَخْشَى فَأَجَابَهُ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ بِقَوْلِهِ إِنَّمَا قَالَ أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمَا يَخْشَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في الذي يصلي الفريضة ثم يؤم الناس

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الَّذِي يصلي الفريضة ثم يؤم الناس) بعد ذلك [583] قَوْلُهُ (كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ عَنْ عُمَرَ وَعِشَاءَ الْآخِرَةِ (ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى قَوْمِهِ فَيَؤُمُّهُمْ) فِي رِوَايَةٍ مِنَ الطَّرِيقِ الْمَذْكُورَةِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ فَيُصَلِّي بِهِمُ الصَّلَاةَ أَيِ الْمَذْكُورَةَ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ الصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا بِقَوْمِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرٍو ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَهُ فَصَلَّى الْعِشَاءَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَذَا فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي عَوَانَةَ وَالطَّحَاوِيِّ صَلَّى بِأَصْحَابِهِ الْمَغْرِبَ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى التَّعَدُّدِ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ أَصْحَابِنَا أَصْحَابُ الْحَدِيثِ كَالْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ مَرَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي الْمُقَدِّمَةِ (قَالُوا إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَقَدْ كَانَ صَلَّاهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ صَلَاةَ مَنِ ائْتَمَّ بِهِ جَائِزَةٌ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ مُعَاذٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُعَاذًا كَانَ يَنْوِي بِالْأُولَى الْفَرْضَ وَبِالثَّانِيَةِ

النَّفْلَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ والشافعي والطحاوي والدارقطني وغيرهم من طريق بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِ الْبَابِ زَادَ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةٌ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ صَرَّحَ بن جُرَيْجٍ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ بِسَمَاعِهِ مِنْهُ فانتفت تهمة تدليسه فقول بن الْجَوْزِيِّ إِنَّهُ لَا يَصِحُّ مَرْدُودٌ وَتَعْلِيلُ الطَّحَاوِيِّ له بأن بن عُيَيْنَةَ سَاقَهُ عَنْ عَمْرٍو أَتَمَّ مِنْ سِيَاقِ بن جُرَيْجٍ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَيْسَ بِقَادِحٍ في صحته لأن بن جريج اسن وأجل من بن عُيَيْنَةَ وَأَقْدَمُ أَخْذًا عَنْ عَمْرٍو مِنْهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَهِيَ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ حَافِظٍ لَيْسَتْ مُنَافِيَةً لِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ وَلَا أَكْثَرُ عَدَدًا فَلَا مَانِعَ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا وَأَمَّا رَدُّ الطَّحَاوِيِّ لَهَا بِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ مُدْرَجَةً فَجَوَابُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِدْرَاجِ حَتَّى يَثْبُتَ التَّفْصِيلُ فَمَهْمَا كَانَ مَضْمُومًا إِلَى الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالْأَمْرُ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ أَخْرَجَهَا مُتَابِعًا لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْهُ وَقَوْلُ الطَّحَاوِيِّ هُوَ ظَنٌّ مِنْ جَابِرٍ مَرْدُودٌ لِأَنَّ جَابِرًا كَانَ مِمَّنْ يُصَلِّي مَعَ مُعَاذٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا يُظَنُّ بِجَابِرٍ أَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ شَخْصٍ بِأَمْرٍ غَيْرِ مُشَاهَدٍ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ أَطْلَعَهُ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ لَا حُجَّةَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِأَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَقْرِيرِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ رَأْيَ الصَّحَابِيِّ إِذَا لَمْ يُخَالِفْهُ غَيْرُهُ حُجَّةٌ وَالْوَاقِعُ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ الَّذِينَ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ كُلَّهُمْ صَحَابَةٌ وَفِيهِمْ ثَلَاثُونَ عَقَبِيًّا وَأَرْبَعُونَ بَدْرِيًّا قَالَهُ بن حَزْمٍ قَالَ وَلَا يُحْفَظُ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ امْتِنَاعُ ذَلِكَ بَلْ قَالَ مَعَهُمْ بِالْجَوَازِ عمر وبن عُمَرَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمُ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ رَوَى أَحْمَدُ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ سُلَيْمٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يَأْتِينَا الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ يَا مُعَاذُ لَا تَكُنْ فَتَّانًا إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ اقْتِدَاءِ الْمُفْتَرِضِ بِالْمُتَنَفِّلِ فَإِنَّ قَوْلَهُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ مَعْنَاهُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَلَا تُصَلِّيَ بِقَوْمِكَ وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ أَيْ وَلَا تُصَلِّيَ مَعِي قُلْتُ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَلَامٌ قال الشوكاني في النيل قد أعلها بن حَزْمٍ بِالِانْقِطَاعِ لِأَنَّ مُعَاذَ بْنَ رِفَاعَةَ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَدْرَكَ الَّذِي شَكَا إِلَيْهِ لِأَنَّ هَذَا الشَّاكِيَ مَاتَ قَبْلَ أُحُدٍ انْتَهَى

ثُمَّ فِي صِحَّةِ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ عَلَى قَوْمِكَ كَلَامٌ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا دَعْوَى الطَّحَاوِيِّ أَنَّ مَعْنَاهُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي وَلَا تُصَلِّ بِقَوْمِكَ وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ وَلَا تُصَلِّ مَعِي فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَقُولَ بَلِ التَّقْدِيرُ إِمَّا أَنْ تُصَلِّيَ مَعِي فَقَطْ إِذَا لَمْ تُخَفِّفْ وَإِمَّا أَنْ تُخَفِّفَ بِقَوْمِكَ فَتُصَلِّيَ مَعِي وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَقْدِيرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مُقَابَلَةِ التَّخْفِيفِ بِتَرْكِ التَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ) قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْقَوْمُ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَهُوَ يَحْسَبُ أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ فَائْتَمَّ بِهِ قَالَ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ وَلَمْ أَرَ فِي جَوَازِهَا حَدِيثًا مَرْفُوعًا وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى قِصَّةِ مُعَاذٍ فَقِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفَتْوَى أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذِهِ فِيمَا إِذَا يَحْسَبُ الدَّاخِلُ أَنَّهَا صَلَاةُ الظُّهْرِ وَأَمَّا إِذْا يَعْلَمُ أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ وَمَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ قَدِ ائْتَمَّ بِهِ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ صَلَاتَهُ لَيْسَتْ بِجَائِزَةٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ قَالَ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذَا اللَّفْظِ مَا لَفْظُهُ قُلْتُ لَهُ فِي الصَّحِيحِ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ وَأُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَلَا يُصَلِّي إِلَّا الْعَصْرَ لِأَنَّهُ قَالَ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الَّتِي أُقِيمَتْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وفيه بن لَهِيعَةَ وَفِيهِ كَلَامٌ انْتَهَى كَلَامُ الْهَيْثَمِيِّ (وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إِذَا ائْتَمَّ قَوْمٌ بِإِمَامٍ وَهُوَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهَا الظُّهْرُ فَصَلَّى بِهِمْ وَاقْتَدَوْا بِهِ فَإِنَّ صَلَاةَ الْمُقْتَدِي فَاسِدَةٌ إِذَا اخْتَلَفَتْ نِيَّةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْمُقْتَدِينَ قَدِ اخْتَلَفُوا عَلَى إِمَامِهِمْ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

باب ما ذكر من الرخصة في السجود على الثوب

وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الِاخْتِلَافَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مُبَيَّنٌ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا إلخ وَفِيهِ شَيْءٌ فَتَأَمَّلْ 1 - (بَاب مَا ذُكِرَ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ) فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ [584] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ مُوسَى الْمَرْوَزِيِّ أَبُو الْعَبَّاسِ السِّمْسَارُ مَرْدَوَيْهِ الْحَافِظُ وَقَدْ تَقَدَّمَ (أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) السُّلَمِيُّ أَبُو أُمَيَّةَ الْبَصْرِيُّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ فَرْدُ حَدِيثٍ (وَحَدَّثَنِي غَالِبٌ الْقَطَّانُ) هُوَ غَالِبُ بْنُ خَطَّافٍ أَبُو سُلَيْمَانَ بْنُ أَبِي غَيْلَانَ الْبَصْرِيُّ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وبن مَعِينٍ قَوْلُهُ (بِالظَّهَائِرِ) جَمْعُ ظَهِيرَةٍ وَهِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ نِصْفَ النَّهَارِ وَلَا يُقَالُ فِي الشِّتَاءِ ظَهِيرَةٌ (سَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا) الثِّيَابُ جَمْعُ الثَّوْبِ وَالثَّوْبُ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ الْمَخِيطِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَخِيطِ مَجَازًا قَالَهُ الْحَافِظُ (اتِّقَاءَ الْحَرِّ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ أَيْ لِاتِّقَاءِ الْحَرِّ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنَ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ اسْتِعْمَالِ الثِّيَابِ وَكَذَا غَيْرُهَا فِي الْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْمُصَلِّي وَبَيْنَ الْأَرْضِ لِاتِّقَاءِ حَرِّهَا وَكَذَا بَرْدُهَا وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إِجَازَةِ السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ الْمُتَّصِلِ بِالْمُصَلِّي قَالَ النَّوَوِيُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ وَحَمَلَهُ الشافعي على الثوب المنفصل انتهى وأيده الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَمْلَ بِمَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ فَيَأْخُذُ أَحَدُنَا الْحَصَى فِي يَدِهِ فَإِذَا بَرَدَ وَضَعَهُ وَسَجَدَ عَلَيْهِ قَالَ فَلَوْ جَازَ السُّجُودُ عَلَى شَيْءٍ مُتَّصِلٍ بِهِ لَمَا احْتَاجُوا إِلَى تَبْرِيدِ الْحَصَى مَعَ طُولِ الْأَمْرِ فِيهِ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي كَانَ يُبَرِّدُ الْحَصَى لَمْ يَكُنْ فِي ثَوْبِهِ فَضْلَةٌ يَسْجُدُ عَلَيْهَا مَعَ بَقَاءِ سُتْرَتِهِ لَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه

باب ما ذكر مما يستحب من الجلوس في المسجد

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الله وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ بن عَدِيٍّ وَفِي سَنَدِهِ عَمْرُو بْنُ شِمْرٍ وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَهُمَا ضَعِيفَانِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْجُدُ على كور عمامته وأما حديث بن عباس فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي ثَوْبٍ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدَهَا وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْكَبِيرِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ كَذَا فِي النيل 2 - (باب ما ذكر مما يُسْتَحَبُّ مِنْ الْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ) بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ [585] قَوْلُهُ (إِذَا صَلَّى الْفَجْرَ قَعَدَ فِي مُصَلَّاهُ) أَيْ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ (حَتَّى تَطْلُعَ الشمس) حسناه كَذَا هُوَ ثَابِتٌ فِي مُسْلِمٍ وَأَسْقَطَهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَفِي الْحَدِيثِ نَدْبُ الْقُعُودِ فِي الْمُصَلَّى بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ [586] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ المهملة منسوب إلى جمع بْنِ عُمَرَ ثِقَةٌ مُعَمِّرٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَالَ في الخلاصة وثقه الترمذي وبن حِبَّانَ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ) الْقَسْمَلِيُّ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ ثُمَّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ ربما وهم

(أَخْبَرَنَا أَبُو ظِلَالٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَقَدْ بَيَّنَ التِّرْمِذِيُّ اسْمَهُ فِيمَا بَعْدُ وَيَجِيءُ هُنَاكَ تَرْجَمَتُهُ قَوْلُهُ (ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) أَيْ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَ أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ حَتَّى يَخْرُجَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ تُسَمَّى صَلَاةَ الْإِشْرَاقِ وَهِيَ أَوَّلُ صَلَاةِ الضُّحَى قُلْتُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ حَتَّى يُسَبِّحَ رَكْعَتَيِ الضُّحَى وَكَذَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أُمَامَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ (كَانَتْ) أَيِ الْمَثُوبَةُ (قَالَ) أَيْ أَنَسٌ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ) صِفَةٌ لِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ كَرَّرَهَا ثَلَاثًا لِلتَّأْكِيدِ وَقِيلَ أَعَادَ الْقَوْلَ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ التَّأْكِيدَ بِالتَّمَامِ وَتَكْرَارَهُ مِنْ قَوْلِ أَنَسٍ قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا التَّشْبِيهُ مِنْ بَابِ إِلْحَاقِ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ تَرْغِيبًا أَوْ شَبَّهَ اسْتِيفَاءَ أَجْرِ الْمُصَلِّي تَامًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ بِاسْتِيفَاءِ أَجْرِ الْحَاجِّ تَامًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ وَأَمَّا وَصْفُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِالتَّمَامِ إِشَارَةٌ إِلَى الْمُبَالَغَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو ظِلَالٍ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ فَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ جَلَسَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ انْقَلَبَ بِأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ مَرْفُوعًا مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ ثَبَتَ حَتَّى يُسَبِّحَ لِلَّهِ سُبْحَةَ الضُّحَى كَانَ لَهُ كَأَجْرِ حَاجٍّ وَمُعْتَمِرٍ تاما له حجرة وَعُمْرَةٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَبَعْضُ رُوَاتِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ وَلِلْحَدِيثِ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ انْتَهَى وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ (وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي ظِلَالٍ فَقَالَ هُوَ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ) هُوَ مِنْ أَلْفَاظِ التَّعْدِيلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ (قَالَ مُحَمَّدٌ) يَعْنِي الْبُخَارِيَّ (وَاسْمُهُ هِلَالٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو ظِلَالٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ اسْمُهُ هِلَالُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ أو بن أبي مالك وهو بن مَيْمُونَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي اسْمِ أَبِيهِ الْقَسْمَلِيُّ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ

باب ما ذكر في الالتفات في الصلاة

مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ هِلَالُ بْنُ مَيْمُونَ وَهُوَ هِلَالُ بْنُ أَبِي سُوَيْدٍ أَبُو ظِلَالٍ الْقَسْمَلِيُّ صَاحِبُ أَنَسٍ قَالَ بن مَعِينٍ ضَعِيفٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَالْأَزْدِيُّ ضعيف وقال بن عَدِيٍّ عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابِعُهُ الثِّقَاتُ عليه وقال بن حِبَّانَ مُغَفَّلٌ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ بِحَالٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْكُنَى وَاهٍ بِمَرَّةٍ 3 - (بَاب مَا ذُكِرَ فِي الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ) [587] قَوْلُهُ (كَانَ يَلْحَظُ فِي الصَّلَاةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالظَّاءِ أَيْ يَنْظُرُ بِمُؤْخِرِ عَيْنَيْهِ وَاللَّحْظُ هُوَ النَّظَرُ بِطَرْفِ الْعَيْنِ الَّذِي يَلِي الصُّدْغَ (يَمِينًا وَشِمَالًا) أَيْ تَارَةً إِلَى جِهَةِ الْيَمِينِ وَتَارَةً إِلَى جِهَةِ الشِّمَالِ (وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ) أَيْ لَا يَصْرِفُ وَلَا يُمِيلُ عُنُقَهُ (خَلْفَ ظَهْرِهِ) أَيْ إِلَى جِهَتِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ اللَّيُّ فَتْلُ الْحَبْلِ يُقَالُ لَوَيْتُهُ أَلْوِيهِ لَيًّا وَلَوَى رَأْسَهُ وَبِرَأْسِهِ أَمَالَهُ وَلَعَلَّ هَذَا الِالْتِفَاتَ كَانَ مِنْهُ فِي التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ أَسْهَلُ لِمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَيِ الْآتِي وقال بن الْمَلَكِ قِيلَ الْتِفَاتُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَرَّةً أَوْ مِرَارًا قَلِيلَةً لِبَيَانِ أَنَّهُ غَيْرُ مُبْطِلٍ أَوْ كَانَ لِشَيْءٍ ضَرُورِيٍّ فَإِنْ كَانَ أَحَدٌ يلوي عنه خَلْفَ ظَهْرِهِ أَيْ يُحَوِّلُ صَدْرَهُ عَنِ الْقِبْلَةِ فَهُوَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَدْ أخرج الحازمي حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ إلخ ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ مُتَّصِلًا وَأَرْسَلَهُ غَيْرُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ ميركُ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرُوِيَ مُرْسَلًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا حَسَنٌ غَرِيبٌ

قَوْلُهُ (وَقَدْ خَالَفَ وَكِيعٌ الْفَضْلَ بْنَ مُوسَى فِي رِوَايَتِهِ) فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ مُرْسَلًا كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ إلخ [588] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَرَدَ فِي كَرَاهِيَةِ الِالْتِفَاتِ صَرِيحًا عَلَى غَيْرِ شَرْطِ الْبُخَارِيِّ عِدَّةُ أحاديث منها عند أحمد وبن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رَفَعَهُ لَا يَزَالُ اللَّهُ مُقْبِلًا عَلَى الْعَبْدِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فَإِذَا صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْهُ انْصَرَفَ وَمِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيِّ نَحْوَهُ وَزَادَ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا وَأَخْرَجَ الْأَوَّلَ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالِالْتِفَاتِ الْمَذْكُورِ مَا لَمْ يَسْتَدْبِرِ الْقِبْلَةَ بِصَدْرِهِ أَوْ عُنُقِهِ كُلِّهُ وَسَبَبُ كَرَاهَةِ الِالْتِفَاتِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِنَقْصِ الْخُشُوعِ أَوْ لِتَرْكِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِبَعْضِ الْبَدَنِ انْتَهَى [589] قَوْلُهُ (يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ بِتَحْوِيلِ الْوَجْهِ (فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ هَلَاكٌ لِأَنَّهُ طَاعَةُ الشَّيْطَانِ وَهُوَ سَبَبُ الْهَلَاكِ قَالَ ميركُ الْهَلَاكُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ افْتِقَادُ الشَّيْءِ عِنْدَكَ وهو عند غيرك عندك موجود كقوله تعالى (هلك عني سلطانية) وَهَلَاكُ الشَّيْءِ بِاسْتِحَالَتِهِ وَالثَّالِثُ الْمَوْتُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إن امرؤ هلك وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْهَلَكَةُ الْهَلَاكُ وَهُوَ اسْتِحَالَةُ الشَّيْءِ وفساده لقوله تعالى ويهلك الحرث والنسل وَالصَّلَاةُ بِالِالْتِفَاتِ تَسْتَحِيلُ مِنَ الْكَمَالِ إِلَى الِاخْتِلَاسِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ (فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ) أَيْ مِنْ الِالْتِفَاتِ (فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ) لِأَنَّ مَبْنَى التَّطَوُّعِ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَفِيهِ الْإِذْنُ بِالِالْتِفَاتِ لِلْحَاجَةِ فِي التَّطَوُّعِ وَالْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ

باب ما ذكر في الرجل يدرك الامام ساجدا

قوله (هذا حديث حسن) ذكر الحافظ بن تَيْمِيَةَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ [590] قَوْلُهُ (قَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ) افْتِعَالٌ مِنَ الْخَلْسِ وَهُوَ السَّلْبُ أَيِ اسْتِلَابٌ وَأَخْذٌ بِسُرْعَةٍ وَقِيلَ شَيْءٌ يُخْتَلَسُ بِهِ (يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ) أَيْ يَحْمِلُهُ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالْجُمْهُورِ وَأَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ مَا لَمْ يَبْلُغْ إِلَى حَدِّ اسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَالْحِكْمَةُ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُ مَا فِيهِ مِنْ نَقْضِ الْخُشُوعِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمِ التَّصْمِيمِ عَلَى مُخَالَفَةِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَافِظَ الْحَازِمِيَّ قَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى نَسْخِ الِالْتِفَاتِ بِحَدِيثٍ رواه بإسناده إلى بن سِيرِينَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ نَظَرَ هَكَذَا وَهَكَذَا فَلَمَّا نَزَلَ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خاشعون نظر هكذا قال بن شِهَابٍ بِبَصَرِهِ نَحْوَ الْأَرْضِ قَالَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَلَهُ شَوَاهِدُ وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ قُلْتُ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ كَلَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ 4 - (بَاب مَا ذُكِرَ فِي الرَّجُلِ يُدْرِكُ الامام ساجدا) كَيْفَ يَصْنَعُ [591] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُونُسَ الكوفي) اللؤلؤي أبو القاسم ثقة روي عن بن عيينة

وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (أَخْبَرَنَا الْمُحَارِبِيُّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ اخْتَلَطَ بِأَخَرَةٍ (عَنْ هبيرة) بضم الهاء وفتح الموحدة بن مريم عَلَى وَزْنِ عَظِيمٍ الْكُوفِيِّ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْهُ أبو إسحاق السبيعي وثقه بن حِبَّانَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ عِيبَ بِالتَّشَيُّعِ (وَعَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَنْ هُبَيْرَةَ فَإِنَّ هُبَيْرَةَ وَعَمْرَو بْنَ مُرَّةَ كِلَيْهِمَا مِنْ شُيُوخِ أَبِي إِسْحَاقَ قَوْلُهُ (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الصَّلَاةَ وَالْإِمَامُ عَلَى حَالٍ) أَيْ مِنْ قِيَامٍ أَوْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ قُعُودٍ (فَلْيَصْنَعْ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ) أَيْ فَلْيُوَافِقِ الْإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْقِيَامِ أَوِ الرُّكُوعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَيْ فَلَا يَنْتَظِرِ الْإِمَامَ إِلَى الْقِيَامِ كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ فِيهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ صَفْحَةَ 1343 وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ضَعْفٌ لَكِنَّهُ يَشْهَدُ لَهُ مَا عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي داود من حديث بن أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ قَالَ أُحِيلَتِ الصَّلَاةُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَجَاءَ مُعَاذٌ فَقَالَ لَا أَجِدُهُ عَلَى حَالٍ أَبَدًا إِلَّا كُنْتُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَضَيْتُ مَا سَبَقَنِي قَالَ فَجَاءَ وَقَدْ سَبَقَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِهَا قَالَ فَقُمْتُ مَعَهُ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَامَ يَقْضِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَنَّ لَكُمْ مُعَاذٌ فَهَكَذَا فَاصْنَعُوا وبن أَبِي لَيْلَى وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذٍ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ مُعَاذٌ لَا أَرَاهُ عَلَى حَالٍ إِلَّا كُنْتُ عَلَيْهَا الحديث ويشهد له أيضا ما رواه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ مَرْفُوعًا مَنْ وَجَدَنِي رَاكِعًا أَوْ قَائِمًا أَوْ سَاجِدًا فَلْيَكُنْ مَعِي عَلَى حَالَتِي الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا وَمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أُنَاسٍ من أهل المدينة مثل لفظ بن أَبِي شَيْبَةَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُ فِي الْحَالِ الَّتِي أَدْرَكَهُ عَلَيْهَا مُكَبِّرًا مُعْتَدًّا بِذَلِكَ التَّكْبِيرِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّ بِمَا أَدْرَكَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ كَمَنْ يُدْرِكُ الْإِمَامَ فِي حَالِ سُجُودِهِ أَوْ قُعُودِهِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ

قَوْلُهُ (وَلَا تُجْزِئُهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ إِذَا فَاتَهُ الرُّكُوعُ مَعَ الْإِمَامِ) وَأَمَّا إِذَا أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مع الامام فتجزؤه تِلْكَ الرَّكْعَةُ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ فَقَالُوا إِنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا دَخَلَ مَعَهُ وَاعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ شَيْئًا مِنَ الْقِرَاءَةِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا تجزئه تلك الركعة إذا فاته القيام قراءة فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَإِنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مَعَ الْإِمَامِ وقد ذهب إلى هذا أهل الظاهر وبن خزيمة وأبو بكر الضبعي روى ذلك بن سَيِّدِ النَّاسِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَذَكَرَ فِيهِ حاكيا عمن روى عن بن خُزَيْمَةَ أَنَّهُ احْتَجَّ لِذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ فَلْيَرْكَعْ مَعَهُ وَلْيُعِدِ الرَّكْعَةَ وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ إِنْ أَدْرَكْتَ الْقَوْمَ رُكُوعًا لَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ فَقَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا وَأَمَّا الْمَرْفُوعُ فَلَا أَصْلَ لَهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ إن أبا عاصم العبادي حكى عن بن خُزَيْمَةَ أَنَّهُ احْتَجَّ بِهِ وَقَدْ حَكَى هَذَا الْمَذْهَبَ الْبُخَارِيُّ فِي الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ عَنْ كُلِّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَحَكَاهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوَّاهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ وَرَجَّحَهُ الْمُقْبِلِيُّ قَالَ وَقَدْ بَحَثْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَحَطْتُهَا فِي جَمِيعِ بَحْثِي فِقْهًا وَحَدِيثًا فَلَمْ أَحْصُلْ مِنْهَا عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْتُ يَعْنِي مِنْ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ فَقَطْ وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مِنَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ فِي صَلَاتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إِلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ من طريق يسين بْنِ مُعَاذٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمُ الرَّكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ وَإِذَا أَدْرَكَ رَكْعَةً فَلْيَرْكَعْ إِلَيْهَا أُخْرَى وَلَكِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْحَرَّانِيِّ وَمِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ أَبِي الْأَخْضَرِ وَسُلَيْمَانُ مَتْرُوكٌ وَصَالِحٌ ضَعِيفٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْجُمُعَةِ فِي كِلَا الرِّوَايَتَيْنِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ غَيْرَ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِهَا وَكَذَا بِالرَّكْعَةِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْمُدَّعَى لِأَنَّ الرَّكْعَةَ حَقِيقَةٌ لِجَمِيعِهَا وَإِطْلَاقُهَا عَلَى الرُّكُوعِ وَمَا بَعْدَهُ مَجَازٌ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا لِقَرِينَةٍ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بِلَفْظِ فَوَجَدْتُ قِيَامَهُ فَرَكْعَتَهُ فَاعْتِدَالَهُ فَسَجْدَتَهُ فَإِنَّ وُقُوعَ الرَّكْعَةِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِيَامِ وَالِاعْتِدَالِ وَالسُّجُودِ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الرُّكُوعُ وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِأَلْفَاظٍ لَا تَخْلُو طُرُقُهَا عَنْ مَقَالٍ حَتَّى قال بن أبي

باب كراهية أن ينتظر الناس الامام وهم قيام

حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ لَا أَصْلَ لِهَذَا الْحَدِيثِ إِنَّمَا الْمَتْنُ مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً فَقَدْ أَدْرَكَهَا وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ والعقيلي وأخرجه بن خُزَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَهَا قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ الْإِمَامُ صُلْبَهُ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ لِمَطْلُوبِهِمْ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ أَنَّ مُسَمَّى الرَّكْعَةِ جَمِيعَ أَرْكَانِهَا وَأَذْكَارِهَا حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَعُرْفِيَّةٌ وَهُمَا مُقَدِّمَتَانِ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الأصول فلا يصح جعل حديث بن خُزَيْمَةَ وَمَا قَبْلَهُ قَرِينَةً صَارِفَةً عَنِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَإِنْ قُلْتَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ عَلَى هَذَا فِي التَّقْيِيدِ بِقَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ يُقِيمَ صُلْبَهُ قُلْتُ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ مَنْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَرَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْهَا غَيْرُ مُدْرِكٍ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْجُمْهُورِ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ حَيْثُ صَلَّى خَلْفَ الصَّفِّ مَخَافَةَ أَنْ تَفُوتَهُ الرَّكْعَةُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ وَلَمْ يَأْمُرْ بِإِعَادَةِ الرَّكْعَةِ فَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَمَا لَمْ يَأْمُرْ بِالْإِعَادَةِ فَلَمْ يُنْقَلْ إِلَيْنَا أَنَّهُ اعْتَدَّ بِهَا وَالدُّعَاءُ بِالْحِرْصِ لَا يَسْتَلْزِمُ الِاعْتِدَادَ بِهَا لِأَنَّ الْكَوْنَ مَعَ الْإِمَامِ مَأْمُورٌ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّيْءُ الَّذِي يُدْرِكُهُ الْمُؤْتَمُّ مُعْتَدًّا بِهِ أَمْ لَا كَمَا فِي حَدِيثِهِ إِذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى أَبَا بَكْرَةَ عَنِ الْعَوْدِ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ وَالِاسْتِدْلَالُ بِشَيْءٍ قَدْ نُهِيَ عَنْهُ لَا يَصِحُّ كَذَا ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قُلْتُ وَاسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ مُدْرِكَ الرُّكُوعِ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ إِذَا فَاتَهُ الْقِيَامُ وَقِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ بِحَدِيثِ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَبِحَدِيثِ مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ لِلْأَمْرِ بِإِتْمَامِهِ مَا فَاتَهُ لِأَنَّهُ فَاتَهُ الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ فِيهِ ثُمَّ قَالَ حُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ انْتَهَى قُلْتُ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ أن من أدرك الإمام راكعا لم يحتسب لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَوَاقِعَةُ عَيْنٍ فَتَفَكَّرْ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 5 - (بَاب كَرَاهِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ النَّاسُ الْإِمَامَ وَهُمْ قِيَامٌ) عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ [592] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ مُوسَى أَبُو الْعَبَّاسِ السِّمْسَارُ الْمَعْرُوفُ بِمَرْدَوَيْهِ ثِقَةٌ حَافِظٌ

قَوْلُهُ (إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ) أَيْ إِذَا ذُكِرَ أَلْفَاظُ الْإِقَامَةِ (فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي خَرَجْتُ) أَيْ مِنَ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ فَقُومُوا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ لَمْ أَسْمَعْ فِي قِيَامِ النَّاسِ حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ بِحَدٍّ مَحْدُودٍ إِلَّا أَنِّي أَرَى ذَلِكَ عَلَى طَاقَةِ النَّاسِ فَإِنَّ مِنْهُمُ الثَّقِيلَ وَالْخَفِيفَ وَذَهَبَ الأكثرون إلا أَنَّهُمْ إذَا كَانَ الْإِمَامُ مَعَهُمْ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَقُومُوا حَتَّى تَفْرُغَ الْإِقَامَةُ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قامت الصلاة رواه بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَجَبَ الْقِيَامُ وَإِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ عُدِّلَتِ الصُّفُوفُ وَإِذَا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَبَّرَ الْإِمَامُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُومُونَ إِذَا قَالَ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَإِذَا قَالَ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ كَبَّرَ الْإِمَامُ وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُمْ لَا يَقُومُونَ حَتَّى يَرَوْهُ وَخَالَفَ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي شَرَحْنَا وَحَدِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ الْإِقَامَةِ وَالْإِمَامُ فِي مَنْزِلِهِ إِذَا لم يسمعها وَتَقَدَّمَ إِذْنُهُ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ تُقَامُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِهِ وَهُوَ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ لَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ بِلَالًا كَانَ يُرَاقِبُ خُرُوجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوَّلَ مَا يَرَاهُ يَشْرَعُ فِي الْإِقَامَةِ قَبْلَ أَنْ يَرَوْهُ ثُمَّ إِذَا رَأَوْهُ قَامُوا فَلَا يَقُومُ فِي مَقَامِهِ حَتَّى تَعْتَدِلَ صُفُوفُهُمْ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ تُقَامُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فيأخذ النَّاسُ مَقَامَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ بِأَنَّ ذَلِكَ رُبَّمَا وَقَعَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَبِأَنَّ صَنِيعَهُمْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ سَبَبَ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ سَاعَةَ تُقَامُ الصَّلَاةُ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يقع له شغل يبطى فِيهِ عَنِ الْخُرُوجِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِمُ انْتِظَارُهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِاخْتِصَارٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ تُقَامُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَصَافَّهُمْ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَامَهُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ قِيَامًا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ إِلَيْنَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب ما ذكر في الثناء على الله والصلاة على النبي

قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أخرجه الجماعة إلا بن مَاجَهْ وَلَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ فِيهِ قَدْ خَرَجْتُ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَإِنَّمَا يَقُومُونَ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وهو قول بن الْمُبَارَكِ) لَمْ أَرَ فِي هَذَا حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا نَعَمْ فِيهِ أَثَرُ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي عِبَارَةِ الْحَافِظِ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ فَرُّوخٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْفَى قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ بِلَالٌ قَدْ قَامَتِ الصَّلَاةُ نَهَضَ فَكَبَّرَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَقَالَ حَجَّاجُ بْنُ فَرُّوخٍ ضَعِيفٌ جِدًّا 6 - (بَاب مَا ذُكِرَ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الدُّعَاءِ [593] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ) بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ أَبُو زَكَرِيَّا ثِقَةٌ حَافِظٌ فَاضِلٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ مَاتَ سَنَةَ 302 ثَلَاثٍ وَمِائَتَيْنِ (أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ) الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ مُخْتَلَفٌ فِي اسْمِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا اسْمَ لَهُ إِلَّا كُنْيَتُهُ ثِقَةٌ عَابِدٌ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَبُرَ سَاءَ حِفْظُهُ وَكِتَابُهُ صَحِيحٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ وَالتَّقْرِيبِ (عَنْ عَاصِمِ) بْنِ بَهْدَلَةَ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ حُجَّةٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَحَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَقْرُونٌ (عَنْ زِرٍّ) بِكَسْرِ الزَّايِ المعجمة وتشديد الراء المهملة بن حُبَيْشٍ بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ مُصَغَّرًا ثِقَةٌ جَلِيلٌ مخضرم (عن عبد الله) هو بن مسعود

باب ما ذكر في تطييب المساجد

قَوْلُهُ (كُنْتُ أُصَلِّي) أَيِ الصَّلَاةَ ذَاتَ الْأَرْكَانِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ الْآتِي فَلَمَّا جَلَسْتُ (وَالنَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم) أي حَاضِرٌ أَوْ جَالِسٌ وَنَحْوُهُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مَعَهُ) جُمْلَةٌ أُخْرَى مَعْطُوفَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى وَهِيَ حَالٌ مِنْ فَاعِلٍ أَصْلِيٍّ (سَلْ تُعْطَهْ) الْهَاءُ إِمَّا لِلسَّكْتِ كَقَوْلِهِ حِسَابِيَهْ وَإِمَّا ضَمِيرٌ لِلْمَسْئُولِ عَنْهُ لِدَلَالَةِ سَلْ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ) قَالَ بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قاعد إذا دَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجِلْتَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي إِذَا صَلَّيْتَ فَقَعَدْتَ فَاحْمَدِ اللَّهَ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَصَلِّ عَلَيَّ ثُمَّ ادْعُهُ قَالَ ثُمَّ صَلَّى رَجُلٌ آخَرُ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا الْمُصَلِّي ادْعُ تُجَبْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ نَحْوَهُ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه بن مَاجَهْ 7 - (بَاب مَا ذُكِرَ فِي تَطْيِيبِ الْمَسَاجِدِ) [594] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْبَغْدَادِيُّ) الذِّمِّيُّ أبو جعفر الخرساني ثُمَّ الْبَغْدَادِيُّ ثِقَةٌ رَوَى عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ (أَخْبَرَنَا عَامِرُ بْنُ صَالِحٍ الزُّبَيْرِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَامِرُ بْنُ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ الْقُرَشِيُّ الزُّبَيْرِيُّ الْمَدَنِيُّ نَزَلَ بَغْدَادَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ أَفْرَطَ فِيهِ بن مَعِينٍ فَكَذَّبَهُ وَكَانَ عَالِمًا بِالْأَخْبَارِ مِنَ الثَّامِنَةِ

قَوْلُهُ (أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ) فَسَّرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ الدُّورَ بِالْقَبَائِلِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ وَقَالَ فِي الْمِرْقَاةِ هُوَ جَمْعُ دَارٍ وَهُوَ اسم جامع للبناء والعرصية وَالْمَحَلَّةِ وَالْمُرَادُ الْمَحَلَّاتُ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ الْمَحَلَّةَ الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهَا قَبِيلَةٌ دَارًا أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى اتِّخَاذِ بَيْتٍ فِي الدَّارِ لِلصَّلَاةِ كَالْمَسْجِدِ يصلي فيه أهل البيت قاله بن الْمَلَكِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَحِكْمَةُ أَمْرِهِ لِأَهْلِ كُلِّ مَحَلَّةٍ بِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فِيهَا أَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَشُقُّ عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةٍ الذَّهَابُ لِلْأُخْرَى فَيُحْرَمُونَ أَجْرَ الْمَسْجِدِ وَفَضْلَ إِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ فَأُمِرُوا بِذَلِكَ لِيَتَيَسَّرَ لِأَهْلِ كُلِّ مَحَلَّةٍ الْعِبَادَةُ فِي مَسْجِدِهِمْ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ تَلْحَقُهُمْ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ قَالَ عَطَاءٌ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْأَمْصَارَ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَبْنُوا مَسْجِدَيْنِ يُضَارُّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ وَمِنَ الْمُضَارَّةِ فِعْلُ تَفْرِيقِ الْجَمَاعَةِ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مَسْجِدٌ يَسَعُهُمْ فَإِنَّ ذَاكَ سُنَّ تَوْسِعَتَهُ أَوِ اتِّخَاذَ مَسْجِدٍ يَسَعُهُمُ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَأَنْ تُنَظَّفَ) بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أي تطهر كما في رواية بن مَاجَهْ وَالْمُرَادُ تَنْظِيفُهَا مِنَ الْوَسَخِ وَالدَّنَسِ وَالنَّتْنِ وَالتُّرَابِ (وَتُطَيَّبَ) بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ أَيْ بِالرَّشِّ أَوِ الْعِطْرِ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ التَّطْيِيبُ عَلَى التَّجْمِيرِ في المسجد قال في المرقاة قال بن حَجَرٍ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَجْمِيرُ الْمَسْجِدِ بِالْبَخُورِ خِلَافًا لِمَالِكٍ حَيْثُ كَرِهَهُ فَقَدْ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُجَمِّرُ الْمَسْجِدَ إِذَا قَعَدَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ السَّلَفِ التَّخْلِيقَ بِالزَّعْفَرَانِ وَالطِّيبِ وَرُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِعْلُهُ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ هُوَ سُنَّةٌ وَأَخْرَجَ بن أبي شيبة أن بن الزُّبَيْرِ لَمَّا بَنَى الْكَعْبَةَ طَلَى حِيطَانَهَا بِالْمِسْكِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا كَنْسُ الْمَسْجِدِ وَتَنْظِيفُهُ وَقَدْ روى بن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَتَّبِعُ غُبَارَ الْمَسْجِدِ بِجَرِيدَةٍ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ [595] قَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ الْمُرْسَلُ بِغَيْرِ ذِكْرِ عَائِشَةَ (أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ عَامِرَ بْنَ صَالِحٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ مَرْفُوعًا وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أبو

باب ما جاء أن صلاة الليل والنهار مثنى مثنى

داود وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى) [597] قَوْلُهُ (عَنْ علي الأزدي) هو بن عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ الثَّالِثَةِ (قَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى) قد فسر بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَاوِي الْحَدِيثِ مَعْنَى مَثْنَى مَثْنَى فَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ حُرَيْثٍ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ مَا مَعْنَى مَثْنَى مَثْنَى قَالَ تُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَعْنَى مَثْنَى مَثْنَى أَنْ يَتَشَهَّدَ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ بِهِ وَمَا فَسَّرَهُ بِهِ هُوَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الْفَهْمِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا إِنَّهَا مَثْنَى مَثْنَى قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمَدَنِيِّ ضَعِيفٌ عَابِدٌ (عَنْ نَافِعٍ عَنِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هَذَا) أَيْ نَحْوُ حَدِيثِ عَلِيٍّ الأزدي المذكور (والصحيح ما روي عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى) أَيْ بِغَيْرِ ذِكْرِ النَّهَارِ وَكَذَا هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَرَوَى الثِّقَاتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ صَلَاةَ النَّهَارِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِنَّ أَكْثَرَ الْأَئِمَّةِ أَعَلُّوا هَذِهِ

الزِّيَادَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ وَالنَّهَارِ بِأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ أصحاب بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَذْكُرُوهَا عَنْهُ وَحَكَمَ النَّسَائِيُّ عَلَى رَاوِيهَا بِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِيهَا وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ مَنْ عَلِيٌّ الْأَزْدِيُّ حَتَّى أَقْبَلَ مِنْهُ انْتَهَى (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عبيد الله عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وبالنهار أربعا) أخرج الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ ثُمَّ بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَرْبَعًا قَالَ الطحاوي فاستحال أن يكون بن عُمَرَ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَوَى عَنْهُ الْبَارِقِيُّ ثُمَّ يَفْعَلُ خلاف ذلك انتهى وقال الحافظ بن عبد البر في التمهيد بإسناده عن بن مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ صَلَاةُ النَّهَارِ أَرْبَعٌ لَا تفصل بينهن فقيل له إن بن حَنْبَلٍ يَقُولُ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى فَقَالَ بِأَيِّ حَدِيثٍ فَقِيلَ لَهُ بِحَدِيثِ الْأَزْدِيِّ عن بن عُمَرَ فَقَالَ وَمَنْ عَلِيٌّ الْأَزْدِيُّ حَتَّى أَقْبَلَ هَذَا مِنْهُ وَأَدَعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيَّ عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَطَوَّعُ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ لَوْ كَانَ حَدِيثُ الْأَزْدِيِّ صَحِيحًا لم يخالفه بن عمر انتهى وقال الحافظ روى بن وهب بإسناد قوي عن بن عُمَرَ قَالَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى موقوفا أخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ فَلَعَلَّ الْأَزْدِيَّ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ الْمَوْقُوفُ بِالْمَرْفُوعِ فَلَا تَكُونُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ صَحِيحَةً عَلَى طَرِيقَةِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِي الصَّحِيحِ أَنْ لَا يَكُونَ شَاذًّا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ فَرَأَى بَعْضُهُمْ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَارَ الْجُمْهُورُ التَّسْلِيمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَالَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ الَّذِي أَخْتَارُهُ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِنْ صَلَّى بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا فَلَا بَأْسَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَرَأَوْا صَلَاةَ التَّطَوُّعِ بِالنَّهَارِ أَرْبَعًا مِثْلَ الْأَرْبَعِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَغَيْرِهَا مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وهو قول سفيان الثوري وبن

الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ) اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَفْهُومِ حَدِيثِ بن عُمَرَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى قَالُوا إِنَّهُ يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى إِنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ أَنْ تَكُونَ أَرْبَعًا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الرَّاجِحِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْأَخْذِ بِهِ فَلَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ بِأَرْبَعٍ وَبِأَنَّهُ خَرَجَ جَوَابًا لِلسُّؤَالِ عَنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَقُيِّدَ الْجَوَابُ بِذَلِكَ مُطَابَقَةً لِلسُّؤَالِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهِنَّ تَسْلِيمٌ تُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ عُبَيْدَةَ بْنَ مُعَتِّبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ مَا لَفْظُهُ بَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ قَالَ لَوْ حَدَّثْتُ عَنْ عُبَيْدَةَ بِشَيْءٍ لَحَدَّثْتُ عَنْهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ عُبَيْدَةُ ضَعِيفٌ انْتَهَى وَقَالَ المنذري عبيدة هذا هو بن مُعَتِّبٍ الضَّبِّيُّ الْكُوفِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ عُبَيْدَةُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بَلْ تَابَعَهُ بُكَيْرُ بْنُ عَامِرٍ الْبَجَلِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ عِنْدَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فِي الْمُوَطَّأِ قُلْتُ نَعَمْ لَكِنَّ بُكَيْرَ بْنَ عَامِرٍ الْبَجَلِيَّ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ بُكَيْرُ بْنُ عَامِرٍ الْبَجَلِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ انْتَهَى وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَثَرِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانُوا لَا يَفْصِلُونَ بَيْنَ أَرْبَعٍ قَبْلَ الظُّهْرِ بِتَسْلِيمٍ إِلَّا بِالتَّشَهُّدِ وَلَا أَرْبَعٍ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَلَا أَرْبَعٍ بَعْدَهَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْحُجَجِ وَفِيهِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيَّ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ إِلَّا عَائِشَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا وأدرك أناسا وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ فَالَّذِينَ كَانُوا لَا يَفْصِلُونَ بَيْنَ أَرْبَعٍ هُمُ التَّابِعُونَ فَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْأَثَرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَرْبَعٌ أَرْبَعٌ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وطولهن الحديث قال بن الْهُمَامِ فَهَذَا الْفَصْلُ يُفِيدُ الْمُرَادَ وَإِلَّا لَقَالَتْ ثَمَانِيًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ قُلْتُ اخْتِلَافُ الْأَئِمَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنَّمَا هُوَ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى وَأَمَّا صَلَاةُ النَّهَارِ فَإِنْ شَاءَ صَلَّى أَرْبَعًا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ أَوْ بِسَلَامَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مَا لَفْظُهُ وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي آخِرِهَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْوَصْلِ إِلَّا أَنَّا نَخْتَارُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ ركعتين لكونه

باب كيف كان تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار

أَجَابَ بِهِ السَّائِلَ وَلِكَوْنِ أَحَادِيثِ الْفَصْلِ أَثْبَتُ وَأَكْثَرَ طُرُقًا انْتَهَى وَأَمَّا الثَّانِي فَلِحَدِيثِ عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ الْمَذْكُورِ وَلِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبٍ الْمَذْكُورِ وَفِيهِمَا كَلَامٌ كَمَا عَرَفْتَ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 9 - (بَاب كَيْفَ كَانَ تَطَوُّعُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهَارِ) [598] قَوْلُهُ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ) السَّلُولِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (فَقَالَ إِنَّكُمْ لَا تُطِيقُونَ ذَلِكَ) أي الدوام والمواظبة على ذلك وعند بن مَاجَهْ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَلَّ مَنْ يُدَاوِمُ عَلَيْهَا (فَقُلْنَا مَنْ أَطَاقَ ذَلِكَ مِنَّا) خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَخْذَهُ وَفَعَلَهُ وَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ فَقُلْنَا أَخْبَرَنَا بِهِ نَأْخُذْ مِنْهُ مَا استطعنا (إذا كانت الشمس من ها هنا) زاد في رواية بن مَاجَهْ يَعْنِي مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ (كَهَيْئَتِهَا مِنْ ها هنا) يَعْنِي مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ كَمَا فِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ (عِنْدَ الْعَصْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ مِنْ جَانِبِ الْمَشْرِقِ مِقْدَارَ ارْتِفَاعِهَا مِنْ جَانِبِ الْمَغْرِبِ وَقْتَ الْعَصْرِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهِيَ صَلَاةُ الضُّحَى وَقِيلَ هِيَ صَلَاةُ الْإِشْرَاقِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ بَعْدَ الْمِثْلَيْنِ قُلْتُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ صَلَاةِ الْإِشْرَاقِ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ يصليها النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَظَاهِرٌ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ غَيْرُ صَلَاةِ الْإِشْرَاقِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْ صَلَاةِ الْإِشْرَاقِ غَيْرَهَا فَلَا يَصِحُّ الِاسْتِدْلَالُ فَتَفَكَّرْ وَقَدْ سَمَّى صَاحِبُ إِنْجَاحِ الْحَاجَةِ هَذِهِ الصَّلَاةَ الضَّحْوَةَ الصُّغْرَى وَالصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ الْآتِيَةَ فِي الْحَدِيثِ الضَّحْوَةَ الْكُبْرَى حَيْثُ قَالَ هَذِهِ الصَّلَاةُ هِيَ الضَّحْوَةُ الصُّغْرَى وَهُوَ وَقْتُ الْإِشْرَاقِ وَهَذَا الْوَقْتُ هُوَ أَوْسَطُ وَقْتِ الْإِشْرَاقِ وَأَعْلَاهَا وَأَمَّا دُخُولُ وَقْتِهِ فَبَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَارْتِفَاعِهَا مِقْدَارَ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ حِينَ تَصِيرُ الشَّمْسُ بَازِغَةً وَيَزُولُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ الضَّحْوَةُ الْكُبْرَى انتهى (وإذا كانت الشمس من ها هنا) أي من جانب المشرق

(كهيئتها من ها هنا) أَيْ مِنْ جَانِبِ الْمَغْرِبِ (عِنْدَ الظُّهْرِ صَلَّى أَرْبَعًا) وَهِيَ الضَّحْوَةُ الْكُبْرَى وَيَفْصِلُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ قَالَ الْعِرَاقِيُّ حَمَلَ بَعْضُهُمْ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَصْلِ بالتسليم والتشهد لِأَنَّ فِيهِ السَّلَامَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ قَالَهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ كَانَ يَرَى صَلَاةَ النَّهَارِ أَرْبَعًا قَالَ وَفِيمَا أَوَّلَهُ عَلَيْهِ بُعْدٌ انْتَهَى كَلَامُ الْعِرَاقِيِّ قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا فِي بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَرْبَعِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَذَكَرَ هُنَاكَ قَوْلَ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَلَا بُعْدَ عِنْدِي فِيمَا أَوَّلَهُ عَلَيْهِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ الْقَرِيبُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ إِذِ النَّبِيُّونَ وَالْمُرْسَلُونَ لَا يَحْضُرُونَ الصَّلَاةَ حَتَّى يَنْوِيَهُمُ الْمُصَلِّي بِقَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَكَيْفَ يُرَادُ بِالتَّسْلِيمِ تَسْلِيمُ التَّحَلُّلِ مِنَ الصَّلَاةِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْبَغَوِيُّ الْمُرَادُ بِالتَّسْلِيمِ التَّشَهُّدُ دُونَ السَّلَامِ أَيْ وَسُمِّيَ تَسْلِيمًا عَلَى مَنْ ذَكَرَ لِاشْتِمَالِهِ عَلَيْهِ وكذا قاله بن الْمَلَكِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى جِبْرَائِيلَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ انْتَهَى مَا فِي المرقاة وأما قول بن حَجَرٍ الْمَكِّيِّ لَفْظُ الْحَدِيثِ يَأْبَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالتَّسْلِيمِ فِيهِ لِلتَّحَلُّلِ مِنَ الصَّلَاةِ فَيُسَنُّ لِلْمُسْلِمِ مِنْهَا أَنْ يَنْوِيَ بِقَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ مَنْ عَلَى يَمِينِهِ وَعَلَى يَسَارِهِ وَخَلْفَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَمُؤْمِنِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ انْتَهَى فَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ مَسْنُونًا لِلْمُصَلِّي أَنْ يَنْوِيَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَالْحَالُ أَنَّ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ لَا يَحْضُرُونَ الصَّلَاةَ وَلَا يَكُونُونَ عَلَى يَمِينِ الْمُصَلِّي وَلَا عَلَى يَسَارِهِ وَخَلْفَهُ فَتَأَمَّلْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه بن ماجه والنسائي

[599] قَوْلُهُ (قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ مَخْلَدٍ الْحَنْظَلِيُّ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ رَاهَوَيْهِ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مُجْتَهِدٌ قَرِينُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ (أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي تَطَوُّعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهَارِ هَذَا) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ لعله أراد بكونه أحسن بشيء فِي تَطَوُّعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهَارِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى سِتِّ عَشْرَةَ رَكْعَةً دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ زاد بن مَاجَهْ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَكِيعٌ زَادَ فِيهِ أَبِي فَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ يَا أَبَا إِسْحَاقَ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِحَدِيثِكَ هَذَا مِلْءَ مَسْجِدِكَ هَذَا ذَهَبًا انتهى (وروي عن بن الْمُبَارَكِ أَنَّهُ كَانَ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ) الظَّاهِرُ أَنَّ تَضْعِيفَهُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا سَتَعْرِفُ (وَإِنَّمَا ضَعَّفُهُ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهُ لَا يُرْوَى مِثْلُ هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَخْ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عَاصِمُ بْنُ ضمرة صاحب علي وثقه بن معين وبن الْمَدِينِيِّ وَقَالَ أَحْمَدُ هُوَ أَعْلَى مِنَ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ وَهُوَ عِنْدِي حُجَّةٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ به بأس وأما بن عَدِيٍّ فَقَالَ يَنْفَرِدُ عَلَى عَلِيٍّ بِأَحَادِيثَ وَالْبَلِيَّةُ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ سَمِعْتُ مُغِيرَةَ يَقُولُ لَمْ يَصْدُقْ فِي الْحَدِيثِ عَلَى علي إلا أصحاب بن مسعود وقال بن حِبَّانَ رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَالْحَكَمُ رَدِيءَ الْحِفْظِ فَاحِشَ الْخَطَأِ يَرْفَعُ عَنْ عَلِيٍّ قَوْلَهُ كَثِيرًا فَاسْتَحَقَّ التَّرْكَ عَلَى أَنَّهُ أَحْسَنُ حَالًا من الحارس وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ رَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ تَطَوَّعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّ عَشْرَةَ رَكْعَةً رَكْعَتَيْنِ عِنْدَ الثَّالِثَةِ مِنَ النَّهَارِ ثُمَّ أَرْبَعًا قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ أَرْبَعًا بَعْدَهُ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ ثُمَّ أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ أَمَا كَانَ الصَّحَابَةُ وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ يَحْكُونَ هَذَا إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي دهرهم يعني أن عائشة وبن عُمَرَ وَغَيْرَهُمَا حَكَوْا عَنْهُ خِلَافَ هَذَا وَعَاصِمُ بْنُ ضَمْرَةَ يَنْقُلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يُدَاوِمُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ثُمَّ خَالَفَ الْأُمَّةَ وَرَوَى كَانَ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الْإِبِلِ خَمْسُ شِيَاهٍ انْتَهَى كَلَامُ

باب في كراهية الصلاة في لحف النساء

الذَّهَبِيِّ 0 - (بَاب فِي كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي لُحُفِ النِّسَاءِ) بِضَمِّ اللَّامِ وَالْحَاءِ جَمْعُ لِحَافٍ بِكَسْرِ اللَّامِ وَهُوَ وَالْمِلْحَفَةُ اللِّبَاسُ الَّذِي فَوْقَ سَائِرِ اللِّبَاسِ مِنْ دِثَارِ الْبَرْدِ وَنَحْوِهِ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي [600] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ) بْنِ عُبَيْدِ بْنِ سُلَيْمٍ الْهُجَيْمِيُّ أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (عَنْ أشعث وهو بن عَبْدِ الْمَلِكِ) الْحُمْرَانِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ بَصْرِيٌّ يُكْنَى أبا هانئ ثِقَةٌ فَقِيهٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ) الْعُقَيْلِيِّ بِالضَّمِّ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ فِيهِ نَصْبٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (لَا يُصَلِّي فِي لُحُفِ نِسَائِهِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِي شَعْرِنَا أَوْ لُحُفِنَا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَجَنُّبِ ثِيَابِ النِّسَاءِ الَّتِي هِيَ مَظِنَّةٌ لِوُقُوعِ النَّجَاسَةِ فِيهَا وَكَذَلِكَ سَائِرُ الثِّيَابِ الَّتِي تَكُونُ كَذَلِكَ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الِاحْتِيَاطَ وَالْأَخْذَ بِالْيَقِينِ جَائِزٌ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ فِي الشَّرْعِ وَأَنَّ تَرْكَ الْمَشْكُوكِ فِيهِ مِنَ الْمُتَيَقَّنِ الْمَعْلُومِ جَائِزٌ وَلَيْسَ مِنْ نَوْعِ الْوَسْوَاسِ وَأَمَّا مَا وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ فِيهِ أَهْلَهُ مَا لَمْ يَرَ فِيهِ أَذًى فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَخْذِ بِالْمَئِنَّةِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْمَظِنَّةِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ رُخْصَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْنَا شِعَارُنَا وَقَدْ أَلْقَيْنَا فَوْقَهُ كِسَاءً فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب ما يجوز من المشي والعمل في صلاة التطوع

أَخَذَ الْكِسَاءَ فَلَبِسَهُ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى الْغَدَاةَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَى مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ وَأَنَا إِلَى جَنْبِهِ وَأَنَا حَائِضٌ وَعَلَيَّ مِرْطٌ وَعَلَيْهِ بَعْضُهُ قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ كُلُّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ تَجَنُّبِ ثِيَابِ النِّسَاءِ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْدُوبٌ فَقَطْ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الأحاديث انتهى 1 - (باب مَا يَجُوزُ مِنْ الْمَشْيِ وَالْعَمَلِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ) [601] قَوْلُهُ (عَنْ بُرْدٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ (بْنِ سِنَانٍ) بِكَسْرِ مُهْمَلَةٍ وَخِفَّةِ نُونٍ أُولَى الدِّمَشْقِيِّ نَزِيلِ الْبَصْرَةِ مَوْلَى قُرَيْشٍ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالْقَدَرِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ بن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (يُصَلِّي فِي الْبَيْتِ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ يُصَلِّي تَطَوُّعًا (وَالْبَابُ عَلَيْهِ مُغْلَقٌ) فِيهِ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ صَلَّى فِي بَيْتٍ بَابُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ أَنْ يُغْلِقَ الباب عليه ليكون سترة للمارين بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِيَكُونَ أَسْتَرَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَجِئْتُ فَاسْتَفْتَحْتُ (فَمَشَى حَتَّى فَتَحَ لِي) قال بن رَسْلَانَ هَذَا الْمَشْيُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مَشَى خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ أَوْ مَشَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ مُتَفَرِّقًا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهُوَ مِنَ التَّقْيِيدِ بِالْمَذْهَبِ وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ (ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِلَى مُصَلَّاهُ أَيْ رَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ عَلَى عَقِبَيْهِ (وَوَصَفَتِ الْبَابَ فِي الْقِبْلَةِ) أَيْ ذَكَرَتْ عَائِشَةُ أَنَّ الْبَابَ كَانَ إِلَى الْقِبْلَةِ أَيْ فَلَمْ يَتَحَوَّلْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا عِنْدَ مَجِيئِهِ إِلَيْهِ وَيَكُونُ رُجُوعُهُ إِلَى مُصَلَّاهُ عَلَى عَقِبَيْهِ إِلَى خَلْفٍ قَالَ الْأَشْرَفُ هَذَا قَطْعُ وَهْمِ مَنْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَلَعَلَّ تِلْكَ الْخُطُوَاتِ لَمْ تَكُنْ مُتَوَالِيَةً لِأَنَّ الْأَفْعَالَ الْكَثِيرَةَ إِذَا تَفَاصَلَتْ وَلَمْ تَكُنْ عَلَى الْوَلَاءِ لَمْ تُبْطِلِ الصَّلَاةَ قَالَ المظهرُ وَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمِشْيَةَ لَمْ تزد على خطوتين قال القارىء الْإِشْكَالُ بَاقٍ لِأَنَّ الْخُطْوَتَيْنِ مَعَ الْفَتْحِ وَالرُّجُوعِ عَمَلٌ كَثِيرٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ تِلْكَ الْفِعْلَاتُ لَمْ تَكُنْ مُتَوَالِيَاتٍ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا كُلُّهُ مِنَ التَّقَيُّدِ بِالْمَذْهَبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَمْثَالَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَوَالِيَةً قَالَ بن الْمَلَكِ مَشْيُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَفَتْحُهُ الْبَابَ ثُمَّ رُجُوعُهُ إِلَى مُصَلَّاهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ الْكَثِيرَةَ إِذَا تَتَوَالَى لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وإليه ذهب

باب ما ذكر في قراءة سورتين في ركعة

بعضهم انتهى كلامه قال القارىء وَهُوَ لَيْسَ بِمُعْتَمَدٍ فِي الْمَذْهَبِ انْتَهَى قُلْتُ ما قال بن الْمَلَكِ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لَكِنْ فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ عِنْدَ الْحَاجَةِ لَا مُطْلَقًا وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُعْتَمَدُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَمَدًا فِي الْمَذْهَبِ الْحَنَفِيِّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ 2 - (بَاب مَا ذُكِرَ فِي قِرَاءَةِ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ) [602] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ قَوْلُهُ (سَأَلَ رَجُلٌ) هُوَ نهيك بفتح النون وكسر الهاء بن سنان البجلي (عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ (عَنْ هَذَا الْحَرْفِ غَيْرِ آسِنٍ أَوْ يَاسِنٍ) يَعْنِي هَذَا اللَّفْظُ بِهَمْزَةٍ أَوْ بِيَاءٍ وَهَذَا اللَّفْظُ وَقَعَ فِي سُورَةِ مُحَمَّدٍ هَكَذَا (فيها أنهار من ماء غير آسن) الْآيَةَ أَيْ غَيْرِ مُتَغَيِّرٍ (قَالَ كُلَّ الْقُرْآنِ قَرَأْتَ غَيْرَ هَذَا) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَبِنَصَبِ كُلٍّ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ قَرَأْتَ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ أَيْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لِلرَّجُلِ أَكُلَّ الْقُرْآنِ قَرَأْتَ غَيْرَ هَذَا الْحَرْفِ (قَالَ نَعَمْ) أَيْ قَالَ الرَّجُلُ نَعَمْ قَرَأْتُ كُلَّ الْقُرْآنِ غَيْرَ هَذَا وَأَحْصَيْتُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ كَيْفَ تَقْرَأُ هَذَا الْحَرْفَ أَلِفًا تَجِدَهُ أَوْ يَاءً (مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ) أَوْ (مِنْ مَاءٍ غَيْرِ يَاسِنٍ) قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَكُلَّ الْقُرْآنِ قَدْ أَحْصَيْتَ غَيْرَ هَذَا قَالَ إِنِّي لَأَقْرَأَ الْمُفَصَّلَ فِي رَكْعَةٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ هَزًّا كَهَزِّ الشِّعْرِ إِنَّ أقواما يقرؤن الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وَلَكِنْ إِذَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ فَرَسَخَ فِيهِ نَفَعَ الْحَدِيثَ (يَنْثُرُونَ نَثْرَ الدَّقَلِ) أَيْ يَرْمُونَ بِكَلِمَاتِهِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ وَتَأَمُّلٍ كَمَا يُرْمَى الدَّقَلُ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ رَدِيءُ التَّمْرِ فَإِنَّهُ لِرَدَاءَتِهِ لَا يُحْفَظُ وَيُلْقَى مَنْثُورًا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ كَمَا يَتَسَاقَطُ الرُّطَبُ الْيَابِسُ مِنَ الْعِذْقِ إِذَا هُزَّ (لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ) جَمْعُ تَرْقُوَةٍ بِالْفَتْحِ وَهِيَ الْعَظْمُ بَيْنَ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ وَالصُّعُودِ فِي مَوْضِعِ الْعَرْضِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ معناه أن قوما يقرأون وَلَيْسَ حَظُّهُمْ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا مُرُورَهُ عَلَى اللِّسَانِ فَلَا يُجَاوِزُ

تَرَاقِيَهُمْ لِيَصِلَ قُلُوبَهُمْ وَلَيْسَ ذَلِكَ هُوَ الْمَطْلُوبُ بَلِ الْمَطْلُوبُ تَعَقُّلُهُ وَتَدَبُّرُهُ بِوُقُوعِهِ فِي الْقَلْبِ (إِنِّي لَأَعْرِفُ السُّوَرَ النَّظَائِرَ) أَيِ السُّوَرَ الْمُتَمَاثِلَةَ فِي الْمَعَانِي كَالْمَوْعِظَةِ أَوِ الْحِكَمِ أَوِ الْقَصَصِ لَا الْمُتَمَاثِلَةَ فِي عَدَدِ الْآيِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا مُتَسَاوِيَةٌ فِي الْعَدَدِ حَتَّى اعْتَبَرْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ فِيهَا شَيْئًا مُتَسَاوِيًا (يَقْرُنُ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا (قَالَ) أَيْ أَبُو وَائِلٍ (فَأَمَرْنَا عَلْقَمَةَ) بْنَ قَيْسِ بْنِ مَالِكٍ النَّخَعِيَّ أَيْ قَالَ أَبُو وَائِلٍ فأمرنا علقمة أن يسأل بن مَسْعُودٍ عَنِ السُّوَرِ النَّظَائِرِ (فَسَأَلَهُ) أَيْ فَسَأَلَ عَلْقَمَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ (فَقَالَ عِشْرُونَ سورة من الفصل) وَهُوَ مِنْ ق إِلَى آخِرِ الْقُرْآنِ عَلَى الصَّحِيحِ لِكَثْرَةِ الْفَصْلِ بَيْنَ سُوَرِهِ بِالْبَسْمَلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَهُ الْحَافِظُ (يَقْرُنُ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) أَيْ يَجْمَعُ بَيْنَ سُورَتَيْنِ منها في كل ركعة على تأليف بن مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى نَسَقٍ غَيْرِ ما جمعه زيد وهي الرحمن والنجم في ركعة واقتربت والحاقة في ركعة والطور والذاريات في ركعة وإذا وقعت والنون في الركعة والمعارج والنازعات في ركعة وويل للمطففين وعبس في ركعة والمدثر والمزمل في ركعة وهل أتى ولا أقسم في ركعة وعم والمرسلات في ركعة والدخان وإذا الشَّمْسُ فِي رَكْعَةٍ كَذَا فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ قُلْتُ كَذَلِكَ وَقَعَ بَيَانُ جَمْعِ السُّورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَقَالَ في آخره تأليف بن مَسْعُودٍ رَحِمَهُ اللَّهُ انْتَهَى وَيَتَبَيَّنُ بِهَذَا أَنَّ فِي قَوْلِهِ عِشْرُونَ سُورَةً مِنَ الْمُفَصَّلِ فِي حديث الباب تجوز لِأَنَّ الدُّخَانَ لَيْسَتْ مِنْهُ قَالَهُ الْحَافِظُ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ ركعة وقد روى أبو داود وصححه بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ سَأَلْت عَائِشَةَ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ السُّوَرِ قَالَتْ نَعَمْ مِنَ الْمُفَصَّلِ قَالَ الْحَافِظُ وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا وَرَدَ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الطِّوَالِ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى النَّادِرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان وغيرهما

باب ما ذكر في فضل المشي إلى المسجد

3 - (بَاب مَا ذُكِرَ فِي فَضْلِ الْمَشْيِ إِلَى الْمَسْجِدِ) وَمَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ فِي خُطَاهُ [603] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا (أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (سَمِعَ ذَكْوَانَ) هُوَ أَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ الزَّيَّاتُ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَكَانَ يَجْلِبُ الزَّيْتَ إِلَى الْكُوفَةِ مِنْ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَمِائَةٍ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَوَى عَنْ سَعْدٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ بَنُوهُ سُهَيْلٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَصَالِحٌ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَسَمِعَ مِنْهُ الْأَعْمَشُ أَلْفَ حَدِيثٍ قَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ ثِقَةٌ شَهِدَ الدَّارَ انْتَهَى قَوْلُهُ (فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ) بِأَنْ رَاعَى فُرُوضَهُ وَشُرُوطَهُ وَآدَابَهُ (أَوْ قَالَ لَا يَنْهَزُهُ) كَلِمَةُ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي أَيْ لَا يَدْفَعُهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ النَّهْزُ الدَّفْعُ يُقَالُ نَهَزْتُ الرَّجُلَ أَنْهَزُهُ إِذَا دَفَعْتَهُ وَنَهَزَ رَأْسَهُ إِذَا حَرَّكَهُ (إِلَّا إِيَّاهَا) أَيْ إِلَّا الصَّلَاةَ وَالْمَعْنَى خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَنْوِ بِخُرُوجِهِ غَيْرَ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ بِأَلْفَاظٍ 4 - (بَاب مَا ذُكِرَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ أَنَّهُ فِي الْبَيْتِ) أَفْضَلُ [604] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ) هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُطَرِّفٍ الْهَاشِمِيُّ مَوْلَاهُمْ

أَبُو إِسْحَاقَ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ الْمَكِّيُّ نَزِيلُ الْبَصْرَةِ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَالَ الْحَافِظُ وَقَالَ في الخلاصة روى عن عبد الرحمن بن الغسيل ونافع بن عمر ومالك وعنه بن المثنى وبن بَشَّارٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا بَأْسَ بِهِ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى) بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْفِطْرِيُّ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمَدَنِيُّ مَوْلَاهُمْ رَوَى عَنِ الْمَقْبُرِيِّ وَيَعْقُوبَ بْنِ سَلَمَةَ الليثي وعون بن محمد بن الْحَنَفِيَّةِ وَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الموال وبن مهدي وبن أَبِي فُدَيْكٍ وَأَبُو الْمُطَرِّفِ بْنُ أَبِي الْوَزِيرِ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عُمَرَ بْنِ أَبِي الْوَزِيرِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ صَالِحُ الْحَدِيثِ كَانَ يَتَشَيَّعُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ مَحْمُودٌ فِي رِوَايَتِهِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) الْبَلَوِيِّ الْمَدَنِيِّ حَلِيفِ الْأَنْصَارِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ إِنَّ إِسْحَاقَ بْنَ كَعْبٍ تَابِعِيٌّ مَسْتُورٌ تَفَرَّدَ بِحَدِيثِ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولُ الْحَالِ قُتِلَ يَوْمَ الْحَرَّةِ (عَنْ جَدِّهِ) هُوَ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ مَاتَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ وَلَهُ نَيِّفٌ وَسَبْعُونَ قَوْلُهُ (فِي مَسْجِدِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ) هُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ (فَقَامَ نَاسٌ يَتَنَفَّلُونَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَلَمَّا قَضَوْا صَلَاتَهُمْ رَآهُمْ يُسَبِّحُونَ بَعْدَهَا (عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ) أَيِ النَّوَافِلِ (فِي الْبُيُوتِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ هَذِهِ صَلَاةُ الْبُيُوتِ قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ هَذَا إِرْشَادٌ لِمَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ يُرِيدُ الرُّجُوعَ إِلَى بَيْتِهِ بِخِلَافِ الْمُعْتَكِفِ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا فِيهِ وَلَا كَرَاهَةَ بِالِاتِّفَاقِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) قَدْ عَرَفْتَ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ كَعْبٍ مَسْتُورٌ وَقَدْ تَفَرَّدَ هُوَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عن بن عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ

الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ قَالَ حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ الْحَدِيثَ وَفِي لَفْظٍ لَهُ وَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ وَاسْتُدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ فِعْلَ النَّوَافِلِ اللَّيْلِيَّةِ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِنَ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ رَوَاتِبِ النَّهَارِ وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى ذَلِكَ نَظَرٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ عَنْ عَمْدٍ وَإِنَّمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَشَاغَلُ بِالنَّاسِ فِي النَّهَارِ غَالِبًا وَبِاللَّيْلِ يَكُونُ في بيته غالبا وأغرب بن أَبِي لَيْلَى فَقَالَ لَا تُجْزِي سُنَّةُ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ حَكَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْهُ عَقِبَ رِوَايَتِهِ لِحَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَفَعَهُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ مِنْ صَلَاةِ الْبُيُوتِ وَقَالَ إِنَّهُ حَكَى ذَلِكَ لِأَبِيهِ عَنِ بن أَبِي لَيْلَى فَاسْتَحْسَنَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عن بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لِبِيدٍ أَخِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ فِي مَسْجِدِنَا فَلَمَّا سَلَّمَ مِنْهَا قَالَ ارْكَعُوا هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي بُيُوتِكُمْ لِلسُّبْحَةِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِسْنَادَهُ حَسَنٌ وَيَعْقُوبُ هَذَا هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ وَفِيهِ فِي رِوَايَتِهِ الْأُخْرَى قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هو عبد الله بن الْإِمَامِ أَحْمَدَ قُلْتُ لِأَبِي إِنَّ رَجُلًا قَالَ مَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ تُجْزِهِ إِلَّا أَنْ يُصَلِّيَهُمَا فِي بَيْتِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذِهِ مِنْ صَلَوَاتِ الْبُيُوتِ قَالَ مَنْ قَالَ هَذَا قُلْتُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ بن أَبِي لَيْلَى قَالَ مَا أَحْسَنَ مَا قَالَ أَوْ مَا أَحْسَنَ مَا انْتَزَعَ انْتَهَى فَفِي قَوْلِ الْحَافِظِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ عَنْ عَمْدٍ إلخ نَظَرٌ ظَاهِرٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الْمَغْرِبَ فَمَا زَالَ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ) فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ ص 404 جُزْءَ 5 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنِي مَيْسَرَةُ بْنُ حَبِيبٍ عَنِ الْمِنْهَالِ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَالَتْ لِي أُمِّي مَتَى عَهْدُكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَجِئْتُهُ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ الْمَغْرِبَ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَامَ يُصَلِّي فَلَمْ يَزَلْ يُصَلِّي حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ ثُمَّ خَرَجَ انْتَهَى وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ (فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ) وَرَوَى أبو داود في سننه عن

باب ما ذكر في الاغتسال عندما يسلم الرجل

بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطِيلُ الْقِرَاءَةَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَتَفَرَّقَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ لَكِنَّ فِي سَنَدِهِ يَعْقُوبَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقُمِّيَّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ انْتَهَى فَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَوْلَى وَالْأَفْضَلُ أَنْ تُصَلَّيَا فِي الْبَيْتِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 5 - (بَاب مَا ذُكِرَ فِي الِاغْتِسَالِ عِنْدَمَا يُسْلِمُ الرَّجُلُ) [605] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنِ الْأَغَرِّ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ مُشَدَّدَةٌ (بْنِ الصَّبَّاحِ) بِالْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ بَعْدَ الصَّادِ التَّمِيمِيِّ الْمِنْقَرِيِّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ أَبِي نَضْرَةَ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ ثِقَةٌ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ (عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنِ) بْنِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ التَّمِيمِيِّ الْمِنْقَرِيِّ عَنْ جَدِّهِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَنْهُ الْأَغَرُّ الْمِنْقَرِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ (عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمِ) بْنِ سِنَانِ بْنِ خَالِدٍ الْمِنْقَرِيِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ بِالْحِلْمِ قَوْلُهُ (فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْغُسْلِ لِمَنْ أَسْلَمَ فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى وُجُوبِهِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى الِاسْتِحْبَابِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ ثُمَامَةَ أَسْلَمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى حَائِطِ بَنِي فُلَانٍ فَمُرُوهُ أَنْ يَغْتَسِلَ وأخرجه أيضا عبد الرزاق والبيهقي وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَيْسَ فِيهِمَا الْأَمْرُ بِالِاغْتِسَالِ وَإِنَّمَا فِيهِمَا أَنَّهُ اغْتَسَلَ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وأحمد وبن حبان وبن خزيمة

وصححه بن السَّكَنِ كَذَا فِي النَّيْلِ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ لِلرَّجُلِ إِذَا أَسْلَمَ أَنْ يَغْتَسِلَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْغُسْلُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الْإِيجَابِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ أُحِبُّ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَكُنْ جُنُبًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ وَيُصَلِّيَ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو ثَوْرٍ يُوجِبَانِ الِاغْتِسَالَ إِذَا أَسْلَمَ قَوْلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقَالُوا لَا يَخْلُو الْمُشْرِكُ فِي أَيَّامِ كُفْرِهِ مِنْ جِمَاعٍ أَوِ احْتِلَامٍ وَهُوَ لَا يَغْتَسِلُ وَلَوِ اغْتَسَلَ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْهُ لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ مِنَ الْجَنَابَةِ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الدِّينِ وَهُوَ لَا يُجْزِيهِ إِلَّا بَعْدَ الْإِيمَانِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهَا وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنْ يَغْتَسِلَ الْكَافِرُ إِذَا أَسْلَمَ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ قُلْتُ وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالِاسْتِحْبَابِ إِلَّا لِمَنْ أَجْنَبَ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ مَنْ أَسْلَمَ بِالْغُسْلِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا خَصَّ بِالْأَمْرِ بِهِ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ قَرِينَةً تَصْرِفُ الْأَمْرَ إِلَى النَّدْبِ وَأَمَّا وُجُوبُهُ عَلَى الْمُجْنِبِ فَلِلْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِوُجُوبِهَا لِأَنَّهَا لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ كَافِرٍ وَمُسْلِمٍ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُ بِالِاسْتِحْبَابِ مُطْلَقًا لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى الْمُجْنِبِ بِحَدِيثِ الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ لِأَنَّ أَمْرَ الْبَعْضِ قَدْ وَقَعَ بِهِ التَّبْلِيغُ وَدَعْوَى عَدَمِ الْأَمْرِ لِمَنْ عَدَاهُمْ لَا يَصْلُحُ مُتَمَسَّكًا لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهَا عَدَمُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ عِلْمًا بِالْعَدَمِ انْتَهَى (وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ) وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ شَعْرُ الْكُفْرِ يَحْلِقُ وَيَخْتَتِنُ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عُثَيْمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قَدْ أَسْلَمْتُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ يَقُولُ احْلِقْ قَالَ وَأَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الاخر مَعَهُ أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ انْتَهَى لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ كُلَيْبٌ وَالِدُ عُثَيْمٍ بَصْرِيٌّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِيهِ أَيْضًا رِوَايَةُ مَجْهُولٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ وَالْمُرَادُ بِشَعْرِ الْكُفْرِ الشَّعْرُ الَّذِي هُوَ لِلْكُفَّارِ عَلَامَةٌ لِكُفْرِهَا وَهِيَ مُخْتَلِفَةُ الْهَيْئَةِ فِي الْبِلَادِ الْمُخْتَلِفَةِ فَكَفَرَةُ الْهِنْدِ وَمِصْرَ لَهُمْ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الرَّأْسِ شُعُورٌ طَوِيلَةٌ لَا يَتَعَرَّضُونَ لَهَا بِشَيْءٍ مِنَ الْجَزِّ أَوِ الْحَلْقِ أَبَدًا وَإِذَا يُرِيدُونَ حَلْقَ الرَّأْسِ يَحْلِقُونَ كُلَّهُ إِلَّا ذلك المقدار

باب ما ذكر من التسمية في دخول الخلاء

36 - (باب ما ذكر من التسمية في دُخُولِ الْخَلَاءِ) [606] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ) حَافِظٌ ضعيف وكان بن مَعِينٍ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيهِ (أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ سَلْمَانَ) النَّهْدِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ لَهُ فَرْدُ حَدِيثٍ عِنْدَهُمَا (أَخْبَرَنَا خَلَّادٌ الصَّفَّارُ) هُوَ خلاد بن عيسى أو بن مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ أَبُو مُسْلِمٍ الْكُوفِيُّ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ (عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ النصري) بالنون وثقه بن حِبَّانَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ) بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا اسْمُهُ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّوَائِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَيُقَالُ لَهُ وَهْبُ الْخَيْرِ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ وَصَحِبَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَبْلُغِ الْحُلُمَ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَخَوَاصِّهِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ قَوْلُهُ (سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ) بِفَتْحِ السِّينِ مَصْدَرٌ وَقِيلَ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْحِجَابُ (وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ) بِسُكُونِ الْوَاوِ (إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمُ الْخَلَاءَ) أَيْ وَقْتَ دُخُولِ أَحَدِ بَنِي آدَمَ الْخَلَاءَ (أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى كَالطَّابَعِ عَلَى بَنِي آدَمَ فَلَا يَسْتَطِيعُ الْجِنُّ فَكَّهُ وَقَالَ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّتِنَا الشَّافِعِيَّةِ وَلَا يَزِيدُ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِأَنَّ الْمَحَلَّ لَيْسَ مَحَلَّ ذِكْرٍ وَوُقُوفًا مَعَ ظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ انْتَهَى وَقَالَ بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ يُسَنُّ أَنْ يُقَدِّمَ عَلَى كُلٍّ من التعوذين بسم الله انتهى قال القارىء بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ بْنِ حَجَرٍ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَلَا بَعْدَ أَنَّ يُؤَخِّرَ عَنْهُمَا عَلَى وَفْقِ تَقَدُّمِ الِاسْتِعَاذَةِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ فِي التِّلَاوَةِ وَلَوِ اكْتَفَى بِكُلٍّ مِنْهُمَا لَحَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمْعُ أَفْضَلُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وبن ماجه قال المناوي بإسناد

باب ما ذكر من سيماء هذه الأمة من اثار السجود

صَحِيحٍ قُلْتُ إِسْنَادُ التِّرْمِذِيِّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ بِقَوْلِهِ (وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ) أَيْ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ حُمَيْدٍ الرَّازِيَّ شَيْخَ التِّرْمِذِيِّ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ فِي هَذَا) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ سَتْرُ بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَبَيْنَ عَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا وَضَعَ أَحَدُهُمْ ثَوْبَهُ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شرحه بإسناد حسن قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا زَائِدَةٌ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ يَعْنِي حَدِيثَ عَلِيٍّ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَنَّ الْحُكْمَ عَامٌّ ثُمَّ الظَّرْفُ قَيْدٌ وَاقِعِيٌّ غَالِبِيٌّ لِلْكَشْفِ الْمُحْتَاجِ إِلَى السَّتْرِ بِالْبَسْمَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَا أَنَّهُ احْتِرَازِيٌّ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُبَسْمِلَ إِذَا أَرَادَ كَشْفَ الْعَوْرَةِ عِنْدَ خَلْعِ الثَّوْبِ أَوْ إِرَادَةِ الْغُسْلِ انتهى 7 - (باب ما ذكر من سيماء هذه الأمة من اثار السجود) والطهور يوم القيامة [607] قَوْلُهُ (قَالَ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو) السَّكْسَكِيُّ أَبُو عَمْرٍو الْحِمْصِيُّ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ثَبْتٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ ثِقَةٌ لَهُ فِي مُسْلِمٍ فَرْدُ حَدِيثٍ (أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ خُمَيْرٍ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا الْهَمْدَانِيُّ الزِّيَادِيُّ الْحِمْصِيُّ رَوَى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ وَعَنْهُ صَفْوَانُ بْنُ عُمَرَ وَشُعْبَةُ وَوَثَّقَهُ وَوَثَّقَهُ أَيْضًا بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (قَالَ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرٌّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدَّةِ الرَّاءِ جَمْعُ أَغَرَّ وَهُوَ أَبْيَضُ الْوَجْهِ (مِنَ السُّجُودِ) أَيْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ فِي الصَّلَاةِ (مُحَجَّلُونَ مِنَ الْوُضُوءِ) الْمُحَجَّلُ مِنْ

باب ما يستحب من التيمن في الطهور

الدَّوَابِّ الَّتِي قَوَائِمُهَا بِيضٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَجْلِ وَهُوَ الْقَيْدُ كَأَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِالْبَيَاضِ وَالْمَعْنَى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِيضَ الْوُجُوهِ مِنْ آثَارِ السُّجُودِ وَبِيضَ مَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنَ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مِنْ آثار الوجوه فَالْغُرَّةُ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ وَالتَّحْجِيلُ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ سِيمَا هَذِهِ الْأُمَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا قَالَ وَدِدْت أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا قَالُوا أو لسنا إِخْوَانَك يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْتُمْ أصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ فَقَالُوا كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ مِنْ أُمَّتِك يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الحوض وفي رواية بن مَاجَهْ تَرِدُونَ عَلَيَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ سِيمَاءُ أُمَّتِي لَيْسَ لِأَحَدٍ غَيْرِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَقَدَّمَ آنِفًا لَفْظُ حَدِيثِهِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفُ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ فِيمَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكَ قَالَ هُمْ غُرٌّ مُحَجَّلُونَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ لَيْسَ أَحَدٌ كَذَلِكَ غَيْرَهُمُ الْحَدِيثَ وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْغُرَّةَ وَالتَّحْجِيلَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنْ قُلْتَ جَعْلُ السُّجُودِ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ عِلَّةً لِلْغُرَّةِ يُعَارِضُهُ جَعْلُ الْوُضُوءِ عِلَّةً لِلْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فِي حديث أبي هريرة وحديث أبي الدرداء الذين ذَكَرْنَا لَفْظَهُمَا آنِفًا قُلْتُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ لِلْغُرَّةِ عِلَّتَيْنِ لِلسُّجُودِ وَالْوُضُوءِ وَأَمَّا التَّحْجِيلُ فَعِلَّتُهُ هُوَ الْوُضُوءُ وَحْدَهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 8 - (بَاب مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ التَّيَمُّنِ فِي الطُّهُورِ) [608] قَوْلُهُ (يُحِبُّ التَّيَمُّنَ) أَيْ الِابْتِدَاءَ فِي الْأَفْعَالِ وَالرِّجْلِ الْيُمْنَى وَالْجَانِبِ الْأَيْمَنِ (فِي طُهُورِهِ

باب ذكر قدر ما يجزئ من الماء في الوضوء

بِالضَّمِّ وَيُفْتَحُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ (وَفِي تَرَجُّلِهِ) أَيِ امْتِشَاطِهِ الشَّعْرَ مِنَ اللِّحْيَةِ وَالرَّأْسِ (وَانْتِعَالِهِ) أَيْ لُبْسِ نَعْلِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وغيرهما 9 - (بَابُ ذِكْرِ قَدْرِ مَا يُجْزِئُ مِنَ الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ) قَدْ عَقَدَ التِّرْمِذِيُّ فِي (أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ) بَابًا بِلَفْظِ بَابُ الْوُضُوءِ بِالْمَدِّ وَذَكَرَ هُنَاكَ اخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى عقد هذا الباب ها هنا فتفكر [609] قوله (عن شريك) هو بن عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي بِوَاسِطَ ثُمَّ الْكُوفَةِ صدوق يخطىء كَثِيرًا تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ وَكَانَ عَادِلًا فَاضِلًا شَدِيدًا عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ (عن عبد الله بن عيسى) هو بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ أَبُو محمد الكوفي ثقة فيه تشيع (عن بن جَبْرٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبْرٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ (يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ رَطْلَانِ مِنْ مَاءٍ) الرَّطْلُ بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَوْلُهُ يُجْزِئُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ دُونَ رَطْلَيْنِ مِنَ الْمَاءِ وَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ بِنْتِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَأُتِيَ بِمَاءٍ فِي إِنَاءٍ قَدْرَ ثُلُثَيِ الْمُدِّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَحَدِيثُ الْبَابِ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ الْقَاضِي وَقَدْ عرفت أنه يخطىء كَثِيرًا وَتَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَ بِنَحْوِهِ أَحْمَدُ وأبو داود

باب ما ذكر في نضح بول الغلام الرضيع

قَوْلُهُ (كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمَكُّوكِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْكَافِ الْأُولَى وَتَشْدِيدِهَا بِوَزْنِ تَنُّورٍ قَالَ النَّوَوِيُّ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْمَكُّوكِ هُنَا الْمُدُّ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبِحَارِ أَرَادَ بِالْمَكُّوكِ الْمُدَّ وَقِيلَ الصَّاعَ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ انْتَهَى (وَيَغْتَسِلُ بِخَمْسَةِ مَكَاكِيٍّ) جَمْعُ مَكُّوكٍ وَأَصْلُهُ مَكَاكِيكُ أُبْدِلَتِ الْكَافُ الْأَخِيرَةُ بِالْيَاءِ وَأُدْغِمَتِ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ وَقَدْ جَاءَ فِي قَدْرِ مَاءِ الِاغْتِسَالِ وَمَاءِ الْوُضُوءِ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا كَانَتِ اغْتِسَالَاتٍ فِي أَحْوَالٍ انْتَهَى وَكَذَلِكَ كَانَتْ وُضُوآتٍ فِي أَحْوَالٍ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ القدر المجزىء مِنَ الْغُسْلِ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَعْمِيمُ الْبَدَنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَبَرِ سَوَاءٌ كَانَ صَاعًا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَبْلُغْ فِي النُّقْصَانِ إِلَى مِقْدَارٍ لَا يُسَمَّى مُسْتَعْمِلُهُ مُغْتَسِلًا أَوْ إِلَى مِقْدَارٍ فِي الزِّيَادَةِ يَدْخُلُ فَاعِلُهُ في حد الاسراف وهكذا الوضوء القدر المجزىء مِنْهُ مَا يَحْصُلُ بِهِ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ سَوَاءٌ كَانَ مُدًّا أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مَا لَمْ يَبْلُغْ فِي الزِّيَادَةِ إِلَى حَدِّ الْإِسْرَافِ أَوِ النُّقْصَانِ إِلَى حَدٍّ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْوَاجِبُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ 0 - (بَاب مَا ذُكِرَ فِي نَضْحِ بَوْلِ الْغُلَامِ الرَّضِيعِ) [610] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامِ) بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتُوَائِيُّ الْبَصْرِيُّ وَقَدْ سَكَنَ الْيَمَنَ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ مَاتَ سَنَةَ مِائَتَيْنِ (قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي) هُوَ هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَنْبَرٌ وَزْنُ جَعْفَرٍ أَبُو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ الدَّسْتُوَائِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَقَدْ رُمِيَ بِالْقَدَرِ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ) الدِّيلِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ قِيلَ اسْمُهُ مِحْجَنٌ وَقِيلَ عَطَاءٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ 801 ثَمَانٍ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أَبُو الْأَسْوَدِ الدِّيلِيُّ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَيُقَالُ الدُّؤَلِيُّ بِالضَّمِّ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ الْبَصْرِيُّ اسْمُهُ ظَالِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ ظَالِمٍ وَيُقَالُ غَيْرُ ذَلِكَ ثِقَةٌ فاضل مخضرم

باب ما ذكر في الرخصة للجنب في الأكل والنوم

قَوْلُهُ (قَالَ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ الرَّضِيعِ يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ نَضَحَ عَلَيْهِ الْمَاءَ وَنَضَحَهُ بِهِ إِذَا رَشَّهُ عَلَيْهِ انْتَهَى وَفِي الْقَامُوسِ نَضَحَ البيت ينضحه رشه وقال فيه الرش نقض الْمَاءِ وَالدَّمِ وَالدَّمْعِ انْتَهَى وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ يَكْفِي النَّضْحُ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ وَلَا يَكْفِي فِي بَوْلِ الْجَارِيَةِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَهُوَ الْحَقُّ وَاعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ عَقَدَ فِي أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ بَابًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِلَفْظِ بَاب مَا جَاءَ فِي نَضْحِ بَوْلِ الْغُلَامِ قَبْلَ أَنْ يَطْعَمَ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ وَأَشَارَ إِلَى أَحَادِيثَ مِنْهَا حديث علي المذكور ها هنا ثُمَّ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِثْلِ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالُوا يُنْضَحُ بَوْلُ الْغُلَامِ وَيُغْسَلُ بَوْلُ الْجَارِيَةِ وَهَذَا مَا لَمْ يَطْعَمَا فَإِذَا طَعِمَا غُسِلَا جَمِيعًا انْتَهَى كَلَامُهُ فَلَا أَدْرِي لِمَ ذَكَرَ هَذَا الْبَابَ ها هنا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ تَكْرَارٌ وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ فَتَذَكَّرْ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ ذَكَرَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ أَبْوَابًا كَانَ مَوْضِعُ ذِكْرِهَا كِتَابَ الطَّهَارَةِ فَلَا أَدْرِي لِمَ فَعَلَ هَكَذَا فَتَفَكَّرْ 1 - (بَاب مَا ذُكِرَ فِي الرُّخْصَةِ لِلْجُنُبِ فِي الْأَكْلِ وَالنَّوْمِ) إِذَا تَوَضَّأَ [613] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ) بْنُ عُقْبَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ السُّوَائِيُّ أَبُو عَامِرٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا خَالَفَ رَوَى عَنِ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالذُّهْلِيُّ وَهَنَّادُ بْنُ سَرِيٍّ وَغَيْرُهُمْ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ

وَالْمِيمِ بَيْنَهُمَا مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ الْبَصْرِيِّ نَزِيلِ مَرْوٍ وَقَاضِيهَا ثِقَةٌ فَصِيحٌ وَكَانَ يُرْسِلُ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبِحَارِ فِي كِتَابِهِ الْمُغْنِي بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا قَوْلُهُ (رَخَّصَ لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) أَيِ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ الْغُسْلِ لِلْجُنُبِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ لِأَنَّ الْعَزِيمَةَ أَفْضَلُ مِنَ الرُّخْصَةِ وَعَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَنَامَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ فَقَدِ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ وَحَكَى بن سيد الناس في شرح الترمذي عن بن عمر وَاجِبٌ وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جنب فقال الظاهرية وبن حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى اسْتِحْبَابِهِ وَعَدَمِ وُجُوبِهِ وَتَمَسَّكَ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ بِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ ذَكَرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَاغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ نَمْ رَوَاهُ الشيخان وتمسك الجمهور بحديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إِنَّمَا أُمِرْتُ بِالْوُضُوءِ إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينام وهو جنب ولا يمس ماءا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ مَا تَمَسَّكَ بِهِ الْفَرِيقَانِ مَا لَفْظُهُ فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ بِحَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ويؤيد ذلك أنه أخرج بن خزيمة وبن حبان في صحيحيهما من حديث بن عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ قَالَ نَعَمْ وَيَتَوَضَّأُ إِنْ شَاءَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ الْأَمْرُ عِنْدِي كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهَا مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ وَهُوَ جُنُبٌ يَغْسِلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ يُجْمَعُ بَيْنَ الروايات بأنه تارة يتوضأ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَتَارَةً يَقْتَصِرُ عَلَى غَسْلِ الْيَدَيْنِ لَكِنَّ هَذَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ خَاصَّةً وَأَمَّا فِي النَّوْمِ وَالْمُعَاوَدَةِ فَهُوَ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ لِعَدَمِ المعارض للأحاديث الْمُصَرِّحَةِ فِيهِمَا بِأَنَّهُ كَوُضُوءِ الصَّلَاةِ انْتَهَى

باب ما ذكر في فضل الصلاة

42 - (بَاب مَا ذُكِرَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ) [614] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الْقَطَوَانِيُّ الْكُوفِيُّ الدِّهْقَانُ مِنْ شُيُوخِ التِّرْمِذِيِّ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ السِّتَّةِ (أَخْبَرَنَا غَالِبٌ أَبُو بِشْرٍ) هو غالب بن نجيح الكوفي وثقه بن حِبَّانَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَائِذٍ الطَّائِيِّ) الْبُحْتُرِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ) الْجَدَلِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ) الْأَحْمَصِيِّ كُوفِيٌّ مُخَضْرَمٌ قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يسمع منه وثقه بن معين (عن كعب بن عجرة) بضم وسكون الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ قَوْلُهُ (أُعِيذُك بِاَللَّهِ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ مِنْ أُمَرَاءَ) أَيْ مِنْ عَمَلِهِمْ أَوْ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِمْ أَوِ اللُّحُوقِ بِهِمْ (يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِي) يَعْنِي سُفَهَاءَ مَوْصُوفِينَ بِالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ (فَمَنْ غَشِيَ أَبْوَابَهُمْ) وفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ غَشَيَانِ أَبْوَابِهِمْ قَالَ في النهاية غشيه يغشاه غشيانا إذا جاء وغشاه تغشية إذا غطاه وغشى الشَّيْءَ إِذَا لَابَسَهُ انْتَهَى (فَصَدَّقَهُمْ فِي كَذِبِهِمْ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَيَجُوزُ بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وأفصح لعدم ورود غيره من الْقُرْآنِ وَقِيلَ الْكَذِبُ إِذَا أُخِذَ فِي مُقَابَلَةِ الصِّدْقِ كَانَ بِسُكُونِ الذَّالِ لِلِازْدِوَاجِ وَإِذَا أُخِذَ وَحْدَهُ كَانَ بِالْكَسْرِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ) أَيْ بِالْإِفْتَاءِ وَنَحْوِهِ (فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ) أَيْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ بَرَاءَةٌ وَنَقْضُ ذمة قاله القارىء وَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ قَطْعِ الْوَصْلَةِ بَيْنَ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَبَيْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ لَيْسَ بِتَابِعٍ لِي وَبَعِيدٌ عَنِّي وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَكْرَهُ تَأْوِيلَهُ وَيَحْمِلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ (وَلَا يَرِدُ) مِنَ الْوُرُودِ أَيْ لَا يَمُرُّ (عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِتَضْمِينِ مَعْنَى الْعَرْضِ أَيْ لَا يَرِدُ مَعْرُوضًا عَلَيَّ (الْحَوْضَ) أَيْ حَوْضَ الْكَوْثَرِ (فَهُوَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ) كِنَايَةٌ عَنْ بَقَاءِ الْوَصْلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرْطِ أَلَّا يَكُونَ قَاطِعَ آخَرَ (الصَّلَاةُ بُرْهَانٌ) أَيْ حُجَّةٌ ودليل على

إِيمَانِ صَاحِبِهَا (وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ هُوَ التُّرْسُ (حَصِينَةٌ) أَيْ مَانِعَةٌ مِنَ المعاصي بكسر القوة والشهوة (والصدقة تطفىء الْخَطِيئَةَ) الَّتِي تَجُرُّ إِلَى النَّارِ يَعْنِي تُذْهِبُهَا وَتَمْحُو أَثَرَهَا (إِنَّهُ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ (لَا يَرْبُو) أَيْ لَا يَرْتَفِعُ وَلَا يَزِيدُ رَبَا الْمَالُ يَرْبُو إِذَا زَادَ (لَحْمٌ نَبَتَ) أَيْ نَشَأَ (مِنْ سُحْتٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْحَاءِ أَيْ حَرَامٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ 3 - بَابٌ مِنْهُ أَيْ مِنَ الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمَعْنَى هَذَا بَابٌ آخَرُ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ [616] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ) هُوَ مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ الْكِنْدِيُّ الْمَسْرُوقِيُّ أَبُو عِيسَى الْكُوفِيُّ مِنْ شُيُوخِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ من كبار الحادية عشر (حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ) الْكَلَاعِيُّ وَيُقَالُ الْخَبَايِرِيُّ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ غَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ قَوْلُهُ (وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ) أَضَافَ إِلَيْهِمْ لِيُقَابِلَ الْعَمَلَ بِالثَّوَابِ فِي قَوْلِهِ جَنَّةَ رَبِّكُمْ وَلِيَنْعَقِدَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالرَّبِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ الْآيَةَ وَقَالَ الطِّيبِيُّ حِكْمَةُ إِضَافَةِ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ إِلَيْهِمْ إِعْلَامُهُمْ بِأَنَّ ذَوَاتِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ بِكَيْفِيَّتِهَا الْمَخْصُوصَةِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهُمُ الَّتِي امْتَازُوا بِهَا عَنْ سَائِرِ الْأُمَمِ وحثهم على

الْمُبَادَرَةِ لِلِامْتِثَالِ بِتَذْكِيرِهِمْ بِمَا خُوطِبُوا بِهِ وَتَذْكِيرُهُمْ بِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةَ الْعَمَلِيَّةَ يُقَابِلُهَا إِضَافَةٌ فَضْلِيَّةٌ هِيَ أَعْلَى مِنْهَا وَأَتَمُّ وَهِيَ الْجَنَّةُ الْمُضَافَةُ إِلَى وَصْفِ الرُّبُوبِيَّةِ الْمُشْعِرِ بِمَزِيدِ تَرْبِيَتِهِمْ وَتَرْبِيَةِ نَعِيمِهِمْ بِمَا فَارَقُوا بِهِ سَائِرَ الْأُمَمِ (وَصُومُوا شهركم) المختص بكم وهو رمضان وأبهمه الدلالة عَلَى أَنَّهُ صَارَ مِنَ الظُّهُورِ عِنْدَهُمْ إلَى حَدٍّ لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ وَالتَّرَدُّدَ (وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ) فِي الْخُلَعِيَّاتِ وَأَدُّوا زَكَاتَكُمْ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَالْمُرَادُ بِأَمْوَالِكُمْ أَيِ الَّتِي هِيَ مِلْكٌ لكم (وأطيعوا ذا أمركم) قال القارىء أَيِ الْخَلِيفَةَ وَالسُّلْطَانَ وَغَيْرَهُمَا مِنَ الْأُمَرَاءِ أَوِ الْمُرَادُ الْعُلَمَاءُ أَوْ أَعَمُّ أَيْ كُلُّ مَنْ تَوَلَّى أَمْرًا مِنْ أُمُورِكُمْ سَوَاءٌ كَانَ السُّلْطَانَ وَلَوْ جَائِرًا وَمُتَغَلِّبًا وَغَيْرَهُ وَمِنْ أُمَرَائِهِ وَسَائِرِ نُوَّابِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَلَمْ يَقُلْ أَمِيرَكُمْ إِذْ هُوَ خَاصٌّ عُرْفًا بِبَعْضِ مَنْ ذُكِرَ وَلِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر منكم انتهى كلام القارىء قُلْتُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (ذَا أَمْرِكُمْ) هُوَ الَّذِي أُرِيدَ بِقَوْلِهِ أُولِي الْأَمْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابٌ قَوْلُهُ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ذَوِي الْأَمْرِ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ تفسير أبي عبيدة قَالَ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَزَادَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ وَاحِدَهَا ذُو أَيْ وَاحِدُ أُولِي لِأَنَّهَا لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِأُولِي الْأَمْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ هُمُ الْأُمَرَاءُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَأَخْرَجَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ وَغَيْرِهِ نَحْوَهُ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْخَيْرِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَأَبِي الْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ هُمُ الْعُلَمَاءُ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَصَحَّ مِنْهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ هُمُ الصَّحَابَةُ وَهَذَا أَخَصُّ وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهَذَا أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَرَجَّحَ الشَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ الْإِمَارَةَ وَلَا يَنْقَادُونَ إِلَى أَمِيرٍ فَأُمِرُوا بِالطَّاعَةِ لِمَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ حَمْلَهَا عَلَى الْعُمُومِ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي سَبَبٍ خَاصٍّ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قُلْتُ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ (ذَا أَمْرِكُمْ) فِي الْحَدِيثِ وَبِقَوْلِهِ أُولِي الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ هُمُ الْأُمَرَاءُ وَيُؤَيِّدُهُ شَأْنُ نُزُولِهَا فَرَوَى البخاري في صحيحه عن بن عَبَّاسٍ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قَالَ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ إِذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ انْتَهَى وَعَقَدَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي ابْتِدَاءِ كِتَابِ الْأَحْكَامِ مِنْ صَحِيحِهِ بَابًا بِلَفْظِ بَابٌ قَوْلُ اللَّهِ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِيهِ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ

عصاني والثاني حديث بن عمر ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي هَذَا إِشَارَةٌ مِنَ الْمُصَنِّفِ إِلَى تَرْجِيحِ الْقَوْلِ الصَّائِرِ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي طَاعَةِ الْأُمَرَاءِ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ نَزَلَتْ فِي الْعُلَمَاءِ وقد رجح ذلك أيضا الطبري وقال بن عُيَيْنَةَ سَأَلْتْ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ عَنْهَا وَلَمْ يَكُنْ بِالْمَدِينَةِ أَحَدٌ يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بَعْدَ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ مِثْلُهُ فَقَالَ اقْرَأْ مَا قَبْلَهَا تَعْرِفْ فَقَرَأْتُ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أن تحكموا بالعدل الْآيَةَ فَقَالَ هَذِهِ فِي الْوُلَاةِ انْتَهَى وَقَالَ العيني في عمدة القارىء ص 455 ج 8 قوله وأولى الأمر منكم فِي تَفْسِيرِهِ أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا الْأَوَّلُ الْأُمَرَاءُ قاله بن عباس وأبو هريرة وبن زَيْدٍ وَالسُّدِّيُّ الثَّانِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الثَّالِثُ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ قَالَهُ مُجَاهِدٌ الرَّابِعُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الْوَرَّاقُ فِيمَا قَالَهُ الثَّعْلَبِيُّ الْخَامِسُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ قَالَهُ عَطَاءٌ السَّادِسُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ السَّابِعُ أَرْبَابُ الْعَقْلِ الذين يسوسون أمر الناس قاله بن كَيْسَانَ الثَّامِنُ الْعُلَمَاءُ وَالْفُقَهَاءُ قَالَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ التَّاسِعُ أُمَرَاءُ السَّرَايَا قَالَهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ والعاشر أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَاخْتَارَهُ مَالِكٌ الْحَادِيَ عَشَرَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ شَيْءٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ ذَوِي الْأَمْرِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ عِلَّةٌ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَقَدِ احْتَجَّ مُسْلِمٌ بِأَحَادِيثَ لِسُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ وَسَائِرُ رُوَاتِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمْ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَخْلِصُوا عِبَادَةَ رَبِّكُمْ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ في نصب الراية

5 - أبواب الزكاة

5 - أَبْوَابُ الزَّكَاةِ هِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنَ الْأَرْكَانِ التي بني الاسلام عليها قال بن الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ تُطْلَقُ الزَّكَاةُ عَلَى الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَالنَّفَقَةِ وَالْحَقِّ وَالْعَفْوِ وَتَعْرِيفُهَا فِي الشَّرْعِ إِعْطَاءُ جُزْءٍ مِنَ النِّصَابِ الْحَوْلِيِّ إِلَى فَقِيرٍ وَنَحْوِهِ غَيْرِ هَاشِمِيٍّ وَلَا مُطَّلِبِيٍّ ثُمَّ لَهَا رُكْنٌ وَهُوَ الْإِخْلَاصُ وَشَرْطٌ وَهُوَ السَّبَبُ وَهُوَ مِلْكُ النِّصَابِ الْحَوْلِيِّ وَشَرْطُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَلَهَا حُكْمٌ وَهُوَ سُقُوطُ الْوَاجِبِ فِي الدُّنْيَا وَحُصُولُ الثَّوَابِ فِي الْأُخْرَى وَحِكْمَةٌ وَهِيَ التَّطْهِيرُ مِنَ الْأَدْنَاسِ وَرَفْعُ الدَّرَجَةِ وَاسْتِرْقَاقُ الْأَحْرَارِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ جَيِّدٌ لَكِنْ فِي شرط من تجب عليه اختلاف انتهى بَاب مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْعِ الزَّكَاةِ مِنْ التشديد [617] قَوْلُهُ (عَنْ مَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ) الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ يُكْنَى بِأَبِي أُمَيَّةَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً (عَنْ أَبِي ذَرٍّ) هُوَ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْمُهُ جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ مِنْ أَعْلَامِ الصَّحَابَةِ وَزُهَّادِهِمْ أَسْلَمَ قَدِيمًا بِمَكَّةَ يُقَالُ كَانَ خَامِسًا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى قَوْمِهِ فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ ثُمَّ سَكَنَ الرَّبَذَةَ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الذَّهَبِيُّ كَانَ

يوازي بن مَسْعُودٍ فِي الْعِلْمِ وَكَانَ رِزْقُهُ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ وَلَا يَدَّخِرُ مَالًا قَوْلُهُ (هُمُ الْأَخْسَرُونَ) هُمْ ضَمِيرٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ لَكِنْ يَأْتِي تَفْسِيرُهُ وَهُوَ قَوْلُهُ هُمُ الْأَكْثَرُونَ إلخ (وَرَبِّ الْكَعْبَةِ) الْوَاوُ لِلْقَسَمِ (قَالَ فَقُلْتُ) أَيْ فِي نَفْسِي (فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) بِفَتْحِ الْفَاءِ لِأَنَّهُ مَاضٍ خَبَرٌ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَيَحْتَمِلُ كَسْرَ الْفَاءِ وَالْقَصْرَ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ أَيْ يَفْدِيك أَبِي وَأُمِّي وَهُمَا أعز الأشياء عندي قاله القارىء وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْقَصْرِ عَلَى أَنَّهَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ وَرُوِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ عَلَى الْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ انْتَهَى (هُمُ الْأَكْثَرُونَ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ هُمُ الْأَكْثَرُونَ أَمْوَالًا أَيِ الأخسرون مالا هُمُ الْأَكْثَرُونَ مَالًا (إِلَّا مَنْ قَالَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا) أَيْ إِلَّا مَنْ أَشَارَ بِيَدِهِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ يُقَالُ قَالَ بِيَدِهِ أَيْ أَشَارَ وَقَالَ بِيَدِهِ أَيْ أَخَذَ وَقَالَ بِرِجْلِهِ أَيْ ضَرَبَ وَقَالَ بِالْمَاءِ عَلَى يَدِهِ أَيْ صَبَّهُ وَقَالَ بِثَوْبِهِ أَيْ رَفَعَهُ (فَحَثَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ) أَيْ أَعْطَى فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحَثْيُ كَالرَّمْيِ مَا رَفَعْتَ بِهِ يَدَكَ وَحَثَوْتُ لَهُ أَعْطَيْتُهُ يَسِيرًا (فَيَدَعُ) أَيْ يَتْرُكُ (إِبِلًا وَبَقَرًا) أَوْ لِلتَّقْسِيمِ (أَعْظَمَ مَا كَانَتْ) بِالنَّصْبِ حَالٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ (وَأَسْمَنَهُ) أَيْ أَسْمَنَ مَا كَانَتْ (تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا) أَيْ تَدُوسُهُ بِأَرْجُلِهَا وَهَذَا رَاجِعٌ لِلْإِبِلِ لِأَنَّ الْخُفَّ مَخْصُوصٌ بِهَا كَمَا أَنَّ الظِّلْفَ مَخْصُوصٌ بِالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ وَالْحَافِرَ يَخْتَصُّ بِالْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَالْقَدَمَ لِلْآدَمِيِّ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ (وَتَنْطِحُهُ) أَيْ تَضْرِبُهُ وَالْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ بِكَسْرِ الطَّاءِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ (بِقُرُونِهَا) رَاجِعٌ لِلْبَقَرِ (كُلَّمَا نَفِدَتْ) رُوِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ مَعَ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ النَّفَادِ وَبِفَتْحِهَا وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ النُّفُوذِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لُعِنَ مَانِعُ الزَّكَاةِ) أَخْرَجَهُ سعيد بن

منصور والبيهقي والخطيب في تاريخه وبن النَّجَّارِ وَفِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْبُورَقِيُّ كَذَّابٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ السِّنْدِيِّ (وَقَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ عَنْ أَبِيهِ) أَيْ هُلْبٍ الطَّائِيِّ قِيلَ إِنَّهُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَقِيلَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وكسر اللام وتشديد الباء قال بن الْجَوْزِيِّ وَهُوَ الصَّوَابُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَعَبْدِ الله بن مسعود) أخرجه بن ماجه والنسائي بإسناد صحيح وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَاسْمُ أبي ذر جندب بن السكن ويقال بن جُنَادَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَخِفَّةِ النُّونِ وَإِهْمَالِ الدَّالِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ مَا صُدِّرَ بِهِ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ وجعله بن حِبَّانَ وَهْمًا وَالصَّحِيحُ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ الثَّانِي قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ) بِنُونٍ آخِرَهُ مُهْمَلَةٌ مُصَغَّرًا الْمَرْوَزِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزَّاهِدُ الْحَافِظُ الْجَوَّالُ رَوَى عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَوَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَوَثَّقَهُ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَدْ ضَبَطَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ لَفْظَ مُنِيرٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَكَذَا ضَبَطَهُ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ الْغُسْلِ فِي الْمِخْضَبِ (عَنْ حَكِيمِ بْنِ الدَّيْلَمِ) الْمَدَائِنِيِّ صَدُوقٌ (عن الضحاك بن مزاحم) الهلالي مولاهم الخرساني يكنى أبا القاسم عن أبي هريرة وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ لَمْ يلق بن عباس ووثقه أحمد وبن معين وأبو زرعة وقال بن حِبَّانَ فِي جَمِيعِ مَا رَوَى نَظَرٌ إِنَّمَا اشْتَهَرَ بِالتَّفْسِيرِ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ (قَالَ الْأَكْثَرُونَ أَصْحَابُ عَشَرَةِ آلَافٍ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ يَعْنِي دِرْهَمًا وَإِنَّمَا جَعَلَهُ حَدَّ الْكَثْرَةِ لِأَنَّهُ قِيمَةُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ وَمَا دُونَهُ فِي حَدِّ الْقِلَّةِ وَهُوَ فِقْهٌ بَالِغٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّهُ قَوْلًا وَأُصَوِّبُهُ رَأْيًا انْتَهَى كَلَامُهُ وَفِي حَاشِيَةِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ هَذَا التَّفْسِيرُ مِنَ الضَّحَّاكِ لِحَدِيثٍ آخَرَ هُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَرَأَ أَلْفَ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ المكثرين المقنطرين وفسر المكثرين بِأَصْحَابِ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَأَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا التفسير ها هنا لِمُنَاسَبَةٍ ضَعِيفَةٍ انْتَهَى مَا فِي الْحَاشِيَةِ

باب ما جاء إذا أديت الزكاة فقد قضيت ما عليك

قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَبِتَفْسِيرِ الضَّحَّاكِ هَذَا وَاَللَّهُ تعالى أعلم وقد أخرج بن جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ الْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ يَعْنِي الْمَالَ الْكَثِيرَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ (بَاب مَا جَاءَ إِذَا أَدَّيْتَ الزَّكَاةَ فَقَدْ قَضَيْتَ مَا عَلَيْكَ) [618] قَوْلُهُ (عَنْ دَرَّاجٍ) بِتَثْقِيلِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ جِيمٌ بن سَمْعَانَ أَبِي السَّمْحِ قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ودراج لقبه وثقه بن مَعِينٍ وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثُهُ مستقيم إلا عن أبي الهيثم (عن بن حُجَيْرَةَ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مُصَغَّرًا اسْمُهُ عبد الرحمن ثقة وهو بن حُجَيْرَةَ الْأَكْبَرُ قَوْلُهُ (إِذَا أَدَّيْتَ) أَيْ أَعْطَيْتَ (زَكَاةَ مَالِكَ) الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْكَ فِيهِ زَكَاةٌ (فَقَدْ قَضَيْتَ) أَيْ أَدَّيْتَ (مَا عَلَيْكَ) مِنَ الْحَقِّ الْوَاجِبِ فِيهِ وَلَا تُطَالَبُ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ آخَرَ مِنْهُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُهُ مَا عَلَيْكَ أَيْ مِنْ حُقُوقِ الْمَالِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ وَاجِبٌ مَالِيٌّ غَيْرُ الزَّكَاةِ وَبَاقِي الصَّدَقَاتِ كُلِّهَا تَطَوُّعٌ وَهُوَ يُشْكِلُ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْكَلَامُ فِي حُقُوقِ الْمَالِ وليس بشيء مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِنْ حُقُوقِ الْمَالِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُوجِبُهُ الْمَالُ بَلْ يُوجِبُهُ أَسْبَابٌ أُخَرُ كَالْفِطْرِ وَالْقَرَابَةِ وَالزَّوْجِيَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي الزَّكَاةِ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمُنَاوِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ

وصححه الحاكم وهو على شرط بن حِبَّانَ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ بن القطان أيضا وأخرجه أبو داود وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي سَنَدِهِ مَقَالٌ وَذَكَرَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ الْعِرَاقِيَّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ سَنَدَهُ جَيِّدٌ قَالَ الْحَافِظُ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ إِذَا أَدَّيْتَ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَدْ أَذْهَبْتَ عَنْكَ شَرَّهُ وَرَجَّحَ أَبُو زُرْعَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقْفَهُ كَمَا عِنْدَ الْبَزَّارِ انْتَهَى [619] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ كما ستقف (حدثنا علي بن حميد الْكُوفِيُّ) الْمَعْنِيُّ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ وَكَانَ ضَرِيرًا مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةَ) الْقَيْسِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ أَبُو سَعِيدٍ ثِقَةٌ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا وَتَعْلِيقًا مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ ثَابِتٍ) هُوَ بن أَسْلَمَ الْبُنَانِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قوله (يبتدىء) أَيْ بِالسُّؤَالِ (الْأَعْرَابِيُّ الْعَاقِلُ) رُوِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ وَالْمُرَادُ به هنا الذي لم يَبْلُغْهُ النَّهْيُ عَنِ السُّؤَالِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ نُهِينَا فِي الْقُرْآنِ أَنْ نَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَجَاءَ رَجُلٌ وَكَانَ أَنَسًا أَشَارَ إِلَى آيَةِ الْمَائِدَةِ قَالَ وَتَمَنَّوْهُ عَاقِلًا لِيَكُونَ عَارِفًا بِمَا يَسْأَلُ عَنْهُ (فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَهِيَ حَالَةُ التَّمَنِّي (إِذْ أَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ) اسْمُهُ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ (فَجَثَا) أَيْ جَلَسَ عَلَى رُكْبَتِهِ (فَزَعَمَ لَنَا) أَيْ فَقَالَ لَنَا وَالزَّعْمُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي لَا يُوثَقُ بِهِ كَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُحَقَّقِ أَيْضًا كما نقله أبو عمرو الزاهدي في شرح فصيح شيخه ثعلب وَأَكْثَرَ سِيبَوَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ زَعَمَ الْخَلِيلُ فِي مقام الاحتجاج قاله الحافظ والمراد به ها هنا هُوَ الْأَخِيرُ (إِنَّكَ تَزْعُمُ) أَيْ تَقُولُ قَوْلُهُ (فَبِاَلَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ) أَيْ أُقْسِمُكَ بِاَلَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ (آللَّهُ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ لِلِاسْتِفْهَامِ كَمَا فِي قوله تعالى

الله أذن لكم (لَا أَدَعُ) أَيْ لَا أَتْرُكُ (وَلَا أُجَاوِزُهُنَّ) أَيْ إِلَى غَيْرِهِنَّ يَعْنِي لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ بِاعْتِقَادِ الِافْتِرَاضِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَيْهِنَّ وَلَا أَنْقُصُ (ثُمَّ وَثَبَ) أَيْ قَامَ بِسُرْعَةٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ذَكَرَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مُعَلَّقًا فَقَالَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ حَدِيثَ أَنَسٍ بِإِسْنَادِهِ مَا لَفْظُهُ رَوَاهُ مُوسَى وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا انْتَهَى قَالَ الحافظ في الفتح موسى هو بن إِسْمَاعِيلَ التَّبُوذَكِيُّ وَحَدِيثُهُ مَوْصُولٌ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ في صحيحه وعند بن مَنْدَهْ فِي الْإِيمَانِ وَإِنَّمَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَجَّ بِشَيْخِهِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ وَحَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ مَوْصُولٌ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ أَخْرَجَهُ عَنِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُعَلَّقِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ أَنَسٍ إلخ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا (قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِقْهُ هَذَا الْحَدِيثِ) أَيِ الْحُكْمُ الْمُسْتَنْبَطُ مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِبَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَبُو سَعِيدٍ الْحَدَّادُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طريق بن خُزَيْمَةَ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْحَدَّادُ عِنْدِي خَبَرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْعَالِمِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ قِصَّةُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَالَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا قَالَ نَعَمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الْعَالِمِ

باب ما جاء في زكاة الذهب والورق

وَالْعَرْضَ عَلَيْهِ جَائِزٌ مِثْلُ السَّمَاعِ) أَيِ الْقِرَاءَةَ عَلَى الشَّيْخِ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ وَكَانَ يَقُولُ بَعْضُ الْمُتَشَدِّدِينَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى الشَّيْخِ لَا تَجُوزُ ثُمَّ انْقَرَضَ الْخِلَافُ فِيهِ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى جَوَازِهِ وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ أَيَّهُمَا أَرْفَعُ رُتْبَةً وَالْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ السَّمَاعَ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنَ الْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَعْرِضْ عَارِضٌ يُصَيِّرُ الْقِرَاءَةَ عَلَيْهِ أَوْلَى وَمِنْ ثَمَّ كَانَ السَّمَاعُ مِنْ لَفْظِهِ فِي إِمْلَاءٍ أَرْفَعَ الدَّرَجَاتِ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ مِنْ تَحَرُّزِ الشَّيْخِ وَالطَّالِبِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (بَاب مَا جَاءَ فِي زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ) أَيِ الْفِضَّةِ يُقَالُ وَرِقٌ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَبِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا [620] قَوْلُهُ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ) السَّلُولِيِّ الْكُوفِيِّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ صدوق وقال في الخلاصة وثقه بن المديني وبن مَعِينٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ) أَيْ إِذَا لَمْ يَكُونَا لِلتِّجَارَةِ وَفِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ اخْتِلَافٌ وَسَيَجِيءُ بَيَانُهُ وَتَحْقِيقُ الْحَقِّ فِيهِ فِي بَابِ مَا جَاءَ لَيْسَ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ صَدَقَةٌ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ (عَفَوْتُ) مُشْعِرٌ بِسَبْقِ ذَنْبٍ عَنْ إِمْسَاكِ الْمَالِ عَنِ الْإِنْفَاقِ أَيْ تَرَكْتُ وَجَاوَزَتُ عَنْ أَخْذِ زَكَاتِهِمَا مُشِيرًا إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ مَالٍ أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ الزَّكَاةُ (فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ) أَيْ زَكَاةَ الْفِضَّةِ وَالرِّقَةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ أَيِ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ أصلة ورق وهو الفضة خذف مِنْهُ الْوَاوُ وَعُوِّضَ عَنْهَا التَّاءَ كَمَا فِي عدة ودية قاله القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الرِّقَةُ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ سَوَاءٌ كَانَتْ مَضْرُوبَةً أَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَةٍ (وَلَيْسَ لِي فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ

باب ما جاء في زكاة الابل والغنم

شَيْءٌ) إِنَّمَا ذَكَرَ التِّسْعِينَ لِأَنَّهُ آخِرُ عَقْدٍ قَبْلَ الْمِائَةِ وَالْحِسَابُ إِذَا جَاوَزَ الْآحَادَ كَانَ تَرْكِيبُهُ بِالْعُقُودِ كَالْعَشَرَاتِ وَالْمِئِينَ وَالْأُلُوفِ فَذَكَرَ التِّسْعِينَ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ لَا صَدَقَةَ فِيمَا نَقَصَ عَنِ الْمِائَتَيْنِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَإِذَا بَلَغَتْ) أَيِ الرِّقَةُ (مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ) أَيِ الْوَاجِبُ فِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ بَعْدَ حَوَلَانِ الْحَوْلِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) أَمَّا حَدِيثُ الصِّدِّيقِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ قَوْلُهُ (يُحْتَمَلُ أَنْ يكون) أن هَذَا الْحَدِيثُ (عَنْهُمَا جَمِيعًا) أَيْ عَنْ عَاصِمِ بن ضمرة وَالْحَارِثِ كِلَيْهِمَا فَرَوَى أَبُو إِسْحَاقَ عَنْهُمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ) [621] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ الْبَغْدَادِيُّ) الطُّوسِيُّ الْأَصْلِ أَبُو هَاشِمٍ يُلَقَّبُ دَلُّوَيْهِ وَكَانَ يَغْضَبُ مِنْهَا وَلَقَّبَهُ أَحْمَدُ شُعْبَةَ الصَّغِيرَ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَرَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ (وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَرَوِيُّ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نَزِيلُ بَغْدَادَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ لِوَقْفِهِ فِي الْقُرْآنِ (وَمُحَمَّدُ بْنُ كَامِلٍ الْمَرْوَزِيُّ) ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ (الْمَعْنَى وَاحِدٌ) أَيْ أَلْفَاظُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ (أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ) بْنِ عمر الكلابي

مَوْلَاهُمْ أَبُو سَهْلٍ الْوَاسِطِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ) الْوَاسِطِيِّ ثِقَةٌ فِي غَيْرِ الزُّهْرِيِّ بِاتِّفَاقِهِمْ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ سَأَلْتُ يَحْيَى عَنْهُ فَقَالَ ثِقَةٌ وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ عن الزهري وقال بن عَدِيٍّ سَمِعْتُ أَبَا يَعْلَى يَقُولُ قِيلَ لِابْنِ مَعِينٍ حَدَّثَ سُفْيَانُ بْنَ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ فِي الصَّدَقَاتِ فَقَالَ لَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ لَيْسَ يَصِحُّ انْتَهَى قُلْتُ بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ قَوْلُهُ (فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ) أَيْ كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ لِإِرَادَةِ أَنْ يُخْرِجَهُ إِلَى عُمَّالِهِ فَلَمْ يُخْرِجْهُ حَتَّى قُبِضَ فَفِي الْعِبَارَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ قال أبو الطيب السندي وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَنْ مَنَعَ مَا فِي هَذَا يُقَاتَلُ بِالسَّيْفِ وَقَدْ وَقَعَ الْمَنْعُ وَالْقِتَالُ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَثَبَاتُهُ عَلَى الْقِتَالِ مَعَ مُدَافَعَةِ الصَّحَابَةِ أَوَّلًا يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ فَهِمَ الْإِشَارَةَ قَالَ هذا من فوائد بعض المشائخ انْتَهَى (وَكَانَ فِيهِ) أَيْ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ (ثَلَاثُ شِيَاهٍ) جَمْعُ شَاةٍ (وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بنت مخاض إلى خمس وثلاثين) استبدل بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيمَا بَيْنَ الْعَدَدِ شَيْءٌ غَيْرَ بِنْتِ مَخَاضٍ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ كَالْحَنَفِيَّةِ تُسْتَأْنَفُ الْفَرِيضَةُ فَيَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاةٌ مُضَافَةً إِلَى بِنْتِ الْمَخَاضِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قُلْتُ لَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْحَنَفِيَّةِ بَعْضَهُمْ وَإِلَّا فَفِي الْهِدَايَةِ وَشَرْحِ الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ الْحَنَفِيِّ الْمُعْتَبَرَةِ مُصَرَّحٌ بِخِلَافِهِ مُوَافِقًا لِمَا فِي الْحَدِيثِ وَبِنْتُ مخاض بفتح الميم والمعجمة الخفيفة وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ هِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا حَوْلٌ وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِي وَحَمَلَتْ أُمُّهَا وَالْمَاخِضُ الْحَامِلُ أي دخل وقتها وإن لم تحل (فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ هِيَ الَّتِي تَمَّتْ لَهَا سَنَتَانِ وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّ أُمَّهَا تَكُونُ لَبُونًا أَيْ ذَاتُ لَبَنٍ تُرْضِعُ بِهِ أُخْرَى غَالِبًا (فَفِيهَا حِقَّةٌ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ هِيَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهَا ثَلَاثُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتْ أَنْ تُرْكَبَ وَتَحْمِلَ وَيَطْرُقُهَا الْجَمَلُ (فَفِيهَا جَذَعَةٌ) بِفَتْحِ

الْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الَّتِي أَتَتْ عَلَيْهَا أَرْبَعُ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الْخَامِسَةِ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهَا تَجْذَعُ أَيْ تَقْلَعُ أَسْنَانَ اللَّبَنِ (فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ) فَوَاجِبُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَوَاجِبُ مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَحِقَّتَانِ وَهَكَذَا قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْقَاضِي دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى اسْتِقْرَاءِ الحساب بعد ما جَاوَزَ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا زَادَ الْإِبِلُ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ لَمْ تُسْتَأْنَفِ الْفَرِيضَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ تُسْتَأْنَفُ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ خَمْسٌ لَزِمَ حِقَّتَانِ وَشَاةٌ وَهَكَذَا إِلَى بِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ انْتَهَى (وَفِي الشَّاءِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ الْمُرَادُ عُمُومُ الْحُكْمِ لِكُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً بِالنَّظَرِ إِلَى الْأَشْخَاصِ أَيْ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ كَائِنَةٌ لِمَنْ كَانَ وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ فَفِي أَرْبَعِينَ شَاةٌ وَلَا شَيْءَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى تَزِيدَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ انْتَهَى (وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ وَالْفِعْلَانِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ النَّفَرُ الثَّلَاثَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ شَاةً وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَيَجْمَعُونَهَا حَتَّى لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ كُلُّهُمْ فِيهَا إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ يَكُونَ لِلْخَلِيطَيْنِ مِائَتَا شَاةٍ وَشَاتَانِ فَيَكُونُ عَلَيْهِمَا فِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ فَيُفَرِّقُونَهَا حَتَّى لَا يَكُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ خِطَابٌ لِرَبِّ الْمَالِ مِنْ جِهَةٍ وَلِلسَّاعِي مِنْ جِهَةٍ فَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أنْ لَا يُحْدِثَ شَيْئًا مِنَ الْجَمْعِ وَالتَّفْرِيقِ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ فَرَبُّ الْمَالِ يَخْشَى أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ فَيَجْمَعُ أَوْ يُفَرِّقُ لِتَقِلَّ وَالسَّاعِي يَخْشَى أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ فَيَجْمَعُ أَوْ يُفَرِّقُ لِتَكْثُرَ فَمَعْنَى قَوْلُهُ (خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ) أَيْ خَشْيَةَ أَنْ تَكْثُرَ الصَّدَقَةُ أَوْ خَشْيَةَ أَنْ تَقِلَّ الصَّدَقَةُ فَلَمَّا كَانَ مُحْتَمِلًا لِلْأَمْرَيْنِ لَمْ يَكُنِ الْحَمْلُ عَلَى أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ فَحُمِلَ عَلَيْهِمَا مَعًا لَكِنِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْمَالِكِ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى (وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بِالسَّوِيَّةِ) يُرِيدُ أَنَّ الْمُصَدِّقَ إِذَا أَخَذَ مِنْ أَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ مَا وَجَبَ أَوْ بَعْضَهُ مِنْ مَالِ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ الْمُخَالِطُ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الْوَاجِبُ أو بعضه بقدر حصته الذي خالطه

مِنْ مَجْمُوعِ الْمَالَيْنِ مِثْلًا فِي الْمِثْلِيِّ كَالثِّمَارِ أَوِ الْحُبُوبِ وَقِيمَتَهُ فِي الْمُقَوَّمِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَلَوْ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عِشْرُونَ شَاةً رَجَعَ الْخَلِيطُ عَلَى خَلِيطِهِ بِقِيمَةِ نِصْفِ شَاةٍ لَا بِنِصْفِ شَاةٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ مِثْلِيَّةٍ وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مِائَةٌ وَلِلْآخَرِ مِائَةٌ فَأَخَذَ السَّاعِي الشَّاتَيْنِ الْوَاجِبَتَيْنِ مِنْ صَاحِبِ الْمِائَةِ رَجَعَ بِثُلُثِ قِيمَتِهَا أَوْ مِنْ صَاحِبِ الْخَمْسِينَ رَجَعَ بِثُلُثَيْ قِيمَتِهَا أَوْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةً رَجَعَ صَاحِبُ الْمِائَةِ بِثُلُثِ قِيمَةِ شَاتِهِ وَصَاحِبُ الْخَمْسِينَ بِثُلُثَيْ قِيمَةِ شَاتِهِ كَذَا فِي إِرْشَادِ السَّارِي لِلْقَسْطَلَّانِيِّ (وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ) بِفَتْحِ الْهَاء وَكَسْرِ الرَّاءِ الْكَبِيرَةُ الَّتِي سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا (وَلَا ذَاتُ عَيْبٍ) أَيْ مَعِيبَةٌ وَاخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ مَا يَثْبُتُ بِهِ الرَّدُّ فِي الْبَيْعِ وَقِيلَ مَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَيَدْخُلُ فِي الْمَعِيبِ الْمَرِيضُ وَالذُّكُورَةُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأُنُوثَةِ وَالصَّغِيرُ سِنًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى سِنٍّ أَكْبَرَ مِنْهُ قَالَهُ الْحَافِظُ (إِذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ) بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ عَامِلُ الصَّدَقَةِ أَيْ إِذَا جَاءَ الْعَامِلُ عِنْدَ أَرْبَابِ الْمَالِ لِأَخْذِ الصَّدَقَةِ قَوْلُهُ (وَفِي هَذَا الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ بِطُولِهِ (وَبَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا رَفَعَهُ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ ضَعِيفٌ فِي الزُّهْرِيِّ وَقَدْ خَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ فِي الزُّهْرِيِّ فَأَرْسَلَهُ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ إِلَّا أَنَّ حَدِيثَهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ تَابَعَ سُفْيَانَ بْنَ حُسَيْنٍ عَلَى رَفْعِهِ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ وَهُوَ مِمَّنِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَرْجُو

باب ما جاء في زكاة البقر

أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ صَدُوقٌ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ) [622] قوله (عن خصيف) بالصاد المهملة مصغرا بن عبد الرحمن الجزري صدوق سيء الْحِفْظِ خُلِطَ بِأَخَرَةٍ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي عبيدة) هو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا اِسْمَ لَهُ غَيْرُهَا وَيُقَالُ اسمه عامر كوفي في ثقة من كبار الثلاثة وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِيهِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعٌ) أَيْ مَا كَمَلَ لَهُ سَنَةٌ وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ وَسُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ بَعْدُ وَالْأُنْثَى تَبِيعَةٌ (وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ) أَيْ مَا كَمَلَ لَهُ سَنَتَانِ وَطَلَعَ سِنُّهَا وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ أَوْ مُسِنٌّ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي البقر وأن نصابها ما ذكر قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ السُنَّةَ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَرَوَى شَرِيكٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) فَزَادَ شَرِيكٌ لَفْظَ (عَنْ أَبِيهِ) بَيْنَ لَفْظِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَبَيْنَ لَفْظِ عن عبد الله وشريك هذا هو بن عبد الله الكوفي القاضي يخطىء كَثِيرًا تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ فَزِيَادَتُهُ لَفْظَ (عَنْ أَبِيهِ) مُنْكَرَةٌ وَرِوَايَةُ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ بِحَذْفِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ هِيَ مَحْفُوظَةٌ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ

حافظ وقيل عن عبد الله بدل مِنْ عَنْ أَبِيهِ [623] قَوْلُهُ (أَنْ آخُذَ مِنْ كل ثلاثين بقرة) قال بن الْهُمَامِ الْبَقَرُ مِنْ بَقَرَ إِذَا شَقَّ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ الْأَرْضَ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ وَالتَّاءُ فِي بَقَرَةٍ لِلْوَحْدَةِ فَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لَا لِلتَّأْنِيثِ قَوْلُهُ (وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا) أَرَادَ بِالْحَالِمِ مَنْ بَلَغَ الْحُلُمَ وَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُ الرِّجَالِ سَوَاءٌ احْتَلَمَ أَمْ لَا والمراد به أخذ الحرية من لَمْ يُسْلِمْ (أَوْ عَدْلَهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ عَدْلَهُ أَيْ مَا يُعَادِلُ قِيمَتَهُ مِنَ الثِّيَابِ قَالَ الْفَرَّاءُ هَذَا عِدْلُ الشَّيْءِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ مِثْلُهُ فِي الصُّورَةِ وَهَذَا عَدْلُهُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ إِذَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الْقِيمَةِ وَفِي النِّهَايَةِ الْعَدْلُ بِالْكَسْرِ وَبِالْفَتْحِ وَهُمَا بِمَعْنَى الْمِثْلِ (مَعَافِرَ) عَلَى وَزْنِ مَسَاجِدَ حَيٌّ مِنْ هَمْدَانَ لَا يَنْصَرِفُ لِمَا فِيهِ مِنْ صِيغَةِ مُنْتَهَى الْجُمُوعِ وَإِلَيْهِمْ تُنْسَبُ الثِّيَابُ الْمَعَافِرِيَّةُ وَالْمُرَادُ هُنَا الثِّيَابُ الْمَعَافِرِيَّةُ كَمَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (هذا حديث حسن) وزعم بن بَطَّالٍ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ هَذَا مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ قَالَ الْحَافِظُ وَفِي الْحُكْمِ بِصِحَّتِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مسروقا لم يلق معاذا وإنما حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ لِشَوَاهِدِهِ فَفِي الْمُوَطَّأِ مِنْ طَرِيقِ طاؤس عن معاذ نحوه وطاؤس عَنْ مُعَاذٍ مُنْقَطِعٌ أَيْضًا وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُفْيَانَ إلخ) أَيْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ مُرْسَلًا بِغَيْرِ ذِكْرِ مُعَاذٍ وَهَذَا الْمُرْسَلُ أخرجه بن شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَذَكَرَهُ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ

باب ما جاء في كراهية أخذ خيار المال في الصدقة

6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَخْذِ خِيَارِ الْمَالِ فِي الصَّدَقَةِ) [625] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ) هُوَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ صَيْفِيٍّ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ) أَيْ أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ أَمِيرًا أَوْ قَاضِيًا (فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ) أَيِ انْقَادُوا لِلْإِسْلَامِ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ حَذْفِ عَامِلِهِ عَلَى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَك فَأَجِرْهُ (فَأَعْلِمْهُمْ) مِنَ الْإِعْلَامِ (تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ) قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ وَتُرَدُّ فِي الْفُقَرَاءِ حَيْثُ كَانُوا ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّدَقَةَ تُرَدُّ عَلَى فقراء من أخذت من أغنيائهم وقال بن الْمُنِيرِ اخْتَارَ الْبُخَارِيُّ جَوَازَ نَقْلِ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدِ الْمَالِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ (فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ) لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَيُّ فَقِيرٍ مِنْهُمْ رُدَّتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ فِي أَيِّ جِهَةٍ كَانَ فَقَدْ وَافَقَ عُمُومَ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَالَّذِي يَتَبَادَرُ إِلَى الذِّهْنِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَدَمُ النَّقْلِ وَأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فَيَخْتَصُّ بذلك فقراؤهم لكن رجح بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَوَّلَ قَالَ إِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَظْهَرَ إِلَّا أَنَّهُ يُقَوِّيهِ أَنَّ أَعْيَانَ الْأَشْخَاصِ الْمُخَاطَبِينَ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْكُلِّيَّةِ لَا تُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِمُ الْحُكْمُ وَإِنِ اخْتَصَّ بِهِمْ خِطَابُ الْمُوَاجَهَةِ انْتَهَى وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَازَ النَّقْلَ اللَّيْثُ وَأَبُو حنيفة وأصحابهما ونقله بن المنذر عن

الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْجُمْهُورِ وترك النَّقْلِ فَلَوْ خَالَفَ وَنَقَلَ أَجْزَأَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَمْ يُجْزِئْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ إِلَّا إِذَا فُقِدَ الْمُسْتَحِقُّونَ لَهَا وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّ قَوْلَهُ حَيْثُ كَانُوا يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا يُنْقَلُ عَنْ بَلَدٍ وَفِيهِ مِمَّنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي عَدَمُ النَّقْلِ إِلَّا إِذَا فُقِدَ الْمُسْتَحِقُّونَ لَهَا أَوْ يَكُونُ فِي النَّقْلِ مَصْلَحَةٌ أَنْفَعُ وَأَهَمُّ مِنْ عَدَمِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ إِيجَابُ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ (مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ) قَالَهُ عِيَاضٌ وَفِيهِ بَحْثٌ وَأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تُدْفَعُ إِلَى الْكَافِرِ لِعَوْدِ الضَّمِيرِ فِي فُقَرَائِهِمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ قُلْنَا بِخُصُوصِ الْبَلَدِ أَوِ الْعُمُومِ انْتَهَى (فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ) جَمْعُ كَرِيمَةٍ وَهِيَ خِيَارُ الْمَالِ وَأَفْضَلُهُ أَيِ احْتَرِزْ مِنْ أَخْذِ خِيَارِ أَمْوَالِهِمْ (وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ) أَيِ اتَّقِ الظُّلْمَ خَشْيَةَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْكَ الْمَظْلُومُ (فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ) مَانِعٌ بَلْ هِيَ مَعْرُوضَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى قَالَ السُّيُوطِيُّ أَيْ لَيْسَ لَهَا مَا يَصْرِفُهَا وَلَوْ كَانَ الْمَظْلُومُ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُسْتَجَابُ لِمِثْلِهِ مِنْ كَوْنِ مَطْعَمِهِ حَرَامًا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ (وَإِنْ كَانَ كَافِرًا) رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حديث أنس قال بن الْعَرَبِيِّ لَيْسَ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ شَيْءٍ حِجَابٌ عَنْ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ وَإِذَا أَخْبَرَ عَنْ شَيْءٍ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ حِجَابًا فَإِنَّمَا يُرِيدُ مَنْعَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ) هُوَ صُنَابِحُ بْنُ الْأَعْسَرِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ الصُّنَابِحُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ ثُمَّ نُونٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ بن الأعسر الأحمصي صَحَابِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَمَنْ قَالَ فِيهِ الصُّنَابِحِيَّ فَقَدْ وَهِمَ انْتَهَى قَالَ سِرَاجٌ أَحْمَدُ السَّرْهَنْدِيُّ في شرح الترمذي أخرج حديثه بن أَبِي شَيْبَةَ قَالَ أَبْصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاقَةً حَسَنَةً فِي إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ مَا هَذِهِ قَالَ صَاحِبُ الصَّدَقَةِ إِنِّي ارْتَجَعْتُهَا بِبَعِيرَيْنِ مِنْ حَوَاشِي الْإِبِلِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنِعْمَ إِذًا كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجٍ أَحْمَدَ السَّرْهَنْدِيِّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وغيرهما

باب ما جاء في صدقة الزرع والثمر والحبوب

قَوْلُهُ (اسْمُهُ نَافِذٌ) بِفَاءٍ وَمُعْجَمَةٍ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ (بَاب مَا جاء في صدقة الزرع والثمر والحبوب) [626] قوله (ليس فيما دون خمسة ذَوْدٍ) أَيْ مِنَ الْإِبِلِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَالذَّوْدُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ قَالَ الْحَافِظُ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الذَّوْدَ مِنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ وَأَنَّهُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنَ الثِّنْتَيْنِ إِلَى الْعَشَرَةِ وَقَالَ الْقَسْطَلَانِيُّ الْقِيَاسُ في تمييز ثلاثة إلى عشر أن يكون جمع تكسير جَمْعَ قِلَّةٍ فَمَجِيئُهُ اسْمَ جَمْعٍ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَلِيلٌ وَالذَّوْدُ يَقَعُ عَلَى الْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْجَمْعِ وَالْمُفْرَدِ فَلِذَا أَضَافَ خَمْسَ إِلَيْهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ) أَيْ مِنَ الْوَرِقِ كَمَا مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ الْحَافِظُ أَوَاقٍ بِالتَّنْوِينِ وَبِإِثْبَاتِ التَّحْتَانِيَّةِ مُشَدَّدًا أَوْ مُخَفَّفًا جَمْعُ أُوقِيَّةٍ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَحَكَى الْجَيَّانِيُّ وَقِيَّةً بِحَذْفِ الْأَلْفِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَمِقْدَارُ الْأُوقِيَّةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) جَمْعُ وَسْقٍ بِفَتْحِ الْوَاو وَيَجُوزُ كَسْرُهَا كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وجمعه حينئذ أو ساق كحمل وأحمال وقد وقع كذلك فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَهُوَ سِتُّونَ صَاعًا بِالِاتِّفَاقِ وفي رواية لمسلم ليس فيما دون خمس أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلَا حَبٍّ صَدَقَةٌ وَلَفْظُ دُونَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ بِمَعْنَى أَقَلَّ لَا أَنَّهُ نَفْيٌ عَنْ غَيْرِ الْخَمْسِ الصَّدَقَةِ كَمَا زَعَمَ مَنْ لَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هريرة) أخرجه أحمد (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ

[627] قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ) كَذَا أَطْلَقَ التِّرْمِذِيُّ وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ مُحَمَّدٌ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْرَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْخُذُ بِذَلِكَ إِلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ الْعُشْرُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ إِنْ كَانَتْ تَشْرَبُ سَيْحًا أَوْ تَسْقِيهَا السَّمَاءُ وَإِنْ كَانَتْ تَشْرَبُ بِغَرْبٍ أَوْ دَالِيَةٍ فَنِصْفُ عُشْرٍ وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمُجَاهِدٍ انْتَهَى كَلَامُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ الْعُشْرُ أَخْرَجَهُ عبد الرزاق وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَخْرَجَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ نَحْوَهُ واستدل لهم بحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّوَانِي أَوِ النَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا فِيمَا سَقَتْهُ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ مُعَاذٍ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِمَّا سَقَتِ السَّمَاءُ وَمَا سُقِيَ بَعْلًا الْعُشْرَ وَمَا سقى بالدوالي نصف العشر أخرجه بن مَاجَهْ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مُبْهَمَةٌ وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْأَخْبَارِ مُفَسَّرَةٌ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ فَيَجِبُ حَمْلُ الْمُبْهَمِ عَلَى الْمُفَسَّرِ وَأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْهُ بِأَنَّهُ إِذَا وَرَدَ حَدِيثَانِ مُتَعَارِضَانِ أَحَدُهُمَا عَامٌّ وَالْآخَرُ خَاصٌّ فَإِنْ عُلِمَ تَقَدُّمُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ خُصَّ بِالْخَاصِّ وَإِنْ عُلِمَ تَقَدُّمُ الْخَاصِّ كَانَ الْعَامُّ نَاسِخًا لَهُ فِيمَا تَنَاوَلَاهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمِ التَّارِيخُ يُجْعَلِ الْعَامُّ مُتَأَخِّرًا لِمَا فيه من الاحتياط وههنا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا في معناه خاص وحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ عَامٌّ وَلَمْ يُعْلَمِ التَّارِيخُ فَيُجْعَلُ الْعَامُّ مُتَأَخِّرًا ويعمل به

قُلْتُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وما في معناه وبين حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ أصلا فإن حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سِيقَ لِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ مُسَاقٌ لِبَيَانِ جِنْسِ الْمُخْرَجِ منه وقدره قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالثَّلَاثُونَ رد السنة الصحيحة المحكمة في تقدير نِصَابِ الْمُعَشَّرَاتِ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ بِالْمُتَشَابِهِ مِنْ قَوْلِهِ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِنَضْحٍ أَوْ غَرْبٍ فَنِصْفُ الْعُشْرِ قَالُوا وَهَذَا يَعُمُّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَقَدْ عَارَضَهُ الْخَاصُّ وَدَلَالَةُ الْعَامِّ قَطْعِيَّةٌ كَالْخَاصِّ وَإِذَا تَعَارَضَا قُدِّمَ الْأَحْوَطُ وَهُوَ الْوُجُوبُ فَيُقَالُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِكِلَا الْحَدِيثَيْنِ وَلَا يَجُوزُ مُعَارَضَةُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِلْغَاءُ أَحَدِهِمَا بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ فَرْضٌ فِي هَذَا وَفِي هَذَا وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا بِحَمْدِ اللَّهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ التَّمْيِيزُ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ وَبَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ نِصْفُهُ فَذَكَرَ النَّوْعَيْنِ مُفَرِّقًا بَيْنَهُمَا فِي مِقْدَارِ الْوَاجِبِ وَأَمَّا مِقْدَارُ النِّصَابِ فَسَكَتَ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيَّنَهُ نَصًّا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَكَيْفَ يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنِ النَّصِّ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ الْمُحْكَمِ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ أَلْبَتَّةَ إِلَى الْمُجْمَلِ الْمُتَشَابِهِ الَّذِي غَايَتُهُ أَنْ يُتَعَلَّقَ فِيهِ بِعُمُومٍ لَمْ يُقْصَدْ وَبَيَانُهُ بِالْخَاصِّ الْمُحْكَمِ الْمُبَيَّنِ كَبَيَانِ سَائِرِ الْعُمُومَاتِ بِمَا يَخُصُّهَا مِنَ النُّصُوصِ إِلَى أَنْ قَالَ ثُمَّ يُقَالُ إِذَا خَصَّصْتُمْ عُمُومَ قَوْلِهِ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ بِالْقَصَبِ وَالْحَشِيشِ وَلَا ذِكْرَ لَهُمَا فِي النَّصِّ فَهَلَّا خَصَّصْتُمُوهُ بِالْقِيَاسِ الْجَلِيِّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَجْلَى الْقِيَاسِ وَأَصَحِّهُ عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَإِنَّ زَكَاةَ الْخَاصَّةِ لَمْ يُشَرِّعْهَا اللَّهُ فِي مَالٍ إِلَّا وَجَعَلَ لَهُ نِصَابًا كَالْمَوَاشِي وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَيُقَالُ أَيْضًا هَلَّا أَوْجَبْتُمُ الزَّكَاةَ فِي قَلِيلِ كُلِّ مَالٍ وَكَثِيرِهِ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى خُذْ مِنْ أموالهم صدقة وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلَا بَقَرٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا بُطِحَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ وَبِقَوْلِهِ مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إِلَّا صُفِّحَتْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَفَائِحَ مِنْ نَارٍ وَهَلَّا كَانَ هَذَا الْعُمُومُ عِنْدَكُمْ مُقَدَّمًا عَلَى أَحَادِيثِ النُّصُبِ الْخَاصَّةِ وَهَلَّا قُلْتُمْ هُنَاكَ تَعَارَضَ مُسْقِطٌ وَمُوجِبٌ فَقَدَّمْنَا الْمُوجِبَ احْتِيَاطًا وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ انْتَهَى كلام بن الْقِيَمِ وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا كُلَّهُ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ الْقَوْلَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ مَا قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا مَا قَالَ بِهِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ وَلِذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الحجج مَا لَفْظُهُ وَلَسْنَا نَأْخُذُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِبْرَاهِيمَ وَلَكِنَّنَا نَأْخُذُ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ انْتَهَى كَلَامُهُ (وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا

أَيْ مِنْ صَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْحُجَجِ وَالْوَسْقُ عِنْدَنَا سِتُّونَ صَاعًا بِصَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى (وَخَمْسَةُ أَوْسُقٍ ثَلَاثُمِائَةِ صَاعٍ) لِأَنَّك إِذَا ضَرَبْت الْخَمْسَةَ فِي السِّتِّينَ حَصَلَ هَذَا الْمِقْدَارُ قَوْلُهُ (وَصَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ وَصَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ) أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُلَيْمَانَ الرَّازِيِّ قَالَ قُلْتُ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ كَمْ قَدْرُ صَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ أَنَا حَزَرْتُهُ فَقُلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ خَالَفْتَ شَيْخَ الْقَوْمِ قَالَ مَنْ هُوَ قُلْتُ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ فَغَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ لِجُلَسَائِهِ يَا فُلَانُ هَاتِ صَاعَ جَدِّكَ يَا فُلَانُ هَاتِ صَاعَ جَدَّتِكَ قَالَ إِسْحَاقُ فَاجْتَمَعَتْ آصُعٌ فَقَالَ مَا تَحْفَظُونَ فِي هَذَا فَقَالَ هَذَا حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُؤَدِّي بِهَذَا الصَّاعِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الْآخَرُ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا أَدَّتْ بِهَذَا الصَّاعِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَالِكٌ أَنَا حَزَرْتُ هَذِهِ فَوَجَدْتُهَا خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا انْتَهَى قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ هَذِهِ الْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ أَخْرَجَهَا أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وقد أخرج بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُخْرِجُونَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُدِّ الَّذِي يَقْتَاتُ بِهِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُعْطِي زَكَاةَ رَمَضَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُدِّ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي الصَّاعِ وَقَدْرِهِ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا أَنَّهُ كَمَا قَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْعِرَاقِيِّ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ إِنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَهُوَ قَوْلٌ مَرْدُودٌ تَدْفَعُهُ هَذِهِ الْقِصَّةُ الْمُسْنَدَةُ إِلَى صِيعَانِ الصَّحَابَةِ الَّتِي قَرَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ بَعْدَ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ إِلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَتَرَكَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ أَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَأَخْرَجَ إِلَيَّ مَنْ أَثِقُ بِهِ صَاعًا وَقَالَ هَذَا صَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثًا قَالَ الطحاوي وسمعنا بن أبي عمران

يَقُولُ الَّذِي أَخْرَجَهُ لِأَبِي يُوسُفَ هُوَ مَالِكٌ انْتَهَى وَذَكَرَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ رِوَايَةَ الدَّارَقُطْنِيِّ الْمَذْكُورَةَ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ إِسْنَادُهُ مُظْلِمٌ وَبَعْضُ رِجَالِهِ غَيْرُ مَشْهُورِينَ وَالْمَشْهُورُ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الوليد القرشي وهوثقة قَالَ قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنَ الْحَجِّ فَقَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَفْتَحَ عَلَيْكُمْ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ أَهَمَّنِي فَفَحَصْتُ عَنْهُ فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَسَأَلْتُ عَنِ الصَّاعِ فَقَالَ صَاعُنَا هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لَهُمْ مَا حُجَّتُكُمْ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا نَأْتِيكَ بِالْحُجَّةِ غَدًا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَانِي نَحْوٌ مِنْ خَمْسِينَ شَيْخًا مِنْ أَبْنَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ صَاعٌ تَحْتَ رِدَائِهِ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَنَّ هَذَا صَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا هِيَ سَوَاءٌ قَالَ عَيَّرْتُهُ فَإِذَا خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِنُقْصَانٍ يَسِيرٍ فَرَأَيْتُ أَمْرًا قَوِيًّا فَتَرَكْتُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الصَّاعِ وَأَخَذْتُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ مَالِكًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَاظَرَهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِالصِّيعَانِ الَّتِي جَاءَ بها أولئك الرهط فرجع أبي يُوسُفَ إِلَى قَوْلِهِ وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ يَقُولُ عَيَّرْتُ صَاعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُهُ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثَ رِطْلٍ بِالتَّمْرِ انْتَهَى كَلَامُهُ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قُلْتُ ظَهَرَ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ صَاعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ خَمْسَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثَ رطل وكان الصحابة رضي الله تعالى عَنْهُمْ بِهَذَا الصَّاعِ النَّبَوِيِّ يُخْرِجُونَ زَكَاةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا صَاعُ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَهُوَ خِلَافُ صَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ زَكَاةُ الْفِطْرِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فِي عَهْدِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِصَاعِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَالصَّاعُ الشَّرْعِيُّ هُوَ الصَّاعُ النَّبَوِيُّ دُونَ غَيْرِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ رِطْلَيْنِ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ فضعيف وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْوَزْنِ وَكَذَا حَدِيثُهُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَرَتِ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ صَاعٌ مِنْ ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ وَفِي الْوُضُوءِ رطلان ضعيف وكذا حديث بن عَدِيٍّ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ ضَعِيفٌ صَرَّحَ الْحَافِظُ بِضَعْفِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي الدِّرَايَةِ وَأَمَّا مَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانَ صَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ وَمُدُّهُ رِطْلَيْنِ فَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِيهِ الْحَجَّاجُ بن أرطأة قال الْحَافِظُ قَالَ وَأَصَحُّ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ البخاري

باب ما جاء ليس في الخيل والرقيق صدقة

عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمْ الْيَوْمَ فَزِيدَ فِيهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ لَيْسَ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ صَدَقَةٌ) [628] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ الْغِفَارِيِّ الْمَدَنِيِّ فَقِيهُ أَهْلِ دَهْلَكَ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مَاتَ فِي خِلَافَةِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بَعْدَ الْمِائَةِ وَدَهْلَكُ جَزِيرَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ هُوَ مَدَنِيُّ الْأَصْلِ نَفَاهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى دَهْلَكَ لِكَلِمَةٍ قَالَهَا أَيَّامَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَوْلُهُ (لَيْسَ عَلَى المسلم في فرسه وَلَا عَبْدِهِ صَدَقَةٌ) أَيْ إِذَا لَمْ يَكُونَا لِلتِّجَارَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِمَا مُطْلَقًا وَلَوْ كَانَ لِلتِّجَارَةِ وَأُجِيبُوا بِأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا نَقَلَهُ بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ فَيُخَصُّ بِهِ عُمُومُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَلِيٍّ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو فليظر مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ صَدَقَةٌ وَلَا فِي الرقيق

باب ما جاء في زكاة العسل

إِذَا كَانُوا لِلْخِدْمَةِ صَدَقَةٌ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا لِلتِّجَارَةِ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَ محمد في موطأه بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ الْبَابِ وَبِهَذَا نَأْخُذُ لَيْسَ فِي الْخَيْلِ صَدَقَةٌ سَائِمَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ سَائِمَةٍ وَأَمَّا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةً يُطْلَبُ نَسْلُهَا فَفِيهَا الزَّكَاةُ إِنْ شِئْتَ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ وَإِنْ شِئْتَ فَالْقِيمَةُ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ انتهى كلام محمد قال القارىء في شرح الموطأة وَافَقَهُ أَيْ مُحَمَّدًا أَبُو يُوسُفَ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَفِي الْيَنَابِيعِ عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ والشافعي انتهى كلام القارىء وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَحْتَ حَدِيثِ الْبَابِ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي أَنَّ أَمْوَالَ الْقُنْيَةِ لَا زَكَاةَ فِيهَا وَأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ إِذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وَبِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَشَيْخَهُ حَمَّادَ بْنَ أبي سليمان وَزُفَرَ أَوْجَبُوا فِي الْخَيْلِ إِذَا كَانَتْ إِنَاثًا أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَخْرَجَ عَنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَلَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمُ انْتَهَى قُلْتُ وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ مَا قَالَ بِهِ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً وَاسْتُدِلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ حَمَّادٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَخْبَرَنَا أَبُو يُوسُفَ عَنْ فُورَكَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ جِدًّا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ فُورَكُ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَمَنْ دُونَهُ ضُعَفَاءُ انْتَهَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَمْ يُخَالِفْهُ انْتَهَى وَقَدِ اسْتُدِلَّ لَهُ بِأَحَادِيثَ أُخْرَى لَا تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهَا الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ جَوَابًا شَافِيًا مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ (بَاب مَا جَاءَ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ) [629] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ) هُوَ الْحَافِظُ الذُّهْلِيُّ أَحَدُ الْأَعْلَامِ الْكِبَارِ لَهُ

رِحْلَةٌ وَاسِعَةٌ وَنَقْدٌ وَرَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَيُدَلِّسُهُ وروى عنه الترمذي وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَهُوَ الَّذِي جَمَعَ حَدِيثَ الزُّهْرِيِّ فِي مُجَلَّدَيْنِ قَالَ الذُّهْلِيُّ أَنْفَقْتُ عَلَى الْعِلْمِ مِائَةً وَخَمْسِينَ أَلْفًا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ حَافِظٌ جَلِيلٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ وَلَهُ سِتٌّ وَثَمَانُونَ سَنَةً (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ التِّنِّيسِيُّ) بِكَسْرِ مُثَنَّاةِ فَوْقَ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَكَسْرِ نُونٍ مُشَدَّدَةٍ تَحْتُ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) السَّمِينِ الدِّمَشْقِيِّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَزُقٍّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ أَفْعُلٍ جَمْعٌ قِلَّةٍ (زِقٌّ) بِكَسْرِ الزَّايِ مُفْرَدٌ الْأَزُقِّ وَهُوَ ظَرْفٌ مِنْ جِلْدٍ يُجْعَلُ فِيهِ السَّمْنُ وَالْعَسَلُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَيَّارَةَ الْمُتَعِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ قَالَ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ الْعَسَلِ الْعُشْرُ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَرِّرٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَبْدُ اللَّهِ مَتْرُوكٌ وَلَا يَصِحُّ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ شَيْءٌ كَذَا فِي فَتْحِ الباري وأماحديث أبي سيارة فأخرجه أحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أن لي نحلا قَالَ فَأَدِّ الْعُشُورَ الْحَدِيثَ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَقُومُ بِهَذَا حُجَّةٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ جَاءَ هِلَالٌ أحد بن مُتْعَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُشُورِ نَحْلٍ لَهُ وَكَانَ سَأَلَهُ أَنْ يَحْمِيَ لَهُ وَادِيًا فَحَمَاهُ لَهُ فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ كَتَبَ إِلَى عَامِلِهِ إِنْ أَدَّى إِلَيْك عُشُورَ نَحْلِهِ فَاحْمِ لَهُ سَلَبَهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى عَمْرٍو وَتَرْجَمَةُ عَمْرٍو قَوِيَّةٌ عَلَى الْمُخْتَارِ لَكِنْ حَيْثُ لَا تَعَارُضَ وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هِلَالًا أَعْطَى ذَلِكَ تَطَوُّعًا فَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدٍ يَنْهَاهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْعَسَلِ صَدَقَةً إِلَّا إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا فَجَمَعَ عُثْمَانُ أَهْلَ الْعَسَلِ فَشَهِدُوا أَنَّ هِلَالَ بْنَ سَعْدٍ قَدِمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَسَلٍ فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ صَدَقَةٌ فَأَمَرَ بِرَفْعِهَا وَلَمْ يَذْكُرِ الْعُشُورَ لَكِنَّ الْإِسْنَادَ الْأَوَّلَ أَقْوَى إِلَّا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْحِمَى كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

باب ما جاء لا زكاة على المال المستفاد

قَوْلُهُ (فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ) لِأَنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ صَدَقَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ كَبِيرُ شَيْءٍ) وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ لَا يَصِحُّ فِي زَكَاةِ الْعَسَلِ شَيْءٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ ليس في العسل شيء) وقال بن الْمُنْذِرِ لَيْسَ فِي الْعَسَلِ خَبَرٌ يَثْبُتُ وَلَا إِجْمَاعٌ فَلَا زَكَاةَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا أُخِذَ مِنْ غَيْرِ أَرْضِ الْخَرَاجِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِ بن الْمُنْذِرِ هَذَا وَمَا نَقَلَهُ عَنِ الْجُمْهُورِ مُقَابِلُهُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ هَذَا ثُمَّ قَالَ وَأَشَارَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِهِ إلى أن الذي نقله بن الْمُنْذِرِ أَقْوَى انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَحَكَاهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الْجُمْهُورِ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَسَلِ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي سَيَّارَةَ وَحَدِيثَ هِلَالٍ إِنْ كَانَ غَيْرَ أَبِي سَيَّارَةَ لَا يَدُلَّانِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْعَسَلِ لِأَنَّهُمَا تَطَوَّعَا بِهَا وَحُمِيَ لَهُمَا بَدَلَ مَا أُخِذَ وَعَقِلَ عُمَرُ الْعِلَّةَ فَأَمَرَ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ سَبِيلُهُ سَبِيلَ الصَّدَقَاتِ لم يخبر فِي ذَلِكَ وَبَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ لَا تَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ بها انتهى 0 - (باب ما جاء لا زكاة على المال الْمُسْتَفَادِ) حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ الْمُرَادُ بِالْمَالِ الْمُسْتَفَادِ الْمَالُ الَّذِي حَصَلَ لِلرَّجُلِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ مِنْ هِبَةٍ أَوْ مِيرَاثٍ أَوْ مِثْلِهِ وَلَا يَكُونُ مِنْ نَتَائِجِ الْمَالِ الْأَوَّلِ [631] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا هَارُونُ بْنُ صَالِحٍ الطَّلْحِيُّ) نِسْبَةً إِلَى طَلْحَةَ جَدِّ جَدِّهِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ

قَوْلُهُ (مَنِ اسْتَفَادَ مَالًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَالَ الْمُسْتَفَادَ عَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ النِّصَابِ الَّذِي عِنْدَهُ كَمَا إِذَا كَانَتْ لَهُ إِبِلٌ فَاسْتَفَادَ إِبِلًا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَثَانِيهِمَا أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَمَا إِذَا اسْتَفَادَ بَقَرًا فِي صُورَةِ نِصَابِ الْإِبِلِ وَهَذَا لَا ضَمَّ فِيهِ اتِّفَاقًا بَلْ يُسْتَأْنَفُ لِلْمُسْتَفَادِ حِسَابٌ آخَرُ وَالْأَوَّلُ عَلَى نَوْعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَفَادُ مِنَ الْأَصْلِ كَالْأَرْبَاحِ وَالْأَوْلَادِ وَهَذَا يُضَمُّ إِجْمَاعًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُسْتَفَادًا بِسَبَبٍ آخَرَ كَالْمُشْتَرَى وَالْمَوْرُوثِ وَهَذَا يُضَمُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُضَمُّ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَاسْتَدَلَّ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ بِحَدِيثِ بن عُمَرَ الْمَرْوِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ وَبِآثَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا روى عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَرَّى) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ بِفَتْحِ أَوَّلِهَا وتشديد الراء مع المد وقيل القصر بِنْتِ نَبْهَانَ الْغَنَوِيَّةِ صَحَابِيَّةٌ لَهَا حَدِيثٌ انْتَهَى وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهَا [632] قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) أَيْ هَذَا الْمَوْقُوفُ صَحِيحٌ وَالْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْبُلُوغِ بَعْدَ ذكر حديث بن عُمَرَ الْمَرْفُوعِ مَا لَفْظُهُ وَالرَّاجِحُ وَقْفُهُ وَقَالَ في التلخيص بعد ذكر حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَرْفُوعِ مَا لَفْظُهُ قال الترمذي والصحيح عن بن عمر موقوف وكذا قال البيهقي وبن الجوزي

وَغَيْرُهُمَا وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحُنَيْنِيِّ عَنْ مَالِكٍ عن نافع عن بن عُمَرَ نَحْوَهُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْحُنَيْنِيُّ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ مَوْقُوفٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا روي عن بن عُمَرَ قَالَ وَالِاعْتِمَادُ فِي هَذَا وَفِي الَّذِي قَبْلَهُ عَلَى الْآثَارِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ انتهى ما في التلخيص وحديث بن عُمَرَ الْمَرْفُوعُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَفِيهِ الزَّكَاةُ) أَيْ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ سِوَى الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ وَكَانَ ذَلِكَ الْمَالُ بِقَدْرِ النِّصَابِ فَيَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ وَيُضَمُّ مَعَ مَالِهِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ وَيُزَكَّى مَعَهُ إِذَا كَانَ الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ جِنْسِ مَالِهِ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ وَلَا يُسْتَأْنَفُ لِلْمَالِ الْمُسْتَفَادِ حِسَابٌ آخَرُ فَقَوْلُهُ (تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) صِفَةٌ لِقَوْلِهِ (مَالٌ) وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ (فَفِيهِ الزَّكَاةُ) رَاجِعٌ إِلَى الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ (وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ قَالُوا وَعَلَى تَسْلِيمِ ثُبُوتِهِ فَعُمُومُهُ لَيْسَ مرادا للإنفاق عَلَى خُرُوجِ الْأَرْبَاحِ وَالْأَوْلَادِ فَعَلَّلْنَا بِالْمُجَانَسَةِ فَقُلْنَا إِنَّمَا أَخْرَجَ الْأَوْلَادَ وَالْأَرْبَاحَ لِلْمُجَانَسَةِ لَا لِلتَّوَلُّدِ فَيَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ الْمُسْتَفَادَ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ وَهُوَ أَدْفَعُ لِلْحَرَجِ عَلَى أَصْحَابِ الْحِرَفِ الَّذِينَ يَجِدُونَ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَمًا فَأَكْثَرَ وَأَقَلَّ فَإِنَّ فِي اعْتِبَارِ الْحَوْلِ لِكُلِّ مُسْتَفَادٍ حَرَجًا عَظِيمًا وَهُوَ مَدْفُوعٌ بِالنَّصِّ قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ الْمَرْفُوعَ ضَعِيفٌ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ قَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ لِأَنَّهُ لَا مَسْرَحَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ انْتَهَى وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ اعْتِمَادَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْآثَارِ لَا عَلَى الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ

باب ما جاء ليس على المسلمين جزية

11 - (باب ما جاء ليس على المسلمين جزية) الْجِزْيَةُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَتَسْمِيَتُهَا بذلك للاجتراء بِهَا فِي حَقْنِ دَمِهِمْ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَا يُؤْخَذُ عَنْ ذَلِكَ الْعَامِ شَيْءٌ قَالَ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْمُصَنِّفِينَ بِذِكْرِ الْجِزْيَةِ بَعْدَ الْجِهَادِ وَقَدْ أَدْخَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الزكاة تبعا لمالك قال بن الْعَرَبِيِّ أَوَّلُ مَنْ أَدْخَلَ الْجِزْيَةَ فِي أَبْوَابِ الصَّدَقَةِ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ فَتَبِعَهُ قَوْمٌ مِنَ الْمُصَنِّفِينَ وَتَرَكَ اتِّبَاعَهُ آخَرُونَ قَالَ وَوَجْهُ إِدْخَالِهَا فِيهَا التَّكَلُّمُ عَلَى حُقُوقِ الْأَمْوَالِ فَالصَّدَقَةُ حَقُّ الْمَالِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْجِزْيَةُ حَقُّ الْمَالِ عَلَى الْكُفَّارِ [633] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَطَنٍ التَّمِيمِيُّ الْمَرْوَزِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاضِي الْمَشْهُورُ فَقِيهٌ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ رُمِيَ بِسَرِقَةِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَرَى الرِّوَايَةَ بِالْإِجَازَةِ وَالْوِجَادَةِ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ) هو بن عَبْدِ الْحَمِيدِ (عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ لِينٌ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ أَبِي ظَبْيَانَ وَاسْمُهُ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدُبٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (لَا يَصْلُحُ قِبْلَتَانِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَيْ لَا يَسْتَقِيمُ دِينَانِ بِأَرْضٍ وَاحِدَةٍ عَلَى سَبِيلِ الْمُظَاهَرَةِ وَالْمُعَادَلَةِ أَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْإِقَامَةَ بَيْنَ ظَهَرَانَيْ قَوْمٍ كُفَّارٍ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا صَنَعَ ذَلِكَ فَقَدْ أَحَلَّ نَفْسَهُ فِيهِمْ مَحَلَّ الذِّمِّيِّ فِينَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجُرَّ إِلَى نَفْسِهِ الصَّغَارَ وَأَمَّا الَّذِي يُخَالِفُ دِينُهُ دِينَ الْإِسْلَامِ فَلَا يُمَكَّنُ مِنَ الْإِقَامَةِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ إِلَّا بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ ثُمَّ لَا يُؤْذَنُ لَهُ فِي الْإِشَاعَةِ بِدِينِهِ انْتَهَى (وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جِزْيَةٌ) أَيْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ قَبْلَ أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْجِزْيَةِ فَإِنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ عَلَى مُسْلِمٍ جِزْيَةٌ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَسُئِلَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ يَعْنِي إِذَا أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ وروى الطبراني في معجمه الأوسط عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَسْلَمَ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ

[634] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَجَدِّ حَرْبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَدِّ حَرْبٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِنَّمَا الْعُشُورُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وليس على المسلمين عشور قوله (وحديث بن عَبَّاسٍ قَدْ رُوِيَ إلخ) لَمْ يَحْكُمِ التِّرْمِذِيُّ على حديث بن عَبَّاسٍ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ أَوِ الضَّعْفِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ فِي سَنَدِهِ قَابُوسَ بْنَ ظَبْيَانَ وَفِيهِ لِينٌ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جِزْيَةُ عُشُورٍ يَعْنِي بِهِ جِزْيَةَ الرَّقَبَةِ) أَيِ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ جِزْيَةُ عُشُورٍ جِزْيَةُ الرَّقَبَةِ لِإِخْرَاجِ الْأَرْضِ (وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُفَسِّرُ هَذَا حَيْثُ قَالَ إِنَّمَا الْعُشُورُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ جَمْعُ عُشْرٍ (عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ عُشُورٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَدْ فَهِمَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْعُشُورِ في هذا الحديث جزية الرقبة قال بن الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ ظَنَّ أَبُو عِيسَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ فِي الْعُشُورِ أَنَّهُ الْجِزْيَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا أَعْطَوُا الْعَهْدَ عَلَى أَنْ يَقِرُّوا فِي بِلَادِهِمْ وَلَا يُعْتَرَضُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمَّا عَلَى أَنْ يَكُونُوا في دارنا كهيئة المسلمين في التصرف وفيها وَالتَّحَكُّمِ بِالتِّجَارَةِ فِي مَنَاكِبِهَا فَلَمَّا أَنْ دَاحَتِ الْأَرْضُ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَأَتِ الْحَالُ عَنْ الِاضْطِرَابِ وَأَمْكَنَ الضَّرْبُ فِيهَا لِلْمَعَاشِ أَخَذَ مِنْهُمْ عُمَرُ ثَمَنَ تَصَرُّفِهِمْ وَكَانَ شَيْئًا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَقَرَّهُ الْإِسْلَامُ وَخُفِّفَ الْأَمْرُ فِيمَا يُجْلَبُ إِلَى المدينة نظرا لها إذا لَمْ يَكُنْ تَقْدِيرٌ حَتْمٌ وَلَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أصل وإنما كان كما قال بن شِهَابٍ حَمْلًا لِلْحَالِ كَمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَدْ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أُمُورٌ أَقَرَّهَا الْإِسْلَامُ فَهَذِهِ هِيَ الْعُشُورُ

باب ما جاء في زكاة الحلي

الَّتِي انْفَرَدَ بِرِوَايَتِهَا أَبُو أُمَيَّةَ فَأَمَّا الْجِزْيَةُ كَمَا قَالَ أَبُو عِيسَى فَلَا انْتَهَى كَلَامُ بن العربي وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ قَالَ بن الْمَلَكِ أَرَادَ بِهِ عُشْرَ مَالِ التِّجَارَةِ لَا عُشْرَ الصَّدَقَاتِ فِي غَلَّاتِ أَرْضِهِمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمُسْلِمِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ دُونَ عُشْرِ الصَّدَقَاتِ وَأَمَّا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَاَلَّذِي يلزمهم من العشور هو ماصولحوا عَلَيْهِ وَقْتَ الْعَقْدِ فَإِنْ لَمْ يُصَالَحُوا عَلَى شَيْءٍ فَلَا عُشُورَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَلْزَمُهُمْ شَيْءٌ أَكْثَرُ مِنَ الْجِزْيَةِ فَأَمَّا عُشُورُ أَرَاضِيهِمْ وَغَلَّاتِهِمْ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُمْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنْ أَخَذُوا مِنَّا عُشُورًا فِي بِلَادِهِمْ إِذَا تَرَدَّدْنَا إِلَيْهِمْ فِي التِّجَارَاتِ أَخَذْنَا مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذُوا لَمْ نَأْخُذِ انْتَهَى وَتَبِعَهُ بن الْمَلَكِ لَكِنَّ الْمُقَرَّرَ فِي الْمَذْهَبِ فِي مَالِ التِّجَارَةِ أَنَّ الْعُشْرَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ وَنِصْفَ الْعُشْرِ مِنَ الذِّمِّيِّ وَرُبْعَ الْعُشْرِ مِنَ الْمُسْلِمِ بِشُرُوطٍ ذُكِرَتْ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ نَعَمْ يُعَامَلُ الْكُفَّارُ بِمَا يُعَامِلُونَ الْمُسْلِمِينَ إِذَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْحَرْبِ بِلَادَ الْإِسْلَامِ تُجَّارًا فَإِنْ دَخَلُوا بِغَيْرِ أَمَانٍ وَلَا رِسَالَةٍ غُنِمُوا وَإِنْ دَخَلُوا بِأَمَانٍ وَشَرْطُهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمْ عُشْرٌ أَوْ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ أُخِذَ الْمَشْرُوطُ وَإِذَا طَافُوا فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ 2 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي زَكَاةِ الْحُلِيِّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا فَكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ جَمْعُ الْحَلْيِ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحَلْيُ بِالْفَتْحِ مَا يُزَيَّنُ بِهِ مِنْ مَصُوغِ الْمَعْدِنِيَّاتِ أَوِ الْحِجَارَةِ ج حُلِيٌّ كَدُلِيِّ أَوْ هُوَ جمع والواحد حلية كضبية وَالْحِلْيَةُ بِالْكَسْرِ الْحَلْيُ ج حِلًى وَحُلًى انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحَلْيُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُتَزَيَّنُ بِهِ مِنْ مَصَاغِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْجَمْعُ حُلًى بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَجَمْعُ الْحِلْيَةِ حِلًى مِثْلُ لِحْيَةٍ وَلِحًى وَرُبَّمَا تُضَمُّ وَتُطْلَقُ الْحِلْيَةُ عَلَى الصِّفَةِ أَيْضًا انْتَهَى [635] قَوْلُهُ (فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ

التِّرْمِذِيِّ مُنَاسَبَتُهُ بِالتَّرْجَمَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلْوُجُوبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ ذَلِكَ أَيْ تَصَدَّقْنَ وُجُوبًا وَلَوْ كَانَتِ الصَّدَقَةُ مِنْ حُلِيِّكُنَّ وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّهُ أَمْرُ ندب بالصدقة النافلة لأنه خطاب بالحاضرات وَلَمْ تَكُنْ كُلُّهُنَّ مِمَّنْ فُرِضَتْ عَلَيْهِنَّ الزَّكَاةُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ (وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ) أَيْ وَلَوْ تَيَسَّرَ مِنْ حُلِيِّكُنَّ وَهَذَا لَا يدل على أنه يجب في الحلي إذا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَى الْإِنْسَانِ فِي أَمْوَالِهِ الْأُخَرِ وَيُؤَدِّيهِ مِنَ الْحُلِيِّ فَذِكْرُ الْمُصَنِّفِ الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ لَا يَخْلُو عَنْ خَفَاءٍ فَعُدُولٍ عَنِ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْوُجُوبُ وَتَغْيِيرٍ لِلْمَعْنَى الَّذِي هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ مَعْنَاهُ تَصَدَّقْنَ مِنْ جَمِيعِ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَيْكُنَّ وَلَوْ كَانَتِ الصَّدَقَةُ الْوَاجِبَةُ مِنْ حُلِيِّكُنَّ وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَوْ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْحُلِيَّ مِنَ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّكُنَّ أَكْثَرُ أَهْلِ جَهَنَّمَ) أَيْ لِتَرْكِ الْوَاجِبَاتِ وَأَمَّا كَوْنُ الْخِطَابِ لِلْحَاضِرَاتِ خُصُوصًا فَمَمْنُوعٌ بَلِ الْخِطَابُ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِطَابِ نَعَمْ فِيهِ تَلْمِيحٌ إِلَى حُسْنِ الصَّدَقَةِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْغَنِيَّاتِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ كَوْنَ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ لَا يَسْتَقِيمُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبُخَارِيِّ قَالَتْ زَيْنَبُ لِعَبْدِ اللَّهِ قَدْ أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ فَأْتِهِ فَسَلْهُ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَنِّي وَإِلَّا صَرَفْتُهَا إِلَى غَيْرِكُمُ الْحَدِيثَ لِأَنَّ النَّوَافِلَ مِنَ الصَّدَقَاتِ لَا كَلَامَ فِي جَوَازِهَا لَوْ صُرِفَتْ إِلَى الزَّوْجِ انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَصٍّ صَرِيحٍ فِيهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ أَيْ وَلَوْ تَيَسَّرَ مِنْ حُلِيِّكُنَّ كَمَا قِيلَ وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا عَلَى الْإِنْسَانِ فِي أَمْوَالِهِ الْأُخَرِ وَيُؤَدِّيهِ مِنَ الْحُلِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الِاحْتِمَالَ وَلَمْ يُجِبْ عَنْ هَذَا جَوَابًا شَافِيًا فَتَفَكَّرْ [636] قَوْلُهُ (وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَهِمَ فِي حَدِيثِهِ فَقَالَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنِ بن أَخِي زَيْنَبَ وَالصَّحِيحُ إِنَّمَا هُوَ عَنْ عَمْرِو بن الحارث بن أَخِي زَيْنَبَ) كَمَا قَالَ شُعْبَةُ فَوَهَمُ أَبِي معاوية في

حديثه أنه جعل عمرو بن الحارث وبن أَخِي زَيْنَبَ رَجُلَيْنِ الْأَوَّلُ يَرْوِي عَنِ الثَّانِي وليس الأمر كذلك بل بن أَخِي زَيْنَبَ صِفَةٌ لِعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ زِيَادَةَ لَفْظِ (عَنْ) بَيْنَ عَمْرِو بْنِ الحارث وبن أَخِي زَيْنَبَ وَهَمٌ وَالصَّحِيحُ حَذْفُهُ كَمَا فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ حكى بن الْقَطَّانِ الْخِلَافَ فِيهِ عَلَى أَبِي مُعَاوِيَةَ وَشُعْبَةَ وَخَالَفَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَرْجِيحِ رِوَايَةِ شُعْبَةَ فِي قوله عن عمرو بن الحارث عن بن أَخِي زَيْنَبَ لِانْفِرَادِ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِذَلِكَ قَالَ بن الْقَطَّانِ لَا يَضُرُّهُ الِانْفِرَادُ لِأَنَّهُ حَافِظٌ وَقَدْ وَافَقَهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَقَدْ زَادَ فِي الْإِسْنَادِ رَجُلًا لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُتَوَقَّفَ فِي صِحَّةِ الْإِسْنَادِ لأن بن أَخِي زَيْنَبَ حِينَئِذٍ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَقَدْ حَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمُفْرَدَاتِ أَنَّهُ سَأَلَ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَحَكَمَ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِالْوَهَمِ وَأَنَّ الصَّوَابَ رِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ عَنِ الْأَعْمَشِ عن شقيق عن عمرو بن الحارث بن أَخِي زَيْنَبَ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إلخ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَبَيَّنَ مَا فِيهِ مِنَ الْمَقَالِ قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةَ مَا كَانَ مِنْهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ) يَعْنِي أَنَّ اخْتِلَافَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّمَا هُوَ فِي حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَمَّا فِي حُلِيِّ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلتِّجَارَةِ وأخرج بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي عُمَرَ الْكَلَاعِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا لَا زَكَاةَ فِي حَجَرٍ وَضُعِّفَ بِعُمَرَ الْكَلَاعِيِّ وَقَالَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ لا أعلم حديث عَنْهُ غَيْرَ بَقِيَّةَ وَأَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ وَغَيْرُ مَحْفُوظَةٍ انْتَهَى وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ الله الغردمي عن عمرو بن شعيب به وضعف الغردمي عن الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَالْفَلَّاسِ وَوَافَقَهُمْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لَيْسَ فِي حَجَرِ اللُّؤْلُؤِ وَلَا حَجَرِ الزُّمُرُّدِ زكاة إلا أن يكون للتجارة فإن كانت للتجارة فيه الزَّكَاةُ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ (وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ

وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ومجاهد والزهري وطاؤس وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَالضَّحَّاكُ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَعُمَرُ بن عبد العزيز وذر الهمداني والأوزاعي وبن شبرمة والحسن بن حي وقال بن المنذر وبن حَزْمٍ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ بِظَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَذَا في عمدة القارىء شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَلَّامَةِ الْعَيْنِيِّ وَفِي نَصْبِ الرَّايَةِ أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَسَعِيدِ بن جبير وطاؤس وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي الحلي الزكاة زاد بن الشَّدَّادِ حَتَّى فِي الْخَاتَمِ وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالُوا السُّنَّةُ أَنَّ فِي الْحُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الزَّكَاةَ انْتَهَى وَفِيهِ أَيْضًا روى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنْ مُرْ مَنْ قِبَلَكَ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُزَكِّينَ حُلِيَّهُنَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ هُوَ مُرْسَلٌ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدراية أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلخ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنِ بن مَسْعُودٍ قَالَ فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ ذَكَرَهُ الحافظ الزيلعي وبن حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِهِمَا وَسَكَتَا عَنْهُ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ إِلَى خَازِنِهِ سَالِمٍ أَنْ يُخْرِجَ زكاة حلى نسائه كل سنة ورواه بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حازم عن بن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو أنه كان يأمر نسائه أَنْ يُزَكِّينَ حُلِيَّهُنَّ انْتَهَى قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْهَدَوِيَّةِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَأَحَدُ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ عَمَلًا بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَالثَّانِي لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ لِآثَارٍ وَرَدَتْ عَنِ السَّلَفِ قَاضِيَةً بِعَدَمِ وُجُوبِهَا فِي الْحِلْيَةِ وَلَكِنْ بَعْدَ صِحَّةِ الْحَدِيثِ لَا أَثَرَ لِلْآثَارِ وَالثَّالِثُ أَنَّ زَكَاةَ الْحِلْيَةِ عَارِيَتُهَا كَمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَنَسٍ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الرَّابِعُ أَنَّهَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ مَرَّةً وَاحِدَةً رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ دَلِيلًا وُجُوبُهَا لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَقُوَّتِهِ انْتَهَى قُلْتُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ هُوَ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ فَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الَّذِي رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ ذَكْوَانَ الْمُعَلَّمِ عَنْهُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَتَعْرِفُ

وَمِنْهَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَلْبَسُ أَوْضَاحًا مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ فَقَالَ إِذَا أَدَّيْتِ زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ كَذَا فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وقال الحافظ في الدراية قواه بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدِي فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ فَقُلْتُ صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ قُلْتُ لَا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ هُوَ حَسْبُكِ مِنَ النَّارِ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَقَالَ الحافظ في الدراية قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ هُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ عَبْدِ الله بن عثمان بن خيثم عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ دَخَلَتُ أَنَا وَخَالَتِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْنَا أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَنَا أَتُعْطِيَانِ زَكَاتَهَا فَقُلْنَا لَا قَالَ أَمَا تَخَافَانِ أَنْ يُسَوِّرَكُمَا اللَّهُ أَسْوِرَهً من نار أديا زكاتها ذكر الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَكَتَ عَنْهُ وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء فإن قلت قال بن الْجَوْزِيِّ وَعَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ رَمَاهُ يَزِيدُ بْنُ هارون بالكذب وعبد الله بن خيثم قال بن مَعِينٍ أَحَادِيثُهُ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قال بن عَدِيٍّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ قُلْتُ ذَكَرَ فِي الْكَمَالِ وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ فَقَالَ هُوَ وَاَللَّهِ عِنْدِي ثِقَةٌ وَأَنَا أُحَدِّثُ عنه وعبد الله بن خيثم قال بن مَعِينٍ هُوَ ثِقَةٌ حُجَّةٌ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَالَ أَحْمَدُ مَا أَحْسَنَ حَدِيثَهُ وَوَثَّقَهُ وَعَنْ يَحْيَى هُوَ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ هُوَ لَا بَأْسَ بِهِ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ سقوط كلام بن الْجَوْزِيِّ وَصِحَّةُ الْحَدِيثِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ انْتَهَى كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ وَالْأَوْهَامِ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ فَفِي صِحَّةِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ نَظَرٌ لَكِنْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَصْلُحُ لِلِاسْتِشْهَادِ وَمِنْهَا حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بطرق فِيهِ سَبْعُونَ مِثْقَالًا مِنْ ذَهَبٍ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ خُذْ مِنْهُ الْفَرِيضَةَ فَأَخَذَ مِنْهُ مِثْقَالًا وَثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ مِثْقَالٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِي إسناده أبو بكر الهزلي وَهُوَ ضَعِيفٌ وَنَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْهُ وَتَابَعَهُ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي تَرْجَمَةِ شَيْبَانَ بْنِ زَكَرِيَّا مِنْ تَارِيخِهِ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ

وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِامْرَأَتِي حُلِيًّا مِنْ ذَهَبٍ عِشْرِينَ مِثْقَالًا قَالَ فَأَدِّ زَكَاتَهُ نِصْفَ مِثْقَالٍ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ (وَقَالَ بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم بن عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ الْأَثْرَمُ قَالَ أَحْمَدُ خَمْسَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا لَا يَرَوْنَ فِي الحلي زكاة بن عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَأَنَسٌ وَجَابِرٌ وَأَسْمَاءُ انْتَهَى فَأَمَّا بن عُمَرَ فَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ وَأَمَّا عَائِشَةُ فَعِنْدَهُ أَيْضًا وَهُمَا صَحِيحَانِ وَأَمَّا أَنَسٌ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ سَأَلْتُ أَنَسًا عَنِ الْحُلِيِّ فَقَالَ لَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ وَأَمَّا جَابِرٌ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ سَمِعْتُ رَجُلًا سَأَلَ جَابِرًا عَنِ الْحُلِيِّ أَفِيهِ زَكَاةٌ قَالَ لَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ فَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا أَسْمَاءُ فَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُحَلِّي بَنَاتِهَا الذَّهَبَ وَلَا تُزَكِّي نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ أَلْفًا انْتَهَى مَا فِي الدِّرَايَةِ (وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ) كَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَالشَّعْبِيِّ فَقَالَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْحُلِيِّ (وَبِهِ يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ كان الشافعي بِهَذَا فِي الْعِرَاقِ وَتَوَقَّفَ بِمِصْرَ وَقَالَ هَذَا مِمَّا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ وَقَالَ اللَّيْثُ مَا كَانَ مِنْ حُلِيٍّ يُلْبَسُ وَيُعَارُ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ وَإِنِ اتُّخِذَ لِلتَّحَرُّزِ عَنِ الزَّكَاةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ وَقَالَ أَنَسٌ يُزَكَّى عَامًا وَاحِدًا لَا غَيْرَ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ليس في الحلي زكاة رواه بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ بِسَنَدِهِ عَنْ عَافِيَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَمَا يُرْوَى عَنْ عَافِيَةَ بْنِ أَيُّوبَ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا لَيْسَ فِي الْحُلِيِّ زَكَاةٌ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ إِنَّمَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ وَعَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ مَجْهُولٌ فَمَنِ احْتَجَّ بِهِ مَرْفُوعًا كَانَ مَغْرُورًا بِدِينِهِ دَاخِلًا فِيمَا يَعِيبُ الْمُخَالِفِينَ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ الْكَذَّابِينَ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ رَأَيْتُ بِخُطَّةِ شَيْخِنَا الْمُنْذِرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعَافِيَةُ بْنُ أَيُّوبَ لَمْ يَبْلُغْنِي فِيهِ مَا يُوجِبُ تَضْعِيفَهُ قَالَ

الشَّيْخُ وَيَحْتَاجُ مَنْ يَحْتَجُّ بِهِ إِلَى ذِكْرِ مَا يُوجِبُ تَعْدِيلَهُ انْتَهَى وَاحْتُجَّ لَهُمْ أَيْضًا بآثار بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَلِلْقَائِلِينَ بِعَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ أَعْذَارٌ عَدِيدَةٌ كُلُّهَا بَارِدَةٌ فَمِنْهَا أَنَّ أَحَادِيثَ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَ التَّحَلِّي بِالذَّهَبِ حَرَامًا عَلَى النِّسَاءِ فَلَمَّا أُبِيحَ لَهُنَّ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ وَهَذَا الْعُذْرُ بَاطِلٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَيْفَ يَصِحُّ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَحَدِيثِ أَسْمَاءَ وَفِيهَا التَّصْرِيحُ بِلُبْسِهِ مَعَ الْأَمْرِ بِالزَّكَاةِ انْتَهَى وَمِنْهَا أَنَّ الزَّكَاةَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِنَّمَا كَانَتْ لِلزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَهَذَا ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مايرده قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ وَبِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وبن أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مَسَانِيدِهِمْ وَأَلْفَاظُهُمْ قَالَ لَهُمَا فَأَدِّيَا زَكَاةَ هَذَا الَّذِي فِي أَيْدِيكُمَا وَهَذَا اللَّفْظُ يَرْفَعُ تَأْوِيلَ مَنْ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهِ شُرِعَتْ لِلزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ انْتَهَى وَمِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالزَّكَاةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ التَّطَوُّعُ إِلَى الْفَرِيضَةِ أَوِ الْمُرَادَ بالزكاة الإعارة قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَهُمَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ إِذْ لَا وَعِيدَ فِي تَرْكِ التَّطَوُّعِ وَالْإِعَارَةِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِطْلَاقُ الزَّكَاةِ عَلَى الْعَارِيَّةِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا انْتَهَى [637] قَوْلُهُ (وَفِي أَيْدِيهِمَا سِوَارَانِ) تَثْنِيَةُ سِوَارٍ كَكِتَابٍ وَغُرَابٍ الْقُلْبُ كَالْأُسْوَارِ بِالضَّمِّ وَجَمْعُهُ أَسْوِرَةٌ وَأَسَاوِرُ وَأَسَاوِرَةٌ كَذَا فِي الْقَامُوسِ قُلْتُ يُقَالُ لَهُ فِي الْفَارِسِيَّةِ دست برنجن وَفِي الْهِنْدِيَّةِ كنكن (أَتُؤَدِّيَانِ زَكَاتَهُ) أَيِ الذَّهَبِ أَوْ مَا ذُكِرَ مِنَ السِّوَارَيْنِ قَالَ الطِّيبِيُّ الضَّمِيرُ فِيهِ بِمَعْنَى اسْمِ الْإِشَارَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَا فَارِضٌ وَلَا بكر عوان بين ذلك (فَأَدِّيَا زَكَاتَهُ) فِيهِ دَلِيلُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ وَهُوَ الْحَقُّ

باب ما جاء في زكاة الخضراوات

قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء) قال بن الْمُلَقِّنِ بَلْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ذَكَرَهُ ميركُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ قَصَدَ الطَّرِيقَيْنِ الَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا فَطَرِيقُ أَبِي دَاوُدَ لَا مَقَالَ فِيهَا انْتَهَى وَقَالَ الحافظ بن حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ كَذَا قَالَ وَغَفَلَ عَنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ انْتَهَى قُلْتُ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ وَحُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْمَعْنَى أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا قَالَتْ لَا قَالَ أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ قَالَ فَخَلَعَتْهُمَا فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَتْ هُمَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِلَى هذا الحديث أشار بن الملقن والمنذري والحافظ بن حَجَرٍ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ هَذَا مَا لَفْظُهُ قال بن الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ إِسْنَادُهُ لَا مَقَالَ فِيهِ فَإِنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي كَامِلٍ الْجَحْدَرِيِّ وَحُمَيْدِ بْنِ مَسْعَدَةَ وَهُمَا مِنَ الثِّقَاتِ احْتَجَّ بِهِمَا مُسْلِمٌ وَخَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ إِمَامٌ فَقِيهٌ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَكَذَلِكَ حُصَيْنُ بْنُ ذَكْوَانَ الْمُعَلِّمُ احْتَجَّا بِهِ فِي الصَّحِيحِ وَوَثَّقَهُ بن المديني وبن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ فَهُوَ مِمَّنْ قَدْ عُلِمَ وَهَذَا إِسْنَادٌ يَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَى قُلْتُ فَظَهَرَ أَنَّ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ لَا يَصِحُّ فِي هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ غَيْرُ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي زَكَاةِ الْخَضْرَاوَاتِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ خَضْرَاءَ وَالْمُرَادُ بِهَا الرَّيَاحِينُ وَالْوُرُودُ وَالْبُقُولُ وَالْخِيَارُ وَالْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالْبَاذِنْجَانُ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ [638] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُبَيْدٍ) الْقُرَشِيِّ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ من

السَّادِسَةِ (عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ (وَهِيَ الْبُقُولُ) هَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرواة (فقال ليس فيها شَيْءٌ) لِأَنَّهَا لَا تُقْتَاتُ وَالزَّكَاةُ لَا تَخْتَصُّ بِالْقُوتِ وَحِكْمَتُهُ أَنَّ الْقُوتَ مَا يَقُومُ بِهِ مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّ الِاقْتِيَاتَ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ الَّتِي لَا حَيَاةَ بِدُونِهَا فَوَجَبَ فِيهَا حَقٌّ لأرباب الضرورات قاله القارىء وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَضْرَاوَاتِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَا إنما تجب فيما يكال ويدخس لِلِاقْتِيَاتِ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا تُخْرَجُ مِمَّا يُكَالُ وَيُدَّخَرُ وَلَوْ كَانَ لَا يُقْتَاتُ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَوْجَبَهَا فِي الْخَضْرَاوَاتِ الْهَادِي وَالْقَاسِمُ إِلَّا الْحَشِيشَ وَالْحَطَبَ لِحَدِيثِ النَّاسُ شُرَكَاءُ في ثلاث ووافقهما أبي حَنِيفَةَ إِلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى السَّعَفَ وَالتِّبْنَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْخَضْرَاوَاتِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ تعالى خذ من أموالهم صدقة وقوله ومما أخرجنا لكم من الأرض وقوله وآتوا حقه يوم حصاده وبعموم حديث فيما سقت السماء معشر وَنَحْوِهِ قَالُوا وَحَدِيثُ الْبَابِ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِتَخْصِيصِ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ طُرُقَهُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَيَنْتَهِي لِتَخْصِيصِ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ وَيُقَوِّي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ يُعَلِّمَانِ النَّاسَ أَمْرَ دِينِهِمْ فَقَالَ لَا تَأْخُذِ الصَّدَقَةَ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَهُوَ مُتَّصِلٌ وَمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عُمَرَ قَالَ إِنَّمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَذَكَرَهَا وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عُمَرَ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ مُوسَى عَنْ عُمَرَ مُرْسَلٌ وَمَا أخرجه بن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِلَفْظِ إِنَّمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ في الحنطة والشعير والتمر والزبيب زاد بن مَاجَهْ وَالذُّرَةِ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ لَمْ تَكُنِ الصَّدَقَةُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِي خَمْسَةٍ فَذَكَرَهَا وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ فَقَالَ لَمْ يَفْرِضِ الصَّدَقَةَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِي عَشَرَةٍ فَذَكَرَ الْخَمْسَةَ الْمَذْكُورَةَ وَالْإِبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَحُكِيَ أَيْضًا عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ إِنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الْمَرَاسِيلُ طُرُقُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَهِيَ يُؤَكِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا انْتَهَى فَلَا أَقَلَّ مِنَ انْتِهَاضِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِتَخْصِيصِ تِلْكَ الْعُمُومَاتِ الَّتِي قَدْ دَخَلَهَا التَّخْصِيصُ بِالْأَوْسَاقِ والبقر والعوامل

وَغَيْرِهَا فَيَكُونُ الْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ مِنْ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إِلَّا فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ لَا فِيمَا عَدَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةَ مِمَّا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ وَأَمَّا زِيَادَةُ الذُّرَةِ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ فِي إِسْنَادِهَا مَتْرُوكًا وَلَكِنَّهَا مُعْتَضِدَةٌ بِمُرْسَلِ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ فِي إسناد حديث أبي موسى ومعاذ وطلحة بْنُ يَحْيَى وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَهُ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي الدِّرَايَةِ ص 461 وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مَرْفُوعًا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُورِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ أَنَّهُمَا حِينَ بُعِثَا إِلَى الْيَمَنِ لَمْ يَأْخُذُوا الصَّدَقَةَ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ وَهَذَا غَيْرُ صَرِيحٍ فِي الرَّفْعِ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ فَفِي سَنَدِهِ خُصَيْفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ الْخُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرحمن الجزري صدوق سيء الْحِفْظِ خُلِطَ بِأَخَرَةٍ وَأَمَّا مَا أُخْرِجَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ فَفِي سَنَدِهِ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ عَلَى مَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَوْلُهُ (وَلَيْسَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ) وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ وَأَنَسٍ وَطَلْحَةَ لَكِنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ وَقَدْ ذَكَرَهَا مَعَ بَيَانِ ضَعْفِهَا الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا قال البيهقي وهذه الأحاديث يشهد بَعْضُهَا بَعْضًا وَمَعَهَا قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ أَخْرَجَ عَنِ اللَّيْثِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ صَدَقَةٌ قَالَ الشَّيْخُ فِي الْإِمَامِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ قَدْ عَلَّلَ الْبَيْهَقِيُّ بِهِ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةً وَمُجَاهِدٌ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ وَأَخْرَجَ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ لَيْسَ فِي الْخَضْرَاوَاتِ وَالْبُقُولِ صَدَقَةٌ قَالَ الشَّيْخُ وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا) رواه الدارقطني في سننه (والحسن هو بن عِمَارَةَ إلخ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ الْبَجَلِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ قَاضِي بَغْدَادَ مَتْرُوكٌ مِنَ السَّابِعَةِ

باب ما جاء في الصدقة فيما يسقى بالأنهار وغيرها

14 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّدَقَةِ فِيمَا يُسْقَى بِالْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا) [639] قَوْلُهُ (مَدِينِيٌّ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ مَدِينِيٌّ (أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَبِمُوَحَّدَتَيْنِ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الْخَامِسَةِ (وَبُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثِقَةٌ جَلِيلٌ من الثانية قوله (فيما سقت من السَّمَاءُ) أَيِ الْمَطَرُ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ خُصُوصَ الْمَطَرِ بَلِ السَّيْلُ وَالْأَنْهَارُ كَذَلِكَ (وَالْعُيُونُ) أَيِ الْجَارِيَةُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ الَّتِي لَا يُتَكَلَّفُ فِي رَفْعِ مَائِهَا لِآلَةٍ وَلَا لِحَمْلٍ (الْعُشْرُ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ أَيِ الْعُشْرُ وَاجِبٌ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ (وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْ بِالسَّانِيَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَالْمُرَادُ بِهَا الْإِبِلُ الَّتِي يُسْتَقَى عليها وذكر الْإِبِلَ كَالْمِثَالِ وَإِلَّا فَالْبَقَرُ وَغَيْرُهَا كَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّضْحُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى السَّقْيِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ النَّوَاضِحُ هِيَ الْإِبِلُ الَّتِي يُسْتَقَى عَلَيْهَا وَالْوَاحِدُ النَّاضِحُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وبن عمر وجابر) أما حديث أنس فأخرجه بن النَّجَّارِ عَنْ أَبَانَ عَنْ أَنَسٍ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ

قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جَابِرٍ فِيمَا سَقَتِ الْأَنْهَارُ وَالْغَيْمُ الْعُشُورُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالسَّانِيَةِ نِصْفُ الْعُشْرِ مَا لَفْظُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وُجُوبُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مُؤْنَةٌ كَثِيرَةٌ وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِالنَّوَاضِحِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ مُؤْنَةٌ كَثِيرَةٌ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ولكن اختلف العلماء في أنه هل يجب الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ مِنَ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ وَالرَّيَاحِينِ وَغَيْرِهَا إِلَّا الْحَشِيشَ وَالْحَطَبَ وَنَحْوَهَا أَمْ يَخْتَصُّ فَعَمَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ وَخَصَّصَ الْجُمْهُورُ عَلَى اخْتِلَافٍ لَهُمْ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى التَّفْرِقَةِ فِي الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ الَّذِي يُسْقَى بِنَضْحٍ أَوْ بِغَيْرِ نَضْحٍ فَإِنْ وُجِدَ مَا يُسْقَى بِهِمَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ إِذَا تَسَاوَى ذَلِكَ وهو قول أهل العلم قال بن قُدَامَةَ لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ كَانَ حُكْمُ الْأَقَلِّ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي يُؤْخَذُ بِالْقِسْطِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنْ أَمْكَنَ فَصْلُ كُلِّ واحد منهما أخذ بحسابه وعن بن الْقَاسِمِ صَاحِبِ مَالِكٍ الْعِبْرَةُ بِمَا تَمَّ بِهِ الزَّرْعُ وَانْتَهَى وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ انْتَهَى [640] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ سَنَّ) أَيْ شَرَعَ وَقَرَّرَ (أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ مِنَ النَّخْلِ الَّذِي يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ يَجْتَمِعُ فِي حَفِيرَةٍ وَقِيلَ هُوَ الْعِذْقُ الَّذِي لَا يَسْقِيهِ إِلَّا مَاءُ الْمَطَرِ قال القاضي والأول ها هنا أَوْلَى لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ وَعَطْفُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَقِيلَ مَا يُزْرَعُ فِي الْأَرْضِ تَكُونُ رَطْبَةً أَبَدًا لِقُرْبِهَا مِنَ الْمَاءِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (الْعُشُورُ) قَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطْنَاهُ بِضَمِّ الْعَيْنِ جَمْعُ عَشَرَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ضَبَطْنَاهُ مِنْ عَامَّةِ شُيُوخِنَا بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَقَالَ هُوَ اسْمٌ لِلْمُخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ أَكْثَرُ الشُّيُوخِ يَقُولُونَهُ بِالضَّمِّ وَصَوَابُهُ الْفَتْحُ قَالَ

النَّوَوِيُّ وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ مِنَ الصَّوَابِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَدِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ بِالضَّمِّ وَهُوَ الصَّوَابُ جَمْعُ عُشْرٍ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى قَوْلِهِمْ عُشُورُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالضَّمِّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ تَنْبِيهٌ مَذْهَبُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وُجُوبُ الْعُشْرِ فِي جَمِيعِ الْحُبُوبِ مِنَ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَالْأَرُزِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ في موطأه وَالْحُبُوبُ الَّتِي فِيهَا الزَّكَاةُ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَالسُّلْتُ وَالذُّرَةُ وَالدُّخْنُ وَالْأَرُزُّ وَالْعَدَسُ وَالْجُلْبَانُ وَاللُّوبِيَا وَالْجُلْجُلَانُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْحُبُوبِ الَّتِي تَصِيرُ طَعَامًا فَالزَّكَاةُ تُؤْخَذُ مِنْهَا كُلِّهَا بَعْدَ أَنْ تُحْصَدَ وَتَصِيرَ حَبًّا انْتَهَى وَتَمَسَّكُوا بِعُمُومِ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَبِعُمُومِ الْآيَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعُشْرِ وَذَهَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ والثوري والشعبي وبن سِيرِينَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الزَّكَاةُ إِلَّا فِي الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ فَوُجُوبُ الْعُشْرِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ مُنْحَصِرٌ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمَا لَا تَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ قَالَ صَاحِبُ سُبُلِ السَّلَامِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَهُوَ مُتَّصِلٌ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عُمَرَ إِنَّمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّكَاةَ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَذَكَرَهَا قَالَ أَبُو زُرْعَةَ إِنَّهُ مُرْسَلٌ وَرَجَّحَ هَذَا الْمَذْهَبَ حَيْثُ قَالَ فَالْأَوْضَحُ دَلِيلًا مَعَ الْحَاصِرِينَ لِلْوُجُوبِ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ انْتَهَى وَكَذَا رَجَّحَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ هَذَا الْمَذْهَبَ حَيْثُ قَالَ فَالْحَقُّ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إِلَّا فِي الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ لَا فِيمَا عَدَا الْأَرْبَعَةَ مِمَّا أَخْرَجَتِ الْأَرْضُ قَالَ وَأَمَّا زِيَادَةُ الذُّرَةِ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ فِي إِسْنَادِهَا مَتْرُوكًا لَكِنَّهَا مُعْتَضِدَةٌ بِمُرْسَلِ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ انْتَهَى قُلْتُ فِي سَنَدِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ الْمَذْكُورِ طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ لَا تَأْخُذُوا الصَّدَقَةَ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ فَذَكَرَهَا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُمَا مَوْقُوفًا وَفِي الْإِسْنَادِ طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَهُوَ أَمْثَلُ مِمَّا فِي الْبَابِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ ثُمَّ الْحَصْرُ فِيهِ لَيْسَ حَصْرًا حَقِيقِيًّا وَإِلَّا يَلْزَمُ أَنْ لَا تَجِبَ الزَّكَاةُ فِي صِنْفٍ غَيْرِ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ بَلِ الْحَصْرُ فيه إضافي قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فِي

شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْحَصْرُ فِيهِ إِضَافِيٌّ انْتَهَى وَالدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِ هَذَا الْحَصْرِ إِضَافِيًّا مَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْبَعْلُ وَالسَّيْلُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي التَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ وَأَمَّا الْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالرُّمَّانُ وَالْقَصَبُ فَقَدْ عَفَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ فَالْحَقُّ عِنْدِي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ والله تعالى أعلم تنبيه آخر قَالَ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى مُسْلِمٍ وَيَسْتَدِلُّونَ بِحَدِيثِ لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ قُلْتُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى قَوْلِهِمْ هَذَا وَأَمَّا هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي يَسْتَدِلُّونَ بِهِ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ قُلْتُ رَوَاهُ بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَنْبَسَةَ حَدَّثَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْتَمِعُ عَلَى مُسْلِمٍ خَرَاجٌ وَعُشْرٌ انتهى قال بن عَدِيٍّ يَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا مِنْ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ فَجَاءَ يَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ فَأَبْطَلَ فِيهِ وَوَصَلَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ مَكْشُوفُ الْأَمْرِ فِي ضَعْفِهِ لِرِوَايَتِهِ عن الثقات الموضوعات انتهى قال بن حِبَّانَ لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ دَجَّالٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ لَا يَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ انْتَهَى وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ يَحْيَى هَذَا دَجَّالٌ يَضَعُ الْحَدِيثَ وَهُوَ كَذِبٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ بَعْدَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكره بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ وَيَحْيَى هَذَا مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قُلْتُ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ بِعُمُومِهَا تَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ قَالَ الزيلعي في نصب الراية استدل بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ العشر والخراج بعموم الحديث عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَنَّ فِي مَا سَقَتِ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشُورَ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفَ الْعُشْرِ تَفَرَّدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْخَرَاجِيَّةِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ اسْتَدَلَّ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْإِمَامِ لِلشَّافِعِيِّ بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنِ الْمُسْلِمِ يَكُونُ فِي يَدِهِ أَرْضُ الْخَرَاجِ فَيُسْأَلُ الزَّكَاةَ فَيَقُولُ إِنَّمَا عَلَيَّ الْخَرَاجُ فَقَالَ الْخَرَاجُ عَلَى الْأَرْضِ وَالْعُشْرُ عَلَى الْحَبِّ انْتَهَى قُلْتُ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ

باب ما جاء في زكاة مال اليتيم

وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَالَ لِمَنْ قَالَ إِنَّمَا عَلَيَّ الْخَرَاجُ الْخَرَاجُ عَلَى الْأَرْضِ وَالْعُشْرُ عَلَى الْحَبِّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ فِي الْخَرَاجِ لَهُ وَفِيهَا عَنِ الزُّهْرِيِّ لَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ يُعَامِلُونَ عَلَى الْأَرْضِ وَيَسْتَكْرُونَهَا وَيُؤَدُّونَ الزَّكَاةَ عَمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا وَفِي الْبَابِ حديث بن عُمَرَ فِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُسْتَدَلُّ بِعُمُومِهِ انْتَهَى مَا فِي الدَّارِيَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ صَحِيحٌ عَلَى أَنَّ الْخَرَاجَ وَالْعُشْرَ لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى مُسْلِمٍ بَلْ حديث بن عُمَرَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِعُمُومِهِ يَدُلُّ عَلَى الْجَمْعِ وَأَثَرُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَثَرُ الزُّهْرِيِّ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ كَانَ عَلَى ذَلِكَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَمْ يَجْمَعْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْجَوْرِ بَيْنَهُمَا يَعْنِي بَيْنَ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةً انْتَهَى قُلْتُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ بَاطِلَةٌ جِدًّا قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ رَادًّا عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَلَا إِجْمَاعَ مَعَ خِلَافِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ بَلْ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ غَيْرِهِمَا التَّصْرِيحُ بِخِلَافِهِمَا انْتَهَى 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي زَكَاةِ مَالِ الْيَتِيمِ) [641] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى) بْنِ يَزِيدَ بْنِ زَاذَانَ التَّمِيمِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ الرَّازِيُّ الْفَرَّاءُ الْمَعْرُوفُ بِالصَّغِيرِ رَوَى عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ الصَّنْعَانِيِّ وَالْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَرَوَى الْبَاقُونَ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ ثِقَةٌ حَافِظٌ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالتَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (مَنْ وَلِيَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ اللَّامِ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي نُسْخَةٍ أَيْ مِنَ الْمِشْكَاةِ بِضَمِّ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ صَارَ ولي يتيم (له مَالٌ) صِفَةٌ لِيَتِيمٍ أَيْ مَنْ صَارَ وَلِيًّا لِيَتِيمٍ ذِي مَالٍ (فَلْيَتَّجِرْ) بِتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (فِيهِ) أَيْ فِي مَالِ الْيَتِيمِ

(وَلَا يَتْرُكْهُ) بِالنَّهْيِ وَقِيلَ بِالنَّفْيِ (حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ) أَيْ تُنْقِصَهُ وَتُفْنِيَهُ لِأَنَّ الْأَكْلَ سَبَبُ الفناء قال بن الْمَلَكِ أَيْ يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْهَا فَيَنْقُصُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا زَكَاةَ فِيهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ إلخ) قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَلَهُ شَاهِدٌ مُرْسَلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ لَكِنَّ رَاوِيَهُ عَنْهُ مَنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمِنْ حَدِيثِ الْعَرْزَمِيِّ عن عمرو والعرزمي ضعيف متروك ورواه بن عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ الْإِفْرِيقِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عن بن جُرَيْجٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ مُرْسَلًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ وَلَكِنْ أَكَّدَهُ الشَّافِعِيُّ بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا اتَّجِرُوا فِي مَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ فِي تَرْجَمَةِ عَلِيِّ بْنِ سَعْدٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ رَوَاهُ حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عن عمر ورواه بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَمْرِو بن شعيب عن عمر لم يذكر بن الْمُسَيِّبِ وَهُوَ أَصَحُّ وَإِيَّاهُ عَنَى التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وعائشة وبن عُمَرَ) رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ اتَّجِرُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى لَا تَأْكُلُهَا الزَّكَاةُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ فِيهِ وروى الشافعي عن بن عيينة عن أيوب عن نافع عن بن عُمَرَ مَوْقُوفًا أَيْضًا قَالَ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وبن عَبْدِ الْبَرِّ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْهُ انْتَهَى وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَتْ عَائِشَةُ تَلِينِي وَأَخًا لي يتيمين في جحرها فَكَانَتْ تُخْرِجُ مِنْ أَمْوَالِنَا الزَّكَاةَ

قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً لَكِنَّهَا يُؤَيِّدُهَا آثَارٌ صَحِيحَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَبِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي إِيجَابِ الزَّكَاةِ قَوْلُهُ (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ) وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يكبر قال بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ عَنْ سَمَاعٍ إِذْ يُمْكِنُ الرَّأْيُ فِيهِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ بِنَاءً عَلَيْهِ فَحَاصِلُهُ قَوْلُ صَحَابِيٍّ عَنِ اجْتِهَادٍ عَارَضَهُ رَأْيُ صَحَابِيٍّ آخَرَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَنْبَأَنَا أَبُو حَنِيفَةَ حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ أبي سليم عن مجاهد عن بن مَسْعُودٍ قَالَ لَيْسَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ زَكَاةٌ وَلَيْثٌ كَانَ أَحَدَ الْعُلَمَاءِ الْعُبَّادِ وَقِيلَ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَكُنْ لِيَذْهَبَ فَيَأْخُذَ عَنْهُ حَالَ اخْتِلَاطِهِ وَيَرْوِيَهُ وَهُوَ الَّذِي شَدَّدَ أَمْرَ الرِّوَايَةِ مَا لم يشدده غيره وروى مثل قول بن مسعود عن بن عباس تفرد به بن لَهِيعَةَ انْتَهَى قُلْتُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَدَمُ الْقَوْلِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وأما أثر بن مَسْعُودٍ فَهُوَ ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَالثَّانِي أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ لَيْثَ بْنَ أبي سليم قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ اِخْتَلَطَ أَخِيرًا وَلَمْ يَتَمَيَّزْ حَدِيثُهُ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا أَثَرٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّ مُجَاهِدًا لم يلق بن مَسْعُودٍ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ ضعيف عند أهل الحديث انتهى وأجاب بن الْهُمَامِ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُجِبْ عَنِ الْوَجْهِ الثَّانِي وَفِيمَا أَجَابَ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ كلام فتفكر وأما أثر بن عباس فقد تفرد به بن لهيعة كما صرح به بن الْهُمَامِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ يُرْوَى حَدِيثُهُ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَلَا يُحْتَجُّ به انتهى

وأما حَدِيثُ عَائِشَةَ وَعَلِيٍّ الْمَذْكُورُ فَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ نَظَرٌ كَيْفَ وَقَدْ رَوَاهُ عَائِشَةُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَهُمَا قَائِلَانِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الراية قال بن الْجَوْزِيِّ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ قَلَمُ الْإِثْمِ أَوْ قلم الأذى انتهى وقال القاضي بن الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ وَزَعَمَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ الزَّكَاةَ أَوْجَبَتْ شُكْرَ نِعْمَةِ الْمَالِ كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ أَوْجَبَتْ شُكْرَ نِعْمَةِ الْبَدَنِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ بَعْدُ عَلَى الصَّبِيِّ شُكْرٌ قُلْنَا مَحَلُّ الصَّلَاةِ يَضْعُفُ عَنْ شُكْرِ النِّعْمَةِ فِيهِ وَمَحَلُّ الزَّكَاةِ وَهُوَ الْمَالُ كَامِلٌ لِشُكْرِ النِّعْمَةِ فَإِنْ قِيلَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْقُرْبَةُ قُلْنَا يُؤَدَّى عَنْهُ كَمَا يُؤَدَّى عَنِ الْمُغْمَى عَلَيْهِ وَعَنِ الْمُمْتَنِعِ جَبْرًا وَكَمَا يُؤَدَّى عَنْهُ الْعُشْرُ وَالْفِطْرَةُ وَهُوَ دَيْنٌ يُقْضَى عَنْهُ لِمُسْتَحِقِّهِ وَإِنْ لَمْ يعمل به لأن الناظر لم حَكَمَ بِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَشُعَيْبٌ قَدْ سَمِعَ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) وَأَمَّا قول بن حِبَّانَ لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هُوَ خَطَأٌ وَقَدْ رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ وَهُوَ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْعُدُولِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَاهُ فِي مَسْأَلَةٍ فَقَالَ يَا شُعَيْبُ امْضِ مَعَهُ إِلَى بن عَبَّاسٍ فَقَدْ صَحَّ بِهَذَا سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ أَثْبَتَ سَمَاعَهُ مِنْهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ص 873 تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ قُلْتُ وَقَدْ أَسْنَدَ ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي السُّنَنِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ زِيَادٍ النَّيْسَابُورِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ فِيهِ وَقَدْ صَرَّحَ شُعَيْبٌ بِسَمَاعِهِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَمَاكِنَ وَصَحَّ سَمَاعُهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَمَا رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ شُعَيْبٍ قَالَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَذَكَرَ حَدِيثًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ انْتَهَى قُلْتُ وَقَدْ سَمِعَ عَمْرٌو مِنْ أَبِيهِ شُعَيْبٍ فَفِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُوزَجَانِيُّ قُلْتُ لِأَحْمَدَ عَمْرٌو سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا قَالَ يَقُولُ حَدَّثَنِي أَبِي انْتَهَى (وَقَدْ تَكَلَّمَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقَالَ هُوَ عِنْدَنَا وَاهٍ) أَيْ ضَعِيفٌ وَكَذَلِكَ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ (وَمَنْ ضَعَّفَهُ فَإِنَّمَا ضَعَّفَهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يُحَدِّثُ مِنْ صَحِيفَةِ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

عَمْرٍو) يَعْنِي تَضْعِيفَ مَنْ ضَعَّفَهُ لَيْسَ إِلَّا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يُحَدِّثُ مِنْ صَحِيفَةِ جَدِّهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ السَّاجِيُّ قال بن مَعِينٍ هُوَ ثِقَةٌ فِي نَفْسِهِ وَمَا رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَا حُجَّةَ فِيهِ وَلَيْسَ بِمُتَّصِلٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ مِنْ قَبِيلِ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَجَدُّ شُعَيْبٍ كَتْبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَكَانَ يَرْوِيهَا عَنْ جَدِّهِ إِرْسَالًا وَهِيَ صِحَاحٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهَا قَالَ الْحَافِظُ فَإِذَا شَهِدَ له بن مَعِينٍ أَنَّ أَحَادِيثَهُ صِحَاحٌ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهَا وَصَحَّ سَمَاعُهُ لِبَعْضِهَا فَغَايَةُ الْبَاقِي أَنْ يَكُونَ وِجَادَةً صَحِيحَةً وَهُوَ أَحَدُ وُجُوهِ التَّحَمُّلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَأَمَّا أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَيَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَيُثْبِتُونَهُ مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا) قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي ص 15 ج 2 تَرْجَمَةُ عَمْرٍو قَوِيَّةٌ عَلَى الْمُخْتَارِ لَكِنْ حَيْثُ لَا تَعَارُضَ انْتَهَى وَفِي شَرْحِ أَلْفِيَّةِ الْعِرَاقِيِّ لِلْمُصَنِّفِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الِاحْتِجَاجِ بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّهَا حُجَّةٌ مُطْلَقًا إِذَا صَحَّ السَّنَدُ إِلَيْهِ قَالَ بن الصَّلَاحِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ حَمْلًا لِلْجَدِّ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى الصَّحَابِيِّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو دُونَ ابْنِهِ مُحَمَّدٍ وَالِدِ شُعَيْبٍ لِمَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ إِطْلَاقِهِ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ رَأَيْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ وَإِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ وَأَبَا عُبَيْدَةَ وَأَبَا خَيْثَمَةَ وَعَامَّةَ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَا تَرَكَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَثَبَّتُوهُ فَمَنِ النَّاسُ بَعْدَهُمْ وقول بن حِبَّانَ هِيَ مُنْقَطِعَةٌ لِأَنَّ شُعَيْبًا لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ مَرْدُودٌ فَقَدْ صَحَّ سَمَاعُ شُعَيْبٍ مِنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَأَحْمَدُ وَكَمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إنتهى

باب ما جاء أن العجماء جرحها جبار وفي الركاز الخمس

16 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْعَجْمَاءَ جَرْحُهَا جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ) [642] قَوْلُهُ (الْعَجْمَاءُ) أَيِ الْبَهِيمَةُ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ تَأْنِيثُ الْأَعْجَمِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَلَامِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَلَّمُ (جُرْحُهَا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَالْمَفْهُومُ مِنَ النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنِ الْأَزْهَرِيِّ أَنَّهُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرَ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ وَبِالضَّمِّ الْجِرَاحَةُ (جُبَارٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ أَيْ هَدَرٌ أَيْ إِذَا أَتْلَفَتِ الْبَهِيمَةُ شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا قَائِدٌ وَلَا سَائِقٌ وَكَانَ نَهَارًا فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ كَانَ مَعَهَا أَحَدٌ فَهُوَ ضَامِنٌ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِتَقْصِيرِهِ وَكَذَا إِذَا كَانَ لَيْلًا لِأَنَّ الْمَالِكَ قَصَّرَ فِي رَبْطِهَا إِذِ الْعَادَةُ أَنْ تُرْبَطَ الدَّوَابُّ لَيْلًا وَتُسَرَّحَ نَهَارًا كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وبن الْمَلِكِ (وَالْمَعْدِنُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الدَّالِ مَكَانٌ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَجْسَادُ الْمَعْدِنِيَّةُ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَدَنَ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ بِهِ (وَالْبِئْرُ) بِهَمْزٍ وَيُبْدَلُ (جُبَارٌ) أَيْ إِذَا اسْتَأْجَرَ حَافِرًا لِحَفْرِ الْبِئْرِ أَوِ اسْتِخْرَاجِ الْمَعْدِنِ فَانْهَارَ عَلَيْهِ لَا ضَمَانَ وَكَذَا إِذَا وَقَعَ فِيهِ إِنْسَانٌ فَهَلَكَ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْحَفْرُ عُدْوَانًا وَإِنْ كَانَ فَفِيهِ خِلَافٌ (وَفِي الرِّكَازِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (الْخُمُسُ) اعْلَمْ أَنَّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ وَالشَّافِعِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْجُمْهُورَ حَمَلُوا الرِّكَازَ عَلَى كُنُوزِ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَدْفُونَةِ فِي الْأَرْضِ وَقَالُوا لَا خُمُسَ فِي الْمَعْدِنِ بَلْ فِيهِ الزَّكَاةُ إِذَا بَلَغَ قَدْرَ النِّصَابِ وَهُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَصَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا الركاز يعم العدن وَالْكَنْزَ فَفِي كُلِّ ذَلِكَ الْخُمُسُ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الرِّكَازِ وَالْمَعْدِنِ وهو الظَّاهِرُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ عَطَفَ الرِّكَازَ عَلَى الْمَعْدِنِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْمَعْدِنَ لَيْسَ بِرِكَازٍ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ هُمَا شَيْئَانِ مُتَغَايِرَانِ وَلَوْ كَانَ الْمَعْدِنُ رِكَازًا عِنْدَهُ لَقَالَ الْمَعْدِنُ جُبَارٌ وَفِيهِ الْخُمُسُ وَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُهُ لِأَنَّ الْعَطْفَ يدل على المغايرة قال الحافظ بن حجر في فتح الباري والحجة للجمهور التفرقة مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِوَاوِ الْعَطْفِ فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُهُ انتهى

وَلِأَنَّ الرِّكَازَ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ النَّبِيَّ الْحِجَازِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ بِلُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَرَادَ بِهِ مَا يريدون منه قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الرِّكَازُ عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ الْجَاهِلِيَّةُ الْمَدْفُونَةُ فِي الْأَرْضِ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ المعادن والقولان تحتملهما اللغة لأن كل مِنْهُمَا مَرْكُوزٌ فِي الْأَرْضِ أَيْ ثَابِتٌ يُقَالُ رَكَزَهُ يَرْكُزُهُ رَكْزًا إِذَا دَفَنَهُ وَأَرْكَزَ الرَّجُلُ إِذَا وَجَدَ الرِّكَازَ وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا جَاءَ فِي التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْكَنْزُ الْجَاهِلِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ فِيهِ الْخُمُسُ لِكَثْرَةِ نَفْعِهِ وَسُهُولَةِ أَخْذِهِ انْتَهَى وفي المرقاة لعلي القارىء وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ قِيلَ وَمَا الرِّكَازُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ يَوْمَ خُلِقَتِ الْأَرْضُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَذَكَرَهُ فِي الْإِمَامِ فَهُوَ وَإِنْ سَكَتَ عَنْهُ فِي الْإِمَامِ مُضَعَّفٌ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ وَجَابِرٍ) وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ وَسَرَّاءَ بِنْتِ نَبْهَانَ الْغَنَوِيَّةِ فَحَدِيثُ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ مُطَوَّلًا وَفِيهِ هَذَا رِكَازٌ وَفِيهِ الْخُمُسُ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي كَنْزٍ وَجَدَهُ رَجُلٌ فِي خِرْبَةٍ جَاهِلِيَّةٍ إِنْ وَجَدتَّهُ فِي قَرْيَةٍ غَيْرِ مَسْكُونَةٍ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ وَحَدِيثُ عَبْدِ الله بن الصامت رواه بن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الْمَعْدِنَ جُبَارٌ وَجُرْحُهَا جُبَارٌ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ إِسْحَاقَ لَمْ يُدْرِكْ عُبَادَةَ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عوف المزني رواه بن مَاجَهْ أَيْضًا وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّائِبَةُ الْحَدِيثُ وَفِيهِ فِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ كذا في عمدة القارىء وَتَخْرِيجُ أَحَادِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مَذْكُورٌ فِيهِ أَيْضًا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ

باب ما جاء في الخرص

17 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخَرْصِ) الْخَرْصُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْحَزْرُ وَالتَّخْمِينُ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ مِنَ الْمُؤَلِّفِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي خُبَيْبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أَبُو الْحَارِثِ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ نِيَارٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالتَّحْتَانِيَّةِ الْأَنْصَارِيَّ الْمَدَنِيَّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (جَاءَ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ (إِذَا خَرَصْتُمْ) أَيْ حَزَرْتُمْ وَخَمَّنْتُمْ أَيُّهَا السُّعَاةُ (فَخُذُوا) أَيْ زَكَاةَ الْمَخْرُوصِ (ودعوا الثلث) أي اتركوه قَالَ الطِّيبِيُّ فَخُذُوا جَوَابٌ لِلشَّرْطِ وَدَعُوا عُطِفَ عَلَيْهِ أَيْ إِذَا (خَرَصْتُمْ) فَبَيِّنُوا مِقْدَارَ الزَّكَاةِ ثُمَّ خُذُوا ثُلُثَيْ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ وَاتْرُكُوا الثُّلُثَ لِصَاحِبِ الْمَالِ حَتَّى يَتَصَدَّقَ بِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي الْخِطَابُ مَعَ الْمُصَدِّقِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا لِلْمَالِكِ ثُلُثَ مَا خَرَصُوا عَلَيْهِ أَوْ رُبُعَهُ تَوْسِعَةً عَلَيْهِ حَتَّى يَتَصَدَّقَ بِهِ هُوَ عَلَى جِيرَانِهِ وَمَنْ يَمُرُّ بِهِ وَيَطْلُبُ مِنْهُ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَغْرَمَ ذَلِكَ مِنْ مَالِهِ وَهَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ لِلشَّافِعِيِّ وَعَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَعِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ لَا عِبْرَةَ بِالْخَرْصِ لِإِفْضَائِهِ إِلَى الرِّبَا وَزَعَمُوا أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِيهِ كانت قبل تحريم الرباويرده حَدِيثُ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ فَإِنَّهُ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَتَحْرِيمُ الرِّبَا كَانَ مُقَدَّمًا انْتَهَى قَالَ القارىء بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْقَاضِي هَذَا وَحَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ فِي الصَّحِيحِ صَرِيحٌ فَإِنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَنْكَرَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ الْخَرْصَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا كَانَ يُفْعَلُ تَخْوِيفًا لِلْمُزَارِعِينَ لِئَلَّا يَخُونُوا لَا يَلْزَمُ بِهِ الْحُكْمُ لِأَنَّهُ تَخْمِينٌ وَغُرُورٌ أَوْ كَانَ يَجُوزُ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا وَالْقِمَارِ وَتَعَقَّبَهُ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا وَالْمَيْسِرِ مُتَقَدِّمٌ وَالْخَرْصَ عُمِلَ بِهِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى مَاتَ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فمن بعدهم ولمن يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا مِنَ التَّابِعِينَ تَرْكُهُ إِلَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُمُ إنَّهُ تَخْمِينٌ وَغُرُورٌ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ التَّمْرِ وَإِدْرَاكُهُ بِالْخَرْصِ الَّذِي هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْمَقَادِيرِ قَالَ وَاعْتَلَّ الطحاوي بأنه

يَجُوزُ أَنْ يَحْصُلَ لِلثَّمَرَةِ آفَةٌ فَتُتْلِفَهَا فَيَكُونُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ صَاحِبِهَا مَأْخُوذًا بَدَلًا مِمَّا يُسَلَّمُ لَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَائِلِينَ بِهِ لَا يُضَمِّنُونَ أَرْبَابَ الْأَمْوَالِ مَا تَلِفَ بَعْدَ الْخَرْصِ قال بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ أَنَّ الْمَخْرُوصَ إِذَا أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ قَبْلَ الْجُذَاذِ فَلَا ضمان انتهى قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي أَعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ الْمِثَالُ التَّاسِعُ وَالْعِشْرُونَ رَدُّ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ الْمُحْكَمَةِ فِي خَرْصِ الثِّمَارِ فِي الزَّكَاةِ وَالْعَرَايَا وَغَيْرِهَا إِذَا بَدَا إِصْلَاحُهَا ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ الْخَرْصِ ثُمَّ قَالَ فَرُدَّتْ هَذِهِ السُّنَنُ كُلُّهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشيطان فاجتنبوه قَالُوا وَالْخَرْصُ مِنْ بَابِ الْقِمَارِ وَالْمَيْسِرِ فَيَكُونُ تَحْرِيمُهُ نَاسِخًا لِهَذِهِ الْآثَارِ وَهَذَا مَنْ أَبْطَلَ الْبَاطِلَ فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقِمَارِ وَالْمَيْسِرِ وَالْخَرْصِ الْمَشْرُوعِ كَالْفَرْقِ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا وَالْمَيْتَةِ وَالْمُذَكَّى وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ رَسُولَهُ وَأَصْحَابَهُ عَنْ تَعَاطِي الْقِمَارِ وَعَنْ شَرْعِهِ وَإِدْخَالِهِ فِي الدِّينِ وَيَا لَلَّهِ الْعَجَبَ أَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُقَامِرُونَ إِلَى زَمَنِ خَيْبَرَ ثُمَّ اسْتَمَرُّوا عَلَى ذَلِكَ إِلَى عَهْدِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ثُمَّ انْقَضَى عَصْرُ الصَّحَابَةِ وَعَصْرُ التَّابِعِينَ عَلَى الْقِمَارِ وَلَا يَعْرِفُونَ أَنَّ الْخَرْصَ قِمَارٌ حَتَّى بَيَّنَهُ بَعْضُ فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ هَذَا وَاَللَّهِ الْبَاطِلُ حَقًّا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ انْتَهَى كَلَامُ بن الْقَيِّمِ [643] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَعَتَّابِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ (بْنِ أَسِيدٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَحَدِيثُهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (وَبِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ يَقُولُ إِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ بِظَاهِرِهِ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمْ وَفَهِمَ مِنْهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ أَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي يَأْكُلُونَهُ بِحَسَبِ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ فَقَالَ يُتْرَكُ قَدْرُ احْتِيَاجِهِمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ لَا يُتْرَكُ لَهُمْ شَيْءٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ بن الْعَرَبِيِّ وَالْمُتَحَصِّلُ مِنْ صَحِيحِ النَّظَرِ أَنْ يُعْمَلَ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ قَدْرُ الْمُؤْنَةِ وَلَقَدْ جَرَّبْنَاهُ فَوَجَدْنَاهُ كَذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ مِمَّا يُؤْكَلُ رَطْبًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْخَرْصُ إِذَا أَدْرَكَتِ الثِّمَارُ إلخ) مِنْ إِدْرَاكِ الشَّيْءِ بَلَغَ وَقْتُهُ كَذَا الْقَامُوسُ قَالَ

باب ما جاء في العامل على الصدقة بالحق

الحافظ بن حَجَرٍ وَفَائِدَةُ الْخَرْصِ التَّوْسِعَةُ عَلَى أَرْبَابِ الثِّمَارِ فِي التَّنَاوُلِ مِنْهَا وَالْبَيْعِ مِنْ زَهْوِهَا وَإِيثَارِ الْأَهْلِ وَالْجِيرَانِ وَالْفُقَرَاءِ لِأَنَّ فِي مَنْعِهِمْ مِنْهَا تَضْيِيقًا لَا يَخْفَى انْتَهَى قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَالِحٍ التَّمَّارِ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ السَّابِعَةِ (كُرُومَهُمْ) بِضَمَّتَيْنِ جمع الكرم وهو شجر العنب قال بن حَجَرٍ وَلَا يُنَافِي تَسْمِيَةَ الْعِنَبِ كَرْمًا خَبَرُ الشَّيْخَيْنِ لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ كَرْمًا فَإِنَّ الْكَرْمَ هُوَ الْمُسْلِمُ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ لِأَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ عَلَى أَنَّ تِلْكَ التَّسْمِيَةَ مِنْ لَفْظِ الرَّاوِي فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ أَوْ خَاطَبَ بِهِ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا بِهِ انْتَهَى (زَبِيبًا) هُوَ الْيَابِسُ مِنَ الْعِنَبِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَامِلِ عَلَى الصدقة بالحق)

باب في المعتدي في الصدقة

[645] قَوْلُهُ (الْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَةِ بِالْحَقِّ) مُتَعَلِّقٌ بِالْعَامِلِ أَيْ عَمَلًا بِالصِّدْقِ وَالصَّوَابِ أَوْ بِالْإِخْلَاصِ وَالِاحْتِسَابِ (كَالْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فِي تَحْصِيلِ بَيْتِ الْمَالِ وَاسْتِحْقَاقِ الثَّوَابِ فِي تَمْشِيَةِ أَمْرِ الدارين قاله القارىء (حتى يرجع) أي العامل قال بن الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ قَالَ مَنْ جَهَّزَ فَقَدْ غَزَا وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا وَالْعَامِلُ عَلَى الصَّدَقَةِ خَلِيفَةُ الْغَازِي لِأَنَّهُ يَجْمَعُ مَالَ سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ غَازٍ بِعَمَلِهِ وَهُوَ غَازٍ بِنِيَّتِهِ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ قَوْمًا مَا سَلَكْتُمْ وَادِيًا وَلَا قَطَعْتُمْ شِعْبًا إِلَّا وَهُمْ مَعَكُمْ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ فَكَيْفَ بِمَنْ حَبَسَهُ الْعَمَلُ لِلْغَازِي وَخِلَافَتُهُ وَجَمْعُ مَالِهِ الَّذِي يُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَكَمَا لَا بُدَّ مِنَ الْغَزْوِ فَلَا بُدَّ مِنْ جَمْعِ الْمَالِ الَّذِي يَغْزُو بِهِ فَهُمَا شَرِيكَانِ فِي النِّيَّةِ شَرِيكَانِ فِي الْعَمَلِ فَوَجَبَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِي الْأَجْرِ انْتَهَى (حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَيَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ كَذَّبَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَصَحُّ) وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثِقَةٌ قَدِ اعْتَرَفَ بِهِ الْعُلَمَاءُ الْمَالِكِيَّةُ والحنفية أيضا قال بن الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثِقَةٌ إِمَامٌ انْتَهَى قُلْتُ وَقَدْ وَثَّقَهُ الْعَلَّامَةُ بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ص 107 ج 3 بن إِسْحَاقَ مِنَ الثِّقَاتِ الْكِبَارِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْتَهَى 9 - (بَابٌ فِي الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ) [646] قَوْلُهُ (الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا) الِاعْتِدَاءُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ

الْمُزَكِّيَ الَّذِي يَعْتَدِي بِإِعْطَاءِ الزَّكَاةِ غَيْرَ مُسْتَحِقِّيهَا وَلَا عَلَى وَجْهِهَا أَوِ الْعَامِلَ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ إِنَّ الْعَامِلَ الْمُعْتَدِيَ فِي أَخْذِ الصَّدَقَةِ عَنِ الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ هُوَ فِي الْوِزْرِ كَاَلَّذِي يَمْنَعُ عَنْ أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ وَقَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ عَلَى الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ مِنَ الْإِثْمِ مَا عَلَى الْمَانِعِ فَلَا يَحِلُّ لِرَبِّ الْمَالِ كِتْمَانُ الْمَالِ وَإِنِ اعْتَدَى عَلَيْهِ السَّاعِي انْتَهَى وَقِيلَ الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ هُوَ الَّذِي يُجَاوِزُ الْحَدَّ فِي الصَّدَقَةِ بِحَيْثُ لَا يُبْقِي لِعِيَالِهِ شَيْئًا وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يُعْطِي وَيَمُنُّ وَيُؤْذِي فَالْإِعْطَاءُ مَعَ الْمَنِّ وَالْأَذَى كَالْمَنْعِ عَنْ أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى قَوْلٌ مَعْرُوفٌ ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ الْعَامِلُ الْمُعْتَدِي فِي أَخْذِ الصَّدَقَةِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ بَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ قَالَ قُلْنَا إِنَّ أَهْلَ الصَّدَقَةِ يَعْتَدُونَ عَلَيْنَا أَفَنَكْتُمُ مِنْ أَمْوَالِنَا بِقَدْرِ مَا يَعْتَدُونَ قَالَ لَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ عَلَى الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ مِنَ الْإِثْمِ مَا عَلَى الْمَانِعِ لِأَنَّ الْعَامِلَ إِذَا اعْتَدَى فِي الصَّدَقَةِ بِأَنْ أَخَذَ خِيَارَ الْمَالِ أَوِ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمِقْدَارِ الْوَاجِبِ رُبَّمَا يَمْنَعُهَا الْمَالِكُ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى فَيَكُونُ فِي الْإِثْمِ كَالْمَانِعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عُمَرَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمْ حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن ماجه وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسٍ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (وَقَدْ تَكَلَّمَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ أَحْمَدُ لَمْ أَكْتُبْ أَحَادِيثَهُ لِأَنَّهُمُ اضْطَرَبُوا فِيهِ وَفِي حَدِيثِهِ وَقَالَ الْجُوزَجَانِيُّ أَحَادِيثُهُ وَاهِيَةٌ وَقَالَ س مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الدارقطني ضعيف ونقل بن الْقَطَّانِ أَنَّ أَحْمَدَ يُوَثِّقُهُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ سَعْدُ بْنُ سِنَانٍ وَيُقَالُ سِنَانُ بْنُ سَعْدٍ الْكِنْدِيُّ الْمِصْرِيُّ وَصَوَّبَ الثَّانِيَ الْبُخَارِيُّ وبن يُونُسَ صَدُوقٌ لَهُ أَفْرَادٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (وَهَكَذَا يَقُولُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ إلخ) حَاصِلُهُ أَنَّ الرُّوَاةَ مُخْتَلِفُونَ فِي اسْمِ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ فَقَالَ اللَّيْثُ سَعْدُ بْنُ سِنَانٍ وَقَالَ عمرو بن الحارث وبن لَهِيعَةَ سِنَانُ بْنُ سَعْدٍ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الصَّحِيحَ سِنَانُ بْنُ سَعْدٍ وَيَقُولُ عمرو بن الحارث وبن لهيعة

باب ما جاء في رضى المصدق بتخفيف الصاد

(عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) لَمْ تُوجَدْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ (سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ وَالصَّحِيحُ سِنَانُ بْنُ سَعْدٍ قَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ فَعَلَيْك أَنْ تُرَاجِعَهُ فَإِنَّهُ نَافِعٌ قَوْلُهُ (وَقَوْلُهُ الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا يَقُولُ عَلَى الْمُعْتَدِي من الاثم الخ) قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْمُعْتَدِي فِي الصَّدَقَةِ كَمَانِعِهَا هُوَ أَنْ يُعْطِيَ الزَّكَاةَ غَيْرَ مُسْتَحِقِّهَا وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّ السَّاعِيَ إِذَا أَخَذَ خِيَارَ الْمَالِ رُبَّمَا مَنَعَهُ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى فَيَكُونُ سَبَبًا فِي ذَلِكَ فَهُمَا فِي الْإِثْمِ سَوَاءٌ انْتَهَى 0 - (باب ما جاء في رضى الْمُصَدِّقِ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ) أَيْ آخِذِ الصَّدَقَةِ وَهُوَ الْعَامِلُ [647] قَوْلُهُ (إِذَا أَتَاكُمُ الْمُصَدِّقُ فَلَا يُفَارِقَنَّكُمْ إلا عن رضى) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِذَا أَتَاكُمِ الْمُصَدِّقُ فَلْيَصْدُرْ عَنْكُمْ وَهُوَ عَنْكُمْ رَاضٍ قَالَ الطِّيبِيُّ ذَكَرَ السبب وأراد السبب لِأَنَّهُ أَمْرٌ لِلْعَامِلِ وَفِي الْحَقِيقَةِ أَمْرٌ لِلْمُزَكِّي والمعنى تلقوه بالترحيب وأداء زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ لِيَرْجِعَ عَنْكُمْ رَاضِيًا وَإِنَّمَا عَدَلَ إِلَى هَذِهِ الصِّفَةِ مُبَالَغَةً فِي اسْتِرْضَاءِ الْمُصَدِّقِ وَإِنْ ظَلَمَ انْتَهَى قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي إِذَا أَتَاكُمِ الْمُصَدِّقُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَهُوَ الْعَامِلُ فَلَا يُفَارِقَنَّكُمْ إِلَّا عَنْ رِضًى قَالَ الشَّافِعِيُّ يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يُوَفُّوهُ طَائِعِينَ وَيَتَلَقَّوْهُ بِالتَّرْحِيبِ لَا أَنْ يُؤْتُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا لَيْسَ عَلَيْهِمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وهذاالذي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مُحْتَمَلٌ لَوْلَا مَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَهِيَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنْ ظَلَمُونَا قَالَ أَرْضُوا مُصَدِّقِيكُمْ وَإِنْ ظُلِمْتُمْ فَكَأَنَّهُ

باب ما جاء أن الصدفة تؤخذ من الأغنياء

رَأَى الصَّبْرَ عَلَى تَعَدِّيهِمُ انْتَهَى [648] قَوْلُهُ (حَدِيثُ دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَقَدْ ضَعَّفَ مُجَالِدًا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إلخ) فِي التَّقْرِيبِ مُجَالِدٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ بن سعيد بن عمير الهمداني أَبُو عَمْرٍو الْكُوفِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ مِنْ صِغَارِ السَّادِسَةِ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الميزان قال بن مَعِينٍ وَغَيْرُهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ يَرْفَعُ كَثِيرًا مِمَّا لَا يَرْفَعُهُ النَّاسُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ كان يحيى بن سعيد يضعفه وكان بن مَهْدِيٍّ لَا يَرْوِي عَنْهُ انْتَهَى مُخْتَصَرًا 1 - (بَاب ما جاء أن الصدفة تؤخذ من الأغنياء) فترد على الْفُقَرَاءِ [649] قَوْلُهُ (عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ) بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْحَاءِ كَجُهَيْنَةَ قَوْلُهُ (فَأَخَذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِنَا فَجَعَلَهَا فِي فُقَرَائِنَا) قَالَ فِي حَاشِيَةِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ أَيْ فُقَرَاءِ ذَلِكَ الْقَوْمِ وَالْبَلَدِ وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ اللَّهُمَّ إِذَا كَانَ غَيْرُهُمْ أَحْوَجَ مِنْهُمْ وَأَحَقَّ فَيَحْمِلُ الصَّدَقَةَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ وَمِنْ قَوْمٍ إِلَى قَوْمٍ أُخَرَ انْتَهَى بِلَفْظِهِ قُلْتُ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَازَ النَّقْلَ اللَّيْثُ وَأَبُو حنيفة وأصحابهما ونقله بن الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْجُمْهُورِ تَرْكُ النَّقْلِ فَلَوْ خَالَفَ وَنَقَلَ أَجْزَأَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَمْ يُجْزِئْ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْأَصَحِّ إِلَّا إِذَا فُقِدَ الْمُسْتَحِقُّونَ لَهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَفِيهِ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّ قَوْلَهُ حيث كانوا

يُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا يَنْقُلُهَا عَنْ بَلَدٍ وَفِيهِ مِمَّنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ بَابُ أَخْذِ الصَّدَقَةِ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ وَتُرَدُّ فِي الْفُقَرَاءِ حيث كانوا وأورد فيه حديث بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ إِنَّك سَتَأْتِي قَوْمًا أَهْلَ الْكِتَابِ الْحَدِيثُ وَفِيهِ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدِ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُ حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ الصَّدَقَةَ تُرَدُّ عَلَى فُقَرَاءِ مَنْ أُخِذَتْ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَقَالَ بن الْمُنِيرِ اخْتَارَ الْبُخَارِيُّ جَوَازَ نَقْلِ الزَّكَاةِ مِنْ بَلَدِ الْمَالِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَيُّ فَقِيرٍ مِنْهُمْ رُدَّتْ فِيهِ الصَّدَقَةُ فِي أَيِّ جِهَةٍ كَانَ فَقَدْ وَافَقَ عُمُومَ الْحَدِيثِ انْتَهَى قَالَ والذي يتبادر إلى الذهن من هذا الحديث عَدَمُ النَّقْلِ وَأَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فيختص بذلك فقرائهم لكن رجح بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَوَّلَ وَقَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَظْهَرَ إِلَّا أَنَّهُ يُقَوِّيهِ أَنَّ أَعْيَانَ الْأَشْخَاصِ الْمُخَاطَبِينَ فِي قَوَاعِدِ الشَّرْعِ الْكُلِّيَّةِ لَا تُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ كَمَا لَا تُعْتَبَرُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهَا الْحُكْمُ وَإِنِ اخْتَصَّ بِهِمْ خِطَابُ الْمُوَاجَهَةِ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ إِلَى الذِّهْنِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ عَدَمُ النَّقْلِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ الَّذِي أَوْرَدَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَحَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ اسْتُعْمِلَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ أين المال قال وللمال أَرْسَلْتنِي أَخَذْنَاهُ مِنْ حَيْثُ كُنَّا نَأْخُذُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَضَعْنَاهُ حَيْثُ كُنَّا نَضَعُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وبن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ فَالرَّاجِحُ عِنْدِي أَنَّ الصَّدَقَةَ تُرَدُّ فِي فُقَرَاءِ مَنْ أُخِذَتْ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ إِلَّا إِذَا فُقِدُوا أَوْ تَكُونُ فِي نَقْلِهَا مَصْلَحَةٌ أَنْفَعُ مِنْ رَدِّهَا إِلَيْهِمْ فَحِينَئِذٍ تُنْقَلُ لِمَا عُلِمَ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَدْعِي الصَّدَقَاتِ مِنَ الْأَعْرَابِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَيَصْرِفُهَا فِي فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ كَمَا أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالٍ الثَّقَفِيِّ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كِدْتُ أُقْتَلُ بَعْدَك فِي عَنَاقٍ أَوْ شَاةٍ مِنَ الصَّدَقَةِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْلَا أَنَّهَا تُعْطَى فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ مَا أَخَذْتَهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَلُوصًا) بِفَتْحِ الْقَافِ النَّاقَةُ الشَّابَّةُ وَيُجْمَعُ عَلَى قِلَاصٍ بِكَسْرِ الْقَافِ قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ فِي النَّيْلِ رِجَالُ هَذَا الْحَدِيثِ ثِقَاتٌ إِلَّا أَشْعَثَ بْنَ سِوَارٍ فَفِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ

باب من تحل له الزكاة

مسلم متابعة انتهى 2 - (باب مَنْ تَحِلُّ لَهُ الزَّكَاةُ) [650] قَوْلُهُ (الْمَعْنَى وَاحِدٌ) أَيْ لَفْظُ حَدِيثِ قُتَيْبَةَ وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ مُخْتَلِفٌ وَمَعْنَى حَدِيثِهِمَا وَاحِدٌ قَوْلُهُ (وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ) أَيْ عَنِ السُّؤَالِ (وَمَسْأَلَتُهُ) أَيْ أَثَرُهَا (فِي وَجْهِهِ خُمُوشٌ أَوْ خُدُوشٌ أَوْ كُدُوحٌ) بِضَمِّ أَوَائِلِهَا أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةُ الْمَعَانِي جَمْعُ خَمْشٍ وَخَدْشٍ وَكَدْحٍ فَ أَوْ هُنَا إِمَّا لِشَكِّ الرَّاوِي إِذِ الْكُلُّ يُعْرِبُ عَنْ أَثَرِ مَا يَظْهَرُ عَلَى الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ مِنْ مُلَاقَاةِ الْجَسَدِ مَا يُقَشِّرُ أَوْ يَجْرَحُ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَا آثار مستنكرة وفي وَجْهِهِ حَقِيقَةً أَوْ أَمَارَاتٌ لِيُعْرَفَ وَيُشْهَرَ بِذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ أَوْ لِتَقْسِيمِ مَنَازِلِ السَّائِلِ فَإِنَّهُ مُقِلٌّ أَوْ مُكْثِرٌ أَوْ مُفَرِّطٌ فِي الْمَسْأَلَةِ فَذِكْرُ الْأَقْسَامِ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ وَالْخَمْشُ أَبْلَغُ فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْخَدْشِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْكَدْحِ إِذَا الْخَمْشُ فِي الْوَجْهِ وَالْخَدْشُ فِي الْجِلْدِ وَالْكَدْحُ فَوْقَ الْجِلْدِ وَقِيلَ الْخَدْشُ قَشْرُ الْجِلْدِ بِعُودٍ وَالْخَمْشُ قَشْرُهُ بِالْأَظْفَارِ وَالْكَدْحُ الْعَضُّ وَهِيَ فِي أَصْلِهَا مَصَادِرُ لَكِنَّهَا لَمَّا جُعِلَتْ أَسْمَاءَ لِلْآثَارِ جُمِعَتْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَمَا يُغْنِيهِ) أَيْ كَمْ هُوَ أَوْ أَيُّ مِقْدَارٍ مِنَ الْمَالِ يُغْنِيهِ (قَالَ خَمْسُونَ دِرْهَمًا أَوْ قِيمَتُهَا مِنَ الذَّهَبِ) أَيْ قِيمَةُ الْخَمْسِينَ مِنَ الذَّهَبِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَهُوَ الْمُلْحِفُ قُلْتُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ لَهُ صُحْبَةٌ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ قَالَ فِيهِ مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عَدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ

فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وصححه بن حبان كذا في فتح الباري (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ) وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُ أَيْضًا قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ شِيعِيٌّ مُقِلٌّ قَالَ أَحْمَدُ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ وَقَالَ الْجَوْزَجَانِيُّ حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ كَذَّابٌ انْتَهَى مُخْتَصَرًا وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ [651] قَوْلُهُ (فَقَالَ لَهُ) أَيْ لِسُفْيَانَ وَقَائِلُ هَذَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ (لَوْ غَيْرُ حَكِيمٍ حَدَّثَ بِهَذَا) كَلِمَةُ لَوْ لِلتَّمَنِّي (فَقَالَ لَهُ) أَيْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ (لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ شُعْبَةُ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَلَا يُحَدِّثُ عَنْهُ شُعْبَةُ (قَالَ نَعَمْ) أَيْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ نَعَمْ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ شُعْبَةُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ مُعَاذٌ قُلْتُ لِشُعْبَةَ حَدِّثْنِي بِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ أَخَافُ النَّارَ إِنْ أُحَدِّثْ عَنْهُ قُلْتُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شُعْبَةَ تَرَكَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ بَعْدُ انْتَهَى (قَالَ سُفْيَانُ سَمِعْتُ زُبَيْدًا يُحَدِّثُ بِهَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ يَحْيَى فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ لِسُفْيَانَ حِفْظِي أَنَّ شُعْبَةَ لَا يَرْوِي عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ سُفْيَانُ فَقَدْ حَدَّثَنَاهُ زُبَيْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قلت زبيد هذا هو بن الْحَارِثِ الْيَامِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا يحيى بن آدم قالوا أما مارواه سُفْيَانُ فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ أَسْنَدَهُ وَإِنَّمَا قَالَ فَقَدْ حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ حَسْبُ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ سُفْيَانَ صَرَّحَ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ سَمِعْت زُبَيْدًا يُحَدِّثُ بِهَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وحكاه بن عَدِيٍّ أَيْضًا وَحَكَى أَيْضًا أَنَّ الثَّوْرِيَّ قَالَ فَأَخْبَرَنَا بِهِ زُبَيْدٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثوري حدث به

مرتين مرة لَا يُصَرِّحُ فِيهِ بِالْإِسْنَادِ وَمَرَّةً يُسْنِدُهُ فَتَجْتَمِعُ الرِّوَايَاتُ وَسُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يَرْوِيهِ أَحَدٌ غَيْرُ حَكِيمٍ فَقَالَ يَحْيَى نَعَمْ يَرْوِيهِ يَحْيَى بْنُ آدَمَ عَنْ زُبَيْدٍ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِيهِ إِلَّا يَحْيَى بْنِ آدَمَ وَهَذَا وَهْمٌ لَوْ كَانَ كَذَا لَحَدَّثَ بِهِ النَّاسَ جَمِيعًا عَنْ سُفْيَانَ لَكِنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ هَذَا الْكَلَامُ قَالَهُ يَحْيَى أَوْ نَحْوَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْعِلْمِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ غَنِيًّا بِالدِّرْهَمِ مَعَ الْكَسْبِ وَلَا يُغْنِيهِ الْأَلْفُ مَعَ ضَعْفِهِ فِي نَفْسِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ وفي المسألة مذاهب أخرى أَحَدُهَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّ الْغَنِيَّ مَنْ مَلَكَ نِصَابًا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَاحْتَجَّ بحديث بن عَبَّاسٍ فِي بَعْثِ مُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ فَوَصَفَ مَنْ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْهُ بِالْغِنَى وَقَدْ قَالَ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ ثَانِيهَا أَنَّ حَدَّهُ مَنْ وَجَدَ مَا يُغَدِّيهِ وَمَا يُعَشِّيهِ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ الْحَنْظَلِيَّةِ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَجْهُهُ مَنْ لَا يَجِدُ غَدَاءً وَلَا عَشَاءً عَلَى دَائِمِ الْأَوْقَاتِ ثَالِثُهَا أَنَّ حَدَّهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ سَلَامٍ عَلَى ظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ تَصَرُّفِ الْبُخَارِيِّ لِأَنَّهُ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلحافا وَقَدْ تَضَمَّنَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَنَّ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ هَذَا الْقَدْرُ فَقَدْ سَأَلَ إِلْحَافًا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَالْمُرَادُ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُ وَفِيهِ وَمَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ فَقَدْ أَلْحَفَ

باب ما جاء من لا تحل له الصدقة

23 - (بَاب مَا جَاءَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ) [652] قَوْلُهُ (وَلَا لِذِي مِرَّةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ قُوَّةٍ (سَوِيٍّ) أَيْ مُسْتَوِي الْخَلْقِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُرَادُ اسْتِوَاءُ الْأَعْضَاءِ وَسَلَامَتُهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ (وَحُبْشِيُّ بْنُ جُنَادَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَقَبِيصَةُ بْنُ الْمُخَارِقِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (وَوَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ) أَيْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لَا تَحِلُّ الْمَسْأَلَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ حَبَشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ الْآتِي لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ

[653] قَوْلُهُ (عَنْ حُبْشِيٍّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ (بْنِ جُنَادَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ قَوْلُهُ (وَلَا لِذِي مِرَّةٍ) أَيْ لِذِي قُوَّةٍ عَلَى الْكَسْبِ (سَوِيٍّ) صَحِيحٍ سَلِيمِ الْأَعْضَاءِ (إِلَّا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ الْفَقْرُ الشَّدِيدُ الْمُلْصِقُ صَاحِبَهُ بِالدَّقْعَاءِ وَهِيَ الأرض التي لا نبات بها (أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ مَا يَلْزَمُ أَدَاؤُهُ تَكَلُّفًا لَا فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ وَالْمُفْظِعُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الشَّدِيدُ الشَّنِيعُ الَّذِي جَاوَزَ الْحَدَّ كَذَا فِي نيل الأوطار وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَالْمُرَادُ مَا اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ فِي مُبَاحٍ قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ مَا لَزِمَهُ مِنَ الْغَرَامَةِ بِنَحْوِ دِيَةٍ وَكَفَّارَةٍ انْتَهَى (لِيَثْرَى) مِنَ الْإِثْرَاءِ (بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ السُّؤَالِ وَبِالْمَأْخُوذِ (مَالُهُ) قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَرَفْعِهِ أَيْ لِيَكْثُرَ مَالُهُ مِنْ أَثْرَى الرَّجُلُ إِذَا كَثُرَتْ أَمْوَالُهُ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَفِي النِّهَايَةِ الثَّرَى الْمَالُ وَأَثْرَى الْقَوْمُ كَثُرُوا وَكَثُرَتْ أَمْوَالُهُمْ وَفِي الْقَامُوسِ الثَّرْوَةُ كَثْرَةُ الْعَدَدِ مِنَ النَّاسِ وَالْمَالِ وَثَرَى الْقَوْمُ كَثُرُوا وَنَمَوْا وَالْمَالُ كَذَلِكَ وَثَرِيَ كَرَضِيَ كَثُرَ مَالُهُ كَأَثْرَى إِذَا عَرَفْتَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ مَالَهُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ من أن أثرى لازم فيتعين رَفْعُهُ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ مَا مَوْصُولَةٌ وله جَارٌّ وَمَجْرُورٌ انْتَهَى (كَانَ) أَيِ السُّؤَالُ أَوِ الْمَالُ (خُمُوشًا) بِالضَّمِّ أَيْ عَبَسًا (وَرَضْفًا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ حَجَرًا مَحْمِيًّا (فَمَنْ شَاءَ فَلِيَقُلَّ) أَيْ هَذَا السُّؤَالَ أَوْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ النَّكَالِ (وَمَنْ شَاءَ فَلِيُكْثِرْ) وَهُمَا أَمْرُ تَهْدِيدٍ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا) [654] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) لَمْ يَحْكُمِ التِّرْمِذِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ أَوِ الضَّعْفِ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ في سنده مجالدا وهو ضعيف

باب من تحل له الصدقة من الغارمين وغيرهم

24 - (باب مَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ مِنْ الْغَارِمِينَ وَغَيْرِهِمْ) [655] قَوْلُهُ (أُصِيبَ رَجُلٌ) أَيْ أَصَابَهُ آفَةٌ قِيلَ هُوَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (فِي ثِمَارٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأُصِيبَ (ابْتَاعَهَا) أَيِ اشْتَرَاهَا وَالْمَعْنَى لَحِقَهُ خُسْرَانٌ بِسَبَبِ إِصَابَةِ آفَةٍ فِي ثِمَارٍ اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَنْقُدْ ثَمَنَهَا (فَكَثُرَ دَيْنُهُ) أَيْ فَطَالَبَهُ الْبَائِعُ بِثَمَنِ تِلْكَ الثِّمَارِ وَكَذَا طَالَبَهُ بَقِيَّةُ غُرَمَائِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ يُؤَدِّيهِ (فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ) أَيْ مَا تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ (لِغُرَمَائِهِ) جَمْعُ غَرِيمٍ وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَدْيُونِ والدائن والمراد ها هنا هُوَ الْأَخِيرُ (وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذَلِكَ) أَيْ مَا وَجَدْتُمْ وَالْمَعْنَى لَيْسَ لَكُمْ إِلَّا أَخْذُ مَا وَجَدْتُمْ وَالْإِمْهَالُ بِمُطَالَبَةِ الْبَاقِي إِلَى الْمَيْسَرَةِ وَقَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ لَيْسَ لَكُمْ زَجْرُهُ وَحَبْسُهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ إِفْلَاسُهُ وَإِذَا ثَبَتَ إِفْلَاسُ الرَّجُلِ لَا يَجُوزُ حَبْسُهُ فِي الدَّيْنِ بَلْ يُخَلَّى وَيُمْهَلُ إِلَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَالٌ فَيَأْخُذَهُ الْغُرَمَاءُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَكُمْ إِلَّا مَا وَجَدْتُمْ وَبَطَل مَا بَقِيَ مِنْ دُيُونِكُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مسيرة كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ مَا نَفَاهُ الْمُظْهِرُ قَدْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَهُمُ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى وُجُوبِ وَضْعِ الْجَائِحَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الثَّمَرَةِ إِذَا بِيعَتْ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَسَلَّمَهَا الْبَائِعُ إِلَى الْمُشْتَرِي بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ثُمَّ تَلِفَتْ قَبْلَ أَوَانِ الْجُذَاذِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ هَلْ تَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَآخَرُونَ هِيَ مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي وَلَا يَجِبُ وَضْعُ الْجَائِحَةِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَطَائِفَةٌ هِيَ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ وَيَجِبُ وَضْعُ الْجَائِحَةِ وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ كَانَتْ دُونَ الثُّلُثِ لَمْ يَجِبْ وَضْعُهَا وَإِنْ كَانَتِ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ وَجَبَ وَضْعُهَا وَكَانَتْ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ ثُمَّ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ دَلَائِلَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ

باب ما جاء في كراهية الصدقة للنبي

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَجُوَيْرِيَةَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَحَدِيثُ جُوَيْرِيَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ أَوْ لِذِي غُرْمٍ مُفْظِعٍ أَوْ لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَالدِّرَايَةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الصَّدَقَةِ لِلنَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَمَوَالِيهِ [656] قَوْلُهُ (وَيُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الضُّبَعِيُّ) بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ نَزَلَ فِي بَنِي ضُبَيْعَةَ فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ وَلَيْسَ مِنْهُمْ قَوْلُهُ (وَإِنْ قَالُوا هَدِيَّةٌ أَكَلَ) فَارَقَتِ الصَّدَقَةُ الْهَدِيَّةَ حَيْثُ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ تِلْكَ وَحَلَّتْ لَهُ هَذِهِ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنَ الصَّدَقَةِ ثَوَابُ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ ينبىء عَنْ عِزِّ الْمُعْطِي وَذُلِّ الْآخِذِ فِي احْتِيَاجِهِ إِلَى التَّرَحُّمِ عَلَيْهِ وَالرِّفْقِ إِلَيْهِ وَمِنَ الْهَدِيَّةِ التَّقَرُّبُ إِلَى الْمُهْدَى إِلَيْهِ وَإِكْرَامُهُ بِعَرْضِهَا عَلَيْهِ فَفِيهَا غَايَةُ الْعِزَّةِ وَالرِّفْعَةِ لَدَيْهِ وَأَيْضًا فَمِنْ شَأْنِ الْهَدِيَّةِ مُكَافَأَتُهَا فِي الدُّنْيَا وَلِذَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَأْخُذُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عِوَضَهَا عَنْهَا فَلَا مِنَّةَ أَلْبَتَّةَ فِيهَا بَلْ لِمُجَرَّدِ الْمَحَبَّةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ تَهَادَوْا تَحَابُّوا وَأَمَّا جَزَاءُ الصَّدَقَةِ فَفِي الْعُقْبَى وَلَا يُجَازِيهَا إِلَّا الْمَوْلَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَلْمَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَبِي عميرة جد معروف بْنِ وَاصِلٍ وَاسْمُهُ رَشِيدُ بْنُ مَالِكٍ وَمَيْمُونٍ أو مهران وبن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو

وأبي رافع وعبد الرحم ن بْنِ عَلْقَمَةَ) أَمَّا حَدِيثُ سَلْمَانَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ الْكِنْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَسَأَلَهُ أَصَدَقَةٌ أَمْ هَدِيَّةٌ فَقَالَ هَدِيَّةٌ فَأَكَلَ اللَّفْظُ لِلْحَاكِمِ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الطُّفَيْلِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْحَوْرَاءِ قَالَ كُنَّا عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فَسَأَلَ مَا عَقَلْتَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى جَرِينٍ مِنْ تَمْرَةِ الصَّدَقَةِ فَأَخَذْتُ تَمْرَةً فَأَلْقَيْتُهَا فِي فَمِي فَأَخَذَهَا بِلُعَابِهَا فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ وَمَا عَلَيْكَ لَوْ تَرَكْتَهَا فَقَالَ إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي عَمِيرَةَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَاسْمُهُ رُشَيْدٌ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِطَبَقٍ عَلَيْهِ تَمْرٌ فَقَالَ أَصَدَقَةٌ أَمْ هَدِيَّةٌ الْحَدِيثَ وَفِيهِ إِنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا نأكل الصدقة وأخرجه الكجي فِي مُسْنَدِهِ نَحْوَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونٍ أَوْ مهران فأخرجه عبد الرزاق وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ قَالَ اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَرْقَمَ بْنَ أَبِي الْأَرْقَمِ عَلَى السِّعَايَةِ فَاسْتَتْبَعَ أَبَا رَافِعٍ فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ يَا أَبَا رَافِعٍ إِنَّ الصَّدَقَةَ حَرَامٌ عَلَيَّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِهِ مِنَ اللَّيْلِ فَأَكَلَهَا فَلَمْ يَنَمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَقَالَ بَعْضُ نِسَائِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرِقْتَ الْبَارِحَةَ قَالَ إِنِّي وَجَدْتُ تَمْرَةً فَأَكَلْتُهَا وَكَانَ عِنْدَنَا تَمْرٌ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ اصْحَبْنِي فَإِنَّكَ تُصِيبُ مِنْهَا فَقَالَ حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ وَاسْم أَبِي رَافِعٍ إِبْرَاهِيمُ أَوْ أَسْلَمُ أَوْ ثَابِتٌ أَوْ هُرْمُزُ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُ قَالَ قَدِمَ وَفْدٌ لِثَقِيفٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُمْ هَدِيَّةٌ فَقَالَ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالُوا لَا فَقَبِلَهَا

قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْقَافِ (اسْمُهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (الْقُشَيْرِيُّ) قَالَ فِي الْمُغْنِي بِضَمِّ قَافٍ وَفَتْحِ شِينٍ مُعْجَمَةٍ وَسُكُونِ يَاءٍ مَنْسُوبٌ إِلَى قُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ مِنْهُ بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ انْتَهَى [657] قَوْلُهُ (بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ) أَيْ أَرْسَلَهُ سَاعِيًا لِيَجْمَعَ الزَّكَاةَ وَيَأْتِيَ بِهَا إِلَيْهِ وَالرَّجُلُ هُوَ الْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ (فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (اصْحَبْنِي) أَي رَافِقْنِي وَصَاحِبْنِي فِي هَذَا السفر (كما تُصِيبَ) نُصِبْ بِكَيْ وَمَا زَائِدَةٌ أَيْ لِتَأْخُذَ (مِنْهَا) أَيْ مِنَ الصَّدَقَةِ (فَقَالَ لَا) أَيْ لَا أَصْحَبُكَ (فَأَسْأَلَهُ) أَيْ أَسْتَأْذِنَهُ أَوْ أَسْأَلَهُ هَلْ يَجُوزُ لِي أَمْ لَا (وَإِنَّ مَوَالِيَ القوم) أي عتقاؤهم (مِنْ أَنْفُسِهِمْ) بِضَمِّ الْفَاءِ أَيْ فَحُكْمُهُمْ كَحُكْمِهِمْ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْرِيمِهَا عَلَى آلِهِ ويدل على تحريمها على موال آلِ بَنِي هَاشِمٍ وَلَوْ كَانَ الْأَخْذُ عَلَى جِهَةِ الْعِمَالَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ كَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ يَجُوزُ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْهُمْ حَقِيقَةً وَكَذَلِكَ لَمْ يُعَوَّضُوا بِخُمُسِ الْخُمُسِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ قَوْلُهُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ هَلْ يَتَنَاوَلُ الْمُسَاوَاةَ فِي حُكْمِ تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ أَمْ لَا وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْأَحْكَامِ فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ لَكِنَّهُ وَرَدَ عَلَى سَبَبِ الصَّدَقَةِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ السَّبَبُ وَإِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ يُخَصُّ بِهِ أَوْ لَا انْتَهَى قُلْتُ وَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ تعالى أعلم

باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة

قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وبن أبي رافع هو عبيد الله أَبِي رَافِعٍ إلخ) ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّدَقَةِ عَلَى ذِي الْقَرَابَةِ) [658] قَوْلُهُ (عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ) أُمِّ الْهُذَيْلِ الْأَنْصَارِيَّةِ الْبَصْرِيَّةِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنِ الرَّبَابِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهَا مُوَحَّدَةٌ قَوْلُهُ (فَإِنَّهُ) أَيِ التَّمْرَ (بَرَكَةٌ) أَيْ ذُو بَرَكَةٍ وَخَيْرٍ كَثِيرٍ أَوْ أُرِيدَ بِهِ الْمُبَالَغَةُ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ فَإِنَّ الْإِفْطَارَ عَلَى التَّمْرِ فِيهِ ثَوَابٌ كَثِيرٌ وَبَرَكَةٌ وَفِيهِ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى عَدَمِ حُسْنِ الْمُقَابَلَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ طَهُورٌ قَالَهُ القارىء (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَالْمَاءُ) أَيْ فَالْمَاءُ كاف للإفطار أو مجزىء عَنْ أَصْلِ السُّنَّةِ (فَإِنَّهُ طَهُورٌ) أَيْ بَالِغٌ فِي الطَّهَارَةِ فَيُبْتَدَأُ بِهِ تَفَاؤُلًا بِطَهَارَةِ الظَّاهِرِ والباطن قال الطيبي لأنه مزيل المانع من أَدَاءِ الْعِبَادَةِ وَلِذَا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عباده (وأنزلنا من السماء ماء طهورا) وقال بن الْمَلَكِ يُزِيلُ الْعَطَشَ عَنِ النَّفْسِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِنْدَ الْإِفْطَارِ ذَهَبَ الظَّمَأُ (الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ) أَيْ صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ (وهي على ذي الرحم اثنتان صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ) يَعْنِي أَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ خَيْرَانِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا أَفْضَلُ مِنْ وَاحِدٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ قَالَ نَعَمْ لَهَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مسلم

باب ما جاء أن في المال حقا سوى الزكاة

قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه أحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ وأخرجه بن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ (وَالرَّبَابُ هِيَ أُمُّ الرَّائِحِ) بِالرَّاءِ وَالْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (ابْنَةُ صُلَيْعٍ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرَةٌ 7 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ) [659] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَدَّوَيْهِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَدُّوَيْهِ بميم وتسكين الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْقُرَشِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ التِّرْمِذِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قَوْلُهُ (إِنَّ فِي الْمَالِ لَحَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ) كَفِكَاكِ أَسِيرٍ وَإِطْعَامِ مُضْطَرٍّ وَإِنْقَاذِ مُحْتَرَمٍ فَهَذِهِ حُقُوقٌ وَاجِبَةٌ غَيْرُهَا لَكِنَّ وُجُوبَهَا عَارِضٌ فَلَا تَدَافُعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَرِ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ لَا يَحْرِمَ السَّائِلَ وَالْمُسْتَقْرِضَ وَأَنْ لَا يَمْنَعَ مَتَاعَ بَيْتِهِ مِنَ الْمُسْتَعِيرِ كَالْقِدْرِ وَالْقَصْعَةِ وَغَيْرِهِمَا وَلَا يَمْنَعَ أحد الْمَاءَ وَالْمِلْحَ وَالنَّارَ كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى (ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ إلخ) أَيْ قرأها اعتضادا

باب ما جاء في فضل الصدقة

وَاسْتِشْهَادًا وَالْآيَةُ بِتَمَامِهَا هَكَذَا لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى واليتامى والمساكين وبن السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزكاة قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجْهُ الِاسْتِشْهَادِ أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ إِيتَاءَ الْمَالِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ ثُمَّ قَفَّاهُ بِإِيتَاءِ الزَّكَاةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ قِيلَ الْحَقُّ حَقَّانِ حَقٌّ يُوجِبُهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ وَحَقٌّ يَلْتَزِمُهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ الزَّكِيَّةِ الْمُوَقَّاةِ مِنَ الشُّحِّ الْمَجْبُولِ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ انْتَهَى [660] قَوْلُهُ (عَنْ عَامِرٍ) هُوَ الشَّعْبِيُّ الَّذِي وَقَعَ في المسند التقدم (هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِذَاكَ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أيضا بن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ (وَأَبُو حَمْزَةَ مَيْمُونٌ الْأَعْوَرُ يُضَعَّفُ) قَالَ أَحْمَدُ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ كَذَا فِي الْمِيزَانِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّدَقَةِ) [661] قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ المقبري) هو بن أَبِي سَعِيدٍ كَيْسَانُ أَبُو سَعْدٍ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ قَوْلُهُ (مِنْ طَيِّبٍ) أَيْ مِنْ حَلَالٍ (وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا الطَّيِّبَ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ لِتَقْرِيرِ ما قبله

وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ غَيْرَ الْحَلَالِ غَيْرُ مَقْبُولٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَإِنَّمَا لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّدَقَةَ بِالْحِرَامِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِلْمُصَدِّقِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَالْمُتَصَدِّقُ بِهِ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ فَلَوْ قُبِلَ مِنْهُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ مَأْمُورًا وَمَنْهِيًّا مِنْ وَجْهٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مُحَالٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (إِلَّا أَخَذَهَا الرَّحْمَنُ بِيَمِينِهِ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ فَيَتَلَقَّاهَا الرَّحْمَنُ بِيَدِهِ قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ الْمُرَادُ حُسْنُ الْقَبُولِ وَوُقُوعُهَا مِنْهُ عَزَّ وَجَلَّ مَوْقِعَ الرِّضَا وَذَكَرَ الْيَمِينَ لِلتَّعْظِيمِ وَالتَّشْرِيفِ وَكِلْتَا يَدَيِ الرَّحْمَنِ يَمِينٌ انْتَهَى وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْمُنِيرِ الْكِنَايَةُ عَنِ الرِّضَا وَالْقَبُولِ بِالتَّلَقِّي بِالْيَمِينِ لِتَثْبُتَ الْمَعَانِي الْمَعْقُولَةُ مِنَ الْأَذْهَانِ وَتَحْقِيقُهَا فِي النُّفُوسِ تَحْقِيقَ الْمَحْسُوسَاتِ أَيْ لَا يَتَشَكَّكُ فِي الْقَبُولِ كَمَا لَا يَتَشَكَّكُ مَنْ عَايَنَ التَّلَقِّي لِلشَّيْءِ بِيَمِينِهِ لَا أَنَّ التَّنَاوُلَ كَالتَّنَاوُلِ الْمَعْهُودِ وَلَا أَنَّ الْمُتَنَاوَلَ بِهِ جَارِحَةٌ انْتَهَى قُلْتُ وَسَيَجِيءُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا هُوَ الْحَقُّ فِي أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ (تَرْبُو) أَيْ تَزِيدُ (حَتَّى تَكُونَ) أَيِ التَّمْرَةُ (فَلُوَّةً) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَيُضَمُّ وَبِضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيِ الْمُهْرَ وَهُوَ وَلَدُ الْفَرَسِ (أَوْ فَصِيلَهُ) وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلُوَّهُ أَوْ قَالَ فَصِيلَهُ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَصِيلُ وَلَدُ النَّاقَةِ إِذَا فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ جَمْعُهُ فُصْلَانُ بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ وَكَكِتَابٍ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لارضاع بَعْدَ فِصَالٍ أَيْ بَعْدَ أَنْ يُفْصَلَ الْوَلَدُ عَنْ أُمِّهِ وَبِهِ سُمِّيَ الْفَصِيلُ مِنْ أَوْلَادِ الْإِبِلِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَأَكْثَرُ مَا يُطْلَقُ فِي الْإِبِلِ وَقَدْ يُقَالُ فِي الْبَقَرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَحَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَبُرَيْدَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَحْمَدُ والترمذي وبن مَاجَهْ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى فَلْيُنْظَرْ مِنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عبد الرحمن بن عوف فأخرجه بن سعد وبن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه الشيخان [663] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمِنْقَرِيُّ مَوْلَاهُمْ أبو سلسة التَّبُوذَكِيُّ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَمَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ وَخَلْقٍ وَرَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَرَوَى الْبَاقُونَ عَنْهُ بِوَاسِطَةِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْخَلَّالِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَوْلُهُ (قَالَ شَعْبَانُ لِتَعْظِيمِ رَمَضَانَ) أَيْ صَوْمُ شَعْبَانَ لِيُطَابِقَ الْمُبْتَدَأَ قَالَ الْعِرَاقِيُّ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَحَدِيثُ أَنَسٍ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ صِيَامُ الْمُحَرَّمِ وَعِنْدَ تَعْظِيمِ رَمَضَانَ صِيَامُ شَعْبَانَ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِتَعْظِيمِ رَمَضَانَ تَعْظِيمُ صِيَامِهِ بِأَنْ تَتَعَوَّدَ النَّفْسُ لَهُ لِئَلَّا يَثْقُلَ عَلَى النَّفْسِ فَتَكْرَهَهُ طَبْعًا وَلِئَلَّا تُخِلَّ بِآدَابِهِ فَجْأَةُ الصِّيَامِ انْتَهَى وَيَأْتِي بَاقِي الْكَلَامِ فِي صَوْمِ شَعْبَانَ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ قَوْلُهُ (وَصَدَقَةُ بْنُ مُوسَى لَيْسَ عِنْدَهُمْ بِذَاكَ الْقَوِيِّ) ضعفه بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَيْسَ بِقَوِيٍّ كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَقَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ [664] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةِ عَشْرَةِ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عيسى الخزاز) بِمُعْجَمَاتِ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ) أَحَدِ الْأَئِمَّةِ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ

قَوْلُهُ (إِنَّ الصَّدَقَةَ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ) أَيْ سَخَطَهُ عَلَى مَنْ عَصَاهُ (وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السَّوْءِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهِيَ الْحَالَةُ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا الْإِنْسَانُ فِي الْمَوْتِ وَالسَّوْءُ بِفَتْحِ السِّينِ وَيُضَمُّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْهَدْمُ وَالتَّرَدِّي وَالْغَرَقُ وَالْحَرْقُ وَأَنْ يَتَخَبَّطَهُ الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَنْ يُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مُدْبِرًا وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ مَوْتُ الْفُجَاءَةِ وَقِيلَ ميتة الشهرة كالمصلوب مثلا انتهى قَوْلُهُ (كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمُهْرُ بِالضَّمِّ وَلَدُ الْفَرَسِ أَوْ أَوَّلُ مَا يُنْتَجُ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ جَمْعُهُ أَمْهَارٌ وَمِهَارٌ وَمِهَارَةٌ وَالْأُنْثَى مُهْرَةٌ (وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ويأخذ الصدقات) قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي هَذَا تَخْلِيطٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالصَّوَابُ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يقبل التوبة الْآيَةَ وَقَدْ رُوِّينَاهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ لِيُوسُفَ الْقَاضِي عَلَى الصَّوَابِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَقَدْ صَرَّحَ بِصِحَّتِهِ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِ هَذَا) تَقَدَّمَ لفظه وتخريجه

قوله (وأمروها بِلَا كَيْفٍ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ الْإِمْرَارِ أَيْ أجردها عَلَى ظَاهِرِهَا وَلَا تَعْرِضُوا لَهَا بِتَأْوِيلٍ وَلَا تَحْرِيفٍ بَلْ فَوِّضُوا الْكَيْفَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (وَهَكَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ) وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَقَدْ صَنَّفَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ كِتَابًا سَمَّاهُ كِتَابَ الْعُلُوِّ لِلْعَلِيِّ الْغَفَّارِ فِي إِيضَاحِ صَحِيحِ الْأَخْبَارِ وَسَقِيمِهَا وَهُوَ كِتَابٌ مُفِيدٌ نَفِيسٌ نَافِعٌ جدا ذكر في أوله عدة مِنْ آيَاتِ الِاسْتِوَاءِ وَالْعُلُوِّ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ أَحْبَبْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ الْإِنْصَافَ فَقِفْ مَعَ نُصُوصِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ ثُمَّ انْظُرْ مَا قَالَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَأَئِمَّةُ التَّفْسِيرِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا حَكَوْهُ مِنْ مَذَاهِبِ السَّلَفِ إِلَى أَنْ قَالَ فَإِنَّنَا عَلَى اعْتِقَادٍ صَحِيحٍ وَعَقْدٍ مَتِينٍ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَقَدَّسَ اسْمُهُ لَا مِثْلَ لَهُ وَأَنَّ إِيمَانَنَا بِمَا ثَبَتَ مِنْ نُعُوتِهِ كَإِيمَانِنَا بِذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ إِذِ الصِّفَاتُ تَابِعَةٌ لِلْمَوْصُوفِ فَنَعْقِلُ وُجُودَ الْبَارِي وَنُمَيِّزُ ذَاتَه الْمُقَدَّسَةَ عَنِ الْأَشْبَاهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَعْقِلَ الْمَاهِيَّةَ فَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي صِفَاتِهِ نُؤْمِنُ بِهَا وَنَتَعَقَّلُ وُجُودَهَا وَنَعْلَمُهَا فِي الْجُمْلَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ نَتَعَقَّلَهَا أَوْ نُكَيِّفَهَا أَوْ نُمَثِّلَهَا بِصِفَاتِ خَلْقِهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا فَالِاسْتِوَاءُ كَمَا قَالَ مَالِكٌ الْإِمَامُ وَجَمَاعَةٌ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ ثُمَّ ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْعُلُوِّ وَاسْتَوْعَبَهَا مَعَ بَيَانِ صِحَّتِهَا وَسَقَمِهَا ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَ سَرْدِ الْأَحَادِيثِ أَقْوَالَ كَثِيرٍ مِنَ الأئمة وحاصل الأقوال كلها وهو مَا قَالَ إِنَّ إِيمَانَنَا بِمَا ثَبَتَ مِنْ نُعُوتِهِ كَإِيمَانِنَا بِذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ إلخ وَنُقِلَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ الْأَوْزَاعِيَّ وَمَالِكَ بْنَ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ وَاللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا الصِّفَاتُ فَكُلُّهُمْ قَالُوا لِي أَمِرُّوهَا كَمَا جَاءَتْ بِلَا تَفْسِيرٍ وَإِنْ شِئْتَ تَفَاصِيلَ تِلْكَ الْأَقْوَالِ فَارْجِعْ إِلَى كِتَابِ الْعُلُوِّ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الْجَهْمِيَّةُ فَأَنْكَرَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ إلخ) قال الحافظ في مقدمة الفتح الجمهية مَنْ يَنْفِيَ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَثْبَتَهَا الكتاب والسنة ويقول القران مخلوق (وقالوا هذ تَشْبِيهٌ) وَذَهَبُوا إِلَى وُجُوبِ تَأْوِيلِهَا (فَتَأَوَّلَتِ الْجَهْمِيَّةُ هَذِهِ الْآيَاتِ وَفَسَّرُوهَا عَلَى غَيْرِ مَا فَسَّرَ أَهْلُ الْعِلْمِ) فَتَفْسِيرُهُمْ هَذِهِ الْآيَاتِ لَيْسَ إِلَّا تَحْرِيفًا لَهَا فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ عَنْ تَأْوِيلِهِمْ وَتَفْسِيرِهِمْ (وَقَالُوا إِنَّ اللَّهَ

باب ما جاء في حق السائل

لَمْ يَخْلُقْ آدَمَ بِيَدِهِ وَقَالُوا إِنَّمَا مَعْنَى الْيَدِ الْقُوَّةُ) فَغَرَضُهُمْ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ هُوَ نَفْيُ الْيَدِ لِلَّهِ تَعَالَى ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ تَعَالَى يَدٌ لَكَانَ تَشْبِيهًا وَلَمْ يَفْهَمُوا أَنَّ مُجَرَّدَ ثُبُوتِ الْيَدِ لَهُ تَعَالَى لَيْسَ بِتَشْبِيهٍ (وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ (إِنَّمَا يَكُونُ التَّشْبِيهُ إِذَا قَالَ يَدٌ كَيَدِ إلخ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ الْجَهْمِيَّةِ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حَقِّ السَّائِلِ) [665] قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ) الْفَزَارِيِّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مُصَغَّرًا لَهُ روية ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الصَّحَابَةِ (عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ بجيد) يقال إِنَّ اسْمَهَا حَوَّاءُ صَحَابِيَّةٌ قَوْلُهُ (إِلَّا ظِلْفًا) بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ هُوَ لِلْبَقَرِ وَالْغَنَمِ كَالْحَافِرِ لِلْفَرَسِ (مُحْرَقًا) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْإِحْرَاقِ وَقَيْدُ الْإِحْرَاقِ مُبَالَغَةٌ فِي رَدِّ السَّائِلِ بِأَدْنَى مَا يَتَيَسَّرُ أَيْ لَا تَرُدِّيهِ مَحْرُومًا بِلَا شَيْءٍ مَهْمَا أَمْكَنَ حَتَّى إِنْ وَجَدْتِ شَيْئًا حَقِيرًا مِثْلَ الظِّلْفِ الْمُحْرَقِ أَعْطِيهِ إِيَّاهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ فَقِيلَ ضَرَبَهُ مَثَلًا لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا جَاءَ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ مِثْلَ مَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَقِيلَ إِنَّ الظِّلْفَ الْمُحْرَقَ كَانَ لَهُ عِنْدَهُمْ قَدْرًا بِأَنَّهُمْ يسحقونه ويسفونه انتهى

باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِمِثْلِ حَدِيثِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْآتِي وَفِي سَنَدِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَأَمَّا حَدِيثُ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإِنْ جَاءَ عَلَى فَرَسٍ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ وَأَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا كُلُّ رِوَايَاتِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَاسِيلُ فَهُوَ مُرْسَلُ صَحَابِيٍّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُمِّ بُجَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ 0 - (بَاب مَا جَاءَ في إعطاء المؤلفة قلوبهم) قال بن الْعَرَبِيِّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ هَلْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَكِنَّ إِسْلَامَهُمْ كَانَ يُتَوَقَّعُ عَلَيْهِ الضَّعْفُ أَوِ الذَّهَابُ فَأُعْطُوا تَثْبِيتًا وَقِيلَ بَلْ كَانُوا كُفَّارًا أُعْطُوا اسْتِكْفَاءً لِشَرِّهِمْ وَاسْتِعَانَةً لِلْمُجَاهِدِينَ الْمُحَارِبِينَ بِهِمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا انْتَهَى قُلْتُ فِي قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا نَظَرٌ فَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمُ الْحَدِيثَ [666] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ) بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ أَبُو زَكَرِيَّا مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ فَاضِلٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَمِائَتَيْنِ (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ) بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبٍ الْقُرَشِيِّ الْجُمَحِيِّ الْمَكِّيِّ صَحَابِيٌّ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ مَاتَ أَيَّامَ قُتِلَ عُثْمَانُ (يَوْمَ حُنَيْنٍ) كَزُبَيْرٍ مَوْضِعٌ بَيْنَ الطائف ومكة

قَوْلُهُ (وَبِهَذَا أَوْ شِبْهِهِ) كَأَنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يَضْبِطْ لَفْظَ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ضَبْطًا كَامِلًا فَلِذَلِكَ قَالَ هَذَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قُلْتُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَفِي الْبَابِ أحاديث كثيرة قال وقد عد بن الْجَوْزِيِّ أَسْمَاءَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ فَبَلَغُوا نَحْوَ الْخَمْسِينَ نَفْسًا انْتَهَى قَوْلُهُ (رَوَاهُ مَعْمَرٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَوْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ إلخ) أَيْ بِلَفْظِ أَنَّ مَكَانَ لَفْظِ عَنْ (وَكَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ) أَيْ حَدِيثَ مَعْمَرٍ وَغَيْرِهِ بِلَفْظِ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ (أَصَحُّ وَأَشْبَهُ) مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بِلَفْظِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَيُونُسُ هذا هو بن يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ إِلَّا أَنَّ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهَمًا قَلِيلًا (إِنَّمَا هُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ صفوان بن أمية) قال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ الصَّحِيحُ مِنْ هَذَا عَنْ سعيد بن المسيب أن صفوان بن أمية لِأَنَّ سَعِيدًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ صَفْوَانَ شَيْئًا وإنما يَقُولُ الرَّاوِي فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ إِذَا سَمِعَ شَيْئًا وَلَوْ حَدِيثًا وَاحِدًا فَيَحْمِلُ سَائِرَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ وَاسِطَةٍ عَنْهُ عَلَى الْعَنْعَنَةِ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا سَبِيلَ إِلَى أَنْ يُحَدِّثَ عَنْهُ لَا بِعَنْعَنَةٍ وَلَا بِغَيْرِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (فَرَأَى أَكْثَرُ أَهْلِ العلم أن لا يعطوا الخ) قال الزيلعي في نصب الراية روى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ إِنَّمَا كَانَتِ الْمُؤَلَّفَةُ

باب المتصدق يرث صدقته

عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا وَلِيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه انقطعت انتهى قال الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ فِي إِسْنَادِهِ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَخْرَجَهُ عَنِ الْحَسَنِ نَحْوَهُ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ حِبَّانَ بْنِ أَبِي جَبَلَةَ أَنَّ عُمَرَ لَمَّا أَتَاهُ شَيْبَةُ بْنُ حُصَيْنٍ قَالَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومن شاء فليكفر يَعْنِي لَيْسَ الْيَوْمَ مُؤَلَّفَةٌ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَنْ كَانَ الْيَوْمَ عَلَى مِثْلِ هَؤُلَاءِ وَرَأَى الْإِمَامُ أَنْ يَتَأَلَّفَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَعْطَاهُمْ جَازَ ذَلِكَ وهو قول الشافعي) قال بن الْعَرَبِيِّ قَالَ قَوْمٌ إِذَا احْتَاجَ الْإِمَامُ إِلَى ذَلِكَ الْآنَ فَعَلَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدِي وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَكُلُّ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحِكْمَةٍ وَحَاجَةٍ وَسَبَبٍ فَوَجَبَ أَنَّ السَّبَبَ والحاجة إذا ارتفعت أي يَرْتَفِعَ الْحُكْمُ وَإِذَا عَادَتْ أَنْ يَعُودَ ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالظَّاهِرُ جَوَازُ التَّأْلِيفِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ فَإِذَا كَانَ فِي زَمَنِ الْإِمَامِ قَوْمٌ لَا يُطِيعُونَهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إِدْخَالِهِمْ تَحْتَ طَاعَتِهِ بِالْقَسْرِ وَالْغَلَبِ فَلَهُ أَنْ يَتَأَلَّفَهُمْ وَلَا يَكُونُ لِفُشُوِّ الْإِسْلَامِ تَأْثِيرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَعْ فِي خُصُوصِ هذه الواقعة إنتهى 1 - (باب الْمُتَصَدِّقِ يَرِثُ صَدَقَتَهُ) [667] قَوْلُهُ (قَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ) أَيْ بِالصِّلَةِ (وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ) النِّسْبَةُ مَجَازِيَّةٌ أَيْ رَدَّ اللَّهُ الْجَارِيَةَ عَلَيْكَ بِالْمِيرَاثِ وَصَارَتِ الْجَارِيَةُ مِلْكًا لَك بِالْإِرْثِ وَعَادَتْ إِلَيْك بِالْوَجْهِ الْحَلَالِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الْعَوْدِ فِي الصَّدَقَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَمْرًا اخْتِيَارِيًّا قال بن الْمَلَكِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ

عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ إِذَا تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ عَلَى قَرِيبِهِ ثُمَّ وَرِثَهَا حَلَّتْ لَهُ وَقِيلَ يَجِبُ صَرْفُهَا إِلَى فَقِيرٍ لِأَنَّهَا صَارَتْ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى انْتَهَى وَهَذَا تَعْلِيلٌ فِي مَعْرِضِ النَّصِّ فَلَا يُعْقَلُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (صُوْمِي عَنْهَا) قَالَ الطِّيبِيُّ جَوَّزَ أَحْمَدُ أَنْ يَصُومَ الْوَلِيُّ عَنِ الْمَيِّتِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ بِهَذَا وَلَمْ يُجَوِّزْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ انْتَهَى بَلْ يُطْعِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ لِكُلِّ يَوْمٍ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا لِكُلِّ صَلَاةٍ وَقِيلَ لِصَلَوَاتِ كُلِّ يَوْمٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ مَا قَالَ أَحْمَدُ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَيَجِيءُ تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعِهَا قَوْلُهُ (قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا) أَيْ سَوَاءٌ وَجَبَ عَلَيْهَا أَمْ لَا أَوْصَتْ بِهِ أَمْ لَا قَالَ بن الْمَلَكِ يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ أَحَدٌ عَنِ الْمَيِّتِ بالإنفاق (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَطَاءٍ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الحديث) ذكره بن حبان في الثقات وقال الدوري عن بن معين عبد الله بن عطاء صاحب بن بُرَيْدَةَ ثِقَةٌ كَذَا هُوَ فِي تَارِيخِ الدُّوْرِيِّ رِوَايَةَ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْأَعْرَابِيِّ عَنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا الصَّدَقَةُ شَيْءٌ جَعَلَهَا لِلَّهِ فَإِذَا وَرِثَهَا فَيَجِبُ أَنْ يَصْرِفَهَا فِي مِثْلِهِ) قَوْلُ هَذَا الْبَعْضِ تَعْلِيلٌ فِي مَعْرِضِ النَّصِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَالْحَقُّ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ

باب ما جاء في كراهية العود في الصدقة

32 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْعَوْدِ فِي الصَّدَقَةِ) [668] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ) بِسُكُونِ الْمِيمِ الْكُوفِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ صَدُوقٌ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ (أَنَّهُ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْمُرَادُ أَنَّهُ مَلَّكَهُ إِيَّاهُ وَلِذَلِكَ سَاغَ لَهُ بَيْعُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كَانَ عُمَرُ قَدْ حَبَسَهُ وَإِنَّمَا سَاغَ لِلرَّجُلِ بَيْعُهُ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِيهِ هُزَالٌ عَجَزَ بِسَبَبِهِ عَنِ اللَّحَاقِ بِالْخَيْلِ وَضَعُفَ عَنْ ذَلِكَ وَانْتَهَى إِلَى عَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَيُرَجِّحُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ (لَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكِ) وَلَوْ كَانَ حَبْسًا لِعِلَّةٍ بِهِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَلَا تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ) زَادَ الشَّيْخَانِ فِي رِوَايَةٍ وَإِنْ أَعْطَاكَ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْكَلْبِ يعود في قيئه قال بن الْمَلَكِ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ شِرَاءَ الْمُتَصَدِّقِ صَدَقَتَهُ حَرَامٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لِكَوْنِ الْقُبْحِ فِيهِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ أَنَّ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ رُبَّمَا يُسَامِحُ الْمُتَصَدِّقَ فِي الثَّمَنِ بِسَبَبِ تَقَدُّمِ إِحْسَانِهِ فَيَكُونُ كَالْعَائِدِ فِي صَدَقَتِهِ فِي ذَلِكَ الْمِقْدَارِ الَّذِي سُومِحَ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ هَذَا الْحَدِيثُ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ إِلَّا لِخَمْسَةٍ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ الْحَدِيثَ فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قُلْتُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا مُجْمَلُ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثِينَ فَإِنَّ حَدِيثَ عُمَرَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ فِي صَدَقَةِ الْفَرِيضَةِ فَيَكُونُ الشِّرَاءُ جَائِزًا فِي صَدَقَةِ الْفَرِيضَةِ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الرُّجُوعُ فِيهَا حَتَّى يَكُونَ الشِّرَاءُ مُشْبِهًا لَهُ بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ فَإِنَّهُ يُتَصَوَّرُ الرُّجُوعُ فِيهَا فَكُرِهَ مَا يُشْبِهُهُ وَهُوَ الشِّرَاءُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم

باب ما جاء في الصدقة عن الميت

33 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّدَقَةِ عَنْ الْمَيِّتِ) [669] قَوْلُهُ (أَفَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ وَفَاعِلُ يَنْفَعُ ضَمِيرٌ رَاجِعٌ إِلَى التَّصَدُّقِ الْمَفْهُومِ مِنَ الشَّرْطِ وَلَا يَلْزَمُ الْإِضْمَارُ قَبْلَ الذِّكْرِ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَفَيَنْفَعُهَا فِي مَعْنَى جَزَاءِ الشَّرْطِ فَكَأَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنِ الشَّرْطِ رُتْبَةً أَوْ يُقَالُ إِنَّ الْمَرْجِعَ مُتَقَدِّمٌ حُكْمًا لِأَنَّ سَوْقَ الْكَلَامِ دَالٌّ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ) أَيْ أَبَوَيِ الْمَيِّتِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ قَوْلُهُ (فَإِنَّ لِي مَخْرَفًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ الْحَدِيقَةُ مِنَ النَّخْلِ أَوِ الْعِنَبِ أَوْ غَيْرِهِمَا (فَأُشْهِدُكَ) بصيغة الْمُتَكَلِّمِ مِنَ الْإِشْهَادِ (بِهِ) أَيْ بِالْمَخْرَفِ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ أُمِّي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ أَهْلُ الْعِلْمِ يَقُولُونَ لَيْسَ شَيْءٌ يَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ إِلَّا الصَّدَقَةُ وَالدُّعَاءُ) أَيْ وُصُولُ نَفْعِهِمَا إِلَى الْمَيِّتِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ قَالَ القارىء فِي شَرْحِ الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إِلَى وُصُولِهَا وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ عَدَمُ وُصُولِهَا انتهى وقال في المرقاة قال السُّيُوطِيُّ فِي شَرْحِ الصُّدُورِ اخْتُلِفَ فِي وُصُولِ ثَوَابِ الْقُرْآنِ لِلْمَيِّتِ فَجُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْوُصُولِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ إِمَامُنَا الشَّافِعِيُّ مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا ما سعى

وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنِ الْآيَةِ بِأَوْجُهٍ أَحَدُهَا إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم الْآيَةَ أَدْخَلَ الْأَبْنَاءَ الْجَنَّةَ بِصَلَاحِ الْآبَاءِ الثَّانِي أَنَّهَا خَاصَّةٌ بِقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَأَمَّا هَذِهِ الْأُمَّةُ فَلَهَا مَا سَعَتْ وَمَا سُعِيَ لَهَا قَالَهُ عِكْرِمَةُ الثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِنْسَانِ هُنَا الْكَافِرُ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَلَهُ مَا سَعَى وَسُعِيَ لَهُ قَالَهُ الرَّبِيعُ بْن أَنَسٍ الرَّابِعُ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى مِنْ طَرِيقِ الْعَدْلِ فَأَمَّا مِنْ بَابِ الْفَضْلِ فَجَائِزٌ أَنْ يَزِيدَهُ اللَّهُ مَا شَاءَ قَالَهُ الْحُسَيْنُ بْنُ فَضْلٍ الْخَامِسُ أَنَّ اللَّامَ فِي الْإِنْسَانِ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ لَيْسَ عَلَى الْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى وَاسْتَدَلُّوا عَلَى الْوُصُولِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْعِتْقِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ فِي نَقْلِ الثَّوَابِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَنْ حَجٍّ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ دُعَاءٍ أَوْ قِرَاءَةٍ وَبِمَا أَخْرَجَ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي فَضَائِلِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا مَنْ مَرَّ عَلَى الْمَقَابِرِ وقرأ قل هو الله أحد إِحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً ثُمَّ وَهَبَ أَجْرَهُ لِلْأَمْوَاتِ أُعْطِيَ مِنَ الْأَجْرِ بِعَدَدِ الْأَمْوَاتِ وَبِمَا أَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ سَعْدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّنْجَانِيُّ فِي فَوَائِدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ ثُمَّ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَأَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ثُمَّ قَالَ إِنِّي جَعَلْتُ ثَوَابَ مَا قَرَأْتُ مِنْ كَلَامِكَ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ كَانُوا شُفَعَاءَ لَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَبِمَا أَخْرَجَ صَاحِبُ الْخِلَالِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ فِيهَا حَسَنَاتٌ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً فَمَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِذَلِكَ أَصْلًا وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَا زَالُوا فِي كل مصر وعصر يجتمعون ويقرأون لِمَوْتَاهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْحَافِظُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمَقْدِسِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي جُزْءٍ أَلَّفَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ قُلْتُ قَوْلُهُ فَمَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِذَلِكَ أَصْلًا فِيهِ تَأَمُّلٌ فَلْيُنْظَرْ هَلْ يَدُلُّ مَجْمُوعُهَا عَلَى أَنَّ لِذَلِكَ أَصْلًا أَمْ لَا وَلَيْسَ كُلُّ مَجْمُوعٍ مِنْ عِدَّةِ أَحَادِيثَ ضِعَافٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا فَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَا زَالُوا فِي كُلِّ مِصْرٍ وعصر يجتمعون ويقرأون لِمَوْتَاهُمْ فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اجْتِمَاعُهُمْ وَقِرَاءَتُهُمْ لِمَوْتَاهُمْ وَمَنْ يَدَّعِي ثُبُوتَهُ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُخَصَّصُ عُمُومُ الْآيَةِ يَعْنِي آيَةَ لَيْسَ للإنسان إلا ما سعى بِالصَّدَقَةِ مِنَ الْوَلَدِ وَبِالْحَجِّ مِنَ الْوَلَدِ وَمِنْ غَيْرِ الْوَلَدِ أَيْضًا وَبِالْعِتْقِ مِنَ الْوَلَدِ لِمَا وَرَدَ فِي هَذَا كُلِّهِ مِنَ الْحَدِيثِ وَبِالصَّلَاةِ مِنَ الْوَلَدِ أَيْضًا لِمَا رَوَى

باب ما جاء في نفقة المرأة من بيت زوجها

الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ أَبَرُّهُمَا فِي حَالِ حَيَاتِهِمَا فَكَيْفَ لِي بِبِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تُصَلِّيَ لَهُمَا مَعَ صَلَاتِكَ وَأَنْ تَصُومَ لَهُمَا مَعَ صِيَامِكَ قَالَ وَبِالصِّيَامِ مِنَ الْوَلَدِ لهذا الحديث ولحديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صوم نذر فَقَالَ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فقضيته أكان يودي ذَلِكَ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَصُومِي وَمِنْ غَيْرِ الْوَلَدِ لِحَدِيثِ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ وَبِقِرَاءَةِ يس مِنَ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ لحديث إقرأوا عَلَى مَوْتَاكُمْ يس قَالَ وَبِالدُّعَاءِ مِنَ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ وَلِحَدِيثِ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ وَسَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَبِجَمِيعِ مَا يَفْعَلُهُ الْوَلَدُ لِوَالِدَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لِحَدِيثِ وَلَدُ الْإِنْسَانِ مِنْ سَعْيِهِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ يُقَاسُ عَلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَتْ بِهَا الْأَدِلَّةُ غَيْرُهَا فَيَلْحَقُ الْمَيِّتَ كُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ غَيْرُهُ هَذَا تَلْخِيصُ مَا قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قُلْتُ وَحَدِيثُ الدَّارَقُطْنِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَ وجه ضعفه 4 - (باب ما جاء فِي نَفَقَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا) [670] قَوْلُهُ (لَا تُنْفِقُ) نَفْيٌ وَقِيلَ نَهْيٌ (إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا) أَيْ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً (قَالَ ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا) يَعْنِي فَإِذَا لَمْ تَجُزِ الصَّدَقَةُ بِمَا هُوَ أَقَلُّ قَدْرًا مِنَ الطَّعَامِ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ فَكَيْفَ تَجُوزُ بِالطَّعَامِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ قَالَ لَمَّا بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ قَامَتِ امْرَأَةٌ جَلِيلَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نِسَاءِ مُضَرَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَنَأْكُلُ على ابائنا

وَأَزْوَاجِنَا مَا يَحِلُّ لَنَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ قَالَ الرُّطَبُ تَأْكُلْنَهُ وَتُهْدِينَهُ (وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ) أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِلَفْظِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ مَا لِي شَيْءٌ إِلَّا ما يدخل على الزبير فأتصدق مِنْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْفِقِي وَلَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا أَنْفَقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهَا نِصْفُ أَجْرِهِ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) لِيُنْظَرْ مِنْ أَخْرَجَهُ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) فِي سَنَدِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ صَدُوقٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ مُخَلِّطٌ فِي غَيْرِهِمْ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شُرَحْبِيلِ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَإِنَّهُ شَامِيٌّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ وَقَالَ في الخلاصة وثقه العجلي وأحمد وضعفه بن مَعِينٍ [671] قَوْلُهُ (إِذَا تَصَدَّقَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا) أَيْ بِطِيبِ نَفْسٍ غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا قَوْلُهُ (وَلِلْخَازِنِ) أَيِ الَّذِي كَانَتِ النَّفَقَةُ بِيَدِهِ (لَهُ بِمَا كَسَبَ) أَيْ لِلزَّوْجِ بِسَبَبِ كَسْبِهِ وَتَحْصِيلِهِ (وَلَهَا بِمَا أَنْفَقَتْ) أَيْ وللزوجة بسبب إنفاقها قال محي السُّنَّةِ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا التَّصَدُّقُ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَكَذَا الْخَادِمُ وَالْحَدِيثُ الدَّالُّ عَلَى الْجَوَازِ أُخْرِجَ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ يُطْلِقُونَ الْأَمْرَ لِلْأَهْلِ وَالْخَادِمِ فِي التَّصَدُّقِ وَالْإِنْفَاقِ عِنْدَ حُضُورِ السَّائِلِ وَنُزُولِ الضَّيْفِ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا تُوعِي فَيُوعِي اللَّهُ عَلَيْك انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

باب ما جاء في صدقة الفطر

[672] قَوْلُهُ (إِذَا أَعْطَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا) أَيْ أَنْفَقَتْ وَتَصَدَّقَتْ (غَيْرَ مُفْسِدَةٍ) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَيْ غَيْرَ مُسْرِفَةٍ فِي التَّصَدُّقِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى إِذْنِ الزَّوْجِ لَهَا بِذَلِكَ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً وَقِيلَ هَذَا جَارٍ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فَإِنَّ عَادَاتِهِمْ أَنْ يَأْذَنُوا لَزَوْجَاتِهِمْ وَخَدَمِهِمْ بِأَنْ يُضَيِّفُوا الْأَضْيَافَ وَيُطْعِمُوا السَّائِلَ وَالْمِسْكِينَ وَالْجِيرَانَ فَحَرَّضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّتَهُ عَلَى هَذِهِ الْعَادَةِ الْحَسَنَةِ وَالْخَصْلَةِ الْمُسْتَحْسَنَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَإِنَّ لَهَا مِثْلَ أَجْرِهِ) أَيْ لِلْمَرْأَةِ مِثْلُ أَجْرِ الزَّوْجِ (لَهَا مَا نَوَتْ حَسَنًا) حَالٌ مِنَ الْمَوْصُولَةِ فِي قَوْلِهِ مَا نَوَتْ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ) أَيْ حَدِيثُ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ بِذِكْرِ مَسْرُوقٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ بِدُونِ ذِكْرِ مَسْرُوقٍ فَإِنَّهُ قَدْ تَابَعَ مَنْصُورًا الْأَعْمَشُ فِي ذِكْرِ مَسْرُوقٍ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ) أَيْ مِنْ رَمَضَانَ فَأُضِيفَتِ الصَّدَقَةُ لِلْفِطْرِ لِكَوْنِهَا تَجِبُ بِالْفِطْرِ مِنْهُ وَيُقَالُ لَهَا زَكَاةُ الْفِطْرِ وَزَكَاةُ رَمَضَانَ وَزَكَاةُ الصَّوْمِ وَكَانَ فَرْضُهَا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ قَالَهُ الْقَسْطَلَانِيُّ

[673] قَوْلُهُ (صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) ظَاهِرُهُ الْمُغَايَرَةُ بَيْنَ الطَّعَامِ وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ وَقَدْ حَكَى الْخَطَّابِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ هُنَا الْحِنْطَةُ وَأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ لَهُ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ قَدْ كَانَتْ لَفْظَةُ الطَّعَامِ تُسْتَعْمَلُ فِي الْحِنْطَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ حَتَّى إِذَا قِيلَ اذْهَبْ إِلَى سُوقِ الطَّعَامِ فُهِمَ مِنْهُ سُوقُ الْقَمْحِ وَإِذَا غَلَبَ الْعُرْفُ نَزَلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ رَدَّ ذلك بن الْمُنْذِرِ وَقَالَ ظَنَّ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ صَاعٌ مِنْ حِنْطَةٍ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَجْمَلَ الطَّعَامَ ثُمَّ فَسَّرَهُ ثُمَّ أَوْرَدَ طَرِيقَ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ أَبَا سعيد قال كنا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكَانَ طَعَامُنَا الشَّعِيرَ وَالزَّبِيبَ وَالْأَقِطَ وَالتَّمْرَ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ فِيمَا قَالَ قَالَ الْحَافِظُ وَأَخْرَجَ بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ نافع عن بن عُمَرَ قَالَ لَمْ تَكُنِ الصَّدَقَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلا التَّمْرَ وَالزَّبِيبَ وَالشَّعِيرَ وَلَمْ تَكُنِ الْحِنْطَةَ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ كُنَّا نُخْرِجُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ وَكَأَنَّهُ سَكَتَ عَنِ الزَّبِيبِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لِقِلَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ غَيْرُ الحنطة انتهى وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا الْمُرَادُ بِالطَّعَامِ الْمَعْنَى الْعَامُّ فَيَكُونُ عَطْفُ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ انْتَهَى (أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ) أَيْ عِنَبٍ يَابِسٍ قَالَ فِي الصُّرَاحِ زبيب مويز زبيبة يكي يُقَالُ زَبَّبَ فُلَانٌ عِنَبَهُ تَزْبِيبًا (أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ لَبَنٌ مُجَفَّفٌ يَابِسٌ مُسْتَحْجَرٌ يُطْبَخُ بِهِ (حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ الْمَدِينَةَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَتَّى قَدِمَ مُعَاوِيَةُ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فكلم الناس على المنبر وفي رواية بن خُزَيْمَةَ وَهُوَ يَوْمئِذٍ خَلِيفَةٌ (مِنْ سَمْرَاءِ الشَّامِ) أَيِ الْقَمْحِ الشَّامِيِّ (فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ) الْمُرَادُ بِالنَّاسِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَلَا أَزَالَ أُخْرِجُهُ كَمَا كُنْتُ أُخْرِجُهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ أَبُو سَعِيدٍ وَقَالَ لَا أُخْرِجُ إِلَّا مَا كُنْتُ أُخْرِجُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا

قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ صَاعًا) أَيْ مِنْ بُرٍّ كَانَ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَالْبُرُّ مِمَّا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الطَّعَامِ إِنْ لَمْ يَكُنْ غَالِبًا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَتَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ الْبُرِّ إِنَّمَا هُوَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعْهُودًا عِنْدَهُمْ فَلَا يُجْزِئُ دُونَ الصَّاعِ مِنْهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ كَذَا فِي النَّيْلِ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِأَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي ثَبَتَ ذِكْرُهَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَمَّا كَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فِي مِقْدَارِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مَعَ تَخَالُفِهَا فِي الْقِيمَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إِخْرَاجُ هَذَا الْمِقْدَارِ مِنْ أَيْ جِنْسٍ كَانَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا قُلْتُ قَوْلُهُمْ هَذَا هُوَ الْأَحْوَطُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ الصَّاعَ صَاعَانِ حِجَازِيٌّ وَعِرَاقِيٌّ فَالصَّاعُ الْحِجَازِيُّ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَالْعِرَاقِيُّ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ الْعِرَاقِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي بِلَادِ الْعِرَاقِ مِثْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الصَّاعُ الْحَجَّاجِيُّ لِأَنَّهُ أَبْرَزَهُ الْحَجَّاجُ الْوَالِي وَأَمَّا الصَّاعُ الْحِجَازِيُّ فَكَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي بِلَادِ الْحِجَازِ وَهُوَ الصَّاعُ الَّذِي كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ كَانُوا يُخْرِجُونَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْحَقُّ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالصَّاعِ الْعِرَاقِيِّ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِقَوْلِهِ فَلَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَنَاظَرَ الْإِمَامَ مَالِكًا رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَقَالَ بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَقَدْ بَسَطْنَا الْكَلَامَ فِي هَذَا بَابَ صَدَقَةِ الزَّرْعِ وَالتَّمْرِ وَالْحُبُوبِ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ صَاعٌ إِلَّا مِنَ الْبُرِّ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ نِصْفُ صَاعٍ وهو قول سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَخْرَجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ مُدَّيْنِ مِنْ حِنْطَةٍ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَمِنْهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ من طريق عبد العزيز أَبِي دَاوُدَ عَنْ

نَافِعٍ وَفِيهِ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَكَثُرَتِ الْحِنْطَةُ جَعَلَ نِصْفَ صَاعٍ حِنْطَةً وَمِنْهُمْ عُثْمَانُ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَفِيهِ نِصْفُ صَاعِ بُرٍّ وَمِنْهُمْ عَلِيٌّ ومنهم بن الزُّبَيْرِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَفِيهِ مُدَّانِ مِنْ قمح وعن بن عباس وجابر وبن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا انْتَهَى وَقَالَ فِي فَتْحِ الباري قال بن الْمُنْذِرِ لَا نَعْلَمُ فِي الْقَمْحِ خَبَرًا ثَابِتًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنِ الْبُرُّ بِالْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ فَلَمَّا كَثُرَ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ رَأَوْا أَنَّ نِصْفَ صَاعٍ مِنْهُ يَقُومُ مَقَامَ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَهُمُ الْأَئِمَّةُ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُعْدَلَ عَنْ قَوْلِهِمْ إِلَّا إِلَى قَوْلِ مِثْلِهِمْ ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ عُثْمَانَ وعلي وأبي هريرة وجابر وبن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَأُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ أَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ انْتَهَى وَاسْتُدِلَّ لِمَنْ قَالَ بِنِصْفِ صَاعٍ مِنَ الْبُرِّ بِأَحَادِيثَ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ بَعْضًا مِنْهَا وَأَشَارَ إِلَى بَعْضِهَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْبُرَّ عَلَى تَسْلِيمِ دُخُولِهِ تَحْتَ لَفْظِ الطَّعَامِ مُخَصَّصٌ بِأَحَادِيثِ نِصْفِ الصَّاعِ مِنَ الْبُرِّ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِمَجْمُوعِهَا تَنْتَهِضُ لِلتَّخْصِيصِ انْتَهَى مُحَصَّلًا [674] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الْعَمِّيُّ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَصْرِيُّ الْحَافِظُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ ثِقَةٌ (أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ نُوحٍ) صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (فِي فِجَاجِ مَكَّةَ) جَمْعُ فَجٍّ وَهُوَ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ قَوْلُهُ (مُدَّانِ مِنْ قَمْحٍ) أَيْ هِيَ مُدَّانِ مِنْ حِنْطَةٍ فَهُوَ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ محذوف (أو سواه) أي سوى القمح وأو لِلتَّخْيِيرِ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ (مِنْ طَعَامٍ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ سِوَاهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ) قَالَ الزيلعي في نصب الراية وأعله بن الجوزي في

التحقيق بسالم بن نوح قال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَتَعَقَّبَهُ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ فَقَالَ هُوَ صَدُوقٌ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وقال أبو زرعة صدوق ثقة ووثقه بن حِبَّانَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فيه شيء وقال بن عدي عنده غريب وأفراد وأحاديثه مُقَارِبَةٌ مُخْتَلِفَةٌ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَمْرٍو فَقِيلَ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ عَنْهُ بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى [675] قَوْلُهُ (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ مِنَ الفرائض وقد نقل الحافظ بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ بِالْوُجُوبِ دُونَ الْفَرِيضَةِ عَلَى قَاعِدَتِهِمْ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ قَالُوا إِذْ لَا دَلِيلَ قَاطِعٌ تَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةُ قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ وَفِي نَقْلِ الْإِجْمَاعِ نَظَرٌ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ بن عُلَيَّةَ وَأَبَا بَكْرٍ بْنَ كَيْسَانَ الْأَصَمَّ قَالَا إِنَّ وُجُوبَهَا نُسِخَ وَنَقَلَ الْمَالِكِيَّةُ عَنْ أَشْهَبَ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الظاهر وبن اللَّبَّانِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الناس في معنى فرض ها هنا فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مَعْنَاهُ أَلْزَمَ وَأَوْجَبَ فَزَكَاةُ الْفِطْرِ فَرْضٌ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ لِدُخُولِهَا في عموم قوله تعالى (وآتوا الزكاة) وَلِقَوْلِهِ فَرَضَ وَهُوَ غَالِبٌ فِي اسْتِعْمَالِ الشَّرْعِ وقال إسحاق بن رَاهْوَيْهِ إِيجَابُ زَكَاةِ الْفِطْرِ كَالْإِجْمَاعِ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ فَعَدَلَ النَّاسُ إِلَى نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ) قِيلَ الْمُرَادُ مِنَ النَّاسِ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَيَكُونُ إِجْمَاعًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَكِنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ دَالٌّ عَلَى أنه لم يوافق على ذلك وكذلك بن عُمَرَ فَلَا إِجْمَاعَ فِي الْمَسْأَلَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأخرجه الترمذي في أول الباب (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ قَالَ فِي آخِرِ رَمَضَانَ أَخْرِجُوا صَدَقَةَ صَوْمِكُمْ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى صَغِيرٍ أَوْ كبير وهو من رواية الحسن عن بن عباس والحسن لم يسمع عن

بن عَبَّاسٍ وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ قَدْ ذكرها الحافظ الزيلعي والحافظ بن حَجَرٍ فِي تَخْرِيجِهِمَا لِلْهِدَايَةِ (وَجَدِّ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صُعَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعٌ مِنْ بُرٍّ أَوْ قَمْحٍ عَنْ كُلِّ اثْنَيْنِ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى أَمَّا غَنِيُّكُمْ فَيُزَكِّيهِ اللَّهُ وَأَمَّا فَقِيرُكُمْ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ وَفِي سَنَدِهِ وَمَتْنِهِ اخْتِلَافٌ قَدْ بَسَطَهُ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ [676] قَوْلُهُ (عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي فِي الشِّعَابِ وَكُلِّ مُسْلِمٍ حَيْثُ كَانَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى دُونَ الْبَوَادِي قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ مَلَكَ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ يَوْمَ الْعِيدِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَعِنْدَنَا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمُعَجَّلَةِ فَاضِلًا عَنْ قُوتِهِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَيَوْمَهُ لَزِمَتْهُ الْفِطْرَةُ عَنْ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ قَالَ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِلْكُوفِيِّينَ فِي أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى الزَّوْجَةِ فِي نَفْسِهَا وَيَلْزَمُهَا إِخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ يَلْزَمُ الزَّوْجَ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِمِثْلِ مَا أُجِيبَ لِدَاوُدَ فِي فِطْرَةِ الْعَبْدِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تُخْرَجُ إِلَّا عَنْ مُسْلِمٍ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ عَبْدِهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ الْكُفَّارِ وَإِنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ السَّلَفِ تَجِبُ عَنِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ وَتَأَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ السَّادَةُ دُونَ الْعَبِيدِ وَهَذَا يَرُدُّهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ انْتَهَى

باب ما جاء في تقديمها قبل الصلاة

قَوْلُهُ (وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ نَافِعٍ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ انْفَرَدَ بِهَا مَالِكٌ دُونَ سَائِرِ أَصْحَابِ نَافِعٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهَا مَالِكٌ بَلْ وَافَقَهُ فِيهَا ثِقَتَانِ وَهُمَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ وَعُمَرُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا الضَّحَّاكُ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا عُمَرُ فَفِي الْبُخَارِيِّ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَحُجَّتُهُمْ قَوْلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ زِيَادَةٌ صَحِيحَةٌ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ) وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ حَدِيثِ لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي عَبْدِهِ صَدَقَةٌ إِلَّا صَدَقَةَ الْفِطْرِ وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّ الْخَاصَّ يَقْضِي عَلَى الْعَامِّ فَعُمُومُ قَوْلِهِ فِي عَبْدِهِ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الْفَتْحِ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تقديمها قبل الصلاة) [677] قوله (عن بن أَبِي الزِّنَادِ) اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى قُرَيْشٍ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ لَمَّا قَدِمَ بَغْدَادَ وَكَانَ فَقِيهًا مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ مُوسَى بْنِ عقبة) بن أبي عياش الْأَسَدِيِّ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ ثِقَةٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ فِي الْمَغَازِي مِنَ الْخَامِسَةِ لَمْ يَصِحَّ أَنَّ بن مَعِينٍ لَيَّنَهُ (كَانَ يَأْمُرُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ قَبْلَ الْغُدُوِّ لِلصَّلَاةِ يَوْمَ الْفِطْرِ) الْغُدُوُّ الْمَشْيُ أَوَّلَ النَّهَارِ أَيْ قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ وَبَعْدَ صلاة الفجر

باب ما جاء في تعجيل الزكاة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِزَكَاةِ الْفِطْرِ أَنْ يؤدي قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ لِلصَّلَاةِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ قَوْلُهُ (وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِبُّهُ أَهْلُ الْعِلْمِ إلخ) قال بن عُيَيْنَةَ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ يُقَدِّمُ الرَّجُلُ زَكَاتَهُ يَوْمَ الْفِطْرِ بَيْنَ يَدَيْ صَلَاتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى) وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ نَزَلَتْ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وكان بن عُمَرَ يُعْطِيهَا لِلَّذِينَ يَقْبَلُونَهَا وَكَانُوا يُعْطُونَ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ قَالَ الْبُخَارِيُّ كَانُوا يعطون ليجمع لَا لِلْفُقَرَاءِ وَفِي مُوَطَّأِ الْإِمَامِ مَالِكٍ عَنْ نافع أن بن عُمَرَ كَانَ يَبْعَثُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إِلَى الَّذِي يَجْمَعُ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْح وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْهُ وَقَالَ هذا حسن وأنا أسحبه يَعْنِي تَعْجِيلَهَا قَبْلَ يَوْمِ الْفِطْرِ انْتَهَى وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْوَكَالَةِ وَغَيْرِهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ أَمْسَكَ الشَّيْطَانَ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَهُوَ يَأْخُذُ مِنَ التَّمْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَجِّلُونَهَا وَعَكَسَهُ الْجَوْزَقِيُّ فَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِهَا عَنْ يَوْمِ الْفِطْرِ وهو محتمل للأمرين انتهى قلت أثر بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إِعْطَاءِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لِيَجْمَعَ لَا لِلْفُقَرَاءِ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا إِعْطَاؤُهَا قَبْلَ الْفِطْرِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لِلْفُقَرَاءِ فَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ) [678] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ الْفَضْلِ بْنِ بَهْرَامَ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ الْحَافِظُ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مُتْقِنٌ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ (عن سعيد بن منصور) بن شعبة

الخرساني نَزِيلِ مَكَّةَ ثِقَةٌ مُصَنِّفٌ وَكَانَ لَا يَرْجِعُ عما في كتابه لشدة وثوبه به كان حافظا جوالا صنف السنن جمع فِيهَا مَا لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُ مَاتَ سَنَةَ 722 سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ (عَنِ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ) بِالْمُثَنَّاةِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا دَلَّسَ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ حُجَيَّةَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ بِوَزْنِ عُلَيَّةَ (بْنِ عَدِيٍّ) الكندي قال الحافظ في التقريب صدوق يخطىء مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ حُجَيَّةُ بْنُ عَدِيٍّ الْكِنْدِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ شِبْهُ مَجْهُولٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قُلْتُ رَوَى عَنْهُ الْحَكَمُ وَسَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ وَهُوَ صَدُوقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ قَدْ قَالَ فِيهِ الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ وَقْتُهَا مِنْ حُلُولِ الْأَجَلِ مَجِيئُهُ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بِكَسْرِ الْحَاءِ مِنَ الْحَلَالِ أَوْ مِنْ حلول الدين أي يجب وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ تَجِبَ الزَّكَاةُ وَقِيلَ قَبْلَ أَنْ تَصِيرَ حَالًا بِمَعْنَى الْحَوْلِ (فَرَخَّصَ لَهُ) أَيْ لِلْعَبَّاسِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ [679] قَوْلُهُ (عَنِ الْحَكَمِ بْنِ جَحْلٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الْأَزْدِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ حُجْرٍ الْعَدَوِيِّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ قِيلَ هُوَ حُجَيَّةُ بْنُ عَدِيٍّ وَإِلَّا فَمَجْهُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِنَّا قَدْ أَخَذْنَا زَكَاةَ الْعَبَّاسِ عَامَ الْأَوَّلِ لِلْعَامِ) الْمَعْنَى إِنَّا قَدْ أَخَذْنَا زَكَاتَهُ الْعَامَ الْأَوَّلَ لِهَذَا الْعَامِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَعُمَرَ إِنَّا كُنَّا تَعَجَّلْنَا صَدَقَةَ مَالِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَام أَوَّلَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ

قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عُمَرَ سَاعِيًا فَأَتَى الْعَبَّاسَ فَأَغْلَظَ لَهُ فَأَخْبَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ الْعَبَّاسَ قَدْ أَسْلَفْنَا زَكَاةَ مَالِهِ الْعَامَ وَالْعَامَ الْمُقْبِلِ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا هُوَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ نَحْوَ هَذَا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَجَّلَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ سَنَتَيْنِ وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَلَيْسَ ثُبُوتُ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي تَعْجِيلِ صَدَقَةِ الْعَبَّاسِ بِبَعِيدٍ فِي النَّظَرِ بِمَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ) أَيْ وَهُوَ مُرْسَلٌ ذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عَلَى الْحَكَمِ وَرَجَّحَ رِوَايَةَ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاقٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَكَذَا رَجَّحَهُ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (فَرَأَى طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يُعَجِّلَهَا) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ الزَّكَاةُ إِسْقَاطُ الْوَاجِبِ وَلَا إِسْقَاطَ قَبْلَ الْوُجُوبِ وَصَارَ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِجَامِعِ أَنَّهُ أَدَاءٌ قَبْلَ السَّبَبِ إِذِ السَّبَبُ هو النصاب الحولي ولم يوجد قال بن الْهُمَامِ فِي جَوَابِهِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ اعْتِبَارَ الزَّائِدِ عَلَى مُجَرَّدِ النِّصَابِ جُزْءًا مِنَ السَّبَبِ بَلْ هُوَ النِّصَابُ فَقَطْ وَالْحَوْلُ تَأْجِيلٌ فِي الْأَدَاءِ بَعْدَ أَصْلِ الْوُجُوبِ فَهُوَ كَالدَّيْنِ الْمُؤَجَّلِ وَتَعْجِيلُ الْمُؤَجَّلِ صَحِيحٌ فَالْأَدَاءُ بَعْدَ النِّصَابِ كَالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا قَبْلَهُ وَكَصَوْمِ الْمُسَافِرِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ بَعْدَ السَّبَبِ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هذا الاعتبار ما في أبو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْجِيلِ زَكَاتِهِ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنْ عَجَّلَهَا قَبْلَ مَحَلِّهَا أَجْزَأَتْ عَنْهُ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْحَقُّ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقِيلَ مَنَعَ بن جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعَبَّاسٌ عَمُّ

باب ما جاء في النهي عن المسألة

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ فَهِيَ علي ومثلها معها مَعْنَاهُ أَنِّي تَسَلَّفْتُ مِنْهُ زَكَاةَ عَامَيْنِ وَقَالَ الَّذِينَ لَا يُجَوِّزُونَ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ مَعْنَاهُ أَنَا أُؤَدِّيهَا عَنْهُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَّرَهَا عَنِ الْعَبَّاسِ إِلَى وَقْتِ يَسَارِهِ مِنْ أَجْلِ حَاجَتِهِ إِلَيْهَا وَالصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ تَعَجَّلْتُهَا مِنْهُ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ إِنَّا تَعَجَّلْنَا مِنْهُ صَدَقَةَ عَامَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ أَشَارَ النَّوَوِيُّ إِلَى مَا رواه الطبراني والبزار من حديث بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسَلَّفَ مِنَ الْعَبَّاسِ صَدَقَةَ عَامَيْنِ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ ذَكْوَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَسَنُ بْنُ عِمَارَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ ورواه الدارقطني من حديث بن عباس وفي إسناده مندل بن علي والعزرمي وَهُمَا ضَعِيفَانِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ) أَيِ السُّؤَالِ [680] قوله (عن بيان بن بشر) الأحمصي الْكُوفِيِّ أَبِي بِشْرٍ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ) الْبَجْلِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مُخَضْرَمٌ (لَأَنْ يَغْدُوَ أَحَدُكُمْ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْغُدُوُّ السَّيْرُ فِي أَوَّلِ النهار وغالب الخطابين يَخْرُجُونَ كَذَلِكَ وَيُطْلَقُ عَلَى مُطْلَقِ السَّيْرِ إِطْلَاقًا شَائِعًا فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَعَلَى الْمَجَازِ الشَّائِعِ (فَيَحْتَطِبَ) بِالنَّصْبِ عُطِفَ عَلَى يَغْدُوَ أَيْ يَجْمَعَ الْحَطَبَ (عَلَى ظَهْرِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ هُوَ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ أَيْ حَامِلًا عَلَى ظَهْرِهِ أَيْ مُقَدَّرًا حَمْلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ إِذْ لَا حَمْلَ حَالَ الْجَمْعِ بَلْ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا حَالُ الْجَمْعِ بَلْ بَعْدَهُ وَإِنَّمَا حَالُ الْجَمْعِ تَقْدِيرُ الْحَمْلِ (فَيَتَصَدَّقَ مِنْهُ وَيَسْتَغْنِيَ بِهِ) عُطِفَ عَلَى الْفِعْلِ السَّابِقِ وَأَنْ مَعَ مَدْخُولَاتِهَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ خير أي ما يلحقه مشقة الغدو والاحتطاب وتصدق وَالِاسْتِغْنَاءِ بِهِ خَيْرٌ مِنْ ذُلِّ السُّؤَالِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ (فَإِنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى) الْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ والسفلى هي السائلة ففي الصحيحين عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ وَالْمَسْأَلَةَ الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ

السُّفْلَى فَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَحَادِيثَ فِي هَذَا ثُمَّ قَالَ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَضَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هي الْمُنْفِقَةُ مُعْطِيَةٌ وَأَنَّ السُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (وَابْدَأْ بِمَنْ تعول) خطاب للمنفق أي ابدأ في الاتفاق بِمَنْ تُمَوِّنُ وَيَلْزَمُكَ نَفَقَتُهُ مِنْ عِيَالِكَ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِغَيْرِهِمْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامِّ وَعَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود ومسعود بن عمرو وبن عَبَّاسٍ وَثَوْبَانَ وَزِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ وَأَنَسٍ وَحُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ وَقَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ وَسَمُرَةَ وبن عمر) أما حديث حكيم بن حزام أخرجه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَعَنْهُ حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالْغَالِبُ عَلَى رِوَايَتِهِ التَّوْثِيقُ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَأَمَّا حَدِيثُ مَسْعُودِ بْنِ عمرو فأخرجه البيهقي وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ مُطَوَّلًا وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَأَمَّا حَدِيثُ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَمَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَى أَلْفَاظِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ فَلْيَرْجِعْ إِلَى التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم

قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرِ) بْنِ سُوَيْدٍ اللَّخْمِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ وَرُبَّمَا دَلَّسَ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ زَيْدِ بْنِ عُقْبَةَ) الْفَزَارِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (إِنَّ الْمَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْكَدُّ الْإِتْعَابُ يُقَالُ كَدَّ يَكُدُّ فِي عَمَلِهِ إِذَا اسْتَعْجَلَ وَتَعِبَ وَأَرَادَ بِالْوَجْهِ مَاءَهُ وَرَوْنَقَهُ انْتَهَى وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي كَدَّ بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ كُدُوحٌ بِضَمِّ الْكَافِ وَالدَّالِ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّفْظَيْنِ مَعًا أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي ذَيْلِهِ عَلَى الْغَرِيبَيْنِ وَفَسَّرَ الْكُدُوحَ بِالْخُدُوشِ فِي الْوَجْهِ وَالْكَدَّ بِالتَّعَبِ وَالنَّصَبِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْكَدْحُ بِمَعْنَى الْكَدِّ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّك كَادِحٌ وَهُوَ السَّعْيُ وَالْحِرْصُ انْتَهَى مَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ أَيْ ذَا حُكْمٍ وَسَلْطَنَةٍ بِيَدِهِ بَيْتُ الْمَالِ فَيَسْأَلَ حَقَّهُ فَيُعْطِيَهُ مِنْهُ إِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ وَلَوْ مَعَ الْغِنَاءِ فَسَأَلَهُ حَقَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ السُّؤَالَ مَعَ الْحَاجَةِ دَخَلَ فِي قَوْلِهِ أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ انْتَهَى (أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ) كَمَا فِي الْحَمَالَةِ وَالْجَائِحَةِ وَالْفَاقَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ الترمذي

6 - أبواب الصوم

6 - أبواب الصَّوْمِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ شَهْرِ رَمَضَانَ) [682] قَوْلُهُ (صُفِّدَتْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِالْمُهْمَلَةِ الْمَضْمُومَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ ثَقِيلَةٌ مَكْسُورَةٌ أَيْ شدت بالأصفاء وَهِيَ الْأَغْلَالُ وَهُوَ بِمَعْنَى سُلْسِلَتِ (الشَّيَاطِينُ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ (ومردة الجن) جمع ما رد كَطَلَبَةِ وَجَهَلَةِ وَهُوَ الْمُتَجَرِّدُ لِلشَّرِّ وَمِنْهُ الْأَمْرَدُ لِتَجَرُّدِهِ مِنَ الشَّعْرِ وَهُوَ تَخْصِيصٌ بَعْد تَعْمِيمٍ أَوْ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَبَيَانٍ كَالتَّتْمِيمِ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ في تقييد الشياطين وتصفيدهم كيلا يُوَسْوِسُوا فِي الصَّائِمِينَ وَأَمَارَةُ ذَلِكَ تَنَزُّهُ أَكْثَرِ الْمُنْهَمِكِينَ فِي الطُّغْيَانِ عَنِ الْمَعَاصِي وَرُجُوعِهِمْ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا مَا يُوجَدُ خِلَافَ ذَلِكَ فِي بَعْضِهِمْ فَإِنَّهَا تَأْثِيرَاتٌ مِنْ تَسْوِيلَاتِ الشَّيَاطِينِ أَغْرَقَتْ فِي عُمْقِ تِلْكَ النُّفُوسِ الشِّرِّيرَةِ وباضت في رؤوسها وَقِيلَ قَدْ خُصَّ مِنْ عُمُومِ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ زَعِيمُ زُمْرَتِهِمْ وَصَاحِبُ دَعْوَتِهِمْ لَكَأَنَّ الْإِنْظَارَ الَّذِي سأله من الله فأجيب إِلَيْهِ فَيَقَعُ مَا يَقَعُ مِنَ الْمَعَاصِي بِتَسْوِيلِهِ وَإِغْوَائِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ التَّقْيِيدُ كِنَايَةً عَنْ ضَعْفِهِمْ فِي الْإِغْوَاءِ وَالْإِضْلَالِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ عِيَاضٌ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَامَةٌ لِلْمَلَائِكَةِ لِدُخُولِ الشَّهْرِ وَتَعْظِيمِ حُرْمَتِهِ وَلِمَنْعِ الشَّيَاطِينِ مِنْ أَذَى الْمُؤْمِنِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ

يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَالْعَفْوِ وَأَنَّ الشياطين يقل إغوائهم فَيَصِيرُونَ كَالْمُصَفَّدِينَ قَالَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَتْحُ الْجَنَّةِ عِبَارَةً عَمَّا يَفْتَحُهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَذَلِكَ أَسْبَابٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَغَلْقُ أَبْوَابِ النَّارِ عِبَارَةً عَنْ صَرْفِ الْهِمَمِ عَنِ الْمَعَاصِي الْآيِلَةِ بِأَصْحَابِهَا إِلَى النَّارِ وَتَصْفِيدُ الشَّيَاطِينِ عِبَارَةً عَنْ تعجيزهم عن الاغواء وتزيين الشهوات قال الزبير بْنُ الْمُنِيرِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَلَا ضَرُورَةَ تَدْعُو إِلَى صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ وَأَبْوَابُ السَّمَاءِ فَمِنْ تَصَرُّفِ الرُّوَاةِ وَالْأَصْلُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ بِدَلِيلِ مَا يُقَابِلُهُ وَهُوَ غَلْقُ أَبْوَابِ النَّارِ قَالَ الْحَافِظُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ بَعْدَ أَنْ رَجَّحَ حَمْلَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ نَرَى الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ وَاقِعَةً فِي رَمَضَانَ كَثِيرًا فَلَوْ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ أَنَّهَا إِنَّمَا تَقِلُّ عَنِ الصَّائِمِينَ الصَّوْمَ الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ أَوِ الْمُصَفَّدُ بَعْضُ الشَّيَاطِين كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ يَعْنِي رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ والنسائي وهم المردة لاكملهم أَوِ الْمَقْصُودُ تَقْلِيلُ الشُّرُورِ فِيهِ وَهَذَا أَمْرٌ مَحْسُوسٌ فَإِنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ غَيْرِهِ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيدِ جَمِيعِهِمْ أَنْ لَا يَقَعَ شَرٌّ وَلَا مَعْصِيَةٌ لِأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْرَ الشَّيَاطِينِ كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ وَالْعَادَاتِ الْقَبِيحَةِ وَالشَّيَاطِينِ الْإِنْسِيَّةِ انْتَهَى (وَيُنَادِي مُنَادٍ) قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَلَكٌ أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُلْقِي ذَلِكَ فِي قُلُوبِ مَنْ يُرِيدُ اللَّهُ إِقْبَالَهُ عَلَى الْخَيْرِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ) أَيْ طَالِبَ الْعَمَلِ وَالثَّوَابِ (أَقْبِلْ) أي إلى الله وطاعة بِزِيَادَةِ الِاجْتِهَادِ فِي عِبَادَتِهِ وَهُوَ أَمْرٌ مِنَ الْإِقْبَالِ أَيْ تَعَالَ فَإِنَّ هَذَا أَوَانُكَ فَإِنَّكَ تُعْطَى الثَّوَابَ الْجَزِيلَ بِالْعَمَلِ الْقَلِيلِ أَوْ مَعْنَاهُ يَا طَالِبَ الْخَيْرِ الْمُعْرِضُ عَنَّا وَعَنْ طَاعَتِنَا أَقْبِلْ إِلَيْنَا وَعَلَى عِبَادَتِنَا فَإِنَّ الْخَيْرَ كُلَّهُ تحت قدرتنا وإرادتنا قال العراقي ظن بن الْعَرَبِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الشِّقَّيْنِ يَا بَاغِيَ مِنَ الْبَغْيِ فَنَقَلَ عَنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ أصل البغي في الشرق وَأَقَلَّهُ مَا جَاءَ فِي طَلَبِ الْخَيْرِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ تَعَالَى غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ وقوله يبغون في الأرض بغير الحق وَاَلَّذِي وَقَعَ فِي الْآيَتَيْنِ هُوَ بِمَعْنَى التَّعَدِّي وَأَمَّا الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ وَالْمَصْدَرُ مِنْهُ بُغَاءٌ وَبُغَايَةٌ بِضَمِّ الْبَاءِ فِيهِمَا قال الجوهري بغيته أو طَلَبْتُهُ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ذَلِكَ مَا كُنَّا نبغ مَعْنَاهُ الطَّلَبُ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الصَّادِ أَيْ يَا مُرِيدَ الْمَعْصِيَةِ أَمْسِكْ عَنِ الْمَعَاصِي وَارْجِعْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فهذا أو أن قَبُولِ التَّوْبَةِ وَزَمَانُ اسْتِعْدَادِ الْمَغْفِرَةِ وَلَعَلَّ طَاعَةَ الْمُطِيعِينَ وَتَوْبَةَ الْمُذْنِبِينَ

وَرُجُوعَ الْمُقَصِّرِينَ فِي رَمَضَانَ مِنْ أَثَرِ النِّدَائَيْنِ وَنَتِيجَةَ إِقْبَالِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الطَّالِبِينَ وَلِهَذَا ترى أكثر المسلمين صائمين حتى الصغار والجوار بَلْ غَالِبَهُمُ الَّذِينَ يَتْرُكُونَ الصَّلَاةَ يَكُونُونَ حِينَئِذٍ مُصَلِّينَ مَعَ أَنَّ الصَّوْمَ أَصْعَبُ مِنَ الصَّلَاةِ وَهُوَ يُوجِبُ ضَعْفَ الْبَدَنِ الَّذِي يَقْتَضِي الْكَسَلَ عَنِ الْعِبَادَةِ وَكَثْرَةَ النَّوْمِ عَادَةً وَمَعَ ذَلِكَ تَرَى الْمَسَاجِدَ مَعْمُورَةً وَبِإِحْيَاءِ اللَّيْلِ مَغْمُورَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاَللَّهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ) أَيْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ كَثِيرُونَ مِنَ النَّارِ فَلَعَلَّكَ تَكُونُ مِنْهُمْ (وَذَلِكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَشَارَ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إِمَّا لِلْبَعِيدِ وَهُوَ النِّدَاءُ وَإِمَّا لِلْقَرِيبِ وَهُوَ لِلَّهِ عُتَقَاءُ (كُلَّ لَيْلَةٍ) أَيْ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) أَخْرَجَهُ النسائي وبن حبان (وبن مسعود) أخرجه البيهقي (وسلمان) أخرجه بن حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ وَالْأَرْبَعَةُ وَالْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ [683] قَوْلُهُ (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَقَامَهُ إِيمَانًا) أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ حَقٌّ وَأَنَّهُ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَمِمَّا وَعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ وَقَالَ الطِّيبِيُّ نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ لِلْإِيمَانِ وَهُوَ التَّصْدِيقُ بِمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والاعتقاد بفريضة الصَّوْمِ (وَاحْتِسَابًا) أَيْ طَلَبًا لِلثَّوَابِ مِنْهُ تَعَالَى أَوْ إِخْلَاصًا أَيْ بَاعِثُهُ عَلَى الصَّوْمِ مَا ذُكِرَ لَا الْخَوْفُ مِنَ النَّاسِ وَلَا الِاسْتِحْيَاءُ مِنْهُمْ وَلَا قَصْدُ السُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ عَنْهُمْ (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) قَالَ السُّيُوطِيُّ زَادَ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّغَائِرِ دُونَ الْكَبَائِرِ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّ الْمُكَفِّرَاتِ إِنْ صَادَفَتِ السَّيِّئَاتِ تَمْحُوهَا إِذَا كَانَتْ صَغَائِرَ وَتُخَفِّفُهَا إِذَا كَانَتْ كَبَائِرَ وَإِلَّا تَكُونُ مُوجِبَةً لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّاتِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (غَرِيبٌ لا نعرفه إلا من رواية أبي

باب ما جاء لا تقدموا الشهر بصوم

بكر بن عياش الخ) الحديث أخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا قَالَ الْجَزَرِيُّ كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ قَالَ ميركُ وَهَذَا لَا يَخْلُو عَنْ تَأَمُّلٍ فَإِنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ كَثِيرُ الْغَلَطِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنِ الْأَعْمَشِ وَلِذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ لا نعرفه إلا من رواية أبي بكر (وَسَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ إلخ) لَكِنْ يُفْهَمُ من كلام الشيخ بن حجر العسقلاني أن الحديث المرفوع أخرجه بن خزيمة والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ وَاللَّفْظُ لِابْنِ خُزَيْمَةَ وَنَحْوُهُ للبيهقي من حديث بن مَسْعُودٍ وَقَالَ فِيهِ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ بَابٌ مِنْهَا الشَّهْرَ كُلَّهُ انْتَهَى كَلَامُهُ وَيُقَوِّي رَفْعَ الْحَدِيثِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَهُوَ مَرْفُوعٌ حُكْمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تم كلام ميرك كذا نقل القارىء فِي الْمِرْقَاةِ كَلَامَ الْجَزَرِيِّ وَكَلَامَ ميركَ ثُمَّ تُعُقِّبَ عَلَى ميركَ بِوُجُوهٍ لَا يَخْلُو بَعْضُهَا عَنْ كَلَامٍ (بَاب مَا جَاءَ لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِصَوْمٍ) [684] قَوْلُهُ (لَا تَقَدَّمُوا) بِفَتْحِ التَّاءِ وَأَصْلُهُ لَا تَتَقَدَّمُوا بِالتَّائَيْنِ حُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا كَمَا فِي (تَلَظَّى) قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ لِئَلَّا يَصُومَ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ (لِمَعْنَى رَمَضَانَ) وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَوْمَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الشَّكُّ فِي يَوْمَيْنِ بِحُصُولِ الْغَيْمِ أَوِ الظُّلْمَةِ فِي شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ فَلِذَا عَقَّبَ ذِكْرَ الْيَوْمِ بِالْيَوْمَيْنِ وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ أَنْ لَا يَخْتَلِطَ صَوْمُ الْفَرْضِ بصوم نقل قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ حَذَرًا مِمَّا صَنَعَتِ النَّصَارَى في

الزِّيَادَةِ عَلَى مَا افْتُرِضَ عَلَيْهِمْ بِرَأْيِهِمْ الْفَاسِدِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَالْحِكْمَةُ فِيهِ التَّقَوِّي بِالْفِطْرِ لِرَمَضَانَ لِيَدْخُلَ فِيهِ بِقُوَّةٍ وَنَشَاطٍ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ جَازَ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ خَشْيَةُ اخْتِلَاطِ النَّفْلِ بِالْفَرْضِ وَفِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ لَهُ عَادَةٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْحُكْمَ عُلِّقَ بِالرُّؤْيَةِ فَمَنْ تَقَدَّمَهُ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ فَقَدْ حَاوَلَ الطَّعْنَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ وِرْدٌ فَقَدْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ اعْتَادَهُ وَأَلِفَه وَتَرْكُ الْمَأْلُوفِ شَدِيدٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ اسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ فِي شَيْءٍ وَيَلْحَقُ بِذَلِكَ الْقَضَاءُ وَالنَّذْرُ لِوُجُوبِهِمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُسْتَثْنَى الْقَضَاءُ وَالنَّذْرُ بِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهِمَا فَلَا يَبْطُلُ الْقَطْعِيُّ بِالظَّنِّ وَفِي الحديث رد على من يرى بتقديم الصَّوْمِ عَلَى الرُّؤْيَةِ كَالرَّافِضَةِ وَرَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِجَوَازِ صَوْمِ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ انْتَهَى قَوْلُهُ (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ) أَيْ لِأَجْلِ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ وَالضَّمِيرُ لِلْهِلَالِ عَلَى حَدِّ (تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) اكْتِفَاءً بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ (فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ) أَيْ غُطِّيَ الْهِلَالُ فِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ غُمَّ عَلَيْنَا الْهِلَالُ إِذَا حَالَ دُونَ رُؤْيَتِهِ غَيْمٌ أَوْ نَحْوُهُ مِنْ غَمَمْتُ الشَّيْءَ إِذَا غَطَّيْتَهُ وَفِي غُمَّ ضَمِيرُ الْهِلَالِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غُمَّ مُسْنَدًا إِلَى الظَّرْفِ أَيْ فَإِنْ كُنْتُمْ مَغْمُومًا عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ انْتَهَى (فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ الْعَدِّ وَالْمَعْنَى أَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلخ) قَالَ الْحَافِظُ في الفتح وروى أبو داود والنسائي وبن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا لا تقدموا الشهر متى ترووا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى ترووا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَقِيلَ الصَّوَابُ فِيهِ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مُبْهَمٍ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد

قَوْلُهُ (كَرِهُوا أَنْ يَتَعَجَّلَ الرَّجُلُ بِصِيَامٍ قَبْلَ دُخُولِهِ شَهْرَ رَمَضَانَ لِمَعْنَى رَمَضَانَ) قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَوْلُهُ لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ بِيَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ لِمَعْنَى رَمَضَانَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَسْتَقْبِلُوا رَمَضَانَ بِصِيَامٍ عَلَى نِيَّةِ الِاحْتِيَاطِ لِرَمَضَانَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَمَّا أَخْرَجَهُ فَذَكَرَ الْحَافِظُ كَلَامَ التِّرْمِذِيِّ هَذَا إِلَى قَوْلِهِ لِمَعْنَى رَمَضَانَ [685] قَوْلُهُ (لَا تَقَدَّمُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِصِيَامٍ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ) إِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِيمَنْ يَقْصِدُ ذَلِكَ وَقَدْ قَطَعَ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْمَنْعِ مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ يَحْرُمُ التَّقَدُّمُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لِحَدِيثِ الْبَابِ وَيُكْرَهُ التَّقَدُّمُ مِنْ نِصْفِ شَعْبَانَ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ الصَّوْمُ تَطَوُّعًا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِيهِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَعِينٍ إِنَّهُ مُنْكَرٌ وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى ضَعْفِهِ فَقَالَ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ بِمَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ وَكَذَا صَنَعَ قَبْلَهُ الطَّحَاوِيُّ وَاسْتَظْهَرَ بِحَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَعْبَانُ لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ وَجَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثِينَ بِأَنَّ حَدِيثَ الْعَلَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ وَحَدِيثَ الْبَابِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ يَحْتَاطُ بِزَعْمِهِ لِرَمَضَانَ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ

باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشك

3 - (باب ما جاء في كراهية صوم يوم الشَّكِّ) [686] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ) اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بن حيان الأزدي الكوفي صدوق يخطىء مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ وَزُفَرُ بِالزَّايِ وَالْفَاءِ عَلَى وَزْنِ عُمَرَ كُوفِيٌّ عَبْسِيٌّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَفُضَلَائِهِمْ قَوْلُهُ (كُنَّا عِنْدَ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ مَشْهُورٌ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ بَدْرِيٌّ قُتِلَ مَعَ عَلِيٍّ بِصِفِّينَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ (مَصْلِيَّةٍ) أَيْ مَشْوِيَّةٍ (فَتَنَحَّى بَعْضُ الْقَوْمِ) أَيِ اعْتَزَلَ (فَقَالَ) أَيْ بَعْضُ الْقَوْمِ الَّذِي اعْتَزَلَ وَاحْتَرَزَ عَنْ أَكْلِهَا (مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي شُكَّ فِيهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَشُكُّ فِيهِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِلَفْظِ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ وَالْمُرَادُ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا لَمْ يُرَ الْهِلَالُ فِي لَيْلَتِهِ بِغَيْمٍ سَاتِرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ وَكَوْنُهُ مِنْ شَعْبَانَ (فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ) هُوَ كُنْيَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ فَائِدَةُ تَخْصِيصِ ذِكْرِ هَذِهِ الْكُنْيَةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُقَسِّمُ بَيْنَ عِبَادِ اللَّهِ أَحْكَامَهُ زَمَانًا وَمَكَانًا وَغَيْرَ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَحْرِيمِ يَوْمِ الشَّكِّ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ لَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ رأيه فيكون من قبل المرفوع قال بن عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ مُسْنَدٌ عِنْدَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ وَخَالَفَهُمُ الْجَوْهَرِيُّ الْمَالِكِيُّ فَقَالَ هُوَ مَوْقُوفٌ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ لَفْظًا مَرْفُوعٌ حُكْمًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَحَدُهَا الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ الواقدي وأخرجه أيضا البيهقي وفي إسناد عَبَّادٌ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ كَذَا فِي

النَّيْلِ (وَأَنَسٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَمَّارٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه أيضا بن حبان وبن خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَاهُ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ جَمَعَ الصَّاغَانِيُّ فِي تَصْنِيفٍ لَهُ الْأَحَادِيثَ الْمَوْضُوعَةَ فَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ عَمَّارٍ الْمَذْكُورَ وَمَا أَدْرِي مَا وَجْهُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْوَضْعِ وَلَيْسَ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَقَالَ وَقَدْ كَتَبْتُ عَلَى الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ كُرَّاسَةً فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ فِي أَحَادِيثَ مِنْهَا هَذَا الْحَدِيثُ قَالَ نَعَمْ فِي اتِّصَالِهِ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّهُ رَوَى عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ أَنَّهُ قَالَ حُدِّثْتُ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ لَكِنْ جَزَمَ الْبُخَارِيُّ بِصِحَّتِهِ إِلَى صِلَةَ فَقَالَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ صِلَةُ وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ عِنْدَهُ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ إِنَّهُ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إلخ) قَالَ فِي النَّيْلِ وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَيْ بِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ كَأَحَادِيثِ الْأَمْرِ بِالصَّوْمِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَكَأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنِ اسْتِقْبَالِ رَمَضَانَ بِصَوْمٍ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ وَيَجُوزُ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ قال بن الْجَوْزِيِّ وَلِأَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ إِذَا حَالَ دُونَ مَطْلَعِ الْهِلَالِ غَيْمٌ أَوْ غَيْرُهُ ليلة الثلاثين من شعبان ثلاثة أقوال أحداها يَجِبُ صَوْمُهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَثَانِيهَا لَا يَجُوزُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا مُطْلَقًا بَلْ قَضَاءً وَكَفَّارَةً وَنَذْرًا وَنَفْلًا يُوَافِقُ عَادَةً ثَالِثُهَا الْمَرْجِعُ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَى صَوْمِهِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَعَائِشَةُ وَعَمْرُو بْنُ عُمَرَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وأبي هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَغَيْرُهُمْ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَاسْتَدَلَّ الْمُجَوِّزُونَ لِصَوْمِهِ بِأَدِلَّةٍ ثُمَّ ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ وَتَكَلَّمَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ فِيهَا مَا يفيد مطلوبهم ثم قال قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ كَرَاهَةُ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيُّ بْنُ أبي طالب وعمار وبن مسعود وحذيفة وبن عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ثُمَّ قَالَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصَّحَابَةَ مُخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ بِحُجَّةٍ عَلَى أَحَدٍ وَالْحُجَّةُ مَا جَاءَنَا عَنِ الشَّارِعِ وَقَدْ عَرَفْتَهُ قَالَ وَقَدِ اسْتَوْفَيْتُ الْكَلَامَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَبْحَاثِ الَّتِي كَتَبْتُهَا عَلَى رِسَالَةِ الْجَلَالِ انْتَهَى (ورأى

باب ما جاء في إحصاء هلال شعبان لرمضان

أَكْثَرُهُمْ إِنْ صَامَهُ) أَيْ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ (وَكَانَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ) لِأَنَّ الَّذِي صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ لَمْ يَصُمْ صَوْمَ رَمَضَانَ عَلَى الْيَقِينِ وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يَقْضِيَ يَوْمًا مَكَانَهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي إِحْصَاءِ هِلَالِ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ) [687] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ حَجَّاجٍ) هُوَ صَاحِبُ الصَّحِيحِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ يَرْوِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ شَيْئًا عَنْ مُسْلِمٍ صَاحِبِ الصَّحِيحِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْأَقْرَانِ فَإِنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِهِمَا انْتَهَى قَوْلُهُ (أَحْصُوا) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ أَمْرٌ مِنَ الْإِحْصَاءِ وَهُوَ في الأصل العد بالحصا أَيْ عُدُّوا (هِلَالَ شَعْبَانَ) أَيْ أَيَّامَهُ (لِرَمَضَانَ) أَيْ لِأَجْلِ رَمَضَانَ أَوْ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى صَوْمِ رمضان وقال بن الْمَلَكِ أَيْ لِتَعْلَمُوا دُخُولَ رَمَضَانَ قَالَ الطِّيبِيُّ الْإِحْصَاءُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْعَدِّ بِأَنْوَاعِ الْجُهْدِ وَلِذَلِكَ كُنِّيَ بِهِ عَنِ الطَّاقَةِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا انْتَهَى وَقَالَ بن حَجَرٍ أَيِ اجْتَهَدُوا فِي إِحْصَائِهِ وَضَبْطِهِ بِأَنْ تَتَحَرَّوْا مَطَالِعَهُ وَتَتَرَاءَوْا مَنَازِلَهُ لِأَجْلِ أَنْ تَكُونُوا عَلَى بَصِيرَةٍ فِي إِدْرَاكِ هِلَالِ رَمَضَانَ عَلَى حَقِيقَةٍ حَتَّى لَا يَفُوتَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي هذا الحديث مختصر من حديث وقد رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِتَمَامِهِ فَزَادَ وَلَا تَخْلِطُوا بِرَمَضَانَ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ ذَلِكَ صِيَامًا مَا كَانَ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ وَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ تُغَمَّى عَلَيْكُمِ الْعِدَّةُ انْتَهَى قَوْلُهُ (لَا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا) أَيْ بِهَذَا اللَّفْظِ (إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ يَعْنِي أَنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ إلخ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إِنَّ

باب ما جاء أن الصوم لرؤية الهلال

حَدِيثَ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِلَفْظِ أَحْصُوا هِلَالَ شَعْبَانَ لِرَمَضَانَ وَمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِلَفْظِ لَا تَقَدَّمُوا شَهْرَ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ حَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ فَالْأَوَّلُ يَدُلُّ عَلَى إِحْصَاءِ هِلَالِ شَعْبَانَ وَالتَّحَفُّظُ بِهِ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَفَّظُ مِنْ شَعْبَانَ مَا لَا يَتَحَفَّظُ مِنْ غَيْرِهِ الْحَدِيثً وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو يَرْوِي هَذَيْنِ الْحَدِيثِينَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَى عَنْهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَرَوَى عَنْهُ غَيْرُهُ الْحَدِيثَ الْآخَرَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحَدِيثَانِ صَحِيحَيْنِ فَتَفَكَّرْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الصَّوْمَ لِرُؤْيَةِ الهلال) الخ [688] قَوْلُهُ (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ) الضَّمِيرُ لِلْهِلَالِ عَلَى حَدِّ توارت بالحجاب اكْتِفَاءً بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ قَالَ الطِّيبِيُّ اللَّامُ لِلتَّوْقِيتِ كقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس (دونه) أي دون الهلال (غيابه) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَائَيْنِ الْمُثَنَّاتَيْنِ مِنْ تَحْتُ وهي السحاب ونحوها قال القارىء هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي ضَبْطِ هَذَا الْحَدِيثِ وقال بن الْعَرَبِيِّ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ بَدَلَ الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مِنَ الْغَيْبِ وَتَقْدِيرُهُ مَا خَفِيَ عَلَيْكَ وَاسْتَتَرَ أَوْ نُونًا مِنَ الْغَيْنِ وَهُوَ الْحِجَابُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَبِي بكرة) أخرجه الشيخان (وبن

باب ما جاء أن الشهر يكون تسعا وعشرين

عمر) أخرجه الشيخان قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ (بَاب ما جاء أن الشهر يكون تسعا وَعِشْرِينَ) أَيْ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ [689] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ صَحَابِيٌّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ وَهُوَ أَخُو جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (مَا صُمْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لَمَّا صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ كَلِمَةُ مَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَيْ صَوْمِي تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرُ مِنْ صَوْمِي ثَلَاثِينَ وَتَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ مَوْصُولَةً وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ مَا صُمْتُهُ حَالَ كَوْنِهِ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرُ مِمَّا صُمْنَاهُ حَالَ كَوْنِهِ ثَلَاثِينَ فَيَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَكَذَلِكَ ثلاثين حال مِنْ ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ الْمَحْذُوفِ الرَّاجِعِ إِلَى رَمَضَانَ الْمُرَادِ بِالْمَوْصُولِ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ قَوْلُهُ أَكْثَرُ مَرْفُوعٌ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَشْهُرَ النَّاقِصَةَ أَكْثَرُ مِنَ الْوَافِيَةِ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ كَلِمَةَ مَا الْأُولَى نَافِيَةٌ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ قَوْلُهُ أَكْثَرُ مَنْصُوبًا وَيَكُونُ الْحَاصِلُ أَنَّ النَّاقِصَ مَا كَانَ غَالِبًا عَلَى الْوَافِي فَبَعِيدٌ وَيُؤَيِّدُ هَذَا البعد ما قال الشيخ بن حَجَرٍ قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ صَامَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَ رَمَضَانَاتٍ مِنْهَا رَمَضَانَانِ فَقَطْ ثَلَاثُونَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدْ يَقَعُ النَّقْصُ مُتَوَالِيًا فِي شَهْرَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَلَا يَقَعُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةٍ انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ بِاخْتِصَارٍ وحديث بن مَسْعُودٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَسَكَتَ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ عَنْهُ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ أَيْضًا وَقَالَ وَمِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ انْتَهَى

قلت والظاهر أن حديث بن مَسْعُودٍ حَسَنٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ إلخ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخْرَجَهُ مسلم فأما حديث بن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وغيره وأما حديث بن عَبَّاسٍ وَأَبِي بَكْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ [690] قَوْلُهُ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ) أَيْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْإِيلَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْإِيلَاءَ الشَّرْعِيَّ بَلِ الْمُرَادُ الْإِيلَاءُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْحَلِفُ (فَأَقَامَ فِي مَشْرُبَةٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ غُرْفَةٍ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْمَشْرُبَةُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ الْغُرْفَةُ وَفِي الْقَامُوسِ الْمَشْرُبَةُ الْغُرْفَةُ أَوِ الْعُلِّيَّةُ انْتَهَى وَالْغُرْفَةُ بِالضَّمِّ وَالْعُلِّيَّةُ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ مَعْنَاهُمَا بِالْفَارِسِيَّةِ برواره كَذَا فِي الصُّرَاحِ وبرواره عَلَى وَزْنِ همواره مَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ بالإخانة وحجرة بالاء حجرة (الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) أَيْ هَذَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَوِ الْمَعْنَى الشَّهْرُ قَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُهُ حَصْرُ الشَّهْرِ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَوِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ شَهْرٌ بِعَيْنِهِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ كقول بن مَسْعُودٍ مَا صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ إِنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وقال بن الْعَرَبِيِّ مَعْنَاهُ حَصْرُهُ مِنْ جِهَةِ أَحَدِ طَرَفَيْهِ أَيْ أَنَّهُ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَهُوَ أَقَلُّهُ وَيَكُونُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ أَكْثَرُهُ فَلَا تَأْخُذُوا أَنْفُسَكُمْ بِصَوْمِ الْأَكْثَرِ احْتِيَاطًا وَلَا تَقْتَصِرُوا عَلَى الْأَقَلِّ تَخْفِيفًا وَلَكِنِ اجْعَلُوا عِبَادَتَكُمْ مُرْتَبِطَةً ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً باستهلاله انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري

باب ما جاء في الصوم بالشهادة

7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّوْمِ بِالشَّهَادَةِ) [691] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ) الدُّولَابِيُّ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ) هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ وَقَدْ يُنْسَبُ بِجَدِّهِ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ) أَيْ وَاحِدٌ مِنَ الْأَعْرَابِ وَهُمْ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ (إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ) يَعْنِي هِلَالَ رَمَضَانَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ يَعْنِي وَكَانَ غَيْمًا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِخْبَارَ كَافٍ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَا إِلَى الدَّعْوَى (فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله الخ) قال بن الْمَلَكِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي الشَّهَادَةِ (أَذِّنْ فِي النَّاسِ) أَمْرٌ مِنَ التَّأْذِينِ أَيْ نَادِ فِيهِمْ وَأَعْلِمْهُمْ قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ سِمَاكٍ رَوَوْا عَنْ سِمَاكٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا) وَقَالَ النَّسَائِيُّ إِنَّهُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ وَسِمَاكٌ إِذَا تَفَرَّدَ بِأَصْلٍ لَمْ يكن حجة كذا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ رواه الخمسة وصححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ إِرْسَالَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَبِهِ يقول بن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ) أَيْ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ

(وَأَحْمَدُ) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ في الفتح واستدلوا بحديث الباب وبحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ رَوَاهُ أبو داود وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (وَقَالَ إِسْحَاقُ لَا يُصَامُ إِلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ خَطَبَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي شَكَّ فِيهِ فَقَالَ أَلَّا إِنِّي جَالَسْتُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلْتُهُمْ أَنَّهُمْ حَدَّثُونِي أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَنْسِكُوا لَهَا فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَتِمُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ مُسْلِمَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ مُسْلِمَانِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ قَدْحًا وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ انْتَهَى وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أَمِيرِ مَكَّةَ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ عَهِدَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن نَنْسُكَ لِلرُّؤْيَةِ فَإِنْ لَمْ نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالَّداَرُقْطِنُّي وَقَالَ هَذَا إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ صَحِيحٌ وَأَجَابَ مَنْ قَالَ بِقَبُولِ شَهَادَةِ رَجُلٍ فِي الصِّيَامِ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثِينَ بِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالِاثْنَيْنِ غَايَةُ مَا فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ قَبُولِ الْوَاحِدِ بِالْمَفْهُومِ وَحَدِيثَ بن عباس وحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى قَبُولِهِ بِالْمَنْطُوقِ وَدَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ أَرْجَحُ (وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْإِفْطَارِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِيهِ إِلَّا شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ عَدْلٍ وَاحِدٍ عَلَى هِلَالِ شَوَّالٍ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَجَوَّزَهُ بِعَدْلٍ انْتَهَى وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ في الأوسط من طريق طاؤس قال شهدت المدينة وبها بن عمر وبن عَبَّاسٍ فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَيَّ وَالِيهَا وَشَهِدَ عِنْدَهُ على رؤية هلال شهر رمضان فسأل بن عمر وبن عَبَّاسٍ عَنْ شَهَادَتِهِ فَأَمَرَاهُ أَنْ يُجِيزَهُ وَقَالَا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَجَازَ شَهَادَةَ وَاحِدٍ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ وَكَانَ لَا يُجِيزُ شَهَادَةَ الْإِفْطَارِ إِلَّا بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْأَيْلِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي الْإِفْطَارِ قُلْتُ أَصْلُ الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَحَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبٍ الْمَذْكُورَيْنِ فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ مُسْلِمَانِ فَصُومُوا وَأَفْطَرُوا فِي حَدِيثِ عَبْدِ

باب ما جاء شهرا عيد لا ينقصان

الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ وَقَوْلَهُ فَإِنْ لَمْ نَرَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَا عَدْلٍ نَسَكْنَا بِشَهَادَتِهِمَا فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ يَدُلَّانِ بِمَفْهُومِهِمَا عَلَى عَدَمِ جَوَازِ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فِي الْإِفْطَارِ وَلَا يُعَارِضُهُ مَنْطُوقٌ بل منطوق حديث بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا يُؤَيِّدُهُمَا (بَاب مَا جَاءَ شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ) [692] قَوْلُهُ (رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ) بَدَلَانِ وَبَيَانَانِ أُطْلِقَ عَلَى رَمَضَانَ أَنَّهُ شَهْرُ عِيدٍ لِقُرْبِهِ مِنَ الْعِيدِ وَنَظِيرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْرِبُ وِتْرُ النهار أخرجه الترمذي من حديث بن عُمَرَ وَصَلَاةُ الْمَغْرِبِ لَيْلِيَّةٌ جَهْرِيَّةٌ وَأَطْلَقَ كَوْنَهَا وِتْرَ النَّهَارِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فالظاهر أنه صحيح (قال أحمد) أي بن حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (إِنْ نَقَصَ أَحَدُهُمَا تَمَّ الْآخَرُ) أَيْ إِنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ جاء الاخر ثلاثين (وقال إسحاق) أي بن راهويه رحمه الله وإن كان تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَهُوَ تَمَامٌ غَيْرُ نُقْصَانٍ أَيْ فَهُوَ تَامٌّ فِي الْفَضِيلَةِ غَيْرُ نَاقِصٍ (وَعَلَى مَذْهَبِ إِسْحَاقَ يَكُونُ يَنْقُصُ الشَّهْرَانِ مَعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ) أَيْ عَلَى مَذْهَبِ إِسْحَاقَ يَجُوزُ أَنْ يَنْقُصَا مَعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ كَانَ إِسْحَاقُ بن رَاهَوَيْهِ يَقُولُ لَا يَنْقُصَانِ فِي الْفَضِيلَةِ إِنْ كَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ انْتَهَى وَذَكَرَ بن حِبَّانَ لِهَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا قَالَ

باب ما جاء لكل أهل بلد رؤيتهم

إِسْحَاقُ وَالْآخَرُ أَنَّهُمَا فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ لِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ فِيهَا أَفْضَلَ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ فِي عَامٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الْعَامُ الَّذِي قَالَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَا يَنْقُصَانِ فِي الْأَحْكَامِ وَبِهَذَا جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَبِلَهُ الطَّحَاوِيُّ فَقَالَ مَعْنَى لَا يَنْقُصَانِ أَيِ الْأَحْكَامُ فِيهِمَا وَإِنْ كَانَتَا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ مُتَكَامِلَةٌ غَيْرُ نَاقِصَةٍ عَنْ حُكْمِهِمَا إِذَا كَانَا ثَلَاثِينَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنْ رُبَّمَا حَالَ دُونَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ مَانِعٌ وَهَذَا أَشَارَ إليه بن حِبَّانَ أَيْضًا وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصَانِ مَعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى طَرِيقِ الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ وَإِنْ نَدَرَ وُقُوعُ ذَلِكَ وَهَذَا أَعْدَلُ مِمَّا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ رُبَّمَا وُجِدَ وُقُوعُهُمَا وَوُقُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا تِسْعَةً وَعِشْرِينَ هَذَا تَلْخِيصُ مَا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الْأَصَحُّ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمَا وَالثَّوَابُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِمَا وإن نقص عددهما وقيل معنا لَا يَنْقُصَانِ جَمِيعًا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ غَالِبًا وَقِيلَ لَا يَنْقُصُ ثَوَابُ ذِي الْحِجَّةِ عَنْ ثَوَابِ رَمَضَانَ لَأَنَّهُ فِيهِ الْمَنَاسِكُ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ الْمُعْتَمَدُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تقدم من ذنبه وقوله من قام رمضانا إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَغَيْرَ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذِهِ الْفَضَائِلِ تَحْصُلُ سَوَاءٌ تَمَّ عَدَدُ رَمَضَانَ أَمْ نَقَصَ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بَاب مَا جَاءَ لِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتُهُمْ) [693] قَوْلُهُ (بَعَثَتْهُ) أَيْ كُرَيْبًا (وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ) بِضَمِّ التَّاءِ مِنَ اسْتَهَلَّ قَالَهُ النَّوَوِيُّ يَعْنِي بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَرَأَيْنَا الْهِلَالَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ (فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ

فَقُلْتُ رَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ (فَقَالَ لَكِنْ رأيناه) أي فقال بن عَبَّاسٍ لَكِنْ رَأَيْنَاهُ (حَتَّى نُكْمِلَ) مِنَ الْإِكْمَالِ أَوِ التَّكْمِيلِ (فَقُلْتُ أَلَّا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ قَالَ لَا إلخ) هَذَا بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ وَلَا تَكْفِي رُؤْيَةُ أَهْلِ بَلَدٍ لِأَهْلِ بَلَدٍ آخَرَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا تَعُمُّ النَّاسَ بَلْ تَخْتَصُّ بِمَنْ قَرُبَ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَقِيلَ إِنِ اتَّفَقَ الْمَطْلَعُ لَزِمَهُمْ وَإِنِ اتَّفَقَ الْإِقْلِيمُ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا تَعُمُّ الرُّؤْيَةُ فِي مَوْضِعٍ جَمِيعَ أَهْلِ الْأَرْضِ فَعَلَى هَذَا تَقُولُ إِنَّمَا لَمْ يَعْمَلِ بن عَبَّاسٍ بِخَبَرِ كُرَيْبٍ لَأَنَّهُ شَهَادَةٌ فَلَا تَثْبُتُ بِوَاحِدٍ لَكِنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِهِ أَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ لِهَذَا وَإِنَّمَا رَدَّهُ لَأَنَّ الرُّؤْيَةَ لَا يَثْبُتُ حُكْمُهَا فِي حَقِّ الْبَعِيدِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أهل العلم أن لِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ رُؤْيَتَهُمْ) ظَاهِرُ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَذَاهِبَ أَحَدُهَا لِأَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ رُؤْيَتُهُمْ وفي صحيح مسلم من حديث بن عباس ما يشهد له وحكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ عِكْرِمَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَإِسْحَاقَ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا لِلشَّافِعِيَّةِ ثَانِيهَا مُقَابِلُهُ إِذَا رُؤِيَ بِبَلْدَةٍ لَزِمَ أَهْلَ الْبِلَادِ كُلِّهَا وَهُوَ المشهور عند المالكية لكن حكى بن عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ وَقَالَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تُرَاعَى الرُّؤْيَةُ فِيمَا بَعُدَ مِنَ الْبِلَادِ كَخُرَاسَانَ وَالْأَنْدَلُسِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَدْ قَالَ شُيُوخُنَا إِذَا كَانَتْ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ ظَاهِرَةً قَاطِعَةً بِمَوْضِعٍ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى غَيْرِهِمْ بِشَهَادَةِ اثنين لزمهم الصوم وقال بن الْمَاجِشُونِ لَا يَلْزَمُهُمْ بِالشَّهَادَةِ إِلَّا

لِأَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ الشَّهَادَةُ إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ فَيَلْزَمُ النَّاسَ كُلَّهُمْ لَأَنَّ الْبِلَادَ فِي حَقِّهِ كَالْبَلَدِ الْوَاحِدِ إِذْ حُكْمُهُ نَافِذٌ فِي الْجَمِيعِ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ تَقَارَبَتِ الْبِلَادُ كَانَ الْحُكْمُ وَاحِدًا وَإِنْ تَبَاعَدَتْ فَوَجْهَانِ لَا يَجِبُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَاخْتَارَ أَبُو الطَّيِّبِ وَطَائِفَةٌ الْوُجُوبَ وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَفِي ضَبْطِهِ الْبُعْدَ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَشَرْحِ الْمُهَذَّبِ ثَانِيهَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ قَطَعَ بِهِ الْإِمَامُ الْبَغَوِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ثَالِثُهَا اخْتِلَافُ الْأَقَالِيمِ رَابِعُهَا حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ فَقَالَ يَلْزَمُ كُلَّ بَلَدٍ لَا يُتَصَوَّرُ خَفَاؤُهُ عَنْهُمْ بِلَا عارض دون غيرهم خامسها قول بن مَاجِشُونَ الْمُتَقَدِّمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ حَدِيثُ بن عباس الذي يشهد القول الأول أخرجه الجماعة إلا البخاري وبن مَاجَهْ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ فَقَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَهَا وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَقُلْتُ رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ فَقُلْتُ نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ الثَّلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْتُ أَلَّا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَافِظُ مَا لَفْظُهُ وَحُجَّةُ أَهْلِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ حَدِيثُ كُرَيْبٍ هَذَا وَوَجْهُ الاحتجاج به أن بن عَبَّاسٍ لَمْ يَعْمَلْ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الشَّامِ وَقَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ حَفِظَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ أَهْلَ بَلَدٍ الْعَمَلُ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدٍ آخَرَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُجَّةَ إِنَّمَا هِيَ فِي الْمَرْفُوعِ مِنْ رواية بن عَبَّاسٍ لَا فِي اجْتِهَادِهِ الَّذِي فَهِمَ عَنْهُ النَّاسُ وَالْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ قَوْلُهُ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ وَالْأَمْرُ الْكَائِنُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِلَفْظِ لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِأَهْلِ نَاحِيَةٍ عَلَى جِهَةِ الِانْفِرَادِ بَلْ هُوَ خِطَابٌ لِكُلِّ مَنْ يَصْلُحُ لَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى لُزُومِ رُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدٍ لِغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبِلَادِ أَظْهَرُ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى عَدَمِ اللُّزُومِ لِأَنَّهُ إِذَا رَآهُ أَهْلُ بَلَدٍ فَقَدْ رَآهُ الْمُسْلِمُونَ فَيَلْزَمُ غَيْرَهُمْ مَا لَزِمَهُمْ وَلَوْ سلم توجه الاشارة في كلام بن عَبَّاسٍ إِلَى عَدَمِ لُزُومِ رُؤْيَةِ أَهْلِ بَلَدٍ لِأَهْلِ بَلَدٍ آخَرَ لَكَانَ عَدَمُ اللُّزُومِ مُقَيَّدًا بِدَلِيلِ الْعَقْلِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْقُطْرَيْنِ مِنَ الْبُعْدِ مَا يَجُوزُ مَعَهُ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ

باب ما جاء ما يستحب عليه الافطار

وعدم عمل بن عَبَّاسٍ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الشَّامِ مَعَ عَدَمِ الْبُعْدِ الَّذِي يُمْكِنُ مَعَهُ الِاخْتِلَافُ عَمَلٌ بِالِاجْتِهَادِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ لُزُومِ التَّقْيِيدِ بِالْعَقْلِ فَلَا يُشَكُّ أَنَّ الْأَدِلَّةَ قَاضِيَةٌ بِأَنَّ أَهْلَ الْأَقْطَارِ يَعْمَلُ بَعْضُهُمْ بِخَبَرِ بَعْضٍ وَشَهَادَتُهُ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَالرُّؤْيَةُ مِنْ جُمْلَتِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ الْقُطْرَيْنِ مِنَ الْبُعْدِ مَا يَجُوزُ مَعَهُ اخْتِلَافُ الْمَطَالِعِ أَمْ لَا فَلَا يُقْبَلُ التَّخْصِيصُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَلَوْ سُلِّمَ صَلَاحِيَةُ حَدِيثِ كُرَيْبٍ هَذَا لِلتَّخْصِيصِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى مَحَلِّ النَّصِّ إِنْ كَانَ النَّصُّ مَعْلُومًا أَوْ عَلَى الْمَفْهُومِ مِنْهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ معلوما لو رووه على خلاف القياس ولم يأت بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا بِمَعْنَى لَفْظِهِ حَتَّى نَنْظُرَ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ إِنَّمَا جَاءَ بِصِيغَةٍ مُجْمَلَةٍ أَشَارَ بِهَا إِلَى قِصَّةٍ هِيَ عَدَمُ عَمَلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ ذَلِكَ الْمُرَادَ وَلَمْ نَفْهَمْ مِنْهُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ حَتَّى نَجْعَلَهُ مُخَصِّصًا لِذَلِكَ الْعُمُومِ فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَفْهُومِ مِنْ ذَلِكَ الْوَارِدِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَعَدَمُ الْإِلْحَاقِ بِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ الْعَمَلُ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الشَّامِ دُونَ غَيْرِهِمْ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ حِكْمَةٌ لا تعقلها وَلَوْ تَسَلَّمَ صِحَّةُ الْإِلْحَاقِ وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِهِ فَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَحِلَّاتِ الَّتِي بَيْنَهَا مِنَ الْبُعْدِ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ أَوْ أَكْثَرُ وَأَمَّا فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَلَا وَهَذَا ظَاهِرٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْظَرَ مَا دَلِيلُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى اعْتِبَارِ الْبَرِيدِ أَوِ النَّاحِيَةِ أَوِ الْبَلَدِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْعَمَلِ بِالرُّؤْيَةِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ شُيُوخِهِ أَنَّهُ إِذَا رَآهُ أَهْلُ بَلَدٍ لَزِمَ أَهْلَ الْبِلَادِ كُلِّهَا ولا يلتفت إلى ما قاله بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ قَالَ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا تُرَاعَى الرُّؤْيَةُ فِيمَا بَعُدَ مِنَ الْبُلْدَانِ كَخُرَاسَانَ وَالْأَنْدَلُسِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ لَا يَتِمُّ وَالْمُخَالِفُ مِثْلُ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ فَتَفَكَّرْ وَتَأَمَّلْ 0 - (بَاب مَا جَاءَ مَا يُسْتَحَبُّ عَلَيْهِ الْإِفْطَارُ) [695] قَوْلُهُ (مَنْ وَجَدَ تَمْرًا فَلِيُفْطِرْ عَلَيْهِ) الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابٌ يُفْطِرُ بِمَا تَيَسَّرَ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْفَى قَالَ سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا إلخ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَعَلَّ الْبُخَارِيَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّ

الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ مَنْ وَجَدَ تَمْرًا فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا فَلْيُفْطِرْ عَلَى الْمَاءِ لَيْسَ على الوجوب وقد شذ بن حَزْمٍ فَأَوْجَبَ الْفِطْرَ عَلَى التَّمْرِ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَاءِ انْتَهَى (فَإِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ) أَيْ بَالِغٌ فِي الطَّهَارَةِ فَيُبْتَدَأُ بِهِ تَفَاؤُلًا بِطَهَارَةِ الظَّاهِرِ والباطن قال الطيبي لأنه مزيل المانع من أداء العباد وَلِذَا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ (وَأَنْزَلْنَا من السماء ماء طهورا) كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (وَهُوَ حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ) فَإِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ بِرِوَايَتِهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ شُعْبَةَ فَرَوَوْهُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أصحاب عاصم الأحول كسفيان الثوري وبن عيينة وغيرهما قوله (وبن عَوْنٍ يَقُولُ عَنْ أُمِّ الرَّائِحِ بِنْتِ صُلَيْعٍ الخ) يعني أن بن عَوْنٍ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَرْطَبَانَ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أُمِّ الرَّائِحِ بِنْتِ صُلَيْعٍ مَكَانَ عَنِ الرَّبَابِ وَالرَّبَابُ لَيْسَتْ غَيْرَ أُمِّ الرَّائِحِ بَلْ هُمَا وَاحِدَةٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الرَّبَابُ بِفَتْحِ أَوَّلِهَا وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرُهَا مُوَحَّدَةٌ بِنْتُ صُلَيْعٍ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرَةً الضَّبِّيَّةُ الْمِصْرِيَّةُ مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الرَّبَابُ بِنْتُ صُلَيْعٍ أُمُّ الرَّائِحِ عَنْ عمها سليمان بْنِ عَامِرٍ وَعَنْهَا حَفْصَةُ بِنْتُ

سِيرِينَ قَوْلُهُ (إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْإِفْطَارِ بِالتَّمْرِ فَإِنْ عُدِمَ فَبِالْمَاءِ وَلَكِنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ الْآتِيَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ أَوْلَى مِنَ الْيَابِسِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ إِنْ وُجِدَ وَإِنَّمَا شُرِعَ الْإِفْطَارُ بِالتَّمْرِ لِأَنَّهُ حُلْوٌ وَكُلُّ حُلْوٍ يُقَوِّي الْبَصَرَ الَّذِي يَضْعُفُ بِالصَّوْمِ وَهَذَا أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِي الْمُنَاسَبَةِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْحُلْوَ يُوَافِقُ الْإِيمَانَ وَيُرِقُّ الْقَلْبَ وَإِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ كَوْنَهُ حُلْوًا وَالْحُلْوُ لَهُ ذَلِكَ التَّأْثِيرُ فَيَلْحَقُ بِهِ الْحُلْوِيَّاتُ كلها قاله الشوكاني وغيره وقال بن الْمَلَكِ الْأَوَّلُ أَنْ تُحَالَ عِلَّتُهُ إِلَى الشَّارِعِ انْتَهَى قُلْتُ لَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ أَوْلَى [696] قَوْلُهُ (يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ) أَيِ الْمَغْرِبَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْمُبَالَغَةِ فِي اسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَأَمَّا مَا صَحَّ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَا بِرَمَضَانَ يُصَلِّيَانِ الْمَغْرِبَ حِينَ يَنْظُرَانِ إِلَى اللَّيْلِ الْأَسْوَدِ ثُمَّ يُفْطِرَانِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَهُوَ لِبَيَانِ جَوَازِ التَّأْخِيرِ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُ التَّعْجِيلِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ يُفْطِرُ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَأَنَّهُمَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمَا تَمْرٌ وَلَا مَاءٌ أَوْ كَانَا غَيْرَ مُعْتَكِفَيْنِ وَرَأَيَا الْأَكْلَ وَالشَّرَابَ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ مَكْرُوهَيْنِ لَكِنَّ إِطْلَاقَ الْأَحَادِيثِ ظَاهِرٌ فِي اسْتِثْنَاءِ حَالِ الْإِفْطَارِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ) بِالرَّفْعِ (فَتُمَيْرَاتٌ) بِالتَّصْغِيرِ مَجْرُورٌ وَمَرْفُوعٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ثَلَاثُ رُطَبَاتٍ وَثَلَاثُ تُمَيْرَاتٍ قَالَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ (حَسَا حَسَوَاتٍ) بِفَتْحَتَيْنِ أَوْ شَرِبَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحُسْوَةُ بِالضَّمِّ الْجَرْعَةُ مِنَ الشَّرَابِ بِقَدْرِ مَا يُحْسَى مَرَّةً وَاحِدَةً وَبِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِفْطَارِ بِالرُّطَبِ فَإِنْ عدم فبالتمر

باب ما جاء الصوم يوم تفطرون

فإن عدم فبالماء قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ السُّنَّةُ بِمَكَّةَ تَقْدِيمُ مَاءِ زَمْزَمَ عَلَى التَّمْرِ أَوْ خَلْطُهُ بِهِ فَمَرْدُودٌ بِأَنَّهُ خِلَافُ الِاتِّبَاعِ وَبِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ عَامَ الْفَتْحِ أَيَّامًا كَثِيرَةً وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ أَنَّهُ خَالَفَ عَادَتَهُ الَّتِي هِيَ تَقْدِيمُ التَّمْرِ عَلَى الْمَاءِ وَلَوْ كَانَ لَنُقِلَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ ميركُ وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى وَلَفْظُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى ثَلَاثِ تَمَرَاتٍ أَوْ شَيْءٍ لَمْ تُصِبْهُ النَّارُ 1 - (بَاب ما جاء الصوم يوم تفطرون) إلخ [697] قَوْلُهُ (الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ إلخ) هَذَا الْحَدِيثُ رواه أبو داود وبن مَاجَهْ أَيْضًا إِلَّا أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا الصَّوْمَ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِلَفْظِ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا وَقَالَ وَقْفُهُ عَلَيْهَا هِيَ الصَّوَابُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ) وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ رِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعِظَمِ النَّاسِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الظَّاءِ أَيْ كَثْرَةِ النَّاسِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ إِنَّ الْخَطَأَ مَرْفُوعٌ عَنِ النَّاسِ فِيمَا كَانَ سَبِيلُهُ الِاجْتِهَادَ فَلَوْ أَنَّ قَوْمًا اجْتَهَدُوا فَلَمْ يروا

باب ما جاء إذا أقبل الليل وأدبر النهار

الْهِلَالَ إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثِينَ فَلَمْ يُفْطِرُوا حَتَّى اسْتَوْفَوُا الْعَدَدَ ثُمَّ ثَبَتَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الشَّهْرَ كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَإِنَّ صَوْمَهُمْ وَفِطْرَهُمْ مَاضٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ وِزْرِ أَوْ عَيْبٍ وكذلك هذا في الحج إذا أخطأوا يَوْمَ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ إِعَادَتُهُ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَقِيلَ فِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ لَا يُصَامُ احْتِيَاطًا وَإِنَّمَا يَصُومُ يَوْمَ يَصُومُ النَّاسُ وَقِيلَ فِيهِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّ مَنْ عَرَفَ طُلُوعَ الْقَمَرِ بِتَقْدِيرِ حِسَابِ الْمَنَازِلِ جَازَ لَهُ أَنْ يَصُومَ بِهِ وَيُفْطِرَ دُونَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ وَقِيلَ إِنَّ الشَّاهِدَ الْوَاحِدَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ وَلَمْ يَحْكُمِ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ أَنَّ هَذَا لا يكون هذا صَوْمًا لَهُ كَمَا لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْأَخِيرِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ إِنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ بِرُؤْيَةِ هِلَالِ الشَّهْرِ حُكْمُ النَّاسِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَإِنْ خَالَفَ مَا تَيَقَّنَهُ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ لِلْجُمْهُورِ فَقَالُوا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ حُكْمُ نَفْسِهِ فِيمَا تَيَقَّنَهُ وَفَسَّرُوا الْحَدِيثَ بِمِثْلِ مَا ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ وَقِيلَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ إِنَّهُ إِخْبَارٌ بِأَنَّ النَّاسَ يَتَحَزَّبُونَ أَحْزَابًا وَيُخَالِفُونَ الْهَدْيَ النَّبَوِيَّ فَطَائِفَةٌ تَعْمَلُ بِالْحِسَابِ وَعَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ النَّاسِ وَطَائِفَةٌ يُقَدِّمُونَ الصَّوْمَ وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ وَجَعَلُوا ذَلِكَ شِعَارًا وَهُمُ الْبَاطِنِيَّةُ وَبَقِيَ عَلَى الْهَدْيِ النَّبَوِيِّ الْفِرْقَةُ الَّتِي لَا تَزَالُ ظَاهِرَةً عَلَى الْحَقِّ فَهِيَ الْمُرَادَةُ بِلَفْظِ النَّاسِ فِي الْحَدِيثِ وَهِيَ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ وَلَوْ كَانَتْ قَلِيلَةَ الْعَدَدِ كَذَا فِي النَّيْلِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ وَأَدْبَرَ النهار) الخ [698] قَوْلُهُ (إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ) أَيْ ظَلَامُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ (وَأَدْبَرَ النَّهَارُ) أَيْ ضِيَاؤُهُ مِنْ جَانِبِ الْمَغْرِبِ (وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ) أَيْ غَابَتْ كُلُّهَا قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ مَعَ الاستغناء عنه لبيان كمال الغروب كيلا يُظَنَّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِفْطَارُ لِغُرُوبِ بَعْضِهَا انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذُكِرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ مُتَلَازِمَةً فِي الْأَصْلِ لَكِنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي الْأَصْلِ غَيْرَ مُتَلَازِمَةٍ فَقَدْ يُظَنُّ إِقْبَالُ اللَّيْلِ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَلَا يَكُونُ إِقْبَالُهُ حَقِيقَةً بَلْ لِوُجُودِ أَمْرٍ يُغَطِّي ضَوْءَ الشَّمْسِ وَكَذَلِكَ إِدْبَارُ النَّهَارِ فَمِنْ ثَمَّ قُيِّدَ بِقَوْلِهِ وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ

باب ما جاء في تعجيل الافطار

إِشَارَةً إِلَى اشْتِرَاطِ تَحَقُّقِ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ وَأَنَّهُمَا بِوَاسِطَةِ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ انْتَهَى (فَقَدْ أَفْطَرْتَ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ دَخَلَ فِي وَقْتِ الْفِطْرِ كَمَا يُقَالُ أَنْجَدَ إِذَا أَقَامَ بِنَجْدٍ وَأَتْهَمَ إِذَا أَقَامَ بِتِهَامَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فَقَدْ صَارَ مُفْطِرًا فِي الْحُكْمِ لِكَوْنِ الليل ليس ظرفا للصيام الشرعي وقد رد هذا الاحتمال بن خُزَيْمَةَ وَأَوْمَأَ إِلَى تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ فَقَالَ قَوْلُهُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ لَفْظُ خَبَرٍ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرُ أَيْ فَلْيُفْطِرِ الصَّائِمُ وَرَجَّحَ الْحَافِظُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ بِرِوَايَةِ شُعْبَةَ بِلَفْظِ فَقَدْ حَلَّ الْإِفْطَارُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ الْإِخْبَارُ عَلَى الْإِنْشَاءِ إِظْهَارًا لِلْحِرْصِ عَلَى وُقُوعِ الْمَأْمُورِ بِهِ انْتَهَى قوله (وفي الباب عن بن أبي أوفى وأبي سعيد) أما حديث بن أَبِي أَوْفَى فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ في صحيحه تعليقا من فعله بلفظ وأفطر أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ حِينَ غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ منصور وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ فَأَفْطَرَ وَنَحْنُ نَرَى أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الْإِفْطَارِ) [699] قَوْلُهُ (لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ) فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا وَظُهُورُ الدِّينِ مُسْتَلْزِمٌ لِدَوَامِ الْخَيْرِ (مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ) أَيْ مَا دَامُوا عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ زَادَ أَبُو ذَرٍّ فِي حَدِيثِهِ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمَا ظَرْفِيَّةٌ أَيْ مُدَّةَ فِعْلِهِمْ ذَلِكَ امْتِثَالًا لِلسُّنَّةِ وَاقِفِينَ عِنْدَ حَدِّهَا غَيْرَ مُتَنَطِّعِينَ بِعُقُولِهِمْ مَا يُغَيِّرُ قَوَاعِدَهَا زَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ

أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ إِذَا تَحَقَّقَ غُرُوبُ الشَّمْسِ بِالرُّؤْيَةِ أَوْ بِإِخْبَارِ عَدْلَيْنِ وَكَذَا عَدْلٌ وَاحِدٌ فِي الْأَرْجَحِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ القارىء قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا وَلَوْ أَخَّرَ لِتَأْدِيبِ النَّفْسِ وَمُوَاصَلَةِ الْعِشَاءَيْنِ بِالنَّفْلِ غَيْرَ مُعْتَقِدٍ وُجُوبَ التَّأْخِيرِ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ أَقُولُ بَلْ يَضُرُّهُ حَيْثُ يُفَوِّتُهُ السُّنَّةَ وَتَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ بِشَرْبَةِ مَاءٍ لَا يُنَافِي التَّأْدِيبَ وَالْمُوَاصَلَةَ مَعَ أَنَّ فِي التَّعْجِيلِ إِظْهَارَ الْعَجْزِ الْمُنَاسِبَ لِلْعُبُودِيَّةِ وَمُبَادَرَةً إِلَى قَبُولِ الرخصة من الحضرة الربوبية انتهى كلام القارىء قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ لِأَنَّ الْيَهُودَ والنصارى يؤخرون (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّيَالِسِيُّ بِلَفْظِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نُعَجِّلَ إِفْطَارَنَا وَنُؤَخِّرَ سُحُورَنَا وَنَضَعَ أَيْمَانَنَا عَلَى شَمَائِلِنَا فِي الصَّلَاةِ كَذَا فِي سِرَاجِ السَّرْهَنْدِيِّ (وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وبن عَسَاكِرَ بِلَفْظِ مِنْ فِقْهِ الرَّجُلِ فِي دِينِهِ تَعْجِيلُ فِطْرِهِ وَتَأْخِيرُ سُحُورِهِ وَتَسَحَّرُوا فَإِنَّهُ الْغِذَاءُ الْمُبَارَكُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلخ) أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرزاق وغيره بإسناد قَالَ الْحَافِظُ صَحِيحٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعَ النَّاسِ إِفْطَارًا وَأَبْطَأَهُمْ سُحُورًا انْتَهَى قَوْلُهُ (أَحَبُّ عِبَادِي إِلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا) أَيْ أَكْثَرُهُمْ تَعْجِيلًا فِي الْإِفْطَارِ قَالَ الطِّيبِيُّ

وَلَعَلَّ السَّبَبَ فِي هَذِهِ الْمَحَبَّةِ الْمُتَابَعَةُ لِلسُّنَّةِ وَالْمُبَاعَدَةُ عَنِ الْبِدْعَةِ وَالْمُخَالَفَةُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ انْتَهَى وقال القارىء وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَفْضَلِيَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْحَدِيثِ تُوجِبُ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يحببكم الله وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِحَدِيثِ لَا يَزَالُ الدِّينُ ظَاهِرًا مَا عَجَّلَ النَّاسُ الْفِطْرَ لِأَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يُؤَخِّرُونَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وبن حزيمة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِمَا نَقَلَهُ ميركُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ [702] قَوْلُهُ (وَيُعَجِّلُ الصَّلَاةَ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ وَيُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى الْعُمُومِ وَتَكُونُ الْمَغْرِبُ مِنْ جُمْلَتِهَا قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ (وَالْآخَرُ أَبُو مُوسَى) قَالَ الطِّيبِيُّ الْأَوَّلُ عَمَلٌ بالعزيمة والسنة والثاني بالرخصة انتهى قال القارىء وَهَذَا إِنَّمَا يَصِحُّ لَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي الْفِعْلِ فَقَطْ أَمَّا إِذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ قَوْلِيًّا فيحمل على أن بن مسعود اختار المبالغة في التعجيل وأبو مُوسَى اخْتَارَ عَدَمَ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ وَإِلَّا فَالرُّخْصَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَ الْكُلِّ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُحْمَلَ عمل بن مَسْعُودٍ عَلَى السُّنَّةِ وَعَمَلُ أَبِي مُوسَى عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب ما جاء في تأخير السحور

14 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي تَأْخِيرِ السَّحُورِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَبِالضَّمِّ مَصْدَرٌ [703] قَوْلُهُ (قَالَ قُلْتُ) أَيْ قَالَ أَنَسٌ قُلْتُ لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ (كَمْ كَانَ قَدْرُ ذَاكَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَمْ كَانَ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالسُّحُورِ (قَالَ) أَيْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ (قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً) أَيْ مُتَوَسِّطَةً لَا طَوِيلَةً وَلَا قَصِيرَةً وَلَا سَرِيعَةً وَلَا بَطِيئَةً وقدر بالرفع على أنه خبر المتبدأ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ الْمُقَدَّرَةِ فِي جَوَابِ زَيْدٍ قَالَهُ الْحَافِظُ [704] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ مِنْ رِوَايَةِ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ تَسَحَّرْتُ ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَمَرَرْتُ بِمَنْزِلِ حُذَيْفَةَ فَدَخَلَتُ عَلَيْهِ فَأَمَرَ بِلُقْحَةٍ فَحُلِبَتْ وَبِقِدْرٍ فَسُخِّنَتْ ثُمَّ قَالَ كُلْ قُلْتُ إِنِّي أُرِيدُ الصَّوْمَ قَالَ وَأَنَا أُرِيدُ الصَّوْمَ قَالَ فَأَكَلْنَا ثُمَّ شَرِبْنَا ثُمَّ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ قَالَ هَكَذَا فَعَلَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ صَنَعْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ بَعْدَ الصُّبْحِ قَالَ بَعْدَ الصُّبْحِ غَيْرَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ تَنْبِيهٌ قَالَ العيني في عمدة القارىء فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَسَحُّرَهُمْ كَانَ بَعْدَ الصُّبْحِ غَيْرَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَطْلُعْ وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَرَاغَ مِنَ السُّحُورِ كَانَ قَبْلَ الْفَجْرِ بِمِقْدَارِ قِرَاءَةِ خَمْسِينَ آيَةً قُلْتُ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ لَا مُعَارَضَةَ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْحَالِ فَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يُشْعِرُ بِالْمُوَاظَبَةِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الْجَوَابُ لَا يَشْفِي الْعَلِيلَ وَلَا يَرْوِي الْغَلِيلَ بَلِ الْجَوَابُ الْقَاطِعُ مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَوْ جَعْفَرٌ الطَّحَاوِيُّ بِقَوْلِهِ بَعْدَ أَنْ رَوَى حَدِيثَ حُذَيْفَةَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُ مَا رُوِيَ عَنْ

باب ما جاء في بيان الفجر

حُذَيْفَةَ فَذَكَرَ الْأَحَادِيثَ الَّتِي اتَّفَقَ عَلَيْهَا الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ أَيْضًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا الْآيَةُ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ أَرَادَ الْعَيْنِيُّ بقوله بعضهم الحافظ بن حَجَرٍ وَلَمْ يَنْقُلْ جَوَابَهُ بِتَمَامِهِ بَلْ تَرَكَ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ مِنْ جَوَابِهِ وَهِيَ فَتَكُونُ قِصَّةُ حُذَيْفَةَ سَابِقَةً فَجَوَابُ الْحَافِظِ شَافٍ لِلْعَلِيلِ وَمُرْوٍ لِلْغَلِيلِ وَاعْتِرَاضُ الْعَيْنِيِّ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي بَيَانِ الْفَجْرِ) [705] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُلَازِمُ بْنُ عَمْرٍو) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ أَبُو عَمْرٍو الْيَمَامِيِّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قُلْتُ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُعْمَانَ وغيره وعنه هناد وغيره وقال بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَالنَّسَائِيُّ ثِقَةٌ (قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ بْنُ النُّعْمَانِ) السُّحَيْمِيُّ الْيَمَامِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الخلاصة وثقه بن حِبَّانَ (وَلَا يَهِيدَنَّكُمْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَبِالدَّالِ مِنْ هَادَهُ يَهِيدُهُ هَيْدًا وَهُوَ الزَّجْرُ (السَّاطِعُ الْمُصْعَدُ) بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ مِنَ الْإِصْعَادِ أَيِ الْمُرْتَفِعُ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ لَا تَنْزَعِجُوا لِلْفَجْرِ الْمُسْتَطِيلِ فَتَمْتَنِعُوا بِهِ عَنِ السُّحُورِ فَإِنَّهُ الصُّبْحُ الْكَاذِبُ وَأَصْلُ الْهَيْدِ الْحَرَكَةُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ لَا يَهِيدَنَّكُمْ بِكَسْرِ الْهَاءِ أَيْ لَا يُزْعِجَنَّكُمْ فَتَمْتَنِعُوا بِهِ عَنِ السُّحُورِ فَإِنَّهُ الْفَجْرُ الْكَاذِبُ يُقَالُ هِدْتُهُ أَهِيدُهُ إِذَا أَزْعَجْتَهُ وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا الْفَجْرُ فَجْرَانِ فَأَمَّا الَّذِي كَأَنَّهُ ذَنَبُ السَّرْحَانِ فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ شَيْئًا وَلَا يُحَرِّمُهُ وَلَكِنِ الْمُسْتَطِيرُ أَيْ هُوَ الَّذِي يُحَرِّمُ الطَّعَامَ وَيُحِلُّ الصَّلَاةَ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْآيَةِ الْمَاضِيَةِ يَعْنِي كُلُوا وَاشْرَبُوا حين يَتَبَيَّنَ لَكُمِ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ من الفجر حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمِ الْأَحْمَرُ أَيِ الْفَجْرُ الْأَحْمَرُ الْمُعْتَرِضُ مِنَ الْمُرَادِ بِهِ الصُّبْحُ الصَّادِقُ وَفِي عمدة

القارىء قَوْلُهُ السَّاطِعُ الْمُصْعَدُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ سُطُوعُهُ ارْتِفَاعُهُ مُصْعَدًا قَبْلَ أَنْ يَعْتَرِضَ قَالَ وَمَعْنَى الْأَحْمَرِ ها هنا أَنْ يَسْتَبْطِنَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ أَوَائِلَ حُمْرَةِ انْتَهَى مَا فِي الْعُمْدَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَسَمُرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِبِلَالٍ إِنَّكَ تُؤَذِّنُ إِذَا كَانَ الْفَجْرُ سَاطِعًا وَلَيْسَ ذَلِكَ الصُّبْحَ إِنَّمَا الصُّبْحُ هَكَذَا مُعْتَرِضًا كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا يَغُرَّنَّكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا بَيَاضُ الْأُفُقِ الْمُسْتَطِيلِ هَكَذَا حَتَّى يَسْتَطِيرَ هَكَذَا يَعْنِي مُعْتَرِضًا وَفِي رِوَايَةٍ وَلَا هَذَا الْبَيَاضُ حَتَّى يَسْتَطِيرَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَسَكَتَ عَنْهُ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ عامة أَهْلِ الْعِلْمِ) مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرُهُمْ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ الصَّحِيحَةُ وَذَهَبَ مَعْمَرٌ وَسُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ إِلَى جَوَازِ التَّسَحُّرِ مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وذكرنا لفظه وقال بن حَزْمٍ عَنِ الْحَسَنِ كُلْ مَا امْتَرَيْت وَعَنِ بن جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَيُكْرَهُ أَنْ أَشْرَبَ وَأَنَا فِي الْبَيْتِ لَا أَدْرِي لَعَلِّي أَصْبَحْت قَالَ لابأس بذلك هو شك وقال بن أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ قَالَ لَمْ يَكُونُوا يَعُدُّونَ الْفَجْرَ فَجْرَكُمْ إِنَّمَا كَانُوا

باب ما جاء في التشديد في الغيبة للصائم

يَعُدُّونَ الْفَجْرَ الَّذِي يَمْلَأُ الْبُيُوتَ وَالطُّرُقَ وَعَنْ مَعْمَرٍ أَنَّهُ كَانَ يُؤَخِّرُ السُّحُورَ جَدًّا حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ لَا صَوْمَ لَهُ وَرَوَى سَعِيدُ بن منصور وبن أبي شيبة وبن الْمُنْذِرِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَمَرَ بِغَلْقِ الْبَابِ حَتَّى لَا يُرَى الْفَجْرُ وروى بن الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ قَالَ الْآنَ حِينَ يَتَبَيَّنَ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ وقال بن المنذر ذهب بعضهم إلى أن المراد بتبيين بَيَاضِ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ أَنْ يَنْتَشِرَ الْبَيَاضُ مِنَ الطُّرُقِ وَالسِّكَكِ وَالْبُيُوتِ وَرُوِيَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ الْأَشْجَعِيِّ وَلَهُ صُحْبَةٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَهُ اخْرُجْ فَانْظُرْ هَلْ طَلَعَ الْفَجْرُ قَالَ فَنَظَرْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقُلْتُ قَدِ ابْيَضَّ وَسَطَعَ ثُمَّ قَالَ اخْرُجْ فَانْظُرْ هَلْ طَلَعَ فَنَظَرْتُ فَقُلْتُ قَدِ اعْتَرَضَ فَقَالَ الْآنَ أَبْلَغَنِي شَرَابِي وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ قَالَ لَوْلَا الشُّهْرَةُ لَصَلَّيْتُ الْغَدَاةَ ثُمَّ تسحرت كذا في عمدة القارىء وَفَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَأَمَّا الْآثَارُ فَهِيَ لَا تُقَاوِمُ الْأَحَادِيثَ المرفوعة الصحيحة 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيدِ فِي الْغِيبَةِ لِلصَّائِمِ) [707] قَوْلُهُ (مَنْ لَمْ يَدَعْ) أَيْ لَمْ يَتْرُكْ (قَوْلَ الزُّورِ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ وَالْجَهْلَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الزور الكذب انتهى وقال القارىء المراد به الباطل وهو ما فيه اسم وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الزُّورُ الْكَذِبُ وَالْبُهْتَانُ أَيْ مَنْ لَمْ يَتْرُكِ الْقَوْلَ الْبَاطِلَ مِنْ قَوْلِ الْكُفْرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالِافْتِرَاءِ وَالْغِيبَةِ وَالْبُهْتَانِ وَالْقَذْفِ وَالشَّتْمِ وَاللَّعْنِ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ اجْتِنَابُهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ارْتِكَابُهَا (وَالْعَمَلَ) بِالنَّصْبِ (وَبِهِ) أَيْ بِالزُّورِ يَعْنِي الْفَوَاحِشَ مِنَ الْأَعْمَالِ لِأَنَّهَا فِي الْإِثْمِ كَالزُّورِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ (فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ) أَيِ الْتِفَاتٌ وَمُبَالَاةٌ وَهُوَ مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ بِهِ نَفْيُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ نَفْيِ الْمُسَبَّبِ (بِأَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) فَإِنَّهُمَا مُبَاحَانِ فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا تَرَكَهُمَا وَارْتَكَبَ أَمْرًا حَرَامًا مِنْ أَصْلِهِ

باب ما جاء في فضل السحور

اسْتَحَقَّ الْمَقْتَ وَعَدَمَ قَبُولِ طَاعَتِهِ قَالَ الْقَاضِي الْمَقْصُودُ مِنَ الصَّوْمِ كَسْرُ الشَّهْوَةِ وَتَطْوِيعُ الْأَمَّارَةِ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِصَوْمِهِ وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ نَظَرَ عِنَايَةٍ فَعَدَمُ الْحَاجَةِ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ وَالْقَبُولِ وَكَيْفَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ تَرَكَ مَا يُبَاحُ مِنْ غَيْرِ زَمَانِ الصَّوْمِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَارْتَكَبَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ انتهى قال بن بَطَّالٍ لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يُؤْمَرَ بِأَنْ يَدَعَ صِيَامَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ مِنْ قَوْلِ الزُّورِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ مَنْ بَاعَ الْخَمْرَ فَلْيُشَقِّصِ الْخَنَازِيرَ أَيْ يَذْبَحْهَا وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِذَبْحِهَا وَلَكِنَّهُ عَلَى التَّحْذِيرِ وَالتَّعْظِيمِ لِإِثْمِ بَائِعِ الْخَمْرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةً فَلَا مَفْهُومَ لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْعِرَاقِيَّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَمَّا أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ تَرْجَمَ مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيدِ فِي الْغِيبَةِ لِلصَّائِمِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ الْغِيبَةَ لَيْسَتْ قَوْلَ الزُّورِ وَلَا العمل به لأنها أَنْ يَذْكُرَ غَيْرَهُ بِمَا يَكْرَهُ وَقَوْلُ الزُّورِ هُوَ الْكَذِبُ وَقَدْ وَافَقَ التِّرْمِذِيُّ بَقِيَّةَ أَصْحَابِ السُّنَنِ فَتُرْجَمُوا بِالْغِيبَةِ وَذَكَرُوا هَذَا الْحَدِيثَ وَكَأَنَّهُمْ فَهِمُوا مِنْ ذِكْرِ قَوْلِ الزُّورِ وَالْعَمَلِ بِهِ الْأَمْرَ بِحِفْظِ النُّطْقِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الزِّيَادَةِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَهِيَ الْجَهْلُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إِطْلَاقُهُ عَلَى جَمِيعِ الْمَعَاصِي وَأَمَّا قَوْلُهُ وَالْعَمَلَ بِهِ فَيَعُودُ عَلَى الزُّورِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ أَيْضًا عَلَى الْجَهْلِ أَيْ وَالْعَمَلَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ مَنْ لَمْ يَدَعِ الْخَنَا وَالْكَذِبَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيَّ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ السَّحُورِ) بِالْفَتْحِ هُوَ اسْمُ مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَبِالضَّمِّ الْمَصْدَرُ وَالْفِعْلُ نَفْسُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ

[708] قَوْلُهُ (تَسَحَّرُوا) أَمْرُ نَدْبٍ كَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ أَيْ تَنَاوَلُوا شَيْئًا مَا وَقْتَ السَّحَرِ لِحَدِيثِ تسحروا ولو بجرعة ماء وقد صححه بن حِبَّانَ وَقِيلَ إِنَّهُ ضَعِيفٌ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي يَحْصُلُ السُّحُورُ بِأَقَلِّ مَا يَتَنَاوَلُهُ الْمَرْءُ مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِلَفْظِ السُّحُورُ بَرَكَةٌ فَلَا تَدَعُوهُ وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ فَإِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الْمُتَسَحِّرِينَ وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مُرْسَلَةٍ تَسَحَّرُوا وَلَوْ بِلُقْمَةٍ انتهى (فإن في السحور بركة) قال القارىء الرِّوَايَةُ الْمَحْفُوظَةُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ فَتْحُ السِّينِ وَهُوَ مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ انْتَهَى وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَكْثَرُ مَا يُرْوَى بِالْفَتْحِ وَقِيلَ الصَّوَابُ بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ الْمَصْدَرُ وَالْأَجْرُ فِي الْفِعْلِ لَا فِي الطَّعَامِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ وَبِضَمِّهَا لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَرَكَةِ الْأَجْرُ وَالثَّوَابُ فَيَتَنَاسَبُ الضَّمُّ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّسَحُّرِ أَوِ الْبَرَكَةِ لِكَوْنِهِ يقوي على الصوم وينشط له ويخفف الْمَشَقَّةَ فِيهِ فَيُنَاسِبُ الْفَتْحُ لِأَنَّهُ مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ وَقِيلَ الْبَرَكَةُ مَا يَتَضَمَّنُ مِنْ الِاسْتِيقَاظِ وَالدُّعَاءِ فِي السَّحَرِ وَالْأَوْلَى أَنَّ الْبَرَكَةَ فِي السُّحُورِ تَحْصُلُ بِجِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَهِيَ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَمُخَالَفَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالتَّقَوِّي بِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَالزِّيَادَةُ فِي النَّشَاطِ وَمُدَافَعَةُ سُوءِ الْخُلُقِ الَّذِي يُثِيرُهُ الْجُوعُ وَالتَّسَبُّبُ بِالصَّدَقَةِ عَلَى مَنْ يَسْأَلُ إِذْ ذَاكَ أَوْ يَجْتَمِعُ مَعَهُ الْأَكْلُ وَالتَّسَبُّبُ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءُ وَقْتَ مَظِنَّةِ الْإِجَابَةِ وَتَدَارُكُ نِيَّةِ الصَّوْمِ لِمَنْ أَغْفَلَهَا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وبن عَبَّاسٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ وَعُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن حِبَّانَ عَنْهُ مَرْفُوعًا نِعْمَ سُحُورُ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَحَدِيثُ جَابِرٍ فلينظر من أخرجهما وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ثَلَاثَةٌ لَيْسَ عَلَيْهِمْ حِسَابٌ فِيمَا طَعِمُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إِذَا كَانَ حَلَالًا الصَّائِمُ وَالْمُتَسَحِّرُ وَالْمُرَابِطُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ فَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي وبن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رَوَوْهُ كُلُّهُمْ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي رُهْمٍ عَنِ الْعِرْبَاضِ وَالْحَارِثُ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ يُونُسَ بْنِ سَيْفٍ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ مَجْهُولٌ يَرْوِي عَنْ

أَبِي رُهْمٍ حَدِيثُهُ مُنْكَرٌ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حديث أبي الدرداء فأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْغَدَاءُ الْمُبَارَكُ يَعْنِي السُّحُورَ قَوْلُهُ (فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ) مَا زَائِدَةٌ أُضِيفَ إِلَيْهَا الْفَصْلُ بِمَعْنَى الْفَرْقِ (أَكْلَةُ السَّحَرِ) قَالَ النَّوَوِيُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَهَكَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ بِلَادِنَا وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَرَّةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْأَكْلِ كَالْغَدْوَةِ وَالْعَشْوَةِ وَإِنْ كَثُرَ الْمَأْكُولُ فِيهَا وَأَمَّا الْأُكْلَةُ بِالضَّمِّ فَهِيَ اللُّقْمَةُ الْوَاحِدَةُ وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ بِالضَّمِّ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ رِوَايَةَ بلا وهم فِيهَا بِالضَّمِّ قَالَ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ لِأَنَّهُ الْمَقْصُودُ هُنَا انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَالْمَعْنَى أَنَّ السُّحُورَ هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أهل الكتاب لأن الله تعالى أباحته لنا إلى الصبح بعد ما كَانَ حَرَامًا عَلَيْنَا أَيْضًا فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ وَحَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ يَنَامُوا أَوْ مُطْلَقًا وَمُخَالَفَتُنَا إِيَّاهُمْ تَقَعُ مَوْقِعَ الشُّكْرِ لِتِلْكَ النِّعْمَةِ فقول بن الْهُمَامِ إِنَّهُ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ غَيْرُ صَحِيحٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَأَهْلُ مِصْرَ يَقُولُونَ مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ (وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ مُوسَى بْنُ عُلَيٍّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرًا (وَهُوَ مُوسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ اللَّخْمِيُّ) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ

باب ما جاء في كراهية الصوم في السفر

18 - (باب ما جاء في كراهية الصوم في السَّفَرِ) قَوْلُهُ (عَامَ الْفَتْحِ) أَيْ فَتْحَ مَكَّةَ (حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ) بِضَمِّ الْكَافِ وَالْغَمِيمُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ اسْمُ وَادٍ أَمَامَ عُسْفَانَ قَالَهُ الْحَافِظُ (فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ) زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَرَفَعَهُ (فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ) جَمْعُ الْعَاصِي وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ مُكَرِّرًا مَرَّتَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ أَوْ أَنَّهُمْ أُمِرُوا بِالْفِطْرِ أَمْرًا جَازِمًا لِمَصْلَحَةِ بَيَانِ جَوَازِهِ فَخَالَفُوا الْوَاجِبَ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَكُونُ الصَّائِمُ الْيَوْمَ فِي السَّفَرِ عَاصِيًا إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ وَيُؤَيِّدُ التَّأْوِيلَ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فَقِيلَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهُمُ الصِّيَامُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَشْعَرِيِّ بِلَفْظِ لَيْسَ مِنَ امْبِرِّ مْصِيَامُ فِي مْسَفَرِ وَهَذِهِ لُغَةٌ لبعض أهل اليمن يجعلون لَامَ التَّعْرِيفِ مِيمًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ بِهَا هَذَا الْأَشْعَرِيَّ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا لُغَتُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَشْعَرِيُّ هَذَا نَطَقَ بِهَا عَلَى مَا أَلِفَ من لغته فحملها عنه الرَّاوِي عَنْهُ وَأَدَّاهَا بِاللَّفْظِ الَّذِي سَمِعَهَا بِهِ وَهَذَا الثَّانِي أَوْجَهُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم

عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابٌ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ قَالَ الْحَافِظُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى أَنَّ سَبَبَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمَشَقَّةِ وَأَنَّ مَنْ رَوَى الْحَدِيثَ مُجَرَّدًا فَقَدِ اخْتَصَرَ الْقِصَّةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ إلخ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُجْزِئُ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ عَنِ الْفَرْضِ بَلْ مَنْ صَامَ فِي السَّفَرِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فِي الْحَضَرِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فعدة من أيام أخر وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ وَمُقَابَلَةُ الْبِرِّ الْإِثْمُ وَإِذَا كَانَ آثِمًا بِصَوْمِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وبن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ على سفر فعدة من أيام أخر قَالُوا ظَاهِرُهُ فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ أَوْ فَالْوَاجِبُ عِدَّةٌ وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ وَمُقَابِلُ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الصَّوْمَ فِي السَّفَرِ لَا يَجُوزُ لِمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ الْهَلَاكَ وَالْمَشَقَّةَ الشَّدِيدَةَ حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَوْمٍ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ لِمَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْهُمُ الْفِطْرُ أَفْضَلُ عَمَلًا بِالرُّخْصَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ مُخَيَّرٌ مُطْلَقًا وَقَالَ آخَرُونَ أَفْضَلُهُمَا أَيْسَرُهُمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى يريد الله بكم اليسر فَإِنْ كَانَ الْفِطْرُ أَيْسَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ الصِّيَامُ أَيْسَرَ كَمَنْ يَسْهُلُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَالصَّوْمُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ عمر بن عبد العزيز واختاره بن الْمُنْذِرِ وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَلَكِنْ قَدْ يكون

باب ما جاء في الرخصة في الصوم في السفر

الْفِطْرُ أَفْضَلَ لِمَنِ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَتَضَرَّرَ بِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ ظُنَّ بِهِ الْإِعْرَاضُ عَنْ قَبُولِ الرُّخْصَةِ كَمَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (فَوَجْهُ هَذَا إِذَا لَمْ يَحْتَمِلْ قَلْبُهُ قَبُولَ رُخْصَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلخ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ إلخ وَقَوْلَهُ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ وَشَقَّ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ) [711] قَوْلُهُ (وَكَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ) مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ أَيْ يُتَابِعُهُ وَيُوَالِيهِ وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ فَأَصُومُ فِي السَّفَرِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنِ الْفَرْضِ وَصَحَّحَهَا الْحَاكِمُ (إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ جَائِزَانِ قَالَ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمُرَافِقِيهِ أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ وَسَرْدَهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِمَنْ لَا يَخَافُ ضَرَرًا وَلَا يُفَوِّتُ بِهِ حَقًّا بِشَرْطِ فِطْرِ يَوْمِ العيدين والتشريق لأنه أخبره بسرده لم يُنْكِرْ عَلَيْهِ بَلْ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ انْتَهَى قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ صوم الدهر نظرا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ إِنِّي رَجُلٌ أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَيْ أُكْثِرُ الصِّيَامَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَمَا لَمْ يَنْتِفِ هَذَا الِاحْتِمَالُ لَا يَتِمُّ الاستدلال

قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَحَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ فَسَقَطَ الصَّوَّامُونَ وَقَامَ الْمُفْطِرُونَ فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةَ وَسَقَوُا الرُّكَّابَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالْأَجْرِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ فِي السَّفَرِ وَيُفْطِرُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلْيُنْظَرْ من أخرجه وأما حديث أَبِي الدَّرْدَاءِ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إِنْ كَانَ أَحَدُنَا يَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيِّ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجِدُ مِنِّي قُوَّةً عَلَى الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ فَقَالَ هِيَ رُخْصَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَمِنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ [712] قَوْلُهُ (فما يعاب عَلَى الصَّائِمِ صَوْمَهُ) لِعَمَلِهِ بِالْعَزِيمَةِ (وَلَا عَلَى المفطر ففطره) لعمله بالرخصة

باب ما جاء في الرخصة للمحارب في الافطار

[713] قَوْلُهُ (فَلَا يَجِدُ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ) أَيْ لَا يَغْضَبُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَجَدَ عَلَيْهِ يجد ويجد وجد أو جدة وَمَوْجِدَةً غَضِبَ (وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مَنْ وَجَدَ قُوَّةً فَصَامَ فَحَسَنٌ وَمَنْ وَجَدَ ضَعْفًا فَأَفْطَرَ فَحَسَنٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا صَرِيحٌ بِتَرْجِيحِ مَذْهَبِ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ تَفْضِيلُ الصَّوْمِ لِمَنْ أَطَاقَهُ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا مَشَقَّةَ ظَاهِرَةٌ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْفِطْرُ وَالصَّوْمُ سَوَاءٌ لِتَعَادُلِ الْأَحَادِيثِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ نَصٌّ رَافِعُ النِّزَاعِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ للمحارب في الافطار) أي وإن لم يكن مسافرا [714] قَوْلُهُ (عَنْ مَعْمَرٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ (بن أبي حبيبة) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَكْرَارِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ مصغرا وقد قيل فيه بن أَبِي حُبَيْبَةَ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَوْلُهُ (أَنَّهُ سَأَلَهُ) أَيْ أَنَّ مَعْمَرَ بْنَ أَبِي حبيبة سأل بن الْمُسَيِّبِ (وَالْفَتْحِ) أَيْ فَتْحِ مَكَّةَ (فَأَفْطَرْنَا فِيهِمَا) إِمَّا لِأَجْلِ السَّفَرِ وَإِمَّا لِلتَّقَوِّي عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ وَيُعَيِّنُ الثَّانِيَ حَدِيثُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَسَيَجِيءُ لَفْظُهُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْإِفْطَارِ لِلْمُحَارِبِ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ

باب ما جاء في الرخصة في الافطار للحبلى والمرضع

أَقْوَى لَكُمْ قَالَ فَكَانَتْ رُخْصَةً فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوَّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا فَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا الْحَدِيثُ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ النَّاسَ فِي سَفَرِهِ عَامَ الْفَتْحِ بِالْفِطْرِ وَقَالَ تَقَوَّوْا لِعَدُوِّكُمْ وَصَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَهُ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُسْنَدِ وَأَبُو دَاوُدَ وصححه الحاكم وبن عَبْدِ الْبَرِّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُمَرَ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وفيه بن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ يَعْتَضِدُ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْفِطْرِ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا لَفْظُهُ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْإِفْطَارِ لِلْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ) [715] قَوْلُهُ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِخْوَةِ بَنِي قُشَيْرٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ الْقُشَيْرِيُّ الْكَعْبِيُّ أَبُو أُمَيَّةَ وَقِيلَ أَبُو أُمَيْمَةَ أَوْ أَبُو مية صحابي نزل البصرة انتهى وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي عِلَلِهِ سَأَلْتُ أَبِي عَنْهُ يَعْنِي الْحَدِيثَ فَقَالَ اخْتُلِفَ فِيهِ وَالصَّحِيحُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْقُشَيْرِيِّ انْتَهَى وَفِي الْمِرْقَاةِ الصَّوَابُ أَنَّهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ فَهُوَ كَعْبِيٌّ لَا قُشَيْرِيٌّ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ لِأَنَّ كَعْبًا لَهُ ابْنَانِ عَبْدُ اللَّهِ جَدُّ أَنَسٍ هَذَا وَقُشَيْرٌ وَهُوَ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَمَّا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ خَادِمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ أَنْصَارِيٌّ تُجَارِيٌّ خَزْرَجِيٌّ انْتَهَى

قَوْلُهُ (أَغَارَتْ عَلَيْنَا) أَيْ عَلَى قَوْمِنَا فَإِنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا مِنْ قَبْلُ وَالْإِغَارَةُ النَّهْبُ (خَيْلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ فُرْسَانُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ ادْنُ) أَمْرٌ مِنَ الدُّنُوِّ بِمَعْنَى الْقُرْبِ (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنِ الْمُسَافِرِ شَطْرَ الصَّلَاةِ) أَيْ نِصْفَهُ يَعْنِي نِصْفَ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ (وَعَنِ الْحَامِلِ أَوِ المرضع الصوم أو الصيام) وفي رِوَايَةِ أَبُو دَاوُدَ إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ شَطْرَ الصَّلَاةِ أَوْ نِصْفَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمَ عَنِ الْمُسَافِرِ وَعَنِ الْمُرْضِعِ أَوِ الْحُبْلَى وَاَللَّهِ لَقَدْ قَالَهُمَا جَمِيعًا أَوْ أَحَدَهُمَا (وَاَللَّهِ لَقَدْ قَالَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كِلَيْهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا) أَيْ قَالَ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ كِلَيْهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْمُرْضِعِ وَالْحُبْلَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْكَعْبِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْإِفْطَارِ لِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعَةِ إِذَا خَافَتِ الْمُرْضِعَةُ عَلَى الرَّضِيعِ وَالْحَامِلُ عَلَى الْجَنِينِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ يَجُوزُ لِلْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الْإِفْطَارُ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْعِتْرَةُ وَالْفُقَهَاءُ إِذَا خَافَتِ الْمُرْضِعَةُ عَلَى الرَّضِيعِ وَالْحَامِلُ عَلَى الْجَنِينِ وَقَالُوا إِنَّهَا تُفْطِرُ حَتْمًا قَالَ أَبُو طَالِبٍ وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ يُفْطِرَانِ وَيَقْضِيَانِ وَيُطْعِمَانِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ

وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ) أَمَّا أَنَّهُمَا يَقْضِيَانِ فَلِأَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ وَالْمَرِيضُ يُفْطِرُ وَيَقْضِي وَأَمَّا أَنَّهُمَا يُطْعِمَانِ فَلِآثَارِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فِي قَوْلُهُ (وعلى الذين يطيقونه) قَالَ كَانَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ وهما يطيقان الطعام أَنْ يُفْطِرَا أَوْ يُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكَيْنَا وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إِذَا خَافَتَا يَعْنِي عَلَى أَوْلَادِهِمَا أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتَا وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ كَذَلِكَ وَزَادَ في آخره وكان بن عَبَّاسٍ يَقُولُ لِأُمِّ وَلَدٍ لَهُ حُبْلَى أَنْتِ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي لَا يُطِيقُهُ فَعَلَيْكَ الْفِدَاءُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْكَ وَصَحَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِسْنَادَهُ وَرَوَى الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بَلَاغًا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ سُئِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَامِلِ إِذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا وَاشْتَدَّ عَلَيْهَا الصِّيَامُ فَقَالَ تُفْطِرُ وَتُطْعِمُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَالِكٌ وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَرَوْنَ عَلَيْهَا الْقَضَاءَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ من أيام أخر وَيُرِيدُونَ ذَلِكَ مَرَضًا مِنَ الْأَمْرَاضِ مَعَ الْخَوْفِ عَلَى وَلَدِهَا انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُفْطِرَانِ وَيُطْعِمَانِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ شَاءَتَا قَضَتَا وَلَا إِطْعَامَ وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ) فَعِنْدَهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْإِطْعَامِ فَإِذَا أَفْطَرَتِ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ قَضَتَا وَلَا إِطْعَامَ أَوْ أَطْعَمَتَا وَلَا قَضَاءَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتُلِفَ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ وَمَنْ أَفْطَرَ لِكِبَرٍ ثُمَّ قَوِيَ عَلَى الْقَضَاءِ بَعْدُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَقْضُونَ وَيُطْعِمُونَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ لَا إِطْعَامَ انْتَهَى قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ فِي الْمُرْضِعِ وَالْحَامِلِ إِذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا تُفْطِرَانِ ثُمَّ تَقْضِيَانِ انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ تُفْطِرَانِ وَتَقْضِيَانِ وَلَا إِطْعَامَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أيام أخر أَيْ إِذَا أَفْطَرَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِقَدْرِ مَا فَاتَهُ وَلَا أَثَرَ لِلْفِدْيَةِ فِيهِ وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ أُعْطِي لَهُمَا حُكْمُ الْمَرِيضِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ فَقَطْ وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ الْبَابِ وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّاهْ وَلِيُّ اللَّهِ فِي المصفى بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ إِسْحَاقَ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ أين قول بتطبيق أدله مناسب ترمي نمايد انْتَهَى وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ فَقَطْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في الصوم عن الميت

22 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّوْمِ عَنْ الْمَيِّتِ) قَوْلُهُ (وَمُسْلِمٌ الْبَطِينُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ ثِقَةٌ مِنْ رِجَالِ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ قَوْلُهُ (جَاءَتِ امْرَأَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ جَاءَ رَجُلٌ (فَقَالَتْ إِنَّ أُخْتِي ماتت) وفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَعَلَيْهَا خَمْسَةُ عَشَرَ يَوْمًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا اضْطِرَابٌ مِنَ الرُّوَاةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ تَعَدُّدُ الْوَاقِعَةِ وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي كَوْنِ السَّائِلِ رجلا أو امرأة والمسئول عَنْهُ أُخْتًا أَوْ أُمًّا فَلَا يَقْدَحُ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِدْلَالِ مِنَ الْحَدِيثِ (أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُخْتِكَ دَيْنٌ أَكُنْتِ تَقْضِينَهُ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْقِيَاسِ وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ لِيَكُونَ أَوْضَحَ وَأَوْقَعَ فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَأَقْرَبَ إِلَى سُرْعَةِ فَهْمِهِ (قَالَ فَحَقُّ اللَّهِ أَحَقُّ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَصُومِي عَنْ أُمِّكِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ قوله (وفي الباب عن بريدة وبن عُمَرَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كان عليها صوم شهر فأصوم عَنْهَا قَالَ صُومِي عَنْهَا الْحَدِيثُ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ فِي الصَّوْمِ عَنِ الْمَيِّتِ وَأَمَّا حَدِيثُهُ فِي الْإِطْعَامِ عَنِ الْمَيِّتِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ

باب ما جاء في الكفارة

الْآتِي وَسَيَجِيءُ مَا فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ قَوْلُهُ (وَرَوَى أَبُو مُعَاوِيَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَعْمَشِ إلخ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ 3 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكَفَّارَةِ) [718] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْثَرُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ بْنُ الْقَاسِمِ الزُّبَيْدِيُّ بِالضَّمِّ أَبُو زُبَيْدٍ كَذَلِكَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ) عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ أَيْ فَلْيُطْعِمْ وَلِيُّ مَنْ مَاتَ (مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ) مِنْ أَيَّامِ الصِّيَامِ الْفَائِتَةِ (مِسْكِينًا) كَذَا وَقَعَ بِالنَّصْبِ فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْمِشْكَاةِ مِسْكِينٌ بِالرَّفْعِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ فَلْيُطْعَمْ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِقْدَارَ الطَّعَامِ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ مُدٌّ مِنَ الْحِنْطَةِ وَسَتَجِيءُ فَانْتَظِرْ قَوْلُهُ (لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ والصحيح عن بن عُمَرَ مَوْقُوفٌ قَوْلُهُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ رواه بن مَاجَهْ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَوَقَعَ

عِنْدَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ بَدَلَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ وَهَمٌ مِنْهُ أَوْ مِنْ شَيْخِهِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْمَحْفُوظُ وَقْفُهُ عَلَى بن عُمَرَ وَتَابَعَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ في أحكامه بأشعث وبن أَبِي لَيْلَى وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ الْمَحْفُوظُ موقوف هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ عَنْ نافع عن بن عُمَرَ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي لَيْلَى كَثِيرُ الْوَهْمِ وَرَوَاهُ أَصْحَابُ نَافِعٍ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قَوْلَهُ ثُمَّ أَخْرَجَهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن الأخنس عن نافع عن بن عُمَرَ قَالَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامُ رَمَضَانَ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا مُدًّا مِنْ حِنْطَةٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُصَامُ عَنِ الْمَيِّتِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ قَالَا إِذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ نَذْرُ صِيَامٍ يُصَامُ عَنْهُ وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ أُطْعِمَ عَنْهُ) وَهُوَ قَوْلُ الليث وأبو عبيد واستدلوا بحديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِيهِ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ بَلْ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ النَّذْرِ بَلْ قَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ بَيَانُ سَبَبِ النَّذْرِ بِلَفْظِ إِنَّ امْرَأَةً رَكِبَتِ الْبَحْرَ فَنَذَرَتْ إِنِ اللَّهُ نَجَّاهَا أَنْ تَصُومَ شَهْرًا فَأَنْجَاهَا اللَّهُ فلم تصم حتى ماتت فجاءت قرابة لَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ فَقَالَ صُومِي عَنْهَا وَحَمَلُوا الْعُمُومَ الَّذِي فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي حديث بن عباس وفيه أنه ليس بين حديث بن عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ تَعَارُضٌ حَتَّى يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فحديث بن عَبَّاسٍ صُورَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ سَأَلَ عَنْهَا مَنْ وَقَعَتْ لَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَهُوَ تَقْرِيرُ قَاعِدَةٍ عامة وقد وقعت الاشارة في حديث بن عَبَّاسٍ إِلَى نَحْوِ هَذَا الْعُمُومِ حَيْثُ قِيلَ فِي آخِرِهِ فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى (وَقَالَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَفِيهِ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَحْفُوظَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَلِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسْرَحٌ فَلَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ مَا يَمْنَعُ الصِّيَامَ

فإن قلت روى مالك بلاغا أن بن عُمَرَ كَانَ يُسْأَلُ هَلْ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ أَوْ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَيَقُولُ لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ فَفِيهِ مَا يَمْنَعُ الصِّيَامَ قلت قد جاء عن بن عُمَرَ خِلَافُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَسَيَجِيءُ فَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ أَيْضًا وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا سُئِلَتْ عَنِ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمٌ قَالَتْ يُطْعَمُ عَنْهَا وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَا تَصُومُوا عَنْ مَوْتَاكُمْ وَأَطْعِمُوا عَنْهُمْ أخرجه البيهقي قالوا فلما أفتى بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ بِخِلَافِ مَا رَوَيَاهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى خِلَافِ مَا رَوَيَاهُ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ أَيْضًا مَخْدُوشٌ أَمَّا أولا فلأنه جاء عن بن عباس خلاف ذلك فروى بن أبي شيبة بسند صحيح سند بن عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ فَقَالَ يُصَامُ عَنْهُ النَّذْرُ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا أمر بن عُمَرَ امْرَأَةً جَعَلَتْ أُمُّهَا عَلَى نَفْسِهَا صَلَاةً فقال صلى عنها وقال بن عباس نحوه قال بن عبد البر والنقل في هذا عن بن عَبَّاسٍ مُضْطَرِبٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ الْإِثْبَاتِ فِي حَقِّ مَنْ مَاتَ وَالنَّفْيِ فِي حَقِّ الْحَيِّ انْتَهَى وَأَمَّا أَثَرُ عائشة الأول فليس فيها مَا يَمْنَعُ الصِّيَامَ وَأَمَّا أَثَرُهَا الثَّانِي فَضَعِيفٌ جِدًّا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ الرَّاجِحَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا رَوَاهُ الصَّحَابِيُّ لَا مَا رَآهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلَيْنِ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَصُومَ عَنِ الْمَيِّتِ إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ أَيُّ صَوْمٍ كَانَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَجَازَ الصِّيَامَ عَنِ الْمَيِّتِ أَصْحَابُ الحديث وهو قول أبي ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ مُحَدِّثِي الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ثَابِتَةٌ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي صِحَّتِهَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ إِلَى الشَّافِعِيِّ كُلَّ مَا قُلْتُ وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافُهُ فَخُذُوا بِالْحَدِيثِ وَلَا تُقَلِّدُونِي ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا التِّرْمِذِيُّ قُلْتُ هَذَا الْقَوْلُ الثَّالِثُ الَّذِي قَالَ بِهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عندي يدل عليه حديث بن عَبَّاسٍ وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ قَدْ تَقَدَّمَتْ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ

باب ما جاء في الصائم يذرعه القيء

24 - (باب ما جاء في الصائم يذرعه القيء) أَيْ يَغْلِبُهُ [719] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرًا قَوْلُهُ (ثَلَاثٌ) أَيْ ثَلَاثُ خِصَالٍ (لَا يُفْطِرْنَ) مِنَ التَّفْطِيرِ (الْحِجَامَةُ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيِ الِاحْتِجَامُ (وَالْقَيْءُ) أَيْ إِذَا غَلَبَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ما مَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ انْتَهَى (وَالِاحْتِلَامُ) أَيْ وَلَوْ تَذَكَّرَ الْمَنَامَ وَرَأَى الْمَنِيَّ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ لَكِنَّ حَيْثُ إِنَّهُ لَيْسَ بِاخْتِيَارِهِ لَا يَضُرُّهُ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ إلخ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَقَالَ إِنَّهُ أَصَحُّ وَأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ السِّجْزِيَّ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ يُرِيدُ أَبَا دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيَّ صاحب السنن فإنه روى عنه قال بن مَاكُولَا السِّجْزِيُّ نِسْبَةً إِلَى سِجِسْتَانَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ فِي الْمُغْنِي السِّجْزِيُّ بِمَكْسُورَةٍ وَسُكُونِ جِيمٍ وَبِزَايٍ نِسْبَةً إِلَى السِّجْزِ وَهُوَ اسْمٌ لِسِجِسْتَانَ وَقِيلَ نِسْبَةٌ إِلَى سِجِسْتَانَ بِغَيْرِ قِيَاسٍ انْتَهَى (فَقَالَ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ لَا بَأْسَ بِهِ) يَعْنِي وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ اعْلَمْ أَنَّ لِزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ عَبْدُ اللَّهِ

باب ما جاء من استقاء عمدا

وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأُسَامَةُ فَعِنْدَ أَحْمَدَ عَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ وَالْآخَرَانِ ضَعِيفَانِ وَعِنْدَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ بنو زيد كلهم ضعيف (وسمعت محمدا) هو الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (يَذْكُرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) هو بن المديني 5 - (باب ما جاء من اسْتَقَاءَ عَمْدًا) [720] قَوْلُهُ (وَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ غَلَبَهُ وَسَبَقَهُ فِي الْخُرُوجِ (فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ) لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ (وَمَنِ اسْتَقَاءَ عَمْدًا) أَيْ مَنْ تَسَبَّبَ لِخُرُوجِهِ قَصْدًا (فليقض) قال بن الْمَلِكِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَثَوْبَانَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَاءَ فَأَفْطَرَ قَالَ فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ فَقُلْتُ أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ حَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَأَفْطَرَ قَالَ صَدَقَ وَأَنَا صَبَبْتُ لَهُ وُضُوءَهُ (وفضالة بن عبيد) أخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي يَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ فَدَعَا بِإِنَاءٍ فَشَرِبَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ كُنْتَ تَصُومُهُ قَالَ أَجَلْ ولكني قئت وفي الباب عن بن عمر موقوفا عِنْدَ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيِّ بِلَفْظِ مَنِ اسْتَقَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَمِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَأَعَلَّهُ أَحْمَدُ وَقَوَّاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَا فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ

قَوْلُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) هُوَ الْبُخَارِيُّ (لَا أَرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ لَا أَظُنُّهُ قَالَ الطِّيبِيُّ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْحَدِيثِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ كَوْنِهِ مُنْكَرًا انْتَهَى وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ لَيْسَ مِنْ ذَا شَيْءٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ أَنَّ الْحَدِيثَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ قَوْلُهُ (هَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَالْحَدِيثُ المفسر الذي أشار إليه الترمذي رواه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَرْزُوقٍ قَالَ سَمِعْتُ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ يُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ آنِفًا قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي الْمُوَطَّأِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ أخبرنا مالك أخبرنا نافع أن بن عُمَرَ كَانَ يَقُولُ مَنِ اسْتَقَاءَ وَهُوَ صَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَمِنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهِ نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أبي حنيفة

باب ما جاء في الصائم يأكل ويشرب ناسيا

26 - (باب ما جاء في الصائم يأكل ويشرب ناسيا) [722] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأُمِّ إِسْحَاقَ الْغَنَوِيَّةِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ إِسْحَاقَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَأَكَلَتْ مَعَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَتْ أَنَّهَا كَانَتْ صَائِمَةً فقال لها ذو اليدين الان بعد ما شَبِعْتِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أتمي صومك فإنما هو رزق ساق اللَّهُ إِلَيْك انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْأَكْلِ وَكَثِيرِهِ قَالَ وَمَنِ الْمُسْتَظْرَفَاتِ مَا رواه عبد الرزاق عن بن جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّ إِنْسَانًا جَاءَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَنَسِيتُ فَطَعِمْتُ قَالَ لَا بَأْسَ قَالَ ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى إِنْسَانٍ فَنَسِيتُ فَطَعِمْتُ وَشَرِبْتُ قَالَ لَا بَأْسَ اللَّهُ أَطْعَمَكُ وَسَقَاكُ ثُمَّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى آخَرَ فَنَسِيتُ فَطَعِمْتُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنْتَ إِنْسَانٌ لَمْ تَتَعَوَّدِ الصِّيَامَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وهو قول أبي حنيفة فَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَاحْتَجُّوا

باب ما جاء في الافطار عمدا

بِحَدِيثِ الْبَابِ (وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ إِذَا أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ) وَأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ احْتَجَّ بِهِ مِنْ أَسْقَطَ الْقَضَاءَ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَرَّضْ فِيهِ لِلْقَضَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَى سُقُوطِ الْمُؤَاخَذَةِ لِأَنَّ المطلوب صيام يوم لا حزم فِيهِ لَكِنْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِيهِ سُقُوطَ الْقَضَاءِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ الِاحْتِمَالَ لَكِنَّ الشَّأْنَ فِي صِحَّتِهِ فَإِنْ صَحَّ وَجَبَ الْأَخْذُ بِهِ وَسَقَطَ الْقَضَاءُ انْتَهَى وَقَالَ الْمُهَلَّبُ وَغَيْرُهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ الْقَضَاءِ فَيُحْمَلُ عَلَى سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ عَنْهُ وَإِثْبَاتِ عُذْرِهِ وَرَفْعِ الْإِثْمِ عَنْهُ وَبَقَاءِ نِيَّتِهِ الَّتِي بَيَّتَهَا انْتَهَى وَالْجَوَابُ عَنْ ذلك كله بما أخرجه بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالَّداَرُقْطِنُّي مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ فَعَيَّنَ رَمَضَانَ وَصَرَّحَ بِإِسْقَاطِ الْقَضَاءِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ فَأَقَلُّ دَرَجَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا فَيَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ وَقَعَ الِاحْتِجَاجُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ بِمَا هُوَ دُونَهُ فِي الْقُوَّةِ وَيُعْتَضَدُ أَيْضًا بِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ لَهُمْ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدُ بن ثابت وأبو هريرة وبن عُمَرَ ثُمَّ هُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَكِنْ يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم فَالنِّسْيَانُ لَيْسَ مِنْ كَسْبِ الْقَلْبِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ) أَيِ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَتَقَدَّمَ وَجْهُ كَوْنِهِ أَصَحَّ آنِفًا 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِفْطَارِ عمدا) [723] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْمُطَوِّسُ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ هُوَ يَزِيدُ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُطَوِّسِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ الْمُطَوِّسُ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْمُطَوِّسُ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ الْمَكْسُورَةِ وَيُقَالُ أَبُو الْمُطَوِّسِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَجْهُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ

قَوْلُهُ (مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ) كَسَفَرٍ (وَلَا مَرَضٍ) أَيْ مُبِيحٍ لِلْإِفْطَارِ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهُ) أَيْ صَوْمُهُ فَالْإِضَافَةُ بِمَعْنَى فِي نَحْوَ مَكْرُ الليل وكله لِلتَّأْكِيدِ (وَإِنْ صَامَهُ) أَيْ وَلَوْ صَامَ الدَّهْرَ كُلَّهُ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَمْ يَجِدْ فَضِيلَةَ الصَّوْمِ الْمَفْرُوضِ بِصَوْمِ النَّفْلِ وَإِنْ سَقَطَ قَضَاؤُهُ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَاحِدٍ وَهَذَا عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ وَالتَّشْدِيدِ وَلِذَلِكَ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ وَإِنْ صَامَهُ أَيْ حق الصيام قال بن الْمَلَكِ وَإِلَّا فَالْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي يَوْمًا مكانه وقال بن حَجَرٍ وَمَا اقْتَضَاهُ ظَاهِرُهُ أَنَّ صَوْمَ الدَّهْرِ كله بينة الْقَضَاءِ عَمَّا أَفْطَرَهُ مِنْ رَمَضَانَ لَا يُجْزِئُهُ قال به علي وبن مَسْعُودٍ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يُجْزِئُهُ وَإِنْ كَانَ مَا أَفْطَرَهُ فِي غَايَةِ الطُّولِ وَالْحَرِّ وَمَا صَامَهُ بَدَلَهُ فِي غَايَةِ الْقِصَرِ وَالْبَرْدِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفْعُهُ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلَا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنَّ صامه وبه قال بن مسعود وقال سعيد بن المسيب وبن جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ انْتَهَى وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَنْ وَصَلَ هذه الاثار قال وصله يعني أثر بن مَسْعُودٍ لِلطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ لَهُمَا عَنْ عَرْفَجَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ ثُمَّ قَضَى طَوَالَ الدَّهْرِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ انْتَهَى وقال أبو هريرة بمثل قول بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا سَيَجِيءُ فَظَهَرَ أن ما ادعى بن الْمَلَكِ مِنْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الأربعة وصححه بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَشُعْبَةَ كِلَاهُمَا عن حبيب بن أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عِمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي الْمُطَوِّسِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ (وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ أَبُو الْمُطَوِّسِ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ الْمُطَوِّسِ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ) وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ تَفَرَّدَ أَبُو الْمُطَوِّسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا أَدْرِي سَمِعَ أَبُوهُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَمْ لَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ اخْتِلَافًا كَثِيرًا

باب ما جاء في كفارة الفطر في رمضان

فَحَصَلَتْ فِيهِ ثَلَاثُ عِلَلٍ الِاضْطِرَابُ وَالْجَهْلُ بِحَالِ أَبِي الْمُطَوِّسِ وَالشَّكُّ فِي سَمَاعِ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذِهِ الثَّالِثَةُ تَخْتَصُّ بِطَرِيقَةِ الْبُخَارِيِّ في اشتراط اللقاء وذكر بن حَزْمٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ مَوْقُوفًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَفَّارَةِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ) [724] قَوْلُهُ (أَتَاهُ رَجُلٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ قَالَ الْحَافِظُ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِ إِلَّا أَنَّ عَبْدَ الْغَنِيِّ فِي المبهمات وتبعه بن بَشْكُوَالَ جَزْمًا بِأَنَّهُ سَلْمَانُ أَوْ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ الْبَيَاضِيُّ (فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ جَاءَ رَجُلٌ وَهُوَ يَنْتِفُ شَعْرَهُ وَيَدُقُّ صَدْرَهُ وَيَقُولُ هَلَكَ الْأَبْعَدُ وَفِي رِوَايَةٍ يَلْطِمُ وَجْهَهُ وَفِي رِوَايَةٍ وَيَحْثِي عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ هَذَا الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ مِمَّنْ وَقَعَتْ لَهُ مَعْصِيَةٌ وَيُفَرَّقُ بِذَلِكَ بَيْنَ مُصِيبَةِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَيَجُوزُ فِي مُصِيبَةِ الدِّينِ لِمَا يُشْعِرُ بِهِ الْحَالُ مِنْ شِدَّةِ النَّدَمِ وَصِحَّةِ الْإِقْلَاعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْوَاقِعَةُ قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ لَطْمِ الْخُدُودِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ (هَلَكْتُ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ احْتَرَقْتُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَامِدًا لِأَنَّ الْهَلَاكَ وَالِاحْتِرَاقَ مَجَازٌ عَنِ الْعِصْيَانِ الْمُؤَدِّي إِلَى ذَلِكَ فَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْمُتَوَقَّعَ كَالْوَاقِعِ وَبَالَغَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى النَّاسِ وَهُوَ مَشْهُورُ قَوْلِ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَعَنْ أَحْمَدَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ عَلَى النَّاسِ وَتَمَسَّكُوا بِتَرْكِ اسْتِفْسَارِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ هَلْ كَانَ عَنْ عَمْدٍ أو نسيان وترك الاستفصال في الفعل يترك مَنْزِلَةِ الْعُمُومِ فِي الْقَوْلِ كَمَا اشْتَهَرَ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ قَدْ تَبَيَّنَ حَالُهُ بِقَوْلِهِ هَلَكْتُ وَاحْتَرَقْتُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَامِدًا عَارِفًا بِالتَّحْرِيمِ وأيضا فدخول النِّسْيَانِ فِي الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ (وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ وَطِئْتُ امْرَأَتِي (قَالَ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُعْتِقَ رَقَبَةً) أَيْ عَبْدًا أَوْ أمة

(قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا) قَالَ الْقَاضِي وَكَذَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ رَتَّبَ الثَّانِيَ بِالْفَاءِ عَلَى فَقْدِ الْأَوَّلِ ثُمَّ الثَّالِثَ بِالْفَاءِ عَلَى فَقْدِ الثَّانِي فَدَلَّ عَلَى التَّرْتِيبِ وَقَالَ مَالِكٌ بِالتَّخْيِيرِ فَإِنَّ الْمُجَامِعَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْخِصَالِ الثلاث عنده قال بن حَجَرٍ الْكَفَّارَةُ مُرَتَّبَةٌ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَكْثَرِينَ وَقَالَ مَالِكٌ إِنَّهَا مُخَيَّرَةٌ كَالْكَفَّارَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ لِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنْ يُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ أَوْ يُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكَيْنَا وَأَجَابُوا بِأَنَّ أَوْ كَمَا لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ لَا تَمْنَعُهُ كَمَا بَيَّنَتْهُ الرِّوَايَاتُ الْأُخَرُ وَحِينَئِذٍ فَالتَّقْدِيرُ أَوْ يَصُومَ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْعِتْقِ أَوْ يُطْعِمَ إِنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ وَرُوَاتُهَا أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ فَقَدْ رَوَاهَا عِشْرُونَ صَحَابِيًّا وَهِيَ حِكَايَةُ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوَاةُ هَذَا اثْنَانِ وَهُوَ لَفْظُ الرَّاوِي انْتَهَى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ رُوَاةَ الْكَفَّارَةِ مَرْتَبَةٌ أَكْثَرُ وَأَمَّا إِنَّهَا رَوَاهَا عِشْرُونَ صَحَابِيًّا فَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَسَلَكَ الْجُمْهُورُ فِي ذَلِكَ مَسْلَكَ التَّرْجِيحِ بِأَنَّ الَّذِينَ رَوَوُا التَّرْتِيبَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَكْثَرُ مِمَّنْ رَوَى التَّخْيِيرَ إِلَى أَنْ قَالَ بَلْ رَوَى التَّرْتِيبَ عَنِ الزُّهْرِيِّ تَمَامُ ثَلَاثِينَ نَفْسًا أَوْ أَزْيَدُ قَالَ وَيَتَرَجَّحُ التَّرْتِيبُ أَيْضًا بِأَنَّهُ أَحْوَطُ لِأَنَّ الْأَخْذَ به مجزي سَوَاءٌ قُلْنَا بِالتَّخْيِيرِ أَوْ لَا بِخِلَافِ الْعَكْسِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَوْلَ بِالتَّرْتِيبِ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ (بِعَرَقٍ) بِفَتْحَتَيْنِ (وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيِ الزِّنْبِيلُ (الضَّخْمُ) بِسُكُونِ الْخَاءِ أَيِ الْعَظِيمُ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ تُطْعِمَ سِتِّينَ مِسْكِينًا لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ وَفِيهِ فَأَتَى بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا فَقَالَ أَطْعِمْهُ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَكَذَا فِي رِوَايَةِ حَجَّاجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ جَاءَ فِي بَيَانِ مِقْدَارِ مَا فِي الْمِكْتَلِ مِنَ التَّمْرِ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وَبِرِوَايَةِ عَلِيٍّ هَذِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (قَالَ فَتَصَدَّقْ بِهِ) أَيْ عَلَى الْفُقَرَاءِ (فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) أي المدينة

باب ما جاء في السواك للصائم

29 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ) [725] قَوْلُهُ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ ضَعِيفٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَا لَا أُحْصِي) أَيْ مقدارا لَا أَقْدِرُ عَلَى إِحْصَائِهِ وَعَدِّهِ لِكَثْرَتِهِ (يَتَسَوَّكُ) مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأَنَّهُ خَبَرٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَمَا مَوْصُوفَةٌ وَلَا أُحْصِي صِفَتُهَا وَهِيَ ظَرَفٌ لِيَتَسَوَّكَ مَرَّاتٍ لَا أَقْدِرُ عَلَى

عَدِّهَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ قَالَ ميركُ وَلَعَلَّهُ حَمَلَ الرُّؤْيَةَ عَلَى مَعْنَى الْعِلْمِ فَجَعَلَ يَتَسَوَّكُ مَفْعُولًا ثَانِيًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الْإِبْصَارِ وَيَتَسَوَّكُ حِينَئِذٍ حَالٌ وَقَوْلُهُ (وَهُوَ صَائِمٌ) حَالٌ أَيْضًا إِمَّا مُتَرَادِفَةٌ وَإِمَّا مُتَدَاخِلَةٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عائشة) أخرجه بن مَاجَهْ وَالَّداَرُقْطِنُّي بِلَفْظِ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ خِصَالِ الصَّائِمِ السِّوَاكُ (حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ كُنْتُ لَا أُخَرِّجُ حَدِيثَ عَاصِمٍ ثُمَّ نَظَرْتُ فَإِذَا شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ قَدْ رَوَيَا عَنْهُ وَرَوَى يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْهُ خَبَرًا في غير الموطأ قال الحافظ وضعفه بن مَعِينٍ وَالذُّهْليُّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ بِالسِّوَاكِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا) قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ رَطْبًا كَانَ السِّوَاكُ أَوْ يَابِسًا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى مَا حَكَى عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَبِجَمِيعِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي رُوِيَتْ فِي مَعْنَاهُ وَفِي فَضْلِ السِّوَاكِ فَإِنَّهَا بِإِطْلَاقِهَا تَقْتَضِي إِبَاحَةَ السِّوَاكِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَقْوَى (إِلَّا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا السِّوَاكَ لِلصَّائِمِ بِالْعُودِ الرَّطْبِ) كَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّعْبِيِّ فَإِنَّهُمْ كَرِهُوا لِلصَّائِمِ الِاسْتِيَاكَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ لِمَا فِيهِ مِنَ الطَّعْمِ وَأَجَابَ عن ذلك بن سِيرِينَ جَوَابًا حَسَنًا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قال بن سِيرِينَ لَا بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ قِيلَ لَهُ طَعْمٌ قَالَ وَالْمَاءُ لَهُ طَعْمٌ وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ به انتهى وقال بن عُمَرَ لَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَاكَ الصَّائِمُ بِالسِّوَاكِ الرطب واليابس رواه بن أَبِي شَيْبَةَ قُلْتُ هَذَا هُوَ الْأَحَقُّ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يُخْشَى مِنَ السِّوَاكِ الرَّطْبِ أَنْ يَتَحَلَّلُ مِنْهُ فِي الْفَمِ شَيْءٌ وَذَلِكَ الشَّيْءُ كَمَاءِ الْمَضْمَضَةِ فَإِذَا قَذَفَهُ مِنْ فِيهِ لَا يَضُرُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَكَرِهُوا لَهُ السِّوَاكَ آخِرَ النَّهَارِ) وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ فِي الِاسْتِيَاكِ آخِرَ النَّهَارِ إِزَالَةُ الْخُلُوفِ

الْمَحْمُودِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المسك وأجيب بِأَنَّ الْخُلُوفَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى الصَّحِيحِ تَغَيُّرُ رَائِحَةِ الْفَمِ مِنْ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ وَذَلِكَ لا يزال بالسواك قال بن الْهُمَامِ بَلْ إِنَّمَا يُزِيلُ أَثَرَهُ الظَّاهِرَ عَنِ السِّنِّ مِنْ الِاصْفِرَارِ وَهَذَا لِأَنَّ سَبَبَ الْخُلُوفِ خُلُوُّ الْمَعِدَةِ مِنَ الطَّعَامِ وَالسِّوَاكُ لَا يُفِيدُ شَغْلَهَا بِطَعَامٍ لِيَرْتَفِعَ السَّبَبُ وَلِهَذَا رُوِيَ عَنْ معاذ مثل ما قلنا روى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ قَالَ سألت معاذ بن جبل أتسوك وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَيَّ النَّهَارِ أَتَسَوَّكُ قَالَ أَيَّ النَّهَارِ شِئْتَ غُدُوَّهُ وَعَشِيَّهُ قُلْتُ إِنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَهُ عَشِيَّهُ وَيَقُولُونَ إِنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ أَمَرَهُمْ بِالسِّوَاكِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ بِفِي الصَّائِمِ خُلُوفٌ وَإِنِ اسْتَاكَ وَمَا كَارُ الَّذِي يَأْمُرُهُمْ أَنْ يُنْتِنُوا أَفْوَاهَهُمْ عَمْدًا مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ بَلْ فِيهِ شَرٌّ إِلَّا مَنِ ابْتُلِيَ بِبَلَاءٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا انْتَهَى قُلْتُ إِسْنَادُ هَذَا الْأَثَرِ جَيِّدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ قال بن الْهُمَامِ وَكَذَا الْغُبَارُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ إِنَّمَا يُؤْجَرُ عَلَيْهِ مَنِ اضْطَرَّ إِلَيْهِ وَلَمْ يَجِدْ عَنْهُ مَحِيصًا فَأَمَّا مَنْ أَلْقَى نَفْسَهُ عَمْدًا فَمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْأَجْرِ شَيْءٌ قِيلَ فَيَدْخُلُ فِي هَذَا أَيْضًا مَنْ تَكَلَّفَ الدَّوَرَانَ تَكْثِيرًا لِلْمَشْيِ إِلَى الْمَسَاجِدِ نَظَرًا إِلَى قوله عليه الصلاة والسلام وكثرة الخطا إِلَى الْمَسَاجِدِ قَالَ وَفِي الْمَطْلُوبِ أَحَادِيثُ مُضَعَّفَةٌ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْخُوَارِزْمِيُّ قَالَ سَأَلْتُ عاصم الْأَحْوَلَ أَيَسْتَاكُ الصَّائِمُ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ قَالَ نَعَمْ أَتُرَاهُ أَشَدُّ رُطُوبَةً مِنَ الْمَاءِ قُلْتُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ عَمَّنْ رَحِمَكَ اللَّهُ قَالَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وروى بن حبان عن بن عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَاكُ آخِرَ النَّهَارِ وَهَذَا هُوَ الصحيح عن بن عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ قُلْنَا كَفَى ثُبُوتُهُ عَنِ بن عُمَرَ مَعَ تَعَدُّدِ الضَّعِيفِ فِيهِ مَعَ عُمُومَاتِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي فَضْلِ السِّوَاكِ وَأَمَّا مَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدْوَةِ وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ فَإِنَّ الصَّائِمَ إِذَا يَبِسَتْ شَفَتَاهُ كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُقَاوِمُ مَا قدمنا انتهى كلام بن الْهُمَامِ مُلَخَّصًا قُلْتُ حَدِيثُ إِذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدْوَةِ إلخ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ خَبَّابٍ وَضَعَّفَاهُ وَرَوَيَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَضَعَّفَاهُ أَيْضًا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ

باب ما جاء في الكحل للصائم

فِيهِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَكَ السِّوَاكُ إِلَى الْعَصْرِ فَإِذَا صَلَّيْتَ الْعَصْرَ فَأَلْقِهِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ انْتَهَى قُلْتُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا ضَعِيفٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ قَيْسٍ مَتْرُوكٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ الْمَكِّيُّ الْمَعْرُوفُ بِسَنْدَلٍ مَتْرُوكٌ مِنَ السَّابِعَةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي تَرْجَمَتِهِ عَنْ عطاء وعنه بن عيينة وبن وَهْبٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَلَمْ يَرَ الشَّافِعِيُّ بِالسِّوَاكِ بَأْسًا أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ) كَذَا حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ السِّوَاكَ بَعْدَ الزَّوَالِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْكُحْلِ لِلصَّائِمِ) [726] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ وَاصِلِ) بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ) بْنِ نَجِيحٍ الْقُرَشِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْبَزَّازُ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَاتِكَةَ) مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَسَيَجِيءُ تَرْجَمَتُهُ (قَالَ اشْتَكَتْ عَيْنَيَّ) بِالتَّشْدِيدِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّخْفِيفِ أي أشكو من وجع عيني قاله القارىء (قَالَ نَعَمْ) فِيهِ جَوَازُ الِاكْتِحَالِ بِلَا كَرَاهَةٍ لِلصَّائِمِ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ وهو صائم قال بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَقَالَ فِي مُحَمَّدٍ إِنَّهُ مُنْكَرٌ وَكَذَا قَالَ البخاري ورواه بن حبان في الضعفاء من حديث بن عمر وسنده مقارب ورواه بن أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ لَهُ مِنْ حديث بن عُمَرَ أَيْضًا وَلَفْظُهُ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعيناه مملؤتان مِنَ الْإِثْمِدِ وَذَلِكَ فِي

رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ فِعْلِ أَنَسٍ وَلَا بَأْسَ بِإِسْنَادِهِ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ بَرِيرَةَ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ فِي الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ وَعَنِ بن عَبَّاسٍ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ لِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ انْتَهَى وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ اكْتَحَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ بَقِيَّةَ حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا وَالزُّبَيْدِيُّ هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الزُّبَيْدِيِّ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَأَبُو عَاتِكَةَ يُضَعَّفُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ اسْمُهُ طَرِيفُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَوْ بِالْعَكْسِ ضَعِيفٌ وَبَالَغَ السُّلَيْمَانِيُّ فِيهِ مِنَ الْخَامِسَةِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ أَنَسٍ وَعَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ عَطِيَّةَ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْكُحْلِ لِلصَّائِمِ فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ سفيان وبن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ هَوْذَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوِّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ لِيَتَّقِهِ الصَّائِمُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ لِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ انْتَهَى قَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ مَعْبَدٌ وَابْنُهُ النُّعْمَانُ كَالْمَجْهُولَيْنِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ النُّعْمَانِ قال بن مَعِينٍ ضَعِيفٌ وَقَالَ لِي أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ انْتَهَى فَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ عَلَى كَرَاهَةِ الْكُحْلِ لِلصَّائِمِ وَلَيْسَ فِي كَرَاهَتِهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْكُحْلِ لِلصَّائِمِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادِهِ هُوَ الْأَعْمَشُ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا يَكْرَهُ الْكُحْلَ لِلصَّائِمِ وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ يُرَخِّصُ أَنْ يَكْتَحِلَ الصَّائِمُ بِالصَّبْرِ انْتَهَى وَهَذَا الْأَثَرُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَهِيَ بِمَجْمُوعِهَا تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ عَلَى جَوَازِ الِاكْتِحَالِ لِلصَّائِمِ وَلَيْسَ فِي كَرَاهَتِهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَالرَّاجِحُ هُوَ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في القبلة للصائم

فَإِنْ قُلْتَ قَدْ يُوجَدُ طَعْمُ الْكُحْلِ فِي الْحَلْقِ وَقَدْ وَرَدَ الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ قُلْتُ حَدِيثُ الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ مَرْفُوعًا ضَعِيفٌ ثُمَّ الْمُرَادُ بِالدُّخُولِ دُخُولُ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنْ مَنْفَذٍ إِلَى الْبَاطِنِ لَا وُصُولُ أَثَرِ شَيْءٍ مِنَ الْمَسَامَّاتِ إِلَى الْبَاطِنِ وَلِذَا لَا يُفَطِّرُ شَمُّ الْعِطْرِ وَنَحْوُهُ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ) [727] قَوْلُهُ (عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْقَافِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (كَانَ يُقَبِّلُ فِي شَهْرِ الصَّوْمِ) أَيْ فِي رَمَضَانَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ يُقَبِّلُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَأَشَارَتْ عَائِشَةُ إِلَى عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ صَوْمِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِأَلْفَاظٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ قَالَ هَشَشْتُ يَوْمًا فَقَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ صَنَعْتُ الْيَوْمَ أَمْرًا عَظِيمًا قَبَّلْتُ وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتُ لَوْ تَمَضْمَضْتُ بِمَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ قُلْتُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيمَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ النَّسَائِيُّ مُنْكَرٌ وصححه بن خزيمة وبن حبان والحاكم انتهى (وحفصة) أخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ (وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يقبلها وهو صائم (وبن عباس) أخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ رَخَّصَ لِلْكَبِيرِ الصَّائِمِ فِي المباشرة وكره للشاب (وَأَنَسٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ إِنَّ رَجُلًا

سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَرَخَّصَ لَهُ وَأَتَاهُ آخَرُ فَسَأَلَهُ فنهاه فإذا رَخَّصَ لَهُ شَيْخٌ وَإِذَا الَّذِي نَهَاهُ شَابٌّ انتهى وسكت عنه أبو داود والمنذري وقال بن الْهُمَامِ سَنَدُهُ جَيِّدٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (فَرَخَّصَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي القبلة للشيخ ولم يرخصوا لِلشَّابِّ إلخ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَرَّقَ قَوْمٌ بَيْنَ الشَّابِّ وَالشَّيْخِ فَكَرِهَهَا يَعْنِي الْقُبْلَةَ للشاب وأباحها للشيخ وهو مشهور عن بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُمَا وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثَانِ مَرْفُوعَانِ فِيهِمَا ضَعْفٌ أَخْرَجَ أَحَدَهُمَا أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْآخَرَ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْقُبْلَةُ تَنْقُضُ الْأَجْرَ وَلَا تُفَطِّرُ الصَّائِمَ وَرَأَوْا أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا مَلَكَ نَفْسَهُ أَنْ يُقَبِّلَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ رَبِيبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ فَقَالَ سَلْ هَذِهِ لِأُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ فَقَالَ أَمَا وَاَللَّهِ إِنِّي لَأَتْقَاكُمْ لِلَّهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الشَّابَّ وَالشَّيْخَ سَوَاءٌ لِأَنَّ عُمَرَ حِينَئِذٍ كَانَ شَابًّا وَلَعَلَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَا بَلَغَ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْخَصَائِصِ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّهُ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ إن أَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ زَوْجُهَا يُرَخِّصُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ فِيمَا يَشَاءُ فَرَجَعَتْ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِحُدُودِ اللَّهِ وَأَتْقَاكُمْ وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ لَكِنَّهُ أَرْسَلَهُ قَالَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ رَجُلًا فَذَكَرَ نَحْوَهُ مُطَوَّلًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَالَ قَبْلَ هَذَا قَدِ اخْتُلِفَ فِي الْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ فَكَرِهَ قَوْمٌ مطلقا وهو مشهور عند المالكية وروى

باب ما جاء في مباشرة الصائم المباشرة أعم من القبلة

بن أبي شيبة بإسناد صحيح عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْقُبْلَةَ وَالْمُبَاشَرَةَ وَنَقَلَ بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ قَوْمٍ تَحْرِيمَهَا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تعالى فالان باشروهن الْآيَةُ فَمُنِعَ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ نَهَارًا وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبَيِّنُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ أَبَاحَ الْمُبَاشَرَةَ نَهَارًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُبَاشَرَةِ فِي الْآيَةِ الْجِمَاعُ لَا مَا دُونَهُ مِنْ قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا وَأَبَاحَ الْقُبْلَةَ قَوْمٌ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَنْقُولُ صَحِيحًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِهِ قَالَ سَعِيدٌ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَائِفَةٌ بَلْ بَالَغَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ فاستحيها انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ عِنْدِي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّ الصَّائِمَ إِذَا مَلَكَ نَفْسَهُ جَازَ لَهُ التَّقْبِيلُ وَإِذَا لَمْ يَأْمَنْ تَرَكَهُ وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْمُوَطَّأِ لَا بَأْسَ بِالْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ إِذَا مَلَكَ نَفْسَهُ بِالْجِمَاعِ فَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَمْلِكَ نَفْسَهُ فَالْكَفُّ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَامَّةُ قَبْلَنَا انْتَهَى 2 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي مُبَاشَرَةِ الصَّائِمِ [728] الْمُبَاشَرَةُ أَعَمُّ مِنَ الْقُبْلَةِ) قِيلَ هِيَ مَسُّ الزَّوْجِ الْمَرْأَةَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَقِيلَ هِيَ الْقُبْلَةُ واللمس باليد قاله القارىء قَوْلُهُ (يُبَاشِرُنِي) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى الْمُبَاشَرَةِ هُنَا اللَّمْسُ بِالْيَدِ وَهُوَ مِنَ الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ انْتَهَى (وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِأَرَبِهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ أَيْ حَاجَتِهِ وَيُرْوَى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ عُضْوِهِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَإِلَى تَرْجِيحِهِ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ مِنَ التَّفْسِيرِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ قَالَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ قال بن عباس إرب حاجة وقال

باب ما جاء لا صيام لمن لم يعزم من الليل

طاؤس (غير أولى الاربة) الْأَحْمَقُ لَا حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ انْتَهَى قال الجزري في النهاية أي لحاجته تعني أَنَّهُ كَانَ غَالِبًا لِهَوَاهُ وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ يَرْوُونَهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ يَعْنُونَ الْحَاجَةَ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ يَعْنُونَ الْحَاجَةَ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَلَهُ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ الْحَاجَةُ وَالثَّانِي أَرَادَتْ بِهِ الْعُضْوَ وَعَنَتْ بِهِ مِنَ الْأَعْضَاءِ الذَّكَرَ خَاصَّةً انْتَهَى وَفِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ خَدَشَ التَّفْسِيرَ بِالْعُضْوِ بِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ سُنَنِ الْأَدَبِ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى كَلَامِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَكُمِ الِاحْتِرَازُ عَنِ الْقُبْلَةِ وَلَا تَتَوَهَّمُوا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ مِثْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اسْتِبَاحَتِهَا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ ويأمن الوقوع في قبلة يتولى مِنْهَا إِنْزَالٌ أَوْ شَهْوَةٌ وَهَيَجَانُ نَفْسٍ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَا تَأْمَنُونَ ذَلِكَ فَطَرِيقُكُمِ الِانْكِفَافُ عَنْهَا انْتَهَى [729] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِأَلْفَاظٍ (وَأَبُو مَيْسَرَةَ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلٍ) الْكُوفِيُّ الْهَمْدَانِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مخضرم (ومعنى لأربه يعني لنفسه) هذا بيان حَاصِلِ الْمَعْنَى وَقَدْ عَرَفْتَ أَصْلَ مَعْنَى لِأَرَبِهِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَعْزِمْ مِنْ اللَّيْلِ) [730] قَوْلُهُ (مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْإِجْمَاعُ إِحْكَامُ النِّيَّةِ والعزيمة أجمعت الرأي وأزمعته وعزمت وَعَزَمْتُ عَلَيْهِ بِمَعْنًى انْتَهَى وَالْمَعْنَى مَنْ لَمْ يُصْمِمِ الْعَزْمَ عَلَى الصَّوْمِ (قَبْلَ الْفَجْرِ) أَيْ

قَبْلَ الصُّبْحِ الصَّادِقِ (فَلَا صِيَامَ لَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ بِلَا نِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ بن عُمَرَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَمَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَدَاوُدُ وَذَهَبَ الْبَاقُونَ إِلَى جَوَازِ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ وَخَصَّصُوا هَذَا الْحَدِيثَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي وَيَقُولُ أَعْنَدَكِ غَدَاءٌ فَأَقُولُ لَا فَيَقُولُ إِنِّي صَائِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ إِنِّي إذن لصائم وإذن لِلِاسْتِقْبَالِ وَهُوَ جَوَابٌ وَجَزَاءٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ وَالظَّاهِرُ الرَّاجِحُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَاقُونَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ حَفْصَةَ حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نافع عن بن عُمَرَ قَوْلُهُ وَهُوَ أَصَحُّ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَقَالَ في النيل أخرجه أيضا بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَاخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي رَفْعِهِ ووقفه فقال بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ لَا أَدْرِي أَيَّهمَا أَصَحُّ يَعْنِي رِوَايَةَ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ لَكِنَّ الْوَقْفَ أَشْبَهُ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ وَنَقَلَ فِي الْعِلَلِ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ هُوَ خَطَأٌ وَهُوَ حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ والصحيح عن بن عُمَرَ مَوْقُوفٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ الصَّوَابُ عِنْدِي مَوْقُوفٌ ولم يصح رفعه وقال أحمد ماله عِنْدِي ذَلِكَ الْإِسْنَادُ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْأَرْبَعِينَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ قَالَ الْبُخَارِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ رُوِيَ مَوْقُوفًا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَسْنَدَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَالزِّيَادَةُ من الثقة مقبولة وقال بن حزم الاختلاف فيه يزيد قُوَّةً وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أن الرفع من الثقة زيادة مقبولة وإنما قال بن حَزْمٍ الِاخْتِلَافُ فِيهِ يَزِيدُ الْخَبَرَ قُوَّةً لِأَنَّ مَنْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا فَقَدْ رَوَاهُ مَوْقُوفًا بِاعْتِبَارِ الطُّرُقِ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّادٍ وَهُوَ مجهول وقد ذكره بن حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ وَعَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ سَعْدٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا بِلَفْظِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ

مَنْ أَجْمَعَ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَصُمْ وَمَنْ أَصْبَحَ وَلَمْ يُجْمِعْهُ فَلَا يَصُمْ وَفِي إِسْنَادِهِ الْوَافِدِيُّ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ وَتَقْرِيرُ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صِيَامَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَيَعُمُّ كُلَّ صِيَامٍ وَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ إِلَّا مَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إِجْمَاعُ الصيام قبل الفجر وقد قام الليل عَلَى أَنَّ صِيَامَ التَّطَوُّعِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَهُوَ حَدِيثُ حَفْصَةَ الْمَذْكُورُ في الباب والظاهر أن النفي متوجه إِلَى الصِّحَّةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْمَجَازَيْنِ إِلَى الذَّاتِ أَوْ مُتَوَجِّهٌ إِلَى نَفْيِ الذَّاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَدْ عرفت ما ذهب إليه بن عُمَرَ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمْ وَلَعَلَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَبْلُغْهُمْ وَفِي اللُّمَعَاتِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ أَنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَالنَّفْلِ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ بِنِيَّةٍ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ وَشَرْطٌ لِلْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ أَنْ يُبَيِّتَ النِّيَّةَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَعَيِّنَةٍ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّعْيِينِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالدَّلِيلُ لَنَا فِي الْفَرْضِ مَا روي في السنن الأربعة عن بن عباس قوله صلى الله عليه وسلم بعد ما شَهِدَ عِنْدَهُ الْأَعْرَابِيُّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَلَا مَنْ أَكَلَ فَلَا يَأْكُلْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلِيَصُمْ وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ مَعَ أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ انْتَهَى مَا فِي اللُّمَعَاتِ قُلْتُ أُجِيبَ عن رواية بن عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ إِنَّمَا صَحَّتِ النِّيَّةُ فِي النَّهَارِ فِي صُورَةِ شَهَادَةِ الْأَعْرَابِيِّ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِأَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى اللَّيْلِ غَيْرُ مَقْدُورٍ وَالنِّزَاعُ فِيمَا كَانَ مَقْدُورًا فَيُخَصُّ الْجَوَازُ بِمِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ أَعْنِي مَنِ انْكَشَفَ لَهُ فِي النَّهَارِ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ مِنْ رَمَضَانَ وَكَمَنْ ظَهَرَ لَهُ وُجُوبُ الصِّيَامِ عَلَيْهِ مِنَ النَّهَارِ كَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ وَالصَّبِيِّ يَحْتَلِمُ وَالْكَافِرِ يُسْلِمُ وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي رَفْعِ حَدِيثِ حَفْصَةَ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الرَّفْعَ زِيَادَةٌ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ النَّفْيَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الصِّحَّةِ أَوْ إِلَى نَفْيِ الذَّاتِ الشَّرْعِيَّةِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في إفطار الصائم المتطوع

34 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِفْطَارِ الصَّائِمِ الْمُتَطَوِّعِ) [731] قوله (عن بن أُمِّ هَانِئٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ هارون بن أم هانئ ويقال بن أم هانئ ويقال بن بِنْتِ أُمِّ هَانِئٍ وَالثَّالِثُ وَهْمَ رَوَى حَدِيثَهُ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ عَنْهُ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ مَرْفُوعًا الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ وَلِأُمِّ هَانِئٍ بن يُقَالُ لَهُ جَعْدَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ قَالَ الْحَافِظُ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَارُونُ هَذَا وَلَدُ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ وَأَمَّا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَطَّانِ فَقَالَ لَا يُعْرَفُ انْتَهَى (عَنْ أُمِّ هَانِئٍ) بِهَمْزَةٍ بَعْدَ نُونٍ مَكْسُورَةٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ قَوْلُهُ (كُنْتُ قَاعِدَةً عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِشَرَابٍ) أَيْ مِنْ مَاءٍ فَإِنَّهُ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَتْ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَجَلَسَتْ عَلَى يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمُّ هَانِئٍ عَنْ يَمِينِهِ فَجَاءَتِ الْوَلِيدَةُ بِإِنَاءٍ فِيهِ شَرَابٌ (ثُمَّ نَاوَلَنِي) أَيْ بَقِيَّةَ الشَّرَابِ (أَمِنْ قَضَاءٍ كُنْتِ تَقْضِينَهُ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَكُنْتِ تَقْضِينَ شَيْئًا (فَلَا يَضُرُّكِ) أَيْ لَيْسَ عَلَيْكِ إِثْمٌ فِي إِفْطَارِكِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَلَا يَضُرُّكَ إِنْ كَانَ تَطَوُّعًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ صَنَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فَلَمَّا وُضِعَ قَالَ رَجُلٌ أَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاكَ أَخُوكَ وَتَكَلَّفَ لَكَ أَفْطِرْ فَصُمْ مَكَانَهُ إِنْ شِئْتَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقُلْتُ لَا فَقَالَ فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ ثُمَّ أَتَانَا يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ لَنَا حَيْسٌ فَقَالَ أَرِينِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا فَأَكَلَ انْتَهَى وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ صَامَ تَطَوُّعًا أَنْ يُفْطِرَ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِي دَعْوَةٍ إِلَى طَعَامِ أَحَدٍ مِنَ المسلمين

قَوْلُهُ (فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ) فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ سِمَاكٌ وَقَدِ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِيهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ سِمَاكٌ لَيْسَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ إِذَا انْفَرَدَ وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا هَارُونُ بْنُ أُمِّ هَانِئٍ قَالَ بن الْقَطَّانِ لَا يُعْرَفُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ قَوْلُهُ (إِنَّ الصَّائِمَ الْمُتَطَوِّعَ إِذَا أَفْطَرَ فلا قضاء عليه إلا أن يجب أَنْ يَقْضِيَهُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَالشَّافِعِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَإِنْ شِئْتَ فَاقْضِي وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَقْضِي فِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْطِرْ فَصُمْ مَكَانَهُ إِنْ شِئْتُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ الْحَافِظُ هُوَ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ الْإِيجَابِ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْآتِي فِي الْبَابِ الْآتِي [732] قَوْلُهُ (فَلَقِيتَ أَنَا أَفْضَلَهُمْ) أَيْ أَفْضَلَ بَنِي أُمِّ هَانِئٍ وَهَذَا قَوْلُ شُعْبَةَ (وَكَانَ اسْمُهُ) أَيِ اسْمُ أَفْضَلَ بَنِي أُمِّ هَانِئٍ (جَعْدَةُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ جَعْدَةُ الْمَخْزُومِيُّ مِنْ وَلَدِ أم هانئ قيل هو بن يَحْيَى بْنِ جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ وَهُوَ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ جَعْدَةُ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ وَعَنْهُ شُعْبَةُ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِحَدِيثِ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّهْذِيبِ هُوَ مِنْ وَلَدِ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخُو هَارُونَ وَهُوَ بن ابْنِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (أَمِينُ نَفْسِهِ) بِالنُّونِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَمِينَ نَفْسِهِ فَلَهُ أَنْ

باب صيام التطوع يغير تبييت

يَتَصَرَّفَ فِي أَمَانَةِ نَفْسَهُ عَلَى مَا يَشَاءُ انْتَهَى (قُلْتُ لَهُ) أَيْ لِجَعْدَةِ (أَخْبَرَنِي أَبُو صَالِحٍ) اسْمُهُ بَاذَامُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ آخِرُهُ نُونٌ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ ضَعِيفٌ مُدَلِّسٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ باذام بمعجمة بَيْنَ أَلِفَيْنِ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أَبُو صَالِحٍ مدلس يروي عن مولاته قال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ قَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ قَوْلُهُ (عَنْ هَارُونَ بْنِ بِنْتِ أُمِّ هَانِئٍ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ هَارُونُ بْنُ أُمِّ هَانِئٍ وَقِيلَ إِنَّهُ حَفِيدُهَا عَنْ أُمِّ هَانِئٍ وَعَنْهُ سِمَاكٌ مَجْهُولٌ وَقَدْ عَرَفْتَ مِنْ عِبَارَةِ تهذيب التهذيب أن هارون بن أم هانئ يقال له بن أم هانئ ويقال بن بِنْتِ أُمِّ هَانِئٍ وَالثَّالِثُ وَهَمٌ قَوْلُهُ (فَقَالَ أَمِيرُ نَفْسِهِ أَوْ أَمِينُ نَفْسِهِ) تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى أَمِينُ نَفْسِهِ وَمَعْنَى أَمِيرُ نَفْسِهِ أَنَّهُ أَمِيرٌ لِنَفْسِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّوْمِ إِنْ شَاءَ صَامَ أَيْ أَتَمَّ صَوْمَهُ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ إِمَّا بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ 5 - (بَاب صِيَامِ التطوع يغير تَبْيِيتٍ) قَوْلُهُ (عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى) بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ نَزِيلِ الكوفة صدوق يخطىء مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَمَّتِهِ عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيَّةِ أُمِّ عِمْرَانَ كَانَتْ فَائِقَةَ الْجَمَالِ وَهِيَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ

باب ما جاء في إيجاب القضاء عليه

[734] قَوْلُهُ (أَعِنْدَكِ غَدَاءٌ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مَا يُؤْكَلُ قَبْلَ الزَّوَالِ (قُلْتُ حَيْسٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ تَمْرٌ مَخْلُوطٌ بِالسَّمْنِ وَأَقِطٍ وَقِيلَ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنَ الزُّبْدِ وَالتَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَقَدْ يُبَدَّلُ الْأَقِطُ بِالدَّقِيقِ وَالزُّبْدِ بالسمن وقد يبدل السمن بالزيت قاله القارىء (قَالَتْ ثُمَّ أَكَلَ) قَالَ ميركُ يَدُلُّ هَذَا عَلَى جَوَازِ إِفْطَارِ النَّفْلِ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بِعُذْرٍ وَأَمَّا بِدُونِهِ فَلَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 6 - (بَاب ما جاء في إيجاب القضاء عليه) أَيْ عَلَى الصَّائِمِ الْمُتَطَوِّعِ الَّذِي أَفْطَرَ [735] قَوْلُهُ (جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّقِّيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (كُنْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ) بِالرَّفْعِ (صَائِمَتَيْنِ) أَيْ نَفْلًا فَعُرِضَ لَنَا طَعَامٌ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَوْ عَرَضَهُ هُنَا أَحَدٌ بِطَرِيقِ الْهَدِيَّةِ (فَبَدَرَتْنِي إِلَيْهِ حَفْصَةُ) أَيْ سَبَقَتْنِي إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَلَامِ مِنْ بَدَرْتُ الشَّيْءَ بُدُورًا أَسْرَعْتُ إِلَيْهِ (وَكَانَتِ ابْنَةَ أَبِيهَا) تَعْنِي عَلَى خِصَالِ أَبِيهَا أَيْ كَانَتْ جَرِيئَةً كَأَبِيهَا

قَوْلُهُ (وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عُرْوَهَ وَهَذَا أصح) وقال النسائي هذا خطأ وقال بن عُيَيْنَةَ فِي رِوَايَتِهِ سُئِلَ الزُّهْرِيُّ عَنْهُ أَهُوَ عَنْ عُرْوَةَ فَقَالَ لَا وَقَالَ الْخَلَّالُ اتَّفَقَ الثِّقَاتُ عَلَى إِرْسَالِهِ وَشَذَّ مَنْ وَصَلَهُ وَتَوَارَدَ الْحُفَّاظُ عَلَى الْحُكْمِ بِضَعْفِ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي [735] قَوْلُهُ (فَرَأَوْا عَلَيْهِ الْقَضَاءَ إِذَا أَفْطَرَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ هانئ وَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَإِنْ شِئْتَ فَاقْضِي وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَقْضِي رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِمَعْنَاهُ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ بِحَمْلِ الْقَضَاءِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ص 131 وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْإِفْطَارِ وَعَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ يَعْنِي الَّذِي فِيهِ قِصَّةُ زِيَادَةِ سَلْمَانَ أَبَا الدَّرْدَاءِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَّرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ قال بن الْمُنِيرِ لَيْسَ فِي تَحْرِيمِ الْأَكْلِ فِي صَوْمِ النَّفْلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ إِلَّا الْأَدِلَّةُ الْعَامَّةُ كقوله تعالى (لا تبطلوا أعمالكم) لِأَنَّ الْخَاصَّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ كَحَدِيثِ سَلْمَانَ

باب ما جاء في وصال شعبان برمضان

وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ مَنِ احْتَجَّ فِي هَذَا بِقَوْلِهِ تعالى (ولا تبطلوا أعمالكم) فَهُوَ جَاهِلٌ بِأَقْوَالِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنَّ الْأَكْثَرَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ النَّهْيُ عَنِ الرِّيَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ (لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) بِالرِّيَاءِ بَلْ أَخْلِصُوهَا لِلَّهِ وَقَالَ آخَرُونَ لَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ بِارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ النَّهْيُ عَنْ إِبْطَالِ مَا لَمْ يَفْرِضِ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَا أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ بِنَذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الْإِفْطَارُ إِلَّا بِمَا يُبِيحُ الْفِطْرَ مِنَ الصَّوْمِ الْوَاجِبِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ وَالِاعْتِبَارُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَالصَّوَابُ مَا قَالَ بن الْمُنِيرِ انْتَهَى 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي وِصَالِ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ) [736] قَوْلُهُ (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إلخ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصُومُ مِنَ السَّنَةِ شَهْرًا تَامًّا إِلَّا شَعْبَانَ يَصِلُهُ بِرَمَضَانَ وَهَذَا اللَّفْظُ أَوْفَقُ لِمَا تَرْجَمَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَيْ كَانَ يَصُومُ مُعْظَمَهُ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِرِوَايَةِ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلًا وَسَيَجِيءُ تَحْقِيقُهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أبي داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو سَلَمَةَ رَوَاهُ عَنْ كُلٍّ مِنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ تَارَةً وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ تَارَةً أُخْرَى أَخْرَجَهُمَا النَّسَائِيُّ انتهى

قَوْلُهُ (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهْرٍ أَكْثَرَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ ثَانِي مَفْعُولِ رَأَيْتُ (صِيَامًا) تَمْيِيزٌ (مِنْهُ) أَيْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي شَعْبَانَ) مُتَعَلِّقٌ بِ (صِيَامًا) وَالْمَعْنَى كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ فِي شَعْبَانَ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الشُّهُورِ سِوَى رَمَضَانَ وَكَانَ صِيَامُهُ فِي شَعْبَانَ أَكْثَرَ مِنْ صِيَامِهِ فِيمَا سِوَاهُ كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ قَوْلُهُ فِي شَهْرٍ يَعْنِي بِهِ غَيْرَ شَعْبَانَ وَهُوَ حَالٌ مِنَ الْمُسْتَكِنِّ فِي أَكْثَرَ وَفِي شَعْبَانَ حَالٌ مِنَ الْمَجْرُورِ فِي مِنْهُ الْعَائِدِ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ مَا رَأَيْتُهُ كَائِنًا فِي غَيْرِ شَعْبَانَ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ كَائِنًا فِي شَعْبَانَ مِثْلُ زَيْدٌ قَائِمًا أَحْسَنُ مِنْهُ قَاعِدًا أَوْ كِلَاهُمَا ظَرْفُ أَكْثَرَ الْأَوَّلُ بِاعْتِبَارِ الزِّيَادَةِ وَالثَّانِي بِاعْتِبَارِ أَصْلِ الْمَعْنَى وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِرُؤْيَتِهِ وَإِلَّا يَلْزَمُ تَفْضِيلُ الشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ بِاعْتِبَارِ حَالَةٍ واحدة كذا ذكره القارىء (كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلًا بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ) أَيْ لِغَايَةِ الْقِلَّةِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي لَبِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ كَانَ يصوم شعبان إلا قليلا [737] قوله (كأن بن الْمُبَارَكِ قَدْ رَأَى كِلَا الْحَدِيثَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ يَقُولُ إِنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَكْثَرَ الشَّهْرِ) الْمُرَادُ بِكِلَا الْحَدِيثَيْنِ الْحَدِيثُ الَّذِي وَرَدَ فِيهِ صَوْمُ أَكْثَرِ شَعْبَانَ وَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ صَوْمُ شَعْبَانَ كُلِّهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح حاصل ما قال بن الْمُبَارَكِ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى مُفَسِّرَةٌ لِلثَّانِيَةِ وَأَنَّ المراد بالكل الأكثر وهو مجازا قَلِيلُ الِاسْتِعْمَالِ وَاسْتَبْعَدَهُ الطِّيبِيُّ قَالَ لِأَنَّ الْكُلَّ تَأْكِيدٌ لِإِرَادَةِ الشُّمُولِ وَدَفْعُ التَّجَوُّزِ فَتَفْسِيرُهُ بِالْبَعْضِ مُنَافٍ لَهُ قَالَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يصوم شعبان

باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الباقي

كُلَّهُ تَارَةً وَيَصُومُ مُعْظَمَهُ أُخْرَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ وَاجِبٌ كُلُّهُ كَرَمَضَانَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهَا كُلَّهُ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ مِنْ أَوَّلِهِ تَارَةً وَمِنْ آخِرِهِ أُخْرَى وَمِنْ أَثْنَائِهِ طُورًا فَلَا يُخَلِّي شَيْئًا مِنْهُ مِنْ صِيَامٍ وَلَا يَخُصُّ ببعضه بِصِيَامٍ دُونَ بَعْضٍ وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ عَائِشَةَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالْمُرَادُ الْأَكْثَرُ وَإِمَّا أَنْ يُجْمَعَ بِأَنَّ قَوْلَهَا الثَّانِيَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ قَوْلِهَا الْأَوَّلِ فَأَخْبَرَتْ عَنْ أَوَّلِ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ أَكْثَرَ شَعْبَانَ وَأَخْبَرَتْ ثَانِيًا عَنْ آخِرِ أَمْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ انْتَهَى وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَسَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْهَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَلَفْظُهُ وَلَا صَامَ شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ مُنْذُ قَدِمَ الْمَدِينَةَ غَيْرَ رَمَضَانَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَاخْتُلِفَ فِي الْحِكْمَةِ فِي إِكْثَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ صَوْمِ شَعْبَانَ عَلَى أَقْوَالٍ قَدْ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ ذَكَرَ فِي تَأْيِيدِ بَعْضِهَا بَعْضَ الْأَحَادِيثِ الضِّعَافِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَوْلَى فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي حَدِيثٍ أَصَحَّ مِمَّا مضى أخرجه النسائي وأبو داود وصححه بن خُزَيْمَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وَأَنَا صَائِمٌ وَنَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى لَكِنْ قَالَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ كُلَّ نَفْسٍ مَيِّتَةٍ تِلْكَ السَّنَةَ فَأُحِبُّ أَنْ يَأْتِيَنِي أَجَلِي وَأَنَا صَائِمٌ قَالَ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا جَاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ تَقَدُّمِ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَكَذَا مَا جَاءَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ نِصْفِ شَعْبَانَ الثَّانِي فَإِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ بِأَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى مَنْ لَمْ يَدْخُلْ تِلْكَ الْأَيَّامَ فِي صِيَامٍ اعْتَادَهُ انْتَهَى 8 - (باب ما جاء في كراهية الصوم في النصف الباقي) مِنْ شَعْبَانَ لِحَالِ رَمَضَانَ [738] قَوْلُهُ (إِذَا بَقِيَ نِصْفٌ مِنْ شَعْبَانَ فَلَا تَصُومُوا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ وَفِي رِوَايَةٍ فَلَا صِيَامَ حَتَّى يَكُونَ رَمَضَانُ قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَالنَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ رَحْمَةً عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ يَضْعُفُوا عَنْ حَقِّ الْقِيَامِ بِصِيَامِ رَمَضَانَ عَلَى وَجْهِ النَّشَاطِ وَأَمَّا مَنْ صَامَ شَعْبَانَ كُلِّهُ فَيَتَعَوَّدُ بِالصَّوْمِ وَيَزُولُ عَنْهُ الْكُلْفَةُ وَلِذَا قَيَّدَهُ بِالِانْتِصَافِ أَوْ نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ التَّقَدُّمِ وَاَللَّهُ

أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي الْمَقْصُودُ اسْتِجْمَامُ مَنْ لَا يَقْوَى عَلَى تَتَابُعِ الصِّيَامِ فَاسْتُحِبَّ الْإِفْطَارُ كَمَا اسْتُحِبَّ إِفْطَارُ عَرَفَةَ لِيَتَقَوَّى عَلَى الدُّعَاءِ فَأَمَّا مَنْ قَدَرَ فَلَا نَهْيَ لَهُ وَلِذَلِكَ جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الشَّهْرَيْنِ فِي الصَّوْمِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِمَنْعِ الصَّوْمِ مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ لِحَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تصوموا أخرجه أصحاب السنن وصححه بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ يَحْرُمُ التَّقَدُّمُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لِحَدِيثِ لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ وَيُكْرَهُ التَّقَدُّمُ مِنْ نِصْفِ شَعْبَانَ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ الصَّوْمُ تَطَوُّعًا بَعْدَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ الْوَارِدَ فِيهِ وَقَالَ أحمد وبن مَعِينٍ إِنَّهُ مُنْكَرٌ وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ الْبَابِ يَعْنِي لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ شَعْبَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ عَلَى ضَعْفِهِ فَقَالَ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ بِمَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ وَكَذَا مَنَعَ قَبْلَهُ الطَّحَاوِيُّ وَاسْتَظْهَرَ بِحَدِيثٍ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَعْبَانُ لَكِنَّ إِسْنَادَهُ ضَعِيفٌ وَاسْتَظْهَرَ أَيْضًا بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ هَلْ صُمْتَ مِنْ سَرْدِ شَعْبَانَ شَيْئًا قَالَ لَا قَالَ فَإِذَا أَفْطَرْتَ مِنْ رَمَضَانَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثِينَ يَعْنِي بَيْنَ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَبَيْنَ حَدِيثِ لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ بِأَنَّ حَدِيثَ الْعَلَاءِ عَلَى مَنْ يُضْعِفُهُ الصَّوْمُ وَحَدِيثَ التَّقَدُّمِ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ يَحْتَاطُ بِزَعْمِهِ لِرَمَضَانَ وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وصححه بن حبان وغيره وقال أحمد وبن مَعِينٍ إِنَّهُ مُنْكَرٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَا يُحَدِّثُ بِهِ قُلْتُ لِأَحْمَدَ لِمَ قَالَ لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ وَقَالَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِلَافَهُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَيْسَ هَذَا عندي خلافه ولم يجيء بِهِ غَيْرُ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِهِ حَكَى أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ قال وكان عبد الرحمن يعني بن مَهْدِيٍّ لَا يُحَدِّثُ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِنَّمَا أَنْكَرَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَإِنَّ فِيهِ مَقَالًا لِأَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ قَالَ وَالْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَالٌ فَقَدْ حَدَّثَ عَنْهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ مَعَ شِدَّةِ انْتِقَادِهِ لِلرِّجَالِ وَتَحَرِّيهِ فِي ذَلِكَ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَذَكَرَ لَهُ أَحَادِيثَ انْفَرَدَ بِهَا رُوَاتُهَا وَكَذَلِكَ فَعَلَ الْبُخَارِيِّ

باب ما جاء في ليلة النصف من شعبان

أَيْضًا وَلِلْحُفَّاظِ فِي الرِّجَالِ مَذَاهِبُ فَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ مِنَ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قُلْتُ الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (مَا يُشْبِهُ قَوْلَهُ) أَيْ قَوْلَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ (وَالْمَعْنَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم) مِثْلُ قَوْلِهِ (وَهَذَا حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلخ) أَيْ مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ قَوْلِهِ فَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إلخ فَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ وَقَدْ رُوِيَ إلخ وَحَيْثُ تَعْلِيلِيَّةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَهَذَا أَيْ كَرَاهَةُ الْأَخْذِ فِي الصَّوْمِ لِحَالِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلخ وَقِيلَ وَهَذَا أَيْ دَلِيلُ كَرَاهَةِ الْأَخْذِ فِي الصَّوْمِ لِحَالِ رَمَضَانَ حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِلَخْ وَالظَّاهِرُ هُوَ مَا قُلْنَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ) [739] هِيَ اللَّيْلَةُ الْخَامِسَةُ عَشْرَ مِنْ شَعْبَانَ وَتُسَمَّى لَيْلَةَ الْبَرَاءَةِ وَذِكْرُ هَذَا الْبَابِ هُنَا اسْتِطْرَادٌ لِذِكْرِ شَعْبَانَ وَإِلَّا فَالْكَلَامُ فِي الصِّيَامِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ قَوْلُهُ (فَقَدْتُ) أَيْ لَمْ أَجِدْهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فَقَدْتُ الشَّيْءَ أَفْقِدُهُ إِذَا غَابَ عَنْكَ (لَيْلَةً) مِنْ لَيَالِي تَعْنِي اللَّيْلَةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا عِنْدِي (فإذا هو البقيع) أَيْ وَاقِفٌ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالْبَقِيعِ بَقِيعُ الْغَرْقَدِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِظَاهِرِ الْمَدِينَةِ فِيهِ قُبُورُ أَهْلِهَا كَانَ بِهِ شَجَرُ الْغَرْقَدِ فَذَهَبَ وَبَقِيَ اسْمُهُ كذا في النهاية (أن يحيف) أي يجوز وَيَظْلِمَ (اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ) ذَكَرَ اللَّهَ تَنْوِيهًا لِعِظَمِ شَأْنِهِ عِنْدَ رَبِّهِ عَلَى

حَدِّ (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَوْ تَزْيِينًا لِلْكَلَامِ وَتَحْسِينًا أَوْ حِكَايَةً لِمَا وَقَعَ فِي الْآيَةِ (أَمْ يَخَافُونَ أن يحيف الله عليهم ورسوله) وَإِشَارَةً إِلَى التَّلَازُمِ بَيْنَهُمَا كَالْإِطَاعَةِ وَالْمَحَبَّةِ قَالَ يَعْنِي ظَنَنْتِ أَنِّي ظَلَمْتُكِ بِأَنْ جَعَلْتُ مِنْ نَوْبَتِكِ لِغَيْرِكِ وَذَلِكَ مُنَافٍ لِمَنْ تَصَدَّى بِمَنْصِبِ الرِّسَالَةِ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ظَنَنْتُ أَنَّكَ أَتَيْتَ بَعْضَ نِسَائِكَ) أَيْ زَوْجَاتِكَ لِبَعْضِ مُهِمَّاتِكَ فَأَرَدْتُ تَحْقِيقَهَا وَحَمَلَنِي عَلَى هَذَا الْغَيْرَةُ الْحَاصِلَةُ لِلنِّسَاءِ الَّتِي تُخْرِجُهُنَّ عَنْ دَائِرَةِ الْعَقْلِ وَحَائِزَةِ التَّدَبُّرِ لِلْعَاقِبَةِ مِنَ الْمُعَاتَبَةِ أَوِ الْمُعَاقَبَةِ وَالْحَاصِلُ أَنِّي مَا ظَنَنْتُ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ عَلَيَّ أَوْ عَلَى غَيْرِي بَلْ ظَنَنْتُ أَنَّكَ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ أَوْ بِاجْتِهَادٍ مِنْكَ خَرَجْتَ مِنْ عِنْدِي لِبَعْضِ نِسَائِكَ لِأَنَّ عَادَتَكَ أَنْ تُصَلِّيَ النَّوَافِلَ فِي بَيْتِكَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (إلى سماء الدنيا) وفي رواية بن مَاجَهْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا (فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعْرِ غَنَمِ كَلْبٍ) أَيْ قَبِيلَةِ بَنِي كَلْبٍ وَخَصَّهُمْ لِأنَّهُمْ أَكْثَرُ غَنَمًا مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ نَقَلَ الْأَبْهَرِيُّ عَنِ الْأَزْهَارِ أَنَّ الْمُرَادَ بِغُفْرَانِ أَكْثَرِ عَدَدِ الذُّنُوبِ الْمَغْفُورَةِ لَا عَدَدِ أصحابها وهكذا رواه البيهقي انتهى ذكره القارىء وَفِي الْمِشْكَاةِ زَادَ رَزِينٌ مِمَّنِ اسْتَحَقَّ النَّارَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ فِي بَابِ التَّرْهِيبِ مِنَ التَّهَاجُرِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَقَالَ يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ إلخ) فَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا بَيْنَ الْحَجَّاجِ وَيَحْيَى وَالْآخَرُ مَا بَيْنَ يَحْيَى وَعُرْوَةَ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي فَضِيلَةِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ مَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَصْلًا فَمِنْهَا حَدِيثُ الْبَابِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى فَأَطَالَ السُّجُودَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ قَدْ قُبِضَ فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ قُمْتُ حَتَّى حَرَّكْتُ إِبْهَامَهُ فَتَحَرَّكَ فَرَجَعَ فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السُّجُودِ وَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ يَا عَائِشَةُ أَوْ يَا حميراء أظننت

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ خَاسَ بِك قُلْتُ لَا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ الله ولكني ظننت أنك قبضت طول سجودك فقال أَتَدْرِي أَيَّ لَيْلَةٍ هَذِهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ هَذِهِ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَطَّلِعُ عَلَى عِبَادِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ وَيَرْحَمُ الْمُسْتَرْحِمِينَ وَيُؤَخِّرُ أَهْلَ الْحِقْدِ كَمَا هُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَاءُ أَخَذَهُ مِنْ مَكْحُولٍ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا غَدَرَ بِصَاحِبِهِ فَلَمْ يُؤْتِهِ حَقَّهُ قَدْ خَاسَ بِهِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ لِلْحَافِظِ الْمُنْذِرِيِّ وَمِنْهَا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَطَّلِعُ اللَّهُ إِلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِهِ رَوَاهُ الطبراني في الأوسط وبن حبان في صحيحه والبيهقي ورواه بن مَاجَهْ بِلَفْظِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَالْبَزَّارِ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِنَحْوِهِ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قُلْتُ فِي سَنَدِ حديث أبي موسى الأشعري عند بن ماجه بن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَطَّلِعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى خَلْقِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين مُشَاحِنٍ وَقَاتِلِ نَفْسٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ انْتَهَى وَمِنْهَا حَدِيثُ مَكْحُولٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ يَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِأَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا مُشْرِكٌ أَوْ مُشَاحِنٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ قَالَ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَطَّلِعُ اللَّهُ إِلَى عِبَادِهِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَيُمْهِلُ الْكَافِرِينَ وَيَدَعُ أَهْلَ الْحِقْدِ بِحِقْدِهِمْ حَتَّى يَدَعُوهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ أَيْضًا بَيْنَ مَكْحُولٍ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ مُرْسَلٌ جَيِّدٌ انْتَهَى وَمِنْهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ أَلَا كَذَا أَلَا كَذَا حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ رواه بن مَاجَهْ وَفِي سَنَدِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ الْمَدَنِيُّ قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ مُحَمَّدٌ وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ رَمَوْهُ بِالْوَضْعِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ وَصَالِحٌ ابْنَا أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِمَا قَالَ كَانَ يَضَعُ

الْحَدِيثَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ انْتَهَى فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِمَجْمُوعِهَا حُجَّةٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي فَضِيلَةِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ شَيْءٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ وَقِيلَ هِيَ لَيْلَةُ النصف من شعبان وقول الجمهور وهو الحق قال الحافظ بن كَثِيرٍ مَنْ قَالَ إِنَّهَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقَدْ أَبْعَدَ فَإِنَّ نَصَّ الْقُرْآنِ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ انْتَهَى وَفِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِنَّ الْمُرَادَ فِي الْآيَةِ هِيَ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَّا أَنَّ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ بَلْ صَرِيحَهُ يَرُدُّهُ لِإِفَادَتِهِ فِي آيَةٍ أَنَّهُ نَزَلَ فِي رَمَضَانَ وَفِي أُخْرَى أَنَّهُ نَزَلَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنْ جُمْلَةِ رَمَضَانَ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا النُّزُولَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثَبَتَ أَنَّ اللَّيْلَةَ الَّتِي يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ فِي الْآيَةِ هِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ يَقَعُ فِيهَا فَرْقٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ وَإِنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهَا الْمُرَادَةُ مِنَ الْآيَةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُرَادَةً مِنْهَا وَحِينَئِذٍ يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ وَالْآيَةِ وُقُوعُ ذَلِكَ الْفَرْقِ فِي كُلٍّ من الليلتين إعلاما لمزيد شرفهما وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ فِي أَحَدِهِمَا إِجْمَالًا وَفِي الْأُخْرَى تَفْصِيلًا أَوْ تُخَصُّ إِحْدَاهُمَا بِالْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَى بِالْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الاحتمالات العقلية انتهى تنبيه اخر قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ اعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي اللَّآلِئِ أَنَّ مِائَةَ رَكْعَةٍ فِي نِصْفِ شَعْبَانَ بِالْإِخْلَاصِ عَشْرَ مَرَّاتٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مَعَ طُولِ فَضْلِهِ لِلدَّيْلَمِيِّ وَغَيْرِهِ مَوْضُوعٌ وَفِي بَعْضِ الرَّسَائِلِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَمِمَّا أُحْدِثَ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ الصَّلَاةُ الْأَلْفِيَّةُ مِائَةُ رَكْعَةٍ بِالْإِخْلَاصِ عَشْرًا عَشْرًا بِالْجَمَاعَةِ وَاهْتَمُّوا بِهَا أَكْثَرَ مِنَ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ لَمْ يَأْتِ بِهَا خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ إِلَّا ضَعِيفٌ أَوْ مَوْضُوعٌ وَلَا تَغْتَرَّ بِذِكْرِ صَاحِبِ الْقُوتِ وَالْإِحْيَاءِ وَغَيْرِهِمَا وَكَانَ لِلْعَوَامِّ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ افْتِتَانٌ عَظِيمٌ حَتَّى الْتُزِمَ بِسَبَبِهَا كَثْرَةُ الْوَقِيدِ وَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الْفُسُوقِ وَانْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ مَا يُغْنِي عَنْ وَصْفِهِ حَتَّى خَشِيَ الْأَوْلِيَاءُ مِنَ الْخَسْفِ وَهَرَبُوا فِيهَا إلى البراري وأول حدوث لهذه الصلاة ببيت الْمَقْدِسِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ قَالَ وَقَدْ جَعَلَهَا جَهَلَةُ أَئِمَّةِ الْمَسَاجِدِ مَعَ صَلَاةِ الرَّغَائِبِ وَنَحْوِهِمَا شَبَكَةً لِجَمْعِ الْعَوَامِّ وَطَلَبًا لِرِيَاسَةِ التَّقَدُّمِ وَتَحْصِيلِ الْحُطَامِ ثُمَّ إِنَّهُ أَقَامَ اللَّهُ أَئِمَّةَ الْهُدَى فِي سَعْيِ إِبْطَالِهَا فَتَلَاشَى أَمْرُهَا وَتَكَامَلَ إِبْطَالُهَا فِي الْبِلَادِ الْمِصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ فِي أَوَائِلِ سِنِي الْمِائَةِ الثَّامِنَةِ قِيلَ أَوَّلَ حُدُوثِ الْوَقِيدِ مِنَ الْبَرَامِكَةِ وَكَانُوا عَبَدَةَ النَّارِ فَلَمَّا أَسْلَمُوا أَدْخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ مَا يُمَوِّهُونَ أَنَّهُ مِنْ سَنَنِ الدِّينِ وَمَقْصُودُهُمْ عِبَادَةُ النِّيرَانِ حَيْثُ رَكَعُوا

باب ما جاء في صوم المحرم

وَسَجَدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى تِلْكَ النِّيرَانِ وَلَمْ يَأْتِ فِي الشَّرْعِ اسْتِحْبَابُ زِيَادَةِ الْوَقِيدِ عَلَى الْحَاجَةِ فِي مَوْضِعٍ وَمَا يَفْعَلُهُ عَوَامُّ الْحُجَّاجِ مِنَ الْوَقِيدِ بِجَبَلِ عَرَفَاتٍ وَبِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَبِمِنًى فَهُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَقَدْ أَنْكَرَ الطَّرَسُوسِيُّ الِاجْتِمَاعَ لَيْلَةَ الْخَتْمِ فِي التَّرَاوِيحِ وَنَصْبَ الْمَنَابِرِ وبين أنه بدعة منكرة قال القارىء رَحِمَهُ اللَّهُ مَا أَفْطِنُهُ وَقَدِ ابْتُلِيَ بِهِ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ حَتَّى فِي لَيَالِي الْخَتْمِ يَحْصُلُ اجْتِمَاعٌ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّغَارِ وَالْعَبِيدِ مَا لَا يَحْصُلُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْكُسُوفِ وَالْعِيدِ وَيَسْتَقْبِلُونَ النَّارَ وَيَسْتَدْبِرُونَ بَيْتَ اللَّهِ الْمَلِكِ الْجَبَّارِ وَيَقِفُونَ عَلَى هَيْئَةِ عَبَدَةِ النِّيرَانِ فِي نَفْسِ الْمَطَافِ حَتَّى يَضِيقَ عَلَى الطَّائِفِينَ الْمَكَانُ وَيُشَوِّشُونَ عَلَيْهِمْ وَعَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الذَّاكِرِينَ وَالْمُصَلِّينَ وَقُرَّاءِ الْقُرْآنِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَفْوَ والعافية والغفران والرضوان انتهى كلام القارىء مُخْتَصَرًا تَنْبِيهٌ آخَرُ لَمْ أَجِدْ فِي صَوْمِ يَوْمِ لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الذي رواه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا إلخ فَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ جَدًّا وَلِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ حَدِيثٌ آخَرُ وَفِيهِ فَإِنْ أَصْبَحَ في ذلك اليوم صائما كان كصيام سِتِّينَ سَنَةٍ مَاضِيَةٍ وَسِتِّينَ سَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ رَوَاهُ بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَقَالَ مَوْضُوعٌ وَإِسْنَادُهُ مُظْلِمٌ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صَوْمِ الْمُحَرَّمِ) [740] قَوْلُهُ (أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ) أَيْ صِيَامُ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ وَأَضَافَ الشَّهْرَ إِلَى اللَّهِ تَعْظِيمًا فَإِنْ قُلْتَ قَدْ ثَبَتَ إِكْثَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الصَّوْمِ فِي شَعْبَانَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ بَعْدَ صِيَامِ رَمَضَانَ صِيَامُ الْمُحَرَّمِ فَكَيْفَ أَكْثَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فِي شَعْبَانَ دُونَ الْمُحَرَّمِ قُلْتُ لَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَ الْمُحَرَّمِ إِلَّا فِي آخِرِ الْحَيَاةِ قَبْلَ التَّمَكُّنُ مِنْ صَوْمِهِ أَوْ لَعَلَّهُ كَانَ يَعْرِضُ فِيهِ أَعْذَارٌ تَمْنَعُ مِنْ إِكْثَارِ الصَّوْمِ فِيهِ كَسَفَرٍ وَمَرَضٍ وَغَيْرِهِمَا كَذَا أَفَادَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شرح مسلم

باب ما جاء في صوم يوم الجمعة

قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ وَزَادَ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ [741] قَوْلُهُ (فِيهِ يَوْمٌ تَابَ اللَّهُ فِيهِ عَلَى قَوْمٍ) هُمْ قَوْمُ مُوسَى بَنُو إِسْرَائِيلَ نَجَّاهُمُ اللَّهُ مِنْ فِرْعَوْنَ وَأَغْرَقَهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَنَقَلَ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) [742] قَوْلُهُ (مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِغُرَّةِ الشَّهْرِ أَوَّلُهُ وَأَنْ يُرَادَ بِهَا الْأَيَّامُ الْغُرُّ وَهِيَ البيض كذا في قوت المغتذي (قل ما كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) قَالَ الْمُظْهِرُ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ يَصُومُهُ مُنْضَمًّا إِلَى مَا قَبْلَهُ أَوْ إِلَى مَا بَعْدَهُ أَوْ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْوِصَالِ انْتَهَى قُلْتُ وَجْهُ تَأْوِيلِهِ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ إِفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصِّيَامِ وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى كَرَاهَتِهِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إلا أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَاسْتُدِلَّ لَهُمَا بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْحَافِظُ فِي

فتح الباري واستدل الحنفية بحديث بن مَسْعُودٍ يَعْنِي الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ كَانَ لَا يَتَعَمَّدُ فِطْرَهُ إِذَا وَقَعَ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ يَصُومُهَا وَلَا يُضَادُّ ذَلِكَ كَرَاهَةُ إِفْرَادِهِ بِالصَّوْمِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثِينَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ قُلْتَ يُعَارِضُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ (يَعْنِي الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ إِفْرَادِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ) مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ (يَعْنِي الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ) قُلْتُ لَا نُسَلِّمُ هَذِهِ الْمُعَارَضَةَ لِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ فَنَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَوْمَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَمْ يَكُنْ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ بَلِ إِنَّمَا كَانَ بِيَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بِيَوْمٍ بَعْدَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ فِعْلُهُ عَلَى مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ إِلَّا بِنَصٍّ صَحِيحٍ صَرِيحٍ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ نَسْخًا أَوْ تَخْصِيصًا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْتَفٍ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ مُلَخَّصًا قُلْتُ حَاصِلُ كَلَامِ الْعَيْنِيِّ هَذَا هُوَ مَا قَالَ الْحَافِظُ فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنَ الْعَيْنِيِّ أَنَّهُ نَقَلَ قَوْلَ الْحَافِظِ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ وَقَالَ وَالْعَجَبُ مِنْ هَذَا الْقَائِلِ يَتْرُكُ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَيَدْفَعُ حُجِّيَّتَهُ بِالِاحْتِمَالِ النَّاشِئِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ الَّذِي لَا يُعْتَبَرُ وَلَا يُعْمَلُ بِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عَسَفٌ وَمُكَابَرَةٌ انْتَهَى فَاعْتِرَاضُ الْعَيْنِيِّ هَذَا إِنْ كَانَ صَحِيحًا فَهُوَ وَاقِعٌ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّ حَاصِلَ كَلَامِهِمَا وَاحِدٌ فتفكر قوله (وفي الباب عن بن عمرو وأبي هريرة) أما حديث بن عمر فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ قَالَ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفطر يوم جمعة قط كذا في عمدة القارىء

باب ما جاء في كراهية صوم الجمعة وحده

وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ صَامَ الْجُمُعَةَ كُتِبَ لَهُ عَشْرَةُ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الْآخِرَةِ لَا يُشَاكِلُهُنَّ أَيَّامُ الدُّنْيَا كَذَا فِي النَّيْلِ وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عباس أخرجه بن أبي شيبة نحو رواية بن عمر المذكور قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وصححه بن حبان وبن عبد البر وبن حزم كذا في عمدة القارىء 2 - (باب ما جاء في كراهية صوم الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ) [743] قَوْلُهُ (لَا يَصُومُ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) نَفْيٌ مَعْنَاهُ نَهْيٌ قَالَ الْحَافِظُ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ النَّهْيِ عَنْ إِفْرَادِهِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا لِكَوْنِهِ يَوْمَ عِيدٍ وَالْعِيدُ لَا يُصَامُ وَاسْتَشْكَلَ ذَلِكَ مَعَ الْإِذْنِ بِصِيَامِهِ مَعَ غَيْرِهِ وأجاب بن الْقَيِّمِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ شَبَهَهُ بِالْعِيدِ لَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِوَاءَهُ مَعَهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَمَنْ صَامَ مَعَهُ غَيْرَهُ انْتَفَتْ عَنْهُ صُورَةُ التَّحَرِّي ثَانِيهَا لِئَلَّا يَضْعُفَ عَنِ الْعِبَادَةِ وَهَذَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ ثَالِثُهَا خَوْفُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْظِيمِهِ فَيُفْتَتَنُ بِهِ كَمَا افْتَتَنَ الْيَهُودُ بِالسَّبْتِ رَابِعُهَا خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ كَمَا خَشِيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قِيَامِهِمْ اللَّيْلَ ذَاكَ خَامِسُهَا مُخَالَفَةُ النَّصَارَى لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ صَوْمُهُ وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِمُخَالَفَتِهِمْ قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مع مالها وَمَا عَلَيْهَا مَا لَفْظُهُ وَأَقْوَى الْأَقْوَالِ وَأَوْلَاهَا بِالصَّوَابِ أَوَّلُهَا وَوَرَدَ فِيهِ صَرِيحًا حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا يَوْمُ الْجُمُعَةِ يَوْمُ عِيدٍ فَلَا تَجْعَلُوا يَوْمَ عِيدِكُمْ يَوْمَ صِيَامِكُمْ إِلَّا أَنْ تَصُومُوا قَبْلَهُ أو بعده والثاني رواه بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُتَطَوِّعًا مِنَ الشَّهْرِ فَلْيَصُمْ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَلَا يَصُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ يَوْمُ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَذِكْرٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ آنِفًا (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَجُنَادَةَ الْأَزْهَرِيِّ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (وَجُوَيْرِيَّةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ جَبَلَةَ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ صَامَ الْأَرْبِعَاءَ وَالْخَمِيسَ وَالْجُمُعَةَ بَنَى اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ قَصْرًا مِنْ لُؤْلُؤٍ وَيَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ وَكَتَبَ لَهُ بَرَاءَةً مِنَ النَّارِ وَصَالِحُ بْنُ جَبَلَةَ ضَعَّفَهُ الْأَزْدِيُّ كَذَا فِي عُمْدَةِ القارىء (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ

باب ما جاء في صوم يوم السبت

قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ) قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ فَفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصِيَامُهُ حَسَنٌ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ انْتَهَى وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ سِرَاجُ أَحْمَدُ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ إِمَامُنَا أَبُو حَنِيفَةَ يُنْدَبُ صَوْمُ الْجُمُعَةِ وَلَوْ مُنْفَرِدًا وَتَمَسَّكَ بحديث أخرجه الترمذي عن بن مسعود وكره منفردا الشافعي وأحمد قال النووي السنة مقدم عَلَى مَا رَآهُ مَالِكٌ وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَالِكٌ مَعْذُورٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ انْتَهَى قُلْتُ وَقَدْ تَقَدَّمَ الجواب عن حديث بن مَسْعُودٍ فَالْحَقُّ فِي هَذَا الْبَابِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صَوْمِ يَوْمِ السَّبْتِ) [744] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ (عَنْ أُخْتِهِ) وَفِي رِوَايَةِ أبي داود عن أخته الصماء قال القارىء بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ اسْمُهَا بَهِيَّةُ وَتُعْرَفُ بِالصَّمَّاءِ قَوْلُهُ (لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ أَيْ وَحْدَهُ إِلَّا فِيمَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ قَالَ الطِّيبِيُّ قَالُوا النَّهْيُ عَنِ الْإِفْرَادِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَالْمَقْصُودُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِيهِمَا وَالنَّهْيُ فِيهِمَا لِلتَّنْزِيهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمَا افْتُرِضَ يَتَنَاوَلُ الْمَكْتُوبَ وَالْمَنْذُورَ وَقَضَاءَ الْفَوَائِتِ وَصَوْمَ الْكَفَّارَةِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا وَافَقَ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً كَعَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ أَوْ وَافَقَ وردا وزاد بن الْمَلَكِ وَعَشْرَةُ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ فِي خَيْرُ الصيام صيام داود فإن النهي عنه شدة الاهتمام والعناية به حق كَأَنَّهُ يَرَاهُ وَاجِبًا كَمَا تَفْعَلُهُ الْيَهُودُ قَالَ القارىء فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَأَمَّا عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ لِلتَّنْزِيهِ

بِمُجَرَّدِ الْمُشَابَهَةِ (إِلَّا لِحَاءَ عِنَبَةٍ) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ اللِّحَاءُ مَمْدُودٌ وَهُوَ قِشْرُ الشَّجَرِ وَالْعِنَبَةُ هِيَ الْحَبَّةُ مِنَ الْعِنَبِ انْتَهَى (أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ) عطف على الحاء عِنَبَةٍ (فَلْيَمْضُغْهُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَضَغَهُ كَمَنَعَهُ وَنَصَرَهُ لَاكَهُ بِأَسْنَانِهِ وَهَذَا تَأْكِيدٌ بِالْإِفْطَارِ لِنَفْيِ الصَّوْمِ وَإِلَّا فَشَرْطُ الصَّوْمِ النِّيَّةُ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ لَمْ يُوجَدْ وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ صَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ انْتَهَى وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا قَالَ مَالِكٌ هَذَا كَذِبٌ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِيهِ بُسْرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ حَدِيثِ الصَّمَّاءِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ هَذِهِ أَحَادِيثُ مُضْطَرِبَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الْحَاكِمُ وَلَهُ مُعَارِضٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بعثوه إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَسْأَلُهَا عَنِ الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ لَهَا صِيَامًا فَقَالَتْ يَوْمُ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ فَقَامُوا بِأَجْمَعِهِمْ إِلَيْهَا فَسَأَلُوهَا فَقَالَتْ صَدَقَ وَكَانَ يَقُولُ إِنَّهُمَا يَوْمُ عِيدٍ لِلْمُشْرِكِينَ فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَهُمْ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وبن حِبَّانَ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَالِاثْنَيْنِ إلخ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ جُمِعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ النَّهْيَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْإِفْرَادِ وَالصَّوْمِ بِاعْتِبَارِ انْضِمَامِ مَا قَبْلَهُ أَوْ مَا بَعْدَهُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ لِمَنْ صَامَ الْجُمُعَةَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ السَّبْتِ بَعْدَهَا وَالْجَمْعُ مَهْمَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنَ النَّسْخِ وَأَمَّا عِلَّةُ الِاضْطِرَابِ فَيُمْكِنُ أَنْ تُدْفَعَ بِمَا ذكره الحافظ في التلخيص وأما قوله مَالِكٍ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَذِبٌ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي وَجْهُ كَذِبِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في صوم يوم الاثنين والخميس

44 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ) [745] قَوْلُهُ (عَنْ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وَثَّقَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (يَتَحَرَّى صَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ) أَيْ يَقْصِدُهُ وَيَطْلُبُهُ وَالتَّحَرِّي طَلَبُ الْأَحْرَى وَالْأَوْلَى وَقِيلَ التَّحَرِّي طَلَبُ الثَّوَابِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي طَلَبِ شَيْءٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ حَفْصَةَ وَأَبِي قَتَادَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) أَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غريب من هذا الوجه) وأعله بن الْقَطَّانِ بِالرَّاوِي عَنْهَا وَأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ صَحَابِيٌّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ [746] قَوْلُهُ (يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ السَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَالْاِثْنَيْنَ) مُرَاعَاةً لِلْعَدَالَةِ بَيْنَ الْأَيَّامِ فَإِنَّهَا أَيَّامُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَنْبَغِي هِجْرَانُ بَعْضِهَا لِانْتِفَاعِنَا بِكُلِّهَا قَالَ الطِّيبِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْجُمُعَةَ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ فكان يستوفي أيام الأسبوع بالصيام قال بن ملك وإنما لَمْ يَصُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّتَّةَ متوالية كيلا يَشُقَّ عَلَى الْأُمَّةِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ رَحْمَةً لَهُمْ وَشَفَقَةً عَلَيْهِمْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ

قَوْلُهُ (وَرَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُفْيَانَ وَلَمْ يَرْفَعْهُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَهُوَ أَشْبَهُ [747] قَوْلُهُ (تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ) أَيْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى (فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ) أَيْ طَلَبُ الزِّيَادَةِ رفعة الدرجة قال بن الْمَلَكِ وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُرْفَعُ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الرَّفْعِ وَالْعَرْضِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ تُجْمَعُ فِي الْأُسْبُوعِ وَتُعْرَضُ فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ إِلَّا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ أَنْظِرُوا هذين حتى يصطلحا قال بن حَجَرٍ وَلَا يُنَافِي هَذَا رَفْعَهَا فِي شَعْبَانَ فَقَالَ إِنَّهُ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ وَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ لِجَوَازِ رَفْعِ أَعْمَالِ الْأُسْبُوعِ مُفَصَّلَةً وَأَعْمَالِ الْعَامِ مُجْمَلَةً كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ حَدِيثُ رَفْعِ الْأَعْمَالِ فِي شعبان أخرجه النسائي وأبو داود وصححه بن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنْ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صَائِمٌ وَنَحْوُهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى كَذَا فِي النَّيْلِ

باب ما جاء في صوم الأربعاء والخميس

45 - (باب ما جاء في صوم الْأَرْبِعَاءِ وَالْخَمِيسِ) [748] قَوْلُهُ (مُحَمَّدُ بْنُ مَدُّوَيْهِ) بِفَتْحِ الميم وشدة الدَّالِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَدُّوَيْهِ الْقُرَشِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ التِّرْمِذِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَ قَوْلُهُ (صُمْ رَمَضَانَ وَاَلَّذِي يَلِيهِ) قِيلَ أَرَادَ السِّتَّ مِنْ شَوَّالٍ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ شَعْبَانَ (وَكُلَّ أَرْبِعَاءَ) بِالْمَدِّ وَعَدَمِ الِانْصِرَافِ (وَخَمِيسٍ) بِالْجَرِّ وَالتَّنْوِينِ (فَإِذًا) بِالتَّنْوِينِ وَالْفَاءُ جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِنْ فَعَلْتَ مَا قُلْتُ لَكَ فَقَدْ صُمْتَ وَإِذًا جَوَابٌ جِيءَ لِتَأْكِيدِ الرَّبْطِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيِّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَسَكَتَ عَنْهُ (وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ هَارُونَ بْنِ سَلْمَانَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَعْدَ نَقْلِ الكلام التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ الرِّوَايَتَيْنِ الرِّوَايَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى 6 - (باب ما جاء في فضل صوم عَرَفَةَ) [749] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ الزِّمَّانِيِّ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَبِنُونٍ بَصْرِيٌّ ثقة من

باب ما جاء في كراهية صوم يوم عرفة بعرفة

الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ) أَيْ أَرْجُو مِنْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ كَأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُقَالَ أَرْجُو مِنَ اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ فَوَضَعَ مَوْضِعَهُ أَحْتَسِبُ وَعَدَّاهُ بِعَلَى الَّذِي لِلْوُجُوبِ عَلَى سَبِيلِ الْوَعْدِ مُبَالَغَةً لِحُصُولِ الثَّوَابِ انْتَهَى (أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالُوا الْمُرَادُ بِالذُّنُوبِ الصَّغَائِرُ وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الصَّغَائِرُ يُرْجَى تَخْفِيفُ الْكَبَائِرِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُفِعَتِ الدَّرَجَاتُ وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَأَمَّا الْكَبَائِرُ فَلَا يُكَفِّرُهَا إِلَّا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ انْتَهَى فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ ذَنْبٌ فِي تِلْكَ السَّنَةِ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يَحْفَظَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الذُّنُوبِ فِيهَا وَقِيلَ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنَ الرَّحْمَةِ الثَّوَابَ قَدْرًا يَكُونُ كَكَفَّارَةِ السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَالسَّنَةِ الْقَابِلَةِ إِذَا جَاءَتْ وَاتَّفَقَتْ لَهُ ذُنُوبٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كراهية صوم يوم عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ) أَيْ بِعَرَفَاتٍ [750] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عُلَيَّةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ قَوْلُهُ (وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّ الْفَضْلِ) أَيْ بِنْتُ الْحَارِثِ وَهِيَ امْرَأَةُ الْعَبَّاسِ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَاتٍ أَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِيهِ مَهْدِيٌّ الْهَجَرِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ مِنْ طَرِيقِهِ وَقَالَ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بِأَسَانِيدَ جِيَادٍ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْ يَوْمَ عَرَفَةَ بِهَا وَلَا يَصِحُّ النَّهْيُ عَنْ صِيَامِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِهِ هَذَا قد صححه بن خزيمة ووثق مهديا المذكور بن حبان (وبن عمر) أخرجه الترمذي والنسائي وبن حِبَّانَ (وَأُمِّ الْفَضْلِ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَقَدْ صَامَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ) قال الحافظ في الفتح وعن بن الزُّبَيْرِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعَائِشَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَصُومُونَهُ أَيْ يَصُومُونَ يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ وَكَانَ ذَلِكَ يُعْجِبُ الْحَسَنَ وَيَحْكِيهِ عَنْ عُثْمَانَ وَعَنْ قَتَادَةَ مَذْهَبٌ آخَرُ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا لَمْ يُضْعِفْ عَنِ الدُّعَاءِ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ يُسْتَحَبُّ فِطْرُهُ حَتَّى قَالَ عَطَاءٌ مَنْ أَفْطَرَهُ لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الذِّكْرِ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الصَّائِمِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ إِنَّمَا أَفْطَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَةَ لِيَدُلَّ عَلَى الِاخْتِيَارِ لِلْحَاجِّ بِمَكَّةَ لِكَيْ لَا يَضْعُفَ عَنِ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ الْمَطْلُوبِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَقِيلَ إِنَّمَا كُرِهَ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ مَرْفُوعًا يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ مِنًى عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْفِطْرُ يَوْمَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ هُوَ الظَّاهِرُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَوْمِ عَرَفَةَ بعرفة وقد صحح هذا الحديث بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ السَّلَفِ فَجَاءَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ يَجِبُ فِطْرُ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْحَاجِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في الحث على صوم يوم عاشوراء

[751] قُلْتُ (وَأَبُو نَجِيحٍ اسْمُهُ يَسَارُ) الْمَكِّيُّ مَوْلَى ثَقِيفٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَهُوَ وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (وقد روي هذا الحديث أيضا عن بن أبي نجيح عن رجل عن بن عُمَرَ) فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا نَجِيحٍ سَمِعَ أَوَّلًا هذا الحديث بواسطة رجل ثم لقي بن عُمَرَ فَسَمِعَهُ مِنْهُ بِلَا وَاسِطَةٍ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَثِّ عَلَى صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ) [752] بالْمَدِّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ فِيهِ الْقَصْرُ قَالَ الطِّيبِيُّ وَهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ فِي تَعْيِينِهِ قَوْلُهُ (إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) فَإِنْ قِيلَ مَا وَجْهُ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ قِيلَ وَجْهُهُ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ عَرَفَةَ مِنْ شَرِيعَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَوْمَ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مِنْ شَرِيعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ يُكَفِّرُ سَنَةً وَإِنَّ صِيَامَ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ وَظَاهِرٌ أَنَّ صِيَامَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ عَاشُورَاءَ وَقَدْ قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ يَوْمَ عَاشُورَاءَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَوْمَ عَرَفَةَ مَنْسُوبٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ كَانَ أَفْضَلَ انْتَهَى واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في الرخصة في ترك صوم عاشوراء

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالنَّسَائِيُّ (وَمُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِيٍّ) أخرجه بن ماجه و (سلمة بْنِ الْأَكْوَعِ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَهِنْدَ بْنِ أَسْمَاءَ) أخرجه الطحاوي (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَمَةَ الْخُزَاعِيِّ عَنْ عَمِّهِ) أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) أخرجه أحمد والبزار والطبراني (ذكروا) أن هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةُ الْمَذْكُورُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ صَوْمِ عاشوراء) [753] قوله (وكان عاشوراء يوم تَصُومُهُ قُرَيْشٌ) هَكَذَا فِي غَالِبِ النُّسَخِ وَالظَّاهِرُ يَوْمًا بِالنَّصْبِ وَاعْتِبَارُهُ مَنْصُوبًا مُضَافًا إِلَى الْجُمْلَةِ بَعْدَهُ كَمَا فِي (يَوْمَ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ يُبْعِدُهُ اشْتِمَالُ تَصُومُهُ عَلَى ضَمِيرٍ عَائِدٍ إِلَيْهِ فَإِنَّ اشْتِمَالَ الْجُمْلَةِ) الْمُضَافِ إِلَيْهَا عَلَى ضَمِيرِ الْمُضَافِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ فِي الْعَرَبِيَّةِ بَلْ قَدْ مَنَعَهُ بَعْضُهُمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجُمْلَةَ الَّتِي بَعْدَهُ صِفَةٌ لَهُ وَاعْتِبَارُ الْيَوْمِ اسْمُ كَانَ عَلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ خَبَرُ كَانَ بَعِيدٌ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَمِنْ حَيْثُ عِلْمُ الْإِعْرَابِ لِأَنَّ عَاشُورَاءَ مَعْرِفَةٌ وَيَوْمَ نَكِرَةٌ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَعَاشُورَاءَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يَوْمًا كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِأَبِي الطَّيِّبِ (فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ رَمَضَانُ هُوَ الْفَرِيضَةَ) ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ

باب ما جاء في عاشوراء أي يوم هو

صَوْمَ عَاشُورَاءَ كَانَ فَرْضًا ثُمَّ نُسِخَ وُجُوبُهُ بِوُجُوبِ صَوْمِ رَمَضَانَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ كَانَ وَاجِبًا لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِصَوْمِهِ ثُمَّ تَأَكَّدَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ ثُمَّ زِيَادَةُ التَّأْكِيدِ بِالنِّدَاءِ الْعَامِّ ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ مَنْ أَكَلَ بِالْإِمْسَاكِ ثُمَّ زِيَادَتُهُ بِأَمْرِ الْأُمَّهَاتِ أَنْ لَا يُرْضِعْنَ فِيهِ الْأَطْفَالَ وَبِقَوْلِ بن مَسْعُودٍ الثَّابِتِ فِي مُسْلِمٍ لَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ تُرِكَ عَاشُورَاءُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَا تُرِكَ اسْتِحْبَابُهُ بَلْ هُوَ بَاقٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَتْرُوكَ وُجُوبُهُ وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ الْمَتْرُوكُ تَأَكُّدُ اسْتِحْبَابِهِ وَالْبَاقِي مُطْلَقُ اسْتِحْبَابِهِ فَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ بل تأكد استحبابه باق ولاسيما مَعَ اسْتِمْرَارِ الِاهْتِمَامِ بِهِ حَتَّى فِي عَامِ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ يَقُولُ لَئِنْ عِشْتُ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ وَلِتَرْغِيبِهِ فِي صَوْمِهِ وَأَنَّهُ يُكَفِّرُ سَنَةً وَأَيُّ تَأْكِيدٍ أَبْلَغُ مِنْ هَذَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وبن عمر ومعاوية) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ سعد فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حديث بن عمر ومعاوية وهو بن أَبِي سُفْيَانَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا قَوْلُهُ (وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ 0 - (بَاب مَا جَاءَ في عَاشُورَاءُ أَيُّ يَوْمٍ هُوَ) [754] قَوْلُهُ (وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ رِدَاءَهُ فِي زَمْزَمَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عِنْدَ زَمْزَمَ (ثُمَّ أَصْبَحَ مِنْ يَوْمِ

التَّاسِعِ صَائِمًا إلخ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا تَصْرِيحٌ من بن عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ مَذْهَبُهُ أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَيَتَأَوَّلُهُ عَلَى أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ إِظْمَاءِ الْإِبِلِ فَإِنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْيَوْمَ الْخَامِسَ مِنْ يَوْمِ الْوِرْدِ رَبْعَاءَ وَكَذَا بَاقِي الْأَيَّامِ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ فَيَكُونُ التَّاسِعُ عَشْرًا وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّ الْعَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنَ الْمُحَرَّمِ مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَخَلَائِقُ وَهَذَا ظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ وَمُقْتَضَى اللَّفْظِ وَأَمَّا تَقْدِيرُ أَخْذِهِ مِنَ الاظماء فبعيد ثم إن حديث بن عَبَّاسٍ الثَّانِي يَرُدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ عَاشُورَاءَ فَذَكَرُوا أَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى تَصُومُهُ فَقَالَ إِنَّهُ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ يَصُومُ التَّاسِعَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الَّذِي كَانَ يَصُومُهُ لَيْسَ هُوَ التَّاسِعَ فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ الْعَاشِرَ انْتَهَى قُلْتُ وقَدْ تأول قول بن عَبَّاسٍ هَذَا الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْوِي الصِّيَامَ فِي اللَّيْلَةِ الْمُتَعَقِّبَةِ لِلتَّاسِعِ وقواه الحافظ بحديث بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا كَانَ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا التَّاسِعَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ قَالَ فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ الْعَاشِرَ وَهَمَّ بِصَوْمِ التَّاسِعِ فَمَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ الأولى أن يقال إن بن عَبَّاسٍ أَرْشَدَ السَّائِلَ لَهُ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي يُصَامُ فِيهِ وَهُوَ التَّاسِعُ لَمْ يُجِبْ عَلَيْهِ بِتَعْيِينِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُسْأَلُ عَنْهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالسُّؤَالِ عَنْهُ فَائِدَةٌ فَابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ أَنَّ مَقْصُودَهُ تَعْيِينُ الْيَوْمِ الَّذِي يُصَامُ فِيهِ أَجَابَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ التَّاسِعُ وَقَوْلُهُ نَعَمْ بَعْدَ قَوْلِ السَّائِلِ أَهَكَذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ بِمَعْنَى نَعَمْ هَكَذَا كَانَ يَصُومُ لَوْ بَقِيَ لِأَنَّهُ قَدْ أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ قَبْلَ صَوْمِ التاسع وتأويل بن الْمُنِيرِ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَأَصْبَحَ يَوْمَ التَّاسِعِ صَائِمًا لَا يَحْتَمِلُهُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ وَتَأْوِيلُ الشَّوْكَانِيِّ أَيْضًا بَعِيدٌ فَتَفَكَّرْ [755] قَوْلُهُ (أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمَ الْعَاشِرِ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ قَالَ في اللمعات مراتب صَوْمِ الْمُحَرَّمِ ثَلَاثَةٌ الْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ الْعَاشِرِ وَيَوْمًا قَبْلَهُ وَيَوْمًا بَعْدَهُ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَحْمَدَ وَثَانِيهَا أَنْ يَصُومَ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ وَثَالِثُهَا أَنْ يَصُومَ الْعَاشِرَ فَقَطْ وَقَدْ جَاءَ فِي التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ أَحَادِيثُ وَلِهَذَا لَمْ يَجْعَلُوا صَوْمَ الْعَاشِرِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنَ الْمَرَاتِبِ وَإِنْ كَانَ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي هَذِهِ أَيْضًا وَكَذَا لَا يُجْزِئُ التَّاسِعُ مِنْ

السَّنَةِ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ولأحمد مرفوعا عن بن عَبَّاسٍ صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ خَالِفُوا الْيَهُودَ صُومُوا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ وَهَذَا كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لم يؤمر فيه بشيء ولاسيما إِذَا كَانَ فِيمَا يُخَالِفُ فِيهِ أَهْلَ الْأَوْثَانِ فَلَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ وَاشْتُهِرَ أَمْرُ الْإِسْلَامِ أَحَبَّ مُخَالَفَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَيْضًا كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ فَهَذَا مِنْ ذَلِكَ فَوَافَقَهُمْ أَوَّلًا وَقَالَ نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ ثُمَّ أَحَبَّ مُخَالَفَتَهُمْ فَأَمَرَ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ يَوْمٌ قَبْلَهُ وَيَوْمٌ بعده خلافا لهم انتهى قوله (حديث بن عباس حديث حسن صحيح) حديث بن عباس الأول أخرجه مسلم وأبو داود الثاني انْفَرَدَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ بَيْنَ الْحَسَنِ البصري وبن عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ لَمْ يُوَضِّحْ مُرَادَهُ أَيَّ حديثي بن عَبَّاسٍ أَرَادَ وَقَدْ فَهِمَ أَصْحَابُ الْأَطْرَافِ أَنَّهُ أَرَادَ تَصْحِيحَ حَدِيثِهِ الْأَوَّلِ فَذَكَرُوا كَلَامَهُ هَذَا عُقَيْبَ حَدِيثِهِ الْأَوَّلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ مُنْقَطِعٌ وَشَاذٌّ أَيْضًا لِمُخَالَفَتِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَقَدِّمِ كذا في عمدة القارىء لِلْعَيْنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَوْمُ التَّاسِعِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَوْمُ الْعَاشِرِ) قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ وَهُوَ مُقْتَضَى الِاشْتِقَاقِ وَالتَّسْمِيَةِ وَقِيلَ هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ فَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْيَوْمُ مُضَافٌ لِلَيْلَتِهِ الْمَاضِيَةِ وَعَلَى الثَّانِي هُوَ مُضَافٌ لِلَيْلَتِهِ الْآتِيَةِ وَقِيلَ إِنَّمَا سُمِّيَ التَّاسِعُ عَاشُورَاءَ أَخْذًا مِنْ أَوْرَادِ الْإِبِلِ كَانُوا إِذَا رَعَوُا الْإِبِلَ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ أَوْرَدُوهَا فِي التَّاسِعِ قَالُوا وَرَدْنَا عِشْرًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَكَذَلِكَ إِلَى الثَّلَاثَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وروي عن بن عَبَّاسٍ) أَنَّهُ قَالَ (صُومُوا التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ قَوْلَ بن عَبَّاسٍ هَذَا وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْهُ مَرْفُوعًا صُومُوا يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَخَالِفُوا الْيَهُودَ وَصُومُوا قَبْلَهُ يَوْمًا وَبَعْدَهُ يَوْمًا كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ رِوَايَةُ أَحْمَدَ هَذِهِ ضَعِيفَةٌ مُنْكَرَةٌ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رواها عنه بن أَبِي لَيْلَى قَالَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ بِمِثْلِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ

باب ما جاء في صيام العشر

وَسَكَتَ عَنْهُ انْتَهَى وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَرَادَ نَقْلَ الْعَاشِرِ إِلَى التَّاسِعِ وَالثَّانِي أَرَادَ أَنْ يُضِيفَهُ فِي الصَّوْمِ فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ بَيَانِ ذَلِكَ كَانَ الِاحْتِيَاطُ صَوْمَ الْيَوْمَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ وَعَلَى هَذَا فَصِيَامُ عَاشُورَاءَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ أَدْنَاهَا أَنْ يُصَامَ وَحْدَهُ وَفَوْقَهُ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ مَعَهُ وَفَوْقَهُ أَنْ يُصَامَ التَّاسِعُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ انْتَهَى (وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ التَّاسِعِ وَالْعَاشِرِ جَمِيعًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ الْعَاشِرَ وَنَوَى صِيَامَ التَّاسِعِ وَقَدْ سَبَقَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِيَامِ الْعَشْرِ) أَيْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ [756] قَوْلُهُ (مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا فِي الْعَشْرِ قَطُّ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يُوهِمُ كَرَاهَةَ صَوْمِ الْعَشْرِ وَالْمُرَادُ بالعشر ها هنا الْأَيَّامُ التِّسْعَةُ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ قَالُوا وَهَذَا مِمَّا يُتَأَوَّلُ فَلَيْسَ فِي صَوْمِ هَذِهِ التِّسْعَةِ كَرَاهَةٌ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ اسْتِحْبَابًا شَدِيدًا لاسيما التَّاسِعُ مِنْهَا وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْهُ فِي هَذِهِ يَعْنِي الْعَشْرَ الْأَوَائِلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهَا لَمْ يَصُمِ الْعَشْرَ أَنَّهُ لَمْ يَصُمْهُ لِعَارِضِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ أَنَّهَا لم

باب ما جاء في العمل في أيام العشر

تَرَهُ صَائِمًا فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عَدَمُ صِيَامِهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَدِيثُ هُنَيْدَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ امْرَأَتِهِ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ تِسْعَ ذِي الْحِجَّةِ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوَّلَ اثْنَيْنِ مِنَ الشَّهْرِ وَالْخَمِيسِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَهَذَا لَفْظُهُ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي رِوَايَتِهِمَا وَخَمِيسَيْنِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مَا لَفْظُهُ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى فَضْلِ صِيَامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِانْدِرَاجِ الصَّوْمِ فِي الْعَمَلِ قَالَ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا الْعَشْرَ قَطُّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ كَانَ يَتْرُكُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى أُمَّتِهِ كَمَا رَوَاهُ الصَّحِيحَانِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَيْضًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَرِوَايَةُ الْأَعْمَشِ أَصَحُّ وَأَوْصَلُ إِسْنَادًا) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ) أَيْ عَشْرِ ذِي الحجة [757] قوله (وهو بن أَبِي عِمْرَانَ الْبَطِينُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ هُوَ لَقَبُ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ لُقِّبَ بِذَلِكَ لِعِظَمِ بَطْنِهِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ

قَوْلُهُ (مَا مِنْ أَيَّامٍ) مِنْ زَائِدَةٌ (الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ) أَيِ الْعَشْرِ الْأُوَلِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ فِي صَحِيحَيْ أَبِي عوانة وبن حِبَّانَ مَا مِنْ أَيَّامٍ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَيَّامِ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْعَمَلُ مُبْتَدَأٌ وَفِيهِنَّ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَالْخَبَرُ أَحَبُّ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ مَا أَيْ وَاسْمُهَا أَيَّامٍ وَمِنَ الْأُولَى زَائِدَةٌ وَالثَّانِيَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِأَفْعَلَ وَفِيهِ حَذْفٌ كَأَنَّهُ قِيلَ لَيْسَ الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ سِوَى الْعَشْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ من العمل في هذه العشر قال بن الْمَلَكِ لِأَنَّهَا أَيَّامُ زِيَارَةِ بَيْتِ اللَّهِ وَالْوَقْتُ إِذَا كَانَ أَفْضَلَ كَانَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِ أَفْضَلَ وَذَكَرَ السَّيِّدُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ العشر والعشر الأخير مِنْ رَمَضَانَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْعَشْرُ أَفْضَلُ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَشْرُ رَمَضَانَ أَفْضَلُ للصوم والقدر وَالْمُخْتَارُ أَنَّ أَيَّامَ هَذِهِ الْعَشْرِ أَفْضَلُ لِيَوْمِ عَرَفَةَ وَلَيَالِي عَشْرِ رَمَضَانَ أَفْضَلُ لِلَيْلَةِ الْقَدْرِ لِأَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ أَيَّامِ السَّنَةِ وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ أَفْضَلُ لَيَالِي السَّنَةِ وَلِذَا قَالَ مَا مِنْ أَيَّامٍ وَلَمْ يَقُلْ مِنْ لَيَالٍ كَذَا فِي الْأَزْهَارِ وَكَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ (إِلَّا رَجُلٌ) أَيْ إِلَّا جِهَادُ رَجُلٍ (لَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِمَّا ذَكَرَ مِنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ (بِشَيْءٍ) أَيْ صَرَفَ مَالَهُ وَنَفْسَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنَ الْعَامِلِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بْنِ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ (وَأَبِي هريرة) أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ وبن حبان في صحيحهما قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وأبو داود وبن ماجه

[758] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ صَدُوقٌ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا مَسْعُودُ بْنُ وَاصِلٍ) الْأَزْرَقُ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ السَّابِرِيِّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ نَهَّاسٍ) بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ (بْنُ قَهْمٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْهَاءِ الْبَصْرِيِّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (مَا) بِمَعْنَى لَيْسَ (مِنْ أَيَّامٍ) مِنْ زَائِدَةٌ وَأَيَّامٍ اسْمُهَا (أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُهَا وَبِالْفَتْحِ صِفَتُهَا وَخَبَرُهَا ثَابِتَةٌ وَقِيلَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ أَيَّامٍ عَلَى الْمَحَلِّ وَالْفَتْحُ عَلَى أَنَّهَا صِفَتُهَا عَلَى اللَّفْظِ وَقَوْلُهُ (أَنْ يَتَعَبَّدَ) فِي مَحَلِّ رَفْعٍ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ أَحَبَّ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ لِأَنَّ يَتَعَبَّدَ أَيْ يَفْعَلَ الْعِبَادَةَ (لَهُ) أَيْ لِلَّهِ (فِيهَا) أَيْ فِي الْأَيَّامِ (مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ قِيلَ لَوْ قِيلَ أَنْ يتعبد مبتدأ وأحب خبره ومن مُتَعَلِّقٌ بِأَحَبَّ يَلْزَمُ الْفَصْلُ بَيْنَ أَحَبَّ وَمَعْمُولِهِ بِأَجْنَبِيٍّ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقْرَأَ أَحَبَّ بِالْفَتْحِ لِيَكُونَ صِفَةَ أَيَّامٍ وَأَنْ يَتَعَبَّدَ فَاعِلُهُ وَمِنْ مُتَعَلِّقٌ بأحب والفصل ليس بأجنبي وَالْفَصْلُ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ وَهُوَ كَقَوْلِهِ مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَحْسَنَ فِي عَيْنِهِ الْكُحْلُ مِنْ عَيْنِ زَيْدٍ وَخَبَرُ مَا مَحْذُوفٌ أَقُولُ لَوْ جَعَلَ أَحَبَّ خَبَرَ مَا وَأَنْ يَتَعَبَّدَ مُتَعَلِّقًا بِأَحَبَّ بِحَذْفِ الْجَارِّ أَيْ مَا مِنْ أَيَّامٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ لِأَنْ يَتَعَبَّدَ لَهُ فِيهَا مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لَكَانَ أَقْرَبَ لَفْظًا وَمَعْنًى أَمَّا اللَّفْظُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ سَوْقَ الْكَلَامِ لِتَعْظِيمِ الْأَيَّامِ وَالْعِبَادَةُ تَابِعَةٌ لَهَا لَا عَكْسُهُ وَعَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَائِلُ يَلْزَمُ الْعَكْسُ مَعَ ارْتِكَابِ ذَلِكَ التَّعَسُّفِ (يَعْدِلُ) بِالْمَعْلُومِ وقيل بالمجهول أي يسوي (صِيَامُ كُلِّ يَوْمٍ مِنْهَا) أَيْ مَا عَدَا العاشر وقال بن الْمَلَكِ أَيْ مِنْ أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ (صِيَامَ سَنَةٍ) أَيْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ كَذَا قِيلَ وَالْمُرَادُ صِيَامُ التَّطَوُّعِ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُقَالَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَيَّامُ رَمَضَانَ قَوْلُهُ (هَذَا حديث غريب الخ) وأخرجه بن مَاجَهْ وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ مَسْعُودَ بْنَ وَاصِلٍ وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ وَفِيهِ نحاس بْنُ قَهْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ

باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال

53 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ) [759] قَوْلُهُ (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ أَيْ جَعَلَ عَقِبَهُ فِي الصِّيَامِ (بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا صَحِيحٌ وَلَوْ كَانَ سِتَّةٌ بِالْهَاءِ جَازَ أَيْضًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ صُمْنَا خَمْسًا وَسِتًّا وَخَمْسَةً وَسِتَّةً وَإِنَّمَا يَلْتَزِمُونَ إِثْبَاتَ الْهَاءِ فِي الْمُذَكَّرِ إِذَا ذَكَرُوهُ بِلَفْظِهِ صَرِيحًا فَيَقُولُونَ صُمْنَا سِتَّةَ أَيَّامٍ وَلَا يَجُوزُ سِتَّ أَيَّامٍ فَإِذَا حَذَفُوا الْأَيَّامَ جَازَ الْوَجْهَانِ وَمِمَّا جَاءَ حَذْفُ الْهَاءِ فِيهِ مِنَ الْمُذَكَّرِ إِذَا لَمْ يُذْكَرْ بِلَفْظِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا أَيْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ انْتَهَى (فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ) لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَرَمَضَانُ بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةُ بِشَهْرَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَدْ جَاءَ هَذَا فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ فِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَثَوْبَانَ) وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ قَالَ ميركُ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَإِسْنَادُهُمَا حَسَنٌ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَحَدُ طُرُقِهِ عِنْدَ الْبَزَّارِ صحيح وأما حديث ثوبان فرواه بن ماجه والنسائي وبن خزيمة في صحيحه وبن حبان ولفظه عند بن مَاجَهْ مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ كَصِيَامِ السَّنَةِ (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) وَأَمَّا لَفْظُ الْبَقِيَّةِ فَقَرِيبٌ مِنْهُ وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وبن ماجه

قَوْلُهُ (وَقَدِ اسْتَحَبَّ قَوْمٌ صِيَامَ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ) وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ صَرِيحَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ وَمُوَافِقِيهِمْ فِي اسْتِحْبَابِ صَوْمِ هَذِهِ السِّتَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهَا قَالُوا فَيُكْرَهُ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الصريح وإذا ثبت السُّنَّةُ لَا تُتْرَكُ لِتَرْكِ بَعْضِ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَوْ كُلِّهِمْ لَهَا وَقَوْلُهُمْ قَدْ يُظَنُّ وُجُوبُهَا يُنْتَقَضُ بِصَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّوْمِ الْمَنْدُوبِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِكَرَاهَةِ صَوْمِ هَذِهِ السِّتَّةِ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَلِذَلِكَ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ بن الْهُمَامِ صَوْمُ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَرَاهَتُهُ وَعَامَّةُ الْمَشَايِخِ لَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَيُرْوَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَنَائِبُ فَاعِلِهِ هُوَ قَوْلُهُ وَيَلْحَقُ هَذَا الصِّيَامُ بِرَمَضَانَ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قُلْتُ لَمْ أَقِفْ أَنَا عَلَى الْحَدِيثِ الَّذِي رُوِيَ فِيهِ هَذَا اللَّفْظُ نَعَمْ قَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ كَصِيَامِ السَّنَةِ وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادَرُ مِنَ البعدية هي البعدية القريبة (واختار بن المبارك أن يكون سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ) أَيْ مِنْ أول شهر شوال متوالية (وروي عن بن الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ إِنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقًا فَهُوَ جَائِزٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ تُصَامَ السِّتَّةُ مُتَوَالِيَةً عَقِبَ يَوْمِ الْفِطْرِ فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ أَوَائِلِ الشَّهْرِ إِلَى أَوَاخِرِهِ حَصَلَتْ فَضِيلَةُ الْمُتَابَعَةِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ أَنَّهُ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ مَا نَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنْ أَصْحَابِهِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادَرَ مِنْ لَفْظِ بَعْدِ الْفِطْرِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ الْمَذْكُورِ هِيَ الْبَعْدِيَّةُ الْقَرِيبَةُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في صوم ثلاثة من كل شهر

قَوْلُهُ (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ أَخُو يَحْيَى صَدُوقٌ سَيِّءُ الْحِفْظِ مِنَ الرَّابِعَةِ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ مع تصريحه فإنه قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ تَصْحِيحَهُ لِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّهُ قَدْ يُصَحِّحُ الْحَدِيثَ لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ بَلْ تَابَعَهُ صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ كَمَا تَقَدَّمَ 4 - (بَاب مَا جاء في صوم ثلاثة مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) [760] قَوْلُهُ (عَهِدَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ أَوْصَى وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ أَوْصَانِي خَلِيلِي (ثَلَاثَةً) أَيْ ثلاثة خِصَالٍ (أَنْ لَا أَنَامَ إِلَّا عَلَى وِتْرٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ اسْتِحْبَابُ تَقَدُّمِ الْوِتْرِ عَلَى النَّوْمِ وَذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَثِقْ بِالِاسْتِيقَاظِ وَيَتَنَاوَلُ مَنْ يُصَلِّي بَيْنَ النَّوْمَيْنِ وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَرَدَ مِثْلُهَا لِأَبِي الدَّرْدَاءِ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَبِي ذَرٍّ فِيمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ لَعَلَّهُ اكْتَفَى لِأَبِي هُرَيْرَةَ بِأَوَّلِ اللَّيْلِ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْتَحْضِرُ مَلْفُوظَاتِهِ وَكَانَ يُمْضِي جُزْءَ كَثِيرٍ مِنَ اللَّيْلِ فِيهِ وَذَلِكَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ أَفْضَلُ مِنَ الْعِبَادَةِ وَهُوَ السَّبَبُ فِي الْوَصِيَّةِ لَهُ بِأَنْ يُوتِرَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ قُلْتُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِسَبَبٍ آخَرَ كَمَا هُوَ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ وَلِأَبِي ذَرٍّ رضي الله

عَنْهُمَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَصَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) قَالَ الْحَافِظُ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْبِيضُ (وَأَنْ أُصَلِّيَ الضُّحَى) زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ كُلَّ يَوْمٍ وَفِي رواية للبخاري بلفظ وركعتي الضحى قال بن دقيق العيد لعله ذكر الأقل الذي يوحد التَّأْكِيدُ بِفِعْلِهِ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ صَلَاةِ الضُّحَى وَأَنَّ أَقَلَّهَا رَكْعَتَانِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ حَكَى شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ بن الحسين في شرح الترمذي أنه اشتهر بَيْنَ الْعَوَامِّ أَنَّ مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثُمَّ قَطَعَهَا يَعْمَى فَصَارَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَتْرُكُونَهَا أَصْلًا لِذَلِكَ وَلَيْسَ لِمَا قَالُوهُ أَصْلٌ بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مِمَّا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ عَلَى أَلْسِنَةِ العوام ليحرمهم الخير الكثير لاسيما مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ انْتَهَى وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ بِشَيْءٍ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [761] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ بَسَّامٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ مِيمٌ قَوْلُهُ (فَصُمْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ) هِيَ أَيَّامُ اللَّيَالِي الْبِيضِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أبي قتادة) أخرجه مسلم وفيه ثلاث مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ فَهَذَا صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ صُمْ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ شَهْرٍ (وَقُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ الْمُزَنِيِّ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِفْطَارُهُ وَأَخْرَجَهُ أيضا البزار والطبراني وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ مِنْ غُرَّةِ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَلَّمَا كَانَ يُفْطِرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود إلى ثلاثة أيام وصححه بن خزيمة (وأبي عقرب) لينظر من أخرج حديثه (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

وَالتِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَقَتَادَةَ بْنِ مِلْحَانِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ (وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَجَرِيرٍ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النسائي وصححه بن حِبَّانَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ [762] قَوْلُهُ (فَذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ) وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَيَعْدِلُ صِيَامُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ صِيَامَ الشَّهْرِ كُلِّهِ فَيَكُونُ كَمَنْ صَامَ الدَّهْرَ قَوْلُهُ (هذا حديث حسن) وأخرجه بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي شِمْرٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ الضُّبَعِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (قَالَتْ نَعَمْ) أَيْ وَهَذَا أَقَلُّ مَا كَانَ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ (قُلْتُ مِنْ أَيِّهِ) صَامَ أَيْ مِنْ أَيِّ يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ (كَانَ لَا يُبَالِي فِي أَيِّهِ صَامَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَمْ يَكُنْ يُبَالِي مِنْ أَيِّ أَيَّامِ الشَّهْرِ يَصُومُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب ما جاء في فضل الصوم

[763] قَوْلُهُ (وَيَزِيدُ الرِّشْكِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (هُوَ يَزِيدُ الضُّبَعِيُّ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ الضُّبَعِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْأَزْهَرِ الْبَصْرِيُّ الذَّارِعُ الْقَسَّامُ الرِّشْكُ عَنْ مُطَرَّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَمَعْمَرُ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَلَهُ فِي الْبُخَارِيِّ فَرْدُ حَدِيثٍ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّوْمِ) [764] قَوْلُهُ (الْقَزَّازُ) بفتح القاف وشده الزَّايِ الْأُولَى قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَزُّ الْإِبْرِيْسَمُ وَالْقَزَّازُ كَكَتَّانٍ بَائِعُ الْقَزِّ قَوْلُهُ (كُلُّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا) أَيْ تُضَاعَفُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا (إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ أَيْ مِثْلٍ (وَالصَّوْمُ لي) وفي رواية الشيخين كل عمل بن آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي إلخ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ مَعَ أَنَّ الْأَعْمَالَ كُلَّهَا لَهُ وَهُوَ الَّذِي يَجْزِي بِهَا عَلَى أَقْوَالٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ عَشَرَةَ أَقْوَالٍ ثُمَّ قَالَ وَأَقْرَبُ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا إِلَى الصَّوَابِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَأَنَا أذكر ها هنا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَمَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَى بَاقِيهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَى الْفَتْحِ فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يَقَعُ فِيهِ الرِّيَاءُ كَمَا يَقَعُ فِي غَيْرِهِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِهِ قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أَعْمَالَ الْبِرِّ كُلَّهَا لِلَّهِ وَهُوَ الذي يجزئ بها فترى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ إِنَّمَا خَصَّ الصِّيَامَ لِأَنَّهُ ليس يظهر من بن آدَمَ بِفِعْلِهِ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ فِي الْقَلْبِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ فِي الصِّيَامِ رِيَاءٌ حَدَّثَنِيهِ

شَبَابَةُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَذَكَرَهُ يَعْنِي مُرْسَلًا قَالَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالْحَرَكَاتِ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّمَا هُوَ بِالنِّيَّةِ الَّتِي تَخْفَى عَنِ النَّاسِ هَذَا وَجْهُ الْحَدِيثِ عِنْدِي انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ وَأَوْرَدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَوْصُولًا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلَفْظُهُ الصِّيَامُ لَا رِيَاءَ فِيهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ قَالَ الْحَافِظُ مَعْنَى النَّفْيِ فِي قَوْلِهِ لَا رِيَاءَ فِي الصَّوْمِ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ بِفِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ بِالْقَوْلِ كَمَنْ يَصُومُ ثُمَّ يُخْبِرُ بِأَنَّهُ صَائِمٌ فَقَدْ يَدْخُلُهُ الرِّيَاءُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ فَدُخُولُ الرِّيَاءِ فِي الصَّوْمِ إِنَّمَا يَقَعُ فِي جِهَةِ الْإِخْبَارِ بخلاف بقية الْأَعْمَالِ فَإِنَّ الرِّيَاءَ قَدْ يَدْخُلُهَا بِمُجَرَّدِ فِعْلِهَا وَثَانِيهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَأَنَا أَجْزِي بِهِ أَنِّي أَنْفَرِدُ بِعِلْمِ مِقْدَارِ ثَوَابِهِ وَتَضْعِيفِ حَسَنَاتِهِ وَأَمَّا غَيْرُهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَقَدِ اطَّلَعَ عَلَيْهَا بَعْضُ النَّاسِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَعْمَالَ قَدْ كُشِفَتْ مَقَادِيرُ ثَوَابِهَا لِلنَّاسِ وَأَنَّهَا تَضَاعَفَتْ من عشرة إلى سبع مائة إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّ اللَّهَ يُثِيبُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ وَيَشْهَدُ لِهَذَا السِّيَاقِ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى يَعْنِي رِوَايَةَ الْمُوَطَّأِ وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ حَيْثُ قَالَ كل عمل بن آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ اللَّهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ أَيْ أُجَازِي عَلَيْهِ جَزَاءً كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ لِمِقْدَارِهِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ انْتَهَى وَالصَّابِرُونَ الصَّائِمُونَ فِي أَكْثَرِ الْأَقْوَالِ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَسَلَامَةَ بن قيصر وبشير بن الْخَصَاصِيَةِ) أَمَّا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مُعَاذٍ وَالْحَدِيثُ طَوِيلٌ وَفِيهِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ الطَّوِيلَ فِي بَابِ الصَّمْتِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْضُرُوا الْمِنْبَرَ فَحَضَرْنَا فَلَمَّا ارْتَقَى دَرَجَةً قَالَ آمِينَ فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّانِيَةَ قَالَ آمِينَ فَلَمَّا ارْتَقَى الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ قَالَ آمِينَ فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعْنَا مِنْكَ الْيَوْمَ شَيْئًا ما كنا

نَسْمَعُهُ قَالَ إِنَّ جِبْرِيلَ عَرَضَ لِي فَقَالَ بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ قُلْتُ آمِينَ فَلَمَّا رَقِيتُ الثَّانِيَةَ قَالَ بَعُدَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَقُلْتُ آمِينَ فَلَمَّا رَقِيْتُ الثَّالِثَةَ قَالَ بَعُدَ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ الْكِبَرُ عِنْدَهُ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ قُلْتُ آمِينَ قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَامَةَ بْنِ قَيْصَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَامَ يَوْمًا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ بَعَّدَهُ اللَّهُ مِنْ جَهَنَّمَ كَبُعْدِ غُرَابٍ طَارَ وَهُوَ فَرْخٌ حَتَّى مَاتَ هَرَمًا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ لَكِنْ فِيهِ سَلَمَةُ بْنُ قَيْصَرَ بِغَيْرِ الْأَلِفِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فَسَمَّاهُ سَلَامَةَ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بن لهيعة انتهى وأما حديث بشير بن الْخَصَاصِيَةِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (وَاسْمُ بَشِيرٍ زحم) بالزاء وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ [765] قَوْلُهُ (فِي الْجَنَّةِ بَابٌ يُدْعَى) أَيْ يُسَمَّى (الرَّيَّانَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَزْنُ فَعْلَانَ مِنَ الرَّيِّ اسْمُ عَلَمٍ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَخْتَصُّ بِدُخُولِ الصَّائِمِينَ مِنْهُ وَهُوَ مِمَّا وَقَعَتِ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الرِّيِّ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِحَالِ الصَّائِمِينَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ اكْتُفِيَ بِذِكْرِ الرِّيِّ عَنِ الشِّبَعِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَسْتَلْزِمُهُ قَالَ الْحَافِظُ أَوْ لِأَنَّهُ أَشَقُّ عَلَى الصَّائِمِ مِنَ الْجُوعِ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ مِنْهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ (يُدْعَى لَهُ الصَّائِمُونَ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ (وَمَنْ دَخَلَهُ لم يظمأ أبدا) وفي رواية النسائي وبن خُزَيْمَةَ مَنْ دَخَلَ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [766] قَوْلُهُ (فَرْحَةٌ حِينَ يُفْطِرُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَاهُ فَرْحَةٌ بِزَوَالِ جُوعِهِ وَعَطَشِهِ حَيْثُ أُبِيحَ لَهُ

باب ما جاء في صوم الدهر

الْفِطْرُ وَهَذَا الْفَرَحُ طَبْعِيٌّ وَهُوَ السَّابِقُ لِلْفَهْمِ وَقِيلَ إِنَّ فَرَحَهُ بِفِطْرِهِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ تَمَامُ صَوْمِهِ وَخَاتِمَةُ عِبَادَتِهِ وَتَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّهِ وَمَعُونَةٌ عَلَى مُسْتَقْبَلِ صَوْمِهِ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صَوْمِ الدَّهْرِ) [767] قَوْلُهُ (قَالَ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ أَوْ لَمْ يَصُمْ ولم يفطر) هو من شَكٌّ مِنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ اخْتَلَفُوا فِي تَوْجِيهِ مَعْنَاهُ فَقِيلَ هَذَا دُعَاءٌ عَلَيْهِ كَرَاهَةً لِصَنِيعِهِ وَزَجْرًا لَهُ عَنْ فِعْلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِخْبَارٌ فَعَدَمُ إِفْطَارِهِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَدَمُ صَوْمِهِ فَلِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ صَوْمَ الْأَيَّامِ الْمَنْهِيَّةِ وَهُوَ حَرَامٌ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ وَرُبَّمَا يُفْضِي إِلَى إِلْقَاءِ النَّفْسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَإِلَى الْعَجْزِ عَنِ الْجِهَادِ وَالْحُقُوقِ الْأُخَرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ مَرَّتَيْنِ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) قَالَ فِي التَّلْخِيصِ ولأحمد وبن حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ مَنْ صَامَ الْأَبَدَ فَلَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ نَحْوُهُ انْتَهَى (وَأَبِي مُوسَى) أخرجه بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ مَنْ صَامَ الدَّهْرَ ضُيِّقَتْ عَلَيْهِ جَهَنَّمُ هَكَذَا وَعَقَدَ تِسْعِينَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وبن خزيمة وبن حِبَّانَ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم مطولا

قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ صِيَامَ الدَّهْرِ وَقَالُوا إِنَّمَا يَكُونُ صِيَامُ الدَّهْرِ إِذَا لَمْ يُفْطِرْ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ إلخ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَذَهَبَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِلَى مَنْعِ صِيَامِ الدَّهْرِ لِظَوَاهِرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَذَهَبَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى جَوَازِهِ إِذَا لَمْ يَصُمِ الْأَيَّامَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا وَهِيَ الْعِيدَانِ وَالتَّشْرِيقُ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ سَرْدَ الصِّيَامِ إِذَا أَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَلْحَقَهُ بِهِ ضَرَرٌ وَلَا يُفَوِّتَ حَقًّا فَإِنْ تَضَرَّرَ أَوْ فَوَّتَ حَقًّا فَمَكْرُوهٌ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَأَقَرَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَرْدِ الصِّيَامِ ولو كان مكروها لم يقره لاسيما في السفر وقد ثبت عن بن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَانَ يَسْرُدُ الصِّيَامَ وَكَذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ وَعَائِشَةُ وَخَلَائِقُ مِنَ السَّلَفِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ لَا صَامَ مَنْ صَامَ الأبد بالأجوبة أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِأَنْ يَصُومَ مَعَهُ الْعِيدَيْنِ وَالتَّشْرِيقَ وَبِهَذَا أَجَابَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِهِ أَوْ فَوَّتَ بِهِ حَقًّا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ خِطَابًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ عَنْهُ أَنَّهُ عَجَزَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَنَدِمَ عَلَى كونه لم يقبل الرخصة قالوا فنهى بن عَمْرٍو لِعِلْمِهِ بِأَنَّهُ سَيَعْجِزُ وَأَقَرَّ حَمْزَةَ بْنَ عمر ولعلمه بِقُدْرَتِهِ بِلَا ضَرَرٍ وَالثَّالِثُ أَنَّ مَعْنَى لَا صَامَ أَنَّهُ لَا يَجِدُ مِنْ مَشَقَّتِهِ مَا يجدها غيره فيكون خبرا لا دعاءا انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِأَحَادِيثِ جَوَازِ سَرْدِ الصَّوْمِ عَلَى جَوَازِ صِيَامِ الدَّهْرِ عندي نظر

باب ما جاء في سرد الصوم

57 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي سَرْدِ الصَّوْمِ) أَيْ تواليه وتتابعه [768] قَوْلُهُ (حَتَّى نَقُولَ قَدْ صَامَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَدْ صَامَ قَدْ صَامَ بِتَكْرَارِ لَفْظِ قَدْ صَامَ (حَتَّى نَقُولَ قَدْ أَفْطَرَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَدْ أَفْطَرَ قَدْ أَفْطَرَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُفَسِّرَةٌ لِرِوَايَةِ الْبَابِ (وَمَا صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلًا إِلَّا رَمَضَانَ) وَإِنَّمَا لَمْ يَسْتَكْمِلْ غَيْرَ رَمَضَانَ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ والترمذي وبن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ هُوَ وَالْبُخَارِيُّ بِلَفْظٍ آخَرَ [769] قَوْلُهُ (كَانَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ) أَيَّامًا كَثِيرَةً (حَتَّى يُرَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ حَتَّى يُظَنَّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ حَتَّى نَظُنَّ (أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الشَّهْرِ (فَكُنْتَ لَا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إلخ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَرَاهُ مِنَ الشَّهْرِ صَائِمًا إِلَّا رَأَيْتُهُ وَلَا مُفْطِرًا إِلَّا رَأَيْتُهُ وَلَا مِنَ اللَّيْلِ قَائِمًا إِلَّا رَأَيْتُهُ وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتُهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ يَعْنِي أَنَّ حاله في

التَّطَوُّعِ بِالصِّيَامِ وَالْقِيَامِ كَانَ يَخْتَلِفُ فَكَانَ تَارَةً يَقُومُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَتَارَةً فِي وَسَطِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ كَمَا كَانَ يَصُومُ تَارَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَتَارَةً مِنْ وَسَطِهِ وَتَارَةً مِنْ آخِرِهِ فَكَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَرَاهُ فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ اللَّيْلِ قَائِمًا أَوْ فِي وَقْتٍ مِنْ أَوْقَاتِ الشَّهْرِ صَائِمًا فَرَاقَبَهُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُصَادِفَهُ قَامَ أَوْ صَامَ عَلَى وَفْقِ مَا أَرَادَ أَنْ يَرَاهُ هَذَا مَعْنَى الْخَبَرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَسْرُدُ الصَّوْمَ وَلَا أَنَّهُ كَانَ يَسْتَوْعِبُ اللَّيْلَ قِيَامًا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ [770] قَوْلُهُ (وَلَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى) أَيِ الْعَدُوَّ وَزَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَإِذَا وَعَدَ لَمْ يُخْلِفْ قَالَ الْحَافِظُ وَلَمْ أَرَهَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَلَهَا مُنَاسَبَةٌ بِالْمَقَامِ وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ خَشْيَتُهُ أَنْ يَعْجِزَ عَنِ الَّذِي يَلْزَمُهُ فَيَكُونُ كَمَنْ وَعَدَ فَأَخْلَفَ كَمَا أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَكَانَ لَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى إِشَارَةً إِلَى حِكْمَةِ صَوْمِ يَوْمٍ وَإِفْطَارِ يَوْمٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مُحَصَّلُ قِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَتَعَبَّدْ عَبْدَهُ بِالصَّوْمِ خَاصَّةً بَلْ تَعَبَّدَهُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَلَوِ اسْتَفْرَغَ جَهْدَهُ لَقَصَّرَ فِي غَيْرِهِ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَادُ فِيهِ لِيَسْتَبْقِيَ بَعْضَ الْقُوَّةِ لِغَيْرِهِ وَقَدْ أُشِيرَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَ لَا يَفِرُّ إِذَا لَاقَى لِأَنَّهُ كَانَ يَتَقَوَّى بِالْفِطْرِ لِأَجْلِ الْجِهَادِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ بِاخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَفْضَلُ الصِّيَامِ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا وَيُفْطِرَ يَوْمًا وَيُقَالُ هَذَا هُوَ

باب ما جاء في كراهية الصوم يوم الفطر ويوم النحر

أَشَدُّ الصِّيَامِ) قَالَ الْحَافِظُ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْمُتَوَلِّي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ صِيَامَ دَاوُدَ أَفْضَلُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ بَلْ صَرِيحُهُ وَيَتَرَجَّحُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَيْضًا بِأَنَّ صِيَامَ الدَّهْرِ قَدْ يُفَوِّتُ بَعْضَ الْحُقُوقِ وَبِأَنَّ مَنِ اعْتَادَهُ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ يَشُقُّ عَلَيْهِ بَلْ تَضْعُفُ شَهْوَتُهُ عَنِ الْأَكْلِ وَتَقِلُّ حَاجَتُهُ إِلَى الطَّعَامِ والشراب نهارا وبألف تَنَاوُلَهُ فِي اللَّيْلِ بِحَيْثُ يَتَجَدَّدُ لَهُ طَبْعٌ زَائِدٌ بِخِلَافِ مَنْ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ فِطْرٍ إِلَى صَوْمٍ وَمِنْ صَوْمٍ إِلَى فِطْرٍ انْتَهَى 8 - (بَاب مَا جَاءَ في كراهية الصوم يوم الفطر ويوم النحر) [772] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامَيْنِ صِيَامِ يَوْمِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ) وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيِّ لَا صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ وَلِمُسْلِمٍ لَا يَصِحُّ الصِّيَامُ فِي يَوْمَيْنِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَعَلِيٍّ) يَأْتِي تَخْرِيجُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إلا بن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَا فِي الرَّحْمَةِ الْمُهْدَاةِ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي الْبَابِ الْآتِي قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ صَامَهُمَا عَنْ نَذْرٍ أَوْ تَطَوُّعٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَهُمَا مُتَعَمِّدًا لِعَيْنِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْعَقِدُ وَيَلْزَمُهُ قَضَاؤُهُمَا قَالَ فَإِنْ صَامَهُمَا أَجْزَأَهُ وَخَالَفَ النَّاسَ

كلهم في ذلك انتهى [771] قَوْلُهُ (وَأَمَّا يَوْمُ الْأَضْحَى فَكُلُوا مِنْ لَحْمِ نُسُكِكُمْ) النُّسُكُ بِضَمِّ النُّونِ وَالسِّينِ جَمْعُ النَّسِيكَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الذَّبِيحَةُ الْمُتَقَرَّبُ بِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَيُقَالُ لَهُ) أَيْ لِأَبِي عُبَيْدٍ (مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ أَيْضًا) قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صحيحه وقال بن عيينة من قال مولى بن أَزْهَرَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ قَالَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَقَدْ أَصَابَ انْتَهَى قَالَ الحافظ في الفتح قال بن التِّينِ وَجْهُ كَوْنِ الْقَوْلَيْنِ صَوَابًا مَا رُوِيَ أَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي وَلَائِهِ وَقِيلَ يُحْمَلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْآخَرُ عَلَى الْمَجَازِ وَسَبَبُ الْمَجَازِ إِمَّا بِأَنَّهُ كَانَ يُكْثِرُ مُلَازَمَةَ أَحَدِهِمَا إِمَّا لِخِدْمَةٍ أَوْ لِلْأَخْذِ عَنْهُ أَوْ لِانْتِقَالِهِ مِنْ مِلْكِ أَحَدِهِمَا إِلَى مِلْكِ الْآخَرِ وَجَزَمَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ بِأَنَّهُ كَانَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عوف فعلى هذا فنسبته إلى بن أزهر هي المجازية قال واسم بن أزهر أيضا عبد الرحمن وهو بن عم عبد الرحمن بن عوف وقيل بن أخيه انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

باب ما جاء في كراهية صوم أيام التشريق

59 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كراهية صوم أَيَّامِ التَّشْرِيقِ) [773] هِيَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ تَلِي عِيدَ النَّحْرِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ تَشْرِيقِ اللَّحْمِ وَهُوَ تَقْدِيدُهُ وَبَسْطُهُ فِي الشَّمْسِ لِيَجِفَّ لِأَنَّ لُحُومَ الْأَضَاحِيِّ كَانَتْ تُشَرَّقُ فِيهَا بِمِنًى وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّ الْهَدْيَ وَالضَّحَايَا لَا تُنْحَرُ حَتَّى تُشْرِقَ الشَّمْسُ أَيْ تَطْلُعَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ (يَوْمُ عَرَفَةَ) أَيِ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (وَيَوْمُ النَّحْرِ) أَيِ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ) أَيِ الْيَوْمُ الْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ (عِيدُنَا) بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ (أَهْلَ الْإِسْلَامِ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ (وَهِيَ) أَيِ الْأَيَّامُ الْخَمْسَةُ (أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ) فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ عِيدٍ كَمَا أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ يَوْمُ عِيدٍ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْخَمْسَةِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا صَوْمُ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ مَاضِيَةً وَمُسْتَقْبِلَةً رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَوْمُ عَرَفَةَ مُطْلَقًا وَظَاهِرُ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ يُكْرَهُ صَوْمُهُ مُطْلَقًا وَظَاهِرُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن صوم عرفة بعرفات رواه أحمد وبن مَاجَهْ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُهُ بِعَرَفَاتٍ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ صَوْمَ هَذَا الْيَوْمِ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ مَكْرُوهٌ لِمَنْ كَانَ بِعَرَفَاتٍ حَاجًّا وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ مُؤَدِّيًا إِلَى الضَّعْفِ عَنِ الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ هُنَالِكَ وَالْقِيَامِ بِأَعْمَالِ الْحَجِّ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ أَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ مُحَصَّلًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا رَأَتْ وَهِيَ بِمِنًى فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِبًا يَصِيحُ يَقُولُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنِسَاءٍ وَبِعَالٍ وَذِكْرِ اللَّهِ قَالَتْ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ قَالَ إِنَّ جَدَّتَهُ حَدَّثَتْهُ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (وَسَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ

قَالَ أَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أُنَادِيَ أَيَّامُ مِنًى أَنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلَا صَوْمَ فِيهَا يَعْنِي أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي الضَّحَايَا وَفِيهِ وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ وَفِي سَنَدِهِ سَعِيدُ بْنُ سَلَامٍ الْعَطَّارُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ رَمَاهُ أَحْمَدُ بالكذب (وجابر) لينظر مَنْ أَخْرَجَهُ (وَنُبَيْشَةَ) الْهُذَلِيِّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ (وَبِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِنَحْوِ حَدِيثِ نُبَيْشَةَ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ لَا تَصُومُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَإِنَّهَا أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ يَعْنِي أَيَّامَ مِنًى وَفِي إِسْنَادِهِ الْوَاقِدِيُّ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ فِي السَّنَةِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ النَّحْرِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الطَّحَّانُ وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَحَمْزَةَ بن الأعور الأسلمي) لينظر مَنْ أَخْرَجَهُ (وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَفِيهِ أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ (وعائشة) وبن عُمَرَ قَالَا لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ نُبَيْشَةَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَوْلُهُ (إِلَّا أَنَّ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم رَخَّصُوا لِلْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ فِي الْعَشْرِ أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ) قال الحافظ في الفتح وقد روى بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامِّ وَأَبِي طَلْحَةَ الْجَوَازَ مُطْلَقًا وَعَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَنْعَ مُطْلَقًا وَهُوَ المشهور عن الشافعي وعن بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فِي آخَرِينَ مَنْعُهُ إِلَّا لِلْمُتَمَتِّعِ الَّذِي لَا يَجِدُ الْهَدْيَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِ أَيْضًا يَصُومُهَا الْمُحْصَرُ وَالْقَارِنُ انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ الَّتِي لم تقيد

باب ما جاء في كراهية الحجامة للصائم

بالجواز لِلْمُتَمَتِّعِ وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ لِلْمُتَمَتِّعِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وبن عُمَرَ قَالَا لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا الصِّيَامُ لِمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا وَلَمْ يَصُمْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهَذِهِ الصِّيغَةُ لَهَا حُكْمُ الرَّفْعِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ بِلَفْظِ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَفِي إِسْنَادِهِ يَحْيَى بْنُ سَلَامٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَكِنَّهُ يُؤَيِّدُ ذَلِكَ عُمُومُ الْآيَةِ قَالُوا وَحَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاجِبٌ وكذلك بناء العام على الخاص قال الشَّوْكَانِيُّ وَهَذَا أَقْوَى الْمَذَاهِبِ وَأَمَّا الْقَائِلُ بِالْجَوَازِ مُطْلَقًا فَأَحَادِيثُ الْبَابِ جَمِيعُهَا تَرُدُّ عَلَيْهِ (وَبِهِ يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَامَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ لِمُتْعَةٍ وَلَا لغيرها لما جاءت مِنَ النَّهْيِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةِ مِنْ قَبْلِنَا انْتَهَى قَوْلُهُ (أَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ مُوسَى بْنُ عُلَيِّ بْنِ رَبَاحٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ اللَّامِ مُصَغَّرًا (وَأَهْلُ مِصْرَ يَقُولُونَ مُوسَى بْنُ عَلِيٍّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ مُكَبَّرًا 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ) [774] قَوْلُهُ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ) بِقَافٍ وَظَاءٍ وَقِيلَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ قَارِظٍ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُمَا اثْنَانِ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (أفطر الحاجم

وَالْمَحْجُومُ) اسْتَدَلَّ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِحُرْمَةِ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ وَسَيَجِيءُ ذِكْرُهُمْ قَوْلُهُ وَفِي الباب عن سعد أي بن أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مناف أحد العشرة أخرج حديثه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَفِي سَنَدِهِ دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَعَلِيِّ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَقَالَ جَمِيعُ مَا يَرْوِيهِ الْحَسَنُ عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ وَإِنَّمَا يَرْوِي عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ وَغَيْرِهِ عَنْ عَلِيٍّ (وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَثَوْبَانَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ أَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه والحاكم وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ النَّسَوِيُّ سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ هُوَ أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِيهِ وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ الْمَذْكُورُونَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَصَحَّحَ الْبُخَارِيُّ الطَّرِيقَيْنِ تَبَعًا لِعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ وَقَدِ اسْتَوْعَبَ النَّسَائِيُّ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى انْتَهَى (وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ لَا نَعْلَمُ تَابَعَ أَشْعَثَ عَلَى رِوَايَتِهِ أَحَدٌ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَفِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ وَيُقَالُ (مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فيه (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَأَبِي مُوسَى) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَقَالَ النَّسَائِيُّ رفعه خطأ والموقوف أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ (وَبِلَالٍ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ والحافظ بن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَغَيْرَهَا مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا مُفَصَّلًا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِمَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ (وَذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ قَالَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ عَارَضَ أَحْمَدَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي هَذَا فَقَالَ حَدِيثُ رَافِعٍ أَضْعَفُهَا وَقَالَ الْبُخَارِيُّ هُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَقَالَ بن أبي حاتم

عَنْ أَبِيهِ هُوَ عِنْدِي بَاطِلٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ إِسْحَاقَ بْنَ مَنْصُورٍ عَنْهُ فَأَبَى أَنْ يُحَدِّثَنِي بِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَقَالَ هُوَ غَلَطٌ قُلْتُ مَا عِلَّتُهُ قَالَ رَوَى هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثَ مَهْرُ الْبَغْيِ خَبِيثٌ وَرُوِيَ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ أَبَا أَسْمَاءَ حَدَّثَهُ أَنَّ ثَوْبَانَ أَخْبَرَهُ بِهِ فَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ عَنْ يَحْيَى فَكَأَنَّهُ دَخَلَ لِمَعْمَرٍ حَدِيثٌ فِي حَدِيثٍ انْتَهَى (وَذُكِرَ عَنْ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ السَّعْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمَدِينِيِّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِمَامٌ أَعْلَمُ أَهْلِ عَصْرِهِ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ (وَأَنَّهُ قَالَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ لِأَنَّ يَحْيَى بْنَ أَبِي كَثِيرٍ رَوَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا حَدِيثَ ثَوْبَانَ وَحَدِيثَ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ) يَعْنِي فَانْتَفَى الِاضْطِرَابُ وَتَعَيَّنَ الْجَمْعُ بِذَلِكَ وَقَدْ صُحِّحَ لِلْبُخَارِيِّ الطَّرِيقَيْنِ تَبَعًا لِعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ كَمَا عَرَفْتَ فِي بَيَانِ تَخْرِيجِ حَدِيثِهِمَا وَكَذَا قَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ صَحَّ حَدِيثُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ مِنْ طَرِيقِ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ قَالَ وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ يَذْكُرُ ذَلِكَ وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ قُلْتُ لِأَحْمَدَ إِنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ قَالَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يَثْبُتُ فَقَالَ هَذَا مُجَازَفَةٌ وَقَالَ بن خزيمة صح الحديثان جميعا وكذا قال بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمُ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ) وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ قَالَ الطِّيبِيُّ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ جَمْعٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَقَالُوا يُفْطِرُ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ وإسحاق وقال قوم منهم مسروق والحسن وبن سِيرِينَ يُكْرَهُ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ وَلَا يَفْسُدُ الصَّوْمُ بها

باب ما جاء من الرخصة في ذلك

وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى التَّشْدِيدِ وَأَنَّهُمَا نَقَصَا أَجْرَ صِيَامِهِمَا وَأَبْطَلَاهُ بِارْتِكَابِ هَذَا الْمَكْرُوهِ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لا بأس بها إذ صح عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالُوا مَعْنَى قَوْلِهِ أَفْطَرَ تَعَرَّضَ لِلْإِفْطَارِ كما يقال هلك فلان إذا تعرض الهلاك انْتَهَى كَلَامُ الطِّيبِيِّ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَى قَوْلِهِ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ أَيْ تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ أَمَّا الْحَاجِمُ فَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ مِنْ وُصُولِ شَيْءٍ مِنَ الدَّمِ إِلَى جَوْفِهِ عِنْدَ الْمَصِّ وَأَمَّا الْمَحْجُومُ فَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ ضعف قوته بخروج الدم فيؤول أَمْرُهُ إِلَى أَنْ يُفْطِرَ انْتَهَى كَلَامُ الْبَغَوِيِّ 1 - (بَاب مَا جَاءَ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ) [775] قَوْلُهُ (احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ) أَيِ احْتَجَمَ فِي حَالِ اجْتِمَاعِ الصَّوْمِ مَعَ الْإِحْرَامِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (هَكَذَا رَوَى وُهَيْبٌ نَحْوَ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَارِثِ) وَرِوَايَةُ وُهَيْبٍ أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ فِي

صَحِيحِهِ (وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) وَهُوَ مَعْرُوفٌ بِابْنِ عُلَيَّةَ [777] قَوْلُهُ (عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ) الْأَزْدِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ) الْجَزَرِيِّ أَصْلُهُ كُوفِيٌّ نَزَلَ الرَّقَّةَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ وَلِيَ الْجَزِيرَةَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ يُرْسِلُ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ وَزَادَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ حَبِيبٍ غَيْرَ الْأَنْصَارِيِّ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ ميمونة كذا في عمدة القارىء قَوْلُهُ احْتَجَمَ فِيمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ لَهُ طُرُقٌ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَهَّاهَا وَأَعَلَّهَا وَاسْتَشْكَلَ كَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِ التَّطَوُّعُ بِالصِّيَامِ فِي السَّفَرِ وَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا إِلَّا وَهُوَ مُسَافِرٌ وَلَمْ يُسَافِرْ فِي رَمَضَانَ إِلَى جِهَةِ الْإِحْرَامِ إِلَّا فِي غَزَاةِ الْفَتْحِ وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مُحْرِمًا قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ مَا لَفْظُهُ وَفِي الْجُمْلَةِ الْأُولَى نَظَرٌ فَمَا الْمَانِعُ مِنْ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ فَعَلَ مَرَّةً لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَبِمِثْلِ هَذَا لَا نَرُدُّ الْأَخْبَارَ الصَّحِيحَةَ ثُمَّ ظَهَرَ لِي أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ جَمَعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي الذِّكْرِ فَأَوْهَمَ أَنَّهُمَا وَقَعَا مَعًا وَالْأَصْوَبُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَعَ فِي حَالَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَهَذَا لَا مَانِعَ مِنْهُ فَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ مُسَافِرٌ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِلَفْظِ وما فينا صائم إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعبد الله بن رواحة وَيُقَوِّي ذَلِكَ أَنَّ غَالِبَ الْأَحَادِيثِ وَرَدَ مُفَصَّلًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ وَالْحِجَامَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْهُ وَفِيهِ ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ وفي الباب أيضا عن بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَمُعَاذٍ وَأَبِي مُوسَى وَتَخْرِيجُ أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَذْكُورٌ فِي عُمْدَةِ القارىء قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَهُ طُرُقٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ إِلَخْ) قال بن حَزْمٍ صَحَّ حَدِيثُ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ بِلَا رَيْبٍ لَكِنْ وَجَدْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَرْخَصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ الْعَزِيمَةِ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِ الْفِطْرِ بِالْحِجَامَةِ سَوَاءٌ كَانَ حَاجِمًا أَوْ مَحْجُومًا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ كلام بن حَزْمٍ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ النسائي وبن خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَلَكِنِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلَفْظُهُ أَوَّلُ مَا كُرِهَتِ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فَمَرَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَفْطَرَ هَذَانِ ثُمَّ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدُ فِي الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ وَكَانَ أَنَسٌ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ إِلَّا أَنَّ فِي الْمَتْنِ مَا يُنْكَرُ لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي الْفَتْحِ وَجَعْفَرٌ كَانَ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ وَمِنْ أَحْسَنِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ وَعَنِ الْمُوَاصَلَةِ وَلَمْ يُحَرِّمْهُمَا إِبْقَاءً عَلَى أَصْحَابِهِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَالْجَهَالَةُ بِالصَّحَابِيِّ لَا تَضُرُّ وَقَوْلُهُ إِبْقَاءً عَلَى أصحابه يتعلق بقوله نهى وقد رواه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ هَذَا وَلَفْظُهُ عَنْ أَصْحَابِ

باب ما جاء في كراهية الوصال في الصيام

مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا إِنَّمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ وَكَرِهَهَا لِلضَّعِيفِ أَيْ لِئَلَّا يَضْعُفَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كراهية الوصال في الصيام) هُوَ التَّرْكُ فِي لَيَالِي الصِّيَامِ لِمَا يُفْطِرُ بِالنَّهَارِ بِالْقَصْدِ فَيَخْرُجُ مَنْ أَمْسَكَ اتِّفَاقًا وَيَدْخُلُ مَنْ أَمْسَكَ جَمِيعَ اللَّيْلِ أَوْ بَعْضَهُ قَالَهُ الحافظ بن حَجَرٍ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هُوَ أَنْ لَا يُفْطِرَ يَوْمَيْنِ أَوْ أَيَّامًا انْتَهَى [778] قَوْلُهُ (إني لست كأحدكم) وفي حديث بن عُمَرَ لَسْتُ مِثْلَكُمْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَسْتُمْ فِي ذَلِكَ مِثْلِي (إِنَّ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي) اسْتِئْنَافٌ مُبَيِّنٌ لِنَفْيِ الْمُسَاوَاةِ قَالَ الْجُمْهُورُ هَذَا مَجَازٌ عَنْ لَازِمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَهُوَ الْقُوَّةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ يُعْطِينِي قُوَّةَ الاكل والشارب وَيُفِيضُ عَلَيَّ مَا يَسُدُّ مَسَدَّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَيُقَوِّي عَلَى أَنْوَاعِ الطَّاعَةِ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ فِي الْقُوَّةِ وَلَا كَلَالٍ فِي الْإِحْسَاسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَيْ يَشْغَلُنِي بِالتَّفكرِ فِي عَظَمَتِهِ وَالتَّمَلِّي بِمُشَاهَدَتِهِ وَالتَّغَذِّي بِمَعَارِفِهِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ بِمَحَبَّتِهِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي مُنَاجَاتِهِ وَالْإِقْبَالِ عَلَيْهِ عَنِ الطعام والشراب وإلى هذا جنح بن الْقَيِّمِ وَقَالَ قَدْ يَكُونُ هَذَا الْغِذَاءُ أَعْظَمَ وَمَنْ لَهُ أَدْنَى ذَوْقٍ وَتَجْرِبَةٍ يَعْلَمُ اسْتِغْنَاءَ الْجِسْمِ بِغِذَاءِ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْغِذَاءِ الْجُسْمَانِيِّ وَلَا سِيَّمَا الْفَرِحُ الْمَسْرُورُ بِمَطْلُوبِهِ الَّذِي قَرَّتْ عَيْنُهُ بِمَحْبُوبِهِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْتَى بِطَعَامٍ وَشَرَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَرَامَةً لَهُ فِي لَيَالِي صِيَامِهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُوَاصِلًا قُلْتُ فِي هَذَا التَّعَقُّبِ نَظَرٌ فَتَفَكَّرْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وعائشة وبن عمر وجابر وأبي سعيد وبشير بن

باب ما جاء في الجنب يدركه الفجر وهو يريد الصيام

الْخَصَاصِيَةِ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عائشة فأخرجه أيضا الشيخان وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حديث بشير بن الْخَصَاصِيَةِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا الْوِصَالَ فِي الصِّيَامِ) وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَنْعِ فَقِيلَ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ وَقِيلَ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ وَقِيلَ يَحْرُمُ عَلَى مَنْ شَقَّ وَيُبَاحُ لِمَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إِلَى تَحْرِيمِ الْوِصَالِ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ (وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ الأيام) أخرج بن أبي شيبة عن بن الزُّبَيْرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ كَانَ يُوَاصِلُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْجُنُبِ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ يريد الصيام) قَوْلُهُ (زَوْجَا النَّبِيِّ) بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ سَقَطَ نُونُ التَّثْنِيَةِ بِالْإِضَافَةِ [779] قَوْلُهُ (وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ) أَيْ مِنَ الْجِمَاعِ لَا مِنْ الِاحْتِلَامِ (حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ

النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ هَذِهِ الْأَمْصَارِ عَلَى صِحَّةِ صَوْمِ الْجُنُبِ سَوَاءٌ كَانَ مِنَ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَحُكِيَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ إِبْطَالُهُ وَكَانَ عَلَيْهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَقِيلَ لَمْ يَرْجِعْ عَنْهُ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَحُكِيَ عَنْ طَاوُسٍ وَعُرْوَةَ إِنْ عَلِمَ بِجَنَابَتِهِ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فَيَصِحُّ وحكى مثله عن أبي هريرة وحكى أيضا عن الحسن البصري أنه يجزئه فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ دُونَ الْعَرْضِ وَحُكِيَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ يَصُومُهُ وَيَقْضِيهِ ثُمَّ ارْتَفَعَ هَذَا الْخِلَافُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ هَؤُلَاءِ عَلَى صِحَّتِهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ مِنَ التَّابِعِينَ إِذَا أَصْبَحَ جُنُبًا يَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ) وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُفْتِي النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا يَصُومُ ذَلِكَ الْيَوْمَ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ هَذِهِ الْفُتْيَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ بقي على مقالة أبو هُرَيْرَةَ بَعْضُ التَّابِعِينَ كَمَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ ثُمَّ ارْتَفَعَ ذَلِكَ الْخِلَافُ وَاسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ كما جزم به النووي وأما بن دَقِيقِ الْعِيدِ فَقَالَ صَارَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا أَوْ كَالْإِجْمَاعِ انْتَهَى (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) فَإِنْ قُلْتَ قَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يُخَالِفُ حَدِيثَ الْبَابِ فَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ وَقَدْ بَقِيَ عَلَى الْعَمَلِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا بَعْضُ التَّابِعِينَ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فَمَا وَجْهُ كَوْنِ الْقَوْلِ الأول أصح من القول الثاني قلت لو وجوه مذكورة في فتح الباري وغيره قال بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّهُ صَحَّ وَتَوَاتَرَ حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِذَلِكَ وَأَيْضًا رِوَايَةُ اثْنَيْنِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى رِوَايَةِ وَاحِدٍ وَلَا سِيَّمَا وَهُمَا زَوْجَتَانِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالزَّوْجَاتُ أَعْلَمُ بِحَالِ الْأَزْوَاجِ وَقَالَ الْحَافِظُ في التلخيص قال بن الْمُنْذِرِ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ لِأَنَّ الْجِمَاعَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ كَانَ مُحَرَّمًا عَلَى الصَّائِمِ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ كَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَمَّا أَبَاحَ اللَّهُ الْجِمَاعَ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ لِلْجُنُبِ إِذَا أَصْبَحَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُفْتِي بِمَا سَمِعَهُ مِنَ الْفَضْلِ عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يَعْلَمِ النَّسْخَ فَلَمَّا عَلِمَهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَجَعَ إِلَيْهِ قَالَ الْحَافِظُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ إِنَّهُ مَحْمُولٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ عَلَى مَا إِذَا أَصْبَحَ مُجَامِعًا وَاسْتَدَامَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِالْفَجْرِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى انْتَهَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئهِ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ مِنْ غَيْرِ احتلام في شهر رمضان ثم اغتسل بعد ما طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَكِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ

باب ما جاء في إجابة الصائم للدعوة

64 - (باب ما جاء في إجابة الصائم للدعوة) [780] قَوْلُهُ (فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ) أَيْ فَلْيَدْعُ لأهل الطعام بالبركة كما في حديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ (يَعْنِي الدُّعَاءَ) هَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَوِ التِّرْمِذِيِّ أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَلْيُصَلِّ الصَّلَاةَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ بَلِ الْمُرَادُ بِهِ الدُّعَاءُ وَحَمَلَهُ الطِّيبِيُّ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ أَيْ رَكْعَتَيْنِ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ كَمَا فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ انْتَهَى قَالَ الْقَاضِي فِي الْمِرْقَاةِ ظَاهِرُ حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ وَلَفْظُهُ هَكَذَا قَالَ دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَأَتَتْهُ بِتَمْرٍ وَسَمْنٍ فَقَالَ أَعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ وَتَمْرَكُمْ فِي وِعَائِهِ فَإِنِّي صَائِمٌ ثُمَّ قَامَ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ فَصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ فَدَعَا لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَأَهْلِ بَيْتِهَا انْتَهَى وَيَجُوزُ لِمَنْ صَامَ صَوْمَ نَفْلٍ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ لِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَطْعَمْ انْتَهَى [781] قوله (فليقل إني صائم) قال بن الْمَلَكِ أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدْعُوَّ حِينَ لَا يُجِيبُ الدَّاعِيَ أَنْ يَعْتَذِرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ إِنِّي صَائِمٌ وَإِنْ كَانَ يُسْتَحَبُّ إِخْفَاءُ النَّوَافِلِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَى عَدَاوَةٍ وَبُغْضٍ فِي الدَّاعِي انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَقُولُهُ اعْتِذَارًا لَهُ وَإِعْلَامًا بِحَالِهِ فَإِنْ سَمَحَ لَهُ وَلَمْ يُطَالِبْهُ بِالْحُضُورِ سَقَطَ عَنْهُ الْحُضُورُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ وَطَالَبَهُ بِالْحُضُورِ لَزِمَهُ الْحُضُورُ وَلَيْسَ الصَّوْمُ عُذْرًا فِي إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ لَكِنْ إِذَا حَضَرَ لَا يَلْزَمُهُ الْأَكْلُ وَيَكُونُ الصَّوْمُ عُذْرًا فِي تَرْكِ الْأَكْلِ بِخِلَافِ الْمُفْطِرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْأَكْلُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَنَا وَأَمَّا الْأَفْضَلُ لِلصَّائِمِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إِنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ صَوْمُهُ اسْتُحِبَّ لَهُ الْفِطْرُ وَإِلَّا فَلَا هَذَا إِذَا كَانَ صَوْمَ تَطَوُّعٍ فَإِنْ كَانَ صَوْمًا وَاجِبًا حَرُمَ الْفِطْرُ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ

باب ما جاء في كراهية صوم المرأة إلا بإذن زوجها

قَوْلُهُ (فَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ صَوْمِ الْمَرْأَةِ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا) [782] قَوْلُهُ (لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ) النَّفْيُ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ (وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ) أَيْ حَاضِرٌ مَعَهَا فِي بَلَدِهَا (إِلَّا بِإِذْنِهِ) تَصْرِيحًا أَوْ تلويحا قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ إِطْلَاقُ مَنْعِ صَوْمِ النَّفْلِ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ فِي اسْتِثْنَاءِ نَحْوِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قال القارىء وَإِنَّمَا لَمْ يَلْحَقْ بِالصَّوْمِ صَلَاةُ التَّطَوُّعِ لِقِصَرِ زمتها وَفِي مَعْنَى الصَّوْمِ الِاعْتِكَافُ لَا سِيَّمَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَصِحُّ بِدُونِ الصَّوْمِ انتهى (وفي الباب عن بن عباس وأبي سعيد) أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ وَمِنْ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ أَنْ لَا تَصُومَ تَطَوُّعًا إِلَّا بِإِذْنِهِ فَإِنْ فَعَلَتْ جَاعَتْ وَعَطِشَتْ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فأخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ فِي بَابِ عِشْرَةِ النِّسَاءِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا

باب ما جاء في تأخير قضاء رمضان

66 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ) [783] قَوْلُهُ (وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ لَيْسَ نِسْبَةً إِلَى أَحَدٍ وَإِنَّمَا هُوَ لَقَبُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ مَوْلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ كَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ قَوْلُهُ (إِلَّا فِي شَعْبَانَ) زَادَ الْبُخَارِيُّ قَالَ يَحْيَى الشُّغْلُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ مُدْرَجَةٌ مِنْ قَوْلِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ كَمَا بَيَّنَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِيهِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ فيعدل وكان يدنو من في الْمَرْأَةِ فِي غَيْرِ نَوْبَتِهَا فَيُقَبِّلُ وَيَلْمِسُ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ فَلَيْسَ فِي شُغْلِهَا بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُ الصَّوْمَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا كَانَتْ لَا تَصُومُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَمْ يَكُنْ يَأْذَنُ لِاحْتِمَالِ احْتِيَاجِهِ إِلَيْهَا فَإِذَا ضَاقَ الْوَقْتُ أَذِنَ لَهَا وَكَانَ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ الصَّوْمَ فِي شَعْبَانَ فَلِذَلِكَ كَانَتْ لَا يَتَهَيَّأُ لَهَا الْقَضَاءُ إِلَّا فِي شَعْبَانَ وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ قَضَاءِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ كَمَا بَيَّنَّاهُ مُدْرَجَةٌ فَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَرْفُوعَةً لَكَانَ الْجَوَازُ مُقَيَّدًا بِالضَّرُورَةِ لِأَنَّ لِلْحَدِيثِ حُكْمَ الرَّفْعِ لِأَنَّ الظاهر اطِّلَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ تَوَفُّرِ دَوَاعِي أَزْوَاجِهِ عَلَى السُّؤَالِ مِنْهُ عَنْ أَمْرِ الشَّرْعِ فَلَوْلَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ جَائِزًا لَمْ تُوَاظِبْ عَائِشَةُ عَلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ حِرْصِهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَانَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْقَضَاءِ حَتَّى يَدْخُلَ رمضان اخر

باب ما جاء في فضل الصائم إذا أكل عنده

67 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّائِمِ إِذَا أكل عنده) [784] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا شُرَيْكٌ) بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي صدوق يخطىء كثيرا تغير حفظ مُنْذُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ (عَنْ لَيْلَى) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ لَيْلَى مَوْلَاةُ أُمِّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ مَقْبُولَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَذَكَرَهَا الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ في فصل النِّسْوَةِ الْمَجْهُولَاتِ (عَنْ مَوْلَاتِهَا) أَيْ مُعْتِقَتِهَا بِالْكَسْرِ وَهِيَ أُمُّ عُمَارَةَ وَيُطْلَقُ الْمَوْلَاةُ عَلَى الْمُعْتَقَةِ بِالْفَتْحِ أَيْضًا قُوْلُهُ (إِذَا أَكَلَ عِنْدَهُ الْمَفَاطِيرُ) جَمْعُ المُفْطِرِ أَيِ الْمُفْطِرُونَ (صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ) أَيْ دَعَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ بِمَا صَبَرَ مَعَ وُجُوِدِ الْمُرَغِّبِ قَوْلُهُ (عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ الْأَنْصَارِيَّةِ يُقَالُ اسْمُهَا نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ بْنِ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيَّةُ وَالِدَةُ عبد الله بن زيد صحابية مشهورة [785] قوله (سمعت مولاة لنا) المراد بالمولاة ها هنا الْمُعْتَقَةُ بِالْفَتْحِ قَوْلُهُ (تُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ) أَيْ تَسْتَغْفِرُ لَهُ (إِنَّ الصَّائِمَ إِذَا أُكِلَ عِنْدَهُ) أَيْ وَمَالَتْ نَفْسُهُ إِلَى الْمَأْكُولِ وَاشْتَدَّ صَوْمُهُ عليه

باب ما جاء في قضاء الحائض الصيام دون الصلاة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجه أيضا ورواه النسائي عن ليلى مرس [786] قوله (وعن مولاة لهم) المراد بالمولاة ها هنا الْمُعْتَقَةُ بِالْفَتْحِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قَضَاءِ الْحَائِضِ الصِّيَامَ دُونَ الصَّلَاةِ) [787] قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدَةَ) بالتصغير بن مُعَتِّبٍ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَفَتْحِ عَيْنٍ وَكَسْرِ مُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ الْكُوفِيُّ الضَّرِيرُ ضَعِيفٌ وَاخْتَلَطَ بِآخِرِهِ مِنَ الثَّامِنَةِ مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي الْأَضَاحِيِّ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قُلْتُ عَلَّقَ لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الْوَاحِدِ قَوْلُهُ (فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصِّيَامِ وَلَا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) قَدْ عُلِّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ قَضَاءَ الصَّوْمِ لَا يَشُقُّ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً بِخِلَافِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَشُقُّ كَثِيرًا لِأَنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا فِي كُلِّ شَهْرٍ سِتًّا أَوْ سَبْعًا وَقَدْ يَمْتَدُّ إِلَى عَشْرٍ فَيَلْزَمُ قَضَاءُ صَلَوَاتِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مِنَ السَّنَةِ وَذَلِكَ فِي غَايَةِ الْمَشَقَّةِ قاله القارىء قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَدْ عَرَفَتَ أَنَّ فِي سَنَدِهِ عُبَيْدَةَ بْنَ مُعَتِّبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ ومع

باب ما جاء في كراهية مبالغة الاستنشاق للصائم

كَوْنِهِ ضَعِيفًا كَانَ قَدِ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ إِلَّا أَنَّهُ مُعْتَضِدٌ بِطَرِيقِ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مُعَاذَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَيْضًا) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ مُبَالَغَةِ الِاسْتِنْشَاقِ لِلصَّائِمِ) [788] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ سُكُونُ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا كَذَا فِي التَّهْذِيبِ (أَخْبِرْنِي عَنِ الْوُضُوءِ) أَيْ كَمَالِهِ (قَالَ أَسْبِغِ الْوُضُوءَ) بِضَمِّ الْوَاوِ أَيْ أَتِمَّ فَرَائِضَهُ وَسُنَنَهُ (وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ) أَيْ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ (وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ) بِإِيصَالِ الْمَاءِ إِلَى بَاطِنِ الْأَنْفِ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا) فَلَا تُبَالِغْ لِئَلَّا يَصِلَ إِلَى بَاطِنِهِ فَيُبْطِلَ الصَّوْمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وأخرجه بن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ إِلَى قَوْلِهِ بَيْنَ الْأَصَابِعِ قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ السَّعُوطَ لِلصَّائِمِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ سَعَطَهُ الدَّوَاءَ كَمَنَعَهُ وَنَصَرَهُ وَأَسْعَطَهُ إِيَّاهُ سَعْطَةً وَاحِدَةً وَإِسْعَاطَةً وَاحِدَةً أَدْخَلَهُ فِي أَنْفِهِ فَاسْتَعَطَ وَالسَّعُوطُ كَصَبُورٍ

باب ما جاء فيمن نزل بقوم إلخ

ذَلِكَ الدَّوَاءُ (وَرَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ) أَيِ السَّعُوطُ (يُفْطِرُهُ) مِنَ التَّفْطِيرِ أَيْ يَجْعَلُ الصَّائِمَ مُفْطِرًا وَيُفْسِدُ صَوْمَهُ (وَفِي الْحَدِيثِ مَا يُقَوِّي قَوْلَهُمْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ وَصَلَ الْمَاءُ إِلَى الدِّمَاغِ يُفْطِرُ الصَّائِمَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ كُلُّ مَا وَصَلَ إِلَى جَوْفِهِ بِفِعْلِهِ مِنْ حُقْنَةٍ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الطَّعَامِ وَالْغِذَاءِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ حَشْوِ جَوْفِهِ انْتَهَى وَاخْتُلِفَ إِذَا دَخَلَ مِنْ مَاءِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ إِلَى جَوْفِهِ خَطَأً فَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَالْمُزَنِيُّ إِنَّهُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَالنَّاسِي وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ يُفْسِدُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِفَرِيضَةٍ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ نَزَلَ بقوم إلخ) [789] قَوْلُهُ (بِشْرِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَقَدِيِّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ أَبُو سَهْلٍ الضَّرِيرُ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ وَاقِدٍ الْكُوفِيُّ) أَبُو الْحَسَنِ وَيُقَالُ أَبُو سَهْلٍ سَكَنَ الْبَصْرَةَ مَتْرُوكٌ مِنَ الثَّامِنَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الحديث وقال أحمد ضعيف وقال بن معين ليس بثقة وقال بن عَدِيٍّ عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (فَلَا يَصُومَنَّ تَطَوُّعًا إِلَّا بِإِذْنِهِمْ) جَبْرًا لِخَاطِرِهِمْ وَالنَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ كَذَا فِي التَّيْسِيرِ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِئَلَّا يتحرجوا بصومه بسبب تقييد الوقت وإحسان الطعام للصائم بخلاف مَا إِذَا كَانَ مُفْطِرًا فَيَأْكُلُ مَعَهُمْ كَمَا يَأْكُلُونَ فَيَنْدَفِعُ عَنْهُمُ الْحَرَجُ وَلِأَنَّهُ مِنْ آدَابِ الضَّيْفِ أَنْ يُطِيعَ الْمُضِيفَ فَإِذَا خَالَفَ فَقَدْ تَرَكَ الْأَدَبَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ) الْمُنْكَرُ مَا تَفَرَّدَ بِهِ الضَّعِيفُ (وَقَدْ رَوَى مُوسَى بْنُ دَاوُدَ

باب ما جاء في الاعتكاف

الضبي أبو عبد الله الطرطوسي نزيل بغداد ولي قضاء طرسوس صدوق ففيه زَاهِدٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ فِي الشَّكِّ فِي الصَّلَاةِ فَقَطْ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثٍ فِي صِيَامِ التَّطَوُّعِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ أَوْثَقُ مِنْ هَذَا وَأَقْدَمُ) أَيْ أَبُو بَكْرٍ الْمَدِينِيُّ الَّذِي رَوَى عَنْ جَابِرٍ أَوْثَقُ وَأَقْدَمُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ الْمَدِينِيِّ الرَّاوِي عَنْ هِشَامٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو بَكْرٍ الْمَدِينِيُّ عَنْ هِشَامٍ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ وَقَالَ فِيهِ الْفَضْلُ بْنُ مُبَشِّرٍ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ ثَقِيلَةٍ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو بَكْرٍ الْمَدَنِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ فِيهِ لِينٌ مِنَ الْخَامِسَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ الْفَضْلُ بْنُ مُبَشِّرٍ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو بَكْرٍ الْمَدَنِيُّ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ انْتَهَى فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هُوَ أَوْثَقُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي نَفْسِهِ ضَعِيفًا أَيْضًا لَكِنَّهُ أَقْوَى مِنْ هَذَا وَضَعْفُهُ أَقَلُّ مِنْ ضَعْفِ هَذَا 1 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الِاعْتِكَافِ) [790] الِاعْتِكَافُ لُغَةً لُزُومُ الشَّيْءِ وَحَبْسُ النَّفْسِ عَلَيْهِ وَشَرْعًا الْمُقَامُ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ شَخْصٍ مَخْصُوصٍ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ إِجْمَاعًا إِلَّا عَلَى مَنْ نَذَرَهُ وَكَذَا مَنْ شَرَعَ فِيهِ فَقَطَعَهُ عَامِدًا عِنْدَ قَوْمٍ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ لَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ) يَعْنِي أَنَّ الزُّهْرِيَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقَيْنِ الْأَوَّلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالثَّانِي عَنْ عُرْوَةَ عن عائشة

قَوْلُهُ (حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ) وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بعده قال بن الْهُمَامِ هَذِهِ الْمُوَاظَبَةُ الْمَقْرُونَةُ بِعَدَمِ التَّرْكِ مَرَّةً لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِعَدَمِ الْإِنْكَارِ عَلَى مَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَتْ دَلِيلَ السُّنِّيَّةِ وَإِلَّا كَانَتْ دَلِيلَ الْوُجُوبِ أَوْ نَقُولُ اللَّفْظُ وَإِنْ دَلَّ عَلَى عَدَمِ التَّرْكِ ظَاهِرًا لَكِنْ وَجَدْنَا صَرِيحًا يَدُلُّ عَلَى التَّرْكِ وَهُوَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ وَفِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الغداة أبصر أربع قباب فقال ماهذا فأخبر خبرهن فقال ما حملن عَلَى هَذَا الْبِرُّ انْزِعُوهَا فَنُزِعَتْ فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) بِلَفْظِ وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَسَافَرَ عَامًا فَلَمْ يَعْتَكِفْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ قَابِلٍ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا أَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن ماجه وبن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمْ (وَأَبِي لَيْلَى) لِيُنْظَرَ مَنْ أَخْرَجَهُ (وأبي سعيد) أخرجه الشيخان (وأنس) أخرجه الترمذي وبن ماجه (وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [791] قَوْلُهُ (صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ) بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ أَيْ مَكَانَ اعْتِكَافِهِ أَيِ انْقَطَعَ فِيهِ وَتَخَلَّى بِنَفْسِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَا أَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ ابْتِدَاءِ اعْتِكَافِهِ بَلْ كَانَ يَعْتَكِفُ مِنَ الْغُرُوبِ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَإِلَّا لَمَا كَانَ مُعْتَكِفًا الْعَشْرَ بِتَمَامِهِ الَّذِي وَرَدَ فِي عِدَّةِ أَخْبَارٍ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ بِتَمَامِهِ وَهَذَا هُوَ هُوَ الْمُعْتَبَرُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِمُرِيدِ اعْتِكَافِ عَشْرٍ أَوْ شَهْرٍ وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمُنَاوِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ فِيهِ أَنَّ أَوَّلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الْمُعْتَكَفَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَالثَّوْرِيِّ وَقَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَطَائِفَةٌ يَدْخُلُ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَلَكِنْ إِنَّمَا تَخَلَّى بِنَفْسِهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَعَدَّهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ وَإِنَّمَا جَنَحَ الْجُمْهُورُ إِلَى التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ لِلْعَمَلِ بِالْحَدِيثَيْنِ الْأَوَّلُ مَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي العشر الأواخر

مِنْ رَمَضَانَ وَالثَّانِي مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ الْحَدِيثَ فَاسْتُفِيدَ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَشْرُ لَيَالٍ وَمِنَ الْآخَرِ عَشْرَةُ أَيَّامٍ فَأَوَّلُوا بِمَا تَقَدَّمَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ إلخ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إِنَّمَا هُوَ رِوَايَةٌ عَنْهُ قَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُفْلِحٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوعِ وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ العشر الأخير تطوعا أدخل قَبْلَ لَيْلَتِهِ الْأُولَى نَصَّ عَلَيْهِ أَيِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعَنْهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوَّلَ يَوْمٍ منه انتهى مختصرا قوله (وقد قَعَدَ فِي مُعْتَكَفِهِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَذُو الْحَالِ قَوْلُهُ الشَّمْسُ أَيْ فَلْتَغِبْ لَهُ الشَّمْسُ فِي حَالَةِ الِاعْتِكَافِ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ لَهُ أَيْ فَلْتَغِبْ لَهُ الشَّمْسُ حَالَ كَوْنِهِ قَاعِدًا فِي مُعْتَكَفِهِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ

باب ما جاء في ليلة القدر

72 - (بَاب مَا جَاءَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [792] قَوْلُهُ (يجاوز) أَيْ يَعْتَكِفُ (فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ الْأُخْرَى وَقَالَ فِي الْمَصَابِيحِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعٌ آخَرُ وَالْمَعْنَى كَانَ يَعْتَكِفُ فِي اللَّيَالِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ (تَحَرَّوْا) أَيِ اطْلُبُوا قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ تَعَمَّدُوا طَلَبَهَا فِيهَا وَالتَّحَرِّي الْقَصْدُ وَالِاجْتِهَادُ فِي الطَّلَبِ وَالْعَزْمُ عَلَى تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه) أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ (وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ (وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) بِلَفْظِ رَأَيْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَأُنْسِيتُهَا فَاطْلُبُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ وَهِيَ لَيْلَةُ رِيحٍ وَمَطَرٍ وَرَعْدٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ (وَجَابِرِ بن عبد الله) لينظر من أخرجه (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا (وَالْفَلَتَانِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ ثُمَّ ألف ثم نون (بن عَاصِمٍ) الْجِرْمِيِّ وَيُقَالُ الْمُنْقِرِيِّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ أَبُو عَمْرٍو هُوَ خَالُ كُلَيْبٍ بْنِ شِهَابٍ الْجِرْمِيِّ وَالِدُ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ يُعَدُّ فِي الْكُوفِيِّينَ كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِأَبِي الطَّيِّبِ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي الْفِرْدَوْسِ (وَأَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُصَغَّرًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَأَبِي بكرة) أخرجه الترمذي (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ (وَبِلَالٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ (وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم (وأكثر

الرِّوَايَاتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ فِي كُلِّ وِتْرٍ) فَالْأَرْجَحُ وَالْأَقْوَى أَنَّ كَوْنَ لَيْلَةِ القدر منحصر فِي رَمَضَانَ ثُمَّ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُ ثُمَّ فِي أَوْتَارِهِ لَا فِي لَيْلَةٍ مِنْهُ بعينها قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ مَجْمُوعُ الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِيهَا وَقَالَ قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَتَحَصَّلَ لَنَا مِنْ مَذَاهِبِهِمْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ قَوْلًا ثُمَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَقْوَالَ ثُمَّ قَالَ وَأَرْجَحُهَا كُلِّهَا أَنَّهَا فِي وِتْرٍ مِنَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ وَأَنَّهَا تَنْتَقِلُ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَأَرْجَاهَا أَوْتَارُ الْعَشْرِ وَأَرْجَى أَوْتَارِ الْعَشْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَيْلَةُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثٌ وَعِشْرِينَ وَأَرْجَاهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ كَانَ هَذَا عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُجِيبُ عَلَى نَحْوِ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ إلخ) قَدِ اعْتُرِضَ عَلِيٌّ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ عَلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ هَذَا وَلَفْظُهُ فِيهِ أَنَّهُ مَا يُحْفَظُ حَدِيثٌ وَرَدَ بِهَذَا اللَّفْظِ فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَلْفَاظِ النُّبُوَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ قَالَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ تَنْتَقِلُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ) وَنَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَزَعَمَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عليه وكأنه أخذه من حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِهَا قَالَهُ الحافظ

[793] قَوْلُهُ (أَنَّى عَلِمْتَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وَبِالْأَلِفِ الْمَقْصُورَةِ أَيْ مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ وَمِنْ أَيِّ دَلِيلٍ عَرَفْتَ (أَبَا الْمُنْذِرِ) بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ وَهُوَ كُنْيَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ (لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ الشُّعَاعُ مَا يُرَى من ضوء الشمس عند حدودها مثل الحبال وَالْقُضْبَانِ مُقْبِلَةً إِلَيْكَ لَمَّا نَظَرْتَ إِلَيْهَا انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ مَعْنَى لَا شُعَاعَ لَهَا أَنَّهَا عَلَامَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى لَهَا قَالَ وَقِيلَ بَلْ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ الْمَلَائِكَةِ فِي لَيْلَتِهَا وَنُزُولِهَا إِلَى الْأَرْضِ وَصُعُودِهَا بِمَا تَنْزِلُ بِهِ سَتَرَتْ بِأَجْنِحَتِهَا وَأَجْسَامِهَا اللَّطِيفَةِ ضَوْءَ الشَّمْسِ وَشُعَاعَهَا انْتَهَى قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ فِيهِ إِنَّ الْأَجْسَامَ اللَّطِيفَةَ لَا تَسْتُرُ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ الْكَثِيفَةِ نَعَمْ لَوْ قِيلَ غَلَبَ نُورُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ضَوْءَ الشَّمْسِ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ الزَّمَانِيَّةِ مُبَالَغَةً فِي إِظْهَارِ أَنْوَارِهَا الرَّبَّانِيَّةِ لَكَانَ وَجْهًا وَجِيهًا انْتَهَى قُلْتُ فِيهِ مَا فِيهِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ قِيلَ فَائِدَةُ الْعَلَامَةِ أَنْ يَشْكُرَ عَلَى حُصُولِ تِلْكَ النِّعْمَةِ إِنْ قَامَ بِخِدْمَةِ اللَّيْلَةِ وَإِلَّا فَيَتَأَسَّفْ عَلَى مَا فَاتَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ وَيَتَدَارَكُ فِي السَّنَةِ الْآتِيَةِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجْعَلْ عَلَامَةً فِي أَوَّلِ لَيْلِهَا إِبْقَاءً لَهَا عَلَى إِبْهَامِهَا قَوْلُهُ (وَاَللَّهِ لقد علم بن مَسْعُودٍ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ إلخ) وَفِي رِوَايَةِ مسلم قلت إن أخاك بن مَسْعُودٍ يَقُولُ مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ فَقَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ أَمَا إِنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهَا فِي رَمَضَانَ إلخ (فَتَتَّكِلُوا) أَيْ فَتَعْتَمِدُوا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ الصَّحِيحَ الْغَالِبَ فَلَا تَقُومُوا إِلَّا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَتَتْرُكُوا قِيَامَ سَائِرِ اللَّيَالِي فَيَفُوتَ حِكْمَةُ الْإِبْهَامِ الَّذِي نَسِيَ بِسَبَبِهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

[794] قَوْلُهُ (الْتَمِسُوهَا) أَيْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ (فِي تِسْعٍ) أَيْ تِسْعِ لَيَالٍ (يَبْقَيْنَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْقَافِ وَهِيَ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ (أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ) وَهِيَ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ (أَوْ فِي خَمْسٍ يَبْقَيْنَ) وَهِيَ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ (أَوْ ثَلَاثٍ) أَيْ يَبْقَيْنَ وَهِيَ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ (أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ) مِنْ رَمَضَانَ أَيْ سَلْخِ الشَّهْرِ قَالَ الطِّيبِيُّ يُحْتَمَلُ التِّسْعُ أَوِ السَّلْخُ رَجَّحْنَا الْأَوَّلَ بِقَرِينَةِ الْأَوْتَارِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ قَوْلُهُ فِي تِسْعٍ يَبْقَيْنٍ قِيلَ فِي تِسْعٍ يَبْقَيْنَ مَحْمُولٌ عَلَى الثَّانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ وَفِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ وَفِي خمس يبقين على السادسة والعشرين وأو ثَلَاثٍ عَلَى الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ آخِرِ لَيْلَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَقِيلَ عَلَى السَّلْخِ أَقُولُ هَذَا إِذَا كَانَ الشَّهْرُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَأَمَّا إِذَا كَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَالْأُولَى عَلَى الْحَادِيَةِ وَالْعِشْرِينَ وَالثَّانِيَةُ عَلَى الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ وَالثَّالِثَةُ عَلَى الْخَامِسَةِ وَالْعِشْرِينَ وَالرَّابِعَةُ عَلَى السَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ وهذا أولى لكثرة الأحاديث الورادة فِي الْآثَارِ بَلْ نَقُولُ لَا دَلِيلَ عَلَى كَوْنِهَا أَوْلَى هَذِهِ الْأَعْدَادِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كَوْنِهَا فِي تِسْعٍ يَبْقَيْنَ إلخ تَرْدِيدُهَا فِي اللَّيَالِي الْخَمْسِ أَوِ الْأَرْبَعِ أَوِ الثَّلَاثِ أَوِ الِاثْنَيْنِ أَوِ الْوَاحِدَةِ انْتَهَى مَا فِي اللُّمَعَاتِ 3 - بَاب مِنْهُ [795] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ هُبَيْرَةَ) بِضَمِّ هَاءٍ وَفَتْحِ موحدة (بن يَرِيمَ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بِوَزْنِ عَظِيمٍ قَالَ الْحَافِظُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ عِيبَ بِالتَّشَيُّعِ قَوْلُهُ (كَانَ يُوقِظُ أَهْلَهُ) أَيْ لِلصَّلَاةِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ لَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَقِيَ مِنْ رَمَضَانَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ يَدَعُ أَحَدًا يُطِيقُ الْقِيَامَ إلا أقامه

باب ما جاء في الصوم في الشتاء

[796] قَوْلُهُ (يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ) قِيلَ أَيْ يُبَالِغُ فِي طَلَبِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِيهَا قَالَ القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي زِيَادَةِ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ (مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهَا) أَيْ فِي غَيْرِ الْعَشْرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّوْمِ فِي الشِّتَاءِ) [797] قَوْلُهُ (عَنْ نُمَيْرِ) بضم النون وفتح الميم مصغرا (بن عَرِيبٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ) بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيِّ يُقَالُ لَهُ صُحْبَةٌ وذكره بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فِي التَّابِعِينَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ الصَّوْمُ فِي الشِّتَاءِ) لِوُجُودِ الثَّوَابِ بِلَا تَعَبٍ كَثِيرٍ وَفِي الْفَائِقِ الْغَنِيمَةُ الْبَارِدَةُ هِيَ الَّتِي تَجِيءُ عَفْوًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصْطَلِيَ دُونَهَا بِنَارِ الْحَرْبِ وَيُبَاشِرُ حَرَّ الْقِتَالِ فِي الْبَلَاءِ وَقِيلَ هِيَ الْهَيْئَةُ الطَّيِّبَةُ مأخوذة مِنَ الْعَيْشِ الْبَارِدِ وَالْأَصْلُ فِي وُقُوعِ الْبَرْدِ عِبَارَةٌ عَنِ الطِّيبِ وَالْهَنَاءَةِ أَنَّ الْمَاءَ وَالْهَوَاءَ لما كان طيبهما ببردهما خصوصا في بلاد الحارة قيل ماء بارد وهواء بارد على طَرِيقِ الِاسْتِطَابَةِ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى قِيلَ عَيْشٌ بَارِدٌ وَغَنِيمَةٌ بَارِدَةٌ وَبَرَدَ أَمْرُنَا قَالَ الطِّيبِيُّ وَالتَّرْكِيبُ مِنْ قَلْبِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّ أَصْلَ الصَّوْمِ فِي الشِّتَاءِ كَالْغَنِيمَةِ الْبَارِدَةِ وَفِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ أَنْ يَلْحَقَ النَّاقِصُ بِالْكَامِلِ كَمَا يُقَالُ زَيْدٌ كَالْأَسَدِ فَإِذَا عُكِسَ وَقِيلَ الْأَسَدُ كَزَيْدٍ يُجْعَلُ الْأَصْلُ كَالْفَرْعِ وَالْفَرْعُ كَالْأَصْلِ يَبْلُغُ التَّشْبِيهُ إِلَى الدَّرَجَةِ الْقُصْوَى فِي الْمُبَالَغَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ

الصائم يجوز الْأَجْرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّهُ حَرُّ الْعَطَشِ أَوْ يُصِيبَهُ أَلَمُ الْجُوعِ مِنْ طُولِ الْيَوْمِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ عَامِرُ بْنُ مَسْعُودٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي الْإِكْمَالِ عَامِرُ بن مسعود عو عامر بن مسعود بن أمية بن خلف الجمحي وهو بن أخي صفوان بن أُمَيَّةَ رَوَى عَنْهُ نُمَيْرُ بْنُ عَرِيبٍ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الصَّوْمِ وَقَالَ هُوَ مُرْسَلٌ لِأَنَّ عَامِرَ بْنَ مَسْعُودٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد أورده بن مندة وبن عبد البر في أسماء الصحابة وقال بن مَعِينٍ لَا صُحْبَةَ لَهُ انْتَهَى وَحَدِيثُ عَامِرِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ أَيْضًا (هُوَ وَالِدُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَامِرٍ الْقُرَشِيُّ) قال بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ لَا بَأْسَ بِهِ 5 - بَاب مَا جَاءَ (وَعَلَى الذين يطيقونه) [798] أَيْ بَابُ مَا جَاءَ فِي أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ مَنْسُوخٌ قَوْلُهُ (لَمَّا نَزَلَتْ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ) أي الصوم إن أفطروا (فدية) مرفوع على الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مُقَدَّمٌ هُوَ قَوْلُهُ (وَعَلَى الَّذِينَ) وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ فِدْيَةٌ بِالتَّنْوِينِ وَهِيَ الْجَزَاءُ وَالْبَدَلُ مِنْ قَوْلِكَ فَدَيْتُ الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ أَيْ هَذَا بِهَذَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (طَعَامُ مِسْكِينٍ) بَيَانٌ لِفِدْيَةٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْهَا وَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَعِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ مُدٌّ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (كان من أراد من أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ كَانَ مَنْ أَرَادَ مِنَّا أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْتَدِيَ فَعَلَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ مُفَسِّرَةٌ لِرِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَالشَّيْخَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ كُنَّا فِي رَمَضَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ فَافْتَدَى بِطَعَامِ مِسْكِينٍ حَتَّى أُنْزِلَتْ هذه الاية

فمن شهد منكم الشهر فليصمه (حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا) أَيْ فَمَنْ شهد منكم الشهر فليصمه كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةِ (فَنَسَخَتْهَا) أَيْ فنسخت الثانية والأولى وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تعالى وعلى الذين يطيقونه مَنْسُوخٌ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ صَرَاحَةً مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عن بن عمر أنه قرأ (فدية طعام مساكين) قَالَ هِيَ مَنْسُوخَةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ نسخت هذه الاية وعلى الذين يطيقونه الَّتِي بَعْدَهَا فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمِ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ انتهى وفي صحيح البخاري قال بن نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ حدثنا بْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ عَمَّنْ يُطِيقُهُ وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ يَعْنِي رواية سلمة وبن عمر وبن أَبِي لَيْلَى عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَعَلَى الَّذِينَ يطيقونه فدية منسوخ وخالف في ذلك بن عَبَّاسٍ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ لَكِنَّهَا مَخْصُوصَةٌ بالشيخ الكبير ونحوه انتهى قلت مذهب بن عَبَّاسٍ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ قَرَأَ (يُطَوَّقُونَهُ) بصيغة المجهول من التطويق وهي قراءة بن مَسْعُودٍ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ (يُطِيقُونَهُ) مِنْ أَطَاقَ يُطِيقُ رَوَى الْبُخَارِيُّ في صحيحه عن عطاء سمع بن عَبَّاسٍ يَقْرَأُ وَعَلَى الَّذِينَ يُطَوَّقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مسكين قال بن عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هُوَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (يُطَوَّقُونَهُ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مُخَفَّفُ الطَّاءِ مِنْ طُوِّقَ بِضَمِّ أوله بوزن قطع وهذه قراءة بن مَسْعُودٍ أَيْضًا وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طريق بن أبي نجيح عن عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ (يُطَوَّقُونَهُ) يُكَلَّفُونَهُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ حسن أي يكلفونه إطاقته انتهى وقال فيه أيضا ورجح بن الْمُنْذِرِ النَّسْخَ مِنْ جِهَةِ قَوْلِهِ وَأَنْ تَصُومُوا خير لكم قَالَ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لَا يُطِيقُ الصِّيَامَ لَمْ يُنَاسَبْ أَنْ يُقَالَ لَهُ (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) مَعَ أَنَّهُ لَا يُطِيقُ الصِّيَامَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي (ويزيد هو بن أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ) ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ

باب ما جاء فيمن أكل ثم خرج يريد سفرا

76 - (باب ما جاء فيمن أَكَلَ ثُمَّ خَرَجَ يُرِيدُ سَفَرًا) [799] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ) بْنِ نَجِيحٍ السَّعْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو جَعْفَرٌ الْمَدَنِيُّ وَالِدُ عَلِيٍّ بَصْرِيٌّ أَصْلُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ يُقَالُ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ بِأَخَرَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَلْ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ وَهُوَ ثِقَةٌ (وَقَدْ رُحِّلَتْ لَهُ رَاحِلَتُهُ) أَيْ وُضِعَ الرَّحْلُ عَلَى رَاحِلَتِهِ لِرُكُوبِهِ السَّفَرَ وَالرَّاحِلَةُ هِيَ الْبَعِيرُ الْقَوِيُّ عَلَى الْأَسْفَارِ وَالْأَحْمَالِ يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَغَيْرُهُ وَهَاؤُهُ لِلْمُبَالَغَةِ (فَقُلْتُ لَهُ سُنَّةٌ) أَيْ هَذَا سُنَّةٌ (فَقَالَ سُنَّةٌ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُفْطِرَ فِي بَيْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ وَفِي الْبَابِ حَدِيثُ عُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ فِي سَفِينَةٍ مِنَ الْفُسْطَاطِ فِي رمضان فرفع ثُمَّ قَرَّبَ غَدَاءَهُ قَالَ اقْتَرِبْ قُلْتُ أَلَسْتَ تَرَى الْبُيُوتَ قَالَ أَتَرْغَبُ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَلَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَالْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ رِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَلَا بَأْسَ بِكَوْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى فَإِنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ بَلْ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ وهو ثقة

باب ما جاء في تحفة الصائم

قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ إلخ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَعْنِي حَدِيثَ أَنَسٍ وَحَدِيثَ عُبَيْدِ بْنِ جَبْرٍ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُفْطِرَ قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي أراد السفر منه قال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ هَذَا صَحِيحٌ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ إِلَّا أَحْمَدُ أَمَّا عُلَمَاؤُنَا فَمَنَعُوا مِنْهُ لَكِنِ اخْتَلَفُوا إِذَا أَكَلَ هَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فَقَالَ مَالِكٌ لَا وَقَالَ أَشْهَبُ هُوَ مُتَأَوَّلٌ وَقَالَ غَيْرُهُمَا يُكَفِّرُ وَنُحِبُّ أَنْ لَا يُكَفِّرَ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ وَلِقَوْلِ أَحْمَدَ عُذْرٌ يُبِيحُ الْإِفْطَارَ فَطرَيَانُهُ عَلَى الصَّوْمِ يُبِيحُ الْفِطْرَ كَالْمَرَضِ وَفُرِّقَ بِأَنَّ الْمَرَضَ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِخِلَافِ السَّفَرِ قال بن الْعَرَبِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَصَحِيحٌ يَقْتَضِي جَوَازَ الْفِطْرِ مَعَ أُهْبَةِ السَّفَرِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ قَوْلَهُ مِنَ السُّنَّةِ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى التَّوْقِيفِ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ وَالْحَقُّ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ يَنْصَرِفُ إِلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ صَرَّحَ هَذَانِ الصَّحَابِيَّانِ بِأَنَّ الْإِفْطَارَ لِلْمُسَافِرِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْبُيُوتِ مِنَ السُّنَّةِ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ (وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تُحْفَةِ الصَّائِمِ) [801] قَوْلُهُ (عَنْ سَعْدِ بْنِ طَرِيفٍ) الْحَنْظَلِيِّ الْكُوفِيِّ متروك ورماه بن حِبَّانَ بِالْوَضْعِ وَكَانَ رَافِضِيًّا كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ عُمَيْرِ بْنِ مَأْمُونٍ) مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (تُحْفَةُ الصَّائِمِ الدُّهْنُ وَالْمِجْمَرُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ هُوَ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ النَّارُ لِلْبَخُورِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي أَنَّهُ يُذْهِبُ عَنْهُ مَشَقَّةَ الصَّوْمِ وَشِدَّتَهُ وَالتُّحْفَةُ طُرْفَةُ الْفَاكِهَةِ وَقَدْ تُفْتَحُ الحاء

باب ما جاء في الفطر والأضحى متى يكون

وَالْجَمْعُ التُّحَفُ ثُمَّ تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْفَاكِهَةِ مِنَ الْأَلْطَافِ وَالنَّغْضِ انْتَهَى فَإِذَا زَارَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ وَهُوَ صَائِمٌ فَلْيُتْحِفْهُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ) أَيْ لَيْسَ إسناده بالقوى (وسعد يضعف) قال بن مَعِينٍ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ وَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النسائي والدارقطني متروك وقال بن حِبَّانَ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ عَلَى الْفَوْرِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِيهِ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ مُنْكَرَاتِهِ قَوْلُهُ (وَيُقَالُ عُمَيْرُ بْنُ مَأْمُومٍ أَيْضًا) يَعْنِي بِالْمِيمِ بَدَلَ النُّونِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الفطر والأضحى متى يكون) [802] وقد بَوَّبَ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ بِلَفْظِ بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الْفِطْرَ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ وَحَسَّنَهُ قَوْلُهُ (الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ الناس والأضحى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ الصَّوْمُ وَالْفِطْرُ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعِظَمِ النَّاسِ انْتَهَى قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي ثُبُوتِ الْعِيدِ الْمُوَافَقَةُ لِلنَّاسِ وَأَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِمَعْرِفَةِ يَوْمِ الْعِيدِ بِالرُّؤْيَةِ يَجِبُ عَلَيْهِ مُوَافَقَةُ غَيْرِهِ وَيَلْزَمُهُ حُكْمُهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَالْإِفْطَارِ وَالْأُضْحِيَّةِ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هذا

باب ما جاء في الاعتكاف

79 - (باب ما جاء في الاعتكاف) إذا خرج مِنْهُ [803] قَدْ عَقَدَ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ بَابَ الِاعْتِكَافِ ثُمَّ عَقَدَ عِدَّةَ أَبْوَابٍ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالِاعْتِكَافِ ثُمَّ عَقَدَ هَذَا الْبَابَ وَهَذَا لَيْسَ بِمُسْتَحْسَنٍ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَسُوقَ أَبْوَابَ الِاعْتِكَافِ كُلَّهَا مُتَوَالِيَةً مُتَنَاسِقَةً قَوْلُهُ (فَلَمْ يَعْتَكِفْ عاما) قال القارىء لَعَلَّهُ كَانَ لِعُذْرٍ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ عَدَمَ اعْتِكَافِهِ كَانَ لِعُذْرِ السَّفَرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَأَبُو دَاوُدَ وصححه بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كان يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ فَسَافَرَ عَامًا فَلَمْ يَعْتَكِفْ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْإِقْبَالِ (اعْتَكَفَ عِشْرِينَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِهِمَا عَلَى التَّثْنِيَةِ قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ أَيِ اهْتِمَامًا وَدَلَالَةً عَلَى التأكيد لا لأن ما فَاتَ مِنَ النَّوَافِلِ الْمُؤَقَّتَةِ يُقْضَى انْتَهَى وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بِالتَّرْجَمَةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَضَى الِاعْتِكَافَ لِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَكَانَ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ بَعْدُ فَقَضَاؤُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ أَوْلَى بِالثُّبُوتِ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بن كعب وصححه بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (قَبْلَ أَنْ يُتِمَّهُ عَلَى مَا نَوَى) أَيْ قَبْلَ إِتْمَامِهِ عَلَى قَدْرِ مَا نَوَى (فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ

باب المعتكف يخرج لحاجته أم لا

الْعِلْمِ إِذَا نُقِضَ اعْتِكَافُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنِ اعْتِكَافِهِ فَاعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فَتَرَكَ الِاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ وَلَفْظُ (خَرَجَ مِنَ اعْتِكَافِهِ) لَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ الْخَمْسَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ بِأَنَّ قَضَاءَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِاعْتِكَافِ كَانَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ كَانَ إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ وَلِهَذَا لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ نِسَاءَهُ اعْتَكَفْنَ مَعَهُ فِي شَوَّالٍ (وَكُلُّ عَمَلٍ) مُبْتَدَأٌ (لَكَ أَنْ لَا تَدْخُلَ فِيهِ) صِفَةٌ لِلْمُبْتَدَأِ أَوْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ أَنْ يَكُونَ نَفْلًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) لِيُنْظَرَ من أخرجه 0 - (باب المعتكف يخرج لحاجته أم لا) [804] قوله (عن مالك بن أنس عن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةٍ وَعَمْرَةٍ عَنْ عَائِشَةٍ) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ الْآتِي وَهَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَرَوَاهُ مَالَكٌ يَعْنِي عن بن شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ لَمْ يُتَابِعْ عَلَيْهِ وَذَكَرَ

الْبُخَارِيُّ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ تَابَعَ مَالِكًا وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّ أَبَا أُوَيْسٍ رَوَاهُ كَذَلِكَ عَنِ الزُّهْرِيِّ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ (أَدْنَى) أَيْ قَرَّبَ (إِلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (رَأْسَهُ) زَادَ الشَّيْخَانِ فِي رِوَايَتِهِمَا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ (فَأُرَجِّلُهُ) مِنَ التَّرْجِيلِ وَهُوَ تَسْرِيحُ الشَّعْرِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْمِشْطِ فِي الرَّأْسِ أَيْ أَمْشُطُهُ وَأَدْهُنُهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ التَّنْظِيفِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْغُسْلِ وَالْحَلْقِ وَالتَّزَيُّنِ إَلْحَاقاً بِالتَّرَجُّلِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فِيهِ إِلَّا مَا يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَعَنْ مَالِكٍ تُكْرَهُ فِيهِ الصَّنَائِعُ وَالْحِرَفُ حَتَّى طَلَبُ الْعِلْمِ انْتَهَى وقال بن الْمَلَكِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَكِفَ لَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ أَجْزَائِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ (وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلَّا لِحَاجَةِ الانسان) فسرها الزهري بالبول والغائظ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِثْنَائِهِمَا وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهِمَا مِنَ الْحَاجَاتِ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَلَوْ خَرَجَ لَهُمَا فَتَوَضَّأَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْطُلْ وَيَلْتَحِقُ بِهِمَا الْقَيْءُ وَالْفَصْدُ لِمَنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ [805] قَوْلُهُ (وَالصَّحِيحُ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ هَكَذَا رَوَى الَّليْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ) رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا الليث عن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ إِلخَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ كَذَا فِي رِوَايَةِ اللَّيْثِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا وَرَوَاهُ يُونُسُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ وَحْدَهَ وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَمْرَةَ إِلَى آخِرِ مَا نَقَلْنَا عِبَارَتَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَأَنَّ الْبَاقِينَ اخْتَصَرُوا مِنْهُ ذِكْرَ عَمْرَةَ وَأَنَّ ذِكْرَ عَمْرَةَ فِي رُوَاةِ مَالِكٍ مِنَ الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ فَوَافَقَ اللَّيْثَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

قَوْلُهُ (وَأَجْمَعُوا عَلَى هَذَا أَنَّهُ يَخْرُجُ لِقَضَاءِ حاجته للغائط والبول) وكذا لغسل الجناية أن لَا يُمْكِنُهُ الِاغْتَسَالُ فِي الْمَسْجِدِ (فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنْ يَعُودَ الْمَرِيضَ وَيُشَيِّعَ الْجَنَازَةَ وَيَشْهَدَ الْجُمُعَةَ إِذَا اشْتَرَطَ ذَلِكَ) أَيْ فِي ابْتِدَاءِ اعْتِكَافِهِ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وبن الْمُبَارَكِ) وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ إَنْ شَرَطَ شَيْئًا مَنْ ذَلِكَ يَعْنِي عِيَادَةَ الْمَرِيضِ وَتَشْيِيعَ الْجَنَازَةِ وَشُهُودَ الْجُمُعُةِ لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ بِفِعْلِهِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُهُمْ هَذَا مُحْتَاجٌ إِلَى دَلِيلٍ صَحِيحٍ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذَا) وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا وَلَا يَشْهَدَ جَنَازَةً وَلَا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلَا يُبَاشِرَهَا وَلَا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ جَامِعٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِا يَقُولُ فِيهِ السُّنَّةُ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلُمٌ وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِيَنٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَتَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُهُمُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ لَا بَأْسَ بِرِجَالِهِ إَلَّا أَنَّ الرَّاجِحَ وَقْفُ آخِرِهِ وَقَالَ فيِ فَتْحِ البَارِي وَجَزَمَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَوْلُهَا لَا يَخْرُجُ إِلَّا لِحَاجَةٍ وَمَا عَدَاهُ مِمَّنْ دُونَهَا وَرُوِّينَا عَنْ عَلِيٍّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إِنْ شَهِدَ الْمُعْتَكِفُ جَنَازَةً أَوْ عَادَ مَرِيضًا أَوْ خَرَجَ لِلْجُمُعَةِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَبِهِ قَالَ الْكُوفِيُّونَ وبن الْمُنْذِرِ إِلَّا فيِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى يَعْنِي أَنَّ الْكُوفِييِّنَ يَقُولُونَ إِذَا خَرَجَ الْمُعْتَكِفُ لِلْجُمُعَةِ لَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ وَإِنْ شَهِدَ الْجَنَازَةَ أَوْ عَادَ مَرِيضًا يَبْطُلْ قَالَ صَاحَبُ شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ أَوْ لِلْجُمُعَةِ وَقْتَ الزَّوَالِ انْتَهَى وَقَالَ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ فِي سُبُلِ السَّلَامِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتِ السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يعود مريضا إِلَخ مَا لَفْظُهُ فِيهِ دِلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ لِشَيءٍ مَمَّا عَيَّنَتْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَأَيْضًا لَا يَخْرُجُ لِشُهُودِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهُ إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ كَبِيرٌ وَلَكِنَّ الدَّلِيلَ قَائِمٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى كَلَامُ الْأَمِيرِ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَسْأَلُ عَنِ الْمَرِيضِ إِلَّا مَارًّا فِي اعْتِكَافِهِ وَلَا يَعْرُجُ عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَهُوَ

باب ما جاء في قيام شهر رمضان

ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ فِعْلِهَا وَكَذَلِكَ أخرجه مسلم وغيره وقال بن حَزْمٍ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (وَرَأَوْا لِلْمُعْتَكِفِ إِذَا كَانَ فِي مِصْرٍ يُجْمَعُ فِيهِ لَا يَعْتَكِفُ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ إِلخَ) هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ) [806] قوله (صمنا مع رسول الله) أَيْ فِي رَمَضَانَ (فَلَمْ يُصَلِّ بِنَا) أَيْ لَمْ يُصَلِّ بِنَا غَيْرَ الْفَرِيضَةِ مِنْ لَيَالِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْفَرِيضَةَ دَخَلَ حُجْرَتَهُ (حَتَّى بَقِيَ سَبْعٌ مِنَ الشَّهْرِ) أَيْ وَمَضَى اثْنَانِ وَعِشْرُونَ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ سَبْعُ لَيَالٍ نَظَرًا إِلَى الْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ أَنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَيَكُونُ الْقِيَامُ فِي قَوْلُهُ (فَقَامَ بِنَا) أَيْ لَيْلَةَ الثَّالِثَةِ وَالْعِشْرِينَ وَالْمُرَادُ بِالْقِيَامِ صَلَاةُ اللَّيْلِ (حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ) أَيْ صَلَّى بِنَا بِالْجَمَاعَةِ صَلَاةَ اللَّيْلِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَفِيهِ ثُبُوتُ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ بِالْجَمَاعَةِ فِي الْمَسْجِدِ أَوِ اللَّيْلِ (ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِنَا فِي السَّادِسَةِ) أَيْ مِمَّا بَقِيَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ (وَقَامَ بِنَا فِي الْخَامِسَةِ) وَهِيَ اللَّيْلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ (حَتَّى ذَهَبَ شَطْرُ اللَّيْلِ) أَيْ نِصْفُهُ (لَوْ نَفَّلْتَنَا) مِنَ التَّنْفِيلِ (بَقِيَّةَ لَيْلَتِنَا هَذِهِ) أَيْ لَوْ جَعَلَتْ بَقِيَّةَ اللَّيْلِ زِيَادَةً لَنَا عَلَى قِيَامِ الشَّطْرِ وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ زِدْتَنَا مِنَ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ سُمِّيَتْ بِهَا النَّوَافِلُ لِأَنَّهَا زَائِدَةٌ عَلَى

الْفَرَائِضِ قَالَ الْمُظْهِرُ تَقْدِيرُهُ لَوْ زِدْتَ قِيَامَ اللَّيْلِ عَلَى نِصْفِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَنَا وَلَوْ لِلتَّمَنِّي (إِنَّهُ) ضَمِيرُ الشَّأْنِ (مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ) أَيْ مَنْ صَلَّى الْفَرْضَ مَعَهُ (حَتَّى يَنْصَرِفَ) أَيِ الْإِمَامُ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ أَيْ حُصِّلَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ تَامَّةٍ يَعْنِي أَنَّ الْأَجْرَ حَاصِلٌ بِالْفَرْضِ وَزِيَادَةُ النَّوَافِلِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قَدْرِ النَّشَاطِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفَرْضِ الْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ لِحَدِيثٍ وَرَدَ بِذَلِكَ (حَتَّى بَقِيَ ثَلَاثٌ مِنَ الشَّهْرِ) أَيِ اللَّيْلَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ وَالثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ وَالتَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ (وَصَلَّى بِنَا فِي الثَّالِثَةِ) وَهِيَ اللَّيْلَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ (وَدَعَا أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَنِسَاءَهُ وَالنَّاسَ (قُلْتُ) قَائِلُهُ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ (لَهُ) أَيْ لِأَبِي ذَرٍّ (مَا الْفَلَاحُ قَالَ السُّحُورُ) بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ السَّحُورُ بِالْفَتْحِ اسْمُ مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَبِالضَّمِّ الْمَصْدَرُ وَالْفِعْلُ نَفْسُهُ وَأَكْثَرُ مَا يُرْوَى بِالْفَتْحِ وَقِيلَ الصَّوَابُ بِالضَّمِّ لِأَنَّهُ بِالْفَتْحِ الطَّعَامُ وَالْبَرَكَةُ وَالْأَجْرُ وَالثَّوَابُ فِي الْفِعْلِ لَا فِي الطَّعَامِ انْتَهَى قَالَ الْقَاضِي الْفَلَاحُ الْفَوْزُ بِالْبُغْيَةِ سُمِّيَ السُّحُورُ بِهِ لِأَنَّهُ يُعِينُ عَلَى إِتْمَامِ الصَّوْمِ وَهُوَ الْفَوْزُ بِمَا كَسَبَهُ وَنَوَاهُ وَالْمُوجِبُ لِلْفَلَاحِ فِي الْآخِرَةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَصْلُ الْفَلَاحِ الْبَقَاءُ وَسُمِّيَ السُّحُورُ فَلَاحًا إِذَا كَانَ سَبَبًا لِبَقَاءِ الصَّوْمِ وَمُعِينًا عَلَيْهِ انْتَهَى تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ هَذَا بَيَانُ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ الَّتِي صَلَّاهَا رسول الله فِي تِلْكَ اللَّيَالِي لَكِنْ قَدْ وَرَدَ بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ أنه صلى في تلك الليالي ثمان رَكَعَاتٍ ثُمَّ أَوْتَرَ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تصحيح الترمذي وأقره وقال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ هَذَا الْحَدِيثُ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ) أَيْ فِي عَدَدِ رَكَعَاتِ التَّرَاوِيحِ (فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنْ يُصَلِّيَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً مَعَ الْوِتْرِ) وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا

لَا صَحِيحًا وَلَا ضَعِيفًا وَرُوِيَ فِيهِ آثَارٌ فَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ مُعَاذًا أَبَا حليمة القارىء كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ ركعة وعن بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ قَالَ أَدْرَكْتُ النَّاسَ قَبْلَ الْحَرَّةِ يَقُومُونَ بِإِحْدَى وَأَرْبَعِينَ يُوتِرُونَ مِنْهَا بِخَمْسٍ انْتَهَى قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ الْعِرَاقِيَّ وَهُوَ أَكْثَرُ مَا قيل فيه قال العيني وذكر بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِسَبْعٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ الْوِتْرَ مِنَ الْأَرْبَعِينَ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ) قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ هَذَا يُخَالِفُ مَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نصر عن بن أَيْمَنَ قَالَ مَالِكٌ اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُومَ النَّاسُ فِي رَمَضَانَ بِثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ وَالنَّاسُ ثُمَّ يُوتِرَ بِهِمْ بِوَاحِدَةٍ وَهَذَا الْعَمَلُ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الْحَرَّةِ مُنْذُ بِضْعٍ وَمِائَةِ سَنَةٍ إِلَى الْيَوْمِ انْتَهَى قَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ ذكر هذه الرواية هكذا روى بن أَيْمَنَ عَنْ مَالِكٍ وَكَأَنَّهُ جَمَعَ رَكْعَتَيْنِ مِنَ الْوِتْرِ مَعَ قِيَامِ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ وَالْوِتْرُ بِثَلَاثٍ وَالْعَدَدُ وَاحِدٌ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ تَأْوِيلُ الْعَيْنِيِّ رِوَايَةَ بن أَيْمَنَ بِقَوْلِهِ وَكَأَنَّهُ جَمَعَ إلخ يَرُدُّهُ لَفْظُ رواية بن أَيْمَنَ فَتَفَكَّرْ اعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ قَوْلَيْنِ الْأَوَّلُ إِحْدَى وَأَرْبَعُونَ رَكْعَةً مَعَ الْوَتْرِ وَالثَّانِي عِشْرُونَ رَكْعَةً وفيه أقوال كثيرة لم يذكرها الترمذي قلنا أن نذكرها قال العيني في عمدة القارىء بعد ذكر القول الأول ورواية بن أَيْمَنَ عَنْ مَالِكٍ الْمَذْكُورَةُ مَا لَفْظُهُ وَقِيلَ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ المدينة وروى بْنِ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ عَنْ نَافِعٍ قَالَ لَمْ أُدْرِكِ النَّاسَ إِلَّا وَهُمْ يُصَلُّونَ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ مِنْهَا بِثَلَاثٍ وَقِيلَ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ عَلَى مَا حُكِيَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى أَنَّهُ كَذَلِكَ كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى فِي الْعِشْرِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ الشَّهْرِ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَفْعَلُهُ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ وَقِيلَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقِيلَ عِشْرُونَ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الحنفية

وَقِيلَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَهُوَ اخْتِيَارُ مَالِكٍ لِنَفْسِهِ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ جَلَالُ الدِّينِ السُّيُوطِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْمَصَابِيحِ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ قَالَ الْجَوْزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ الَّذِي جَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَحَبُّ إِلَيَّ وَهُوَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَهِيَ صلاة رسول الله قِيلَ لَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً بِالْوَتْرِ قَالَ نَعَمْ وَثَلَاثَ عَشْرَةَ قَرِيبٌ قَالَ وَلَا أَدْرِي من أين أحدث هذا الركوع الكثير انتهى قُلْتُ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ الْأَقْوَى مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ هُوَ هَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ الَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ لِنَفْسِهِ أَعْنِي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَهُوَ الثابت عن رسول الله بِالسَّنَدِ الصَّحِيحِ بِهَا أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَأَمَّا الْأَقْوَالُ الْبَاقِيَةُ فَلَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَلَا ثَبَتَ الْأَمْرُ بِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ خَالٍ عَنِ الْكَلَامِ فَأَمَّا مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً هِيَ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ الله فَلِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عائشة كيف كانت صلاة رسول الله فِي رَمَضَانَ فَقَالَتْ مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا الْحَدِيثَ فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ رَسُولَ الله مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً تَنْبِيهٌ قَدْ ذكر العيني رحمه الله في عمدة القارىء تَحْتَ هَذَا الْحَدِيثِ أَسْئِلَةً مَعَ أَجْوِبَتِهَا وَهِيَ مُفِيدَةٌ فَلَنَا أَنْ نَذْكُرَهَا قَالَ الْأَسْئِلَةُ وَالْأَجْوِبَةُ مِنْهَا أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عائشة أنه كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ الْأُوَلُ يَجْتَهِدُ فِيهِ مَا لَا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهَا كَانَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أحيا الليل وأيقظ أهله وجد وشد ميزرة وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَزِيدُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ عَلَى عَادَتِهِ فَكَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ يُحْمَلُ عَلَى التَّطْوِيلِ دُونَ الزِّيَادَةِ فِي الْعَدَدِ وَمِنْهَا أَنَّ الرِّوَايَاتِ اخْتَلَفَتْ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي عَدَدِ رَكَعَاتِ صلاة النبي بِاللَّيْلِ فَفِي حَدِيثِ الْبَابِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَفِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَفِي رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سَأَلَهَا عَنْ صَلَاةِ رسول الله فَقَالَتْ سَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ سِوَى رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ

عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي اللَّيْلَ تِسْعَ رَكَعَاتٍ رواه البخاري والنسائي وبن مَاجَهْ وَالْجَوَابُ أَنَّ مَنْ عَدَّهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ أَرَادَ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ صَلَاتُهُ بِاللَّيْلِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ وَيَرْكَعُ بِرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ فَتِلْكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَأَمَّا رِوَايَةُ سَبْعٍ وَتِسْعٍ فَهِيَ فِي حَالَةِ كِبَرِهِ وَكَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْجَوَابِ عَنِ السُّؤَالِ الثَّانِي وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ أَنَّهُ قد ثبت أن رسول الله كَانَ قَدْ يُصَلِّي ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً سِوَى الْفَجْرِ فَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَأَرْمُقَنَّ صلاة رسول الله اللَّيْلَةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ طويلتين ثم صلى ركعتين وهمادون اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا ثم أوتر فلذلك ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً فَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنْ يقال إنه كَانَ يَفْتَحُ صَلَاتَهُ بِاللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النبي قَالَ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ فَقَدْ عُدَّتْ هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ الْخَفِيفَتَانِ فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَلَمَّا لَمْ تُعَدَّ لِمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُخَفِّفُهُمَا صَارَ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ الَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ لِنَفْسِهِ أَعْنِي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ صلى بنا رسول الله فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَأَوْتَرَ فَلَمَّا كَانَتِ الْقَابِلَةُ اجْتَمَعْنَا فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَوْنَا أَنْ يَخْرُجَ فَلَمْ نَزَلْ فِيهِ حَتَّى أَصْبَحْنَا ثُمَّ دَخَلْنَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْتَمَعْنَا الْبَارِحَةَ فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَوْنَا أَنْ تُصَلِّيَ بِنَا فَقَالَ إِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَيْكُمْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي قيام الليل وبن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِسْنَادُهُ وسط انتهى وهذا الحديث صحيح عند بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَلِذَا أَخْرَجَاهُمَا فِي صَحِيحِهِمَا وَقَدْ ذَكَرَ الحافظ بن حَجَرٍ هَذَا الْحَدِيثِ فِي فَتْحِ الْبَارِي لِبَيَانِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ الَّتِي صَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّاسِ

فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَهُ أَوْ حَسَنٌ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ فِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ فَأَسُوقُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَابَ وَحَدِيثَهُ أَوَّلًا ثُمَّ أَذْكُرُ وَجْهَ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا إِنْ كَانَتْ خَفِيَّةً ثُمَّ أَسْتَخْرِجُ ثَانِيًا مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ الْمَتْنِيَّةِ وَالْإِسْنَادِيَّةِ مِنْ تَتِمَّاتٍ وَزِيَادَاتٍ وَكَشْفِ غَامِضٍ وَتَصْرِيحِ مُدَلِّسٍ بِسَمَاعٍ وَمُتَابَعَةِ سَامِعٍ مِنْ شَيْخٍ اخْتَلَطَ قَبْلَ ذَلِكَ كُلٌّ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمَسَانِيدِ وَالْجَوَامِعِ وَالْمُسْتَخْرَجَاتِ وَالْأَجْزَاءِ وَالْفَوَائِدِ بِشَرْطِ الصِّحَّةِ أَوِ الْحُسْنِ فِيمَا أُورِدُهُ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتُ قَالَ النِّيمَوِيُّ فِي آثَارِ السُّنَنِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي إِسْنَادِهِ لِينٌ وَقَالَ فِي تَعْلِيقِهِ مَدَارُهُ عَلَى عِيسَى بن جارية ثم ذكر جرح بن مُعِينٍ وَالنَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَتَوْثِيقَ أَبِي زُرْعَةَ وبن حِبَّانَ ثُمَّ قَالَ قَوْلُ الذَّهَبِيِّ إِسْنَادُهُ وَسَطٌ لَيْسَ بِصَوَابٍ بَلْ إِسْنَادُهُ دُونَ وَسَطٍ انْتَهَى قلت قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ الذَّهَبِيُّ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِقْرَاءِ التَّامِّ فِي نَقْدِ الرِّجَالِ انْتَهَى فَلَمَّا حَكَمَ الذَّهَبِيُّ بِأَنَّ إِسْنَادَهُ وَسَطٌ بَعْدَ ذِكْرِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فِي عِيسَى بْنِ جَارِيَةَ وَهُوَ من أهل الاستقرار التَّامِّ فِي نَقْدِ الرِّجَالِ فَحُكْمُهُ بِأَنَّ إِسْنَادَهُ وسط هو الصواب ويؤيده إخراج بن خزيمة وبن حِبَّانَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَا قَالَ النّيمَوِيُّ وَيَشْهَدُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ الَّذِي اخْتَارَهُ مَالِكٌ أَعْنِي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ جَاءَ أُبَيُّ بْنُ كعب إلى رسول الله فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ مِنِّي اللَّيْلَةَ شَيْءٌ يَعْنِي فِي رَمَضَانَ قَالَ وَمَا ذَاكَ يَا أُبَيُّ قَالَ نِسْوَةٌ فِي دَارِي قُلْنَ إِنَّا لَا نَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَنُصَلِّي بِصَلَاتِكَ قال فصليت بهن ثمان رَكَعَاتٍ وَأَوْتَرْتُ فَكَانَتْ سُنَّةَ الرِّضَا وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَأَمَّا مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله تعالى عنه فلأن الامام مالك رَحِمَهُ اللَّهُ رَوَى فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ ركعة وكان القارىء يَقْرَأُ بِالْمِئِينَ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعِصِيِّ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ وَرَوَاهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ النّيمَوِيُّ فِي آثَارِ السُّنَنِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ

فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ أَثَرِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ فَقَالَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ انْتَهَى وقال الزرقاني في شرح الموطأ قال بن عَبْدِ الْبَرِّ رَوَى غَيْرُ مَالِكٍ فِي هَذَا إحدى وعشرون وهوالصحيح وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ إلا مالك وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَوَّلًا ثُمَّ خَفَّفَ عَنْهُمْ طُولَ الْقِيَامِ وَنَقَلَهُمْ إِلَى إِحْدَى وَعِشْرِينَ إِلَّا أَنَّ الْأَغْلَبَ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ إِحْدَى عشرة وهم انتهى قلت قول بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّ الْأَغْلَبَ عِنْدِي أَنَّ قَوْلَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ وَهَمٌ بَاطِلٌ جِدًّا قَالَ الزُّرْقَانِيُّ في شرح الموطأ بعد ذكر قول بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَلَا وَهَمَ وَقَوْلُهُ إِنَّ مَالِكًا انْفَرَدَ بِهِ لَيْسَ كَمَا قَالَ فَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ فَقَالَ إِحْدَى عَشْرَةَ كَمَا قَالَ مَالِكٌ انْتَهَى كَلَامُ الزُّرْقَانِيِّ وَقَالَ النّيمَوِيُّ فِي آثَارِ السُّنَنِ مَا قاله بن عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ وَهَمِ مَالِكٍ فَغَلَطٌ جِدًّا لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ تَابَعَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ وَقَالَا إِحْدَى عَشْرَةَ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ وَأَخْرَجَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ جَدِّهِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَمَضَانَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَ النّيمَوِيُّ هَذَا قَرِيبٌ مِمَّا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ أَيْ مَعَ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ انْتَهَى كَلَامُ النّيمَوِيِّ قُلْتُ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا لَمْ يَنْفَرِدْ بِقَوْلِهِ إِحْدَى عَشْرَةَ بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ثِقَةٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ إِمَامُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ حَافِظٌ إِمَامٌ ظَهَرَ لَكَ حق الظهور أن قول بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ قَوْلَهُ إِحْدَى عَشْرَةَ وَهَمٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ لَوْ تَدَبَّرْتَ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى خِلَافِ مَا قال بن عَبْدِ الْبَرِّ أَعْنِي أَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ قَوْلَ غير مالك في هذا الأثر إحدى وعشرون كَمَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَهَمٌ فَإِنَّهُ قَدِ انْفَرَدَ هُوَ بِإِخْرَاجِ هَذَا الْأَثَرِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ بِهِ أَحَدٌ غَيْرُهُ فِيمَا أَعْلَمُ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً حَافِظًا لَكِنَّهُ قَدْ عَمِيَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ فَتَغَيَّرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَأَمَّا الْإِمَامُ مَالِكٌ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ إِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ رَأْسُ الْمُتْقِنِينَ وَكَبِيرُ الْمُثْبِتِينَ حَتَّى قَالَ الْبُخَارِيُّ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ كُلِّهَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ انْتَهَى وَمَعَ هَذَا لَمْ يَنْفَرِدْ هُوَ بإخراج هذا لأثر بِلَفْظِ إِحْدَى عَشْرَةَ بَلْ أَخْرَجَهُ أَيْضًا بِهَذَا اللفظ سعيد بن منصور وبن أَبِي شَيْبَةَ كَمَا عَرَفْتَ

فَالْحَاصِلُ أَنَّ لَفْظَ إِحْدَى عَشْرَةَ فِي أَثَرِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمَذْكُورِ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مَحْفُوظٌ ولفظ إحدى وعشرون فِي هَذَا الْأَثَرِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَالْأَغْلَبُ أَنَّهُ وَهَمٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وغيرهما من أصحاب النبي عِشْرِينَ رَكْعَةً) أَمَّا أَثَرُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه فأخرجه البيهقي في سننه وبن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي الْحَسْنَاءِ أَنَّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ رَجُلًا أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ خَمْسَ تَرْوِيحَاتٍ عِشْرِينَ رَكْعَةً قَالَ النّيمَوِيُّ فِي تَعْلِيقِ آثَارِ السُّنَنِ مَدَارُ هَذَا الْأَثَرِ عَلَى أَبِي الْحَسْنَاءِ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ النّيمَوِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي الْحَسْنَاءِ إنَّهُ مَجْهُولٌ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مِيزَانِهِ لَا يُعْرَفُ انْتَهَى وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَثَرٌ آخَرُ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَدَعَا الْقُرَّاءَ فِي رَمَضَانَ فَأَمَرَ مِنْهُمْ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ عِشْرِينَ رَكْعَةً قَالَ وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُوتِرُ بِهِمْ وَرُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ النّيمَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْأَثَرِ حَمَّادُ بْنُ شُعَيْبٍ ضَعِيفٌ قال الذهبي في الميزان ضعفه بن مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ يَحْيَى مَرَّةً لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ ضعيف وقال بن عَدِيٍّ أَكْثَرُ حَدِيثِهِ مِمَّا لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ انتهى كلام النيموي قلت الأمر كما قال النيموي فائدة قال الشيخ بن الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ إِذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ لِلرَّجُلِ فِيهِ نَظَرٌ فَحَدِيثُهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَلَا يُسْتَشْهَدُ بِهِ وَلَا يَصْلُحُ لِلِاعْتِبَارِ انْتَهَى كَلَامُ بن الْهُمَامِ قُلْتُ فَأَثَرُ عَلِيٍّ هَذَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَلَا يُسْتَشْهَدُ بِهِ وَلَا يَصْلُحُ لِلِاعْتِبَارِ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ حَمَّادَ بْنَ شُعَيْبٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ تَنْبِيهٌ يُسْتَدَلُّ بِهَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ عَلَى أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله تعالى عنه أمر أن يصلي التروايح عِشْرِينَ رَكْعَةً وَعَلَى أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صلى التروايح عِشْرِينَ رَكْعَةً وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ هَذَيْنِ الْأَثَرَيْنِ ضَعِيفَانِ لَا يَصْلُحَانِ لِلِاسْتِدْلَالِ وَمَعَ هَذَا فَهُمَا مخالفان لما ثبت عن رسول الله بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا أَثَرُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ

اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَمَرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِهِمْ عِشْرِينَ رَكْعَةً قَالَ النّيمَوِيُّ فِي آثَارِ السُّنَنِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ النّيمَوِيُّ فَهَذَا الْأَثَرُ مُنْقَطِعٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَأَيْضًا هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ثبت عن رسول الله بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا أَثَرُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ وَأَخْرَجَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ كَانَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ عِشْرِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِثَلَاثٍ قَالَ النّيمَوِيُّ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ لَمْ يُدْرِكْ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ النّيمَوِيُّ فَأَثَرُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ هَذَا مُنْقَطِعٌ وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ أَمَرَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَأَيْضًا هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا ثَبَتَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ صَلَّى فِي رَمَضَانَ بِنِسْوَةِ دَارِهِ ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَأَوْتَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِتَمَامِهِ وَفِي قِيَامِ الليل قال الأعمش كان أي بن مَسْعُودٍ يُصَلِّي عِشْرِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِثَلَاثٍ وَهَذَا أيضا منقطع إن الأعمش لم يدرك بن مسعود (وهو قول سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بما روى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَعَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ أَبِي شَيْبَةَ عن الحكم عن مقسم عن بن عباس أن النبي كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً سِوَى الْوَتْرِ انْتَهَى وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ جِدًّا لَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ فَاسْتِدْلَالُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَهُوَ مَعْلُولٌ بِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ جَدِّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وهو متفق على ضعفه ولينه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ ثُمَّ إِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَيْفَ كانت صلاة رسول الله فِي رَمَضَانَ قَالَتْ مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً الْحَدِيثَ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ وَقَالَ النّيمَوِيُّ فِي تَعْلِيقِ آثَارِ السُّنَنِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ الْكُشِّيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ جَدِّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة وهو ضعيف قال البيهقي بعد مَا أَخْرَجَهُ انْفَرَدَ بِهِ أَبُو شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى وَقَالَ الْمِزِّيُّ فِي تَهْذِيبِ الْكَمَالِ قَالَ أَحْمَدُ وَيَحْيَى وَأَبُو دَاوُدَ ضَعِيفٌ وَقَالَ يَحْيَى أَيْضًا لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَالدُّولَابِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وقال أبو

حَاتِمٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ سَكَتُوا عَنْهُ وَقَالَ صَالِحٌ ضَعِيفٌ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ ثُمَّ قَالَ الْمِزِّيُّ ومن مناكيره حديث أنه كَانَ يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً انْتَهَى وَهَكَذَا فِي الْمِيزَانِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ انْتَهَى كَلَامُ النّيمَوِيِّ وَقَالَ الشَّيْخُ بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ بِأَبِي شَيْبَةَ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُثْمَانَ جَدِّ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلصَّحِيحِ انْتَهَى وقال العيني في عمدة القارىء بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَبُو شَيْبَةَ هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ قَاضِي وَاسِطَ جَدُّ أَبِي بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ كَذَّبَهُ شعبة وضعفه أحمد وبن معين والبخاري والنسائي وغيرهم وأورد له بن عَدِيٍّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْكَامِلِ فِي مَنَاكِيرِهِ انْتَهَى وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِمَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنَّا نَقُومُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَالْوَتْرِ وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ السُّبْكِيُّ فِي شرح المنهاج وعلي القارىء فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ قُلْتُ فِي سَنَدِهِ أَبُو عُثْمَانُ الْبَصْرِيُّ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ النّيمَوِيُّ فِي تَعْلِيقِ آثَارِ السُّنَنِ لَمْ أقف مَنْ تَرْجَمَ لَهُ انْتَهَى قُلْتُ لَمْ أَقِفْ أَنَا أَيْضًا عَلَى تَرْجَمَتِهِ مَعَ التَّفَحُّصِ الْكَثِيرِ وأيضا في سنده أبو طاهر للفقيه شَيْخُ الْبَيْهَقِيِّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ وَثَّقَهُ فَمَنِ ادَّعَى صِحَّةَ هَذَا الْأَثَرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا ثِقَةً قَابِلًا لِلِاحْتِجَاجِ فَإِنْ قُلْتَ قَالَ التَّاجُ السُّبْكِيُّ فِي الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى فِي تَرْجَمَةِ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهِ كَانَ إِمَامَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ فِي زَمَانِهِ وَكَانَ شَيْخًا أَدِيبًا عَارِفًا بِالْعَرَبِيَّةِ لَهُ يَدٌ طُولَى فِي مَعْرِفَةِ الشُّرُوطِ وَصَنَّفَ فِيهِ كِتَابًا انْتَهَى فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ ثِقَةً قُلْتُ لَا دَلَالَةَ فِي هَذَا عَلَى كَوْنِهِ ثِقَةً قَابِلًا لِلِاحْتِجَاجِ نَعَمْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى كَوْنِهِ جَلِيلَ الْقَدْرِ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَمَعْرِفَةِ الشُّرُوطِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا كَوْنُهُ ثِقَةً فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي صِحَّةِ هَذَا الْأَثَرِ نَظَرًا وَكَلَامًا وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ كُنَّا نَقُومُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَ الْحَافِظُ جَلَالُ الدين السيوطي في رسالته المصابيح في صلاة التَّرَاوِيحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْأَثَرِ إِسْنَادُهُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ انْتَهَى وَأَيْضًا هُوَ مُعَارَضٌ بِمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ جَدِّهِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَمَضَانَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَهُوَ أَيْضًا مُعَارَضٌ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ

رَكْعَةً فَأَثَرُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ فَإِنْ قُلْتَ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْأَثَرَ بِسَنَدٍ آخَرَ بِلَفْظِ قَالَ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ قُلْتُ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ فَنْجَوَيْهِ الدَّينَوَرِيُّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَرْجَمَتِهِ فَمَنْ يَدَّعِي صِحَّةَ هَذَا الْأَثَرِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُثْبِتَ كَوْنَهُ ثِقَةً قَابِلًا لِلِاحْتِجَاجِ وَأَمَّا قَوْلُ النّيمَوِيِّ هُوَ مِنْ كِبَارِ الْمُحَدِّثِينَ فِي زَمَانِهِ لَا يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ فَمَا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِهِ مِنْ كِبَارِ الْمُحَدِّثِينَ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ ثِقَةً تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ قَالَ النّيمَوِيُّ فِي تَعْلِيقِ آثَارِ السُّنَنِ لَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ مَا رَوَاهُ السَّائِبُ مِنْ حَدِيثِ عِشْرِينَ رَكْعَةً قَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِلَفْظِ إِنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَعَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مِثْلَهُ وَعَزَاهُ إِلَى الْبَيْهَقِيِّ فَقَوْلُهُ وَعَلَى عَهْدِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مِثْلَهُ قَوْلُ مُدْرَجٌ لَا يُوجَدُ فِي تَصَانِيفِ الْبَيْهَقِيِّ انْتَهَى كلام النيموي قلت الأمر كما قال النيموي الثَّانِي قَدْ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بَيْنَ رِوَايَتَيِ السَّائِبِ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ كَانُوا يَقُومُونَ بِعِشْرِينَ وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ قُلْتُ فِيهِ إِنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ أَوَّلًا بِعِشْرِينَ رَكْعَةً ثُمَّ كَانُوا يَقُومُونَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ هَذَا كَانَ مُوَافِقًا لِمَا هُوَ الثابت عن رسول الله وَذَاكَ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فَتَفَكَّرْ الثَّالِثُ قَدِ ادَّعَى بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عِشْرِينَ رَكْعَةً فِي عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْأَمْصَارِ قُلْتُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى عِشْرِينَ رَكْعَةً وَاسْتِقْرَارُ الْأَمْرِ عَلَى ذَلِكَ فِي الْأَمْصَارِ بَاطِلَةٌ جِدًّا كَيْفَ وَقَدْ عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْعَيْنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ فِي هَذَا أَقْوَالًا كَثِيرَةً وَأَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ وَهَذَا الْعَمَلُ يَعْنِي الْقِيَامَ فِي رَمَضَانَ بِثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً وَالْإِيتَارَ بِرَكْعَةٍ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الْحَرَّةِ مُنْذُ بِضْعٍ وَمِائَةِ سَنَةٍ إِلَى الْيَوْمِ انْتَهَى وَاخْتَارَ هَذَا الْإِمَامُ إِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ لِنَفْسِهِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ الْفَقِيهُ يُصَلِّي أَرْبَعِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِسَبْعٍ وَتَذَكَّرْ بَاقِيَ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْعَيْنِيُّ فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عِشْرِينَ رَكْعَةً وَأَيْنَ الِاسْتِقْرَارُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْأَمْصَارِ (وَقَالَ أَحْمَدُ رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ) أَيْ أَنْوَاعٌ مِنَ الرِّوَايَاتِ (لَمْ يَقْضِ) أَيْ لَمْ يَحْكُمْ أَحْمَدُ

باب ما جاء في فضل من فطر صائما

(فِيهِ بِشَيْءٍ) وَفِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ لِابْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قُلْتُ لأحمد بن حنبل كم من رَكْعَةً يُصَلَّى فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَقَالَ قَدْ قِيلَ فِيهِ أَلْوَانٌ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِينَ إِنَّمَا هُوَ تَطَوُّعٌ قَالَ إِسْحَاقُ نَخْتَارُ أَرْبَعِينَ رَكْعَةً وَتَكُونُ الْقِرَاءَةُ أَخَفَّ انْتَهَى (وَقَالَ إِسْحَاقُ بَلْ نَخْتَارُ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ رَكْعَةً عَلَى مَا روى عن بن أبي كَعْبٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ رَوَاهُ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَرَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا أَنَّهُ صَلَّى بِالنِّسَاءِ فِي رَمَضَانَ بِثَمَانِ رَكَعَاتٍ وَأَوْتَرَ وَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ فلم يقل شيئا (واختار بن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ) وَفِي كِتَابِ قِيَامِ اللَّيْلِ وَقِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ يُعْجِبُكَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مَعَ النَّاسِ فِي رَمَضَانَ أَوْ وَحْدَهُ قَالَ يُصَلِّي مَعَ النَّاسِ قَالَ وَيُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ مع الامام ويوتر معه قال النبي إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ بَقِيَّةُ لَيْلَتِهِ قَالَ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُومُ مَعَ النَّاسِ حَتَّى يُوتِرَ مَعَهُمْ وَلَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ شَهِدْتُهُ يَعْنِي أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ شَهْرَ رَمَضَانَ يُوتِرُ مَعَ إِمَامِهِ إِلَّا لَيْلَةً لَمْ أَحْضُرْهَا وَقَالَ إِسْحَاقُ رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْتُ لِأَحْمَدَ الصَّلَاةُ فِي الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إِلَيْكَ أَمْ يُصَلِّي وَحْدَهُ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ قَالَ يُعْجِبُنِي أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْجَمَاعَةِ يُحْيِي السُّنَّةَ وَقَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ انْتَهَى (وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ إِذَا كَانَ قَارِئًا) أَيْ حَافِظًا لِلْقُرْآنِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا) [807] قوله (من فطر صائما) قال بن الْمَلَكِ التَّفْطِيرُ جَعْلُ أَحَدٍ مُفْطِرًا أَيْ مَنْ أطعم صائما انتهى قال القارىء أَيْ عِنْدَ إِفْطَارِهِ (كَانَ لَهُ) أَيْ لِمَنْ فَطَّرَ (مِثْلُ أَجْرِهِ) أَيِ الصَّائِمِ وَقَدْ جَاءَ

باب الترغيب في قيام شهر رمضان

فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ مَنْ فَطَّرَ فِيهِ صَائِمًا كَانَ لَهُ مَغْفِرَةٌ لِذُنُوبِهِ وَعِتْقُ رَقَبَتِهِ مِنَ النَّارِ وَكَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ كُلُّنَا نَجِدُ مَا نُفَطِّرُ بِهِ الصَّائِمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي اللَّهُ هَذَا الثَّوَابَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا عَلَى مَذْقَةِ لَبَنٍ أَوْ تَمْرَةٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ وَمَنْ أَشْبَعَ صَائِمًا سَقَاهُ اللَّهُ مِنْ حَوْضِي شَرْبَةً لَا يَظْمَأُ حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ قال ميرك ورواه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ إِنْ صَحَّ الْخَبَرُ وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ وبن حِبَّانَ فِي الثَّوَابِ بِاخْتِصَارٍ عَنْهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي الشَّيْخِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ كَسْبٍ حَلَالٍ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ لَيَالِيَ رَمَضَانَ كُلَّهَا وَصَافَحَهُ جِبْرِيلُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَمَنْ صَافَحَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَرِقُّ قَلْبُهُ وَتَكْثُرُ دُمُوعُهُ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قَالَ فَقَبْضَةٌ مِنْ طَعَامٍ قُلْتُ أَفَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قَالَ فَشَرْبَةٌ مِنْ مَاءٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِي أَسَانِيدِهِمْ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَرَوَاهُ بن حزيمة وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا بِاخْتِصَارٍ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي إِسْنَادِهِ كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ضَعِيفٌ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا رَفَعَ الشَّيْءَ الَّذِي يُوقِفُهُ غَيْرُهُ انْتَهَى فَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِ صَدُوقٌ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن ماجه وبن خزيمة وبن حبان في صحيحيهما ولفظ بن خُزَيْمَةَ وَالنَّسَائِيِّ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا أَوْ جَهَّزَ حاجا أو خلفه في أهله أو أفطر صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ 3 - (باب الترغيب في قيام شهر رمضان) الخ [808] قَوْلُهُ (يُرَغِّبُ) مِنَ التَّرْغِيبِ (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِعَزِيمَةٍ) أَيْ بِفَرِيضَةٍ قَالَهُ فِي مَجْمَعِ

البحار وقال القارىء أَيْ بِعَزْمٍ وَبَتٍّ وَقَطْعٍ يَعْنِي بِفَرِيضَةٍ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْعَزِيمَةُ وَالْعَزْمُ عَقْدُ الْقَلْبِ عَلَى إِمْضَاءِ الْأَمْرِ (مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا) أَيْ تَصْدِيقًا بِوَعْدِ اللَّهِ بِالثَّوَابِ عَلَيْهِ (وَاحْتِسَابًا) أَيْ طَلَبًا لِلْأَجْرِ لَا لِقَصْدٍ آخَرَ مِنْ رِيَاءٍ أَوْ نَحْوِهِ (غُفِرَ لَهُ) ظَاهِرُهُ يَتَنَاوَلُ الصَّغَائِرَ وَالْكَبَائِرَ وبه جزم بن الْمُنْذِرِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمَعْرُوفُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالصَّغَائِرِ وَبِهِ جَزَمَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَزَاهُ عِيَاضٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يُخَفِّفَ مِنَ الْكَبَائِرِ إِذَا لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً كَذَا فِي الْفَتْحِ (مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) زَادَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ الْحَافِظُ قَدِ اسْتُشْكِلَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَغْفِرَةَ تَسْتَدْعِي سَبْقَ شَيْءٍ يُغْفَرُ وَالْمُتَأَخِّرُ مِنَ الذُّنُوبِ لَمْ يَأْتِ فَكَيْفَ يُغْفَرُ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ حِفْظِهِمْ مِنَ الْكَبَائِرِ فَلَا تَقَعُ مِنْهُمْ كَبِيرَةٌ بعد ذلك وقيل أن معناه أن ذُنُوبُهُمْ تَقَعُ مَغْفُورَةً انْتَهَى (وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ فِي التَّرَاوِيحِ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْ فِي أَوَّلِ خِلَافَتِهِ وَصَدْرُ الشَّيْءِ وَوَجْهُهُ أَوَّلُهُ ثُمَّ جَمَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النَّاسَ عَلَى قارئ واحد ففي صحيح البخاري عن بن شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرحمن بن عبد القارئ أَنَّهُ قَالَ خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلَاتِهِ الرَّهْطُ فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلَاءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاةِ قَارِئِهِمْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنه نعم الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَاَلَّتِي تَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنَ الَّتِي تَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان

7 - أبواب الحج

7 - أَبْوَابُ الْحَجِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلُ الْحَجِّ فِي اللُّغَةِ الْقَصْدُ وَقَالَ الْخَلِيلُ كَثْرَةُ الْقَصْدِ إِلَى مُعَظَّمٍ وَفِي الشَّرْعِ الْقَصْدُ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ بِأَعْمَالٍ مَخْصُوصَةٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَبِكَسْرِهَا لُغَتَانِ نَقَلَ الطَّبَرِيُّ أَنَّ الْكَسْرَ لُغَةُ أَهْلِ نَجْدٍ وَالْفَتْحَ لِغَيْرِهِمْ وَنُقِلَ عَنْ حُسَيْنٍ الْجُعْفِيِّ أَنَّ الْفَتْحَ الِاسْمُ وَالْكَسْرَ الْمَصْدَرُ وَعَنْ غَيْرِهِ عَكْسُهُ وَوُجُوبُ الْحَجِّ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ إِلَّا لِعَارِضٍ كَالنَّذْرِ وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي وَهُوَ مَشْهُورٌ وَفِي وَقْتِ ابْتِدَاءِ فَرْضِهِ اخْتِلَافٌ فَقِيلَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَهُوَ شَاذٌّ وَقِيلَ بَعْدَهَا ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي سَنَتِهِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا سَنَةُ سِتٍّ لِأَنَّهَا نَزَلَ فِيهَا قَوْلُهُ تَعَالَى (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ والعمرة لله) وَهَذَا يُنْبِئُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِتْمَامِ ابْتِدَاءُ الْفَرْضِ وَيُؤَيِّدُهُ قِرَاءَةُ عَلْقَمَةَ وَمَسْرُوقٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ بِلَفْظِ وَأَقِيمُوا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْهُمْ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْإِتْمَامِ الْإِكْمَالُ بَعْدَ الشُّرُوعِ وَهَذَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَ فَرْضِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ فِي قِصَّةِ ضِمَامٍ ذِكْرُ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ وَكَانَ قُدُومُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ سَنَةَ خَمْسٍ وَهَذَا يَدُلُّ إِنْ ثَبَتَ عَلَى تَقَدُّمِهِ عَلَى سَنَةِ خَمْسٍ أَوْ وُقُوعِهِ فِيهَا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي (بَاب مَا جَاءَ فِي حرمة مكة) [809] قَوْلُهُ (الْعَدَوِيِّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالدَّالِ وَأَبُو شُرَيْحٍ الْعَدَوِيُّ هَذَا هُوَ الْخُزَاعِيُّ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ) هو بن العاصي بن سعيد بن العاصي بْنِ أُمَيَّةَ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ يُعْرَفُ بِالْأَشْدَقِ وَلَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ وَلَا كَانَ مِنَ التَّابِعِينَ بِإِحْسَانٍ (وهو) أي

عَمْرٌو (يَبْعَثُ الْبُعُوثَ) أَيْ يُرْسِلُ الْجُيُوشَ وَالْبَعْثُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْجُنْدِ يُرْسِلُهَا الْأَمِيرُ إِلَى قِتَالِ فرقة وفتح بلاد (إلى مكة) أي لِقِتَالِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِكَوْنِهِ امْتَنَعَ مِنْ مُبَايَعَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَاعْتَصَمَ بِالْحَرَمِ وَكَانَ عَمْرٌو وَالِيَ يَزِيدَ عَلَى الْمَدِينَةِ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ وَمُلَخَّصُهَا أَنَّ مُعَاوِيَةَ عَهِدَ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَهُ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ فَبَايَعَهُ النَّاسُ إِلَّا الْحُسَيْنَ بن علي وبن الزبير فأما بن أَبِي بَكْرٍ فَمَاتَ قَبْلَ مَوْتِ مُعَاوِيَةَ وَأَمَّا بن عُمَرَ فَبَايَعَ لِيَزِيدَ عَقِبَ مَوْتِ أَبِيهِ وَأَمَّا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ فَسَارَ إِلَى الْكُوفَةِ لِاسْتِدْعَائِهِمْ إِيَّاهُ لِيُبَايِعُوهُ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ قَتْلِهِ وَأَمَّا بن الزُّبَيْرِ فَاعْتَصَمَ وَيُسَمَّى عَائِذَ الْبَيْتِ وَغَلَبَ عَلَى أَمْرِ مَكَّةَ فَكَانَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ يَأْمُرُ أُمَرَاءَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ أَنْ يُجَهِّزُوا إِلَيْهِ الْجُيُوشَ فكان آخر ذلك أن أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى خَلْعِ يَزِيدَ مِنَ الْخِلَافَةِ (ايذن) بفتح الذال وتبدل همزته الثَّانِيَةِ بِالْيَاءِ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ وَهُوَ أَمْرٌ مِنَ الْإِذْنِ بِمَعْنَى الْإِجَازَةِ (أُحَدِّثْكَ) بِالْجَزْمِ وَقِيلَ بِالرَّفْعِ (قَوْلًا) أَيْ حَدِيثًا (قَامَ بِهِ) صِفَةٌ لِلْقَوْلِ أَيْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ خَطِيبًا وَالْمَعْنَى حَدَّثَ بِهِ (الْغَدَ) بِالنَّصْبِ أَيِ الْيَوْمَ الثَّانِيَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ (سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ) بِضَمِّ الذَّالِ وَسُكُونِهَا فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بَيَانِ حِفْظِهِ لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ أَيْ حَمَلْتُهُ عَنْهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَذَكَرَ الْأُذُنَيْنِ لِلتَّأْكِيدِ (وَوَعَاهُ قَلْبِي) أَيْ حَفِظَهُ تَحْقِيقٌ لِفَهْمِهِ وَتَثَبُّتِهِ (وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ) يَعْنِي أَنَّ سَمَاعَهُ مِنْهُ لَيْسَ اعْتِمَادًا عَلَى الصَّوْتِ فَقَطْ بَلْ مَعَ الْمُشَاهَدَةِ (أَنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ إلخ) هُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَكَلَّمَ (إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ تَعَالَى) أَيْ جَعَلَهَا مُحَرَّمَةً مُعَظَّمَةً قَالَ الْحَافِظُ أَيْ حَكَمَ بِتَحْرِيمِهَا وَقَضَاهُ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا بِاجْتِهَادِهِ انْتَهَى (وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ) أَيْ مِنْ عِنْدِهِمْ أَيْ أَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ لَا بِإِصْلَاحِ النَّاسِ (أَنْ يَسْفِكَ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَهُوَ صَبُّ الدَّمِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ (بِهَا) أَيْ بِمَكَّةَ (أَوْ يَعْضِدُ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَقْطَعُ بِالْمِعْضَدِ وَهُوَ آلَةٌ كَالْفَأْسِ (فَإِنْ) شَرْطِيَّةٌ (أَحَدٌ) فَاعِلُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ وُجُوبًا يُفَسِّرُهُ (تَرَخَّصَ) نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ أحد من المشركين استجارك (وَلَمْ يَأْذَنْ لَكَ) وَبِهِ تَمَّ جَوَابُ الْمُتَرَخِّصِ ثُمَّ ابْتَدَأَ وَعَطَفَ عَلَى الشَّرْطِ فَقَالَ (وَإِنَّمَا أَذِنَ) أَيِ اللَّهُ (سَاعَةً) أَيْ مِقْدَارٌ مِنَ الزَّمَانِ وَالْمُرَادُ بِهِ يَوْمُ الْفَتْحِ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى الْعَصْرِ وَالْمَأْذُونُ فِيهِ

الْقِتَالُ لَا الشَّجَرُ (وَقَدْ عَادَتْ) أَيْ رَجَعَتْ (حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ) أَيْ يَوْمَ الْخُطْبَةِ الْمَذْكُورَةِ (كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ) أَيْ مَا عَدَا تِلْكَ السَّاعَةَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَمْسِ الزَّمَنُ الْمَاضِي (مَا قَالَ لَكَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ) أَيْ فِي جَوَابِكَ (قَالَ) أَيْ عَمْرٌو (بِذَلِكَ) أَيِ الْحَدِيثِ أَوِ الْحُكْمِ (يَا أَبَا شُرَيْحٍ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النِّدَاءُ تَتِمَّةً لِمَا قَبْلَهُ أَوْ تَمْهِيدًا لِمَا بَعْدَهُ (إِنَّ الْحَرَمَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِنَّ مَكَّةَ (لَا يُعِيذُ) مِنَ الْإِعَاذَةِ أَيْ لَا يجيز وَلَا يَعْصِمُ (عَاصِيًا) أَيْ أَنَّ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَيْهِ (وَلَا فَارًّا بِدَمٍ) أَيْ هَارِبًا عَلَيْهِ دم يعتصم بمكة كيلا يُقْتَصَّ مِنْهُ (وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ) قَالَ الْحَافِظُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ يَعْنِي السَّرِقَةَ كَذَا ثَبَتَ تَفْسِيرُهَا فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي قال بن بَطَّالٍ الْخُرْبَةُ بِالضَّمِّ الْفَسَادُ وَبِالْفَتْحِ السَّرِقَةُ وَقَدْ تَصَرَّفَ عَمْرٌو فِي الْجَوَابِ وَأَتَى بِكَلَامٍ ظَاهِرُهُ حَقٌّ لَكِنْ أَرَادَ بِهِ الْبَاطِلَ فَإِنَّ الصَّحَابِيَّ أَنْكَرَ عَلَيْهِ نَصْبَ الْحَرْبِ عَلَى مَكَّةَ فَأَجَابَهُ بِأَنَّهَا لَا تَمْنَعُ مِنْ إِقَامَةِ الْقِصَاصِ وَهُوَ صحيح إلا أن بن الزُّبَيْرِ لَمْ يَرْتَكِبْ أَمْرًا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَيُرْوَى بِخَزْيَةٍ) قال بن الْعَرَبِيِّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَزَايٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ أَيْ بِشَيْءٍ يُخْزَى مِنْهُ أَيْ يُسْتَحَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الجماعة (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا قَوْلُهُ (يَقُولُ) أَيْ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ يَعْنِي يُرِيدُ عَمْرُو بِقَوْلِهِ وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ أَيْ مَنْ جَنَى جِنَايَةً أَوْ أَصَابَ دَمًا ثُمَّ جَاءَ إِلَى الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ بَيَّنَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِالْبَسْطِ وَالتَّفْصِيلِ مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ

باب ما جاء في ثواب الحج والعمرة

2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ثَوَابِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) [810] قوله (عن عبد الله) أي بن مَسْعُودٍ (تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ) أَيْ قَارِبُوا بينهما وأما بِالْقِرَانِ أَوْ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْ إِذَا اعْتَمَرْتُمْ فَحُجُّوا وَإِذَا حَجَجْتُمْ فَاعْتَمِرُوا (فَإِنَّهُمَا) أَيِ الْحَجُّ وَالِاعْتِمَارُ (يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ) أَيْ يُزِيلَانِهِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْفَقْرَ الظَّاهِرَ بِحُصُولِ غِنَى الْيَدِ وَالْفَقْرَ الْبَاطِنُ بِحُصُولِ غِنَى الْقَلْبِ (وَالذُّنُوبَ) أَيْ يَمْحُوَانِهَا قِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الصَّغَائِرُ وَلَكِنْ يَأْبَاهُ قَوْلُهُ (كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ) وَهُوَ مَا يَنْفُخُ فِيهِ الْحَدَّادُ لِاشْتِعَالِ النَّارِ لِلتَّصْفِيَةِ (خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) أَيْ وَسَخَهَا (وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الْحَجُّ الْمَقْبُولُ وَقِيلَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنَ الْإِثْمِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْأَقْوَالُ فِي تَفْسِيرِهِ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ الْحَجُّ الَّذِي وفيت أحكامه فوقع مواقعا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل كَذَا قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي التَّوْشِيحِ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن عمر) أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَمُسَدِّدٌ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أحمد انتهى قلت وأخرجه أحمد وبن ماجه بمثل حديث بن مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ لَكِنْ إِلَى قَوْلِهِ خَبَثَ الْحَدِيدِ (وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُبْشِيٍّ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ (وَأُمِّ سَلَمَةِ) أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مَرْفُوعًا الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ قِيلَ وَمَا بِرُّهُ قَالَ إطعام الطعام وطيب الكلام ورواه أيضا بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ

وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ مُخْتَصَرًا وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ قوله (حديث بن مسعود حديث حسن صحيح الخ) وأخرجه بن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا قَوْلُهُ (مَنْ حَجَّ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ يَشْمَلُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ مَنْ حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ (فَلَمْ يَرْفُثْ) بِضَمِّ الْفَاءِ قَالَ الْحَافِظُ فَاءُ الرَّفَثِ مُثَلَّثَةٌ فِي الْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَالْأَفْصَحُ الْفَتْحُ فِي الْمَاضِي وَالضَّمُّ فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَالَ وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ وَيُطْلَقُ عَلَى التَّعْرِيضِ بِهِ وَعَلَى الْفُحْشِ فِي الْقَوْلِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الرَّفَثُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا يُرِيدُهُ الرَّجُلُ مِنَ المرأة وكان بن عُمَرَ يَخُصُّهُ بِمَا خُوطِبَ بِهِ النِّسَاءُ وَقَالَ عِيَاضٌ هَذَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا رفث ولا فسوق وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي الْآيَةِ الْجِمَاعُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ نَحَا الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِي الصِّيَامِ فَإِذَا كَانَ صَوْمُ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثُ انْتَهَى (وَلَمْ يَفْسُقْ) أَيْ لَمْ يَأْتِ بِسَيِّئَةٍ وَلَا مَعْصِيَةٍ (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَظَاهِرُهُ غُفْرَانُ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ وَالتَّبِعَاتِ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الشَّوَاهِدِ لِحَدِيثِ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ الْمُصَرِّحِ بِذَلِكَ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حديث بن عُمَرَ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [811] قَوْلُهُ (وَأَبُو حَازِمٍ كُوفِيٌّ وَهُوَ الْأَشْجَعِيُّ وَاسْمُهُ سَلْمَانُ إلخ) وَأَمَّا أَبُو حَازِمٍ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ صَاحِبُ سَهْلِ بْنُ سَعْدٍ فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ

باب ما جاء من التغليظ في ترك الحج

3 - (باب ما جاء من التَّغْلِيظِ فِي تَرْكِ الْحَجِّ) [812] قَوْلُهُ (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْقُطَعِيُّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا هِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ هِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَاهِلِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو هَاشِمٌ الْبَصْرِيُّ مَتْرُوكٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَنْ مَلَكَ زادا وراحلة) وأي ولو بالإجازة (تُبَلِّغُهُ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِهَا أَيْ تُوصِلُهُ (فَلَا عَلَيْهِ) أَيْ فَلَا بَأْسَ وَلَا مُبَالَاةَ وَلَا تَفَاوُتَ عَلَيْهِ (أَنْ يَمُوتَ) أَيْ فِي أَنْ يَمُوتَ أَوْ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ (يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا) فِي الْكُفْرِ إِنِ اعْتَقَدَ عَدَمَ الْوُجُوبِ وَفِي الْعِصْيَانِ إِنِ اعْتَقَدَ الْوُجُوبَ وَقِيلَ هَذَا مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ الشَّدِيدِ وَلِلْمُبَالَغَةِ فِي الْوَعِيدِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ وَجْهَ التَّخْصِيصِ بِهِمَا كَوْنُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ غَيْرِ عَامِلِينَ بِهِ فَشُبِّهَ بِهِمَا مَنْ تَرَكَ الْحَجَّ حَيْثُ لَمْ يَعْمَلْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ كَأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ قَالَ الطِّيبِيُّ وَالْمَعْنَى أَنَّ وَفَاتَهُ بِهَذِهِ الْحَالَةِ وَوَفَاتَهُ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ سَوَاءٌ وَالْمَقْصُودُ التَّغْلِيظُ فِي الْوَعِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ كَفَرَ انْتَهَى (وَذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ شَرْطِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالْوَعِيدِ عَلَى تَرْكِ هَذِهِ الْعِبَادَةِ (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ) أَيْ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ (حِجُّ الْبَيْتِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَيُبْدَلُ مِنَ النَّاسِ (مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا) أَيْ طَرِيقًا وَفَسَّرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي الْجَلَالَيْنِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ فِي الْبَابِ الْآتِي قَوْلُهُ (وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَهِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ وَالْحَارِثُ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) أَمَّا هِلَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وقال الترمذي

باب ما جاء في إيجاب الحج بالزاد والراحة

مَجْهُولٌ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ ثُمَّ ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِهِ ثُمَّ قَالَ وَيُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ قَوْلُهُ وَقَدْ جَاءَ بِإِسْنَادٍ آخَرَ أَصْلَحَ مِنْ هَذَا انْتَهَى كَلَامُ الذَّهَبِيِّ وَأَمَّا الْحَارِثُ فَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ الْأَعْوَرُ كَذَّبَهُ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ اعْلَمْ أَنَّ لِحَدِيثِ الْبَابِ طُرُقًا مِنْهَا هَذِهِ الَّتِي ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ وَمِنْهَا الطَّرِيقُ الَّتِي أَخْرَجَهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي السُّنَنِ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أبي سليم عن بن سَابِطٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بِلَفْظِ مَنْ لَمْ يَحْبِسْهُ مَرَضٌ أَوْ حَاجَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ سُلْطَانٌ جائز فَلَمْ يَحُجَّ فَلْيَمُتْ إِنْ شَاءَ يَهُودِيًّا وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ وَشَرِيكٌ سَيِّءُ الْحِفْظِ وَقَدْ خَالَفَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فَأَرْسَلَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ لَهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سفيان عن ليث عن بن سابط ومنها الطريق التي أخرجها بن عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُطَامِيِّ عَنْ أَبِي الْمِهْزَمِ وَهُمَا مَتْرُوكَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الطُّرُقِ مَعَ أَلْفَاظِهَا وَلَهُ طَرِيقٌ صَحِيحَةٌ إِلَّا أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ رَوَاهَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَبْعَثَ رِجَالًا إِلَى أَهْلِ الْأَمْصَارِ فَيَنْظُرُوا كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ جِدَةٌ وَلَمْ يَحُجَّ فَيَضْرِبُوا عَلَيْهِ الْجِزْيَةَ مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ مَا هُمْ بِمُسْلِمِينَ لَفْظُ سَعِيدٍ وَلَفْظُ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِيَمُتْ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا يَقُولُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ رَجُلٌ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ وَعِنْدَهُ لِذَلِكَ سَعَةٌ وَخُلِّيَتْ سَبِيلُهُ قُلْتُ وَإِذَا انْضَمَّ هَذَا الموقوف إلى مرسل بن سَابِطٍ عُلِمَ أَنَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا وَمَحْمَلُهُ عَلَى مَنِ اسْتَحَلَّ التَّرْكَ وَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ خَطَأُ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ مَوْضُوعٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (بَاب مَا جَاءَ فِي إِيجَابِ الْحَجِّ بِالزَّادِ والراحة) [813] قَوْلُهُ (مَا يُوجِبُ الْحَجَّ) أَيْ مَا شَرْطُ وُجُوبِ الْحَجِّ (قَالَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ) يَعْنِي الْحَجُّ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ وَجَدَهُمَا ذَهَابًا وَإِيَابًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ حَسَّنَهُ لِشَوَاهِدِهِ وَإِلَّا فَفِي سَنَدِ هَذَا

الْحَدِيثِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْخُوزِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلِلَّهِ عَلَى الناس حج البيت لمن اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ قَالَ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الصَّوَابُ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ إِلَى الْحَسَنِ وَلَا أَرَى الْمَوْصُولَ إِلَّا وَهَمًا وَقَدْ رواه الحاكم من حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا إِلَّا أَنَّ الرَّاوِيَ عَنْ حَمَّادٍ هُوَ أَبُو قَتَادَةَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ الْحَرَّانِيُّ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ ورواه الشافعي والترمذي وبن ماجه والدارقطني من حديث بن عُمَرَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ الْخُوزِيِّ وَقَدْ قَالَ فِيهِ أحمد والنسائي متروك الحديث ورواه بن ماجه والدارقطني من حديث بن عباس وسنده ضعيف أيضا ورواه بن المنذر من قول بن عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمِنْ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ وَمِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَطُرُقُهَا كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ فَقَدْ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ إِنَّ طرقه كلها ضعيفة وقال أبو بكر بن الْمُنْذِرِ لَا يَثْبُتُ الْحَدِيثُ فِي ذَلِكَ مُسْنَدًا وَالصَّحِيحُ مِنَ الرِّوَايَاتِ رِوَايَةُ الْحَسَنِ الْمُرْسَلَةُ انْتَهَى باب ماجاءكم فُرِضَ الْحَجُّ [814] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَشَدَّةِ يَاءٍ تَحْتَانِيَّةٍ وَهُوَ سَعِيدُ بْنُ فَيْرُوزَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ الطَّائِيُّ مَوْلَاهُ ثُمَّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ مِنَ الثالثة

باب ما جاءكم حج النبي صلى الله عليه وسلم

قَوْلُهُ (قَالَ لَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ لَا يَجِبُ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْحَافِظُ وَغَيْرُهُمَا وَكَذَلِكَ الْعُمْرَةُ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِهَا لَا تَجِبُ إِلَّا مَرَّةً إِلَّا أَنْ يَنْذِرَ بِالْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ بِشَرْطِهِ (وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَوَّضٌ فِي شَرْعِ الْأَحْكَامِ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَبْسُوطٌ فِي الأصول قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ فَقَامَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ أَفِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَوْ قُلْتُهَا لَوَجَبَتْ وَلَوْ وَجَبَتْ لَمْ تَعْمَلُوا بِهَا وَلَمْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا الْحَجُّ مَرَّةً فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي الباب أيضا عن أنس أخرجه بن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ سَنَدُهُ مُنْقَطِعٌ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ سَعِيدُ بْنُ فَيْرُوزَ أبو البختري الكوفي تابعي جليل عن عمر وعلي مرسلا انتهى وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَمْ يَلْقَ عَلِيًّا قَالَ أَبُو زُرْعَةَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَمْ يَسْمَعْ من علي شيئا انتهى (باب ما جاءكم حَجَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [815] قَوْلُهُ (فَسَاقَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً) بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْإِبِلُ فَقَطْ

عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَسُمِّيَتْ بِهَا لِكِبَرِ بَدَنِهَا وَالْجَمْعُ بُدْنٌ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ (وَجَاءَ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ بِبَقِيَّتِهَا) أَيْ بِبَقِيَّةِ الْبُدْنِ الَّتِي ذَبَحَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِبَقِيَّةِ الْمِائَةِ وَإِرْجَاعُ الضَّمِيرِ إِلَى الْمِائَةِ مَعَ عَدَمِ ذِكْرِهَا لِشُهْرَتِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ مَا أَهْدَى بِهِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اشْتَرَاهُ لَا أَنَّهُ مِنَ السِّعَايَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ (فِي أَنْفِهِ بُرَةٌ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ الْحَلْقَةُ تَكُونُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ (مِنْ فِضَّةٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ ذَهَبٍ قَالَهُ السّيُوطِيُّ بِبَضْعَةٍ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُكْسَرُ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ (فَشَرِبَ مِنْ مَرَقِهَا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ النُّكْتَةُ فِي شُرْبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَرَقِهَا دُونَ الْأَكْلِ مِنَ اللَّحْمِ لِمَا فِي الْمُرَاقِ مِنَ الْجَمْعِ لِمَا خَرَجَ مِنَ الْبَضْعَاتِ كُلِّهَا قَوْلُهُ (وَرَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إلخ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ بَهْرَامَ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ الْحَافِظُ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مُتْقِنٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشَرَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ فِي تَرْجَمَتِهِ أَحَدُ الْأَعْلَامِ وَصَاحِبُ الْمُسْنَدِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْجَامِعِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ وَيَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ وَجَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ وَأَبِي عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ م وت وَالْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ قَالَ أَحْمَدُ إِمَامُ أَهْلِ زَمَانِهِ وقال بن حِبَّانَ كَانَ مِمَّنْ حَفِظَ وَجَمَعَ وَتَفَقَّهَ وَصَنَّفَ وَحَدَّثَ وَأَظْهَرَ السُّنَّةَ فِي بَلَدِهِ وَدَعَا إِلَيْهَا وَذَبَّ عَنْ حَرِيمِهَا وَقَمَعَ مُخَالِفِيهَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ انْتَهَى [815] قَوْلُهُ (حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ التَّاسِعَةِ

باب ما جاءكم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم

قَوْلُهُ (حَجَّةً وَاحِدَةً) بِالنَّصْبِ أَيْ حَجَّ حَجَّةً وَاحِدَةً وَهِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ (عُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ أَيْ إِحْدَاهَا عُمْرَةٌ فِي ذِي الْقَعْدَةِ (وَعُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَشَدَّةِ التَّحْتِيَّةِ الثَّانِيَةِ وَخِفَّتِهَا مَوْضِعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ (وَعُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَقِيلَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَوْضِعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ تِسْعَةُ أَمْيَالٍ وَقِيلَ سِتَّةُ أَمْيَالٍ (إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ حُنَيْنٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا مَوْضِعٌ وَكَانَ قِسْمَةُ غَنِيمَتِهِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم (باب ما جاءكم اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [816] قَوْلُهُ (اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ عُمْرَةٍ (عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا قيل هي اسم بيروقيل شَجَرَةٌ وَقِيلَ قَرْيَةٌ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ أَكْثَرُهَا فِي الْحَرَمِ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعْتَمِرًا إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ وَصَدُّوهُ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ فَصَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَرَجَعَ وَلَمْ يَعْتَمِرْ وَلَكِنْ عَدُّوهَا مِنَ الْعُمَرِ لِتَرَتُّبِ أَحْكَامِهَا مِنْ إِرْسَالِ الْهَدْيِ وَالْخُرُوجِ عَنِ الْإِحْرَامِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَكَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ (وَعُمْرَةُ الثَّانِيَةِ) أَيْ عُمْرَةُ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ (مِنْ قَابِلٍ) أَيْ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ (عُمْرَةُ الْقِصَاصِ) أي عمرة

باب ما جاء في أي موضع أحرم النبي

الْعِوَضِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ وَعُمْرَةٌ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ (وَالرَّابِعَةُ الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ) أَيْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عمرو وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلْيُنْظَرْ مَنْ أخرجه وأما حديث بن عمر فأخرجه البخاري قوله (حديث بن عباس حديث غريب) أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَرِجَالُهُ كلهم ثقات (باب ما جاء في أَيِّ مَوْضِعٍ أَحْرَمَ النَّبِيُّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [817] قَوْلُهُ (أَذَّنَ فِي النَّاسِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ الْآيَةَ أَيْ نَادَى بينهم بأني أريد الحج قاله بن الْمَلَكِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَمَرَ مُنَادِيًا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ الْحَجَّ كَمَا فِي حديث جابر الطويل قاله القارىء (فَاجْتَمَعُوا) أَيْ خَلْقٌ كَثِيرٌ فِي الْمَدِينَةِ (فَلَمَّا أَتَى الْبَيْدَاءَ) وَهِيَ الْمَفَازَةُ الَّتِي لَا

شَيْءَ فِيهَا وَهِيَ هُنَا اسْمُ مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ عِنْدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ (أَحْرَمَ) أَيْ كَرَّرَ إِحْرَامَهُ أَوْ أَظْهَرَهُ وَهُوَ أَظْهَرُ لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ أحرم ابتدأ فِي مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ بَعْدَ رَكْعَتَيِ الْإِحْرَامِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ وَسَتَقِفُ عَلَيْهِ عن قريب قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّهُ يَقُولُ مَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا مِنْ عِنْدِ الْمَسْجِدِ يَعْنِي مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ بَاتَ حَتَّى أَصْبَحَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا عَلَا عَلَى جَبَلِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ (وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَفِيهِ فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ طَرِيقَ الْفَرْعِ أَهَلَّ إِذَا اسْتَقَلَّتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَإِذَا أَخَذَ طَرِيقَ أُحُدٍ أَهَلَّ إِذَا أَشْرَفَ عَلَى جَبَلِ الْبَيْدَاءِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (الْبَيْدَاءُ الَّتِي تَكْذِبُونَ فِيهَا إلخ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ بَيْدَاؤُكُمْ هَذِهِ تَكْذِبُونَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها) وفي رواية لمسلم كان بن عُمَرَ إِذَا قِيلَ لَهُ الْإِحْرَامُ مِنَ الْبَيْدَاءِ قَالَ الْبَيْدَاءُ الَّتِي تَكْذِبُونَ فِيهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْبَيْدَاءُ هِيَ الشّرَفُ الَّذِي قُدَّامَ ذِي الْحُلَيْفَةِ إِلَى جِهَةِ مَكَّةَ وَهِيَ بِقُرْبِ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَسُمِّيَتْ بَيْدَاءَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ وَلَا أَثَرٌ وَكُلُّ مَفَازَةٍ تُسَمَّى بيداء وأما ها هنا فَالْمُرَادُ بِالْبَيْدَاءِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُ تَكْذِبُونَ فِيهَا أَيْ تَقُولُونَ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْهَا وَلَمْ يُحْرِمْ مِنْهَا وَإِنَّمَا أَحْرَمَ قَبْلَهَا مِنْ مَسْجِدِ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَمِنْ عِنْدِ الشَّجَرَةِ الَّتِي كَانَتْ هُنَاكَ وَكَانَتْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ وسماهم بن عُمَرَ كَاذِبِينَ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا بِالشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ وَالْكَذِبُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ بِخِلَافِ مَا هُوَ سَوَاءٌ تَعَمَّدَهُ أَمْ غَلِطَ فِيهِ وَسَهَا وَقَالَ الْمُعْتَزِلَةُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَمْدِيَّةُ وَعِنْدَنَا أَنَّ الْعَمْدِيَّةَ شَرْطٌ لِكَوْنِهِ اسْمًا لَا لِكَوْنِهِ يُسَمَّى

باب ما جاء متى أحرم النبي صلى الله عليه وسلم

كذبا فقول بن عُمَرَ جَاءَ عَلَى قَاعِدَتِنَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَاَللَّهِ ما أهل) أي ما رفع صَوْتُهُ بِالتَّلْبِيَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ اعْلَمْ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِ إِهْلَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَبُ اخْتِلَافِهِمْ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ يَا أَبَا الْعَبَّاسِ عَجِبْتُ لِاخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِهْلَالِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَوْجَبَ فَقَالَ إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِذَلِكَ إِنَّهَا إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ فَمِنْ هُنَاكَ اخْتَلَفُوا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجًّا فَلَمَّا صَلَّى فِي مَسْجِدِهِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْهِ أَوْجَبَ فِي مَجْلِسِهِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ حِينَ فَرَغَ مِنْ رَكْعَتَيْهِ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَحَفِظْتُهُ عَنْهُ ثُمَّ رَكِبَ فَلَمَّا اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ إِنَّمَا كَانُوا يَأْتُونَ أَرْسَالًا فَسَمِعُوهُ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ يُهِلُّ فَقَالُوا إِنَّمَا أَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ وَأَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْهُ أَقْوَامٌ فَقَالُوا إِنَّمَا أَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَوْجَبَ فِي مُصَلَّاهُ وَأَهَلَّ حِينَ اسْتَقَلَّتْ بِهِ نَاقَتُهُ وَأَهَلَّ حِينَ عَلَا عَلَى شَرَفِ الْبَيْدَاءِ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ خُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرَّانِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرواية بتمامها فبين بن عَبَّاسٍ الْوَجْهَ الَّذِي جَاءَ فِيهِ اخْتِلَافُهُمْ وَأَنَّ إِهْلَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ابْتَدَأَ الْحَجَّ وَدَخَلَ فِيهِ كَانَ فِي مُصَلَّاهُ فَبِهَذَا نَأْخُذُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِمْ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ الْمُسْتَحَبُّ الْإِحْرَامُ مِنَ الْبَيْدَاءِ قال البكري البيداء هذه فوق علي ذِي الْحُلَيْفَةِ لِمَنْ صَعِدَ مِنَ الْوَادِي وَفِي أَوَّلِ الْبَيْدَاءِ بِئْرُ مَاءٍ كَذَا فِي عُمْدَةِ القارىء (باب ما جاء متى أحرم النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَحْرَمَ [819] قَوْلُهُ (عَنْ خُصَيْفٍ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ المهملة مصغرا بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَزَرِيُّ أَبُو عَوْنٍ صَدُوقٌ سَيِّءُ الْحِفْظِ خَلَطَ بِآخِرِهِ وَرُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنَ الْخَامِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ

باب ما جاء في إفراد الحج

قَوْلُهُ (أَهَلَّ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ عُقَيْبَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إلخ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ فِي الْإِمَامِ وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ أَخْرَجَ لَهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحِهِمَا وَخُصَيْفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعَّفَهُ بَعْضُهُمُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ فِيهِ خُصَيْفٌ وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِبُّهُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنْ يُحْرِمَ الرَّجُلُ فِي دُبُرِ الصَّلَاةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ إن الأفضل أن يحرم إذا انبعثت به رَاحِلَتُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُحْرِمُ عُقَيْبَ الصَّلَاةِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ رُكُوبِ دَابَّتِهِ وَقَبْلَ قِيَامِهِ وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِلشَّافِعِيِّ وَفِيهِ حَدِيثٌ مِنْ رواية بن عَبَّاسٍ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ انْتَهَى قُلْتُ يُشِيرُ إِلَى حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ وَلَوْ لَبَّى بَعْدَ مَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ جَازَ وَلَكِنِ الْأَوَّلُ أَفْضَلُ لِمَا رَوَيْنَا كَذَا قَالَ وَالْأَحَادِيثُ فِي أَنَّهُ لَبَّى بَعْدَ مَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ مِنَ الْحَدِيثِ الذي احتج به ففي الصحيحين عن بن عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ استوت به راحلته وفي لفظه لِمُسْلِمٍ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ وَانْبَعَثَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ قَائِمَةً أَهَلَّ وَفِي لَفْظٍ لَمْ أَرَهُ يُهِلُّ حَتَّى تَنْبَعِثَ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ فَلَمَّا رَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَاسْتَوَتْ بِهِ أَهَلَّ وَلَهُ عَنْ جَابِرٍ إِنَّ إِهْلَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ استوت به راحلته ولمسلم عن بن عَبَّاسٍ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ وَرَدَ مَا يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالْحَاكِمِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَالَ لَوْ ثَبَتَ لَرَجَحَ ابتداء الاهلال عقيب الصلاة إلا أنه مِنْ رِوَايَةِ خُصَيْفٍ وَفِيهِ ضَعْفٌ انْتَهَى وَقَالَ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدِ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى جَوَازِ جَمِيعِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ انْتَهَى 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِفْرَادِ الْحَجِّ) [820] اعْلَمْ أَنَّ الْحَجَّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ أَمَّا الْإِفْرَادُ فَهُوَ الْإِهْلَالُ

بِالْحَجِّ وَحْدَهُ فِي أَشْهُرِهِ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَفِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ أَيْضًا عِنْدَ مَنْ يُجِيزُهُ وَالِاعْتِمَارُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ لِمَنْ شَاءَ وَأَمَّا التَّمَتُّعُ فَالْمَعْرُوفُ أَنَّهُ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ التَّحَلُّلُ مِنْ تِلْكَ الْعُمْرَةِ وَالْإِهْلَالُ بِالْحَجِّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ وَيُطْلَقُ التَّمَتُّعُ فِي عرف السلف على القران أيضا قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ التَّمَتُّعَ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ أَنَّهُ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ الْحَجِّ قَالَ وَمِنَ التَّمَتُّعِ أَيْضًا الْقِرَانُ لِأَنَّهُ تَمَتُّعٌ بِسُقُوطِ سَفَرِ النُّسُكِ الْآخَرِ مِنْ بَلَدِهِ وَمِنَ التَّمَتُّعِ فَسْحُ الْحَجِّ أَيْضًا إِلَى الْعُمْرَةِ انْتَهَى وَأَمَّا الْقِرَانُ فَصُورَتُهُ الْإِهْلَالُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ أَوِ الْإِهْلَالُ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ يَدْخُلُ عَلَيْهَا الْحَجُّ أَوْ عَكْسُهُ هَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (أَفْرَدَ الْحَجَّ) أَيْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحْدَهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عن بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن ماجه قوله (وروى عن بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ إلخ) لِهَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِي حَجِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ قِرَانًا أَوْ تَمَتُّعًا أَوْ إِفْرَادًا وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ حَجَّ إِفْرَادًا كَمَا عَرَفْتَ وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ حَجَّ قِرَانًا وَرُوِيَ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ حَجَّ تَمَتُّعًا كَمَا سَتَعْرِفُ وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْأَنْظَارُ وَاضْطَرَبَتِ الْأَقْوَالُ لِاخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ فَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ كَالْخَطَّابِيِّ فَقَالَ إِنْ كَانَ أَضَافَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَمَرَ بِهِ اتِّسَاعًا ثُمَّ رَجَحَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْرَدَ الْحَجَّ وَكَذَا قَالَ عِيَاضٌ وَزَادَ فَقَالَ وَأَمَّا إِحْرَامُهُ فَقَدْ تَضَافَرَتِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ بِأَنَّهُ كَانَ مُفْرِدًا وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى التَّمَتُّعَ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ وَلَوْلَا أَنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ فَصَحَّ أَنَّهُ لم

يَتَحَلَّلْ وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى الْقِرَانَ فَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ آخِرِ أَحْوَالِهِ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ لَمَّا جَاءَ إِلَى الْوَادِي وَقِيلَ قُلْ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ قَالَ الْحَافِظُ هَذَا الْجَمْعُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ سَبَقَ إِلَيْهِ قَدِيمًا بن المنذر وبينه بن حَزْمٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بَيَانًا شَافِيًا وَمَهَّدَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ تَمْهِيدًا بَالِغًا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَمُحَصَّلُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ الْإِفْرَادَ حُمِلَ عَلَى مَا أَهَلَّ بِهِ فِي أَوَّلِ الْحَالِ وَكُلَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ التَّمَتُّعَ أَرَادَ مَا أَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ وَكُلَّ مَنْ رَوَى عَنْهُ الْقِرَانَ أَرَادَ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَجَمَعَ شيخ الاسلام بن تَيْمِيَةَ جَمْعًا حَسَنًا فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ إِنَّ التَّمَتُّعَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ يَتَنَاوَلُ الْقِرَانَ فَتُحْمَلُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ تَمَتُّعًا وَكُلُّ مَنْ رَوَى الْإِفْرَادَ قَدْ رَوَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ تَمَتُّعًا وَقِرَانًا فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى الْقِرَانِ وَأَنَّهُ أَفْرَدَ أَعْمَالَ الْحَجِّ ثُمَّ فَرَغَ مِنْهَا وَأَتَى بِالْعُمْرَةِ وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ صَارَ إِلَى التَّعَارُضِ فَرَجَّحَ نَوْعًا وَأَجَابَ عَنِ الْأَحَادِيثِ القاضية بما يخالفه وهي جرابات طويلة أكثرها متعسفة وأورد كُلٌّ مِنْهُمْ لِمَا اخْتَارَهُ مُرَجِّحَاتٍ أَقْوَاهَا وَأَوْلَاهَا مُرَجِّحَاتُ الْقِرَانِ لَا يُقَاوِمُهَا شَيْءٌ مِنْ مُرَجِّحَاتِ غَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْهَدْيِ مُرَجِّحَاتٍ كَثِيرَةً وَلَكِنَّهَا مُرَجِّحَاتٌ بِاعْتِبَارِ أَفْضَلِيَّةِ الْقِرَانِ عَلَى التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادِ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حج قرانا وهو يحث آخَرُ كَذَا فِي النَّيْلِ [825] قَوْلُهُ (وَقَالَ الثَّوْرِيُّ إِنْ أَفْرَدْتَ الْحَجَّ فَحَسَنٌ وَإِنْ قَرَنْتَ فَحَسَنٌ وَإِنْ تَمَتَّعْتُ فَحَسَنٌ) الظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الثَّوْرِيِّ هَذَا أَنَّ الْأَنْوَاعَ الثَّلَاثَةَ عِنْدَهُ سَوَاءٌ لَا فَضِيلَةَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ حَكَى عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الصُّوَرَ الثَّلَاثَةَ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ وَهُوَ مُقْتَضَى تصرف بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ مِثْلَهُ وَقَالَ أَحَبُّ إِلَيْنَا الْإِفْرَادُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الْقِرَانُ) وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنَ التَّمَتُّعِ وَالْإِفْرَادُ وَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنَ الْإِفْرَادِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَنَّاهُ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ وَلَا يَتَمَنَّى إِلَّا الْأَفْضَلَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا تَمَنَّاهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِ أَصْحَابِهِ لِحُزْنِهِمْ عَلَى فَوَاتِ مُوَافَقَتِهِ وَإِلَّا فَالْأَفْضَلُ مَا اخْتَارَهُ اللَّهُ لَهُ

باب ما جاء في الجمع والعمرة

واستمر عليه وقال بن قُدَامَةَ يَتَرَجَّحُ التَّمَتُّعُ بِأَنَّ الَّذِي يُفْرِدُ إِنِ اعْتَمَرَ بَعْدَهَا فَهِيَ عُمْرَةٌ مُخْتَلَفٌ فِي إِجْزَائِهَا عن حجة الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ عُمْرَةِ التَّمَتُّعِ فَهِيَ مُجْزِئَةٌ بِلَا خِلَافٍ فَيَتَرَجَّحُ التَّمَتُّعُ عَلَى الْإِفْرَادِ وَيَلِيهِ الْقِرَانُ وَقَالَ مَنْ رَجَّحَ الْقِرَانَ هُوَ أَشَقُّ مِنَ التَّمَتُّعِ وَعُمْرَتُهُ مُجْزِئَةٌ بِلَا خِلَافٍ فَيَكُونُ أَفْضَلَ مِنْهُمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْقِرَانُ وَالتَّمَتُّعُ فِي الْفَضْلِ سَوَاءٌ وَهُمَا أَفْضَلُ مِنَ الْإِفْرَادِ وَعَنْ أَحْمَدَ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَالْقِرَانُ أَفْضَلُ لَهُ لِيُوَافِقَ فِعْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ لَمْ يَسُقِ الْهَدْيَ فَالتَّمَتُّعُ أَفْضَلُ لَهُ لِيُوَافِقَ مَا تَمَنَّاهُ وَأَمَرَ بِهِ أَصْحَابَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الجمع والعمرة) [821] أي القران قَوْلُهُ (يَقُولُ لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ يُلَبِّي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا وَهُوَ مِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ حَجَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قِرَانًا وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو قِلَابَةَ وَحُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّوِيلُ وَقَتَادَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ وَغَيْرُهُمْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِوَادِي الْعَقِيقِ يَقُولُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ مِنْ رَبِّي فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ أخرجه أحمد والبخاري وأبو داود وبن مَاجَهْ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَقُلْ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ (وَعِمْرَانِ بْنِ حُصَيْنٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ أيضا عن بن عُمَرَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَعَنْ عَائِشَةَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ

باب ما جاء في التمتع

12 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّمَتُّعِ) [823] قَوْلُهُ (إِنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ) أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ مَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَالضَّحَّاكَ بْنَ قَيْسٍ) بْنِ خَالِدِ بْنِ وَهْبٍ الْفِهْرِيُّ أَبُو أُنَيْسٍ الْأَمِيرُ الْمَشْهُورُ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ قُتِلَ فِي وَقْعَةِ مَرْجِ رَاهِطٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ شَهِدَ فَتْحَ دِمَشْقَ وَتَغَلَّبَ عَلَيْهَا بَعْدَ مَوْتِ يَزِيدَ وَدَعَا إِلَى الْبَيْعَةِ وَعَسْكَرَ بِظَاهِرِهَا فَالْتَقَاهُ مَرْوَانُ بِمَرْجِ رَاهِطٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ فَقُتِلَ قِيلَ وُلِدَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِتِّ سِنِينَ قَوْلُهُ (لَا يَصْنَعُ ذَلِكَ) أَيِ التَّمَتُّعَ (إِلَّا مَنْ جَهِلَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَأَمْرُهُ بِالْإِتْمَامِ يَقْتَضِي اسْتِمْرَارَ الْإِحْرَامِ إِلَى فَرَاغِ الْحَجِّ وَمَنْعَ التَّحَلُّلِ وَالتَّمَتُّعُ يُحَلِّلُ (فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ) قَالَ الْبَاجِيُّ إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ رَأَى الْإِفْرَادَ أَفْضَلَ مِنْهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ تَحْرِيمًا قَالَ عِيَاضٌ إِنَّهُ نَهَى عَنِ الْفَسْخِ وَلِهَذَا كَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ عَلَيْهَا كَمَا فِي مُسْلِمٍ بِنَاءً عَلَى مُعْتَقَدِهِ إِنَّ الْفَسْخَ خَاصٌّ بِتِلْكَ السَّنَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرَهُمَا إِنَّمَا نَهَوْا عَنِ الْمُتْعَةِ الْمَعْرُوفَةِ الَّتِي هِيَ الِاعْتِمَارُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ الْحَجِّ فِي عَامِهِ وَهُوَ عَلَى التَّنْزِيهِ لِلتَّرْغِيبِ فِي الْإِفْرَادِ ثُمَّ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ التَّمَتُّعِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ وَبَقِيَ الخلاف في الافضل كذا في المحلي شرح الْمُوَطَّأِ (قَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ الْمُتْعَةَ اللُّغَوِيَّةَ وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَحُكْمُ الْقِرَانِ وَالْمُتْعَةِ وَاحِدٌ قاله القارىء (وَصَنَعْنَاهَا مَعَهُ) قَالَ أَيِ الْمُتْعَةُ اللُّغَوِيَّةُ أَوِ الشَّرْعِيَّةُ إِذْ تَقَدَّمَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ تَمَتَّعُوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِرَانَ وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّمَتُّعَ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ

[824] (أَمْرُ أَبِي) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَأَمْرُ أَبِي بِذِكْرِ الْهَمْزَةِ (يُتَّبَعُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ [822] قَوْلُهُ (تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ إلخ) يُعَارِضُهُ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ كَانَ عُثْمَانُ يَنْهَى عَنِ الْمُتْعَةِ وَكَانَ عَلِيٌّ يَأْمُرُ بِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ نَهْيُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ إِنَّ نَهْيَهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّنْزِيهِ وَنَهْيُ مُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى التَّحْرِيمِ فَأَوَّلِيَّتُهُ بِاعْتِبَارِ التَّحْرِيمِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَنْهَيَانِ عَنْهَا نَهْيَ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ انْتَهَى وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ فِعْلِهِمَا وَنَهْيِهِمَا بِأَنَّ الْفِعْلَ كَانَ مُتَأَخِّرًا لَمَّا عَلِمَا جواز ذلك ويحتمل أن يكون لبيان الجواز كَذَا فِي شَرْحِ أَبِي الطَّيِّبِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَأْمُرُ بِالْمُتْعَةِ وَعُثْمَانُ يَنْهَى عَنْهَا فَقَالَ عُثْمَانُ كَلِمَةً فَقَالَ عَلِيٌّ لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّا تَمَتَّعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عُثْمَانُ أَجَلْ وَلَكِنَّا كُنَّا خَائِفِينَ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَسَعْدٍ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ سَأَلْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَنِ الْمُتْعَةِ فِي الْحَجِّ فَقَالَ فَعَلْنَاهَا وَهَذَا يَوْمَئِذٍ كَافِرٌ بِالْعُرُوشِ يَعْنِي بُيُوتَ مَكَّةَ يَعْنِي معاوية انتهى (وأسماء ابنة أبي بكر وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عائشة أخرجه الشيخان قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا

قَوْلُهُ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) أَيِ الْهَدْيَ وَيَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِأَنْ يَعْدَمَ الْهَدْيَ أَوْ يَعْدَمَ ثَمَنَهُ حِينَئِذٍ أَوْ يَجِدَ ثَمَنَهُ لَكِنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِأَهَمِّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يَجِدَهُ لَكِنْ يَمْتَنِعُ صَاحِبُهُ مِنْ بَيْعِهِ أَوْ يَمْتَنِعُ مِنْ بَيْعِهِ إلا بغلائه فينقل إِلَى الصَّوْمِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ أَيْ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ فَإِنْ صَامَهَا قَبْلَ الْإِهْلَالِ بِالْحَجِّ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَمَّا قَبْلَ التَّحَلُّلِ مِنَ الْعُمْرَةِ فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ قَالَهُ مَالِكٌ وَجَوَّزَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَمَنِ اسْتَحَبَّ صِيَامَ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ قَالَ يُحْرِمُ يَوْمَ السَّابِعِ لِيَصُومَ السَّابِعَ وَالثَّامِنَ وَالتَّاسِعَ وَإِلَّا فَيُحْرِمُ يَوْمَ السَّادِسِ لِيُفْطِرَ بِعَرَفَةَ (وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ) أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِذَا رَجَعْتُمْ الرُّجُوعُ إلى الأمصار وبذلك فسر بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا فِي صَحِيحِ البخاري ووقع في حديث بن عُمَرَ الْمَرْفُوعِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ مَنْ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ مَعْنَاهُ الرُّجُوعُ إِلَى مَكَّةَ وَعَبَّرَ عَنْهُ مَرَّةً بِالْفَرَاغِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ وَمَعْنَى الرُّجُوعِ التَّوَجُّهُ مِنْ مَكَّةَ فَيَصُومُهَا فِي الطَّرِيقِ إن شاء وبه قال إسحاق بن راهويه قاله الحافظ (منهم بن عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رُوِيَ عَنِ بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ مَوْقُوفًا إِنَّ أَخِرَهَا يَوْمُ عَرَفَةَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَامَ أَيَّامَ مِنًى أَيِ الثَّلَاثَةَ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَأَخَذَ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ صِيَامِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَصُومُ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَهُوَ قَوْلُ أهل الكوفة) وهو قول الحنفية وحجتهم نبيشة

الْهُذَلِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إِنَّهَا الْأَيَّامُ الَّتِي نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِهِنَّ وَأَمَرَ بِفِطْرِهِنَّ أَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن المنذر وصححه بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُتَمَتِّعِ أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْ سَالِمٍ عن بن عُمَرَ قَالَا لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أن يصمن إلا لمن يَجِدِ الْهَدْيَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَذَا رَوَاهُ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ شُعْبَةَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْبِنَاءِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ عَنْ شُعْبَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَالطَّحَاوِيِّ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَمَتِّعِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْهَدْيَ أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَقَالَ إِنَّ يَحْيَى بْنَ سَلَامٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ طَرِيقَ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الطُّرُقُ الْمُصَرِّحَةُ بِالرَّفْعِ بَقِيَ الْأَمْرُ عَلَى الِاحْتِمَالِ وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا بِكَذَا وَنُهِينَا عَنْ كَذَا هَلْ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ عَلَى أَقْوَالٍ ثَالِثُهَا إِنْ أَضَافَهُ إِلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ وَإِلَّا فَلَا وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ فِيمَا إِذَا لَمْ يُضِفْهُ وَيَلْتَحِقُ بِهِ رَخَّصَ لَنَا فِي كَذَا وَعَزَمَ عَلَيْنَا أَنْ لَا نَفْعَلَ كَذَا كُلٌّ فِي الْحُكْمِ سَوَاءٌ فَمَنْ يَقُولُ إِنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ فَغَايَةُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَلَامٍ أَنَّهُ رَوَى بِالْمَعْنَى لَكِنْ قَالَ الطحاوي إن قول بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ لَمْ يُرَخَّصْ أَخَذَاهُ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ لِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْحَجِّ يَعُمُّ مَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَمَا بَعْدَهُ فَيَدْخُلُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ بَلْ هُوَ بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ مِنْهُمَا عَمَّا فَهِمَا مِنْ عُمُومِ الْآيَةِ وَقَدْ ثَبَتَ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ عَامٌّ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ وَغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا فَقَدْ تَعَارَضَ عُمُومُ الْآيَةِ الْمُشْعِرُ بِالْإِذْنِ وَعُمُومُ الْحَدِيثِ الْمُشْعِرُ بِالنَّهْيِ وَفِي تَخْصِيصِ عُمُومِ الْمُتَوَاتِرِ بِعُمُومِ الْآحَادِ نَظَرٌ لَوْ كَانَ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا فَكَيْفَ وَفِي كَوْنِهِ مَرْفُوعًا نَظَرٌ فَعَلَى هَذَا يَتَرَجَّحُ الْقَوْلُ بِالْجَوَازِ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ الْبُخَارِيُّ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي

باب ما جاء في التلبية

13 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّلْبِيَةِ) [825] قَوْلُهُ (لَبَّيْكَ) هِيَ مَصْدَرُ لَبَّى أَيْ قَالَ لَبَّيْكَ وَلَا يكون عامله إلا مضمرا أي ألبيت يَا رَبِّ بِخِدْمَتِكَ إِلْبَابًا بَعْدَ إِلْبَابٍ مَنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ أَقَامَ بِهِ أَيْ أَقَمْتُ عَلَى طَاعَتِكَ إِقَامَةً بَعْدَ إِقَامَةٍ وَقِيلَ أَجَبْتُ دَعْوَتَكَ إِجَابَةً بَعْدَ إِجَابَةٍ وَالْمُرَادُ بِالتَّثْنِيَةِ التَّكْثِيرُ كَقَوْلِهِ تعالى فارجع البصر كرتين أَيْ كَرَّةً بَعْدَ كَرَّةٍ وَحَذَفَ الزَّوَائِدَ لِلتَّخْفِيفِ وحذف النون للإضافة قاله القارىء وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَعَنِ الْفَرَّاءِ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ وَأَصْلُهُ لَبًّا لَك فَثَنَّى عَلَى التَّأْكِيدِ أَيْ إِلْبَابًا بَعْدَ إِلْبَابٍ وَهَذِهِ التَّثْنِيَةُ لَيْسَتْ حَقِيقِيَّةً بَلْ هِيَ لِلتَّكْثِيرِ أَوِ الْمُبَالَغَةِ وَمَعْنَاهُ إِجَابَةٌ بَعْدَ إِجَابَةٍ أَوْ إِجَابَةٌ لَازِمَةٌ وَقِيلَ مَعْنَى لَبَّيْكَ اتِّجَاهِي وَقَصْدِي إِلَيْكَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تُلِبُّ دَارَكَ أَيْ تُوَاجِهُهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ لَبَّ الرَّجُلُ بِالْمَكَانِ إِذَا أَقَامَ وَقِيلَ قُرْبًا مِنْكَ مِنَ الْإِلْبَابِ وَهُوَ الْقُرْبُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَشْهَرُ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ مُسْتَجِيبٌ لِدُعَاءِ اللَّهِ إِيَّاهُ فِي حَجِّ بَيْتِهِ وَلِهَذَا مَنْ دعا فقال لبيك فقد استجاب وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَى التَّلْبِيَةِ إِجَابَةُ دَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ حِينَ أَذَّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ انْتَهَى وَهَذَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ بن حميد وبن جرير وبن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن بن عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ وَالْأَسَانِيدُ إِلَيْهِمْ قَوِيَّةٌ وَأَقْوَى مَا فِيهِ عَنِ بن عَبَّاسٍ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي مسنده وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانِ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ قَالَ لَمَّا فَرَغَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ بِنَاءِ الْبَيْتِ قِيلَ لَهُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ قَالَ رَبِّ وَمَا يَبْلُغُ صَوْتِي قَالَ أَذِّنْ وَعَلَيَّ الْبَلَاغُ قَالَ فَنَادَى إِبْرَاهِيمُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمِ الْحَجُّ إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ فَسَمِعَهُ مَنْ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَفَلَا تَرَوْنَ أَنَّ النَّاسَ يَجِيئُونَ مِنْ أَقْصَى الْأَرْضِ يُلَبُّونَ وَمِنْ طَرِيقِ بن جريج عن عطاء عن بن عَبَّاسٍ وَفِيهِ فَأَجَابُوهُ بِالتَّلْبِيَةِ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَأَرْحَامِ النِّسَاءِ وَأَوَّلُ مَنْ أَجَابَهُ أَهْلُ الْيَمَنِ فَلَيْسَ حَاجٌّ يَحُجُّ مِنْ يَوْمِئِذٍ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ إِلَّا مَنْ كَانَ أَجَابَ إِبْرَاهِيمَ يَوْمَئِذٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا (إِنَّ

الْحَمْدَ) رُوِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَبِفَتْحِهَا عَلَى التَّعْلِيلِ وَالْكَسْرُ أَجْوَدُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ ثَعْلَبٌ لِأَنَّ مَنْ كَسَرَ جَعَلَ مَعْنَاهُ إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمَنْ فَتَحَ قَالَ مَعْنَاهُ لَبَّيْكَ بِهَذَا السَّبَبِ (وَالْمُلْكَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى الْحَمْدِ وَلِذَا يُسْتَحَبُّ الْوَقْفُ عِنْدَ قَوْلِهِ الْمُلْكَ وَيُبْتَدَأُ بِقَوْلِهِ (لَا شَرِيكَ لَك) أَيْ فِي اسْتِحْقَاقِ الْحَمْدِ وَإِيصَالِ النِّعْمَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُلْكُ مَرْفُوعًا وَخَبَرُهُ لَا شَرِيكَ لَكَ أَيْ فِيهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْمُلْكُ بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَتَقْدِيرُهُ وَالْمُلْكُ كَذَلِكَ [826] قَوْلُهُ (أَهَلَّ فَانْطَلَقَ يُهِلُّ يَقُولُ لَبَّيْكَ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ أَيْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ فَانْطَلَقَ يُهِلُّ أَيْ فَشَرَعَ يُهِلُّ أَيْ ذَهَبَ حَالَ كَوْنِهِ يُهِلُّ وَقَوْلُهُ يَقُولُ لَبَّيْكَ بَيَانٌ لِيُهِلَّ انْتَهَى وَالْمُرَادُ مِنَ الْإِهْلَالِ رَفْعُ الصَّوْتِ (قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) الْقَائِلُ هُوَ نَافِعٌ (فِي أَثَرِ تَلْبِيَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ فِي عَقِبِهَا وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ خَرَجَ فِي إِثْرِهِ وَأَثَرِهِ بَعْدَهُ (وَسَعْدَيْكَ) قَالَ الْقَاضِي إِعْرَابُهَا وَتَثْنِيَتُهَا كَمَا فِي لَبَّيْكَ وَمَعْنَاهُ مُسَاعَدَةٌ لِطَاعَتِكَ بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ (وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْك) أَيِ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِ اللَّهِ تعالى ومن فضله (والرغبى إِلَيْك) قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمَازِرِيُّ يُرْوَى بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ وَبِضَمِّ الرَّاءِ مَعَ الْقَصْرِ وَنَظِيرُهُ العلياء والعليا ومعناه ها هنا الطَّلَبُ وَالْمَسْأَلَةُ إِلَى مَنْ بِيَدِهِ الْخَيْرُ (وَالْعَمَلُ) عطف على الرغبي قَالَ الطِّيبِيُّ وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ مِنَّتُهُ إِلَيْكَ إِذْ هو المقصود منه انتهى قال القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّ التَّقْدِيرَ وَالْعَمَلَ لَكَ أَيْ لِوَجْهِكَ وَرِضَاكَ أَوِ الْعَمَلُ بِكَ أَيْ بِأَمْرِكَ وَتَوْفِيقِكَ أَوِ الْمَعْنَى أَمْرُ الْعَمَلِ رَاجِعٌ إِلَيْكَ فِي الرَّدِّ وَالْقَبُولِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَظْهَرُ عِنْدِي هُوَ مَا قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن ماجه (وعائشة) أخرجه البخاري (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أحمد وبن ماجه والنسائي

قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إلخ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَ بن عمر وبن مسعود وعائشة وجابر وعمرو بن معد يكرب أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا عَلَى هَذِهِ التَّلْبِيَةِ غَيْرَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا مِنَ الذِّكْرِ لِلَّهِ مَا أَحَبَّ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ عَلَى مَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ كما في حديث معد يكرب ثُمَّ فَعَلَهُ هُوَ وَلَمْ يَقُلْ لَبُّوا بِمَا شِئْتُمْ مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِ هَذَا بَلْ عَلَّمَهُمْ كَمَا عَلَّمَهُمُ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ فَكَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَعَدَّى فِي ذَلِكَ شَيْئًا مِمَّا عَلَّمَهُ ثُمَّ أَخْرَجَ حَدِيثَ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لَبَّيْكَ ذَا الْمَعَارِجِ فَقَالَ إِنَّهُ لذو المعارج وماه هَكَذَا نُلَبِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَهَذَا سَعْدٌ قَدْ كَرِهَ الزِّيَادَةَ فِي التَّلْبِيَةِ وَبِهِ نَأْخُذُ انْتَهَى قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ مِنَ الْكَرَاهَةِ أَنْ يَزِيدَ الرَّجُلُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ عَلَى التَّلْبِيَةِ الْمَأْثُورَةِ بِقَرِينَةِ ذِكْرِهِ قَبْلَ هَذَا الْقَوْلِ وَلَا بَأْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَزِيدَ فِيهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تعالى ما أحب وهو قول محمدا أَوْ أَرَادَ الزِّيَادَةَ فِي خِلَالِ التَّلْبِيَةِ الْمَسْنُونَةِ فَإِنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا إِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ قَالَ صَاحِبُ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ هَذَا بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِهَا أَمَّا فِي خِلَالِهَا فَلَا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى التَّلْبِيَةِ الْمَرْفُوعَةِ أَفْضَلُ لِمُدَاوَمَتِهِ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ وَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَبِهِ صَرَّحَ أشهب وحكى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ مَالِكٍ الْكَرَاهَةَ قَالَ وَهُوَ أحد قولي الشافعي وقال الشيخ أبو الحامد حَكَى أَهْلُ الْعِرَاقِ عَنِ الشَّافِعِيِّ يَعْنِي فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ كَرِهَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَرْفُوعِ وَغَلِطُوا بَلْ لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ فَإِنْ زَادَ فِي التَّلْبِيَةِ شَيْئًا مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ فَلَا بَأْسَ وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وذلك أن بن عُمَرَ حَفِظَ التَّلْبِيَةَ عَنْهُ ثُمَّ زَادَ مِنْ قِبَلِهِ زِيَادَةً انْتَهَى

باب ما جاء في فضل التلبية والنحر

14 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ التَّلْبِيَةِ وَالنَّحْرِ) [827] قوله (أخبرنا بن أَبِي فُدَيْكٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ مُصَغَّرًا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ صَدُوقٌ مِنْ صِغَارِ الثَّامِنَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (أَيُّ الْحَجِّ) أَيُّ أَعْمَالِهِ أَوْ خِصَالِهِ بَعْدَ أَرْكَانِهِ (أَفْضَلُ) أَيْ أَكْثَرُ ثَوَابًا قَوْلُهُ (الْعَجُّ وَالثَّجُّ) بِتَشْدِيدِهِمَا وَالْأَوَّلُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّانِي سَيَلَانُ دِمَاءِ الْهَدْيِ وَقِيلَ دِمَاءُ الْأَضَاحِيِّ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ عَنْ نَفْسِ الْحَجِّ وَيَكُونَ الْمُرَادُ مَا فِيهِ الْعَجُّ وَالثَّجُّ وَقِيلَ عَلَى هَذَا يُرَادُ بِهِمَا الِاسْتِيعَابُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلَهُ الَّذِي هُوَ الْإِحْرَامُ وَآخِرَهُ الَّذِي هُوَ التَّحَلُّلُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ اقْتِصَارًا بِالْمَبْدَأِ وَالْمُنْتَهَى عَنْ سَائِرِ الْأَفْعَالِ أَيِ الَّذِي اسْتَوْعَبَ جَمِيعَ أَعْمَالِهِ مِنَ الْأَرْكَانِ وَالْمَنْدُوبَاتِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَسَيَجِيءُ تَفْسِيرُ الْعَجِّ وَالثَّجِّ عَنِ التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا [828] قَوْلُهُ (عَنْ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُخَفَّفَةً (بْنُ غَزِيَّةَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ ثقيلة بن الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيُّ الْمَازِنِيُّ الْمَدَنِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ قَوْلُهُ (إِلَّا لَبَّى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ) كَلِمَةُ مَنْ بِالْفَتْحِ مَوْصُولَةٌ (مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ) مِنْ بَيَانُ مَنْ قَالَ الطِّيبِيُّ لَمَّا نَسَبَ التَّلْبِيَةَ إِلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَبَّرَ عَنْهَا بِمَا يُعَبِّرُ عَنْ أُولِي الْعَقْلِ انْتَهَى والمدر هو الطين المستحجر (حتى ينقضي الأرض) أي تنتهي (من ها هنا وههنا) إِشَارَةً إِلَى الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَالْغَايَةُ مَحْذُوفَةٌ أَيْ إِلَى مُنْتَهَى الْأَرْضِ كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ

[828] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبِيدَةُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (بْنُ حُمَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ الْكُوفِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَعْرُوفُ بِالْحَذَّاءِ صَدُوقٌ نَحْوِيٌّ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عمر) أخرجه بن مَاجَهْ وَفِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ الْخُوزِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وذكر فيه بن مَاجَهِ التَّفْسِيرَ عَنْ وَكِيعٍ بِلَفْظِ الْعَجُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّجُّ إِرَاقَةُ الدَّمِ (وَجَابِرٍ) أَخَرَجَهُ أَبُو الْقَاسِمِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَرِوَايَةُ مَتْرُوكٍ وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ كَذَا فِي النَّيْلِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ بن مسعود رضي الله عنه رواه بن المقرئ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى قَوْلُهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ أَيْضًا وَحَكَى الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عبد الرحم ن بْنِ يَرْبُوعٍ) فَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ مُنْقَطِعٌ (وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عبد الرحم ن بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِيهِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ) وأما هَذَا الْحَدِيثُ فَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ وَلَمْ يَذْكُرْ وَاسِطَةَ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ الطَّحَّانُ ضِرَارُ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَخِفَّةِ الرَّاءِ (بْنُ صُرَدَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ وَخَطَأٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ وَكَانَ عَارِفًا بِالْفَرَائِضِ مِنَ الْعَاشِرَةِ (وَأَخْطَأَ فِيهِ ضِرَارٌ) فَإِنَّهُ ذَكَرَ وَاسِطَةَ سَعِيدٍ بَيْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ (قَالَ

باب ما جاء في رفع الصوت بالتلبية

وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ) أَيْ قَالَ أَبُو عِيسَى وسمعت محمد الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ (ذَكَرْتُ لَهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَذَكَرْتُ لَهُ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَيْ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ وَالْحَالُ أَنِّي قَدْ ذكرت له حديث ضرار (ورأيته) أي محمد الْبُخَارِيَّ (يُضَعِّفُ ضِرَارَ بْنَ صُرَدَ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ ضِرَارِ بْنِ صُرَدَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مَتْرُوكٌ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ كَذَّابَانِ بِالْكُوفَةِ هَذَا وأبو نعيم النخعي بن عَدِيٍّ قَوْلُهُ (وَالثَّجُّ هُوَ نَحْرُ الْبُدْنِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ الْبَدَنَةِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ الْبَدَنَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ اللُّغَةِ وبعض الفقهاء الواحدة من الابل والبقرة وَالْغَنَمِ وَخَصَّهَا جَمَاعَةٌ بِالْإِبِلِ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي حَدِيثِ تَبْكِيرِ الْجُمُعَةِ انْتَهَى 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ) [829] قَوْلُهُ (فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي) أَمْرُ نَدْبٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَوُجُوبٍ عند الظاهرية (وبالإهلال أَوْ بِالتَّلْبِيَةِ) الْمُرَادُ بِالْإِهْلَالِ التَّلْبِيَةُ عَلَى طَرِيقِ التَّجْرِيدِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَكَلِمَةُ أَوْ لِلشَّكِّ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الجمهور وروى

الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ الظُّهْرَ أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين وسمعتهم يصرحون بهما جميعا وروى بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عبد الله المزني قال كنت مع بن عُمَرَ فَلَبَّى حَتَّى أَسْمَعَ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ حَتَّى تُبَحَّ أَصْوَاتُهُمْ كَذَا فِي فَتْحِ الباري قال بن الْهُمَامِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ سُنَّةٌ فَإِنْ تَرَكَهُ كَانَ مُسِيئًا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا يُبَالِغْ فيه فيجهد نفسه كيلا يَتَضَرَّرَ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِنَا لَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ بِشِدَّةِ رَفْعِ الصَّوْتِ وَبَيْنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الصَّوْتِ بِشِدَّةٍ إِذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْإِجْهَادِ إِذْ قَدْ يَكُونُ الرَّجُلُ جَهُورِيَّ الصَّوْتِ عَالِيَهُ طَبْعًا فَيَحْصُلُ الرَّفْعُ الْعَالِي مَعَ عَدَمِ تَعَبِهِ بِهِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَذَهَبَ دَاوُدُ إِلَى أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ وَاجِبٌ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَأَمَرَنِي أَنْ امر أصحابي لاسيما وَأَفْعَالُ الْحَجِّ وَأَقْوَالُهُ بَيَانٌ لِمُجْمَلِ وَاجِبٍ هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البيت وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ انْتَهَى وَقَالَ فِيهِ وَخَرَجَ بِقَوْلُهُ أَصْحَابِي النِّسَاءُ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَجْهَرُ بِهَا بَلْ تَقْتَصِرُ عَلَى إِسْمَاعِ نَفْسِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ خَلَّادٍ عَنْ أَبِيهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ عنه وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحُوهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ) أخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ مُرْ أَصْحَابَكَ فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ فَإِنَّهَا مِنْ شعار الحج (وأبي هريرة) أخرجه الحاكم (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ

باب ما جاء في الاغتسال عند الاحرام

16 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الِاغْتِسَالِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ) [830] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْقُوبَ الْمَدَنِيُّ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ لَا أَعْرِفُهُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولُ الْحَالِ قَوْلُهُ (تَجَرَّدَ) أَيْ عَنِ الْمَخِيطِ وَلَبِسَ إِزَارًا وَرِدَاءً قَالَهُ القارىء (لِإِهْلَالِهِ) أَيْ لِإِحْرَامِهِ (وَاغْتَسَلَ) أَيْ لِلْإِحْرَامِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ وَقَالَ النَّاصِرُ إِنَّهُ وَاجِبٌ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ مُحْتَمَلٌ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ الْعُقَيْلِيُّ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَلَعَلَّ الضَّعْفَ لِأَنَّ فِي رِجَالِ إِسْنَادِهِ عبد الله بن يعقوب المدني قال بن الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ جَوَابًا عَلَى مَنْ أَنْكَرَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ تَحْسِينَ الْحَدِيثِ لَعَلَّهُ إِنَّمَا حَسَّنَهُ لِأَنَّهُ عَرَفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَعْقُوبَ الَّذِي فِي إِسْنَادِهِ أَيْ عُرِفَ حَالُهُ قَالَ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ لِأَهْلِ الْآفَاقِ) [831] قَوْلُهُ (مِنْ أَيْنَ نُهِلُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ) أَصْلُ الْإِهْلَالِ رَفْعُ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُمْ كانوا يرفعون

أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى نَفْسِ الْإِحْرَامِ اتِّسَاعًا (فَقَالَ يُهِلُّ) أَيْ يُحْرِمُ (أَهْلُ الْمَدِينَةِ) أَيْ مَدِينَتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ مُصَغَّرًا مَكَانٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مِائَتَا مِيلٍ غَيْرَ ميلين قاله بن حَزْمٍ وَقَالَ غَيْرُهُ بَيْنَهُمَا عَشْرُ مَرَاحِلَ قَالَ النَّوَوِيُّ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَبِهَا مَسْجِدٌ يُعْرَفُ بِمَسْجِدِ الشَّجَرَةِ خَرَابٌ وَبِهَا بِئْرٌ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ عَلِيٍّ (وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَهِيَ قَرْيَةٌ خَرِبَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ خَمْسُ مَرَاحِلَ أَوْ سِتَّةٌ وَسُمِّيَتِ الْجُحْفَةَ لِأَنَّ السَّيْلَ أَجْحَفَ بِهَا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَلِأَهْلِ الشام ومصر الجحفة والمقام الذي يحرم الْمِصْرِيُّونَ الْآنَ رَابِغٌ بِوَزْنِ فَاعِلٍ بِرَاءٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ قَرِيبٌ مِنَ الْجُحْفَةِ كَذَا فِي فتح الباري وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ كَانَ اسْمُ الْجُحْفَةِ مَهْيَعَةَ فَأَجْحَفَ السَّيْلُ بِأَهْلِهَا فَسُمِّيَتْ جُحْفَةً يُقَالُ أَجْحَفَ بِهِ إِذَا ذَهَبَ بِهِ وَسَيْلٌ جِحَافٌ إِذَا جَرَفَ الْأَرْضَ وَذَهَبَ بِهِ وَالْآنَ مَشْهُورٌ بِرَابِغٍ انْتَهَى (وَأَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ اسْمُ مَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ قَرْنُ الْمَنَازِلِ أَيْضًا قَالَ النَّوَوِيُّ وَقَرْنُ الْمَنَازِلِ عَلَى نَحْوِ مرحلتين من مكة قالوا أو هو أَقْرَبُ الْمَوَاقِيتِ إِلَى مَكَّةَ (وَأَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَاللَّامِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا لَامٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ مِيمٌ مَكَانٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ بَيْنَهُمَا ثَلَاثُونَ مِيلًا وَيُقَالُ لَهُ أَلَمْلَمُ بِالْهَمْزَةِ وَهُوَ الْأَصْلُ وَالْيَاءُ تَسْهِيلٌ لَهَا تَنْبِيهٌ قَالَ الْحَافِظُ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ ذُو الْحُلَيْفَةِ مِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنْ تُعَظَّمَ أُجُورُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ رِفْقًا بِأَهْلِ الْآفَاقِ لِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَقْرَبُ الْآفَاقِ إِلَى مَكَّةَ أَيْ مِمَّنْ لَهُ مِيقَاتٌ مُعَيَّنٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أخرجه إسحاق بن رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ وَلِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ وَفِي سَنَدِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ

[832] قَوْلُهُ (وَقَّتَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ الْعَقِيقَ) وَهُوَ مَوْضِعٌ بِحِذَاءِ ذَاتِ الْعِرْقِ مِمَّا وَرَاءَهُ وَقِيلَ دَاخِلٌ فِي حَدِّ ذَاتِ الْعِرْقِ وَأَصْلُهُ كُلُّ مَسِيلٍ شَقَّهُ السَّيْلُ فَوَسَّعَهُ مِنَ الْعَقِّ وَهُوَ الْقَطْعُ وَالشَّقُّ وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْمَشْرِقِ مَنْ مَنْزِلُهُ خَارِجَ الْحَرَمِ مِنْ شَرْقِيِّ مَكَّةَ إِلَى أَقْصَى بِلَادِ الشَّرْقِ وَهُمُ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمَعْنَى حَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَيَّنَ لِإِحْرَامِ أَهْلِ المشرق العقيق قوله (هذا حديث حسن) قال الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَفِي إِسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَنِ الْمَهْلِ فَقَالَ سَمِعْتُ أَحْسَبُهُ رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَهَلُّ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَالطَّرِيقُ الْأُخْرَى الْجُحْفَةُ وَمَهَلُّ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ الْحَدِيثَ فَيَثْبُتُ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّ مِيقَاتَ أَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَيَثْبُتُ مِنْ حَدِيثِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ الْعَقِيقُ فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ حَفِظَهُ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا إِنَّ ذَاتَ عِرْقٍ مِيقَاتُ الْوُجُوبِ وَالْعَقِيقَ مِيقَاتُ الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهُ مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ وَمِنْهَا أَنَّ الْعَقِيقَ مِيقَاتُ بَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُمْ أَهْلُ الْمَدَائِنِ وَالْآخَرُ مِيقَاتٌ لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ وَقَعَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ لِأَنَسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَمِنْهَا أَنَّ ذَاتَ عِرْقٍ كَانَتْ أَوَّلًا فِي مَوْضِعِ الْعَقِيقِ الْآنَ ثُمَّ حُوِّلَتْ وَقُرِّبَتْ إِلَى مَكَّةَ فَذَاتُ عِرْقٍ وَالْعَقِيقُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَيَتَعَيَّنُ الْإِحْرَامُ مِنَ الْعَقِيقِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَإِنَّمَا قَالُوا يُسْتَحَبُّ احْتِيَاطًا انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا فُتِحَ هَذَانِ الْمِصْرَانِ أَتَوْا عُمَرَ فَقَالُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّ لِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنًا وَهُوَ جَوْرٌ عن طريقتنا وإنا إن أردنا قرن شَقَّ عَلَيْنَا قَالَ فَانْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ فَحَدَّ لَهُمْ ذَاتَ عِرْقٍ انْتَهَى وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَيْنِ الْمِصْرَيْنِ الْكُوفَةُ وَالْبَصْرَةُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شراح البخاري وهما سرتا

باب ما جاء في ما لا يجوز للمحرم لبسه بضم

العراق فحديث بن عُمَرَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ وَحَدِيثُ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا صَارَتْ مِيقَاتَهُمْ بِتَوْقِيتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ قُلْتُ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ فَاجْتَهَدَ فِيهِ فَأَصَابَ وَوَافَقَ السُّنَّةَ فَإِنْ قلت قال بن خُزَيْمَةَ رُوِيَتْ فِي ذَاتِ عِرْقٍ أَخْبَارٌ لَا يَثْبُتُ مِنْهَا شَيْءٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَالَ بن الْمُنْذِرِ لَمْ نَجِدْ فِي ذَاتِ عِرْقٍ حَدِيثًا ثَابِتًا وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فِي رَفْعِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَوْقِيتَ ذَاتِ عِرْقٍ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ بِاجْتِهَادِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْحَدِيثُ بِمَجْمُوعِ الطُّرُقِ يَقْوَى وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَقَدْ أخرجه أحمد في رواية بن لهيعة وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ فَلَمْ يشكا في رفعه 8 - (باب ما جاء في ما لا يجوز للمحرم لبسه بضم) اللام [833] قَوْلُهُ (مَاذَا تَأْمُرُنَا أَنْ نَلْبَسَ) مِنْ لَبِسَ بكسر الباء بفتحها لُبْسًا بِضَمِّ اللَّامِ لَا مِنْ لَبَسَ بِفَتْحِ الْبَاءِ يَلْبِسُ بِكَسْرِهَا لَبْسًا بِالْفَتْحِ فَإِنَّهُ بِمَعْنَى الْخَلْطِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بالباطل فِي الْحُرْمِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ فِي الْإِحْرَامِ (لَا تَلْبَسِ الْقَمِيصَ) قَالَ الطِّيبِيُّ بما يَحْرُمُ لُبْسُهُ لِأَنَّهُ مُنْحَصِرٌ (وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ) جَمْعٌ أَوْ جَمْعُ الْجَمْعِ (وَلَا الْبَرَانِسَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ النُّونِ جَمْعُ الْبُرْنُسِ بِضَمِّهِمَا قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هُوَ كُلُّ ثَوْبٍ رَأْسُهُ مِنْهُ مُلْتَزِقٌ بِهِ مِنْ دُرَّاعَةٍ أَوْ جُبَّةٍ أَوْ مِمْطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ قَلَنْسُوَةٌ طَوِيلَةٌ كَانَ النُّسَّاكُ يَلْبَسُونَهَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْبِرْسِ بِكَسْرِ الْبَاءِ الْقُطْنُ وَالنُّونُ زَائِدَةٌ وَقِيلَ إِنَّهُ غَيْرُ عَرَبِيٍّ انْتَهَى كَلَامُ الْجَزَرِيِّ (وَلَا الْعَمَائِمَ) جَمْعُ الْعِمَامَةِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ (وَلَا الْخِفَافَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ جَمْعُ الْخُفِّ (فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين قال الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ كَشْفُ الْكَعْبَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ عِنْدَ مَفْصِلِ السَّاقِ

والقدم ويؤيده ما روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ جَرِيرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ إِذَا اضْطُرَّ الْمُحْرِمُ إِلَى الْخُفَّيْنِ خَرَقَ ظُهُورَهُمَا وَتَرَكَ فِيهِمَا قَدْرَ مَا يَسْتَمْسِكُ رِجْلَاهُ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ الْكَعْبُ هُنَا هُوَ الْعَظْمُ الَّذِي فِي وَسَطِ الْقَدَمِ عِنْدَ مَعْقِدِ الشِّرَاكِ وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقِيلَ إِنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَنَّ السَّبَبَ فِي نَقْلِهِ عَنْهُ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيَّ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي مَسْأَلَةِ الْمُحْرِمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ حَيْثُ يَقْطَعُ خُفَّيْهِ فَأَشَارَ مُحَمَّدٌ بِيَدِهِ إِلَى مَوْضِعِ الْقَطْعِ وَنَقَلَهُ هِشَامُ إِلَى غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الطَّهَارَةِ قَالَ وَنُقِلَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِيَّةِ أَنَّ الْكَعْبَ عَظْمٌ مُسْتَدِيرٌ تَحْتَ عَظْمِ السَّاقِ حَيْثُ مَفْصِلِ السَّاقِ وَالْقَدَمِ وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ فِي كُلِّ قَدَمٍ كَعْبَيْنِ قَالَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ لَبِسَهُمَا إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ تَجِبُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْقَطْعِ خِلَافًا لِلْمَشْهُورِ عَنْ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ أَجَازَ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ من غير قطع لإطلاق حديث بن عَبَّاسٍ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ مُوَافِقٌ عَلَى قَاعِدَةِ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بِهَا هُنَا انْتَهَى (مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ) لِمَا فِيهِ مِنَ الطِّيبِ (وَلَا الْوَرْسُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ نَبْتٌ أَصْفَرُ طَيِّبُ الرِّيحِ يُصْبَغُ بِهِ (وَلَا تَنْتَقِبِ الْمَرْأَةُ الْحَرَامُ) أَيِ الْمُحْرِمَةُ أَيْ لَا تَسْتُرْ وَجْهَهَا بِالْبُرْقُعِ وَالنِّقَابِ (وَلَا تَلْبَسِ الْقُفَّازَيْنِ) القفاز يضم الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ شَيْءٌ تَلْبَسُهُ نِسَاءُ الْعَرَبِ فِي أَيْدِيهِنَّ يُغَطِّي الْأَصَابِعَ وَالْكَفَّ وَالسَّاعِدَ مِنَ الْبَرْدِ وَيَكُونُ فِيهِ قُطْنٌ مَحْشُوٌّ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَقِيلَ يَكُونُ لَهُ أَزْرَارٌ يَزِرُّ عَلَى السَّاعِدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ عِيَاضٌ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ لَا يَلْبَسُهُ الْمُحْرِمُ وَأَنَّهُ نَبَّهَ بِالْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ عَلَى كُلِّ مَخِيطٍ وَبِالْعَمَائِمِ وَالْبَرَانِسِ عَلَى كُلِّ مَا يُغَطِّي الرَّأْسَ بِهِ مَخِيطًا أَوْ غَيْرَهُ وَبِالْخِفَافِ عَلَى كُلِّ مَا يَسْتُرُ الرجل انتهى وقال بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ لُبْسَ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا تَشْتَرِكُ مَعَ الرَّجُلِ فِي مَنْعِ الثَّوْبِ الَّذِي مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوِ الْوَرْسُ انتهى

باب ما جاء في لبس السراويل والخفين للمحرم

19 - (بَاب مَا جَاءَ فِي لُبْسِ السَّرَاوِيلِ وَالْخُفَّيْنِ لِلْمُحْرِمِ) إِذَا لَمْ يَجِدْ الْإِزَارَ وَالنَّعْلَيْنِ [834] قَوْلُهُ (وَإِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ) اسْتُدِلَّ بِهِ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ عَلَى إِجَازَتِهِ لُبْسَ الْخُفَّيْنِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ وحديث بن عُمَرَ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَجَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ) قَالَ أَحْمَدُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ لُبْسُ الْخُفَّيْنِ مِنْ غَيْرِ قَطْعٍ إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ وَاسْتَدَلَّ بِإِطْلَاقِ حديث بن عباس وجابر وقد عرفت أن حديث بن عُمَرَ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّ الْقَطْعَ فَسَادٌ وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَرُدَّ بِأَنَّ الْفَسَادَ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ لَا فِيمَا أَذِنَ فِيهِ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِالْقِيَاسِ عَلَى السَّرَاوِيلِ وأجيب بِأَنَّ الْقِيَاسَ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ

باب ما جاء في الذي يحرم عليه قميص أو جبة

قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَاسْتَدَلُّوا بحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الْحَقُّ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَالزِّيَادَةُ مِنَ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي لَابِسِ الْخُفَّيْنِ لِعَدَمِ النَّعْلَيْنِ هَلْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ أَمْ لَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ لَبِسَهُمَا إِذَا لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ تَجِبُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لَبَيَّنَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْحَاجَةِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْهُ لَا يَجُوزُ انْتَهَى 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الَّذِي يُحْرِمُ عليه قَمِيصٌ أَوْ جُبَّةٌ) [835] قَوْلُهُ (فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْزِعَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ اخْلَعْ جُبَّتَكَ فَخَلَعَهَا مِنْ رَأْسِهِ وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الْمُحْرِمِ يَنْزِعُ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَخِيطِ مِنْ قَمِيصٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ تَمْزِيقُهُ وَلَا شَقُّهُ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ لَا يَنْزِعُهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ لِئَلَّا يَصِيرَ مُغَطِّيًا لرأسه أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمَا وَعَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ وَكَذَا عَنِ الْحَسَنِ وَأَبِي قِلَابَةَ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَةُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ [836] قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ) أَيْ رواية بن أَبِي عُمَرَ بِزِيَادَةِ صَفْوَانَ بَيْنَ عَطَاءٍ وَيَعْلَى أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى أَنَّ يَعْلَى قَالَ

باب ما يقتل المحرم من الدواب

لِعُمَرَ أَرِنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يُوحَى إِلَيْهِ قَالَ فَبَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَهُوَ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاعَةً فَجَاءَهُ الْوَحْيُ فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى يَعْلَى فَجَاءَ يَعْلَى وَعَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ فَأَدْخَلَ رَأْسَهُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْمَرُّ الْوَجْهِ وَهُوَ يَغِطُّ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ أَيْنَ الَّذِي سَأَلَ عَنِ الْعُمْرَةِ فَقَالَ اغْسِلِ الطِّيبَ الَّذِي بِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَانْزِعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ انْتَهَى (وَهَكَذَا رَوَى قَتَادَةُ وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ) أَيْ بِعَدَمِ ذِكْرِ صَفْوَانَ بَيْنَ عَطَاءٍ وَيَعْلَى وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 1 - (بَاب مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ) [837] قَوْلُهُ (خَمْسٌ) بِالتَّنْوِينِ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ (فَوَاسِقُ) صِفَتُهُ جَمْعُ فَاسِقَةٍ وَفِسْقُهُنَّ خُبْثُهُنَّ وَكَثْرَةُ الضَّرَرِ مِنْهُنَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَصْلُ الْفُسُوقِ الْخُرُوجُ عَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَالْجَوْرُ وَبِهِ سُمِّيَ الْعَاصِي فَاسِقًا وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ هَذِهِ الْحَيَوَانَاتُ فَوَاسِقَ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ لِخُبْثِهِنَّ وَقِيلَ لِخُرُوجِهِنَّ عَنِ الْحُرْمَةِ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ أَيْ لَا حُرْمَةَ لَهُنَّ بِحَالٍ انْتَهَى قَالَ الطِّيبِيُّ وَرُوِيَ بِلَا تَنْوِينٍ مُضَافًا إِلَى فَوَاسِقَ قَالَ فِي الْمَفَاتِيحِ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ (يُقْتَلْنَ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ خَمْسٌ (فِي الْحَرَمِ) أَيْ فِي أَرْضِهِ (الْفَأْرَةُ) بِالْهَمْزَةِ وَتُبْدَلُ أَلِفًا أَيِ الْأَهْلِيَّةُ وَالْوَحْشِيَّةُ (وَالْعَقْرَبُ) وَفِي مَعْنَاهَا الْحَيَّةُ بَلْ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى (وَالْغُرَابُ) أَيِ الْأَبْقَعُ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَهُوَ الَّذِي فِي ظَهْرِهِ أَوْ بَطْنِهِ بَيَاضٌ (وَالْحُدَيَّا) تَصْغِيرُ حِدَأَةٍ عَلَى وَزْنِ عِنَبَةٍ قُلِبَتِ الْهَمْزَةُ بَعْدَ يَاءِ التَّصْغِيرِ يَاءً وَأُدْغِمَتْ يَاءُ التَّصْغِيرِ فِيهِ فَصَارَ حُدَيَّةً ثُمَّ حُذِفَتِ التَّاءُ وَعُوِّضَ عَنْهَا الْأَلِفُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى التَّأْنِيثِ أَيْضًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْكَلْبُ الْعَقُورُ هُوَ كُلُّ سَبُعٍ يَعْقِرُ أَيْ يَجْرَحُ وَيَقْتُلُ وَيَفْتَرِسُ كَالْأَسَدِ والنمر والذئب

سَمَّاهَا كَلْبًا لِاشْتِرَاكِهَا فِي السَّبُعِيَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن مسعود وبن عمر وأبي هريرة وأبي سعيد وبن عباس) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ حَيَّةٍ وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عن نافع عن بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسٌ مِنَ الدَّوَابِّ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِي قَتْلِهِنَّ جُنَاحٌ الْعَقْرَبُ وَالْفَأْرَةُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ وَالْغُرَابُ وَالْحِدَأَةُ وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ بِنَحْوِهِ زَادَ فِيهِ مُسْلِمٌ وَالْحَيَّةُ وَزَادَ فِيهِ قَالَ وَفِي الصَّلَاةِ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مَعَانِي الْآثَارِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَكَتَ عَنْهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان [838] قوله (عن بن أَبِي نُعْمٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْبَجَلِيُّ أَبُو الْحَكَمِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ السَّبُعَ الْعَادِيَ) أَيِ الظَّالِمَ الَّذِي يَفْتَرِسُ النَّاسَ وَيَعْقِرُ فَكُلُّ مَا كَانَ هَذَا الْفِعْلُ نَعْتًا لَهُ مِنْ أَسَدٍ وَنَمِرٍ وَفَهْدٍ وَنَحْوِهَا فَحُكْمُهُ هَذَا الْحُكْمُ وَلَيْسَ عَلَى قَاتِلِهَا فِدْيَةٌ (وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ إلخ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الْحَيَّةُ وَالْعَقْرَبُ وَالْفُوَيْسِقَةُ وَيَرْمِي الْغُرَابَ وَلَا يَقْتُلُهُ وَالْكَلْبُ الْعَقُورُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْغُرَابَ الصَّغِيرَ الَّذِي يَأْكُلُ الْحَبَّ

باب الحجامة للمحرم

وَهُوَ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مَالِكٌ مِنْ جُمْلَةِ الْغِرْبَانِ انْتَهَى وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ وَالْغُرَابُ الْمَنْهِيُّ عَنْ قَتْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يُحْمَلُ عَلَى الَّذِي لَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيُحْمَلُ الْمَأْمُورُ بِقَتْلِهِ عَلَى الْأَبْقَعِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ انْتَهَى كلامه وأخرج النسائي وبن مَاجَهْ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا خَمْسٌ يَقْتُلُهُنَّ الْمُحْرِمُ الْحَيَّةُ وَالْفَأْرَةُ وَالْحِدَأَةُ وَالْغُرَابُ الْأَبْقَعُ وَالْكَلْبُ العقور انتهى ما في التخريج 2 - (باب الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ) أَيْ هَلْ يُمْنَعُ مِنْهَا أَوْ تُبَاحُ لَهُ مُطْلَقًا أَوْ لِلضَّرُورَةِ وَالْمُرَادُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْمَحْجُومُ لَا الْحَاجِمُ [839] قَوْلُهُ (احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ فِي رَأْسِهِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (وَهُوَ مُحْرِمٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) قَالَ احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ مِنْ وَجَعٍ كَانَ بِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي (وعبد الله بن بُحَيْنَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَجَابِرٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أخرجه قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْحِجَامَةِ لِلْمُحْرِمِ إلخ) قَالَ النَّوَوِيُّ إِذَا أَرَادَ الْمُحْرِمُ الْحِجَامَةَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَإِنْ تَضَمَّنَتْ قَطْعَ شَعْرٍ فَهِيَ حَرَامٌ لِقَطْعِ الشَّعْرِ وَإِنْ لَمْ تَتَضَمَّنْهُ جَازَتْ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَكَرِهَهَا مَالِكٌ وعن الحسن فيها الفدية وإن لَمْ يَقْطَعْ شَعْرًا وَإِنْ كَانَ

باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم

لِضَرُورَةٍ جَازَ قَطْعُ الشَّعْرِ وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ وَخَصَّ أَهْلُ الظَّاهِرِ الْفِدْيَةَ بِشَعْرِ الرَّأْسِ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الحديث على جواز الفصد ربط الْجُرْحِ وَالدُّمَّلِ وَقَطْعِ الْعِرْقِ وَقَلْعِ الضِّرْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّدَاوِي إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ ارْتِكَابُ مَا نُهِيَ عَنْهُ الْمُحْرِمُ مِنْ تَنَاوُلِ الطِّيبِ وَقَطْعِ الشَّعْرِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْفَتْحِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ تَزْوِيجِ الْمُحْرِمِ) [840] قَوْلُهُ (عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا الْعَبْدَرِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ من صغار الثالثة قوله (أراد بن معمر أن ينكح ابنه) بن مَعْمَرٍ هُوَ عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ وَاسْمُ ابْنِهِ طَلْحَةُ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (فَبَعَثَنِي) أَيْ أَرْسَلَنِي (إِلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ الْأُمَوِيِّ أَبِي سَعِيدٍ وَقِيلَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (وَهُوَ) أَيْ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ (أَمِيرُ الْمَوْسِمِ) أَيْ أَمِيرُ الْحُجَّاجِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ الْمَوْسِمُ هُوَ وَقْتٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْحَاجُّ كُلَّ سَنَةٍ وَهُوَ مَفْعِلٌ اسْمٌ لِلزَّمَانِ لِأَنَّهُ مَعْلَمٌ لَهُمْ وَسَمَهَ يَسِمُهُ وَسْمًا أَثَّرَ فِيهِ بِكَيٍّ انتهى (إن أخاك) يعني بن مَعْمَرٍ (فَأَحَبَّ أَنْ يُشْهِدَكَ ذَلِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَأَحَبَّ أَنْ تَحْضُرَ ذَلِكَ (لَا أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ لَا أَظُنُّ (إِلَّا أَعْرَابِيًّا جَافِيًا) قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ جَاهِلًا بِالسُّنَّةِ وَالْأَعْرَابِيُّ هُوَ سَاكِنُ الْبَادِيَةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ مَنْ بَدَا جَفَا أَيْ مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ غَلُظَ طَبْعُهُ لِقِلَّةِ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَالْجَفَا غِلَظُ الطَّبْعِ انْتَهَى (الْمُحْرِمَ لَا يَنْكِحُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ أَيْ لَا يَتَزَوَّجُ لِنَفْسِهِ امْرَأَةً (وَلَا يُنْكِحُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ أَيْ لَا يُزَوِّجُ الرَّجُلُ امْرَأَةً بِوَلَايَةٍ وَلَا بِوَكَالَةٍ (أَوْ كَمَا قَالَ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (ثُمَّ حَدَّثَ) أَيْ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ (عَنْ عُثْمَانَ مِثْلَهُ يَرْفَعُهُ) وَلَفْظُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَمَيْمُونَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ يَزِيدَ الْأَصَمِّ قَالَ حَدَّثَتْنِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ قَالَ كَانَتْ خالتي وخالة بن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُثْمَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَا يَرَوْنَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْمُحْرِمُ إلخ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدِي قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ لِحَدِيثِ عُثْمَانَ لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَجَابُوا عن حديث ميمونة يعني الذي رواه بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي الْوَاقِعَةِ كَيْفَ كَانَتْ وَلَا تَقُومُ بِهَا الْحُجَّةُ وَلِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ الْخُصُوصِيَّةَ فَكَأَنَّ الْحَدِيثَ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى بِأَنْ يُؤْخَذَ بِهِ انْتَهَى [841] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي رَافِعٍ) هُوَ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ إِبْرَاهِيمُ وَقِيلَ أَسْلَمُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ) بِنْتَ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَرِفَ سَنَةَ سَبْعٍ (وَبَنَى بِهَا) أَيْ دَخَلَ عَلَيْهَا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الزِّفَافِ (وَكُنْتُ أَنَا الرَّسُولَ) أَيِ الْوَاسِطَةَ

باب ما جاء في الرخصة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَلَالٌ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ صَاحِبُ مُنْتَقَى الْأَخْبَارِ رِوَايَةُ صَاحِبِ الْقِصَّةِ وَالسَّفِيرِ فِيهَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَخْبَرُ وَأَعْرَفُ بِهَا انْتَهَى 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ) فِي ذَلِكَ [842] قَوْلُهُ (تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ) وَلِلْبُخَارِيِّ تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلَالٌ وَمَاتَتْ بِسَرِفَ قَوْلُهُ (وفي الباب عن عائشة) أخرجه بن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهَا قَالَتْ تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ميمونة وهو محرم

قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ) وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وَأُجِيبَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ أكثر الصحابة ولم يروه كذلك إلا بن عَبَّاسٍ كَمَا قَالَ عِيَاضٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَثَانِيًا بأن حديث بن عَبَّاسٍ فِعْلٌ وَحَدِيثَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلٌ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ عِنْدَ تَعَارُضِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى الْغَيْرِ وَالْفِعْلُ قَدْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَثَالِثًا بِالْمُعَارَضَةِ بِرِوَايَةِ مَيْمُونَةَ نَفْسِهَا وَهِيَ صَاحِبَةُ الْقِصَّةِ وَكَذَلِكَ بِرِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ وَهُوَ السَّفِيرُ وَهُمَا أَخْبَرُ وَأَعْرَفُ بِهَا أَمَّا رِوَايَةُ مَيْمُونَةَ فَأَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَهِيَ رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ أَيْضًا وَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي رَافِعٍ فَأَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ كَمَا عَرَفْتُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ قُلْتُ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ طَوِيلٌ وَالرَّاجِحُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ فَإِنَّ حَدِيثَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ بيان قانون كلي للأمة وأما حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَفِيهِ حِكَايَةُ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ احْتِمَالَاتٌ مُتَطَرِّفَةٌ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [844] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَاخْتَلَفُوا فِي تَزْوِيجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ميمونة الخ

قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ذَكَرَ مُسْلِمٌ الِاخْتِلَافَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ أَوْ وَهُوَ حَلَالٌ فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي نِكَاحِ الْمُحْرِمِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ لَا يَصِحُّ نِكَاحُ الْمُحْرِمِ وَاعْتَمَدُوا أَحَادِيثَ الْبَابِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ يَصِحُّ نِكَاحُهُ لِحَدِيثِ قِصَّةِ مَيْمُونَةَ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ حَدِيثِ مَيْمُونَةَ بِأَجْوِبَةٍ أَصَحُّهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا تَزَوَّجَهَا حَلَالًا هَكَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ولم يروا أنه تزوجها محرما إلا بن عَبَّاسٍ وَحْدَهُ وَرَوَتْ مَيْمُونَةُ وَأَبُو رَافِعٍ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا حَلَالًا وَهُمْ أَعْرَفُ بِالْقَضِيَّةِ لِتَعَلُّقِهِمْ به بخلاف بن عباس ولأنهم أضبط من بن عباس وأكثر الجواب الثاني تأويل حديث بن عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي الْحَرَمِ وَهُوَ حَلَالٌ وَيُقَالُ لِمَنْ هُوَ فِي الْحَرَمِ مُحْرِمٌ وَإِنْ كَانَ حَلَالًا وَهِيَ لُغَةٌ شَائِعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ومنه البيت المشهور قتلوا بن عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا أَيْ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ تَعَارَضَ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ وَالصَّحِيحُ حِينَئِذٍ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ لِأَنَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى الْغَيْرِ وَالْفِعْلُ قَدْ يَكُونُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَالرَّابِعُ جَوَابُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ وَهُوَ مِمَّا خُصَّ بِهِ دُونَ الْأُمَّةِ وَهَذَا أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ حَرَامٌ فِي حَقِّهِ كَغَيْرِهِ وَلَيْسَ مِنَ الْخَصَائِصِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (ثُمَّ بَنَى بِهَا) أَيْ دَخَلَ بِهَا قَالَ في النهاية الابتناء والبناء الدُّخُولُ بِالزَّوْجَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَنَى عَلَيْهَا قُبَّةً لِيَدْخُلَ بِهَا فِيهَا فَيُقَالُ بَنَى الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ (بِسَرِفَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ مِنْ مَكَّةَ بِعَشْرِ أَمْيَالٍ وَقِيلَ أَقَلَّ وَقِيلَ أَكْثَرَ (وَمَاتَتْ مَيْمُونَةُ بِسَرِفَ) سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَهُ الْحَافِظُ [845] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ) كُوفِيٌّ نزل الرقة وهو بن أُخْتِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (وَدَفَنَّاهَا فِي الظُّلَّةِ) بِضَمِّ الظَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ كُلُّ مَا أَظَلَّ مِنَ الشَّمْسِ (الَّتِي بَنَى بِهَا) أَيْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَيْمُونَةَ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الظلة

باب ما جاء في أكل الصيد

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَلَفْظُهُ قَالَتْ تَزَوَّجَنِي وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفَ 5 - (بَاب مَا جاء في أكل الصيد) [846] قَوْلُهُ (عَنِ الْمُطَّلِبِ) هُوَ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ الْمَخْزُومِيِّ صَدُوقٌ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ وَالْإِرْسَالِ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (صَيْدُ الْبَرِّ لَكُمْ حَلَالٌ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) بِضَمَّتَيْنِ أَيْ مُحْرِمُونَ (مَا لَمْ تَصِيدُوهُ) بِأَنْفُسِكُمْ مُبَاشَرَةً (أَوْ يُصَدْ لَكُمْ) أَيْ لِأَجْلِكُمْ قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ وَبِهَذَا يَسْتَدِلُّ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى حُرْمَةِ لَحْمِ مَا صَادَهُ الْحَلَالُ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُهْدَى إِلَيْكُمِ الصَّيْدُ دُونَ اللَّحْمِ أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنْ يُصَادَ بِأَمْرِكُمْ فَلَا يَحْرُمُ لَحْمُ صَيْدٍ ذَبَحَهُ حَلَالٌ لِلْمُحْرِمِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ دَلَالَتِهِ انْتَهَى قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا وَمِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّةِ الجمهور ما رواه أحمد وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَفِيهِ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حِينَ أَخْبَرْتُهُ أَنِّي اصْطَدْتُهُ لَهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَطَلْحَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ مُفَسِّرٌ) فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ أَنْ يَصِيدَهُ المحرم أو

يَصِيدَهُ غَيْرُهُ لَهُ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَصِيدُهُ المحرم ولا يصاد له بل بصيده الْحَلَالُ لِنَفْسِهِ وَيُطْعِمُهُ الْمُحْرِمَ وَمُقَيِّدٌ لِبَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ قَوْلُهُ (وَالْمُطَّلِبُ لَا نَعْرِفُ لَهُ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَالْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ يُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ وَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ يشبه أن يكون أدركه ذكره المنذري

يَصِيدَهُ غَيْرُهُ لَهُ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَصِيدُهُ المحرم ولا يصاد له بل بصيده الْحَلَالُ لِنَفْسِهِ وَيُطْعِمُهُ الْمُحْرِمَ وَمُقَيِّدٌ لِبَقِيَّةِ الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ قَوْلُهُ (وَالْمُطَّلِبُ لَا نَعْرِفُ لَهُ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَالْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ يُقَالُ إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ وَقَالَ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ يشبه أن يكون أدركه ذكره المنذري

باب ما جاء في الاغتسال لدخول مكة

(بَاب مَا جَاءَ فِي الِاغْتِسَالِ لِدُخُولِ مَكَّةَ) [852] قَوْلُهُ (بِفَخٍّ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَدَّدَةِ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ هُوَ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَوَقَعَ فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ بِالْجِيمِ وَالْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ فَخٌّ مَوْضِعٌ عِنْدَ مَكَّةَ وَقِيلَ وَادٍ دُفِنَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالصَّحِيحُ ما روى نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ إلخ) الظَّاهِرُ أَنَّ الضمير في أنه يرجع إلى بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ بن عُمَرَ إِذَا دَخَلَ أَدْنَى الْحَرَمِ أَمْسَكَ عَنِ التَّلْبِيَةِ ثُمَّ يَبِيتُ بِذِي طُوًى ثُمَّ يُصَلِّي بِهِ الصُّبْحَ وَيَغْتَسِلُ وَيُحَدِّثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي يُحْتَمَلُ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِهِ إِلَى الْفِعْلِ الْأَخِيرِ وَهُوَ الْغُسْلُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا إِلَى الْجَمِيعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ انْتَهَى وَرَوَى مسلم عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إِلَّا بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلَ مَكَّةَ نَهَارًا وَيَذْكُرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَغْتَسِلُ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ وَلِوُقُوفِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ

باب ما جاء في دخول النبي

قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ يُسْتَحَبُّ الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مكة) قال الحافظ في الفتح قال بن الْمُنْذِرِ الِاغْتِسَالُ عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَلَيْسَ فِي تَرْكِهِ عِنْدَهُمْ فِدْيَةٌ وَقَالَ أَكْثَرُهُمْ يُجْزِئُ مِنْهُ الْوُضُوءُ وَفِي الْمُوَطَّأِ أن بن عُمَرَ كَانَ لَا يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ إِلَّا مِنَ احْتِلَامٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّ غُسْلَهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ كَانَ لِجَسَدِهِ دُونَ رَأْسِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ إن عجز عن الغسل تيمم وقال بن التِّينِ لَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا الْغُسْلَ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ لِلطَّوَافِ وَالْغُسْلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ لِلطَّوَافِ انْتَهَى قَوْلُهُ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ضَعِيفٌ إلخ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الْعُمَرِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ وَأُسَامَةَ قَالَ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ بَنُو زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ لَيْسُوا بِشَيْءٍ وَرَوَى عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ يَقُولُ بَنُو زَيْدٍ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ضَعَّفَهُ عَلِيٌّ جِدًّا وَقَالَ النَّسَائِيُّ ضَعِيفٌ وَقَالَ أَحْمَدُ عَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ وَالْآخَرَانِ ضَعِيفَانِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي دخول النبي) إلخ [853] قَوْلُهُ (دَخَلَهَا مِنْ أَعْلَاهَا وَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ الْمُرَادُ بِأَعْلَاهَا ثَنِيَّةُ كَدَاءٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدِّ وَالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُ عَلَمُ الْمَكَانِ أَوِ الْبُقْعَةِ وَهِيَ الَّتِي يَنْحَدِرُ مِنْهَا إِلَى الْمَقْبَرَةِ الْمُسَمَّاةِ عِنْدَ الْعَامَّةِ بِالْمُعَلَّاةِ وَتُسَمَّى بِالْحَجُونِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الثَّنِيَّةِ الَّتِي قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ وَالثَّنِيَّةُ الطَّرِيقُ الضَّيِّقُ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَبِأَسْفَلِهَا ثَنِيَّةُ كُدًى بِضَمِّ الْكَافِ والقصر

باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم

وَالتَّنْوِينِ وَتَرْكِهِ وَهُوَ الْمُسَمَّى الْآنَ بِبَابِ الشَّبِيكَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ دُخُولُ مَكَّةَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا وَالْخُرُوجُ مِنَ السُّفْلَى سَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الثَّنِيَّةُ عَلَى طريق مكة كالمدني أولا كَالْيَمَنِيِّ قِيلَ إِنَّمَا فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ فِي الطَّرِيقِ دَاخِلًا أَوْ خَارِجًا لِلْفَأْلِ بِتَغْيِيرِ الْحَالِ إِلَى أَكْمَلَ مِنْهُ كَمَا فَعَلَ فِي الْعِيدِ وَلِيَشْهَدَ الطَّرِيقَانِ وَلِيَتَبَرَّكَ بِهِ أَهْلُهُمَا انْتَهَى قُلْتُ قَدْ بُيِّنَ فِي الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ خَالَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ طَرِيقَيْهِ وُجُوهٌ أُخَرُ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مُفَصَّلًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ دَخَلَ مِنَ الثَّنِيَّةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِالْبَطْحَاءِ وَإِذَا خَرَجَ خَرَجَ مِنَ الثَّنِيَّةِ السُّفْلَى رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَكَّةَ نَهَارًا [854] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْعُمَرِيُّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدَّةِ التَّحْتَانِيَّةِ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَدَّمَهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ عَلَى مَالِكٍ فِي نَافِعٍ مِنَ الْخَامِسَةِ عَابِدٌ قَوْلُهُ (دَخَلَ مَكَّةَ نهارا) وروى البخاري في صحيحه عن بن عُمَرَ قَالَ بَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي طُوًى حَتَّى أَصْبَحَ ثُمَّ دَخَلَ مكة وكان بن عُمَرَ يَفْعَلُهُ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الدُّخُولِ نَهَارًا قَالَ وَأَمَّا الدُّخُولُ لَيْلًا فَلَمْ يَقَعْ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ وَدَخَلَ مَكَّةَ لَيْلًا فَقَضَى أَمْرَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ رَجَعَ لَيْلًا فَأَصْبَحَ بِالْجِعْرَانَةِ كَبَائِتٍ كَمَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةُ مِنْ حَدِيثِ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ النَّسَائِيُّ دُخُولُ مَكَّةَ لَيْلًا وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَدْخُلُوا مَكَّةَ نَهَارًا

باب ما جاء في كراهية رفع اليد عند رؤية البيت

وَيَخْرُجُوا مِنْهَا لَيْلًا وَأَخْرَجَ عَنْ عَطَاءٍ إِنْ شِئْتُمْ فَادْخُلُوا لَيْلًا إِنَّكُمْ لَسْتُمْ كَرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ كَانَ إِمَامًا فَأَحَبَّ أَنْ يَدْخُلَهَا نَهَارًا لِيَرَاهُ النَّاسُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَقَضِيَّةُ هَذَا أَنَّ مَنْ كَانَ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا نَهَارًا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 9 - (بَاب مَا جاء في كراهية رفع اليد عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ) [855] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي قَزْعَةَ) بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ زَايٍ وَفَتْحِهَا وَبِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ كُنْيَتُهُ سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي (عَنِ الْمُهَاجِرِ الْمَكِّيِّ) هُوَ مُهَاجِرُ بْنُ عِكْرِمَةَ بن عبد الرحم ن الخرساني وثقه بن حِبَّانَ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (أَفَكُنَّا نَفْعَلُهُ) الْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَلَمْ نَكُنْ نَفْعَلُهُ قَالَ الطِّيبِيُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ خِلَافًا لِأَحْمَدَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ أَيْضًا فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا أَنَّهُ يُسَنُّ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ أَوْ وَصَلَ لِمَحَلٍّ يَرَى مِنْهُ الْبَيْتَ إِنْ لَمْ يَرَهُ لِعَمًى أَوْ فِي ظُلْمَةٍ أَنْ يَقِفَ وَيَدْعُوَ رَافِعًا يديه انتهى كلام القارىء قلت روى الشافعي في مسنده عن بن جُرَيْجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْبَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما وَمَهَابَةً وَزِدْ مِنْ شَرَفِهِ وَكَرَمِهِ مِمَّنْ حَجَّهُ وَاعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَبِرًّا قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَهُ لَيْسَ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ شَيْءٌ فَلَا أَكْرَهُهُ وَلَا أَسْتَحِبُّهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى الْحَدِيثِ لِانْقِطَاعِهِ انْتَهَى فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ هَذَا أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ عِنْدَهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَلَا مُسْتَحَبٍّ وَأَمَّا حَدِيثُ بن جُرَيْجٍ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ هُوَ مُعْضَلٌ فيما بين بن جُرَيْجٍ وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَفِي إِسْنَادِهِ سَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ الْقَدَّاحُ وَفِيهِ مَقَالٌ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ وَقَالَ لَيْسَ فِي الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَهُوَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا يَثْبُتُ إلا بدليل

باب ما جاء كيف الطواف

وَأَمَّا الدُّعَاءُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ فَقَدْ رُوِيَتْ فيه أخبار واثار منها ما أخرجه بن الْمُفْلِسِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا نَظَرَ إِلَى الْبَيْتِ قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ في السنن عن بن عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ عُمَرَ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (رَفْعُ الْيَدِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي قَزْعَةَ) وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ ضَعَّفُوا حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ مُهَاجِرَ بْنَ عِكْرِمَةَ الْمَكِّيَّ وَهُوَ مَجْهُولٌ عندهم لكن قد عرفت أن بن حِبَّانَ وَثَّقَهُ وَقَالَ الْحَافِظُ إِنَّهُ مَقْبُولٌ قَوْلُهُ (وَاسْمُ أَبِي قَزْعَةَ سُوَيْدُ بْنُ حُجْرٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ بِتَقْدِيمِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا الْبَاهِلِيُّ أبو قزعة البصري ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ كَيْفَ الطَّوَافُ) [856] قَوْلُهُ (دَخَلَ الْمَسْجِدَ) أَيِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ (فَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ) أَيِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ أَيْ وَضَعَ يَدَيْهِ وَقَبَّلَهُ وَالِاسْتِلَامُ افْتِعَالٌ مِنَ السَّلَامِ بِمَعْنَى التَّحِيَّةِ وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ بِالْمُحَيَّا لِأَنَّ النَّاسَ يُحَيُّونَهُ بِالسَّلَامِ وَقِيلَ مِنَ السِّلَامِ بِكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ وَاحِدَتُهَا سَلِمَةٌ بِكَسْرِ اللَّامِ يُقَالَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ إِذَا لَمَسَهُ وَتَنَاوَلَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهِ (ثُمَّ مَضَى عَلَى يَمِينِهِ) أَيْ يَمِينِ نَفْسِهِ مِمَّا يَلِي الْبَابَ وَقِيلَ عَلَى يَمِينِ الْحَجَرِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ مَشَى عَلَى يَمِينِهِ (فَرَمَلَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ رَمَلَ يَرْمُلُ رَمَلًا وَرَمَلَانًا إِذَا أَسْرَعَ فِي الْمَشْيِ وَهَزَّ مَنْكِبَيْهِ (ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ

باب ما جاء في الرمل من الحجر إلى الحجر

الْأَشْوَاطِ السَّبْعَةِ (وَمَشَى) أَيْ عَلَى عَادَتِهِ (ثُمَّ أَتَى الْمَقَامَ) أَيْ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ (فَقَالَ) أَيْ فَقَرَأَ (وَاتَّخِذُوا) بِكَسْرِ الْخَاءِ عَلَى الْأَمْرِ وَبِفَتْحِهَا (مُصَلًّى) أَيْ مَوْضِعَ صَلَاةِ الطَّوَافِ (وَالْمَقَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَالْمَعْنَى صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ (ثُمَّ أَتَى الْحَجَرَ) أَيِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ (مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) جَمْعُ شَعِيرَةٍ وَهِيَ الْعَلَامَةُ الَّتِي جُعِلَتْ لِلطَّاعَاتِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي الْحَجِّ عِنْدَهَا كَالْوُقُوفِ وَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا 1 - (بَاب مَا جاء في الرمل من الحجر إلى الحجر) أَيْ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ إِلَى الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ [857] قَوْلُهُ (رَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ ثَلَاثًا) فِيهِ بَيَانٌ أَنَّ الرَّمَلَ يُشْرَعُ فِي جَمِيعِ الْمَطَافِ مِنَ الْحَجَرِ إِلَى الْحَجَرِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ قَدِمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ مَكَّةَ وَقَدْ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ إِنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ غَدًا قَوْمٌ قَدْ وَهَنَتْهُمْ

الْحُمَّى وَلَقُوا مِنْهَا شِدَّةً فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الْحَجَرَ وَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ وَيَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ جَلَدَهُمْ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّ الْحُمَّى قَدْ وَهَنَتْهُمْ هَؤُلَاءِ أجلد من كذا وكذا قال بن عَبَّاسٍ وَلَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إِلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ فَمَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ جابر هذا لأن حديث بن عَبَّاسٍ كَانَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ سَنَةَ سَبْعٍ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَحَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ فَوَجَبَ الْأَخْذُ بِهَذَا الْمُتَأَخِّرِ كَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقِيلَ فِي وَجْهِ اسْتِمْرَارِ شَرْعِيَّةِ الرَّمَلِ مَعَ زَوَالِ سَبَبِهِ أَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ إِذَا فَعَلَهُ تَذَكَّرَ السَّبَبَ الْبَاعِثَ عَلَى ذَلِكَ فَيَتَذَكَّرُ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَى إِعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عمر) أخرجه مسلم قوله (حديث جابر حسن صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا تَرَكَ الرَّمَلَ عَمْدًا فَقَدْ أَسَاءَ وَلَا شَيْءَ عليه) قال النووي مذهب بن عَبَّاسٍ أَنَّ الرَّمَلَ لَيْسَ بِسُنَّةٍ وَخَالَفَهُ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِهِمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَقَالُوا هُوَ سُنَّةٌ فِي الطَّوْفَاتِ الثَّلَاثِ مِنَ السَّبْعِ فَإِنْ تَرَكَهُ فَقَدْ تَرَكَ سُنَّةً وَفَاتَهُ فَضِيلَةٌ وَيَصِحُّ طَوَافُهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ (وَإِذَا لَمْ يَرْمُلْ فِي الْأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَرْمُلْ فِيمَا بَقِيَ) قَالَ الْحَافِظُ لَا يُشْرَعُ تَدَارُكُ الرَّمَلِ فَلَوْ تَرَكَهُ فِي الثَّلَاثِ لَمْ يَقْضِهِ فِي الْأَرْبَعِ لِأَنَّ هَيْئَتَهَا السَّكِينَةُ فَلَا تُغَيَّرُ وَيَخْتَصُّ بِالرِّجَالِ فَلَا رَمَلَ عَلَى النِّسَاءِ وَيَخْتَصُّ بِطَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَلَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِهِ بَيْنَ مَاشٍ وَرَاكِبٍ وَلَا دَمَ بِتَرْكِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَاخْتَلَفَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الشَّارِعَ رَمَلَ وَلَا مُشْرِكَ يَوْمَئِذٍ بِمَكَّةَ يَعْنِي فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَعُلِمَ أَنَّهُ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ إِلَّا أَنَّ تَارِكَهُ لَيْسَ تَارِكًا لِعَمَلٍ بَلْ لِهَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ فَكَانَ كَرَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ فَمَنْ لَبَّى خَافِضًا صَوْتَهُ لَمْ يَكُنْ تَارِكًا لِلتَّلْبِيَةِ بَلْ لِصِفَتِهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ انْتَهَى

باب ما جاء في استلام الحجر والركن اليماني

32 - (باب ما جاء في استلام الحجر والركن الْيَمَانِي) دُونَ مَا سِوَاهُمَا يَعْنِي دُونَ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي الْبَيْتِ أَرْبَعَةُ أَرْكَانٍ الْأَوَّلُ لَهُ فَضِيلَتَانِ كَوْنُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِيهِ وَكَوْنُهُ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ وَلِلثَّانِي الثَّانِيَةُ فَقَطْ وَلَيْسَ لِلْآخَرَيْنِ شَيْءٌ مِنْهُمَا فَلِذَلِكَ يُقَبِّلُ الْأَوَّلَ وَيَسْتَلِمُ الثَّانِي فَقَطْ وَلَا يُقَبَّلُ الْآخَرَانِ وَلَا يُسْتَلَمَانِ هَذَا عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ تَقْبِيلَ الرُّكْنِ الْيَمَانِي أَيْضًا انْتَهَى [858] قَوْلُهُ (لَمْ يَكُنْ يَسْتَلِمُ إِلَّا الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَالرُّكْنَ الْيَمَانِي) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ لِأَنَّ الْأَلِفَ عِوَضٌ عَنْ يَاءِ النَّسَبِ فَلَوْ شُدِّدَتْ لَكَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ وَجَوَّزَ سِيبَوَيْهِ التَّشْدِيدَ وَقَالَ إِنَّ الْأَلِفَ زَائِدَةٌ (فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا) زَادَ أَحْمَدُ من طريق مجاهد فقال بن عَبَّاسٍ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسوة حسنة) فَقَالَ مُعَاوِيَةُ صَدَقْتَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ روى بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ اسْتِلَامَ جَمِيعِ الْأَرْكَانِ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفْلَةَ مِنَ التَّابِعِينَ وَقَدْ يُشْعِرُ مَا فِي حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ جُرَيْجٍ مِنْ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ رَأَيْتُكَ تَصْنَعُ أَرْبَعًا لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِكَ يَصْنَعُهَا فَذَكَرَ مِنْهَا وَرَأَيْتُكَ لَا تَمَسُّ مِنَ الْأَرْكَانِ إِلَّا الْيَمَانِيَّيْنِ الْحَدِيثَ بِأَنَّ الَّذِينَ رَآهُمْ عُبَيْدُ بْنُ جُرَيْجٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كَانُوا لَا يَقْتَصِرُونَ فِي الِاسْتِلَامِ عَلَى الرُّكْنَيْنِ الْيَمَانِيَّيْنِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ اخْتِصَاصُ الرُّكْنَيْنِ مُبَيَّنٌ بِالسُّنَّةِ وَمُسْتَنَدُ التَّعْمِيمِ الْقِيَاسُ وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْبَيْتِ مَهْجُورًا بِأَنَّا لَمْ نَدَعِ اسْتِلَامَهُمَا هَجْرًا لِلْبَيْتِ وَكَيْفَ يَهْجُرُهُ وَهُوَ يَطُوفُ بِهِ وَلَكِنَّا نَتَّبِعُ السُّنَّةَ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا وَلَوْ كَانَ تَرْكُ اسْتِلَامِهِمَا هَجْرًا لهما لكان ترك استلام مابين الْأَرْكَانِ هَجْرًا لَهَا وَلَا قَائِلَ بِهِ انْتَهَى قوله (وفي الباب عن عمر) لم أقف عَلَى حَدِيثِ عُمَرَ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَوَى الشيخان

باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف

عن بن عُمَرَ قَالَ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَلِمُ مِنَ الْبَيْتِ إِلَّا الرُّكْنَيْنِ اليمانيين قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ أَيْضًا وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْمَرْفُوعَ فَقَطْ مِنْ وَجْهٍ آخر عن بن عَبَّاسٍ 3 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ) مُضْطَبِعًا [859] قَوْلُهُ (طَافَ بِالْبَيْتِ مُضْطَبِعًا) قَالَ الطِّيبِيُّ الضَّبْعُ وَسَطُ الْعَضُدِ ويطلق على الابط الاضطباع أن يجعل وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ الْإِبْطِ الْأَيْمَنِ وَيُلْقِي طَرَفَيْهِ عَلَى كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ مِنْ جِهَتَيْ صَدْرِهِ وَظَهْرِهِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِإِبْدَاءِ الضَّبْعَيْنِ قِيلَ إِنَّمَا فَعَلَهُ إظهارا للتشجيع كالرمل انتهى قال القارىء الِاضْطِبَاعُ وَالرَّمَلُ سُنَّتَانِ فِي كُلِّ طَوَافٍ بَعْدَهُ سَعْيٌ وَالِاضْطِبَاعُ سُنَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَشْوَاطِ بِخِلَافِ الرَّمَلِ وَلَا يُسْتَحَبُّ الِاضْطِبَاعُ فِي غَيْرِ الطَّوَافِ وَمَا يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ مِنْ الِاضْطِبَاعِ مِنَ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ يُكْرَهُ حَالَ الصَّلَاةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ بُرْدٌ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ بِبُرْدٍ أَخْضَرَ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ وَهُوَ مُضْطَبِعٌ بِبُرْدٍ لَهُ حَضْرَمِيٍّ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ سِوَى مَالِكٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن ماجه والدارمي أيضا قوله (وعن بن يعلى) هو صفوان كذا سماه بن عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الْمِزِّيُّ

باب ما جاء في تقبيل الحجر

كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ التَّمِيمِيُّ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَقْبِيلِ الْحَجَرِ) قَوْلُهُ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ النَّخَعِيُّ [860] قَوْلُهُ (يُقَبِّلُ الْحَجَرَ) أَيِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ (وَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ) زَادَ الْبُخَارِيُّ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ (وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ لَمْ أُقَبِّلْكَ) قَالَ الطَّبَرِيُّ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ لِأَنَّ النَّاسَ كَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِعِبَادَةِ الْأَصْنَامِ فَخَشِيَ عُمَرُ أَنْ يَظُنَّ الْجُهَّالُ أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ مِنْ بَابِ تَعْظِيمِ بَعْضِ الْأَحْجَارِ كَمَا كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَرَادَ عُمَرُ أَنْ يُعْلِمَ النَّاسَ أَنَّ اسْتِلَامَهُ اتِّبَاعٌ لِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا لِأَنَّ الْحَجَرَ يَنْفَعُ وَيَضُرُّ بِذَاتِهِ كَمَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَقِدُهُ فِي الْأَوْثَانِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَفِي قَوْلِ عُمَرَ هَذَا التَّسْلِيمُ لِلشَّارِعِ فِي أُمُورِ الدِّينِ وَحُسْنُ الِاتِّبَاعِ فِيمَا لَمْ يَكْشِفْ عَنْ مَعَانِيهَا وَهُوَ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ فِي اتِّبَاعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَفْعَلُهُ وَلَوْ لم يعلم الْحِكْمَةُ فِيهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيقِ أَنَّهُ وَقَفَ عِنْدَ الْحَجَرِ ثُمَّ قَالَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قبلتك أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ كَذَا فِي شرح سراج أحمد السرهندي وقال القارىء نقلا عن بن الهمام ومن غرائب المتون ما في بن أَبِي شَيْبَةَ فِي آخِرِ مُسْنَدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَجُلٌ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنه عليه الصلاة والسلام وَقَفَ عِنْدَ الْحَجَرِ فَقَالَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْلَا أَمَرَنِي ربي أن أقبلك ما قبلتك انتهى (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (يَسْتَحِبُّونَ تَقْبِيلَ الْحَجَرِ) الْمُسْتَحَبُّ فِي التَّقْبِيلِ أَنْ لَا يَرْفَعَ بِهِ صَوْتَهُ وَرَوَى

باب ما جاء أنه يبدأ بالصفا قبل المروه

الْفَاكِهِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ إِذَا قَبَّلْتَ الرُّكْنَ فَلَا تَرْفَعْ بِهَا صَوْتَكَ كَقُبْلَةِ النِّسَاءِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي 5 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالصَّفَا قَبْلَ الْمَرْوَةِ) [862] قَوْلُهُ (وَاتَّخِذُوا بِكَسْرِ الْخَاءِ أَمْرٌ مِنْ الِاتِّخَاذِ) وَفِي قِرَاءَةٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ خَبَرٌ (مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ الْمُرَادُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ الْحَجَرُ الَّذِي فِيهِ أَثَرُ قَدَمِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ إِلَى الْآنَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ) الْمُرَادُ بِمَقَامِ إِبْرَاهِيمَ الْحَرَمُ كُلُّهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَهُ الْحَافِظُ قُلْتُ وَحَدِيثُ الْبَابِ يَرُدُّ مَا قَالَ مُجَاهِدٌ (مُصَلًّى) أَيْ مَكَانَ صَلَاةٍ بِأَنْ تُصَلُّوا خَلْفَهُ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ قِبْلَةً قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْ مُدْعًى يُدْعَى عِنْدَهُ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يُصَلَّى فِيهِ بَلْ عِنْدَهُ وَيَتَرَجَّحُ قَوْلُ الْحَسَنِ بِأَنَّهُ جَازَ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَقَدْ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ فِي أَخْبَارِ مَكَّةَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ أَنَّ الْمَقَامَ كَانَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ فِيهِ الْآنَ حَتَّى جَاءَ سَيْلٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَاحْتَمَلَهُ حَتَّى وُجِدَ بِأَسْفَلَ مَكَّةَ فَأُتِيَ بِهِ فَرُبِطَ إِلَى أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ حَتَّى قَدِمَ عُمَرُ فَاسْتَثْبَتَ فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَحَقَّقَ مَوْضِعَهُ الْأَوَّلَ فَأَعَادَهُ إِلَيْهِ وَبَنَى حَوْلَهُ فَاسْتَقَرَّ ثَمَّ إِلَى الْآنَ انْتَهَى (ثُمَّ أَتَى الْحَجَرَ) أَيِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ (نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا) أَيِ ابْتَدَأَ بِالصَّفَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَهُ بِذِكْرِهِ فِي كَلَامِهِ فَالتَّرْتِيبُ الذِّكْرِيُّ لَهُ اعْتِبَارٌ فِي الْأَمْرِ الشَّرْعِيِّ إِمَّا وُجُوبًا أَوِ اسْتِحْبَابًا وَإِنْ كَانَتِ الْوَاوُ لِمُطْلَقِ

الْجَمْعِ فِي الْآيَةِ وَقَرَأَ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ من شعائر الله) قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْخَازِنِ شَعَائِرُ اللَّهِ أَعْلَامُ دِينِهِ وَأَصْلُهَا مِنَ الْإِشْعَارِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ وَاحِدَتُهَا شَعِيرَةٌ وَكُلُّ مَا كَانَ مَعْلَمًا لِقُرْبَانٍ يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ صَلَاةٍ وَدُعَاءٍ وَذَبِيحَةٍ فَهُوَ شَعِيرَةٌ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ وَمَشَاعِرُ الْحَجِّ مَعَالِمُهُ الظَّاهِرَةُ لِلْحَوَاسِّ وَيُقَالُ شَعَائِرُ الْحَجِّ فَالْمَطَافُ وَالْمَوْقِفُ وَالْمَنْحَرُ كُلُّهَا شَعَائِرُ وَالْمُرَادُ بِالشَّعَائِرِ هُنَا الْمَنَاسِكُ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ أَعْلَامًا لِطَاعَتِهِ فَالصَّفَا وَالْمَرْوَةُ مِنْهَا حَيْثُ يَسْعَى بَيْنَهُمَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا فِي قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالصَّفَا قَبْلَ الْمَرْوَةِ فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَ الصَّفَا لَمْ يُجْزِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ الِابْتِدَاءُ بِالصَّفَا شَرْطٌ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إلخ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا فَالْجُمْهُورُ قَالُوا هُوَ رُكْنٌ لَا يَتِمُّ الْحَجُّ بِدُونِهِ وَعَنْ أبي حنيفة واجب بجبر بِالدَّمِ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ فِي النَّاسِي لَا فِي الْعَامِدِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعَنْهُ أَنَّهُ سُنَّةٌ لَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ وَبِهِ قَالَ أنس فيما نقله بن الْمُنْذِرِ وَاخْتُلِفَ عَنْ أَحْمَدَ كَهَذِهِ الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِيمَا إِذَا تَرَكَ بَعْضَ السَّعْيِ كَمَا هُوَ عِنْدَهُمْ فِي الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة

36 - (باب ما جاء في السعي بين الصفا وَالْمَرْوَةِ) هُمَا جَبَلَانِ بِمَكَّةَ يَجِبُ الْمَشْيُ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الطَّوَافِ فِي الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ مَعَ سُرْعَةِ الْمَشْيِ بَيْنَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ الصَّفَا مَبْدَأُ السَّعْيِ وَهُوَ مَقْصُورٌ مَكَانٌ مُرْتَفِعٌ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَهُوَ أَنْفٌ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ وَهُوَ الْآنَ إِحْدَى عَشْرَةَ دَرَجَةً أَمَّا الْمَرْوَةُ فَلَاطِيَةٌ جِدًّا أَيْ مُنْخَفِضَةٌ وهي أنف من جبل قعيقعان هي دَرَجَتَانِ وَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهَا كَانَ مُحَاذِيًا لِلرُّكْنِ الْعِرَاقِيِّ وَتَمْنَعُهُ الْعِمَارَةُ مِنْ رُؤْيَتِهِ وَإِذَا نَزَلَ مِنَ الصَّفَا سَعَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَبَيْنَهُ نَحْوُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فَيَسْعَى سَعْيًا شَدِيدًا حَتَّى يُحَاذِيَ الْمِيلَيْنِ الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَحِذَاءَ دَارِ الْعَبَّاسِ ثُمَّ يَمْشِي حَتَّى الْمَرْوَةِ انْتَهَى [863] قَوْلُهُ (إِنَّمَا سَعَى بِالْبَيْتِ) أَيْ رَمَلَ (وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) أَيْ سَعَى بَيْنَهُمَا يَعْنِي أَسْرَعَ الْمَشْيَ فِي بَطْنِ الْوَادِي فَفِي الْمُوَطَّأِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ (لِيُرِيَ) مِنَ الْإِرَاءَةِ (الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ) وَجَلَادَتَهُ وَلِلطَّبَرَانِيِّ عن عطاء عن بن عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ شَاءَ فَلْيَرْمُلْ وَمَنْ شَاءَ فَلَا يَرْمُلُ إِنَّمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّمَلِ لِيُرِيَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ قوله (وفي الباب عن عائشة وبن عُمَرَ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فَفِي تَخْرِيجِ الزَّيْلَعِيِّ أَخْرَجَا عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بينهما وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ جابر فأخرج مسلم قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مطولا

(وَهُوَ الَّذِي يَسْتَحِبُّهُ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنْ يَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْعَ وَمَشَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَأَوْهُ جَائِزًا) الْمُرَادُ مِنَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ السَّعْيُ فِي بَطْنِ الْوَادِي الَّذِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ تَحْتَ قَوْلِهِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي مَا لَفْظُهُ وَفِي الْمُوَطَّأِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ السَّعْيِ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى يَصْعَدَ ثُمَّ يَمْشِيَ بَاقِيَ الْمَسَافَةِ إِلَى الْمَرْوَةِ عَلَى عَادَةِ مَشْيِهِ وَهَذَا السَّعْيُ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنَ الْمَرَّاتِ السَّبْعِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَالْمَشْيُ مُسْتَحَبٌّ فِيمَا قَبْلَ الْوَادِي وَبَعْدَهُ وَلَوْ مَشَى فِي الْجَمِيعِ أَوْ سَعَى فِي الْجَمِيعِ أَجْزَأَهُ وَفَاتَتْهُ الْفَضِيلَةُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ تَرَكَ السَّعْيَ الشَّدِيدَ فِي مَوْضِعِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَلَهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى موافقة الشافعي انتهى قلت وحديث بن عُمَرَ الْآتِي يَدُلُّ عَلَى مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وموافقوه [864] قوله (أخبرنا بن فُضَيْلٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ الضَّبِّيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ عَارِفٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهَانَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالنُّونِ السُّلَمِيُّ أَوِ الْأَسْلَمِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (يَمْشِي فِي الْمَسْعَى) أَيْ مَكَانَ السَّعْيِ وَهُوَ بَطْنُ الْوَادِي (وَأَنَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) هَذَا اعْتِذَارٌ لِتَرْكِ الْسعي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيَّ وَفِي إِسْنَادِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَقَدْ أَخَرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ حَدِيثًا مَقْرُونًا وَقَالَ أَيُّوبُ هُوَ ثِقَةٌ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ

باب ما جاء في الطواف راكبا

37 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الطَّوَافِ رَاكِبًا) [865] قَوْلُهُ (عَلَى رَاحِلَتِهِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ (فَإِذَا انْتَهَى إِلَى الرُّكْنِ) أَيِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ (أَشَارَ إِلَيْهِ) أَيْ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي الطُّفَيْلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) قَالَ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بِمِحْجَنِهِ لِأَنَّ يَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ وَيَسْأَلُوهُ فَإِنَّ النَّاسَ غَشُوهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وَأَبِي الطُّفَيْلِ) قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ مَعَهُ وَيُقَبِّلُ الْمِحْجَنَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَنَّهَا قَدِمَتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَذَكَرَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدِمَ مَكَّةَ وَهُوَ يَشْتَكِي فَطَافَ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَفِي إِسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَطُوفَ الرَّجُلُ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ رَاكِبًا إِلَّا مِنْ عُذْرٍ) وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ طَوَافَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِبًا كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) يَعْنِي قَالَ بِكَرَاهَةِ الطَّوَافِ رَاكِبًا إِلَّا مِنْ عُذْرٍ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى أَوْ بِكَرَاهَةٍ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ الْمَشْيُ وَاجِبٌ فَإِنْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي كَانَ طَوَافُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِبًا لِلْعُذْرِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى جَوَازِ الطَّوَافِ رَاكِبًا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَكَلَامُ الْفُقَهَاءِ يَقْتَضِي الْجَوَازَ إِلَّا أَنَّ المشي أولى والركوب مكروه تنزيها والذي يترجع المنع لأن

باب ما جاء في فضل الطواف

طَوَافَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا أُمِّ سَلَمَةَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُحَوَّطَ الْمَسْجِدُ فَإِذَا حوط المسجد امتنع داخله إذ لا يومن التَّلْوِيثُ فَلَا يَجُوزُ بَعْدَ التَّحْوِيطِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ كَانَ لَا يَحْرُمُ لِلتَّلْوِيثِ كَمَا فِي السَّعْيِ انْتَهَى 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الطَّوَافِ) [866] قَوْلُهُ (عَنْ شَرِيكٌ) هُوَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الكوفي القاضي صدوق يخطىء كَثِيرًا تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ وَكَانَ عَادِلًا فَاضِلًا عَابِدًا شَدِيدًا عَلَى أَهْلِ الْبِدَعِ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ السَّبِيعِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ اخْتَلَطَ بِآخِرَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ خَمْسِينَ مَرَّةً) حَكَى الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرَّةِ الشَّوْطُ وَرَدَّهُ وَقَالَ الْمُرَادُ خَمْسُونَ أُسْبُوعًا وَقَدْ وَرَدَ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ قَالَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مُتَوَالِيَةً فِي آنٍ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يُوجَدَ فِي صَحِيفَةِ حَسَنَاتِهِ وَلَوْ فِي عُمْرِهِ كُلِّهِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (خَرَجَ مِنْ ذنوبه كيوم ولدته أمه) قال بن الْعَرَبِيِّ الْمُرَادُ بِهِ الصَّغَائِرُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن أنس) لم أقف عليه (وبن عُمَرَ) بِلَفْظِ مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ أُسْبُوعًا فَأَحْصَاهُ كَانَ كَعِتْقِ رَقَبَةٍ لَا يَضَعُ قَدَمًا ولا يرفع أخرى إلاحط اللَّهُ بِهَا عَنْهُ خَطِيئَةً وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ كَذَا فِي شرح سراج أحمد قلت ورواه بن مَاجَهْ أَيْضًا وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ ذَكَرهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ بِالْعَنْعَنَةِ وَمَعَ هَذَا فَقَدِ اخْتَلَطَ بِآخِرَةٍ وَأَيْضًا فِي إِسْنَادِهِ شَرِيكٌ الْقَاضِي وَقَدْ عرفت حاله

باب ما جاء في الصلاة بعد العصر وبعد المغرب

[867] قَوْلُهُ (كَانُوا يَعُدُّونَ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَفْضَلَ مِنْ أَبِيهِ) وَقَالَ النَّسَائِيُّ عَقِبَ حَدِيثِهِ فِي السُّنَنِ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (وَلَهُ أَخٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ لَا بَأْسَ بِهِ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ) لِمَنْ يَطُوفُ كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابِ وَأَمَّا تَوْجِيهُ أَبِي الطَّيِّبِ نُسْخَةَ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ بِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ كِنَايَةٌ عَنِ الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَقَوْلَهُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ كِنَايَةٌ عَنْ غَيْرِهَا فَصَارَ الْمَعْنَى فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ وَغَيْرِهَا فَفِيهِ تَكَلُّفٌ [868] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ) بِمُوَحَّدَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ سَاكِنَةٌ وَيُقَالُ بِتَحْتَانِيَّةٍ بَدَلَ الْأَلِفِ وَيُقَالُ بِحَذْفِ الْهَاءِ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ) خَصَّهُمْ بِالْخِطَابِ دُونَ سَائِرِ قُرَيْشٍ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ وِلَايَةَ الأمر والخلافة ستؤل إِلَيْهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ رُؤَسَاءُ مَكَّةَ وَفِيهِمْ كَانَتِ السَّدَانَةُ وَالْحِجَابَةُ وَاللِّوَاءُ وَالسِّقَايَةُ وَالرِّفَادَةُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ) يَعْنِي بَيْتَ اللَّهِ (وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ ليل ونهار) قال القارىء أَيْ صَلَاةَ الطَّوَافِ أَوْ مُطْلَقًا وَهُوَ قَابِلٌ لِلتَّقْيِيدِ بِغَيْرِ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ إِذْ سَبَقَ النَّهْيُ أَوِ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ صَلَاةَ الطَّوَافِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيَّةِ قَالَ الْمُظْهِرُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ التَّطَوُّعِ فِي أَوْقَاتِ الْكَرَاهَةِ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ بِمَكَّةَ لِشَرَفِهَا لِيَنَالَ النَّاسُ مِنْ فَضْلِهَا فِي جَمِيعِ

الْأَوْقَاتِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حُكْمُهَا حُكْمُ سَائِرِ الْبِلَادِ فِي الْكَرَاهَةِ لِعُمُومِ العلة وشمولها قال بن الْمَلَكِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ فِي الْأَوْقَاتِ الْغَيْرِ الْمَكْرُوهَةِ تَوْفِيقًا بَيْنَ النُّصُوصِ انْتَهَى قُلْتُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ النُّصُوصِ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فِي هَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ جَائِزَةٌ بِمَكَّةَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ فِيهَا عَنِ الصَّلَاةِ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَاحْتَجَّ لَهُ أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَقَوْلُهُ إِلَّا بِمَكَّةَ فَاسْتَثْنَاهُ مِنْ بَيْنِ الْبِقَاعِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَخْصِيصِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ مِنْ بَيْنِ الصَّلَاةِ قَالُوا إِذَا كَانَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ غَيْرَ مَحْظُورٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَكَانَ مِنْ سُنَّةِ الطَّوَافِ أَنْ تُصَلَّى الرَّكْعَتَانِ بَعْدَهُ فَقَدْ عُقِلَ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الصَّلَاةِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْخَطَّابِيُّ هُوَ مارواه أَحْمَدُ وَرَزِينٌ عَنْهُ بِلَفْظِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إِلَّا بِمَكَّةَ إِلَّا بِمَكَّةَ إِلَّا بِمَكَّةَ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَهُوَ يُؤَيِّدُ حَدِيثَ الْبَابِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عباس وأبي ذر) أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مَعَانِي الْآثَارِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ إِنْ وُلِّيتُمْ هَذَا الْأَمْرَ فَلَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَرَزِينٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عنه وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ الطَّحَاوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ بَعْدَ الْبَحْثِ وَالْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَفْظُهُ وَإِلَيْهِ نَذْهَبُ يَعْنِي إِلَى الجواز

باب ما جاء ما يقرأ في ركعتي الطواف

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ وَهُوَ خِلَافُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ مَا لَفْظُهُ وَلَعَلَّ الْمُنْصِفَ الْمُحِيطَ بِأَبْحَاثِ الطَّرَفَيْنِ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا يَعْنِي جَوَازَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصُّبْحِ قَبْلَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ هُوَ الْأَرْجَحُ الْأَصَحُّ قَالَ وَعَلَيْهِ كَانَ عَمَلِي بِمَكَّةَ قَالَ وَلَمَّا طُفْتُ طَوَافَ الْوَدَاعِ حَضَرْتُ الْمَقَامَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ لِصَلَاةِ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ فَمَنَعَنِي الْمُطَوِّفُونَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فَقُلْتُ لَهُمُ الْأَرْجَحُ الْجَوَازُ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَهُوَ مُخْتَارُ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ كَافٍ لَنَا فَقَالُوا لَمْ نَكُنْ مُطَّلِعِينَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدِ اسْتَفَدْنَا مِنْكَ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُهُ (وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم) كحديث الباب وحديث بن عَبَّاسٍ وَأَبِي ذَرٍّ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إلخ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ (وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عُمَرَ أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَمْ يُصَلِّ وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى نَزَلَ بِذِي طُوًى) بِضَمِّ الطَّاءِ اسْمُ مَوْضِعٍ بَيْنَ مكة والمدينة (فصلى بعد ما طَلَعَتِ الشَّمْسُ) أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَبِهَذَا نَأْخُذُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُصَلِّيَ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَتَبْيَضُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى 0 - (بَاب مَا جَاءَ مَا يُقْرَأُ فِي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ) [869] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو مُصْعَبٍ) هُوَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْحَارِثِ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ الْفَقِيهُ صَدُوقٌ عَابَهُ أَبُو خَيْثَمَةَ لِلْفَتْوَى بِالرَّأْيِ مِنَ الْعَاشِرَةِ (قِرَاءَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ أَوْ عَلَى الْحَالِيَّةِ يَعْنِي حَدَّثَنَا مُصْعَبٌ حَالَ كَوْنِهِ قَارِئًا عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَسْمَعُ (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عِمْرَانَ) الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ الْأَعْرَجِ يُعْرَفُ بِابْنِ ثَابِتٍ مَتْرُوكٌ احْتَرَقَتْ كُتُبُهُ فَحَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ فَاشْتَدَّ خَلْطُهُ وَكَانَ عَارِفًا بِالْأَنْسَابِ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِالصَّادِقِ صَدُوقٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ مِنَ السَّادِسَةِ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ

قَوْلُهُ (بِسُورَتَيِ الْإِخْلَاصِ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ هَذَا مِنْ باب التغليب حيث أطلق على سورة الكافرين سُورَةُ الْإِخْلَاصِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ سورة الكافرين عَلَى انْفِرَادِهَا سُورَةُ الْإِخْلَاصِ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّبَرِّي مِمَّنْ عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ بِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ فِي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ [870] قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ فِي هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عِمْرَانَ ضَعِيفٌ) فِي كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ عَبْدَ الْعَزِيزِ بْنَ عِمْرَانَ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ حَاتِمِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مصلى فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَكَانَ أَبِي يَقُولُ وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الركعتين قل هو الله أحد وقل يا أيها الكافرون قَالَ النَّوَوِيُّ لَيْسَ هُوَ شَكًّا فِي ذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَةَ الْعِلْمِ تُنَافِي الشَّكَّ بَلْ جَزْمٌ بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَافَ بِالْبَيْتِ فَرَمَلَ مِنَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ثَلَاثًا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِيهِمَا قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَرَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انْتَهَى إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ قَرَأَ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبراهيم مصلى فصلى ركعتين فقرأ فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد الحديث

باب ما جاء في كراهية الطواف عريانا

41 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الطَّوَافِ عُرْيَانًا) [871] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أُثَيْعٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَيُقَالُ زَيْدُ بْنُ يُثَيْعٍ قَالَ الْحَافِظُ زَيْدُ بْنُ يُثَيْعٍ بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ وَقَدْ تُبَدَّلُ هَمْزَةً بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ زَيْدُ بْنُ يُثَيْغٍ بِمُعْجَمَتَيْنِ مُصَغَّرًا وَقِيلَ أُثَيْغٌ بِهَمْزَةٍ وَقِيلَ أُثَيْلٌ قَالَهُ شُعْبَةُ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ مُخَضْرَمٌ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ فَقَطْ وَثَّقَهُ بن حِبَّانَ انْتَهَى قَالَ فِي هَامِشِ الْخُلَاصَةِ قَوْلُهُ بِمُعْجَمَتَيْنِ يَعْنِي الْغَيْنَ وَالثَّاءَ وَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ فِي ضَبْطِهَا بِالْمُثَلَّثَةِ وَفِي بَابِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَصْلِ الْيَاءِ مِنَ الْقَامُوسِ يُثَيْعٌ كَزُبَيْرٍ وَيُقَالُ أُثَيْعٌ وَالِدُ زَيْدٍ التَّابِعِيِّ انْتَهَى فَفِي ضَبْطِهِ الْعَيْنُ بِالْإِعْجَامِ مَا لَا يَخْفَى انْتَهَى مَا فِي الْهَامِشِ قَوْلُهُ (بِأَيِّ شَيْءٍ بُعِثْتَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ بِأَيِّ شَيْءٍ أُرْسِلْتَ إِلَى مَكَّةَ في الحجة أَمَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا يَطُوفُ بالبيت عريانا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ السِّتْرَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الطَّوَافِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَمَنْ طَافَ عُرْيَانًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَعَادَ مَا دَامَ بِمَكَّةَ فَإِنْ خَرَجَ لزمه دم وذكر بن إِسْحَاقَ فِي سَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ قُرَيْشًا ابْتَدَعَتْ قَبْلَ الْفِيلِ أَوْ بَعْدَهُ أَنْ لَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ مِمَّنْ يَقْدَمُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ إِلَّا فِي ثِيَابِ أَحَدِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ طَافَ عُرْيَانًا فَإِنْ خَالَفَ وَطَافَ بِثِيَابِهِ أَلْقَاهَا إِذَا فَرَغَ ثُمَّ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا فَجَاءَ الْإِسْلَامُ فَهَدَمَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَلَا يَجْتَمِعُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَفِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالنِّدَاءِ بِذَلِكَ حِينَ نَزَلَتْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بعد عامهم هذا وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُنَا الْحَرَمُ كُلُّهُ فَلَا يُمَكَّنُ مُشْرِكٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ بِحَالٍ وَكَذَلِكَ لَا يُمَكَّنُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مِنَ الْإِقَامَةِ بَعْدَ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرِجُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ

باب ما جاء في دخول الكعبة

جَزِيرَةِ الْعَرَبِ قَالَهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى (وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ وَمَنْ لَا مُدَّةَ لَهُ فَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فَسِيحُوا فِي الأرض أربعة أشهر يختص بمن لم يمكن لَهُ عَهْدٌ مُؤَقَّتٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عهدا أَصْلًا وَأَمَّا مَنْ لَهُ عَهْدٌ مُؤَقَّتٌ فَهُوَ إلى مدته فروى الطبري من طريق بن إِسْحَاقَ قَالَ هُمْ صِنْفَانِ صِنْفٌ كَانَ لَهُ عَهْدٌ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأُمْهِلَ إِلَى تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَصِنْفٌ كَانَتْ لَهُ مُدَّةٌ عَهْدِهِ بِغَيْرِ أَجَلٍ فَقُصِرَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ كَلَامًا نَافِعًا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى تَفْسِيرِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ مِنْ فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ أَلَا لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالنَّسَائِيُّ وَالطَّبَرِيُّ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ [872] قَوْلُهُ (وَقَالَا زَيْدُ بْنُ يُثَيْعٍ) بِالتَّحْتَانِيَّةِ الْمَضْمُومَةِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ مُصَغَّرًا (فَقَالَ زَيْدُ بْنُ أُثَيْلٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَبِاللَّامِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي دُخُولِ الْكَعْبَةِ) [873] قوله (حدثنا بن أَبِي عُمَرَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ صَدُوقٌ

صنف المسند وكان لازم بن عُيَيْنَةَ لَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِيهِ غَفْلَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ رَوَى عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ م ت ق وثقه بن حِبَّانَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ موضوع عن بن عُيَيْنَةَ قَالَ الْبُخَارِيُّ مَاتَ سَنَةَ 342 ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ (وَهُوَ قَرِيرُ الْعَيْنِ) كِنَايَةٌ عَنِ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ لَوْ رَآكَ لَقَرَّتْ عَيْنَاهُ أَيْ لَسُرَّ بِذَلِكَ وَفَرِحَ وَحَقِيقَتُهُ أَبْرَدَ اللَّهُ دَمْعَةَ عَيْنَيْهِ لِأَنَّ دَمْعَةَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ بَارِدَةٌ وَقِيلَ مَعْنَى أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَكَ بَلَغَكَ أَمْنِيَّتَكَ حَتَّى تَرْضَى نَفْسُكَ وَتَسْكُنَ عَيْنُكَ فَلَا تَسْتَشْرِفَ إِلَى غَيْرِهِ انْتَهَى (فَقُلْتُ لَهُ) أَيِ اسْتَفْسَرْتُ وَجْهَ الْحُزْنِ وَوَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ فَعَلْتُ إلخ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَلَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا دَخَلْتُهَا إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ شَقَقْتُ عَلَى أُمَّتِي قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فِي غَيْرِ عَامِ الْفَتْحِ لِأَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَكُنْ مَعَهُ فِيهِ إِنَّمَا كَانَتْ مَعَهُ فِي غَيْرِهِ وَقَدْ جَزَمَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ إِلَّا عَامَ الْفَتْحِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَدْخُلِ الْبَيْتَ فِي عُمْرَتِهِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ دَخَلَهُ فِي حَجَّتِهِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أَجَابَ الْبَعْضُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَفِيهِ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ دُخُولَ الْكَعْبَةِ لَيْسَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ دُخُولَهَا مِنَ الْمَنَاسِكِ وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ دُخُولَهَا مُسْتَحَبٌّ وَيَدُلُّ عَلَى ذلك ما أخرج بن خزيمة والبيهقي من حديث بن عَبَّاسٍ مَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ دَخَلَ فِي جَنَّةٍ وَخَرَجَ مَغْفُورًا لَهُ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّه بْنُ الْمُؤَمَّلِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمَحَلُّ اسْتِحْبَابِهِ مَا لَمْ يُؤْذِ أَحَدًا بِدُخُولِهِ انْتَهَى قُلْتُ وَيَدُلُّ على استحبابه حديث بن عُمَرَ فِي الْبَابِ الْآتِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن ماجه أيضا

باب ما جاء في الصلاة في الكعبة

43 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ) [874] قوله (قال بن عَبَّاسٍ لَمْ يُصَلِّ وَلَكِنَّهُ كَبَّرَ) وَفِي رِوَايَةٍ لمسلم عن بن عَبَّاسٍ يَقُولُ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ الْحَدِيثَ قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى الْأَخْذِ بِرِوَايَةِ بِلَالٍ لِأَنَّهُ مُثْبِتٌ فَمَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ فَوَجَبَ تَرْجِيحُهُ وَالْمُرَادُ الصَّلَاةُ الْمَعْهُودَةُ ذات الركوع والسجود ولهذا قال بن عُمَرَ وَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى وَأَمَّا نَفْيُ أُسَامَةَ فَسَبَبُهُ أَنَّهُمْ لَمَّا دَخَلُوا الْكَعْبَةَ أَغْلَقُوا الْبَابَ وَاشْتَغَلُوا بِالدُّعَاءِ فَرَأَى أُسَامَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو ثُمَّ اشْتَغَلَ أُسَامَةُ بِالدُّعَاءِ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْبَيْتِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى وَبِلَالٌ قَرِيبٌ مِنْهُ ثُمَّ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَآهُ بِلَالٌ لِقُرْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ أُسَامَةُ لِبُعْدِهِ وَاشْتِغَالِهِ مَعَ خِفَّةِ الصَّلَاةِ وَإِغْلَاقِ الْبَابِ وَجَازَ لَهُ نَفْيُهَا عَمَلًا بِظَنِّهِ وَأَمَّا بِلَالٌ فَحَقَّقَهَا فَأَخْبَرَ بِهَا انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُسَامَةَ بن زيد) أخرجه أحمد في مسنده وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عن بن عُمَرَ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ وَمَكَثْتُ مَعَهُ عُمْرًا لَمْ أَسْأَلْهُ كَمْ صَلَّى قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيجِهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا صَحِيحٌ انْتَهَى وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أُمَامَةَ خِلَافَ هَذَا كَمَا تَقَدَّمَ (والفضل بن عباس) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لَمْ يُصَلِّ فِي الْكَعْبَةِ وَلَكِنَّهُ لَمَّا دَخَلَهَا وَقَعَ سَاجِدًا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ يَدْعُو كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ (وَعُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَحْمَدُ وَالضِّيَاءُ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ (وَشَيْبَةَ بن عثمان) أخرجه بن عَسَاكِرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الزَّجَّاجِ قَالَ أَتَيْتُ شَيْبَةَ بْنَ عُثْمَانَ فَقُلْتُ يَا أَبَا عُثْمَانَ زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْكَعْبَةَ فَلَمْ يُصَلِّ فَقَالَ كَذَبُوا وَأَبِي لَقَدْ صَلَّى بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ ثُمَّ أَلْصَقَ بِهِمَا بَطْنَهُ وَظَهْرَهُ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ

باب ما جاء في كسر الكعبة

قَوْلُهُ (وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ النَّافِلَةِ فِي الْكَعْبَةِ) كَذَا أَطْلَقَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مَالِكٍ جَوَازَ النَّافِلَةِ وَقَيَّدَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِغَيْرِ الرَّوَاتِبِ وَمَا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (وَكَرِهَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ فِي الْكَعْبَةِ) وَرُوِيَ عَنْهُ الْمَنْعُ وَكَذَا عَنْ أحمد لقوله تعالى فولوا وجوهكم شطره أَيْ قُبَالَتَهُ وَمَنْ فِيهِ مُسْتَدْبِرٌ لِبَعْضِهِ وَأَمَّا جَوَازُ النَّافِلَةِ فِيهِ فَإِنَّهُ يُسَامَحُ فِي النَّافِلَةِ مَا لَا يُسَامَحُ فِي الْفَرِيضَةِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ وَالتَّطَوُّعَ فِي الْكَعْبَةِ) وَبِهِ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَفِيهِ أَيْ فِي حَدِيثِ بِلَالٍ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي النَّفْلِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ الْفَرْضُ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِقْبَالِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ بِلَالٍ وَإِذَا صَحَّتِ النَّافِلَةُ صَحَّتِ الْفَرِيضَةُ لِأَنَّهُمَا فِي الْمَوْضِعِ سَوَاءٌ فِي الِاسْتِقْبَالِ فِي حَالِ النُّزُولِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الِاسْتِقْبَالِ فِي حَالِ السَّيْرِ فِي السفر انتهى قال الحافظ وعن بن عَبَّاسٍ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ دَاخِلَهَا مُطْلَقًا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اسْتِدْبَارُ بَعْضِهَا وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِاسْتِقْبَالِهَا فَيُحْمَلُ عَلَى اسْتِقْبَالِ جَمِيعِهَا وَقَالَ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالظَّاهِرِيَّةُ وَالطَّبَرِيُّ انْتَهَى قُلْتُ وَالظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ أَقْوَى الْمَذَاهِبِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَسْرِ الكعبة) أي هدمها [875] قوله (إن بن الزُّبَيْرِ) يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ الصَّحَابِيَّ الْمَشْهُورَ (قَالَ لَهُ) أَيْ لِلْأَسْوَدِ (بِمَا كَانَتْ تُفْضِي إِلَيْكَ) أَيْ تُسِرُّ إِلَيْكَ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْكَعْبَةِ (لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ) بِالْإِضَافَةِ وَقَالَ الْمُطَرِّزِيُّ لَا يَجُوزُ حَذْفُ الْوَاوِ في مثل هذا والصواب حديث وعهد كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةِ النَّسَائِيِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ بِأَنَّ لَفْظَ الْقَوْمِ مُفْرَدٌ لَفْظًا وَجَمْعٌ مَعْنًى فَرُوعِيَ إِفْرَادُ اللَّفْظِ فِي جَانِبِ الْخَبَرِ كَمَا رُوعِيَ اللَّفْظُ فِي إِرْجَاعِ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى كِلْتَا الجنتين آتت حيث أفرد اتت للبخاري قال لي بن الزبير كانت عائشة

باب ما جاء في الصلاة في الحجر

انْتَهَى قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْحَدِيثُ ضِدُّ الْقَدِيمِ وَالْمُرَادُ بِهِ قُرْبُ عَهْدِهِمْ بِالْكُفْرِ وَالْخُرُوجُ مِنْهُ وَالدُّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ وَأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنِ الدِّينُ فِي قُلُوبِهِمْ فَلَوْ هَدَمْتُ الْكَعْبَةَ وَغَيَّرْتُهَا رُبَّمَا نَفَرُوا مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى (وَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ) أَيْ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا (فَلَمَّا ملك بن الزُّبَيْرِ هَدَمَهَا وَجَعَلَ لَهَا بَابَيْنِ) أَحَدُهُمَا يُدْخَلُ مِنْهُ وَالْآخَرُ يُخْرَجُ مِنْهُ وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قِصَّةَ هَدْمِهَا وَبِنَائِهَا مُطَوَّلًا قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ بُنِيَ الْبَيْتُ خَمْسَ مَرَّاتٍ بَنَتْهُ الْمَلَائِكَةُ ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ثُمَّ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَحَضَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْبِنَاءَ وَلَهُ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً وَقِيلَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَفِيهِ سَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ حِينَ رَفَعَ إِزَارَهُ ثُمَّ بَنَاهُ الزُّبَيْرُ ثُمَّ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ وَاسْتَمَرَّ إِلَى الْآنَ عَلَى بِنَاءِ الْحَجَّاجِ وَقِيلَ بُنِيَ مَرَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَا يُغَيَّرُ عَنْ هَذَا الْبِنَاءِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ هَارُونَ الرَّشِيدَ سَأَلَ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ هَدْمِهَا وَرَدِّهَا إلى بناء بن الزُّبَيْرِ لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ فَقَالَ مَالِكٌ نَشَدْتُكَ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا تَجْعَلَ هَذَا الْبَيْتَ لُعْبَةً لِلْمُلُوكِ لَا يَشَاءُ أَحَدٌ إِلَّا نَقَضَهُ وَبَنَاهُ فَتَذْهَبُ هَيْبَتُهُ مِنْ صُدُورِ النَّاسِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَرْكُ الْمَصْلَحَةِ لِأَمْنِ الْوُقُوعِ فِي الْمَفْسَدَةِ وَمِنْهُ تَرْكُ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي أَنْكَرَ مِنْهُ وَأَنَّ الْإِمَامَ يَسُوسُ رَعِيَّتَهُ بِمَا فِيهِ إِصْلَاحُهُمْ وَلَوْ كَانَ مَفْضُولًا مَا لم يكن محرما انتهى 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي الْحِجْرِ) بكسر المهملة وسكون الجيم وهو معروف على صفة نصف الدائرة كَذَا فِي فَتْحِ

الْبَارِي وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحِجْرُ بِالْكَسْرِ الْعَقْلُ وَمَا حَوَاهُ الْحَطِيمُ الْمُدَارُ بِالْكَعْبَةِ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ جَانِبِ الشَّمَالِ انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحِجْرُ بِالْكَسْرِ اسْمُ الْحَائِطِ الْمُسْتَدِيرِ إِلَى جَانِبِ الْكَعْبَةِ الْغَرْبِيِّ انْتَهَى قُلْتُ فِي قَوْلِهِ الغربي نظر كما لا يخفى [876] قَوْلُهُ (عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ) كَذَا فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِزِيَادَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّهِ قَوْلُهُ (فَإِنَّمَا هُوَ قِطْعَةٌ مِنَ الْبَيْتِ) هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّ الْحِجْرَ كُلَّهُ مِنَ الْبَيْتِ وَكَذَا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَالَتْ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجِدَارِ أَمِنَ الْبَيْتِ هُوَ قال نعم وبذلك كان يفتي بن عَبَّاسٍ كَمَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِيهِ عن مرثد بن شرحبيل قال سمعت بن عَبَّاسٍ يَقُولُ لَوْ وُلِّيتُ مِنَ الْبَيْتِ مَا ولى بن الزُّبَيْرِ لَأَدْخَلْتُ الْحِجْرَ كُلَّهُ فِي الْبَيْتِ فَلَمْ يطاف بِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْبَيْتِ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رِوَايَاتٍ أُخْرَى تَدُلُّ بِإِطْلَاقِهَا عَلَى أَنَّ الْحِجْرَ كُلَّهُ مِنَ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا مُطْلَقَةٌ وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتٌ أَصَحُّ مِنْهَا مُقَيَّدَةٌ مِنْهَا لِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قَزَعَةَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ حَتَّى أَزِيدَ فِيهِ مِنَ الْحِجْرِ وَلَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَارِثِ عَنْهَا فَإِنْ بَدَا لِقَوْمِكِ أَنْ يَبْنُوهُ بَعْدِي فَهَلُمِّي لِأُرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنْهُ فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ وَلَهُ مِنْ طَرِيقِ سَعْدِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ وَزِدْتُ فِيهَا مِنَ الْحِجْرِ سِتَّةَ أَذْرُعٍ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَاتٍ مُقَيَّدَةً أُخْرَى غَيْرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ثُمَّ حَقَّقَ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمُطَلَّقَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ وَأَجَادَ قَوْلُهُ (وَلَكِنَّ قَوْمَكِ اسْتَقْصَرُوهُ) أَيْ قَصَّرُوهُ عَنْ تَمَامِ بِنَائِهِ لِقِلَّةِ النَّفَقَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا (وَعَلْقَمَةُ بْنُ أَبِي عَلْقَمَةَ هُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ بِلَالٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَعَلْقَمَةُ هَذَا هُوَ مَوْلَى عَائِشَةَ تَابِعِيٌّ مَدَنِيٌّ احْتَجَّ بِهِ

باب ما جاء في فضل الحجر الأسود والركن والمقام

الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأُمِّهِ حَكَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ اسْمَهَا مَرْجَانَةٌ انْتَهَى 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالرُّكْنِ وَالْمَقَامِ) [877] قَوْلُهُ (وَهُوَ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ صَارَتْ ذُنُوبُ بَنِي آدَمَ الَّذِينَ يَمْسَحُونَ الْحَجَرَ سَبَبًا لِسَوَادِهِ وَالْأَظْهَرُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى حَقِيقَتِهِ إِذْ لَا مَانِعَ نَقْلًا وَلَا عَقْلًا وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ هَذَا الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي تَعْظِيمِ شَأْنِ الْحَجَرِ وَتَفْظِيعُ أَمْرِ الْخَطَايَا وَالذُّنُوبِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْحَجَرَ لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّرَفِ وَالْكَرَامَةِ وَالْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ شَارَكَ جَوَاهِرَ الْجَنَّةِ فَكَأَنَّهُ نَزَلَ مِنْهَا وَأَنَّ خَطَايَا بَنِي آدَمَ تَكَادُ تُؤَثِّرُ فِي الْجَمَادِ فَتَجْعَلُ الْمُبْيَضَّ مِنْهُ أَسْوَدَ فَكَيْفَ بِقُلُوبِهِمْ أَوْ لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُكَفِّرٌ لِلْخَطَايَا مَحَّاءٌ لِلذُّنُوبِ كَأَنَّهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمِنْ كَثْرَةِ تَحَمُّلِهِ أَوْزَارَ بَنِي آدَمَ صَارَ كَأَنَّهُ ذُو بَيَاضٍ شَدِيدٍ فَسَوَّدَتْهُ الْخَطَايَا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ كَانَ فِيهِ نُقَطٌ بِيضٌ ثم لا زال السواد يتراكم عَلَيْهَا حَتَّى عَمَّهَا وَفِي الْحَدِيثِ إِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِذَا أَذْنَبَ نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ أُخْرَى وَهَكَذَا حَتَّى يسود قلبه جيعه وَيَصِيرَ مِمَّنْ قَالَ فِيهِمْ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يكسبون وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَجَرَ بِمَنْزِلَةِ الْمِرْآةِ الْبَيْضَاءِ فِي غَايَةٍ مِنَ الصَّفَاءِ وَيَتَغَيَّرُ بِمُلَاقَاةِ مَا لَا يُنَاسِبُهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ حَتَّى يَسْوَدَّ لَهَا جَمِيعُ الْأَجْزَاءِ وَفِي الْجُمْلَةِ الصُّحْبَةُ لَهَا تَأْثِيرٌ بِإِجْمَاعِ العقلاء انتهى كلام القارىء قال الحافظ بن الحجر وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمُلْحِدِينَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ كَيْفَ سَوَّدَتْهُ خَطَايَا الْمُشْرِكِينَ وَلَمْ تُبَيِّضْهُ طَاعَاتُ أهل التوحيد وأجيب بما قال بن قُتَيْبَةَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ لَكَانَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِأَنَّ السَّوَادَ يَصْبُغُ وَلَا يَنْصَبِغُ عَلَى الْعَكْسِ مِنَ الْبَيَاضِ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي بَقَائِهِ أَسْوَدَ عِبْرَةٌ لِمَنْ لَهُ بَصِيرَةٌ فَإِنَّ الْخَطَايَا إِذَا أَثَّرَتْ فِي الْحَجَرِ الصَّلْدِ فَتَأْثِيرُهَا فِي الْقَلْبِ أَشَدُّ قَالَ وَرُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ إِنَّمَا غَيَّرَهُ بِالسَّوَادِ لِئَلَّا يَنْظُرَ أَهْلُ الدُّنْيَا إِلَى زِينَةِ الْجَنَّةِ فَإِنْ ثَبَتَ فَهَذَا هو الجواب قال الحافظ بن حَجَرٍ أَخْرَجَهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي فَضَائِلِ مَكَّةَ بِإِسْنَادٍ ضعيف انتهى

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَهُ أحمد وصححه بن حِبَّانَ وَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَاوَضَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ فَكَأَنَّمَا يُفَاوِضُ يَدَ الرَّحْمَنِ وَفِي فَضَائِلِ مَكَّةَ للجندي من حديث بن جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ عن بن عَبَّاسٍ إِنَّ هَذَا الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ هُوَ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يُصَافِحُ بِهِ عِبَادَهُ مُصَافَحَةَ الرَّجُلِ أَخَاهُ وَمِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ زِيَادَةٌ فَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ بَيْعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وَالْمَعْنَى كَوْنُهُ يَمِينَ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كُلُّ مَلِكٍ إِذَا قُدِمَ عَلَيْهِ قُبِّلَتْ يَمِينُهُ وَلَمَّا كَانَ الْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ أَوَّلَ مَا يَقْدَمَانِ يُسَنُّ لَهُمَا تَقْبِيلُهُ نَزَلَ مَنْزِلَةَ يَمِينِ الْمَلِكِ يَدُهُ وَلِلَّهِ الْمِثْلُ الْأَعْلَى وَلِذَلِكَ مَنْ صَافَحَهُ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ كَمَا أَنَّ الْمَلِكَ يُعْطِي الْعَهْدَ بِالْمُصَافَحَةِ كَذَا فِي عمدة القارىء واعلم أن لابن عباس حديث آخَرَ فِي فَضْلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ رواه في أواخر كتاب الحج مرفوع بِلَفْظِ وَاَللَّهِ لَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عينان الخ قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِيهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَهُوَ صَدُوقٌ لَكِنَّهُ اخْتَلَطَ وَجَرِيرٌ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْهُ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ لَكِنْ لَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي صَحِيحِ بن خُزَيْمَةَ فَيَقْوَى بِهَا وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءٍ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنَ الْجَنَّةِ وَحَمَّادٌ مِمَّنْ سَمِعَ مِنْ عَطَاءٍ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَفِي صَحِيحِ بن خزيمة أيضا عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إِنَّ لِهَذَا الْحَجَرِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ يَشْهَدَانِ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَقٍّ وَصَحَّحَهُ أيضا بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْضًا انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ [878] قَوْلُهُ (إِنَّ الرُّكْنَ وَالْمَقَامَ) أَيِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ وَمَقَامَ إِبْرَاهِيمَ (يَاقُوتُتَانِ مِنْ يَاقُوتِ الْجَنَّةِ) الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ (طمس الله نورهما) أي أذهبه قال القارىء أَيْ بِمِسَاسِ الْمُشْرِكِينَ لَهُمَا وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي طَمْسِهِمَا لِيَكُونَ الْإِيمَانُ غَيْبِيًّا لَا عَيْنِيًّا (وَلَوْ لم يطمس

باب ما جاء في الخروج إلى منى والمقام بها

عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (لَأَضَاءَتَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) أَيْ لَأَنَارَتَاهُ قَوْلُهُ (وَفِيهِ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ (وَهُوَ حَدِيثٌ غريب) وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ رَجَاءِ بْنِ صَبِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَمِنْ طَرِيقِهِ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مرفوعا أخرجه أحمد والترمذي وصححه بن حبان في إسناده رجى أَبُو يَحْيَى وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَيُرْوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو موقوفا وقال بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَقْفُهُ أَشْبَهُ وَاَلَّذِي رَفَعَهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ انْتَهَى 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخُرُوجِ إِلَى مِنًى وَالْمُقَامِ بِهَا) بِضَمِّ الْمِيمِ مِنَ الْإِقَامَةِ وَمِنًى مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ حَدُّهَا مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ بَطْنُ الْمَسِيلِ إِذَا هَبَطْتَ مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ وَمِنْ جِهَةِ الْمَغْرِبِ جَمْرَةُ الْعَقَبَةِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ سُمِّيَ بِهِ لِمَا يُمْنَى فِيهِ مِنَ الدِّمَاءِ أَيْ يُرَاقُ وَهِيَ لَا تَنْصَرِفُ وَتُكْتَبُ بِالْيَاءِ إِنْ قُصِدَ بِهَا الْبُقْعَةُ ويصرف ويكتب بِالْأَلْفِ بِتَأْوِيلِ مَوْضِعٍ انْتَهَى [879] قَوْلُهُ (صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى) أَيْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ (ثُمَّ غَدَا) مِنَ الْغَدْوِ وَهُوَ الْمَشْيُ أَوَّلَ النَّهَارِ أَيْ سَارَ غَدْوَةً بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لِمَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ (إِلَى عَرَفَاتٍ) بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ اسْمٌ لِمَوْضِعِ الْوُقُوفِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ آدَمَ عَرَفَ حَوَّاءَ هُنَاكَ وَقِيلَ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَرَّفَ إِبْرَاهِيمَ الْمَنَاسِكَ هُنَاكَ

قَوْلُهُ (وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ) إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ هَذَا هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ البصري المجاور المكي الفقيه ضعفه بن الْمُبَارَكِ وَقَالَ أَحْمَدُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي الخلاصة وحديث بن عباس هذا أخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا [880] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَجْلَحِ) بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ بِلَفْظِ قَالَ مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ بِمِنًى ثُمَّ يَغْدُو إِلَى عَرَفَةَ حَتَّى إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ خَطَبَ النَّاسَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ (وَأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قُلْتُ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ قَالَ بِمِنًى الْحَدِيثَ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ الْحَجِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ تَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ الْحَدِيثَ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عن بن عمر أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ مَوْقُوفًا قَوْلُهُ (وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ فِيمَا عَدَّ شُعْبَةُ) فَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعًا وَلَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ صَحِيحَةٌ كَمَا عَرَفْتُ

باب ما جاء أن منى مناخ من سبق

48 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ) [881] قَوْلُهُ (عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ) بِفَتْحِ هَاءٍ وَبِكَافٍ تُرِكَ صَرْفُهُ وَعِنْدَ الْأَصِيلِيِّ مَصْرُوفٌ كَذَا فِي الْمُغْنِي ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أُمِّهِ مُسَيْكَةَ) بِالتَّصْغِيرِ الْمَكِّيَّةِ لَا يُعْرَفُ حَالُهَا مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ ذَكَرهَا الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي الْمَجْهُولَاتِ قَوْلُهُ (أَلَا نَبْنِي لَكَ بِنَاءً) وَفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ بَيْتًا (قَالَ لَا) أَيْ لَا تَبْنُوا لِي بِنَاءً بِمِنًى لِأَنَّهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِأَحَدٍ إِنَّمَا هُوَ مَوْضِعُ الْعِبَادَةِ مِنَ الرَّمْيِ وَذَبْحِ الْهَدْيِ وَالْحَلْقِ وَنَحْوِهَا فَلَوْ أُجِيزَ الْبِنَاءُ فِيهِ لَكَثُرَتِ الْأَبْنِيَةُ وَتَضَيَّقَ الْمَكَانُ وَهَذَا مِثْلُ الشَّوَارِعِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَرْضُ الْحَرَمِ مَوْقُوفَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَهَا أَحَدٌ (مِنًى) مُبْتَدَأٌ (مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ وَالْمُنَاخُ بِضَمِّ الْمِيمِ مَوْضِعُ إِنَاخَةِ الْإِبِلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ أَيْضًا وَمَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مُسَيْكَةَ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ كَمَا عَرَفْتَ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَقْصِيرِ الصَّلَاةِ بِمِنًى) [882] قَوْلُهُ (آمَنَ مَا كَانَ النَّاسُ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ بِمَدِّ هَمْزَةِ أَفْعَلَ مِنَ الْأَمْنِ ضِدُّ الْخَوْفِ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ صَلَّى بِنَا وَالْحَالُ أَنَّا أَكْثَرُ أَكْوَانِنَا فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ أَمْنًا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَإِسْنَادُ الْأَمْنِ إِلَى الْأَوْقَاتِ مَجَازٌ انْتَهَى وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ وَأَمْثَالِهِ وَاضِحٌ أَيْ حِينَ كَانَ النَّاسُ أَكْثَرَ أَمْنًا وَعَدَدًا لَكِنْ تَطْبِيقُهُ عَلَى قَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ خَفِيَ وَالْأَقْرَبُ

أَنَّ مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَكَانَ تَامَّةٌ وَآمَنَ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ بِتَقْدِيرِ مُضَافٍ وَمَوْصُوفُهُ مُقَدَّرٌ مِنْ جِنْسِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي اسْمِ التَّفْضِيلِ وَأَكْثَرَهُ عَطْفٌ عَلَى آمَنَ وَضَمِيرُهُ لِمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ آمَنَ وَالتَّقْدِيرُ زَمَانَ كَوْنِ هو آمن أَكْوَانِ النَّاسِ وَزَمَانَ كَوْنِ هُوَ أَكْثَرَ أَكْوَانِ النَّاسِ عَدَدًا وَنِسْبَةُ الْأَمْنِ وَالْكَثْرَةِ إِلَى الْكَوْنِ مَجَازِيَّةٌ فَإِنَّهُمَا وَصْفَانِ لِلنَّاسِ حَقِيقَةً فَرَجَعَ بِالنَّظَرِ إِلَى الْحَقِيقَةِ إِلَى زَمَانِ وَحِينِ كَانَ النَّاسُ فِيهِ آمَنَ وَأَكْثَرَ وَعَلَى هَذَا فَنَصْبُ آمَنَ وَأَكْثَرَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إليه مقامه انتهى قوله (عن بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ لفظه فيما بعد (وبن عُمَرَ) قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَعُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ ثُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بَعْدُ أَرْبَعًا فكان بن عُمَرَ إِذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى أَرْبَعًا وَإِذَا صَلَّاهَا وَحْدَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَنَسٍ) قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ قِيلَ لَهُ أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا قَالَ أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ حَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الشيخان قوله (وروي عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ إلخ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (إِلَّا مَنْ كَانَ بِمِنًى مُسَافِرًا) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَقْصُرُوا الصَّلَاةَ بِمِنًى لَكِنْ مَنْ كَانَ بِمِنًى مُسَافِرًا فَهُوَ يَقْصُرهَا وَيَحْتَمِلُ الِاتِّصَالَ أَيْ إِلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ نَازِلًا بِمِنًى مُسَافِرًا بِأَنْ خَرَجَ عَلَى نِيَّةِ السَّفَرِ أَوْ رَجَعَ مِنَ السَّفَرِ وَنَزَلَ بِهَا قَبْلَ دُخُولِهِ مَكَّةَ (وَهُوَ قول بن جُرَيْجٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ الْمَسَافَةَ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى لَا يُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَالْقَصْرُ بِمِنًى لَيْسَ لِأَجْلِ النُّسُكِ بَلْ لِلسَّفَرِ

باب ما جاء في الوقوف بعرفات والدعاء فيها

(وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وعبد الرحمن بن مهدي) وحجتهم أَنَّ الْقَصْرَ بِمِنًى لِلنُّسُكِ وَلَيْسَ لِأَجْلِ السَّفَرِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لَوْ لَمْ يَجُزْ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْقَصْرُ بِمِنًى لَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتِمُّوا وَلَيْسَ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ قَصَرُوا لِلنُّسُكِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِمَكَّةَ رَكْعَتَيْنِ وَيَقُولُ يَا أَهْلَ مَكَّةَ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ وَكَأَنَّهُ تَرَكَ إِعْلَامَهُمْ بِذَلِكَ بِمِنًى اسْتِغْنَاءً بِمَا تَقَدَّمَ بمكة قال الحافظ بن حَجَرٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ فَالْقِصَّةُ كَانَتْ فِي الْفَتْحِ وَقِصَّةُ مِنًى فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ لِبُعْدِ الْعَهْدِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَكِّيَّ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ بِمِنًى لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُسَافِرًا بِمِنًى فَصَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِ وَلَعَلَّهُ لَوْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاتِهِ لَأَمَرَهُ بِالْإِتْمَامِ وَقَدْ يَتْرُكُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانَ بَعْضِ الْمَأْمُورِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ اقْتِصَارًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْبَيَانِ السَّابِقِ خُصُوصًا فِي مِثْلِ هَذَا الْأَمْرِ الَّذِي هُوَ مِنَ الْعِلْمِ الظَّاهِرِ الْعَامِّ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يُصَلِّي بِهِمْ فَيَقْصُرُ فَإِذَا سَلَّمَ الْتَفَتَ إِلَيْهِمْ وَقَالَ أَتِمُّوا يَا أَهْلَ مَكَّةَ فَإِنَّا قَوْمٌ سَفْرٌ انْتَهَى 0 - (بَاب مَا جاء في الوقوف بعرفات والدعاء فيها) [883] قوله (أتانا بن مِرْبَعٍ الْأَنْصَارِيُّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ صَحَابِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَسَيَجِيءُ مَا فِي اسْمِهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ (مَكَانًا) أَيْ فِي مَكَانٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ (يُبَاعِدُهُ عَمْرٌو) أَيْ يُبَاعِدُ ذَلِكَ الْمَكَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ مَوْقِفِ الْإِمَامِ يَعْنِي يَجْعَلُهُ بَعِيدًا بِوَصْفِهِ إِيَّاهُ بِالْبُعْدِ وَالْمُبَاعَدَةِ بِمَعْنَى التَّبْعِيدِ وَهَذَا قَوْلُ الرَّاوِي عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ (كُونُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ) جَمْعُ مَشْعَرٍ يُرِيدُ بِهَا مَوَاضِعَ النُّسُكِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَعَالِمُ الْعِبَادَاتِ

(عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ إِبْرَاهِيمَ) عِلَّةٌ لِلْأَمْرِ بِالِاسْتِقْرَارِ وَالتَّثَبُّتِ عَلَى الْوُقُوفِ فِي مَوَاقِفِهِمْ الْقَدِيمَةِ عَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ مَوْقِفَهُمْ مَوْقِفُ إِبْرَاهِيمَ وَرِثُوهُ مِنْهُ وَلَمْ يُخْطِئُوا فِي الْوُقُوفِ فِيهِ عَنْ سُنَّتِهِ فَإِنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ وَالْوَاقِفُ بِأَيِّ جُزْءٍ مِنْهَا آتٍ بِسُنَّتِهِ مُتَّبِعٌ لِطَرِيقَتِهِ وَإِنْ بَعُدَ مَوْقِفُهُ عَنْ مَوْقِفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ البيهقي وضعفه والترمذي كما سيذكر وبن خزيمة والمحاملي في الدعاء وبن أبي الدنيا في الأضاحي وبن النَّجَّارِ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا (وَالشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ) لِيَنْظُرْ مَنْ أخرج حديثه قوله (حديث بن مربع حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وبن ماجه قوله (وبن مِرْبَعٍ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ مِرْبَعٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ زَيْدُ بْنُ مِرْبَعِ بْنِ قَيْظِيٍّ صَحَابِيٌّ أَكْثَرُ مَا يَجِيءُ مُبْهَمًا وَقِيلَ اسْمُهُ يَزِيدُ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ انْتَهَى [884] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الصَّنْعَانِيُّ) بِمَفْتُوحَةٍ سُكُونٍ وَنُونٍ وَبِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَنُونٍ أُخْرَى نِسْبَةٌ إلى صنعاء اليمن وإلى صنعاء دمشق كذا في المغنى (الطفاوي) بضم مُهْمَلَةٍ وَخِفَّةُ فَاءٍ وَوَاوٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي قَوْلُهُ (وَهمُ الْحُمْسُ) بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ مِيمٍ فَمُهْمَلَةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحُمْسُ الْأَمْكِنَةُ الصُّلْبَةُ جمع أحمس ولقب به قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَجَدِيلَةَ وَمَنْ تَابَعَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِتَحَمُّسِهِمْ فِي دِينِهِمْ أَوْ لِالْتِجَائِهِمْ بِالْحَمْسَاءِ وَهِيَ الْكَعْبَةُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْأَحْمَسُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الشَّدِيدُ وَسُمُّوا بِذَلِكَ لَمَّا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَكَانُوا إِذَا أَهَلُّوا بِحَجٍّ أو عمرة لا يأكلون لجما وَلَا يَضْرِبُونَ وَبَرَّا وَلَا شَعْرًا وَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ وَضَعُوا ثِيَابَهُمُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ سموا حمسا بالكعبة لأنها حمسا حَجَرُهَا أَبْيَضُ يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَكْثَرُ وَأَنَّهُ مِنَ التَّحَمُّسِ وَهُوَ التَّشَدُّدُ انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا (يَقُولُونَ نَحْنُ قَطِينُ اللَّهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ قَطَنَ قُطُونًا أَقَامَ وَفُلَانًا خَدَمَهُ فَهُوَ قَاطِنٌ وَالْجَمْعُ قُطَّانٌ وَقَاطِنَةٌ وَقَطِينٌ انْتَهَى وقطين

باب ما جاء أن عرفة كلها موقف

اللَّهِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ سُكَّانُ بَيْتِ الله ثم أفيضوا أَيِ ادْفَعُوا يَا قُرَيْشُ وَأَصْلُهُ أَفِيضُوا أَنْفُسَكُمْ فحذف المفعول من حيث أفاض الناس مِنْ عَرَفَةَ بِأَنْ تَقِفُوا بِهَا مَعَهُمْ 1 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ) [885] قَوْلُهُ (هَذِهِ عَرَفَةُ) هِيَ اسْمٌ لِبُقْعَةٍ مَعْرُوفَةٍ (وَعَرَفَةُ كلها موقف) أي إلا بطن عرفة (ثُمَّ أَفَاضَ) أَيْ دَفَعَ مِنْ عَرَفَةَ (وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ) أَيْ جَعَلَهُ رَدِيفَهُ وَفِيهِ جَوَازُ الْإِرْدَافِ إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مُطِيقَةً وَقَدْ تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ (عَلَى هَيْئَتِهِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَيْئَتِهِ وَسَيْرِهِ الْمُعْتَادِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى حُمْنَتِهِ قَالَ السّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ مِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ أَيْ عَلَى عَادَتِهِ فِي السُّكُونِ وَالرِّفْقِ قَالَهُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِ الْمُصَنِّفِ عَلَى هَيْئَتِهِ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْهَمْزَةِ مَكَانَ النُّونِ أَيْ عَلَى سَيْرِهِ الْمُعْتَادِ انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى هِينَتِهِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِكَسْرِ الْهَاءِ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ وَهُوَ حَالٌ أَيْ حَالُ كَوْنِهِ عَلَى عَادَتِهِ فِي السُّكُونِ وَالرِّفْقِ انْتَهَى (وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ الْإِبِلُ (يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ) فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ بِزِيَادَةِ لَا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ بِإِسْقَاطِ

لَا أَصَحُّ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هُنَاكَ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ مِنْ قَوْلِهِ شِمَالًا كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا مَعْنَاهُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى مَشْيِهِمْ وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِسْقَاطِ حَالَ كَوْنِهِ يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ وَيَقُولُ لَهُمْ أَلَخْ (عَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ) بِالنَّصْبِ على الأعزاء قال السّيُوطِيُّ (ثُمَّ أَتَى جَمْعًا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ هُوَ عَلَمٌ لِلْمُزْدَلِفَةِ اجْتَمَعَ فِيهِ آدَمُ وَحَوَّاءُ لَمَّا أُهْبِطَا كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (أَتَى قزح) بفتح القاف وفتح الزاء وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ اسْمُ جَبَلٍ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعَدْلِ وَالْعَلَمِيَّةِ (إِلَى وَادِي مُحَسِّرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيلَ أصحاب الفيل حسر فيه أي أعي وكل ومنه قَوْلُهُ تَعَالَى يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حسير فَقَرَعَ نَاقَتَهُ أَيْ ضَرَبَهَا بِمِقْرَعَةٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ السَّوْطُ (فَخَبَتْ) مِنَ الْخَبَبِ مُحَرَّكَةٌ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْعَدْوِ (حَتَّى جَاوَزَ الْوَادِيَ) قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِسَعَةِ الْمَوْضِعِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْأَوْدِيَةَ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْقِفًا لِلنَّصَارَى فَأَحَبَّ الْإِسْرَاعَ فِيهِ مُخَالَفَةً لَهُمْ وَقِيلَ لِأَنَّ رَجُلًا اصْطَادَ فِيهِ صَيْدًا فَنَزَلَتْ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُ فَكَانَ إِسْرَاعُهُ لِمَكَانِ الْعَذَابِ كَمَا أَسْرَعَ فِي دِيَارِ ثَمُودَ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ (وَلَوَى عُنُقَ الْفَضْلِ) أَيْ صَرَفَ عُنُقَهُ مِنْ جانب الجارية إلى جانب آخَرَ (لَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمْ عَلَيْهِ النَّاسُ لَنَزَعْتُ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ لَوْلَا خَوْفِي أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ ذَلِكَ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ فَيَزْدَحِمُونَ عَلَيْهِ بحيث

يَغْلِبُونَكُمْ وَيَدْفَعُونَكُمْ عَنِ الِاسْتِقَاءِ لَاسْتَقَيْتُ مَعَكُمْ لِزِيَادَةِ فَضِيلَةِ هَذَا الِاسْتِقَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْلَا يَغْلِبُكُمْ أَيْ قَصْدًا لِلِاتِّبَاعِ لَنَزَعْتُ أَيْ أَخْرَجْتُ الْمَاءَ وَسَقَيْتُهُ النَّاسَ كَمَا تَفْعَلُونَ أَنْتُمْ قَالَهُ حَثًّا لَهُمْ عَلَى الثَّبَاتِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا صَلَّى الرَّجُلُ فِي رَحْلِهِ إلخ) قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ في صحيحه وكان بن عُمَرَ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مَعَ الْإِمَامِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي الْمَنَاسِكِ لَهُ قَالَ حَدَّثَنَا الْحَوْضِيُّ عَنْ هَمَّامٍ أَنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُ أَنَّ بن عُمَرَ كَانَ إِذَا لَمْ يُدْرِكِ الْإِمَامَ يَوْمَ عَرَفَةَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي مَنْزِلِهِ وَأَخْرَجَ الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيِّ عَنْهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَهُ بن الْمُنْذِرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَقَالُوا يَخْتَصُّ الْجَمْعُ بِمَنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَخَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ صَاحِبَاهُ وَالطَّحَاوِيُّ ومن أقوى الأدلة لهم صنيع بن عُمَرَ هَذَا وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ جَمْعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ يَجْمَعُ وَحْدَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ أَنَّ الْجَمْعَ لَا يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ وَمِنْ قَوَاعِدِهِمْ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا خَالَفَ مَا رَوَى دَلَّ عَلَى أَنَّ عِنْدَهُ بِأَنَّ مُخَالِفَهُ أَرْجَحُ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ هَذَا ها هنا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ هو بن حُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) الْمَدَنِيُّ أَحَدِ أَئِمَّةِ أَهْلِ الْبَيْتِ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ وَهُوَ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَيْهِ الزَّيْدِيَّةُ خَرَجَ فِي خِلَافِهِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقُتِلَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ والخلاصة

باب ما جاء في الافاضة من عرفات

52 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ) [886] قَوْلُهُ (أَوْضَعَ) وَضَعَ الْبَعِيرُ يَضَعُ وَضْعًا وَأَوْضَعَهُ رَاكِبُهُ إِيضَاعًا إِذَا حَمَلَهُ عَلَى سُرْعَةِ السَّيْرِ كذا في النهاية (في وادي محسر) تقد ضبط في الباب المتقدم قال الأزرقي وهو خمس مائة ذِرَاعٍ وَخَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا وَإِنَّمَا شُرِعَ الْإِسْرَاعُ فِيهِ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا يَقِفُونَ فِيهِ وَيَذْكُرُونَ مَفَاخِرَ آبَائِهِمْ فَاسْتَحَبَّ الشَّارِعُ مُخَالِفَتَهُمْ (وَأَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ) أَيْ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ (وَعَلَيْهِ السَّكِينَةُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (وَأَمَرَهُمْ بِالسَّكِينَةِ) وَفِي حَدِيثِ أُسَامَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَفِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ كَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ وَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ وَفِي حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي عَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَغَدَاةِ جَمْعٍ لِلنَّاسِ حِينَ دَفَعُوا عَلَيْكُمْ بِالسَّكِينَةِ وَهُوَ كَافٌّ نَاقَتَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَيْفِيَّةُ السَّيْرِ فِي الدَّفْعِ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى مُزْدَلِفَةَ لِأَجْلِ الِاسْتِعْجَالِ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ لَا تُصَلَّى إِلَّا مَعَ الْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ مِنَ الْوَقَارِ وَالسَّكِينَةِ عِنْدَ الزَّحْمَةِ وَمِنَ الْإِسْرَاعِ عِنْدَ عَدَمِ الزِّحَامِ (وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرْمُوا مِثْلَ حَصَا الْخَذْفِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْفَاءِ قَالَ الْعُلَمَاءُ حَصَى الْخَذْفِ كَقَدْرِ حَبَّةِ الْبَاقِلَاءِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى

باب ما جاء في الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة

53 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ) [887] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ) بْنِ الْحَارِثِ الْهَمْدَانِيِّ رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وبن عُمَرَ وَعَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَأَبُو رَوْقٍ الهمداني ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (صَلَّى بِجَمْعٍ) أَيْ بِالْمُزْدَلِفَةِ (فَجَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِإِقَامَةٍ) اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَالَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ [888] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي أَيُّوبَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْهُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ وَزَادَ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا فِي قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَفِيهِ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء والطحاوي في شرح الاثار قوله (حديث بن عمر رِوَايَةِ سُفْيَانَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ وَحَدِيثُ سُفْيَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) حديث بن عُمَرَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ

بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ مُتَّفِقٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي صَلَاةَ الْمَغْرِبِ دُونَ جَمْعٍ) قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ شَيْخُنَا زَيْنُ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ مَشْرُوعِيَّةً وَاسْتِحْبَابًا لَا تَحَتُّمًا وَلَا لُزُومًا فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى ذَلِكَ بَلْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَا يُصَلِّيهِمَا حَتَّى يَأْتِيَ جَمْعًا وَلَهُ السَّعَةُ فِي ذَلِكَ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ فَإِنْ صَلَّاهُمَا دُونَ جَمْعٍ أَعَادَ وَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنْ صَلَّاهُمَا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَسَوَاءٌ صَلَّاهُمَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَهُمَا إِذَا أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُصَلِّيهِمَا أَحَدٌ قَبْلَ جَمْعٍ إِلَّا مِنْ عُذْرٍ فَإِنْ صَلَّاهُمَا مِنْ عُذْرٍ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْأَفْضَلُ وَأَنَّهُ إِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَوْ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ بِأَرْضِ عَرَفَاتٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا جَازَ ذَلِكَ وبه قال الأوزاعي وإسحاق بن رَاهَوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَشْهَبُ وَحَكَاهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ عَطَاءٌ وَعُرْوَةُ وَسَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ انْتَهَى (فَإِذَا أَتَى جَمْعًا وَهُوَ الْمُزْدَلِفَةُ جَمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَمْ يَتَطَوَّعْ فِيمَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَذَهَبُوا إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ الَّذِي قَالَ بِإِقَامَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ بِإِقَامَةٍ واحدة وكذا رواه بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا عِنْدَ مُسْلِمٍ انْتَهَى (قَالَ سُفْيَانُ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ تَعَشَّى وَوَضَعَ ثِيَابَهُ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ) رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ

يقول حج عبد الله يعني بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَتَيْنَا الْمُزْدَلِفَةَ حِينَ الْأَذَانِ بِالْعَتَمَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَأَمَرَ رَجُلًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَصَلَّى بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ دَعَا بِعَشَائِهِ فَتَعَشَّى ثُمَّ أَمَرَ فَأُذِنَّ وَأَقَامَ قَالَ عَمْرٌو وَلَا أَعْلَمُ الشَّكَّ إِلَّا مِنْ زُهَيْرٍ وَصَلَّى الْعِشَاءَ رَكْعَتَيْنِ الْحَدِيثَ وَهَذَا هُوَ مُتَمَسَّكُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ) يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ يُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَيُقِيمُ وَيُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثُمَّ يُقِيمُ وَيُصَلِّي الْعِشَاءَ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُصَلِّيهِمَا بِأَذَانٍ لِلْأُولَى وَإِقَامَتَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ إِقَامَةٌ وَقَالَ فِي الْإِيضَاحِ إِنَّهُ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْعُمْدَةِ قُلْتُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِرٍ الطَّوِيلُ فِي قِصَّةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى ذكرها العيني في عمدة القارىء منها هذا الذي ذكره الترمذي قال الْعَيْنِيُّ الثَّالِثُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلْأُولَى وَيُقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالطَّحَاوِيُّ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الرَّأْيِ وَذَكَرَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْجُوزْجَانِيَّ حَكَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الرَّابِعُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلْأُولَى وَيُقِيمُ لَهَا وَلَا يُؤَذِّنُ لِلثَّانِيَةِ وَلَا يُقِيمُ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ حَكَاهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ هَذَا هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَعِنْدَ زُفَرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ قَالَ الْخَامِسُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَيُقِيمُ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وهو قول مالك وأصحابه إلا بن الْمَاجِشُونِ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ قاله بن عَبْدِ الْبَرِّ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ رَوَى البخاري في صحيحه عن بن مَسْعُودٍ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ فِعْلِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَقَدْ رَوَى ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ فِعْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ مَالِكٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْبُخَارِيِّ

باب ما جاء فيمن أدرك الامام بجمع

54 - (باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع) فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ [889] الْجَمْعُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ عَلَمٌ لِلْمُزْدَلِفَةِ اجْتَمَعَ فِيهَا آدَمُ وَحَوَّاءُ لَمَّا أُهْبِطَا كَذَا فِي الْمَجْمَعِ أَيْ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَقَدْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَيُضَمُّ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ قَالَ الْحَافِظُ صَحَابِيٌّ نَزَلَ بِالْكُوفَةِ وَيُقَالُ مَاتَ بِخُرَاسَانَ قَوْلُهُ (فَسَأَلُوهُ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَجَاءَ نَاسٌ أَوْ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فَأَمَرُوا رَجُلًا فَنَادَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ الْحَجُّ (الْحَجُّ عَرَفَةُ) أَيِ الْحَجُّ الصَّحِيحُ حَجُّ مِنْ أَدْرَكَ يَوْمَ عَرَفَةَ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ وَقَالَ الشيخ عز الدين عَبْدِ السَّلَامِ تَقْدِيرُهُ إِدْرَاكُ الْحَجِّ وُقُوفُ عَرَفَةَ وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ مِلَاكُ الْحَجِّ وَمُعْظَمُ أَرْكَانِهِ وُقُوفُ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ (مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جَمْعٍ) أَيْ لَيْلَةَ الْمَبِيتِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَهِيَ لَيْلَةُ الْعِيدِ (قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ) أَيْ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ أَيْ مَنْ جَاءَ عَرَفَةَ وَوَقَفَ فِيهَا لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَوْرَدَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ لَيْلَةَ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ (فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) أَيْ لَمْ يَفُتْهُ وَأَمِنَ مِنَ الْفَسَادِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْوُقُوفَ يَفُوتُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ وَقْتَهُ يَمْتَدُّ إِلَى مَا بَعْدَ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي الْوُقُوفُ فِي جُزْءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَةَ وَلَوْ فِي لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى النَّوَوِيُّ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَكْفِي الْوُقُوفُ لَيْلًا وَمَنِ اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَرُدُّهُ (أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثَةٌ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ يَعْنِي أَيَّامَ مِنًى ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَأَيَّامُ رَمْيِ الْجِمَارِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَيْسَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْهُمْ لِإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّفْرُ يوم ثاني النحر ولو كان يوم النحر مِنَ الثَّلَاثَةِ لَجَازَ أَنْ يَنْفِرَ مَنْ شَاءَ فِي ثَانِيهِ (فمن تعجل في يومين) أَيْ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَنَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْهَا (فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) فِي تَعْجِيلِهِ

(وَمَنْ تَأَخَّرَ) أَيْ عَنِ النَّفْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إِلَيَّ الْيَوْمِ الثَّالِثِ (فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) فِي تَأْخِيرِهِ وَقِيلَ الْمَعْنَى وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنِ الثَّالِثِ إِلَى الرَّابِعِ وَلَمْ يَنْفِرْ مَعَ الْعَامَّةِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَالتَّخْيِيرُ ها هنا وَقَعَ بَيْنَ الْفَاضِلِ وَالْأَفْضَلِ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرَ أَفْضَلُ فَإِنْ قِيلَ إِنَّمَا يَخَافُ الْإِثْمَ الْمُتَعَجِّلُ فَمَا بَالُ الْمُتَأَخِّرِ الَّذِي أَتَى بِالْأَفْضَلِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ عَمِلَ بِالرُّخْصَةِ وَتَعَجَّلَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي الْعَمَلِ بِالرُّخْصَةِ وَمَنْ تَرَكَ الرُّخْصَةَ وَتَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي تَرْكِ الرُّخْصَةِ قوله (قال محمد) هو بن بشار (وزاد يحيى) هو بن سَعِيدٍ أَيْ زَادَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي رِوَايَتِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ لَفْظَ وَأَرْدَفَ رَجُلًا فَنَادَى بِهِ [890] قَوْلُهُ (قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَهَذَا أَجْوَدُ حَدِيثٍ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ) قَالَ السّيُوطِيُّ أَيْ مِنْ حَدِيثِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ يَكْثُرُ فِيهُمُ التَّدْلِيسُ وَالِاخْتِلَافُ وَهَذَا الْحَدِيثُ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الثَّوْرِيَّ سَمِعَهُ مِنْ بُكَيْرٍ وَسَمِعَهُ بُكَيْرٌ مِنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَمِعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَخْتَلِفْ رُوَاتُهُ فِي إِسْنَادِهِ وَقَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ انْتَهَى ونقل بن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ شَيْخِهِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى مَا أَرَى لِلثَّوْرِيِّ حَدِيثًا أَشْرَفَ مِنْهُ

[891] قَوْلُهُ (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مُضَرِّسٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ قَالَ الْحَافِظُ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ واحد في الحج (بن لام) بوزن جام (من جبلى طيء) هُمَا جَبَلُ سَلْمَى وَجَبَلُ أَجَأٍ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ وطيء بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ (أَكَلَلْتُ مَطِيَّتِي) أَيْ أَعْيَيْتُ دَابَّتِي (مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ) بِالْجِيمِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَبْلٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ السَّاكِنَةِ أَحَدُ حِبَالِ الرَّمْلِ وَهُوَ مَا اجْتَمَعَ فَاسْتَطَالَ وَارْتَفَعَ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ فَتْحُ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونُ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ مَا طَالَ مِنَ الرَّمْلِ وَرُوِيَ بِالْجِيمِ وَفَتْحِ الْبَاءِ قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مَا تَرَكْتُ مِنْ جَبَلٍ إِلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مِنْ رَمْلٍ يُقَالُ لَهُ حَبْلٌ وَإِذَا كَانَ مِنْ حِجَارَةٍ يُقَالُ لَهُ جَبَلٌ قَالَ السّيُوطِيُّ لَيْسَ هَذَا فِي رِوَايَتِنَا (صَلَاتَنَا هَذِهِ) يَعْنِي صَلَاةَ الْفَجْرِ (لَيْلًا وَنَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ) تَمَسَّكَ بِهَذَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ وَقْتُ الْوُقُوفِ لَا يَخْتَصُّ بِمَا بَعْدَ الزَّوَالِ بَلْ وَقْتُهُ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَطُلُوعِ يَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّ لَفْظَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مُطْلَقَانِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهَارِ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ لَمْ يَقِفُوا إِلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ أَنَّهُ وَقَفَ قَبْلَهُ فَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا هَذَا الْفِعْلَ مُقَيِّدًا لِذَلِكَ الْمُطْلَقِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ (وَقَضَى تَفَثَهُ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الْمَنَاسِكِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ التَّفَثَ مَا يَصْنَعُهُ الْمُحْرِمُ عِنْدَ حِلِّهِ مِنْ تَقْصِيرِ شَعْرٍ أَوْ حَلْقِهِ وَحَلْقِ الْعَانَةِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَغَيْرِهِ مِنْ خصال الفطرة ويدخل في ذلك نحو الْبُدْنِ وَقَضَاءُ جَمِيعِ الْمَنَاسِكِ لِأَنَّهُ لَا يُقْضَى التَّفَثُ إِلَى بَعْدَ ذَلِكَ وَأَصْلُ التَّفَثِ الْوَسَخُ وَالْقَذَرُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن ماجه أيضا

55 - [892] قَوْلُهُ (فِي ثَقَلٍ) بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْقَافِ مَتَاعُ الْمُسَافِرِ وَحَشَمُهُ و (مِنْ جَمْعٍ) أَيِ الْمُزْدَلِفَةِ (بِلَيْلٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الضَّعَفَةِ لِئَلَّا يَتَأَذَّوْا بِالزِّحَامِ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) قَالَتْ كَانَتْ سَوْدَةُ امْرَأَةً ضَخْمَةً ثَبِطَةً فَاسْتَأْذَنَتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم إن تُفِيضَ مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ فَاسْتَأْذَنَ لَهَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَأُمِّ حَبِيبَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِهَا مِنْ جَمْعٍ بِلَيْلٍ (وَأَسْمَاءَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَالْفَضْلِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (عَنْ مُشَاشٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَكْرَارِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُشَاشٌ بِمُعْجَمَتَيْنِ أَبُو سَاسَانَ أَوْ أَبُو الْأَزْهَرِ السُّلَمِيُّ الْبَصْرِيُّ أَوِ الْمَرْوَزِيُّ وَقِيلَ هُمَا اثْنَانِ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ ضَعِيفٍ وَهُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالْخَدَمُ قَوْلُهُ (عَنْ مِقْسَمِ) بِوَزْنِ مِنْبَرٍ قَالَ فِي التقريب بكسر أوله بن بجرة بضم الموحدة

وسكون الجيم ويقال نجدة بفتح النون وبدال مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ وَيُقَالُ لَهُ مولى بن عَبَّاسٍ لِلُزُومِهِ لَهُ صَدُوقٌ وَكَانَ يُرْسِلُ مِنَ الرَّابِعَةِ [893] قَوْلُهُ (لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الرَّمْيِ فِي اللَّيْلِ وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرُونَ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالتَّقْيِيدُ بِطُلُوعِ الشَّمْسِ لِأَنَّ الرَّمْيَ حِينَئِذٍ سُنَّةٌ وَمَا قَبْلَهُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَائِزٌ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ) احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ أَسْمَاءَ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا رَمَتِ الْجَمْرَةَ قُلْتُ لَهَا إِنَّا رَمَيْنَا الْجَمْرَةَ بِلَيْلٍ قَالَتْ إِنَّا كُنَّا نَصْنَعُ هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وبين حديث بن عَبَّاسٍ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ بِحَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى النَّدْبِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطحاوي من طريق شعبة مولى بن عَبَّاسٍ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَهْلِهِ وَأَمَرَنِي أَنْ أَرْمِيَ مَعَ الْفَجْرِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِيهِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ لَا يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ إِلَّا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ رَمَى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ جَازَ وَإِنْ رَمَاهَا قَبْلَ الْفَجْرِ أَعَادَهَا وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْجُمْهُورُ وَزَادَ إِسْحَاقُ وَلَا يَرْمِيهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَرَأَى جَوَازَ ذَلِكَ قَبْلَ طُلُوعِ الفجر عطاء وطاؤس والشعبي والشافعي واحتج الجمهور بحديث بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ مِنًى لِصَلَاةِ الْفَجْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا قَدِمُوا رموا الجمرة وكان بن عُمَرَ يَقُولُ أَرَخَّصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ واحتج إسحاق بحديث بن عَبَّاسٍ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

باب ما جاء في رمي يوم النحر ضحى

56 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رَمْيِ يَوْمِ النَّحْرِ ضُحًى) [894] قَوْلُهُ (يَرْمِي يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى) قَالَ الْعِرَاقِيُّ الرِّوَايَةُ فِيهِ بِالتَّنْوِينِ عَلَى أَنَّهُ مَصْرُوفٌ انْتَهَى أَيْ وَقْتَ الضَّحْوَةِ مِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ (وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَهُوَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ (بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ) أَيْ فَيَرْمِي بَعْدَ الزَّوَالِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَرْمِيَ الْجِمَارَ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْأَضْحَى بَعْدَ الزَّوَالِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَ فِيهِ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ فَقَالَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ مُطْلَقًا وَرَخَّصَ الحنفية في الرمي في يوم النفر قبل الزَّوَالِ وَقَالَ إِسْحَاقُ إِنْ رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ أَعَادَ إِلَّا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيُجْزِئُهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ لَا دَلِيلَ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ لَا مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا تَرْخِيصُ الْحَنَفِيَّةِ فِي الرَّمْيِ فِي يَوْمِ النَّفْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بأثر بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا الْيَوْمُ الرَّابِعُ فَيَجُوزُ الرَّمْيُ قَبْلَ الزَّوَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَمَذْهَبُهُ مَرْوِيٌّ عن بن عباس رضي الله عنه انتهى قال بن الْهُمَامِ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ إِذَا انْتَفَخَ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ النَّفْرِ فَقَدْ حَلَّ الرَّمْيُ وَالصَّدَرُ وَالِانْتِفَاخُ الِارْتِفَاعُ وَفِي سَنَدِهِ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو ضعفه البيهقي قال بن الْهُمَامِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِي تَعْيِينِ الْوَقْتِ لِلرَّمْيِ فِي الْأَوَّلِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ بَعْدِ الزَّوَالِ لَيْسَ إِلَّا فِعْلُهُ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْقُولٍ وَلَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي فَعَلَهُ فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَمَا لَا يُفْعَلُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي رَمَى فِيهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَإِنَّمَا رَمَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الرَّابِعِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا يَرْمِي قَبْلَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم

باب ما جاء أن الافاضة من جمع قبل طلوع الشمس

57 - (باب ما جاء أن الإفاضة من جمع قبل طلوع الشمس) لإفاضة الدَّفْعَةُ [895] قَوْلُهُ (أَفَاضَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَفَاضَ مِنْ جَمْعٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْأَرْبَعَةُ قَوْلُهُ (كُنَّا وُقُوفًا) جَمْعُ وَاقِفٍ (بِجَمْعٍ) أَيْ بِالْمُزْدَلِفَةِ (إِنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا لَا يُفِيضُونَ) أَيْ مِنْ جَمْعٍ (أَشْرِقْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ الْإِشْرَاقِ أَيِ ادْخُلْ فِي الشُّرُوقِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْمَعْنَى لِتَطْلُعَ عَلَيْكَ الشَّمْسُ [896] (ثَبِيرٌ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ هُنَاكَ وَهُوَ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إِلَى مِنًى وَهُوَ أَعْظَمُ جِبَالِ مَكَّةَ عُرِفَ بِرَجُلٍ مِنْ هُذَيْلٍ اسْمُهُ ثَبِيرٌ دُفِنَ فِيهِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الدَّفْعِ مِنَ الْمَوْقِفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ عِنْدَ الْإِسْفَارِ وَقَدْ نَقَلَ الطَّبَرِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَقِفْ فِيهَا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ فَإِنَّهُ الْوُقُوفُ قال بن الْمُنْذِرِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهُ وَكَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنْ يَدْفَعَ قَبْلَ الْإِسْفَارِ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِالنُّصُوصِ

باب ما جاء أن الجمار التي ترمي مثل حصى الخذف

58 - (باب ما جاء أن الجمار التي ترمي مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ) أَيْ صِغَارًا كَالْبَاقِلَاءِ [897] قَوْلُهُ (يرمي الجمار بمثل حصى الحذف) قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ نَحْوُ حَبَّةِ الْبَاقِلَاءِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ رَمَى بِأَكْبَرَ مِنْهَا أَوْ أَصْغَرَ جَازَ وَكَانَ مَكْرُوهًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ عَنْ أُمِّهِ وَهِيَ أُمُّ جُنْدُبٍ الْأَزْدِيَّةُ) صَحَابِيَّةٌ وَابْنُهَا سُلَيْمَانُ كُوفِيٌّ مَقْبُولٌ مِنَ الثانية (وبن عَبَّاسٍ وَالْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ) أَمَّا حديث أم جندب فأخرجه أبو داود وبن ماجه وأما حديث بن عباس فأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْخَذْفِ الَّذِي تُرْمَى بِهِ الْجَمْرَةُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشِيرُ بِيَدِهِ كَمَا يخذف الانسان وأما حديث بن عَبَّاسٍ وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاذٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب ما جاء في الرمي بعد زوال الشمس

59 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّمْيِ بَعْدَ زَوَالِ الشمس) [898] قوله (عن الحجاج) هو بن دينار الواسطي (عن الحكم) هو بن عُتَيْبَةَ (عَنْ مِقْسَمٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ بن بجرة أو بن نَجْدَةَ قَوْلُهُ (يَرْمِي الْجِمَارَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ) أَيْ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِمَا رَوَى مسلم وبن خزيمة وبن حبان من طريق بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَمَى الْجَمْرَةَ ضُحَى يَوْمِ النَّحْرِ وَحْدَهُ وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَرْمِيَ الْجِمَارَ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْأَضْحَى بَعْدَ الزَّوَالِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَ فِيهِ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ فَقَالَا يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ مُطْلَقًا وَرَخَّصَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الرَّمْيِ فِي يَوْمِ النَّفْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَقَالَ إِسْحَاقُ إِنْ رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ أَعَادَ إِلَّا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيُجْزِئُهُ انْتَهَى كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ احْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عن بن عَبَّاسٍ إِذَا انْتَفَخَ النَّهَارُ مِنْ يَوْمِ النَّفْرِ فَقَدْ حَلَّ الرَّمْيُ وَالصَّدَرُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فِي سَنَدِهِ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ وَالِانْتِفَاخُ الِارْتِفَاعُ انْتَهَى وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عُمَرَ كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ رَمَيْنَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ كُلُّهَا تَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ بِجَوَازِ الرَّمْيِ قَبْلَ الزَّوَالِ فِي غَيْرِ يَوْمِ النَّحْرِ قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن) وأخرجه أحمد وبن ماجه أيضا وإسناد بن ماجه هكذا حدثنا جبارة بن المفلس حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَبُو شَيْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ بن عباس

باب ما جاء في رمي الجمار راكبا وماشيا

60 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رَمْيِ الْجِمَارِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا) [899] قَوْلُهُ (رَمَى الْجَمْرَةَ) أَيْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ وَيَقُولُ لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ (وَقُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ صَهْبَاءَ لَيْسَ ضَرْبٌ وَلَا طَرْدٌ وَلَيْسَ قِيلَ إِلَيْكَ إِلَيْكَ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ (وَأُمِّ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ) قَالَتْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَهُوَ رَاكِبٌ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ الْحَدِيثَ أخرجه أبو داود وسكت عنه وأخرجه بن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ قَالَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عليه [900] قوله (حديث بن عباس حديث حسن) وأخرجه بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ وَصَلَ مِنًى

باب ما جاء كيف ترمى الجمار

رَاكِبًا أَنْ يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ رَاكِبًا وَلَوْ رَمَاهَا مَاشِيًا جَازَ وَأَمَّا مَنْ وَصَلَهَا مَاشِيًا فَيَرْمِيهَا مَاشِيًا وَهَذَا فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَأَمَّا الْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْمِيَ فِيهِمَا جَمِيعَ الْجَمَرَاتِ مَاشِيًا وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَرْمِي رَاكِبًا وَيَنْفِرُ هَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يُسْتَحَبُّ يَوْمَ النَّحْرِ أَنْ يَرْمِيَ مَاشِيًا قال بن المنذر وكان بن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَسَالِمٌ يَرْمُونَ مُشَاةً قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الرَّمْيَ يَجْزِيهِ عَلَى أَيِّ حَالٍ رَمَاهُ إِذَا وَقَعَ فِي الْمَرْمَى انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ 1 - (بَاب مَا جَاءَ كَيْفَ تُرْمَى الْجِمَارُ) [901] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيِّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ الْمَسْعُودِيُّ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَضَابِطُهُ أَنَّ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بِبَغْدَادَ فَبَعْدَ الِاخْتِلَاطِ مَاتَ سَنَةَ 061 سِتِّينَ وَمِائَةٍ قَوْلُهُ (لَمَّا أَتَى عَبْدُ اللَّهِ) هو بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (اسْتَبْطَنَ الْوَادِي) أَيْ قَصَدَ بَطْنَ الْوَادِي وَوَقَفَ فِي وَسَطِهِ (وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ) كَذَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْحَافِظُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ وَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ شَاذٌّ فِي إِسْنَادِهِ الْمَسْعُودِيُّ وَقَدِ اخْتَلَطَ انْتَهَى (يُكَبِّرُ مَعَ

كُلِّ حَصَاةٍ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ رَمْيِ الْجَمَرَاتِ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ عَطَاءٌ وَصَاحِبُهُ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَا لَوْ رَمَى السَّبْعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ (الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) خَصَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ مَذْكُورٌ فِيهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمَنَاسِكِ مُنَبِّهًا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْحَجِّ تَوْقِيفِيَّةٌ وَقِيلَ خَصَّ الْبَقَرَةَ بِذَلِكَ لِطُولِهَا وَعِظَمِ قَدْرِهَا وَكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْأَحْكَامِ أَوْ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ الْوُقُوفُ عِنْدَهَا بِقَدْرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ) أخرجه بن جرير (وبن عباس) أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي شَرْحِ سراج أحمد (وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَفِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ مَتَى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ قَوْلُهُ (حديث بن مَسْعُودٍ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي إِسْنَادِهِ الْمَسْعُودِيُّ وَقَدِ اخْتَلَطَ قَالَ وَلَفْظُ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِيهِ شَاذٌّ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا قَوْلُهُ (يَخْتَارُونَ أَنْ يَرْمِيَ الرَّجُلُ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي حديث بن مَسْعُودٍ اسْتِحْبَابُ كَوْنِ الرَّمْيِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ تَحْتَهَا فِي بَطْنِ الْوَادِي فَيَجْعَلَ مَكَّةَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَيَسْتَقْبِلَ الْعَقَبَةَ وَالْجَمْرَةَ وَيَرْمِيَهَا بِالْحَصَيَاتِ السَّبْعِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ مستقبل الجمرة مستديرا مَكَّةَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ وَتَكُونَ الْجَمْرَةُ عَنْ يَمِينِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ مَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَكَوْنِ الْجَمْرَةِ عَنِ الْيَمِينِ اسْتَدَلَّ بِرِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَجَعَلَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ الْقَائِلُونَ بِاسْتِحْبَابِ اسْتِقْبَالِ الْعَقَبَةِ وَالْجَمْرَةِ

باب ما جاء في كراهية طرد الناس عند رمي الجمار

برواية البخاري ومسلم عن بن مَسْعُودٍ بِلَفْظِ جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَقَالُوا إِنَّ رِوَايَةَ الشَّيْخَيْنِ مُقَدَّمَةٌ على رواية الترمذي (سبع حَصَيَاتٍ وَيُكَبِّرَ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً قَالَ الْقَاضِي وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ لَا شَيْءَ عليه قوله (من ها هنا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) خَصَّهَا بِالذِّكْرِ لِمَا فِيهَا مِنْ أَحْكَامِ الْحَجِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وبن عباس وبن عُمَرَ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فأخرجه أيضا مسلم وغيره وأما حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الموطأ قوله (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (إِنَّمَا جَعَلَ رَمْيَ الْجِمَارِ وَالسَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ) أَيْ لِأَنَّ يُذْكَرَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمُتَبَرَّكَةِ فَالْحَذَرُ الْحَذَرُ مِنَ الْغَفْلَةِ وَإِنَّمَا خُصَّا بِالذِّكْرِ مَعَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ هُوَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ ظَاهِرَهُمَا فِعْلٌ لَا تَظْهَرُ فِيهِمَا الْعِبَادَةُ وَإِنَّمَا فِيهِمَا التَّعَبُّدُ لِلْعُبُودِيَّةِ بِخِلَافِ الطَّوَافِ حَوْلَ بَيْتِ اللَّهِ وَالْوُقُوفِ لِلدُّعَاءِ فَإِنَّ أَثَرَ الْعِبَادَةِ لَائِحَةٌ فِيهِمَا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ طَرْدِ النَّاسِ عِنْدَ رَمْيِ الْجِمَارَ) [903] قَوْلُهُ (عَنْ أَيْمَنَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وسكون التحتية وفتح الميم (بن نَابِلٍ) بِالنُّونِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ صَدُوقٌ يَهِمُ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَسْلَمَ

باب ما جاء في الاشتراك في البدنة والبقرة

قَدِيمًا وَسَكَنَ مَكَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرْ وَشَهِدَ حَجَّةَ الْوَدَاعِ (لَيْسَ) أَيْ هُنَاكَ (ضَرْبٌ وَلَا طَرْدٌ وَلَا إِلَيْكَ إِلَيْكَ) أَيْ تَنَحَّ تَنَحَّ وَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى تَنَحَّ عَنِ الطَّرِيقِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الِاشْتِرَاكِ فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ) [904] قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَدَنَةُ مُحَرَّكَةً مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْبَدَنَةُ تَقَعُ عَلَى الْجَمَلِ وَالنَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ وَهِيَ بِالْإِبِلِ أَشْبَهُ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إِنَّ أَصْلَ الْبُدْنِ مِنَ الْإِبِلِ وَأُلْحِقَتْ بِهَا الْبَقَرَةُ شَرْعًا قَوْلُهُ (الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ اشْتَرَكْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِجَابِرٍ أَيُشْتَرَكُ فِي الْبَقَرِ مَا يُشْتَرَكُ فِي الْجَزُورِ فَقَالَ مَا هِيَ إِلَّا مِنَ الْبُدْنِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عمر وأبي هريرة وعائشة وبن عباس) أما حديث بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشْرَكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْبَقَرَةِ عَنْ سَبْعَةٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ

باب ما جاء في إشعار البدن

قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم قوله (وهو قول سفيان والثوري وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الباب وما في معناه (وروى عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْجَزُورَ عَنْ عَشْرَةٍ) أَسْنَدَهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ بِقَوْلِهِ [905] حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ إلخ (وَهُوَ قَوْلِ إِسْحَاقَ) أَيِ بن راهويه (واحتج بهذا الحديث) وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ 4 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي إِشْعَارِ الْبُدْنِ) [906] قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ إِشْعَارُ الْبُدْنِ هُوَ أَنْ يُشَقَّ أَحَدُ جَنْبَيْ سَنَامِ الْبَدَنَةِ حَتَّى يَسِيلَ دَمُهَا وَيُجْعَلَ ذَلِكَ لَهَا عَلَامَةً تُعْرَفُ بِهَا أَنَّهَا هَدْيٌ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَفَائِدَةُ الْإِشْعَارِ الْإِعْلَامُ بِأَنَّهَا صَارَتْ هَدْيًا لِيَتْبَعَهَا مَنْ يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ وَحَتَّى لَوِ اخْتَلَطَتْ بِغَيْرِهَا تَمَيَّزَتْ أوضلت عُرِفَتْ أَوْ عَطِبَتْ عَرَفَهَا الْمَسَاكِينُ بِالْعَلَامَةِ فَأَكَلُوهَا مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شِعَارِ الشَّرْعِ وَحَثِّ الْغَيْرِ عَلَيْهِ

قَوْلُهُ (قَلَّدَ نَعْلَيْنِ) أَيْ عَلَّقَهُمَا وَجَعَلَهُمَا فِي رَقَبَةِ الْهَدْيِ قَالَ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ التَّقْلِيدُ هُوَ تَعْلِيقُ نَعْلٍ أَوْ جِلْدٍ لِيَكُونَ عَلَامَةَ الهدى (وأشعر الهدي في شق الْأَيْمَنِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ قَالَ النَّوَوِيُّ صَفْحَةُ السَّنَامِ جَانِبُهُ أَيْ فِي جَانِبِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ (وَأَمَاطَ عَنْهُ الدَّمَ) أَيْ مَسَحَهُ وَسَلَتَهُ عَنْهُ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ هَكَذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ وَسَلَتَ الدَّمَ وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عائشة أخرجه الشيخان قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (اسمه مسلم) أي بن عَبْدِ اللَّهِ الْمَشْهُورِ بِكُنْيَتِهِ صَدُوقٌ رُمِيَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إلخ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ فِي الْهَدَايَا مِنَ الْإِبِلِ وبهذا قال جماهير العلماء من السلف والخلف وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْإِشْعَارُ بِدْعَةٌ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَهَذَا يُخَالِفُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْمَشْهُورَةَ فِي الْإِشْعَارِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهَا مُثْلَةٌ فَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هَذَا كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَالْخِتَانِ وَالْكَيِّ وَالْوَسْمِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَأَبْعَدَ مَنْ مَنَعَ الْإِشْعَارَ وَاعْتَلَّ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ كَانَ مَشْرُوعًا قَبْلَ النَّهْي عَنِ الْمُثْلَةِ فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يُصَارُ إِلَيْهِ بِالِاحْتِمَالِ بَلْ وَقَعَ الْإِشْعَارُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَذَلِكَ بَعْدَ النَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ بِزَمَانٍ قَوْلُهُ (قَالَ سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ عِيسَى) أَيْ قَالَ أَبُو عِيسَى سَمِعْتُ يُوسُفَ بْنَ عِيسَى وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ التِّرْمِذِيِّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الْعَاشِرَة (فَقَالَ لَا تَنْظُرُوا إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الرَّأْيِ فِي هذا فإن

الْإِشْعَارَ سُنَّةٌ وَقَوْلَهُمْ بِدْعَةٌ) قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى قَوْلِ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ قِيلَ إِنَّ الْإِشْعَارَ عِنْدَهُ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ بِدْعَةٌ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ لَفْظُ أَهْلِ الرَّأْيِ لَيْسَ لِلتَّوْهِينِ بَلْ يُطْلَقُ عَلَى الْفَقِيهِ إِلَّا أَنَّ أَوَّلَ إِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فإنه أول مِنْ دُونِ الْفِقْهِ قَالَ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ لَفْظُ أَهْلِ الرَّأْيِ فِي كُلِّ فَقِيهٍ انْتَهَى قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ مُرَادَ وَكِيعٍ بِأَهْلِ الرَّأْيِ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ وَكِيعٍ الْآتِي أَشْعَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُثْلَةٌ وَقَوْلُ وَكِيعٍ هَذَا وَقَوْلُهُ لَا تَنْظُرُوا إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الرَّأْيِ إلخ كِلَاهُمَا للإنكار على الامام أبو حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ الْإِشْعَارُ مُثْلَةٌ أَوْ مَكْرُوهٌ فَأَنْكَرَ وَكِيعٌ بِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ إِنْكَارًا شَدِيدًا وَرَدَّ عَلَيْهِ رَدًّا بَلِيغًا وَظَهَرَ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ وَكِيعًا لَمْ يَكُنْ حَنَفِيًّا مُقَلِّدًا لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَنَفِيًّا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ هَذَا الْإِنْكَارَ الْبَتَّةَ فَبَطَلَ قَوْلُ صَاحِبِ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ أَنَّ وَكِيعًا كَانَ حَنَفِيًّا فَإِنْ قُلْتُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ فِي تَرْجَمَةِ وَكِيعٍ قَالَ يَحْيَى مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْهُ يَعْنِي مِنْ وَكِيعٍ يَقُومُ اللَّيْلَ وَيَسْرُدُ الصَّوْمَ وَيُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى فَقَوْلُ يَحْيَى هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَكِيعًا كَانَ حَنَفِيًّا قُلْتُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَيُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْإِفْتَاءُ بِجَوَازِ شُرْبِ نَبِيذِ الْكُوفِيِّينَ فَإِنَّ وَكِيعًا كَانَ يَشْرَبُهُ وَيُفْتِي بِجَوَازِهِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ مَا فِيهِ أَيْ مَا فِي وَكِيعٍ إِلَّا شُرْبُهُ نَبِيذَ الْكُوفِيِّينَ وَمُلَازَمَتُهُ لَهُ جَاءَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْهُ انْتَهَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْخُصُوصُ لَا الْعُمُومُ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْعُمُومُ فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي لَيْسَ مُخَالِفًا لِلْحَدِيثِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَاهُ الْمَذْكُورَانِ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ لَفْظُ أَهْلِ الرَّأْيِ يُطْلَقُ عَلَى الْفَقِيهِ وَقَوْلُهُ يُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ فَقِيهٍ فَفِيهِ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ فَقِيهٍ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْمُقَدَّمَةِ (فَإِنَّ الْإِشْعَارَ سُنَّةٌ وَقَوْلَهُمْ بِدْعَةٌ) يَعْنِي أَنَّ الْإِشْعَارَ ثَابِتٌ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا قَوْلُ أَهْلِ الرَّأْيِ بِأَنَّ الْإِشْعَارَ مُثْلَةٌ فَهُوَ بِدْعَةٌ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَلَمْ يَفْهَمْ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ بِدْعَةٌ إلخ لَمْ يُصَرِّحْ وَكِيعٌ بِأَنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِذَا ذَكَرَ قوله لم يقله بِدْعَةٌ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ (وَيَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُثْلَةٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ مَثَّلْتُ بِالْحَيَوَانِ أُمَثِّلُ بِهِ مَثَلًا إِذَا قَطَعْتَ أَطْرَافَهُ وَشَوَّهْتَ بِهِ وَمَثَّلْتَ بِالْقَتِيلِ إِذَا جَدَعْتَ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ مَذَاكِيرَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ أَطْرَافِهِ

وَالِاسْمُ الْمُثْلَةُ انْتَهَى وَمَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ مُثْلَةٌ أَيِ الْإِشْعَارُ دَاخِلٌ فِي الْمُثْلَةِ وَالْمُثْلَةُ حَرَامٌ فَالْإِشْعَارُ حَرَامٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْبَابِ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْعُذْرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ فَهُوَ عِنْدِي بَارِدٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (مَا أَحَقَّكَ بِأَنْ تحبس) بصيغة المجهول وما أحقك فعل التَّعَجُّبِ (حَتَّى تَنْزِعَ عَنْ قَوْلِكَ هَذَا) أَيْ تَرْجِعَ عَنْهُ وَإِنَّمَا غَضِبَ وَكِيعٌ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي كَانَ يَنْظُرُ فِي الرَّأْيِ لِأَنَّهُ عَارَضَ الْحَدِيثَ النَّبَوِيَّ بِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا يُوسُفَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ الدُّبَّاءَ فَقَالَ رَجُلٌ إِنِّي لَا أُحِبُّهُ فَأَمَرَ أَبُو يُوسُفَ بِقَتْلِ ذَلِكَ الرجل 5 - باب [907] قوله (حدثنا بن الْيَمَانِ) اسْمُهُ يَحْيَى الْعِجْلِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ عَابِدٌ يخطىء كَثِيرًا وَقَدْ تَغَيَّرَ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ (عَنْ عبيد الله) هو بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو عُثْمَانَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَدَّمَهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ عَلَى مَالِكِ بْنِ نَافِعٍ قَوْلُهُ (اشْتَرَى هَدْيَهُ مِنْ قُدَيْدٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ قُدَيْدٌ مُصَغَّرًا وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ الْيَمَانِ) وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ (وَهَذَا أَصَحُّ) أَيْ هَذَا الْمَوْقُوفُ مِنَ الْمَرْفُوعِ الَّذِي رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ عَنِ الثَّوْرِيِّ

باب ما جاء في تقليد الهدي للمقيم

66 - (باب ما جاء في تقليد الهدي للمقيم) [908] أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَلَبَّسَ بِالْإِحْرَامِ وَالْهَدْيُ مَا يُهْدَى إِلَى الْكَعْبَةَ مِنَ النَّعَمِ لِتُنْحَرَ به وتقليدها أن يجعل فِي رِقَابِهَا شَيْءٌ كَالْقِلَادَةِ مِنْ لِحَاءِ الشَّجَرَةِ أَوِ الصُّوفِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا هَدْيٌ قَوْلُهُ (فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَلَائِدُ جَمْعُ قِلَادَةٍ وَهِيَ مَا تُعَلَّقُ بِالْعُنُقِ (ثُمَّ لَمْ يُحْرِمْ) أَيْ لَمْ يَصِرْ مُحْرِمًا (وَلَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِنَ الثِّيَابِ) أَيِ الَّتِي أَحَلَّهَا اللَّهُ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ قَالَتْ عمرة فقالت عائشة ليس كما قال بن عَبَّاسٍ أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي ثُمَّ قَلَّدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا إِذَا قَلَّدَ الرَّجُلُ الْهَدْيَ وَهُوَ يُرِيدُ الْحَجَّ إلخ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَنْ بَعَثَ هَدْيَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا قَلَّدَ الرَّجُلُ الْهَدْيَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا وَجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ) وَبِهِ قَالَ بن عَبَّاسٍ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصحابة منهم بن عمر رواه بن أبي شيبة عن بن علية عن أيوب وبن المنذر من طريق بن جريج كلاهما عن نافع أن بن عُمَرَ كَانَ إِذَا بَعَثَ بِالْهَدْيِ يُمْسِكُ عَمَّا يُمْسِكُ عَنْهُ الْمُحْرِمُ إِلَّا أَنَّهُ لَا يُلَبِّي وَمِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ طَرِيقِ

باب ما جاء في تقليد الغنم

سعيد بن المسيب نحو ذلك وروى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَالَا فِي الرَّجُلِ يُرْسِلُ بِبَدَنَةٍ أَنَّهُ يُمْسِكُ عَمَّا يمسك عنه المحرم وهذا منقطع قال بن المنذر قال عمر وعلي وبن عمر وبن عباس والنخعي وعطاء وبن سِيرِينَ وَآخَرُونَ مَنْ أَرْسَلَ الْهَدْيَ وَأَقَامَ حَرُمَ عليه ما يحرم على المحرم وقال بن مسعود وعائشة وأنس وبن الزُّبَيْرِ وَآخَرُونَ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ مُحْرِمًا وَإِلَى ذلك صار نقهاء الْأَمْصَارِ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدَّ قَمِيصَهُ مِنْ جَيْبِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ رِجْلَيْهِ وَقَالَ إِنِّي أَمَرْتُ بِبُدْنِيِّ الَّتِي بَعَثْتُ بِهَا أَنْ تُقَلَّدَ الْيَوْمَ وَتُشْعَرَ عَلَى مَكَانِ كَذَا فَلَبِسْتُ قَمِيصِي وَنَسِيتُ فَلَمْ أَكُنْ لِأُخْرِجَ قَمِيصِي مِنْ رَأْسِي الْحَدِيثَ وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِضَعْفِ إِسْنَادِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَالْمَذْهَبُ الْقَوِيُّ هُوَ أَنَّ بَاعِثَ الْهَدْيِ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا لِثُبُوتِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأسانيد صحيحة وما ذهب إليه بن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَقْلِيدِ الْغَنَمِ) [909] قَوْلُهُ (كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّهَا) بِالنَّصْبِ تَأْكِيدٌ لِلْقَلَائِدِ أَوْ بِالْجَرِّ تَأْكِيدٌ لِهَدْيِ (غَنَمًا) حَالٌ عَنِ الْهَدْيِ إِلَّا أَنَّهُ اشْتُرِطَ فِي الْحَالِ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ صِحَّةُ وَضْعِهِ موضع المضاف وهو ها هنا مَفْقُودٌ إِلَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِذَا كَانَ الْمُضَافُ مِثْلَ جُزْءِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ فَيَجُوزُ الْحَالُ مِنْهُ وَفِيمَا نَحْنُ فِيهِ نَظَرًا إِلَى اتِّصَالِ الْقَلَائِدِ بِالْهَدْيِ كَجُزْئِهِ وَأَجَازَ بَعْضُ النُّحَاةِ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مُطْلَقًا فَحِينَئِذٍ لَا إِشْكَالَ كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِأَبِي الطَّيِّبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إلخ) وَهُوَ قَوْلُ الْكَثِيرِينَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ

باب ما جاء إذا عطب الهدي ما يصنع به

الْكَثِيرِينَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْلِيدُ الْغَنَمِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ خَصَّا التَّقْلِيدَ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي دَلَالَتِهِ عليهما انتهى وقال بن الْمُنْذِرِ أَنْكَرَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ تَقْلِيدَ الْغَنَمِ وَلَمْ نَجِدْ لَهُمْ حُجَّةً إِلَّا قَوْلَ بَعْضِهِمْ إِنَّهَا تَضْعُفُ عَنِ التَّقْلِيدِ وَهُوَ حُجَّةٌ ضَعِيفَةٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّقْلِيدِ الْعَلَامَةُ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تُشْعَرُ لِأَنَّهَا تَضْعُفُ عَنْهُ فَتُقَلَّدُ بِمَا لَا يُضْعِفُهَا وَالْحَنَفِيَّةُ فِي الْأَصْلَ يَقُولُونَ لَيْسَتِ الْغَنَمُ مِنَ الْهَدْيِ فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى انْتَهَى 8 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا عَطِبَ الْهَدْيُ مَا يُصْنَعُ بِهِ) عَطِبَ كَفَرِحَ هَلَكَ وَالْمُرَادُ قَرُبَ هَلَاكُهَا حَتَّى خِيفَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ [910] قَوْلُهُ (عَنْ نَاجِيَةَ الْخُزَاعِيِّ) هو بن جندب بن كعب وقيل بن كَعْبِ بْنِ جُنْدُبٍ صَحَابِيٌّ تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ السُّيُوطِيُّ لَيْسَ لَهُ فِي الْكُتُبِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَكَانَ اسْمُهُ ذَكْوَانَ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاجِيَةَ حِينَ نَجَا مِنْ قُرَيْشٍ وَاسْمُ أَبِيهِ جُنْدُبٌ وَقِيلَ كَعْبٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (كَيْفَ أَصْنَعُ بِمَا عَطِبَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ عَطَبُ الْهَدْيِ هَلَاكُهُ وَقَدْ يُعَبِّرُ عَنْ آفَةٍ تَعْتَرِيهِ وَتَمْنَعُهُ عَنِ السَّيْرِ فَيُنْحَرُ انْتَهَى (ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا) إِنَّمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ لِأَجْلِ أَنْ يَعْلَمَ مَنْ مَرَّ بِهِ أَنَّهُ هَدْيٌ فَيَأْكُلَهُ (ثُمَّ خَلِّ بين الناس وبينها فيأكلوها) وفي حديث ذويب أَبِي قَبِيصَةَ وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِي الْمُرَادِ بِالرُّفْقَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا الَّذِينَ يُخَالِطُونَ الْمُهْدِي فِي الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ دُونَ بَاقِي الْقَافِلَةِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّفْقَةِ جَمِيعُ الْقَافِلَةِ لِأَنَّ السَّبَبَ الَّذِي مُنِعَتْ بِهِ الرُّفْقَةُ هُوَ خَوْفُ تَعْطِيبِهِمْ إِيَّاهُ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِ الْقَافِلَةِ فَإِنْ قِيلَ إِذَا لَمْ تُجَوِّزُوا لِأَهْلِ الرُّفْقَةِ أَكْلَهُ وَقُلْتُمْ بِتَرْكِهِ فِي الْبَرِّيَّةِ كَانَ طُعْمَةً لِلسِّبَاعِ وَهَذَا إِضَاعَةُ مَالٍ قُلْنَا لَيْسَ فِيهِ إِضَاعَةٌ بَلِ الْعَادَةُ الْغَالِبَةُ أَنَّ سُكَّانَ الْبَوَادِي يَتَتَبَّعُونَ مَنَازِلَ الْحَجِيجِ لِالْتِقَاطِ سَاقِطَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ تَأْتِي قَافِلَةٌ إِثْرَ قَافِلَةٍ وَالرُّفْقَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ انْتَهَى

قوله (وفي الباب عن ذويب أبي قبيصة الخزاعي) أخرجه أحمد ومسلم وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ مَعَهُ بِالْبُدْنِ ثُمَّ يَقُولُ إِنْ عَطِبَ مِنْهَا شَيْءٌ فَخَشِيتَ عَلَيْهَا مَوْتًا فَانْحَرْهَا ثُمَّ اغْمِسْ نَعْلَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ اضْرِبْ بِهِ صَفْحَتَهَا وَلَا تَطْعَمْهَا أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِكَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ نَاجِيَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ قَوْلُهُ (وَيُخَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ) أَيْ يَتْرُكُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ (يَأْكُلُونَهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا يَجُوزُ لِلْأَغْنِيَاءِ الْأَكْلُ مِنْهُ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْهَدْيَ مُسْتَحَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَجُوزُ لغيرهم انتهى وقال القارىء فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ لِمُحَمَّدٍ اعْلَمْ أَنَّ هَدْيَ التَّطَوُّعِ إِذَا بَلَغَ الْحَرَمَ يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَرَمِ وَفِي غَيْرِهِ التَّصَدُّقُ انْتَهَى (وَقَدْ أَجْزَأَ عَنْهُ) أَيْ لَا بَدَلَ عَلَيْهِ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالُوا إِنْ أَكَلَ مِنْهُ شَيْئًا غَرِمَ مِقْدَارَ مَا أَكَلَ مِنْهُ) أَيْ تَصَدَّقَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ مِنْهُ مِنَ الْغُرْمِ وَهُوَ أَدَاءُ شَيْءٍ لَازِمٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ سَاقَ بُدْنَهُ تَطَوُّعًا ثُمَّ عَطِبَتْ فَنَحَرَهَا فَلْيَجْعَلْ قِلَادَتَهَا وَنَعْلَهَا فِي دَمِهَا ثُمَّ يَتْرُكْهَا لِلنَّاسِ يَأْكُلُونَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَإِنْ هُوَ أَكَلَ مِنْهَا أَوْ أَمَرَ بِأَكْلِهَا فَعَلَيْهِ الْغُرْمُ رَوَاهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَقَوْلُهُ فَعَلَيْهِ الْغُرْمُ بِضَمِّ الْغَيْنِ أَيِ الْغَرَامَةُ وَهِيَ قِيمَةُ مَا أَكَلَ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أَكَلَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ شَيْئًا فَقَدْ ضَمِنَ) أَيْ عَلَيْهِ الْبَدَلُ وَهَذَا خِلَافُ مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ قَالَ عِيَاضٌ فَمَا عَطِبَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ صَاحِبُهُ وَلَا سَائِقُهُ وَلَا رُفْقَتُهُ لِنَصِّ الْحَدِيثِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَقَالُوا لَا بَدَلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ بَيَانٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ إِذَا عَطِبَ قَبْلَ مَحِلِّهِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ صَاحِبُهُ وَالْأَغْنِيَاءُ لِأَنَّ صَاحِبَهُ يَضْمَنُهُ لِتَعَلُّقِهِ بِذِمَّتِهِ قَالَهُ الزرقاني

باب ما جاء في ركوب البدنة

69 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رُكُوبِ الْبَدَنَةِ) [911] قَوْلُهُ (رَأَى رَجُلًا) قَالَ الْحَافِظُ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ بَعْدَ طُولِ الْبَحْثِ (يَسُوقُ بَدَنَةً) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالدَّالِ وَالنُّونِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مُقَلَّدَةً وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ (فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا بَدَنَةٌ) أَرَادَ أَنَّهَا بَدَنَةٌ مُهْدَاةٌ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَلَوْ كَانَ مُرَادُهُ الْإِخْبَارَ عَنْ كَوْنِهَا بَدَنَةً لَمْ يَكُنِ الْجَوَابُ مُفِيدًا لِأَنَّ كَوْنَهَا مِنَ الْإِبِلِ مَعْلُومٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّجُلَ ظَنَّ أَنَّهُ خَفِيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوْنُهَا هَدْيًا فَقَالَ إِنَّهَا بَدَنَةٌ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يَخْفَ ذَلِكَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهَا كَانَتْ مُقَلَّدَةً وَلِهَذَا قَالَ لَمَّا زَادَ فِي مُرَاجَعَتِهِ وَيْلَكَ (وَيْحَكَ أَوْ وَيْلَك) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَيْحٌ كَلِمَةُ تَرَحُّمٍ وَتَوَجُّعٍ تُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا وَقَدْ يُقَالُ بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالتَّعَجُّبِ وَهِيَ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَصْدَرِ وَقَدْ ترتفع وتضاف ولا تضاف يقال ويح زيد وويحاله وَوَيْحٌ لَهُ انْتَهَى وَقَالَ الْوَيْلُ الْحُزْنُ وَالْهَلَاكُ وَالْمَشَقَّةُ مِنَ الْعَذَابِ وَكُلُّ مَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ دَعَا بِالْوَيْلِ وَمَعْنَى النِّدَاءِ فِيهِ يَا حُزْنِي وَيَا هَلَاكِي وَيَا عَذَابِي احْضُرْ فَهَذَا وَقْتُكَ وَأَوَانُكَ فَكَأَنَّهُ نَادَى الْوَيْلَ أَنْ يَحْضُرَهُ لِمَا عَرَضَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ الْفَظِيعِ قَالَ وَقَدْ يَرِدُ الْوَيْلُ بِمَعْنَى التَّعَجُّبِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ أَيَرْكَبُ الرَّجُلُ هَدْيَهُ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ قَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمُرُّ بِالرِّجَالِ يَمْشُونَ فَيَأْمُرُهُمْ بِرُكُوبِ هَدْيِهِ قَالَ لَا تَتْبَعُونَ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ سُنَّةِ نَبِيّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رُكُوبِ الْهَدْيِ فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب ما جاء بأي جانب الرأس يبدأ في الحلق

قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَحَكَى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ كَرَاهَةَ رُكُوبِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ الرُّكُوبِ مَعَ الْحَاجَةِ وَيَضْمَنُ مَا نَقَصَ مِنْهَا بِالرُّكُوبِ وَالطَّحَاوِيُّ أَقْعَدُ بِمَعْرِفَةِ مَذْهَبِ إِمَامِهِ وَقَدْ وَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ الشَّافِعِيُّ عَلَى ضَمَانِ النَّقْصِ فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ كَذَا فِي النَّيْلِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَرْكَبُ مَا لَمْ يُضْطَرَّ إِلَيْهِ قَالَ فِي النَّيْلِ وَقَيَّدَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ الْجَوَازَ بِالِاضْطِرَارِ وَنَقَلَهُ بن أبي شيبة عن الشعبي وحكى بن الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرْكَبُ إِذَا اضْطُرَّ ركوبا غير قادح وحكى بن الْعَرَبِيِّ عَنْ مَالِكٍ أَنْ يَرْكَبَ لِلضَّرُورَةِ فَإِذَا استراح نزل يعني إذا انتهب ضَرُورَتُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الضَّرُورَةِ مَا فِي حديث جابر المذكورة مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إِذَا أُلْجِئْتَ إِلَيْهَا 0 - (بَاب مَا جَاءَ بِأَيِّ جَانِبِ الرَّأْسِ يَبْدَأُ فِي الْحَلْقِ) [912] قَوْلُهُ (نَحَرَ نُسُكَهُ) جَمْعُ نَسِيكَةٍ بِمَعْنَى ذَبِيحَةٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ نَسَكَ يَنْسُكُ نُسْكًا إِذَا ذَبَحَ وَالنَّسِيكَةُ الذَّبِيحَةُ (ثُمَّ نَاوَلَ الْحَالِقَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْبُدَاءَةِ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ مِنْ رَأْسِ الْمَحْلُوقِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْدَأُ بِجَانِبِهِ الْأَيْسَرِ لِأَنَّهُ عَلَى يَمِينِ الْحَالِقِ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ يَأْتِي فِي قَصِّ الشَّارِبِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ (فَأَعْطَاهُ) أَيِ الشَّعْرَ الْمَحْلُوقَ (فَقَالَ اقْسِمْهُ بَيْنَ النَّاسِ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّبَرُّكِ بِشَعْرِ أَهْلِ الْفَضْلِ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى طَهَارَةِ شَعْرِ الْآدَمِيِّ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ

باب ما جاء في الحلق والتقصير

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ تنبيه ذكر صاحب العرف الشذي ها هنا قِصَّةَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْحَجَّامِ الْمَشْهُورَةَ فَقَالَ إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمَّا ذَهَبَ حَاجًّا فَفَرَغَ عَنْ حَجَّتِهِ وَأَرَادَ الْحَلْقَ فَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ قَالَ الْحَالِقُ اسْتَقْبِلْهَا ثُمَّ بَدَأَ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْيَسَارِ قَالَ الْحَالِقُ ابْدَأْ بِالْيَمِينِ ثُمَّ بَعْدَ الْحَلْقِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَقُومَ وَمَا دَفَنَ الْأَشْعَارَ قَالَ الْحَالِقُ ادْفِنْهَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَخَذْتُ ثَلَاثَةَ مَسَائِلَ مِنَ الْحَالِقِ ثُمَّ قَالَ هَذِهِ الْحِكَايَةُ ثُبُوتُهَا لَا يُعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ بلفظه قلت قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ وَهِيَ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ أَخْرَجَهَا بن الْجَوْزِيِّ فِي مُثِيرِ الْعَزْمِ السَّاكِنِ بِإِسْنَادِهِ إِلَى وَكِيعٍ عَنْهُ انْتَهَى وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَإِذَا حَلَقَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَأَنْ يُكَبِّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَأَنْ يَدْفِنَ شَعْرَهُ انْتَهَى كَلَامُ الرَّافِعِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ أَمَّا الْبُدَاءَةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَرَمَاهَا ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ خُذْ وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَسَمَ شَعْرَهُ بَيْنَ مَنْ يَلِيهِ ثُمَّ أَشَارَ إِلَى الْحَلَّاقِ فَحَلَقَ الْأَيْسَرَ الْحَدِيثَ وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَلَمْ أَرَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ صَرِيحًا وَقَدِ اسْتَأْنَسَ لَهُ بَعْضُهُمْ بِعُمُومِ حديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا خَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتَقْبَلْتَ بِهِ الْقِبْلَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا التَّكْبِيرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَلَمْ أَرَهُ أَيْضًا وَأَمَّا دَفْنُ الشَّعْرِ فَقَدْ سَبَقَ فِي الْجَنَائِزِ وَلَعَلَّ الرَّافِعِيَّ أَخَذَهُ مِنْ قِصَّةِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنِ الْحَجَّامِ فَفِيهَا أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ قِبَلَ الْقِبْلَةِ وَأَمَرَهُ أَنْ يُكَبِّرَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفِنَ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ إِلَى آخِرِ مَا نَقَلْنَا آنِفًا 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ) [913] قَوْلُهُ (قَالَ رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ إلخ) لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِلْمُقَصِّرِينَ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ

وَلِلْمُقَصِّرِينَ قَالَ وَلِلْمُقَصِّرِينَ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ لِتَكْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاءَ لِلْمُحَلِّقِينَ وَتَرْكِ الدُّعَاءِ لِلْمُقَصِّرِينَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ مَعَ سُؤَالِهِمْ لَهُ ذَلِكَ وَظَاهِرُ صِيغَةِ الْمُحَلِّقِينَ أَنَّهُ يُشْرَعُ حَلْقُ جَمِيعِ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الصِّيغَةُ إِذْ لَا يُقَالُ لِمَنْ حَلَقَ بَعْضَ رَأْسِهِ أَنَّهُ حَلَقَهُ إِلَّا مَجَازًا وَقَدْ قَالَ بِوُجُوبِ حَلْقِ الْجَمِيعِ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَاسْتَحَبَّهُ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ وَيُجْزِئُ الْبَعْضُ عِنْدَهُمْ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ فَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ الرُّبْعُ إِلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ النِّصْفُ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ أَقَلُّ مَا يَجِبُ حَلْقُ ثَلَاثِ شَعَرَاتٍ وَفِي وَجْهٍ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَكَذَا الْخِلَافُ فِي التَّقْصِيرِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بن عباس وبن أُمِّ الْحُصَيْنِ وَمَارِبَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي مَرْيَمَ وَحُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ بن عباس فأخرجه بن ماجه وأما حديث بن أُمِّ الْحُصَيْنِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ نَعَمْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ مَرْفُوعًا وَفِيهِ دَعَا للملحقين ثَلَاثًا وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَمَّا حَدِيثُ مَارِبَ ويقال له قارب فأخرجه بن مَنْدَهْ فِي الصَّحَابَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَرْيَمَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ حُبْشِيِّ بْنِ جنادة فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشيخان وقد ذكر العيني في عمدة القارىء أَلْفَاظَ حَدِيثِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ مَعَ تَرَاجِمِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْفَوَائِدِ أَنَّ التَّقْصِيرَ يُجْزِئُ عَنِ الْحَلْقِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عليه انتهى

باب ما جاء في كراهية الحلق للنساء

72 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْحَلْقِ لِلنِّسَاءِ) [914] قَوْلُهُ (عَنْ خِلَاسٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللام (بن عَمْرٍو) الْهِجْرِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَحْلِقَ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا) أَيْ فِي التَّحَلُّلِ أَوْ مُطْلَقًا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحَلْقُ لِلنِّسَاءِ فِي التَّحَلُّلِ بَلِ الْمَشْرُوعُ لَهُنَّ التَّقْصِيرُ [915] قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ فِيهِ اضْطِرَابٌ) فَإِنَّهُ رَوَاهُ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو مَرَّةً مُسْنَدًا بِذِكْرِ عَلِيٍّ وَمَرَّةً مُرْسَلًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ عَلِيٍّ وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ هَذَا حَدِيثٌ يَرْوِيهِ هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيٍّ وَخَالَفَهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فَرَوَيَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا انْتَهَى وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ الْحَلْقُ إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والدّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَقَدْ قَوَّى إِسْنَادَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَأَبُو حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ وَأَعَلَّهُ أبن القطان ورد عليه بن الْمُوَفَّقِ فَأَصَابَ كَذَا فِي النَّيْلِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ عَلَى الْمَرْأَةَ حَلْقًا وَيَرَوْنَ أَنَّ عَلَيْهَا التَّقْصِيرَ) وَحَكَى الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذلك

باب ما جاء فيمن حلق قبل أن يذبح

73 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ) أَوْ نَحَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ [916] قَوْلُهُ (فَقَالَ اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ إلخ) أَيْ لَا ضِيقَ عَلَيْكَ فِي ذَلِكَ اعْلَمْ أَنَّ وَظَائِفَ يَوْمِ النَّحْرِ بِالِاتِّفَاقِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثُمَّ نَحْرُ الْهَدْيْ أَوْ ذَبْحُهُ ثُمَّ الْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ ثُمَّ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَطْلُوبِيَّةِ هَذَا التَّرْتِيبِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فَأَجْمَعُوا عَلَى الْإِجْزَاءِ فِي ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ الدَّمِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَالظَّاهِرُ جَوَازُ تَقْدِيمِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَعَدَمُ وُجُوبِ الدَّمِ فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَرَجَ ظَاهِرٌ فِي رَفْعِ الْإِثْمِ وَالْفِدْيَةِ مَعًا لِأَنَّ اسْمَ الضِّيقِ يَشْمَلُهُمَا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْعُلَمَاءِ وَفُقَهَاءِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والترمذي (وجابر) أخرجه بن جرير (وبن عباس) أخرجه الشيخان (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ (وَأُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ إلخ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَفْعَالُ يَوْمِ النَّحْرِ أَرْبَعَةٌ رَمْيُ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ ثُمَّ الذَّبْحُ ثُمَّ الْحَلْقُ ثُمَّ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَقِيلَ هَذَا التَّرْتِيبُ سُنَّةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي لحديث

باب ما جاء في الطيب عند الاحلال قبل الزيارة

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلَا يَتَعَلَّقُ بِتَرْكِهِ دم وقال بن جُبَيْرٍ إِنَّهُ وَاجِبٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَوَّلُوا قوله ولا حرج على دفع الاثم لجله دون الفدية انتهى قال القارىء ويدل على هذا أن بن عَبَّاسٍ رَوَى مِثْلَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَوْجَبَ الدَّمَ فَلَوْلَا أَنَّهُ فَهِمَ ذَلِكَ وَعَلِمَ أَنَّهُ الْمُرَادُ لما أمر بخلافه انتهى كلام القارىء قلت احتج الطحاوي بقول بن عَبَّاسٍ مَنْ قَدَّمَ شَيْئًا مِنْ نُسُكِهِ أَوْ أَخَّرَهُ فَلْيُهْرِقْ لِذَلِكَ دَمًا قَالَ وَهُوَ أَحَدُ مَنْ رَوَى أَنْ لَا حَرَجَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِنَفْيِ الْحَرَجِ نَفْيُ الْإِثْمِ فَقَطْ وأجيب بأن الطريق بذلك إلى بن عباس فيها ضعف فإن بن أَبِي شَيْبَةَ أَخْرَجَهَا وَفِيهَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ وَفِيهِ مَقَالٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَيَلْزَمُ مَنْ يأخذ بقول بن عَبَّاسٍ أَنْ يُوجِبَ الدَّمَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يَخُصَّهُ بِالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ قَبْلَ الرَّمْيِ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْلَالِ قَبْلَ الزِّيَارَةِ) أَيْ قَبْلَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ [917] قَوْلُهُ (وَيَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ بِطِيبٍ إلخ) هَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ الطِّيبِ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عليه (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) قَالَ إِذَا رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ فَقَدْ حَلَّ لَكُمْ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ فَقَالَ لَهُ رجل يا بن عَبَّاسٍ وَالطِّيبُ فَقَالَ أَمَّا أَنَا فَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَمِّخُ رَأْسَهُ بِالْمِسْكِ أَفَطِيبٌ ذَلِكَ أَمْ لَا أَخْرَجَهُ النسائي وبن ماجه قوله (وهو الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ

باب ما جاء متى يقطع التلبية في الحج

قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ) أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِلَفْظِ مَنْ رَمَى الْجَمْرَةَ ثُمَّ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ وَنَحَرَ هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَهُ حَلَّ لَهُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ فِي الْحَجِّ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمْ) وَبِهِ قَالَ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ (وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِأَهْلِ الْكُوفَةِ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ لِأَنَّ مَذْهَبَهُ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ بَعْدَ رِوَايَةِ أَثَرِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَذْكُورَ هذا قول عمر وبن عُمَرَ وَقَدْ رَوَتْ عَائِشَةُ خِلَافَ ذَلِكَ قَالَتْ طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي هاتين بعد ما حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَزُورَ الْبَيْتَ فَأَخَذْنَا بِقَوْلِهَا وَعَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى وَقَدِ اسْتُدِلَّ لِمَالِكٍ بِمَا رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ مِنْ سُنَّةِ الْحَجِّ إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى حَلَّ لَهُ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ إِلَّا النِّسَاءَ وَالطِّيبَ حَتَّى يَزُورَ الْبَيْتَ لَكِنْ زِيَادَةُ الطِّيبِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ شَاذَّةٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْقَوِيُّ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ 5 - (بَاب مَا جَاءَ مَتَى يقطع التَّلْبِيَةُ فِي الْحَجِّ) [918] قَوْلُهُ (مِنْ جَمْعٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ اسْمٌ لِلْمُزْدَلِفَةِ (حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حَتَّى بَلَغَ الْجَمْرَةَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ البيهقي وبن مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ رَمَقْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بأول حصاة كذا في

الدراية (وبن عباس) أخرجه بن جَرِيرٍ قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْفَضْلِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى (أَنَّ الْحَاجَّ لَا يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَرْمِيَ الْجَمْرَةَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ مَعَ رَمْيْ أَوَّلِ حَصَاةٍ أَوْ عِنْدَ تَمَامِ الرَّمْيِ فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ الْجُمْهُورُ وَإِلَى الثَّانِي أَحْمَدُ وَبَعْضُ أصحاب الشافعي ويدل لهم ما روى بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عن علي بن الحسين عن بن عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ قَالَ أَفَضْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عَرَفَاتٍ فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ مَعَ آخر حصاة قال بن خُزَيْمَةَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُفَسِّرٌ لِمَا أُبْهِمَ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخْرَى وَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ أَيْ أَتَمَّ رَمْيَهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ بن خُزَيْمَةَ فَإِنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ مَقْبُولَةٌ خَارِجَةٌ مِنْ مَخْرَجٍ صَحِيحٍ غَيْرُ مُنَافِيَةٍ لِلْمَزِيدِ وَقَبُولُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى قُلْتُ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ بلفظ حتى بلغ الجمرة وبحديث بن مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى بَلَغَ الْجَمْرَةَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَسْتَدِيمُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَشْرَعَ فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ غَدَاةَ يَوْمِ النَّحْرِ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُلَبِّي حَتَّى يُصَلِّيَ الصُّبْحَ يَوْمَ عَرَفَةَ ثُمَّ يقطع وحكي عن علي وبن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَمَالِكٍ وَجُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُ يُلَبِّي حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ يَوْمَ عَرَفَةَ وَلَا يُلَبِّي بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْوُقُوفِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ السَّلَفِ يُلَبِّي حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَلَا حُجَّةَ لِلْآخَرِينَ فِي مُخَالَفَتِهَا فَيَتَعَيَّنُ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لِمَذْهَبِهِمَا وَيُجِيبُ الْجُمْهُورُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ حَتَّى شَرَعَ فِي الرَّمْيِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ النووي قلت رواية بن خُزَيْمَةَ الْمَذْكُورَةُ تَخْدِشُ هَذَا الْجَوَابَ

باب ما جاء متى يقطع التلبية في العمرة

76 - (باب ما جاء متى يقطع التلبية في العمرة) [919] قوله (عن بن أَبِي لَيْلَى) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُنْذِرِيُّ قال الحافظ في التقريب صدوق سيء الْحِفْظِ جِدًّا قَوْلُهُ (قَالَ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ) أَيْ قال عطاء يرفع بن عَبَّاسٍ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ حَدَّثَنَا مسدد أخبرنا هشيم عن بن أبي ليلى عن عطاء عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُلَبِّي الْمُعْتَمِرُ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ (أَنَّهُ كَانَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا اسْتَلَمَ الْحَجَرَ) أَيِ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ يُقَالُ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ إِذَا لَمَسَهُ وَتَنَاوَلَهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو) لينظر من أخرجه قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى وقد عرفت أنه سيء الْحِفْظِ جِدًّا فَفِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ رَوَاهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَهَمَّامٌ عَنْ عَطَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالُوا لَا يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ حَتَّى يَسْتَلِمَ الْحَجَرَ) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ يُلَبِّي فِي حَالِ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ وَبَعْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ وَفِي حَالِ مَشْيِهِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي الِاسْتِلَامِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْأَوْقَاتُ الَّتِي فِيهَا دُعَاءٌ مَخْصُوصٌ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا انْتَهَى إِلَى بُيُوتِ مَكَّةَ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ) لَمْ يَقُمْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ دَلِيلٌ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الْبَابِ

باب ما جاء في طواف الزيارة بالليل

77 - (بَاب مَا جَاءَ فِي طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِاللَّيْلِ) [920] قَوْلُهُ (أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ إِلَى اللَّيْلِ) قَالَ بن الْقَطَّانِ الْفَاسِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِمَا رَوَاهُ بن عُمَرَ وَجَابِرٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ طَافَ يَوْمَ النَّحْرِ نَهَارًا انْتَهَى قلت روى الشيخان عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ رَجَعَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثُمَّ رَكِبَ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ وَقَدْ أَشَارَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِأَنْ يحمل حديث بن عمر وجابر على اليوم الأول وحديث بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ هَذَا عَلَى بَقِيَّةِ الْأَيَّامِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ وقال أبو الزبير عن عائشة وبن عَبَّاسٍ أَخَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزِّيَارَةَ إِلَى اللَّيْلِ وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ أَيَّامَ مِنًى وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا ثُمَّ أَتَى مِنًى يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ وَرَفَعَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ولرواية أبي حسان شاهد مرسل أخرجه بن أبي شيبة عن بن عيينة حدثنا بن طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُفِيضُ كُلَّ لَيْلَةٍ انْتَهَى قلت حديث بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْبَابِ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَعْرِفُ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْجَمْعِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَهَذَا الْجَمْعُ مُتَعَيَّنٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) فِي كَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ حَسَنًا نَظَرٌ فَإِنَّ أبا الزبير ليس له سماع من بن عباس وعائشة كما صرح به الحافظ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنْ يُؤَخِّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ إِلَى اللَّيْلِ) قَالَ فِي زَادِ

باب ما جاء في نزول الأبطح

الْمَعَادِ أَفَاضَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ الظُّهْرِ رَاكِبًا فَطَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَالصَّدَرِ وَلَمْ يَطُفْ غَيْرَهُ وَلَمْ يَسْعَ مَعَهُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَطَائِفَةٌ زَعَمَتْ أَنَّهُ لَمْ يَطُفْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنَّمَا أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ إِلَى اللَّيْلِ وَهُوَ قول طاؤس وَمُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ عَائِشَةَ الْمُخَرَّجِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ غَلَطٌ بَيِّنٌ خِلَافَ الْمَعْلُومِ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِحَجَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَطَّانُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إِنَّمَا طَافَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ نَهَارًا وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ أَوْ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَصَلَّى الظُّهْرَ بِهَا بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ فَابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّهُ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَصَلَّى الظُّهْرَ بِهَا وَجَابِرٌ يَقُولُ إِنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ هَذِهِ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ أَخَّرَ الطَّوَافَ إِلَى اللَّيْلِ وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يُرْوَ إِلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَأَبُو الزُّبَيْرِ مُدَلِّسٌ لَمْ يَذْكُرْ ها هنا سَمَاعًا مِنْ عَائِشَةَ انْتَهَى 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي نُزُولِ الْأَبْطَحَ) [921] أَيِ الْبَطْحَاءَ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَهِيَ مَا انْبَطَحَ مِنَ الْوَادِي وَاتَّسَعَ وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا الْمُحَصَّبُ وَالْمُعَرَّسُ وَحْدَهَا مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُحَصَّبُ وَالْحَصَبَةُ وَالْأَبْطَحُ وَالْبَطْحَاءُ وَخَيْفُ بَنِي كِنَانَةَ اسْمٌ لِشَيْءٍ وَاحِدٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ يَنْزِلُونَ الْأَبْطَحَ) وَيَأْتِي في هذا الباب عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عَائِشَةَ إِنَّمَا نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَبْطَحَ لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فَحَصَلَ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ اسْتِحْبَابُهُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَغَيْرِهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَيَبِيتَ بِهِ بَعْضَ اللَّيْلِ أَوْ كُلَّهُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) قَالَتْ نُزُولُ الْأَبْطَحِ لَيْسَ بِسُنَّةٍ إِنَّمَا نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ

كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ إِذَا خَرَجَ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا (وَأَبِي رَافِعٍ) قَالَ لَمْ يَأْمُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَنْزِلَ الْأَبْطَحَ حِينَ خَرَجَ مِنْ مِنًى وَلَكِنْ جِئْتُ فَضَرَبْتُ قُبَّتَهُ فَجَاءَ فَنَزَلَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داود (وبن عباس) أخرجه الترمذي والشيخان [922] قوله (حديث بن عُمَرَ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَدِ اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ نُزُولَ الْأَبْطَحِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَوْا ذَلِكَ وَاجِبًا) وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ الْحَافِظُ زَكِيُّ الدِّينِ عَبْدُ الْعَظِيمِ الْمُنْذِرِيُّ التَّحْصِيبُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ شَيْخُنَا زَيْنُ الدِّينِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ التِّرْمِذِيَّ حَكَى اسْتِحْبَابَهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ اسْتِحْبَابَهُ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ لَا يَسْتَحِبُّهُ فَكَانَتْ أَسْمَاءُ وَعُرْوَةُ بْنُ الزبير لا يحصبان حكاه بن عَبْدِ الْبَرِّ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ وَالِاسْتِحْبَابُ هُوَ الْحَقُّ لِتَقْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ فَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّحْصِيبِ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَحْنُ نَازِلُونَ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشًا عَلَى الْكُفْرِ يَعْنِي الْمُحَصَّبَ وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا يُنَاكِحُوهُمْ وَلَا يُؤْوُوهُمْ وَلَا يُبَايِعُوهُمْ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْخَيْفُ الْوَادِي وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَنْفِرَ مِنْ مِنًى نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا فَذَكَرَ نَحْوَهُ قَوْلُهُ (وَلَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ) أَيْ مِنْ أَمْرِ الْمَنَاسِكِ الذي يلزم فعله قاله بن الْمُنْذِرِ قَالَ الْحَافِظُ مَنْ نَفَى أَنَّهُ سُنَّةٌ كعائشة وبن عَبَّاسٍ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَنَاسِكِ فَلَا يَلْزَمُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ وَمَنْ أَثْبَتَهُ كَابْنِ عُمَرَ أَرَادَ دُخُولَهُ فِي عُمُومِ التَّأَسِّي بِأَفْعَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا الْإِلْزَامَ بِذَلِكَ انْتَهَى

باب ما جاء في حج الصبي

79 - [923] قَوْلُهُ (لِأَنَّهُ كَانَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ) أَيْ أَسْهَلَ لِتَوَجُّهِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَسْتَوِيَ فِي ذَلِكَ الْبَطِيءُ أَوِ الْمُعْتَدِلُ وَيَكُونَ مَبِيتُهُمْ وَقِيَامُهُمْ فِي السَّحَرِ وَرَحِيلُهُمْ بِأَجْمَعِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حَجِّ الصَّبِيِّ) [924] قَوْلُهُ (مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفِ) بْنِ خَلِيفَةَ الْبَجَلِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَأَبِي مُعَاوِيَةَ وَعَنْهُ م د ت ق صَدُوقٌ مَاتَ سَنَةَ 242 اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ التَّمِيمِيُّ الضَّرِيرُ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وسكون الواو والغنوي أَبُو بَكْرٍ الْكُوفِيُّ الْعَابِدُ ثِقَةٌ مَرْضِيٌّ عَابِدٌ مِنَ الخامسة

قَوْلُهُ (قَالَ نَعَمْ وَلَكَ أَجْرٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ حَجَّ الصَّبِيِّ مُنْعَقِدٌ صَحِيحٌ يُثَابُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ بَلْ يَقَعُ تَطَوُّعًا وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِيهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِحُّ حَجُّهُ قَالَ أَصْحَابُهُ وَإِنَّمَا فَعَلُوهُ تَمْرِينًا لَهُ لِيَعْتَادَهُ فَيَفْعَلَهُ إِذَا بَلَغَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرِدُ عليهم قال بن بَطَّالٍ أَجْمَعَ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى عَلَى سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ إِلَّا أَنَّهُ إِذَا حُجَّ بِهِ كَانَ لَهُ تَطَوُّعًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ إِحْرَامُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِفِعْلِ شَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَإِنَّمَا يُحَجُّ بِهِ عَلَى جِهَةِ التَّدْرِيبِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوْحَاءِ فَقَالَ مَنِ الْقَوْمُ قَالُوا الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا مَنْ أَنْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَتْ إِلَيْهِ امْرَأَةٌ صَبِيًّا فَقَالَتْ أَلِهَذَا حَجٌّ قَالَ نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) لَمْ يَحْكُمِ التِّرْمِذِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالْحُسْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَسَنٌ وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ [926] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا قَزَعَةُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالزَّايِ وَالْعَيْنِ (بْنُ سُوَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْحَافِظُ [925] قَوْلُهُ (حَجَّ بِي أبي) وقال بن سَعْدٍ عَنِ الْوَاقِدِيِّ عَنْ حَاتِمٍ حَجَّتْ بِي أُمِّي وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ مَعَ أَبَوَيْهِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (قَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ الصَّبِيَّ إِذَا حَجَّ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ) مِنَ الْإِدْرَاكِ أَيْ يَبْلُغَ (فَعَلَيْهِ الْحَجُّ إِذَا أَدْرَكَ لا تجزىء عَنْهُ تِلْكَ الْحَجَّةُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ) وَشَذَّ بَعْضُهُمْ فَقَالَ إِذَا حَجَّ الصَّبِيُّ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ فِي جَوَابِ قَوْلِهَا أَلِهَذَا حَجٌّ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِذَلِكَ بَلْ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لا حج له لأن بن عَبَّاسٍ رَاوِيَ الْحَدِيثِ قَالَ أَيُّمَا غُلَامٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ ثُمَّ بَلَغَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى ثُمَّ سَاقَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَدْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا وَالْبَيْهَقِيُّ وبن حزم وصححه وقال بن خُزَيْمَةَ الصَّحِيحُ مَوْقُوفٌ وَأَخْرَجَهُ كَذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِرَفْعِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ عن شعبة موقوفاولكنه قَدْ تَابَعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمِنْهَالِ عَلَى رَفْعِهِ الْحَارِثُ بْنُ شُرَيْحٍ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالْخَطِيبُ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ رِوَايَاتٍ أُخْرَى قَالَ فَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ يَصِحُّ حَجُّ الصَّبِيِّ وَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إِذَا بَلَغَ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ فَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ انْتَهَى [927] 81 قَوْلُهُ (فَكُنَّا نُلَبِّي عَنِ النِّسَاءِ وَنَرْمِي عَنِ الصِّبْيَانِ) وَأَخْرَجَ هَذَا الحديث أحمد وبن ماجه وبن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم قال بن القطان ولفظ بن أَبِي شَيْبَةَ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا يلبي عنها

باب ما جاء في الحج عن الشيخ الكبير والميت

غَيْرُهَا أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَمَعَ غَرَابَتِهِ ضَعِيفٌ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ أَشْعَثَ بْنَ سِوَارٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَفِيهِ أَيْضًا أَبُو الزُّبَيْرِ الْمَكِّيُّ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ بِالْعَنْعَنَةِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَجِّ عَنْ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَيِّتِ) [928] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ) بِفَتْحِ رَاءٍ وَسُكُونِ وَاوٍ وَإِهْمَالِ حَاءٍ وَمَنْ ضَمَّ الرَّاءَ أَخْطَأَ كَذَا فِي الْمُغْنِي قَوْلُهُ (أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَبُو قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَمَنِ سُمُّوا بِهِ وَيَجُوزُ مَنْعُهُ وَصَرْفُهُ (وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ بِأَنْ أَسْلَمَ شَيْخًا وَلَهُ الْمَالُ أَوْ حَصَلَ لَهُ الْمَالُ فِي هَذَا الْحَالِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ (اسْتِئْنَافٌ مُبِينٌ قَالَ حُجِّي عَنْهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْحَجِّ عَنْ غَيْرِهِ إِذَا كَانَ مَعْضُوبًا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ شَابَّةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فِي الْحَجِّ لَا يَسْتَطِيعُ أَدَاءَهَا فَيُجْزِي عَنْهُ أَنْ أُؤَدِّيَهَا قَالَ نَعَمْ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَكَتَ عَنْهُ (وَبُرَيْدَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَحُصَيْنِ بن عوف) أخرجه بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كُرَيْبٍ عَنْ أبيه عن بن عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي حُصَيْنُ بْنُ عَوْفٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي أَدْرَكَهُ الْحَجُّ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحُجَّ إِلَّا مُعْتَرِضًا فَصَمَتَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ حُجَّ عَنْ أَبِيك انْتَهَى قَالَ الْعُقَيْلِيُّ قَالَ أَحْمَدُ مُحَمَّدُ بْنُ كُرَيْبٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ (وَأَبِي رزين العقيلي) أخرجه أصحاب السنن الأربعة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ (وَسَوْدَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَذَكَرَ

الزيلعي سنده ومتنه في نصب الراية (وبن عباس) أخرجه الشيخان قوله (وروي عن بن عَبَّاسٍ أَيْضًا عَنْ سِنَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ عَنْ عَمَّتِهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قِيلَ فِي قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَوْجُودَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ هُوَ حَدِيثٌ آخَرُ فِي الْمَشْيِ إِلَى الْكَعْبَةِ لَا عَنِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بن كريب عن كريب عن بن عَبَّاسٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ أن عمه حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا أَتَتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَتْ أُمِّي وَعَلَيْهَا مَشْيٌ إِلَى الْكَعْبَةِ نَذْرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَسْتَطِيعِينَ أَنْ تَمْشِيَ عَنْهَا قَالَتْ نَعَمْ قَالَ فَامْشِي عَنْ أمك قالت أو يجزئ ذَلِكَ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عليها دين ثم قضيتيه عَنْهَا هَلْ كَانَ يُقْبَلُ مِنْكَ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِذَلِكَ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يبين الاختلاف في هذا الحديث عن بن عَبَّاسٍ فِي الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ مَعًا وَهَذَا اخْتِلَافٌ في متنه كذا في عمدة القارىء قُلْتُ لَوْ كَانَ إِرَادَةُ التِّرْمِذِيِّ بَيَانَ الِاخْتِلَافِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمَتْنِ أَيْضًا سَاقَ لفظ حديث بن عَبَّاسٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَمَّتِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ حَدِيثٌ فِي الْحَجِّ عَنِ الْكَبِيرِ الْعَاجِزِ أَيْضًا وَقَدْ وَقَفَ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَقِفْ عَلَيْهِ مَنْ تَعَقَّبَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ فِي قَوْلِهِ الْمَذْكُورِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ أَصَحُّ شيء في هذا ما روى بن عَبَّاسٍ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ إلخ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِنَّمَا رَجَّحَ الْبُخَارِيُّ الرِّوَايَةَ عَنِ الْفَضْلِ لِأَنَّهُ كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم حينئذ وكان بن عَبَّاسٍ قَدْ تَقَدَّمَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إِلَى مِنًى مَعَ الضَّعَفَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّلْبِيَةِ والتكبير عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْدَفَ الْفَضْلَ فَأَخْبَرَ الْفَضْلُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى الْجَمْرَةَ فَكَأَنَّ الْفَضْلَ حَدَّثَ أَخَاهُ بِمَا شَاهَدَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ انْتَهَى كلام الحافظ

قَوْلُهُ (وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ حَدِيثٍ) أَيْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَقَدْ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَوْلُهُ (وبه يقول الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَرَوْنَ أَنْ يُحَجَّ عَنِ الْمَيِّتِ) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ محمد في موطأه لَا بَأْسَ بِالْحَجِّ عَنِ الْمَيِّتِ وَعَنِ الْمَرْأَةِ والرجل إذا بلغا من الكبر مالا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَحُجَّا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالَ مَالِكٌ إِذَا أَوْصَى أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ حُجَّ عَنْهُ إلخ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَحَاصِلُ مَا فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورُهَا لَا يَجُوزُ ثَانِيهَا يَجُوزُ مِنَ الْوَلَدِ ثَالِثُهَا يَجُوزُ إِنْ أَوْصَى بِهِ وَعَنِ النَّخَعِيِّ وَبَعْضِ السَّلَفِ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ عَنْ مَيِّتٍ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَإِنْ أوصى به وفي مصنف بن أبي شيبة عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَحُجُّ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يَصُمْ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَكَذَا قَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَجُوزُ الْحَجُّ عَنِ الْمَيِّتِ عَنْ فَرْضِهِ وَنَذْرِهِ سَوَاءٌ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَمْ يُوصِ وَهُوَ وَاجِبٌ فِي تَرِكَتِهِ انْتَهَى (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُحَجَّ عَنِ الْحَيِّ إِذَا كَانَ كَبِيرًا إلخ) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي حَنِيفَةَ كَمَا تقدم 3 - باب منه قَوْلُهُ (قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا) فِيهِ جَوَازُ الْحَجِّ عَنِ الْمَيِّتِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَزَادَ فِيهِ الصَّوْمَ وَالصَّدَقَةَ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ 4 - بَاب مِنْهُ [930] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقَفِيِّ الطَّائِفِيِّ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَوَهِمَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ (عَنْ أَبِي رَزِينٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وكسر الزاء

(الْعُقَيْلِيِّ) بِالتَّصْغِيرِ وَاسْمُهُ لَقِيطُ بْنُ عَامِرٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ إلخ) قَالَ الحافظ في الفتح هذه قصة أَيْ غَيْرُ قِصَّةِ الْخَثْعَمِيِّة قَالَ وَمَنْ وَحَّدَ بينها وبين حديث الخثمعي فَقَدْ أَبْعَدَ وَتَكَلَّفَ (وَلَا الظَّعْنَ) بِفَتْحِ ظَاءٍ وَسُكُونِ عَيْنٍ وَحَرَكَتِهَا الرَّاحِلَةُ أَيْ لَا يَقْوَى عَلَى السَّيْرِ وَلَا عَلَى الرُّكُوبِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (حُجَّ عَنْ أَبِيكَ) فِيهِ جَوَازُ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ وَاسْتَدَلَّ الْكُوفِيُّونَ بِعُمُومِهِ عَلَى جَوَازِ صِحَّةِ حَجِّ مَنْ لَمْ يَحُجَّ نِيَابَةً عَنْ غَيْرِهِ وَخَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ فَخَصُّوهُ بِمَنْ حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا فِي السنن وصحيح بن خزيمة وغيره من حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُلَبِّي عَنْ شُبْرُمَةَ فَقَالَ أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَا قَالَ حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ ثُمَّ احْجُجْ عَنْ شُبْرُمَةَ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْتُ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَاعْتَمَرَ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْعُمْرَةِ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا أَعْلَمُ فِي إِيجَابِ الْعُمْرَةِ حَدِيثًا أَجْوَدَ مِنْ هَذَا وَلَا أَصَحَّ مِنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِهِ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وأخرجه أيضا النسائي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (وَأَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ اسْمُهُ لَقِيطُ بْنُ عَامِرٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَيُقَالُ إِنَّهُ جَدُّهُ وَاسْمُ أَبِيهِ عَامِرٌ وَهُوَ رَزِينٌ الْعُقَيْلِيُّ وَالْأَكْثَرُ على أنهما اثنان انتهى قَوْلُهُ (قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا) فِيهِ جَوَازُ الْحَجِّ عَنِ الْمَيِّتِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأخرجه الحاكم في المستدك وَزَادَ فِيهِ الصَّوْمَ وَالصَّدَقَةَ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ

باب ما جاء في العمرة أواجبة هي أم لا

85 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ أم لا) [931] قوله (عن الحجاج) هو بن أَرْطَاةَ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي أَحَدُ الْفُقَهَاءِ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ قَوْلُهُ (قَالَ لَا وَأَنْ يَعْتَمِرُوا هُوَ أَفْضَلُ) احْتَجَّ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ كَمَا سَتَعْرِفُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي إِسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ وهو ضعيف وقد روى بن لهيعة عن عطاء بن جابر مرفوعا الحج والعمرة فريضتان أخرجه بن عدي وبن لَهِيعَةَ ضَعِيفٌ وَلَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْبَابِ عن جابر شيء بل روى بن الْجَهْمِ الْمَالِكِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ لَيْسَ مُسْلِمٌ إِلَّا عَلَيْهِ عُمْرَةٌ مَوْقُوفٌ عَلَى جَابِرٍ وانتهى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فَإِنْ قُلْتُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِي تَصْحِيحِهِ لَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ سَنَدِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَلَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الشيخان في صحيحيهما وقال بن حبان تركه بن المبارك ويحيى القطان وبن مَعِينٍ وَأَحْمَدُ وَقَالَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَا يُحْتَجُّ به وإنما روى هذا الحديث موقوف عَلَى جَابِرٍ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ قُلْتُ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِي كِتَابِ الْإِمَامِ وَهَذَا الْحُكْمُ بِالتَّصْحِيحِ فِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ لِكِتَابِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ حَسَنٌ لَا غَيْرُ وَقَالَ شَيْخُنَا زَيْنُ الدِّينِ لَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ إِنَّمَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ لِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَدْ رَوَاهُ يحيى بن أيوب عن عبد الله بن عُمَرَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْعُمْرَةُ فَرِيضَةٌ كَالْحَجِّ قَالَ لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَك ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِمَامِ وَقَالَ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِضَعْفِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ قَالَ الْعَيْنِيُّ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ فَرِيضَتُهَا كَفَرِيضَةِ الْحَجِّ قَالَ لَا وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي أَيُّوبَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ

الْمُغِيرَةِ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَرَوَى بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْحَجُّ جِهَادٌ وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ وَرَوَى عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه وكذا روى عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا الْعُمْرَةُ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ قَوْلُهُ (وَكَانَ يُقَالُ هُمَا حَجَّانِ الْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمُ النَّحْرِ وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ ومنه الْحَجُّ الْأَكْبَرُ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ أَوْ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيُسَمُّونَ الْعُمْرَةَ الْحَجَّ الْأَصْغَرَ وَأَيَّامُ الْحَجِّ كُلُّهَا أَوِ الْقِرَانُ أَوْ يَوْمَ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ وَالْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ أَوْ يَوْمُ عَرَفَةَ أَوِ الْإِفْرَادُ انْتَهَى مَا فِي الْمَجْمَعِ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْعُمْرَةُ سُنَّةٌ) أَيْ وَاجِبَةٌ ثَابِتَةٌ بِالسُّنَّةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ شَيْخُنَا زَيْنُ الدِّينِ مَا حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ لَا يُرِيدُ بِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَخَّصَ فِي تَرْكِهَا لِأَنَّ السُّنَّةَ الَّتِي يُرَادُ بها خلاف الواجب يرخص تَرْكِهَا قَطْعًا وَالسُّنَّةُ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا الطَّرِيقَةُ وَغَيْرُ سُنَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى (قَالَ) أَيِ الشَّافِعِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ) أَيْ فِي كَوْنِ الْعُمْرَةِ تَطَوُّعًا (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ) وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا الْأَحَادِيثُ الَّتِي رُوِيَتْ فِي كَوْنِ الْعُمْرَةِ تطوعا (وقد بلغنا عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُوجِبُهَا) أَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ سَمِعْتُ طَاوُسًا يَقُولُ سمعت بن عَبَّاسٍ يَقُولُ وَاَللَّهِ إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ الله (وأتموا الحج والعمرة لله) وللحاكم من طريق عطاء عن بن عَبَّاسٍ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لَقَرِينَتُهَا لِلْفَرِيضَةِ وَكَأَنَّ أَصْلَ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ لَقَرِينَتُهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ الْحَجُّ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْأَثَرِ إِلَى وُجُوبِ الْعُمْرَةِ واختاره البخاري في صحيحه واستدلوا بقول بن عباس المذكور وذكره البخاري تعليقا وبقول بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَيْسَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَحَدٌ إِلَّا عَلَيْهِ حَجَّةٌ

وَعُمْرَةٌ وَاجِبَتَانِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا فَمَنْ زاد شيئا فهو خير وتطوع أخرجه بن خزيمة والدارقطني والحاكم وذكره البخاري وتعليقا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ فِي الْمَنَاسِكِ عن أيوب عن نافع عن بن عُمَرَ قَالَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ وَبِقَوْلِ صُبَيِّ بْنِ مَعْبَدٍ لِعُمَرَ رَأَيْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مَكْتُوبَيْنِ عَلَيَّ فَأَهْلَلْتُ بِهِمَا فَقَالَ لَهُ هُدِيتَ لِسُنَّةِ نبيك أخرجه أبو داود وروى بن خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُ فِي حَدِيثِ عُمَرَ سُؤَالَ جِبْرِيلَ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ فَوَقَعَ فِيهِ أَنْ تَحُجَّ وَتَعْتَمِرَ وَإِسْنَادُهُ قَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ لَكِنْ لَمْ يَسُقْ لَفْظَهُ وَبِأَحَادِيثَ أُخَرَ غَيْرِ مَا ذُكِرَ وبقوله تعالى وأتموا الحج والعمرة لله أَيْ أَقِيمُوهُمَا وَالظَّاهِرُ هُوَ وُجُوبُ الْعُمْرَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 6 - بَاب مِنْهُ [932] قَوْلُهُ (دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ) أَيْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سُرَاقَةَ) بِضَمِّ السِّينِ (بْنِ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالشِّينِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ 24 أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وقيل بعدها أخرج النسائي وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنْ سُرَاقَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ عُمْرَتَنَا هَذِهِ لِعَامِنَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَقَالَ لَا بَلْ لِلْأَبَدِ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلِطَاوُسٍ عَنْ سُرَاقَةَ فِي اتِّصَالِهِ نَظَرٌ وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ سُرَاقَةَ (وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَهُ الطَّوِيلَ فِي قِصَّةِ حَجِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عمرة فقال سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الْأُخْرَى وَقَالَ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ قَوْلُهُ (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) فِي إِسْنَادِهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ

الْعَامِرِيُّ الْبَكَّائِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ ثَبْتٌ في المغازي وفي حديثه عن غير بن إِسْحَاقَ لِينٌ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ وَكِيعًا كَذَّبَهُ وَلَهُ فِي الْبُخَارِيِّ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ مُتَابَعَةً وَفِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زياد الهاشمي مولاهم الكوفي ضعيف كبر فتغير صار يتلقن وكان شيعيا فتحسين الترمذي لعله لِشَوَاهِدِهِ قَوْلُهُ (وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا بَأْسَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ دخلت العمرة في الحج معناه أنها سقط فَرْضُهَا بِوُجُوبِ الْحَجِّ وَدَخَلَتْ فِيهِ وَهَذَا تَأْوِيلُ مَنْ لَمْ يَرَهَا وَاجِبَةً فَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَهَا فَقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ عَمَلَ الْعُمْرَةِ قَدْ دَخَلَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ فَلَا يُرَى عَلَى الْقَارِنِ أَكْثَرُ مِنْ إِحْرَامٍ وَاحِدٍ وَطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَشُهُورِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْتَمِرُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَأَبْطَلَ الْإِسْلَامُ ذَلِكَ وَأَجَازَهُ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الْمَعْنَى الْأَخِيرُ هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ التِّرْمِذِيُّ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَهُوَ الظَّاهِرُ والله تعالى أعلم قوله (وأشهر الحج شوال وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِأَشْهُرِ الْحَجِّ ثَلَاثَةٌ أَوَّلُهَا شَوَّالٌ لَكِنِ اخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ بِكَمَالِهَا أَوْ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ فَذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ مَالِكٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَذَهَبَ غَيْرُهُمَا مِنَ العلماء إلى الثاني ثم اختلفوا فقال بن عمر وبن عباس وبن الزُّبَيْرِ وَآخَرُونَ عَشْرُ لَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وهل يدخل يوم النحر أولا فَقَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ نَعَمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ الْمُصَحَّحِ عَنْهُ لَا وَقَالَ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ تِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَلَا يَصِحُّ في يوم النحر ولا في ليلته وهو شَاذٌّ وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ النَّحْرِ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأكبر

باب ما جاء في ذكر فضل العمرة

87 - (باب ما جاء في ذكر فَضْلِ الْعُمْرَةِ) [933] قَوْلُهُ (عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وشدة التحتانية مولى أبي بكر بن عبد الرحمن ثقة قوله (العمرة إلى الْعُمْرَةِ تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهُمَا) مِنَ الذُّنُوبِ دُونَ الْكَبَائِرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ الْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ كفارة لما بينهما قاله العيني (والحج المبرور) قال بن خَالَوَيْهِ الْمَبْرُورُ الْمَقْبُولُ وَقَالَ غَيْرُهُ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنَ الْإِثْمِ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْأَقْوَالُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي تَفْسِيرِهِ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَهِيَ أَنَّهُ الْحَجُّ الَّذِي وُفِّيَتْ أَحْكَامُهُ ووقع موقعا لما طلب من المكلف على الوجه الأكمل قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ

88 - مَا جَاءَ فِي الْعُمْرَةِ مِنَ التَّنْعِيمِ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ خَارِجَ مَكَّةَ وَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ إِلَى جِهَةِ الْمَدِينَةِ [934] قَوْلُهُ (أَنْ يُعْمِرَ) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنَ الْإِعْمَارِ قَالَ صَاحِبُ الْهَدْيِ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمرَ مُدَّةَ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَلَا اعْتَمَرَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إِلَّا دَاخِلًا إِلَى مَكَّةَ وَلَمْ يَعْتَمِرْ قَطُّ خَارِجًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْحِلِّ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ كَمَا يَفْعَلُ النَّاسُ الْيَوْمَ وَلَا ثَبَتَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ إِلَّا عَائِشَةَ وَحْدَهَا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَبَعْدَ أَنْ فَعَلَتْهُ عَائِشَةُ بِأَمْرِهِ دَلَّ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَتَعَيَّنُ التَّنْعِيمُ لِمَنْ اعْتَمَرَ مِنْ مَكَّةَ فَرَوَى الْفَاكِهِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ لِأَهْلِ مَكَّةَ التَّنْعِيمَ وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ قَالَ مَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا فَلْيَخْرُجْ إِلَى التَّنْعِيمِ أَوْ إِلَى الْجِعِرَّانَةِ فَلْيُحْرِمْ مِنْهَا وَأَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ يَأْتِيَ وَقْتًا أَيْ مِيقَاتًا مِنْ مَوَاقِيتِ الْحَجِّ قَالَ الطَّحَاوِيُّ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَا مِيقَاتَ لِلْعُمْرَةِ لِمَنْ كَانَ بِمَكَّةَ إِلَّا التَّنْعِيمُ وَلَا يَنْبَغِي مُجَاوَزَتُهُ كَمَا لَا يَنْبَغِي مُجَاوَزَةُ الْمَوَاقِيتِ الَّتِي لِلْحَجِّ وَخَالَفَهُمْ آخَرُونَ فَقَالُوا مِيقَاتُ الْعُمْرَةِ الْحِلُّ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ بِالْإِحْرَامِ مِنَ التَّنْعِيمِ لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَبَ الْحِلِّ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ رُوِيَ من طريق بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِهَا قَالَتْ وَكَانَ أَدْنَانَا مِنَ الْحَرَمِ التَّنْعِيمُ فَاعْتَمَرْتُ مِنْهُ قَالَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مِيقَاتَ مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ الْحِلُّ وَأَنَّ التَّنْعِيمَ وَغَيْرَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه

باب ما جاء في العمرة من الجعرانة

(باب ما جاء في العمرة من الجعرانة) فِيهَا لُغَتَانِ إِحْدَاهُمَا كَسْرُ الْجِيمِ وَسُكُونُ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحُ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَالثَّانِيَةُ كَسْرُ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدُ الرَّاءِ وَإِلَى التَّخْفِيفِ ذَهَبَ الْأَصْمَعِيُّ وَصَوَّبَهُ الْخَطَّابِيُّ وَهِيَ مَا بَيْنَ الطَّائِفِ وَمَكَّةَ وَهِيَ إِلَى مَكَّةَ أَقْرَبُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ [935] قَوْلُهُ (عَنْ مُزَاحِمِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ) الْمَكِّيِّ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَوَى عَنْهُ وَعَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَغَيْرِهِمَا (عَنْ مُحَرِّشٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ وَفَتْحِ الرَّاءِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ قَالَ الْحَافِظُ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ فِي عُمْرَةِ الْجِعِرَّانَةِ قَوْلُهُ (فَأَصْبَحَ بِالْجِعِرَّانَةِ كَبَائِتٍ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ بَاتَ يَبِيتُ يَعْنِي أَصْبَحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعِرَّانَةِ كَأَنَّهُ بَاتَ فِيهَا وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا وَلَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ (فِي بَطْنِ سَرِفَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ مَوْضِعٌ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ مُزَاحِمِ بْنِ أَبِي مزاحم أخرج الشافعي عن بن عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْهُ حَدِيثَ مُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ فِي الْعُمْرَةِ مِنَ الْجِعِرَّانَةِ وَأَخْرَجَهُ النسائي من طريق بن عيينة

باب ما جاء في عمرة رجب

(بَاب مَا جَاءَ فِي عُمْرَةِ رَجَبٍ) [936] قَوْلُهُ (إلا وهو معه تعني بن عُمَرَ) أَيْ حَاضِرٌ مَعَهُ وَقَالَتْ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي نِسْبَتِهِ إِلَى النِّسْيَانِ (وَمَا اعْتَمَرَ فِي شَهْرِ رَجَبٍ قَطُّ) زَادَ عَطَاءٌ عَنْ عُرْوَةَ عند مسلم في اخره قال وبن عُمَرَ يَسْمَعُ فَمَا قَالَ لَا وَلَا نَعَمْ سَكَتَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوْ نَسِيَ أَوْ شَكَّ وَلِهَذَا سَكَتَ عَنِ الْإِنْكَارِ عَلَى عَائِشَةَ وَمُرَاجَعَتِهَا بِالْكَلَامِ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَتْهُ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ [937] قَوْلُهُ (اعْتَمَرَ أَرْبَعًا إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ) هَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مُطَوَّلًا فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ قَالَ دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ وَإِذَا أُنَاسٌ يصلون في المسجد صلاة الضحى قال فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِمْ فَقَالَ بِدْعَةٌ ثُمَّ قَالَ لَهُ كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال أربع إحدهن فِي رَجَبٍ فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ قَالَ وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ فَقَالَ عُرْوَةُ يَا أُمَّاهُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلَا تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَتْ مَا يَقُولُ قَالَ يَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ قَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلَّا وهو شاهد وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ انْتَهَى وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَةٌ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ أَوْ زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةٌ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةٌ مِنْ جِعِرَّانَةَ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةُ حَجَّتِهِ

باب ما جاء في عمرة ذي القعدة

(بَاب مَا جَاءَ فِي عُمْرَةِ ذِي الْقَعْدَةِ) [938] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدُّورِيُّ) أَبُو الْفَضْلِ الْبَغْدَادِيُّ خُوَارِزْمِيُّ الْأَصْلِ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْأَعْلَامِ عَنْ حُسَيْنٍ الْجُعْفِيِّ وأبي داود الطيالسي وشبابة وخلق ولزم بن مَعِينٍ وَأَخَذَ عَنْهُ الْجَرْحَ وَالتَّعْدِيلَ وَعَنْهُ أَهْلُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةُ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ وُلِدَ سَنَةَ 851 ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ فِي صَفَرَ سَنَةَ 172 إِحْدَى وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ قَالَ وكتابه في الرجال عن بن معين مجلد كبير نافع ينبىء عَنْ بَصَرِهِ بِهَذَا الشَّأْنِ انْتَهَى (السَّلُولِيُّ) بِفَتْحِ السين وباللامين وصدوق تُكُلِّمَ فِيهِ لِلتَّشَيُّعِ قَوْلُهُ (اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ اعْتَمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عباس) لينظر من أخرجه 2 - مَا جَاءَ فِي عُمْرَةِ رَمَضَانَ [939] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِلَّا أَنَّهُ قد يخطىء في حديث الثورى (عن بن أم معقل) قال

العيني في عمدة القارىء ص 41 ج 5 بن أَبِي مَعْقِلٍ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ اسْمُهُ مَعْقِلٌ كَذَا وَرَدَ مُسَمًّى فِي كِتَابِ الصَّحَابَةِ لِابْنِ مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِلٍ عَنْ أُمِّ مَعْقِلٍ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً وَمَعْقِلٌ هَذَا مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى عَنْهُ وَهُوَ مَعْقِلُ بْنُ أَبِي مَعْقِلِ بْنِ نَهِيكِ بْنِ أَسَافَ بْنِ عَدِيٍّ انْتَهَى بِقَدْرِ الْحَاجَةِ قُلْتُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الترمذي بن أبي معقل بل فيها بن أُمِّ مَعْقِلٍ (عَنْ أُمِّ مَعْقِلٍ) الْأَسَدِيَّةِ أَوْ الْأَشْجَعِيَّةِ زَوْجِ أَبِي مَعْقِلٍ وَيُقَالُ لَهَا الْأَنْصَارِيَّةُ صَحَابِيَّةٌ لَهَا حَدِيثٌ فِي عُمْرَةِ رَمَضَانَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً) فِي الثَّوَابِ لَا أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهَا فِي إِسْقَاطِ الْفَرْضِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِمَارَ لا يجزئ عن حج الفرض وقال بن الْعَرَبِيِّ حَدِيثُ الْعُمْرَةِ هَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةٌ فَقَدْ أَدْرَكَتْ الْعُمْرَةُ مَنْزِلَةَ الحج بانضمام رمضان إليها وقال بن الْجَوْزِيِّ فِيهِ أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ شَرَفِ الْوَقْتِ كَمَا يَزِيدُ بِحُضُورِ الْقَلْبِ وَخُلُوصِ المقصد قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَوَهْبِ بْنِ خَنْبَشٍ) بِمُعْجَمَةٍ وَنُونٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَزْنُ جَعْفَرٍ الطَّائِيِّ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَيُقَالُ اسْمُهُ هَرِمٌ وَوَهْبٌ أصح قاله في التقريب أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ كَحَجَّةٍ مَعِي وَفِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَأَمَّا حديث وهب بن خنبش فأخرجه بن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ عَنْ بَيَانٍ وَجَابِرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ وَهْبِ بْنِ خَنْبَشٍ مَرْفُوعًا عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْعَيْنِيُّ فِي عمدة القارىء ص 41 ج

قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أُمِّ مَعْقِلٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوْلُهُ (قَالَ إِسْحَاقُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد فقد قرأ ثلث القران) وقال بن خُزَيْمَةَ إِنَّ الشَّيْءَ يُشَبَّهُ بِالشَّيْءِ وَيُجْعَلُ عِدْلَهُ إِذَا أَشْبَهَهُ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي لَا جَمِيعِهَا لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا يُقْضَى بِهَا فَرْضُ الْحَجِّ وَلَا النَّذْرُ انْتَهَى بَاب 3 - مَا جَاءَ فِي الَّذِي يُهِلُّ بِالْحَجِّ فَيُكْسَرُ أَوْ يَعْرُجُ () [940] بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (أَوْ يَعْرُجُ) بِصِيغَةِ الْمَعْرُوفِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحَصْرِ بِأَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ وَبِأَيِّ مَعْنًى فَقَالَ قَوْمٌ يَكُونُ الْحَصْرُ بِكُلِّ حَالٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ عَدُوٍّ وَكَسْرٍ وَذَهَابِ نَفَقَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَمْنَعُهُ عَنِ الْمُضِيِّ إِلَى الْبَيْتِ وَهِيَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَصْحَابِهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عن بن عباس وبن مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَقَالَ آخَرُونَ وَهُمْ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَا يَكُونُ الْإِحْصَارُ إِلَّا بِالْعَدُوِّ فَقَطْ وَلَا يَكُونُ بِالْمَرَضِ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح وصح عن بن عَبَّاسٍ أَنْ لَا حَصْرَ إِلَّا بِالْعَدُوِّ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ عَنِ بن عيينة كلاهما عن بن طاوس عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَا حَصْرَ إِلَّا مَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ فَيَحِلُّ بِعُمْرَةٍ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ وَلَا عمرة انتهى وإليه ذهب بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَى مَالِكٌ فِي الموطأ عن بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَنْ حُبِسَ دُونَ الْبَيْتِ بِالْمَرَضِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ قَالَ خَرَجْتُ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى إِذَا كُنْتُ بِالطَّرِيقِ كُسِرَتْ فَخِذِي فَأُرْسِلْتُ إِلَى مَكَّةَ وَبِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَالنَّاسُ فَلَمْ يُرَخِّصْ لِي أَحَدٌ فِي أَنْ أُحِلَّ فَأَقَمْتُ عَلَى ذَلِكَ إِلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ حللت بعمرة

وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ أَنْ لَا إِحْصَارَ إِلَّا بالعدو اتفاق أَهْلِ النَّقْلِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدى محله نَزَلَ فِي قِصَّةِ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ صُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْبَيْتِ فَسَمَّى اللَّهُ صَدَّ الْعَدُوِّ إِحْصَارًا وَحُجَّةُ الْآخَرِينَ التَّمَسُّكُ بعموم قوله تعالى (فإن أحصرتم) وَبِحَدِيثِ الْبَابِ وَالظَّاهِرُ هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِتَعْمِيمِ الْإِحْصَارِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (مَنْ كُسِرَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِ السِّينِ (أَوْ عَرِجَ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ أَوْ مَرِضَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَرَجَ أَصَابَهُ شَيْءٌ فِي رِجْلِهِ وَلَيْسَ بِخِلْقَةٍ فَإِذَا كَانَ خِلْقَةً فَعَرِجَ كَفَرِحَ أَوْ يُثَلَّثُ فِي غَيْرِ الْخِلْقَةِ (فَقَدْ حَلَّ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْإِحْرَامَ وَيَرْجِعَ إِلَى وَطَنِهِ (وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى) زَادَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ قَابِلٍ أَيْ يَقْضِي ذَلِكَ الْحَجَّ فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا فِيمَنْ كَانَ حَجُّهُ عَنْ فَرْضٍ فَأَمَّا الْمُتَطَوِّعُ بِالْحَجِّ إِذَا أُحْصِرَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ هَذَا الْإِحْصَارِ وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَصْحَابُهُ عَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَعِكْرِمَةَ عَلَيْهِ حَجَّةٌ مِنْ قَابِلٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (فَذَكَرْتُ ذلك لأبي هريرة وبن عَبَّاسٍ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ عكرمة فسألت بن عَبَّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَا صَدَقَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ ورواه أيضا النسائي وبن ماجه وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ صَحِيحٌ

باب ما جاء في الاشتراط في الحج

(بَاب مَا جَاءَ فِي الِاشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ) [941] قَوْلُهُ (أَنَّ ضُبَاعَةَ) بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ والعين المهملة (بنت الزبير) أي بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ (مَحِلِّي) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَحِلُّ خُرُوجِي مِنَ الْحَجِّ وَمَوْضِعُ حَلَالِي مِنَ الْإِحْرَامِ أَيْ زَمَانُهُ وَمَكَانُهُ (حَيْثُ تَحْبِسُنِي) أَيْ تَمْنَعُنِي يَا اللَّهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَأَسْمَاءَ) أَيْ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أخرجه بن مَاجَهْ (وَعَائِشَةَ) قَالَتْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ لَهَا لَعَلَّكِ أَرَدْتِ الْحَجَّ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً فَقَالَ لَهَا حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وفِي الْبَابِ عَنْ ضُبَاعَةَ نَفْسِهَا وَعَنْ سُعْدَى بِنْتِ عَوْفٍ وَأَسَانِيدُهَا كُلُّهَا قَوِيَّةٌ انْتَهَى وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ وبن مَسْعُودٍ وَأُمِّ سُلَيْمٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَفِي إسناده بن إِسْحَاقَ وَلَكِنَّهُ صَرَّحَ بِالتَّحْدِيثِ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصحيح وعن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ

قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَحَّ الْقَوْلُ بِالِاشْتِرَاطِ عَنْ عمر وعثمان وعلي وعمار وبن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَصِحَّ إِنْكَارُهُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ إلا عن بن عُمَرَ وَوَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَلَمْ يَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ إِلَخْ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَبَعْضِ التَّابِعِينَ وأجابوا من حَدِيثِ ضُبَاعَةَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ خَاصٌّ بِضُبَاعَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسَنِي الْمَوْتُ إِذَا أَدْرَكَتْنِي الْوَفَاةُ انْقَطَعَ إِحْرَامِي حَكَاهُ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ إِنَّهُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ وقِيلَ إِنَّ الشَّرْطَ خَاصٌّ بِالتَّحَلُّلِ مِنَ الْعُمْرَةِ لَا مِنَ الْحَجِّ حَكَاهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ وقِصَّةُ ضُبَاعَةَ تَرُدُّهُ كَمَا تقدم من سياق مسلم وقد أطنب بن حَزْمٍ فِي التَّعَقُّبِ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ الِاشْتِرَاطَ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ قَالَهُ الْحَافِظُ 5 - بَاب مِنْهُ [942] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ يُنْكِرُ الِاشْتِرَاطَ فِي الحج) أشار بن عُمَرَ بِإِنْكَارِ الِاشْتِرَاطِ إِلَى مَا كَانَ يُفْتِي به بن عباس قال البيهقي لو بلغ بن عُمَرَ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ فِي الِاشْتِرَاطِ لَقَالَ بِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَيَقُولُ أَلَيْسَ حَسْبُكُمْ سُنَّةَ نبيكم) أي ليس يَكْفِيكُمْ سُنَّةُ نَبِيِّكُمْ لِأَنَّ مَعْنَى الْحَسْبِ الْكِفَايَةُ ومنه حسبنا الله أي كافينا وحسبكم مرفوع لأنه اسم ليس وسنة نَبِيِّكُمْ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ لَيْسَ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُطَوَّلًا باب 6 - ما جاء في المرأة تحيض بعد الْإِفَاضَةِ أَيْ بَعْدَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ [943] قَوْلُهُ (ذُكِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ) بِضَمِّ الحاء المهملة وبالتحتيين مُصَغَّرًا (فَقَالَ أَحَابِسَتُنَا هِيَ) الْهَمْزَةُ فِيهِ لِلِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَمَانِعَتُنَا مِنَ التَّوَجُّهِ مِنْ مَكَّةَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَرَدْنَا التَّوَجُّهَ فِيهِ ظَنًّا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا مَا طَافَتْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ (قَدْ أَفَاضَتْ) أَيْ طَافَتْ طَوَافَ الزِّيَارَةِ (فَلَا إِذًا) أَيْ فَلَا حَبْسَ عَلَيْنَا حِينَئِذٍ أَيْ إِذَا أَفَاضَتْ فَلَا مَانِعَ لَنَا مِنَ التَّوَجُّهِ لِأَنَّ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهَا قَدْ فعلته قوله (وفي الباب عن بن عمر) أخرجه الترمذي والنسائي والحاكم (وبن عَبَّاسٍ) قَالَ كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْفِرُ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وبن ماجه وفي رواية أمر الناس أن يكون آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ

[944] قَوْلُهُ (وَرَخَّصَ لَهُنَّ) أَيْ لِلنِّسَاءِ اللَّاتِي حِضْنَ بَعْدَ أَنْ طُفْنَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ أَنْ يَتْرُكْنَ طواف الوداع قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قال بن الْمُنْذِرِ قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ بِالْأَمْصَارِ لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ الَّتِي أَفَاضَتْ طَوَافُ الْوَدَاعِ وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وبن عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ أَمَرُوهَا بِالْمُقَامِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا لِطَوَافِ الْوَدَاعِ وكَأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا عَلَيْهَا طَوَافَ الْإِفَاضَةِ إِلَى أَنْ قَالَ وَقَدْ ثبت رجوع بن عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ ذَلِكَ وَبَقِيَ عُمَرُ فَخَالَفْنَاهُ لِثُبُوتِ حَدِيثِ عَائِشَةَ انْتَهَى بِقَدْرِ الحاجة 7 - مَا جَاءَ مَا تَقْضِي الْحَائِضُ مِنْ الْمَنَاسِكِ [945] قَوْلُهُ (أَنْ أَقْضِيَ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ (أَهِلِّي بِالْحَجِّ وَاصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ) وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا أَيْ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَلَهُ أَلْفَاظٌ

قوله (حدثنا زياد بن أيوب) بن زِيَادٍ الْبَغْدَادِيُّ وَأَبُو هَاشِمٍ الطُّوسِيُّ الْأَصْلِ يُلَقَّبُ دَلُّوَيْهِ وَكَانَ يَغْضَبُ مِنْهَا وَلَقَّبَهُ أَحْمَدُ شُعْبَةَ الصَّغِيرَ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا مَرْوَانُ بْنُ شُجَاعٍ) الْجَزَرِيُّ أَبُو عَمْرٍو وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ نَزَلَ بَغْدَادَ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ وَيُقَالُ لَهُ الْخُصَيْفِيُّ لِكَثْرَةِ رِوَايَتِهِ عَنْ خَصِيفٍ قَوْلُهُ (إِنَّ النُّفَسَاءَ وَالْحَائِضَ تَغْتَسِلُ وَتُحْرِمُ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إِذَا أَتَتَا عَلَى الْوَقْتِ تَغْتَسِلَانِ وَتُحْرِمَانِ وَتَقْضِيَانِ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَخْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ صِحَّةُ إِحْرَامِ النُّفَسَاءِ وَالْحَائِضِ وَاسْتِحْبَابُ اغْتِسَالِهِمَا لِلْإِحْرَامِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ لَكِنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وقَالَ الْحَسَنُ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ هُوَ وَاجِبٌ وَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ يَصِحُّ مِنْهُمَا جَمِيعُ أَفْعَالِ الْحَجِّ إِلَّا الطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إصنعي ما يصنع الحاج غيرأن لَا تَطُوفِي وَفِيهِ أَنَّ رَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ سُنَّةٌ لَيْسَتَا بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الْحَجِّ لِأَنَّ أَسْمَاءَ لَمْ تُصَلِّهِمَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِي إِسْنَادِهِ خُصَيْفٌ وهو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَرَّانِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَوْنٍ وَقَدْ ضعفه غير واحد انتهى كلام المنذري 8 - ما جاء من حج واعتمر فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ [946] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ) النَّاجِيُّ الْوَشَّاءُ ثِقَةٌ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَرَوَى عَنْهُ الترمذي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا (أَخْبَرَنَا

الْمُحَارِبِيُّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَانَ يُدَلِّسُ من التاسعة (عن عبد الملك بن مغيرة) الطَّائِفِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ وقَالَ فِي تَهْذِيبِ التهذيب روى عن بن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ الحجاج بن أرطاة وغيره وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَفَتْحِ اللَّامِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ هُوَ مَوْلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَدَنِيٌّ نَزَلَ حَرَّانَ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ وقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي زَيْدٍ هو بن البيلماني روى عن بن عَبَّاسٍ وَعَمْرِو بْنِ أَوْسٍ وَغَيْرِهِمَا (عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ) الثَّقَفِيِّ الطَّائِفِيِّ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَهِمَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ (عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَيُقَالُ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ حِجَازِيٌّ سَكَنَ الطَّائِفَ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عُمَرَ وَعَنْهُ عَمْرُو بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ قَوْلُهُ (مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلْيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ) كَذَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِزِيَادَةِ أَوِ اعْتَمَرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وليس هذه الزيادة في حديث بن عَبَّاسٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فَهَذِهِ الزِّيَادَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ (فَقَالَ لَهُ عُمَرُ) بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (خَرَرْتَ مِنْ يَدَيْك) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ سَقَطْتَ مِنْ أَجْلِ مَكْرُوهٍ يُصِيبُ يَدَيْك مِنْ قَطْعٍ أَوْ وَجَعٍ وَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْخَجَلِ يُقَالُ خَرَرْتُ عَنْ يَدِي أَيْ خَجِلْتُ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ سَقَطْتَ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ سَبَبِ يَدَيْك أَيْ مِنْ جِنَايَتِهِمَا كَمَا يُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي مَكْرُوهٍ إِنَّمَا أَصَابَهُ ذَلِكَ مِنْ يَدِهِ أَيْ مِنْ أَمْرِ عَمَلِهِ وحَيْثُ كَانَ الْعَمَلُ بِالْيَدِ أُضِيفَ إِلَيْهَا انْتَهَى ووَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَرِبْتَ عَنْ يَدَيْك قَالَ الْجَزَرِيُّ أَيْ سَقَطَتْ آرَابُك مِنَ الْيَدَيْنِ خَاصَّةً وقَالَ الْهَرَوِيُّ مَعْنَاهُ ذَهَبَ مَا فِي يَدَيْك حَتَّى تَحْتَاجَ وَفِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِهَذَا الْحَدِيثِ خَرَرْتَ عَنْ يَدَيْك وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْخَجَلِ مَشْهُورَةٌ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَصَابَك خَجَلٌ أَوْ ذَمٌّ وَمَعْنَى خَرَرْتَ سَقَطْتَ انْتَهَى قَالَ فِي حَاشِيَةِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ فَإِنْ قُلْتَ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَرَى ذَلِكَ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ فَلِمَ غَضِبَ عَلَيْهِ قُلْتُ غَضَبُهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُبَلِّغَ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ لِكَيْ يَرَى النَّاسُ ذَلِكَ سُنَّةً وَلَمْ يُسْنِدْهُ إِلَى اجْتِهَادِ عُمَرَ وَرَأْيِهِ انتهى

قُلْتُ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَل وَجْهُ ذَلِكَ مَذْكُورٌ صَرَاحَةً فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَقَدْ رَوَاهَا عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ أَتَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ تَحِيضُ قَالَ لِيَكُنْ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ قَالَ فَقَالَ الْحَارِثُ كَذَلِكَ أَفْتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ أَرِبْتَ عَنْ يَدَيْك سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ سَأَلْتَ عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَيْ ما أخالف قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قَالَ كَانَ النَّاس يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْفِرُ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ رَوَاهُ أَحْمَدُ ومسلم وأبو داود وبن ماجه وفي رواية أمر الناس أن يكون آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلَّا أَنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْنَادُ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ حَسَنٌ وأخرجه الترمذي بإسناده ضَعِيفٍ وَقَالَ غَرِيبٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قُلْتُ فِي إِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ صدوق كثير الخطأ والتدليس وروي هذا الحديث عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُغِيرَةَ بِالْعَنْعَنَةِ وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ وأَمَّا أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فَأَخْرَجَاهُ بِإِسْنَادٍ آخِرَ غَيْرِ إِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ وفِي أَحَادِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَيَلْزَمُ بتركه دم وقال مالك وداود وبن الْمُنْذِرِ هُوَ سُنَّةٌ لَا شَيْءَ فِي تَرْكِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَالَّذِي رَأَيْتُهُ لِابْنِ الْمُنْذِرِ فِي الْأَوْسَطِ أَنَّهُ وَاجِبٌ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِتَرْكِهِ شَيْءٌ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَدْ اجْتَمَعَ فِي طَوَافِ الْوَدَاعِ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَهْيُهُ عَنْ تَرْكِهِ وَفِعْلُهُ الَّذِي هُوَ بَيَانٌ لَلْمُجْمَلِ الْوَاجِبِ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ يفيد الوجوب والله تعالى أعلم 9 - مَا جَاءَ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافًا وَاحِدًا [947] قَوْلُهُ (فَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِكِفَايَةِ الطَّوَافِ الْوَاحِدِ لِلْقَارِنِ وَإِلَيْهِ ذهب الجمهور

قوله (وفي الباب عن بن عمر) أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ مَرْفُوعًا مَنْ قَرَنَ بَيْنَ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ أَجْزَأَهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا ويأتي لفظه (وبن عباس رضي الله عنه) أخرجه بن مَاجَهْ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ عَنْ جَابِرِ بن عبد الله وبن عمر وبن عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَطُفْ هُوَ وَأَصْحَابُهُ لِعُمْرَتِهِمْ وَحَجَّتِهِمْ حِينَ قَدِمُوا إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْحَدِيثَ وفِيهِ فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فإنما طافوا طوافا واحدا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ لَمْ يَطُفْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَصْحَابُهُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا طَوَافَهُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَمَسَّكُوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ يُحْكَى عن علي بن أبي طالب وبن مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ وَطُرُقُهُ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ والدّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِمَا ضَعِيفَةٌ وَكَذَا أُخْرِجَ مِنْ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ نَحْوُهُ وَأُخْرِجَ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ نَحْوُ ذَلِكَ وَفِيهِ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَالْمُخَرَّجُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ الِاكْتِفَاءُ بِطَوَافٍ وَاحِدٍ وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِنْ ثَبَتَتْ الرِّوَايَةُ أَنَّهُ طَافَ طَوَافَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى طَوَافِ الْقُدُومِ وَطَوَافِ الْإِفَاضَةِ وأما السعي مرتين فلم يثبت وقال بن حَزْمٍ لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلًا

قَالَ الْحَافِظُ لَكِنْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ مَرْفُوعًا عن علي وبن مَسْعُودٍ ذَلِكَ بِأَسَانِيدَ لَا بَأْسَ بِهَا إِذَا اجْتَمَعَتْ وَلَمْ أَرَ فِي الْبَابِ أَصَحَّ مِنْ حديثي بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي هَذَا الْبَابِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ كَلَامًا حَسَنًا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى فَتْحِ الْبَارِي وأَرَادَ بِحَدِيثِ بن عُمَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَلَفْظُهُ وَأَرَادَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا قُلْتُ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ هُوَ أَنَّ الْقَارِنَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِلَّا طَوَافٌ وَاحِدٌ كَالْمُفْرِدِ [948] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ قَوْلُهُ (مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ مِنْهُمَا) أَيْ مِنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِلَفْظِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَفَاهُ لَهُمَا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقَارِنَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِلَّا طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجه بَابُ 00 - مَا جَاءَ أَنَّ مُكْثَ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ بَعْدَ الصَّدَرِ ثَلَاثًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ الصَّدَرُ بالتحريك رجوع المسافر من مقصد وَالشَّارِبَةِ مِنَ الْوِرْدِ يُقَالُ صَدَرَ يَصْدُرُ صُدُورًا وَصَدَرًا انْتَهَى وقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ بَعْدَ الرُّجُوعِ مِنْ مِنًى وَكَانَ إِقَامَةُ الْمُهَاجِرِ بِمَكَّةَ حَرَامًا ثُمَّ أُبِيحَ بَعْدَ قَضَاءِ النُّسُكِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ انْتَهَى [949] قَوْلُهُ (يَمْكُثُ) بِضَمِّ الْكَافِ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ أَيْ يُقِيمُ (الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ) أَيْ

بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ مِنًى كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بَعْدَ الصَّدْرِ أَيْ الصَّدْرِ مِنْ مِنًى قَالَهُ النَّوَوِيُّ (بِمَكَّةَ ثَلَاثًا) أَيْ يَجُوزُ لَهُ مُكْثُ هَذِهِ الْمُدَّةِ لِقَضَاءِ حَوَائِجِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا بَلْدَةٌ تَرَكَهَا الله تَعَالَى فَلَا يُقِيمُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْعَوْدَ إِلَى مَا تَرَكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ الْفَتْحِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُرِّمَ عَلَيْهِمْ اسْتِيطَانُ مَكَّةَ وَالْإِقَامَةُ بِهَا ثُمَّ أُبِيحَ لَهُمْ إِذَا وَصَلُوهَا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَنْ يُقِيمُوا بَعْدَ فَرَاغِهِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَزِيدُوا عَلَى الثَّلَاثَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْهِجْرَةِ وَمُسْلِمٌ فِي الْحَجِّ وَأَبُو دَاوُدَ أَيْضًا فِي الْحَجِّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا فِي الْحَجِّ وَفِي الصلاة وبن مَاجَهْ فِي الصَّلَاةِ (وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَرْفُوعًا) إِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَوَاقِعَ الْحَدِيثِ فِيهَا بَاب 01 - مَا جاء ما يقول عند القفول من الحج وَالْعُمْرَةِ أَيْ عِنْدَ الرُّجُوعِ مِنْهُمَا [950] قَوْلُهُ (إِذَا قَفَلَ) أَيْ رَجَعَ (فَعَلَا) الْفَاءُ لِلْعَطْفِ وَعَلَا فعل ماضي (فَدْفَدًا) بِتَكْرَارِ الْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكَانُ الَّذِي فِيهِ ارْتِفَاعٌ وَغِلَظٌ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ وَكَذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ وَجَمْعُهُ فَدَافِدُ أَوْ شَرَفًا) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ (كَبَّرَ) جَوَابُ إِذَا (آئِبُونَ) بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَكْسُورَةٌ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ آبَ يَئُوبُ إِذَا رَجَعَ أَيْ نَحْنُ رَاجِعُونَ مِنْ السَّفَرِ بِالسَّلَامَةِ إِلَى أوطاننا (تائبون) أي مِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ (عَابِدُونَ) أَيْ لِمَعْبُودِنَا (سَائِحُونَ) جَمْعُ سَائِحٍ مِنْ

سَاحَ الْمَاءُ يَسِيحُ إِذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَيْ سَائِرُونَ لِمَطْلُوبِنَا وَدَائِرُونَ لِمَحْبُوبِنَا قَالَهُ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ (لِرَبِّنَا حَامِدُونَ) أَيْ لَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْعِمُ عَلَيْنَا (صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ) أَيْ فِي وَعْدِهِ بِإِظْهَارِ الدِّينِ (وَنَصَرَ عَبْدَهُ) أَرَادَ نَفْسَهُ النَّفِيسَةَ (وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ) أي الْقَبَائِلَ الْمُجْتَمِعَةَ مِنَ الْكُفَّارِ الْمُخْتَلِفَةَ لِحَرْبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحِزْبُ جَمَاعَةٌ فِيهِمْ لَغَطٌ (وحده) لقوله تَعَالَى وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَانُوا اثْنَيْ عَشْرَ أَلْفًا تَوَجَّهُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَاجْتَمَعُوا حَوْلَهَا سِوَى مَنْ انْضَمَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الْيَهُودِ وَمَضَى عَلَيْهِمْ قَرِيبٌ مِنْ شَهْرٍ لَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ إِلَّا التَّرَامِي بِالنَّبْلِ أَوْ الْحِجَارَةِ زَعْمًا مِنْهُمْ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يُطِيقُوا مُقَابَلَتَهُمْ فَلَا بُدَّ أَنَّهُمْ يَهْرُبُونَ فَأَرْسَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا لَيْلَةً سَفَّتِ التُّرَابَ عَلَى وُجُوهِهِمْ وَأَطْفَأَتْ نِيرَانَهُمْ وَقَلَعَتْ أَوْتَادَهُمْ وَأَرْسَلَ الله ألفا من الملائكة فكبرت في معسكرتهم فَحَاصَتْ الْخَيْلُ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمْ الرُّعْبَ فَانْهَزَمُوا وَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها وَمِنْهُ يَوْمُ الْأَحْزَابِ وَهُوَ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ وقِيلَ الْمُرَادُ أَحْزَابُ الْكُفَّارِ فِي جَمِيعِ الْمَوَاطِنِ قَالَهُ القارىء قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الْبَرَاءِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ ذكر لفظه العيني في عمدة القارىء (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ كُنَّا إِذَا سَافَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا هَبَطْنَا سَبَّحْنَا كَذَا فِي عمدة القارىء قلت وأخرجه البخاري أيضا قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ وَالدَّعَوَاتِ وَمُسْلِمٌ فِي الْحَجِّ وَأَبُو دَاوُدَ في الجهاد والنسائي في السير 02 - مَا جَاءَ فِي الْمُحْرِمِ يَمُوتُ فِي إِحْرَامِهِ [951] قَوْلُهُ (فَوُقِصَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ كُسِرَ عُنُقُهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْوَقْصُ كَسْرُ عُنُقٍ وَقَصْتُ

عُنُقَهُ أَقِصُهَا وَقْصًا وَوَقَصَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ كَقَوْلِك خُذِ الْخِطَامَ وَخُذْ بِالْخِطَامِ وَلَا يُقَالُ وَقَصَتْ الْعُنُقُ نَفْسَهَا وَلَكِنْ يُقَالُ وُقِصَ الرَّجُلُ فَهُوَ مَوْقُوصٌ انْتَهَى (وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ) أَيْ لَا تُغَطُّوهُ (يُهِلُّ أَوْ يُلَبِّي) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَيْ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قَالُوا لَا يَنْقَطِعُ إِحْرَامُ الْمُحْرِمِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يُغَطَّى رَأْسُهُ وَيُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْهِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا مَاتَ الْمُحْرِمُ يَنْقَطِعُ إِحْرَامُهُ وَيُصْنَعُ بِهِ مَا يُصْنَعُ بِغَيْرِ الْمُحْرِم) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إذا مات بن آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَجَابَ الْعَيْنِيُّ وَالزُّرْقَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّهُ عَرَفَ بِالْوَحْيِ بَقَاءَ إِحْرَامِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهُوَ خَاصٌّ بِذَلِكَ الرَّجُلِ وَبِأَنَّهُ وَاقِعَةُ حال لا عموم لها وَبِأَنَّهُ عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا وهَذَا الْأَمْرُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِهِ وُجُودُهُ فَيَكُونُ خَاصًّا بِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ مَا لَفْظُهُ وَلَا يَخْفَى عَلَى الْمُنْصِفِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ تَعَسُّفٌ فَإِنَّ الْبَعْثَ مُلَبِّيًا لَيْسَ بِخَاصٍّ بِهِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ حَيْثُ وَرَدَ يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ووَرَدَ مَنْ مَاتَ عَلَى مَرْتَبَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاتِبِ بُعِثَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَوَرَدَ أَنَّ الْمُؤَذِّنَ يُبْعَثُ وَهُوَ يُؤَذِّنُ وَالْمُلَبِّي يُبْعَثُ وَهُوَ يُلَبِّي أَخْرَجَهُ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَوَرَدَ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا كَمَا بَسَطَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْبُدُورِ السَّافِرَةِ فِي أَحْوَالِ الْآخِرَةِ فَهَذَا التَّعْلِيلُ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَإِنَّمَا عُلِّلَ بِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا حُكِمَ بِعَدَمِ التَّخْمِيرِ الْمُخَالِفِ لِسُنَنِ الْمَوْتَى نُبِّهَ عَلَى حُكْمِهِ فِيهِ وَهُوَ أَنَّهُ يُبْعَثُ مُلَبِّيًا فَيَنْبَغِي إِبْقَاؤُهُ عَلَى صُورَةِ الْمُلَبِّينَ وَاحْتِمَالُ الِاخْتِصَاصِ بِالْوَحْيِ مُجَرَّدُ احْتِمَالٍ لَا يُسْمَعُ وَكَوْنُهُ وَاقِعَةَ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا إِنَّمَا يَصِحُّ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَعْلِيلٌ وَأَمَّا إِذَا وُجِدَ وَهُوَ عَامٌّ فَيَكُونُ الْحُكْمُ عَامًّا والجواب عن أثر بن عُمَرَ يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ عن نافع أن بن عُمَرَ كَفَّنَ ابْنَهُ وَاقِدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ مَاتَ مُحْرِمًا بِالْجُحْفَةِ وَخَمَّرَ رَأْسَهُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بَلَغَهُ وَحَمَلَهُ عَلَى

الْأَوْلَوِيَّةِ وَجَوَّزَ التَّخْمِيرَ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الَّذِي لَا يَتَجَاوَزُ الْحَقُّ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْقَصَّارِ لَوْ أُرِيدَ تَعْمِيمُ هَذَا الْحُكْمِ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ لَقَالَ فَإِنَّ الْمُحْرِمَ كَمَا جَاءَ أَنَّ الشَّهِيدَ يُبْعَثُ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا وأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْأَمْرِ الْمَذْكُورِ كَوْنُهُ كَانَ فِي النُّسُكِ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مُحْرِمٍ وَالْأَصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ لِوَاحِدٍ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَبَتَ لِغَيْرِهِ حَتَّى يَتَّضِحَ التَّخْصِيصُ انْتَهَى بَاب 03 - مَا جَاءَ أَنَّ الْمُحْرِمَ يَشْتَكِي عَيْنَهُ فَيُضَمِّدُهَا بِالصَّبِرِ كَكَتِفٍ وَلَا يُسَكَّنُ إِلَّا بِضَرُورَةِ الشِّعْرِ وَهُوَ عُصَارَةٌ جَامِدَةٌ مِنْ نَبَاتٍ كَالسَّوْسَنِ بَيْنَ صُفْرَةٍ وَحُمْرَةٍ مِنْهُ سُقُوطْرِيٌّ وَمِنْهُ عَرَبِيٌّ وَمِنْهُ سَمِيخَانِيٌّ أَفْضَلُهُ سُقُوطْرِيٌّ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَبَحْرِ الْجَوَاهِرِ والضِّمَادُ بِالْكَسْرِ أَنْ يُخْلَطَ الدَّوَاءُ بِمَائِعٍ وَيُلَيَّنَ وَيُوضَعَ عَلَى الْعُضْوِ وَأَصْلُ الضَّمْدِ الشَّدُّ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يُقَالُ ضَمَّدَ رَأْسَهُ وَجُرْحَهُ إِذَا شَدَّهُ بِالضِّمَادَةِ وَهِيَ خِرْقَةٌ يُشَدُّ بِهَا العضو الماؤف ثم نقل لِوَضْعِ الدَّوَاءَ عَلَى الْجُرْحِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَشُدَّ [952] قَوْلُهُ (عَنْ نُبَيْهِ بْنِ وَهْبٍ) بِنُونٍ مَضْمُومَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا قَوْلُهُ (اشْتَكَى عَيْنَيْهِ) وفي رواية لمسلم رمدت عينه (يقول اضمدها بِالصَّبِرِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّ عُثْمَانَ حَدَّثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ إِذَا اشْتَكَى عَيْنَيْهِ وهو محرم ضمدها بِالصَّبِرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ تَضْمِيدِ الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا بِالصَّبِرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا فِدْيَةَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ احْتَاجَ إِلَى مَا فِيهِ طِيبٌ جَازَ لَهُ فِعْلُهُ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ واتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَكْتَحِلَ بِكُحْلٍ لَا طِيبَ فِيهِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَلَا فِدْيَةَ

عَلَيْهِ فِيهِ وَأَمَّا الِاكْتِحَالُ لِلزِّينَةِ فَمَكْرُوهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ وَمَنَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وفِي مَذْهَبِ مَالِكٍ قَوْلَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَفِي إِيجَابِ الفدية عندهم بذلك خلاف انتهى 04 - مَا جَاءَ فِي الْمُحْرِمِ يَحْلِقُ رَأْسَهُ فِي إِحْرَامِهِ مَا عَلَيْهِ [953] قَوْلُهُ (عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ قَوْلُهُ (مَرَّ بِهِ) أَيْ بِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ (وَهُوَ) أَيْ كَعْبٌ (بِالْحُدَيْبِيَةِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ مُصَغَّرًا قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هِيَ قَرْيَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ مَكَّةَ سُمِّيَتْ بِبِئْرٍ فِيهَا وَهِيَ مُخَفَّفَةٌ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ يُشَدِّدُهَا انْتَهَى (وَهُوَ مُحْرِمٌ وَهُوَ يُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ) الضَّمِيرَانِ يَرْجِعَانِ إِلَى كَعْبٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ كَعْبٍ وَأَنَا أَطْبُخُ قِدْرًا لِأَصْحَابِي قَالَهُ الْحَافِظُ (وَالْقَمْلُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمِيمِ دُوَيْبَةٌ يَتَوَلَّدُ مِنَ الْعَرَقِ وَالْوَسَخِ إِذَا أَصَابَ ثَوْبًا أَوْ بَدَنًا أَوْ شَعْرًا يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ سبس (يَتَهَافَتُ) بِالْفَاءِ أَيْ يَتَسَاقَطُ شَيْئًا فَشَيْئًا (هَوَامُّك) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ جَمْعُ هَامَّةٍ وَهِيَ مَا يَدِبُّ مِنَ الْأَخْشَاشِ وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يُلَازِمُ جَسَدَ الْإِنْسَانِ إِذَا طَالَ عَهْدُهُ بِالتَّنْظِيفِ وَقَدْ عُيِّنَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوايَاتِ أَنَّهَا الْقَمْلُ قَالَهُ الْحَافِظُ (وَأَطْعِمْ فَرَقًا) بِفَتْحِ الْفَاءِ والراء وقد تسكن قاله بن فَارِسٍ وقَالَ الْأَزْهَرِيُّ كَلَامُ الْعَرَبِ بِالْفَتْحِ وَالْمُحَدِّثُونَ قَدْ يُسَكِّنُونَهُ وَآخِرُهُ قَافٌ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ (وَالْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الصَّادِ جَمْعُ صَاعٍ وَأَصْلُهُ أَصْوُعٌ فَقُلِبَ وَأُبْدِلَ الْوَاوُ هَمْزَةً وَالْهَمْزَةُ أَلْفًا وجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَصْوُعٍ عَلَى الْأَصْلِ وَذَلِكَ مِثْلُ آدُرٍ فِي جَمْعِ دَارٍ كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ ولِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أبي قلابة عن بن أَبِي لَيْلَى أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْفَرَقَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ اقْتَضَى أَنَّ الصَّاعَ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إِنَّ الصَّاعَ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ (أَوِ انْسُكْ) بِضَمِّ السِّينِ (نَسِيكَةً) أَيْ اذْبَحْ ذبيحة والنسيكة الذبيحة (قال بن أَبِي نَجِيحٍ أَوِ اذْبَحْ شَاةً) أَيْ مَكَانَ أَوِ انْسُكْ نَسِيكَةً

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ بِمِثْلِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم) أي في حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ أَوْ ذَبْحِ شَاةٍ بَاب 05 - مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ لِلرُّعَاةِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا الرُّعَاةُ بضم الراء جمع الراعي [954] قوله (حدثنا بن أَبِي عُمَرَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ صَدُوقٌ صَنَّفَ المسند وكان لازم بن عُيَيْنَةَ لَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ كَانَتْ فِيهِ غفلة وقال في الخلاصة وثقه بن حِبَّانَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ موضوع عن بن عيينة (أخبرنا سفيان) هو بن عُيَيْنَةَ (عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ المهملة واخره مهملة بن عَاصِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْجَدِّ بِفَتْحِ الْجِيمِ يُقَالُ اسْمُهُ عَدِيٌّ وَيُقَالُ كُنْيَتُهُ أَبُو عَمْرٍو وَأَبُو الْبَدَّاحِ لَقَبٌ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي لَيْسَ لِأَبِي الْبَدَّاحِ وَلَا لِأَبِيهِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ قَوْلُهُ (رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ الرَّاعِي (أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ يَتْرُكُوا يَعْنِي يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَرْمُوا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَيَذْهَبُوا إِلَى إِبِلِهِمْ فيبيتوا عندها

وَيَدَعُوا يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يَأْتُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَيَرْمُوا مَا فَاتَهُمْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مَعَ رَمْيِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَفِيهِ تَفْسِيرٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَيَدَعُونَ رَمْيَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَيَذْهَبُونَ ثُمَّ يَأْتُونَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنَ التَّشْرِيقِ فَيَرْمُونَ مَا فَاتَهُمْ ثُمَّ يَرْمُونَ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكِلَاهُمَا جَائِزٌ وَإِنَّمَا رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ رَعْيَ الْإِبِلِ وَحِفْظَهَا لِتَشَاغُلِ النَّاسِ بِنُسُكِهِمْ عَنْهَا وَلَا يُمْكِنُهُمْ الْجَمْعُ بَيْنَ رَعْيِهَا وَبَيْنَ الرَّمْيِ وَالْمَبِيتِ فَيَجُوزُ لَهُمْ تَرْكُ الْمَبِيتِ لِلْعُذْرِ وَالرَّمْيُ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (هكذا روى بن عُيَيْنَةَ) يَعْنِي رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بن عدي عن أبيه فقال بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ فَيَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ عَدِيًّا وَالِدُ أَبِي الْبَدَّاحِ وَهُوَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ عَدِيًّا هُوَ جَدُّ أَبِي الْبَدَّاحِ وَوَالِدُ أَبِي الْبَدَّاحِ هُوَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ وَهُوَ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ وَالِدِهِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ وقَالَ الْإِمَامُ محمد رحمه الله في موطأه أَخْبَرَنَا مَالِكٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا الْبَدَّاحِ بْنَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِيهِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَخَّصَ لِرِعَاءِ الْإِبِلِ الْحَدِيثَ (وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ) فَقَالَ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ أَبَا الْبَدَّاحِ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ عَاصِمٌ لَا عَنْ جَدِّهِ وَهُوَ عَدِيٌّ وَهَذَا ظَاهِرٌ لِمَنْ تَتَبَّعَ كُتُبَ الرِّجَالِ وَلِذَلِكَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ (وَرِوَايَةُ مَالِكٍ أَصَحُّ) يَعْنِي قَوْلَ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ صَحِيحٌ وَأَمَّا قَوْلُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ أَبِيهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ مَنْ قَالَ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ فَقَدْ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ انْتَهَى قُلْتُ يَخْدِشُهُ قَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ بَعْدَ قَوْلِهِ عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ فَتَفَكَّرْ تَنْبِيهٌ وَجْهُ كَوْنِ رِوَايَةِ مَالِكٍ أَصَحَّ ظَاهِرٌ لَكِنْ لَمْ يَفْهَمْهُ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ فَاعْتَرَضَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ حَيْثُ قَالَ كَيْفَ الْفَرْقُ بَيْنَ رِوَايَةِ مالك وبن عُيَيْنَةَ ثُمَّ ذَكَرَ وُجُوهًا لِلْأَصَحِيَّةِ وَاهِيَةً مِنْ عِنْدَ نَفْسَهُ ثُمَّ رَدَّهَا وَلَمْ يَرْضَ بِهَا ثُمَّ قَالَ فَالْحَاصِلُ أَنِّي لَمْ أَجِدْ وَجْهًا شافيا لترجيح رواية مالك على رواية بن عُيَيْنَةَ انْتَهَى قُلْتُ لَوْ تَأَمَّلَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ فِي كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ تَأَمُّلًا صَادِقًا لَوَجَدَ الْوَجْهَ الشَّافِيَ لِأَصَحِيَّةِ رِوَايَةِ مَالِكٍ

[955] قَوْلُهُ (فِي الْبَيْتُوتَةِ) مَصْدَرُ بَاتَ أَيْ فِي الْقِيَامِ لَيْلًا بِمِنًى اللَّائِقِ لِلْحُجَّاجِ أَيْ أَبَاحَ لِرُعَاةِ الْإِبِلِ تَرْكَ الْبَيْتُوتَةِ بِمِنًى (أَنْ يَرْمُوا يَوْمَ النَّحْرِ) أَيْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ (ثُمَّ يَجْمَعُوا رَمْيَ يَوْمَيْنِ) أَيْ الْحَادِيَ عَشْرَ وَالثَّانِيَ عَشْرَ (فَيَرْمُونَهُ) أَيْ رَمْيَ الْيَوْمَيْنِ (فِي أَحَدِهِمَا) أَيْ فِي أَحَدِ الْيَوْمَيْنِ لِأَنَّهُمْ مَشْغُولُونَ بِرَعْيِ الْإِبِلِ قال الطيبي رحمه الله أي رخص لهم أَنْ لَا يَبِيتُوا بِمِنًى لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَنْ يَرْمُوا يَوْمَ الْعِيدِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَقَطْ ثُمَّ لَا يَرْمُوا فِي الْغَدِ بَلْ يَرْمُوا بَعْدَ الْغَدِ رَمْيَ الْيَوْمَيْنِ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ ولَمْ يُجَوِّزْ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنْ يُقَدِّمُوا الرَّمْيَ فِي الْغَدِ انْتَهَى كَلَامُ الطِّيبِيِّ قَالَ القارىء وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا قَوْلُهُ (قَالَ مَالِكٌ ظَنَنْتُ أَنَّهُ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ (فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا) أَيْ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنَ الْيَوْمَيْنِ (ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ) أَيْ يَوْمَ الِانْصِرَافِ مِنْ مِنًى وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ عَشْرَ وَهُوَ يَوْمُ النَّفْر الثَّانِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وقَالَ فِي النَّيْلِ أخرجه أيضا مالك والشافعي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ انْتَهَى وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النيل 06 - باب [956] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سَلِيمٌ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (بْنُ حَيَّانَ) بفتح المهملة وتشديد التحتانية الهزلي الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (قَالَ سَمِعْتُ مَرْوَانَ الْأَصْفَرَ) أَبَا خَلِيفَةَ الْبَصْرِيَّ قِيلَ اسْمُ أَبِيهِ خَاقَانُ وَقِيلَ سَالِمٌ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ

قَوْلُهُ (بِمَا أَهْلَلْتَ) قَالَ أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ قَالَ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُك (قَالَ لَوْلَا أَنَّ مَعِي هَدْيًا لَأَحْلَلْتُ) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ قَالَ فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلَا تَحِلَّ وفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَعْلِيقُ إِحْرَامِ الرَّجُلِ عَلَى إِحْرَامِ غَيْرِهِ 07 - بَاب [957] قَوْلُهُ (فَقَالَ يَوْمُ النَّحْرِ) لِمَا فِيهِ مِنْ أَكْثَرِ أَحْكَامِ الْحَجِّ مِنْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَالْحَلْقِ وَالذَّبْحِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَغَيْرِهَا [958] قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) أَيْ أَرْجَحُ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَأَقَلُّ ضَعْفًا مِنْهُ فَهُمَا ضَعِيفَانِ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِمَا الْحَارِثَ وَهُوَ الْأَعْوَرُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَبَيَّنَ التِّرْمِذِيُّ وَجْهَ الْأَصَحِيَّةِ بِقَوْلِهِ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ إِلَخْ وفِي الْبَابِ عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ فَقَالَ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ تَنْبِيهٌ قَدْ اشْتَهَرَ بَيْنَ الْعَوَّامِ أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ إِذَا وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ الْحَجُّ حَجًّا أَكْبَرَ وَلَا أَصْلَ لَهُ نَعَمْ رَوَى رَزِينٌ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كرز أَرْسَلَهُ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ عَرَفَةَ وَإِذَا وَافَقَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةً فِي غَيْرِ يَوْمِ جُمُعَةٍ كَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَوَائِدِ وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى إسناده

فَائِدَةٌ قَالَ الْحَافِظُ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالْحَجِّ الْأَصْغَرِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ الْعُمْرَةُ وَقِيلَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمُ النَّحْرِ لأن فيه تتكمل بَقِيَّةُ الْمَنَاسِكِ وذَكَر الْحَافِظُ أَقْوَالًا أُخْرَى وَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَارْجِعْ إِلَى الْفَتْحِ 08 - بَاب [959] قوله (عن بن عُبَيْدِ) بِالتَّصْغِيرِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (بْنِ عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ أَيْضًا (عَنْ أَبِيهِ) عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ يُكَنَّى أَبَا عَاصِمٍ اللَّيْثِيِّ الْحِجَازِيِّ قَاضِي أَهْلِ مَكَّةَ وُلِدَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَالُ رَآهُ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي كِبَارِ التَّابِعِينَ مَاتَ قبل بن عمر رضي الله عنه قوله (أن بن عُمَرَ كَانَ يُزَاحِمُ) أَيْ يُغَالِبُ النَّاسَ (عَلَى الرُّكْنَيْنِ) أَيْ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالرُّكْنِ الْيَمَانِي (زِحَامًا) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ زِحَامًا عَظِيمًا وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي جَمِيعِ الْأَشْوَاطِ أَوْ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ فَإِنَّهُمَا آكَدُ أَحْوَالِهَا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا أُحِبُّ الزِّحَامَ فِي الِاسْتِلَامِ إِلَّا فِي بَدْءِ الطَّوَافِ وَآخِرِهِ لَكِنَّ الْمُرَادَ ازْدِحَامٌ لَا يَحْصُلُ فِيهِ أَذًى لِلْأَنَامِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِعُمَرَ إِنَّك رَجُلٌ قَوِيٌّ لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ وَهَلِّلْ وَكَبِّرْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ (يُزَاحِمُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ أَوْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وقَدْ جَاءَ أَنَّهُ رُبَّمَا دَمِيَ أَنْفُهُ مِنْ شِدَّةِ تَزَاحُمِهِ وَكَأَنَّهُمْ تَرَكُوهُ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَذَى فَالِاقْتِدَاءُ بِفِعْلِهِمْ سِيَّمَا هَذَا الزَّمَانُ أولى قاله القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ رَأَيْتُ بن عُمَرَ يُزَاحِمُ عَلَى الرُّكْنِ حَتَّى يَدْمَى ومِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى أَنَّهُ قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ هَوَتْ الْأَفْئِدَةُ إِلَيْهِ فَأُرِيدُ أَنْ يَكُونَ فُؤَادِي مَعَهُمْ ورَوَى الْفَاكِهِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ كَرَاهَةَ الْمُزَاحِمَةِ وَقَالَ لَا يُؤْذِي كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (إِنْ أَفْعَلْ) أَيْ هَذَا الزِّحَامَ فَلَا أُلَامُ فَإِنْ شَرْطِيَّةٌ وَالْجَزَاءُ مُقَدَّرٌ وَدَلِيلُ الْجَوَابِ قَوْلُهُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم الخ قاله القارىء وقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ أَيْ إِنْ أُزَاحِمْ فَلَا تُنْكِرُوا عَلَيَّ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في فَضْلِ اسْتِلَامِهِمَا فَإِنِّي لَا أُطِيقُ الصَّبْرَ عَنْهُ

(وَسَمِعْتُهُ) أَيْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا (سُبُوعًا) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِلَا أَلِفٍ وَوَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ أُسْبُوعًا بِالْأَلِفِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ طَافَ أُسْبُوعًا أَيْ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَالْأُسْبُوعُ الْأَيَّامُ السَّبْعَةُ وَسُبُوعٌ بِلَا ألف لغة انتهى وقال القارىء أَيْ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ (فَأَحْصَاهُ) قَالَ السُّيُوطِيُّ أَيْ لَمْ يَأْتِ فِيهِ بِزِيَادَةٍ أو نقص وقال القارىء بِأَنْ يُكْمِلَهُ وَيُرَاعِيَ مَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّوَافِ من الشروط والآداب (لايضع) أَيْ الطَّائِفُ (إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا) أَيْ إِلَّا وَضَعَ اللَّهُ وَمَحَا عَنِ الطَّائِفِ بكل قدم 09 - باب [960] قَوْلُهُ (الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ) احْتِرَازٌ مِنْ الطَّوَافِ بين الصفا والمروة (مثل الصلاة) بالرفع عَلَى الْخَبَرِيَّةِ وَجُوِّزَ النَّصْبُ أَيْ نَحْوَهَا (إِلَّا أن تتكلمون فيه) أي في الطواف قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ تَعْتَادُونَ الْكَلَامَ فِيهِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ أَيْ مِثْلُهَا فِي كُلِّ مُعْتَبَرٍ فِيهَا وُجُودًا وَعَدَمًا إِلَّا التَّكَلُّمَ يَعْنِي وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْمُنَافِيَاتِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَسَائِرِ الْأَفْعَالِ الْكَثِيرَةِ وَإِمَّا مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ رُخِّصَ لَكُمْ فِي الْكَلَامِ وَفِي الْعُدُولِ عَنْ قَوْلِهِ إِلَّا الْكَلَامَ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ لَا تَخْفَى ويُعْلَمُ مِنْ فِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَدَمُ شَرْطِيَّةِ الِاسْتِقْبَالِ وَلَيْسَ لِأَصْلِ الطَّوَافِ وَقْتٌ مَشْرُوطٌ وَبَقِيَ بَقِيَّةُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مِنَ الطَّهَارَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْحَقِيقِيَّةِ وَسِتْرِ الْعَوْرَةِ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَالصَّلَاةِ وَوَاجِبَاتٌ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مِثْلِ الشَّيْءِ أَنْ يَكُونَ مُشَارِكًا لَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ مِنَ الْآحَادِ وَهُوَ ظَنِّيٌّ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْفَرْضِيَّةُ مَعَ الِاتِّفَاقِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنِ النَّجَاسَةِ الَّتِي بالمطاف

إذ شَقَّ اجْتِنَابُهَا لِأَنَّ فِي زَمَنِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَزَمَنِ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَمْ تَزَلْ فِيهِ نَجَاسَةُ زَرْقِ الطُّيُورِ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنَ الطَّوَافِ بِهِ لِأَجْلِ ذَلِكَ وَلَا أَمَرَ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ بِتَطْهِيرِ مَا هُنَالِكَ (فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا بِخَيْرٍ) أَيْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِفَادَةِ عِلْمٍ وَاسْتِفَادَتِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُشَوِّشُ عَلَى الطَّائِفِينَ قوله (وقد روى عن بن طاوس وغيره عن طاوس عن بن عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رواه الترمذي والحاكم والدارقطنى من حديث بن عباس وصححه بن السكن وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وقَالَ التِّرْمِذِيُّ رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَلَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ وَمَدَارُهُ عَلَى عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَاخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَرَجَّحَ الْمَوْقُوفَ النسائي والبيهقي وبن الصلاح والمنذري والنووي وزاذ أَنَّ رِوَايَةَ الرَّفْعِ ضَعِيفَةٌ وَفِي إِطْلَاقِ ذَلِكَ نَظَرٌ فَإِنَّ عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ صَدُوقٌ وَإِذَا رُوِيَ عَنْهُ الْحَدِيثُ مَرْفُوعًا تَارَةً وَمَوْقُوفًا أُخْرَى فَالْحُكْمُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ لِلرَّفْعِ وَالنَّوَوِيُّ مِمَّنْ يَعْتَمِدُ ذَلِكَ وَيُكْثِرُ مِنْهُ وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَى تَعْلِيلِ الْحَدِيثِ بِهِ إِذَا كَانَ الرَّافِعُ ثِقَةً فَيَجِيءُ عَلَى طَرِيقَتِهِ أَنَّ الْمَرْفُوعَ صَحِيحٌ فَإِنِ اعْتُلَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ اخْتَلَطَ وَلَا تُقْبَلُ إِلَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ قبل اختلاطه وأجيب بِأَنَّ الْحَاكِمَ أَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ وَالثَّوْرِيُّ مِمَّنْ سَمِعَ قَبْلَ اخْتِلَاطِهِ بِاتِّفَاقٍ وَإِنْ كَانَ الثَّوْرِيُّ قَدْ اخْتُلِفَ عَلَيْهِ فِي وَقْفِهِ وَرَفْعِهِ فَعَلَى طَرِيقَتِهِمْ تُقَدَّمُ رِوَايَةُ الرَّفْعِ أَيْضًا والْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ مَوْقُوفٌ وَوَهِمَ عَلَيْهِ مَنْ رَفَعَهُ وقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الكلام ها هنا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى التَّلْخِيصِ ص 74 10 - باب [961] قوله (أخبرنا جرير) هو بن عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ قُرْطٍ الضَّبِّيُّ ثِقَةٌ (عَنِ بن خُثَيْمٍ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ مُصَغَّرًا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ القارىء الْمَكِّيُّ أَبُو عُثْمَانَ ثِقَةٌ

قَوْلُهُ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَجَرِ) أَيْ فِي شَأْنِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَوَصْفِهِ (لَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ) أَيْ لَيُظْهِرَنَّهُ (لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا) فَيَعْرِفُ مَنَ اسْتَلَمَهُ (يَشْهَدُ عَلَى مَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ عَلَى هذا بمعنى اللام وفي رواية أحمد والدارمي وبن حِبَّانَ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ قَالَ وَالْبَاءُ فِي بحق يحتمل تعلقها بيشهد أو باستلمه كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وقَالَ الشَّيْخُ فِي اللُّمَعَاتِ كَلِمَةُ عَلَى بِاعْتِبَارِ تَضْمِينِ مَعْنَى الرَّقِيبِ والحفيظ وقوله بحق متعلق باستلمه أَيْ اسْتَلَمَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بيشهد وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إِيجَادِ الْبَصَرِ وَالنُّطْقِ فِي الْجَمَادَاتِ فَإِنَّ الْأَجْسَامَ مُتَشَابِهَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ يَقْبَلُ كُلٌّ منها ما يقبل الاخر من الأعراض ويأوله الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغُ التَّفَلْسُفِ وَيَقُولُونَ إِنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ تَحْقِيقِ ثَوَابِ الْمُسْتَلِمِ وَإِنَّ سَعْيَهُ لَا يَضِيعُ وَالْعَجَبُ مِنَ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ الْأَغْلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمُرَادَ هَذَا وَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ حَمْلُهُ عَلَى الظَّاهِرِ وَلَا عَجِبَ فَإِنَّهُ مَجْبُولٌ عَلَى التَّفَلْسُفِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ وَشَرْحِ الْأَحَادِيثِ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي صحيح بن خزيمة عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إِنَّ لِهَذَا الْحَجَرِ لِسَانًا وَشَفَتَيْنِ يَشْهَدَانِ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَقٍّ وَصَحَّحَهُ أيضا بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْضًا انْتَهَى ولَوْ أَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ فَضْلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ لَكَانَ أَحْسَنَ [962] قَوْلُهُ (عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ فَرْقَدُ بْنُ يَعْقُوبَ السَّبَخِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَبِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ أَبُو يَعْقُوبَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ عَابِدٌ لَكِنَّهُ لِينُ الْحَدِيثِ كَثِيرُ الْخَطَأِ مِنَ الْخَامِسَةِ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بقوي وقال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ وقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ أَيْضًا هُوَ والدّارَقُطْنِيُّ ضَعِيفٌ وقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ مَا يُعْجِبُنِي الرِّوَايَةُ عَنْ فَرْقَدٍ انْتَهَى وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ القرشي الشامي نقلا عن بن حِبَّانَ فَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ لَيْسَ بِشَيْءٍ انْتَهَى

قَوْلُهُ (غَيْرِ الْمُفَتَّتِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ زَيْتٌ مُفَتَّتٌ طُبِخَ فِيهِ الرَّيَاحِينُ أَوْ خُلِطَ بِأَدْهَانٍ طَيِّبَةٍ انْتَهَى والْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِادِّهَانِ بِالزَّيْتِ الَّذِي لَمْ يُخْلَطْ بِشَيْءٍ مِنَ الطِّيبِ لكن الحديث ضعيف قال بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَأْكُلَ الزَّيْتَ وَالشَّحْمَ وَالسَّمْنَ وَالشَّيْرَجَ وَأَنْ يَسْتَعْمِلَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ بَدَنِهِ سِوَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الطِّيبَ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي بَدَنِهِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الطِّيبِ وَالزَّيْتِ فِي هَذَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالنَّيْلِ قُلْتُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الِادِّهَانَ مَمْنُوعٌ عِنْدَهُمْ مُطْلَقًا قَالَ الْمِرْغِينَانِيُّ الْحَنَفِيُّ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَمَسُّ طِيبًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحَاجُّ الشَّعِثُ التَّفِلُ وَكَذَا لَا يَدَّهِنُ لِمَا رَوَيْنَا انتهى قال بن الْهُمَامِ وَالشَّعَثُ انْتِشَارُ الشَّعْرِ وَتَغَيُّرُهُ لِعَدَمِ تَعَهُّدِهِ فَأَفَادَ مَنْعَ الِادِّهَانِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَمَعَ كَوْنِهِ غَرِيبًا ضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ والحديث أخرجه أحمد وبن ماجه أيضا 11 - باب [963] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا خَلَّادُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ) الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ) بْنِ خَدِيجٍ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الْجَزِيرَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِلَّا أَنَّ سَمَاعَهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِآخِرَةٍ مَنْ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (كَانَ يَحْمِلُهُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ حَمْلِ مَاءِ زَمْزَمَ إِلَى الْمَوَاطِنِ الْخَارِجَةِ عَنْ مَكَّةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ والحاكم وصححه كذا في النيل

112 - باب [964] قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ الْوَاسِطِيُّ) ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ) بتقديم الزاء عَلَى الرَّاءِ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ) بِالْفَاءِ مُصَغَّرًا الْمَكِّيِّ نَزِيلِ الْكُوفَةِ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) أَيْ يَوْمَ الثَّامِنِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَسَمَّى التَّرْوِيَةَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْوُونَ فِيهَا إِبِلَهُمْ وَيَتَرَوَّوْنَ مِنَ الْمَاءِ لِأَنَّ تِلْكَ الْأَمَاكِنَ لَمْ تَكُنْ إِذْ ذَاكَ فِيهَا آبَارٌ وَلَا عُيُونٌ وَأَمَّا الْآنَ فَقَدْ كَثُرَتْ جِدًّا وَاسْتَغْنَوْا عَنْ حَمْلِ الْمَاءِ وقِيلَ فِي تَسْمِيَةِ التَّرْوِيَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَكِنَّهَا شَاذَّةٌ (يَوْمَ النَّفْرِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْفَاءِ هُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (بِالْأَبْطَحِ) أَيْ الْبَطْحَاءِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَهِيَ مَا انْبَطَحَ مِنَ الْوَادِي وَاتَّسَعَ وَهِيَ التي يقال لها المحصب والمعرس وحدها ما بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (ثُمَّ قَالَ) أَيْ أَنَسٌ (افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُك) أَيْ لَا تُخَالِفْهُمْ فَإِنْ نَزَلُوا بِهِ فَانْزِلْ بِهِ فَإِنْ تَرَكُوهُ فَاتْرُكْهُ حَذَرًا مِمَّا يَتَوَلَّدُ عَلَى الْمُخَالَفَةِ مِنَ الْمَفَاسِدِ فَيُفِيدُ أَنَّ تَرْكَهُ لِعُذْرٍ لَا بَأْسَ بِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ يُسْتَغْرَبُ إِلَخْ) يَعْنِي أَنَّ إِسْحَاقَ تَفَرَّدَ بِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَظُنُّ أَنَّ لِهَذِهِ النُّكْتَةِ أَرْدَفَهُ الْبُخَارِيُّ بِطَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرِوَايَةُ أَبِي بَكْرٍ وَإِنْ كَانَ قَصَّرَ فِيهَا مُتَابَعَةٌ قَوِيَّةٌ بِطَرِيقِ إِسْحَاقَ وَقَدْ وَجَدْنَا لَهُ شَوَاهِدَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ شَوَاهِدَهُ والْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ البخاري ومسلم

8 - أبواب الجنائز

8 - أبواب الْجَنَائِزِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ الْجِنَازَةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَيُقَالُ بِالْفَتْحِ لِلْمَيِّتِ وَبِالْكَسْرِ لِلنَّعْشِ عَلَيْهِ مَيِّتٌ وَيُقَالُ عَكْسُهُ وَالْجَمْعُ جَنَائِزُ بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ قَالَ وَالْجِنَازَةُ مُشْتَقَّةٌ مِنْ جَنَزَ إِذَا ستر ذكره بن فَارِسٍ وَغَيْرُهُ وَالْمُضَارِعُ يَجْنِزُ بِكَسْرِ النُّونِ انْتَهَى ما جاء في ثواب المريض [965] قَوْلُهُ (شَوْكَةٌ) بِالْفَتْحِ وَهُوَ فِي الْفَارِسِيَّةِ خَارَ (فَمَا فَوْقَهَا) يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا هُوَ فَوْقَهَا فِي الصِّغَرِ وَالْقِلَّةِ فَيَرْجِعُ إِلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهَا أَوْ مَا هُوَ فَوْقَهَا فِي الْكِبَرِ وَالتَّأَلُّمِ فَيَرْجِعُ إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا وَقَدْ فَسَرُّوا بِالْوَجْهَيْنِ قَوْلَهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِ أَنْ يَضْرِبَ مثلا ما بعوضة فما فوقها وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ أُنْسَبُ وَأَفْيَدُ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَسَدِ بْنِ كُرْزٍ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ وَأَبِي مُوسَى) أَمَّا حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَصْلُهُ فِي النَّسَائِيِّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ

وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي كِتَابِ الْمَرْضَى وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالتِّرْمِذِيُّ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ بن أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ وأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ أَسَدِ بْنِ كُرْزٍ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِهِ وبن أَبِي الدُّنْيَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فأخرجه أحمد والبزار وأبو يعلى وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [966] قَوْلُهُ (مَا مِنْ شَيْءٍ) مَا نَافِيَةٌ وَمِنْ زَائِدَةٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ (مِنْ نَصَبٍ) بِفَتْحَتَيْنِ التَّعَبُ وَالْأَلَمُ الَّذِي يُصِيبُ الْبَدَنَ مِنْ جِرَاحَةٍ وَغَيْرِهَا (ولا حزن) بضم الحاء وسكون الزاي وبفتحهما وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْهُ فِي الْقَلْبِ خُشُونَةٌ يُقَالُ مَكَانٌ حَزْنٌ أَيْ خَشِنٌ (وَلَا وَصَبٍ) بِفَتْحَتَيْنِ الْأَلَمُ اللَّازِمُ وَالسَّقَمُ الدَّائِمُ (حَتَّى الْهَمُّ) بِالرَّفْعِ فَحَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَ الْهَمِّ خَبَرُهُ وَبِالْجَرِّ فَحَتَّى عَاطِفَةٌ أَوْ بِمَعْنَى إِلَى فَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ حَالُهُ (يَهُمُّهُ) أَيْ يُذِيبُهُ مِنْ هَمَمْتُ الشَّحْمَ إِذَا أَذَبْتُهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْهَمُّ الْحُزْن هَمَّ السَّقَمُ جِسْمَهُ أَذَابَهُ وَأَذْهَبَ لَحْمَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلَا وَصَبٍ وَلَا هَمٍّ وَلَا حُزْنٍ وَلَا أَذًى وَلَا غَمٍّ قَالَ فِي الْفَتْحِ الْهَمُّ يَنْشَأُ مِنَ الْفِكْرِ فِيمَا يُتَوَقَّعُ حُصُولُهُ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ وَالْغَمُّ كَرْبٌ يَحْدُثُ لِلْقَلْبِ بِسَبَبِ مَا حَصَلَ وَالْحُزْنُ يَحْدُثُ لِفَقْدِ مَا يَشُقُّ عَلَى الْمَرْءِ فَقْدُهُ وقِيلَ الْهَمُّ وَالْغَمُّ بِمَعْنًى وَاحِدٍ انْتَهَى (إِلَّا يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهِ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ) ظَاهِرُهُ تَعْمِيمُ جَمِيعِ السَّيِّئَاتِ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ خَصُّوا ذَلِكَ بِالصَّغَائِرِ لِحَدِيثِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ كَفَّارَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجتنبت الكبائر فحملوا المطلقات الواردة في التفكير عَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (قَالَ وَسَمِعْتُ الْجَارُودَ) أَيْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعْتُ الْجَارُودَ وَهُوَ الْجَارُودُ بْنُ مُعَاذٍ السُّلَمِيُّ التِّرْمِذِيُّ شَيْخُ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (يَقُولُ سَمِعْتُ وَكِيعًا) هُوَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ عَابِدٌ مِنْ كِبَارِ التاسعة (أنه) أي وكيعا مَا جَاءَ فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ [967] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ) هُوَ عَمْرُو بْنُ مَرْثَدٍ وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَوْلُهُ (لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ) زَادَ مُسْلِمٌ حَتَّى يَرْجِعَ والْخُرْفَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ قَالَ الْهَرَوِيُّ فِي غَرِيبِهِ الْخُرْفَةُ مَا يُخْتَرَف مِنَ النَّخْلِ حِينَ يُدْرِكُ ثَمَرُهُ قَالَ أبو بكر بن الأنياري شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُحْرِزُهُ عَائِدُ الْمَرِيضِ مِنْ الثَّوَابِ بِمَا يُحْرِزُ الْمُخْتَرِفُ مِنَ الثَّمَرِ وحَكَى الْهَرَوِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الطَّرِيقُ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ طَرِيقٌ يُؤَدِّيهِ إِلَى الْجَنَّةِ كَذَا فِي قوت المغتذي وقال بن الْعَرَبِيِّ قَوْلُهُ لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ فَإِنَّ مَمْشَاهُ إِلَى الْمَرِيضِ لَمَّا كَانَ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى كُلِّ خُطْوَةٍ كَانَ الْخُطَا سَبَبًا إِلَى نَيْلِ الدَّرَجَاتِ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ عَبَّرَ بِهَا عَنْهَا لِأَنَّهُ بِسَبَبِهَا مَجَازٌ انْتَهَى

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَأَبِي مُوسَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَالْبَرَاءِ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الدِّيلمِيُّ فِي الْفِرْدَوْسِ بِلَفْظِ أَفْضَلُ الْعِيَادَةِ أَجْرًا سُرْعَةُ الْقِيَامِ مِنْ عِنْدِ الْمَرِيضِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ ثَوْبَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَرَوَى أَبُو غِفَارٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ آخِرُهُ رَاءٌ اسْمُهُ مُثَنَّى بْنُ سَعْدٍ أَوْ سَعِيدٌ الطَّائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ مِنَ السَّادِسَةِ (نَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ حَدِيثِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ (قَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى (وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا) يَعْنِي الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ (مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي الأسماء فَهُوَ أَصَحُّ) أَيْ مَنْ رَوَى عَنْ أَبِي الأسماء بِحَذْفِ وَاسِطَةِ أَبِي الْأَشْعَثِ (وَأَحَادِيثُ أَبِي قِلَابَةَ) أَيْ جَمِيعُ أَحَادِيثِهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ (إِنَّمَا هِيَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ) أَيْ بِلَا وَاسِطَةِ أَبِي الْأَشْعَثِ (إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ) أَيْ الْمَذْكُورَ (وَهُوَ عِنْدِي عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ) أَيْ بِوَاسِطَةِ أَبِي الْأَشْعَثِ فَمَنْ رَوَى هَكَذَا فَهُوَ أَصَحُّ [968] (وَزَادَ فِيهِ قِيلَ مَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ قَالَ جَنَاهَا) بِفَتْحِ الْجِيمِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْجَنَا اسْمُ مَا يُجْتَنَى مِنَ الثَّمَرِ وَيُجْمَعُ الْجَنَا عَلَى أَجْنٍ مِثْلُ عَصًى وَأَعْصٍ انْتَهَى [969] قَوْلُهُ (عَنْ ثُوَيْرٍ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ مصغرا بن فَاخِتَةَ بِمُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ سَعِيدُ بْنُ

عِلَاقَةَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ رُمِيَ بِالرَّفْضِ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) سَعِيدِ بْنِ عِلَاقَةَ الْهَاشِمِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبُو فَاخِتَةَ الْكُوفِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَخَذَ عَلِيٌّ) أَيْ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (إلى الحسن) أي بن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (غُدْوَةً) بِضَمِّ الْغَيْنِ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْغَدْوَةِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ كذا قاله بن الْمَلِكِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَوَّلُ النَّهَارِ وَمَا قَبْلَ الزَّوَالِ (إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ دَعَا لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ (حَتَّى يُمْسِيَ) مِنَ الْإِمْسَاءِ (وَإِنْ عَادَهُ) إِنْ نَافِيَةٌ بِدَلَالَةِ إِلَّا وَلِمُقَابَلَتِهَا مَا (عَشِيَّةً) أَيْ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ أَوَّلَ اللَّيْلِ (وَكَانَ لَهُ) أَيْ لِلْعَائِدِ (خَرِيفٌ) أَيْ بُسْتَانٌ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الثَّمَرُ الْمُجْتَنَى أَوْ مَخْرُوفٌ مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وَاسْمُ أَبِي فَاخِتَةَ) هُوَ وَالِدُ ثُوَيْرٍ كَمَا عَرَفْتَ فَائِدَةٌ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ تَكْرَارُ الْعِيَادَةِ سُنَّةٌ لِمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ حِينَ ضَرَبَ لَهُ خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ وَيُعَادُ الْمَرِيضُ مِنْ كُلِّ أَلَمٍ دَقَّ أَوْ جَلَّ وَيُعَادُ مِنَ الرَّمَدِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرَقْمَ عَادَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَمَدٍ أَصَابَهُ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا يُعَادُ مِنْ وَجَعِ الْعَيْنِ وَلَا مِنْ وَجَعِ الضِّرْسِ وَلَا مِنَ الدُّمَّلِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ انْتَهَى كَلَامُهُ مُحَصَّلًا ما جاء في النهي عن تمني الموت [970] قَوْلُهُ (عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَأَبُوهُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الضَّادِ

الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَآخِرُهُ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ وقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ غَلِطَ مَنْ نَقَلَ عَنِ بن الْمَدِينِيِّ أَنَّهُ تَرَكَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (دَخَلْتُ عَلَى خباب) بالتشديد أي بن الْأَرَتِّ بِتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ تَمِيمِيٌّ سُبِيَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَبِيعَ بِمَكَّةَ ثُمَّ حَالَفَ بَنِي زُهْرَةَ وَأَسْلَمَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ فَعُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا لِذَلِكَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا وَمَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ مُنْصَرَفَ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ مِنْ صِفِّينَ فَمَرَّ عَلَى قَبْرِهِ فَقَالَ رَحِمَ اللَّهُ خَبَّابًا أَسْلَمَ رَاغِبًا وَهَاجَرَ طَائِعًا وَعَاشَ مُجَاهِدًا وَابْتُلِيَ فِي جِسْمِهِ أَحْوَالًا وَلَنْ يُضَيِّعَ اللَّهُ أَجْرَهُ (وَقَدْ اكْتَوَى فِي بَطْنِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْكَيُّ عِلَاجٌ مَعْرُوفٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْكَيِّ فَقِيلَ النَّهْيُ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الشفا مِنْهُ وَأَمَّا إِذَا اعْتُقِدَ أَنَّهُ سَبَبٌ وَأَنَّ الشَّافِيَ هُوَ اللَّهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مِنْ قِبَلِ التَّوَكُّلِ وَهُوَ دَرَجَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْجَوَازِ انْتَهَى ويُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (لَقَدْ كُنْتُ وَمَا أَجِدُ دِرْهَمًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَأَكْثَرِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ الْفُتُوحَاتِ الْعَظِيمَةَ لَمْ تَقَعْ إِلَّا بَعْدُ أَلَا تَرَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أبي السرح لما افتتح إفرقية فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بَلَغَ سَهْمُ الْفَارِسِ فِيهِ ثَلَاثَةَ آلَافِ دِينَارٍ (وَفِي نَاحِيَةِ بَيْتِي أَرْبَعُونَ أَلْفًا) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَإِنَّ فِي جَانِبِ بَيْتِي الْآنَ لَأَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ (نَهَانَا أَوْ نَهَى) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي بَيْنَ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ (أَنْ يُتَمَنَّى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (لَتَمَنَّيْتُهُ) أَيْ لِأَسْتَرِيحَ مِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ الَّذِي مِنْ شَأْنِ الْجِبِلَّةِ الْبَشَرِيَّةِ أَنْ تَنْفِرَ مِنْهُ وَلَا تَصْبِرَ عَلَيْهِ والْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَزَادَ قَالَ ثُمَّ أُتِيَ بِكَفَنِهِ فَلَمَّا رَآهُ بَكَى وَقَالَ لَكِنَّ حَمْزَةَ لَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ إِلَّا بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ إِذَا جُعِلَتْ عَلَى رَأْسِهِ قَلَصَتْ عَنْ قَدَمَيْهِ وَإِذَا جُعِلَتْ عَلَى قَدَمَيْهِ قَلَصَتْ عَنْ رَأْسِهِ حَتَّى مُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ وَجُعِلَ عَلَى قَدَمَيْهِ الْإِذْخِرُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَفْظُهُ لَا يَتَمَنَّى أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يُسْتَعْتَبَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ خَبَّابٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ

قَوْلُهُ (لِضُرٍّ) بِضَمِّ الضَّادِ وَتُفْتَحُ أَيْ بِسَبَبِ ضَرَرٍ مَالِيٍّ أَوْ بَدَنِيٍّ وَوَجْهُ النَّهْيِ أَنَّ تَمَنِّي الْمَوْتِ مِنْ أَجْلِ الضُّرِّ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجَزَعِ فِي الْبَلَاءِ وَعَدَمِ الرِّضَاءِ بِالْقَضَاءِ (مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي) أَيْ مِنَ الْمَوْتِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الطَّاعَةُ غَالِبَةً عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْأَزْمِنَةُ خَالِيَةً عَنِ الْفِتْنَةِ وَالْمِحْنَةِ (وَتَوَفَّنِي) أَيْ أُمِتْنِي (إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ) أَيْ الْمَمَاتُ (خَيْرًا لِي) أَيْ مِنَ الْحَيَاةِ بِأَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ عَكْسَ مَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان مَا جَاءَ فِي التَّعَوُّذِ لِلْمَرِيضِ [972] قَوْلُهُ (إِنَّ جِبْرِيلَ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا (أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ لِلزِّيَارَةِ أَوْ الْعِيَادَةِ (أَشْتَكَيْتَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ لِلِاسْتِفْهَامِ وَحَذْفِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَقِيلَ بِالْمَدِّ عَلَى إِثْبَاتِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ وَابْدَالِهَا أَلِفًا وَقِيلَ بِحَذْفِ الِاسْتِفْهَامِ (قَالَ بِسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ مَأْخُوذٌ مِنَ الرُّقْيَةِ (مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ) أَيْ خَبِيثَةٍ (وَعَيْنٍ حَاسِدَةٍ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْسِ نَفْسُ الْآدَمِيِّ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْعَيْنُ فَإِنَّ النَّفْسَ تُطْلَقُ عَلَى الْعَيْنِ يُقَالُ رَجُلٌ مَنْفُوسٌ إِذَا كَانَ يُصِيبُ النَّاسَ بِعَيْنِهِ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ ويَكُونُ قَوْلُهُ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ مِنْ بَابِ التَّوْكِيدِ بِلَفْظٍ مُخْتَلِفٍ أَوْ شَكًّا مِنَ الرَّاوِي فِي لَفْظِهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ

[973] قَوْلُهُ (وَثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ (يَا أَبَا حَمْزَةَ) هَذَا كُنْيَةُ أَنَسٍ قَوْلُهُ (رَبَّ النَّاسِ) بِالنَّصْبِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ (مُذْهِبَ الْبَاسِ) أَيْ مزيل شدة المرض قال الحافظ بن حَجَرٍ الْبَاسُ بِغَيْرِ هَمْزَةٍ لِلِازْدِوَاجِ فَإِنَّ أَصْلَهُ الْهَمْزَةُ (شِفَاءً) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لا شف وَالْجُمْلَتَانِ مُعْتَرِضَتَانِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ (لَا يُغَادِرُ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا يَتْرُكُ (سَقَمًا) بِفَتْحَتَيْنِ وَبِضَمٍّ وَسُكُونٍ أَيْ مَرَضًا وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّقْلِيلِ وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الشِّفَاءُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَيَخْلُفُهُ مَرَضٌ آخَرُ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ مَثَلًا فَكَانَ يَدْعُو بِالشِّفَاءِ الْمُطْلَقِ لَا بِمُطْلَقِ الشِّفَاءِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أحمد وبن السُّنِيِّ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (قَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى (سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ) هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ فَرُّوخٍ الرَّازِيُّ إِمَامٌ حَافِظٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ إِسْحَاقُ كُلُّ حَدِيثٍ لَا يَعْرِفُهُ أَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مَاتَ سَنَةَ أربع وستين ومائتين (أخبرنا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ إِلَخْ) هَذَا مَقُولُ أَبِي زُرْعَةَ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ هَذَا عَلَى كَوْنِ كَلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحًا

باب ما جاء في الحث على الوصية

(بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَثِّ عَلَى الْوَصِيَّةِ) [974] قَوْلُهُ (مَا) أَيْ لَيْسَ (حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) قَالَ الْحَافِظُ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَسَقَطَ لَفْظُ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى عَنْ مَالِكٍ وَالْوَصْفُ بِالْمُسْلِمِ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ أَوْ ذُكِرَ لِلتَّهْيِيجِ لِتَقَعَ الْمُبَادَرَةُ لِامْتِثَالِهِ لِمَا يُشْعَرُ بِهِ مِنْ نَفْيِ الْإِسْلَامِ عَنْ تَارِكِ ذَلِكَ وَوَصِيَّةُ الكافر جائزة في الجملة وحكى بن الْمُنْذِرِ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وقَدْ بَحَثَ فِيهِ السُّبْكِيُّ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ شُرِعَتْ زِيَادَةً فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْكَافِرُ لَا عَمَلَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَجَابَ بِأَنَّهُمْ نَظَرُوا إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ كَالْإِعْتَاقِ وَهُوَ يَصِحُّ عَنِ الذِّمِّيِّ وَالْحَرْبِيِّ (يَبِيتُ) كَأَنَّ فِيهِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ أَنْ يَبِيتَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ) الْآيَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَبِيتُ صِفَةً لِمُسْلِمٍ وَبِهِ جَزَمَ الطِّيبِيُّ (وَلَهُ شَيْءٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (يُوصِي فِيهِ) صِفَةُ شَيْءٍ (إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا بِمَعْنَى لَيْسَ وَيَبِيتُ صِفَةٌ ثَالِثَةٌ لِامْرِئٍ وَيُوصِي فِيهِ صِفَةُ شَيْءٍ وَالْمُسْتَثْنَى خَبَرٌ أَيْ لِلَيْسَ ثُمَّ قَيَّدَ لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُظْهِرُ تَأْكِيدٌ وَلَيْسَ بِتَحْدِيدٍ وَالْمَعْنَى لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ زَمَانٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا أَنْ يَبِيتَ بِهَذِهِ الْحَالِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَتَى يُدْرِكُهُ الْمَوْتُ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي تَخْصِيصِ لَيْلَتَيْنِ تَسَامُحٌ فِي إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةً وَقَدْ سَامَحْنَاهُ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْوَصِيَّةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ ومَعْنَاهُ مَا الْحَزْمُ وَالِاحْتِيَاطُ لِمُسْلِمٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ وقَالَ دَاوُدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ هِيَ وَاجِبَةٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْوُجُوبِ لَكِنْ إِنْ كَانَ عَلَى الْإِنْسَانِ دَيْنٌ أَوْ وَدِيعَةٌ لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا وَأَنْ يَكْتُبَهَا فِي صَحِيفَةٍ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ فِيهَا وَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ أَمْرٌ يَحْتَاجُ إِلَى الْوَصِيَّةِ بِهِ أَلْحَقَهُ بِهَا قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن أَبِي أَوْفَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى فَقَالَ لَا فَقُلْتُ كَيْفَ كَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةَ

أَوْ أُمِرُوا بِالْوَصِيَّةِ قَالَ أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ [975] قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَا جَاءَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ قَوْلُهُ (هُمْ أَغْنِيَاءُ بِخَيْرٍ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ قَوْلُهُ بِخَيْرٍ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ أَوْ صِفَةُ أَغْنِيَاءُ قَوْلُهُ (فَمَا زِلْتُ أَنَاقِصُهُ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ أَيْ أُرَاجِعُهُ فِي النُّقْصَانِ أَيْ أَعُدُّ مَا ذَكَرَهُ نَاقِصًا وَلَوْ رُوِيَ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ لَكَانَ مِنَ الْمُنَاقَضَةِ انْتَهَى قُلْتُ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ أَنَاقِصُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَأَوْرَدَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمِشْكَاةِ وفيه أيضا بالصاد المهملة لكن قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالْمُعْجَمَةِ وَقَالَ فِيهِ نقلا عن بن الْمَلِكِ أَيْ قَالَ سَعْدٌ فَمَا زِلْتُ أُنَاقِضُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُنَاقَضَةِ أَيْ يَنْقُضُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَوْلِي وَأَنْقُضُ قَوْلَهُ أَرَادَ بِهِ الْمُرَاجَعَةَ حِرْصًا عَلَى الزِّيَادَةِ ورُوِيَ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ النُّقْصَانِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ أَوْصِ بِالْعُشْرِ فَمَا زَالَ يَقُولُ وَأَقُولُ حَتَّى قَالَ أَوْصِ بِالثُّلُثِ إِلَخْ وقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ فَنَاقَضَنِي وَنَاقَضْتُهُ أَيْ يَنْقُضُ قَوْلِي وَأَنْقُضُ قَوْلَهُ مِنْ نَقَضَ الْبِنَاءَ أَرَادَ بِهِ الْمُرَاجَعَةَ وَالْمُرَادَّةَ انْتَهَى (وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَثِيرٌ بِالْمُثَلَّثَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَمَعْنَاهُ كَثِيرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا دُونَهُ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ مَسُوقًا لِبَيَانِ الْجَوَازِ بِالثُّلُثِ وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْقُصَ عَنْهُ وَلَا يَزِيدَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَا يَبْتَدِرُهُ الْفَهْمُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِبَيَانِ أَنَّ التَّصَدُّقَ بِالثُّلُثِ هُوَ الْأَكْمَلُ أَيْ كَثِيرٌ أَجْرُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ كَثِيرٌ غَيْرُ قَلِيلٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا أُولَى مَعَانِيهِ يَعْنِي أَنَّ الْكَثْرَةَ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ وَعَلَى الْأَوَّلِ عول بن عَبَّاسٍ انْتَهَى قُلْتُ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ مَسُوقٌ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَأَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَنْقُصَ عَنْهُ رَوَى البخاري في صحيحه عن بن عباس قال لو غفر النَّاسُ إِلَى الرُّبْعِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الثُّلُثُ

وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ أَوْ كَثِيرٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هُوَ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا اخْتَارَهُ من النقصان عن الثلث وكأن بن عَبَّاسٍ أَخَذَ ذَلِكَ مِنْ وَصْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثُّلُثَ بِالْكَثْرَةِ انْتَهَى (قَالَ أَبُو عبد الرحمن فنحن نستحب أن ينقص مِنَ الثُّلُثِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ) يَعْنِي لِوَصْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثُّلُثَ بِالْكَثْرَةِ وَكَذَلِكَ قَالَ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا وقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ اسْتُحِبَّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَلَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَعْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ كَبِيرٌ) أَيْ بِالْمُوَحَّدَةِ (وَيُرْوَى كَثِيرٌ) أَيْ بِالْمُثَلَّثَةِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ أَنْ يُوصِيَ الرَّجُلُ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ إِذَا أَوْصَى الْمُسْلِمُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ جَازَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ فَإِنْ أَجَازُوا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ رَدُّوا بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ وقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ إِلَّا فِي الثُّلُثِ وَيُوضَعُ الثُّلُثَانِ لِبَيْتِ الْمَالِ انْتَهَى (وَيَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَنْقُصَ مِنَ الثُّلُثِ وقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ فِي الْوَصِيَّةِ الْخُمُسَ دُونَ الرُّبْعِ وَالرُّبْعَ دُونَ الثُّلُثِ إِلَخْ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَائِمٌ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ جَائِزَةٌ وَأَوْصَى الزُّبَيْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالثُّلُثِ واخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِهِ هَلْ هُوَ الْخُمُسُ أَوْ السُّدُسُ أَوْ الرُّبْعُ فَعَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَوْصَى بِالْخُمُسِ وَقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَضِيَ مِنْ غَنَائِمِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْخُمُسِ وقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ أَوْصَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالرُّبْعِ وقَالَ إسحاق السنة الربع كما

روى عن بن عَبَّاسٍ ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَأَنْ أُوصِيَ بِالْخُمُسِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الرُّبْعِ وَلَأَنْ أُوصِيَ بِالرُّبْعِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الثُّلُثِ واخْتَارَ آخَرُونَ السُّدُسَ وقَالَ ابْرَاهِيمُ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُوصُوا مِثْلَ نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ حَتَّى يَكُونَ أَقَلَّ وَكَانَ السُّدُسُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ الثُّلُثِ واخْتَارَ آخَرُونَ الْعُشْرَ واخْتَارَ آخَرُونَ لِمَنْ كَانَ مَالُهُ قَلِيلًا وَلَهُ وَارِثٌ تَرْكَ الْوَصِيَّةِ روى ذلك عن علي وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وفِي التَّوْضِيحِ وَقَامَ الْإِجْمَاعُ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ وَشَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْعَيْنِيُّ هُوَ قول بن مَسْعُودٍ وَعُبَيْدَةَ وَمَسْرُوقٍ وَإِسْحَاقَ وقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ وهو قول مالك والأوزاعي والحسن بن حي والشافعي إنتهى كلام العيني مَا جَاءَ فِي تَلْقِينِ الْمَرِيضِ عِنْدَ الْمَوْتِ والدعاء له [976] قَوْلُهُ (عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وكسر الزاء بعدها تحتانية ثقيلة بن الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيِّ وَالْمَدَنِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ قَوْلُهُ (لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ ذَكِّرُوهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِيَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَالْأَمْرُ بِهَذَا التَّلْقِينِ أَمْرُ نَدْبٍ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا التَّلْقِينِ وَكَرِهُوا الْإِكْثَارَ عَلَيْهِ وَالْمُوَالَاةَ لِئَلَّا يَضْجَرَ بِضِيقِ حَالِهِ وَشِدَّةِ كَرْبِهِ فَيَكْرَهَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ أَوْ يَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يليق إنتهى قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ هَذَا التَّلْقِينُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَذَهَبَ إِلَيْهِ جَمْعٌ بَلْ نَقَلَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إنتهى قلت الأمر كما قال القارىء والله تعالى أعلم قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي الْمُرَادُ بِقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ كَلِمَتَا الشَّهَادَةِ فَلَا يَرِدُ إِشْكَالُ تَرْكِ ذِكْرِ الرِّسَالَةِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَقَبٌ جَرَى عَلَى النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ شَرْعًا انْتَهَى

اعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْمَوْتَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ لَا الْمَيِّتُ حَقِيقَةٍ فإن بن حِبَّانَ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الْبَابِ وَزَادَ فَإِنَّهُ مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ وَإِنْ أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وقَالَ فِيهِ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِلَفْظِ مَنْ لُقِّنَ عِنْدَ الْمَوْتِ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ انْتَهَى وأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الايمان عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ افْتَحُوا عَلَى صِبْيَانِكُمْ أَوَّلَ كَلِمَةٍ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَقِّنُوهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِنَّهُ مَنْ كَانَ أَوَّلُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ثُمَّ عَاشَ أَلْفَ سَنَةٍ مَا سُئِلَ عَنْ ذَنْبٍ وَاحِدٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الايمان عن بن عَبَّاسٍ وَقَالَ غَرِيبٌ كَذَا فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلسُّيُوطِيِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الدُّعَاءِ وَفِيهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (وَسُعْدَى الْمُرِّيَّةِ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ بِنْتِ عَوْفٍ لَهَا صُحْبَةٌ (وَهِيَ امْرَأَةُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) أَحَدُ الْعَشَرَةِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْجَمَلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ [977] قَوْلُهُ (عَنِ الْأَعْمَشِ) اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَانَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَاهِلِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ قَوْلُهُ (إِذَا حَضَرْتُمْ الْمَرِيضَ أَوْ الميت) أي الحكمى فأو للشك أو الحقيقي فأو للتنويع قاله القارىء (فَقُولُوا خَيْرًا) أَيْ لِلْمَرِيضِ اشْفِهِ وَلِلْمَيِّتِ اغْفِرْ لَهُ ذَكَرَهُ الْمُظْهِرُ كَذَا فِي الْمِرْقَاة (فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يَقُولُونَ آمِينَ (عَلَى مَا تَقُولُونَ) مِنَ الدُّعَاءِ خَيْرًا أَوْ شَرًّا قال

النَّوَوِيُّ فِيهِ النَّدْبُ إِلَى قَوْلِ الْخَيْرِ حِينَئِذٍ مِنَ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُ وَطَلَبِ اللُّطْفِ بِهِ وَالتَّخْفِيفِ عَنْهُ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ حُضُورُ الْمَلَائِكَةِ حِينَئِذٍ وَتَأْمِينُهُمْ انْتَهَى (وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً) أَيْ عَوِّضْنِي مِنْهُ عِوَضًا حَسَنًا (فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ مِنْهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ) أَيْ أَعْطَانِي اللَّهُ بَدَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ (رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بَدَلٌ مِنْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عن بن الْمُبَارَكِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ الْمَرْوَزِيُّ أحد الأئمة الأعلام وشيوخ الاسلام قال بن عيينة بن الْمُبَارَكِ عَالِمُ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا وقَالَ شُعْبَةُ مَا قَدِمَ عَلَيْنَا مِثْلُهُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ عَالِمٌ جَوَادٌ جُمِعَتْ فِيهِ خِصَالُ الْخَيْرِ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَةٍ (وَإِنَّمَا مَعْنَى قول عبد الله) أي بن الْمُبَارَكِ (إِنَّمَا أَرَادَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ آخِرُ قَوْلِهِ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ عَنْ معاذ بن جبل وقد روى بن أَبِي حَاتِمٍ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي زُرْعَةَ أَنَّهُ لَمَّا احْتُضِرَ أَرَادُوا تَلْقِينَهُ فَتَذَاكَرُوا حَدِيثَ مُعَاذٍ فَحَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو زُرْعَةَ بِإِسْنَادِهِ وَخَرَجَتْ رُوحُهُ فِي آخِرِ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيدِ عِنْدَ الْمَوْتِ [978] قَوْلُهُ (عن بن الْهَادِ) هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مُكْثِرٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي مُوسَى بْنِ سَرْجِسَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ بَعْدَهَا

مُهْمَلَةٌ مَدَنِيٌّ مَسْتُورٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ثِقَةٌ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ بِالْمَدِينَةِ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (وَهُوَ بِالْمَوْتِ) أَيْ مَشْغُولٌ أَوْ مُلْتَبِسٌ بِهِ (ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ) دَفْعًا لِحَرَارَةِ الْمَوْتِ أَوْ دَفْعًا لِلْغَشَيَانِ وَكَرْبِهِ (اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى غَمَرَاتِ الْمَوْتِ) أَيْ شَدَائِدِهِ أَيْ أَعِنِّي عَلَى دَفْعِهَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ غَمْرَةُ الشَّيْءِ شِدَّتُهُ وَمُزْدَحَمُهُ ج غَمَرَاتٌ وَغِمَارٌ انْتَهَى وقَالَ فِي مجمع البحار غمرات الموت شدائده انتهى (وسكرات الْمَوْتِ) أَيْ شَدَائِدِهِ جَمْعُ سَكْرَةٍ بِسُكُونِ الْكَافِ وَهِيَ شِدَّةُ الْمَوْتِ قَالَ سِرَاجُ أَحْمَدَ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هُوَ عَطْفُ بَيَانٍ لِمَا قَبْلَهُ والظاهر أن يراد بالأولى الشِّدَّةُ وَبِالْأُخْرَى مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الدَّهْشَةِ وَالْحَيْرَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْغَفْلَةِ وقَالَ الْقَاضِي فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى وجاءت سكرة الموت بالحق إِنَّ سَكْرَتَهُ شِدَّتُهُ الذَّاهِبَةُ بِالْعَقْلِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مُوسَى بْنَ سَرْجِسَ مَسْتُورٌ كَمَا تَقَدَّمَ [979] قوله (والحسن بْنُ الصَّبَّاحِ الْبَزَّارُ) آخِرُهُ رَاءٌ أَبُو عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ يَهِمُ وَكَانَ عَابِدًا فَاضِلًا مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا مُبَشِّرٌ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ الثَّقِيلَةِ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَلَاءِ) بْنِ اللَّجْلَاجِ نَزِيلِ حَلَبَ مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) الْعَلَاءِ بْنِ اللَّجْلَاجِ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَا أَغْبِطُ) بِكَسْرِ الْبَاءِ يُقَالُ غَبَطْتُ الرَّجُلَ أَغْبِطُهُ إِذَا اشْتَهَيْتَ أن يكون لك مثل ماله وَأَنْ يَدُومَ عَلَيْهِ مَا هُوَ فِيهِ أَيْ مَا أَحْسُدُ (أَحَدًا) وَلَا أَتَمَنَّى وَلَا أَفْرَحُ لِأَحَدٍ (بِهَوْنِ مَوْتٍ) الْهَوْنُ بِالْفَتْحِ الرِّفْقُ وَاللِّينُ أَيْ بِسُهُولَةِ مَوْتٍ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ إِضَافَةُ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ لَمَّا رَأَيْتُ شِدَّةَ وَفَاتِهِ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنَ الْمُنْذِرَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى سُوءِ عَاقِبَةِ الْمُتَوَفَّى وَأَنَّ هَوْنَ الْمَوْتِ وَسُهُولَتَهُ لَيْسَ مِنْ

الْمُكْرِمَاتِ وإِلَّا لَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ فَلَا أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لِأَحَدٍ وَلَا أَغْبِطُ أَحَدًا يَمُوتُ مِنْ غير شدة قوله (هو بن العلاء اللَّجْلَاجِ) بِجِيمَيْنِ وَسُكُونِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا أعرفه مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَسَنٌ باب [982] قوله (حدثنا بْنُ بَشَّارٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (الْمُؤْمِنُ يَمُوتُ بِعَرَقِ الْجَبِينِ) قِيلَ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْمَوْتِ وَقِيلَ هُوَ عَلَامَةُ الْخَيْرِ عِنْدَ الْمَوْتِ قَالَ بن الْمَلِكِ يَعْنِي يَشْتَدُّ الْمَوْتُ عَلَى الْمُؤْمِنِ بِحَيْثُ يَعْرَقُ جَبِينُهُ مِنَ الشِّدَّةِ لِتَمْحِيصِ ذُنُوبِهِ أَوْ لِتَزِيدَ دَرَجَتُهُ وقَالَ التوربشتي فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا مَا يُكَابِدُهُ مِنْ شِدَّةِ السِّيَاقِ الَّتِي يَعْرَقُ دُونَهَا الْجَبِينُ وَالثَّانِي أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ كَدِّ الْمُؤْمِنِ فِي طَلَبِ الْحَلَالِ وَتَضْيِيقِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وقَالَ الْعِرَاقِيُّ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقِيلَ إِنَّ عَرَقَ الْجَبِينِ لِمَا يُعَالِجُ مِنْ شِدَّةِ الْمَوْتِ وَقِيلَ مِنَ الْحَيَاءِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا جَاءَتْهُ الْبُشْرَى مَعَ مَا كَانَ قَدْ اقْتَرَفَ مِنَ الذنوب حصل له بذلك خجل واستحياء مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَعَرِقَ لِذَلِكَ جَبِينُهُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَوْلُهُ (فِي الْبَابِ عَنِ بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ كَذَا قَالَ سِرَاجُ أَحْمَدَ فِي شَرْحِهِ وَإِنِّي لَمْ أَجِدْ فِي الصَّحِيحَيْنِ حديثا عن بن مَسْعُودٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ أَيْضًا وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا وأقره الذهبي كذا في المرقاة

10 - باب [983] قوله (حدثنا سَيَّارُ بْنُ حَاتِمٍ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ) الضُّبَعِيُّ صَدُوقٌ زَاهِدٌ لكنه يتشيع من الثامنة قوله (وهو بالموت) أي في سكراته (كيف تجدك) قال بن الْمَلِكِ أَيْ كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَك أَوْ نَفْسَك فِي الِانْتِقَالِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَى الْآخِرَةِ رَاجِيًا رَحْمَةَ اللَّهِ أَوْ خَائِفًا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ (أَرْجُو اللَّهَ) أَيْ أَجِدُنِي أَرْجُو رَحْمَتَهُ (وَإِنِّي) أَيْ مَعَ هَذَا (أَخَافُ ذُنُوبِي) قَالَ الطِّيبِيُّ عَلَّقَ الرَّجَاءَ بِاللَّهِ وَالْخَوْفَ بِالذَّنْبِ وَأَشَارَ بِالْفِعْلِيَّةِ إِلَى أَنَّ الرَّجَاءَ حَدَثَ عِنْدَ السِّيَاقِ وَبِالِاسْمِيَّةِ والتأكيد بان إِلَى أَنَّ خَوْفَهُ كَانَ مُسْتَمِرًّا مُحَقَّقًا (لَا يَجْتَمِعَانِ) أَيْ الرَّجَاءُ وَالْخَوْفُ (فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ) أَيْ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَهُوَ زَمَانُ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ ومِثْلُهُ كُلُّ زَمَانٍ يُشْرِفُ عَلَى الْمَوْتِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا كَوَقْتِ الْمُبَادَرَةِ وَزَمَانِ الْقِصَاصِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى الْقَوْلِ بِزِيَادَةِ الْمَثَلِ وقَالَ الطِّيبِيُّ مِثْلُ زَائِدَةٌ وَالْمَوْطِنُ إِمَّا مَكَانٌ أَوْ زَمَانٌ كَمَقْتَلِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ انْتَهَى (مَا يَرْجُو) أَيْ مِنَ الرَّحْمَةِ (وَآمَنَهُ مِمَّا يَخَافُ) أَيْ مِنَ الْعُقُوبَةِ بالعفو والمغفرة قوله (هذا حديث غَرِيبٌ) قَالَ مَيْرَك عَنِ الْمُنْذِرِيِّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ ورواه بن أَبِي الدُّنْيَا أَيْضًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ ورواه بن ماجه أيضا

باب ما جاء في كراهية النعي

(بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النَّعْيِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَفِيهِ أَيْضًا كَسْرُ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدُ الْيَاءِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْإِخْبَارُ بِمَوْتِ الْمَيِّتِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ اللُّغَةِ وفِي النِّهَايَةِ نَعَى الْمَيِّتَ نَعْيًا إِذَا أَذَاعَ مَوْتَهُ وَأَخْبَرَ بِهِ [986] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ مُصَغَّرًا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا بَأْسَ بِهِ أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ سُلَيْمٍ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ مُصَغَّرًا قَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ طَاهِرٌ فِي كِتَابِهِ الْمُغْنِي سُلَيْمٌ كُلُّهُ بِالضَّمِّ إِلَّا سَلِيمَ بْنَ حِبَّانَ بِفَتْحِهَا الْعَبْسِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أخرجا يعني الترمذي وبن مَاجَهْ لَهُ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي الْجَنَائِزِ وَحَسَّنَهُ الترمذي وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ عَنْ بِلَالِ بْنِ يَحْيَى الْعَبْسِيِّ رَوَى عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ حَبِيبُ بْنُ سُلَيْمٍ الْعَبْسِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ عَنْ حُذَيْفَةَ هو بن الْيَمَانِ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ قَوْلُهُ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي أَحَدًا مِنَ الْإِيذَانِ بِمَعْنَى الْإِعْلَامِ أَيْ لَا تُخْبِرُوا بِمَوْتِي أَحَدًا وَيَنْهَى عَنِ النَّعْيِ الظَّاهِرُ أَنَّ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرَادَ بِالنَّعْيِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيَّ وَحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى مُطْلَقِ النَّعْيِ وقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّعْيِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّعْيُ الْمَعْرُوفُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ كَانَتْ الْعَرَبُ إِذَا مَاتَ فِيهَا مَيِّتٌ لَهُ قَدْرٌ رَكِبَ رَاكِبٌ فَرَسًا وَجَعَلَ يَسِيرُ فِي النَّاسِ وَيَقُولُ نَعَاءِ فُلَانٍ أَيْ أَنْعِيهِ وَأُظْهِرُ خَبَرَ وَفَاتِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَهِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ مِثْلُ دَرَاكِ وَنَزَالِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وإِنَّمَا قَالُوا هَذَا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ وَأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِمَوْتِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ حِينَ قُتِلُوا بِمُؤْتَةَ وأَيْضًا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ أُخْبِرَ بِمَوْتِ السَّوْدَاءِ أَوْ الشَّابِّ الَّذِي كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَلَا آذَنْتُمُونِي فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ الْإِعْلَامِ بِالْمَوْتِ لَا يَكُونُ نَعْيًا مُحَرَّمًا وَإِنْ كَانَ بِاعْتِبَارِ اللُّغَةِ

يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ النَّعْيِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ إِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّعْيِ فِي قَوْلِهِ يَنْهَى عَنِ النَّعْيِ النَّعْيُ الَّذِي كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ جمعا بين الأحاديث قال بن الْعَرَبِيِّ يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ الْأُولَى إِعْلَامُ الْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَأَهْلِ الصَّلَاحِ فَهَذَا سُنَّةٌ الثَّانِيَةُ دَعْوَةُ الْحَفْلِ لِلْمُفَاخَرَةِ فَهَذِهِ تُكْرَهُ الثَّالِثَةُ الْإِعْلَامُ بِنَوْعٍ آخَرَ كَالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا يَحْرُمُ انْتَهَى قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ [984] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا حَكَّامُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ بْنُ سَلْمٍ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ ثِقَةٌ لَهُ غَرَائِبُ مِنَ الثَّامِنَةِ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ هو ميمون الْأَعْوَرُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ النَّخَعِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ إِيَّاكُمْ وَالنَّعْيَ أَيْ اتَّقُوا النَّعْيَ الْمُرَادُ بِالنَّعْيِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَكُونُ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ لَا بَأْسَ إذا مات الرجل أن يؤذن صديقه أصحابه إِنَّمَا كَانَ يُكْرَهُ أَنْ يُطَافَ فِي الْمَجَالِسِ فَيُقَالَ أَنْعِي فُلَانًا فِعْلُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ قَوْلُهُ وَالنَّعْيُ أَذَانٌ بِالْمَيِّتِ أَيْ إِعْلَامٌ بِمَوْتِهِ قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ حُذَيْفَةَ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثٍ آخر له والله تعالى أعلم [985] وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ النَّعْيَ وَالنَّعْيُ عندهم أن ينادي في الناس بأن فلان مَاتَ لِيَشْهَدُوا جِنَازَتَهُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِهِ أَيْ يَرْكَبُ رَاكِبٌ

باب ما جاء أن الصبر في الصدمة الأولى

وَيُنَادِي فِي النَّاسِ فَهَذَا نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ إِيَّاكُمْ وَالنَّعْيَ فَإِنَّ النَّعْيَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَقَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْلَمَ إِلَخْ يَعْنِي إِنْ نَعَى نَعْيَ غَيْرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَتَرْكُهُ أَوْلَى والَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ مُطْلَقَ الْإِعْلَامِ بِالْمَوْتِ جَائِزٌ وَلَيْسَ فِيهِ تَرْكُ الْأَوْلَى بَلْ رُبَّمَا يُقَالُ إِنَّهُ سُنَّةٌ لِمَا وَرَدَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وقَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ مَعْنَى قَوْلِهِ وَالنَّعْيُ عِنْدَهُمْ إِلَخْ أَيْ حَمَلُوا النَّهْيَ عَلَى مُطْلَقِ النَّعْيِ وَهُوَ خَبَرُ الْمَوْتِ كَمَا فِي مُقْتَضَى كَلَامِ حُذَيْفَةَ عَلَى طَرِيقِ الِاحْتِمَالِ حَيْثُ قَالَ فَإِنِّي أَخَافُ فَقَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِلَخْ أَيْ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى نَعْيِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ انْتَهَى أَقُولُ تَوْجِيهٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّهُ يَأْبَى تَفْسِيرَهُ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ بِمَا فَسَّرَهُ بِهِ تَفْسِيرُهُمْ بِقَوْلِهِمْ أَنْ يُنَادَى آهْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ قُلْتُ فِيمَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي شَرْحِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ شَيْءٌ وَكَذَا فِيمَا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ لَكِنَّ قَوْلَ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَظْهَرُ مِمَّا قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فَتَفَكَّرْ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَحْضَ الْإِعْلَامِ بِذَلِكَ لَا يُكْرَهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا وَقَدْ كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يُشَدِّدُ فِي ذَلِكَ حَتَّى كَانَ حُذَيْفَةُ إِذَا مَاتَ لَهُ الْمَيِّتُ يَقُولُ لَا تُؤْذِنُوا بِهِ أَحَدًا إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا إِلَخْ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأُخْرِجَ أيضا عن بن سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ لَا أَعْلَمُ بَأْسًا أَنْ يُؤْذِنَ الرَّجُلُ صَدِيقَهُ وَحَمِيمَهُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الصَّبْرَ فِي الصَّدْمَةِ الْأُولَى) [987] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ) مَوْلَى شَرِيكِ بْنِ الطُّفَيْلِ الْأَزْدِيِّ الْمِصْرِيِّ قال الليث يزيد عالمنا وسيدنا وقال بن سَعْدٍ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ (عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ) وَيُقَالُ سِنَانُ بْنُ سَعْدٍ الْكِنْدِيُّ الْمِصْرِيُّ وَصَوَّبَ الثَّانِيَ البخاري وبن يُونُسَ صَدُوقٌ لَهُ أَفْرَادٌ مِنَ الْخَامِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (الصَّبْرُ فِي الصَّدْمَةِ الْأُولَى) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى وَفِي رواية للبخاري

عِنْدَ أَوَّلِ صَدْمَةٍ وأَصْلُ الصَّدْمِ ضَرْبُ الشَّيْءِ الصُّلْبِ بِمِثْلِهِ فَاسْتُعِيرَ لِلْمُصِيبَةِ الْوَارِدَةِ عَلَى الْقَلْبِ وَالْمَعْنَى إِذَا وَقَعَ الثَّبَاتُ أَوَّلَ شَيْءٍ يَهْجُمُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْجَزَعِ فَذَلِكَ هُوَ الصَّبْرُ الْكَامِلُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَجْرُ قَالَ الطِّيبِيُّ إِذْ هُنَاكَ سَوْرَةُ الْمُصِيبَةِ فَيُثَابُ عَلَى الصَّبْرِ وَبَعْدَهَا تَنْكَسِرُ السَّوْرَةُ وَيَتَسَلَّى الْمُصَابُ بَعْضَ التَّسَلِّي فَيَصِيرُ الصَّبْرُ طَبْعًا فَلَا يُثَابُ عَلَيْهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ يَعْنِي مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَنَسٍ وهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَوْ بِهَذَا الطَّرِيقِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ في صحيحهما وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا بِهَذَا الطَّرِيقِ فِيمَا بَعْدُ [988] قَوْلُهُ (الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى) أَيْ عِنْدَ قُوَّةِ الْمُصِيبَةِ وَشِدَّتِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّبْرَ الَّذِي يُحْمَدُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ مَا كَانَ عند مفاجأة المصيبة بخلاف ما يعد ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَلَى الْأَيَّامِ يَسْلُو انْتَهَى وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى أَيْ هُوَ الْمَطْلُوبُ الْمُبَشَّرُ عَلَيْهِ بِالصَّلَاةِ وَالرَّحْمَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي 3 - مَا جَاءَ فِي تَقْبِيلِ الْمَيِّتِ [989] قَوْلُهُ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيِّ مَدَنِيٌّ ضَعِيفٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّقْرِيبِ (قَبَّلَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ) هُوَ أَخٌ رَضَاعِيٌّ لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ صَاحِبُ

الْمِشْكَاةِ هَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ حَرَّمَ الْخَمْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَمَّا دُفِنَ قَالَ نِعْمَ السَّلَفُ هُوَ لَنَا وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَكَانَ عَابِدًا مُجْتَهِدًا مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ انْتَهَى (وَهُوَ مَيِّتٌ) حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ (وَهُوَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَوْ قَالَ عَيْنَاهُ تذرفان) أي تجريان دمعا وفي رواية بن مَاجَهْ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى دُمُوعِهِ تَسِيلُ عَلَى خَدَّيْهِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَقْبِيلَ الْمُسْلِمِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْبُكَاءَ عَلَيْهِ جَائِزٌ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ قَالُوا) أَيْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ (إِنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ إِلَخْ) رَوَى الْبُخَارِيُّ عن عائشة وبن عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَبَّلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَوْتِهِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِيهِ جَوَازُ تَقْبِيلِ الْمَيِّتِ تَعْظِيمًا وَتَبَرُّكًا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَنْكَرَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ إِجْمَاعًا انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي إِسْنَادِهِ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى كلام المنذري 4 - ما جاء في غسل الميت قال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ خَبَرُ الْوَاحِدِ مَقْبُولٌ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ بِاتِّفَاقٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَرَدَّهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَأَنَّهُ قَدْ تَنَاقَضَ فِي مَسَائِلَ قَبِلَ فِيهَا خَبَرَ الْوَاحِدِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ غُسْلُ الْمَيِّتِ إِذْ لَيْسَ فِي الْبَابِ حَدِيثٌ سِوَاهُ انْتَهَى [990] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا خَالِدٌ) هُوَ الحذاء (ومنصور) هو بن زاذان (وهشام) هو بن حَسَّانَ (فَأَمَّا خَالِدٌ وَهِشَامٌ فَقَالَا عَنْ مُحَمَّدٍ وحفصة) محمد هذا هو بن سِيرِينَ وَحَفْصَةُ هَذِهِ هِيَ بِنْتُ سِيرِينَ

(وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ مُحَمَّدٍ) أَيْ وَلَمْ يَذْكُرْ حَفْصَةَ (عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) فَرَوَى خَالِدٌ وَهِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَحَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَرَوَى مَنْصُورٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَدَارُ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ على محمد وحفصة ابني سيرين قال بن الْمُنْذِرِ لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ الْغُسْلِ لِلْمَيِّتِ أَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ وَعَلَيْهِ عَوَّلَ الْأَئِمَّةُ قَوْلُهُ (تُوُفِّيَتْ إِحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هِيَ زَيْنَبُ زَوْجُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ كَمَا فِي مُسْلِمٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ إِنَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ زَوْجُ عُثْمَانَ كَمَا في بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ دَخَلَ عَلَيْنَا وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ وَكَذَا وَقَعَ لِابْنِ بَشْكُوَالَ فِي الْمُبْهَمَاتِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَالدُّولَابِيِّ فِي الذُّرِّيَّةِ الطاهرة قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ فَيُمْكِنُ تَرْجِيحُ أَنَّهَا أُمُّ كُلْثُومٍ بِمَجِيئِهِ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ تَكُونَ أُمُّ عَطِيَّةَ حَضَرَتْهُمَا جَمِيعًا فَقَدْ جزم بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَرْجَمَتِهَا بِأَنَّهَا كَانَتْ غَاسِلَةَ الْمَيِّتَاتِ (مِنْ ذَلِكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ لِأَنَّهُ خِطَابٌ لِلْمُؤَنَّثِ (إِنْ رَأَيْتُنَّ) أَيْ إِنْ احْتَجْتُنَّ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ أَوْ خَمْسٍ لِلْإِنْقَاءِ لَا لِلتَّشَهِّي فَافْعَلْنَهُ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (وَاغْسِلْنَهَا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) قَالَ الْقَاضِي هَذَا لَا يَقْتَضِي اسْتِعْمَالَ السِّدْرِ فِي جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ وَالْمُسْتَحَبُّ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْكَرَّةِ الْأُولَى لِيُزِيلَ الْأَقْذَارَ وَيَمْنَعَ عَنْهُ تَسَارُعَ الْفَسَادِ ويدفع الهوام قال بن الْهُمَامِ الْحَدِيثُ يُفِيدُ أَنَّ الْمَطْلُوبَ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ لَا أَصْلُ التَّطْهِيرِ وَإِلَّا فَالْمَاءُ كَافٍ فِيهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ تَسْخِينَ الْمَاءِ كَذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُ فِي تَحْقِيقِ الْمَطْلُوبِ فَكَانَ مَطْلُوبًا شَرْعِيًّا وعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَغْلِي قِيلَ يَبْدَأُ بِالْقَرَاحِ أَوَّلًا لِيَبْتَلَّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الدَّرَنِ أَوَّلًا فَيَتِمَّ قَلْعُهُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ ثُمَّ يَحْصُلُ تَطْيِيبُ الْبَدَنِ بَعْدَ النَّظَافَةِ بِمَاءِ الْكَافُورِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُغْسَلَ الْأُولَيَانِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كِتَابِ الْهِدَايَةِ وأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنِ بن سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ الْغُسْلَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ يَغْسِلُ بِالسِّدْرِ مَرَّتَيْنِ وَالثَّالِثَ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ هَذَا نَقْلًا عَنِ النَّوَوِيِّ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ انْتَهَى وسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ تَنْبِيهٌ وَقَعَ فِي الْمِرْقَاةِ الْمَطْبُوعَةِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا لَا يَقْتَضِي اسْتِعْمَالَ السِّدْرِ فِي جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ إِلَخْ قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا يَقْتَضِي اسْتِعْمَالَ السِّدْرِ فِي جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ بِحَذْفِ كَلِمَةِ لَا كَمَا قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ ظَاهِرُهُ أَنَّ السِّدْرَ يُخْلَطُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ الْغُسْلِ لِأَنَّ قَوْلَهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ اغْسِلْنَهَا انْتَهَى (كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَيُّ اللَّفْظَيْنِ قَالَ

وَالْأَوَّلُ مَحْمُولٌ عَلَى الثَّانِي لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فَيَصْدُقُ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ (فَآذِنَّنِي) بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْأُولَى أَمْرٌ لِجَمَاعَةِ النِّسَاءِ مِنَ الْإِيذَانِ وَهُوَ الْإِعْلَامُ وَالنُّونُ الْأُولَى أَصْلِيَّةٌ سَاكِنَةٌ وَالثَّانِيَةُ ضَمِيرُ فَاعِلٍ وَهِيَ مَفْتُوحَةٌ وَالثَّالِثَةُ لِلْوِقَايَةِ (فَأَلْقَى إِلَيْنَا حَقْوَهُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا بَعْدَهَا قَافٌ سَاكِنَةٌ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْإِزَارُ كَمَا وَقَعَ مُفَسَّرًا فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ والْحَقْوُ فِي الْأَصْلِ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَأُطْلِقَ عَلَى الْإِزَارِ مَجَازًا قَالَهُ الْحَافِظُ (أَشْعِرْنَهَا بِهِ) أَيْ بِالْحَقْوِ فِي النِّهَايَةِ أَيْ اجْعَلْنَهُ شِعَارَهَا وَالشِّعَارُ الثَّوْبُ الَّذِي يَلِي الْجَسَدَ لِأَنَّهُ يَلِي شَعْرَهُ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ اجْعَلْنَ هَذَا الْحَقْوَ تَحْتَ الْأَكْفَانِ بِحَيْثُ يُلَاصِقُ بَشَرَتَهَا وَالْمُرَادُ إِيصَالُ الْبَرَكَةِ إِلَيْهَا قَوْلُهُ (وَفِي حَدِيثِ غَيْرِ هَؤُلَاءِ) أَيْ خَالِدٍ وَمَنْصُورٍ وَهِشَامٍ (وَضَفَرْنَا شَعْرَهَا) الضَّفْرُ فَتْلُ الشَّعْرِ قَالَ الطِّيبِيُّ مِنَ الضَّفِيرَةِ وَهِيَ النَّسْجُ وَمِنْهُ ضَفْرُ الشَّعْرِ وَإِدْخَالُ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ (ثَلَاثَةَ قُرُونٍ) أَيْ ثَلَاثَ ضَفَائِرَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ للبخاري ناصيتها وقرينها أَيْ جَانِبَيْ رَأْسِهَا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُنَّ جَعَلْنَ رَأْسَ بِنْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ نَقَضْنَهُ ثُمَّ غَسَلْنَهُ ثُمَّ جَعَلْنَهُ ثَلَاثَةَ قُرُونٍ (فَأَلْقَيْنَاهُ خَلْفَهَا) أَيْ فَأَلْقَيْنَا الشَّعْرَ خَلْفَ ظَهْرِهَا قَالَ الْحَافِظُ فِي فتح الباري واستدل به على ضفر شعرالميت خلافا لمن منعه فقال بن الْقَاسِمِ لَا أَعْرِفُ الضَّفْرَ بَلْ يُكَفُّ وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَالْحَنَفِيَّةِ يُرْسِلُ شَعْرَ الْمَيِّتِ خَلْفَهَا وَعَلَى وجهها مفرقة قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَكَأَنَّ سَبَبَ الْخِلَافِ أَنَّ الَّذِي فَعَلَتْهُ أُمُّ عَطِيَّةَ هَلْ اسْتَنَدَتْ فِيهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ فَعَلَتْهُ اسْتِحْسَانًا كِلَا الْأَمْرَيْنِ مُحْتَمَلٌ لَكِنَّ الْأَصْلَ أَنْ لَا يُفْعَلَ بِالْمَيِّتِ شَيْءٌ مِنْ جِنْسِ الْقُرَبِ إِلَّا بِإِذْنٍ مِنَ الشَّرْعِ مُحَقَّقٍ وَلَمْ يَرِدْ ذَلِكَ مَرْفُوعًا كَذَا قَالَ وقَالَ النَّوَوِيُّ الظَّاهِرُ اطِّلَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَقْرِيرُهُ قال الحافظ بن حَجَرٍ وَقَدْ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِلَفْظِ الْأَمْرِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْسِلْنَهَا وترا واجعلن شعرها ضفائر وأخرج بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا وَاجْعَلْنَ لَهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ انْتَهَى (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

قَوْلُهُ (قَدْ رُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ غُسْلُ الْمَيِّتِ كَالْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ) يَعْنِي يُرَاعَى فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ مَا يُرَاعَى فِي الْغُسْلِ مِنَ الْجَنَابَةِ قَوْلُهُ (وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَيْسَ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ عِنْدَنَا حَدٌّ مُؤَقَّتٌ وَلَيْسَ لِذَلِكَ صِفَةٌ مَعْلُومَةٌ) قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَيْسَ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ عِنْدَنَا حَدٌّ مَوْصُوفٌ وَلَيْسَ لِذَلِكَ صِفَةٌ مَعْلُومَةٌ وَلَكِنْ يُغْسَلُ فَيُطَهَّرُ انْتَهَى قُلْتُ بَلْ لَهُ حَدٌّ مَوْصُوفٌ وَصِفَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيُغْسَلُ الْمَيِّتُ وِتْرًا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَى الْغَاسِلُ وَيَبْدَأُ بِمَيَامِنِهِ وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهُ وَيُغْسَلُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَيُجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ الْكَافُورُ وإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً فَيُضَفَّرُ شَعْرُ رَأْسِهَا ثَلَاثَةَ قُرُونٍ وَيُجْعَلُ خَلْفَهَا وهَذِهِ الصِّفَاتُ كُلُّهَا قَدْ جَاءَتْ فِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقَوْلِ الْمُجْمَلِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِغُسْلِ الْمَيِّتِ حَدٌّ مَوْصُوفٌ وَلَيْسَ لِذَلِكَ صِفَةٌ مَعْلُومَةٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ قَوْلًا مُجْمَلًا يُغَسَّلُ وَيُنَقَّى) وَلَمْ يُفَصِّلْ وَلَمْ يُبَيِّنْ (وَإِذَا أُنْقِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِنْقَاءِ (بِمَاءِ الْقَرَاحِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَرَاحُ كَسَحَابٍ الْمَاءُ لَا يُخَالِطُهُ ثُفْلٌ مِنْ سَوِيقٍ وَغَيْرِهِ وَالْخَالِصُ كَالْقَرِيحِ (وَلَا يَرَى) وَفِي بعض النسخ أو لا يرى بهمزة الاستفهام (ولم يؤقت) مِنَ التَّوْقِيتِ أَيْ لَمْ يُحَدِّدْ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا هُوَ الْإِنْقَاءُ لَا التَّحْدِيدُ فَإِنْ حَصَلَ النَّقَاءُ وَالطَّهَارَةُ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ أَجْزَأَ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ قَالَ الْفُقَهَاءُ وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَعَانِي الْحَدِيثِ) الْمُرَادُ بِالْفُقَهَاءِ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ كَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْإِمَامِ مَالِكٍ وَالْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ صَرَّحَ التِّرْمِذِيُّ بِذَلِكَ فِي كتاب العلل

قَوْلُهُ (وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَتَكُونُ الْغَسَلَاتُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) أَيْ قَالَا بِكَوْنِ جَمِيعِ الْغَسَلَاتِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاغْسِلْنَهَا بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَظَاهِرُهُ أَنَّ السِّدْرَ يُخْلَطُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ مَرَّاتِ الْغُسْلِ (وَيَكُونُ فِي الْآخِرَةِ) أَيْ فِي الْغَسْلَةِ الْآخِرَةِ (شَيْءٌ من كافور) قال بن الْعَرَبِيِّ وَقَدْ قَالُوا الْأُولَى بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَالثَّانِيَةُ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ وقَدْ قَالَ النَّخَعِيُّ لَا يُجْعَلُ الْكَافُورُ فِي الْمَاءِ وَلَيْسَ هذا في لفظ الحديث ولم يقتضيه بِلَفْظِ الْحَدِيثِ مِنْ خَلْطِ الْمَاءِ بِالسِّدْرِ وَالْكَافُورِ انتهى 5 - ما جاء في المسك للميت [992] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعِ) بْنِ الْجَرَّاحِ الرُّوَاسِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ وقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ لين (حدثنا أَبِي) هُوَ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ أَبُو سُفْيَانَ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْأَعْلَامِ ثِقَةٌ حَافِظٌ (عَنْ خُلَيْدٍ) بالتصغير (بن جَعْفَرِ) بْنِ طَرِيفٍ الْحَنَفِيِّ الْبَصْرِيِّ صَدُوقٌ لَمْ يثبت أن بن مَعِينٍ ضَعَّفَهُ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (فَقَالَ هُوَ أَطْيَبُ طِيبِكُمْ) أَيْ أَفْضَلُهُ فَهُوَ أَفْخَرُ أَنْوَاعِهِ وَسَيِّدُهَا وَتَقْدِيمُ الْعَنْبَرِ عَلَيْهِ خَطَأٌ كَمَا قَالَ بن الْقَيِّمِ وَمُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلْبَابِ بِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الطِّيبَ سُنَّةٌ لِلْمَيِّتِ وَالْمِسْكُ فَرْدٌ مِنَ الطِّيبِ بَلْ هُوَ مِنْ أَفْضَلِ أَفْرَادِهِ فَهُوَ أَيْضًا سُنَّةٌ لَهُ تَنْبِيهٌ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ص 344 بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الطِّبِّ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْجَنَائِزِ وَبَوَّبَا عَلَيْهِ بَابَ الطِّيبِ لِلْمَيِّتِ قَالَ وَلَمْ أَعْرِفْ مُطَابَقَتَهُ لِلْبَابِ انْتَهَى قُلْتُ لَيْسَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْ نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا بَابُ الطِّيبِ لِلْمَيِّتِ بَلْ وَقَعَ فِي جَمِيعِهَا بَابٌ فِي الْمِسْكِ لِلْمَيِّتِ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ النَّسَائِيِّ الْمَطْبُوعَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا الْمِسْكُ وَلَيْسَ فِيهَا لَفْظُ بَابٌ وَلَا لَفْظُ لِلْمَيِّتِ فَالْحَدِيثُ مُطَابِقٌ لِتَبْوِيبِهَا كَمَا عَرَفْتَ

قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَاسْتَدَلَّ لَهُمَا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَمَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ) قَالَ كَانَ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مِسْكٌ فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ بِهِ وَقَالَ هُوَ فَضْلُ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وسَكَتَ ورواه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَبِمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ سَلْمَانَ أَنَّهُ اسْتَوْدَعَ امْرَأَتَهُ مِسْكًا قَالَ إِذَا مُتُّ فَطَيِّبُونِي بِهِ فَإِنَّهُ يَحْضُرُنِي خَلْقٌ مِنْ خَلْقٍ لَا يَنَالُونَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ يَجِدُونَ الرِّيحَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الْمِسْكَ لِلْمَيِّتِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهَةِ وَالْحَقُّ هُوَ الْجَوَازُ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ الْمُسْتَمِرُّ بْنُ الرَّيَّانِ إِلَخْ) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدَّةِ التَّحْتَانِيَّةِ وَأَخْرَجَ رِوَايَتَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (قَالَ عَلِيٌّ) وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ السَّعْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمَدِينِيِّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِمَامٌ أَعْلَمُ أَهْلِ عَصْرِهِ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ (قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ) بْنِ فَرُّوخَ أَبُو سَعِيدٍ الْقَطَّانُ أحد أئمة الجرح والتعديل 6 - مَا جَاءَ فِي الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ [993] قَوْلُهُ (مِنْ غُسْلِهِ الْغُسْلُ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ (يَعْنِي الْمَيِّتَ) هَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ لِلضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ مِنْ غُسْلِهِ وَمِنْ حَمْلِهِ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الضَّالَّ قَدْ مَاتَ قَالَ اذْهَبْ فَوَارِ أَبَاكَ ثُمَّ لَا تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنِي فَذَهَبْتُ فَوَارَيْتُهُ وَجِئْتُهُ فَأَمَرَنِي فَاغْتَسَلْتُ وَدَعَا لِي انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ مَدَارُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيِّ عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَلَا يَتَبَيَّنُ وَجْهُ ضَعْفِهِ قال وقع عند بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ بِلَفْظِ فَقُلْتُ إِنَّ عَمَّكَ الشَّيْخَ الْكَافِرَ قَدْ مَاتَ فَمَا تَرَى فِيهِ قَالَ أَرَى أَنْ تُغَسِّلَهُ وَتُجِنَّهُ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ بلفظ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ أَرْبَعٍ مِنَ الْجَنَابَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمِنَ الْحِجَامَةِ وَمِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ مَعْلُولٌ لِأَنَّ أَبَا صَالِحٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي هريرة وقال بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ الصَّوَابُ عَنْ أَبِي هريرة موقوف انتهى وقال في التلخيص بعد ما ذَكَرَ طُرُقًا عَدِيدَةً لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَفِي الْجُمْلَةِ هُوَ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ أَسْوَأُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا فَإِنْكَارُ النَّوَوِيِّ عَلَى التِّرْمِذِيِّ تَحْسِينَهُ مُعْتَرَضٌ وقَدْ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْبَيْهَقِيِّ طُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَى مِنْ عِدَّةِ أَحَادِيثَ احْتَجَّ بِهَا الْفُقَهَاءُ وَلَمْ يُعِلُّوهَا بِالْوَقْفِ بَلْ قَدَّمُوا رِوَايَةَ الرَّفْعِ انْتَهَى قُلْتُ الْحَقُّ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وَشَوَاهِدِهِ لَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الحسن وقد صحح هذا الحديث بن حِبَّانَ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ إِذَا غَسَّلَ مَيِّتًا فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ) أَيْ فَالْغُسْلُ عَلَيْهِ وَاجِبٌ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى الْوُجُوبِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ فَإِنَّهُ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَسْتَحِبُّ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا أَرْجُو أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ أَيْضًا بِحَدِيثِ الْبَابِ لَكِنَّهُمْ حَمَلُوا الْأَمْرَ فِيهِ عَلَى الاستحباب لحديث بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي غُسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إِذَا غَسَّلْتُمُوهُ إِنَّ مَيِّتَكُمْ يَمُوتُ طَاهِرًا وَلَيْسَ بِنَجَسٍ فَحَسْبُكُمْ أَنْ تَغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ حَسَّنَ الْحَافِظُ إِسْنَادَهُ وَقَالَ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْرِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ أَوْ الْمُرَادُ بِالْغُسْلِ

غُسْلُ الْأَيْدِي كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا انتهى ولحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنَّا نُغَسِّلُ الْمَيِّتَ فَمِنَّا مَنْ يَغْتَسِلُ وَمِنَّا مَنْ لَا يَغْتَسِلُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهُوَ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْأَمْرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلنَّدْبِ وَهُوَ أَحْسَنُ مَا جُمِعَ بِهِ بَيْنَ مُخْتَلِفِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى وَلِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ امْرَأَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ حِينَ تُوُفِّيَ ثُمَّ خَرَجَتْ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ إِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ وَأَنَا صَائِمَةٌ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ قَالُوا لَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهُوَ مِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ دُونَ وُجُوبِهِ وَهُوَ أَيْضًا مِنَ الْقَرَائِنِ الصَّارِفَةِ عَنِ الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ غَايَةَ الْبُعْدِ أَنْ يَجْهَلَ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَجْمَعِ الَّذِينَ هُمْ أَعْيَانُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَاجِبًا مِنَ الْوَاجِبَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَعَلَّ الْحَاضِرِينَ مِنْهُمْ جُلُّ الْمُهَاجِرِينَ وَأَجَلُّهُمْ لِأَنَّ مَوْتَ مِثْلِ أَبِي بَكْرٍ حَادِثٌ لَا يُظَنُّ بِأَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَوْجُودِينَ فِي الْمَدِينَةِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ وَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يتفرقوا كما يتفرقوا مِنْ بَعْدُ انْتَهَى وَقَالَ فِيهِ وَالْقَوْلُ بِالِاسْتِحْبَابِ هُوَ الْحَقُّ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ بِوَجْهٍ مُسْتَحْسَنٍ انْتَهَى (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ لَا يَغْتَسِلُ وَلَا يَتَوَضَّأُ مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ) اسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ الِاغْتِسَالِ مِنْ غسل الميت بحديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وَبِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْمَذْكُورِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَصِحُّ فِي الْبَابِ شَيْءٌ وقَالَ الذُّهْلِيُّ لَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا ثَابِتًا وَلَوْ ثَبَتَ لَلَزِمَنَا اسْتِعْمَالُهُ وقَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يُصَحِّحْ عُلَمَاءُ الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْئًا مَرْفُوعًا وقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وَشَوَاهِدِهِ لَا يَنْحَطُّ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ وَأَجَابُوا أَيْضًا بِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ مَنْسُوخٌ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ وَفِيهِ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ بَلْ إِذَا وجد ناسخ صريح وهو متأخر 7 - مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْأَكْفَانِ [994] قَوْلُهُ (الْبَسُوا) بِفَتْحِ الْبَاء (مِنْ ثِيَابِكُمْ) مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ أَوْ بَيَانِيَّةٌ مُقَدَّمَةٌ (الْبَيَاضُ) أَيْ ذَاتِ

البياض (فإنها) أي الثياب البيض (وكفنوا فيها موتاكم) قال القارىء الأمر فيه للاستحباب قال بن الْهُمَامِ وَأَحَبُّهَا الْبَيَاضُ وَلَا بَأْسَ بِالْبُرُدِ وَالْكَتَّانِ لِلرِّجَالِ وَيَجُوزُ لِلنِّسَاءِ الْحَرِيرُ وَالْمُزَعْفَرُ وَالْمُعَصْفَرُ اعْتِبَارًا لِلْكَفَنِ بِاللِّبَاسِ فِي الْحَيَاةِ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ اسْتِحْبَابُ التَّكْفِينِ فِي الْبَيَاضِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سُمْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ والترمذي (وبن عمر) أخرجه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ يَمَانِيَّةٍ بِيضٍ سُحُولِيَّةٍ إِلَخْ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النيل قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وصححه بن القطان (وقال بن الْمُبَارَكِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُكَفَّنَ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا) لِأَنَّهَا ثِيَابُ عِبَادَةٍ قد تعبد فيها وروى بن سَعْدٍ عَنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أبي بكر قال أبو بكر كفنونني فِي ثَوْبَيَّ اللَّذَيْنِ كُنْتُ أُصَلِّي فِيهِمَا كَذَا في فتح الباري في تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ لِلذَّهَبِيِّ قَالَ الزُّهْرِيُّ إِنَّ سَعْدًا لَمَّا احْتُضِرَ دَعَا بِخَلَقِ جُبَّةِ صُوفٍ وَقَالَ كَفِّنُونِي فِيهَا فَإِنِّي قَاتَلْتُ فِيهَا يَوْمَ بَدْرٍ إِنَّمَا خَبَّأْتُهَا لِهَذَا قَوْلُهُ (وَيُسْتَحَبُّ حُسْنُ الْكَفَنِ) يَأْتِي بَيَانُ حُسْنِهِ فِي الْبَابِ الْآتِي 8 - بَاب مِنْهُ [995] قَوْلُهُ (فَلْيُحْسِنْ) ضُبِطَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ (كَفَنَهُ) قَالَ

السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي الْمَشْهُورُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَتْحُ الْفَاءِ وَحَكَى بَعْضُهُمْ سُكُونَهَا عَلَى الْمَصْدَرِ انْتَهَى وَالْمُرَادُ بِإِحْسَانِ الْكَفَنِ نَظَافَتُهُ وَنَقَاؤُهُ وَكَثَافَتُهُ وَسَتْرُهُ وَتَوَسُّطُهُ وَكَوْنُهُ مِنْ جِنْسِ لِبَاسِهِ فِي الْحَيَاةِ لَا أَفْخَرَ مِنْهُ وَلَا أَحْقَرَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِإِحْسَانِهِ السَّرَفَ وَالْمُغَالَاةَ وَنَفَاسَتَهُ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا لَا تُغَالُوا فِي الْكَفَنِ فَإِنَّهُ يُسْلَبُ سَلْبًا سَرِيعًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وفِيهِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (قَالَ سَلَّامٌ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وسلام هذا هو شيخ بن الْمُبَارَكِ ثِقَةٌ صَاحِبُ سُنَّةٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْ قَتَادَةَ ضُعِّفَ مِنَ السَّابِعَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ (هُوَ الصَّفَا) أَيْ النَّظِيفُ (وَلَيْسَ بِالْمُرْتَفِعِ) أَيْ فِي الثمن 9 - ما جاء في كم كَفَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [996] قَوْلُهُ (يَمَانِيَّةٌ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحَكَى سِيبَوَيْهِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا لُغَةً فِي تَشْدِيدِهَا وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْأَلِفَ بَدَلٌ مِنْ يَاءِ النِّسْبَةِ فَلَا يَجْتَمِعَانِ فَيُقَالُ يَمَنِيَّةٌ أَوْ يَمَانِيَةٌ بِالتَّخْفِيفِ وَكِلَاهُمَا نِسْبَةٌ إِلَى الْيَمَنِ (لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَمِيصَ لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ فِي الْكَفَنِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وقَالَ مَالِكٌ وَالْحَنَفِيَّةُ بِاسْتِحْبَابِهِ وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ نَفْيَ وُجُودَهُمَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَفْيَ الْمَعْدُودِ أَيْ الثَّلَاثَةُ خَارِجَةٌ عَنِ الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ وَهُمَا زَائِدَانِ وأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ جَدِيدٌ أَوْ لَيْسَ فِيهَا الْقَمِيصُ الَّذِي غُسِّلَ فِيهِ أَوْ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ مَكْفُوفُ الْأَطْرَافِ ويُجَابُ بِأَنَّ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ وَمَا عَدَاهُ مُتَعَسِّفٌ فَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (فَذَكَرُوا لِعَائِشَةَ قَوْلَهُمْ فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مَا كان

مِنَ الْبُرُودِ مُخَطَّطًا ورَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ وَبُرْدِ حِبَرَةٍ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ نَزَعُوهَا عَنْهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ [997] قَوْلُهُ (كُفِّنَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي نَمِرَةٍ) بِفَتْحِ نُونٍ وَكَسْرِ مِيمٍ هِيَ شَمْلَةٌ فِيهَا خُطُوطٌ بِيضٌ وَسُودٌ أَوْ بُرْدَةٌ مِنْ صُوفٍ يَلْبَسُهَا الْأَعْرَابُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) بَدَلٌ مِنْ فِي نمرة وروى أحمد في سنده عَنْ خَبَّابٍ أَنَّ حَمْزَةَ لَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ إِلَّا بُرْدَةٌ مَلْحَاءُ إِذَا جُعِلَتْ عَلَى قَدَمَيْهِ قَلَصَتْ عَنْ رَأْسِهِ حَتَّى مُدَّتْ عَلَى رَأْسِهِ وَجُعِلَ عَلَى قَدَمَيْهِ الْإِذْخِرُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ بِلَفْظِ قَالَ كُفِّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْعَةِ أَثْوَابٍ وفِي إِسْنَادُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَهُوَ سيء الْحِفْظِ لَا يَصْلُحُ الِاحْتِجَاجُ بِحَدِيثِهِ إِذَا خَالَفَ الثقات كما هنا كذا في النيل (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَحُلَّةٍ نَجْرَانِيَّةٍ الْحُلَّةُ ثَوْبَانِ وفِي إِسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَبِرَ فَتَغَيَّرَ قاله الحافظ (وعبد الله بن مغفل) لينظر من أخرجه (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِمَعْنَى حَدِيثِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ عَمَلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا

عِمَامَةٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حنبل قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ نَقْلًا عَنِ الْمَوَاهِبِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الثَّلَاثُ لَفَائِفَ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ وقَالَ الْحَنَفِيَّةُ الْأَثْوَابُ الثَّلَاثَةُ إِزَارٌ وَقَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (يُجْزِئُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِنَّ الثَّلَاثَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ واخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا شَحَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِالثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ والْمُرَجَّحُ أَنَّهُ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَأَمَّا الْوَاحِدُ السَّاتِرُ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ فَلَا بُدَّ مِنْهُ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالُوا تُكَفَّنُ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ) لِحَدِيثِ لَيْلَى بِنْتِ قَائِفٍ الثَّقَفِيَّةِ قَالَتْ كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ وَفَاتِهَا وَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخفا ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ الْحَدِيثَ رواه أحمد وأبو داود وقال القاضي بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أُمَّ كُلْثُومٍ وَهْمٌ إِنَّمَا هِيَ زَيْنَبُ لِأَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ تُوفِّيَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم غائب ببدر انتهى 0 - مَا جَاءَ فِي الطَّعَامِ يُصْنَعُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ [998] قوله (لما جاء نعي جعفر) أي بن أَبِي طَالِبٍ أَيْ خَبَرُ مَوْتِهِ بِمُؤْتَةَ وَهِيَ مَوْضِعٌ عِنْدَ تَبُوكَ سَنَةَ ثَمَانٍ (مَا يَشْغَلُهُمْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْغَيْنِ وَقِيلَ بِضَمِّ الْأَوَّلِ وَكَسْرِ الثَّالِثِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ شَغَلَهُ كَمَنَعَهُ شَغْلًا وَيُضَمُّ وَأَشْغَلَهُ لُغَةٌ جَيِّدَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ أَوْ رَدِيئَةٌ وَالْمَعْنَى جَاءَهُمْ مَا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْحُزْنِ عَنْ تَهْيِئَةِ الطَّعَامِ لِأَنْفُسِهِمْ فَيَحْصُلُ الْهَمُّ وَالضَّرَرُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ قَالَ الطِّيبِيُّ دَلَّ عَلَى أنه يستحب

لِلْأَقَارِبِ وَالْجِيرَانِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ انْتَهَى قال بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَالْحَدِيثُ أَصْلٌ فِي الْمُشَارَكَاتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ والسُّنَّةُ فِيهِ أَنْ يُصْنَعَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ عَنْ حَالِهِمْ فَحُزْنُ مَوْتِ وَلِيِّهِمْ اقْتَضَى أَنْ يُتَكَلَّفَ لَهُمْ عَيْشُهُمْ وقَدْ كَانَتْ لِلْعَرَبِ مُشَارَكَاتٌ وَمُوَاصَلَاتٌ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ بِاخْتِلَافِ الْأَسْبَابِ وفي حالات اجتماعها انتهى قال القارىء وَالْمُرَادُ طَعَامٌ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْحُزْنَ الشَّاغِلَ عَنْ تَنَاوُلِ الطَّعَامِ لَا يَسْتَمِرُّ أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ ثُمَّ إِذَا صَنَعَ لَهُمْ مَا ذُكِرَ سُنَّ أَنْ يُلِحَّ عَلَيْهِمْ فِي الْأَكْلِ لِئَلَّا يَضْعُفُوا بِتَرْكِهِ اسْتِحْيَاءً أَوْ لفرط جزع انتهى وقال بن الْهُمَامِ وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم اصنعوا لآل جَعْفَرٍ طَعَامًا وَقَالَ يُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ انْتَهَى وقَالَ القارىء وَاصْطِنَاعُ أَهْلِ الْبَيْتِ الطَّعَامَ لِأَجْلِ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ بَلْ صَحَّ عَنْ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنَّا نَعُدُّهُ مِنَ النِّيَاحَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي التَّحْرِيمِ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ جرير رضي الله عنه أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنَ النِّيَاحَةِ انْتَهَى وإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ جَرِيرٍ هَذَا مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى القبر يوصي لحافرا أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَتِهِ فَأَجَابَ وَنَحْنُ مَعَهُ فَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ هَكَذَا فِي الْمِشْكَاةِ فِي بَابِ الْمُعْجِزَاتِ فَقَوْلُهُ فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَتِهِ إِلَخْ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَ دَعْوَةَ أَهْلِ الْبَيْتِ وَاجْتَمَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ وَأَكَلُوا فَإِنَّ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ فِي امْرَأَتِهِ رَاجِعٌ إِلَى ذَلِكَ الْمَيِّتِ الَّذِي خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَتِهِ فَمَا التَّوفِيقُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ لَفْظُ دَاعِي امْرَأَتِهِ بِإِضَافَةِ لَفْظِ امْرَأَةٍ إِلَى الضَّمِيرِ وَهُوَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلِ الصَّحِيحُ دَاعِي امْرَأَةٍ بِغَيْرِ الْإِضَافَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ دَاعِي امْرَأَةٍ بِغَيْرِ الْإِضَافَةِ قَالَ فِي عَوْنِ الْمَعْبُودِ دَاعِي امْرَأَةٍ كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وفِي الْمِشْكَاةِ دَاعِي امْرَأَتِهِ بِالْإِضَافَةِ انْتَهَى ورَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 392 ج 5 وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ أَيْضًا دَاعِي امْرَأَةٍ بِغَيْرِ الْإِضَافَةِ بَلْ زَادَ فِيهِ بَعْدَ دَاعِي امْرَأَةٍ لَفْظَ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي حَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ هَذَا لَفْظُ دَاعِي امْرَأَةٍ بِغَيْرِ إِضَافَةِ امْرَأَةٍ إِلَى الضَّمِيرِ ظَهَرَ أَنَّ حَدِيثَ جَرِيرٍ الْمَذْكُورَ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِحَدِيثِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ هَذَا فَتَفَكَّرْ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قوله (هذا حديث حسن) وصححه بن السكن والحديث أخرجه أبو داود وبن ماجه قوله (وجعفر بن خالد هو بن سَارَةَ) بِمُهْمَلَةٍ وَخِفَّةِ رَاءٍ وَقِيلَ بِشَدَّتِهِ كَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمُغْنِي (وَهُوَ ثِقَةٌ) وَوَثَّقَهُ أَيْضًا أحمد وبن معين والنسائي وغيرهم (روى عنه بن جريج) وبن عُيَيْنَةَ قَالَ الْبَغَوِيُّ لَا أَعْلَمُ رَوَى عَنْهُ غيرهما كذا في تهذيب التهذيب 1 - مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْخُدُودِ [999] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي زُبَيْدٌ) بِزَايٍ مُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا (الْأَيَامِيُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَيُقَالُ لَهُ الْيَامِيُّ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ أَيْضًا قَوْلُهُ (لَيْسَ مِنَّا) أَيْ مِنْ أَهْلِ سُنَّتِنَا وَطَرِيقَتِنَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ إِخْرَاجَهُ عَنِ الدِّينِ وَلَكِنْ فَائِدَةُ إِيرَادِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمُبَالَغَةُ فِي الرَّدْعِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِوَلَدِهِ عِنْدَ مُعَاتَبَتِهِ لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِنِّي أَيْ مَا أَنْتَ عَلَى طَرِيقَتِي وقِيلَ الْمَعْنَى لَيْسَ عَلَى دِينِنَا الْكَامِلِ أَيْ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ الدِّينِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَصْلُهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا النَّفْيَ يفسره التبريزي الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى حَيْثُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بَرِيءٌ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ وَأَصْلُ الْبَرَاءَةِ الِانْفِصَالُ مِنَ الشَّيْءِ وَكَأَنَّهُ تَوَعَّدَهُ بِأَنْ لَا يَدْخُلَهُ فِي شَفَاعَتِهِ مَثَلًا قَالَ وَحُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْخَوْضَ فِي تَأْوِيلِهِ وَيَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُمْسَكَ عَنْ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ انْتَهَى (مَنْ شَقَّ الْجُيُوبَ) جَمْعُ جَيْبٍ بِالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ مَا يُفْتَحُ مِنَ الثَّوْبِ لِيُدْخَلَ فِيهِ الرَّأْسُ وَالْمُرَادُ بِشَقِّهِ إِكْمَالُ فَتْحِهِ إِلَى آخِرِهِ وَهُوَ مِنْ عَلَامَاتِ التَّسَخُّطِ (وَضَرَبَ الْخُدُودَ) جَمْعُ الْخَدِّ خُصَّ الْخَدُّ بِذَلِكَ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَضَرْبُ بَقِيَّةِ

الْوَجْهِ دَاخِلٌ فِي ذَلِكَ (وَدَعَا بِدَعْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ بِدُعَائِهِمْ يَعْنِي قَالَ عِنْدَ الْبُكَاءِ مَا لَا يَجُوزُ شَرْعًا مِمَّا يَقُولُ بِهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَالدُّعَاءِ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ وَكَوَاكَهْفَاه وَاجَبَلَاه قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 2 - مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النَّوْحِ [1000] قَوْلُهُ (قُرَّانُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (بْنُ تَمَّامٍ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْأَوَّلِ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (يُقَالُ لَهُ قَرَظَةُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَالظَّاءِ الْمُشَالَةِ أَنْصَارِيٌّ خَزْرَجِيٌّ كَانَ أَحَدَ مَنْ وَجَّهَهُ عُمَرُ إِلَى الْكُوفَةِ لِيُفَقِّهَ النَّاسَ وَكَانَ عَلَى يَدِهِ فَتْحُ الرَّيِّ واستخلفه علي على الكوفة وجزم بن سَعْدٍ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ مَاتَ فِي خِلَافَتِهِ وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ وَفَاتَهُ حَيْثُ كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَمِيرًا عَلَى الْكُوفَةِ وَكَانَتْ إِمَارَةُ الْمُغِيرَةِ عَلَى الْكُوفَةِ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ إِلَى أَنْ مَاتَ وَهُوَ عَلَيْهَا سَنَةَ خَمْسِينَ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (مِنْ نِيحَ) مجهول ناح (ما نِيحَ عَلَيْهِ) أَيْ مَا دَامَ نِيحَ عَلَيْهِ وفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ مَنْ نِيحَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن عمر رضي الله عنه) أخرجه الشيخان والترمذي (وعلي) أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ (وَأَبِي مُوسَى) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ إِذَا قَالَتِ النائحة واعضداه واناصراه واكاسباه جُبِذَ الْمَيِّتُ وَقِيلَ لَهُ أَنْتَ عَضُدُهَا أَنْتَ ناصرها أنت كاسبها انْتَهَى أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ) أَخْرَجَهُ النسائي (وأبي هريرة) أخرجه الترمذي وأخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النائحة

وَالْمُسْتَمِعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ (وَجُنَادَةَ بْنِ مَالِكٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ (وَأَنَسٍ) وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِحَفْصَةَ أَمَا عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ يُعَذَّبُ فِي قبره زاد بن حِبَّانَ قَالَتْ بَلَى كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (وَأُمُّ عَطِيَّةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ (وَسَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ أَيْضًا (وَأَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ وَالنِّيَاحَةُ الْحَدِيثَ وفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي عمدة القارئ صَفْحَةِ 59 ج 4 قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [1001] قَوْلُهُ (أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي) أَيْ خِصَالٌ أَرْبَعٌ كَائِنَةٌ فِي أُمَّتِي (مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِنَّ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ وَخِصَالِهَا (لَنْ يَدَعَهُنَّ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ لَنْ يَتْرُكَهُنَّ (النِّيَاحَةُ) هِيَ قَوْلُ وَاوَيْلَاهُ وَاحَسْرَتَاهُ وَالنُّدْبَةُ عَدُّ شَمَائِلِ الْمَيِّتِ مثل واشجاعاه واأسداه واجبلاه قاله القارىء (وَالطَّعْنُ فِي الْأَحْسَابِ) جَمْعُ الْحَسَبِ وَمَا يَعُدُّهُ الرَّجُلُ مِنَ الْخِصَالِ الَّتِي تَكُونُ فِيهِ كَالشُّجَاعَةِ وَالْفَصَاحَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقِيلَ الْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِهِ قال بن السِّكِّيتِ الْحَسَبُ وَالْكَرَمُ يَكُونَانِ فِي الرَّجُلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِآبَائِهِ شَرَفٌ وَالشَّرَفُ وَالْمَجْدُ لَا يَكُونَانِ إِلَّا بِالْآبَاءِ (وَالْعَدْوَى) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هُوَ اسْمٌ مِنَ الْإِعْدَاءِ كَالرَّعْوَى وَالْبَقْوَى مِنَ الْإِرْعَاءِ وَالْإِبْقَاءِ يُقَالُ أَعْدَاهُ الدَّاءَ يُعْدِيهِ إِعْدَاءً وَهُوَ أَنْ يُصِيبَهُ مِثْلَ مَا بِصَاحِبِ الدَّاءِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِبَعِيرٍ جَرَبٌ مَثَلًا فَتَنْتَفِيَ مخالطته بإبل أخرى حذارا أَنْ يَتَعَدَّى مَا بِهِ مِنَ الْجَرَبِ إِلَيْهَا فَيُصِيبَهَا مَا أَصَابَهُ وَقَدْ أَبْطَلَهُ الْإِسْلَامُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ الْمَرَضَ بِنَفْسِهِ يَتَعَدَّى فَأَعْلَمَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُمْرِضُ وَيُنْزِلُ الدَّاءَ (أَجْرَبَ بَعِيرٌ) أَيْ صَارَ ذَا جَرَبٍ (مَنْ أَجْرَبَ الْبَعِيرَ الْأَوَّلَ) هَذَا رَدٌّ عَلَيْهِمْ أَيْ مِنْ أَيْنَ صَارَ فِيهُمُ الْجَرَبُ (وَالْأَنْوَاءُ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا

وَكَذَا) الْأَنْوَاءُ جَمْعُ نَوْءٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شرح مسلم نقلا عن الشيخ أبي عمر الصَّلَاحِ النَّوْءُ فِي أَصْلِهِ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ الْكَوْكَبِ فَإِنَّهُ مَصْدَرُ نَاءَ النَّجْمُ يَنُوءُ نَوْءًا أَيْ سَقَطَ وَغَابَ وَقِيلَ نَهَضَ وَطَلَعَ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ نَجْمًا مَعْرُوفَةَ الْمَطَالِعِ فِي أَزْمِنَةِ السَّنَةِ كُلِّهَا وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِمَنَازِلِ الْقَمَرِ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ يَسْقُطُ فِي كُلِّ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مِنْهَا نَجْمٌ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَطْلُعُ آخَرُ يُقَابِلُهُ فِي الْمَشْرِقِ مِنْ سَاعَتِهِ فَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ عِنْدَ ذَلِكَ مَطَرٌ يَنْسُبُونَهُ إِلَى السَّاقِطِ الْغَارِبِ مِنْهُمَا وقَالَ الْأَصْمَعِيُّ إِلَى الطَّالِعِ مِنْهُمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ النَّوْءَ السُّقُوطُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ثُمَّ إِنَّ النَّجْمَ نفسه قد يسمى نوأ تَسْمِيَةً لِلْفَاعِلِ بِالْمَصْدَرِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ فِي أَمَالِيهِ السَّاقِطَةُ فِي الْمَغْرِبِ هِيَ الْأَنْوَاءُ وَالطَّالِعَةُ فِي الْمَشْرِقِ هِيَ الْبَوَارِجُ انْتَهَى كَلَامُ النووي 3 - مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ [1002] قَوْلُهُ (الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِتَعْذِيبِهِ وإِلَيْهِ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا سَتَعْرِفُ وقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُكَاءِ الَّذِي يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ عَلَيْهِ هُوَ الْبُكَاءُ بِصَوْتٍ وَنِيَاحَةٍ لَا بِمُجَرَّدِ دَمْعِ الْعَيْنِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عمر وعمران بن حصين) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِمِثْلِ حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ولِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِنِيَاحَةِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الْبُكَاءَ عَلَى الْمَيِّتِ وَقَالُوا الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِلَخْ) وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ عُمَرُ وَابْنُهُ ورُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ رَدَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَعَارَضَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَرَوَى عَنْهُ أَبُو يَعْلَى أَنَّهُ قَالَ تَاللَّهِ لَئِنْ انْطَلَقَ رَجُلٌ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاسْتُشْهِدَ فَعَمَدَتِ امْرَأَتُهُ سَفَهًا وَجَهْلًا فَبَكَتْ عَلَيْهِ لَيُعَذَّبَن هَذَا الشَّهِيدُ بِذَنْبِ هَذِهِ السَّفِيهَةِ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِمُخَالَفَتِهَا لِلْعُمُومَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَإِثْبَاتِهَا لِتَعْذِيبِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّأْوِيلِ فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ إِلَى تَأْوِيلِهَا بِمَنْ أَوْصَى بِأَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ وَمَنْسُوبٌ إِلَيْهِ قَالُوا وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ إِذَا مُتُّ فَابْكِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا أُمَّ مَعْبَدِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ التَّعْذِيبَ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ يُسْتَحَقُّ بِمُجَرَّدِ صُدُورِ الْوَصِيَّةِ وَالْحَدِيثُ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَقَعُ عِنْدَ الِامْتِثَالِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السِّيَاقِ حَصْرٌ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِهِ عِنْدَ الِامْتِثَالِ أَنْ لَا يَقَعَ إِذَا لَمْ يَمْتَثِلُوا مَثَلًا انْتَهَى قُلْتُ وَالْحَقُّ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ تَأْوِيلِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلَا وَجْهَ لِرَدِّهَا مَعَ إِمْكَانِ التَّأْوِيلِ وَلَهُمْ تَأْوِيلَاتٌ بَعْضُهَا قَرِيبَةٌ وَبَعْضُهَا بَعِيدَةٌ فَتُؤْخَذُ الْقَرِيبَةُ وَتُتْرَكُ الْبَعِيدَةُ وإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ التَّأْوِيلَاتِ فَارْجِعْ إِلَى فَتْحِ الْبَارِي وغيره من شروح البخاري (وقال بن المبارك أرجو إن كان ينهاهم في حياتهم أَنْ لَا يَكُونَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ) وَهَذَا هُوَ رَجَائِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [1003] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ فِيهِمَا الْمُرَادُ أَبُو سَعِيدٍ الْمَدِينِيُّ صَدُوقٌ قَوْلُهُ (مَا مِنْ مَيِّتٍ) أَيْ حَقِيقِيٍّ أَوْ مُشْرِفٍ عَلَى الْمَوْتِ (يَمُوتُ) قَالَ الطِّيبِيُّ هو كقول بن

عَبَّاسٍ يَمْرَضُ الْمَرِيضُ أَوْ تَضِلُّ الضَّالَّةُ فَسُمِّيَ الْمَشَارِفُ لِلْمَوْتِ وَالْمَرَضِ وَالضَّلَالِ مَيِّتًا وَمَرِيضًا وَضَالَّةً وَهَذِهِ الْحَالَةُ هِيَ الَّتِي ظَهَرَتْ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ انْتَهَى قُلْتُ وَقِصَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ وَقَدْ ذَكَرْتُهَا فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ (يَلْهَزَانِهِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ يَضْرِبَانِهِ وَيَدْفَعَانِهِ وفِي النِّهَايَةِ اللَّهْزُ الضَّرْبُ بِجُمْعِ الْيَدِ فِي الصَّدْرِ يُقَالُ لَهَزَهُ بِالرُّمْحِ أَيْ طَعَنَهُ فِي الصَّدْرِ (أَهَكَذَا كُنْتَ) أَيْ تَوْبِيخًا وَتَقْرِيعًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَشَاهِدُهُ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فجعلت أخته تبكي وتقول واجبلاه واكذا واكذا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ مَا قُلْتِ شَيْئًا إِلَّا قِيلَ لِي أَنْتَ كَذَا فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تبك عليه 4 - مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ أَيْ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْبُكَاءِ الَّذِي ليس به صوت ولا نياحة [1006] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ هِيَ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ الْمَدَنِيَّةُ أَكْثَرَتْ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (وَذُكِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (لَهَا) أَيْ لِعَائِشَةَ (غَفَرَ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرحمن) كنيته عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا مِنَ الْآدَابِ الْحَسَنَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ) فَمَنِ اسْتَغْرَبَ مِنْ غَيْرِهِ شَيْئًا يَنْبَغِي أَنْ يُوَطِّئَ وَيُمَهِّدَ لَهُ بِالدُّعَاءِ إِقَامَةً لِعُذْرِهِ فِيمَا وَقَعَ مِنْهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَمِنْ ثَمَّ زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيَانًا وَاعْتِذَارًا بِقَوْلِهَا (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ أَوْ لِلِافْتِتَاحِ يُؤْتَى بِهَا لِمُجَرَّدِ التأكيد (إنه) أي بن عُمَرَ (وَلَكِنَّهُ نَسِيَ) أَيْ مَوْرِدَهُ الْخَاصَّ (أَوْ أَخْطَأَ) أَيْ فِي إِرَادَتِهِ

الْعَامَّ (يُبْكَى عَلَيْهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (إِنَّهُمْ) أَيْ الْيَهُودَ (وَإِنَّهَا) أَيْ الْيَهُودِيَّةَ (لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا) أي لكفرها قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ وَارِدٌ لَوْ لَمْ يُسْمَعْ الْحَدِيثُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْرِدِ وَقَدْ ثَبَتَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَبِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بَلْ مُطْلَقَةً دَخَلَ هَذَا الْخُصُوصُ تَحْتَ ذَلِكَ الْعُمُومِ فَلَا مُنَافَاةَ وَلَا مُعَارَضَةَ فَيَكُونُ اعْتِرَاضُهَا بِحَسَبِ اجْتِهَادِهَا انْتَهَى وقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنْكَارُ عَائِشَةَ ذَلِكَ وَحُكْمُهَا عَلَى الرَّاوِي بِالتَّخْطِئَةِ أَوِ النِّسْيَانِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضًا وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضًا بَعِيدٌ لِأَنَّ الرُّوَاةَ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنَ الصَّحَابَةِ كَثِيرُونَ وَهُمْ جَازِمُونَ فَلَا وَجْهَ لِلنَّفْيِ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى مَحْمَلٍ صَحِيحٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [1004] قَوْلُهُ (فَقَالَتْ عَائِشَةُ يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ وَهِمَ إِلَخْ) وَكَذَلِكَ حَكَمَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أيضا بالتخطئة ففي رواية بن عَبَّاسٍ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَقَالَتْ يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لِيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وقالت حسبكم القرآن قوله ولا تزر وازرة وزر أخرى قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْحِ وَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ عَنْ عائشة متخالفة وفيه إِشْعَارٌ بِأَنَّهَا لَمْ تَرُدَّ الْحَدِيثَ بِحَدِيثٍ آخَرَ بَلْ بِمَا اسْتَشْعَرَتْهُ مِنْ مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ قَالَ الداودي رواية بن عَبَّاسٍ عَنْ عَائِشَةَ بَيَّنَتْ مَا نَفَتْهُ عَمْرَةُ وَعُرْوَةُ عَنْهَا إِلَّا أَنَّهَا خَصَّتْهُ بِالْكَافِرِ لِأَنَّهَا أَثْبَتَتْ أَنَّ الْمَيِّتَ يَزْدَادُ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَزْدَادَ بِفِعْلِ غَيْرِهِ أَوْ يُعَذَّبَ ابْتِدَاءً انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ) أَيْ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي الْبُكَاءِ عَلَى الميت (عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ

بِلَفْظِ قَالَ مَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَكَتِ النِّسَاءُ فَجَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُهُنَّ بِسَوْطِهِ فَأَخَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ وَقَالَ مَهْلًا يَا عُمَرُ ثُمَّ قَالَ إِيَّاكُنَّ وَنَعِيقَ الشَّيْطَانِ ثُمَّ قَالَ إِنَّهُ مَهْمَا كَانَ مِنَ الْعَيْنِ وَمِنَ الْقَلْبِ فَمِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنَ الرَّحْمَةِ وَمَا كَانَ مِنَ الْيَدِ وَمِنَ اللِّسَانِ فَمِنَ الشَّيْطَانِ انْتَهَى (وَقَرَظَةُ بْنُ كَعْبٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أخرجه قوله (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ مَاتَ مَيِّتٌ مِنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاجْتَمَعَ النِّسَاءُ يَبْكِينَ عَلَيْهِ فَقَامَ عُمَرُ يَنْهَاهُنَّ وَيَطْرُدُهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُنَّ يَا عُمَرُ فَإِنَّ الْعَيْنَ دَامِعَةٌ وَالْقَلْبَ مُصَابٌ وَالْعَهْدَ قَرِيبٌ انْتَهَى (وبن مَسْعُودٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَالَ أَرْسَلَتْ ابْنَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ أَنَّ ابْنًا لِي قُبِضَ فَأْتِنَا الْحَدِيثَ وفِيهِ فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذَا فَقَالَ هَذِهِ رَحْمَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ فَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَصْلُ الْقِصَّةِ رَوَاهَا الشَّيْخَانِ [1005] قَوْلُهُ (يَجُودُ بِنَفْسِهِ) أَيْ يُخْرِجُهَا وَيَدْفَعُهَا كَمَا يَدْفَعُ الْإِنْسَانُ مَالَهُ قَالَهُ الْحَافِظُ (أَوَ لَمْ تَكُنْ نَهَيْتُ) بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (صَوْتٍ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ صَوْتَيْنِ (خَمْشِ وُجُوهٍ) مَصْدَرُ خَمَشَتِ الْمَرْأَةُ وَجْهَهَا خَمْشًا إِذَا قَشَّرَتْ بِالْأَظْفَارِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبُ السِّنْدِيُّ (وَرَنَّةِ الشَّيْطَانِ) بِفَتْحِ رَاءٍ وَتَشْدِيدِ نُونٍ صَوْتٌ مَعَ بُكَاءٍ فِيهِ تَرْجِيعٌ كَالْقَلْقَلَةِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ الْمُرَادُ بِهِ الْغِنَاءُ وَالْمَزَامِيرُ قَالَ وَكَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ رَنَّةُ النَّوْحِ لَا رَنَّةُ الْغِنَاءِ وَنُسِبَ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أَوَّلُ مَنْ نَاحَ ابْلِيسُ وَتَكُونُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ قَدْ ذُكِرَ فِيهَا أَحَدُ الصَّوْتَيْنِ فَقَطْ واختصر

باب في المشي أمام الجنازة

الْآخَرُ ويُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ إِنِّي لَمْ أَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ أَحْمَقَيْنِ فَاجِرَيْنِ صَوْتِ نَغْمَةِ لَهْوٍ وَلَعِبٍ وَمَزَامِيرِ شَيْطَانٍ وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ خَمْشِ وُجُوهٍ وَشَقِّ جُيُوبٍ وَرَنَّةٍ وَهَذَا هُوَ رَحْمَةٌ وَمَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَصْلُ قِصَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ هِيَ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ الْمَدَنِيَّةُ أَكْثَرَتْ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها ثقة من الثالثة (وذكر) بصيغة الجمهور (لَهَا) أَيْ لِعَائِشَةَ (غَفَرَ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرحمن) كنيته عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا مِنَ الْآدَابِ الْحَسَنَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فَمَنِ اسْتَغْرَبَ مِنْ غَيْرِهِ شَيْئًا يَنْبَغِي أَنْ يوطىء وَيُمَهِّدَ لَهُ بِالدُّعَاءِ إِقَامَةً لِعُذْرِهِ فِيمَا وَقَعَ مِنْهُ وَأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَمِنْ ثَمَّ زَادَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيَانًا وَاعْتِذَارًا بِقَوْلِهَا (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ أَوْ لِلِافْتِتَاحِ يُؤْتَى بِهَا لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ (إنه) أي بن عُمَرَ (وَلَكِنَّهُ نَسِيَ) أَيْ مَوْرِدَهُ الْخَاصَّ (أَوْ أخطأ) أي في إرادته العام فِي إِرَادَتِهِ الْعَامَّ (يُبْكَى عَلَيْهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (إِنَّهُمْ) أَيْ الْيَهُودَ (وَإِنَّهَا) أَيْ الْيَهُودِيَّةَ (لَتُعَذَّبُ في قبرها) أي لكفرها قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ وَارِدٌ لَوْ لَمْ يُسْمَعْ الْحَدِيثُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْرِدِ وَقَدْ ثَبَتَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَبِرِوَايَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بَلْ مُطْلَقَةً دَخَلَ هَذَا الْخُصُوصُ تَحْتَ ذَلِكَ الْعُمُومِ فَلَا مُنَافَاةَ وَلَا مُعَارَضَةَ فَيَكُونُ اعْتِرَاضُهَا بِحَسَبِ اجْتِهَادِهَا انْتَهَى وقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قال القرطبي إنكار عائشة ذلك وحكمها علة الرَّاوِي بِالتَّخْطِئَةِ أَوِ النِّسْيَانِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضًا وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضًا بَعِيدٌ لِأَنَّ الرُّوَاةَ لِهَذَا الْمَعْنَى مِنَ الصَّحَابَةِ كَثِيرُونَ وَهُمْ جَازِمُونَ فَلَا وَجْهَ لِلنَّفْيِ مَعَ إِمْكَانِ حَمْلِهِ عَلَى مَحْمَلٍ صَحِيحٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان 5 - (باب فِي الْمَشْيِ أَمَامَ الْجَنَازَةِ) [1007] قَوْلُهُ (عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) أَخْرَجَ هَذَا الحديث أحمد وأصحاب السنن والدارقطني وبن حبان والبيهقي من حديث بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِهِ قَالَ أَحْمَدُ إِنَّمَا هُوَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مرسل وحديث سالم فعل بن عمر وحديث بن عيينة وهم كذا في التلخيص [1009] قَوْلُهُ (عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَمْشُونَ أَمَامَ الْجِنَازَةِ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُرْسَلَةٌ وَرِوَايَةُ سُفْيَانَ الْمُتَقَدِّمَةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَوْصُولَةٌ وَالْأَصَحُّ الْإِرْسَالُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا

بَعْدُ قَوْلُهُ (وَأَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ أَبَاهُ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (وَأَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ فِي ذَلِكَ أَصَحُّ) لَكِنَّ الْبَيْهَقِيَّ اخْتَارَ ترجيح الموصول لأنه من رواية بن عُيَيْنَةَ وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُيَيْنَةَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ خَالَفَكَ النَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ اسْتَيْقَنَ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي مِرَارًا لَسْتُ أُحْصِيهِ يُعِيدُهُ وَيُبْدِيهِ سَمِعْتُهُ مِنْ فِيهِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَهَذَا لَا يَنْفِي عَنْهُ الْوَهْمَ فَإِنَّهُ ضَابِطٌ لِأَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّ فِيهِ إِدْرَاجًا لَعَلَّ الزُّهْرِيَّ أَدْمَجَهُ إذ حدث به بن عُيَيْنَةَ وَفَصَّلَهُ لِغَيْرِهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي الْمَدْرَجِ بأتم من هذا وجزم أيضا بصحته بن المنذر وبن حَزْمٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الفتح واستدلوا بحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ النَّاسَ يُقَدِّمُهُمْ أَمَامَ جِنَازَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَبِمَا أَخْرَجَ بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ

صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه وأبا قتادة وبن عُمَرَ وَأَبَا أَسِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَمْشُونَ أمام الجنازة 6 - مَا جَاءَ فِي الْمَشْيِ خَلْفَ الْجَنَازَةِ [1011] قَوْلُهُ (عَنْ يَحْيَى إِمَامِ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ) يَحْيَى هَذَا هُوَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ الْجَابِرُ أَبُو الْحَارِثِ الْكُوفِيُّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي مَاجِدٍ) قِيلَ اسْمُهُ عَائِذُ بْنُ فَضْلَةَ مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ يَحْيَى الْجَابِرِ مِنَ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَيُقَال لَهُ أَبُو مَاجِدَةَ أَيْضًا كَمَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَوْلُهُ (فَقَالَ مَا دُونَ الْخَبَبِ) هُوَ سُرْعَةُ الْمَشْيِ مَعَ تَقَارُبِ الْخُطَى كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (فَلَا يُبَعَّدْ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ يَحْتَمِلُ ضَبْطُهُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِنَاؤُهُ لِلْمَفْعُولِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ حَامِلَهَا يُبَعِّدُهَا عَنْهُ بِسُرْعَةٍ بِهَا لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يكون بفتح الياء وَالْعَيْنِ أَيْضًا مِنْ بَعِدَ بِالْكَسْرِ يَبْعَدُ بِالْفَتْحِ إذا هلك انتهى (والجنازة مَتْبُوعَةٌ) أَيْ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَيَمْشِي خَلْفَهَا (وَلَا تَتْبَعُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْبَاءِ وَبِرَفْعِ الْعَيْنِ عَلَى النَّفْيِ وَبِسُكُونِهَا عَلَى النَّهْيِ أَيْ لَا تَتْبَعُ النَّاسَ هِيَ فَلَا نَكُونُ عَقِيبَهُمْ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا (لَيْسَ مِنْهَا مَنْ تَقَدَّمَهَا) أي لا يثبت له الأجر

باب ما جاء في كراهية الركوب خلف الجنازة

قوله (فقال طَائِرٌ طَارَ فَحَدَّثْنَا) أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ مَجْهُولٌ (وَبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ) وَبِهِ يَقُولُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَبِمَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْمَشْيُ خَلْفَهَا أَفْضَلُ مِنَ الْمَشْيِ أَمَامَهَا كَفَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَهُوَ مَوْقُوفٌ لَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ لَكِنْ حَكَى الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي إِسْنَادِهِ انْتَهَى وفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخَرُ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَوْلُهُ (وَلَهُ حديثان عن بن مَسْعُودٍ) الْحَدِيثُ الْآخَرُ مَا رَوَاهُ أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ يَحْيَى التَّمِيمِيِّ عَنْ أَبِي مَاجِدَةَ عَنِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ عَفُوٌّ يُحِبُّ الْعَفْوَ كَذَا فِي الْمِيزَانِ وَقُوتِ الْمُغْتَذِي قَوْلُهُ (وَيَحْيَى إِمَامُ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ ثِقَةٌ) قَالَ العراقي هذا مخالف بقول الجمهور فقد ضعفه بن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ وَالْجَوْزَجَانِيُّ وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ ثُمَّ قَالَ فيه أحمد وبن عَدِيٍّ لَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي (وَيُقَالُ لَهُ يَحْيَى الْجَابِرُ وَيُقَالُ لَهُ يَحْيَى الْمُجْبِرُ أَيْضًا) لِأَنَّهُ كَانَ يُجْبِرُ الْأَعْضَاءَ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الرُّكُوبِ خَلْفَ الْجَنَازَةِ) [1012] قَوْلُهُ (أَلَا تَسْتَحْيُونَ إِنَّ مَلَائِكَةَ اللَّهِ إِلَخْ) إِنَّ هَذِهِ بكسر الهمزة قاله القارىء والحديث يدل

باب ما جاء في الرخصة في ذلك

عَلَى كَرَاهَةِ الرُّكُوبِ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَيُعَارِضُهُ مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الرَّاكِبُ يَسِيرُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالْمَاشِي يَمْشِي خَلْفَهَا وَأَمَامَهَا وَعَنْ يَمِينِهَا وَيَسَارِهَا قَرِيبًا مِنْهَا الْحَدِيثَ والْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ فِي حَقِّ الْمَعْذُورِ بِمَرَضٍ أَوْ شَلَلٍ أَوْ عَرَجٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَحَدِيثُ الْبَابِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَعْذُورِ ومِنْهَا أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا قُدَّامَ الْجِنَازَةِ أَوْ طَرَفَهَا فَلَا يُنَافِي حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ ومِنْهَا أَنَّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فَيَكُونُ الرُّكُوبُ جَائِزًا مَعَ الْكَرَاهَةِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَتَقَدَّمَ لفظه وأخرجه أحمد والنسائي وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا (وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) أَخَرْجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ (حَدِيثُ ثَوْبَانَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَوْقُوفًا) لَمْ يَتَكَلَّمْ التِّرْمِذِيُّ عَلَى حَدِيثِ ثَوْبَانَ الْمَرْفُوعِ الْمَذْكُورِ بِحُسْنٍ وَلَا ضَعْفٍ وفِي إِسْنَادِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ) [1013] قَوْلُهُ (في جنازة بن الدَّحْدَاحِ) بِفَتْحِ الدَّالَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَحَائَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ (وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ) أَيْ حِينَ رَجَعَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ (يَسْعَى) قَالَ الْعِرَاقِيُّ رُوِيَ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ (وَهُوَ يَتَوَقَّصُ بِهِ) بِالْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يَتَثَوَّبُ بِهِ وفِي مُصَنَّفِ بن أبي شيبة يتوقس بالسين المهملة وهما نعتان كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ يَثِبُ وَيُقَارِبُ الْخَطْوَ [1014] قَوْلُهُ (عَنِ الْجَرَّاحِ) بتشديد

قَوْلُهُ (وَرَجَعَ عَلَى فَرَسٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرُّكُوبِ عِنْدَ الِانْصِرَافِ وقَالَ الْعُلَمَاءُ لَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الرُّجُوعِ مِنَ الْجِنَازَةِ اتِّفَاقًا لِانْقِضَاءِ الْعِبَادَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ إِبَاحَةُ الرُّكُوبِ فِي الرُّجُوعِ عَنِ الْجِنَازَةِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الذَّهَابِ مَعَهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 9 - مَا جَاءَ فِي الْإِسْرَاعِ بِالْجَنَازَةِ [1015] قَوْلُهُ (يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (أَسْرِعُوا) أَمْرٌ مِنَ الْإِسْرَاعِ قَالَ الْحَافِظُ في الفتح نقل بن قُدَامَةَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ لِلِاسْتِحْبَابِ بِلَا خِلَافٍ بين العلماء وشذ بن حَزْمٍ فَقَالَ بِوُجُوبِهِ والْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ شِدَّةُ الْمَشْيِ وَعَلَى ذَلِكَ حَمَلَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَيَمْشُونَ بِهَا مُسْرِعِينَ دُونَ الْخَبَبِ وفِي الْمَبْسُوطِ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مُؤَقَّتٌ غَيْرَ أَنَّ الْعَجَلَةَ أَحَبُّ إِلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ الْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ مَا فَوْقَ سَجِيَّةِ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَيُكْرَهُ الْإِسْرَاعُ الشَّدِيدُ وَمَالَ عِيَاضٌ إِلَى نَفْيِ الْخِلَافِ فَقَالَ مَنِ اسْتَحَبَّهُ أَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَى الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَمَنْ كَرِهَهُ أَرَادَ الْإِفْرَاطَ فِيهِ كَالرَّمَلِ والْحَاصِلُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَاعُ بِهَا لَكِنْ بِحَيْثُ لَا يَنْتَهِي إِلَى شِدَّةٍ يُخَافُ مَعَهَا حُدُوثُ مَفْسَدَةٍ بِالْمَيِّتِ أَوْ مَشَقَّةٌ عَلَى الْحَامِلِ أَوْ الْمُشَيِّعِ لِئَلَّا يُنَافِيَ الْمَقْصُودَ مِنَ النَّظَافَةِ أَوِ ادْخَالُ الْمَشَقَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (بِالْجِنَازَةِ) أَيْ بِحَمْلِهَا إِلَى قَبْرِهَا (فَإِنْ تَكُ) أَيْ الْجُثَّةُ المحمولة قاله الحافظ وقال القارىء أَيْ فَإِنْ تَكُنْ الْجِنَازَةُ قَالَ الْمُظْهِرُ الْجِنَازَةُ بِالْكَسْرِ الْمَيِّتُ وَبِالْفَتْحِ السَّرِيرُ فَعَلَى هَذَا أَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى الْجِنَازَةِ وَأُرِيدَ بِهَا الْمَيِّتُ (خَيْرًا) أَيْ ذَا خَيْرٍ وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ صَالِحَةً (تُقَدِّمُوهَا) أَيْ الْجِنَازَةَ (إِلَيْهِ) أَيْ الْخَيْرِ وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنْ تَكُنْ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إليه قال القارىء

فَإِنْ كَانَ حَالُ ذَلِكَ الْمَيِّتِ حَسَنًا طَيِّبًا فَأَسْرِعُوا بِهِ حَتَّى يَصِلَ إِلَى تِلْكَ الْحَالَةِ الطَّيِّبَةِ عَنْ قَرِيبٍ قَالَ الْحَافِظُ وفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ إِلَى دَفْنِ الْمَيِّتِ لَكِنْ بَعْدَ أَنْ يُتَحَقَّقَ أَنَّهُ مَاتَ أَمَّا مِثْلُ الْمَطْعُونِ وَالْمَفْلُوجِ وَالْمَسْبُوتِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُسْرَعَ بِدَفْنِهِمْ حَتَّى يَمْضِيَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِيُتَحَقَّقَ مَوْتُهُمْ نَبَّهَ على ذلك بن بَزِيزَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ فِي جِنَازَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَكُنَّا نَمْشِي مَشْيًا خَفِيفًا فَلَحِقَنَا أَبُو بَكْرَةَ فَرَفَعَ سَوْطَهُ فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَرْمُلُ رَمَلًا انتهى وسكت عنه أبو داود والمنذري وقال النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ سَنَدُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ نرمل رملا من رمل رملان وَرَمَلَانًا إِذَا أَسْرَعَ فِي الْمَشْيِ وَهَزَّ مَنْكِبَيْهِ وَمُرَادُهُ الْإِسْرَاعُ الْمُتَوَسِّطُ ويَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَاهُ أَوْصَاهُ قَالَ إِذَا حَمَلْتَنِي عَلَى السَّرِيرِ فَامْشِ مَشْيًا بَيْنَ الْمَشْيَيْنِ وَكُنْ خَلْفَ الْجِنَازَةِ فَإِنَّ مُقَدِّمَتَهَا لِلْمَلَائِكَةِ وَخَلْفَهَا لِبَنِي آدَمَ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أخرجه الجماعة 0 - مَا جَاءَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ وَذِكْرِ حَمْزَةَ قَتْلَى جَمْعُ قَتِيلٍ [1016] قَوْلُهُ (قَدْ مُثِّلَ بِهِ) قَالَ فِي الدُّرِّ النَّثِيرِ مَثَّلْتُ بِالْقَتِيلِ جَدَعْتُ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ مَذَاكِيرَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ أَطْرَافِهِ وَالِاسْمُ مُثْلَةٌ (لَوْلَا أَنْ تَجِدَ) أَنْ تَحْزَنَ وَتَجْزَعَ (صَفِيَّةُ) هِيَ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَقِيقَةُ حَمْزَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (حَتَّى تَأْكُلَهُ الْعَافِيَةُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ السِّبَاعُ وَالطَّيْرُ الَّتِي تَقَعُ عَلَى الْجِيَفِ فَتَأْكُلُهَا وَتُجْمَعُ عَلَى الْعَوَافِي (حَتَّى يُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بُطُونِهَا) إِنَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ

لِيَتِمَّ لَهُ بِهِ الْأَجْرُ وَيَكْمُلَ وَيَكُونَ كُلُّ الْبَدَنِ مَصْرُوفًا فِي سَبِيلِهِ تَعَالَى إِلَى البعث أو البيان أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ فِيمَا فَعَلُوا بِهِ مِنَ الْمُثْلَةِ تَعْذِيبٌ حَتَّى إِنَّ دَفْنَهُ وَتَرْكَهُ سَوَاءٌ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ (بِنَمِرَةِ) بِفَتْحِ نُونٍ وَكَسْرِ مِيمٍ بُرْدَةٌ مِنْ صُوفٍ وَغَيْرِهِ مُخَطَّطَةٌ وَقِيلَ الْكِسَاءُ قَوْلُهُ (وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ) وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الشَّهِيدَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَسَيَجِيءُ الْكَلَامُ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ قَوْلَ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَأَقَرَّهُ 1 - باب اخر [1017] قوله (ويركب الحمار) قال بن الْمَلِكِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُكُوبَ الْحِمَارِ سنة قال القارىء فَمَنِ اسْتَنْكَفَ مِنْ رُكُوبِهِ كَبَعْضِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ جَهَلَةِ الْهِنْدِ فَهُوَ أَخَسُّ مِنَ الْحِمَارِ انْتَهَى قُلْتُ كَيْف وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً) (وَكَانَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمُشَالَةِ بِوَزْنِ جُهَيْنَةَ قَبِيلَةٌ مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ لِسَبْعٍ

بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ (مَخْطُومٍ بِحَبْلٍ) أَيْ مَجْعُولٍ فِي أَنْفِهِ بِحَبْلٍ (مِنْ لِيفٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ بِالْفَارِسِيَّةِ بوست درخمت خرما قَالَ فِي الْقَامُوسِ خَطَمَهُ بِالْخِطَامِ أَيْ جَعَلَهُ عَلَى أَنْفِهِ كَخَطَمَهُ بِهِ أَوْ جَرَّ أَنْفَهُ لِيَضَعَ عَلَيْهِ الْخِطَامَ وَهُوَ كَكِتَابٍ كُلُّ مَا وُضِعَ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ أَيْ وَنَحْوِهِ لِيَنْقَادَ بِهِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْفَرَسِ (إِكَافُ لِيفٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَيُقَالُ لَهُ الْوِكَافُ بِالْوَاوِ وَهُوَ لِلْحِمَارِ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ وَإِكَافُ لِيفٍ بِالْإِضَافَةِ وفِي بَعْضِ النُّسَخِ إِكَافٌ مِنْ لِيفٍ قَوْلُهُ (وَمُسْلِمٌ الْأَعْوَرُ يُضَعَّفُ) قَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ مَتْرُوكٌ كَذَا في الميزان (وهو مسلم بن كَيْسَانَ الْمُلَائِيُّ) بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَخِفَّةِ لَامٍ وَبِيَاءٍ فِي آخِرِهِ نِسْبَةً إِلَى بَيْعِ الْمِلَاءِ نَوْعٍ من الثياب كذا في المعنى 2 - باب [1018] قَوْلُهُ (اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ) أَيْ فِي مَوْضِعِ دَفْنِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُدْفَنُ بِمَكَّةَ وَقَالَ الْآخَرُونَ بِالْمَدِينَةِ فِي الْبَقِيعِ وَقِيلَ فِي الْقُدْسِ كَذَا فِي اللُّمُعَاتِ (مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ) إِكْرَامًا لَهُ حَيْثُ لَمْ يَفْعَلْ بِهِ إِلَّا مَا يُحِبُّهُ وَلَا يُنَافِيهِ كَرَاهَةُ الدَّفْنِ فِي الْبُيُوتِ لِأَنَّ مِنْ خَصَائِصِ الْأَنْبِيَاءِ أَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ حَيْثُ يَمُوتُونَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ المناوي ضعيف لضعف بن أَبِي مُلَيْكَةَ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ وَهِمَ الْمُنَاوِيُّ فإن بن أبي مليكة لَيْسَ بِضَعِيفٍ بَلْ هُوَ ثِقَةٌ وَضَعْفُ هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ لِضَعْفِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ يُضَعَّفُ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ

33 - بَاب آخَرُ [1019] قَوْلُهُ (اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ) مَحَاسِنُ جَمْعُ حَسَنٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ (وَكُفُّوا) أَمْرٌ لِلْوُجُوبِ أَيْ امْتَنَعُوا (عَنْ مُسَاوِيهِمْ) جَمْعُ سُوءٍ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ أَيْضًا قَالَ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ غِيبَةُ الْمَيِّتِ أَشَدُّ مِنَ الْحَيِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَفْوَ الْحَيِّ وَاسْتِحْلَالَهُ مُمْكِنٌ وَمُتَوَقَّعٌ فِي الدُّنْيَا بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وفِي الْأَزْهَارِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَإِذَا رَأَى الْغَاسِلُ مِنَ الْمَيِّتِ مَا يُعْجِبُهُ كَاسْتِنَارَةِ وَجْهِهِ وَطِيبِ رِيحِهِ وَسُرْعَةِ انْقِلَابِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ اسْتُحِبَّ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ كَنَتْنِهِ وَسَوَادِ وَجْهِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوِ انْقِلَابِ صُورَتِهِ حَرُمَ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) ورواه أبو داود وبن حِبَّانَ قَوْلُهُ (وَعِمْرَانُ بْنُ أَنَسٍ مِصْرِيٌّ إِلَخْ) يَعْنِي أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ أَنَسٍ اثْنَانِ مِصْرِيٌّ وَمَكِّيٌّ وَالْمِصْرِيُّ أَثْبَتُ وَأَقْدَمُ مِنَ الْمَكِّيِّ قَالَهُ الحافظ في التقريب 4 - مَا جَاءَ فِي الْجُلُوسِ قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ [1020] قَوْلُهُ (عَنْ بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ) الْحَارِثِيِّ أَبُو الْأَسْبَاطِ فَقِيهٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن

سُلَيْمَانَ بْنِ جُنَادَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَبِالنُّونِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) سُلَيْمَانَ بْنِ جُنَادَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ جَدِّهِ) جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الْأَزْدِيِّ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الشَّقُّ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ مِنَ الْقَبْرِ (فَعَرَضَ لَهُ حَبْرٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَتُكْسَرُ أَيْ عَالِمٌ أَيْ ظَهَرَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَالِمٌ مِنَ الْيَهُودِ (فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ بعد ما كَانَ وَاقِفًا أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ (وَقَالَ خَالِفُوهُمْ) قال القارىء فَبَقِيَ الْقَوْلُ بِأَنَّ التَّابِعَ لَمْ يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ بِشْرَ بْنَ رَافِعٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سُلَيْمَانَ وأباه سليمان جنادة وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ وقَدْ رَوَى الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا إِذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَقْعُدْ حَتَّى تُوضَعَ قَالَ الْحَازِمِيُّ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ قَوْمٌ مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَا يَقْعُدَنَّ حَتَّى تُوضَعَ عَنْ أَعْنَاقِ الرِّجَالِ وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وأبو هريرة وبن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَهْلُ الشَّامِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وذَكَرَ ابْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ أَنَّهُمْ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَجْلِسُوا حَتَّى تُوضَعَ عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ وَرَأَوْا الْجُلُوسَ أَوْلَى وَاعْتَقَدُوا الْحُكْمَ الْأَوَّلَ مَنْسُوخًا وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ حَدِيثَ الْبَابِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ وَقَالَ بِشْرُ بْنُ رَافِعٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ وفِيهِ أَيْضًا كَلَامٌ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ صَرِيحًا فِي النَّسْخِ غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ أَصَحُّ وَأَثْبَتُ فَلَا يُقَاوِمُهُ هَذَا الْإِسْنَادُ ثُمَّ رَوَى الْحَازِمِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ أَوَّلَ مَا قَدِمْنَا فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْلِسُ حَتَّى تُوضَعَ الْجِنَازَةُ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدُ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَكَانَ يُؤْخَذُ بِالْآخِرِ فَالْآخِرُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الحديث بهذه الألفاظ غريب أيضا ولكنه يشيد مَا قَبْلَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَازِمِيِّ

باب ما جاء في التكبير على الجنازة

35 - (بَاب فَضْلِ الْمُصِيبَةِ إِذَا احْتَسَبَ) أَيْ صَبَرَ وَطَلَبَ الثَّوَابَ [1021] قَوْلُهُ (عَلَى شَفِيرِ الْقَبْرِ) أَيْ عَلَى طَرَفِهِ (حَدَّثَنِي ضَحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ) أَيْ مَلَكِ الْمَوْتِ وَأَعْوَانِهِ (قَبَضْتُمْ) عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِفْهَامِ (وَلَدَ عَبْدِي) أَيْ رُوحَهُ (فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ) أَيْ يَقُولُ ثَانِيًا إِظْهَارًا لِكَمَالِ الرَّحْمَةِ كَمَا أَنَّ الْوَالِدَ الْعَطُوفَ يَسْأَلُ الْفَصَّادَ هَلْ فَصَدْتَ وَلَدِي مَعَ أَنَّهُ بِأَمْرِهِ وَرِضَاهُ وقِيلَ سَمَّى الْوَلَدَ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ لِأَنَّهُ نَتِيجَةُ الْأَبِ كَالثَّمَرَةِ لِلشَّجَرَةِ (وَاسْتَرْجَعَ) أَيْ قَالَ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ) أَضَافَ الْبَيْتَ إِلَى الْحَمْدِ الَّذِي قَالَهُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ لِأَنَّهُ جَزَاءُ ذَلِكَ الْحَمْدِ قاله القارىء 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّكْبِيرِ عَلَى الْجَنَازَةِ) [1022] قَوْلُهُ (صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ شِينٌ مُعْجَمَةٌ ثُمَّ يَاءٌ

ثَقِيلَةٌ كَيَاءِ النَّسَبِ وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ وَهُوَ لَقَبُ مَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ وحَكَى الْمُطَرِّزِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ تَشْدِيدَ الْجِيمِ وَخَطَّأَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ بِوَزْنِ أَرْبَعَةُ وَهُوَ مِمَّنْ آمَنَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَرَهُ وَكَانَ رِدْءًا لِلْمُسْلِمِينَ الْمُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ مُبَالِغًا فِي الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ (فَكَبَّرَ أَرْبَعًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ عَلَى الْجِنَازَةِ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ وَعَلَيْهِ عمل الأكثر قوله (وفي الباب عن بن عباس وبن أَبِي أَوْفَى وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَيَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ) أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ عَنْهُ قَالَ آخِرُ مَا كَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجَنَائِزِ أَرْبَعًا وَكَبَّرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعًا وَكَبَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى عُمَرَ أَرْبَعًا وَكَبَّرَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى عَلِيٍّ أَرْبَعًا وَكَبَّرَ الْحُسَيْنُ عَلَى الْحَسَنِ أَرْبَعًا وَكَبَّرَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَى آدَمَ أَرْبَعًا وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مُخْتَصَرًا وهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وأما حديث بن أَبِي أَوْفَى فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي أوفى أنه مات له بن فَكَبَّرَ أَرْبَعًا وَقَامَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَدْرَ مَا بَيْنَ التَّكْبِيرَتَيْنِ يَدْعُو ثُمَّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ هَكَذَا وَرَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الشَّافِعِيُّ فِي الْغَيْلَانِيَّاتِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَزَادَ ثُمَّ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ لَا أَزِيدُ عَلَى مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَكَتَ عَنْهُ وأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى أَصْحَمَةَ النَّجَاشِيِّ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَعَلَى بَنِي هَاشِمٍ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَكَانَ آخِرُ صَلَاتِهِ أَرْبَعًا حَتَّى خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا قَالَ وإسحاق واهي وَقَدْ رُوِيَ آخِرَ صَلَاتِهِ كَبَّرَ أَرْبَعًا مِنْ عِدَّةِ رِوَايَاتٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَنَسِ حَدِيثًا طَوِيلًا وفِيهِ فَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ لَمْ يُطِلْ وَلَمْ يُسْرِعْ وَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا حديث يزيد بن ثابت فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وفِيهِ ثُمَّ أَتَى الْقَبْرَ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ

قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وقَدْ اسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ فَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ يُكَبِّرُ خَمْسًا وَرَفَعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وروى بن المنذر عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةِ رَجُلِ مِنْ بني أسد فكبر خمسا وروى بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سِتًّا وَعَلَى الصَّحَابَةِ خَمْسًا وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ أَرْبَعًا وَرَوَى أَيْضًا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ بن عباس على جنازة فكبر ثلاثا قال بن الْمُنْذِرِ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ أَرْبَعٌ وفِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ فَذَكَرَ مَا تَقَدَّمَ قَالَ وَالَّذِي نَخْتَارُ مَا ثَبَتَ عَنْ عُمَرَ ثُمَّ سَاقَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ كَانَ التَّكْبِيرُ أَرْبَعًا وَخَمْسًا فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى أَرْبَعٍ ورَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ إِلَى أَبِي وَائِلٍ قَالَ كَانُوا يُكَبِّرُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعًا وَسِتًّا وَخَمْسًا وَأَرْبَعًا فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى أَرْبَعٍ كَأَطْوَلِ الصَّلَاةِ انْتَهَى [1023] قَوْلُهُ (فَإِنَّهُ يَتْبَعُ الْإِمَامَ) أَيْ الْمُقْتَدِي يَتْبَعُ الْإِمَامَ قَالَ الْعَيْنِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا كَبَّرَ خَمْسًا تَابَعَهُ الْمَأْمُومُ وَلَا يُتَابِعُهُ فِي زِيَادَةٍ عَلَيْهَا وَرَوَاهُ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ ورَوَى حَرْبٌ عَنْ أَحْمَدَ إِذَا كَبَّرَ خَمْسًا لَا يُكَبِّرُ مَعَهُ وَلَا يُسَلِّمُ إِلَّا مَعَ الْإِمَامِ ومِمَّنْ لَا يَرَى مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِي زِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعٍ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حنيفة والشافعي واختاره بن عقيل كذا ذكره العيني نقلا عن بن قُدَامَةَ قُلْتُ الرَّاجِحُ عِنْدِي أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا كَبَّرَ خَمْسًا تَابَعَهُ الْمَأْمُومُ

باب ما يقول في الصلاة على الميت

7 - (بَاب مَا يَقُولُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ) [1024] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبُو ابْرَاهِيمَ الْأَشْهَلِيُّ) مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قِيلَ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ وَلَا يَصِحُّ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ قوله (صغيرنا وكبيرنا) ها هنا إِشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّ الصَّغِيرَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لَا ذَنْبَ لَهُ فَمَا مَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ لَهُ وَذَكَرُوا فِي دَفْعِهِ وُجُوهًا فَقِيلَ الِاسْتِغْفَارُ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الشَّابُّ وَالشَّيْخُ وقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ عَنِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَعْنَى الِاسْتِغْفَارِ لِلصِّبْيَانِ مَعَ أَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُمْ فَقَالَ مَعْنَاهُ السُّؤَالُ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مَا كَتَبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَنْ يَفْعَلَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ مِنَ الذُّنُوبِ حَتَّى إِذَا كَانَ فَعَلَهُ كَانَ مَغْفُورًا وَإِلَّا فَالصَّغِيرُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ (وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا الْمَقْصُودُ مِنَ الْقَرَائِنِ الْأَرْبَعِ الشُّمُولُ وَالِاسْتِيعَابُ كَأَنَّهُ قِيلَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ كُلِّهِمْ أَجْمَعِينَ (قَالَ يَحْيَى) أَيْ بن أَبِي كَثِيرٍ (فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ) أَيْ الِاسْتِسْلَامِ وَالِانْقِيَادِ لِلْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي (فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ) أَيْ التصديق القلبي إذا لَا نَافِعَ حِينَئِذٍ غَيْرُهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تُضِلَّنَا بَعْدَهُ وَوَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَلَفْظُ فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ هُوَ الثَّابِتُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِيمَانِ وَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوف وَعَائِشَةَ وَأَبِي قَتَادَةَ وَجَابِرٍ وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ

أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي قَتَادَةَ وَجَابِرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وأَمَّا حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ وَالِدِ أَبِي ابْرَاهِيمَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هريرة (وروى هشام الدستوائي الخ) قال بن أَبِي حَاتِمٍ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ الْحُفَّاظُ لَا يَذْكُرُونَ أَبَا هُرَيْرَةَ إِنَّمَا يَقُولُونَ أَبُو سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا لَا يُوصِلُهُ بِذِكْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا غَيْرُ مُتْقِنٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَرَوَى عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ إِلَخْ قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ فَرَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ وَأَعَلَّهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ (وَحَدِيثُ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَعِكْرِمَةُ رُبَّمَا يَهِمُ فِي حَدِيثِ يَحْيَى) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْعِجْلِيُّ أَبُو عَمَّارٍ الْيَمَامِيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ صَدُوقٌ يَغْلَطُ وفِي رِوَايَتِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ اضْطِرَابٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ (وَرَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَقَدْ تَوَهَّمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ أَبَا ابْرَاهِيمَ الْمَذْكُورَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ غَلَطٌ أَبُو ابْرَاهِيمَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَأَبُو قَتَادَةَ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ قاله الحافظ في التلخيص نقلا عن بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ

[1025] قَوْلُهُ (فَفَهِمْتُ مِنْ صَلَاتِهِ) وفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ يَقُولُ (وَاغْسِلْهُ بِالْبَرَدِ) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ حَبُّ الْغَمَامِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ رَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ هَكَذَا مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَلَفْظُهُ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِنَازَةٍ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْجَهْرِ بِالدُّعَاءِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ إِنْ صَلَّى عَلَيْهَا بِالنَّهَارِ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ وَإِنْ صَلَّى بِاللَّيْلِ فَفِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ يُسِرُّ وَالثَّانِي يَجْهَرُ وأَمَّا الدُّعَاءُ فَيُسِرُّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَحِينَئِذٍ يَتَأَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ حَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ أَيْ عَلَّمَنِيهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَحَفِظْتُهُ انْتَهَى قُلْتُ وَيَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى سَمِعْتُ وقَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَهَذَا يَعْنِي قَوْلَهُ حَفِظْتُ لَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ فِي الْفِقْهِ مِنْ نَدْبِ الْإِسْرَارِ لِأَنَّ الْجَهْرَ هُنَا لِلتَّعْلِيمِ لَا غَيْرُ انْتَهَى وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا قَوْلُهُ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ بِالدُّعَاءِ وَهُوَ خِلَافُ مَا صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ اسْتِحْبَابِ الْإِسْرَارِ بِالدُّعَاءِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ جَهْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدُّعَاءِ لِقَصْدِ تَعْلِيمِهِمْ وأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ مَا أَبَاحَ لَنَا فِي دُعَاءِ الْجِنَازَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ وَفَسَّرَ أَبَاحَ بِمَعْنَى قَدَّرَ قَالَ الْحَافِظُ وَالَّذِي وَقَفْتُ عَلَيْهِ بَاحَ بِمَعْنَى جَهَرَ والظَّاهِرُ أَنَّ الْجَهْرَ وَالْإِسْرَارَ بِالدُّعَاءِ جَائِزَانِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ هَذَا الْحَدِيثُ) أَيْ حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ أحاديث منها ذكره الترمذي ومنها حديث وائلة بن الأصقع أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بن أبي أوفى أخرجه أحمد وبن ماجه قال الحافظ بن حَجَرٍ وَاخْتِلَافُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ يَدْعُو لِمَيِّتِهِ بِدُعَاءٍ وَلِآخَرَ بِآخَرَ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ إِذَا كَانَ الْمُصَلَّى عَلَيْهِ طِفْلًا

باب ما جاء في القراءة على الجنازة بفاتحة الكتاب

اسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ الْمُصَلِّي اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا سَلَفًا وَفَرَطًا وَأَجْرًا رَوَى ذَلِكَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ورَوَى مِثْلَهُ سُفْيَانُ فِي جَامِعِهِ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَدْعُو بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَا يُحَوِّلُ الضَّمَائِرَ الْمُذَكَّرَةِ إِلَى صِيغَةِ التَّأْنِيثِ إِذَا كَانَتِ الْمَيِّتُ أُنْثَى لِأَنَّ مَرْجِعَهَا الْمَيِّتُ وَهُوَ يُقَالُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى انْتَهَى 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجَنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) [1026] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ) هُوَ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ قَالَ الْحَافِظُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ (قَرَأَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) أَيْ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وقَدْ أَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَبَّرَ عَلَى الْمَيِّتِ أَرْبَعًا وَقَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَلَفْظُ الْحَاكِمِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ عَلَى جَنَائِزِنَا أَرْبَعًا وَيَقْرَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وفِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يحيى فقد وثقه جماعة منهم الشافعي وبن الأصبحاني وبن عدي وبن عقدة وضعفه آخرون قاله بن الْقَيِّمِ فِي جَلَاءِ الْأَفْهَامِ وقَدْ صَرَّحَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ إِسْنَادَ حَدِيثِ جَابِرٍ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ) أخرجه بن مَاجَهْ عَنْهَا قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نَقْرَأَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ يَسِيرٌ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أُمِّ عَفِيفٍ النَّهْدِيَّةِ قَالَتْ أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى مَيِّتِنَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ كَذَا في عمدة القارىء وعَنْ أَبِي أُسَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يُكَبِّرَ ثُمَّ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ وَلَا يَقْرَأَ إِلَّا فِي الْأُولَى أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ انْتَهَى قُلْتُ رَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حدثنا الليث عن بن شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الأولى بأم القرآن مخافتة ثم تكبر ثَلَاثًا وَالتَّسْلِيمُ عِنْدِ

الْآخِرَةِ وقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ إِنَّ إِسْنَادَهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ (إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ هُوَ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بكنيته متروك الحديث قوله (والصحيح عن بن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ مِنَ السُّنَّةِ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ هَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ يَعْنِي مِنَ التِّرْمِذِيِّ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ (أَيْ بَيْنَ قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مِنَ السُّنَّةِ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْفَرْقَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الصَّرَاحَةِ وَالِاحْتِمَالِ انْتَهَى) [1027] قَوْلُهُ (أَنَّ بن عَبَّاسٍ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ إِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ أَوْ مِنْ تَمَامِ السُّنَّةِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ جَهَرَ حَتَّى أَسْمَعَنَا فَلَمَّا فَرَغَ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَسَأَلْتُهُ فقال سنة وحق وللحاكم من طريق بن عَجْلَانَ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ سَعِيدٍ يَقُول صلى بن عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَجَهَرَ بِالْحَمْدِ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا جَهَرْتُ لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ والنسائي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَقَوْلُهُمْ هُوَ الْحَقُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ إِلَخْ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ محمد في موطإه لَا قِرَاءَةَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا

إِذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ رواه أبو داود وبن مَاجَهْ قُلْتُ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ ادْعُوا لَهُ بِالْإِخْلَاصِ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجِنَازَةِ كَيْفَ وَقَدْ رَوَى الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُخْلِصُ الدُّعَاءَ لِلْمَيِّتِ حَتَّى يَفْرَغَ وَلَا يَقْرَأَ إِلَّا مَرَّةً ثُمَّ يُسَلِّمَ وَأَخْرَجَهُ بن الْجَارُودِ فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ مُخَرَّجٌ لَهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَإِخْلَاصُ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ وَكَذَا وَقَعَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَإِخْلَاصِ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ واسْتَدَلَّ الطَّحَاوِيُّ عَلَى تَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى بِتَرْكِهَا فِي بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ وَتَرْكِ التَّشَهُّدِ قُلْتُ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ أَيْضًا لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَلَعَلَّ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الدُّعَاءِ لَا عَلَى وَجْهِ التِّلَاوَةِ قُلْتُ هَذَا ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَهُوَ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ قَدْ صَنَّفَ حَسَنٌ الشُّرُنْبُلَالِيُّ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ رِسَالَةً سَمَّاهَا بِالنَّظْمِ الْمُسْتَطَابِ بِحُكْمِ الْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَرَدَّ فِيهَا عَلَى مَنْ ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ بِدَلَائِلَ شَافِيَةٍ وَهَذَا هُوَ الْأَوْلَى لِثُبُوتِ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ فَائِدَةٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وتمسكوا بقول بن عَبَّاسٍ لَمْ أَقْرَأْ أَيْ جَهْرًا إِلَّا لِتَعْلَمُوا أَنَّهُ سُنَّةٌ وَبِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ سِرًّا فِي نَفْسِهِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُخَافَتَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ آنِفًا وَأَمَّا لَفْظُ سِرًّا فِي نَفْسِهِ فَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَأَخْرَجَ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يُكَبِّرَ الْإِمَامُ ثُمَّ يَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى سِرًّا فِي نَفْسِهِ الْحَدِيثَ وأما قول بن عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ طريق شرحبيل بن سعد عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ بِالْأَبْوَاءِ فَكَبَّرَ ثُمَّ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ رَافِعًا صَوْتَهُ ثُمَّ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ اللهم عبدك وبن

باب كيف الصلاة على الميت والشفاعة له

عَبْدِك الْحَدِيثَ وفِي آخِرِهِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي لَمْ أَقْرَأْ عَلَيْهَا أَيْ جَهْرًا إِلَّا لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَشُرَحْبِيلٌ مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِ انتهى وأخرج بن الْجَارُودِ فِي الْمُنْتَقَى مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ طلحة التيمي قال سمعت بن عَبَّاسٍ قَرَأَ عَلَى جِنَازَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ وَقَالَ إِنَّمَا جَهَرْتُ لِأُعْلِمَكُمْ أَنَّهَا سُنَّةٌ وأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ بْنِ عبد الله قال صليت خلف بن عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ فَجَهَرَ حَتَّى سَمِعْتُ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ رِوَايَةُ الْحَاكِمِ بِلَفْظِ إِنَّمَا جَهَرْتُ لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِيهَا وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حديث بن عَبَّاسٍ فَقَدْ وَقَعَ فِيهِ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَجَهَرَ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ سُنَّةٌ وَحَقٌّ وقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ يَجْهَرُ بِاللَّيْلِ كالليلية انتهى كلام الشوكاني قلت قول بن عَبَّاسٍ إِنَّمَا جَهَرْتُ لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَهْرَهُ كَانَ لِلتَّعْلِيمِ وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ يَجْهَرُ بِاللَّيْلِ كَاللَّيْلِيَّةِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى رِوَايَةٍ تَدُلُّ عَلَى هَذَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَائِدَةٌ أُخْرَى قَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ الَّتِي ذَكَرْتُهَا آنِفًا فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ قِرَاءَةُ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ قِرَاءَةِ سُورَةٍ مَعَ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلَا مَحِيصَ عَنِ الْمَصِيرِ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ خَارِجَةٌ عَنْ مَخْرَجٍ صَحِيحٍ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذكر أثر بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى الْجِنَازَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالَ إِنَّهَا سُنَّةٌ مَا لَفْظُهُ وَرَوَاهُ أَبُو يعلى في مسنده من حديث بن عَبَّاسٍ وَزَادَ وَسُورَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ذِكْرُ السُّورَةِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ انْتَهَى 9 - (باب كيف الصلاة على الميت والشفاعة له) [1028] قوله (عن مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ الْمَفْتُوحَةِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا نُونٌ ثِقَةٌ فَقِيهٌ قَوْلُهُ (كَانَ مَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ) بِالتَّصْغِيرِ السُّكُونِيُّ الْكِنْدِيُّ صَحَابِيٌّ نَزَلَ حِمْصَ وَمِصْرَ مَاتَ فِي أَيَّامِ مَرْوَانَ وَكَانَ أَمِيرًا لِمُعَاوِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْجُيُوشِ

وَغَزْوِ الرُّومِ (فَتَقَالَّ النَّاسَ عَلَيْهَا) تَفَاعَلَ مِنَ الْقِلَّةِ أَيْ رَآهُمْ قَلِيلًا (جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ) مِنَ التَّجْزِئَةِ أَيْ فَرَّقَهُمْ وَجَعَلَ الْقَوْمَ الَّذِينَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونُوا صَفًّا وَاحِدًا ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ قَسَمَهُمْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ أَيْ شُيُوخًا وَكُهُولًا وَشَبَابًا أَوْ فُضَلَاءَ وَطَلَبَةَ الْعِلْمِ وَالْعَامَّةَ انْتَهَى قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْقَوْلِ هَذَا بَعِيدٌ جِدًّا انْتَهَى قُلْتُ لَا شَكَّ فِي بُعْدِهِ بَلِ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ جَعْلُهُمْ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ (ثُمَّ قَالَ) أَيْ اسْتِدْلَالًا لِفِعْلِهِ (مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ) وَأَقَلُّ الصَّفِّ أَنْ يَكُونَ اثنين على الأصح قاله القارىء قُلْتُ وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ (فَقَدْ أَوْجَبَ) فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ غُفِرَ لَهُ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي فَمَعْنَى أَوْجَبَ أَيْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَوْ أَوْجَبَ مَغْفِرَتَهُ وَعْدًا مِنْهُ وَفَضْلًا قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ (وَأُمِّ حَبِيبَةَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهَا (وأبي هريرة) أخرجه بن مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مِائَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غُفِرَ لَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَمَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَهِيَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ أَخْبَرَنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ النَّاسِ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ فَسَأَلْتُ أَبَا الْمَلِيحِ عَنِ الْأُمَّةِ قَالَ أَرْبَعُونَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وأخرجه بن ماجه

[1029] قَوْلُهُ (رَضِيعٍ كَانَ لِعَائِشَةَ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ رَضِيعُ عَائِشَةَ بَصْرِيٌّ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ مِنَ الثَّالِثَةِ قُلْتُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَضِيعُكَ أَخُوكَ مِنَ الرَّضَاعَةِ قَوْلُهُ (فَتُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ) أَيْ جَمَاعَةٌ (فَيَشْفَعُوا لَهُ) مِنَ الْمُجَرَّدِ أَيْ دَعَوْا لَهُ (إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ) مِنَ التَّفْعِيلِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْ قُبِلَتْ شَفَاعَتُهُمْ (فِيهِ) فِي حَقِّهِ وَرَوَى مُسْلِمٌ عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ وفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ اسْتِحْبَابُ تَكْثِيرِ جَمَاعَةِ الْجِنَازَةِ وَيُطْلَبُ بُلُوغُهُمْ إِلَى هَذَا الْعَدَدِ الَّذِي يَكُونُ مِنْ مُوجِبَاتِ الْفَوْزِ وقَدْ قُيِّدَ ذَلِكَ بِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونُوا شَافِعِينَ فِيهِ أَيْ مُخْلِصِينَ لَهُ الدُّعَاءَ سَائِلِينَ لَهُ الْمَغْفِرَةَ الثَّانِي أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا كما في حديث بن عَبَّاسٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ خَرَجَتْ أَجْوِبَةً لِسَائِلِينَ سَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ كُلَّ وَاحِدٍ عَنْ سُؤَالِهِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بِقَبُولِ شَفَاعَةِ مِائَةٍ فَأَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ بِقَبُولِ شَفَاعَةِ أَرْبَعِينَ ثُمَّ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ وَإِنْ قَلَّ عَدَدُهُمْ فَأَخْبَرَ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ هَذَا مَفْهُومُ عَدَدٍ وَلَا يَحْتَجُّ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأُصُولِيِّينَ فَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْإِخْبَارِ عَنْ قَبُولِ شَفَاعَةِ مِائَةٍ مَنْعُ قَبُولِ مَا دُونَ ذَلِكَ وَكَذَا فِي الْأَرْبَعِينَ مَعَ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ وَحِينَئِذٍ كُلُّ الْأَحَادِيثِ مَعْمُولٌ بِهَا وَيَحْصُلُ الشَّفَاعَةُ بِأَقَلِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةِ صُفُوفٍ وَأَرْبَعِينَ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ لَا تَضَادَّ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لِأَنَّ السَّبِيلَ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْمَقَامِ أَنْ يَكُونَ الْأَقَلُّ مِنَ الْعَدَدَيْنِ مُتَأَخِّرًا عَنِ الْأَكْثَرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا وَعَدَ الْمَغْفِرَةَ لِمَعْنًى لَمْ يَكُنْ مِنْ سُنَّتِهِ النُّقْصَانُ مِنَ الْفَضْلِ الْمَوْعُودِ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ يَزِيدُ تَفَضُّلًا فَيَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ فَضْلِ اللَّهِ وَكَرَمِهِ عَلَى عِبَادِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَقَدْ أَوْقَفَهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَرْفَعْهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَوَاهُ سَعِيدُ بن منصور موقوفاعلى عَائِشَةَ فَأَشَارَ إِلَى تَعْلِيلِهِ بِذَلِكَ وَلَيْسَ مُعَلَّلًا لِأَنَّ مَنْ رَفَعَهُ ثِقَةٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ انتهى

باب ما جاء في كراهية الصلاة على الجنازة عند طلوع

40 - (باب ما جاء في كراهية الصلاة على الْجَنَازَةِ عِنْدَ طُلُوعِ) الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا [1030] قَوْلُهُ (ثَلَاثُ سَاعَاتٍ) أَيْ أَوْقَاتٍ (أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ) هو بإطلاقه يشمل صلاة الجنازة لأنها صَلَاةٌ (أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا) مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْ نَدْفِنَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا يُقَالُ قَبَرْتُهُ إِذَا دَفَنْتُهُ وَأَقْبَرْتُهُ إِذَا جَعَلْتُ لَهُ قَبْرًا يُوَارَى فِيهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَأَقْبَرَهُ) كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وقَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ انْتَهَى (حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً) أَيْ طَالِعَةً ظَاهِرَةً حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ (وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ الظَّهِيرَةُ حَالُ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ وَمَعْنَاهُ حِينَ لَا يَبْقَى لِلْقَائِمِ فِي الظَّهِيرَةِ ظِلٌّ فِي الْمَشْرِقِ وَلَا فِي المغرب انتهى وقال بن حَجَرٍ الظَّهِيرَةُ هِيَ نِصْفُ النَّهَارِ وَقَائِمُهَا إِمَّا الظِّلُّ وَقِيَامُهُ وُقُوفُهُ مِنْ قَامَتْ بِهِ دَابَّتُهُ وقفت والمراد بوقوفه بطوء حركته الناشئ من بطوء حَرَكَةِ الشَّمْسِ حِينَئِذٍ بِاعْتِبَارِ مَا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ بَادِيَ الرَّأْيِ وَإِلَّا فَهِيَ سَائِرَةٌ عَلَى حَالِهَا وَأَمَّا الْقَائِمُ فِيهَا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَمِيلُ لَهُ ظِلٌّ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَلَا إِلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَذَلِكَ كُلُّهُ كِنَايَةٌ عَنْ وَقْتِ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ (حَتَّى تَمِيلَ) أَيْ الشَّمْسُ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَتَزُولَ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ إِلَى الْجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَمَيْلُهَا هذا هو الزوال قال بن حَجَرٍ وَوَقْتُ الِاسْتِوَاءِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَ وَقْتًا ضَيِّقًا لَا يَسَعُ صَلَاةً إِلَّا أَنَّهُ يَسَعُ التَّحْرِيمَةَ فَيَحْرُمُ تَعَمُّدُ التَّحْرِيمَةِ فِيهِ (وَحِينَ تَضَيَّفُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ تَمِيلُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وأَصْلُ الضَّيْفِ الْمَيْلُ سُمِّيَ الضَّيْفَ لِمَيْلِهِ إِلَى مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن ماجه

قوله (وقال بن الْمُبَارَكِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا يَعْنِي الصَّلَاةَ) أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ نَقْبُرَ الدَّفْنَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ بَلِ الْمُرَادُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ قُلْتُ قَدْ حَمَلَ التِّرْمِذِيُّ قَوْلَهُ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلِذَلِكَ بَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ مَا جَاءَ في كراهية الصلاة على الجنازة عند طلوع الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَنَقَلَ فِي تَأْيِيدِهِ قَوْلَ بن الْمُبَارَكِ وَحَمَلَهُ أَبُو دَاوُدَ عَلَى الدَّفْنِ الْحَقِيقِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْجَنَائِزِ وَبَوَّبَ عَلَيْهِ بَابَ الدَّفْنِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَدْ جَاءَ بِتَصْرِيحِ الصَّلَاةِ فِيهِ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بْنُ شَاهِينَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ حَدِيثِ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَلِيٍّ بِهِ قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن نصلي على موتانا عند ثلاث عند طلوع الشَّمْسِ إِلَى آخِرِهِ انْتَهَى مَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قُلْتُ لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَكَانَتْ قَاطِعَةً لِلنِّزَاعِ وَلَوَجَبَ حَمْلُ قَوْلِهِ أَوْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا عَلَى الصَّلَاةِ لَكِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ ضَعِيفَةٌ فَإِنَّ خَارِجَةَ بْنَ مُصْعَبٍ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ مَتْرُوكٌ وَكَانَ يُدَلِّسُ عَنِ الْكَذَّابِينَ وَيُقَالُ إِنَّ بن مَعِينٍ كَذَّبَهُ تَنْبِيهٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْقَبْرِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تُكْرَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِالْإِجْمَاعِ فَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ بِمَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ تَعَمُّدُ تَأْخِيرِ الدَّفْنِ إِلَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ كَمَا يُكْرَهُ تَعَمُّدِ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ إِلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ بِلَا عُذْرٍ وَهِيَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ فَأَمَّا إِذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِلَا تَعَمُّدٍ فَلَا يُكْرَهُ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ قَوْلُهُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَا تُكْرَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ كَمَا سَتَقِفُ عَلَى ذَلِكَ فِي بَيَانِ الْمَذَاهِبِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ والحنفية وهو قول بن عمر رضي الله تعالى عنهما روى أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قال كان بن عُمَرَ يَكْرَهُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَحِينَ تَغْرُبُ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الباري وإلى قول بن عُمَرَ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْكُوفِيونَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ انتهى قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَالْمَذْهَبُ عِنْدَنَا أَنَّ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةَ يَحْرُمُ فِيهَا الْفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ إِلَّا إِذَا حَضَرَتِ الْجِنَازَةُ أَوْ تُلِيَتْ آيَةُ السَّجْدَةِ حِينَئِذٍ فَإِنَّهُمَا لَا يُكْرَهَانِ لَكِنِ الْأَوْلَى تَأْخِيرُهُمَا إِلَى خُرُوجِ

باب ما جاء في الصلاة على الأطفال

الْأَوْقَاتِ انْتَهَى واسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَوْلُهُمْ هُوَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي يُكْرَهُ فِيهِنَّ الصَّلَاةُ) وَأُجِيبَ مِنْ جَانِبِهِ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الدَّفْنِ الْحَقِيقِيِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَنَهْيُهُ عَنِ الْقَبْرِ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ لَا يَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَهُوَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ الدَّفْنِ فِي تِلْكَ السَّاعَاتِ انْتَهَى كَذَا نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنِ الْبَيْهَقِيِّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ كَيْفَ لَا يَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ بِلَفْظِ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن نصلي على موتانا عند ثلاث عند طلوع الشمس إِلَخْ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهَا رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ فَإِنْ قِيلَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ صَلَاةٌ وَكُلُّ صَلَاةٍ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ فَكَيْفَ قَالَ الشَّافِعِيُّ لابأس أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ يُقَالُ لَيْسَ كُلُّ صَلَاةٍ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بَلِ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا إِنَّمَا هِيَ الصَّلَوَاتُ الَّتِي لَا سَبَبَ لَهَا وَأَمَّا ذَوَاتُ الْأَسْبَابِ مِنَ الصَّلَوَاتِ فَهِيَ جَائِزَةٌ عِنْدَهُ فِي هَذِهِ السَّاعَاتِ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْأَطْفَالِ) [1031] قَوْلُهُ (بِشْرُ بْنُ آدَمَ بن بِنْتِ أَزْهَرَ السَّمَّانُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِشْرُ بْنُ آدَمَ بْنِ يَزِيدَ الْبَصْرِيُّ أَبُو عَبْدِ الرحمن بن بِنْتِ أَزْهَرَ السَّمَّانُ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ انْتَهَى وقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ رَوَى عَنْ جده لأمه أزهر السمان وبن مهدي وزيد بن الحباب وعنه دت عس ق قَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وقَالَ النَّسَائِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ (عَنْ زِيَادِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ حَيَّةَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ) أَيْ يَمْشِي خَلْفَهَا (وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا) أَيْ يَمْشِي حَيْثُ أَرَادَ مِنَ الْجِنَازَةِ خَلْفَهَا أَوْ قُدَّامَهَا أَوْ يَمِينَهَا أَوْ شِمَالَهَا زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَرِيبًا مِنْهَا (وَالطِّفْلُ يُصَلَّى عَلَيْهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الطِّفْلُ بِالْكَسْرِ الصَّغِيرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَالْمَوْلُودُ وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ السِّقْطُ مُثَلَّثَةٌ الْوَلَدُ لِغَيْرِ تَمَامٍ انْتَهَى

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وصححه بن حِبَّانَ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ السِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ لَكِنْ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى الْمُغِيرَةِ وَقَالَ لَمْ يَرْفَعْهُ سُفْيَانُ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمَوْقُوفَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ والحديث أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ أَخْرَجَهُ بن عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ وَهُوَ متروك ومن حديث بن عباس أخرجه بن عدي أيضا من رواية شريك عن بن إسحاق عن عطاء عنه وقواه بن طَاهِرٍ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ قول الزهري تعليقا ووصله بن أبي شيبة وأخرج بن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخْتُرِيِّ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا صَلُّوا عَلَى أَطْفَالِكُمْ فَإِنَّهُمْ مِنْ أَفْرَاطِكُمْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (قَالُوا يُصَلَّى عَلَى الطِّفْلِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ بَعْدَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ خُلِقَ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى السقط فروي عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يستهل وبه قال بن سيرين وبن الْمُسَيَّبِ وقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ كُلُّ مَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ وَتَمَّتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ صُلِّيَ عَلَيْهِ وقَالَ إِسْحَاقُ إِنَّمَا الْمِيرَاثُ بِالِاسْتِهْلَالِ فَأَمَّا الصَّلَاةُ فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ نَسَمَةٌ تَامَّةٌ قَدْ كُتِبَ عَلَيْهَا الشَّقَاوَةُ وَالسَّعَادَةُ فَلِأَيِّ شَيْءٍ تُتْرَكُ الصَّلَاةُ عليه وروي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِذَا اسْتَهَلَّ وَرِثَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وعَنْ جَابِرٍ إِذَا اسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أحمد وإسحاق رجحه العلامة بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى حَيْثُ قَالَ وَإِنَّمَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إِذَا نُفِخَتْ فِيهِ الرُّوحُ وَهُوَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَمَّا إِنْ سَقَطَ لِدُونِهَا فَلَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَيِّتٍ إِذْ لَمْ يُنْفَخْ فيه روح وأصل ذلك حديث بن مَسْعُودٍ قَالَ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ يَكْتُبُ رِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَعَمَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ بن تَيْمِيَّةَ هَذَا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَنْ سَقَطَ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ

باب ما جاء في ترك الصلاة على الطفل حتى يستهل

يَسْتَهِلَّ وَظَاهِرُ حَدِيثِ الِاسْتِهْلَالِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ الِاسْتِهْلَالَ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْحَيَاةِ قَبْلَ خُرُوجِ السِّقْطِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهَا بَعْدَهُ فَاعْتِبَارُ الِاسْتِهْلَالِ مِنَ الشَّارِعِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الْبَطْنِ مُعْتَبَرَةٌ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الطِّفْلِ وَأَنَّهُ لَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِحَيَاتِهِ فِي الْبَطْنِ فَقَطْ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ترك الصلاة على الطفل حَتَّى يَسْتَهِلَّ) [1032] قَوْلُهُ (الطِّفْلُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ وَلَا يُورَثُ حَتَّى يَسْتَهِلَّ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ اسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ تَصْوِيتُهُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ انْتَهَى وَكَذَا فِي الْمَجْمَعِ وفِيهِ أَرَادَ الْعِلْمَ بِحَيَاتِهِ بِصِيَاحٍ أَوِ اخْتِلَاجٍ أَوْ نَفَسٍ أَوْ حركة أو عطاس انتهى وقال بن الْهُمَامِ الِاسْتِهْلَالُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ حَرَكَةِ عُضْوٍ أَوْ رَفْعِ صوت انتهى وقد أخرج البزار عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا اسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ الْعُطَاسُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ قَدْ اضْطَرَبَ النَّاسُ فِيهِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وفِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ الْمَكِّيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ أَيْ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ رَوَاهُ أَشْعَثُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا وَكَانَ الْمَوْقُوفُ أَصَحَّ وَبِهِ جَزَمَ النَّسَائِيُّ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مرفوعا ولا يصح ورواه بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أبي الزبير مرفوعا والربيع ضعيف ورواه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَوَهِمَ لِأَنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ عَنْعَنَ فَهُوَ عِلَّةُ هَذَا الْخَبَرِ إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا وَقَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ غَيْرَ الْمُغِيرَةِ وقد وقفه بن جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ أَبِي

باب ما جاء في الصلاة على الميت في المسجد

الزُّبَيْرِ مَرْفُوعًا انْتَهَى مَا فِي التَّلْخِيصِ (وَكَانَ هذا أصح من المرفوع) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَأَنْتَ سَمِعْتَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي تَعَارُضِ الْوَقْفِ وَالرَّفْعِ تَقْدِيمُ الرَّفْعِ لا الترجيح بالأحفظ والأكثر بعد جود أصل الضبط والعدالة انتهى كلام القارىء قُلْتُ هَذَا لَيْسَ بِمُجْمَعٍ عَلَيْهِ ثُمَّ قَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ مِنَ الْمَقَالِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ) وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ هُوَ الْحَقُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ) [1033] قَوْلُهُ (صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءِ فِي الْمَسْجِدِ) وفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَاللَّهِ لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ابْنَيْ بَيْضَاءَ فِي الْمَسْجِدِ سُهَيْلٍ وَأَخِيهِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ بَنُو الْبَيْضَاءِ ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ سَهْلٌ وَسُهَيْلٌ وَصَفْوَانُ وَأُمُّهُمْ البيضاء واسمها وعد وَالْبَيْضَاءُ وَصْفٌ وَأَبُوهُمْ وَهْبُ بْنُ رَبِيعَةَ الْقُرَشِيُّ الْفِهْرِيُّ وَكَانَ سُهَيْلٌ قَدِيمَ الْإِسْلَامِ هَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَكَّةَ ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَغَيْرَهَا تُوفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَة انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ

قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ قَالَ مَالِكٌ لَا يُصَلَّى على الميت في المسجد) وهو قول بن أَبِي ذِئْبٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَكُلِّ مَنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ الْمَيِّتِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَيَجِيءُ بَيَانُ مَا فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ واحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْعَمَلَ اسْتَقَرَّ عَلَى تَرْكِ ذَلِكَ لِأَنَّ الَّذِينَ أَنْكَرُوا ذَلِكَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كانوا من الصحابة قال الحافظ بن حَجَرٍ وَرُدَّ بِأَنَّ عَائِشَةَ لَمَّا أَنْكَرَتْ ذَلِكَ الْإِنْكَارَ سَلَّمُوا لَهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا حَفِظَتْ مَا نَسُوهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ) وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ بِالْمُصَلَّى كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَلِلْمُصَلَّى حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِيمَا يَنْبَغِي أَنْ يُجْتَنَبَ فِيهِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدْ رَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ أَنَّ عُمَرَ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّ صُهَيْبًا صَلَّى عَلَى عُمَرَ فِي الْمَسْجِدِ زَادَ فِي رِوَايَةٍ وَوُضِعَتِ الْجِنَازَةُ تُجَاهَ الْمِنْبَرِ وَهَذَا يَقْتَضِي الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ وَالْحَقُّ هُوَ الْجَوَازُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورُ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ تَفَرَّدَ بِهِ صَالِحُ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ الثَّانِي أَنَّ الَّذِي فِي النُّسَخِ الْمَشْهُورَةِ الْمُحَقَّقَةِ الْمَسْمُوعَةِ مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ حِينَئِذٍ فِيهِ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ وَثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ فَلَا شَيْءَ لَهُ لَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِيُجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَبَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ وَقَدْ جَاءَ لَهُ بِمَعْنَى عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وإن أسأتم فلها الرَّابِعُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَقْصِ الْأَجْرِ فِي حَقِّ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَرَجَعَ وَلَمْ يُشَيِّعْهَا إِلَى الْمَقْبَرَةِ لِمَا فَاتَهُ مِنْ تَشْيِيعِهِ إِلَى الْمَقْبَرَةِ وَحُضُورِ دَفْنِهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي دَاوُدَ حَسَنٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَالِحُ بْنُ نَبْهَانَ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ قَالَ بن عَدِيٍّ لَا بَأْسَ بِرِوَايَةِ الْقُدَمَاءِ عَنْهُ كَابْنِ أبي ذئب وبن جُرَيْجٍ انْتَهَى ورَوَى أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ من طريق بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ وقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَلَّى عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّ صُهَيْبًا صَلَّى عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى عُمَرَ وَلَا عَلَى صُهَيْبٍ فَوَقَعَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ على الميت

باب ما جاء أين يقوم الامام من الرجل والمرأة

فِي الْمَسْجِدِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَأْوِيلِ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّهُ حَسَنٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 4 - (بَاب مَا جَاءَ أَيْنَ يَقُومُ الْإِمَامُ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ) [1034] قَوْلُهُ (عَلَى جِنَازَةِ رَجُلٍ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ (فَقَامَ حِيَالَ رَأْسِهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ حِذَاءَهُ وَمُقَابِلَهُ (بِجِنَازَةِ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ) وفِي رواية أبي داود المرأة الأنصارية قال القارىء فَالْقَضِيَّةُ إِمَّا مُتَعَدِّدَةٌ وَإِمَّا مُتَّحِدَةٌ فَتَكُون الْمَرْأَةُ قُرَشِيَّةً أَنْصَارِيَّةً انْتَهَى (فَقَالُوا) أَيْ أَوْلِيَاؤُهَا (يَا أَبَا حَمْزَةَ) كُنْيَةُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَقَامَ حِيَالَ وَسَطِ السَّرِيرِ) بِسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْوَسْطُ بِالسُّكُونِ يُقَالُ فِيمَا كَانَ مُتَفَرِّقَ الْأَجْزَاءِ كَالنَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمَا كَانَ مُتَّصِلَ الْأَجْزَاءِ كَالدَّارِ وَالرَّأْسِ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَقِيلَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقَعُ مَوْقِعَ الْآخَرِ وَكَأَنَّهُ أَشْبَهَ وقَالَ صَاحِب الْمُغْرِبِ الْوَسَطُ بِالْفَتْحِ كَالْمَرْكَزِ لِلدَّائِرَةِ وَبِالسُّكُونِ دَاخِلُ الدَّائِرَةِ وَقِيلَ مَا يَصْلُحُ فِيهِ بَيْنَ فَبِالْفَتْحِ وَمَا لَا فَبِالسُّكُونِ انْتَهَى ووَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَقَامَ عِنْدَ عَجِيزَتِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْعَجِيزَةُ الْعَجُزُ وَهِيَ لِلْمَرْأَةِ خَاصَّةً وَالْعَجُزُ مُؤَخَّرُ الشَّيْءِ (هَكَذَا رَأَيْتُ) بِحَذْفِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ (قَامَ عَلَى الْجِنَازَةِ) أَيْ مِنَ الْمَرْأَةِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ سُمْرَةَ) رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَالْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ

قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفُوا فِي اسْمِ أَبِي غَالِبٍ هَذَا إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو غَالِبٍ الْبَاهِلِيُّ مَوْلَاهُمْ الْخَيَّاطُ اسْمُهُ نَافِعٌ أَوْ رَافِعٌ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا) أَيْ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَقُومُ حِذَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَحِذَاءَ عَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ الْحَقُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقُومُ مِنَ الرَّجُلِ بِحِذَاءِ رَأْسِهِ وَمِنَ الْمَرْأَةِ بِحِذَاءِ وَسَطِهَا لِأَنَّ أَنَسًا فَعَلَ كَذَلِكَ وَقَالَ هُوَ السُّنَّةُ انْتَهَى ورَجَّحَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا عَلَى قَوْلِهِ الْمَشْهُورِ حَيْثُ قَالَ فِي شَرْحِ الْآثَارِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَحَبُّ إِلَيْنَا لِمَا قَدْ شَدَّهُ الْآثَارُ الَّتِي رُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ يَقُومُ بِحِذَاءِ صَدْرِ الْمَيِّتِ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمَشْهُورُ وقَالَ مَالِكٌ يَقُومُ حِذَاءَ الرَّأْسِ مِنْهُمَا وَنُقِلَ عَنْهُ أَنْ يَقُومَ عِنْدَ وَسَطِ الرَّجُلِ وَعِنْدَ مَنْكِبَيِ الْمَرْأَةِ وقَالَ بَعْضُهُمْ حِذَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَثَدْيِ الْمَرْأَةِ وَاسْتَدَلَّ بِفِعْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ صَدْرَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنِ السُّرَّةِ مِنَ الرَّجُلِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْأَدِلَّةَ دَلَّتْ عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَنَّ مَا عَدَاهُ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ مِنَ الْمَرْفُوعِ إِلَّا مُجَرَّدُ الْخَطَأِ فِي الِاسْتِدْلَالِ أَوْ التَّعْوِيلِ عَلَى مَحْضِ الرَّأْيِ أَوْ تَرْجِيحِ مَا فَعَلَهُ الصَّحَابِيُّ عَلَى مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا جَاءَ نَهْرُ اللَّهِ بَطَلَ نَهْرُ مَعْقِلٍ نَعَمْ لَا يَنْتَهِضُ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ دَلِيلًا لِلْوُجُوبِ وَلَكِنَّ النِّزَاعَ فِيمَا هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَحْسَنُ وَلَا أَوْلَى وَلَا أَحْسَنَ مِنَ الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي فَعَلَهَا الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ [1035] قَوْلُهُ (فَقَامَ وَسَطَهَا) الْمُرَادُ بِوَسَطِهَا عَجِيزَتُهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي داود وأما قول الشيخ بن الْهُمَامِ هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ الصَّدْرَ بَلِ الصَّدْرُ وَسَطٌ بِاعْتِبَارِ تَوَسُّطِ الْأَعْضَاءِ إِذْ فَوْقَهُ يَدَاهُ وَرَأْسُهُ وَتَحْتَهُ بَطْنُهُ وَفَخِذَاهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ وَقَفَ كَمَا قُلْنَا إِلَّا أَنَّهُ مآلٌ إِلَى الْعَوْرَةِ فِي حَقِّهَا فَظَنَّ الرَّاوِي ذَلِكَ

باب ما جاء في ترك الصلاة على الشهيد

لتقارب المحلين فمما لا التفات إليه بعد ما ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ حِذَاءَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَحِذَاءَ عَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ) الْمُرَادُ بِالشَّهِيدِ قَتِيلُ الْمَعْرَكَةِ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ فَفِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ اخْتِلَافٌ مَشْهُورٌ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ [1036] قَوْلُهُ (كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) أَيْ لِلضَّرُورَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَلَاقِي بَشَرَتِهِمَا إِذْ يُمْكِنُ حَيْلُولَتِهِمَا بِنَحْوِ إِذْخِرٍ مَعَ احْتِمَالِ أَنَّ الثَّوْبَ كَانَ طَوِيلًا فَأُدْرِجَا فِيهِ وَلَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ (أَيُّهُمَا أَكْثَرُ حِفْظًا لِلْقُرْآنِ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ (قَدَّمَهُ) أَيْ ذَلِكَ الْأَحَدَ (فِي اللَّحْدِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ أَيْ الشَّقِّ فِي عَرْضِ القبر جانب القبلة (فقال أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ أَنَا شَفِيعٌ لَهُمْ وَأَشْهَدُ أَنَّهُمْ بَذَلُوا أَرْوَاحَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ انْتَهَى وأَشَارَ إِلَى أَنَّ عَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ قَالَ الطِّيبِيُّ تَعْدِيَتُهُ بِعَلَى تَدْفَعُ هَذَا الْمَعْنَى وَيُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالتَّضْمِينِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَاللَّهُ على كل شيء شهيد) انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ مُخْتَصَرًا (وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي هُوَ مَضْبُوطٌ فِي رِوَايَتِنَا بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ اللَّائِقُ بقوله بعد ذلك ولم يغسلوا وسيأتي بعد ما بَيَّنَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ اللَّيْثِ بِلَفْظِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ وَهَذِهِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْمَعْنَى وَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَلَا بِأَمْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ إِنَّ شُهَدَاءَ

أُحُدٍ لَمْ يُغَسَّلُوا وَدُفِنُوا بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أخرجه البخاري والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ وَأُسَامَةُ سَيِّئُ الْحِفْظِ وَقَدْ حَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ عن البخاري أن أسامة غلط في إسناد كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَرُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي صعير عَنِ النَّبِيِّ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ كُلُّهُمْ عن بن شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ لَهُ رِوَايَةٌ فَحَدِيثُهُ مِنْ حَيْثُ السَّمَاعُ مُرْسَلٌ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ فَزَادَ فِيهِ جَابِرًا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ عَنْ شَيْخَيْنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي والْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَنْ شَيْخَيْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبَابِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ (وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ عَنْ جَابِرٍ) كَمَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ كَأَنَّهَا عِيَانٌ مِنْ وُجُوهٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِمْ وَكَبَّرَ عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةٍ لَا يَصِحُّ وَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ عَارَضَ بِذَلِكَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ أَنْ يَسْتَحِيَ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَقَدْ وَقَعَ فِي نَفْسِ الحديث أن ذلك كان بعد ثمان سِنِينَ يَعْنِي وَالْمُخَالِفُ يَقُولُ لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِذَا طَالَتِ الْمُدَّةُ قَالَ وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ حِينَ قَرُبَ أَجَلُهُ مُوَدِّعًا لَهُمْ بِذَلِكَ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى نَسْخِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ انْتَهَى قُلْتُ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قتلى أحد بعد ثمان سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ

يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى حَمْزَةَ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ) حَدِيثُ الصَّلَاةِ عَلَى حَمْزَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ فَقَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمْزَةَ حِينَ جَاءَ النَّاسُ مِنَ الْقِتَالِ فَقَالَ رَجُلٌ رَأَيْتُهُ عِنْدَ تِلْكَ الشُّجَيْرَاتِ فَلَمَّا رَآهُ وَرَأَى مَا مُثِّلَ بِهِ شَهِقَ وَبَكَى فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَرَمَى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ ثُمَّ جِيءَ بِحَمْزَةَ فَصَلَّى عَلَيْهِ الْحَدِيثَ وفِي إِسْنَادِهِ أَبُو حَمَّادٍ الْحَنَفِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَمْزَةَ وَقَدْ مُثِّلَ بِهِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الشُّهَدَاءِ غَيْرَهُ وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِأَنَّهُ غَلِطَ فِيهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَرَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَرَجَّحُوا رِوَايَةَ اللَّيْثِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ جَابِرٍ وأخرج بن إسحاق عن بن عَبَّاسٍ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَمْزَةَ فَسُجِّيَ بِبُرْدَةٍ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ وَكَبَّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ أُتِيَ بِالْقَتْلَى فَيُوضَعُونَ إِلَى حَمْزَةَ فَيُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ مَعَهُمْ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَلَاةً وفِي إسناده رجل مبهم لأن بن إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مقسم مولى بن عباس عن بن عَبَّاسٍ قَالَ السُّهَيْلِيُّ إِنْ كَانَ الَّذِي أَبْهَمَهُ بن إِسْحَاقَ هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِلَّا فَهُوَ مَجْهُولٌ لَا حُجَّةَ فِيهِ قَالَ الْحَافِظُ الْحَامِلُ لِلسُّهَيْلِيِّ عَلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ عَنْ شُعْبَةَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ حَدَّثَهُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ فَسَأَلْتُ الْحَكَمَ فَقَالَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَكِنَّ حديث بن عباس روى من طريق أُخْرَى فَذَكَرَهَا واعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ وَعَلَى حَمْزَةَ أَحَادِيثُ أُخْرَى لَكِنْ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا عَنْ كَلَامٍ قَالَ بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى وَقَدْ رُوِيَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ يَعْنِي عَلَى شُهَدَاءَ أُحُدٍ بِأَسَانِيدَ لَا تَثْبُتُ انْتَهَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى شُهَدَاءِ بَدْرٍ وَلَا أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ فِي شُهَدَاءِ سَائِرِ الْمَشَاهِدِ النَّبَوِيَّةِ إِلَّا مَا رَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ الْحَدِيثَ وفِيهِ وَلَكِنِّي اتَّبَعَتْكَ عَلَى أن أرمي إلى ها هنا وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ بِسَهْمٍ فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَقَالَ إِنْ تَصْدُقْ اللَّهَ يَصْدُقْكَ فَلَبِثُوا قَلِيلًا ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْمَلُ قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهُوَ هُوَ قَالُوا نَعَمْ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ فَصَدَقَهُ ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ فَكَانَ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ صَلَاتِهِ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهَاجِرًا فِي سَبِيلِكَ فَقُتِلَ شَهِيدًا أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ وَمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي سَلَامٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَغَرْنَا عَلَى حَيٍّ مِنْ جُهَيْنَةَ فَطَلَب رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَضَرَبَهُ فَأَخْطَأَهُ وَأَصَابَ

نَفْسَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخُوكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ فَابْتَدَرَهُ النَّاسُ فَوَجَدُوهُ قَدْ مَاتَ فَلَفَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثِيَابِهِ وَدِمَائِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَشَهِيدٌ هُوَ قَالَ نَعَمْ وَأَنَا لَهُ شَهِيدٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وفِي إِسْنَادِهِ سَلَامُ بْنُ أَبِي سَلَامٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وقَالَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ عَنْ سَلَامٍ الْمَذْكُورِ إِنَّمَا هُوَ عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَامٍ عَنْ جَدِّهِ أَبِي سَلَامٍ انْتَهَى وَزَيْدٌ ثِقَةٌ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ أَيْضًا لِمَنْ قَالَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَلَامٍ فَلَمْ أَقِفْ لِلْمَانِعِينَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى جَوَابٍ عَلَيْهِ وَهُوَ مِنْ أَدِلَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِأَنَّهُ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمَّاهُ شَهِيدًا وَصَلَّى عَلَيْهِ نَعَمْ لَوْ كَانَ النَّفْيُ عَامًّا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْعَةِ أُحُدٍ وَلَمْ يَرِدْ فِي الْإِثْبَاتِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ لَكَانَ مُخْتَصًّا بِمَنْ قُتِلَ مِثْلَ صِفَتِهِ انْتَهَى وأَمَّا حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ فَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَدِلَّةِ الْمُثْبِتِينَ فَإِنَّهُ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَسَمَّاهُ شَهِيدًا وَصَلَّى عَلَيْهِ ولَكِنْ حَمَلَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ فِي الْمَعْرَكَةِ قُلْتُ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الشَّهِيدِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيَجُوزُ تَرْكُهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ ورَوَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَحْمَدَ الصَّلَاةُ عَلَى الشَّهِيدِ أَجْوَدُ وَإِنْ لَمْ يُصَلُّوا عَلَيْهِ أَجْزَأَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ واخْتَارَ الشَّوْكَانِيُّ الصَّلَاةَ عَلَى الشَّهِيدِ وَأَجَابَ عَنْ كَلَامِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ فَائِدَةٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدْ اخْتُلِفَ فِي الشَّهِيدِ الَّذِي وَقَعَ الْخِلَافُ فِي غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ هَلْ هُوَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ قُتِلَ فِي الْمَعْرَكَةِ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّهِيدِ قَتِيلُ الْمَعْرَكَةِ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ فِي الْمَعْرَكَةِ مَنْ جُرِحَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَعَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً وَخَرَجَ بِحَرْبِ الْكُفَّارِ مَنْ مَاتَ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ كَأَهْلِ الْبَغْيِ وَخَرَجَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ مَنْ يُسَمَّى شَهِيدًا بِسَبَبٍ غَيْرِ السَّبَبِ الْمَذْكُورِ ولَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْقُيُودَ شَهِيدٌ ورُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ مَنْ جُرِحَ فِي المعركة إن مات قبل الإرتثات فَشَهِيدٌ وَالِارْتِثَاثُ أَنْ يُحْمَلَ وَيَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يُوصِيَ أَوْ يَبْقَى فِي الْمَعْرَكَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً حَيًّا وذَهَبَتِ الْهَادَوِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ جُرِحَ فِي الْمَعْرَكَةِ يُقَالُ لَهُ شَهِيدٌ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الِارْتِثَاثِ وَأَمَّا مَنْ قُتِلَ مُدَافِعًا عَنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فِي الْمِصرِ ظُلْمًا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِنَّهُ شَهِيدٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّهُ وَإِنْ قِيلَ لَهُ شَهِيدٌ فَلَيْسَ مِنَ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ لَا يُغَسَّلُونَ وذَهَبَتِ العترة والحنفية والشافعي في قوله له إن قتيل البغاة شهيد قالوا إذا لَمْ يُغَسِّلْ عَلِيٌّ أَصْحَابَهُ وَهُوَ تَوْقِيفٌ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ

باب ما جاء في الصلاة على القبر

46 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ) [1037] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ) هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ (أَخْبَرَنَا الشَّعْبِيُّ) هُوَ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيُّ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَ أَدْرَكْتُ خَمْسَمِائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ (وَرَأَى قَبْرًا مُنْتَبِذًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ مُنْفَرِدًا عَنِ الْقُبُورِ بَعِيدًا عَنْهَا (فَصَفَّ أَصْحَابَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْقَبْرِ وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَمَّهُمْ وَصَلَّوْا خَلْفَهُ (فَقِيلَ لَهُ) أَيْ لِلشَّعْبِيِّ (مَنْ أخبرك) أي بهذا الحديث (فقال بن عباس) أي فقال الشعبي أخبرني بن عَبَّاسٍ وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قُلْتُ مَنْ حَدَّثَكَ هذا يا أبا عمرو قال بن عَبَّاسٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْقَائِلُ هُوَ الشَّيْبَانِيُّ وَالْمَقُولُ لَهُ هُوَ الشَّعْبِيُّ قَالَ وَسِيَاقُ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهِ فِي صَبِيحَةِ دَفْنِهِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ (وَبُرَيْدَةَ) أَخْرَجَهَا الْبَيْهَقِيُّ (وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ ص 623 (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم (وعامر بن ربيعة) أخرجه بن مَاجَهْ (وَأَبِي قَتَادَةَ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرِ الْبَرَاءِ وفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ شَهْرٍ كَذَا فِي النَّيْلِ (وسهل بن حنيف) أخرجه بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ التَّمْهِيدِ قَالَ الْإِمَامُ أحمد رويت الصلاة على القبر مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سِتَّةِ وجوه حسان قال بن عَبْدِ الْبَرِّ بَلْ مِنْ تِسْعَةٍ كُلُّهَا حِسَانٌ وَسَاقَهَا كُلَّهَا بِأَسَانِيدِهِ فِي تَمْهِيدِهِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَامِرِ بْنِ ربيعة وبن عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْخَمْسَةِ فِي صَلَاتِهِ عَلَى الْمِسْكِينَةِ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي صَلَاةِ الْمُصْطَفَى عَلَى أُمِّ سَعْدٍ بَعْدَ دَفْنِهَا بِشَهْرٍ وَحَدِيثِ الْحُصَيْنِ بْنِ وَحْوَحَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى قبر طلحة بن الْبَرَاءِ وحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ وَقَدْ تُوفِّيَتْ أُمُّ أَبِي أُمَامَةَ فَصَلَّى عَلَيْهَا وحديث أنس أنه صلى على امرأة بعد ما دُفِنَتْ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْمِسْكِينَةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَسَمَّاهَا مِحْجَنَةَ كذا في التعليق الممجد

قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) سَوَاءٌ صُلِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ لَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ انْتَهَى واسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) قَالَ بن الْمُنْذِرِ وَمَنَعَهُ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَعَنْهُمْ إِنْ دُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ شُرِعَ وَإِلَّا فَلَا وأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا وَإِنَّ اللَّهَ يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ قَالُوا صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ لتنوير القبر وقالا يُوجَدُ فِي صَلَاةِ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ الصَّلَاةُ على القبر مشروعا وأجاب بن حِبَّانَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ فِي تَرْكِ إِنْكَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ صَلَّى مَعَهُ عَلَى الْقَبْرِ بَيَانُ جَوَازِ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ خَصَائِصِهِ وتُعُقِّبَ بِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ بِالتَّبَعِيَّةِ لَا يَنْهَضُ دَلِيلًا لِلْأَصَالَةِ ومِنْ جُمْلَةِ مَا أَجَابَ بِهِ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ وَهِيَ مِنْ مَرَاسِيلِ ثَابِتٍ بَيَّنَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِ بَيَانِ الْمَدْرَجِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ مَرَاسِيلِ ثَابِتٍ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ انْتَهَى قُلْتُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ قَالَ لَا يَمُوتُ فِيكُمْ مَيِّتٌ مَا دُمْتُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إِلَّا يَعْنِي آذَنْتُمُونِي بِهِ فَإِنَّ صَلَاتِي لَهُ رَحْمَةٌ وَهَذَا لَيْسَ بِمُرْسَلٍ وَأَجَابَ الشَّوْكَانِيُّ بِأَنَّ الِاخْتِصَاصَ لا يثبب إِلَّا بِدَلِيلٍ وَمُجَرَّدُ كَوْنِ اللَّهِ يُنَوِّرُ الْقُبُورَ بِصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِهَا لَا يَنْفِي مَشْرُوعِيَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ لِغَيْرِهِ لَا سِيَّمَا بَعْدَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي انْتَهَى قَوْلُهُ (وقال بْنُ الْمُبَارَكِ إِذَا دُفِنَ الْمَيِّتُ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ فَفَرْضُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ الثَّابِتُ بِالْأَدِلَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ بَاقٍ وَجَعْلُ الدَّفْنِ مُسْقِطًا لِهَذَا الْفَرْضِ مُحْتَاجٌ إِلَى دَلِيلٍ قَالَ وقد استدل بحديث الباب يعني حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ عَلَى رَدِّ قَوْلِ مَنْ فَصَّلَ فَقَالَ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ مَنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صُلِّيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّفْنِ لَا مَنْ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقِصَّةَ وَرَدَتْ فِيمَنْ قَدْ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَالْمُفَصِّلُ هُوَ بَعْضُ المانعين

باب ما جاء في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم

قَوْلُهُ (وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إِلَى شَهْرٍ) قَالَ الْأَمِيرُ الْيَمَانِي فِي سُبُلِ السَّلَامِ ص 491 وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي شُرِعَتْ فِيهَا الصَّلَاةُ فَقِيلَ إِلَى شَهْرٍ بَعْدَ دَفْنِهِ وَقِيلَ إِلَى أَنْ يَبْلَى الْمَيِّتُ لِأَنَّهُ إِذَا بَلِيَ لَمْ يَبْقَ مَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَقِيلَ أَبَدًا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ الدُّعَاءُ وَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ قَالَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ إِذْ لَا دَلِيلَ عَلَى التَّحْدِيدِ بِمُدَّةٍ انْتَهَى قُلْتُ اسْتَدَلَّ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ قَالَ إِلَى شَهْرٍ بِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ مُرْسَلٌ صحيح انتهى وروى الدارقطني عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ بَعْدَ شَهْرٍ وَرُوِيَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ قُلْتُ الظَّاهِرُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمُدَّةِ الَّتِي ثَبَتَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى مُطْلَقِ الدُّعَاءِ وَتَجْوِيزِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى [1038] قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أُمَّ سَعْدٍ مَاتَتْ إِلَخْ) هَذَا مُرْسَلٌ وَقَدْ عَرَفْتَ آنِفًا أَنَّهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ مُرْسَلٌ صَحِيحٌ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَلَى النَّجَاشِيِّ هُوَ مِنْ سَادَاتِ التَّابِعِينَ أَسْلَمَ وَلَمْ يُهَاجِرْ وَهَاجَرَ الْمُسْلِمُونَ إِلَيْهِ إِلَى الْحَبَشَةِ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ يُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ بِكِتَابَيْنِ أَحَدُهُمَا يَدْعُوهُ فِيهِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالثَّانِي يَطْلُبُ مِنْهُ تَزْوِيجَهُ بِأُمِّ حَبِيبَةَ فَأَخَذَ الْكِتَابَ وَوَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَأَسْلَمَ وَزَوَّجَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَبْلَ أَنْ يَصْحَبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَارَ يُلْغَزُ بِهِ فَيُقَالُ صَحَابِيٌّ كَثِيرُ الْحَدِيثِ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ تَابِعِيٍّ كَذَا فِي ضِيَاءِ السَّارِي وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَبَعْدَ

الْأَلِفِ شِينٌ ثُمَّ يَاءٌ ثَقِيلَةٌ كَيَاءِ النَّسَبِ وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ ولقب مَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ وحَكَى الْمُطَرِّزِيُّ تَشْدِيدَ الْجِيمِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَخَطَّأَهُ انْتَهَى قُلْتُ كَمَا يُقَالُ لِمَنْ مَلَكَ الْفُرْسَ كِسْرَى وَلِمَنْ مَلَكَ الرُّومَ قَيْصَرٌ كَذَلِكَ يُقَالُ لِمَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ النَّجَاشِيُّ وَكَانَ اسْمُهُ أَصْحَمَةَ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي هجرة الحبشة من طريق بن عيينة عن بن جُرَيْجٍ فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ [1039] قَوْلُهُ (إِنَّ أَخَاكُمْ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَدْ تُوفِّيَ الْيَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ الْحَبَشِ وفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ نُعِيَ النَّجَاشِيُّ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وفِيهِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُمْ بِمَوْتِهِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ مَعَ بُعْدِ مَا بَيْنَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَالْمَدِينَةِ (وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ كَمَا يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ عَنِ الْبَلَدِ وَبِذَلِكَ قَالَ الشافعي وأحمد وجمهور السلف حتى قال بن حَزْمٍ لَمْ يَأْتِ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْعُهُ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ لَا يُشْرَعُ ذَلِكَ وقَدْ اعْتَذَرَ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ قِصَّةِ النَّجَاشِيِّ بِأُمُورٍ مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ بِأَرْضٍ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِهَا أَحَدٌ فَتَعَيَّنَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا يُصَلَّى عَلَى الْغَائِبِ إِلَّا إِذَا وَقَعَ مَوْتُهُ لَيْسَ بِهَا مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ وَاسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَبِهِ تَرْجَمَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ الصَّلَاةُ عَلَى الْمُسْلِمِ يَلِيهِ أَهْلُ الشِّرْكِ بِبَلَدٍ آخَرَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذَا مُحْتَمِلٌ إِلَّا أَنَّنِي لَمْ أَقِفْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَخْبَارِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ فِي بَلَدِهِ أَحَدٌ ومِنْهَا أَنَّهُ كُشِفَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ حَتَّى رَآهُ فَتَكُونُ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ كَصَلَاةِ الْإِمَامِ عَلَى مَيِّتٍ رَآهُ وَلَمْ يَرَهُ الْمَأْمُومُونَ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهَا وأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ وَلَمْ يَثْبُتْ فإن قلت قد روى عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كُشِفَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَرِيرِ النَّجَاشِيِّ حَتَّى رَآهُ وَصَلَّى عليه وأخرج بن حِبَّانَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قِصَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّجَاشِيِّ وفِي رِوَايَتِهِ فَقَامَ وَصَفُّوا خَلْفَهُ وَهُمْ لَا يَظُنُّونَ إِلَّا أَنَّ جِنَازَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْهُ وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ وَغَيْرِهِ عَنْ يَحْيَى فَصَلَّيْنَا خَلْفَهُ وَنَحْنُ لَا نَرَى إِلَّا أَنَّ الْجِنَازَةَ قُدَّامَنَا

قلت أما رواية بن عَبَّاسٍ فَقَدْ ذَكَرَهَا الْوَاقِدِيُّ فِي أَسْبَابِهِ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَأَمَّا رِوَايَةُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِلَفْظِ وَهُمْ لَا يَظُنُّونَ إِلَّا أَنَّ جِنَازَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبِلَفْظِ وَنَحْنُ لَا نَرَى إِلَّا أَنَّ الْجِنَازَةَ قُدَّامَنَا فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُمْ صَلَّوْا عَلَيْهِ كَمَا يُصَلُّونَ عَلَى الْمَيِّتِ الْحَاضِرِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ بِلَفْظِ فَقُمْنَا فَصَفَفْنَا كَمَا يُصَفُّ عَلَى الْمَيِّتِ وَصَلَّيْنَا عَلَيْهِ كَمَا يُصَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ ومِنْهَا أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالنَّجَاشِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى مَيِّتٍ غَائِبٍ قَالَهُ الْمُهَلَّبُ وأَجَابَ عَنْهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَقَالَ كَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ قِصَّةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ اللَّيْثِيِّ وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي تَرْجَمَتِهِ فِي الصَّحَابَةِ أَنَّ خَبَرَهُ قَوِيٌّ بِالنَّظَرِ إِلَى مَجْمُوعِ طُرُقِهِ انْتَهَى ولِمَنْ لَمْ يَقُلْ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ اعْتِذَارَاتٌ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ لَا حَاجَةَ إِلَى ذِكْرِهَا وَالْكَلَامِ عَلَيْهَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ الْبَحْثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا لَفْظُهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ الْمَانِعُونَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ بِشَيْءٍ يُعْتَدَّ بِهِ سِوَى الِاعْتِذَارِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ كَانَ فِي أَرْضٍ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فِيهَا وَهُوَ أَيْضًا جُمُودٌ عَلَى قِصَّةِ النَّجَاشِيِّ يَدْفَعُهُ الْأَثَرُ وَالنَّظَرُ انْتَهَى قُلْتُ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَوِيلٌ مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَغَيْرِهِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةُ وَجَابِرٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَعِيدٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَحُذَيْفَةَ وَجَرِيرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ (وَأَبُو الْمُهَلَّبِ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو الْمُهَلَّبِ الْجَرْمِيُّ الْبَصْرِيُّ عَمُّ أَبِي قِلَابَةَ فَذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهِ ثُمَّ قَالَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ

باب ما جاء في فضل الصلاة على الجنازة

48 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَازَةِ) [1040] قَوْلُهُ (فَلَهُ قِيرَاطٌ) بِكَسْرِ الْقَافِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَصْلُهُ قِرَّاطٌ بِالتَّشْدِيدِ لِأَنَّ جَمْعَهُ قَرَارِيطُ فَأُبْدِلَ مِنْ أَحَدِ حَرْفَيْ تَضْعِيفِهِ يَاءٌ قَالَ وَالْقِيرَاطُ نِصْفُ دَانَقٍ وَالدَّانَقُ سُدُسُ الدِّرْهَمِ فَعَلَى هذا يكون القيراط جزء من اثني عشر جزء مِنَ الدِّرْهَمِ وأَمَّا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَقَالَ الْقِيرَاطُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدِّينَارِ وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِهِ في أكثر البلاد في الشَّامِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا (حَتَّى يُقْضَى دَفْنُهَا) أَيْ يَفْرُغَ مِنْ دَفْنِهَا (أَحَدُهُمَا أَوْ أَصْغَرُهُمَا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (مِثْلُ أُحُدٍ) هذا التفسير المراد ها هنا لَا لِلَّفْظِ (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ) هَذَا مَقُولُ أَبِي سَلَمَة (فَرَّطْنَا) مِنَ التَّفْرِيطِ أَيْ ضَيَّعْنَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (فِي قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ) جَمْعِ قِيرَاطٍ أَيْ ضَيَّعْنَا قَرَارِيطَ كَثِيرَةً مِنْ عَدَمِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى حُضُورِ الدَّفْنِ بَيَّنَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ في روايته من طريق بن شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كان بن عُمَرَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَلَمَّا بَلَغَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فَذَكَرَهُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ الْبَرَاءِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَعَ لِي حَدِيثُ الْبَابِ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ عَشَرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْبَرَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ عند النسائي وأبي سعيد عند أحمد وبن مَسْعُودٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَأَسَانِيدُ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ صِحَاحٌ وَمِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عِنْدَ بن ماجه وبن عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الشُّعَبِ وَأَنَسٍ عِنْدَ الطبراني في الأوسط وواثلة بن الأصقع عند بن عَدِيٍّ وَحَفْصَةَ عِنْدَ حُمَيْدِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وفِي كُلٍّ مِنْ أَسَانِيدِ هَؤُلَاءِ الْخَمْسَةِ ضَعْفٌ انْتَهَى

قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا 9 - بَاب آخَرُ [1041] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ لَهُ تَصَانِيفُ مِنَ التَّاسِعَةِ (سَمِعْتُ أَبَا الْمُهَزَّمِ) قَالَ فِي الْمُغْنِي بِمَضْمُومَةٍ وَفَتْحِ هَاءٍ وَفَتْحِ زَايٍ مُشَدَّدَةٍ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ سُفْيَانَ انْتَهَى وقَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ الْمَكْسُورَةِ التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ اسْمُهُ يَزِيدُ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُفْيَانَ مَتْرُوكٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (وحملها ثلاث مرات) قال بن الْمَلَكِ يَعْنِي يُعَاوِنُ الْحَامِلِينَ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ يَتْرُكُهَا لِيَسْتَرِيحَ ثُمَّ يَحْمِلُهَا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ يَفْعَلُ كَذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ (فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ حَقِّهَا) أَيْ مِنْ حَقِّ الْجِنَازَةِ بَيَانٌ لِمَا قَالَ مَيْرَكُ أَيْ مِنْ جِهَة الْمُعَاوَنَةِ لَا مِنْ دَيْنٍ وَغِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا انْتَهَى وقَدْ عَدَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْحُقُوقِ الَّتِي لِلْمُؤْمِنِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ يُشَيِّعَ جِنَازَتَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) لَمْ يَحْكُمْ التِّرْمِذِيُّ عَلَيْهِ بِالضَّعْفِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ أَبَا الْمُهَزَّمِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَمَا عَرَفْتَ قَوْلُهُ (وَضَعَّفَهُ شُعْبَةُ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ مُسْلِمٌ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ رَأَيْتُ أَبَا الْمُهَزَّمِ وَلَوْ يُعْطَى دِرْهَمًا لَوَضَعَ حَدِيثًا انْتَهَى اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ حَمْلِ الْجِنَازَةِ فَقَالَ مُحَمَّدٌ رحمه الله في موطإه وَصِفَتُهُ أَنْ يَبْدَأَ الرَّجُلُ فَيَضَعَ يَمِينَ الْمَيِّتِ الْمُقَدَّمَ عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ يَضَعَ يَمِينَ الْمَيِّتِ الْمُؤَخَّرَ عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ يَعُودَ إِلَى الْمُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ فَيَضَعَهُ عَلَى يَسَارِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَهَى وقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ السُّنَّةُ أَنْ يَحْمِلَهَا رَجُلَانِ يَضَعُهَا السَّابِقُ عَلَى أَصْلِ عُنُقِهِ وَالثَّانِي عَلَى أَعْلَى صدره واستدل

باب ما جاء في القيام للجنازة

للإمام أبي حنيفة بما رواه بن مَاجَهْ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ بِسْطَاسٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ مَنِ اتَّبَعَ جِنَازَةً فَلْيَأْخُذْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا فَإِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ وَإِنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ ثُمَّ إِنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطيالسي وبن أَبِي شَيْبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا حَدَّثَنَا شعبة عن منصور بن المعتمر عُبَيْدِ بْنِ بِسْطَاسٍ بِهِ بِلَفْظِ فَلْيَأْخُذْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعَةِ ومِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيُّ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ بِهِ قَالَ مِنَ السُّنَّةِ حَمْلُ الْجِنَازَةِ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ الْأَرْبَعَةِ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ واحْتُجَّ للإمام الشافعي رحمه الله بما أخرجه بن سَعْدٍ عَنْ شُيُوخٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حَمَلَ جِنَازَةَ سَعْدٍ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ حَتَّى خَرَجَ بِهِ مِنَ الدَّارِ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَنْ هَذَا بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِازْدِحَامِ الْمَلَائِكَةِ قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ كَانَ فِي جِنَازَةِ سَعْدٍ ازْدِحَامُ الْمَلَائِكَةِ فَرَوَى سَعْدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن بن عُمَرَ رَفَعَهُ قَالَ لَقَدْ شَهِدَ سَبْعُونَ أَلْفِ مَلَكٍ لَمْ يَنْزِلُوا إِلَى الْأَرْضِ قَبْلَ ذَلِكَ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ حَمْلَ جِنَازَتِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ كَانَ لِازْدِحَامِهِمْ فَتَفَكَّرْ وقَدْ حُمِلَتْ جَنَائِزُ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الْبَابِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي جِنَازَةِ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَأَيْتُ سَعْدًا فِي جِنَازَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَاضِعًا السَّرِيرَ عَلَى كَاهِلِهِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ ومِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ فِي جِنَازَةِ سَعْدٍ ومِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ أَنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ ومِنْ طريق بن عُمَرَ فِي جِنَازَةِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَمِنْ طريق بن الزُّبَيْرِ فِي جِنَازَةِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَرَوَى بن سَعْدٍ عَنْ مَرْوَانَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ هُوَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ بِجِنَازَةِ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ انْتَهَى مَا فِي الدِّرَايَةِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِيَامِ لِلْجَنَازَةِ) [1042] قَوْلُهُ (إِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا لَهَا) وفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِنَّ الْمَوْتَ فَزَعٌ فَإِذَا رَأَيْتُمُ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا وفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتْ بِهِ

جِنَازَةٌ فَقَامَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ أَلَيْسَتْ نَفْسًا وفِي حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا عِنْدَ الْحَاكِمِ فَقَالَ إِنَّمَا قُمْنَا لِلْمَلَائِكَةِ وفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا عِنْدَ أحمد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ إِنَّمَا تَقُومُونَ إِعْظَامًا لِلَّذِي يَقْبِضُ النفوس ولفظ بن حِبَّانَ إِعْظَامًا لِلَّهِ الَّذِي يَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّهُ لَا تَنَافِي بَيْنَ هَذِهِ التَّعْلِيلَاتِ لِأَنَّ الْقِيَامَ لِلْفَزَعِ مِنَ الْمَوْتِ فِيهِ تَعْظِيمٌ لِأَمْرِ اللَّهِ وَتَعْظِيمٌ لِلْقَائِمِينَ بِأَمْرِهِ فِي ذَلِكَ وَهُمْ الْمَلَائِكَةُ قَالَ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ إِنَّمَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَذِّيًا بِرِيحِ الْيَهُودِيِّ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيَاشٍ فَأَذَاهُ رِيحُ بَخُورِهَا ولِلطَّبَرَيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ كَرَاهِيَةُ أَنْ تَعْلُوَ رَأْسَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعَارِضُ الْأَخْبَارَ الْأُولَى الصَّحِيحَةَ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ أَسَانِيدَهَا لَا تُقَاوِمُ تِلْكَ فِي الصِّحَّةِ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَى مَا فَهِمَهُ الرَّاوِي وَالتَّعْلِيلُ الْمَاضِي صَرِيحٌ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا فَاءٌ أَيْ تَتْرُكَكُمْ وَرَاءَهَا وَنِسْبَةُ ذَلِكَ إِلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِأَنَّ الْمُرَادَ حَامِلُهَا (أَوْ تُوضَعَ) أَيْ عَنْ مَنَاكِبِ الرِّجَالِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَسَهْلِ بْنُ حُنَيْفٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَقَيْسِ بْنِ سَعْدٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [1043] قَوْلُهُ (فَمَنْ تَبِعَهَا فَلَا يَقْعُدَن حَتَّى تُوضَعَ) قِيلَ أَرَادَ بِهِ وَضْعَهَا عَنِ الْأَعْنَاقِ وَيُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ حَتَّى تُوضَعَ بِالْأَرْضِ وَقِيلَ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ الْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الْوَضْعُ عَلَى الْأَرْضِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَادَةَ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ وَيَرُدُّهُ مَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ الطَّوِيلِ الَّذِي صَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَغَيْرُهُ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ

باب الرخصة

فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ وَلَمَّا يُلْحَدُ فَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ اخْتِلَافٌ فَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْهُ حَتَّى تُوضَعَ بِالْأَرْضِ وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْهُ حَتَّى تُوضَعَ بِاللَّحْدِ حَكَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَوَهَّمَ رِوَايَةَ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَكَذَلِكَ قَالَ الْأَثْرَمُ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَا مَنْ تَبِعَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِاسْتِحْبَابِهِ كَمَا نقله بن الْمُنْذِرِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حازم الأشجعي عن أبي هريرة وبن عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْقَائِمَ مِثْلُ الْحَامِلِ يَعْنِي فِي الْأَجْرِ وقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ يُكْرَهُ الْقُعُودُ قَبْلَ أَنْ تُوضَعَ وقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ يَجِبُ الْقِيَامُ وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ قَالَا مَا رَأَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِدَ جِنَازَةً قَطُّ فَجَلَسَ حَتَّى تُوضَعَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَقَدَّمُونَ إِلَخْ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ صَحِيحٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 1 - (بَاب الرُّخْصَةِ) فِي تَرْكِ الْقِيَامِ لَهَا أَيْ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْجِنَازَةِ [1044] قَوْلُهُ (فَقَالَ عَلِيٌّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَعَدَ) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ يَحْتَمِلُ قَوْلُ عَلِيٍّ ثُمَّ قَعَدَ أَيْ بَعْدَ أَنْ جَاوَزَتْهُ وَبَعُدَتْ عَنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ كَانَ يَقُومُ فِي وَقْتٍ ثُمَّ تَرَكَ الْقِيَامَ أَصْلًا وَعَلَى هَذَا

يَكُونُ فِعْلُهُ الْأَخِيرُ قَرِينَةً فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ النَّدْبُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا لِلْوُجُوبِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْمَجَازِ يَعْنِي فِي الْأَمْرِ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْضَاوِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ يَدْفَعُهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى قَوْمٍ قَامُوا أَنْ يَجْلِسُوا ثُمَّ حَدَّثَهُمْ الْحَدِيثَ ومِنْ ثَمَّ قَالَ بِكَرَاهَةِ الْقِيَامِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ سُلَيْمٌ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الشافعية وقال بن حَزْمٍ قُعُودُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَمْرِهِ بِالْقِيَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدْبِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَسْخًا لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِنَهْيٍ أَوْ بِتَرْكٍ مَعَهُ نَهْيٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ وَرَدَ مَعْنَى النَّهْيِ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ لِلْجِنَازَةِ فَمَرَّ بِهِ حَبْرٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ هَكَذَا نَفْعَلُ فَقَالَ اجْلِسُوا وَخَالِفُوهُمْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النَّسَائِيَّ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِسْنَادُهُ ضَعِيفًا لَكَانَ حُجَّةً فِي النَّسْخِ انْتَهَى قُلْتُ وَيَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ بِلَفْظِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن الحسن بن علي وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ إِنَّ جِنَازَةً مَرَّتْ بِالْحَسَنِ بْنِ علي وبن عباس فقام الحسن ولم يقم بن عَبَّاسٍ فَقَالَ الْحَسَنُ أَلَيْسَ قَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِنَازَةِ يَهُودِيٍّ قال بن عَبَّاسٍ نَعَمْ ثُمَّ جَلَسَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ قَعَدَ بَعْدُ قَوْلُهُ (وَهَذَا الْحَدِيثُ نَاسِخٌ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إِذَا رَأَيْتُمْ الْجِنَازَةَ فَقُومُوا) وَيَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ حَدِيثُ عُبَادَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ بِلَفْظِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ وَتَقَدَّمَ هَذَا أَيْضًا وَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى قَوْمٍ قَامُوا أَنْ يَجْلِسُوا ثُمَّ حَدَّثَهُمْ الْحَدِيثَ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا أَيْضًا (وَقَالَ أَحْمَدُ إِنْ شَاءَ قَامَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقُمْ إِلَخْ) فَعِنْدَ أَحْمَدَ حَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا لَيْسَ بِنَاسِخٍ لِلْحَدِيثِ الْأَوَّلِ قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْجَالِسِ أَنْ يَقُومَ إِذَا رَأَى الْجِنَازَةَ حَتَّى تُخَلِّفَهُ وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ

باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم

وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِنْ قَامَ لَمْ أَعِبْهُ وَإِنْ قَعَدَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ عَلَى أَحَدٍ الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ رُوِّينَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَلْقَمَةَ الْأَسْوَدِ وَالنَّخَعِيِّ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَفَعَلَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَالِكٌ وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِيَامِ مَنْسُوخٌ وَتَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ بِإِسْنَادِهِ حَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُومُ فِي الْجَنَائِزِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدُ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مَسْعُودِ بْنِ الْحَكَمِ الزُّرَقِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي رَحَبَةِ الْكُوفَةِ وَهُوَ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِالْقِيَامِ فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ جَلَسَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَرَنَا بِالْجُلُوسِ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ قَالَ مَرَّتْ بِنَا جِنَازَةٌ فَقُمْنَا فَقَالَ مَنْ أَفْتَاكُمْ بِهَذَا قُلْنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَالَ مَا فَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا مَرَّةً كَانَ يَتَشَبَّهُ بِأَهْلِ الكتاب فلما نسخ ذلك ونهى عَنْهُ انْتَهَى قَالَ الْحَازِمِيُّ فَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقُعُودَ أَوْلَى مِنَ الْقِيَامِ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرْكُهُ بَعْدَ فِعْلِهِ وَالْحُجَّةُ فِي الْآخِرِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وإن كَانَ الْأَوَّلُ وَاجِبًا فَالْآخِرُ مِنْ أَمْرِهِ نَاسِخٌ وَإِنْ كَانَ اسْتِحْبَابًا فَالْآخِرُ هُوَ الِاسْتِحْبَابُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَا بَأْسَ بِالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَالْقُعُودُ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْآخِرُ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا اللَّحْدُ بِفَتْحِ اللَّامِ وَبِالضَّمِّ وَسُكُونِ الْحَاءِ هُوَ الشَّقُّ فِي عُرْضِ الْقَبْرِ جَانِبَ الْقِبْلَةِ وَالشَّقُّ هُوَ الضَّرِيحُ وَهُوَ الشَّقُّ في وسط القبر

[1045] قوله (حدثنا حَكَّامٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ (بْنُ سَلْمٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ ثِقَةٌ لَهُ غَرَائِبُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى) صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ قَوْلُهُ (اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ أَيْ اللَّحْدُ آثَرُ وَأَوْلَى لَنَا وَالشَّقُّ آثَرُ وَأَوْلَى لِغَيْرِنَا أَيْ هُوَ اخْتِيَارُ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ وفِي ذَلِكَ بَيَانُ فَضِيلَةِ اللَّحْدِ وَلَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنِ الشَّقِّ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ فِي الدِّينِ وَالْأَمَانَةِ كَانَ يَصْنَعُهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَنْهِيًّا لَمَا قَالَتِ الصَّحَابَةُ أَيُّهُمَا جَاءَ أَوَّلًا عَمِلَ عَمَلَهُ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُضْطَرُّ إِلَيْهِ لِرَخَاوَةِ الْأَرْضِ انْتَهَى وقَالَ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنَى بِضَمِيرِ الْجَمْعِ نَفْسَهُ أَيْ أُوثِرَ لِي اللَّحْدُ وَهُوَ إِخْبَارٌ عَنِ الْكَائِنِ فَيَكُونُ مُعْجِزَةً انْتَهَى وقِيلَ مَعْنَاهُ اللَّحْدُ لَنَا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ وَالشَّقُّ جَائِزٌ لِغَيْرِنَا قُلْتُ الصَّحِيحُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ التُّورْبَشْتِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِلَفْظِ اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا أَهْلِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والبزار وبن ماجه بنحو حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وفِيهِ عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَزَادَ أَحْمَدُ بَعْدَ قَوْلِهِ لِغَيْرِنَا أَهْلِ الْكِتَابِ (وَعَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَتْ لَمَّا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَلَفُوا فِي اللَّحْدِ وَالشَّقِّ حَتَّى تَكَلَّمُوا فِي ذَلِكَ وَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تَصْخَبُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا فَأَرْسِلُوا إِلَى الشَّقَّاقِ وَاللَّاحِدِ جَمِيعًا فَجَاءَ اللَّاحِدُ فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دفن صلى الله عليه وسلم (وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّهُمْ أَلْحَدُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لحدا وفيه عبد الله العمري وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ أَلْحَدُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ بن شاهين في كتاب الجنائز بلفظ حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ اللَّحْدِ وَأَنَّهُ أَوْلَى مِنَ الضَّرْحِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ اللَّحْدِ وَالشَّقِّ قوله (حديث بن عَبَّاسٍ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ قال الشوكاني وصححه بن السَّكَنِ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ كَمَا وَجَدْنَا ذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ مِنْ جَامِعِهِ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَامِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى

باب ما يقول إذا أدخل الميت قبره

53 - (باب ما يقول إذا أدخل الميت قبره) [1046] قَوْلُهُ (إِذَا أُدْخِلَ) رُوِيَ مَجْهُولًا وَمَعْلُومًا (الْمَيِّتُ) بِالرَّفْعِ أَوْ النَّصْبِ (الْقَبْرَ) مَفْعُولٌ ثَانٍ (قَالَ) أَيْ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ (وَقَالَ أَبُو خَالِدٍ إذا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي لَحْدِهِ) يَعْنِي أَنَّ أَبَا خَالِدٍ قَالَ مَرَّةً لَفْظَ إِذَا وُضِعَ الْمَيِّتُ فِي لَحْدِهِ مَكَانَ لَفْظِ إِذَا أُدْخِلَ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ وَقَدْ جَاءَ صَرِيحُ هَذَا فِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ كَمَا سَتَعْرِفُ (قَالَ مَرَّةً بِسْمِ اللَّهِ) أَيْ وَضَعْتُهُ أَوْ وُضِعَ أَوْ أُدْخِلُهُ (وَبِاللَّهِ) أَيْ بِأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ أَوْ بِعَوْنِهِ وَقُدْرَتِهِ (وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَدِينِهِ (وَقَالَ مَرَّةً بِسْمِ اللَّهِ وَبِاللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَشَرِيعَتِهِ وَالْمُرَادُ بِمِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَسُنَّتِهِ وَاحِدٌ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ أُدْخِلُ رُوِيَ مَعْلُومًا وَمَجْهُولًا وَالثَّانِي أَغْلَبُ فَعَلَى الْمَجْهُولِ لَفْظُ كَانَ بِمَعْنَى الدَّوَامِ وَعَلَى الْمَعْلُومِ بِخِلَافِهِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ رَأَى نَاسٌ نَارًا فِي الْمَقْبَرَةِ فَأَتَوْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ وَهُوَ يَقُولُ نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ فَإِذَا هُوَ بِالرَّجُلِ الَّذِي يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ قَالَ مَيْرَكُ وفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَعْلُومِ يَحْتَمِلُ الدَّوَامَ أَيْضًا وعَلَى تَقْدِيرِ الْمَجْهُولِ يَحْتَمِلُ عَدَمَهُ أَيْضًا كَمَا لَا يَخْفَى قَالَ القارىء وفِيهِ أَنَّ إِدْخَالَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْمَيِّتَ بِنَفْسِهِ الْأَشْرَفِ لَمْ يَكُنْ دَائِمًا بَلْ كَانَ نَادِرًا لَكِنَّ قَوْلَهُ بِسْمِ اللَّهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ دَائِمًا مَعَ إِدْخَالِهِ وَإِدْخَالِ غَيْرِهِ تَأَمَّلْ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (رَوَاهُ أَبُو الصِّدِّيقِ النَّاجِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي

باب ما جاء في الثوب الواحد يلقى تحت الميت

الصديق موقوفا أيضا) قال الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُسْنَدًا وَمَوْقُوفًا وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَالزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ رَوَى حَدِيثَ الْبَابِ بِالْإِجْمَالِ وَقَدْ رواه بن مَاجَهْ بِالْإِيضَاحِ فَقَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ أبي سليم عن نافع عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَدْخَلَ الْمَيِّتَ الْقَبْرَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَقَالَ أَبُو خَالِدٍ مَرَّةً إِذَا وَضَعَ الْمَيِّتَ فِي لَحْدِهِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَقَالَ هِشَامٌ فِي حَدِيثِهِ بِسْمِ اللَّهِ وفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ يُلْقَى تَحْتَ الْمَيِّتِ) فِي الْقَبْرِ [1047] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ) جَعْفَرٌ هَذَا مَعْرُوفٌ بِالصَّادِقِ وَأَبُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَعْرُوفٌ بِالْبَاقِرِ قَوْلُهُ (الَّذِي أَلْحَدَ) يُقَالُ لَحَدَ يَلْحَدُ كَذَهَبَ يَذْهَبُ وَأَلْحَدَ يُلْحِدُ إِذَا حَفَرَ اللَّحْدَ وَهُوَ الشَّقُّ تَحْتَ الْجَانِبِ الْقِبْلِيِّ مِنَ الْقَبْرِ (وَالَّذِي أَلْقَى الْقَطِيفَةَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ كِسَاءٌ لَهُ خُمُلٌ (شُقْرَانُ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ اسْمُهُ صَالِحٌ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ مَمْلُوكٌ ثُمَّ عَتَقَ قَالَ الْحَافِظُ أَظُنُّهُ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذِهِ الْقَطِيفَةُ أَلْقَاهَا شقران وقال كرهت أن يلبسها أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ وَضْعِ قَطِيفَةٍ أَوْ مِضْرَبَةٍ أَوْ مِخَدَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ تَحْتَ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ وَشَذَّ عَنْهُمْ الْبَغَوِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ فِي كِتَابِهِ التَّهْذِيبِ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِهَذَا الْحَدِيثِ والصَّوَابُ كَرَاهَتُهُ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ شُقْرَانَ انْفَرَدَ بِفِعْلِ ذَلِكَ وَلَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا عَلِمُوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ شُقْرَانُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ مِنْ كَرَاهَتِهِ أَنْ يَلْبَسَهَا أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُهَا وَيَفْتَرِشُهَا فَلَمْ تَطِبْ نَفْسُ شُقْرَانَ أَنْ

يتبذلها أَحَدٌ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخالفه غيره فروى البيهقي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْعَلَ تَحْتَ الْمَيِّتِ ثَوْبٌ فِي قَبْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ (وَأَخْبَرَنِي بن أَبِي رَافِعٍ قَالَ سَمِعْتُ شُقْرَانَ يَقُولُ أَنَا والله طرحت القطيفة الخ) وروى بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي وَالْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ مِنْ طريقه والبيهقي عنه من طريق بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ شُقْرَانُ حِينَ وُضِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُفْرَتِهِ أَخَذَ قَطِيفَةً قَدْ كَانَ يَلْبَسُهَا وَيَفْتَرِشُهَا فَدَفَنَهَا مَعَهُ فِي الْقَبْرِ وَقَالَ وَاللَّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَكَ فَدُفِنَتْ مَعَهُ وَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّهُمْ أَخْرَجُوهَا وَبِذَلِكَ جَزَمَ بن عَبْدِ الْبَرِّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ بْنِ عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ (حَدِيثُ شُقْرَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَهُ الحافظ في التلخيص وسكت عنه [1048] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ (قَالَ جُعِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالْجَاعِلُ هُوَ شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم والنسائي وبن حبان قال الحافظ وروى بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنِ الْحَسَنِ نَحْوَهُ وَزَادَ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ أَرْضٌ سَبِخَةٌ وذكر بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ تِلْكَ الْقَطِيفَةَ اسْتُخْرِجَتْ قَبْلَ أَنْ يُهَالَ التُّرَابُ انْتَهَى وقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي أَلْفِيَّتِهِ فِي السِّيرَةِ وَفُرِشَتْ فِي قَبْرِهِ قَطِيفَةٌ وَقِيلَ أُخْرِجَتْ وَهَذَا أَثْبَتُ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَالْقَصَّابُ بِمَعْنَى بَائِعِ الْقَصَبِ (وَاسْمُهُ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي عَطَاءٍ) الْوَاسِطِيُّ رَوَى عَنِ بن عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ شُعْبَةُ

باب ما جاء في تسوية القبر

وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا ثِقَةٌ لَهُ فِي مُسْلِمٍ حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ ولَيْسَ لَهُ حَدِيثٌ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ (وَرَوَى) أَيْ شُعْبَةُ (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ (الضُّبَعِيِّ) بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ (وَاسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ) الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ خُرَاسَانَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ) وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْكَرَاهَةِ وَقَوْلُهُمْ هُوَ الرَّاجِحُ وَتَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَيَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بِالْجِيمِ لَا غَيْرَ وَلَيْسَ لِأَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ حَدِيثٌ فِي التِّرْمِذِيِّ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَسْوِيَةِ القبر) [1049] قَوْلُهُ (قَالَ لِأَبِي الْهَيَّاجِ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ (الْأَسَدِيِّ) بفتح السين ويسكن (أبعثك على ما أبعثني) أَيْ أُرْسِلُكَ لِلْأَمْرِ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَإِنَّمَا ذَكَرَ تَعْدِيَتَهُ بِحَرْفِ عَلَى لِمَا فِي الْبَعْثِ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ وَالتَّأْمِيرِ أَيْ أَجْعَلُكَ أَمِيرًا عَلَى ذَلِكَ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله القارىء (أَنْ لَا تَدَعَ) أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ وَلَا نَافِيَةٌ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ أَنْ لَا تَدَعَ وَقِيلَ أَنْ تَفْسِيرِيَّةٌ وَلَا نَاهِيَةٌ أَيْ لا تترك (قبرا مشرفا) قال القارىء هُوَ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ حَتَّى ارْتَفَعَ دُونَ الَّذِي أُعْلِمَ عَلَيْهِ بِالرَّمْلِ وَالْحَصْبَاءِ أَوْ مَحْسُومَةٌ بِالْحِجَارَةِ لِيُعْرَفَ وَلَا يُوطَأَ (إِلَّا سَوَّيْتُهُ) فِي الْأَزْهَارِ قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرْفَعَ الْقَبْرُ قَدْرَ شِبْرٍ وَيُكْرَهُ فَوْقَ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ الْهَدْمُ فَفِي قَدْرِهِ خِلَافٌ قِيلَ إِلَى الْأَرْضِ تَغْلِيظًا وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى اللَّفْظِ أَيْ لَفْظِ الْحَدِيثِ من التسوية وقال بن الْهُمَامِ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ تَعْلِيَةِ الْقُبُورِ بِالْبِنَاءِ الْعَالِي وَلَيْسَ مُرَادُنَا ذَلِكَ بِتَسْنِيمِ الْقَبْرِ بَلْ بِقَدْرِ مَا يَبْدُو مِنَ الْأَرْضِ وَيَتَمَيَّزُ عَنْهَا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ فِيهِ أَنَّ

السُّنَّةَ أَنَّ الْقَبْرَ لَا يُرْفَعُ رَفْعًا كَثِيرًا مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَنْ كَانَ فَاضِلًا وَمَنْ كَانَ غَيْرَ فَاضِلٍ والظَّاهِرُ أَنَّ رَفْعَ الْقُبُورِ زِيَادَةً عَلَى الْقَدْرِ الْمَأْذُونِ فِيهِ مُحَرَّمٌ وقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٌ ومِنْ رَفْعِ الْقُبُورِ الدَّاخِلِ تَحْتَ الْحَدِيثِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا الْقُبَبُ وَالْمَشَاهِدُ الْمَعْمُورَةُ عَلَى الْقُبُورِ وَأَيْضًا هُوَ مِنَ اتِّخَاذِ الْقُبُورِ مَسَاجِدَ وَقَدْ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاعِلَ ذَلِكَ وكَمْ قَدْ سَرَى عَنْ تَشْيِيدِ أَبْنِيَةِ الْقُبُورِ وَتَحْسِينِهَا مِنْ مَفَاسِدَ يَبْكِي لَهَا الْإِسْلَامُ مِنْهَا اعْتِقَادُ الْجَهَلَةِ لَهَا كَاعْتِقَادِ الْكُفَّارِ لِلْأَصْنَامِ وَعَظُمَ ذَلِكَ فَظَنُّوا أَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَى جَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ فَجَعَلُوهَا مَقْصِدًا لِطَلَبِ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَمَلْجَأً لِنَجَاحِ الْمَطَالِبِ وَسَأَلُوا مِنْهَا مَا يَسْأَلُهُ الْعِبَادُ مِنْ رَبِّهِمْ وَشَدُّوا إليه الرِّحَالَ وَتَمَسَّحُوا بِهَا وَاسْتَغَاثُوا وَبِالْجُمْلَةِ أَنَّهُمْ لَمْ يدعوا شيئا مما كانت الجابية تَفْعَلُهُ بِالْأَصْنَامِ إِلَّا فَعَلُوهُ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ومَعَ هَذَا الْمُنْكَرِ الشَّنِيعِ وَالْكُفْرِ الْفَظِيعِ لَا نَجِدُ مَنْ يَغْضَبُ لِلَّهِ وَيَغَارُ حَمِيَّةً لِلدِّينِ الْحَنِيفِ لَا عَالِمًا وَلَا مُتَعَلِّمًا وَلَا أَمِيرًا وَلَا وَزِيرًا وَلَا مَلِكًا وَقَدْ تَوَارَدَ إِلَيْنَا مِنَ الْأَخْبَارِ مَا لَا يُشَكُّ مَعَهُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ الْقُبُورِيِّينَ أَوْ أَكْثَرَهُمْ إِذَا تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ مِنْ جِهَةِ خَصْمِهِ حَلَفَ بِاللَّهِ فَاجِرًا فَإِذَا قِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ احْلِفْ بِشَيْخِكَ وَمُعْتَقَدِكَ الْوَلِيِّ الْفُلَانِيِّ تَلَعْثَمَ وَتَلَكَّأَ وَأَبَى وَاعْتَرَفَ بِالْحَقِّ وهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ شِرْكَهُمْ قَدْ بَلَغَ فَوْقَ شِرْكِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ تَعَالَى ثَانِي اثْنَيْنِ أَوْ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ فَيَا عُلَمَاءَ الدِّينِ وَيَا مُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ أَيُّ رُزْءٍ لِلْإِسْلَامِ أَشَدُّ مِنَ الْكُفْرِ وَأَيُّ بَلَاءٍ لِهَذَا الدِّينِ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ وَأَيُّ مُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ تَعْدِلُ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ وَأَيُّ مُنْكَرٍ يَجِبُ إِنْكَارُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ إنكاره هَذَا الشِّرْكِ الْبَيِّنِ وَاجِبًا لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا وَلَكِنْ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي وَلَوْ نَارًا نَفَخْتَ بِهَا أَضَاءَتْ وَلَكِنْ أَنْتَ تَنْفُخُ فِي الرَّمَادِ (وَلَا تِمْثَالًا) أَيْ صُورَةً (إِلَّا طَمَسْتَهُ) أَوْ مَحَوْتَهُ وَأَبْطَلْتَهُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ شَفِيٍّ قَالَ كُنَّا مَعَ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ بِأَرْضِ الرُّومِ بِرُودِسَ فَتُوفِّيَ صَاحِبٌ لَنَا فَأَمَرَ فَضَالَةُ بِقَبْرِهِ فَسُوِّيَ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا

قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (قَالَ الشَّافِعِيُّ أَكْرَهُ أَنْ يُرْفَعَ الْقَبْرُ إِلَّا بقدر ما يعرف أنه قبر لكيلا يُوطَأَ وَلَا يُجْلَسَ عَلَيْهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ 213 ج 1 فِي شَرْحِ قَوْلِهِ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا فِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ أَنَّ الْقَبْرَ لَا يُرْفَعُ عَلَى الْأَرْضِ رَفْعًا كَثِيرًا وَلَا يُسَنَّمُ بَلْ يُرْفَعُ نَحْوَ شِبْرٍ وَيُسَطَّحُ وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ ونَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَهُمْ تَسْنِيمُهَا وهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ مُسَنَّمًا أَيْ مُرْتَفِعًا زَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ وَقَبْرُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَذَلِكَ واسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَسْنِيمُ الْقُبُورِ وهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْمُزَنِيِّ وَكَثِيرٍ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وادَّعَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ قُدَمَاءِ الشَّافِعِيَّةِ اسْتَحَبُّوا التَّسْطِيحَ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَبِهِ جَزَمَ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وقَوْلُ سُفْيَانَ التَّمَّارِ لَا حُجَّةَ فِيهِ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّ قَبْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ فِي الْأَوَّلِ مُسَنَّمًا فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ يَا أُمَّهُ اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ فَكَشَفَتْ لَهُ عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةٍ وَلَا لَاطِئَةٍ مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ زَادَ الْحَاكِمُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقَدَّمًا وَأَبَا بَكْرٍ رَأْسُهُ بَيْنَ كَتِفَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعُمَرَ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا كَانَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ فَكَأَنَّهَا كَانَتْ فِي الْأَوَّلِ مُسَطَّحَةً ثُمَّ لَمَّا بُنِيَ جِدَارُ الْقَبْرِ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ صَيَّرُوهَا مُرْتَفِعَةً وقَدْ رَوَى أَبُو بَكْرٍ الْآجُرِّيُّ فِي كِتَابِ صِفَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ إسحاق بن عيسى بن بِنْتِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ غُنَيْمِ بْنِ بِسْطَامٍ الْمَدِينِيِّ قَالَ رَأَيْتُ قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِمَارَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَرَأَيْتُهُ مُرْتَفِعًا نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَرَأَيْتُ قَبْرَ أَبِي بَكْرٍ وَرَاءَ قَبْرِهِ وَرَأَيْتُ قَبْرَ عُمَرَ وَرَاءَ قَبْرِ أَبِي بَكْرٍ أَسْفَلَ مِنْهُ ثُمَّ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ فِي أَيِّهِمَا أَفْضَلُ لَا فِي أَصْلِ الْجَوَازِ وَرَجَّحَ الْمُزَنِيُّ التَّسْنِيمَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى بِأَنَّ الْمُسَطَّحَ يُشْبِهُ مَا يُصْنَعُ لِلْجُلُوسِ بِخِلَافِ الْمُسَنَّمِ ورجحه بن قُدَامَةَ بِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَبْنِيَةَ أَهْلِ الدُّنْيَا وَهُوَ مِنْ شِعَارِ أَهْلِ الْبِدَعِ فَكَأَنَّ التَّسْنِيمَ أَوْلَى ويُرَجِّحُ التَّسْطِيحَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ فضالة بن عبيد أنه مر بِقَبْرٍ فَسُوِّيَ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِتَسْوِيَتِهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

باب ما جاء في كراهية الوطء على القبور

56 - (باب ما جاء في كراهية الوطء على القبور) والجلوس عليها والصلاة عليها وفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَابٌ فِي كَرَاهِيَةِ الْمَشْيِ عَلَى الْقُبُورِ إِلَخْ [1050] قَوْلُهُ (عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ (عَنْ أَبِي مَرْثَدٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ (الْغَنَوِيِّ) بِفَتْحَتَيْنِ صَحَابِيٌّ بَدْرِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَاسْمُهُ كَنَّازٌ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَآخِرُهُ زَايٌ مُعْجَمَةٌ (لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الجمهور قاله الشوكاني قال بن الْهُمَامِ وَكُرِهَ الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ وَوَطْؤُهُ وَحِينَئِذٍ فَمَا يَصْنَعُهُ النَّاسُ مِمَّنْ دُفِنَتْ أَقَارِبُهُ ثُمَّ دفنت حواليه خلق من وطأ تِلْكَ الْقُبُورِ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى قَبْرِ قَرِيبِهِ مَكْرُوهٌ ويُكْرَهُ النَّوْمُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ بَلْ أَوْلَى ويُكْرَهُ كُلُّ مَا لَمْ يُعْهَدْ مِنَ السُّنَّةِ وَالْمَعْهُودُ مِنْهَا لَيْسَ إِلَّا زِيَارَتُهَا وَالدُّعَاءُ عِنْدَهَا قَائِمًا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ فِي الْخُرُوجِ فِي الْبَقِيعِ انْتَهَى (وَلَا تُصَلُّوا إِلَيْهَا) أي مستقبلين إليها قال القارىء وفِي مَعْنَاهُ بَلِ أَوْلَى مِنْهُ الْجِنَازَةُ الْمَوْضُوعَةُ وَهُوَ مِمَّا ابْتُلِيَ بِهِ أَهْلُ مَكَّةَ حَيْثُ يَضَعُونَ الْجِنَازَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُونَ إِلَيْهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ مَرْفُوعًا لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ (وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ قَالَ رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا عَلَى قَبْرٍ فَقَالَ لَا تُؤْذِ صَاحِبَ هَذَا الْقَبْرِ أَوْ لَا تُؤْذِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ (وَبَشِيرِ بْنِ الْخَصَاصِيَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ هُوَ بَشِيرُ بْنُ معبد وقيل بن زَيْدِ بْنِ مَعْبَدٍ السَّدُوسِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْخَصَاصِيَةِ بِمُعْجَمَةِ مَفْتُوحَةٍ وَصَادَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ بَعْدَ الثَّانِيَةِ تَحْتَانِيَّةٌ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَمْشِي فِي نَعْلَيْنِ بَيْنَ الْقُبُورِ فَقَالَ يَا صَاحِبَ السِّبْتِيَّتَيْنِ أَلْقِهِمَا سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ إِلَّا خَالِدَ بْنَ نُمَيْرٍ فَإِنَّهُ يَهِمُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ (فَائِدَةٌ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ تَحْتَ حَدِيثِ بَشِيرٍ هَذَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمَشْيُ بَيْنَ الْقُبُورِ بِالنَّعْلَيْنِ وَلَا يختص عدم الجواز بكون سبتيتين لعدم

باب ما جاء في كراهية تجصيص القبور والكتابة عليها

الفارق بينها وبين غيرها وقال بن حَزْمٍ يَجُوزُ وَطْءُ الْقُبُورِ بِالنِّعَالِ الَّتِي لَيْسَتْ سِبْتِيَّةً لِحَدِيثِ أَنَّ الْمَيِّتَ يَسْمَعُ خَفْقَ نِعَالِهِمْ وَخَصَّ الْمَنْعَ بِالسِّبْتِيَّةِ وَجَعَلَ هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَهُوَ وَهْمٌ لِأَنَّ سَمَاعَ الْمَيِّتِ لِخَفْقِ النِّعَالِ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الْمَشْيُ عَلَى قَبْرٍ أَوْ بَيْنَ الْقُبُورِ فَلَا مُعَارَضَةَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ [1051] قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدٌ) هُوَ الْإِمَامُ البخاري (حديث بن المبارك خطأ أخطأ فيه بن الْمُبَارَكِ وَزَادَ فِيهِ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ الخ) لقائل أن يقول إن بن الْمُبَارَكِ ثِقَةٌ حَافِظٌ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عِنْدَ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بِالْوَجْهَيْنِ أَعْنِي رواه أولا عن وائلة بِوَاسِطَةِ أَبِي إِدْرِيسَ ثُمَّ لَقِيَهُ فَرَوَاهُ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَحَدِيثُ أَبِي مَرْثَدٍ هَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ تَجْصِيصِ الْقُبُورِ وَالْكِتَابَةِ عَلَيْهَا) [1052] قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ نَهَى عَنْ تَقْصِيصِ الْقُبُورِ بِالْقَافِ وَالصَّادَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ بِمَعْنَى التَّجْصِيصِ وَالْقَصَّةُ هِيَ الْجِصُّ (وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا

بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يَحْتَمِلُ النَّهْيَ عَنِ الْكِتَابَةِ مُطْلَقًا كَكِتَابِ اسْمِ صَاحِبِ الْقَبْرِ وَتَارِيخِ وَفَاتِهِ أَوْ كِتَابَةِ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْوِ ذَلِكَ لِلتَّبَرُّكِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُوطَأَ أَوْ يَسْقُطَ عَلَى الْأَرْضِ فَيَصِيرَ تَحْتَ الْأَرْجُلِ قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ تَخْرِيجِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ الْإِسْنَادُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ فَإِنْ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ يَكْتُبُونَ عَلَى قُبُورِهِمْ وَهُوَ شَيْءٌ أَخَذَهُ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ وَتَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِأَنَّهُ مُحْدَثٌ وَلَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّهْيُ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِيهِ تَحْرِيمُ الْكِتَابَةِ عَلَى الْقُبُورِ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ كِتَابَةِ اسْمِ الْمَيِّتِ عَلَى الْقَبْرِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ اسْتَثْنَتِ الْهَادَوِيَّةُ رَسْمَ الِاسْمِ فَجَوَّزُوهُ لَا عَلَى وَجْهِ الزَّخْرَفَةِ قِيَاسًا عَلَى وَضْعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَرَ عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ مِنَ التَّخْصِيصِ بِالْقِيَاسِ وَقَدْ قَالَ بِهِ الْجُمْهُورُ لَا أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ كَمَا قَالَ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ وَلَكِنِ الشَّأْنُ فِي صِحَّةِ هَذَا الْقِيَاسِ انْتَهَى (وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ وَفَصَّلَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا إِنْ كَانَ الْبِنَاءُ فِي مِلْكِ الْبَانِي فَمَكْرُوهٌ وَإِنْ كَانَ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ فَحَرَامٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا دَلِيلَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ وقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَأَيْتُ الْأَئِمَّةَ بِمَكَّةَ يَأْمُرُونَ بِهَدْمِ مَا يُبْنَى وَيَدُلُّ عَلَى الْهَدْمِ حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَرَادَ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدِيثَهُ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي بَابِ تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ (وَأَنْ تُوطَأَ) أَيْ بِالْأَرْجُلِ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاسْتِخْفَافِ قَالَ فِي الْأَزْهَارِ وَالْوَطْءُ لِحَاجَةٍ كزيارة ودفن ميت لا يكره قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وفِي وَطْئِهِ لِلزِّيَارَةِ مَحْلُ بَحْثٍ انْتَهَى وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَنْ يَقْعُدَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْقُعُودِ عَلَى الْقَبْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ الْمُرَادُ بِالْقُعُودِ الْحَدَثُ وقَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُعُودِ الْجُلُوسُ وَمِمَّا يُوَضِّحُهُ الرِّوَايَةُ الْوَارِدَةُ بِلَفْظِ لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وفِي لَفْظِهِ نَهَى أَنْ يُبْنَى عَلَى الْقَبْرِ أَوْ يُزَادَ عَلَيْهِ أَوْ يُجَصَّصَ أَوْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي تَطْيِينِ الْقُبُورِ إِلَخْ) جَاءَ فِي تَطْيِينِ الْقُبُورِ رِوَايَتَانِ الْأُولَى مَا رَوَى أَبُو بَكْرٍ النَّجَّارُ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُفِعَ قَبْرُهُ مِنَ الْأَرْضِ شِبْرًا وَطُيِّنَ بِطِينِ الْأَحْمَرِ من العرصة ذكره الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ ص

باب ما يقول الرجل إذا دخل المقابر

وَسَكَتَ عَنْهَا وَالثَّانِيَةُ مَا ذَكَرَ صَاحِبُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ رَوَى مِنْ طَرِيقِ بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا لَا يَزَالُ الْمَيِّتُ يَسْمَعُ الْأَذَانَ مَا لَمْ يُطَيَّنْ قَبْرُهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ ص 561 بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِسْنَادُهُ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ الطَّايَكَانِيِّ وَقَدْ رَمَوْهُ بِالْوَضْعِ انْتَهَى واخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ فِي تَطْيِينِ الْقُبُورِ قَالَ سِرَاجُ أَحْمَدَ السَّرْهِنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وفِي الْبُرْجَنْدِيِّ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَمَّا تَطْيِينُهُ فَفِي الْفَتَاوَى الْمَنْصُورِيَّةِ لَا بَأْسَ بِهِ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ الْكَرْخِيُّ إِنَّهُ مَكْرُوهٌ وفِي الْمُضْمَرَاتِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ انْتَهَى وقَالَ فِي اللُّمُعَاتِ فِي الْخَانِيَةِ تَطْيِينُ الْقُبُورِ لَا بَأْسَ بِهِ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْكَرْخِيُّ انْتَهَى وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَحُكِيَ فِي الْبَحْرِ عَنِ الْهَادِي والقاسم أنه لابأس بِالتَّطْيِينِ لِئَلَّا يَنْطَمِسَ وبِهِ قَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى وَأَبُو حَنِيفَةَ انْتَهَى 8 - (بَاب مَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا دَخَلَ الْمَقَابِرَ) جَمْعُ مَقْبَرَةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَقْبُرَةُ مُثَلَّثَةُ الْبَاءِ وَكَمِكْنَسَةٍ مَوْضِعُ الْقُبُورِ [1053] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ مشهور بكنيته ثقة حافظ عن هشيم وبن المبارك وبن عُيَيْنَةَ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ ع مِنَ الْعَاشِرَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ) بْنِ الْحَجَّاجِ الْأَسَدِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ أَبِي كُدَيْنَةَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ النُّونِ مُصَغَّرًا اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ الملهب الْكُوفِي صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ الْكُوفِي فِيهِ لِينٌ (عَنْ أَبِيهِ) اسْمُهُ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدُبٍ الْجَنْبِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْقُبُورِ (بوجهه) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ فِي حَالِ السَّلَامِ عَلَى الْمَيِّتِ أَنْ يَكُونَ وَجْهُهُ لِوَجْهِ الْمَيِّتِ وَأَنْ يَسْتَمِرَّ كَذَلِكَ فِي الدُّعَاءِ أَيْضًا وَعَلَيْهِ عَمَلُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ خِلَافًا لما قاله بن حَجَرٍ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ عِنْدَنَا أَنَّهُ حَالَةَ الدُّعَاءِ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ كَمَا عُلِمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي مُطْلَقِ الدُّعَاءِ انْتَهَى وفِيهِ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَوَاضِعِ الدُّعَاءِ مَا وَقَعَ اسْتِقْبَالُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلْقِبْلَةِ مِنْهَا

باب ما جاء في الرخصة في زيارة القبور

مَا نَحْنُ فِيهِ وَمِنْهَا حَالَةُ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَدُخُولِ الْمَيِّتِ وَخُرُوجِهِ وَحَالَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَقْتَصِرَ الِاسْتِقْبَالُ وَعَدَمُهُ عَلَى الْمَوْرِدِ إِنْ وُجِدَ وَإِلَّا فَخَيْرُ الْمَجَالِسِ مَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ كَمَا وَرَدَ بِهِ الخبر انتهى كلام القارىء (أَنْتُمْ سَلَفُنَا) بِفَتْحَتَيْنِ فِي النِّهَايَةِ هُوَ مِنْ سَلَفِ الْمَالِ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ وَجَعَلَهُ ثَمَنًا لِلْأَجْرِ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهِ وَقِيلَ سَلَفُ الْإِنْسَانِ مَنْ تَقَدَّمَهُ بِالْمَوْتِ مِنَ الْآبَاءِ وَذَوِي الْقَرَابَةِ وَلِذَا سُمِّيَ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ مِنَ التَّابِعِينَ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ انْتَهَى (وَنَحْنُ بِالْأَثَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ يَعْنِي تَابِعُونَ لَكُمْ مِنْ وَرَائِكُمْ لَاحِقُونَ بِكُمْ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الْمَقَابِرِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ نَسْأَلُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ الْعَافِيَةَ (وَعَائِشَةَ) وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَتْ كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَعْنِي فِي زِيَارَةِ القبور قال قولي السلام على أهل الديار مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ) [1054] قَوْلُهُ (فَقَدْ أُذِنَ لِمُحَمَّدٍ فِي زِيَارَةِ قَبْرِ أُمِّهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ زِيَارَةِ قَبْرِ الْقَرِيبِ الَّذِي لَمْ يُدْرِكِ الْإِسْلَامَ (فَزُورُوهَا) الْأَمْرُ لِلرُّخْصَةِ أَوْ لِلِاسْتِحْبَابِ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ بَلِ ادعى بعضهم الاجماع بل حكى بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بَعْضِهِمْ وُجُوبَهَا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ) أَيْ فَإِنَّ الْقُبُورَ أَوْ زِيَارَتَهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ

باب ما جاء في الزيارة القبور للنساء

قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) لِيُنْظَرْ من أخرجه (وبن مسعود) أخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُزَهِّدُ فِي الدُّنْيَا وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَلَفْظُ الْحَاكِمِ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَّا فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُرِقُّ الْقُلُوبَ وَتُدْمِعُ الْعَيْنَ وَتُذَكِّرُ الْآخِرَةَ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ قَالَ زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ فَقَالَ اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ (وَأُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّ لَكُمْ فِيهَا عِبْرَةً كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِلْعَبْدَرِيِّ وَالْحَازِمِيِّ وَغَيْرِهِمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ لِلرِّجَالِ جَائِزَةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِيهِ نَظَرٌ لأن بن أبي شيبة وغيره روى عن بن سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمَ وَالشَّعْبِيِّ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا فَلَعَلَّ مَنْ أَطْلَقَ أَرَادَ بِالِاتِّفَاقِ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ بَعْدَ هَؤُلَاءِ وَكَانَ هَؤُلَاءِ لَمْ يَبْلُغْهُمُ النَّاسِخُ ومقابل هذا القول بن حُزَمٍ أَنَّ زِيَارَةَ الْقُبُورِ وَاجِبَةٌ وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الْعُمْرِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ انْتَهَى (باب ما جاء في الزيارة الْقُبُورِ لِلنِّسَاءِ) [1056] قَوْلُهُ (لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ) قَالَ القارىء لَعَلَّ الْمُرَادَ كَثِيرَاتُ الزِّيَارَةِ وقَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا اللَّعْنُ إِنَّمَا هُوَ لِلْمُكْثِرَاتِ مِنَ الزِّيَارَةِ لِمَا تَقْتَضِيهِ الصِّيغَةُ مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَلَعَلَّ السَّبَبَ مَا يُفْضِي إِلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ تَضْيِيعِ حَقِّ الزَّوْجِ وَمَا يَنْشَأُ مِنْهُنَّ مِنَ الصِّيَاحِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَقَدْ يُقَالُ إِذَا أُمِنَ جَمِيعُ ذَلِكَ فَلَا مَانِعَ مِنَ الْإِذْنِ لِأَنَّ تَذَكُّرَ الْمَوْتِ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ الْمُتَعَارِضَةِ فِي الظاهر انتهى

قوله وفي الباب عن بن عباس وحسان بن ثابت أما حديث بن عباس فأخرجه الترمذي وحسنه والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صالح عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ أَبُو صَالِحٍ هُوَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وأَمَّا حَدِيثُ حَسَّانِ بْنِ ثابت فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ فَلَمَّا رَخَّصَ دَخَلَ فِي رُخْصَتِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ قال الحافظ بن حَجَرٍ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَمَحَلُّهُ مَا إِذَا أُمِنَتِ الْفِتْنَةُ ويُؤَيِّدُ الْجَوَازَ حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي إِلَخْ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى الْمَرْأَةِ قُعُودَهَا عِنْدَ الْقَبْرِ وَتَقْرِيرُهُ حُجَّةٌ ومِمَّنْ حَمَلَ الْإِذْنَ عَلَى عُمُومِهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَرَوَى الْحَاكِمُ من طريق بن أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّهَا زَارَتْ قَبْرَ أَخِيهَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقِيلَ لَهَا أَلَيْسَ قَدْ نَهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ قَالَتْ نَعَمْ كَانَ نَهَى ثُمَّ أَمَرَ بِزِيَارَتِهَا انْتَهَى قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَعْنِي إِذَا زَارَتِ الْقُبُورَ قَالَ قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ الْحَدِيثَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا كَرِهَ أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ قاله القارىء وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَبِالْأَحَادِيثِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي تَحْرِيمِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ لِلنِّسَاءِ كَحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ قَالَتْ نُهِينَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا وأَجَابَ مَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى زِيَارَتِهِنَّ لِمُحَرَّمٍ كَالنَّوْحِ وَغَيْرِهِ قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي مَرَّتْ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ مَا لَفْظُهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِتَعْلِيلَاتِهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ كَالرِّجَالِ فِي حُكْمِ الزِّيَارَةِ إِذَا زُرْنَ بِالشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي حَقِّهِنَّ وَأَمَّا خَبَرُ لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ فَمَحْمُولٌ عَلَى زِيَارَتِهِنَّ لِمُحَرَّمٍ كَالنَّوْحِ وَغَيْرِهِ مِمَّا اعْتَدْنَهُ انْتَهَى وقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ إِنَّ اللَّعْنَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ لِلْمُكْثِرَاتِ مِنَ الزِّيَارَةِ وهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في الزيارة للقبور للنساء

(باب ما جاء في الزيارة للقبور للنساء) قَوْلُهُ (تُوفِّيَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيقِ وَهُوَ أَخُو عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (بِالْحُبْشِيِّ) فِي النِّهَايَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ وقَالَ الْجَوْهَرِيُّ جَبَلٌ بِأَسْفَلَ مَكَّةَ وقَالَ السُّيُوطِيُّ مَكَانٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ اثْنَا عَشَرَ مِيلًا (فَحُمِلَ) أَيْ نُقِلَ مِنَ الْحُبْشِيِّ (فَلَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ) أَيْ مَكَّةَ (فَقَالَتْ) أَيْ مُنْشِدَةً مُشِيرَةً إِلَى أَنَّ طُولَ الِاجْتِمَاعِ فِي الدُّنْيَا بَعْدَ زَوَالِهِ يَكُونُ كَأَقْصَرِ زَمَنٍ وَأَسْرَعِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْفَانِي جَمِيعِهِ (وَكُنَّا كَنَدْمَانَيْ جَذِيمَةَ) قَالَ الشُّمُنِّيُّ فِي شَرْحِ الْمُغْنِي هَذَا الْبَيْتُ لِتَمِيمِ بْنِ نُوَيْرَةَ يَرْثِي أَخَاهُ مَالِكًا الَّذِي قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وجَذِيمَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الذَّالِ قَالَ الطِّيبِيُّ جَذِيمَةُ هَذَا كَانَ مَلِكًا بِالْعِرَاقِ وَالْجَزِيرَةِ وَضَمَّ إِلَيْهِ الْعَرَبَ وَهُوَ صَاحِبُ الزَّبَّاءِ انْتَهَى وَفِي الْقَامُوسِ الزَّبَّاءُ مَلِكَةُ الْجَزِيرَةِ وَتُعَدُّ مِنْ مُلُوكِ الطَّوَائِفِ أَيْ كُنَّا كَنَدِيمَيْ جَذِيمَةَ وَجَلِيسَيْهِ وَهُمَا مَالِكٌ وَعَقِيلٌ كَانَا نَدِيمَيْهِ وَجَلِيسَيْهِ مُدَّةَ أَرْبَعِينَ سَنَةً (حِقْبَةً) بِالْكَسْرِ أَيْ مُدَّةً طَوِيلَةً (حَتَّى قِيلَ لَنْ يَتَصَدَّعَا) أَيْ إِلَى أَنْ قَالَ النَّاسُ لَنْ يَتَفَرَّقَا (فَلَمَّا تَفَرَّقْنَا) أَيْ بِالْمَوْتِ (كَأَنِّي وَمَالِكًا) هُوَ أَخُو الشَّاعِرِ الْمَيِّتِ (لِطُولِ اجْتِمَاعٍ) قِيلَ اللَّامُ بِمَعْنَى مَعَ أَوْ بَعْدَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس وَمِنْهُ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ أَيْ بَعْدَ رُؤْيَتِهِ (لَمْ نَبِتْ لَيْلَةً مَعًا) أَيْ مُجْتَمَعِينَ (ثُمَّ قَالَتْ) أَيْ عَائِشَةُ (لَوْ حَضَرْتُكَ) أَيْ وَقْتَ الدَّفْنِ (مَا دُفِنْتَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (إِلَّا حَيْثُ مُتَّ) أَيْ مَنَعْتُكَ أَنْ تُنْقَلَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ بَلْ دُفِنْتَ حَيْثُ مُتَّ (وَلَوْ شَهِدْتُكَ) أَيْ حَضَرْتُ وَفَاتَكَ (مَا زُرْتُكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ انْتَهَى وَيُرَّدُ عَلَيْهِ أَنَّ عَائِشَةَ كَيْفَ زَارَتْ مَعَ النَّهْيِ وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَشْهَدْ وَقْتَ مَوْتِهِ وَدَفْنِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عنه بأن

باب ما جاء في الدفن بالليل

النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى تَكْثِيرِ الزِّيَارَةِ لِأَنَّهُ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ وَلِذَا قَالَتْ لَوْ شَهِدْتُكَ مَا زُرْتُكَ لأن التكرار ينبىء عَنِ الْإِكْثَارِ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي وقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ لِلنِّسَاءِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَمْ يَحْكُمِ التِّرْمِذِيُّ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ وَرِجَالُهُ ثقات إلا أن بن جُرَيْجٍ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ بِالْعَنْعَنَةِ (بَاب مَا جَاءَ فِي الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ) [1057] قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو السَّوَّاقُ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ (عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ خَلِيفَةَ) الْكُوفِيُّ أَبُو قُدَامَةَ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ النَّخَعِيِّ أَبُو أَرْطَاةَ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ قَوْلُهُ (فَأُسْرِجَ) مَاضٍ مَجْهُولٌ (لَهُ) أَيْ لِلْمَيِّتِ أَوْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَخَذَهُ) أَيْ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَيِّتَ (مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ) فِي الْأَزْهَارِ احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمَيِّتَ يُوضَعُ فِي عَرْضِ الْقَبْرِ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ مُؤَخَّرُ الْجِنَازَةِ إِلَى مُؤَخَّرِ الْقَبْرِ وَرَأْسُهُ إِلَى رَأْسِهِ ثُمَّ يُدْخَلُ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ يُسَلُّ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ بِأَنْ يُوضَعَ رَأْسُ الْجِنَازَةِ عَلَى مُؤَخَّرِ الْقَبْرِ ثُمَّ يُدْخَلَ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ انْتَهَى (إِنْ كُنْتَ) إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ أَيْ إِنَّكَ كُنْتَ (لَأَوَّاهًا) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ كَثِيرَ التَّأَوُّهِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأَوَّاهُ الْمُتَأَوِّهُ الْمُتَضَرِّعُ وقِيلَ هُوَ الْكَثِيرُ الْبُكَاءِ أَوْ الْكَثِيرُ الدُّعَاءِ (تَلَّاءً) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ كَثِيرَ التِّلَاوَةِ وَقَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ قَالَ رَأَى نَاسٌ نَارًا فِي الْمَقْبَرَةِ فَأَتَوْهَا فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ وَإِذَا هُوَ يَقُولُ نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ فَإِذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ (وَيَزِيدَ بْنِ ثَابِتٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَأُنْكِرَ عَلَيْهِ

لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ مدلس ولم يذكر سماعا قال بن القطان ومنهال بن خليفة ضعفه بن مَعِينٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ نَظَرٌ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَدْ عَرَفْتَ أنه ضعيف وبما أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سعيد أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَبَّرَ عَلَى يَزِيدَ بْنِ الْمُكَفَّفِ أَرْبَعًا وَأُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ القبلة وبما أخرج هو أيضا عن بن الحنفية أنه ولي بن عَبَّاسٍ فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا وَأَدْخَلَهُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسَلُّ سَلًّا) أَيْ يُدْخَلُ الْمَيِّتُ فِي الْقَبْرِ مِنْ قِبَلِ الرَّأْسِ بِأَنْ يُوضَعَ رَأْسُ الْجِنَازَةِ عَلَى مُؤَخَّرِ الْقَبْرِ ثُمَّ يُدْخَلُ الْمَيِّتُ الْقَبْرَ وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الْأَقْوَى وَالْأَرْجَحُ دَلِيلًا وَاسْتَدَلُّوا بِمَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ أَوْصَى الْحَارِثُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيِ الْقَبْرِ وَقَالَ هَذَا مِنَ السُّنَّةِ وهَذَا الْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وهُوَ كَالْمُسْنَدِ لِقَوْلِهِ مِنَ السُّنَّةِ انْتَهَى وبِمَا أَخْرَجَ بن شَاهِينٍ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْخَلُ الْمَيِّتُ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ ويسل سلا قال الحافظ بن حجر في الدراية إسناده ضعيف ورواه بن أبي شيبة بإسناده صَحِيحٍ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَنَسٍ انْتَهَى قُلْتُ قال الزيلعي في نصب الراية بعد ما ذكر حديث أنس المرفوع وروى بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى عن خالد عن بن سِيرِينَ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي جِنَازَةٍ فَأَمَرَ بِالْمَيِّتِ فَأُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ انْتَهَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَامِرٍ أَنَّهُ أَدْخَلَ مَيِّتًا من قبل رجليه انتهى وبما أخرج بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ سَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَعْدًا وَرَشَّ عَلَى قَبْرِهِ مَاءً انْتَهَى وفِي سَنَدِهِ مُنْذِرُ بْنُ عَلِيٍّ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنْ قُلْتُ مَا أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَيْفَ يَكُونُ إِسْنَادُهُ صَحِيحًا وَأَبُو إِسْحَاقَ هَذَا هُوَ السَّبِيعِيُّ وَكَانَ قَدْ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَمَعَ هَذَا قَدْ كَانَ مُدَلِّسًا قُلْتُ نَعَمْ لَكِنْ رَوَاهُ عَنْهُ شُعْبَةُ وَهُوَ لَا يَحْمِلُ عَنْ شُيُوخِهِ إِلَّا صَحِيحَ حَدِيثِهِمْ كَمَا صَرَّحَ به الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي ص 051 ج 1 وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ رِوَايَةَ أَبِي إِسْحَاقَ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ مُعَنْعَنَةً قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِينَا عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ كَفَيْتُكُمْ تَدْلِيسَ ثَلَاثَةٍ الْأَعْمَشِ وَأَبِي إِسْحَاقَ وَقَتَادَةَ قَالَ الْحَافِظُ فَهَذِهِ قَاعِدَةٌ جَيِّدَةٌ فِي أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ دَلَّتْ عَلَى السماع ولو

باب ما جاء الثناء الحسن على الميت

كَانَتْ مُعَنْعَنَةً انْتَهَى (وَرَخَّصَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الدَّفْنِ بِاللَّيْلِ) لِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَجَرَ أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ لَيْلًا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الزَّجْرَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا كَانَ لِتَرْكِ الصَّلَاةِ لَا لِلدَّفْنِ بِاللَّيْلِ أَوْ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَدْفِنُونَ بِاللَّيْلِ لِرَدَاءَةِ الْكَفَنِ فَالزَّجْرُ إِنَّمَا هُوَ لَمَّا كَانَ الدَّفْنُ بِاللَّيْلِ مَظِنَّةَ إِسَاءَةِ الْكَفَنِ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ تَقْصِيرٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَتَكْفِينِهُ فَلَا بَأْسَ بِالدَّفْنِ لَيْلًا وقَدْ دُفِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلًا كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَائِشَةَ وَكَذَا دُفِنَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا لَيْلًا وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دفن فاطمة ليلا 3 - (باب ما جاء الثَّنَاءِ الْحَسَنِ عَلَى الْمَيِّتِ) [1058] قَوْلُهُ (مُرَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا) وفِي رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ قَالُوا جِنَازَةُ فُلَانٍ كَانَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَيَسْعَى فِيهَا (وَجَبَتْ) أَيْ الْجَنَّةُ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآتِي (أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ) أَيْ الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ كَانَ عَلَى صِفَتِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وحَكَى بن التِّينِ أَنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِالصَّحَابَةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَنْطِقُونَ بِالْحِكْمَةِ بِخِلَافِ مَنْ بَعْدَهُمْ وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالْمُتَّقِيَاتِ وَالْمُتَّقِينَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ (وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وفِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) [1059] وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ

التَّحْتِيَّةِ وَيُقَالُ الدُّؤَلِيُّ بِالضَّمِّ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ هُوَ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ الْمَشْهُورُ قَوْلُهُ (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ لَهُ ثَلَاثَةٌ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الجنة) قال الداؤدي الْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالصِّدْقِ لَا الْفَسَقَةِ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَثْنُونَ عَلَى مَنْ يَكُونُ مِثْلَهُمْ وَلَا مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ عَدَاوَةٌ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدُوِّ لَا تُقْبَلُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الثَّنَاءَ بِالْخَيْرِ لِمَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ أَهْلُ الْفَضْلِ وَكَانَ ذَلِكَ مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُطَابِقٍ فَلَا وَكَذَا عَكْسُهُ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ وَأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَأَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى النَّاسَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ كَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَفْعَالُهُ تَقْتَضِي ذَلِكَ أَمْ لَا فَإِنَّ الْأَعْمَالَ دَاخِلَةٌ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَهَذَا إِلْهَامٌ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَعْيِينِهَا وَبِهَذَا تظهر فائدة الثناء انتهى قال الحافظ بن حَجَرٍ وَهَذَا فِي جَانِبِ الْخَيْرِ وَاضِحٌ وَيُؤَيِّدُهُ ما رواه أحمد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَشْهَدُ لَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ جِيرَانِهِ الْأَدْنَيْنَ أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مِنْهُ إِلَّا خَيْرًا إِلَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ قَبِلْتُ قَوْلَكُمْ وَغَفَرْتُ لَهُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَأَمَّا جَانِبُ الشَّرِّ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ كَذَلِكَ لَكِنْ إِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ غَلَبَ شَرُّهُ عَلَى خَيْرِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةٌ تَنْطِقُ عَلَى أَلْسِنَةِ بَنِي آدَمَ بِمَا فِي الْمَرْءِ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ انْتَهَى (قُلْنَا وَاثْنَانِ) أَيْ فَحُكْمُ اثْنَيْنِ (قَالَ وَاثْنَانِ) أَيْ وَكَذَلِكَ اثْنَانِ وَقِيلَ هُوَ عَطْفُ تَلْقِينٍ (وَلَمْ نَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْوَاحِدِ) قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُمَا نِصَابُ الشَّهَادَةِ غَالِبًا وقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ إِنَّمَا لَمْ يَسْأَلْ عُمَرُ عَنِ الْوَاحِدِ اسْتِبْعَادًا مِنْهُ أَنْ يُكْتَفَى فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ الْعَظِيمِ بِأَقَلَّ مِنَ النِّصَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ

باب ما جاء في ثواب من قدم ولدا

64 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ثَوَابِ مَنْ قَدَّمَ وَلَدًا) أَيْ مَاتَ وَلَدُهُ فَصَبَرَ [1060] قَوْلُهُ (فَتَمَسَّهُ) بِالنَّصْبِ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ يُنْصَبُ بَعْدَ النَّفْيِ بتقدير أن قاله الحافظ والعيني ولهما ها هنا كَلَامٌ مُفِيدٌ (إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ ما ينحل بِهِ الْقَسَمُ وَهُوَ الْيَمِينُ وَهُوَ مَصْدَرُ حَلَّلَ الْيَمِينَ أَيْ كَفَّرَهَا يُقَالُ حَلَّلَ تَحْلِيلًا وَتَحِلَّةً وقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ فَعَلْتُهُ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ أَيْ قَدْرَ مَا حَلَّلْتُ بِهِ يَمِينِي وَلَمْ أُبَالِغْ وقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ قِيلَ أَرَادَ بِالْقَسَمِ قَوْلَهُ تَعَالَى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) تَقُولُ الْعَرَبُ ضَرَبَهُ تَحْلِيلًا وَضَرَبَهُ تَعْذِيرًا إِذَا لَمْ يُبَالِغْ فِي ضَرْبِهِ وهَذَا مَثَلٌ فِي الْقَلِيلِ الْمُفْرِطِ فِي الْقِلَّةِ وَهُوَ أَنْ يُبَاشِرَ مِنَ الْفِعْلِ الَّذِي يُقْسِمُ عَلَيْهِ الْمِقْدَارَ الَّذِي يَبَرُّ بِهِ قَسَمُهُ مِثْلَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى النُّزُولِ بِمَكَانٍ فَلَوْ وَقَعَ بِهِ وَقْعَةً خَفِيفَةً أَجْزَأَتْهُ فَتِلْكَ تَحِلَّةُ قَسَمِهِ فَالْمَعْنَى لَا تَمَسُّهُ النَّارُ إِلَّا مَسَّةً يَسِيرَةً مِثْلَ تَحِلَّةِ قَسَمِ الْحَالِفِ وَيُرِيدُ بِتَحِلَّتِهِ الْوُرُودُ عَلَى النَّارِ وَالِاجْتِيَازُ بِهَا والتَّاءُ فِي التَّحِلَّةِ زَائِدَةٌ انْتَهَى مَا فِي النِّهَايَةِ وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالُوا أَيْ الْجُمْهُورُ الْمُرَادُ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَإِنْ منكم إلا واردها) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ لِيُعَاقَبَ بِهَا وَلَكِنَّهُ يَدْخُلُهَا مُجْتَازًا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْجَوَازُ إِلَّا قَدْرَ مَا يُحَلِّلُ بِهِ الرَّجُلُ يَمِينَهُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا وَقَعَ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ يَعْنِي الْوُرُودَ وذَكَرَ الْحَافِظُ رِوَايَاتٍ أُخْرَى تَدُلُّ عَلَى هَذَا فَعَلَيْكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَمُعَاذٍ وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ إِلَخْ) وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ مُطَرَّفِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي مُوسَى وَالْحَارِثِ بن وقيش

وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَشِيرٍ وَزُهَيْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَعَبْدِ الله بن الزبير وبن النَّضْرِ السُّلَمِيِّ وَسَفِينَةَ وَحَوْشَبِ بْنِ طَخْمَةَ وَالْحَسْحَاسِ بْنِ بَكْرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَبُرَيْدَةَ وَأَبِي سَلَمَةَ رَاعِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَحَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ وَأُمِّ مُبَشِّرٍ وَرَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَإِنْ شِئْتَ تَخْرِيجَ أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الصحابة فارجع إلى عمدة القارىء ص 30 ج 4 (وَأَبُو ثَعْلَبَةَ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ هَذَا الْحَدِيثُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي معجمه الكبير من رواية بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَبْهَانَ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاتَ لِي وَلَدَانِ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ مَنْ مات له ولدان في الإسلام أدخله الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمَا (وَلَيْسَ هُوَ بِالْخُشَنِيِّ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ وَكَسْرِ النُّونِ يَعْنِي أَنَّ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْجُشَمِيَّ الَّذِي رَوَى الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ آنِفًا لَيْسَ هُوَ بِأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ بَلْ هُمَا صَحَابِيَّانِ وَأَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [1061] قَوْلُهُ (مَنْ قَدَّمَ ثَلَاثَةً مِنَ الْوَلَدِ) أَيْ مَنْ قَدَّمَهُمْ بِالصَّبْرِ على موتهم قال القارىء الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ مَنْ قَدَّمَ صَبْرَ ثَلَاثَةٍ مِنَ الْوَلَدِ عِنْدَ فَقْدِهِمْ وَاحْتَسَبَ ثَوَابَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ أَوْ الْمُرَادُ بِالتَّقْدِيمِ لَازِمُهُ وَهُوَ التَّأَخُّرُ أَيْ مَنْ تَأَخَّرَ مَوْتُهُ عَنْ مَوْتِ ثَلَاثَةٍ مِنْ أَوْلَادِهِ الْمُقَدَّمِينَ عَلَيْهِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ أَيْ الذَّنْبَ أَوْ الْبُلُوغَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَيْدٌ لِلْكَمَالِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ عَلَيْهِ أَرَقَّ وَالصَّبْرُ عَنْهُمْ أَشَقَّ وَشَفَاعَتُهُمْ أَرْجَى وَأَسْبَقَ (كَانُوا لَهُ حِصْنًا حَصِينًا مِنَ النَّارِ) أَيْ حِصَارًا مُحْكَمًا وَحَاجِرًا مَانِعًا مِنَ النَّارِ (قَدَّمْتُ اثْنَيْنِ) أَيْ فَمَا حُكْمُهُ (قَالَ وَاثْنَيْنِ) أَيْ وَكَذَا مَنْ قَدَّمَ اثْنَيْنِ (فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ

إِنَّمَا قِيلَ لَهُ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ (وَلَكِنْ إِنَّمَا ذلك عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى) أَيْ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى قَوْلُهُ (وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ) أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا اِسْمَ لَهُ غَيْرُهَا وَيُقَالُ اسْمُهُ عَامِرٌ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِيهِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ [1062] قَوْلُهُ (أَبَا أُمِّي) بَدَلٌ مِنْ جَدِّي يَعْنِي أَنَّهُ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنْ جَدِّهِ الْفَاسِدِ وَهُوَ أَبُو الْأُمِّ قَوْلُهُ (مَنْ كَانَ لَهُ فَرَطَانِ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ وَلَدَانِ لَمْ يَبْلُغَا أَوَانَ الْحُلُمِ بَلْ مَاتَا قَبْلَهُ يُقَالُ فَرَطَ إِذَا تَقَدَّمَ وَسَبَقَ فَهُوَ فَارِطٌ وَالْفَرَطُ هُنَا الْوَلَدُ الذي مات قبله فإنه يتقدم ويهيء لِوَالِدَيْهِ نُزُلًا وَمَنْزِلًا فِي الْجَنَّةِ كَمَا يَتَقَدَّمُ فُرَّاطُ الْقَافِلَةِ إِلَى الْمَنَازِلِ فَيَعُدُّونَ لَهُمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَاءِ وَالْمَرْعَى وَغَيْرِهِمَا (مِنْ أُمَّتِي) بَيَانٌ لِمَنْ (فَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ) أَيْ فَمَا حُكْمُهُ أَوْ فَهَلْ لَهُ هَذَا الثَّوَابُ (قَالَ وَمَنْ كَانَ لَهُ فَرَطٌ) أَيْ فَكَذَلِكَ (يَا مُوَفَّقَةُ) أَيْ فِي الْخَيْرَاتِ وَلِلْأَسْئِلَةِ الْوَاقِعَةِ مَوْقِعَهَا شَفَقَةً عَلَى الْأُمَّةِ (فَأَنَا فَرَطُ أُمَّتِي) أَيْ سَابِقُهُمْ وَإِلَى الْجَنَّةِ بِالشَّفَاعَةِ سَائِقُهُمْ بَلِ أَنَا أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ فَرَطٍ فَإِنَّ الْأَجْرَ عَلَى قَدْرِ الْمَشَقَّةِ (لَنْ يُصَابُوا) أَيْ أُمَّتِي (بِمِثْلِي) أَيْ بِمِثْلِ مُصِيبَتِي لَهُمْ فَإِنَّ مُصِيبَتِي أَشَدُّ عَلَيْهِمْ مِنْ سَائِرِ الْمَصَائِبِ

باب ما جاء في الشهداء من هم

65 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشُّهَدَاءِ مَنْ هُمْ) [1063] قَوْلُهُ (عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُصَغَّرًا مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ) جَمْعُ شَهِيدٍ بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِأَنَّهُ يَشْهَدُ مَقَامَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَشْهَدُهُ أَيْ تَحْضُرُهُ مُبَشِّرَةً لَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي سَبَبِ تَسْمِيَةِ الشَّهِيدِ شَهِيدًا أَقْوَالًا أُخْرَى وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ اخْتَلَفَتْ فِي عَدَدِ أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ فَفِي بَعْضِهَا خَمْسَةٌ وفِي بَعْضِهَا سَبْعَةٌ وفِي بَعْضِهَا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْلِمَ بِالْأَقَلِّ ثُمَّ أُعْلِمَ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ فَذَكَرَهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ وَلَمْ يَقْصِدِ الْحَصْرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى (الْمَطْعُونُ) أَيْ الَّذِي ابْتُلِيَ بِالطَّاعُونِ وَمَاتَ بِهِ (وَالْمَبْطُونُ) أَيْ الَّذِي يَمُوتُ بِمَرَضِ الْبَطْنِ كَالِاسْتِسْقَاءِ وَنَحْوِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمُرَادُ بِالْبَطْنِ الِاسْتِسْقَاءُ أَوْ الْإِسْهَالُ عَلَى قَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ (والغريق) أَيْ الَّذِي يَمُوتُ مِنَ الْغَرَقِ (وَصَاحِبُ الْهَدَمِ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَتُسَكَّنُ أَيْ الَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْهَدَمُ بِالتَّحْرِيكِ الْبِنَاءُ الْمَهْدُومُ فَعَلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَبِالسُّكُونِ الْفِعْلُ نَفْسُهُ (وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ الْمَقْتُولُ فِيهِ قال بن الْمَلِكِ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّرَقِّي مِنَ الشَّهِيدِ الْحُكْمِيِّ إِلَى الْحَقِيقِيِّ واعْلَمْ أَنَّ الشُّهَدَاءَ الْحُكْمِيَّةَ كَثِيرَةٌ وَرَدَتْ فِي أَحَادِيثَ شَهِيرَةٍ جَمَعَهَا السُّيُوطِيُّ فِي كُرَّاسَةٍ سَمَّاهَا أَبْوَابُ السَّعَادَةِ فِي أَسْبَابِ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَجَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ وَخَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ وَسُلَيْمَانِ بْنِ صُرَدٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وأَمَّا حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا

حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عتيكٍ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وأَمَّا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1064] قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْقُرَشِيُّ الْكُوفِيُّ) صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا أَبِي) وَهُوَ أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ ضُعِّفَ فِي الثَّوْرِيِّ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا أَبُو سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ) اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ الْبُرْجُمِيُّ الْأَصْغَرُ الْكُوفِيٌّ نَزِيلُ الرَّيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّادِسَةِ (قَالَ قَالَ سُلَيْمَانُ بن صرد) بضم المهملة وفتح الراء بن الْجَوْنِ الْخُزَاعِيُّ أَبُو مُطَرِّفٍ الْكُوفِيٌّ صَحَابِيٌّ قُتِلَ بِعَيْنِ الْوَرْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ (لِخَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْفَاءِ الْقُضَاعِيِّ صَحَابِيٌّ اسْتَنَابَهُ سَعْدٌ عَلَى الْكُوفَةِ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ (أَوْ خَالِدٌ لِسُلَيْمَانَ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَوْلُهُ (مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ) إِسْنَادُهُ مَجَازِيٌّ أَيْ مَنْ مَاتَ مِنْ وَجَعِ بَطْنِهِ وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْإِسْهَالَ وَالِاسْتِسْقَاءَ وَالنِّفَاسَ وَقِيلَ مَنْ حَفِظَ بَطْنَهُ مِنَ الْحَرَامِ وَالشُّبَهِ فَكَأَنَّهُ قَتَلَهُ بَطْنُهُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ (لَمْ يُعَذَّبْ فِي قَبْرِهِ) لِأَنَّهُ لِشِدَّتِهِ كَانَ كَفَّارَةً لِسَيِّئَتِهِ وصَحَّ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ الشَّهِيدَ يُغْفَرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الدَّيْنَ أَيْ إِلَّا حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ مَيْرَكُ وأخرجه النسائي وبن حبان

باب ما جاء في كراهية الفرار من الطاعون

66 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ) [1065] قَوْلُهُ (بَقِيَّةُ رِجْزٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ عَذَابٍ (أَوْ عَذَابٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) قَالَ الطِّيبِيُّ هُمْ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَدْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا فَخَالَفُوا قَالَ تَعَالَى (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رجزا من السماء) قال بن الْمَلِكِ فَأُرْسِلَ عَلَيْهِمْ الطَّاعُونُ فَمَاتَ مِنْهُمْ فِي سَاعَةٍ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا مِنْ شُيُوخِهِمْ وَكُبَرَائِهِمْ (فَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا منها) قال بن الْمَلِكِ فَإِنَّ الْعَذَابَ لَا يَدْفَعُهُ الْفِرَارُ وَإِنَّمَا يَمْنَعُهُ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ فَلَا بَأْسَ (فَلَا تَهْبِطُوا عَلَيْهَا) بِكَسْرِ الْبَاءِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَلَا تَقْدِمُوا عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْهُبُوطِ هُوَ الْقُدُومُ وَعَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ يُسَمُّوا الذَّهَابَ بِالصُّعُودِ وَالْقُدُومَ بِالْهُبُوطِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن سعد) أي بن أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بِلَفْظِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا وَقَعَ الطَّاعُونُ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَفِرُّوا مِنْهَا وَإِذَا كَانَ بِأَرْضٍ فَلَا تَهْبِطُوا عَلَيْهَا (وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدِمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْفَارُّ مِنَ الطَّاعُونِ كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ وَالصَّابِرُ فِيهِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي سَنَدُهُ صَالِحٌ لِلْمُتَابَعَاتِ وقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي الْمُغْنِي عَنْ حَمْلِ الْأَسْفَارِ فِي الْأَسْفَارِ فِي تَخْرِيجِ إِحْيَاءِ الْعُلُومِ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَاءُ أُمَّتِي بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الطَّعْنُ قَدْ عَرَفْنَاهُ فَمَا الطَّاعُونُ قَالَ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْإِبِلِ الْمُقِيمُ فِيهَا كَالشَّهِيدِ وَالْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ

قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي الْمُغْنِي عَنِ الْأَسْفَارِ إسناده جيد وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي سَنَدُهُ حَسَنٌ وقَالَ الزُّرْقَانِيُّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وأَحَادِيثُ الْبَابِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى حُرْمَةِ الْخُرُوجِ مِنْ أَرْضٍ وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ فِرَارًا مِنْهُ وَكَذَا الدُّخُولُ فِي أَرْضٍ وَقَعَ بِهَا الطَّاعُونُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ النَّهْيُ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ فَيُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ وخَالَفَهُمْ جَمَاعَةٌ فَقَالُوا يَحْرُمُ الْخُرُوجُ مِنْهَا لِظَاهِرِ النَّهْيِ الثَّابِتِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَاضِيَةِ وهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَيُؤَيِّدُهُ ثبوت الوعيد على ذلك فأخرج أحمد وبن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا الطَّاعُونُ قَالَ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْإِبِلِ الْمُقِيمُ فِيهَا كَالشَّهِيدِ وَالْفَارُّ مِنْهَا كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ انْتَهَى وقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَنْعُ الْقُدُومِ عَلَى بَلْدَةِ الطَّاعُونِ وَمَنْعُ الْخُرُوجِ فِرَارًا مِنْ ذَلِكَ أَمَّا الْخُرُوجُ لِعَارِضٍ فَلَا بَأْسَ وهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَالَ الْقَاضِي هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ حَتَّى قَالَتْ عَائِشَةُ الْفِرَارُ مِنْهُ كَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ الْقُدُومَ عَلَيْهِ وَالْخُرُوجَ مِنْهُ فِرَارًا ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ وَالْفِرَارِ مِنْهُ لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدِّهْلَوِيُّ فِي أَشِعَّةِ اللَّمَعَاتُ ضابطه دروهمين أست كه درانجا كه هست نبايد رفت وازنجاكه باشد نبايد كريخت واكرحه كريختن در بعض مواضع مثل خانه كه دروى زلزله شده يا اتش كرفته يانشتن درزير ديو اريكه خم شده نزد غلبه ظن بهلاك امده است اما درباب طاعون جز صبرنيا مده وكريختن تجويز نيافته وقياس بن بران مواد فاسد است كه إنها از قبيل أسباب عادية اندواين از أسباب وهمي وبرهد تقدير كريختن ازانجا جائز نيست وهيج جاوارد نشده وهركه بكريز دعاصى ومرتكب كبيره ومردود است نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ انْتَهَى وقَالَ الشَّيْخُ إِسْمَاعِيلُ الْمُهَاجِرُ الْحَنَفِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ رُوحِ الْبَيَانِ وَالْفِرَارُ مِنَ الطَّاعُونِ حَرَامٌ إِلَى أَنْ قَالَ وفِي الْحَدِيثِ الْفَارُّ مِنَ الطَّاعُونِ كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ وَالصَّابِرُ فِيهِ كَالصَّابِرِ فِي الزَّحْفِ فَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْخُرُوجِ لِلتَّحْرِيمِ وَأَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ انْتَهَى وقَالَ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ وَالْجُمْهُورُ على أنه للتحريم حتى قال بن خزيمة إنه من الكبائر التي يعاقب اللهعليها إِنْ لَمْ يَعْفُ انْتَهَى وقَالَ فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ وَخَالَفَهُمْ الْأَكْثَرُ وَقَالُوا إِنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ حَتَّى قال بن خُزَيْمَةَ إِنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ الَّتِي يُعَاقِبُ عَلَيْهَا إِنْ لَمْ يَعْفُ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الطَّاعُونُ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْبَعِيرِ الْمُقِيمُ بِهَا كَالشَّهِيدِ وَالْفَارُّ مِنْهُ كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ رَوَاهُ أَحْمَدُ بِرِجَالٍ ثِقَاتٍ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مَرْفُوعًا الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِأُمَّتِي وَوَخْزُ أَعْدَائِكُمْ مِنَ الْجِنِّ غُدَّةٌ كَغُدَّةِ الْإِبِلِ تَخْرُجُ فِي الْآبَاطِ وَالْمِرَاقِ مَنْ مَاتَ مِنْهُ مَاتَ شَهِيدًا وَمَنْ أَقَامَ بِهِ كَانَ كَالْمُرَابِطِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنْ فَرَّ مِنْهُ كان

باب ما جاء في من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

كَالْفَارِّ مِنَ الزَّحْفِ انْتَهَى قُلْتُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْخُرُوجَ مِنْ أَرْضٍ وَقَعَ فِيهَا الطَّاعُونُ فِرَارًا مِنْهُ حَرَامٌ وقَدْ أَلَّفْتُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رِسَالَةً سَمَّيْتُهَا خَيْرُ الْمَاعُونِ فِي مَنْعِ الْفِرَارِ مِنَ الطَّاعُونِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُسَامَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 7 - (بَاب مَا جَاءَ في مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ) [1066] قَوْلُهُ (مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ بِلِقَاءِ اللَّهِ الْمَصِيرُ إِلَى اللَّهِ أَوْ الْآخِرَةِ وَطَلَبُ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ الْغَرَضُ بِهِ الْمَوْتَ لِأَنَّ كُلًّا يَكْرَهُهُ فَمَنْ تَرَكَ الدُّنْيَا وَأَبْغَضَهَا أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَمَنْ آثَرَهَا وَرَكَنَ إِلَيْهَا كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَصِلُ إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مُوسَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [1067] قَوْلُهُ (لَيْسَ كَذَلِكَ) أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَنْتِ يَا عَائِشَةُ (وَلَكِنْ الْمُؤْمِنُ إِذَا بُشِّرَ) أَيْ عِنْدَ النَّزْعِ

وَحُضُورِ الْمَلَائِكَةِ فَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ إِلَخْ وفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ بِالَّذِي تَذْهَبُ إِلَيْهِ وَلَكِنْ إِذَا شَخَصَ الْبَصَرُ وَحَشْرَجَ الصَّدْرُ وَاقْشَعَرَّ الْجِلْدُ وَتَشَنَّجَتِ الْأَصَابِعُ فَعِنْدَ ذَلِكَ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ إِلَخْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ يُفَسِّرُ آخِرُهُ أَوَّلَهُ وَيُبَيِّنُ الْمُرَادَ بِبَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ ومَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَرَاهَةَ الْمُعْتَبَرَةَ هِيَ الَّتِي تَكُونُ عِنْدَ النَّزْعِ فِي حَالَةٍ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا غَيْرُهَا فَحِينَئِذٍ يُبَشَّرُ كُلُّ إِنْسَانٍ بِمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ وَمَا أُعِدَّ لَهُ وَيُكْشَفُ لَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَهْلُ السَّعَادَةِ يُحِبُّونَ الْمَوْتَ وَلِقَاءَ اللَّهِ لِيَنْتَقِلُوا إِلَى مَا أُعِدَّ لَهُمْ وَيُحِبُّ اللَّهُ لِقَاءَهُمْ فَيُجْزِلُ لَهُمْ الْعَطَاءَ وَالْكَرَامَةَ وَأَهْلُ الشَّقَاوَةِ يَكْرَهُونَ لِقَاءَهُ لِمَا عَلِمُوا مِنْ سُوءِ مَا يَنْتَقِلُونَ إِلَيْهِ وَيَكْرَهُ اللَّهَ لِقَاءَهُمْ أَيْ يُبْعِدُهُمْ عَنْ رَحْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَلَا يُرِيدُ ذَلِكَ بِهِمْ وهَذَا مَعْنَى كَرَاهَتِهِ سُبْحَانَهُ لِقَاءَهُمْ ولَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ سَبَبَ كَرَاهَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِقَاءَهُمْ كَرَاهَتُهُمْ ذَلِكَ وَلَا أَنَّ حُبَّهُ لِقَاءَ الْآخَرِينَ حُبُّهُمْ ذَلِكَ بَلْ هُوَ صِفَةٌ لَهُمْ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ

باب ما جاء فيمن يقتل نفسه لم يصل عليه

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم 8 - (باب ما جاء فيمن يقتل نَفْسَهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ) [1068] قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ نَفْسَهُ إِلَخْ) وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ وفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ وَالْمَشَاقِصُ جَمْعُ شِقْصٍ وَهُوَ سَهْمٌ عَرِيضٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَنَا فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مَنْ صَلَّى لِلْقِبْلَةِ وَعَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَحْتَ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ وفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ لَا يُصَلَّى عَلَى قَاتِلِ نَفْسِهِ لِعِصْيَانِهِ وهَذَا مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وقَالَ الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ يُصَلَّى عَلَيْهِ وأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ زَجْرًا لِلنَّاسِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِ وَصَلَّتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وهَذَا كَمَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ زَجْرًا لَهُمْ عَنِ التَّسَاهُلِ فِي الِاسْتِدَانَةِ وَعَنْ إِهْمَالِ وَفَائِهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ قَالَ الْقَاضِي مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً الصَّلَاةُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَمَحْدُودٍ وَمَرْجُومٍ وَقَاتِلِ نفسه وولد الزنى وعَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْتَنِبُ الصَّلَاةَ عَلَى مَقْتُولٍ فِي حَدٍّ وَأَنَّ أَهْلَ الْفَضْلِ لَا يُصَلُّونَ عَلَى الْفُسَّاقِ زَجْرًا لَهُمْ وعَنِ الزُّهْرِيِّ لَا يُصَلَّى عَلَى مَرْجُومٍ وَيُصَلَّى عَلَى الْمَقْتُولِ فِي قِصَاصٍ وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى مُحَارِبٍ وَلَا عَلَى قَتِيلِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ وقَالَ قَتَادَةُ لَا يُصَلَّى على ولد الزنى وعَنِ الْحَسَنِ لَا يُصَلَّى عَلَى النُّفَسَاءِ تَمُوتُ مِنْ زِنًا وَلَا عَلَى وَلَدِهَا ومَنَعَ بَعْضُ السَّلَفِ الصَّلَاةَ عَلَى الطِّفْلِ الصَّغِيرِ واخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ عَلَى السِّقْطِ فَقَالَ بِهَا فُقَهَاءُ الْمُحَدِّثِينَ وَبَعْضُ السَّلَفِ إِذَا مَضَى عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ومَنَعَهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ حَتَّى يَسْتَهِلَّ أَوْ تُعْرَفَ حَيَاتُهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ وأَمَّا الشَّهِيدُ الْمَقْتُولُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وعَنِ الْحَسَنِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى الْفَاسِقِ وأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ زَجْرًا لِلنَّاسِ وصَلَّتْ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ ويُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَمَّا أَنَا فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ انْتَهَى (وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى قَاتِلِ النَّفْسِ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُ الْإِمَامِ) يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا أَنَا فَلَا أُصَلِّي عَلَيْهِ

باب ما جاء في الصلاة على المديون

69 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدْيُونِ) [1069] قَوْلُهُ (أُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِرَجُلٍ) أَيْ بِجِنَازَةِ رَجُلٍ (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَإِنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ امْتِنَاعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدْيُونِ إِمَّا لِلتَّحْذِيرِ عَنِ الدَّيْنِ وَالزَّجْرِ عَنِ الْمُمَاطَلَةِ وَالتَّقْصِيرِ فِي الْأَدَاءِ أَوْ كَرَاهَةَ أن يوقف دعاءه بِسَبَبِ مَا عَلَيْهِ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ وَمَظَالِمِهِمْ وقال القاضي بن الْعَرَبِيِّ فِي الْعَارِضَةِ وَامْتِنَاعُهُ مِنَ الصَّلَاةِ لِمَنْ تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا تَحْذِيرًا عَنِ التَّقَحُّمِ فِي الدُّيُونِ لِئَلَّا تَضِيعَ أَمْوَالُ النَّاسِ كَمَا تَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَى الْعُصَاةِ زَجْرًا عَنْهَا حَتَّى يُجْتَنَبَ خَوْفًا مِنَ الْعَارِ وَمِنْ حِرْمَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَخِيَارِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى (قَالَ أَبُو قَتَادَةَ وَهُوَ عَلَيَّ إِلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الضَّمَانِ عَنِ الْمَيِّتِ سَوَاءٌ تَرَكَ وَفَاءً أَوْ لَمْ يَتْرُكْ وهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ الضَّمَانُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يُخَلِّفْ وَفَاءً بِالِاتِّفَاقِ لَوْ ضَمِنَ عَنْ حُرٍّ مُعْسِرٍ دَيْنًا ثُمَّ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَانَ الضَّمَانُ بِحَالِهِ فَلَمَّا لَمْ يُنَافِ مَوْتُ الْمُعْسِرِ دَوَامَ الضَّمَانِ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَهُ قَالَ الطِّيبِيُّ وَالتَّمَسُّكُ بِالْحَدِيثِ أولى من هذا القياس ذكره القارىء نَقْلًا عَنْ شَرْحِ السُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا تَمَسَّكَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَنَّهُ تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ لَمَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ عَنِ الْمَيِّتِ الْمُفْلِسِ كَفَالَةٌ بِدَيْنٍ سَاقِطٍ وَالْكَفَالَةُ بِالدَّيْنِ السَّاقِطِ بَاطِلَةٌ والْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِقْرَارًا بِكَفَالَةٍ سَابِقَةٍ فَإِنَّ لَفْظَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْشَاءِ فِي الْكَفَالَةِ سَوَاءٌ وَلَا عُمُومَ لِحِكَايَةِ الْفِعْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَعْدًا لَا كَفَالَةً وكَانَ امْتِنَاعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِيَظْهَرَ لَهُ طَرِيقُ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ فَلَمَّا ظَهَرَ صَلَّى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى قُلْتُ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَ بِهِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فأخرجه

الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ كما في عمدة القارىء قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وفِيهِ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ صَلِّ عَلَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَعَلَيَّ دَيْنُهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ [1070] قَوْلُهُ (بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى) أَيْ بِالْمَيِّتِ (عَلَيْهِ دَيْنٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَيَقُولُ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ قَضَاءٍ) أَيْ مَا يُقْضَى بِهِ دَيْنُهُ (فَإِنْ حُدِّثَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُخْبِرَ (فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ) أَيْ الْفُتُوحَاتِ الْمَالِيَّةَ (قَامَ) أَيْ عَلَى الْمِنْبَرِ (أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) أَيْ أَوْلَى فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَلِذَا أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدْ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَحُكْمُهُ أَنْفَذُ عَلَيْهِمْ مِنْ حُكْمِهَا وَحَقُّهُ آثَرُ عَلَيْهِمْ مِنْ حُقُوقِهَا وَشَفَقَتُهُمْ عَلَيْهِ أَقْدَمُ مِنْ شَفَقَتِهِمْ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ شَفَقَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ أَحَقُّ وَأَحْرَى مِنْ شَفَقَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَإِذَا حَصَلَتْ لَهُ الْغَنِيمَةُ يَكُونُ هُوَ أَوْلَى بِقَضَاءِ دَيْنِهِمْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ قَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي عَلَى الْمَدِينِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا

باب ما جاء في عذاب القبر

70 - (بَاب مَا جَاءَ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ) [1071] قَوْلُهُ (إِذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ إِذَا أُدْخِلَ فِي الْقَبْرِ وَدُفِنَ (أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَيْ أَوْ قَالَ أَحَدُكُمْ مَكَانَ لَفْظِ الْمَيِّتِ (أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ) بزاء فَرَاءٍ أَيْ أَزْرَقَانِ أَعْيُنُهُمَا زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَعْيُنُهُمَا مِثْلُ قُدُورِ النُّحَاسِ وَأَنْيَابُهُمَا مِثْلُ صَيَاصِي الْبَقَرِ وَأَصْوَاتُهُمَا مِثْلُ الرَّعْدِ وَنَحْوُهُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ مُرْسَلِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَزَادَ يَحْفِرَانِ بِأَنْيَابِهِمَا وَيَطَآنِ فِي أَشْعَارِهِمَا مَعَهُمَا مِرْزَبَّةٌ لَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا أَهْلُ مِنَى لَمْ يُقِلُّوهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ) مَفْعُولٌ مِنْ أَنْكَرَ بِمَعْنَى نَكِرَ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ أَحَدًا (وَلِلْآخَرِ النَّكِيرُ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٌ مِنْ نَكِرَ بِالْكَسْرِ إِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ فَهُمَا كِلَاهُمَا ضِدُّ الْمَعْرُوفِ سُمِّيَا بِهِمَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَعْرِفْهُمَا وَلَمْ يَرَ صُورَةً مِثْلَ صُورَتِهِمَا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ اسْمَ اللَّذَيْنِ يَسْأَلَانِ الْمُذْنِبَ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ وَاسْمَ اللَّذَيْنِ يَسْأَلَانِ الْمُطِيعَ مبشر وبشير (فيقولان ما كُنْتَ تَقُولُ) زَادَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَيُقْعِدَانِهِ وزَادَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ وزاد بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِذَا كَانَ مُؤْمِنًا كَانَتِ الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَالزَّكَاةُ عَنْ يَمِينِهِ وَالصَّوْمُ عَنْ شِمَالِهِ وَفِعْلُ الْمَعْرُوفِ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ فَيُقَالُ لَهُ اجْلِسْ فَيَجْلِسُ وَقَدْ مَثُلَتْ له الشمس عند الغروب زاد بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فَيَجْلِسُ فَيَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَقُولُ دَعُونِي أُصَلِّي (فِي هَذَا الرَّجُلِ) وفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ ولِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ فِيكُمْ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ عَبَّرَ بِذَلِكَ امْتِحَانًا لِئَلَّا يَتَلَقَّنَ تَعْظِيمَهُ عَنْ عِبَارَةِ الْقَائِلِ قِيلَ يُكْشَفُ لِلْمَيِّتِ حَتَّى يَرَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بُشْرَى عَظِيمَةٌ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ صَحَّ ذَلِكَ ولَا نَعْلَمُ حَدِيثًا صَحِيحًا مَرْوِيًّا فِي ذَلِكَ وَالْقَائِلُ بِهِ إِنَّمَا اسْتَنَدَ لِمُجَرَّدِ أَنَّ الْإِشَارَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْحَاضِرِ لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ تكون الإشارة لما في الذهن فيكون مجاز انتهى كلام

الْقَسْطَلَّانِيِّ (فَيَقُولُ) أَيْ الْمَيِّتُ (مَا كَانَ يَقُولُ) أَيْ قَبْلَ الْمَوْتِ (قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا) أَيْ الْإِقْرَارُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَالرِّسَالَةِ وعِلْمُهُمَا بِذَلِكَ إِمَّا بِإِخْبَارِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُمَا بِذَلِكَ أَوْ بِمُشَاهَدَتِهِمَا فِي جَبِينِهِ أَثَرَ السَّعَادَةِ وَشُعَاعَ نُورِ الْإِيمَانِ وَالْعِبَادَةِ (ثُمَّ يُفْسَحُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُوَسَّعُ (سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ) أَيْ فِي عَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا يَعْنِي طُولَهُ وَعَرْضَهُ كَذَلِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ أَصْلُهُ يُفْسَحُ قَبْرُهُ مِقْدَارَ سَبْعِينَ ذِرَاعًا فَجَعَلَ الْقَبْرَ ظَرْفًا لِلسَّبْعَيْنِ وَأَسْنَدَ الْفِعْلَ إِلَى السَّبْعِينَ مُبَالَغَةً فِي السَّعَةِ (ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ) أَيْ يُجْعَلُ النُّورُ لَهُ فِي قَبْرِهِ الَّذِي وُسِّعَ عَلَيْهِ وفِي رِوَايَةِ بن حِبَّانَ وَيُنَوَّرُ لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ (نَمْ) أَمْرٌ مِنْ نَامَ يَنَامُ (فَيَقُولُ) أَيْ الْمَيِّتُ لِعَظِيمِ مَا رَأَى مِنَ السُّرُورِ (أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي) أَيْ أُرِيدُ الرُّجُوعَ كَذَا قِيلَ والْأَظْهَرُ أن الاستفهام مقدر قاله القارىء (فَأُخْبِرُهُمْ) أَيْ بِأَنَّ حَالِي طَيِّبٌ وَلَا حُزْنَ لِي لِيَفْرَحُوا بِذَلِكَ (كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ) هُوَ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي أَوَّلِ اجْتِمَاعِهِمَا وَقَدْ يُقَالُ لِلذَّكَرِ الْعَرِيسُ (الَّذِي لَا يُوقِظُهُ) الْجُمْلَةُ صِفَةُ الْعَرُوسِ وَإِنَّمَا شَبَّهَ نَوْمَهُ بِنَوْمَةِ الْعَرُوسِ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي طَيِّبِ الْعَيْشِ (إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ) قَالَ الْمُظْهَرُ عِبَارَةٌ عَنْ عِزَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ عِنْدَ أَهْلِهِ يَأْتِيهِ غَدَاةَ لَيْلَةِ زِفَافِهِ مَنْ هُوَ أَحَبُّ وَأَعْطَفُ فَيُوقِظُهُ عَلَى الرِّفْقِ وَاللُّطْفِ (حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ) هَذَا لَيْسَ مِنْ مَقُولِ الْمَلَكَيْنِ بَلْ مِنْ كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَتَّى مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ يَنَامُ طَيِّبَ الْعَيْشِ حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ (سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَقُولُونَ قَوْلًا وَكَذَلِكَ فِي الْمِشْكَاةِ وَالْمُرَادُ بِالْقَوْلِ هُوَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (فَقُلْتُ مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ (لَا أَدْرِي) أَيْ أَنَّهُ نَبِيٌّ فِي الْحَقِيقَةِ أم لا وهو استيناف أَيْ مَا شَعَرْتُ غَيْرَ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى الْحَالِ (التئمي) أي انضمي واجتمحي (فَتَخْتَلِفُ أَضْلَاعُهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ ضِلَعٍ وَهُوَ عَظْمُ الْجَنْبِ أَيْ تَزُولُ عَنِ الْهَيْئَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا مِنْ شِدَّةِ الْتِئَامِهَا عَلَيْهِ وَشِدَّةِ الضَّغْطَةِ وَتُجَاوِزُ جَنْبَيْهِ مِنْ كُلِّ جَنْبٍ إِلَى جَنْبٍ آخَرَ (فَلَا يَزَالُ فِيهَا) أَيْ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ (وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أَخْرَجَهُ مسلم (وبن عَبَّاسٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ

(وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وأَخْرَجَ أَحْمَدُ حَدِيثَهُ الطَّوِيلَ وذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي بَابِ مَا يُقَالُ عِنْدَ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ وصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَغَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ (وَأَبِي أَيُّوبَ) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم (وجابر) أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ [1072] قَوْلُهُ (عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ) أَيْ أُظْهِرَ لَهُ مَكَانُهُ الْخَاصُّ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْعَرْضَ عَلَى الرُّوحِ فَقَطْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَعَ جُزْءٍ مِنَ الْبَدَنِ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ وَقْتُهُمَا وَإِلَّا فَالْمَوْتَى لَا صَبَاحَ عِنْدَهُمْ وَلَا مَسَاءَ قَالَ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ وَاضِحٌ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ الْمُخْلِصُ فَيَحْتَمِلُ فِي حَقِّهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ هُوَ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الشُّهَدَاءِ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ وَأَرْوَاحُهُمْ تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ ويَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فَائِدَةُ الْعَرْضِ فِي حَقِّهِمْ تَبْشِيرُ أَرْوَاحِهِمْ بِاسْتِقْرَارِهَا فِي الْجَنَّةِ مُقْتَرِنَةً بِأَجْسَادِهَا فَإِنَّ فِيهِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مَا هِيَ فِيهِ الْآنَ انْتَهَى (إِنْ كَانَ) أَيْ الْمَيِّتُ (مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ التَّقْدِيرُ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمَقْعَدٌ مِنْ مَقَاعِدِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَالْجَنَّةُ أَيْ فَالْمَعْرُوضُ الْجَنَّةُ (هَذَا) أَيْ الْمَقْعَدُ الْمَعْرُوضُ عَلَيْكَ (مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثُكَ اللَّهُ إِلَخْ) قَالَ بن التِّينِ مَعْنَاهُ أَيْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْمَعْنَى حَتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَقْعَدِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَى اللَّهِ فَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ والْأَوَّلُ أَظْهَرُ انْتَهَى ويُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ ثُمَّ يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُكَ الَّذِي تُبْعَثُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

باب ما جاء في أجر من عزى مصابا

71 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَجْرِ مَنْ عَزَّى مُصَابًا) الْعَزَاءُ الصَّبْرُ وَالتَّعْزِيَةُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ [1073] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى) بْنِ دِينَارٍ أَبُو يَعْقُوبَ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمِ) بْنِ صُهَيْبٍ الْوَاسِطِيُّ التَّيْمِيُّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ وَيُصِرُّ وَرُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا وَاللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْغَنَوِيُّ أَبُو بَكْرٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مَرْضِيٌّ عَابِدٌ مِنَ الْخَامِسَةِ ولَا حَاجَةَ إِلَى الْقَسَمِ وَلَعَلَّهُ لِوَجْهٍ اقْتَضَاهُ عِنْدَ التَّحْدِيثِ قَوْلُهُ (مَنْ عَزَّى مُصَابًا) أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ مَوْتٍ بِالْمَأْتَى لَدَيْهِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ إِلَيْهِ بِمَا يُهَوِّنُ الْمُصِيبَةَ عَلَيْهِ وَيَحْمِلُهُ بِالصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ أَوْ بِالدُّعَاءِ لَهُ بِنَحْوِ أَعْظَمَ اللَّهُ لَكَ الْأَجْرَ وَأَلْهَمَكَ الصَّبْرَ وَرَزَقَكَ الشُّكْرَ (فَلَهُ) أَيْ فَلِلْمُعَزِّي (مِثْلُ أَجْرِهِ) أَيْ نَحْوُ أَجْرِ الْمُصَابِ عَلَى صَبْرِهِ لِأَنَّ الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) والحديث أخرجه بن مَاجَهْ قَالَ مَيْرَكُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قَالَ الْحَافِظُ صَلَاحُ الدِّينِ الْعَلَائِيُّ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْتُ هذا الحديث أخرجه بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ بِهِ ومِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَزْرَمِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ بِهِ وتَعَلَّقَ عَلَيْهِ فِي الْأَوَّلِ بِحَمَّادِ بْنِ الوليد فقد قال فيه بن عَدِيٍّ عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وقال بن حِبَّانَ يَسْرِقُ الْحَدِيثَ وَيُلْزِقُ بِالثِّقَاتِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ وأَنَّهُ إِنَّمَا يُعْرَفُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ لَا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ وفِي الثَّانِي بِالْعَزْرَمِيِّ فَقَدْ قَالَ فِيهِ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ قَالَ الْعَلَائِيُّ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ أَحَدُ الْحُفَّاظِ الْمُكْثِرِينَ وَلَكِنْ لَهُ أَوْهَامٌ كَثِيرَةٌ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِسَبَبِهَا وَمِنْ جُمْلَتِهَا هَذَا الْحَدِيثُ وقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَبْدُ الْحَلِيمِ بْنُ مَنْصُورٍ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ قَالَ فِيهِ بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ فَكَأَنَّهُ سَرَقَهُ مِنْ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ وقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ كَانَ أَكْثَرُ كَلَامِهِمْ فِيهِ يَعْنِي عَلِيَّ بْنَ عَاصِمٍ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ وقَدْ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارِزْمِيُّ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ وَإِبْرَاهِيمَ بن مسلم هذا ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ صَدُوقٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ لَكِنْ حَدِيثُهُ يُؤَيِّدُ رِوَايَةَ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ وَيَخْرُجُ به عن

باب ما جاء فيمن مات يوم الجمعة

أَنْ يَكُونَ ضَعِيفًا وَاهِيًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا وقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ هَذَا حَدِيثٌ كُوفِيٌّ مُنْكَرٌ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ مُسْنَدًا وَلَا مَوْقُوفًا وقَدْ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ النَّهْشَلِيُّ وَهُوَ صَدُوقٌ ضَعِيفٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ قَوْلُهُ قَالَ الْعَلَائِيُّ وَهَذِهِ عِلَّةٌ مُؤَثِّرَةٌ لَكِنَّ يَعْقُوبَ بْنَ شَيْبَةَ مَا ظَفِرَ بمتابعة إبراهيم بن مسلم وقد روى بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ عُمَارَةَ مولى الأنصاري وقد وثقه بن حِبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ عَزَّى أَخَاهُ الْمُؤْمِنَ مِنْ مُصِيبَةٍ كَسَاهُ اللَّهُ حُلَلَ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي إِسْنَادَهُ انْقِطَاعًا انْتَهَى كَلَامُ الْعَلَائِيِّ قَوْلُهُ (لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ) قَدْ عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْعَلَائِيِّ الْمَذْكُورِ آنِفًا أَنَّهُ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُوَارِزْمِيُّ عَنْ وَكِيعٍ عن قبس بن الرَّبِيعِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ (مَوْقُوفًا) أَيْ على عبد الله بن مسعود قال القارىء لكن له حكم المرفوع ويعضده خبر بن مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ مَرْفُوعًا مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُعَزِّي أَخَاهُ بِمُصِيبَةٍ إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْعَلَائِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعًا (أَكْثَرُ مَا ابْتُلِيَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ) يَعْنِي أَنَّ أَكْثَرَ كَلَامِ الْمُحَدِّثِينَ فِي عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ بِسَبَبِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَعْظَمِ مَا أَنْكَرَهُ النَّاسُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ وَتَكَلَّمُوا فِيهِ مَعَ مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ سِوَاهُ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (نَقَمُوا عَلَيْهِ) أَيْ عَابُوا وَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ) [1074] قَوْلُهُ (وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ سَيْفِ) بْنِ مَانِعٍ الْإِسْكَنْدَرِانِيِّ صَدُوقٌ لَهُ مَنَاكِيرُ مِنَ الرَّابِعَةِ قوله (ما

مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ (إِلَّا وَقَاهُ اللَّهُ) أَيْ حَفِظَهُ (فِتْنَةَ الْقَبْرِ) أَيْ عَذَابَهُ وَسُؤَالَهُ وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْإِطْلَاقَ وَالتَّقْيِيدَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَوْلَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَضْلِ الْمَوْلَى وهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَرَفَ الزَّمَانِ لَهُ تَأْثِيرٌ عَظِيمٌ كَمَا أَنَّ فَضْلَ الْمَكَانِ لَهُ أَثَرٌ جَسِيمٌ قَوْلُهُ (وَلَا نَعْرِفُ لِرَبِيعَةَ بْنِ سَيْفٍ سَمَاعًا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوَهُ وَإِسْنَادُهُ أَضْعَفُ انْتَهَى وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي بَابِ مَنْ لَا يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ وَقَالَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والترمذي وحسنه وبن أبي الدنيا عن بن عمرو ثم قال وأخرجه بن وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ عَنْهُ بِلَفْظِ إِلَّا بَرِئَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا ثَالِثَةً عَنْهُ مَوْقُوفًا بِلَفْظِ وُقِيَ الْفَتَّانَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَيْ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى نَفْيِ سُؤَالِ الْقَبْرِ لَا تُعَارِضُ أَحَادِيثَ السُّؤَالِ السَّابِقَةَ أَيْ لَا تُعَارِضُهَا بَلْ تَخُصُّهَا وَتُبَيِّنُ مَنْ لَا يُسْأَلُ فِي قَبْرِهِ وَلَا يُفْتَنُ فِيهِ فَمَنْ يَجْرِي عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَيُقَاسِي تِلْكَ الْأَهْوَالَ وهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ فِيهِ مَدْخَلٌ لِلْقِيَاسِ وَلَا مَجَالَ لِلنَّظَرِ فِيهِ وإِنَّمَا فِيهِ التَّسْلِيمُ وَالِانْقِيَادُ لِقَوْلِ الصَّادِقِ الْمَصْدُوقِ قَالَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ وَمَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَدِ انْكَشَفَ لَهُ الْغِطَاءُ عَمَّا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ لِأَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا تُسْجَرُ فِيهِ جَهَنَّمُ وَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا وَلَا يَعْمَلُ سُلْطَانُ النَّارِ فِيهِ مَا يَعْمَلُ فِي سَائِرَ الْأَيَّامِ فَإِذَا قَبَضَ اللَّهُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ فَوَافَقَ قَبْضُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا لِسَعَادَتِهِ وَحُسْنِ مَآبِهِ وَإِنَّهُ لَا يُقْبَضُ فِي هَذَا الْيَوْمِ إِلَّا مَنْ كَتَبَ لَهُ السَّعَادَةَ عِنْدَهُ فَلِذَلِكَ يَقِيهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ لِأَنَّ سَبَبَهَا إِنَّمَا هُوَ تَمْيِيزُ الْمُنَافِقِ مِنَ الْمُؤْمِنِ قُلْتُ وَمِنْ تَتِمَّةِ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ فَكَانَ عَلَى قَاعِدَةِ الشُّهَدَاءِ فِي عَدَمِ السُّؤَالِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أُجِيرَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهِ طَابَعُ الشُّهَدَاءِ وأخرج حميد في ترغيبه عن إياس بن بَكِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ كُتِبَ لَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ وَوُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَأَخْرَجَ من طريق بن جريح عَنْ عَطَاءٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَةٍ يَمُوتُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ إِلَّا وُقِيَ عَذَابَ الْقَبْرِ

باب ما جاء في تعجيل الجنازة

وَفِتْنَةَ الْقَبْرِ وَلَقِيَ اللَّهَ وَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ وَجَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ شُهُودٌ يَشْهَدُونَ لَهُ أَوْ طَابَعٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَطِيفٌ صُرِّحَ فِيهِ بِنَفْيِ الْفِتْنَةِ وَالْعَذَابِ مَعًا انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيُّ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ الْجَنَازَةِ) [1075] قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَيْسَ لَهُ فِي الْكُتُبِ وَلَا يُعْرَفُ فِي هَذَا إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ ولَا يُعْرَفُ إلا برواية بن وَهْبٍ عَنْهُ وقَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ مَجْهُولٌ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي قُلْتُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ جَدِّهِ مُرْسَلَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ زَمَنَ الْوَلِيدِ وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (ثَلَاثٌ) أَيْ مِنَ الْمُهِمَّاتِ وَهُوَ الْمُسَوِّغُ لِلِابْتِدَاءِ وَالْمَعْنَى ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ (الصَّلَاةُ) بِالرَّفْعِ أَيْ مِنْهَا أَوِ إِحْدَاهَا (إِذَا آنَتْ) أَيْ حَانَتْ قَالَ الْعِرَاقِيُّ هُوَ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا نُونٌ وَمَعْنَاهَا إِذَا حَضَرَتْ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي أُصُولِ سَمَاعِنَا قَالَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ إِذَا أَتَتْ بِتَاءٍ مُكَرَّرَةٍ وَبِالْقَصْرِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ كَذَا فِي قُوتِ المغتذي (والجنازة إذا حضرت) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْأَشْرَفُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ لَا تُكْرَهُ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ وَهُوَ كَذَلِكَ عِنْدَنَا أَيْضًا إِذَا حَضَرَتْ فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ مِنَ الطُّلُوعِ وَالْغُرُوبِ وَالِاسْتِوَاءِ وَأَمَّا إِذَا حَضَرَتْ قَبْلَهَا وَصُلِّيَ عَلَيْهَا فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ فَمَكْرُوهَةٌ وَأَمَّا بَعْدَ الصُّبْحِ وَقَبْلَهُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ فَلَا تُكْرَهُ مُطْلَقًا انْتَهَى (وَالْأَيِّمُ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيِ الْمَرْأَةِ الْعَزَبَةِ وَلَوْ بِكْرًا قاله القارىء يَعْنِي الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا (إِذَا وَجَدَتْ لَهَا كُفُؤًا) الْكُفُؤُ الْمِثْلُ وَفِي النِّكَاحِ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مِثْلَ الْمَرْأَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ والصلاح والنسب وحسن الكسب والعمل قاله القارىء قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَمَا أَرَى إِسْنَادَهُ متصلا) وأخرجه بن ماجه صفحة 801 والحاكم وبن حِبَّانَ قَالَ مَيْرَكُ رِجَالُهُ

باب ما جاء في رفع اليدين على الجنازة

ثِقَاتٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِسْنَادَهُ مُتَّصِلٌ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ مَا لَفْظُهُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي النِّكَاحِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ انْتَهَى إِلَّا أَنِّي وَجَدْتُهُ قَالَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ عِوَضَ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيِّ فَلْيُنْظَرْ انْتَهَى 4 - (بَاب آخَرُ فِي فَضْلِ التَّعْزِيَةِ) [1076] قَوْلُهُ (حَدَّثَتْنَا أُمُّ الْأَسْوَدِ) الْخُزَاعِيَّةُ وَيُقَالُ الْأَسْلَمِيَّةُ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ مُنْيَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ (ابْنَةِ عُبَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ لَا يُعْرَفُ حَالُهَا مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَنْ عَزَّى ثَكْلَى) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ مَقْصُورٌ الْمَرْأَةُ الَّتِي فَقَدَتْ وَلَدَهَا (كُسِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُلْبِسَ (بُرْدًا) أَيْ ثَوْبًا عَظِيمًا مُكَافَأَةً عَلَى تَعْزِيَتِهَا قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يُعَزِّي الْمَرْأَةَ الشَّابَّةَ إِلَّا زَوْجُهَا أَوْ مَحْرَمُهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) لِأَنَّهُ فِيهِ مُنْيَةُ بِنْتُ عُبَيْدٍ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ كَمَا عَرَفْتَ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْجَنَازَةِ) [1077] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ دِينَارٍ الْكُوفِيُّ) ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بن أَبَانَ الْوَرَّاقُ) ثِقَةٌ تُكُلِّمَ فِيهِ لِلتَّشَيُّعِ (عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى الْأَسْلَمِيِّ) الْكُوفِيِّ شِيعِيٌّ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ أبي فَرْوَةَ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ) الرُّهَاوِيِّ ضَعِيفٌ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ) بِالتَّصْغِيرِ

ثِقَةٌ قَوْلُهُ (فَرَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ وَوَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى دُونَ التَّكْبِيرَاتِ الْبَاقِيَةِ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأعله بن الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ بِأَبِي فَرْوَةَ وَنُقِلَ تَضْعِيفُهُ عن أحمد والنسائي وبن مَعِينٍ وَالْعُقَيْلِيِّ قَالَ وفِيهِ عِلَّةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ يَحْيَى بْنَ يَعْلَى الرَّاوِيَ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ هُوَ وَأَبُو زَكَرِيَّا الْقَطَوَانِيُّ الْأَسْلَمِيُّ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قُلْتُ قال بن حِبَّانَ فِي أَبِي فَرْوَةَ كَثِيرُ الْخَطَأِ لَا يُعْجِبُنِي الِاحْتِجَاجُ بِهِ إِذَا وَافَقَ الثِّقَاتِ فَكَيْفَ إذا انفرد وثم نقل عن بن مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَذَا فِي نصب الراية قوله (وهو قول بن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَإِذَا انْصَرَفَ سَلَّمَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي عِلَلِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ شَيْبَةَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنْبَأَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ فَذَكَرَهُ وَقَالَ هَكَذَا رَفَعَهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وخَالَفَهُ جَمَاعَةٌ فَرَوَوْهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ مَوْقُوفًا وَهُوَ الصَّوَابُ ولَمْ يَرْوِ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُفْرَدِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ شَيْئًا فِي هَذَا الْبَابِ إِلَّا حَدِيثًا مَوْقُوفًا على بن عُمَرَ وَحَدِيثًا مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قُلْتُ لَمْ أَجِدْ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ واستدل لهم أيضا بحديث بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ السَّكَنِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ بن طاوس عن أبيه عن بن عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ وَسَكَتَ عَنْهُ لَكِنْ أَعَلَّهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي كِتَابِهِ بِالْفَضْلِ بْنِ السَّكَنِ وَقَالَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ كَذَا فِي نَصْبِ

باب ما جاء أن نفس المؤمن معلقة بدينه

الرَّايَةِ قُلْتُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ الْفَضْلُ بْنُ السَّكَنِ الْكُوفِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ لَا يُعْرَفُ وَضَعَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ انْتَهَى (بَاب مَا جاء أن نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ) حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ [1078] قَوْلُهُ نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ قَالَ السُّيُوطِيُّ أَيْ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّ أَيْ أَمْرُهَا مَوْقُوفٌ لَا حُكْمَ لَهَا بِنَجَاةٍ وَلَا هَلَاكٍ حَتَّى يُنْظَرَ هَلْ يُقْضَى مَا عَلَيْهَا مِنَ الدَّيْنِ أَمْ لَا انْتَهَى وسَوَاءٌ تَرَكَ الْمَيِّتُ وَفَاءً أَمْ لَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ إِنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يُخَلِّفُ وَفَاءً كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِيهِ الْحَثُّ لِلْوَرَثَةِ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَالْإِخْبَارُ لَهُمْ بِأَنَّ نَفْسَهُ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ وهَذَا مُقَيَّدٌ بِمَنْ لَهُ مَالٌ يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ وأَمَّا مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَمَاتَ عَازِمًا عَلَى الْقَضَاءِ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْضِي عَنْهُ بَلْ ثَبَتَ أَنَّ مُجَرَّدَ مَحَبَّةِ الْمَدْيُونِ عِنْدَ مَوْتِهِ لِلْقَضَاءِ مُوجِبَةٌ لِتَوَلِّي اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَمْ يَقْضِ مِنْهُ الْوَرَثَةُ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أبي أمامة مرفوعا من دان بِدَيْنٍ فِي نَفْسِهِ وَفَاؤُهُ وَمَاتَ تَجَاوَزَ اللَّهُ عنه وأرضى غريمة بما شاء ومن دان بدين وليس في نفسه وفاءه وَمَاتَ اقْتَصَّ اللَّهُ لِغَرِيمِهِ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وأخرج ايضا من حديث بن عُمَرَ الدَّيْنُ دَيْنَانِ فَمَنْ مَاتَ

وَهُوَ يَنْوِي قَضَاءَهُ فَأَنَا وَلِيُّهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَا يَنْوِي قَضَاءَهُ فَذَلِكَ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ حسناته ليس يؤمئذ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ يُدْعَى بِصَاحِبِ الدَّيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ يَدَيْ الله عز وجل فيقول يا بن آدَمَ فِيمَ أَخَذْتَ هَذَا الدَّيْنَ وفِيمَ ضَيَّعْتَ حُقُوقَ النَّاسِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي أَخَذْتُهُ فَلَمْ آكُلْ وَلَمْ أَشْرَبْ وَلَمْ أُضَيِّعْ وَلَكِنْ أَتَى عَلَى يَدِي إِمَّا حَرْقٌ وَإِمَّا سَرَقٌ وَإِمَّا وَضِيعَةٌ فَيَقُولُ اللَّهُ صَدَقَ عَبْدِي وَأَنَا أَحَقُّ مَنْ قَضَى عَنْكَ فَيَدْعُو اللَّهُ بِشَيْءٍ فَيَضَعُهُ فِي كِفَّةِ مِيزَانِهِ فَتَرْجَحُ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ هَكَذَا ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ بِغَيْرِ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ مَيْمُونَةَ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُدَانُ دَيْنًا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ يُرِيدُ أَدَاءَهُ إِلَّا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ فِي الدنيا والآخرة قال وأخرج الْحَاكِمُ بِلَفْظِ مَنْ تَدَايَنَ بِدَيْنٍ فِي نَفْسِهِ وَفَاؤُهُ ثُمَّ مَاتَ تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَى غريمه بما شاء ثم قال وقد وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مَدْيُونًا فَدَيْنُهُ عَلَى مَنْ إِلَيْهِ وِلَايَةُ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ يَقْضِيهِ عَنْهُ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ كَانَ لِوَرَثَتِهِ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلَّا وَأَنَا أَوْلَى به في الدنيا والآخرة اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلَاهُ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَإِلَيَّ وَعَلَيَّ وأَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وفِي مَعْنَى ذَلِكَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ ثَبَتَتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَهَا بَعْدَ أَنْ كَانَ يَمْتَنِعُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدْيُونِ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْبِلَادَ وَكَثُرَتِ الْأَمْوَالُ صَلَّى عَلَى مَنْ مَاتَ مَدْيُونًا وَقَضَى عَنْهُ وَذَلِكَ مشعر بأن مَنْ مَاتَ مَدْيُونًا اسْتَحَقَّ أَنْ يُقْضَى عَنْهُ دينه في بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وهُوَ أَحَدُ الْمَصَارِفِ الثَّمَانِيَةِ فَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُ بِالْمَوْتِ ودَعْوَى مَنِ ادَّعَى اخْتِصَاصَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ سَاقِطَةٌ وقِيَاسُ الدَّلَالَةِ يَنْفِي هَذِهِ الدَّعْوَى فِي مِثْلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وهُمْ لَا يَقُولُونَ إِنَّ مِيرَاثَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ مُخْتَصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ مَا يَدُلُّ عَلَى انْتِفَاءِ هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةِ الْمُدَّعَاةِ وَلَفْظُهُ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ وَعَلَى الْوُلَاةِ مِنْ بَعْدِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ [1079] قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ رِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ إِلَّا عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وهو صدوق يخطئ انتهى

9 - أبواب النكاح

9 - أبواب النكاح قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قِيلَ هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْعَقْدِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا وقِيلَ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ وَقِيلَ بِقَلْبِهِ وَعَلَيْهِ مَشَايِخُنَا انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ النِّكَاحُ فِي اللُّغَةِ الضَّمُّ وَالتَّدَاخُلُ وفِي الشَّرْعِ حَقِيقَةٌ فِي الْعَقْدِ مَجَازٌ فِي الْوَطْءِ عَلَى الصَّحِيحِ والْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ كَثْرَةُ وُرُودِهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِلْعَقْدِ حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا لِلْعَقْدِ قَالَ وَقِيلَ مَقُولٌ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وَبِهِ جَزَمَ الزَّجَّاجِيُّ وَهَذَا الَّذِي يَتَرَجَّحُ فِي نَظَرِي وإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَقْدِ انْتَهَى [1080] أَخْبَرَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي ثِقَةٌ فَقِيهٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ قَلِيلًا فِي الْآخِرِ عَنْ أَبِي الشِّمَالِ بْنِ ضِبَابٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَبِمُوَحَّدَتَيْنِ مَجْهُولٌ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالتَّقْرِيبِ وقَالَ فِي الْمِيزَانِ حَدَّثَ عَنْهُ مَكْحُولٌ بِحَدِيثِ أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَهُ أَبُو زُرْعَةَ قَوْلُهُ أَرْبَعٌ أَيْ أَرْبَعُ خِصَالٍ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ أَيْ فِعْلًا وَقَوْلًا يَعْنِي الَّتِي فَعَلُوهَا وَحَثُّوا عَلَيْهَا وفِيهِ تَغْلِيبٌ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَعِيسَى مَا ظَهَرَ مِنْهُ الْفِعْلُ فِي بَعْضِ الْخِصَالِ وَهُوَ النِّكَاحُ قاله القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْمُرَادُ أَنَّ الْأَرْبَعَ مِنْ سُنَنِ غَالِبِ الرُّسُلِ فَنُوحٌ لَمْ يَخْتَتِنْ وَعِيسَى لَمْ يَتَزَوَّجْ انْتَهَى الْحَيَاءُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَقَعَ فِي رِوَايَتِنَا بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ وَصَحَّفَهُ بَعْضُهُمْ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ وقال بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ رُوِيَ فِي الْجَامِعِ بِالنُّونِ وَالْيَاءِ أَيْ الْحِنَّاءُ وَالْحَيَاءُ وَسَمِعْتُ أَبَا الْحَجَّاجِ الْحَافِظَ يَقُولُ الصَّوَابُ الْخِتَانُ وَسَقَطَتِ النُّونُ مِنَ الْحَاشِيَةِ كَذَلِكَ رَوَاهُ

الْمَحَامِلِيُّ عَنْ شَيْخِ التِّرْمِذِيِّ كَذَا فِي قُوتِ الْمُغْتَذِي وَأَوْرَدَ الْخَطِيبُ التَّبْرِيزِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمِشْكَاةِ نَقْلًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ هَكَذَا أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ الْحَيَاءُ وَيُرْوَى الْخِتَانُ وَالتَّعَطُّرُ إِلَخْ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الطِّيبِيُّ اخْتَصَرَ الْمُظْهِرُ كَلَامَ التُّورْبَشْتِيِّ وَقَالَ فِي الْحَيَاءِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ يَعْنِي بِهِ مَا يَقْتَضِي الْحَيَاءَ مِنَ الدِّينِ كَسِتْرِ الْعَوْرَةِ وَالتَّنَزُّهِ عَمَّا تَأْبَاهُ الْمُرُوءَةُ وَيَذُمُّهُ الشَّرْعُ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَغَيْرِهَا لَا الْحَيَاءَ الْجِبِلِّيَّ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ وإِنَّهُ خُلُقٌ غَرِيزِيٌّ لَا يَدْخُلُ فِي جُمْلَةِ السُّنَنِ وَثَانِيهَا الْخِتَانُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَتَاءٍ فَوْقَهَا نُقْطَتَانِ وَهِيَ مِنْ سُنَّةِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ لَدُنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى زَمَنِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَالِثُهَا الْحِنَّاءُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وهَذِهِ الرِّوَايَةُ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَلَعَلَّهَا تَصْحِيفٌ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ خِضَابُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ وأَمَّا خِضَابُ الشَّعْرِ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ إِلَى الْمُرْسَلِينَ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ وَالتَّعَطُّرُ أَيْ اسْتِعْمَالُ الْعِطْرِ وَهُوَ الطِّيبُ قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ كَانَ مِنْكُمْ ذَا طَوْلٍ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ ومَنْ لا فالصوم له وجاء وَثَوْبَانَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أن فيه انقطاعا كذا في التلخيص وبن مسعود أخرجه الجماعة وعن عائشة أخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ النِّكَاحُ مِنْ سُنَّتِي فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِسُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي الْحَدِيثَ وفِي إِسْنَادِهِ عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عمرو بن العاص أخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ فَمَنْ كَانَ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ اهْتَدَى وَمَنْ كَانَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ وَجَابِرٍ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ يَا جَابِرُ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا قَالَ ثَيِّبًا الْحَدِيثَ وأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْجَامِعِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا أَيُّمَا شَابٍّ تَزَوَّجَ فِي حَدَاثَةِ سِنِّهِ عَجَّ شَيْطَانُهُ عَصَمَ مِنِّي دِينَهُ وَعَكَّافٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَكَّافٌ كَشَدَّادٍ بن وَدَاعَةَ الصَّحَابِيُّ انْتَهَى وقَالَ الْحَافِظُ فِي تَعْجِيلِ المنفعة عكاف بن وداعة الهلالي ويقال بن يُسْرٍ التَّمِيمِيُّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ وَالْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ مِنْ طَرِيقِ بُرْدِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ بُسْرٍ الْمَازِنِيِّ عَنْ عَكَّافِ بْنِ وَدَاعَةَ الهلالي وأخرج أبو يعلى في مسنده وبن مَنْدَهْ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ سُلَيْمَانَ بن موسى عن مكحول عو غُضَيْفِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ بُسْرٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ جَاءَ عَكَّافُ بْنُ وَدَاعَةَ الْهِلَالِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال

يَا عَكَّافُ أَلَكَ زَوْجَةٌ قَالَ لَا قَالَ وَلَا جَارِيَةٌ قَالَ لَا قَالَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ مُوسِرٌ قَالَ نَعَمْ الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ فَأَنْتَ إِذَنْ مِنْ إِخْوَانِ الشَّيَاطِينِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ رُهْبَانِ النَّصَارَى فَأَنْتَ مِنْهُمْ وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنَّا فَاصْنَعْ كَمَا نَصْنَعُ فَإِنَّ مِنْ سُنَّتِنَا النِّكَاحَ شِرَارُكُمْ عُزَّابُكُمْ وَيْحَكَ يَا عَكَّافُ تَزَوَّجْ الْحَدِيثَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ طُرُقًا أُخْرَى ثُمَّ قَالَ وَلَا يَخْلُو طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِهِ مِنْ ضَعْفٍ انْتَهَى قَوْلُهُ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ فِي تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو الشِّمَالِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ مَجْهُولٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ التِّرْمِذِيَّ عَرَّفَهُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَجْهُولًا أَوْ يُقَالَ إِنَّهُ حَسَّنَهُ لِشَوَاهِدِهِ فَرَوَى نَحْوَهُ عَنْ غَيْرِ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ هذا رواه أحمد والترمذي ورواه بن أَبِي خَيْثَمَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ مَلِيحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نَحْوَهُ ورواه الطبراني من حديث بن عَبَّاسٍ انْتَهَى [1081] قَوْلُهُ وَنَحْنُ شَبَابٌ عَلَى وَزْنِ سَحَابٍ جَمْعُ شاب قال الأزهري لَمْ يُجْمَعْ فَاعِلٌ عَلَى فَعَالٍ غَيْرُهُ لَا نَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ أَيْ مِنَ الْمَالِ وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَا نَجِدُ شَيْئًا يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ الْمَعْشَرُ جَمَاعَةٌ يَشْمَلُهُمْ وَصْفٌ وَخَصَّهُمْ بِالْخِطَابِ لِأَنَّ الْغَالِبَ وُجُودُ قُوَّةِ الدَّاعِي فِيهِمْ إِلَى النكاح عليكم بِالْبَاءَةِ بِالْهَمْزَةِ وَتَاءِ التَّأْنِيثِ مَمْدُودًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الْبَاءَةُ بِالْمَدِّ وَالْهَاءِ والثَّانِيَةُ الْبَاءَةُ بِلَا مَدٍّ والثَّالِثَةُ الْبَاءُ بِالْمَدِّ بِلَا هَاءٍ والرَّابِعَةُ الْبَاهَةُ بِهَائَيْنِ بِلَا مَدٍّ وأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْجِمَاعُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْمَبَاءَةِ وَهِيَ الْمَنْزِلُ ومِنْهُ مَبَاءَةُ الْإِبِلِ وَهِيَ مَوَاطِنُهَا ثُمَّ قِيلَ لِعَقْدِ النِّكَاحِ بَاءَةٌ لِأَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَوَّأَهَا مَنْزِلًا قَالَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْبَاءَةِ هُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ معناه اللغوي وهوالجماع فَتَقْدِيرُهُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْجِمَاعَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى مُؤَنِهِ وَهِيَ مُؤَنُ النِّكَاحِ فَلْيَتَزَوَّجْ ومَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ الْجِمَاعَ لِعَجْزِهِ عَنْ مُؤَنِهِ

فَعَلَيْهِ الصَّوْمُ لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ والْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالْبَاءَةِ مُؤَنُ النِّكَاحِ سُمِّيَتْ بِاسْمِ مَا يُلَازِمُهَا والَّذِي حَمَلَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ قَالُوا وَالْعَاجِزُ عَنِ الْجِمَاعِ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الصَّوْمِ لِدَفْعِ الشَّهْوَةِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ الْبَاءَةِ عَلَى الْمُؤَنِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ مُلَخَّصًا فَإِنَّهُ أَيْ التَّزَوُّجُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ أَيْ أَخْفَضُ وَأَدْفَعُ لِعَيْنِ الْمُتَزَوِّجِ عَنِ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ غَضِّ طَرْفِهِ أَيْ خَفْضِهِ وَكَفِّهِ وَأَحْصَنُ أَيْ أَحْفَظُ لِلْفَرْجِ أَيْ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَهُ وِجَاءٌ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِالْمَدِّ أَيْ كَسْرٌ لِشَهْوَتِهِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ رَضُّ الْخُصْيَتَيْنِ وَدَقُّهُمَا لِتَضْعُفَ الْفُحُولَةُ فَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّوْمَ يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ وَيَدْفَعُ شَرَّ الْمَنِيِّ كَالْوِجَاءِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ وَرَوَى أَبُو مُعَاوِيَةَ وَالْمُحَارِبِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ إِلَخْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا السَّنَدِ وبِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ كِلَيْهِمَا وإِبْرَاهِيمُ هَذَا هُوَ النَّخَعِيُّ والْمُحَارِبِيُّ هَذَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ تَنْبِيهٌ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ الِاسْتِمْنَاءِ لِأَنَّهُ أَرْشَدَ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ التَّزْوِيجِ إِلَى الصَّوْمِ الَّذِي يَقْطَعُ الشَّهْوَةَ فَلَوْ كَانَ الِاسْتِمْنَاءُ مُبَاحًا لَكَانَ الْإِرْشَادُ إِلَيْهِ أَسْهَلَ وتُعُقِّبَ دَعْوَى كَوْنِهِ أَسْهَلَ لِأَنَّ التَّرْكَ أَسْهَلُ مِنَ الْفِعْلِ وقَدْ أَبَاحَ الِاسْتِمْنَاءَ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وهُوَ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ لِأَجْلِ تَسْكِينِ الشَّهْوَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ فِي الِاسْتِمْنَاءِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ عَلَى الْمُسْتَمْنِي بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ فَالْحَقُّ أَنَّ الِاسْتِمْنَاءَ فِعْلٌ حِرَامٌ لَا يَجُوزُ ارتكابه لِغَرَضِ تَسْكِينِ الشَّهْوَةِ وَلَا لِغَرَضٍ آخَرَ وَمَنْ أَبَاحَهُ لِأَجْلِ التَّسْكِينِ فَقَدْ غَفَلَ غَفْلَةً شَدِيدَةً وَلَمْ يَتَأَمَّلْ فِيمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في النهي عن التبتل

(بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّبَتُّلِ) هُوَ فِي الْأَصْلِ الِانْقِطَاعُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الِانْقِطَاعُ مِنَ النِّسَاءِ وَتَرْكُ التَّزَوُّجِ [1083] قَوْلُهُ رَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ التَّبَتُّلَ أَيْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ حِينَ اسْتَأْذَنَهُ بَلْ نَهَاهُ عَنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ وَوَجَدَ مُؤَنَهُ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَاخْتَصَيْنَا أَيْ لَجَعَلَ كُلٌّ مِنَّا نَفْسَهُ خَصِيًّا كيلا يَحْتَاجَ إِلَى النِّسَاءِ قَالَ الطِّيبِيُّ كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يَقُولَ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ لَتَبَتَّلْنَا ولَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْ هَذَا الظَّاهِرِ إِلَى قَوْلِهِ لَاخْتَصَيْنَا لِإِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ أَيْ لَبَالَغْنَا فِي التَّبَتُّلِ حَتَّى يُفْضِيَ بِنَا الِاخْتِصَاءُ ولَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الِاخْتِصَاءِ لِأَنَّهُ حَرَامٌ وقِيلَ بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ عَنِ الِاخْتِصَاءِ ويؤيده توارد استيذان جَمَاعَةٍ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ كأبي هريرة وبن مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَظُنُّونَ جَوَازَ الِاخْتِصَاءِ بِاجْتِهَادِهِمْ وَلَمْ يَكُنْ ظَنُّهُمْ هَذَا مُوَافِقًا فَإِنَّ الِاخْتِصَاءَ فِي الْآدَمِيِّ حَرَامٌ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا قَالَ الْبَغَوِيُّ وَكَذَا يَحْرُمُ خِصَاءُ كُلِّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ وَأَمَّا الْمَأْكُولُ فَيَجُوزُ خِصَاؤُهُ فِي صِغَرِهِ وَيَحْرُمُ فِي كِبَرِهِ انْتَهَى قُلْتُ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ خِصَاءِ الْبَهَائِمِ مُطْلَقًا صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً مَأْكُولَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَأْكُولَةٍ مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَبْرِ الرُّوحِ وَعَنْ إِخْصَاءِ الْبَهَائِمِ نَهْيًا شَدِيدًا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى ويُؤَيِّدُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ والطحاوي بإسناد ضعيف عن بن عُمَرَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِخْصَاءِ الْخَيْلِ وَالْبَهَائِمِ ثُمَّ قال بن عُمَرَ فِيهَا نَمَاءُ الْخَلْقِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ تَحْتَ هَذَا الْحَدِيثِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تحريم خصي الحيوانات وقول بن عُمَرَ فِيهَا نَمَاءُ الْخَلْقِ أَيْ زِيَادَتُهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْخَصْيَ تَنْمُو بِهِ الْحَيَوَانَاتُ وَلَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ جَالِبًا لِنَفْعٍ يَكُونُ حَلَالًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ عَدَمِ الْمَانِعِ وإيلام الحيوان ها هنا مَانِعٌ لِأَنَّهُ إِيلَامٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الشَّارِعُ بَلْ نَهَى عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ وقَدْ اسْتَدَلَّ بَعْضُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ إِخْصَاءِ الْبَهَائِمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ

خلق الله قال بن عَبَّاسٍ يَعْنِي بِذَلِكَ خَصْيَ الدَّوَابِّ وَكَذَا رُوِيَ عن بن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَعِكْرِمَةَ وَأَبِي عِيَاضٍ وَقَتَادَةَ وَأَبِي صَالِحٍ وَالثَّوْرِيِّ وقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى وقِيلَ الْمُرَادُ بِتَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تغيير دين الله ففي تفسير بن كثير وقال بن عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالْحَكَمُ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ وَعَطَاءٌ الخرساني ولآمرنهم فليغيرن خلق الله يَعْنِي دِينَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ ذَلِكَ أَمْرًا أَيْ لَا تُبَدِّلُوا فِطْرَةَ اللَّهِ وَدَعُوا النَّاسَ إِلَى فِطْرَتِهِمْ انْتَهَى قُلْتُ لَوْ تَأَمَّلْتَ وَتَدَبَّرْتَ فِي الْآيَتَيْنِ ظَهَرَ لَكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِتَغْيِيرِ خَلْقِ الله في الآية الأولى هو تغيير الصورة وَأَنَّ الْمُرَادَ بِتَبْدِيلِ خَلْقِ اللَّهِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ هُوَ تَبْدِيلُ دِينِ اللَّهِ ويَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِتَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ فِي الْآيَةِ الْأُولَى هُوَ تَغْيِيرُ الصُّورَةِ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ الْحَدِيثَ وقَدْ اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ إِخْصَاءِ الْبَهَائِمِ بِمَا وَرَدَ من أن رسول الله ضحى بكبشين موجوئين قَالُوا لَوْ كَانَ إِخْصَاءُ الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ حَرَامًا لَمَا ضَحَّى بِالْكَبْشِ الْمَوْجُوءِ الْبَتَّةَ وفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رِسَالَتِي إِرْشَادِ الْهَائِمِ إِلَى حُكْمِ إِخْصَاءِ الْبَهَائِمِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [1082] قَوْلُهُ نَهَى عَنِ التَّبَتُّلِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ التَّبَتُّلُ الِانْقِطَاعُ عَنِ النِّسَاءِ وتَرْكُ النِّكَاحِ وامْرَأَةٌ بَتُولٌ مُنْقَطِعَةٌ عَنِ الرِّجَالِ لَا شَهْوَةَ لَهَا فِيهِمْ وبِهَا سُمِّيَتْ مَرْيَمُ أُمُّ الْمَسِيحِ عليهما السلام وسميت الفاطمة الْبَتُولُ لِانْقِطَاعِهَا عَنْ نِسَاءِ زَمَانِهَا فَضْلًا وَدَيْنًا وَحَسَبًا وقِيلَ لِانْقِطَاعِهَا عَنِ الدُّنْيَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى قَوْلُهُ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قبلك الخ يَعْنِي أَنَّ النِّكَاحَ مِنْ سُنَّةِ الْمُرْسَلِينَ فَلَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا أَصْلًا وقَدْ اسْتَدَلَّتْ عَائِشَةُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى مَنْعِ التَّبَتُّلِ رَوَى النَّسَائِيُّ عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ قَالَ قُلْتُ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنِ التَّبَتُّلِ فَمَا تَرَيْنَ فِيهِ قَالَتْ

باب ما جاء في من ترضون دينه فزوجوه

قَالَتْ فَلَا تَفْعَلْ أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وجعلنا لهم أزواجا وذرية فَلَا تَبَتُّلَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وفِيهِ أَنَّ اللَّهَ أَبْدَلَنَا بِالرَّهْبَانِيَّةِ الْحَنِيفِيَّةَ السَّمْحَةَ كَذَا فِي النَّيْلِ (وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا وَيَقُولُ تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الأنبياء يوم القيامة وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ فِي أَحَدِهِمَا كَذَا فِي النَّيْلِ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ حَدِيثِ الْبَابِ (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ ولَمْ يَقَعْ مَنْسُوبًا فَقَالَ بن طاهر هو بن وِزَارٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ بن أَبِي الْخَوَّارِ وَهُوَ مُوَثَّقٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ سُمْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِيهِ أَنَّ فِي سماع الحسن عن سمرة خلافا مشهورا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وفِيهِ أَنَّ اللَّهَ أَبْدَلَنَا بِالرَّهْبَانِيَّةِ الْحَنِيفِيَّةَ السَّمْحَةَ كَذَا فِي النَّيْلِ (وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا وَيَقُولُ تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ القيامة وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَذَكَرَهُ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِي مَوْضِعَيْنِ وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ فِي أَحَدِهِمَا كَذَا فِي النَّيْلِ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِ حَدِيثِ الْبَابِ (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ ولَمْ يَقَعْ مَنْسُوبًا فَقَالَ بن طاهر هو بن وِزَارٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ بن أَبِي الْخَوَّارِ وَهُوَ مُوَثَّقٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ سُمْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِيهِ أَنَّ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ خِلَافًا مَشْهُورًا 6 - (بَاب ما جاء في مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ فَزَوِّجُوهُ) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ) الْخُزَاعِيُّ أَبُو عُمَرَ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ضَعِيفٌ مِنَ الثامنة (عن بن وثيمة) بفتح واو وكسر مثلثة وسكون ياه اسْمُهُ زُفَرُ الدِّمَشْقِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ

قَوْلُهُ (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ) أَيْ طَلَبَ مِنْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُ امْرَأَةً مِنْ أَوْلَادِكُمْ وَأَقَارِبِكُمْ (مَنْ تَرْضَوْنَ) أَيْ تَسْتَحْسِنُونَ (دِينَهُ) أَيْ دِيَانَتَهُ (وَخُلُقَهُ) أَيْ مُعَاشَرَتَهُ (فَزَوِّجُوهُ) أَيْ إِيَّاهَا (إِلَّا تَفْعَلُوا) أَيْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوا مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ وَتَرْغَبُوا فِي مُجَرَّدِ الْحَسَبِ وَالْجَمَالِ أَوْ الْمَالِ (وَفَسَادٌ عَرِيضٌ) أَيْ ذُو عُرْضٍ أَيْ كَبِيرٌ وَذَلِكَ لِأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوهَا إِلَّا مِنْ ذِي مَالٍ أَوْ جَاهٍ رُبَّمَا يَبْقَى أَكْثَرُ نِسَائِكُمْ بِلَا أَزْوَاجٍ وَأَكْثَرُ رِجَالِكُمْ بِلَا نساء فيكثر الافتتان بالزنى وَرُبَّمَا يَلْحَقُ الْأَوْلِيَاءَ عَارٌ فَتَهِيجُ الْفِتَنُ وَالْفَسَادُ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسَبِ وَقِلَّةُ الصَّلَاحِ وَالْعِفَّةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا يُرَاعَى فِي الْكَفَاءَةِ إِلَّا الدِّينَ وَحْدَهُ ومَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُرَاعَى أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ الدِّينُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالنَّسَبُ وَالصَّنْعَةُ فَلَا تُزَوَّجُ الْمُسْلِمَةُ مِنْ كَافِرٍ وَلَا الصَّالِحَةُ مِنْ فَاسِقٍ وَلَا الْحُرَّةُ مِنْ عَبْدٍ وَلَا الْمَشْهُورَةُ النَّسَبِ مِنَ الْخَامِلِ وَلَا بِنْتُ تَاجِرٍ أَوْ مَنْ لَهُ حِرْفَةٌ طَيِّبَةٌ مِمَّنْ لَهُ حِرْفَةٌ خَبِيثَةٌ أَوْ مَكْرُوهَةٌ فَإِنْ رَضِيَتِ الْمَرْأَةُ أَوْ وَلِيُّهَا بِغَيْرِ كُفْءٍ صَحَّ النِّكَاحُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْمُزَنِيِّ) أَخْرَجَهُ الترمذي (وعائشة) أي أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ ابْنَةَ أَخِيهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَهُوَ مَوْلَى امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (مُرْسَلًا) أَيْ منقطعا بعدم ذكر بن وَثِيمَةَ قَوْلُهُ (وَلَمْ يُعَدَّ حَدِيثُ عَبْدِ الْحَمِيدِ مَحْفُوظًا) لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وَأَمَّا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ [1085] قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ شَيْءٌ مِنْ قِلَّةِ الْمَالِ أَوْ عَدَمِ

باب ما جاء أن المرأة تنكح على ثلاث خصال

الْكَفَاءَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ تَأَيَّدَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ قَوْلُهُ (وَأَبُو حَاتِمٍ الْمُزَنِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ) وَقِيلَ لَا صُحْبَةَ لَهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُنْكَحُ عَلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ) [1086] قَوْلُهُ (تُنْكَحُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى دِينِهَا) أَيْ لِأَجْلِ دِينِهَا فَعَلَى بِمَعْنَى اللَّامِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَلِجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا الْحَدِيثَ (فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ) قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ أَنْ يَرْغَبُوا فِي النِّسَاءِ وَيَخْتَارُوهَا لِإِحْدَى الْخِصَالِ وَاللَّائِقُ بِذَوِي الْمُرُوءَاتِ وَأَرْبَابِ الدِّيَانَاتِ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ مَطْمَحَ نَظَرِهِمْ فِيمَا يَأْتُونَ وَيَذَرُونَ لَا سِيَّمَا فِيمَا يَدُومُ أَمْرُهُ وَيَعْظُمُ خَطَرُهُ انْتَهَى وقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عبد الله بن عمر وعند بن مَاجَهْ وَالْبَزَّارِ وَالْبَيْهَقِيِّ رَفْعُهُ لَا تَزَوَّجُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ فَعَسَى حُسْنُهُنَّ أَنْ يُرْدِيَهُنَّ وَلَا تَزَوَّجُوهُنَّ لِأَمْوَالِهِنَّ فَعَسَى أَمْوَالُهُنَّ أَنْ تُطْغِيَهُنَّ وَلَكِنْ تَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى الدِّينِ وَلَأَمَةٌ سَوْدَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ (تَرِبَتْ يَدَاكَ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ تَرِبَ الرَّجُلُ إِذَا افْتَقَرَ أَيْ لَصِقَ بِالتُّرَابِ وَأَتْرَبَ إِذَا اسْتَغْنَى وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ جَارِيَةٌ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ لَا يُرِيدُونَ بِهَا الدُّعَاءَ عَلَى الْمُخَاطَبِ وَلَا وُقُوعَ الْأَمْرِ بِهِ قَالَ وَكَثِيرًا ترد للعرب ألفاظا ظَاهِرُهَا الذَّمُّ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ بِهَا الْمَدْحَ كَقَوْلِهِمْ لَا أَبَ لَكَ وَلَا أُمَّ لَكَ وَلَا أَرْضَ لَكَ ونَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَعَائِشَةَ) لِيُنْظَرْ من

باب ما جاء في النظر إلى المخطوبة

أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ (وأبي سعيد) أخرجه الحاكم وبن حِبَّانَ بِلَفْظِ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى إِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ جَمَالِهَا وَدِينِهَا وَخُلُقِهَا فَعَلَيْكَ بِذَاتِ الدِّينِ وَالْخُلُقِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّظَرِ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ) [1087] قَوْلُهُ (فَإِنَّهُ) أَيْ النَّظَرَ إِلَيْهَا (أحرى) أي أجدر وأولى والنسب (أَنْ يُؤْدِمَ بَيْنَكُمَا) أَيْ بِأَنْ يُؤَلِّفَ وَيُوَفِّقَ بينكما قال بن الْمَلِكِ يُقَالُ أَدَمَ اللَّهُ بَيْنَكُمَا يَأْدِمُ أَيْ أَدْمًا بِالسُّكُونِ أَصْلَحَ وَأَلَّفَ وَكَذَا آدَمَ فِي الْفَائِقِ الْأَدْمُ وَالْإِيدَامُ الْإِصْلَاحُ وَالتَّوفِيقُ مِنْ أُدْمِ الطَّعَامِ وَهُوَ إِصْلَاحُهُ بِالْإِدَامِ وَجَعْلُهُ مُوَافِقًا لِلطَّاعِمِ والتَّقْدِيرُ يُؤْدَمُ بِهِ فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ أُقِيمَ مَقَامَ الْفَاعِلِ ثُمَّ حُذِفَ أَوْ نُزِّلَ الْمُتَعَدِّي مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ أَيْ يُوقَعَ الْأَدْمُ بَيْنَكُمَا يَعْنِي يَكُونُ بَيْنَكُمَا الْأُلْفَةُ وَالْمَحَبَّةُ لِأَنَّ تَزَوُّجَهَا إِذَا كَانَ بَعْدَ مَعْرِفَةٍ فَلَا يَكُونُ بَعْدَهَا غَالِبًا نَدَامَةٌ وقِيلَ بَيْنُكُمَا نَائِبُ الْفَاعِلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (تَقَطَّعَ بينكم) بِالرَّفْعِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ) قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا أخرجه أحمد وبن ماجه وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ وَسَكَتَ عَنْهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ (وَجَابِرٍ) قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَقَدَرَ أَنْ يَرَى مِنْهَا بَعْضَ مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ (وأنس) أخرجه بن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَصَحَّحُوهُ وَهُوَ مِثْلُ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ (وَأَبِي حُمَيْدٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا لِخِطْبَةٍ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ وَأَوْرَدَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَكَتَ عَنْهُ وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب ما جاء في إعلان النكاح

أَنَظَرْتَ إِلَيْهَا قَالَ لَا قَالَ فَاذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّ فِي أَعْيُنِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أخرجه أحمد والنسائي وبن ماجه والدارمي وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَحْتَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّظَرِ إِلَى مَنْ يُرِيدُ تَزَوُّجَهَا وهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ الْكُوفِيِّينَ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وحَكَى الْقَاضِي عَنْ قَوْمٍ كَرَاهَتَهُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمُخَالِفٌ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ لِلْحَاجَةِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالشَّهَادَةِ ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا فَقَطْ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِعَوْرَةٍ وَلِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِالْوَجْهِ عَلَى الْجَمَالِ وَبِالْكَفَّيْنِ عَلَى خُصُوبَةِ الْبَدَنِ أَوْ عَدَمِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَنْظُرُ إِلَى مَوَاضِعِ اللَّحْمِ وقَالَ دَاوُدُ يَنْظُرُ إِلَى جَمِيعِ بدنها وهذا خطأ ظاهر تنابذ لِأُصُولِ السُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ ثُمَّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ النَّظَرِ رِضَاهَا بَلْ لَهُ ذَلِكَ فِي غَفْلَتِهَا ومن غير نقدم إِعْلَامٍ لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ أَكْرَهُ نَظَرَهُ فِي غَفْلَتِهَا مَخَافَةً مِنْ وُقُوعِ نَظَرِهِ عَلَى عَوْرَةٍ وعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ أَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ فِي ذلك مطلقا ولم يشترط استيذانها وَلِأَنَّهَا تَسْتَحِي غَالِبًا مِنَ الْإِذْنِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (قَالَ أَحْرَى أَنْ تَدُومَ الْمَحَبَّةُ بَيْنَكُمَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَحْرَى أَنْ يُؤْدِمَ بَيْنَكُمَا الْمَحَبَّةَ وَالِاتِّفَاقَ يُقَالُ أَدَمَ اللَّهُ بَيْنَكُمَا يَأْدِمُ أَدْمًا بِالسُّكُونِ أَيْ أَلَّفَ وَوَفَّقَ وَكَذَلِكَ آدم يودم بِالْمَدِّ انْتَهَى 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِعْلَانِ النكاح) [1088] قوله (حدثنا هشيم) بالتصغير بن بَشِيرٍ بِوَزْنِ عَظِيمِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ السُّلَمِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ الْوَاسِطِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ وَالْإِرْسَالِ (أَخْبَرَنَا أَبُو بَلْجٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا جِيمٌ الْكُوفِيُّ ثُمَّ الْوَاسِطِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ الْخَامِسَةِ وَهُوَ أَبُو بَلْجٍ الْكَبِيرُ (الْجُمَحِيُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو كَذَا فِي الْمُغْنِي

قَوْلُهُ (فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ) أَيْ فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا (الصَّوْتُ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يُرِيدُ إِعْلَانَ النِّكَاحِ وَذَلِكَ بِالصَّوْتِ وَالذِّكْرِ بِهِ فِي النَّاسِ يُقَالُ لَهُ صَوْتٌ وَصِيتٌ انتهى (والدف) بضم الدال وفتحها قال القارىء فِي الْمِرْقَاة الصَّوْتُ أَيْ الذِّكْرُ وَالتَّشْهِيرُ وَالدُّفُّ أَيْ ضَرْبُهُ فَإِنَّهُ يَتِمُّ بِهِ الْإِعْلَانُ قَالَ بن الْمَلِكِ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِي النِّكَاحِ إِلَّا هَذَا الْأَمْرُ فَإِنَّ الْفَرْقَ يَحْصُلُ بِحُضُورِ الشُّهُودِ عِنْدَ الْعَقْدِ بَلِ الْمُرَادُ التَّرْغِيبُ إِلَى إِعْلَانِ أَمْرِ النِّكَاحِ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى الْأَبَاعِدِ فَالسُّنَّةُ إِعْلَانُ النِّكَاحِ بِضَرْبِ الدُّفِّ وَأَصْوَاتِ الْحَاضِرِينَ بِالتَّهْنِئَةِ أَوْ النَّغْمَةِ فِي إِنْشَاءِ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ وفِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَاهُ إِعْلَانُ النِّكَاحِ وَاضْطِرَابُ الصَّوْتِ بِهِ وَالذِّكْرُ فِي النَّاسِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ ذَهَبَ صَوْتُهُ فِي النَّاسِ وبَعْضُ النَّاسِ يَذْهَبُ بِهِ إِلَى السَّمَاعِ وَهَذَا خَطَأٌ يَعْنِي السَّمَاعَ الْمُتَعَارَفَ بين الناس الآن انتهى كلام القارىء قُلْتُ الظَّاهِرُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ المراد بالصوت ها هنا الْغِنَاءُ الْمُبَاحُ فَإِنَّ الْغِنَاءَ الْمُبَاحَ بِالدُّفِّ جَائِزٌ فِي الْعُرْسِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ الْآتِي فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وفِيهِ فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَّاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ الْمُهَلَّبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِعْلَانُ النِّكَاحِ بِالدُّفِّ وَالْغِنَاءِ الْمُبَاحِ انْتَهَى وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ فَقَالَ فَهَلْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا جَارِيَةً تَضْرِبُ بِالدُّفِّ وَتُغَنِّي وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ قَرَظَةَ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ قَالَ إِنَّهُ رَخَّصَ لَنَا فِي اللَّهْوِ عِنْدَ الْعُرْسِ الْحَدِيثَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ ولِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ لَهُ أَتُرَخِّصُ فِي هَذَا قَالَ نعم إنه نكاح لاسفاح أَشِيدُوا النِّكَاحَ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ حاطب حديث حسن) أخرجه أحمد

والنسائي وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ [1089] قَوْلُهُ (أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ) أَيْ بِالْبَيِّنَةِ فَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ أَوْ بِالْإِظْهَارِ وَالِاشْتِهَارِ فَالْأَمْرُ لِلِاسْتِحْبَابِ كَمَا فِي قَوْلِهِ (وَاجْعَلُوهُ فِي الْمَسَاجِدِ) وَهُوَ إِمَّا لِأَنَّهُ أَدْعَى لِلْإِعْلَانِ أَوْ لِحُصُولِ بَرَكَةِ الْمَكَانِ (وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى النِّكَاحِ (بِالدُّفُوفِ) لَكِنْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وقَالَ الْفُقَهَاءُ الْمُرَادُ بِالدُّفِّ مَا لَا جَلَاجِلَ لَهُ كَذَا ذَكَرَهُ بن الْهُمَامِ قَالَ الْحَافِظُ وَاسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ وَاضْرِبُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَالْأَحَادِيثُ الْقَوِيَّةُ فِيهَا الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ لِلنِّسَاءِ فَلَا يَلْتَحِقُ بِهِنَّ الرِّجَالُ لِعُمُومِ النَّهْيِ عَنِ التَّشَبُّهِ بِهِنَّ انْتَهَى قُلْتُ وَكَذَلِكَ الْغِنَاءُ الْمُبَاحُ فِي الْعُرْسِ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ فَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ فِي الْمِشْكَاةِ وَقَالَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ حَسَنٍ وكَذَلِكَ أَوْرَدَ الشَّوْكَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي النَّيْلِ وقَالَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَمْ يَذْكُرْ هُوَ أَيْضًا لَفْظَ حَسَنٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ النُّسْخَةَ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ صَاحِبِ الْمِشْكَاةِ وَعِنْدَ الشَّوْكَانِيِّ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهَا تَضْعِيفُ التِّرْمِذِيِّ عِيسَى بْنَ مَيْمُونَ أَحَدَ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ وقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِضَعْفِ هذا الحديث والله تعالى أعلم وأخرج بن مَاجَهْ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ أَعْلِنُوا هَذَا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ وفِي سَنَدِهِ خَالِدُ بْنُ إِلْيَاسَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الله بن الزبير أحمد وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَلَيْسَ فِيهِ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالدُّفُوفِ قَوْلُهُ (وَعِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الْأَنْصَارِيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ هَذَا هُوَ مَوْلَى الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ يُعْرَفُ بالواسطي قال البخاري منكر الحديث وقال بن حِبَّانَ يَرْوِي أَحَادِيثَ كُلُّهَا مَوْضُوعَاتٌ (وَعِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الَّذِي يَرْوِي عَنْ أَبِي نَجِيحٍ التَّفْسِيرَ هُوَ ثِقَةٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الْجُرَشِيُّ الْمَكِّيُّ أَبُو مُوسَى الْمَعْرُوفُ بِابْنِ دَايَةَ وَهُوَ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ وَرَوَى عن مجاهد وبن أَبِي نَجِيحٍ وَعَنْهُ السُّفْيِانَانِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الدُّورِيُّ عن بن معين ليس به بأس وقال بن الْمَدِينِيِّ ثِقَةٌ كَانَ سُفْيَانُ يُقَدِّمُهُ عَلَى وَرْقَاءَ وقَالَ السَّاجِيُّ ثِقَةٌ ووَثَّقَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ

انْتَهَى مُخْتَصَرًا [1090] قَوْلُهُ (عَنِ الرُّبَيِّعِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ (بِنْتِ مُعَوِّذٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ (غَدَاةَ بُنِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِي) وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ عَلَيَّ أَيْ سُلِّمْتُ وَزُفِفْتُ إِلَى زَوْجِي وَالْبِنَاءُ الدُّخُولُ بِالزَّوْجَةِ وَبَيَّنَ بن سَعْدٍ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ حِينَئِذٍ إِيَاسَ بْنَ الْبَكِيرِ اللَّيْثِيَّ وَأَنَّهَا وَلَدَتْ لَهُ مُحَمَّدَ بْنَ إِيَاسٍ قِيلَ لَهُ صُحْبَةٌ (كَمَجْلِسِكَ مِنِّي) بِكَسْرِ اللَّامِ أي مكانك خِطَابٍ لِمَنْ يَرْوِي الْحَدِيثَ عَنْهَا وَهُوَ خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْحِجَابِ أَوْ جَازَ النَّظَرَ لِلْحَاجَةِ أَوْ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنَ الْفِتْنَةِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَخِيرُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ والَّذِي وَضَحَ لَنَا بِالْأَدِلَّةِ الْقَوِيَّةِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَازُ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا وهُوَ الْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنْ قِصَّةِ أُمِّ حِرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ فِي دُخُولِهِ عَلَيْهَا وَنَوْمِهِ عِنْدَهَا وَتَفْلِيَتِهَا رَأْسَهُ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ وَلَا زوجية انتهى كلام الحافظ واعترض القارىء فِي الْمِرْقَاةِ عَلَى كَلَامِ الْحَافِظِ هَذَا فَقَالَ هَذَا غَرِيبٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى كَشْفِ وَجْهِهَا وَلَا عَلَى الْخَلْوَةِ بِهَا بَلْ يُنَافِيهَا مَقَامُ الزِّفَافِ وَكَذَا قَوْلُهَا فَجَعَلَتْ جُوَيْرِيَّاتٌ لَنَا يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ إِلَخْ قُلْتُ لَوْ ثَبَتَ بِالْأَدِلَّةِ الْقَوِيَّةِ أَنَّ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَازُ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا لَحَصَلَ الْجَوَابُ بِلَا تَكَلُّفٍ وَلَكَانَ شَافِيًا وَكَافِيًا ولَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْحَافِظُ تِلْكَ الأدلة ها هنا (وَجُوَيْرِيَّاتٌ) بِالتَّصْغِيرِ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِنَّ بَنَاتُ الْأَنْصَارِ دُونَ الْمَمْلُوكَاتِ (يَضْرِبْنَ بِدُفِّهِنَّ) بِضَمِّ الدَّالِ وَيُفْتَحُ قِيلَ تِلْكَ الْبَنَاتُ لَمْ تَكُنَّ بَالِغَاتٍ حَدَّ الشَّهْوَةِ وَكَانَ دُفُّهُنَّ غَيْرَ مَصْحُوبٍ بِالْجَلَاجِلِ (وَيَنْدُبْنَ) بِضَمِّ الدَّالِ مِنَ النُّدْبَةِ بِضَمِّ النُّونِ وهِيَ ذِكْرُ أَوْصَافِ الْمَيِّتِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَتَعْدِيدِ مَحَاسِنِهِ بِالْكَرَمِ وَالشَّجَاعَةِ وَنَحْوِهَا قَوْلُهُ (مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِي يَوْمَ بَدْرٍ) قَالَ الْحَافِظُ إِنَّ الَّذِي قُتِلَ مِنْ آبَائِهَا إِنَّمَا قُتِلَ بِأُحُدٍ وَآبَاؤُهَا الَّذِينَ شَهِدُوا بَدْرًا مُعَوِّذٌ وَمُعَاذٌ وَعَوْفٌ وَأَحَدُهُمْ أَبُوهَا وَآخَرَانِ عَمَّاهَا أَطْلَقَتِ الْأُبُوَّةَ عَلَيْهِمَا تَغْلِيبًا (اسْكُتِي عَنْ هَذِهِ) أَيْ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ دَعِي هَذِهِ أَيْ اتْرُكِي مَا يَتَعَلَّقُ بِمَدْحِي الَّذِي فِيهِ الْإِطْرَاءُ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ زَادَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ لَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَّا اللَّهُ فأشار إلى علة المنع (وقولي التي كُنْتِ تَقُولِينَ قَبْلَهَا) فِيهِ جَوَازُ سَمَاعِ الْمَدْحِ وَالْمَرْثِيَةِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مُبَالَغَةٌ تُفْضِي إِلَى الغلو قاله الحافظ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَإِنَّمَا مَنَعَ الْقَائِلَةَ بِقَوْلِهَا وفِينَا

باب فيما يقال للمتزوج

نَبِيٌّ إِلَخْ لِكَرَاهَةِ نِسْبَةِ عِلْمِ الْغَيْبِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّمَا يَعْلَمُ الرَّسُولُ مِنَ الْغَيْبِ مَا أَخْبَرَهُ أَوْ لِكَرَاهَةِ أَنْ يُذْكَرَ فِي أَثْنَاءِ ضَرْبِ الدُّفِّ وَأَثْنَاءِ مَرْثِيَةِ الْقَتْلَى لِعُلُوِّ مَنْصِبِهِ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا وَرَدَ بِهِ التَّصْرِيحُ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ كَمَا مَرَّ آنِفًا قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 0 - (باب فِيمَا يُقَالُ لِلْمُتَزَوِّجِ) أَيْ مِنَ الدُّعَاءِ [1091] قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا رَفَّأَ الْإِنْسَانُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ مَهْمُوزٌ مَعْنَاهُ دَعَا لَهُ قَالَهُ الْحَافِظُ في الفتح وفي القاموس رفأه ترفئة وترفيا قال له بالرفاه وَالْبَنِينَ أَيْ بِالِالْتِئَامِ وَجَمْعِ الشَّمْلِ انْتَهَى وذَلِكَ لِأَنَّ التَّرْفِئَةَ فِي الْأَصْلِ الِالْتِئَامُ يُقَالُ رَفَّأَ الثَّوْبَ لَأَمَ خَرْقَهُ وَضَمَّ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ وكَانَتْ هَذِهِ تَرْفِئَةَ الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ نَهَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ وَأَرْشَدَ إِلَى مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ فَرَوَى بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قال كنا نقول في الجاهلية بالرفاه وَالْبَنِينَ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ عَلَّمَنَا نَبِيُّنَا قَالَ قُولُوا بَارَكَ اللَّهُ لَكُمْ وَبَارَكَ فِيكُمْ وَبَارَكَ عليكم وأخرجه النسائي والطبراني عن عقيل بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَدِمَ الْبَصْرَةَ فَتَزَوَّجَ امرأة فقالوا له بالرفاه وَالْبَنِينَ فَقَالَ لَا تَقُولُوا هَكَذَا وَقُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِمْ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ (قَالَ بَارَكَ اللَّهُ وَبَارَكَ عَلَيْكَ) وفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ وَبَارَكَ عَلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن عقيل بْنِ أَبِي طَالِبٍ) أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً مِنْ بني جشم فقالوا بالرفاه وَالْبَنِينَ فَقَالَ لَا تَقُولُوا هَكَذَا وَلَكِنْ قُولُوا كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ وَبَارِكْ عَلَيْهِمْ أَخْرَجَهُ النسائي وبن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ وفِي رِوَايَةٍ لَهُ لَا تَقُولُوا ذَلِكَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَانَا عَنْ ذَلِكَ قُولُوا بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ وَبَارَكَ لَكَ فِيهَا وأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ عَقِيلٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَقِيلٍ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أخرجه أصحاب السنن وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ

باب ما يقول إذا دخل على أهله

81 - (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِهِ) [1092] قَوْلُهُ (إِذَا أَتَى أَهْلَهُ) أَيْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ والْمَعْنَى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُجَامِعَ فيكون القول قبل الشروع وفي روايته لِأَبِي دَاوُدَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ وهِيَ مُفَسِّرَةٌ لِغَيْرِهَا مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي تَدُلُّ بِظَاهِرِهَا عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ يَكُونُ مَعَ الْفِعْلِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَجَازِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِذَا قرأت القرآن فاستعذ بالله) أَيْ إِذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ (جَنِّبْنَا) أَيْ بَعِّدْنَا (الشَّيْطَانَ) مَفْعُولٌ ثَانٍ (مَا رَزَقْتَنَا) مِنَ الْوَلَدِ (لَمْ يَضُرَّهُ الشَّيْطَانُ) أَيْ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ وَإِلَّا فَكُلُّ مَوْلُودٍ يَمَسُّهُ الشَّيْطَانُ إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ وَسْوَسَةٍ لَكِنْ كَانَ مِمَّنْ لَيْسَ لَهُ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وقْد وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْطَانٌ أَبَدًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاخْتُلِفَ فِي الضَّرَرِ الْمَنْفِيِّ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْحَمْلِ عَلَى الْعُمُومِ فِي أَنْوَاعِ الضَّرَرِ عَلَى مَا نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي الْحَمْلِ عَلَى عُمُومِ الْأَحْوَالِ مِنْ صِيغَةِ النَّفْيِ مَعَ التأييد وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ الِاتِّفَاقِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ إِنَّ كُلَّ بَنِي آدَمَ يَطْعَنُ الشَّيْطَانُ فِي بَطْنِهِ حِينَ يُولَدُ إِلَّا مَنِ اسْتَثْنَى فَإِنَّ هَذَا الطَّعْنَ نَوْعٌ مِنَ الضَّرَرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقِيلَ الْمَعْنَى لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْلِ بَرَكَةِ التَّسْمِيَةِ بَلْ يَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادِ الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ) وَقِيلَ الْمُرَادُ لَمْ يَصْرَعْهُ وَقِيلَ لَمْ يَضُرَّهُ فِي بَدَنِهِ وقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَى لَمْ يَضُرَّهُ أَيْ لَمْ يَفْتِنْهُ عَنْ دِينِهِ إِلَى الْكُفْرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ عِصْمَتَهُ مِنْهُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا وَقَدْ ذَكَرَ أَقْوَالًا أُخَرَ مَنْ شَاءَ الِاطِّلَاعَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيُّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى

باب ما جاء في الأوقات التي يستحب فيها النكاح

82 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا النِّكَاحُ) [1093] قَوْلُهُ (بَنَى بِي) أَيْ دَخَلَ مَعِي وَزُفَّ بِي قَالَ فِي النِّهَايَةِ الِابْتِنَاءُ والبناء الدُّخُولُ بِالزَّوْجَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَنَى عَلَيْهَا قُبَّةً لِيَدْخُلَ بِهَا فِيهَا فَيُقَالُ بَنَى الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَلَا يُقَالُ بَنَى بِأَهْلِهِ وهَذَا الْقَوْلُ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَدِيثِ وَغَيْرِ الْحَدِيثِ وعَادَ الْجَوْهَرِيُّ فَاسْتَعْمَلَهُ فِي كِتَابِهِ انْتَهَى (وَبَنَى بِي فِي شَوَّالٍ) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ فَأَيُّ نِسَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحْظَى عِنْدَهُ مِنِّي (وَكَانَتْ عَائِشَةُ تستحب أن يبني بنائها فِي شَوَّالٍ) ضَمِيرُ نِسَائِهَا يَرْجِعُ إِلَى عَائِشَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّزْوِيجِ وَالتَّزَوُّجِ وَالدُّخُولِ فِي شَوَّالٍ وَقَدْ نَصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَصَدَتْ عَائِشَةُ بِهَذَا الْكَلَامِ رَدَّ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ عَلَيْهِ وَمَا يَتَخَيَّلُهُ بَعْضُ الْعَوَامِّ الْيَوْمَ مِنْ كَرَاهَةِ التَّزَوُّجِ وَالتَّزْوِيجِ وَالدُّخُولِ فِي شَوَّالٍ وهَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ مِنْ آثَارِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَطَيَّرُونَ بِذَلِكَ لِمَا فِي اسْمِ شَوَّالٍ مِنَ الْإِشَالَةِ والرفع انتهى وقال القارىء قِيلَ إِنَّمَا قَالَتْ هَذَا رَدًّا عَلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ يُمْنًا فِي التَّزَوُّجِ وَالْعُرْسِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوَلِيمَةِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ الْوَلِيمَةُ الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ لِلْعُرْسِ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْوَلْمِ وَهُوَ الْجَمْعُ لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَجْتَمِعَانِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْأَنْبَارِيُّ أَصْلُهَا تَمَامُ الشَّيْءِ وَاجْتِمَاعُهُ وَالْفِعْلُ مِنْهَا أو لم قَالَهُ النَّوَوِيُّ واعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا أَنَّ الضِّيَافَاتِ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ الْوَلِيمَةُ

لِلْعُرْسِ والْخُرْسُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا لِلْوِلَادَةِ وَالْإِعْذَارُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ لِلْخِتَانِ والْوَكِيرَةُ لِلْبِنَاءِ والنَّقِيعَةُ لِقُدُومِ الْمُسَافِرِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ النَّقْعِ وَهُوَ الْغُبَارُ ثُمَّ قِيلَ إِنَّ الْمُسَافِرَ يَصْنَعُ الطَّعَامَ وَقِيلَ يَصْنَعُهُ غَيْرُهُ لَهُ وَالْعَقِيقَةُ يَوْمَ سَابِعِ الْوِلَادَةِ والْوَضِيمَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الطَّعَامُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ والْمَأْدُبَةُ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ ضِيَافَةً بِلَا سَبَبٍ والْوَضِيمَةُ مِنْ هَذِهِ الأنواع الثمانية ليست بجائرة بَلْ هِيَ حَرَامٌ وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ فَاتَهُمْ ذِكْرُ الْحِذَاقِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ قَافٌ الطَّعَامُ الَّذِي يُتَّخَذُ عند حذق الصبي ذكره بن الصباغ في الشامل وقال بن الرِّفْعَةِ هُوَ الَّذِي يُصْنَعُ عِنْدَ الْخَتْمِ أَيْ خَتْمِ الْقُرْآنِ كَذَا قَيَّدَهُ وَيَحْتَمِلُ خَتْمَ قَدْرٍ مَقْصُودٍ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُطْرَدَ ذَلِكَ فِي حِذْقِهِ لِكُلِّ صِنَاعَةٍ قَالَ وَرَوَى أَبُو الشَّيْخِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ الْوَلِيمَةُ حَقٌّ وَسُنَّةٌ الْحَدِيثَ وفِي آخِرِهِ قَالَ وَالْخُرْسُ وَالْإِعْذَارُ وَالتَّوْكِيرُ أَنْتَ فِيهِ بِالْخِيَارِ وفِيهِ تَفْسِيرُ ذَلِكَ وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ الرَّفْعُ وَيَحْتَمِلُ الْوَقْفَ وفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فِي وَلِيمَةِ الْخِتَانِ لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهَا انْتَهَى [1094] قَوْلُهُ (رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ وفِي رِوَايَةٍ رَدْعٍ مِنْ زَعْفَرَانٍ بِرَاءٍ وَدَالٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَاتٍ هُوَ أَثَرُ الطِّيبِ والصَّحِيحُ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ أَثَرٌ مِنَ الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ طِيبِ الْعَرُوسِ ولَمْ يَقْصِدْهُ وَلَا تَعَمَّدَ التَّزَعْفُرَ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ النَّهْيُ عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ وكَذَا نَهَى الرِّجَالَ عَنِ الْخَلُوقِ لِأَنَّهُ شِعَارُ النِّسَاءِ وقَدْ نَهَى الرِّجَالَ عَنِ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُحَقِّقُونَ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّهُ يُرَخَّصُ فِي ذَلِكَ لِلرَّجُلِ الْعَرُوسِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ فِي أَثَرٍ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يُرَخِّصُونَ فِي ذَلِكَ لِلشَّابِّ أَيَّامَ عُرْسِهِ قَالَ وَقِيلَ لَعَلَّهُ كَانَ يَسِيرًا فَلَمْ يُنْكَرْ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ (عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ النَّوَاةُ اسْمٌ لِقَدْرٍ مَعْرُوفٍ عِنْدَهُمْ فَسَرُّوهَا بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ الْقَاضِي كَذَا فَسَّرَهَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ (أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ) قَالَ الْحَافِظُ لَيْسَتْ لَوْ هَذِهِ الِامْتِنَاعِيَّةَ إِنَّمَا هِيَ الَّتِي لِلتَّقْلِيلِ ووَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ أَعَرَّسْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَوْلَمْتَ قَالَ لَا فَرَمَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ وَهَذَا لَوْ صَحَّ كَانَ فِيهِ أَنَّ الشَّاةَ مِنْ إِعَانَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكَانَ يُعَكِّرُ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ أَقَلُّ مَا يُشْرَعُ لِلْمُوسِرِ ولَكِنَّ الْإِسْنَادَ ضَعِيفٌ قَالَ ولَوْلَا ثُبُوتُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِأَقَلَّ مِنَ الشَّاةِ

لَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ أَقَلُّ مَا تُجْزِئُ فِي الْوَلِيمَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْيِيدِهِ بِالْقَادِرِ عَلَيْهَا قَالَ عِيَاضٌ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَا حَدَّ لِأَكْثَرِهَا وَأَمَّا أَقَلُّهَا فَكَذَلِكَ ومَهْمَا تَيَسَّرَ أَجْزَأَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنَّهَا عَلَى قَدْرِ حَالِ الزَّوْجِ وقَدْ تَيَسَّرَ عَلَى الْمُوسِرِ الشَّاةُ فَمَا فَوْقَهَا انْتَهَى وَقَدْ اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ عَلَى وُجُوبِ الْوَلِيمَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ لَمَّا خَطَبَ عَلِيٌّ فَاطِمَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَا بُدَّ لِلْعَرُوسِ مِنْ وَلِيمَةٍ قَالَ الْحَافِظُ سَنَدُهُ لَا بَأْسَ بِهِ وهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى وُجُوبِ الْوَلِيمَةِ وَقَالَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وأما قول بن بَطَّالٍ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَهَا فَفِيهِ أَنَّهُ نَفَى عِلْمَهُ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَ الْخِلَافِ فِي الْوُجُوبِ وقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مَرْفُوعًا الْوَلِيمَةُ حَقٌّ وكذا وقع في أحاديث أخرى قال بن بَطَّالٍ قَوْلُه حَقٌّ أَيْ لَيْسَ بِبَاطِلٍ بَلْ يُنْدَبُ إِلَيْهَا وَهِيَ سُنَّةٌ فَضِيلَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الْوُجُوبَ وَأَيْضًا هُوَ طَعَامٌ لِسُرُورٍ حَادِثٍ فَأَشْبَهَ سَائِرَ الْأَطْعِمَةِ وَالْأَمْرُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَلِكَوْنِهِ أَمَرَ بِشَاةٍ وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ اتِّفَاقًا قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَزُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ) أَمَّا حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ جابر فأخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وبن مَاجَهْ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ شَاءَ طَعِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَأَمَّا حَدِيثُ زُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ فَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي ولفظ أبو دَاوُدَ الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ حَقٌّ وَالثَّانِيَ مَعْرُوفٌ وَالْيَوْمَ الثَّالِثَ سُمْعَةٌ وَرِيَاءٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِهِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ وَلَا أَعْلَمُ لِزُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ غَيْرَ هَذَا وقَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ يُقَالُ إِنَّهُ مُرْسَلٌ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ وذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ فِي تَرْجَمَةِ زُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ وَقَالَ وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ ولَا نعرف له صحبة وقال بن عُمَرَ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى وَلِيمَةٍ فَلْيُجِبْ وَلَمْ يَخُصَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا غَيْرَهَا وَهَذَا أصح وقال بن سِيرِينَ عَنْ أَبِيهِ لَمَّا بَنَى بِأَهْلِهِ أَوْلَمَ سبعة أيام ودعى فِي ذَلِكَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَأَجَابَهُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ وَجَدْنَا لِحَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ عُثْمَانَ شَوَاهِدَ فَذَكَرَهَا ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا لَا يَخْلُو عَنْ مَقَالٍ فَمَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَثُلُثٍ) قَالَ الْحَافِظُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عِنْدَ

الْبَيْهَقِيِّ قُوِّمَتْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَثُلُثًا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ جَزَمَ بِهِ أَحْمَدُ انْتَهَى (وَقَالَ إِسْحَاقُ هُوَ وَزْنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ) قَالَ الْحَافِظُ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ نَوَاةٍ فَقِيلَ الْمُرَادُ وَاحِدَةُ نَوَى التَّمْرِ كَمَا يُوزَنُ بِنَوَى الْخَرُّوبِ وإِنَّ الْقِيمَةَ عَنْهَا كَانَتْ يَوْمَئِذٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وقِيلَ لَفْظِ النَّوَاةِ مِنْ ذَهَبٍ عِبَارَةٌ عَمَّا قِيمَتُهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ مِنَ الْوَرِقِ وجَزَمَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ واخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ ونَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ ويُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قُوِّمَتْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا وذَكَرَ فِيهِ أَقْوَالًا أُخْرَى [1095] قَوْلُهُ (عَنْ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ) التَّيْمِيِّ الْكُوفِيِّ وَالِدِ بَكْرٍ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنِ ابْنِهِ نَوْفٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِهِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ولَيْسَ فِي التَّقْرِيبِ وَلَا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ذِكْرُ نَوْفِ بْنِ وَائِلٍ فَلْيُنْظَرْ وأَمَّا بَكْرُ بْنُ وَائِلِ بْنِ دَاوُدَ فَصَدُوقٌ رَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ ورَوَى عَنْهُ أَبُوهُ وَائِلُ بْنُ دَاوُدَ وَغَيْرُهُ (أَوْلَمَ عَلَى صَفِيَّةَ بنت حي بِسَوِيقٍ وَتَمْرٍ) وفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ أَوْلَمَ عَلَيْهَا بحيس قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ فِي الوليمة كلاهما فاخر كُلُّ رَاوٍ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ انْتَهَى قُلْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْأَنْطَاعِ فَأَلْقَى فِيهَا مِنَ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ فَكَانَتْ وَلِيمَتَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ولَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا يَعْنِي بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْحَيْسِ لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيْسِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَيْسُ يُؤْخَذُ التَّمْرُ فَيُنْزَعُ نَوَاهُ وَيُخْلَطُ بِالْأَقِطِ أَوْ الدَّقِيقِ أَوْ السَّوِيقِ انْتَهَى ولَوْ جَعَلَ فِيهِ السَّمْنَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ حَيْسًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ السَّمْنُ أَيْضًا مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيْسِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحَيْسُ الْخَلْطُ وَتَمْرٌ يُخْلَطُ بِسَمْنٍ وَأَقِطٍ فَيُعْجَنُ شَدِيدًا ثُمَّ يُنْدَرُ مِنْهُ نَوَاهُ وَرُبَّمَا جُعِلَ فِيهِ سَوِيقًا انْتَهَى [1096] قَوْلُهُ (حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ قَوْلُهُ (وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ

عُيَيْنَةَ يُدَلِّسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ) اعْلَمْ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عُيَيْنَةَ لَمْ يَكُنْ يُدَلِّسْ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ [1097] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ الطُّفَيْلِ الْعَامِرِيُّ الْبَكَّائِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ ثَبْتٌ فِي الْمَغَازِي وفي حديثه عن غير بن إِسْحَاقَ لِينٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ أبي عبد الرحمن) السلمي الكوفي المقرئ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ رَبِيعَةَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (طَعَامُ أَوَّلِ يَوْمٍ حَقٌّ) أَيْ ثَابِتٌ وَلَازِمٌ فِعْلُهُ وَإِجَابَتُهُ أَوْ وَاجِبٌ وَهَذَا عِنْدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْوَلِيمَةَ وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ فَإِنَّهَا فِي مَعْنَى الْوَاجِبِ حَيْثُ يُسِيءُ بِتَرْكِهَا وَيَتَرَتَّبُ عِتَابٌ وإن لم يجب عقاب قاله القارىء قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مُتَمَسَّكَاتِ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّانِي سُنَّةٌ) وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ رَجُلٍ أعود مِنْ ثَقِيفٍ بِلَفْظِ الْوَلِيمَةُ أَوَّلَ يَوْمٍ حَقٌّ والثَّانِي مَعْرُوفٌ إِلَخْ أَيْ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ (وَطَعَامُ يَوْمِ الثَّالِثِ سُمْعَةٌ) بِضَمِّ السِّينِ أَيْ سُمْعَةٌ وَرِيَاءٌ لِيُسْمِعَ النَّاسَ وَيُرَائِيهِمْ وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ سُمْعَةٌ وَرِيَاءٌ (وَمَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ فِيهِمَا أَيْ مَنْ شَهَرَ نَفْسَهُ بِكَرَمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَخْرًا أَوْ رِيَاءً شَهَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ أَهْلِ الْعَرَصَاتِ بِأَنَّهُ مُرَاءٍ كَذَابٌ بِأَنْ أَعْلَمَ اللَّهُ النَّاسَ بِرِيَائِهِ وَسُمْعَتِهِ وَقَرَعَ بَابَ أَسْمَاعِ خَلْقِهِ فَيُفْتَضَحَ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ الطِّيبِيُّ إِذَا أَحْدَثَ اللَّهُ تَعَالَى لِعَبْدٍ نِعْمَةً حُقَّ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ شُكْرًا وَاسْتُحِبَّ ذَلِكَ فِي الثَّانِي جَبْرًا لِمَا يَقَعُ مِنَ النُّقْصَانِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ السُّنَّةَ مُكَمِّلَةٌ لِلْوَاجِبِ وأَمَّا الْيَوْمُ الثَّالِثُ فَلَيْسَ إِلَّا رِيَاءً وَسُمْعَةً وَالْمَدْعُوُّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِجَابَةُ فِي الْأَوَّلِ وَيُسْتَحَبُّ فِي الثَّانِي وَيُكْرَهُ بَلْ يحرم في الثالث انتهى قال القارىء وفِيهِ رَدٌّ صَرِيحٌ عَلَى أَصْحَابِ مَالِكٍ حَيْثُ قَالُوا بِاسْتِحْبَابِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ لِذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ لعلهم تمسكوا بما أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ لَمَّا تَزَوَّجَ أَبِي دَعَا الصَّحَابَةَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْأَنْصَارِ دَعَا أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَغَيْرَهُمَا فَكَانَ أُبَيٌّ صَائِمًا فَلَمَّا طَعِمُوا دَعَا أُبَيٌّ وَأَثْنَى وأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَتَمَّ سِيَاقًا مِنْهُ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِلَى حَفْصَةَ فِيهِ ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وقَدْ جَنَحَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ إِلَى جَوَازِ الْوَلِيمَةِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ حَيْثُ

قَالَ بَابُ حَقِّ إِجَابَةِ الْوَلِيمَةِ وَالدَّعْوَةِ وَمَنْ أَوْلَمَ بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ وَنَحْوِهِ ولَمْ يُوَقِّتِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا وَلَا يَوْمَيْنِ انْتَهَى وأَشَارَ بِهَذَا إِلَى ضَعْفِ حَدِيثِ الْبَابِ ولَكِنْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ شَوَاهِدَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا لَا يَخْلُو عَنْ مَقَالٍ فَمَجْمُوعُهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا قَالَ وَقَدْ عَمِلَ بِهِ يَعْنِي بِحَدِيثِ الْبَابِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ قَالَ وَإِلَى مَا جَنَحَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ قَالَ عِيَاضٌ اسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا لِأَهْلِ السَّعَةِ كَوْنَهَا أُسْبُوعًا قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَحَلُّهُ إِذَا دَعَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَنْ لَمْ يَدْعُ قَبْلَهُ وَلَمْ يُكَرِّرْ عَلَيْهِمْ وَإِذَا حَمَلْنَا الْأَمْرَ فِي كَرَاهَةِ الثَّالِثِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ هُنَاكَ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ وَمُبَاهَاةٌ كَانَ الرَّابِعُ وَمَا بَعْدَهُ كَذَلِكَ فَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا وَقَعَ مِنَ السَّلَفِ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْيَوْمَيْنِ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ ذَلِكَ عَلَى الثَّالِثِ لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا قوله (حديث بن مَسْعُودٍ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بِهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْهُ قَالَ الْحَافِظُ وَزِيَادٌ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَسَمَاعُهُ عَنْ عَطَاءٍ بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ (وَزِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَثِيرُ الْغَرَائِبِ وَالْمَنَاكِيرِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَشَيْخُهُ فِيهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَسَمَاعُ زِيَادٍ مِنْهُ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ فَهَذِهِ عِلَّتُهُ انْتَهَى وقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ لِحَدِيثِهِ شَوَاهِدَ يَدُلُّ مَجْمُوعُهَا أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا (قَالَ وَكِيعٌ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَعَ شَرَفِهِ يَكْذِبُ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ وَكِيعًا كَذَّبَهُ وَلَهُ فِي الْبُخَارِيِّ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ مُتَابَعَةً انْتَهَى وحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ قَتَادَةُ إِنْ لَمْ يَكُنْ اسْمُهُ زُهَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ فَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ وإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُخَارِيُّ في تاريخه الكبير وأخرجه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حُسَيْنٍ النَّخَعِيُّ الْوَاسِطِيُّ قَالَ الْحَافِظُ ضَعِيفٌ وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وفِي إِسْنَادِهِ بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ وَهُوَ ضعيف وذكره بن أَبِي حَاتِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسٍ وَرَجَّحَا رِوَايَةَ مَنْ أَرْسَلَهُ عَنِ الْحَسَنِ وفِي الْبَاب أَيْضًا عَنْ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وعَنِ بن عباس عنده أيضا بإسناد كذلك

باب في إجابة الداعي

84 - (باب فِي إِجَابَةِ الدَّاعِي) [1098] قَوْلُهُ (ائْتُوا الدَّعْوَةَ إِذَا دُعِيتُمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ دَعْوَةُ الطَّعَامِ بِفَتْحِ الدَّالِ وَدَعْوَةُ النَّسَبِ بِكَسْرِهَا هَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ الْعَرَبِ وَعَكَسَهُ تَيْمُ الرَّبَابِ فَقَالُوا الطَّعَامُ بِالْكَسْرِ وَالنَّسَبُ بِالْفَتْحِ وَأَمَّا قَوْلُ قُطْرُبٍ فِي الْمُثَلَّثِ إِنَّ دَعْوَةَ الطَّعَامِ بِالضَّمِّ فَغَلَّطُوهُ فِيهِ والْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْإِجَابَةُ إِلَى كُلِّ دَعْوَةٍ مِنْ عُرْسٍ وَغَيْرِهِ وقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فَقَالَ بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ إِلَى الدَّعْوَةِ مُطْلَقًا عُرْسًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ بِشَرْطِهِ ونقله بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ قاضي البصرة وزعم بن حَزْمٍ أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَهُوَ مِنْ مَشَاهِيرِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ قَالَ فِي وَلِيمَةِ الْخِتَانِ لَمْ يَكُنْ يُدْعَى لَهَا لَكِنْ يُمْكِنُ الِانْفِصَالُ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يمنع القول بالوجوب لو دعو وعند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن بن عُمَرَ أَنَّهُ دَعَا لِطَعَامٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ القوم أعفني فقال بن عُمَرَ إِنَّهُ لَا عَافِيَةَ لَكَ مِنْ هَذَا فَقُمْ وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عن بن عباس أن بن صَفْوَانَ دَعَاهُ فَقَالَ إِنِّي مَشْغُولٌ وَإِنْ لَمْ تعفني جئته وجزم بعدم الوجوب في غيره وَلِيمَةِ النِّكَاحِ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَجُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَبَالَغَ السَّرَخْسِيُّ مِنْهُمْ فَنَقَلَ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ إِتْيَانُ دَعْوَةِ الْوَلِيمَةِ حَقٌّ والْوَلِيمَةُ الَّتِي تعرف وليمة العرس وكل دعوة دعى إِلَيْهَا رَجُلٌ وَلِيمَةٌ فَلَا أُرَخِّصُ لِأَحَدٍ فِي تَرْكِهَا وَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لِي أَنَّهُ عَاصٍ فِي تَرْكِهَا كَمَا تَبَيَّنَ لِي فِي وَلِيمَةِ الْعُرْسِ قَالَهُ الْحَافِظُ وقَالَ فِي شَرْحِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ مَا لَفْظُهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّامَ فِي الدَّعْوَةِ لِلْعَهْدِ مِنَ الْوَلِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا وقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَلِيمَةَ إِذَا أُطْلِقَتْ حُمِلَتْ عَلَى طَعَامِ الْعُرْسِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْوَلَائِمِ فَإِنَّهَا تُقَيَّدُ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْحَافِظِ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَيُجَابُ أَوَّلًا بِأَنَّ هَذَا مُصَادَرَةٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ الْوَلِيمَةَ الْمُطْلَقَةَ هِيَ مَحَلُّ النِّزَاعِ وَثَانِيًا بِأَنَّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ مَا يُشْعِرُ بِالْإِجَابَةِ إِلَى كُلِّ دَعْوَةٍ وَلَا يُمْكِنُ فِيهِ مَا ادَّعَاهُ فِي الدَّعْوَةِ وذلك نحو ما في رواية بن عُمَرَ بِلَفْظِ مَنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ مَنْ دُعِيَ إِلَى عُرْسٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلْيُجِبْ ثُمَّ قَالَ

باب ما جاء فيمن يجيء إلى الوليمة من غير دعوة

الشَّوْكَانِيُّ لَكِنَّ الْحَقَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَوَّلُونَ يَعْنِي بِهِمْ الَّذِينَ قَالُوا بِوُجُوبِ الْإِجَابَةِ إِلَى كُلِّ دَعْوَةٍ قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ فَائِدَةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ أَنْ حَكَى وُجُوبَ الْإِجَابَةِ إِلَى الْوَلِيمَةِ وَشَرْطُ وُجُوبِهَا أَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُكَلَّفًا حُرًّا رَشِيدًا وَأَنْ لَا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ دُونَ الْفُقَرَاءِ وَأَنْ لَا يُظْهِرَ قَصْدَ التَّوَدُّدِ لِشَخْصٍ بِعَيْنِهِ لِرَغْبَةٍ فِيهِ أَوْ رَهْبَةٍ مِنْهُ وَأَنْ يَكُونَ الدَّاعِي مُسْلِمًا عَلَى الْأَصَحِّ وأَنْ يَخْتَصَّ بِالْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَنْ لَا يُسْبَقَ فَمَنْ سَبَقَ تَعَيَّنَتِ الْإِجَابَةُ لَهُ دُونَ الثَّانِي وَإِنْ جَاءَا مَعًا قُدِّمَ الْأَقْرَبُ رَحِمًا عَلَى الْأَقْرَبِ جِوَارًا عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَتَأَذَّى بِحُضُورِهِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُدْعَى لَهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيُتْرَكُ الْفُقَرَاءُ ومن ترك الدعوة فقد عصى الله رسوله أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَالْبَرَاءِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ أَنَّ يَهُودِيًّا دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وإهاله سنخة فأجابه كذا في عمدة القارىء (وَأَبِي أَيُّوبٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ قَوْلُهُ (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَجِيءُ إِلَى الْوَلِيمَةِ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ) [1099] قَوْلُهُ (إِلَى غُلَامٍ لَهُ لحام) بتشديد الخاء أَيْ بَائِعَ اللَّحْمِ كَتَمَّارٍ وَهُوَ مُبَالَغَةُ لَاحِمٍ فاعل للنسبة كلابن وتامر قاله القارىء قُلْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لَفْظُ قَصَّابٍ والقصاب هو

باب ما جاء في تزويج الأبكار

الْجَزَّارُ قَالَ الْحَافِظُ وفِيهِ جَوَازُ الِاكْتِسَابِ بِصَنْعَةِ الْجِزَارَةِ انْتَهَى (فَإِنْ أَذِنْتُ لَهُ دَخَلَ قَالَ فَقَدْ أَذِنَّا لَهُ) فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ فِي ضِيَافَةِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا وَلَا يَجُوزُ لِلضَّيْفِ أَنْ يَأْذَنَ لِأَحَدٍ فِي الْإِتْيَانِ مَعَهُ إِلَّا بِأَمْرٍ صَرِيحٍ أَوِ إِذْنٍ عَامٍّ أَوْ عِلْمٍ بِرِضَاهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وفِيهِ أَنَّ الْمَدْعُوَّ لَا يَمْتَنِعُ مِنَ الْإِجَابَةِ إِذَا امْتَنَعَ الدَّاعِي مِنَ الْإِذْنِ لِبَعْضِ مَنْ صَحِبَهُ وأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ فَارِسِيًّا كَانَ طَيِّبَ الْمَرَقِ صَنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ لِعَائِشَةَ فَقَالَ لَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا فَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الدَّعْوَةَ لَمْ تَكُنْ لِوَلِيمَةٍ وَإِنَّمَا صَنَعَ الْفَارِسِيُّ طَعَامًا بِقَدْرِ مَا يَكْفِي الْوَاحِدَ فَخَشِيَ إِنْ أَذِنَ لِعَائِشَةَ أَنْ لَا يَكْفِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْفَرْقُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ حَاضِرَةً عِنْدَ الدَّعْوَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ وَأَيْضًا فَالْمُسْتَحَبُّ لِلدَّاعِي أَنْ يَدْعُوَ خَوَاصَّ الْمَدْعُوِّ مَعَهُ كَمَا فَعَلَ اللَّحَّامُ بِخِلَافِ الْفَارِسِيِّ فَلِذَلِكَ امْتَنَعَ مِنَ الْإِجَابَةِ إِلَّا أَنْ يَدْعُوَهَا أَوْ عَلِمَ حَاجَةَ عَائِشَةَ لِذَلِكَ الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ أَوْ أَحَبَّ أَنْ تَأْكُلَ مَعَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ مَوْصُوفًا بِالْجَودَةِ وَلَمْ يُعْلَمْ مِثْلُهُ فِي قِصَّةِ اللَّحَّامِ وَأَمَّا قِصَّةُ أَبِي طَلْحَةَ حَيْثُ دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْعَصِيدَةِ فَقَالَ لِمَنْ مَعَهُ قُومُوا فَأَجَابَ عَنْهُ الْمَازَرِيُّ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلِمَ رِضَا أَبِي طَلْحَةَ فَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُ وَلَمْ يَعْلَمْ رِضَا أَبِي شُعَيْبٍ فَاسْتَأْذَنَهُ وَلِأَنَّ الَّذِي أَكَلَهُ الْقَوْمُ عِنْدَ أَبِي طَلْحَةَ كَانَ مِمَّا خَرَقَ اللَّهُ فِيهِ الْعَادَةَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ جُلُّ مَا أَكَلُوهُ مِنَ الْبَرَكَةِ الَّتِي لَا صَنِيعَ لِأَبِي طَلْحَةَ فيها فلم يفتقر إلى استيذانه انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا مِنْ دُعِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ دَخَلَ عَلَى غَيْرِ دَعْوَةٍ دَخَلَ سَارِقًا وَخَرَجَ مُغِيرًا وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَزْوِيجِ الْأَبْكَارِ) جَمْعُ بِكْرٍ وَهِيَ الَّتِي لَمْ تُوطَأْ وَاسْتَمَرَّتْ عَلَى حَالَتِهَا الْأُولَى [1100] قَوْلُهُ (هَلَّا جَارِيَةً) أَيْ بِكْرًا (تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُكَ) فِيهِ أَنَّ تزوج البكر أولى وأن الملاعبة مع الزوج مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا قَالَ الطِّيبِيُّ

باب ما جاء لا نكاح إلا بولي

وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْأُلْفَةِ التَّامَّةِ فَإِنَّ الثَّيِّبَ قَدْ تَكُونُ مُعَلَّقَةَ الْقَلْبِ بِالزَّوْجِ الْأَوَّلِ فَلَمْ تَكُنْ مَحَبَّتُهَا كَامِلَةً بِخِلَافِ الْبِكْرِ وعَلَيْهِ مَا وَرَدَ عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَشَدُّ حُبًّا وَأَقَلُّ خِبًّا (فَجِئْتُ بِمِنْ يَقُومُ عَلَيْهِنَّ) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ كُنَّ لِي تِسْعُ أَخَوَاتٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِنَّ جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ وَلَكِنْ امْرَأَةً تَقُومُ عَلَيْهِنَّ وَتُمَشِّطُهُنَّ قَالَ أَصَبْتَ (فَدَعَا لِي) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ فَبَارَكَ اللَّهُ لَكَ وفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ نِكَاحِ الْأَبْكَارِ إِلَّا لِمُقْتَضٍ لِنِكَاحِ الثَّيِّبِ كَمَا وَقَعَ لِجَابِرٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ (وَكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِنَحْوِ حَدِيثِ جَابِرٍ وفِيهِ تَعَضُّهَا وَتَعَضُّكَ وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عُوَيْمِ بْنِ ساعدة في بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيِّ بِلَفْظِ عَلَيْكُمْ بِالْأَبْكَارِ فَإِنَّهُنَّ أَعْذَبُ أفواها وأنتق أرحاما وأرضى باليسير وعن بن عُمَرَ نَحْوُهُ وَزَادَ وَأَسْخَنُ أَقْبَالًا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ وفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ 7 - (بَاب مَا جَاءَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) [1101] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) بْنِ مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَجَمَاعَةٍ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَجَمَاعَةٌ قِيلَ اِسْمُهُ عَامِرٌ وَقِيلَ الْحَارِثُ ثِقَةٌ مِنْ الثَّانِيَةِ (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) قَالَ السُّيُوطِيُّ حَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ وَأَبُو حَنِيفَةَ عَلَى نَفْيِ الْكَمَالِ انْتَهَى قُلْتُ الرَّاجِحُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الصِّحَّةِ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ الآتي

وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وحسنه وصححه أبو عوانة وبن خزيمة وبن حبان والحاكم كذا في فتح الباري (وبن عَبَّاسٍ) مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ والسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وفِي إِسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وفِيهِ مَقَالٌ وأَخْرَجَهُ سُفْيَانُ فِي جَامِعِهِ وَمِنْ طَرِيقِهِ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ آخَرَ حَسَنٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ أَوْ سُلْطَانٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا فَإِنَّ الزَّانِيَةَ هِيَ الَّتِي تزوج نفسها أخرجه بن ماجه والدارقطنى والبيهقي قال بن كَثِيرٍ الصَّحِيحُ وَقْفُهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وقَالَ الْحَافِظُ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ كَذَا فِي النَّيْلِ (وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْهُ وفِي إِسْنَادِهِ عبد الله بن محرر وهو متروك ورواه الشَّافِعِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا وَقَالَ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ بِهِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (وأنس) أخرجه بن عَدِيٍّ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ قَوْلُهُ (عن سليمان) هو بْنِ مُوسَى الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ الدِّمَشْقِيُّ الْأَشْدَقُ صَدُوقٌ فَقِيهٌ فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ لِينٍ خُولِطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَلِيلٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ رحيم وبن معين وقال بن عَدِيٍّ تَفَرَّدَ بِأَحَادِيثَ وَهُوَ عِنْدِي ثَبْتٌ صَدُوقٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ الِاضْطِرَابِ قَالَ بن سَعْدٍ مَاتَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ انْتَهَى [1102] قَوْلُهُ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ) أَيْ نَفْسَهَا وَأَيُّمَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فِي سَلْبِ الْوِلَايَةِ عَنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ بِبَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ أَيْ أَيُّمَا امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا (فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ) كَرَّرَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ (بِمَا اسْتَحَلَّ) أَيْ اسْتَمْتَعَ (فَإِنْ اشْتَجَرُوا) أَيْ الْأَوْلِيَاءُ أَيْ اخْتَلَفُوا وَتَنَازَعُوا اخْتِلَافًا لِلْعَضْلِ كانوا كالمعدومين قاله القارىء وفِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ التَّشَاجُرُ الْخُصُومَةُ والْمُرَادُ الْمَنْعُ مِنَ الْعَقْدِ دُونَ الْمُشَاحَّةِ فِي السَّبْقِ إِلَى الْعَقْدِ فَأَمَّا إِذَا تَشَاجَرُوا فِي الْعَقْدِ وَمَرَاتِبُهُمْ فِي الْوِلَايَةِ سَوَاءٌ فَالْعَقْدُ لِمَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ إِذَا كَانَ ذَلِكَ نَظَرًا مِنْهُ فِي مَصْلَحَتِهَا انْتَهَى (فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ له

لِأَنَّ الْوَلِيَّ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ التَّزْوِيجِ فَكَأَنَّهُ لَا وَلِيَّ لَهَا فَيَكُونُ السُّلْطَانُ وَلِيَّهَا وَإِلَّا فَلَا وِلَايَةَ لِلسُّلْطَانِ مَعَ وُجُودِ الْوَلِيِّ قَوْلُهُ (هذا حديث حسن) وصححه أبو عوانة وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ كَمَا عَرَفْتَ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ وقَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ إلا النسائي وصححه أبو عوانة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ انْتَهَى وقَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ تكلم فيه بعضهم من جهة أن بن جُرَيْجٍ قَالَ ثُمَّ لَقِيتُ الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ فَأَنْكَرَهُ قَالَ فَضَعْفُ الْحَدِيثِ مِنْ أَجْلِ هَذَا لكن ذكر عن يحي بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا عن بن جريج غير بن علية وضعف يحيى رواية بن علية عن بن جريج انتهى وحكاية بن جريج هذه وصلها الطحاوي عن بن أَبِي عِمْرَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ عَنِ بن علية عن بن جُرَيْجٍ ورَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عن بن جُرَيْجٍ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ وَعَدَّ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مَنْدَهْ عِدَّةَ مَنْ رَوَاهُ عَنِ بن جُرَيْجٍ فَبَلَغُوا عِشْرِينَ رَجُلًا وَذَكَرَ أَنَّ مَعْمَرًا وعبيد الله بن زحر تابعا بن جُرَيْجٍ عَلَى رِوَايَتِهِ إِيَّاهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى وأَنَّ قُرَّةَ وَمُوسَى بْنَ عُقْبَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ وَأَيُّوبَ بْنَ مُوسَى وَهِشَامَ بْنَ سعد وجماعة تابعو سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ وَرَوَاهُ أَبُو مَالِكٍ الْجَنْبِيُّ ونُوحُ بْنُ دَرَّاجٍ وَمِنْدَلٌ وَجَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانٍ وَجَمَاعَةٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ من طريق أحمد عن بن علية عن بن جريج وقال في آخره قال بن جُرَيْجٍ فَلَقِيتُ الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فلم يعرفه وسألته عن سليمان بن موسى فأثنى عليه قال وقال بن معين سماع بن علية من بن جُرَيْجٍ لَيْسَ بِذَاكَ قَالَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقُولُ فيه هذه الزيادة غير بن علية وأعل بن حبان وبن عدى وبن عبد البر والحاكم وغيرهم الحكاية عن بن جُرَيْجٍ وأَجَابُوا عَنْهَا عَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ نِسْيَانِ الزُّهْرِيِّ لَهُ أَنْ يَكُونَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى وَهِمَ فِيهِ وقَدْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي جُزْءِ مَنْ حَدَّثَ وَنَسِيَ وَالْخَطِيبُ بَعْدَهُ وَأَطَالَ فِي الْكَلَامِ عليه البيهقي في السنن وفي الخلافيات وبن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ وأَطَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي فِي ذِكْرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَحْكَامِ نَصًّا وَاسْتِنْبَاطًا فَأَفَادَ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا كَانَتْ تُجِيزُ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ كَمَا رَوَى مَالِكٌ أَنَّهَا زَوَّجَتْ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخِيهَا وَهُوَ غَائِبٌ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ أَمْثَلِي يُفْتَاتُ عَلَيْهِ فِي بِنَايَةٍ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ لَمْ يَرِدْ فِي الْخَبَرِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا بَاشَرَتِ الْعَقْدَ فَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَةُ ثَيِّبًا وَدَعَتْ إِلَى كفء وأبوها

غَائِبٌ فَانْتَقَلَتِ الْوِلَايَةُ إِلَى الْوَلِيِّ الْأَبْعَدِ أَوِ الَى السُّلْطَانِ وقَدْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَنْكَحَتْ رَجُلًا مِنْ بَنِي أَخِيهَا فَضَرَبَتْ بَيْنَهُمْ بشر ثُمَّ تَكَلَّمَتْ حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا الْعَقْدُ أَمَرَتْ رَجُلًا فَأَنْكَحَ ثُمَّ قَالَتْ لَيْسَ إِلَى النِّسَاءِ نِكَاحٌ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (رَوَاهُ إِسْرَائِيلُ وَشَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِلَخْ) هَذَا بَيَانُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي وَقَعَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَقَدْ رَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ إِسْرَائِيلَ وَشَرِيكٍ وَغَيْرِهِمَا الَّذِينَ رَوَوُا الْحَدِيثَ مُسْنَدًا مُتَّصِلًا عَلَى رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ الْمُرْسَلَةِ لِأَجْلِ أَنَّ سَمَاعَهُمْ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ فِي مَجَالِسَ وَأَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَسَمَاعُهُمْ مِنْهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ قَوْلُهُ (وَإِسْرَائِيلُ هُوَ ثَبْتٌ فِي أَبِي إِسْحَاقَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ في فتح الباري وأخرج بن عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ إِسْرَائِيلُ فِي أَبِي إِسْحَاقَ أَثْبَتُ مِنْ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ وَأَسْنَدَ الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ وَالذُّهْلِيِّ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ صححوا

حَدِيثَ إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُ (وَرَوَى الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَجَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ) فَتَابَعَ الْحَجَّاجَ وَجَعْفَرَ سُلَيْمَانُ بْنُ مُوسَى فِي رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ ولم يتفرد به (قال بن جُرَيْجٍ ثُمَّ لَقِيتُ الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْتُهُ فَأَنْكَرَهُ) أَيْ قال بن جُرَيْجٍ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (فَضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَجْلِ هَذَا) وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا فَتَذَكَّرْ (لَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْحَرْفَ) أَيْ ثُمَّ لَقِيتُ الزُّهْرِيَّ فَسَأَلْتُهُ فَأَنْكَرَهُ (إِلَّا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) وَهُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ ثِقَةٌ حافظ

(إِنَّمَا صَحَّحَ كُتُبَهُ عَلَى كُتُبِ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ الْأَزْدِيِّ أَبِي عَبْدِ الْحَمِيدِ المكي (روى) عن بن جُرَيْجٍ فَأَكْثَرَ قَالَ أَحْمَدُ وَيَحْيَى ثِقَةٌ يَغْلُو فِي الْإِرْجَاءِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ يُعْتَبَرُ بِهِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التقريب صندوق يخطئ أفرط بن حبان فقال متروك (ما سمع من بن جريج) أي لم يسمع إسماعيل من بن جُرَيْجٍ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى ذَلِكَ وَقَالُوا لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا أَصْلًا واحْتَجُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْوَلِيُّ أَصْلًا وَيَجُوزُ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا وَلَوْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا إِذَا تَزَوَّجَتْ كُفْئًا وَاحْتَجَّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْبَيْعِ فَإِنَّهَا تَسْتَقِلُّ بِهِ وحَمَلَ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّغِيرَةِ وخَصَّ بِهَذَا الْقِيَاسِ عُمُومَهَا وهُوَ عَمَلٌ سَائِغٌ فِي الْأُصُولِ وَهُوَ جَوَازُ تَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِالْقِيَاسِ لَكِنْ حَدِيثُ مَعْقِلٍ يَدْفَعُ هَذَا الْقِيَاسَ وَيَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ دُونَ غَيْرِهِ لِيَنْدَفِعَ عَنْ مُوَلِّيَتِهِ الْعَارُ بِاخْتِيَارِ الْكُفْءِ وانْفَصَلَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الْإِيرَادِ بِالْتِزَامِهِمْ اشْتِرَاطَ الْوَلِيِّ وَلَكِنْ لَا يَمْنَعُ ذَلِكَ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا وَيَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ كَمَا قَالُوا فِي الْبَيْعِ وهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وقَالَ أَبُو ثَوْرٍ نحوه لكن قال يشترك إِذْنُ الْوَلِيِّ لَهَا فِي تَزْوِيجِ نَفْسِهَا وتُعُقِّبَ بِأَنَّ إِذْنَ الْوَلِيِّ لَا يَصِحُّ إِلَّا لِمَنْ يَنُوبُ عَنْهُ وَالْمَرْأَةُ لَا تَنُوبُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا ولَوْ أَذِنَ لَهَا فِي إِنْكَاحِ نَفْسِهَا صَارَتْ كَمَنْ أُذِنَ لَهَا فِي الْبَيْعِ مِنْ نَفْسِهَا ولَا يَصِحُّ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ أَرَادَ بِحَدِيثِ مَعْقِلٍ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الْحَسَنِ فلا تعضلوهن قَالَ حَدَّثَنِي مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فيه

باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة

قَالَ زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ وَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا فَقُلْتُ لَهُ زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ فَطَلَّقْتَهَا ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا لَا وَاللَّهِ لَا تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا وكَانَ رَجُلًا لَا بَأْسَ بِهِ وكَانَتِ الْمَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الأية فلا تعضلوهن فَقُلْتُ الْآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَزَوَّجَهَا إِيَّاهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهِيَ أَصْرَحُ دَلِيلٍ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَلِيِّ وَإِلَّا لَمَا كَانَ لِعَضْلِهِ مَعْنًى وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَ لَهَا أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا لَمْ تَحْتَجْ إِلَى أَخِيهَا ومَنْ كَانَ أَمْرُهُ إِلَيْهِ لَا يُقَالُ إِنَّ غَيْرَهُ منعه منه قال وذكر بن مَنْدَهْ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ الْقَوْلُ الْقَوِيُّ الرَّاجِحُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 8 - (بَاب مَا جَاءَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ) [1103] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ نُونٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عبد الأعلى) هو بن عَبْدِ الْأَعْلَى الْبَصْرِيُّ الشَّامِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ ثِقَةٌ مِنَ الثامنة (عن سعيد) هو بن أَبِي عَرُوبَةَ الْيَشْكُرِيُّ مَوْلَاهُمْ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ حَافِظٌ لَهُ تَصَانِيفُ لَكِنَّهُ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ وَاخْتَلَطَ وَكَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي قَتَادَةَ قَوْلُهُ (الْبَغَايَا) أَيْ الزَّوَانِي جَمْعُ بَغِيٍّ وَهِيَ الزَّانِيَةُ مِنْ البغاء وهو الزنى مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (اللَّاتِي يُنْكِحْنَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يزوجن قاله القارىء (أَنْفُسَهُنَّ) بِالنَّصْبِ (بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ بِالْبَيِّنَةِ إِمَّا الشَّاهِدُ فَبِدُونِهِ زِنًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وإِمَّا الْوَلِيُّ إِذْ بِهِ يَتَبَيَّنُ

النِّكَاحُ فَالتَّسْمِيَةُ بِالْبَغَايَا تَشْدِيدٌ لِأَنَّهُ شِبْهُهُ انْتَهَى قال القارىء لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الظَّاهِرُ إِذْ لَمْ يُعْهَدْ إِطْلَاقُ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْوَلِيِّ شَرْعًا وعرفا انتهى [1104] قوله (حدثنا غُنْدَرٌ) بِضَمِّ عَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَسُكُونٍ وفَتْحِ دَالٍ مُهْمَلَةٍ وَقَدْ يُضَمُّ لَقَبُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَدَنِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ صَحِيحُ الْكِتَابِ إِلَّا أَنَّ فِيهِ غَفْلَةً مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَفَعَهُ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى إِلَخْ) قَالَ الحافظ بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى وَهَذَا لَا يَقْدَحُ لِأَنَّ عَبْدَ الْأَعْلَى ثِقَةٌ فَيُقْبَلُ رَفْعُهُ وَزِيَادَتُهُ وقَدْ يَرْفَعُ الرَّاوِي الْحَدِيثَ وَقَدْ يَقِفُهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال لا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْهُ وفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَرَّرٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ ورواه الشافعي من وجه آخر عن الحسن مُرْسَلًا وَقَالَ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا فَإِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ بِهِ (وَأَنَسٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِأَرْبَعَةٍ خَاطِبٍ وَوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ وفِي إِسْنَادِهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ شعبة

قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ تَجُوزُ فِي النِّكَاحِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ النِّكَاحُ إِلَّا بِشَهَادَةِ الرِّجَالِ وَقَالَ بِاشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ بِالشُّهُودِ وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ الشَّهَادَةَ شَرْطٌ فِي بَابِ النِّكَاحِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِشُهُودٍ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ الْإِعْلَانِ دُونَ الشَّهَادَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْحُرِّيَّةِ فِيهَا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا شَهَادَةَ لَهُ لِعَدَمِ الْوِلَايَةِ ولَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ لِأَنَّهُ (لَا) وِلَايَةَ بِدُونِهِمَا ولَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ فِي أَنْكِحَةِ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لِلْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ ولَا يُشْتَرَطُ وَصْفُ الذُّكُورَةِ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحُضُورِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ وَلَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ حَتَّى يَنْعَقِدَ بِحَضْرَةِ الْفَاسِقِينَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْكَرَامَةِ وَالْفَاسِقُ مِنْ أَهْلِ الْإِهَانَةِ ولَنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ فَيَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ وهَذَا لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُحْرَمْ الْوِلَايَةَ عَلَى نَفْسِهِ لِإِسْلَامِهِ لَا يُحْرَمُ (الشَّهَادَةَ) عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ انْتَهَى قُلْتُ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَالَةِ فِي شُهُودِ النِّكَاحِ بِتَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ بِالْعَدَالَةِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنَ اعْتِبَارِ الْعَدَالَةِ فِي شُهُودِ النِّكَاحِ لِتَقْيِيدِ الشَّهَادَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي حديث عمران بن حصين وعائشة وبن عَبَّاسٍ انْتَهَى وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الذُّكُورَةِ فِي شُهُودِ النِّكَاحِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ فَإِنَّ لَفْظَ الشَّاهِدَيْنِ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرَيْنِ وأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ هَذَا بِأَنْ لَا فَرْقَ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَهَذَا اللَّفْظُ (يَقَعُ) عَلَى مُطْلَقِ الشَّاهِدَيْنِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ وَصْفِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في خطبة النكاح

(بَاب مَا جَاءَ فِي خُطْبَةِ النِّكَاحِ) [1105] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْثَرُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (بْنُ الْقَاسِمِ) الزُّبَيْدِيُّ بِالضَّمِّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) أَيْ بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (وَالتَّشَهُّدُ فِي الْحَاجَةِ) أَيْ مِنَ النكاح وغيره (قال) أي بن مَسْعُودٍ (التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ فِي آخِرِهَا (التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ إِلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي مَحَلِّهِ (وَالتَّشَهُّدُ فِي الْحَاجَةِ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ) بِتَخْفِيفِ أَنْ وَرَفْعِ الْحَمْدُ قَالَ الطِّيبِيُّ التَّشَهُّدُ مبتدأ خبره أن الحمد لله وأن مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أن الحمد لله رب العالمين (نَسْتَعِينُهُ) أَيْ فِي حَمْدِهِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ وَمَا بَعْدَهُ جُمَلٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِأَحْوَالِ الْحَامِدِينَ وفِي رواية بن مَاجَهْ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ بِزِيَادَةِ نَحْمَدُهُ (وَنَسْتَغْفِرُهُ) أَيْ فِي تَقْصِيرِ عِبَادَتِهِ (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ بِإِثْبَاتِ الضَّمِيرِ وكذلك في رواية أبي داود والنسائي وبن مَاجَهْ أَيْ مَنْ يُوَفِّقُهُ لِلْهِدَايَةِ (فَلَا مُضِلَّ لَهُ) أَيْ مِنْ شَيْطَانٍ وَنَفْسٍ وَغَيْرِهِمَا (وَمَنْ يُضْلِلْ) بِخَلْقِ الضَّلَالَةِ فِيهِ (فَلَا هَادِيَ لَهُ) أَيْ لَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ وَلَا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَلَا مِنْ وَلِيٍّ وَلَا مِنْ نَبِيٍّ قَالَ الطِّيبِيُّ أَضَافَ الشَّرَّ إِلَى الْأَنْفُسِ أَوَّلًا كَسْبًا وَالْإِضْلَالَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ثَانِيًا خلقا وتدبيرا (قال) أي بن مَسْعُودٍ (وَيَقْرَأُ ثَلَاثَ آيَاتٍ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهَذَا يَقْتَضِي مَعْطُوفًا عَلَيْهِ فَالتَّقْدِيرُ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَيَقْرَأُ (فَفَسَّرَهَا) أَيْ الآيات الثلاث (اتقوا الله حق تقاته إِلَخْ) الْآيَةُ التَّامَّةُ هَكَذَا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إِلَخْ الْآيَةُ التَّامَّةُ هَكَذَا يَا أَيَّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إن الله كان عليكم رقيبا وقولوا قولا سديدا الآيةالآية التَّامَّةُ هَكَذَا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فقد فاز فوزا عظيما قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِتَغْيِيرِ الْأَلْفَاظِ كَذَا فِي شَرْحِ سِرَاجِ أَحْمَدَ وإِنِّي لَمْ أَجِدْ حَدِيثَهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فَلْيُنْظَرْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ حديث حسن) وأخرجه أبو داود والنسائي وبن ماجه وصححه أبو عوانة وبن حِبَّانَ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ النِّكَاحَ جَائِزٌ بِغَيْرِ خُطْبَةٍ إِلَخْ) وَيَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ حَدِيثُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ قَالَ خَطَبْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَامَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَأَنْكَحَنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَشَهَّدَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ وَقَالَ إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَمَّا جَهَالَةُ الصَّحَابِيِّ الْمَذْكُورِ فَغَيْرُ قَادِحَةٍ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي تَحْتَ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ وفِيهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ تقدم الخطبة إذا لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ وُقُوعُ حَمْدٍ وَلَا تَشَهُّدٍ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الظَّاهِرِيَّةُ فَجَعَلُوهَا وَاجِبَةً وَوَافَقَهُمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو عَوَانَةَ فترجم في

صَحِيحِهِ بَابُ وُجُوبِ الْخُطْبَةِ عِنْدَ الْعَقْدِ انْتَهَى [1106] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كشير الْعِجْلِيُّ الْكُوفِيُّ قَاضِي الْمَدَائِنِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ مِنْ صغار العاشرة وذكره بن عَدِيٍّ فِي شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَجَزَمَ الْخَطِيبُ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْهُ لَكِنْ قَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ رَأَيْتُهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى ضَعْفِهِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وقَالَ فِي الْمِيزَانِ قَالَ أَحْمَدُ الْعِجْلِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الْبَرْقَانِيُّ أَبُو هَاشِمٍ ثِقَةٌ أَمَرَنِي الدَّارَقُطْنِيُّ أَنْ أُخَرِّجَ حَدِيثَهُ فِي الصَّحِيحِ إنتهى (بن فُضَيْلٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ عَارِفٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ قَوْلُهُ (كُلُّ خُطْبَةٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَقَالَ القارىء بِكَسْرِ الْخَاءِ وَهِيَ التَّزَوُّجُ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِضَمِّ الْخَاءِ (لَيْسَ فِيهَا تَشَهُّدٌ) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَأَصْلُ التَّشَهُّدِ قَوْلُكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الثَّنَاءِ وفِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِي كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ وَالشَّهَادَةُ الْخَبَرُ الْمَقْطُوعُ بِهِ وَالثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ أَصْدَقُ الشَّهَادَاتِ وَأَعْظَمُهَا قَالَ القارىء الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْمَقْطُوعَةِ الَّتِي لَا فَائِدَةَ فِيهَا لِصَاحِبِهَا أَوْ الَّتِي بِهَا جُذَامٌ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي أَوَائِلِهِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَقْطَعُ وَقَوْلُهُ كُلُّ خُطْبَةٍ لَيْسَ فِيهَا شَهَادَةٌ فَهِيَ كَالْيَدِ الْجَذْمَاءِ أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وفِي كُلٍّ مِنْهُمَا مَقَالٌ انْتَهَى وقَالَ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ فَهُوَ أَجْذَمُ (أَخْرَجَهُ) أبو داود والنسائي وبن ماجه وأبو عوانة والدارقطني وبن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ واخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ فَرَجَّحَ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ الْإِرْسَالَ قَوْلُهُ وَيُرْوَى كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ هُوَ عِنْدَ أَبِي داود والنسائي كالأول وعند بن مَاجَهْ كَالثَّانِي لَكِنْ قَالَ أَقْطَعُ بَدَلَ أَبْتَرُ وكذا عند بن حِبَّانَ وَلَهُ أَلْفَاظٌ أُخْرَى أَوْرَدَهَا الْحَافِظُ عَبْدُ الْقَادِرِ الرُّهَاوِيُّ فِي أَوَّلِ الْأَرْبَعِينَ الْبُلْدَانِيَّةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ بِتَعَدُّدِ الطرق والله تعالى أعلم

90 - ما جاء في استيمار الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ [1107] قَوْلُهُ (لَا تُنْكَحُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ قَوْلُهُ (الثَّيِّبُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الثَّيِّبُ مَنْ لَيْسَ بِبِكْرٍ وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ الْأَيِّمُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ (حَتَّى تُسْتَأْمَرَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أي حتى تستأذن صريحا إذ الإستيمار طَلَبُ الْأَمْرِ وَالْأَمْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالنُّطْقِ (وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ) الْمُرَادُ بِالْبِكْرِ الْبَالِغَةُ إِذْ لَا مَعْنَى لِاسْتِئْذَانِ الصَّغِيرَةِ لِأَنَّهَا لَا تَدْرِي مَا الْإِذْنُ (حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) أَيْ يُطْلَبَ مِنْهَا الْإِذْنُ (وَإِذْنُهَا الصُّمُوتُ) أَيْ السُّكُوتُ يَعْنِي لَا حَاجَةَ إِلَى إِذْنٍ صَرِيحٍ مِنْهَا بَلْ يُكْتَفَي بِسُكُوتِهَا لِكَثْرَةِ حَيَائِهَا وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا قَالَ إِذْنُهَا أَنْ تَسْكُتَ وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ السُّكُوتَ مِنَ الْبِكْرِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ فِي حَقِّ الْأَبِ وَالْجَدِّ دُونَ غَيْرِهِمَا وإِلَى الْأَوَّلِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أخرجه (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ (وَعَائِشَةَ) قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ إِنَّ الْبِكْرَ تُسْتَأْمَرُ فَتَسْتَحِي فَتَسْكُتُ فَقَالَ سُكَاتُهَا إِذْنُهَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَالْعُرْسِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ (بْنِ عَمِيرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ صَحَابِيٌّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْأَبَ إِذَا زَوَّجَ الْبِكْرَ وَهِيَ بَالِغَةٌ بِغَيْرِ أَمْرِهَا فَلَمْ تَرْضَ بِتَزْوِيجِ الْأَبِ فَالنِّكَاحُ

مفسوخ) واحتجوا على ذلك بحديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم رواه أبو داود والنسائي وبن ماجه قال بن القطان في كتابه حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَزْوِيجُ الْأَبِ عَلَى الْبِكْرِ جَائِزٌ وَإِنْ كَرِهَتْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وإسحاق) وهو قول بن أبي ليلى والليث واحتجوا بحديث بن عَبَّاسٍ الْآتِي الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا فَإِنَّهُ دَلَّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ وَلِيَّ الْبِكْرِ أَحَقُّ بِهَا مِنْهَا واحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَهُوَ إِذْنُهَا قَالَ فَقَيَّدَ ذَلِكَ بِالْيَتِيمَةِ فيحمل المطلب عليه وفيه نظر لحديث بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وأَجَابَ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ الْمُؤَامَرَةَ قَدْ تكون عن استطابة نفس ويؤيده حديث بن عُمَرَ رَفَعَهُ وَأَمِّرُوا النِّسَاءَ فِي بَنَاتِهِنَّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْأُمِّ أَمْرٌ لَكِنَّهُ عَلَى مَعْنَى اسْتِطَابَةِ النَّفْسِ وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ زِيَادَةُ ذِكْرِ الْأَبِ فِي حديث بن عباس غير محفوظة قال الشافعي رواها بن عيينة في حديثه وكان بن عُمَرَ وَالْقَاسِمُ وسَالِمُ يُزَوِّجُونَ الْأَبْكَارَ لَا يَسْتَأْمِرُوهُنَّ قال البيهقي والمحفوظ في حديث بن عَبَّاسٍ الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ وَرَوَاهُ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ بِلَفْظِ وَالْيَتِيمَةُ لَا تُسْتَأْمَرُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَمُحَمَّدُ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِكْرِ الْيَتِيمَةُ قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ وَهَذَا لَا يَدْفَعُ زِيَادَةَ الثِّقَةِ الْحَافِظِ بِلَفْظِ الْأَبِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ بَلِ المراد باليتيمة البكر لم يدفع وتستأمر بِضَمِّ أَوَّلِهِ يَدْخُلُ فِيهِ الْأَبُ وَغَيْرُهُ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنِ الرِّوَايَاتِ ويَبْقَى النَّظَرُ فِي أَنَّ الِاسْتِئْمَارَ هَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِطَابَةِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ كُلُّ الْأَمْرَيْنِ مُحْتَمَلٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قلت الظاهر أن الاستثمار هُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْعَقْدِ لَا عَلَى طريق الاستطابة يدل عليه حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَخَيَّرَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَا مَعْنَى لِلطَّعْنِ فِي الْحَدِيثِ فَإِنَّ طُرُقَهُ تُقَوِّي بَعْضُهَا بِبَعْضٍ انْتَهَى وأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ فِي الْبِكْرِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهَا زُوِّجَتْ بِغَيْرِ كُفْءٍ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ فَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهَا تَعْمِيمًا قُلْتُ قَدْ تَعَقَّبَ الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ عَلَى كَلَامِ الْبَيْهَقِيِّ والحافظ في سبل اللام تَعَقُّبًا حَسَنًا حَيْثُ قَالَ كَلَامُ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ مُحَامَاةٌ عَلَى كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبِهِمْ وَإِلَّا فَتَأْوِيلُ الْبَيْهَقِيِّ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَلَوْ

كَانَ كَمَا قَالَ لَذَكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ بَلْ قَالَتْ إِنَّهُ زَوَّجَهَا وَهِيَ كَارِهَةٌ فَالْعِلَّةُ كَرَاهَتُهَا فَعَلَيْهَا عُلِّقَ التَّخْيِيرُ لِأَنَّهَا الْمَذْكُورَةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كُنْتِ كَارِهَةً فَأَنْتِ بالخيار وقول المصنف يعني الحافظ بن حَجَرٍ إِنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ كَلَامٌ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ حُكْمٌ عَامٌّ لِعُمُومِ عِلَّتِهِ فَأَيْنَمَا وُجِدَتِ الْكَرَاهَةُ ثَبَتَ الْحُكْمُ وقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَتَاةً دَخَلَتْ عَلَيْهَا فَقَالَتْ أَبِي زوجني من بن أَخِيهِ يَرْفَعُ فِيَّ خَسِيسَهُ وَأَنَا كَارِهَةٌ قَالَتْ اجْلِسِي حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْهُ فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِيهَا فَدَعَاهُ فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُعْلِمَ النِّسَاءَ أَنْ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بِكْرٌ وَلَعَلَّهَا الْبِكْرُ التي في حديث بن عباس وقد زوجها أبوها كفئا بن أَخِيهِ وإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَقَدْ صَرَّحَتْ أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادُهَا إِلَّا إِعْلَامَ النِّسَاءِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْآبَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ولَفْظُ النِّسَاءَ عَامٌّ لِلثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ وَقَدْ قَالَتْ هَذِهِ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَرَّهَا عَلَيْهِ والْمُرَادُ بِنَفْيِ الأمر من الآباء ففي التَّزْوِيجِ لِلْكَارِهَةِ لِأَنَّ السِّيَاقَ فِي ذَلِكَ فَلَا يُقَالُ هُوَ عَامٌّ لِكُلِّ شَيْءٍ انْتَهَى مَا فِي السُّبُلِ قُلْتُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُرْسَلٌ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا مرسل بن بُرَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ انْتَهَى لَكِنْ رواه بن مَاجَهْ مُتَّصِلًا وَسَنَدُهُ هَكَذَا حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عن بن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَخْ بِمِثْلِ حَدِيثِ النَّسَائِيِّ وأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ [1108] قَوْلُهُ (الْأَيِّمُ) قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ (أَنَّ) الْأَيِّمَ هِيَ الثَّيِّبُ الَّتِي فَارَقَتْ زَوْجَهَا بِمَوْتٍ أَوْ طَلَاقٍ لِمُقَابَلَتِهَا بِالْبِكْرِ وهَذَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَيِّمِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ الْغَزْوُ مَأْيَمَةٌ أَيْ يَقْتُلُ الرِّجَالَ فَتَصِيرُ النِّسَاءُ أَيَامَى وقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا أَصْلًا (وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا) بِضَمِّ الصَّادِ بِمَعْنَى سُكُوتِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا البخاري قوله

(وَاحْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ فِي إِجَازَةِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ بِهَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ وَجْهُهُ أَنَّهُ شَارَكَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوَلِيِّ ثُمَّ قَدَّمَهَا بقَوْلِهِ أَحَقُّ وَقَدْ صَحَّ الْعَقْدُ مِنْهُ فَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ مِنْهَا انْتَهَى (وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا احْتَجُّوا بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ من غير وجه عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ وَهُوَ حَدِيثٌ صحيح كما عرفت (وهكذا أفتى به بن عَبَّاسٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) فَإِفْتَاؤُهُ بِهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤَيِّدُ صِحَّةَ حَدِيثِهِ (وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَا يُزَوِّجُهَا إِلَّا بِرِضَاهَا وَأَمْرِهَا فَإِنْ زَوَّجَهَا فَالنِّكَاحُ مَفْسُوخٌ عَلَى حَدِيثِ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ حَدِيثُ عَائِشَةَ أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهَا أَمْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهَا وَلَا يُجْبِرُهَا فَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَزَوَّجَ لَمْ يَجُزْ لَهَا إِلَّا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا يَحْتَمِلُ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ أَنَّ الْمُرَادَ أَحَقُّ مِنْ وَلِيِّهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ عَقْدٍ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُدُ وَيَحْتَمِلُ (مِنْ حَيْثُ غَيْرِهِ) أَنَّهَا أَحَقُّ بِالرِّضَا أَيْ لَا تُزَوَّجُ حَتَّى تَنْطِقَ بِالْإِذْنِ بِخِلَافِ الْبِكْرِ ولَكِنْ لَمَّا صح قوله صلى الله عليه وسلم لانكاح إِلَّا بِوَلِيٍّ مَعَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْوَلِيِّ يَتَعَيَّنُ الِاحْتِمَالُ الثَّانِي قَالَ واعلم أن لفظة أحق ها هنا المشاركة مَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا فِي النِّكَاحِ حَقًّا وَلِوَلِيِّهَا حَقًّا وَحَقُّهَا أَوْكَدُ مِنْ حَقِّهِ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا كُفْئًا وَامْتَنَعَتْ لَمْ تُجْبَرْ وَلَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَ كُفْئًا فَامْتَنَعَ الْوَلِيُّ أُجْبِرَ فَإِنْ أَصَرَّ زَوَّجَهَا الْقَاضِي فَدَلَّ عَلَى تَأَكُّدِ حَقِّهَا وَرُجْحَانِهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ

باب ما جاء في إكراه اليتيمة على التزويج

91 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِكْرَاهِ الْيَتِيمَةِ عَلَى التَّزْوِيجِ) [1109] قَوْلُهُ (الْيَتِيمَةُ تُسْتَأْمَرُ) الْيَتِيمَةُ هِيَ صَغِيرَةٌ لَا أَبَ لَهَا وَالْمُرَادُ هُنَا الْبِكْرُ الْبَالِغَةُ سَمَّاهَا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَتْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتُوا اليتامى أموالهم وَفَائِدَةُ التَّسْمِيَةِ مُرَاعَاةُ حَقِّهَا وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهَا فِي تَحَرِّي الْكِفَايَةِ وَالصَّلَاحِ فَإِنَّ الْيَتِيمَ مَظِنَّةُ الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ ثُمَّ هِيَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَا مَعْنَى لِإِذْنِهَا وَلَا لِإِبَائِهَا فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ شَرَطَ بُلُوغَهَا فَمَعْنَاهُ لَا تُنْكَحُ حَتَّى تَبْلُغَ فتستأمر قاله القارىء فِي الْمِرْقَاةِ (فَإِنْ صَمَتَتْ) أَيْ سَكَتَتْ (فَهُوَ) أَيْ صُمَاتُهَا (وَإِنْ أَبَتْ) مِنَ الْإِبَاءِ أَيْ أَنْكَرَتْ وَلَمْ تَرْضَ (فَلَا جَوَازَ عَلَيْهَا) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ فَلَا تَعَدِّيَ عَلَيْهَا وَلَا إِجْبَارَ قوله (وفي الباب عن أبي موسى) أخرجه أَحْمَدُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ تُسْتَأْمَرُ الْيَتِيمَةُ فِي نَفْسِهَا فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ أَذِنَتْ وَإِنْ أَبَتْ لَمْ تكره وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَأَبُو يَعْلَى وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَرِجَالُ أَحْمَدَ رِجَالُ الصَّحِيحِ (وبن عُمَرَ) قَالَ تُوفِّيَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَتَرَكَ ابْنَةً لَهُ مِنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ وأَوْصَى إِلَى أَخِيهِ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَهُمَا خَالَايَ فَخَطَبْتُ إِلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ ابْنَةَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَزَوَّجَنِيهَا ودَخَلَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ (يَعْنِي إِلَى أُمِّهَا) فَأَرْغَبهَا فِي الْمَالِ فَحَطَّتْ إِلَيْهِ فَحَطَّتِ الْجَارِيَةُ إِلَى هَوَى أُمِّهَا فَأَبَتَا حَتَّى ارْتَفَعَ أَمْرُهُمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنَةُ أَخِي أوصى بها إلي فزوجتها بن عَمَّتِهَا فَلَمْ أُقَصِّرْ بِهَا فِي الصَّلَاحِ وَلَا فِي الْكَفَاءَةِ (وَلَكِنَّهَا امْرَأَةٌ وَإِنَّمَا حَطَّتْ إِلَى هَوَى أُمِّهَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ يَتِيمَةٌ وَلَا تُنْكَحُ إِلَّا بِإِذْنِهَا قَالَ فَانْتُزِعَتْ وَاللَّهِ مِنِّي بَعْدَ أَنْ مَلَكْتُهَا فَزَوَّجُوهَا الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَتِيمَةَ لَا يُجْبِرُهَا وَصِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قال في المنتقى رواه الخمسة قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا زُوِّجَتْ فَالنِّكَاحُ مَوْقُوفٌ حَتَّى تَبْلُغَ فَإِذَا بَلَغَتْ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي إِجَازَةِ النِّكَاحِ وَفَسْخِهِ) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ ويَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَزْوِيجِ الْيَتِيمَةِ قَبْلَ بُلُوغِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى وإن خفتم أن إلا بن ماجه وقال في

النيل وأخرجه أيضا بن حبان والحاكم لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ماطاب لكم قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَزْوِيجِ الْوَلِيِّ غَيْرِ الْأَبِ الَّتِي دُونَ الْبُلُوغِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَتِيمَةِ مَنْ كَانَتْ دُونَ الْبُلُوغِ وَلَا أَبَ لَهَا وَقَدْ أَذِنَ فِي تَزْوِيجِهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبْخَسَ مِنْ صَدَاقِهَا فَيَحْتَاجُ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ إِلَى دَلِيلٍ قَوِيٍّ انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ نِكَاحُ الْيَتِيمَةِ حَتَّى تَبْلُغَ وَلَا يَجُوزُ الْخِيَارُ فِي النِّكَاحِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ واحْتَجَّ بِظَاهِرِ حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى بَنَاتِ الْمُوصِي وَإِنْ فَوَّضَ ذَلِكَ إِلَيْهِ وقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُزَوِّجَ الْيَتِيمَةَ قَبْلَ الْبُلُوغِ وَحَكَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَّهُ أَجَازَ نِكَاحَ الْوَصِيِّ مَعَ كَرَاهَةِ الْأَوْلِيَاءِ وأَجَازَ مَالِكٌ إِنْ فَوَّضَهُ الْأَبُ إِلَيْهِ انْتَهَى (وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِذَا بَلَغَتِ الْيَتِيمَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَزُوِّجَتْ فَرَضِيَتْ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلَا خِيَارَ لَهَا إِذَا أَدْرَكَتْ) أَيْ إِذَا بَلَغَتْ ولَمْ أَقِفْ عَلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ فَفِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَدْ كَانَتْ أَدْرَكَتْ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ (قَالَتْ عَائِشَةُ إِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ امْرَأَةٌ) كَأَنَّ عَائِشَةَ أَرَادَتْ أَنَّ الْجَارِيَةَ إِذَا بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْمَرْأَةِ الْبَالِغَةِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا حِينَئِذٍ مَا يُعْرَفُ بِهِ نَفْعُهَا وَضَرَرُهَا مِنَ الشُّعُورِ وَالتَّمْيِيزِ واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في الوليين يزوجان

92 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْوَلِيَّيْنِ يُزَوِّجَانِ) [1110] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا غَنْدَرٌ) بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ وَسُكُونِ نُونٍ وَفَتْحِ دَالٍ وَقَدْ تُضَمُّ (زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ) أَيْ مِنْ رَجُلَيْنِ (فَهِيَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا) أَيْ لِلسَّابِقِ مِنْهُمَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ تَصَادُقٍ فَإِنْ وَقَعَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ مِنْهُمَا بَطَلَا مَعًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ سَمُرَةَ شَيْئًا وَقِيلَ سَمِعَ مِنْهُ حَدِيثًا فِي الْعَقِيقَةِ انْتَهَى وقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ الْحَافِظُ وَصِحَّتُهُ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى ثُبُوتِ سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ فَإِنَّ رِجَالَهُ ثِقَاتٌ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الْحَسَنِ ورَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ في هذا أصح وقال بن الْمَدِينِيِّ لَمْ يَسْمَعِ الْحَسَنُ مِنْ عُقْبَةَ شَيْئًا وأخرجه بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَوْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ انتهى 3 - مَا جَاءَ فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ [1111] قَوْلُهُ (بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ) أَيْ مَالِكِهِ (فَهُوَ عَاهِرٌ) أَيْ زَانٍ قَالَ الْمُظْهِرُ لَا يجوز

نِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ السَّيِّدِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَلَا يَصِيرُ الْعَقْدُ صَحِيحًا عِنْدَهُمَا بِالْإِجَازَةِ بَعْدَهُ وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إِنْ جَازَ بَعْدَ الْعَقْدِ صَحَّ قُلْتُ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ وَعَدَمِ صِحَّتِهِ إِلَّا بِإِذْنِ السَّيِّدِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَاهِرٌ والعاهر الزاني والزنا باطل وبرواية بن عُمَرَ بِلَفْظِ إِذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَمَا ستعرف قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال إِذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوْلَاهُ فَنِكَاحُهُ بَاطِلٌ قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وهو موقوف وهو قول بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ في التلخيص ورواه بن ماجه من حديث بن عُمَرَ بِلَفْظِ أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ فَهُوَ زَانٍ وفِيهِ مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَصَوَّبَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَقْفَ هذا المتن على بن عُمَرَ وَلَفْظُ الْمَوْقُوفِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ وَجَدَ عَبْدًا لَهُ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَأَبْطَلَ صَدَاقَهُ وَضَرَبَهُ حَدًّا انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى [1112] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) فِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ وَقَدِ عَرَفْتَ آنِفًا أَنَّهُ قَدِ احْتَجَّ بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَالتِّرْمِذِيُّ مِمَّنْ احْتَجَّ بِهِ وَلِذَلِكَ صَحَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ قَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي

باب ما جاء في مهور النساء

الْخُلَاصَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ صَدُوقٌ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديث بن عُقَيْلٍ انْتَهَى 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مُهُورِ النِّسَاءِ) [1113] قَوْلُهُ (أَرَضِيتَ) هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ لِلِاسْتِعْلَامِ (مِنْ نَفْسِكَ وَمَالِكَ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ بَدَلَ نَفْسِكَ مع وجود مالك قاله القارىء (قالت نعم فَأَجَازَهُ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ كَوْنِ المهر شيئا حقيرا لَهُ قِيمَةٌ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَسَيَجِيءُ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنَ الْأَنْصَارِ الْحَدِيثَ وفِيهِ قَالَ عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا قَالَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عَرْضِ هَذَا الْجَبَلِ مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ إِلَخْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا يَضُرُّ أَحَدَكُمْ بِقَلِيلٍ مِنْ مَالِهِ تَزَوَّجَ أَمْ بِكَثِيرٍ بَعْدَ أَنْ يَشْهَدَ وفِي سَنَدِهِ أَبُو هَارُونَ العبدي قال بن الْجَوْزِيِّ وَأَبُو هَارُونَ الْعَبْدِيُّ اسْمُهُ عُمَارَةُ بْنُ جَرِيرٍ قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ كَانَ كَذَّابًا وقال السعدي كذاب مفتري كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ فَقَالَ مَا هَذَا قَالَ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ بَارَكَ اللَّهُ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِنَّ أَعْظَمَ النِّكَاحِ بَرَكَةً أَيْسَرُهُ مُؤْنَةً وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ أَخَفُّ النِّسَاءِ صَدَاقًا أَعْظَمُهُنَّ بَرَكَةً وفِي إِسْنَادِهِ الْحَارِثُ بْنُ شِبْلٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِنَحْوِهِ وأَخْرَجَ نَحْوَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وصَحَّحَهُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم خير الصداقه أيسره

(وَجَابِرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَعْطَى فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ سَوِيقًا أَوْ تَمْرًا فَقَدْ اسْتَحَلَّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ وَقْفِهِ كَذَا فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ (وَأَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بَعْدَ أَنْ حَكَى تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ هَذَا إِنَّهُ خُولِفَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ أَنْ حكى تصحيح الترمذي له قال بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قال بن معين ضعيف وقال بن حبان كان فأحسن الْخَطَأِ فَتُرِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْمَهْرِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَهْرُ عَلَى مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَجَازَهُ الْكَافَّةُ بِمَا تَرَاضَى عَلَيْهِ الزَّوْجَانِ أَوْ (كَذَا بِالْأَصْلِ ولَعَلَّ الصَّوَابَ أَيْ) مِنَ الْعَقْدِ إِلَيْهِ (كَذَا بِالْأَصْلِ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ عَلَيْهِ) بِمَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ كَالسَّوْطِ وَالنَّعْلِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ وبِهِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأنصاري وأبو الزناد وربيعة وبن أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ غَيْرُ مالك ومن تبعه وبن جُرَيْجٍ وَمُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَاللَّيْثُ فِي أهل مصر والثوري وبن أَبِي لَيْلَى وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ غَيْرُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُدُ وَفُقَهَاءُ أَصْحَابِ الحديث وبن وَهْبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ انْتَهَى وَحُجَّتُهُمْ أَحَادِيثُ الْبَابِ (وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لَا يَكُونُ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ اسْتَدَلَّ مَنْ قَاسَهُ بِنِصَابِ السَّرِقَةِ بِأَنَّهُ عُضْوٌ آدَمِيٌّ مُحْتَرَمٌ فَلَا يُسْتَبَاحُ بِأَقَلَّ مِنْ كَذَا قِيَاسًا عَلَى يَدِ السَّارِقِ وتَعَقَّبَهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابِلِ النَّصِّ فَلَا يَصِحُّ وَبِأَنَّ الْيَدَ تُقْطَعُ وَتَبِينُ وَلَا كَذَلِكَ الْفَرْجُ وبِأَنَّ الْقَدْرَ الْمَسْرُوقَ يَجِبُ رَدُّهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَا يَكُونُ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ) وَهُوَ

قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ واحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا لَا تُنْكِحُوا النِّسَاءَ إِلَّا الْأَكْفَاءَ وَلَا يُزَوِّجُهُنَّ إِلَّا الْأَوْلِيَاءُ وَلَا مَهْرَ دُونَ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ وفِي سَنَدِهِ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ هُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ أَحَادِيثُهُ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهَا انْتَهَى وأَسْنَدَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ أَحَادِيثُ مُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ مَوْضُوعَةٌ انْتَهَى وأَخْرَجَهُ أَيْضًا أبو يعلى الموصلي في مسنده وبن حِبَّانَ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ وَقَالَ مُبَشِّرُ بْنُ عُبَيْدٍ يَرْوِي عَنِ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إِلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ انْتَهَى وأخرجه أيضا بن عَدِيٍّ وَالْعُقَيْلِيُّ وَأَعَلَّاهُ بِمُبَشِّرٍ وأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمَا عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا لَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ وَلَا يَكُونُ الْمَهْرُ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ وفِي سَنَدِهِ دَاوُدُ الْأَوْدِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ ولَهُ طُرُقٌ أُخْرَى فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَلَا تَخْلُو عَنْ ضَعْفٍ كَذَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ أَكْثَرُنَا يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ لَا مَهْرَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ وفِي جَمِيعِ طُرُقِهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ انْتَهَى قُلْتُ ضَعْفُ هَذَا الْحَدِيثِ مَشْهُورٌ بِمُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ بَلْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيثُهُ مَوْضُوعَةٌ فَالْعَجَبُ مِنْ صَاحِبِ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ بِحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ بِمُبَشِّرٍ

تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ مُجِيبًا عَنْ ضَعْفِ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ إِذَا رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ مُفْرَدَاتُهَا ضَعِيفَةٌ يَصِيرُ حَسَنًا وَيُحْتَجُّ بِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ صَاحِبَ عُمْدَةِ الرِّعَايَةِ حَاشِيَةِ شَرْحِ الْوِقَايَةِ بِأَنَّ بِكَثْرَةِ الطُّرُقِ إِنَّمَا يَصِيرُ الْحَدِيثُ حَسَنًا إِذَا كَانَ الضَّعْفُ فِيهَا يَسِيرًا فَيُجْبَرُ بِالتَّعَدُّدِ لَا إِذَا كَانَتْ شَدِيدَةَ الضَّعْفِ بِأَنْ لَا يَخْلُوَ وَاحِدٌ مِنْهَا عَنْ كَذَّابٍ أَوْ مُتَّهَمٍ وَالْأَمْرُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ انْتَهَى تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ الْمَهْرِ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعَجَّلِ قُلْتُ رَدَّ عَلَيْهِمْ صَاحِبُ عُمْدَةِ الرِّعَايَةِ بِأَنَّ هَذَا الْحَمْلَ إِنَّمَا يُسَلَّمُ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلظَّوَاهِرِ إِذَا ثَبَتَ التَّقْدِيرُ بِدَلِيلٍ مُعْتَمَدٍ وَإِذْ لَيْسَ فَلَيْسَ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ وَهُوَ يُخَالِفُ إِطْلَاقَ قَوْلِهِ تَعَالَى أَنْ تَبْتَغُوا بأموالكم فَإِنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ بِشَيْءٍ وتَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَمَا بَالُكَ إِذَا كَانَ ضَعِيفًا فَالْعَجَبُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ كَيْفَ خَصَّصُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ إِطْلَاقَ الْكِتَابِ وَعَمِلُوا بِهِ والْعَجَبُ عَلَى الْعَجَبِ أَنَّهُمْ قَدْ اسْتَنَدُوا فِي الْجَوَابِ عَنِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي دَلَّتْ عَلَى كَوْنِ الْمَهْرِ غَيْرَ مَالٍ وَهِيَ مَرْوِيَّةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِمَا اسْتَنَدَتْ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ حَيْثُ قَالُوا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَخْبَارُ آحَادٍ مُخَالِفَةٌ لِظَاهِرِ الْكِتَابِ فَلَا يُعْمَلُ بظاهرها [1114] قوله (عن أبي العجفاء) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْجِيمِ السُّلَمِيِّ الْبَصْرِيِّ قِيلَ اسمه

هَرَمُ بْنُ نُسَيْبٍ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ وَقِيلَ بِالصَّادِ بَدَلَ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (لَا تُغَالُوا) بِضَمِّ التَّاءِ وَاللَّامِ (صَدُقَةَ النِّسَاءِ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَضَمِّ الدَّالِ جَمْعُ الصَّدَاقِ قَالَ الْقَاضِي الْمُغَالَاةُ التَّكْثِيرُ أَيْ لَا تُكْثِرُوا مُهُورَهُنَّ (فَإِنَّهَا أَيْ الصَّدُقَةَ أَوْ الْمُغَالَاةَ يَعْنِي كَثْرَةَ الصَّدُقَةِ (لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَاحِدَةُ الْمَكَارِمِ أَيْ مِمَّا تُحْمَدُ (أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ) أَوْ مَكْرُمَةً فِي الْآخِرَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ قال القارىء قَالَ وَهِيَ غَيْرُ مُنَوَّنَةٍ وفِي نُسْخَةٍ (يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ) بِالتَّنْوِينِ وَقَدْ قُرِئَ شَاذًّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ أولادكم بِهَا أَيْ بِمُغَالَاةِ الْمُهُورِ (نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ) أَيْ تَزَوَّجَ إِحْدَاهُنَّ (وَلَا أَنْكَحَ) أَيْ زَوَّجَ (عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً) وَهِيَ أَرْبَعُمِائَةٍ وَثَمَانُونَ دِرْهَمًا وَأَمَّا مَا رُوِيَ أَنَّ صَدَاقَ أُمِّ حَبِيبَةَ كَانَ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَإِنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِ عُمَرَ لِأَنَّهُ أَصْدَقَهَا النَّجَاشِيُّ فِي الْحَبَشَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ وَنَشٍّ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَجَاوَزْ عَدَدَ الْأَوَاقِي الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ ولَعَلَّهُ أَرَادَ الْأُوقِيَّةَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى الْكُسُورِ مَعَ أَنَّهُ نَفَى الزِّيَادَةَ فِي عِلْمِهِ ولَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ صَدَاقُ أُمِّ حَبِيبَةَ وَلَا الزِّيَادَةُ الَّتِي رَوَتْهَا عَائِشَةُ فَإِنْ قُلْتَ نَهْيُهُ عَنِ الْمُغَالَاةِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا قُلْتُ النَّصُّ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ لَا عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ والْكَلَامُ فِيهَا لَا فِيهِ لَكِنْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ قَالَ لَا تَزِيدُوا فِي مُهُورِ النِّسَاءِ عَلَى أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَمَنْ زَادَ أُلْقِيَتِ الزِّيَادَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مَا ذَاكَ لَكَ قَالَ وَلِمَ قَالَتْ لأن الله يقول وآتيتم إحداهن قنطارا فَقَالَ عُمَرُ امْرَأَةٌ أَصَابَتْ وَرَجُلٌ أَخْطَأَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تُغَالُوا فِي مُهُورِ النِّسَاءِ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ يَا عُمَرُ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا مِنْ ذَهَبٍ قَالَ وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ بن مَسْعُودٍ فَقَالَ عُمَرُ امْرَأَةٌ خَاصَمَتْ عُمَرَ فَخَصَمَتْهُ وأَخْرَجَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُنْقَطِعٍ فَقَالَ عُمَرُ امْرَأَةٌ أَصَابَتْ وَرَجُلٌ أَخْطَأَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عُمَرَ فَذَكَرَهُ مُتَّصِلًا مُطَوَّلًا قَالَ الحافظ في الفتح قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ ذَكَرَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ الْمُحَدِّثُ فِي رَوْضَةِ الْأَحْبَابِ أَنَّ صَدَاقَ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَ أَرْبَعَمِائَةِ مِثْقَالٍ فِضَّةً وكَذَلِكَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمَوَاهِبِ وَلَفْظُهُ

باب ما جاء في الرجل يعتق الأمة ثم يتزوجها

أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَنِي أَنْ أُزَوِّجَكَ فَاطِمَةَ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَالْجَمْعُ أَنَّ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ سَبْعَةُ مَثَاقِيلَ مَعَ عَدَمِ اعتبار الكسور لكن يشكل نقل بن الْهُمَامِ أَنَّ صَدَاقَ فَاطِمَةَ كَانَ أَرْبَعَمِائَةِ دِرْهَمٍ وعَلَى كُلٍّ فَمَا اشْتُهِرَ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ أَنَّ مَهْرَهَا تِسْعَةَ عَشْرَ مِثْقَالًا مِنَ الذَّهَبِ فَلَا أَصْلَ لَهُ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذَا الْمَبْلَغَ قِيمَةُ دِرْعِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حَيْثُ دَفَعَهَا إِلَيْهَا مَهْرًا مُعَجَّلًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح بعد ذكره وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَعْتِقُ الْأَمَةَ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا) [1115] قَوْلُهُ (أَعْتَقَ صَفِيَّةَ) هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ مِنْ سَبْطِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ كَانَتْ تحت بن أَبِي الْحَقِيقِ وَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَوَقَعَتْ صَفِيَّةُ فِي السَّبْيِ فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا وَمَاتَتْ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ جَعْلِ الْعِتْقِ صَدَاقًا وَقَدْ قَالَ بِهِ مِنَ الْقُدَمَاءِ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَطَاوُسٌ وَالزُّهْرِيُّ ومِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ قَالُوا إِذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا صَحَّ الْعَقْدُ وَالْعِتْقُ وَالْمَهْرُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَالَ الْحَافِظُ وهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَقَتَادَةَ وَطَاوُسٍ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) فِي عَدِّ الشَّافِعِيِّ مِنَ الْقَائِلِينَ بِصِحَّةِ جَعْلِ الْعِتْقِ صَدَاقًا كَلَامٌ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ أَعْتَقَهَا عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَقَبِلَتْ عُتِقَتْ وَلَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ بَلْ لَهُ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِعِتْقِهَا مَجَّانًا

فَإِنْ رَضِيَتْ وَتَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ فَلَهُ عَلَيْهَا الْقِيمَةُ وَلَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى قِيمَتِهَا فَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مَعْلُومَةً لَهُ وَلَهَا صَحَّ الصَّدَاقُ وَلَا تَبْقَى لَهُ عَلَيْهَا قِيمَةٌ وَلَا لَهَا عَلَيْهِ صَدَاقٌ وإِنْ كَانَتْ مَجْهُولَةً فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا يَصِحُّ الصَّدَاقُ كَمَا لَوْ كَانَتْ مَعْلُومَةً لِأَنَّ هَذَا الْعَقْدَ فِيهِ ضَرْبٌ مِنَ الْمُسَامَحَةِ وَالتَّخْفِيفِ وأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَصِحُّ الصَّدَاقِ بَلْ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَجِبُ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَمِنَ الْمُسْتَغْرَبِ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ إِخْرَاجِ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ إِلَخْ لَكِنْ لَعَلَّ مُرَادَ مَنْ نَقَلَهُ عَنْهُ صُورَةُ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ انْتَهَى وأَرَادَ بِصُورَةِ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ مَا ذُكِرَ قَبْلُ بِقَوْلِهِ وَأَجَابَ الْبَاقُونَ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ أَقْرَبُهَا إِلَى لَفْظِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَعْتَقَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَوَجَبَتْ لَهُ عَلَيْهَا قِيمَتُهَا وَكَانَتْ مَعْلُومَةً فَتَزَوَّجَهَا بِهَا انْتَهَى (وَكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا حَتَّى يَجْعَلَ لَهَا مَهْرًا سِوَى الْعِتْقِ) قَالَ الثَّوْرِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا وَيَكُونَ عِتْقُهَا صَدَاقَهَا فَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَلْزَمُهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِهِ وَلَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ ومِمَّنْ قَالَهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَزُفَرُ انْتَهَى 6 - بَاب مَا جَاءَ فِي الْفَضْلِ فِي ذَلِكَ [1116] قَوْلُهُ (ثَلَاثَةٌ) أَيْ مِنَ الرِّجَالِ أَوْ رِجَالٌ ثَلَاثَةٌ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ (يُؤْتَوْنَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ) أَيْ يُؤْتِيهِمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ (عَبْدٌ) بَدَلٌ مِنَ الْمُبْتَدَأِ بَدَلُ بَعْضٍ وَالْعَطْفُ بَعْدَ الرَّبْطِ أَوْ بَدَلُ كُلٍّ وَالرَّبْطُ بَدَلُ الْعَطْفِ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَحَدُهُمْ أَوْ مُبْتَدَأٌ مَوْصُوفٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ أَيْ مِنْهُمْ قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ (أَدَّى حَقَّ اللَّهِ) مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ (وَحَقَّ مَوَالِيهِ) جَمْعُ الْمَوْلَى لِلْإِشَارَةِ إِلَّا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ

باب ما جاء فيمن يتزوج المرأة ثم يطلقها

جَمَاعَةٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يُؤَدِّيَ حُقُوقَ جَمِيعِهِمْ فَيُعْلَمُ الْمُنْفَرِدُ بِالْأَوْلَى أَوْ لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَدَّدَ مَوَالِيهِ بِالْمُنَاوَبَةِ عَلَى جَرْيِ الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ فَيَقُومُ بِحَقِّ كُلٍّ (فَذَلِكَ) أَيْ ذَلِكَ الْعَبْدُ (يُؤْتَى أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ) أَجْرٌ لِتَأْدِيَةِ حَقِّ اللَّهِ وَأَجْرٌ لِتَأْدِيَةِ حَقِّ مَوَالِيهِ (وَجَارِيَةٌ وَضِيئَةٌ) أَيْ جَمِيلَةٌ (فَأَدَّبَهَا) أَيْ عَلَّمَهَا الْخِصَالَ الْحَمِيدَةَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَدَبِ الْخِدْمَةِ إِذِ الْأَدَبُ هُوَ حُسْنُ الْأَحْوَالِ مِنَ الْقِيَامِ وَالتَّعَوُّدِ وَحُسْنُ الْأَخْلَاقِ (فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا) وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وإحسان تأديبها هو الاستعمال علمها الرِّفْقَ وَاللُّطْفَ وزَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَعَلَّمَهَا فأحسن تعليمها (يبتغي ذلك) أَيْ بِالْمَذْكُورِ مِنَ التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ وَالتَّزَوُّجِ (فَذَلِكَ يُؤْتَى أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ) أَجْرٌ عَلَى عِتْقِهِ وَأَجْرٌ عَلَى تَزَوُّجِهِ (وَرَجُلٌ آمَنَ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ ثُمَّ جَاءَهُ الْكِتَابُ الْآخَرُ فَآمَنَ بِهِ) فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِمُحَمَّدٍ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي مُوسَى حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ ثُمَّ يُطَلِّقُهَا) قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا هَلْ يتزوج ابنتها أم لا [1117] قوله (أخبرنا بن لَهِيعَةَ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْهَاءِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ قَوْلُهُ (فَدَخَلَ بِهَا) أَيْ

باب ما جاء فيمن يطلق امرأته ثلاثا فيتزوجها آخر

جَامَعَهَا (فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا) قَالَ تَعَالَى وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللآتي دخلتم بهن وَأَسْقَطَ قَيْدَ كَوْنِهَا فِي حِجْرِهِ لِأَنَّهُ خَرَجَ مخرج غلب الْعَادَةِ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلْيَنْكِحِ ابْنَتَهَا) أَيْ بَعْدَ طَلَاقِ أُمِّهَا قَالَ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عليكم (فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُمِّهَا) لِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ تعالى وأمهات نسائكم قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ مِنْ قِبَلِ إِسْنَادِهِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ إِسْنَادِهِ وَإِنْ كَانَ صحيحا باعتبار معناه مطابقته معنى الآية قوله (والمثنى بن الصباح وبن لَهِيعَةَ يُضَعِّفَانِ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَجْمَعَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِ بن لَهِيعَةَ وَتَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَاحِ ضَعِيفٌ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الحنفية قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بِأُمِّ امْرَأَتِهِ دَخَلَ بِابْنَتِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأُمَّهَاتُ نسائكم مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالدُّخُولِ وَلَا بِبِنْتِ امْرَأَتِهِ الَّتِي دَخَلَ بِهَا لِثُبُوتِ قَيْدِ الدُّخُولِ بِالنَّصِّ انْتَهَى 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَيَتَزَوَّجُهَا آخَرُ) فَيُطَلِّقُهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا [1118] قَوْلُهُ (جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (الْقُرَظِيِّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ

نِسْبَةً إِلَى قُرَيْظَةَ قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَهُودِ (عِنْدَ رِفَاعَةَ) أَيْ فِي نِكَاحِهِ (فَبَتَّ طَلَاقِي) أَيْ قَطَعَهُ فَلَمْ يُبْقِ مِنَ الثَّلَاثِ شَيْئًا وَقِيلَ طَلَّقَنِي ثَلَاثًا (فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزُّبَيْرِ) بفتح الزاي وكسر الباء (وَمَا مَعَهُ) أَيْ لَيْسَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ آلَةِ الذُّكُورَةِ (إِلَّا مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ أَيْ طَرَفُهُ وَهُوَ طَرَفُ الثَّوْبِ الْغَيْرِ الْمَنْسُوجِ (أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ) فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالَتْ نَعَمْ كَمَا فِي الْمِشْكَاةِ (لَا) وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ لَا أَيْ لَا تَرْجِعِي إِلَيْهِ (حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ السِّينِ أَيْ لَذَّةَ جِمَاعِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكَ) كِنَايَةٌ عَنْ حَلَاوَةِ الْجِمَاعِ وَالْعُسَيْلُ تَصْغِيرُ عَسَلٍ وَالتَّاءُ فِيهَا عَلَى نِيَّةِ اللَّذَّةِ أَوْ النُّطْفَةِ أَيْ حَتَّى تَجِدِي مِنْهُ لَذَّةً وَيَجِدَ منك لذة بتغيب الْحَشَفَةِ ولَا يُشْتَرَطُ إِنْزَالُ الْمَنِيِّ خِلَافًا لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ عِنْدَهُ حَتَّى يُنْزِلَ الثَّانِي حَمْلًا لِلْعُسَيْلَةِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن بن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَالرُّمَيْصَاءِ أَوْ الْغُمَيْصَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وأَمَّا حَدِيثُ الرُّمَيْصَاءِ أَوِ الْغُمَيْصَاءِ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هريرة فأخرجه الطبراني وبن أَبِي شَيْبَةَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ العلم الخ) قال بن الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْجِمَاعِ لِتَحِلَّ لِلْأَوَّلِ إِلَّا سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَقُولُ النَّاسُ لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ حَتَّى يُجَامِعَهَا الثَّانِي وَأَنَا أَقُولُ إِذَا تَزَوَّجَهَا تَزْوِيجًا صَحِيحًا لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِحْلَالَهَا لِلْأَوَّلِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الأول قال بن الْمُنْذِرِ هَذَا الْقَوْلُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَيْهِ إِلَّا طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ ولَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ فَأَخَذَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ هَذَا فِي الرُّخْصَةِ يُقَابِلُهُ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي التَّشْدِيدِ فَإِنَّهُ شَرَطَ الْإِنْزَالَ كَمَا عَرَفْتَ قال بن بَطَّالٍ شَذَّ الْحَسَنُ فِي هَذَا وَخَالَفَهُ سَائِرُ الفقهاء انتهى

باب ما جاء في المحلل والمحلل له

99 - (باب ما جاء في المحلل وَالْمُحَلَّلِ لَهُ) الْمُحِلُّ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْإِحْلَالِ وَالْمَحلَلُّ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّحْلِيلِ والْمُرَادُ مِنَ الْمُحِلِّ هُوَ مَنْ تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا بِقَصْدِ الطَّلَاقِ أَوْ شُرُوطِهِ لِتَحِلَّ هِيَ لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ وَالْمُرَادُ مِنَ الْمُحَلَّلِ لَهُ الزَّوْجُ الْأَوَّلُ [1119] قَوْلُهُ (عَنِ الشَّعْبِيِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ (وَعَنِ الْحَارِثِ) عَطْفُ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَوْلُهُ (لُعِنَ الْمُحِلُّ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ) وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْمُحَلِّلُ وَالْمُحَلَّلُ لَهُ كِلَا اللَّفْظَيْنِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ الْأَوَّلُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَالثَّانِي بِفَتْحِهَا قَالَ الْقَاضِي الْمُحَلِّلُ الَّذِي تَزَوَّجَ مُطَلَّقَةَ الْغَيْرِ ثَلَاثًا عَلَى قَصْدِ أَنْ يُطَلِّقَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ لِيَحِلَّ لِلْمُطَلِّقِ نِكَاحُهَا وَكَأَنَّهُ يُحَلِّلُهَا عَلَى الزَّوْجِ الْأَوَّلِ بِالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ وَالْمُحَلَّلُ له والزوج وَإِنَّمَا لَعَنَهُمَا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ هَتْكِ الْمُرُوءَةِ وَقِلَّةِ الْحَمِيَّةِ وَالدَّلَالَةِ عَلَى خِسَّةِ النَّفْسِ وَسُقُوطِهَا أَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُحَلَّلِ لَهُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُحَلِّلِ فَلِأَنَّهُ يُعِيرُ نَفْسَهُ بِالْوَطْءِ لِغَرَضِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَطَؤُهَا لِيُعَرِّضَهَا لِوَطْءِ الْمُحَلَّلِ لَهُ وَلِذَلِكَ مَثَّلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ اسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ إِذَا شَرَطَ الزَّوْجُ أَنَّهُ إِذَا نَكَحَهَا بَانَتْ مِنْهُ أَوْ شَرَطَ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ إِطْلَاقَهُ يَشْمَلُ هَذِهِ الصُّورَةَ وَغَيْرَهَا لَكِنْ رَوَى الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي غَسَّانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ عن أبيه قال جاء رجل إلى بن عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا أَخٌ لَهُ عَنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ لِيُحِلَّهَا لِأَخِيهِ هَلْ يَحِلُّ لِلْأَوَّلِ قَالَ لَا إِلَّا بِنِكَاحِ رَغْبَةٍ كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ رَوَى الْحَاكِمُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ في نصب الراية قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مَسَانِيدِهِمْ وحديث صَحِيحٌ نَصَّ عَلَى صِحَّتِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الراية (وعقبة بن عامر) أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالتَّيْسِ الْمُسْتَعَارِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هُوَ الْمُحَلِّلُ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ قَالَ عَبْدُ الْحَقِّ فِي أَحْكَامِهِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ (وَابْنِ عباس) أخرجه بن مَاجَهْ وفِي إِسْنَادِهِ

زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (لِأَنَّ مُجَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ قَدْ ضَعَّفَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مُجَالِدٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ بن سعيد بن عمير الهمداني أَبُو عَمْرٍو الْكُوفِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ انْتَهَى [1120] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحِلَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ) قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّحْلِيلِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ اللَّعْنُ إِلَّا عَلَى فَاعِلِ الْمُحَرَّمِ وَكُلُّ مُحَرَّمٍ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْعَقْدِ وَاللَّعْنَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِلْفَاعِلِ لَكِنَّهُ عُلِّقَ بِوَصْفٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عِلَّةَ الْحُكْمِ وَذَكَرُوا لِلتَّحْلِيلِ صُوَرًا مِنْهَا أَنْ يَقُولَ لَهُ فِي الْعَقْدِ إِذَا أَحْلَلْتَهَا فَلَا نِكَاحَ وَهَذَا مِثْلُ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ لِأَجْلِ التَّوْقِيتِ ومِنْهَا أَنْ يَقُولَ فِي الْعَقْدِ إِذَا أَحْلَلْتَهَا طَلَّقْتَهَا وَمِنْهَا أن يكون مضمرا في العقد بأن يتواطأ عَلَى التَّحْلِيلِ وَلَا يَكُونُ النِّكَاحُ الدَّائِمُ هُوَ المقصود وظاهر شمول اللعن وفساد الْعَقْدِ لِجَمِيعِ الصُّوَرِ وفِي بَعْضِهَا خِلَافٌ بِلَا دَلِيلٍ نَاهِضٍ فَلَا يُسْتَعْمَلُ بِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هذا حديث حسن صحيح) وصححه بن القطان وبن دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منهم عمر بن الخطاب) أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ قَالَ لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ ولا محلل له إلا رجمتها كَذَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِلشَّيْخِ سِرَاجِ أَحْمَدَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ (وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) قَالَ الشَّيْخُ سِرَاجُ أَحْمَدَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ وَلَا عَلَى لَفْظِهِ (وبه يقول سفيان الثوري وبن

الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي بِحَدِيثِ لَعَنَ اللَّهُ الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ عَلَى كَرَاهَةِ النِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ بِهِ التَّحْلِيلُ وَظَاهِرُهُ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ انْتَهَى قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هُوَ الظَّاهِرُ ثُمَّ أَجَابَ الزَّيْلَعِيُّ فَقَالَ لَكِنْ يُقَالُ لَمَّا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا دَلَّ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ هُوَ الْمُثْبِتُ لِلْحِلِّ فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا انْتَهَى قُلْتُ سَمَّاهُ مُحَلِّلًا عَلَى حَسَبِ ظَنِّهِ فَإِنَّ مَنْ تَزَوَّجَ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا بِقَصْدِ الطَّلَاقِ أَوْ شَرْطِهِ ظَنَّ أَنَّ تَزَوُّجَهُ إِيَّاهَا وَوَطْأَهَا يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ ولَيْسَ تَسْمِيَتُهُ مُحَلِّلًا عَلَى أَنَّهُ مُثْبِتٌ للحل في الواقع ويؤيده قول بن عُمَرَ كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَسَمِعْتُ الْجَارُودَ يَذْكُرُ عَنْ وَكِيعٍ أَنَّهُ قَالَ بِهَذَا) أَيْ بِمَا قَالَ سُفْيَانُ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ أَيْ وَكِيعٌ (يَنْبَغِي أَنْ يُرْمَى بِهَذَا الْبَابِ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ) يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ السِّنْدِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ أَيْ يُطْرَحُ وَيُلْقَى مِنْ قَوْلِهِمْ مَا ذَكَرُوا فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ وَإِنْ قَصَدَ الْإِحْلَالَ وذَلِكَ لِأَنَّ اللَّعْنَ يَقْتَضِي النَّهْيَ عَنْ هَذَا الْفِعْلِ وَحُرْمَتَهُ وَالْحُرْمَةُ فِي بَابِ النِّكَاحِ يَقْتَضِي عَدَمَ الصِّحَّةِ فَقَوْلُهُمْ بِالصِّحَّةِ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ فيكون مرميا مطروحا قال أَجَابُوا عَنْهُ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلْحَدِيثِ لِأَنَّ اللَّعْنَ قَدْ يَكُونُ لِخِسَّةِ الْفِعْلِ وَهَتْكِ الْمُرُوءَةِ وتَسْمِيَتُهُ مُحَلِّلًا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ التَّحْلِيلُ ولَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِعَدَمِ الشَّرْطِ أَوْ بِإِثْبَاتِهِ فَالتَّوفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنْ يُحْمَلَ اللَّعْنُ عَلَى أَنَّهُ لِلْخِسَّةِ لَا لِلتَّحْرِيمِ لِئَلَّا يُعَارِضَ قَوْلَهُ مُحَلِّلًا فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَكُونَ مِنْ نِيَّتِهِ الْإِحْلَالُ أَوْ بِكَوْنِهِ شَرْطَ الْإِحْلَالِ انْتَهَى كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ قُلْتُ قَوْلُهُ اللَّعْنُ قَدْ يَكُونُ لِخِسَّةِ الْفِعْلِ وَهَتْكِ الْمُرُوءَةِ ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ لَعْنَةُ اللَّهِ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلتَّحْرِيمِ وقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ تَسْمِيَتَهُ مُحَلِّلًا لَا يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعَقْدِ تَنْبِيهٌ قَوْلُ الْإِمَامِ وَكِيعٍ هَذَا يَدُلُّ دَلَالَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حَنَفِيًّا مُقَلِّدًا لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فَبَطَلَ قَوْلُ صَاحِبِ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ أَنَّ وَكِيعًا كَانَ حَنَفِيًّا مُقَلِّدًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي بَابِ الْإِشْعَارِ مِنْ كِتَابِ الْحَجِّ (قَالَ وَكِيعٌ وَقَالَ سُفْيَانُ إِذَا تَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ لِيُحَلِّلَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى يتزوج بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ إِذَا كان ذلك

على شَرْطٍ بَيْنَهُمَا فَالنِّكَاحُ فَاسِدٌ لِأَنَّ الْعَقْدَ مُتَنَاهٍ إِلَى مُدَّةٍ كَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ وإِذَا لَمْ يَكُنْ شرطا ودان نِيَّةً وَعَقِيدَةً فَهُوَ مَكْرُوهٌ فَإِنْ أَصَابَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ طَلَّقَهَا وَانْقَضَتِ الْعِدَّةُ فَقَدْ حَلَّتْ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ وقَدْ كَرِهَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أن يضمر أَوْ يَنْوِيَا أَوْ أَحَدُهُمَا التَّحْلِيلَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطَاهُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ لَا يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا الْأَوَّلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ نِكَاحَ رَغْبَةٍ فَإِنْ كَانَتْ نِيَّةُ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ الزَّوْجِ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي أَوْ الْمَرْأَةِ أَنَّهُ مُحَلِّلٌ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ وَلَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِذَا تَزَوَّجَهَا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُحَلِّلَهَا لِزَوْجِهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يُمْسِكَهَا لَا يُعْجِبُنِي إِلَّا أَنْ يُفَارِقَهَا وَيَسْتَأْنِفَ نِكَاحًا جَدِيدًا وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يفرق بينها عَلَى كُلِّ حَالٍ انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ عُقِدَ النِّكَاحُ مُطْلَقًا لَا شَرْطَ فِيهِ فَالنِّكَاحُ ثَابِتٌ وَلَا تُفْسِدُ النِّيَّةُ مِنَ النِّكَاحِ شَيْئًا لِأَنَّ النِّيَّةَ حَدِيثُ نَفْسٍ وَقَدْ رُفِعَ عَنِ النَّاسِ مَا حَدَّثُوا بِهِ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ هَذَا الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِهِ قُلْتُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ هَذَا كَلَامٌ فَتَأَمَّلْ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَنَا أَنَّ الشَّرْطَ إِثْمٌ وَالنِّكَاحَ صَحِيحٌ قَالَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا أَفْتَى عُمَرُ بِسَنَدٍ لَعَلَّهُ جَيِّدٌ أَنَّ رَجُلًا نَكَحَ امْرَأَةً لِلتَّحْلِيلِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا تُفَارِقِ امْرَأَتَكَ وَإِنْ طَلَّقْتَهَا فَأُعَزِّرْكَ قَالَ فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ لِلتَّحْلِيلِ انْتَهَى قُلْتُ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَّ امْرَأَةً أَرْسَلَتْ إِلَى رَجُلٍ فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا لِيُحِلَّهَا لِزَوْجِهَا فَأَمَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُقِيمَ مَعَهَا وَلَا يُطَلِّقَهَا وَأَوْعَدَهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ إِنْ طَلَّقَهَا ذَكَرَ هَذَا الْأَثَرَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بِغَيْرِ السَّنَدِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ فَمَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ صَحِيحٌ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وأثر عمر هذا يخالفه ما أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ قَالَ لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ له وَلَا مُحَلَّلٍ لَهُ إِلَّا رَجَمْتُهُمَا وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي اللَّفْظِ فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَعْرُوفًا بِهَذَا الْفِعْلِ فَمَكْرُوهٌ تَحْرِيمًا كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وفِي بَعْضِ كُتُبِنَا أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِي اللفظ فالمحل له ثواب لأنه نفع أخيه الْمُسْلِمَ انْتَهَى بِلَفْظِهِ قُلْتُ وفِي بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ مَأْجُورٌ وَإِنْ شَرَطَاهُ بِالْقَوْلِ لِقَصْدِ الْإِصْلَاحِ وهَذَا هُوَ مَعْمُولٌ بِهِ عِنْدَ حَنَفِيَّةِ دِيَارِنَا فَيَعْمَلُونَ بِهِ وَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ يَنْفَعُونَ إِخْوَانَهُمْ وَيَصِيرُونَ مَأْجُورِينَ فَهَدَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى التَّحْقِيقِ

باب ما جاء في نكاح المتعة

100 - (باب ما جاء في نِكَاحِ الْمُتْعَةِ) يَعْنِي تَزْوِيجَ الْمَرْأَةِ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا انْقَضَى وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ [1121] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمُحَمَّدٌ هَذَا هُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ كُنْيَتُهُ أَبُو هَاشِمٍ وذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَلِأَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ وَكَانَ الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا إِلَى أَنْفُسِنَا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَتْبَعُ السَّبَئِيَّةَ انْتَهَى وَالسَّبَئِيَّةُ يُنْسَبُونَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ وَهُوَ مِنْ رُؤَسَاءِ الرَّوَافِضِ وكَانَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَلَى رَأْيِهِ وَلَمَّا غَلَبَ عَلَى الْكُوفَةِ وَتَتَبَّعَ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ فَقَتَلَهُمْ أَحَبَّتْهُ الشِّيعَةُ ثُمَّ فَارَقَهُ أَكْثَرُهُمْ لِمَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ الْأَكَاذِيبِ وكَانَ مِنْ رَأْيِ السَّبَئِيَّةِ مُوَالَاةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَكَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ وَأَنَّهُ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَخْرُجَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ومِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِمَوْتِهِ وَزَعَمَ أَنَّ الْأَمْرَ بَعْدَهُ صَارَ إِلَى ابْنِهِ أَبِي هَاشِمٍ هَذَا ومَاتَ أَبُو هَاشِمٍ فِي آخِرِ وِلَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ (نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ) الظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِكِلَا الْأَمْرَيْنِ فَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَهَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ أَنَّهُ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ فَأَقَمْنَا بِهَا خَمْسَةَ عَشْرَ فَأَذِنَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ وذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى أَنْ قَالَ فَلَمْ أَخْرُجْ حَتَّى حَرَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ عَنِ النِّسَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ وَلَا تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا كَذَا فِي الْمُنْتَقَى (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ هَدَمَ الْمُتْعَةُ الطَّلَاقَ وَالْعِدَّةَ وَالْمِيرَاثَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ قَوْلُهُ (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَأَمْرُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى

باب ما جاء من النهي عن نكاح الشغار

تحريم المتعة وهو قول الثورى وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ وهَذَا الْحُكْمُ كَانَ مُبَاحًا مَشْرُوعًا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا أَبَاحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ لِلسَّبَبِ الَّذِي ذَكَرَهُ بن مَسْعُودٍ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ يَكُونُ فِي أَسْفَارِهِمْ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَهُ لَهُمْ وَهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ ولِهَذَا نَهَاهُمْ عَنْهُ غَيْرَ مَرَّةٍ ثُمَّ أَبَاحَهُ لَهُمْ فِي أَوْقَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ حَتَّى حَرَّمَهُ عَلَيْهِمْ فِي آخِرِ أَيَّامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ تَحْرِيمَ تَأْبِيدٍ لَا تَأْقِيتٍ فَلَمْ يَبْقَ الْيَوْمَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ بَيْنَ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَأَئِمَّةِ الْأُمَّةِ إِلَّا شَيْئًا ذَهَبَ إليه بعض الشيعة ويروى أيضا عن بن جُرَيْجٍ جَوَازُهُ وَسَنَذْكُرُ أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ادَّعَيْنَاهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَازِمِيُّ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ إِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَهُ [1122] قَوْلُهُ (عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ) بِالتَّصْغِيرِ الرَّبَذِيِّ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْحَافِظُ (حَتَّى إِذَا نَزَلَتِ الْآيَةُ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ ما ملكت أيمانهم) قَالَ الطِّيبِيُّ يُرِيدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَحْفَظُونَ فُرُوجَهُمْ عَنْ جَمِيعِ الْفُرُوجِ إِلَّا عَنِ الْأَزْوَاجِ وَالسَّرَارِيِّ وَالْمُسْتَمْتِعَةُ لَيْسَتْ زَوْجَةً لِانْتِفَاءِ التَّوَارُثِ إِجْمَاعًا وَلَا مَمْلُوكَةً بَلْ هِيَ مُسْتَأْجِرَةٌ نَفْسَهَا أَيَّامًا مَعْدُودَةً فَلَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ انتهى وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا رَوَاهُ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِبَارِ وَقَالَ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ لَوْلَا مُوسَى بْنَ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ يَسْكُنُ الرَّبْذَةَ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ ضَعِيفٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ رُوِيَ رِوَايَاتٌ عديدة عن بن عَبَّاسٍ فِي الرُّجُوعِ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وقَالَ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا 01 - (بَاب مَا جَاءَ من النَّهْيِ عَنْ نِكَاحِ الشِّغَارِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ نِكَاحٌ مَعْرُوفٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ يَقُولُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ شَاغِرْنِي أَيْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ أَوْ بِنْتَكَ أَوْ مَنْ تَلِي أَمْرَهَا حَتَّى أُزَوِّجَكَ أُخْتِي أَوْ بِنْتِي أَوْ مَنْ أَلِي أَمْرَهَا وَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَهْرٌ

وَيَكُونُ بُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي مُقَابَلَةِ بُضْعِ الْأُخْرَى وقِيلَ لَهُ شِغَارٌ لِارْتِفَاعِ الْمَهْرِ بَيْنَهُمَا مِنْ شَغَرَ الْكَلْبُ إِذَا رَفَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ لِيَبُولَ وَقِيلَ الشَّغْرُ الْبُعْدُ وَقِيلَ الِاتِّسَاعُ انْتَهَى [1123] قَوْلُهُ (وَلَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ) بِفَتْحَتَيْنِ فِيهِمَا (وَلَا شِغَارَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (فِي الْإِسْلَامِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ قَيْدٌ فِي الْكُلِّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَيْدًا لِلْأَخِيرِ وَالْجَلَبُ وَالْجَنَبُ يَكُونَانِ فِي السِّبَاقِ وفِي الزَّكَاةِ فَالْجَلَبُ فِي السِّبَاقِ أَنْ يُتْبِعَ فَرَسَهُ رَجُلًا يُجْلِبُ عَلَيْهِ وَيَصِيحُ وَيَزْجُرُهُ حَثًّا لَهُ عَلَى الْجَرْيِ والْجَنَبُ أَنْ يُجْنِبَ إِلَى فَرَسِهِ فَرَسًا عُرْيَانًا فَإِذَا فَتَرَ الْمَرْكُوبُ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ وَالْجَلَبُ فِي الزَّكَاةِ أَنْ لَا يَقْرَبَ الْعَامِلُ أَمْوَالَ النَّاسِ بَلْ يَنْزِلُ مَوْضِعًا ثُمَّ يُرْسِلُ مَنْ يَجْلِبُ إِلَيْهِ الْأَمْوَالَ مِنْ أَمَاكِنِهَا لِيَأْخُذَ صَدَقَتَهَا فَنَهَى عَنْهُ وَأَمَرَ أَنْ تُؤْخَذَ صَدَقَاتُهُمْ عَلَى مِيَاهِهِمْ وَأَمَاكِنِهِمْ والْجَنَبُ أَنْ يُجْنِبَ رَبُّ الْمَالِ بِمَالِهِ أَيْ يُبْعِدَهُ عَنْ مَوَاضِعِهِ حَتَّى يَحْتَاجَ الْعَامِلُ إِلَى الْإِبْعَادِ فِي اتِّبَاعِهِ وَطَلَبِهِ وفِي الْمِرْقَاةِ لِلْقَارِي وَالشِّغَارُ أنْ تُشَاغِرَ الرَّجُلَ وَهُوَ أَنْ تُزَوِّجَهُ أُخْتَكَ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَكَ أُخْتَهُ وَلَا مَهْرَ إِلَّا هَذَا مِنْ شَغَرَ الْبَلَدُ إِذَا خَلَا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ والْمُقْتَضِي إِفْسَادُهُ الِاشْتِرَاكَ فِي البضع يجعله صَدَاقًا وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يَصِحُّ الْعَقْدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَمَنِ انْتَهَبَ نَهْبَةً) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْهَاءِ مَصْدَرٌ وَأَمَّا بِالضَّمِّ فَالْمَالُ الْمَنْهُوبُ أَيْ مَنْ أَخَذَ مَا لَا يَجُوزُ أَخْذُهُ قَهْرًا جَهْرًا (فَلَيْسَ مِنَّا) أَيْ لَيْسَ مِنَ الْمُطِيعِينَ لِأَمْرِنَا أَوْ لَيْسَ مِنْ جَمَاعَتِنَا وَعَلَى طَرِيقَتِنَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ (وَأَبِي رَيْحَانَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُشَاغَرَةِ والْمُشَاغَرَةُ أَنْ يَقُولَ زَوِّجْ هَذَا مِنْ هَذِهِ وَهَذِهِ مِنْ هَذَا بلا مهر (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ أَنْ تُنْكَحَ هَذِهِ بِهَذِهِ بِغَيْرِ صَدَاقٍ يَضَعُ هَذِهِ صَدَاقَ هَذِهِ وَيَضَعُ هَذِهِ صَدَاقَ هَذِهِ (وَمُعَاوِيَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ (وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا لاشغار قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشِّغَارُ قَالَ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ بِالْمَرْأَةِ لَا صَدَاقَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ [1124] قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الشِّغَارِ) هَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا

باب ما جاء لا تنكح المرأة على عمتها

وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا مَعَ تَفْسِيرِ الشِّغَارِ هَكَذَا نَهَى عَنِ الشِّغَارِ وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صدق قَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَأَبُو دَاوُدَ جَعَلَهُ أَيْ تَفْسِيرَ الشِّغَارِ مِنْ كَلَامِ نَافِعٍ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي تَفْسِيرٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا انْتَهَى قَالَ الْقُرْطُبِيُّ تَفْسِيرُ الشِّغَارِ صَحِيحٌ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا فَهُوَ الْمَقْصُودُ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَمَقْبُولٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِالْمَقَالِ وَأَقْعَدُ بِالْحَالِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشِّغَارُ قَالَ إِنْكَاحُ الْمَرْأَةِ إِلَخْ فَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَفْسِيرَ الشِّغَارِ مَرْفُوعٌ لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ وَإِسْنَادُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ نِكَاحُ الشِّغَارِ مَفْسُوخٌ وَلَا يَحِلُّ وَإِنْ جُعِلَ لَهُمَا صَدَاقٌ وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ الخ) قال بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ نِكَاحَ الشِّغَارِ لَا يَجُوزُ ولَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي صِحَّتِهِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْبُطْلَانِ وفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ يفسخ قبل الدخول لا بعده وحكاه بن الْمُنْذِرِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى صِحَّتِهِ وَوُجُوبِ مَهْرِ الْمِثْلِ وهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ قَوْلٌ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّ النِّسَاءَ مُحَرَّمَاتٌ إِلَّا مَا أَحَلَّ اللَّهُ أَوْ مِلْكُ يَمِينٍ فَإِذَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ نِكَاحٍ تَأَكَّدَ التَّحْرِيمُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ وَالظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 02 - (بَاب مَا جَاءَ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا) وَلَا عَلَى خَالَتِهَا [1125] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَرِيزٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وسكون التحتية وبالزاء قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بن حسين علق له البخاري ووثقه بن مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَضَعَّفَهُ

جَمَاعَةٌ فَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ تُزَوَّجَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تُنْكَحَ (الْمَرْأَةُ عَلَى عمتها أو خالتها) روى بن حبان في صحيحه وبن عَدِيٍّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَرِيزٍ عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ إِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذلك فطعتم أَرْحَامَكُمْ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ وفِي الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى قَرَابَتِهَا مَخَافَةَ الْقَطِيعَةِ انْتَهَى وقَدْ ظَهَرَ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ حِكْمَةُ النَّهْيِ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا وَهِيَ الِاحْتِرَازُ عَنْ قَطْعِ الرَّحِمِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ كَانَتْ عَمَّةً وَخَالَةً حَقِيقِيَّةً وَهِيَ أُخْتُ الْأَبِ وَأُخْتُ الْأُمِّ أَوْ مَجَازِيَّةً وَهِيَ أُخْتُ أَبِي الْأَبِ وَأَبِي الْجَدِّ وَإِنْ عَلَا وَأُخْتُ أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْجَدَّةِ مِنْ جِهَتَيْ الْأُمِّ وَالْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ فَكُلُّهُنَّ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي النِّكَاحِ أَوْ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ علي وبن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِلَخْ) وَقَالَ البيهقي قد جاء من حديث علي وبن مسعود وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَنَسٍ وَأَبِي سعيد وعائشة وليس فيها شيء شَرْطِ الصَّحِيحِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِ الْبَيْهَقِيِّ هَذَا وَذَكَرَ مِثْلَ ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ وفِي الْبَابِ لَكِنْ لَمْ يذكر بن مسعود ولا بن عَبَّاسٍ وَلَا أَنَسًا وزَادَ بَدَلَهُمْ أَبَا مُوسَى وَأَبَا أُمَامَةَ وَسَمُرَةَ ووَقَعَ لِي أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَمِنْ حَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ وَمِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ومن حديث زينب امرأة بن مَسْعُودٍ فَصَارَ عِدَّةُ مَنْ رَوَاهُ غَيْرَ الْأَوَّلَيْنَ يَعْنِي جَابِرًا وَأَبَا هُرَيْرَةَ ثَلَاثَةَ عَشْرَ نَفْسًا وأحاديثهم موجودة عند بن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنسائي وبن ماجه وأبي يعلى والبزار والطبراني وبن حِبَّانَ وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَلَوْلَا خَشْيَةُ التَّطْوِيلِ لَأَوْرَدْتُهَا مُفَصَّلَةً انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ [1126] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَامِرٌ) هُوَ الشَّعْبِيُّ قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ تُنْكَحَ) بِصِيغَةِ

الْمَجْهُولِ (وَلَا تُنْكَحُ الصُّغْرَى) أَيْ بِبِنْتِ الْأَخِ أَوْ بِنْتِ الْأُخْتِ وَسُمِّيَتْ صُغْرَى لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِنْتِ (عَلَى الْكُبْرَى) أَيْ سِنًّا غَالِبًا أَوْ رُتْبَةً فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ والْمُرَادُ بِهَا الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ (وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى) كَرَّرَ النَّفْيَ من الجانبين للتأكيد لقوله نهى عن تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا إِلَخْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) الْمُرَادُ بحديث بن عَبَّاسٍ هُوَ الْمَذْكُورُ أَوَّلًا وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وبن حبان وحديث أبي هريرة أخرجه مسلم وأبو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا ومُسْلِمٌ لَمْ يُخَرِّجْهُ هَكَذَا بِتَمَامِهِ وَلَكِنَّهُ فَرَّقَهُ حَدِيثَيْنِ فَأَخْرَجَ صَدْرَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا انتهى وأخرج باقيه عن قبيصة بن ذويب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا تُنْكَحُ الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ الْأَخِ وَلَا ابْنَةُ الْأُخْتِ عَلَى الْخَالَةِ انْتَهَى كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَوْلُهُ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافًا الخ وقال بن الْمُنْذِرِ لَسْتُ أَعْلَمُ فِي مَنْعِ ذَلِكَ اخْتِلَافًا الْيَوْمَ وإِنَّمَا قَالَ بِالْجَوَازِ فِرْقَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وإِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ بِالسُّنَّةِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ لَمْ يَضُرَّهُ خِلَافُ مَنْ خالفه وكذا نقل الإجماع بن عبد البر وبن حزم والقرطبي والنووي لكن استثنى بن حَزْمٍ عُثْمَانَ الْبَتِّيَّ وَهُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ الْقُدَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَاسْتَثْنَى النَّوَوِيُّ طَائِفَةً مِنَ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ وَاسْتَثْنَى الْقُرْطُبِيُّ الْخَوَارِجَ وَلَفْظُهُ اخْتَارَ الْخَوَارِجُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ لِأَنَّهُمْ مَرَقُوا مِنَ الدِّينِ انْتَهَى وفِي نَقْلِهِ عَنْهُمْ جَوَازَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ غَلَطٌ بَيِّنٌ فَإِنَّ عُمْدَتَهُمْ التَّمَسُّكُ بأدلة القرآن لا يخالفونها البتة وإنما يَرُدُّونَ الْأَحَادِيثَ لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ الثِّقَةِ بِنَقْلَتِهَا وَتَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِنُصُوصِ الْقُرْآنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (فَنِكَاحُ الْأُخْرَى مِنْهُمَا مَفْسُوخٌ) أَيْ بَاطِلٌ وَأَمَّا نِكَاحُ الْأُولَى مِنْهُمَا فَصَحِيحٌ هَذَا إِذَا عَقَدَ عَلَى إِحْدَاهُمَا ثُمَّ عَقَدَ عَلَى الْأُخْرَى وأَمَّا إِذَا عَقَدَ عَلَيْهِمَا مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَنِكَاحُهُمَا بَاطِلٌ قَوْلُهُ (أَدْرَكَ الشَّعْبِيُّ أبا هريرة

باب ما جاء في الشرط عند عقدة النكاح

الشَّعْبِيِّ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ قَالَ أَدْرَكْتُ خَمْسَمِائَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَائِدَةٌ الْجَمْعُ بَيْنَ زَوْجَةِ رَجُلٍ وَبِنْتِهِ مِنْ غَيْرِهَا جَائِزٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ جَمَعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ وَامْرَأَةِ عَلِيٍّ وقَالَ بن سِيرِينَ لَا بَأْسَ بِهِ وكَرِهَهُ الْحَسَنُ مَرَّةً ثُمَّ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى 03 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشَّرْطِ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ) [1127] قوله (عن مرثد) بفتح الميم وسكون الراء بعدها مثلثة (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا نُونٌ (أَبِي الْخَيْرِ) كُنْيَةُ مَرْثَدٍ قَوْلُهُ (إِنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوفَى بِهَا) بِالتَّخْفِيفِ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَيَجُوزُ التَّشْدِيدُ مِنَ التَّفْعِيلِ وَأَنْ يُوفَى بِهَا بَدَلٌ مِنَ الشُّرُوطِ وَالْمَعْنَى أَحَقُّ الشُّرُوطِ بِالْوَفَاءِ (مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ) خبر إن قال القاضي المراد بالشروط ها هنا الْمَهْرُ لِأَنَّهُ الْمَشْرُوطُ فِي مُقَابَلَةِ الْبُضْعِ وقِيلَ جَمِيعُ مَا تَسْتَحِقُّهُ الْمَرْأَةُ بِمُقْتَضَى الزَّوْجِيَّةِ مِنَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ فَإِنَّ الزَّوْجَ الْتَزَمَهَا بِالْعَقْدِ فَكَأَنَّهَا شُرِطَتْ فِيهِ وقِيلَ كُلُّ مَا شَرَطَ الزَّوْجُ تَرْغِيبًا لِلْمَرْأَةِ فِي النِّكَاحِ مَا لَمْ يَكُنْ مَحْظُورًا قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى شَرْطٍ لَا يُنَافِي مُقْتَضَى النِّكَاحِ وَيَكُونُ مِنْ مَقَاصِدِهِ كَاشْتِرَاطِ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَكِسْوَتِهَا وَسُكْنَاهَا وَمِنْ جَانِبِ الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَتَصَرَّفُ فِي متاعه إلا برضاه ونحو ذلك وأما شرط يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ كَشَرْطِ أَنْ لَا يَقْسِمَ لَهَا وَلَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا وَلَا يُنْفِقَ وَلَا يُسَافِرَ بها ونحو ذلك فلا يجيب الْوَفَاءُ بِهِ بَلْ يَكُونُ لَغْوًا وَيَصِحُّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وقَالَ أَحْمَدُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِكُلِّ شَرْطٍ قَالَ الطِّيبِيُّ فَعَلَى هَذَا الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ (مَا اسْتَحْلَلْتُمْ) لِلتَّغْلِيبِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الرِّجَالُ والنساء

ويدل عليه الرواية الأخرى ما استحللت بِهِ الْفُرُوجَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَشَرَطَ لَهَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ مِصْرِهَا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا) رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ الله وهو بن أَبِي الْمُهَاجِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنَيْمٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ عُمَرَ حَيْثُ تَمَسُّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ تَزَوَّجْتُ هَذِهِ وَشَرَطْتُ لَهَا دَارَهَا وَإِنِّي أَجْمَعُ لِأَمْرِي أَوْ لِشَأْنِي أَنْ أَنْتَقِلَ إِلَى أَرْضِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ لَهَا شَرْطُهَا فَقَالَ الرَّجُلُ هلك الرجل إِذْ لَا تَشَاءُ امْرَأَةٌ أَنْ تُطَلِّقَ زَوْجَهَا إِلَّا طَلَّقَتْ فَقَالَ عُمَرُ الْمُؤْمِنُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ عِنْدَ مَقَاطِعِ حُقُوقِهِمْ انْتَهَى وذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مُخْتَصَرًا مُعَلَّقًا وقَدْ اخْتُلِفَ عَنْ عُمَرَ فروى بن وَهْبٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَشَرَطَ لَهَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا فَارْتَفَعُوا إِلَى عُمَرَ فَوَضَعَ الشَّرْطَ وقَالَ الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ تَضَادَّتِ الرِّوَايَاتُ عَنْ عُمَرَ فِي هَذَا وقَدْ قَالَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ عَمْرُو بْنُ العاص ومن التابعين طاؤس وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ (وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ الشافعي وأحمد وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ وَالنَّقْلُ فِي هَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ بَلِ الْحَدِيثُ عِنْدَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي لَا تُنَافِي مُقْتَضَى النِّكَاحِ بَلْ تَكُونُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ وَمَقَاصِدِهِ كَاشْتِرَاطِ الْعِشْرَةِ بِالْمَعْرُوفِ وَالْإِنْفَاقِ وَالْكِسْوَةِ وَالسُّكْنَى وَأَنْ لَا يُقَصِّرَ فِي شَيْءٍ مِنْ حَقِّهَا مِنْ قِسْمَةٍ وَنَحْوِهَا وكَشَرْطِهِ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَمْنَعَهُ نَفْسَهَا وَلَا تَتَصَرَّفَ فِي مَتَاعِهِ إِلَّا بِرِضَاهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا شَرْطٌ يُنَافِي مُقْتَضَى النِّكَاحِ كَأَنْ لَمْ يَقْسِمْ لَهَا أَوْ لَا يَتَسَرَّى عَلَيْهَا أَوْ لَا يُنْفِقَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَلَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ بَلِ إِنْ وَقَعَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ لُغِيَ وَصَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فِي وَجْهٍ يَجِبُ الْمُسَمَّى وَلَا أَثَرَ لِلشَّرْطِ وفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ يَبْطُلُ النِّكَاحُ وَقَالَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالشَّرْطِ مُطْلَقًا وقد استشكل بن دَقِيقِ الْعِيدِ حَمْلَ الْحَدِيثِ عَلَى الشُّرُوطِ الَّتِي هِيَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ النِّكَاحِ وَقَالَ تِلْكَ الْأُمُورُ لَا تُؤَثِّرُ الشُّرُوطُ فِي إِيجَابِهَا فَلَا تَشْتَدُّ الْحَاجَةُ إِلَى تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِاشْتِرَاطِهَا وسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ لِأَنَّ لَفْظَ أَحَقُّ الشُّرُوطِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الشُّرُوطِ يَقْتَضِي الْوَفَاءَ بِهَا وَبَعْضُهَا أَشَدَّ اقْتِضَاءً وَالشُّرُوطُ الَّتِي هِيَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ مُسْتَوِيَةٌ فِي وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِهَا انْتَهَى (وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ شَرْطُ اللَّهِ قَبْلَ شَرْطِهَا

باب في الرجل يسلم وعنده عشرة نسوة

كَأَنَّهُ رَأَى لِلزَّوْجِ أَنْ يُخْرِجَهَا وَإِنْ كَانَتِ اشْتَرَطَتْ عَلَى زَوْجِهَا أَنْ لَا يُخْرِجَهَا وذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَبَعْضِ أَهْلِ الْكُوفَةِ) قَالَ الْحَافِظُ وَقَالَ اللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْجُمْهُورُ بِقَوْلِ عَلِيٍّ حَتَّى لَوْ كَانَ صَدَاقُ مِثْلِهَا مِائَةً مَثَلًا فَرَضِيَتْ بِخَمْسِينَ عَلَى أَنْ لَا يُخْرِجَهَا فَلَهُ إِخْرَاجُهَا وَلَا يَلْزَمُهُ إِلَّا الْمُسَمَّى وقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ بِمَا نَقَصَتْهُ لَهُ مِنَ الصَّدَاقِ وقال الشافعي يصح النكاح ويلغو الشَّرْطُ وَيَلْزَمُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ وَعَنْهُ يَصِحُّ وَتَسْتَحِقُّ الْكُلَّ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالَّذِي نَأْخُذُ بِهِ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالْوَفَاءِ بِشَرْطِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَالَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ اشْتَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَأَهَا لَمْ يَجِبْ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الشَّرْطِ فَكَذَلِكَ هَذَا قَالَهُ الْحَافِظُ ومِمَّا يُقَوِّي حَمْلَ حَدِيثِ عُقْبَةَ عَلَى النَّدْبِ مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَالْوَطْءُ وَالْإِسْكَانُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حُقُوقِ الزَّوْجِ إِذَا شُرِطَ عَلَيْهِ إِسْقَاطُ شَيْءٍ مِنْهَا كَانَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب أم مبشر بنت البراء بن معروف فَقَالَتْ إِنِّي شَرَطْتُ لِزَوْجِي أَنْ لَا أَتَزَوَّجَ بَعْدَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هذا لا يصلح انتهى 04 - (باب في الرجل يسلم وعنده عشرة نِسْوَةٍ) [1128] قَوْلُهُ (إِنَّ غَيْلَانَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ (أَنْ يَتَخَيَّرَ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا) قَالَ الْمُظْهِرُ فِيهِ أَنَّ أَنْكِحَةَ الْكُفَّارِ صَحِيحَةٌ حَتَّى إِذَا أَسْلَمُوا لَمْ يُؤْمَرُوا بِتَجْدِيدِ النِّكَاحِ إِلَّا إِذَا كَانَ فِي نِكَاحِهِمْ مَنْ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ وَإِنَّهُ إِذَا قَالَ اخْتَرْتُ فُلَانَةَ وَفُلَانَةَ لِلنِّكَاحِ ثَبَتَ نِكَاحُهُنَّ وَحَصَلَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا سِوَى الْأَرْبَعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ قال محمد في موطإه بِهَذَا نَأْخُذُ يَخْتَارُ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا أَيَّتَهُنَّ شَاءَ وَيُفَارِقُ مَا بَقِيَ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ الله فقال الأربع الأول

جائز ونكاح من بَقِيَ مِنْهُنَّ بَاطِلٌ وهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ رحمه الله قال بن الْهُمَامِ وَالْأَوْجَهُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وفِي الْهِدَايَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ بن الْهُمَامِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَرْبَعَةُ وَجُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ أَمَّا الْجَوَارِي فَلَهُ مَا شَاءَ مِنْهُنَّ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِنَّمَا حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ طَلَّقَ نِسَاءَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إِلَخْ) يَعْنِي أَنَّ الْمَحْفُوظَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا السَّنَدِ هُوَ هَذَا الْمَوْقُوفُ عَلَى عُمَرَ وأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ الْمَذْكُورُ بِهَذَا السَّنَدِ فَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثْتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ إِلَخْ كَمَا رَوَى شُعَيْبُ بْنُ حَمْزَةَ وَغَيْرُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَا كَمَا رَوَى مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وحَكَمَ مُسْلِمٌ فِي التَّمْيِيزِ عَلَى معمر بالوهم وقال بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي زُرْعَةَ الْمُرْسَلُ أَصَحُّ لَكِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ أَخْرَجَ فِي مُسْنَدِهِ عن بن عُلَيَّةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ جَمِيعًا عَنْ مَعْمَرٍ بِالْحَدِيثَيْنِ مَعًا الْمَرْفُوعِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَى عُمَرَ وَلَفْظُهُ أن بن سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرَةُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ وَقَسَمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَقَالَ إِنِّي لَأَظُنُّ الشَّيْطَانَ مِمَّا يَسْتَرِقُ مِنَ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِكَ فَقَذَفَهُ فِي نَفْسِكَ وَأَعْلَمَكَ أَنَّكَ لَا تَمْكُثُ إِلَّا قَلِيلًا وأَيْمُ اللَّهِ لَتُرَاجِعَنَّ نِسَاءَكَ وَلَتُرْجِعَنَّ مَالَكَ أَوْ لَأُورِثَهُنَّ مِنْكَ وَلَآمُرَنَّ بِقَبْرِكَ فَيُرْجَمَ كَمَا رُجِمَ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ انْتَهَى والْمَوْقُوفُ عَلَى عُمَرَ هُوَ الَّذِي حَكَمَ الْبُخَارِيُّ بِصِحَّتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ بِخِلَافِ أَوَّلِ الْقِصَّةِ قَوْلُهُ (كَمَا رُجِمَ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ فِي الْقَامُوسِ فِي فَصْلِ الرَّاءِ مِنْ بَابِ اللَّامِ وَأَبُو رِغَالٍ كَكِتَابٍ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَدَلَائِلِ النبوة وغيرهما عن بن عُمَرَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجْنَا مَعَهُ إِلَى الطَّائِفِ فَمَرَرْنَا بِقَبْرٍ فَقَالَ هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ وهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ وَكَانَ مِنْ ثَمُودَ وَكَانَ بِهَذَا الْحَرَمِ يَدْفَعُ عَنْهُ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهُ أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أَصَابَتْ قَوْمَهُ بِهَذَا الْمَكَانِ فَدُفِنَ فِيهِ الْحَدِيثَ وقَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ كَانَ دَلِيلًا لِلْحَبَشَةِ حِينَ تَوَجَّهُوا إِلَى مَكَّةَ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ غير معتد به وكذا قول بن سِيدَهْ كَانَ عَبْدًا لِشُعَيْبٍ وَكَانَ عَشَّارًا

باب ما جاء في الرجل يسلم وعنده أختان

جَائِرًا انْتَهَى وفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الظُّلْمِ وَالشُّؤْمِ وَهُوَ الَّذِي يَرْجُمُ الْحَاجُّ قَبْرَهُ إِلَى الْآنَ قَالَ جَرِيرٌ إِذَا مَاتَ الْفَرَزْدَقُ فَارْجُمُوهُ كَمَا تَرْجُمُونَ قَبْرَ أَبِي رِغَالٍ 05 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ وعنده أختان) [1129] قوله (انه سمع بن فَيْرُوزَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعُجْمَةِ وَالْعَلَمِيَّةِ وَاسْمُهُ الضَّحَّاكُ (يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ) هُوَ فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ وَهُوَ مِنْ أَبْنَاءِ فَارِسَ مِنْ فُرْسِ صَنْعَاءَ وَكَانَ مِمَّنْ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَاتِلُ الْأَسْوَدِ الْعَنْسِي الْكَذَّابِ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ بِالْيَمَنِ قُتِلَ فِي آخِرِ أَيَّامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَصَلَهُ خَبَرُهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ رَوَى عَنْهُ ابْنَاهُ الضَّحَّاكُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَغَيْرُهُمَا مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ قَوْلُهُ (اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ طَلِّقْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ قَالَ الْمُظْهِرُ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ رَجُلٌ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ وَأَسْلَمَتَا مَعَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ إِحْدَاهُمَا سَوَاءٌ كَانَتِ الْمُخْتَارَةُ تَزَوَّجَهَا أَوَّلًا أَوْ آخِرًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنْ تَزَوَّجَهُمَا مَعًا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا مُتَعَاقِبَتَيْنِ لَهُ أَنْ يَخْتَارَ الْأُولَى مِنْهُمَا دُونَ الْأَخِيرَةِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ لِتَرْكِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِفْصَالَ وَلِمَا فِي قَوْلِهِ اخْتَرْ أَيَّتَهمَا مِنَ الْإِطْلَاقِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ قَالَ فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ وصححه بن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَعَلَّهُ الْبُخَارِيُّ وَالْعُقَيْلِيُّ انْتَهَى قلت في سند الترمذي بن لَهِيعَةَ فَتَحْسِينُهُ لِتَعَدُّدِ الطُّرُقِ قَوْلُهُ (وَأَبُو وَهْبٍ الْجَيْشَانِيُّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ (اسمه الديلم بن هوشع) وقال بن يُونُسَ هُوَ عُبَيْدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ مَقْبُولٌ مِنَ الرابعة كذا في التقريب

باب الرجل يشتري الجارية وهي حامل

106 - (باب الرَّجُلِ يَشْتَرِي الْجَارِيَةَ وَهِيَ حَامِلٌ) [1131] قَوْلُهُ (عَنْ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ (بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) الْحَضْرَمِيِّ الشَّامِيِّ ثِقَةٌ حَافِظٌ (عَنْ رُوَيْفِعٍ) بِالتَّصْغِيرِ قَوْلُهُ (فَلَا يَسْقِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ يُدْخِلُ (مَاءَهُ) أَيْ نُطْفَتَهُ (وَلَدَ غَيْرِهِ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ زَرْعَ غَيْرِهِ يَعْنِي إِتْيَانَ الْحَبَالَى وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ وَلَا يَحِلُّ لامرىء يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَلَا يَحِلُّ لامرىء يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقْسَمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود والدارمي وبن أبي شيبة والطبراني والبيهقي والضياء المقدسي وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَالْبَزَّارُ وَحَسَّنَهُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ وقَالَ لَا تَسْقِ مَاءَكَ زَرْعَ غَيْرِكَ وأَصْلُهُ فِي النَّسَائِيِّ (وَأَبِي الدَّرْدَاءِ) عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى عَلَى امْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ فَقَالَ لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا فَقَالُوا نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ وَكَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَقَالَ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَكَيْفَ يَسْتَرِقُّهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ وَالْمُجِحُّ هِيَ الْحَامِلُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى (وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهم كَذَا فِي الْمُنْتَقَى (وَأَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ انْتَهَى

باب ما جاء يسبى الأمة ولها زوج

107 - (باب ما جاء يَسْبِي الْأَمَةَ وَلَهَا زَوْجٌ) هَلْ يَحِلُّ لَهُ وطؤها أَيْ هَلْ يَجُوزُ لِلسَّابِي وَطْءُ تِلْكَ الْأَمَةِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ [1132] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ) هُوَ عُثْمَانُ بْنُ مُسْلِمٍ الْبَتِّيُّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ (أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ) بِالصَّرْفِ وَقَدْ لَا يُصْرَفُ مَوْضِعٌ أَوْ بُقْعَةٌ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاحِلَ مِنْ مَكَّةَ فِيهَا وَقْعَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال القارىء (وَالْمُحْصَنَاتُ) أَيْ وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمُحْصَنَاتُ أَيْ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ (مِنَ النِّسَاءِ) أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ قَبْلَ مُفَارَقَةِ أزواجهن حرائر مسلمات كن أولا (إلا ما ملكت أيمانكم) مِنَ الْإِمَاءِ بِالسَّبْيِ فَلَكُمْ وَطْؤُهُنَّ وَإِنْ كَانَ لَهُمْ أَزْوَاجٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ والْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا فَكَأَنَّ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحَرَّجُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النساء إلا ما ملكت أيمانكم) فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ أَيْ اسْتِبْرَاؤُهُنَّ وَهِيَ بِوَضْعِ الْحَمْلِ عَنِ الْحَامِلِ وَبِحَيْضَةٍ مِنَ الْحَائِلِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ والْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَنْ أَنَّ السَّبَايَا يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ وَإِنْ كُنَّ ذَوَاتِ الْأَزْوَاجِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ

باب ما جاء في كراهية مهر البغى

108 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ مَهْرِ الْبَغِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ وَجَمْعُ الْبَغِيِّ الْبَغَايَا وَالْبِغَاءُ بكسر أوله الزنى وَالْفُجُورُ وَأَصْلُ الْبِغَاءِ الطَّلَبُ غَيْرَ أَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْفَسَادِ [1133] قَوْلُهُ (عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْكَلْبِ وَظَاهِرُهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ أَوْ مِمَّا لَا يَجُوزُ وإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ وقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُ كَلْبِ الصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ طَعَنَ فِي صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْمُهَزَّمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَيَنْبَغِي حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَيَكُونُ الْمُحَرَّمُ بَيْعَ مَا عَدَا كَلْبَ الصَّيْدِ إِنْ صَلُحَ هَذَا الْمُقَيَّدُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ (وَمَهْرِ الْبَغِيِّ) المراد به ما تأخذه الزانية على الزنى وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ (وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ هُوَ مَا يُعْطَاهُ الْكَاهِنُ عَلَى كِهَانَتِهِ والْكَاهِنُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي مُطَالَعَةَ عِلْمِ الْغَيْبِ وَيُخْبِرُ النَّاسَ عَنِ الْكَوَائِنِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ حُلْوَانُ الْكَاهِنِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى أَمْرٍ بَاطِلٍ وفِي مَعْنَاهُ التَّنْجِيمُ وَالضَّرْبُ بِالْحَصَى وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ الْعَرَّافُونَ مِنَ اسْتِطْلَاعِ الْغَيْبِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَأَبِي جُحَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ

باب ما جاء أن لا يخطب الرجل على خطبة أخيه

(بَاب مَا جَاءَ أَنْ لَا يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ خَطَبَ يَخْطُبُ خِطْبَةً بِالْكَسْرِ فَهُوَ خَاطِبٌ وَالِاسْمُ مِنْهُ الْخِطْبَةُ أَيْضًا وَأَمَّا الْخُطْبَةُ بِالضَّمِّ فَهُوَ مِنَ الْقَوْلِ وَالْكَلَامِ انْتَهَى وقَالَ فِي الصُّرَاحِ خِطْبَةٌ بِالْكَسْرِ زن خواستن [1134] قَوْلُهُ (قَالَ قُتَيْبَةُ يَبْلُغُ بِهِ) أَيْ قَالَ قُتَيْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ يَبْلُغُ بِهِ أَيْ يَرْفَعُ أَبُو هُرَيْرَةَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَالَ أَحْمَدُ) أَيْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ فِي رِوَايَتِهِ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَمَعْنَى رِوَايَتِهِمَا وَاحِدٌ وَإِنَّمَا الْفَرْقُ فِي اللَّفْظِ قَوْلُهُ (لَا يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبَيْعُ عَلَى الْبَيْعِ حَرَامٌ وكَذَلِكَ الشِّرَاءُ عَلَى الشِّرَاءِ وهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً فِي زَمَنِ الْخِيَارِ افْسَخْ لأبيعك بأنقص أو يقول للبايع افْسَخْ لِأَشْتَرِيَ مِنْكَ بِأَزْيَدَ قَالَ الْجُمْهُورُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَذِكْرُ الْأَخِ خَرَجَ لِلْغَائِبِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ (وَلَا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هُوَ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَتَرْكَنُ إِلَيْهِ وَيَتَّفِقَا عَلَى صَدَاقٍ وَيَتَرَاضَيَا وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْعَقْدُ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَّفِقَا وَلَمْ يَتَرَاضَيَا ولَمْ يَرْكَنْ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ خِطْبَتِهَا وَهُوَ خَارِجٌ عَنِ النَّهْيِ انتهى قوله (وفي الباب عن سمرة وبن عُمَرَ) وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ نَهَى النَّبِيُّ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خطبة أخيه وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ لَا يَخْطُبُ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ الرَّجُلِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ الْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ فَلَا يَحِلُّ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَبْتَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلَا يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَذَرَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ

حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ ظَاهِرَةٌ فِي تَحْرِيمِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ وأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهَا إِذَا كَانَ قَدْ صَرَّحَ لِلْخَاطِبِ بِالْإِجَابَةِ وَلَمْ يَأْذَنْ وَلَمْ يَتْرُكْ فَلَوْ خَطَبَ عَلَى خِطْبَتِهِ وَتَزَوَّجَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ عَصَى وَصَحَّ النِّكَاحُ وَلَمْ يُفْسَخْ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وقَالَ دَاوُدُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا بَعْدَهُ وَأَمَّا إِذَا عَرَضَ لَهُ بِالْإِجَابَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ فَفِي تَحْرِيرِ الْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَتِهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا لَا يَحْرُمُ وقَالَ بعض المالكية لا يحرم حتى يرضو بِالزَّوْجِ وَيُسَمَّى الْمَهْرُ واسْتَدَلُّوا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّحْرِيمَ إِنَّمَا هُوَ إِذَا حَصَلَتِ الْإِجَابَةُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَإِنَّهَا قَالَتْ خَطَبَنِي أَبُو جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةُ فَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِطْبَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بَلْ خَطَبَهَا لِأُسَامَةَ وقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى هَذَا الدَّلِيلِ فَيُقَالُ لَعَلَّ الثَّانِيَ لَمْ يَعْلَمْ بِخِطْبَةِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَشَارَ بِأُسَامَةَ لَا أَنَّهُ خَطَبَ لَهُ واتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَرَكَ الْخِطْبَةَ رَغْبَةً عَنْهَا أَوْ أَذِنَ فِيهَا جَازَتِ الْخِطْبَةُ عَلَى خِطْبَتِهِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى [1135] قَوْلُهُ (عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ) أَيْ الْقُرَشِيَّةِ أُخْتِ الضَّحَّاكِ كَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ (فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا) وفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا (وَوَضَعَ لِي عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ) جَمْعُ قَفِيزٍ وَهُوَ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ (خَمْسَةٌ شَعِيرٌ وَخَمْسَةٌ بُرٌّ) بَدَلٌ مِنْ عَشْرَةَ أَقْفِزَةٍ (فَقَالَ صَدَقَ) أَيْ فِي عَدَمِ جَعْلِهِ لَكَ السُّكْنَى

وَالنَّفَقَةَ (يَغْشَاهَا الْمُهَاجِرُونَ) أَيْ يَدْخُلُونَ عَلَيْهَا (فَعَسَى أَنْ تُلْقِي ثِيَابَكَ فَلَا يَرَاكِ) قَالَ النَّوَوِيُّ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ بِخِلَافِ نَظَرِهِ إِلَيْهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ والصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ النَّظَرُ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا يَحْرُمُ عليه النظر إليها لقوله تعالى قل للمؤمنات يغضوا من أبصارهم الْآيَةَ ولِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا وَأَيْضًا لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ رُخْصَةٌ لَهَا فِي النَّظَرِ إِلَيْهِ بَلْ فِيهِ أَنَّهَا آمِنَةٌ عِنْدَهُ مِنْ نَظَرِ غَيْرِهِ وَهِيَ مَأْمُورَةٌ بِغَضِّ بَصَرِهَا عَنْهُ انْتَهَى (خَطَبَنِي أَبُو جَهْمٍ وَمُعَاوِيَةُ) أَبُو جَهْمٍ هَذَا هُوَ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ الْقُرَشِيُّ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَهُوَ الَّذِي طَلَبَ النبي صلى الله عليه وسلم انبجانية فِي الصَّلَاةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهُوَ غَيْرُ أَبِي جَهْمٍ الْمَذْكُورِ فِي التَّيَمُّمِ وفِي الْمُرُورِ بَيْنَ يدي المصلي ومعاوية هذا هو بن أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ الْأُمَوِيُّ (أَمَّا مُعَاوِيَةُ فَرَجُلٌ لَا مَالَ لَهُ وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ والصُّعْلُوكُ بِالضَّمِّ الْفَقِيرُ الَّذِي لَا مَالَ لَهُ (وَأَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَرَجُلٌ شَدِيدٌ عَلَى النِّسَاءِ) وَفِي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ فَرَجُلٌ ضَرَّابٌ لِلنِّسَاءِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ بِمَا فِيهِ عِنْدَ الْمُشَاوَرَةِ وَطَلَبِ النَّصِيحَةِ وَلَا يَكُونُ هَذَا مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ (فَبَارَكَ اللَّهُ فِي أُسَامَةَ) وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطَتْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِطُولِهِ وَالْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ (وَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ إِلَخْ) أَخْرَجَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُسْلِمٌ وقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مِنْ طُرُقٍ عَدِيدَةٍ مُطَوَّلًا مختصرا وقَدْ اسْتَنْبَطَ مِنْهُ النَّوَوِيُّ فَوَائِدَ كَثِيرَةً فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَهُ

باب ما جاء في العزل

110 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ هُوَ النَّزْعُ بَعْدَ الْإِيلَاجِ لِيُنْزِلَ خَارِجَ الْفَرْجِ [1136] قَوْلُهُ (فَزَعَمَتِ الْيَهُودُ أَنَّهُ) أَيْ الْعَزْلُ (الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى) الْوَأْدُ دَفْنُ الْبِنْتِ حَيَّةً وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ وَالْعَارِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ والْمَعْنَى أَنَّ الْيَهُودَ زَعَمُوا أَنَّ الْعَزْلَ نَوْعٌ مِنَ الْوَأْدِ لِأَنَّ فِيهِ إِضَاعَةَ النُّطْفَةِ الَّتِي أَعَدَّهَا اللَّهُ تَعَالَى لِيَكُونَ مِنْهَا الْوَلَدُ وسَعْيًا فِي إِبْطَالِ ذَلِكَ الِاسْتِعْدَادِ بِعَزْلِهَا عَنْ مَحِلِّهَا (كَذَبَتِ الْيَهُودُ) أَيْ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّ الْعَزْلَ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ) أَيْ الْعَزْلُ أَوْ شَيْءٌ وهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ أَجَازَ الْعَزْلَ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَالْبَرَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حديث عمر فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْزَلَ مِنَ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى لَيْسَ إِسْنَادُهُ بذاك وقال الشوكاني في إسناده بن لَهِيعَةَ وفِيهِ مَقَالٌ مَعْرُوفٌ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أخرجه عبد الرزاق والبيهقى عن بن عَبَّاسٍ قَالَ نَهَى عَنْ عَزْلِ الْحُرَّةِ إِلَّا بإذنها وروى عنه بن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ وروى البيهقي عن بن عُمَرَ مِثْلَهُ وأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ قَالَتِ الْيَهُودُ الْعَزْلُ الْمَوْءُودَةُ الصُّغْرَى فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبَتِ الْيَهُودُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَصْرِفَهُ فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ جُذَامَةَ بِنْتِ وَهْبٍ فَفِيهِ ثُمَّ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ الْوَأْدُ الْخَفِيُّ وهِيَ (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سئلت) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ فَمَا وَجْهُ الْجَمْعِ وَالتَّوفِيقِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ قُلْتُ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ الْجَمْعِ فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِ حَدِيثِ جُذَامَةَ عَلَى التَّنْزِيهِ وهَذِهِ طَرِيقَةُ الْبَيْهَقِيِّ ومِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَ حَدِيثَ جُذَامَةَ لِمُعَارَضَتِهِ لِمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ طُرُقًا قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا دَفْعٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِالتَّوَهُّمِ والْحَدِيثُ صَحِيحٌ لَا رَيْبَ فِيهِ وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ ومِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ مَنْسُوخٌ

وَرُدَّ بِعَدَمِ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وقَالَ الطَّحَاوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ جُذَامَةَ عَلَى وَفْقِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ أَوَّلًا مِنْ مُوَافَقَةِ أَهْلِ الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم علمه اللَّهُ بِالْحُكْمِ فَكَذَّبَ الْيَهُودُ فِيمَا كَانُوا يَقُولُونَهُ وتعقبه بن رشد وبن الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا تَبَعًا لِلْيَهُودِ ثُمَّ يُصَرِّحُ بِتَكْذِيبِهِمْ فِيهِ ومِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ حَدِيثَ جُذَامَةَ بِثُبُوتِهِ فِي الصَّحِيحِ وَضَعْفِ مُقَابِلِهِ بِالِاخْتِلَافِ فِي إِسْنَادِهِ وَالِاضْطِرَابِ وقَالَ الْحَافِظُ وَرُدَّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقْدَحُ فِي حَدِيثٍ لَا فِيمَا يُقَوِّي بَعْضُهُ بَعْضًا فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِهِ وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ والجمع ممكن ورجح بن حَزْمٍ الْعَمَلَ بِحَدِيثِ جُذَامَةَ بِأَنَّ أَحَادِيثَ غَيْرِهَا مُوَافِقَةٌ لِأَصْلِ الْإِبَاحَةِ وَحَدِيثُهَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ قَالَ فَمَنِ ادَّعَى أَنَّهُ أُبِيحَ بَعْدَ أَنْ مُنِعَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ وتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَدِيثَهَا لَيْسَ صريحا في المنع إذا لَا يَلْزَمُ مِنْ تَسْمِيَتِهِ وَأْدًا خَفِيًّا عَلَى طريقي التشبيه أن يكون حراما وجمع بن الْقَيِّمِ فَقَالَ الَّذِي كَذَّبَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَهُودَ هُوَ زَعْمُهُمْ أَنَّ الْعَزْلَ لَا يُتَصَوَّرُ مَعَهُ الْحَمْلُ أَصْلًا وَجَعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ قَطْعِ النَّسْلِ بِالْوَأْدِ فَأَكْذَبَهُمْ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْحَمْلَ إِذَا شَاءَ اللَّهُ خَلْقَهُ وَإِذَا لَمْ يُرِدْ خَلْقَهُ لَمْ يَكُنْ وَأْدَ حَقِيقَةٍ وَإِنَّمَا وَأْدًا خَفِيًّا فِي حَدِيثِ جُذَامَةَ لِأَنَّ الرَّجُلَ إِنَّمَا يَعْزِلُ هَرَبًا مِنَ الْحَمْلِ فَأَجْرَى قَصْدَهُ لِذَلِكَ مَجْرَى الْوَأْدِ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَأْدَ ظَاهِرٌ بِالْمُبَاشَرَةِ اجْتَمَعَ فِيهِ الْقَصْدُ وَالْفِعْلُ وَالْعَزْلُ يَتَعَلَّقُ بِالْقَصْدِ فَقَطْ فَلِذَلِكَ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ خَفِيًّا وهَذَا الْجَمْعُ قَوِيٌّ كَذَا فِي النَّيْلِ [1137] قَوْلُهُ (كُنَّا نَعْزِلُ وَالْقُرْآنُ يَنْزِلُ) فِيهِ جَوَازُ الِاسْتِدْلَالِ بِالتَّقْرِيرِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ عَلَى حُكْمٍ مِنْ الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ حَرَامًا لَمْ يُقَرَّرَا عَلَيْهِ وَلَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَعْلَمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَدْ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ عَلَى مَا حَكَاهُ فِي الْفَتْحِ إِلَى أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا أَضَافَ الْحُكْمَ إِلَى زَمَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ قَالَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرَّهُ لِتَوَفُّرِ دَوَاعِيهِمْ عَلَى سُؤَالِهِمْ إِيَّاهُ عَنِ الْأَحْكَامِ قَالَ وَقَدْ وَرَدَتْ عِدَّةُ طُرُقٍ تُصَرِّحُ بِاطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَنْهَنَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَزْلِ) فَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ تُسْتَأْمَرُ الْحُرَّةُ فِي الْعَزْلِ وَلَا تُسْتَأْمَرُ الْأَمَةُ) يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ أحمد وبن ماجه عن

باب ما جاء في كراهية العزل

عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْزَلَ عَنِ الحرة إلا بإذنها وفي إسناده بن لَهِيعَةَ وفِيهِ مَقَالٌ مَعْرُوفٌ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن بن عَبَّاسٍ قَالَ نَهَى عَنْ عَزْلِ الْحُرَّةِ إِلَّا بإذنها وروى عنه بن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ كَانَ يَعْزِلُ عَنْ أَمَتِهِ وروى البيهقي عن بن عُمَرَ مِثْلَهُ وقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي حُكْمِ العزل فحكى في الفتح عن بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ قَالَ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُعْزَلُ عَنِ الزَّوْجَةِ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا لِأَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ حَقِّهَا وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَلَيْسَ الْجِمَاعُ الْمَعْرُوفُ إِلَّا مَا لَا يَلْحَقُهُ الْعَزْلُ قَالَ الْحَافِظُ وَافَقَهُ فِي نقل هذا الاجماع بن هُبَيْرَةَ قَالَ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أنه لاحق لِلْمَرْأَةِ فِي الْجِمَاعِ فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ الْعَزْلُ عَنْ الْحُرَّةِ بِغَيْرِ إِذْنِهَا عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ ويَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِذْنِ مِنَ الْحُرَّةِ حَدِيثُ عُمَرَ الْمَذْكُورُ وأَمَّا الْأَمَةُ فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَةً فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحُرَّةِ واخْتَلَفُوا هَلْ يُعْتَبَرُ الْإِذْنُ مِنْهَا أَوْ مِنْ سَيِّدِهَا وَإِنْ كَانَتْ سُرِّيَّةً فَقَالَ فِي الْفَتْحِ يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَهُمْ إِلَّا فِي وَجْهٍ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْمَنْعِ مُطْلَقًا كمذهب بن حَزْمٍ 11 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْعَزْلِ) [1138] قوله (عن قزعة) بفتح القاف والزاي بن يَحْيَى الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (لَمْ يفعل ذلك أحدكم وزاد بن أَبِي عُمَرَ فِي حَدِيثِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَا يَفْعَلْ ذَلِكَ أَحَدُكُمْ) أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ لَهُمْ بِالنَّهْيِ وإِنَّمَا أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَزْلَ إِنَّمَا كَانَ خَشْيَةَ حُصُولِ الْوَلَدِ فَلَا فَائِدَةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ إِنْ كَانَ قَدْ خَلَقَ الْوَلَدَ لَمْ يَمْنَعْ الْعَزْلُ ذَلِكَ فَقَدْ يَسْبِقُ الْمَاءُ وَلَمْ يَشْعُرْ الْعَازِلُ فَيَحْصُلُ الْعُلُوقُ وَيَلْحَقُهُ الْوَلَدُ ولَا رَادَّ لِمَا قَضَى اللَّهُ والْفِرَارُ مِنْ حُصُولِ الْوَلَدِ يَكُونُ لِأَسْبَابٍ مِنْهَا خَشْيَةُ عُلُوقِ الزَّوْجَةِ الْأَمَةِ لِئَلَّا يَصِيرُ الْوَلَدُ رَقِيقًا أَوْ خَشْيَةُ دُخُولِ الضَّرَرِ عَلَى الْوَلَدِ الْمُرْضَعِ إِذَا

باب ما جاء في القسمة للبكر والثيب

كَانَتِ الْمَوْطُوءَةُ تُرْضِعُهُ أَوْ فِرَارًا مِنْ كَثْرَةِ الْعِيَالِ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُقِلًّا فَيَرْغَبُ فِي قِلَّةِ الْوَلَدِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِتَحْصِيلِ الْكَسْبِ وكُلُّ ذَلِكَ لَا يُغْنِي شَيْئًا وقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ والبزار وصححه بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ عَنِ الْعَزْلِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّ الْمَاءَ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ أَهْرَقْتَهُ عَلَى صَخْرَةٍ لَأَخْرَجَ اللَّهُ مِنْهَا وَلَدًا وَلَهُ شَاهِدَانِ فِي الْكَبِيرِ لِلطَّبَرَانِيِّ عَنِ بن عباس وفي الأوسط له عن بن مَسْعُودٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ 12 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِسْمَةِ لِلْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ) [1139] قَوْلُهُ (قَالَ) أَيْ أَبُو قِلَابَةَ (لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّهُ قَالَ السُّنَّةُ) كَانَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِرَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانَ صَادِقًا وَيَكُونُ رُوِيَ بِالْمَعْنَى وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى اللَّفْظِ أَوْلَى واعْلَمْ أَنَّ الصَّحَابِيَّ إِذَا قَالَ السُّنَّةُ أَوْ مِنَ السُّنَّةِ فَالْمُرَادُ بِهِ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ وقَدْ وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي الْحَجِّ قَوْلُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ حِينَ سَأَلَهُ الزُّهْرِيُّ عن قول بن عُمَرَ لِلْحَجَّاجِ إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ السُّنَّةَ هَلْ تُرِيدُ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ سَالِمٌ وَهَلْ يَعْنُونَ بِذَلِكَ إِلَّا سُنَّتَهُ انْتَهَى (إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى امْرَأَتِهِ) أَيْ يَكُونُ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ فَيَتَزَوَّجُ مَعَهَا بِكْرًا (أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا) زَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ ثُمَّ قَسَمَ قَوْلُهُ (وَإِذَا تَزَوَّجَ ثَيِّبًا عَلَى امْرَأَتِهِ أَقَامَ ثَلَاثًا) زَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ ثُمَّ قَسَمَ وفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ لِلْبِكْرِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثَةٌ ثُمَّ يَعُودُ إِلَى نِسَائِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ أحمد ومسلم وأبو داود وبن مَاجَهْ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَهَا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِكِ هَوَانٌ عَلَى أَهْلِكَ فَإِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكَ وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكَ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي وفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ إِنْ شِئْتِ أقمت عندك ثلاثا خالصة لك وإن شِئْتِ سَبَّعْتِ لَكِ وَسَبَّعْتُ لِنِسَائِي قَالَتْ تُقِيمُ مَعِيَ ثَلَاثًا خَالِصَةً وفِي إِسْنَادِ رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ هَذِهِ الْوَاقِدِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قالوا

إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً بِكْرًا عَلَى امْرَأَتِهِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا ثُمَّ قَسَمَ بَيْنَهُمَا بَعْدُ بِالْعَدْلِ إِلَخْ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ فَإِنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِيمَا قَالُوا وهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وفِيهِ أَنَّ حَقَّ الزِّفَافِ ثَابِتٌ لِلْمَزْفُوفَةِ وتَقَدَّمَ بِهِ عَلَى غَيْرِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا كَانَ لَهَا سَبْعُ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا بِلَا قَضَاءٍ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا كَانَ لَهَا الْخِيَارُ إِنْ شَاءَتْ سَبْعًا وَيَقْضِي السَّبْعَ لِبَاقِي النِّسَاءِ وَإِنْ شَاءَتْ ثَلَاثًا وَلَا يَقْضِي وهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وهُوَ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ ومَنْ قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثور وبن جَرِيرٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ ورَوَى الامام محمد في موطإه حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ وفِيهِ إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ عِنْدَكِ وَسَبَّعْتُ عِنْدَهُنَّ وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ عِنْدَكِ وَدُرْتُ قَالَتْ ثَلِّثْ قَالَ مُحَمَّدٌ بِهَذَا نَأْخُذُ يَنْبَغِي إِنْ سَبَّعَ عِنْدَهَا أَنْ يُسَبِّعَ عِنْدَهُنَّ لَا يَزِيدُ لَهَا عَلَيْهِنَّ شَيْئًا وَإِنْ ثَلَّثَ عِنْدَهَا يُثَلِّثُ عِنْدَهُنَّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى قُلْتُ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ وَلَا بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ بَلْ يَجِبُ الْقَسْمُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ والِاسْتِدْلَالُ عَلَى هَذَا بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ غَيْرُ ظَاهِرٍ بَلِ الظَّاهِرُ مِنْهُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ أَقَرَّ بِهِ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ عَلَى مُوَطَّإِ مُحَمَّدٍ وكَذَا الظَّاهِرُ مِنْ سَائِرِ أَحَادِيثِ الْبَابِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ بِلَفْظِ إِنْ شِئْتِ أَقَمْتُ عِنْدَكِ ثَلَاثًا خَالِصَةً لَكِ وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي قَالَتْ تُقِيمُ مَعِيَ ثَلَاثًا خَالِصَةً وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ بِالظَّوَاهِرِ الْوَارِدَةِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وأُجِيبُوا بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ مُخَصِّصَةٌ لِلظَّوَاهِرِ الْعَامَّةِ والْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الرَّاجِحَ الظَّاهِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ الْإِمَامَ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ كَمَا تَرَكُوا الْعَمَلَ بِظَاهِرِ أَحَادِيثِ الْبَابِ كَذَلِكَ تَرَكَ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ الْعَمَلَ بِظَاهِرِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ جَوَازُ التَّخْيِيرِ لِلثَّيِّبِ بَيْنَ الثَّلَاثِ بِلَا قَضَاءٍ وَالسَّبْعِ مَعَ الْقَضَاءِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ وقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ لَا تَخْيِيرَ بَلْ لِلْبِكْرِ الْجَدِيدَةِ سَبْعٌ وَلِلثَّيِّبِ ثلاث بدون التخيير والقضاء قال بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا يَعْنِي حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ تَرَكَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَنَسٍ انْتَهَى وأَشَارَ بِهِ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَاعْتَذَرَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الدَّالِّ صَرِيحًا عَلَى التَّخْيِيرِ بِأَنَّ مَالِكًا رَأَى ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ

باب ما جاء في التسوية بين الضرائر

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ خُصَّ فِي النِّكَاحِ بِخَصَائِصَ فَاحْتِمَالُ الْخُصُوصِيَّةِ مَنَعَ مِنَ الْأَخْذِ بِهِ وفِيهِ ضَعفٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مُجَرَّدَ الِاحْتِمَالِ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِدْلَالَ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ 13 - (بَاب مَا جاء في التسوية بين الضرائر) هي زَوْجَاتُ الرَّجُلِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ تَتَضَرَّرُ بِالْأُخْرَى بِالْغَيْرَةِ وَالْقَسْمِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ [1140] قَوْلُهُ (كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَيَعْدِلُ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ أَنَّ الْقَسْمَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَذَهَبَ بعض المفسرين إلا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ترجى من تشاء منهن الْآيَةِ وَذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ (وَيَقُولُ اللَّهُمَّ هَذِهِ قِسْمَتِي فِيمَا أَمْلِكُ) أَيْ أَقْدِرُ عَلَيْهِ (فَلَا تَلُمْنِي) أَيْ لَا تُعَاتِبْنِي وَلَا تُؤَاخِذْنِي (فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ) أَيْ مِنْ زِيَادَةِ الْمَحَبَّةِ والميل قال بن الْهُمَامِ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا عَدَاهُ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ مِلْكِهِ وَقُدْرَتِهِ يَجِبُ التَّسْوِيَةُ فِيهِ ومِنْهُ عَدَدُ الْوَطَآتِ وَالْقُبُلَاتِ وَالتَّسْوِيَةُ فِيهِمَا غَيْرُ لَازِمَةٍ إِجْمَاعًا قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ) وَكَذَا أَعَلَّهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا تَابَعَ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ عَلَى وَصْلِهِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَحْمَدُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ (كَذَا فَسَّرَهُ بَعْضُ أَهْلِ العلم) أخرج

باب ما جاء في الزوجين المشركين يسلم أحدهما

الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بين النساء) قَالَ فِي الْحُبِّ وَالْجِمَاعِ وَعِنْدَ عُبَيْدَةَ بْنِ عَمْرٍو السَّلْمَانِيِّ مِثْلُهُ قَوْلُهُ (جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ) وفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَجُرُّ أَحَدَ شِقَّيْهِ سَاقِطًا أَوْ ماثلا قَالَ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَشِقُّهُ سَاقِطٌ أَيْ نِصْفُهُ مَائِلٌ قِيلَ بِحَيْثُ يَرَاهُ أَهْلُ الْعَرَصَاتِ لِيَكُونَ هَذَا زِيَادَةً فِي التَّعْذِيبِ وَهَذَا الْحُكْمُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى امْرَأَتَيْنِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَتْ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ كَانَ السُّقُوطُ ثَابِتًا وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ نِصْفُهُ سَاقِطًا وَإِنْ لَزِمَ الْوَاحِدَةَ وَتَرَكَ الثَّلَاثَ أَوْ كَانَتْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ سَاقِطَةً عَلَى هَذَا فَاعْتُبِرَ ثُمَّ إِنْ كَانَتِ الزَّوْجَتَانِ إِحْدَاهُمَا حُرَّةٌ وَالْأُخْرَى أَمَةٌ فَلِلْحُرَّةِ الثُّلُثَانِ مِنَ الْقَسْمِ وَلِلْأَمَةِ الثُّلُثُ بِذَلِكَ وَرَدَ الْأَثَرُ قَضَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا أَسْنَدَ هَذَا الْحَدِيثَ هَمَّامٌ) أَيْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا (وَلَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَمَّامٍ) وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ هُوَ خَبَرٌ ثَابِتٌ لَكِنَّ عِلَّتَهُ أَنَّ هَمَّامًا تَفَرَّدَ بِهِ وَأَنَّ هِشَامًا رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ فَقَالَ كَانَ يُقَالُ وأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ وحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدارمي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَالَ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَالنَّيْلِ 14 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الزَّوْجَيْنِ الْمُشْرِكَيْنِ يُسْلِمُ أَحَدُهُمَا) [1142] قَوْلُهُ (عَنِ الحجاج) هو بن أَرْطَاةَ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ قَوْلُهُ (رَدَّ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ بمهر جديد ونكاح جديد) يخالفه حديث بن عَبَّاسٍ الْآتِي فَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا وَهُوَ أَصَحُّ كَمَا سَتَعْرِفُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ فِي إِسْنَادِهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ) وأَيْضًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ كَمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَنِ الْعَرْزَمِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ العلم كذا

في النيل والحديث أخرجه أيضا بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَقْتَضِي أَنَّ الرَّدَّ بَعْدَ الْعِدَّةِ يَحْتَاجُ إِلَى نِكَاحٍ جَدِيدٍ فَالرَّدُّ بِلَا نِكَاحٍ لَا يَكُونُ إِلَّا قَبْلَ الْعِدَّةِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ الْمَدَنِيُّ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وقال محمد في موطإه إِذَا أَسْلَمَتِ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا كَافِرٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا حَتَّى يُعْرَضَ عَلَى الزَّوْجِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ امْرَأَتُهُ وَإِنْ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَكَانَتْ فُرْقَتُهَا تَطْلِيقَةً بَائِنَةً وهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ انْتَهَى [1143] قَوْلُهُ (بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحْدِثْ نِكَاحًا وفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وأبي داود وبن مَاجَهْ بَعْدَ سَنَتَيْنِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ) وفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ ثَلَاثِ سِنِينَ وَأَشَارَ فِي الْفَتْحِ إِلَى الجمع فقال الْمُرَادُ بِالسِّتِّ مَا بَيْنَ هِجْرَةِ زَيْنَبَ وَإِسْلَامِهِ وَبِالسَّنَتَيْنِ أَوْ الثَّلَاثِ مَا بَيْنَ نُزُولِ قَوْلِهِ تعالى لاهن حل لهم وَقُدُومِهِ مُسْلِمًا فَإِنَّ بَيْنَهُمَا سَنَتَيْنِ وَأَشْهُرًا قَوْلُهُ (هذا حديث ليس بإسناده بأس) حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَكَذَا قال البخاري قال بن كَثِيرٍ فِي الْإِرْشَادِ هُوَ حَدِيثٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ وهو من رواية بن إِسْحَاقَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ انْتَهَى إِلَّا أَنَّ حَدِيثَ دَاوُدَ بْنِ الحصين عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ نَسَخَهُ وَقَدْ ضَعَّفَ أَمْرَهَا عَلِيُّ بْنُ المديني وغيره من علماء الحديث وبن إِسْحَاقَ فِيهِ مَقَالٌ مَعْرُوفٌ كَذَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَحْثِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الإمام أن الحق أن بن إِسْحَاقَ ثِقَةٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ (وَلَكِنْ لَا نَعْرِفُ وَجْهَ الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ رَدَّهَا إِلَيْهِ بَعْدَ سِتِّ سِنِينَ أَوْ بَعْدَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ مُشْكِلٌ لِاسْتِبْعَادِ أَنْ تَبْقَى فِي الْعِدَّةِ هَذِهِ الْمُدَّةَ قَالَ وَلَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إِلَى جَوَازِ تَقْرِيرِ الْمُسْلِمَةِ تَحْتَ الْمُشْرِكِ إِذَا تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ عَنْ إِسْلَامِهَا حَتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُهَا ومِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ بن

عَبْدِ الْبَرِّ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الظَّاهِرِ قَالَ بِجَوَازِهِ وَرَدَّهُ بِالْإِجْمَاعِ الْمَذْكُورِ وتُعُقِّبَ بثبوت الخلاف قديما فيه فقد أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ بِطُرُقٍ قَوِيَّةٍ وَأَفْتَى بِهِ حَمَّادٌ شَيْخُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَجَابَ الْخَطَّابِيُّ عَنِ الْإِشْكَالِ بِأَنَّ بَقَاءَ الْعِدَّةِ تِلْكَ الْمُدَّةَ مُمْكِنٌ وَإِنْ لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ فِي الْغَالِبِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتِ الْمُدَّةُ إِنَّمَا هِيَ سَنَتَانِ وَأَشْهُرٌ فَإِنَّ الْحَيْضَ قد يبطىء عَنْ ذَاتِ الْأَقْرَاءِ لِعَارِضٍ وبِمِثْلِ هَذَا أَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ أَوْلَى مَا يُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ وقَالَ السُّهَيْلِيُّ فِي شَرْحِ السِّيرَةِ إِنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هُوَ الَّذِي عليه العمل وإن كان حديث بن عَبَّاسٍ أَصَحَّ إِسْنَادًا لَكِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ كَانَ فرق بينهما قال الله تعالى لاهن حل لهم ولا هم يحلون لهن وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قَالَ مَعْنَى حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ رَدَّهَا عَلَيْهِ عَلَى النِّكَاحِ الْأَوَّلِ فِي الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ وَلَمْ يُحْدِثْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ مِنْ شَرْطٍ وَلَا غَيْرِهِ انْتَهَى وقَدْ أَشَارَ إلى مثل هذا الجمع بن عَبْدِ اللَّهِ وقِيلَ إِنَّ زَيْنَبَ لَمَّا أَسْلَمَتْ وَبَقِيَ زَوْجُهَا عَلَى الْكُفْرِ لَمْ يُفَرِّقِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذا لَمْ يَكُنْ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ نِكَاحِ الْمُسْلِمَةِ على الكافر فلما نزل قوله تعالى لاهن حل لهم الْآيَةَ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ أَنْ تَعْتَدَّ فَوَصَلَ أَبُو الْعَاصِ مُسْلِمًا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَقَرَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ فَيَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ تُعَضِّدُهُ الْأُصُولُ وَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِوُقُوعِ عَقْدٍ جَدِيدٍ والْأَخْذُ بِالصَّرِيحِ أَوْلَى مِنَ الْأَخْذِ بِالْمُحْتَمَلِ وَيُؤَيِّدُهُ مخالفة بن عَبَّاسٍ لِمَا رَوَاهُ كَمَا حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْحَافِظُ وَأَحْسَنُ الْمَسَالِكِ فِي تَقْرِيرِ الحديثين ترجيح حديث بن عَبَّاسٍ كَمَا رَجَّحَهُ الْأَئِمَّةُ وَحَمَلَهُ عَلَى تَطَاوُلِ الْعِدَّةِ فِيمَا بَيْنَ نُزُولِ آيَةِ التَّحْرِيمِ وَإِسْلَامِ أَبِي الْعَاصِ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى وفِي الْمَقَامِ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَ شُرُوحَ الْبُخَارِيِّ كَالْفَتْحِ وَغَيْرِهِ [1144] قَوْلُهُ (فقال يا رسول الله إِنَّهَا كَانَتْ أَسْلَمَتْ مَعِي فَرَدَّهَا عَلَيْهِ) فِيهِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَسْلَمَتْ مَعَ زَوْجِهَا تُرَدُّ إِلَيْهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (يَذْكُرُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ) أَرَادَ بِهَذَا الحديث حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ بِلَفْظِ رَدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ابنته زينب الخ

115 - مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَيَمُوتُ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا [1145] قَوْلُهُ (وَلَمْ يَفْرِضْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ لَمْ يُقَدِّرْ وَلَمْ يُعَيِّنْ (لَهَا صَدَاقًا) أَيْ مَهْرًا (وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا) أَيْ لَمْ يُجَامِعْهَا وَلَمْ يَخْلُ بِهَا خَلْوَةً صَحِيحَةً (مِثْلَ صَدَاقِ نِسَائِهَا) أَيْ نِسَاءِ قَوْمِهَا (لَا وَكْسَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ لَا نَقْصَ (وَلَا شَطَطَ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ وَلَا زِيَادَةَ (وَلَهَا الْعِدَّةُ) أَيْ لِلْوَفَاةِ (وَلَهَا الْمِيرَاثُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ فَإِنْ يَكُ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ يَكُ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ بَرِيئَانِ (فَقَامَ معقل) بفتح الميم وكسر القاف (بن سِنَانٍ) بِكَسْرِ السِّينِ (الْأَشْجَعِيُّ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ مَعْقِلٍ (فِي بَرْوَعَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ كَجَدْوَلٍ وَلَا يُكْسَرُ بِنْتُ وَاشِقٍ صَحَابِيَّةٌ انْتَهَى وقَالَ فِي الْمُغْنِي بِفَتْحِ الْبَاءِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَكَسْرِهَا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ انْتَهَى وقَالَ فِي جَامِعِ الأصول أهل الحديث يرونها بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وأَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ فَيَفْتَحُونَ الْبَاءَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَيْسَ بِالْعَرَبِيَّةِ فِعْوَلُ إِلَّا خِرْوَعُ لِهَذَا النَّبْتِ وَعِقْوَدُ اسم واد انتهى قال القارىء فَلْيَكُنْ هَذَا مِنْ قَبِيلِهِمَا وَنَقْلُ الْمُحَدِّثِينَ أَحْفَظُ قَالَ وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ (بِنْتِ وَاشِقٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (فَفَرِحَ بِهَا) أَيْ بِالْقَضِيَّةِ أَوْ بِالْفُتْيَا لِكَوْنِ اجْتِهَادِهِ مُوَافِقًا لِحُكْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الْجَرَّاحِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بْنِ أَبِي الْجَرَّاحِ الْأَشْجَعِيِّ صَحَابِيٌّ مُقِلٌّ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو

داود قوله (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَجَمَاعَةٌ انْتَهَى قَالَ في السبل منهم بن مهدي وبن حَزْمٍ وَقَالَ لَا مَغْمَزَ فِيهِ بِصِحَّةِ إِسْنَادِهِ ومِثْلُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ قُلْتُ الْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَكُلُّ مَا أَعَلُّوهُ بِهِ فَهُوَ مَدْفُوعٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ وبِهِ يَقُولُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تَسْتَحِقُّ بِمَوْتِ زَوْجِهَا بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ فَرْضِ الصَّدَاقِ جَمِيعَ الْمَهْرِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ دُخُولٌ وَلَا خَلْوَةٌ وبِهِ قَالَ بن مسعود وبن سيرين وبن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ انْتَهَى قُلْتُ وَهُوَ الْحَقُّ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وبن عباس وبن عُمَرَ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا حَتَّى مَاتَ قَالُوا لَهَا الْمِيرَاثُ وَلَا صَدَاقَ لَهَا وَعَلَيْهَا العدة) وهو قول الأوزاعي والليث ومالك وأحمد قول الشَّافِعِيِّ قَالُوا لِأَنَّ الصَّدَاقَ عِوَضٌ فَإِذَا لَمْ يَسْتَوْفِ الزَّوْجُ الْمُعَوَّضَ عَنْهُ لَمْ يُلْزَمْ قِيَاسًا عَلَى ثَمَنِ الْمَبِيعِ وأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ فِيهِ اضْطِرَابًا فَرُوِيَ مَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَمَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَمَرَّةً عَنْ بَعْضِ أَشْجَعَ لَا يُسَمَّى وَمَرَّةً عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ أَوْ نَاسٍ مِنْ أَشْجَعَ وضَعَّفَهُ الْوَاقِدِيُّ بِأَنَّهُ حَدِيثٌ وَرَدَ إِلَى الْمَدِينَةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَمَا عَرَفَهُ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ ورُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَدَّهُ بِأَنَّهُ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ أَعْرَابِيٌّ بَوَّالٌ عَلَى عَقِبَيْهِ وأُجِيبَ بِأَنَّ الِاضْطِرَابَ غَيْرُ قَادِحٍ لِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ صَحَابِيٍّ وَصَحَابِيٍّ وَهَذَا لَا يُطْعَنُ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ وَلَا يَضُرُّ الرِّوَايَةَ بِلَفْظِ عَنْ بَعْضِ أَشْجَعَ أَوْ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ لِأَنَّهُ فَسَّرَ ذَلِكَ بِمَعْقِلٍ قَالَ البيهقي قد سمى فيه بن سِنَانٍ وَهُوَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ لَا يَضُرُّ فَإِنَّ جَمِيعَ الرِّوَايَاتِ فِيهِ صَحِيحَةٌ وفِي بَعْضِهَا مَا دَلَّ عَلَى أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أشجع شهدوا بذلك وقال بن أَبِي حَاتِمٍ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الَّذِي قَالَ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ أَصَحُّ وأَمَّا عَدَمُ مَعْرِفَةِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ فَلَا يَقْدَحُ بِهَا مَعَ عَدَالَةِ الرَّاوِي وأَمَّا الرِّوَايَةُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ فِي الْبَدْرِ الْمُنِيرِ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ (وَقَالَ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ لَكَانَتْ الْحُجَّةُ فِيمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَقَالَ

الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إِنْ كَانَ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ أَوْلَى الْأُمُورِ وَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَبُرَ ولَا شَيْءَ فِي قَوْلِهِ إِلَّا طَاعَةُ اللَّهِ بِالتَّسْلِيمِ لَهُ ولَمْ أَحْفَظْهُ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ يَثْبُتُ مِثْلُهُ مَرَّةً يُقَالُ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ وَمَرَّةً عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَمَرَّةً عَنْ بَعْضِ أَشْجَعَ لَا يُسَمَّى انْتَهَى وغَرَضُهُ التَّضْعِيفُ بِالِاضْطِرَابِ وَقَدْ عَرَفْتَ الْجَوَابَ عَنْهُ ورَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ يَحْيَى أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ إِنْ صَحَّ حَدِيثُ بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ قُلْتُ بِهِ قَالَ الْحَاكِمُ قَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لو حضرت الشافعي لقمت على رؤوس النَّاسِ وَقُلْتُ قَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ انْتَهَى ورُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ هَذَا الْقَوْلِ وقَالَ بِحَدِيثِ بَرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ لِثُبُوتِهِ عِنْدَهُ بعد أن كان مترددا في صحته

10 - أبواب الرضاع

10 - أبواب الرضاع بفتح الراء وكسرها لغة وهو الْقَاضِي عِيَاضٌ وَالرَّضَاعُ وَالرَّضَاعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا فِيهِمَا وَأَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ الْكَسْرَ فِي الرَّضَاعَةِ وَهُوَ مَصُّ الرَّضِيعِ مِنْ ثَدْيِ الْآدَمِيَّةِ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كثير إِذَا حَصَلَ فِي مُدَّةِ الرَّضَاعِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ إِلَّا بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ ومُدَّةُ الرَّضَاعَةِ ثَلَاثُونَ شَهْرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ سَنَتَانِ وبه قال الشافعي وأحمد وغيرهما (بَاب مَا جَاءَ يُحَرَّمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يحرم من النسب) يُحَرَّمُ صِيغَةُ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّحْرِيمِ [1146] قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعِ مَا حَرَّمَ مِنْ النَّسَبِ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الرَّضَاعَ يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَالْمُرْضِعَةِ وَزَوْجِهَا يَعْنِي الَّذِي وَقَعَ الْإِرْضَاعُ بَيْنَ وَلَدِهِ مِنْهَا أَوْ السَّيِّدِ فَتُحَرَّمُ عَلَى الصَّبِيِّ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّهُ وَأُمُّهَا لِأَنَّهَا جَدَّتُهُ فَصَاعِدًا وَأُخْتُهَا لِأَنَّهَا خَالَتُهُ وَبِنْتُهَا لِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَبِنْتُ بِنْتِهَا فَنَازِلًا لِأَنَّهَا بِنْتُ أُخْتِهِ وَبِنْتُ صَاحِبِ اللَّبَنِ لِأَنَّهَا أُخْتُهُ وَبِنْتُ بِنْتِهِ فَنَازِلًا لِأَنَّهَا بِنْتُ أُخْتِهِ وَأُمُّهُ فَصَاعِدًا لِأَنَّهَا جَدَّتُهُ وَأُخْتُهُ لِأَنَّهَا عَمَّتُهُ وَلَا يَتَعَدَّى التَّحْرِيمُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ قَرَابَةِ الرَّضِيعِ فَلَيْسَتْ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ أُخْتًا لِأَخِيهِ وَلَا بِنْتًا لِأَبِيهِ إِذْ لَا رَضَاعَ بَيْنَهُمْ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّحْرِيمِ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا وَهُوَ اللَّبَنُ فَإِذَا اغْتَذَى بِهِ الرَّضِيعُ صَارَ جُزْءًا مِنْ أَجْزَائِهِمَا فَانْتَشَرَ التَّحْرِيمُ بَيْنَهُمْ بِخِلَافِ قَرَابَاتِ الرَّضِيعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُرْضِعَةِ وَلَا زَوْجِهَا نَسَبٌ وَلَا سَبَبٌ انْتَهَى قَالَ الْعُلَمَاءُ يُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ مُطْلَقًا

وفِي الرَّضَاعِ قَدْ لَا يَحْرُمْنَ الْأُولَى أُمُّ الْأَخِ فِي النَّسَبِ حَرَامٌ لِأَنَّهَا إِمَّا أُمٌّ وَإِمَّا زَوْجُ أَبٍ وفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْأَخَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى أَخِيهِ الثَّانِيَةُ أُمُّ الْحَفِيدِ حَرَامٌ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهَا إما بنت أو زوج بن وفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْحَفِيدَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى جَدِّهِ الثَّالِثَةُ جَدَّةُ الْوَلَدِ فِي النَّسَبِ حَرَامٌ لِأَنَّهَا إِمَّا أُمٌّ أَوْ أُمُّ زَوْجَةٍ وفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً أَرْضَعَتِ الْوَلَدَ فَيَجُوزُ لِوَالِدِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا الرَّابِعَةُ أُخْتُ الْوَلَدِ حَرَامٌ فِي النَّسَبِ لِأَنَّهَا بِنْتٌ أَوْ رَبِيبَةٌ وفِي الرَّضَاعِ قَدْ تَكُونُ أَجْنَبِيَّةً فَتُرْضِعُ الْوَلَدَ فَلَا تَحْرُمُ عَلَى الْوَلَدِ وهَذِهِ الصور الأربع اقتصر عليها جماعة ولم يستثنى الْجُمْهُورُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وفِي التَّحْقِيقِ لَا يُسْتَثْنَى شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُنَّ لَمْ يَحْرُمْنَ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَإِنَّمَا حَرُمْنَ مِنْ جِهَةِ الْمُصَاهَرَةِ واسْتَدْرَكَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أُمَّ الْعَمِّ وَأُمَّ الْعَمَّةِ وَأُمَّ الْخَالِ وَأُمَّ الْخَالَةِ فَإِنَّهُنَّ يَحْرُمْنَ فِي النَّسَبِ لَا فِي الرَّضَاعِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى عُمُومِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وقَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى ثُبُوتِ حُرْمَةِ الرَّضَاعِ بَيْنَ الرَّضِيعِ وَالْمُرْضِعَةِ وَأَنَّهُ يَصِيرُ ابْنُهَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا أَبَدًا وَيَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهَا وَالْخَلْوَةُ بِهَا وَالْمُسَافَرَةُ وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْأُمُومَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَتَوَارَثَانِ وَلَا يَجِبُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَفَقَةُ الْآخَرِ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ وَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهَا وَلَا يَعْقِلُ عَنْهَا وَلَا يَسْقُطُ عَنْهَا الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ فَهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ وأخرجه الترمذي وغيره (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَنْ يَحْرُمُ مِنَ الرَّحِمِ وفِي لَفْظٍ مِنَ النَّسَبِ (وَأُمِّ حَبِيبَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ [1147] قَوْلُهُ (مَا حَرُمَ مِنَ الْوِلَادَةِ) وفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ مِنَ النَّسَبِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا) وَقَدْ وَقَعَ الْخِلَافُ هَلْ يحرم بالرضطاع

باب ما جاء في لبن الفحل

ما يحرم من الصهار وبن الْقَيِّمِ قَدْ حَقَّقَ ذَلِكَ فِي الْهَدْيِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ فَلْيُرْجَعْ إِلَيْهِ وَقَدْ ذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ نَظِيرُ الْمُصَاهَرَةِ بِالرَّضَاعِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أُمُّ امْرَأَتِهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَامْرَأَةُ أَبِيهِ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَيَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبِنْتِهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ وَقَدْ نَازَعَهُمْ فِي ذَلِكَ بن تَيْمِيَةَ كَمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْهَدْيِ كَذَا فِي النَّيْلِ (بَاب مَا جَاءَ فِي لَبَنِ الْفَحْلِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الرَّجُلُ وَنِسْبَةُ اللَّبَنِ إِلَيْهِ مَجَازِيَّةٌ لِكَوْنِهِ السَّبَبَ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ يُتَصَوَّرُ تَجْرِيدُ لَبَنِ الْفَحْلِ بِرَجُلٍ لَهُ امْرَأَتَانِ تُرْضِعُ إِحْدَاهُمَا صَبِيًّا والْأُخْرَى صَبِيَّةً فَالْجُمْهُورُ قَالُوا يَحْرُمُ عَلَى الصَّبِيِّ تَزْوِيجُ الصَّبِيَّةِ وقَالَ مَنْ خَالَفَهُمْ يَجُوزُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ ويحيى تفسير لبن الفحل في الباب عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا [1148] قَوْلُهُ (جَاءَ عَمِّي مِنَ الرَّضَاعَةِ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِنَّ أفلح أخا أبي العقيس جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا وَهُوَ عَمُّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ (فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ) أَيْ لِيَدْخُلْ (إِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الأحزاب فإن أخاه أبو الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ (قَالَ فَإِنَّهُ عَمُّكِ فَلْيَلِجْ عَلَيْكِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ حتى يثبت الحرمة من جهة صاحب اللبن كما ثبت مِنْ جَانِبِ الْمُرْضِعَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتَ عُمُومَةَ الرَّضَاعِ وَأَلْحَقَهَا بِالنَّسَبِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ كَرِهُوا لَبَنَ الْفَحْلِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ كَالْأَوْزَاعِيِّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَالثَّوْرِيِّ وأبي حنيفة وصاحبيه في أهل الكوفة وبن جُرَيْجٍ فِي أَهْلِ مَكَّةَ وَمَالِكٍ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَتْبَاعِهِمْ إِلَى أَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ وَحُجَّتُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَعْنِي حَدِيثَ عَائِشَةَ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ

الْعِلْمِ فِي لَبَنِ الْفَحْلِ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ بن عُمَرَ وَأَبِي الزُّبَيْرِ وَرَافِعِ بْنِ خُدَيْجٍ وَغَيْرِهِمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَالْقَاسِمِ وَسَالِمٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَالشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ واحْتَجُّوا بقوله تعالى (وأمهاتكم اللآتي أرضعنكم) وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَمَّةَ وَالْبِنْتَ كَمَا ذَكَرَهُمَا فِي النَّسَبِ وَأُجِيبُوا بِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ واحْتَجَّ بَعْضُهُمْ مِنْ حَيْثُ النَّظَرِ بِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَنْفَصِلُ مِنَ الرَّجُلِ وَإِنَّمَا يَنْفَصِلُ مِنَ الْمَرْأَةِ فَكَيْفَ تَنْتَشِرُ الْحُرْمَةُ إِلَى الرَّجُلِ والْجَوَابُ أَنَّهُ قِيَاسٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَأَيْضًا فَإِنَّ سَبَبَ اللَّبَنِ هُوَ مَاءُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مَعًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الرَّضَاعُ مِنْهُمَا وَإِلَى هذا أشار بن عَبَّاسٍ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اللِّقَاحُ وَاحِدٌ وَأَيْضًا فَإِنَّ الْوَطْءَ يُدِرُّ اللَّبَنَ فَلِلْفَحْلِ فِيهِ نَصِيبٌ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْقَوْلُ الثَّانِي بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ قَوْلُهُ (لَهُ جَارِيَتَانِ) أَيْ أَمَتَانِ (أَرْضَعَتْ أَحَدُهُمَا جَارِيَةً) أَيْ صَبِيَّةً (وَالْأُخْرَى غُلَامًا) أَيْ وَالْجَارِيَةُ الْأُخْرَى أَرْضَعَتْ صَبِيًّا (فَقَالَ لَا) أَيْ لَا يَحِلُّ لِلْغُلَامِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْجَارِيَةَ (اللِّقَاحُ وَاحِدٌ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ اللَّقَاحُ بِالْفَتْحِ اسْمُ مَاءِ الْفَحْلِ أَرَادَ أَنَّ مَاءَ الْفَحْلِ الَّذِي حَمَلَتْ مِنْهُ وَاحِدٌ وَاللَّبَنُ الَّذِي أَرْضَعَتْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَانَ أَصْلُهُ مَاءَ الْفَحْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اللِّقَاحُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الْإِلْقَاحِ يُقَالُ أَلْقَحَ الْفَحْلُ النَّاقَةَ إِلْقَاحًا وَلَقَاحًا كَمَا يُقَالُ أَعْطَى إِعْطَاءً وَعَطَاءً والْأَصْلُ فِيهِ لِلْإِبِلِ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلنَّاسِ انْتَهَى وأَثَرُ بن عَبَّاسٍ هَذَا سَكَتَ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ إسناده صحيح

باب ما جاء لا تحرم المصة ولا المصتان

3 - (بَاب مَا جَاءَ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ) [1150] قَوْلُهُ (لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَلَا الْمَصَّتَانِ) وفِي حَدِيثِ أُمِّ الْفَضْلِ لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ وفِي رِوَايَةٍ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ والْمَصَّةُ هِيَ الْمَرَّةُ مِنَ الْمَصِّ كَالرَّضْعَةِ مِنَ الرَّضَاعِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَصِصْتُهُ بِالْكَسْرِ أَمُصُّهُ وَمَصَصْتُهُ أَمُصُّهُ كَخَصَصْتُهُ أَخُصُّهُ شَرِبْتُهُ شُرْبًا رَفِيقًا انْتَهَى وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ الْمَصُّ مكيدن وقَالَ فِي الْقَامُوسِ مَلَجَ الصَّبِيُّ أُمَّهُ كَنَصَرَ وَسَمِعَ تَنَاوَلَ ثَدْيَهَا بِأَدْنَى فَمِهِ وامْتَلَجَ اللَّبَنَ امْتَصَّهُ وَأَمْلَجَهُ أَرْضَعَهُ وَالْمَلِيجُ الرَّضِيعُ انْتَهَى وقَالَ فِيهِ رَضَعَ أُمَّهُ كَسَمِعَ وَضَرَبَ رَضْعًا وَيُحَرَّكُ وَرَضَاعًا وَرَضَاعَةً وَتُكْسَرُ إِنِ امْتَصَّ ثَدْيَهَا انْتَهَى وقال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ فَلَا تُحَرِّمُ الْمَلْجَةُ وَالْمَلْجَتَانِ وفِي رِوَايَةٍ الْإِمْلَاجَةُ وَالْإِمْلَاجَتَان الْمَلْجُ الْمَصُّ مَلَجَ الصَّبِيُّ أُمَّهُ إِذَا رَضَعَهَا والْمَلْجَةُ الْمَرَّةُ وَالْإِمْلَاجَةُ الْمَرَّةُ أَيْضًا مِنْ أَمْلَجَتْهُ أُمُّهُ أَيْ أَرْضَعَتْهُ يَعْنِي أَنَّ الْمَصَّةَ وَالْمَصَّتَيْنِ لَا يُحَرِّمَانِ مَا يُحَرِّمُهُ الرَّضَاعُ الْكَامِلُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ الْفَضْلِ) إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُحَرِّمُ الْمَصَّةُ فَقَالَ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ وَالْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ وفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ دَخَلَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي بَيْتِي فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لِي امْرَأَةٌ فَتَزَوَّجْتُ عَلَيْهَا أُخْرَى فَزَعَمَتِ امْرَأَتِي الْأُولَى أَنَّهَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتِي الْحَدْثَى رَضْعَةً أَوْ رَضْعَتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُحَرِّمُ الْإِمْلَاجَةُ وَلَا الْإِمْلَاجَتَانِ أَخْرَجَهُمَا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ (وأبي هريرة) أخرجه النسائي وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا يَصِحُّ مَرْفُوعًا كَذَا فِي التلخيص (والزبير) أخرجه أحمد والنسائي وبن حبان (وبن الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الحديث حديث بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عن عائشة الخ) وأعل

بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ الْحَدِيثَ بِالِاضْطِرَابِ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْهُ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بلا واسطة وجمع بن حبان بينهما بإمكان أن يكون بن الزُّبَيْرِ سَمِعَهُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وفِي ذَلِكَ الْجَمْعِ بُعْدٌ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا) أَيْ حَدِيثِ عَائِشَةَ لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ وَالْمَصَّتَانِ (عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم) ذَهَبَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وأبو ثور وبن المنذر وداود وأتباعه إلا بن حَزْمٍ إِلَى أَنَّ الَّذِي يُحَرِّمُ ثَلَاثُ رَضَعَاتٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ وَالرَّضْعَتَانِ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ الثَّلَاثَ تُحَرِّمُ وأَغْرَبَ الْقُرْطُبِيُّ فَقَالَ لَمْ يَقُلْ بِهِ إِلَّا دَاوُدُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (وَقَالَتْ عَائِشَةُ أُنْزِلَ فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ) بسكون الشين وبفتح الضاد قاله القارىء (فَنَسَخَ مِنْ ذَلِكَ خَمْسًا) أَيْ فَنَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وقَدْ ضُبِطَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ فَنُسِخَ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ وَيَخْدِشُهُ قَوْلُهُ خَمْسًا بِالنَّصْبِ نَعَمْ لَوْ كَانَ خَمْسٌ بِالرَّفْعِ لَكَانَ صَحِيحًا (وَصَارَ إِلَى خَمْسِ رَضَعَاتٍ إِلَخْ) وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَتْ فِيمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّسْخَ بِخَمْسِ رَضَعَاتٍ تَأَخَّرَ إِنْزَالُهُ جِدًّا حَتَّى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوفِّيَ وَبَعْضُ النَّاسِ يَقْرَأُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ وَيجْعَلُهَا قُرْآنًا مَتْلُوًّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّسْخُ لِقُرْبِ عَهْدِهِ فَلَمَّا بَلَغَهُمْ النَّسْخُ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعُوا عَنْ ذَلِكَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ هَذَا لَا يُتْلَى والنَّسْخُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ أَحَدُهَا مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وَتِلَاوَتُهُ كَعَشْرِ رَضَعَاتٍ وَالثَّانِي مَا نُسِخَ تِلَاوَتُهُ دُونَ حُكْمِهِ كَخَمْسِ رَضَعَاتٍ وَكَالشَّيْخِ وَالشَّيْخَةِ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا وَالثَّالِثُ مَا نُسِخَ حُكْمُهُ وبقيت تلاوته وهذا هو الأكثر وعنه قَوْلُهُ تَعَالَى الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وصية لأزواجهم الْآيَةَ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ (وَبِهَذَا كَانَتْ عَائِشَةُ تُفْتِي وَبَعْضُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ) قَالَ

النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقَدْرِ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ حُكْمُ الرَّضَاعِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ لَا يَثْبُتُ بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِ رَضَعَاتٍ وقَالَ جمهور العلماء يثبت برضعة واحدة حكاه بن المنذر عن بن مسعود وبن عمر وبن عباس وطاءوس وبن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ فَأَمَّا الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ فَأَخَذُوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ وأَخَذَ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ تعالى (وأمهاتكم اللآتي أرضعنكم) ولم يذكر عددا وههنا اعْتِرَاضَاتٌ مِنْ قِبَلِ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ وَمِنْ قِبَلِ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ مَذْكُورَةٌ فِي شُرُوحِ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيِّ (فَهُوَ مَذْهَبٌ قَوِيٌّ) لِصِحَّةِ دَلِيلِهِ وَقُوَّتِهِ (وَجُبْنٌ) الْجُبْنُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ ضِدُّ الشَّجَاعَةِ فَهُوَ إِمَّا مَصْدَرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِضَمِّهَا (عَنْهُ) الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ ذَاهِبٌ (أَنْ يَقُولَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ الْقَوِيِّ (شَيْئًا) وَالْمَعْنَى جَبُنَ عَنْ ذَلِكَ الذَّاهِبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ الْقَوِيِّ بِشَيْءٍ مِنَ الْكَلَامِ أَوْ ذَلِكَ جُبْنٌ عَنْهُ والظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَقُولَةُ أَحْمَدَ وقِيلَ أَنَّهُ مَقُولَةُ التِّرْمِذِيِّ وضَمِيرُ عَنْهُ يَرْجِعُ إِلَى أَحْمَدَ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ يُحَرِّمُ قَلِيلُ الرَّضَاعِ وَكَثِيرُهُ إِذَا وَصَلَ إِلَى الْجَوْفِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَوَكِيعٍ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَإِلَيْهِ مَيَلَانُ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ قال في صحيحه باب من قال لارضاع بَعْدَ حَوْلَيْنِ إِلَى أَنْ قَالَ وَمَا يُحَرِّمُ مِنْ قَلِيلِ الرَّضَاعِ وَكَثِيرِهِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا مَصِيرٌ مِنْهُ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالْعُمُومِ الْوَارِدِ فِي الْأَخْبَارِ انْتَهَى قُلْتُ اسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ بإطلاق قوله تعالى (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم) وَإِطْلَاقِ حَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا حَرَّمَ مِنَ النَّسَبِ وغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَوَّى مَذْهَبَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْأَخْبَارَ اخْتَلَفَتْ فِي الْعَدَدِ وعَائِشَةُ الَّتِي رَوَتْ ذَلِكَ قَدْ اخْتُلِفَ عَلَيْهَا فِيمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى أَصْلِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ ويُعَضِّدُهُ مِنْ حَيْثُ النَّظَرُ أَنَّهُ مَعْنًى طَارِئٌ يَقْتَضِي تَأْيِيدَ التَّحْرِيمِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالصِّهْرِ أَوْ يُقَالُ مَائِعٌ يَلِجُ الْبَاطِنَ فَيُحَرِّمُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَالْمَنِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وأَيْضًا فَقَوْلُ

باب ما جاء في شهادة المرأة الواحدة في الرضاع

عَائِشَةَ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَمَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ لَا يَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ قَوْلَيْ الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّوَاتُرِ وَالرَّاوِي رَوَى هَذَا عَلَى أَنَّهُ قُرْآنٌ لَا خَبَرٌ فَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهُ قُرْآنًا وَلَا ذَكَرَ الرَّاوِي أَنَّهُ خَبَرٌ لِيُقْبَلَ قَوْلُهُ فِيهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَاكِمِ (بَاب مَا جَاءَ فِي شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرَّضَاعِ) [1151] قَوْلُهُ (قَالَ وَسَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ) أَيْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَسَمِعْتُ الْحَدِيثَ مِنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ (وَلَكِنِّي لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عن أيوب ولفظه عن بن أبي مليكة عن بن الْحَارِثِ قَالَ وَحَدَّثَنِيهِ صَاحِبٌ لِي عَنْهُ وَأَنَا لِحَدِيثِ صَاحِبِي أَحْفَظُ وَلَمْ يُسَمِّهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّفْرِقَةِ فِي صِيَغِ الْأَدَاءِ بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَالْجَمْعِ أَوْ بَيْنَ الْقَصْدِ إِلَى التَّحْدِيثِ وَعَدَمِهِ فَيَقُولُ الرَّاوِي فِيمَا سَمِعَهُ وَحْدَهُ مِنْ لَفْظِ الشَّيْخِ أَوْ قَصَدَ الشَّيْخُ تَحْدِيثَهُ بِذَلِكَ حَدَّثَنِي بِالْإِفْرَادِ وفِيمَا عَدَا ذَلِكَ حَدَّثَنَا بِالْجَمْعِ أَوْ سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ ووَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ ثُمَّ قَالَ لَمْ يُحَدِّثْنِي وَلَكِنِّي سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ وَهَذَا يُعَيِّنُ أَحَدَ الِاحْتِمَالَيْنِ وقَدْ اعْتَمَدَ ذَلِكَ النَّسَائِيُّ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مِسْكِينٍ فَيَقُولُ الْحَارِثُ بْنُ مِسْكِينٍ قَرَأَهُ عَلَيْهِ وَأَنَا أَسْمَعُ وَلَا يَقُولُ حَدَّثَنِي وَلَا أَخْبَرَنِي لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ بِالتَّحْدِيثِ وَإِنَّمَا كَانَ يَسْمَعُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ بِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ (فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ) قَالَ الْحَافِظُ مَا عَرَفْتُ اسْمَهَا (وَقَدْ أَرْضَعْتُكُمَا) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَدْ أَرْضَعَتْ عُقْبَةَ وَالَّتِي تَزَوَّجَ بِهَا (فَأَتَيْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ لِلْبُخَارِيِّ فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ مَا أَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَرْضَعْتِنِي وَلَا أَخْبَرْتِنِي فَأَرْسَلَ إِلَى آلِ أَبِي إِهَابٍ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا مَا عَلِمْنَا أَرْضَعَتْ صَاحِبَتَنَا فَرَكِبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ وَكَيْفَ بِهَا) أَيْ كَيْفَ تَشْتَغِلُ

بِهَا وَتُبَاشِرُهَا وَتُفْضِي إِلَيْهَا (وَقَدْ زَعَمَتْ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا قَالَتْ (دَعْهَا عَنْكَ) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي الشَّهَادَاتِ فَنَهَاهُ عَنْهَا وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازُوا شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرَّضَاعِ) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ سَعْدٍ سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَسْأَلُ عَنْ شَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرَّضَاعِ قَالَ تَجُوزُ عَلَى حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ وهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَنُقِلَ عَنْ عثمان وبن عَبَّاسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عن بن جريج عن بن شِهَابٍ قَالَ فَرَّقَ عُثْمَانُ بَيْنَ نَاسٍ تَنَاكَحُوا بقول امرأة سوداء أنها أرضعتهم قال بن شِهَابٍ النَّاسُ يَأْخُذُونَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عُثْمَانَ الْيَوْمَ وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ إِنْ شَهِدَتِ الْمُرْضِعَةُ وَحْدَهَا وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ مُفَارَقَةُ الْمَرْأَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وإِنْ شَهِدَتْ مَعَهَا أُخْرَى وَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ كذا في فتح الباري (وقال بن عَبَّاسٍ تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ وَتُؤْخَذُ يَمِينُهَا وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) يَعْنِي أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى دَلِيلِ أَخْذِ الْيَمِينِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ شَهَادَةُ الْمُرْضِعَةِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا وقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وعلي بن أبي طالب وبن عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ امْتَنَعُوا مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِذَلِكَ فَقَالَ عُمَرُ فَرِّقْ بَيْنَهُمَا إِنْ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ وَإِلَّا فَخَلِّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ إِلَّا أَنْ يَتَنَزَّهَا ولَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَمْ تَشَأْ امْرَأَةٌ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ إِلَّا فَعَلَتْ وقَالَ الشَّعْبِيُّ تُقْبَلُ مَعَ ثَلَاثِ نِسْوَةٍ بِشَرْطِ أَلَّا تَتَعَرَّضَ نِسْوَةٌ لِطَلَبِ أُجْرَةٍ وقِيلَ لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا وقِيلَ تُقْبَلُ فِي ثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ دُونَ ثُبُوتِ الْأُجْرَةِ لَهَا عَلَى ذَلِكَ وقَالَ مَالِكٌ تُقْبَلُ مَعَ أُخْرَى وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ الْمُتَمَحِّضَاتِ وعَكَسَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وأَجَابَ مَنْ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ الْمُرْضِعَةِ وَحْدَهَا بِحَمْلِ النَّهْيِ فِي قَوْلِهِ فَنَهَاهُ عَنْهَا عَلَى التَّنْزِيهِ وبِحَمْلِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ دَعْهَا

باب ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر

عَنْكَ عَلَى الْإِرْشَادِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّهْيَ حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ إِلَّا لِقَرِينَةٍ صَارِفَةٍ قَالَ وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى عَدَمِ قَبُولِ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعَةِ بقوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم لَا يُفِيدُ شَيْئًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِنَاءُ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ ولَا شَكَّ أَنَّ الْحَدِيثَ أَخَصُّ مُطْلَقًا (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) بِالتَّصْغِيرِ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (سَمِعْتُ وَكِيعًا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْحُكْمِ وَيُفَارِقُهَا فِي الْوَرَعِ) أَيْ يُفَارِقُهَا تَوَرُّعًا وَاحْتِيَاطًا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ أَمْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ فَلَا يَخْفَى مُخَالَفَتُهُ لِمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ أَنْ كَرَّرَ السُّؤَالَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ والنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهُ فِي جَمِيعِهَا كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ وفِي بَعْضِهَا دَعْهَا عَنْكَ وفِي بَعْضِهَا لَا خَيْرَ لَكَ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ بِالِاحْتِيَاطِ لَأَمَرَهُ بِهِ قَالَ فَالْحَقُّ وُجُوبُ الْعَمَلِ بِقَوْلِ الْمَرْأَةِ الْمُرْضِعَةِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً انْتَهَى كَلَامُهُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تُحَرِّمُ إِلَّا فِي الصِّغَرِ) دُونَ الْحَوْلَيْنِ [1152] قَوْلُهُ (لَا يُحَرِّمُ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ (مِنَ الرَّضَاعِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا (إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ أَيْ الَّذِي شَقَّ أَمْعَاءَ الصَّبِيِّ كَالطَّعَامِ وَوَقَعَ مِنْهُ مَوْقِعَ الْغِذَاءِ وذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَانِ الرَّضَاعِ وَالْأَمْعَاءُ جَمْعُ مِعًى وَهُوَ مَوْضِعُ الطَّعَامِ مِنَ الْبَطْنِ (فِي الثَّدْيِ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ فَتَقَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَتَنْحِتُونَ مِنْ الجبال بيوتا أَيْ كَائِنًا فِي الثَّدْيِ فَائِضًا مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ بِالِارْتِضَاعِ أَوْ بِالْإِيجَارِ ولَمْ يَرِدْ بِهِ الِاشْتِرَاطُ فِي الرَّضَاعِ الْمُحَرَّمِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الثدي قاله القارىء وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ فِي الثَّدْيِ أَيْ فِي زَمَنِ الثَّدْيِ وَهُوَ لُغَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَإِنَّ الْعَرَبَ تقول مات

باب ما يذهب مذمة الرضاع

فُلَانٌ فِي الثَّدْيِ أَيْ فِي زَمَنِ الرَّضَاعِ قَبْلَ الْفِطَامِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (وَكَانَ) أَيْ الرَّضَاعُ (قَبْلَ الْفِطَامِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ زَمَنَ الْفِطَامِ الشَّرْعِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَا رَضَاعَ إلا في الحولين رواه الدارقطني وبن عدي مرفوعا وموقوفا ورجح الموقوف وعن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لارضاع إلا ما أنشز الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الرَّضَاعَةَ لَا تُحَرِّمُ إِلَّا مَا كَانَ دُونَ الْحَوْلَيْنِ إِلَخْ) وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيِ الْإِمَامِ أبي حنيفة قال محمد في موطإه لَا يُحَرِّمُ الرَّضَاعُ إِلَّا مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ فَمَا كَانَ فِيهَا مِنَ الرَّضَاعِ وَإِنْ كَانَ مَصَّةً وَاحِدَةً فَهِيَ تُحَرِّمُ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أراد أن يتم الرضاعة) فَتَمَامُ الرَّضَاعَةِ الْحَوْلَانِ فَلَا رَضَاعَةَ بَعْدَ تَمَامِهَا يُحَرِّمُ شَيْئًا وكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْتَاطُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ فَيَقُولُ يُحَرِّمُ مَا كَانَ فِي الْحَوْلَيْنِ وَبَعْدَهَا تَمَامُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَذَلِكَ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ولَا يُحَرِّمُ مَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ ونَحْنُ لَا نَرَى أَنْ يُحَرِّمَ وَنَرَى أَنَّهُ لَا يُحَرِّمُ مَا كَانَ بَعْدَ الْحَوْلَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا احْتِيَاطَ بَعْدَ وُرُودِ النُّصُوصِ بِالْحَوْلَيْنِ مَعَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ الْعَمَلُ بِأَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ وَأَقْوَاهُمَا دليلا قولهما انتهى (باب مَا يُذْهِبُ مَذَمَّةَ الرَّضَاعِ) [1153] قَوْلُهُ (مَا يُذْهِبُ عَنِّي) مِنَ الْإِذْهَابِ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ يُزِيلُ عني (مذمة الرضاع) قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْمَذَمَّةُ بِالْفَتْحِ مَفْعَلَةٌ مِنَ الذَّمِّ وَبِالْكَسْرِ مِنَ الذِّمَّةِ والذِّمَامِ وقِيلَ هِيَ بالكسر والفتح

الْحَقُّ وَالْحُرْمَةُ الَّتِي يُذَمُّ مُضَيِّعُهَا والْمُرَادُ بِمَذَمَّةِ الرَّضَاعِ الْحَقُّ اللَّازِمُ بِسَبَبِ الرَّضَاعِ فَكَأَنَّهُ سَأَلَ مَا يُسْقِطُ عَنِّي حَقَّ الْمُرْضِعَةِ حَتَّى أَكُونَ قَدْ أَدَّيْتُهُ كَامِلًا وكَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُعْطُوا لِلْمُرْضِعَةِ عِنْدَ فِصَالِ الصَّبِيِّ شَيْئًا سِوَى أُجْرَتِهَا انْتَهَى (فَقَالَ غُرَّةٌ) أَيْ مَمْلُوكٌ (عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ) بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ بَدَلٌ مِنْ غُرَّةٌ وقِيلَ الْغُرَّةُ لَا تُطْلَقُ إِلَّا عَلَى الْأَبْيَضِ مِنَ الرَّقِيقِ وَقِيلَ هِيَ أَنْفَسُ شَيْءٍ يُمْلَكُ قَالَ الطيبي الغرة المملوك وأصلها البياض في جهة الْفَرَسِ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِأَكْرَمِ كُلِّ شَيْءٍ كَقَوْلِهِمْ غُرَّةُ الْقَوْمِ سَيِّدُهُمْ وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ الْمَمْلُوكُ خَيْرَ مَا يُمْلَكُ سُمِّيَ غُرَّةً ولَمَّا جَعَلَتِ الظِّئْرُ نَفْسَهَا خَادِمَةً جُوزِيَتْ بِجِنْسِ فِعْلِهَا (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (عَنْ حَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ الْأَسْلَمِيِّ) مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ قَالَ الْحَافِظُ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي تَرْجَمَتِهِ حِجَازِيٌّ عَنْ أَبِيهِ حَجَّاجِ بْنِ مَالِكٍ وَعَنْهُ عُرْوَةُ لَهُ عِنْدَهُمْ فَرْدُ حَدِيثٍ (عَنْ أَبِيهِ) حَجَّاجِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ أَبِي أَسِيدٍ الْأَسْلَمِيِّ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ فِي الرَّضَاعِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي حَجَّاجٍ عَنْ أَبِيهِ) فَقَالَ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَبِي حَجَّاجٍ وَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَالصَّحِيحُ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ كَمَا رَوَى يَحْيَى الْقَطَّانُ وَحَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَغَيْرُهُمَا (وَقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ ما يذهب عن مَذَمَّةَ الرَّضَاعِ إِلَخْ) أَيْ قَالَ أَبُو عِيسَى مَعْنَى قَوْلِهِ إِلَخْ وَأَرْجَعَ الشَّيْخُ سِرَاجُ أَحْمَدَ ضميره قَالَ إِلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ (يَقُولُ إِنَّمَا يَعْنِي ذِمَامَ الرَّضَاعَةِ وَحَقَّهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الذِّمَامُ وَالْمَذَمَّةُ الْحَقُّ وَالْحُرْمَةُ قَوْلُهُ (وَيُرْوَى عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ كُنْتُ جَالِسًا إِلَخْ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وأَبُو الطُّفَيْلِ بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ اللَّيْثِيُّ وهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ (فَبَسَطَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِدَاءَهُ

باب ما جاء في المرأة تعتق ولها زوج

أَيْ تَعْظِيمًا لَهَا وَانْبِسَاطًا بِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وُجُوبِ رِعَايَةِ الْحُقُوقِ الْقَدِيمَةِ وَلُزُومِ إِكْرَامِ مَنْ لَهُ صُحْبَةٌ قَدِيمَةٌ وَحُقُوقٌ سَابِقَةٌ (فَلَمَّا ذَهَبَتْ) أَيْ وَتَعَجَّبَ النَّاسُ مِنْ إكرامه إياها وقبولها القعود على رداءه الْمُبَارَكِ (قِيلَ هَذِهِ أَرْضَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ إِنَّ حَلِيمَةَ جَاءَتْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَامَ إِلَيْهَا وَبَسَطَ رِدَاءَهُ لَهَا وَجَلَسَتْ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمَرْأَةِ تُعْتَقُ وَلَهَا زَوْجٌ) [1154] قَوْلُهُ (كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ عَبْدًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا حِينَ أُعْتِقَتْ وفِي الْمُنْتَقَى عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ أُعْتِقَتْ وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ انْتَهَى ورَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَرِيرَةَ خَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا (وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا) هَذِهِ الزِّيَادَةُ مُدْرَجَةٌ مِنْ قَوْلِ عُرْوَةَ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَبَيَّنَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ [1155] قَوْلُهُ (عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ حُرًّا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَوْلُ الْأَسْوَدِ مُنْقَطِعٌ ثُمَّ عَائِشَةُ عَمَّةُ الْقَاسِمِ وَخَالَةُ عُرْوَةَ فَرِوَايَتُهُمَا عَنْهَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ أَجْنَبِيٍّ يَسْمَعُ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَرَادَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ حَدِيثَهَا الَّذِي رَوَاهُ أَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ كَمَا عَرَفْتَ وأَمَّا حَدِيثُهَا الَّذِي رَوَاهُ ثَانِيًا عَنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَمَا فِي الْمُنْتَقَى (وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ رَأَيْتُ زَوْجَ بَرِيرَةَ وَكَانَ عَبْدًا يقال له

مغيث) أخرجه البخاري (وهكذا روي عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ كَانَ زَوْجُ بريرة عبدا وفي إسناده بن أَبِي لَيْلَى وَهُوَ ضَعِيفٌ قُلْتُ وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ عِدَّةِ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ من طريق بن عباس وبن عُمَرَ وَصْفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُمْ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ وَعُرْوَةَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا ومِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ كَانَ حُرًّا وَرِوَايَةُ اثْنَيْنِ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ وَاحِدٍ عَلَى فَرْضِ صِحَّةِ الْجَمِيعِ فَكَيْفَ إِذَا كَانَتْ رِوَايَةُ الْوَاحِدِ مَعْلُولَةً بِالِانْقِطَاعِ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وقالوا إذ كَانَتِ الْأَمَةُ تَحْتَ الْحُرِّ فَأُعْتِقَتْ فَلَا خِيَارَ لها الخ) وهو مذهب مالك والشافعي أحمد وَإِسْحَاقَ وَالْجُمْهُورِ وَهُوَ الْأَقْوَى دَلِيلًا (وَرَوَى أَبُو عَوَانَةَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ قَالَ الْأَسْوَدُ وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَاتٍ عَدِيدَةٍ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مَا لَفْظُهُ فَدَلَّتِ الرِّوَايَاتُ الْمُفَصَّلَةُ الَّتِي قَدَّمْتُهَا آنِفًا عَلَى أَنَّهُ مُدْرَجٌ مِنْ قَوْلِ الْأَسْوَدِ أَوْ مَنْ دُونَهُ يَعْنِي قَوْلَهُ وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا فَيَكُونُ مِنْ أَمْثِلَةِ مَا أُدْرِجَ فِي أَوَّلِ الْخَبَرِ وَهُوَ نَادِرٌ فَإِنَّ الْأَكْثَرَ أَنْ يَكُونَ فِي آخِرِهِ وَدُونَهُ أَنْ يَقَعَ فِي وَسَطِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُولًا فَيُرَجِّحُ رِوَايَةَ مَنْ قَالَ كَانَ عَبْدًا بِالْكَثْرَةِ وَأَيْضًا فال المرء أعرف بحديثه فإن القاسم بن أخي عائشة وعروة بن أُخْتِهَا وَتَابَعَهُمَا غَيْرُهُمَا فَرِوَايَتُهُمَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ فَإِنَّهُمَا أَقْعَدُ بِعَائِشَةَ وَأَعْلَمُ بِحَدِيثِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ ويَتَرَجَّحُ أَيْضًا بِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَذْهَبُ إلى أن الأمة إذ أُعْتِقَتْ تَحْتَ الْحُرِّ لَا خِيَارَ لَهَا وهَذَا بِخِلَافِ مَا رَوَى الْعِرَاقِيُّونَ عَنْهَا فَكَانَ يَلْزَمُ على أصل مذهبهم أن يأخذوا بقولها ويدعو ما روى عنها لا سيما وَقَدِ اخْتُلِفَ عَنْهَا فِيهِ انْتَهَى (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة وأصحابه

وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْأَسْوَدِ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ زَوْجُ بَرِيرَةَ حُرًّا وقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ [1156] قَوْلُهُ (كَانَ عَبْدًا أسود) قال القارىء أي كعبد أسود في قبح للصورة أَوْ كَانَ عَبْدًا فَأُعْتِقَ فَصَارَ حُرًّا انْتَهَى قُلْتُ هَذَانِ التَّأْوِيلَانِ بَاطِلَانِ مَرْدُودَانِ يَرُدُّهُمَا لَفْظُ يَوْمَ أُعْتِقَتْ بَرِيرَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يَوْمَ إِعْتَاقِهَا (وَيَوْمَ أُعْتِقَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَاللَّهِ لِكَأَنِّي بِهِ فِي طُرُقِ الْمَدِينَةِ إِلَخْ) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ (يَتَرَضَّاهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ اسْتَرْضَاهُ وَتَرَضَّاهُ طَلَبَ رِضَاهُ انتهى قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَنْبِيهٌ قال صاحب العرف الشذي قول بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ عَبْدٌ أَسْوَدُ لَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ عَبْدًا فِي الْحَالِ بَلْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ انْتَهَى قُلْتُ هَذِهِ غَفْلَةٌ شَدِيدَةٌ وَوَهْمٌ قبيح فإن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ نَصَّ فِي قَوْلِهِ هَذَا أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يَوْمَ إِعْتَاقِهَا كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وقَدْ تَقَدَّمَ بُطْلَانُ هَذَا التَّأْوِيلِ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ مَا لَفْظُهُ لِي بَحْثٌ فِي أن بن عَبَّاسٍ جَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ مَعَ أَبِيهِ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ وَأَنَّهَا عُتِقَتْ قَبْلَهَا وَكَانَتْ تَخْدُمُ عَائِشَةَ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَهَا عَنْ شَأْنِ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي هَذِهِ الشُّبْهَةِ مِنْ قِلَّةِ اطِّلَاعِهِ فَإِنَّهُ قد ورد في حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبَّاسٍ يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ بَرِيرَةَ كَانَتْ مُتَأَخِّرَةً فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ أَوْ الْعَاشِرَةِ لِأَنَّ الْعَبَّاسَ إِنَّمَا سَكَنَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ رُجُوعِهِمْ مِنْ غَزْوَةِ الطَّائِفِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي أواخر سنة ثمان ويؤيده قول بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ شَاهَدَ ذَلِكَ وَهُوَ إِنَّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ مَعَ أَبَوَيْهِ ويُؤَيِّدُ تَأَخُّرَ قِصَّتِهَا أَيْضًا بِخِلَافِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ الْإِفْكِ أَنَّ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَتْ صَغِيرَةً فَيَبْعُدُ وُقُوعُ تِلْكَ الْأُمُورِ وَالْمُرَاجَعَةِ وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى الشِّرَاءِ وَالْعِتْقِ مِنْهَا يَوْمَئِذٍ وأَيْضًا فَقَوْلُ عَائِشَةَ إِنْ شَاءَ مَوَالِيكَ أَنْ أَعُدَّهَا

باب ما جاء أن الولد للفراش

لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وُقُوعِ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فِي غَايَةِ الضِّيقِ ثُمَّ حَصَلَ لَهُمْ التَّوَسُّعُ بَعْدَ الْفَتْحِ وفِي كُلِّ ذَلِكَ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ قِصَّتَهَا كَانَتْ مُتَقَدِّمَةً قَبْلَ قِصَّةِ الْإِفْكِ وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ وُقُوعُ ذِكْرِهَا فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ وقَدْ قَدَّمْتُ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ هُنَاكَ ثُمَّ رَأَيْتُ الشَّيْخَ تَقِيَّ الدِّينِ السُّبْكِيَّ اسْتَشْكَلَ الْقِصَّةَ ثُمَّ جَوَّزَ أَنَّهَا كَانَتْ تَخْدُمُ عَائِشَةَ قَبْلَ شِرَائِهَا أَوِ اشْتَرَتْهَا وَأَخَّرَتْ عِتْقَهَا إِلَى بَعْدِ الْفَتْحِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ تَنْبِيهٌ آخَرُ اعْلَمْ أَنَّ رِوَايَاتِ كَوْنِ زَوْجِ بَرِيرَةَ عَبْدًا لَهَا تَرْجِيحَاتٌ عَدِيدَةٌ عَلَى رِوَايَاتِ كَوْنِهِ حُرًّا ذَكَرْتُ بَعْضًا مِنْهَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَالْبَاقِيَةُ مَذْكُورَةٌ فِي فتح الباري والنيل والإمام بن الْهُمَامِ قَدْ عَكَسَ الْقَضِيَّةَ بِوُجُوهٍ عَدِيدَةٍ كُلُّهَا مَخْدُوشَةٌ وَلَوْلَا مَخَافَةُ طُولِ الْكَلَامِ لَبَيَّنْتُ مَا فِيهَا مِنَ الْخَدَشَاتِ (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ) [1157] قَوْلُهُ (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ) أَيْ لِمَالِكِهِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى لِأَنَّهُمَا يَفْتَرِشَانِهَا قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ وقَالَ فِي النَّيْلِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْفِرَاشِ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّهُ اسْمٌ لِلْمَرْأَةِ وقِيلَ إِنَّهُ اسْمٌ لِلزَّوْجِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي حنيفة وأنشد بن الْأَعْرَابِيِّ مُسْتَدِلًّا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلَ جَرِيرٍ بَاتَتْ تُعَانِقُهُ وَبَاتَ فِرَاشَهَا وفِي الْقَامُوسِ إِنَّ الْفِرَاشَ زَوْجَةُ الرَّجُلِ انْتَهَى (وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) الْعَاهِرُ الزاني يقال عهر أي زنا وقِيلَ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِاللَّيْلِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ عَهَرَ الْمَرْأَةَ كَمَنَعَ وعَاهَرَهَا أَيْ أَتَاهَا لَيْلًا لِلْفُجُورِ أَوْ نَهَارًا انْتَهَى ومَعْنَى لَهُ الْحَجَرُ الْخَيْبَةُ أَيْ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْوَلَدِ والْعَرَبُ تَقُولُ لَهُ الْحَجَرُ وَبِفِيهِ التُّرَابُ يُرِيدُونَ ليس له الْخَيْبَةُ وقِيلَ الْمُرَادُ الْحَجَرُ أَنَّهُ يُرْجَمُ بِالْحِجَارَةِ إِذَا زَنَى وَلَكِنَّهُ لَا يُرْجَمُ بِالْحِجَارَةِ كُلُّ زَانٍ بَلْ لِلْمُحْصَنِ فَقَطْ وظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَدَ إِنَّمَا يُلْحَقُ بِالْأَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْفِرَاشِ وهُوَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بَعْدَ إِمْكَانِ الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ أَوْ الْفَاسِدِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ ورُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ قُلْتُ وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وعثمان الخ) حديث

باب في الرجل يرى المرأة فتعجبه

الولد للفراش وروي مِنْ طَرِيقِ بِضْعَةٍ وَعِشْرِينَ نَفْسًا مِنَ الصَّحَابَةِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أبا داود (باب في الرجل يرى المرأة فتعجبه) [1158] قَوْلُهُ (فَقَضَى حَاجَتَهُ) أَيْ مِنَ الْجِمَاعِ (أَقْبَلَتْ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ) شَبَّهَهَا بِالشَّيْطَانِ فِي صِفَةِ الْوَسْوَسَةِ وَالدُّعَاءِ إِلَى الشَّرِّ (فَلْيَأْتِ أَهْلَهُ) أَيْ فَلْيُوَاقِعْهَا (فَإِنَّ مَعَهَا) أَيْ مَعَ امْرَأَتِهِ (مِثْلَ الَّذِي مَعَهَا) أَيْ فَرْجًا مِثْلَ فَرْجِهَا وَيَسُدُّ مَسَدَّهَا والْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ولَفْظُهُ هَكَذَا إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ وَتُدْبِرُ فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ إِذَا أَحَدُكُمْ أَعْجَبَتْهُ الْمَرْأَةُ فَوَقَعَتْ فِي قَلْبِهِ فَلْيَعْمِدْ إِلَى امْرَأَتِهِ فَلْيُوَاقِعْهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَرُدُّ مَا فِي نَفْسِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ رَأَى امْرَأَةً فَتَحَرَّكَتْ شَهْوَتُهُ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ إِنْ كَانَتْ فَلْيُوَاقِعْهَا لِيَدْفَعَ شَهْوَتَهُ وتسكن نفسه قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ) قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةً فَأَعْجَبَتْهُ فَأَتَى سَوْدَةَ وَهِيَ تَصْنَعُ طِيبًا وَعِنْدَهَا نِسَاءٌ فَأَخْلَيْنَهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ رَأَى امْرَأَةً تُعْجِبُهُ فَلْيَقُمْ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّ مَعَهَا مِثْلَ الَّذِي مَعَهَا رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَهِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ هُوَ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ

باب ما جاء في حق الزوج على المرأة

يَعْنِي يُقَالُ لِهِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ صَاحِبِ الدَّسْتَوَائِيِّ لِأَنَّهُ كَانَ تَاجِرًا يَبِيعُ الْبَزَّ الدَّسْتَوَائِيَّ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ هُوَ الْحَافِظُ الْحُجَّةُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَنْبَرَ الرَّبَعِيُّ مَوْلَاهُمْ الْبَصْرِيُّ التَّاجِرُ كَانَ يَبِيعُ الثِّيَابَ الْمَجْلُوبَةَ مِنْ دَسْتَوَاءَ إِحْدَى كُوَرِ الْأَهْوَازِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهُ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ انْتَهَى وقَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ طَاهِرٍ الْفَتَنِيُّ فِي الْمُغْنِي الدَّسْتَوَائِيُّ بِمَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ سِينٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَفَتْحِ مُثَنَّاةٍ فَوْقَ وَبِهَمْزَةٍ بَعْدَ أَلِفٍ وَقِيلَ بِنُونٍ مَكَانَ هَمْزَةٍ نِسْبَةً إِلَى دَسْتَوَاءَ كَوْرَةٌ مِنَ الْأَهْوَازِ أَوْ قَرْيَةٌ وَقِيلَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَيْعِ ثِيَابٍ تُجْلَبُ مِنْهَا وَيُقَالُ هِشَامٌ صَاحِبُ الدَّسْتَوَائِيِّ أَيْ صَاحِبُ الْبَزِّ الدَّسْتَوَائِيِّ انْتَهَى (هُوَ هِشَامُ بْنُ سَنْبَرَ) بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ عَلَى وَزْنِ جَعْفَرٍ فَاسْمُ وَالِدِ هِشَامٍ سَنْبَرُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ) [1159] قَوْلُهُ (لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا) أَيْ لِكَثْرَةِ حُقُوقِهِ عَلَيْهَا وَعَجْزِهَا عَنِ الْقِيَامِ بِشُكْرِهَا وفِي هَذَا غَايَةُ الْمُبَالَغَةِ لِوُجُوبِ إِطَاعَةِ الْمَرْأَةِ فِي حَقِّ زَوْجِهَا فَإِنَّ السَّجْدَةَ لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ اللَّهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ) أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ مَرْفُوعًا لَا تُؤْذِي امْرَأَةٌ زَوْجَهَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا قَالَتْ زَوْجَتُهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ لَا تُؤْذِيهِ قَاتَلَكِ اللَّهُ فَإِنَّمَا هُوَ دَخِيلٌ يُوشِكَ أَنْ يُفَارِقَ إِلَيْنَا كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ (وَسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَيْنَهُمَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ من مسلمة الفتح (وعائشة وبن عَبَّاسٍ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَضِيَّةُ السُّجُودِ ثابتة من حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَمِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ عِنْدَ الطبراني ومن حديث عائشة عند أحمد وبن مَاجَهْ وَمِنْ حَدِيثِ عِصْمَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ غير هؤلاء انتهى قلت أخرج أحمد وبن مَاجَهْ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا ولَوْ أَنَّ رَجُلًا أَمَرَ امْرَأَتَهُ أَنْ تَنْقُلَ مِنْ جَبَلٍ أَحْمَرَ إِلَى جَبَلٍ أَسْوَدَ وَمِنْ جَبَلٍ أَسْوَدَ إِلَى جَبَلٍ أَحْمَرَ لَكَانَ نولها أن تفعل قال الشوكاني ساقه بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وفِيهِ مَقَالٌ وَبَقِيَّةُ إِسْنَادِهِ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ انْتَهَى (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى) قَالَ لَمَّا قَدِمَ مُعَاذٌ مِنْ

الشَّامِ سَجَدَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا هَذَا يَا مُعَاذُ قَالَ أَتَيْتُ الشَّامَ فَوَافَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِأَسَاقِفَتِهِمْ وَبَطَارِقَتِهِمْ فَوَدِدْتُ فِي نَفْسِي أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ لَكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَفْعَلُوا فَإِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي أوفى ساقه بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَالِحٍ (وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ الترمذي في هذا الباب و (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَصْلُحُ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ وَلَوْ صَلُحَ لِبَشَرٍ أَنْ يَسْجُدَ لِبَشَرٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا مِنْ عِظَمِ حَقِّهِ عَلَيْهَا والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ كَانَ مِنْ قَدَمِهِ إِلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ قُرْحَةً تَنْبَجِسُ بِالْقَيْحِ وَالصَّدِيدِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْهُ تَلْحَسُهُ ما أدت حقه كذا في المنتقى وبن عُمَرَ لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثَ فِي مَعْنَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مَا لَفْظُهُ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ فِي أَنَّهُ لَوْ صَلُحَ السُّجُودُ لِبَشَرٍ لَأُمِرَتْ بِهِ الزَّوْجَةَ لِزَوْجِهَا يَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ وَيُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا انْتَهَى [1160] قَوْلُهُ (إِذَا الرَّجُلُ دَعَا زَوْجَتَهُ لِحَاجَتِهِ) أَيْ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ كِنَايَةً عَنِ الْجِمَاعِ (فَلْتَأْتِهِ) أَيْ لِتُجِبْ دَعْوَتَهُ (وَإِنْ كَانَتْ عَلَى التَّنُّورِ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ تَخْبِزُ عَلَى التَّنُّورِ مَعَ أَنَّهُ شُغْلُ شَاغِلٍ لَا يُتَفَرَّغُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بَعْدَ انقضائه قال بن الْمَلِكِ هَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْخُبْزُ لِلزَّوْجِ لِأَنَّهُ دَعَاهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَقَدْ رَضِيَ بِإِتْلَافِ مَالِ نَفْسِهِ وَتَلَفُ الْمَالِ أَسْهَلُ مِنْ وقوع الزوج في الزنى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ ورَوَى الْبَزَّارُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِلَفْظِ إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْتُجِبْ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ قَتَبٍ [1161] قَوْلُهُ (أَيُّمَا امْرَأَةٍ بَاتَتْ) مِنَ الْبَيْتُوتَةِ وفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَاتَتْ

باب ما جاء في حق المرأة على زوجها

مِنَ الْمَوْتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَاتَتْ وَكَذَلِكَ هُوَ في رواية بن مَاجَهْ (وَزَوْجُهَا عَنْهَا رَاضٍ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (دَخَلَتِ الْجَنَّةَ) لِمُرَاعَاتِهَا حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ عِبَادِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ كَذَا فِي النَّيْلِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا) [1162] قَوْلُهُ (أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) بِضَمِّ اللَّامِ وَيُسَكَّنُ لِأَنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ يُوجِبُ حُسْنَ الْخُلُقِ والإحسان إلى كافة الانسان (وخياركم خياركم لنسائه) لِأَنَّهُنَّ مَحَلُّ الرَّحْمَةِ لِضَعْفِهِنَّ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن عائشة) أخرجه الترمذي (وبن عباس) أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ إِلَى قَوْلِهِ خُلُقًا [1163] قَوْلُهُ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) قَالَ الْقَاضِي الِاسْتِيصَاءُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ وَالْمَعْنَى أُوصِيكُمْ بِهِنَّ خَيْرًا فَاقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ (فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ) جَمْعُ عَانِيَةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَانِي الْأَسِيرُ (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) كَالنُّشُوزِ وَسُوءِ الْعِشْرَةِ وَعَدَمِ التَّعَفُّفِ (فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ

باب ما جاء في كراهية إتيان النساء في أدبارهن

الْمَكْسُورَةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مُجَرِّحٍ أَوْ شَدِيدٍ شَاقٍّ (فَلَا يُوطِئْنَ) بِهَمْزَةٍ أَوْ بِإِبْدَالِهَا مِنْ بَابِ الافعال قاله القارىء (فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا يَأْذَنَّ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْخُلَ مَنَازِلَ الْأَزْوَاجِ والنَّهْيُ يَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) رَوَى مُسْلِمٌ مَعْنَاهُ عَنْ جَابِرٍ في قصته حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَوْلُهُ (يَعْنِي أَسْرَى) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ السِّينِ جَمْعُ أَسِيرٍ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إِتْيَانِ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ) [1164] قَوْلُهُ (عَنْ عِيسَى بْنِ حِطَّانَ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ الرِّقَاشِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ في الخلاصة وثقه بن حِبَّانَ (عَنْ مُسْلِمِ بْنِ سَلَّامٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَبِتَشْدِيدِ اللَّامِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وثقه بن حِبَّانَ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَلِيُّ بْنُ طَلْقِ بْنِ الْمُنْذِرِ الْحَنَفِيُّ السُّحَيْمِيُّ الْيَمَامِيُّ صَحَابِيٌّ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ وَعَنْهُ مُسْلِمُ بْنُ سَلَّامٍ (فِي الْفَلَاةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَلَاةُ الْقَفْرُ أَوْ الْمَفَازَةُ لَا مَاءَ فيها أو الصحراء الواسعة جمع فلا وَفَلَوَاتٍ وَفُلُوٍّ وَفُلِيٍّ وَفِلِيٍّ (فَتَكُونُ مِنْهُ الرُّوَيْحَةُ) تَصْغِيرُ الرَّائِحَةِ غَرَضُ السَّائِلِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْقَضَ الْوُضُوءَ بِهَذَا الْقَدْرِ (إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ) أَيْ خَرَجَ الرِّيحُ الَّتِي لَا صَوْتَ له من أسفل الانسان قاله القارىء قَالَ فِي الْقَامُوسِ فَسَا فَسْوًا وَفُسَاءً مَشْهُورٌ أَخْرَجَ رِيحًا مِنْ مَفْسَاهُ بِلَا صَوْتٍ (فَلْيَتَوَضَّأْ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِذَا فَسَا أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَنْصَرِفْ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ (وَلَا تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي

أَعْجَازِهِنَّ) جَمْعُ عَجُزٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْجِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ مُؤَخَّرُ الشَّيْءِ وَالْمُرَادُ الدُّبُرُ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الْفُسَاءَ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الدُّبُرِ وَيُزِيلُ الطَّهَارَةَ وَالتَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ ذَكَرَ مَا هُوَ أَغْلَظُ مِنْهُ فِي رَفْعِ الطَّهَارَةِ زَجْرًا وَتَشْدِيدًا كَذَا فِي اللُّمُعَاتِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ (وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنَ الْحَقِّ لَا تَأْتُوا النساء في أدبارهن أخرجه أحمد والترمذي وبن ماجه (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ الترمذي وأقره وصححه بن حِبَّانَ قَوْلُهُ (وَلَا أَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ حَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ السُّحَيْمِيِّ) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ طَلْقُ بْنُ عَلِيٍّ السُّحَيْمِيُّ وقد ذكر الحافظ بن حَجَرٍ عِبَارَةَ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وفِيهِ عَلِيُّ بْنُ طَلْقٍ السُّحَيْمِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْحَافِظُ فِي هَذَا الْكِتَابِ عَلِيُّ بْنُ طَلْقِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ سُحَيْمٍ نَسَبَهُ خَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ الْحَنَفِيُّ الْيَمَامِيُّ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوُضُوءِ مِنَ الرِّيحِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وعَنْهُ مُسْلِمُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ لَا أَعْرِفُ لِعَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا أَعْرِفُ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ السُّحَيْمِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فَكَأَنَّهُ رَأَى أَنَّ هَذَا رَجُلٌ آخَرُ وقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ السُّحَيْمِيُّ أَظُنُّهُ وَالِدَ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ قُلْتُ هُوَ ظَنٌّ قَوِيٌّ لِأَنَّ النَّسَبَ الَّذِي ذَكَرَهُ خَلِيفَةُ هُنَا هُوَ النَّسَبُ الْمُتَقَدِّمُ فِي تَرْجَمَةِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ مُخَالَفَةٍ وَجَزَمَ بِهِ الْعَسْكَرِيُّ انْتَهَتْ عِبَارَةُ تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بِلَفْظِهَا (وَكَأَنَّهُ) أَيْ كَأَنَّ الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ وَهَذَا مَقُولَةُ التِّرْمِذِيِّ [1166] قَوْلُهُ (وَرَوَى وَكِيعٌ هَذَا الْحَدِيثَ) أَيْ حَدِيثَ عَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ الْمَذْكُورَ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ إِلَخْ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُسْلِمٍ ثِقَةٌ شِيعِيٌّ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ عَلِيٍّ) هُوَ عَلِيُّ بْنُ طَلْقٍ الْمَذْكُورُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ

باب ما جاء في كراهية خروج النساء في الزينة

التِّرْمِذِيُّ [1165] قَوْلُهُ (عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ حِزَامٍ الْحِزَامِيِّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ سليمان) الأسدي الوالبي المدني روي عن بن عباس وكريب مولى بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (لَا ينظر الله) ي نَظَرَ رَحْمَةٍ (أَتَى رَجُلًا) أَيْ لَاطَ بِهِ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مُسْلِمٍ) ثِقَةٌ شِيعِيٌّ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ عَلِيٍّ) هُوَ عَلِيُّ بْنُ طلق المذكور كما صرح به الترمذي 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الزِّينَةِ) [1167] قَوْلُهُ (مَثَلُ الرَّافِلَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرَّافِلَةُ هِيَ الَّتِي تَرْفُلُ فِي ثَوْبِهَا أَيْ تَتَبَخْتَرُ وَالرَّفَلُ الذَّيْلُ وَرَفَلَ إِزَارَهُ إِذَا أَسْبَلَهُ وَتَبَخْتَرَ فِيهِ انْتَهَى (فِي الزِّينَةِ) أَيْ فِي ثِيَابِ الزِّينَةِ (فِي غَيْرِ أَهْلِهَا) أَيْ بَيَّنَ مَنْ يَحْرُمُ نَظَرُهُ إِلَيْهَا (كَمَثَلِ ظُلْمَةٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ تَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهَا ظُلْمَةٌ (لَا نُورَ لَهَا) الضَّمِيرُ لِلْمَرْأَةِ قَالَ الدَّيْلَمِيُّ يُرِيدُ الْمُتَبَرِّجَةَ بِالزِّينَةِ لِغَيْرِ زَوْجِهَا قَوْلُهُ (وَمُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ يُضَعِّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَهُوَ صَدُوقٌ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ وَلَا سِيَّمَا فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دينار وعبيدة بالتصغير وهو بن نشيط

باب ما جاء في الغيرة

14 - (باب ما جاء في الْغَيْرَةُ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا رَاءٌ قَالَ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ تَغَيُّرِ الْقَلْبِ وَهَيَجَانِ الْغَضَبِ بِسَبَبِ الْمُشَارَكَةِ فِيمَا بِهِ الِاخْتِصَاصُ وَأَشَدُّ مَا يَكُونُ ذَلِكَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ هَذَا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ وَأَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَحْسَنُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ مَا فُسِّرَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ قَالَ عِيَاضٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْغَيْرَةُ فِي حَقِّ اللَّهِ الْإِشَارَةَ إِلَى تَغْيِيرِ حَالِ فَاعِلِ ذَلِكَ وقِيلَ الْغَيْرَةُ فِي الْأَصْلِ الْحَمِيَّةُ وَالْأَنَفَةُ وهُوَ تَفْسِيرٌ بِلَازِمِ التَّغَيُّرِ فَيَرْجِعُ إِلَى الْغَضَبِ وقَدْ نَسَبَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ الْغَضَبَ وَالرِّضَا وقَالَ بن الْعَرَبِيِّ التَّغَيُّرُ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ بِالدَّلَالَةِ الْقَطْعِيَّةِ فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ بِلَازِمِهِ كَالْوَعِيدِ وَإِيقَاعِ الْعُقُوبَةِ بِالْفَاعِلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى [1168] قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الْغَيْرَةِ وَمَعْنَى غَيْرَةِ اللَّهِ مُبَيَّنٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (وَالْمُؤْمِنُ يَغَارُ) تَقَدَّمَ مَعْنَى الْغَيْرَةِ فِي الْآدَمِيِّ (وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ) مِنَ الْفَوَاحِشِ وَسَائِرِ الْمَنْهِيَّاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْكُسُوفِ وَالنِّكَاحِ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (يُكَنَّى أَبَا الصَّلْتِ) بِمَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ لَامٍ وَبِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعَطَّارُ إِلَخْ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَهُوَ مَقُولَةُ تِلْمِيذِ التِّرْمِذِيِّ وَلَيْسَ في بعض

باب ما جاء في كراهية أن تسافر المرأة وحدها

النُّسَخِ حَدَّثَنَا أَبُو عِيسَى بَلْ فِيهِ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْعَطَّارُ إِلَخْ قَوْلُهُ (هُوَ فَطِنٌ كَيِّسٌ) أَيْ حَاذِقٌ عَاقِلٌ وَفَطِنٌ بِفَتْحِ الْفَاءِ وكسر الطاء من الفطنة وكيس كحيد مِنَ الْكَيْسِ وَهُوَ خِلَافُ الْحُمْقِ وَالْعَقْلِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ وَحَدَهَا) [1169] قَوْلُهُ (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) مَفْهُومُهُ أَنَّ النَّهْيَ الْمَذْكُورَ يَخْتَصُّ بِالْمُؤْمِنَاتِ فَتَخْرُجُ الْكَافِرَاتُ كِتَابِيَّةً أَوْ حَرْبِيَّةً وَقَدْ قَالَ بِهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وأُجِيبَ بِأَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الَّذِي يَسْتَمِرُّ لِلْمُتَّصِفِ بِهِ خِطَابُ الشَّارِعِ فَيَنْتَفِعُ بِهِ وَيَنْقَادُ لَهُ فَلِذَلِكَ قُيِّدَ بِهِ أَوْ أَنَّ الْوَصْفَ ذُكِرَ لِتَأْكِيدِ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يُقْصَدْ بِهِ إِخْرَاجُ مَا سِوَاهُ قَالَهُ الْحَافِظُ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا) وَقَعَ فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَسِيرَةَ ثَلَاثِ لَيَالٍ والْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا أَوْ ثَلَاثُ لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا (أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ البخاري ومسلم (وبن عباس وبن عُمَرَ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِهِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ) لَكِنْ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إِلَى مَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ

وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَحْرُمُ لَهَا الْخُرُوجُ فِي كُلِّ سَفَرٍ طَوِيلًا كَانَ أَوْ قَصِيرًا وَلَا يَتَوَقَّفُ حُرْمَةُ الْخُرُوجِ بِغَيْرِ الْمَحْرَمِ عَلَى مسافة القصر لإطلاق حديث بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ لَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي تَحْتَ هَذَا الْحَدِيثِ كَذَا أُطْلِقَ السَّفَرُ وَقَيَّدَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي الْبَابِ فَقَالَ مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ وَمَضَى فِي الصَّلَاةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُقَيَّدًا بِمَسِيرَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وعَنْهُ روايات أخرى وحديث بن عُمَرَ فِيهِ مُقَيَّدًا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وعَنْهُ رِوَايَاتٌ أُخْرَى أَيْضًا وقَدْ عَمِلَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ بِالْمُطْلَقِ لِاخْتِلَافِ التَّقْيِيدَاتِ انْتَهَى وحُجَّةُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْمَنْعَ الْمُقَيَّدَ بِالثَّلَاثِ مُتَيَقَّنٌ وَمَا عَدَاهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيُؤْخَذُ بِالْمُتَيَقَّنِ ونُوقِضَ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ الْمُطْلَقَةَ شَامِلَةٌ لِكُلِّ سَفَرٍ فَيَنْبَغِي الْأَخْذُ بِهَا وَطَرْحُ مَا عَدَاهَا فَإِنَّهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ ومِنْ قَوَاعِدِ الْحَنَفِيَّةِ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَتَرْكُ حَمْلِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وخَالَفُوا ذَلِكَ هُنَا وَالِاخْتِلَافُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي الْأَحَادِيثِ التي وقع فيها التقييد بخلاف حديث بن عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِ فِيهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يُبَاحُ لَهَا الْخُرُوجُ إِلَى مَا دون مدة السفر بغير محرم قال بن الْهُمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إِلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا وَأَخْرَجَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ وفِي لَفْظٍ يَوْمٍ وفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُدَ بَرِيدًا يَعْنِي فَرْسَخَيْنِ وَاثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وهُوَ عند بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ولِلطَّبَرَانِيِّ فِي مُعْجَمِهِ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَ وَهِمُوا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَيْسَ فِي هَذِهِ تَبَايُنٌ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهَا فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ بِحَسَبِ الْأَسْئِلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كُلُّهُ تَمْثِيلًا لِأَقَلِّ الْأَعْدَادِ وَالْيَوْمُ الْوَاحِدُ أَوَّلُ الْعَدَدِ وَأَقَلُّهُ وَالِاثْنَانِ أَوَّلُ الْكَثِيرِ وَأَقَلُّهُ وَالثَّلَاثَةُ أَوَّلُ الْجَمْعِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ هَذَا فِي قِلَّةِ الزَّمَنِ لَا يَحِلُّ لَهَا السَّفَرُ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ فَكَيْفَ إِذَا زَادَ انْتَهَى وحَاصِلُهُ أَنَّهُ نَبَّهَ بِمَنْعِ الْخُرُوجِ أَقَلَّ كُلِّ عَدَدٍ عَلَى مَنْعِ خُرُوجِهَا عَنِ الْبَلَدِ مُطْلَقًا إِلَّا بِمَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ وقَدْ صَرَّحَ بِالْمَنْعِ مُطْلَقًا أَنَّ حَمْلَ السَّفَرِ على اللغوي ما في الصحيحين عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ والسَّفَرُ لُغَةً يُطْلَقُ عَلَى دُونِ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الْمُحَقِّقِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ أَحْمَدُ لَا يَجِبُ الْحَجُّ عَلَى

باب ما جاء في كراهية الدخول على المغيبات

الْمَرْأَةِ إِذَا لَمْ تَجِدْ مَحْرَمًا وَإِلَى كَوْنِ الْمَحْرَمِ شَرْطًا فِي الْحَجِّ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالنَّخَعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمْ هَلْ هُوَ شَرْطُ أَدَاءٍ أَوْ شَرْطُ وُجُوبٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ إِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْمَحْرَمُ فِي سَفَرِ الْفَرِيضَةِ ورُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَجَعَلُوهُ مَخْصُوصًا مِنْ عُمُومِ الْأَحَادِيثِ بِالْإِجْمَاعِ وَمِنْ جُمْلَةِ سَفَرِ الْفَرِيضَةِ سَفَرُ الْحَجِّ وأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ سَفَرُ الضَّرُورَةِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ سَفَرُ الِاخْتِيَارِ كَذَا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي وَأَيْضًا قَدْ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ بِلَفْظِ لَا تَحُجَّن امْرَأَةٌ إِلَّا وَمَعَهَا زَوْجٌ وَصَحَّحَهُ أَبُو عَوَانَةَ وفِي رِوَايَةٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا لَا تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ سَفَرَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ تَحُجَّ إِلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا فَكَيْفَ يَخُصُّ سَفَرَ الْحَجِّ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَسْفَارِ وقَدْ قِيلَ إِنَّ اعْتِبَارَ الْمَحْرَمِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ كَانَتْ شَابَّةً لَا فِي حَقِّ الْعَجُوزِ لِأَنَّهَا لَا تُشْتَهَى وقِيلَ لَا فَرْقَ لِأَنَّ لِكُلِّ سَاقِطٍ لَاقِطًا وهُوَ مُرَاعَاةٌ لِلْأَمْرِ النَّادِرِ وَقَدْ احْتَجَّ أَيْضًا مَنْ لَمْ يَعْتَبِرِ الْمَحْرَمَ فِي سَفَرِ الْحَجِّ بِمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ تَؤُمُّ الْبَيْتَ لَا جِوَارَ مَعَهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ ذَلِكَ لَا عَلَى جَوَازِهِ وأُجِيبَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ خَبَرٌ فِي سِيَاقِ الْمَدْحِ وَرَفْعِ مَنَارِ الاسلام فيحمل عَلَى الْجَوَازِ والْأَوْلَى حَمْلُهُ عَلَى مَا قَالَ الْمُتَعَقِّبُ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ كَذَا فِي النَّيْلِ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الدُّخُولِ عَلَى الْمُغِيبَاتِ) جَمْعُ الْمُغِيبَةِ بِضَمِّ الْمِيمِ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَنْ غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا يُقَالُ أَغَابَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا إِذَا غَابَ زَوْجُهَا [1171] قَوْلُهُ (إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّحْذِيرِ وَهُوَ تَنْبِيهٌ لِلْمُخَاطَبِ عَلَى مَحْذُورٍ لِيَحْتَرِزَ عَنْهُ كَمَا قِيلَ إِيَّاكَ وَالْأَسَدَ وقَوْلُهُ إِيَّاكُمْ مَفْعُولٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ

تَقْدِيرُهُ اتَّقُوا وتَقْدِيرُ الْكَلَامِ اتَّقُوا أَنْفُسَكُمْ أَنْ تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ وَالنِّسَاءَ أَنْ يَدْخُلْنَ عَلَيْكُمْ وفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَا تَدْخُلُوا عَلَى النِّسَاءِ وَتَضَمَّنَ مَنْعُ الدُّخُولِ مَنْعَ الْخَلْوَةِ بِهَا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى (أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالْوَاوِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ حَمْوُ المرأة وحموها وحمها وحموها أَبُو زَوْجِهَا وَمَنْ كَانَ مِنْ قِبَلِهِ وَالْأُنْثَى حَمَاةٌ وَحَمْوُ الرَّجُلِ أَبُو امْرَأَتِهِ أَوْ أَخُوهَا أو عمها أو الأحماء ومن قِبَلِهَا خَاصَّةً انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ أَقَارِبُ الزَّوْجِ غَيْرُ آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ لِأَنَّهُمْ مَحَارِمُ الزَّوْجَةِ يَجُوزُ لَهُمْ الْخَلْوَةُ بِهَا وَلَا يوصفون بالموت قال وإنما المراد الأخ وبن الأخ والعم وبن العم وبن الْأُخْتِ وَنَحْوُهُمْ مِمَّا يَحِلُّ لَهُ تَزْوِيجُهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ مُتَزَوِّجَةً وجَرَتِ الْعَادَةُ بِالتَّسَاهُلِ فِيهِ فَيَخْلُو الْأَخُ بِامْرَأَةِ أَخِيهِ فَشُبِّهَ بِالْمَوْتِ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ الْأَجْنَبِيِّ انْتَهَى قُلْتُ مَا قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ وغيره وزاد بن وَهْبٍ فِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ سَمِعْتُ اللَّيْثَ يَقُولُ الْحَمْوُ أَخُو الزَّوْجِ وَمَا أَشْبَهَ مِنْ أقارب الزوج بن الْعَمِّ وَنَحْوِهِ (قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الْمَعْنَى أَنَّ دُخُولَ قَرِيبِ الزَّوْجِ عَلَى امْرَأَةِ الزَّوْجِ يُشْبِهُ الْمَوْتَ فِي الِاسْتِقْبَاحِ وَالْمَفْسَدَةِ أَيْ فَهُوَ مُحَرَّمٌ مَعْلُومُ التَّحْرِيمِ وإِنَّمَا بَالَغَ فِي الزَّجْرِ عَنْهُ وَشَبَّهَهُ بِالْمَوْتِ لِتَسَامُحِ النَّاسِ بِهِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ لِإِلْفِهِمْ بِذَلِكَ حَتَّى كَأَنَّهُ لَيْسَ بِأَجْنَبِيٍّ مِنَ الْمَرْأَةِ فَخَرَجَ هَذَا مَخْرَجَ قَوْلِ الْعَرَبِ الْأَسَدُ الْمَوْتُ وَالْحَرْبُ الْمَوْتُ أَيْ لِقَاؤُهُ يُفْضِي إِلَى الْمَوْتِ وكَذَلِكَ دُخُولُهُ عَلَى الْمَرْأَةِ قَدْ يُفْضِي إِلَى مَوْتِ الدِّينِ أَوِ الَى مَوْتِهَا بِطَلَاقِهَا عِنْدَ غَيْرَةِ الزَّوْجِ أَوِ الَى الرَّجْمِ إِنْ وَقَعَتِ الْفَاحِشَةُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَلَا لَا يَبِيتَنَّ رَجُلٌ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ناكحا أو ذو مَحْرَمٍ (وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وفِي الباب عن بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ لَا يَدْخُلُ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا يُسَافِرُ مَعَهَا إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (عَلَى نَحْوِ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (إِلَّا كَانَ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ) بِرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ

الثَّانِي وَيَجُوزُ الْعَكْسُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ والْمَعْنَى يَكُونُ الشَّيْطَانُ مَعَهُمَا يُهَيِّجُ شَهْوَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يلقيا في الزنى [1172] 17 قَوْلُهُ (لَا تَلِجُوا) مِنَ الْوُلُوجِ أَيْ لَا تَدْخُلُوا (عَلَى الْمُغَيَّبَاتِ) أَيْ الْأَجْنَبِيَّاتِ اللَّاتِي غَابَ عَنْهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ أَحَدِكُمْ) أي أيها الرجال والنساء (مجرى الدم) بفتح الْمِيمِ أَيْ مِثْلُ جَرَيَانِهِ فِي بَدَنِكُمْ مِنْ حيث لا ترونه قال الْمَجْمَعُ يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ بِأَنْ جُعِلَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى الْجَرْيِ فِي بَاطِنِ الْإِنْسَانِ وَيَحْتَمِلُ الِاسْتِعَارَةَ لِكَثْرَةِ وَسْوَسَتِهِ (قُلْنَا وَمِنْكَ) أَيْ يَا رَسُولَ اللَّهِ (قَالَ وَمِنِّي) أَيْ وَمِنِّي أَيْضًا (فَأَسْلَمَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَيْ اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ وَبِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ أَسْلَمُ أَنَا مِنْهُ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَوْلُهُ (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ فِي مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَالَ الْحَافِظُ مُجَالِدٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الجيم بن سَعِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ بِسُكُونِ الْمِيمِ أَبُو عَمْرٍو الْكُوفِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ (وَسَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ خَشْرَمٍ) بِالْخَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَتَيْنِ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ شَيْخِ التِّرْمِذِيِّ وَتِلْمِيذِ بن عُيَيْنَةَ ثِقَةٌ (يَعْنِي فَأَسْلَمُ أَنَا مِنْهُ) يَعْنِي قَوْلَهُ فَأَسْلَمُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُتَكَلِّمِ (قَالَ سُفْيَانُ فَالشَّيْطَانُ لَا يُسْلِمُ) يَعْنِي قَوْلَهُ فَأَسْلَمُ لَيْسَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي حَتَّى يَثْبُتَ إِسْلَامُ الشَّيْطَانِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يُسْلِمُ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فَلَا يَبْعُدُ تَخْصِيصُهُ مِنْ فَضْلِهِ بِإِسْلَامِ قرينه انتهى قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَمَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَمَعَهُ شَيْطَانٌ قِيلَ وَمَعَكَ قَالَ نَعَمْ ولَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ وفِي رِوَايَةٍ حَتَّى أَسْلَمَ أَيْ انْقَادَ وَاسْتَسْلَمَ وَكَفَّ عَنْ وَسْوَسَتِي وقِيلَ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ فَسَلِمْتُ مِنْ شَرِّهِ وَقِيلَ إِنَّمَا هُوَ فَأَسْلَمُ بِضَمِّ الْمِيمِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مُسْتَقْبَلٌ أَيْ أَسْلَمُ أَنَا مِنْهُ وَمِنْ شَرِّهِ ويَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ كَانَ شَيْطَانُ آدَمَ كَافِرًا وَشَيْطَانِي مُسْلِمًا انْتَهَى قُلْتُ لَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَكَانَ شَاهِدًا قَوِيًّا لِلْأَوَّلِ وَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِهِ وَلَا على من أخرجه

18 - باب [1173] قَوْلُهُ (عَنْ مُوَرِّقٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ المشددة بن مشمرخ بِفَتْحِ الرَّاءِ كَمُدَحْرَجٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وقَالَ في التقريب مورق بتشديد الراء بن مُشَمْرَجٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا جِيمٌ الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ جَعَلَ الْمَرْأَةَ نَفْسَهَا عَوْرَةً لِأَنَّهَا إِذَا ظَهَرَتْ يُسْتَحَى مِنْها كَمَا يُسْتَحَى مِنَ الْعَوْرَةِ إِذَا ظَهَرَتْ وَالْعَوْرَةُ السَّوْأَةُ وَكُلُّ مَا يُسْتَحَى مِنْهُ إِذَا ظَهَرَ وقِيلَ إِنَّهَا ذَاتُ عَوْرَةٍ (فَإِذَا خَرَجَتِ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ) أَيْ زَيَّنَهَا فِي نَظَرِ الرِّجَالِ وَقِيلَ أَيْ نَظَرَ إِلَيْهَا لِيُغْوِيَهَا وَيُغْوِيَ بِهَا والْأَصْلُ فِي الِاسْتِشْرَافِ رَفْعُ الْبَصَرِ لِلنَّظَرِ إِلَى الشَّيْءِ وَبَسْطُ الْكَفِّ فَوْقَ الْحَاجِبِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يُسْتَقْبَحُ بُرُوزُهَا وَظُهُورُهَا فَإِذَا خَرَجَتْ أَمْعَنَ النَّظَرَ إِلَيْهَا لِيُغْوِيَهَا بِغَيْرِهَا وَيُغْوِيَ غَيْرَهَا بِهَا لِيُوقِعَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا فِي الْفِتْنَةِ أَوْ يُرِيدُ بِالشَّيْطَانِ شَيْطَانُ الْإِنْسِ مِنْ أَهْلِ الْفِسْقِ سَمَّاهُ بِهِ عَلَى التَّشْبِيهِ 9 - باب [1174] قَوْلُهُ (عَنْ بَحِيرِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (بْنِ سَعْدٍ) السحولي الحمصي ثقة نبت من السادسة قوله (لا تؤذي) بصيغة للنفي (مِنَ الْحُورِ) أَيْ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ جَمْعُ حَوْرَاءَ وَهِيَ الشَّدِيدَةُ بَيَاضُ الْعَيْنِ

الشَّدِيدَةُ سَوَادُهَا (الْعِينِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ جَمْعُ عَيْنَاءَ بِمَعْنَى الْوَاسِعَةِ الْعَيْنِ (لَا تُؤْذِيهِ) نَهْيُ مُخَاطَبَةٍ (قَاتَلَكَ اللَّهُ) أَيْ قَتَلَكَ أَوْ لَعَنَكَ أَوْ عَادَاكَ وقَدْ يَرِدُ لِلتَّعَجُّبِ كَتَرِبَتْ يَدَاهُ وقَدْ لَا يُرَادُ بِهِ وُقُوعٌ وَمِنْهُ قَاتَلَ اللَّهُ سَمُرَةَ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (فَإِنَّمَا هُوَ) أَيْ الزَّوْجُ (عِنْدَكَ دَخِيلٌ) أَيْ ضَيْفٌ وَنَزِيلٌ يَعْنِي هُوَ كَالضَّيْفِ عَلَيْكَ وَأَنْتِ لَسْتِ بِأَهْلٍ لَهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا نَحْنُ أَهْلُهُ فَيُفَارِقُكَ وَيَلْحَقُ بِنَا (يُوشِكُ أَنْ يُفَارِقَ إِلَيْنَا) أَيْ وَاصِلًا إِلَيْنَا قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ (وَرِوَايَةُ) إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنِ الشَّامِيِّينَ أَصْلَحُ (وَلَهُ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ مَنَاكِيرُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشِ بْنِ سُلَيْمٍ الْعَنْسِيُّ بِالنُّونِ أَبُو عُتْبَةَ الْحِمْصِيُّ صَدُوقٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ مُخَلِّطٌ فِي غَيْرِهِمْ مِنَ الثَّامِنَةِ وقَالَ الْخَزْرَجِيُّ في الخلاصة وثقه أحمد وبن معين ودهيم والبخاري وبن عَدِيٍّ فِي أَهْلِ الشَّامِ وَضَعَّفُوهُ فِي الْحِجَازِيِّينَ انْتَهَى قُلْتُ رَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدِيثَ الْبَابِ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ شَامِيٌّ حِمْصِيٌّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ حَسَنٌ فَإِنَّ الرُّوَاةَ غَيْرُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ ثِقَاتٌ مَقْبُولُونَ

11 - كتاب الطلاق واللعان الطلاق

أبواب الطلاق واللعان عن الرسول الله صلى الله عليه وسلم 12 11 - كتاب الطلاق واللعان الطَّلَاقُ فِي اللُّغَةِ حَلُّ الْوَثَاقِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ الْإِرْسَالُ وَالتَّرْكُ وفِي الشَّرْعِ حَلُّ عُقْدَةِ التَّزْوِيجِ فَقَطْ وهُوَ مُوَافِقٌ لِبَعْضِ أَفْرَادِ مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ لَفْظٌ جَاهِلِيٌّ وَرَدَ الشَّرْعُ بِتَقْرِيرِهِ وَطَلُقَتِ الْمَرْأَةُ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا أَيْضًا وَهُوَ أَفْصَحُ وَطُلِّقَتْ أَيْضًا بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ اللَّامِ الثَّقِيلَةِ فَإِنْ خُفِّفَتْ فَهُوَ خَاصٌّ بِالْوِلَادَةِ والْمُضَارِعُ فِيهِمَا بِضَمِّ اللَّامِ وَالْمَصْدَرُ فِي الْوِلَادَةِ طَلْقًا سَاكِنَةُ اللَّامِ فَهِيَ طَالِقٌ فِيهِمَا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي واللِّعَانُ مَصْدَرُ لَاعَنَ يُلَاعِنُ مُلَاعَنَةً وَلِعَانًا وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ اللَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ لِبُعْدِهِمَا مِنَ الرَّحْمَةِ أَوْ لِبُعْدِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ وَلَا يَجْتَمِعَانِ أَبَدًا وَاللِّعَانُ وَالِالْتِعَانُ والملاعنة بمعنى ويقال تلاعنا والتعنا ولا عن الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا وَهُوَ شَرْعًا عِبَارَةٌ عَنْ شَهَادَاتٍ مُؤَكَّدَةٍ بِالْأَيْمَانِ مَقْرُونَةٍ بِاللَّعْنِ قَائِمَةٍ مَقَامَ حَدِّ القذف في حقه وحد الزنى فِي حَقِّهَا إِذَا تَلَاعَنَا سَقَطَ حَدُّ الْقَذْفِ عنه وحد الزنى عَنْهَا كَذَا فَسَّرَ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ الله عليها إن كان من الصادقين (باب ما جاء في طلاق السنة) قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَيُشْهِدُ شَاهِدَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رَوَى الطَّبَرِيُّ بسند صحيح عن بن مسعود في قوله تعالى

فطلقوهن لعدتهن قَالَ فِي الطُّهْرِ مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَأَخْرَجَهُ عَنْ جَمْعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كَذَلِكَ [1175] قَوْلُهُ (وَهِيَ حَائِضٌ) قِيلَ هَذِهِ جُمْلَةٌ مِنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ فَالْمُطَابَقَةُ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الصِّفَةَ إِذَا كَانَتْ خَاصَّةً بِالنِّسَاءِ فَلَا حَاجَةَ إليها كذا في عمدة القارىء (فقال) أي بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (هَلْ تَعْرِفُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) إِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ يَعْرِفُهُ وَهُوَ الَّذِي يُخَاطِبُهُ لِيُقَرِّرَهُ عَلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَعَلَى الْقَبُولِ مِنْ نَاقِلِهَا وَأَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَامَّةَ الِاقْتِدَاءُ بِمَشَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ فَقَرَّرَهُ عَلَى مَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ لَا أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ قَالَهُ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ (فَإِنَّهُ) أَيْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (طَلَّقَ امْرَأَتَهُ) اسْمُهَا آمِنَةُ بِنْتُ غِفَارٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَقِيلَ بِنْتُ عَمَّارٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ أَنَّ اسْمَهَا نَوَارٌ بِفَتْحِ النُّونِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ اسْمُهَا آمِنَةً وَلَقَبُهَا النَّوَارَ انْتَهَى (فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا) وفِي رِوَايَةٍ أَوْرَدَهَا صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ عَنِ الصَّحِيحَيْنِ فَتَغَيَّظَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال القارىء فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَةِ الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْضَبُ بِغَيْرِ حَرَامٍ (قَالَ قُلْتُ) أَيْ قَالَ يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَيُعْتَدُّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُحْتَسَبُ (قَالَ) أي بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَمَهْ) أَصْلُهُ فَمَا وَهُوَ اسْتِفْهَامٌ فِيهِ اكْتِفَاءٌ أَيْ فَمَا يَكُونُ إِنْ لَمْ تَحْتَسِبْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ أَصْلِيَّةً وهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ لِلزَّجْرِ أَيْ كُفَّ عَنْ هَذَا الْكَلَامِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وقوع الطلاق بذلك قال بن عبد البر قول بن عُمَرَ فَمَهْ مَعْنَاهُ فَأَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ إِذَا لَمْ يَعْتَدَّ بِهَا إِنْكَارًا لِقَوْلِ السَّائِلِ أَيَعْتَدُّ بِهَا فَكَأَنَّهُ قَالَ وَهَلْ مِنْ ذَلِكَ بُدٌّ (أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ) الْقَائِلُ لِهَذَا الْكَلَامِ هو بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْقِصَّةِ وَيُرِيدُ بِهِ نَفْسَهُ وَإِنْ أَعَادَ الضَّمِيرَ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ وقد جاء في رواية لمسلم عن بن عمر مالي لَا أَعْتَدُّ بِهَا وَإِنْ كُنْتُ عَجَزْتُ وَاسْتَحْمَقْتُ وقوله أرأيت أي أخبرني قال الحافظ بن حَجَرٍ قَوْلُهُ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ أَيْ إِنْ عَجَزَ عَنْ فَرْضٍ لَمْ يُقِمْهُ أَوِ اسْتَحْمَقَ فَلَمْ يَأْتِ بِهِ يَكُونُ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ أَيُسْقِطُ عَنْهُ الطَّلَاقَ حمقه

أَوْ يُبْطِلُهُ عَجْزُهُ وَحُذِفَ الْجَوَابُ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ [1176] قَوْلُهُ (مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا) اخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الرَّجْعَةِ فَذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قُلْتُ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِاسْتِحْبَابِ الرَّجْعَةِ بِأَنَّ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ لَا يَجِبُ فَاسْتِدَامَتُهُ كَذَلِكَ والظَّاهِرُ قَوْلُ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهَا (ثُمَّ لِيُطَلِّقَهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ طَلَاقَ الْحَامِلِ سُنِّيٌّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنِّيٍّ وَلَا بِدْعِيٍّ واخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ طَاهِرًا هَلِ الْمُرَادُ بِهِ انْقِطَاعُ الدَّمِ أَوِ التَّطَهُّرُ بِالْغُسْلِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ والرَّاجِحُ الثَّانِي لِمَا فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ مُرْ عَبْدَ اللَّهِ فَلْيُرَاجِعْهَا فَإِذَا اغْتَسَلَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا الْأُخْرَى فَلَا يَمَسَّهَا حَتَّى يُطَلِّقَهَا وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَهَا فَلْيُمْسِكْهَا قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ يُونُسَ بْنِ جبير عن بن عمر حديث حسن صحيح الخ) حديث بن عُمَرَ هَذَا أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَلَهُ طُرُقٌ وَأَلْفَاظٌ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَهِيَ طَاهِرٌ فَإِنَّهُ يَكُونُ لِلسُّنَّةِ أَيْضًا وَهُوَ قول الشافعي وأحمد) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ مباح

باب ما جاء في الرجل طلق امرأته البتة

وَلَا يَكُونُ بِدْعَةً لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ حِينَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ مَا أَرَدْتَ بِهَا وَلَمْ يَنْهَهُ أَنْ يُرِيدَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وفِيهِ بَحْثٌ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ وأَمَّا عَلَى كَوْنِهِ مُبَاحًا أَوْ حَرَامًا فَلَا انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ حَدِيثُ رُكَانَةَ هَذَا ضَعِيفٌ مُضْطَرِبٌ كَمَا سَتَقِفُ فَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الطَّلْقَاتِ الثَّلَاثِ مُبَاحٌ وَلَا عَلَى وُقُوعِ الثَّلَاثِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَاخْتَلَفُوا فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ فَقَالَ مَالِكٌ طَلَاقُ السُّنَّةِ أَنْ يُطَلِّقَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فِي طُهْرٍ لَمْ يَمَسَّهَا فِيهِ تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ بِرُؤْيَةِ أَوَّلِ الدَّمِ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا أَحْسَنُ مِنَ الطَّلَاقِ ولَهُ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ مَا إِذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا طَلَّقَهَا عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَشْهَبَ وَزَعَمَ الْمِرْغِينَانِيُّ أَنَّ الطَّلَاقَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عِنْدَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ حَسَنٌ وَأَحْسَنُ وَبِدْعِيٌّ فَالْأَحْسَنُ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَهِيَ مَدْخُولٌ بِهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ وَيَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ والْحَسَنُ وَهُوَ طَلَاقُ السُّنَّةِ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَ المدخول بها ثلاثا في ثلاثة أطهار والمدعي أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَكَانَ عَاصِيًا انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ (بَاب مَا جَاءَ فِي الرجل طلق امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ) [1177] قَوْلُهُ (عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ سَعْدٍ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ الزُّبَيْرُ بْنُ سَعْدٍ وفي سنن أبي داود وسنن بن مَاجَهْ الزُّبَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ وكَذَلِكَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمِيزَانِ وَالتَّقْرِيبِ فَهُوَ الصَّحِيحُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الميزان في ترجمته روى عباس عن بن مَعِينٍ ثِقَةٌ وقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لَيْسَ بِشَيْءٍ وقَالَ النَّسَائِيُّ ضَعِيفٌ وهُوَ مَعْرُوفٌ بِحَدِيثٍ فِي طَلَاقِ الْبَتَّةَ وقَالَ فِي التَّقْرِيبِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ وَكَذَلِكَ وَقَعَ في سنن أبي داود وسنن بن مَاجَهْ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ قَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ وَقَالَ هُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ وقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ إِسْنَادُهُ مُضْطَرِبٌ وَلَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ وَسَاقَ حَدِيثَ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ الْمُطَّلِبِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ الْحَدِيثَ وَالشَّافِعِيُّ عَنْ عَمِّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرٍ أَنَّ رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ قَالَ الذَّهَبِيُّ كَأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ عَنْ جَدِّهِ الْجَدَّ الْأَعْلَى وَهُوَ رُكَانَةُ انْتَهَى (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ الْمُطَّلِبِيُّ عَنْ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وعَنْهُ ابْنَاهُ عبد الله ومحمد وثقه بن حِبَّانَ وقَالَ الْبُخَارِيُّ لَمْ يَصِحَّ حَدِيثُهُ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ رُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ

هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْمُطَّلِبِيِّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ ثُمَّ نَزَلَ الْمَدِينَةَ وَمَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ (إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي الْبَتَّةَ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ أَيْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْبَتَّةَ مِنَ الْبَتِّ بِمَعْنَى الْقَطْعِ وَاسْمُ امْرَأَتِهِ سُهَيْمَةُ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ (قَالَ فَهُوَ مَا أَرَدْتُ) وفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ فَرَدَّهَا إِلَيْهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ طَلَاقَ الْبَتَّةِ وَاحِدَةٌ إِذَا لَمْ يُرِدْ بِهَا أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَأَنَّهَا رَجْعِيَّةٌ غَيْرُ بَائِنٍ انْتَهَى قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْحَدِيثِ فَوَائِدُ مِنْهَا الدَّلَالَةُ عَلَى الزَّوْجِ مُصَدَّقٌ بِالْيَمِينِ فِيمَا يَدَّعِيهِ مَا لَمْ يُكَذِّبْهُ ظَاهِرُ اللَّفْظِ ومِنْهَا أَنَّ الْبَتَّةَ مُؤَثِّرَةٌ فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِمَا حَلَفَهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِلَّا وَاحِدَةً وَأَنَّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ يَمِينٌ فَحَلَفَ قَبْلَ أَنْ يُحَلِّفَهُ الْحَاكِمُ لَمْ يُعْتَبَرْ حَلِفُهُ إِذْ لَوْ اعْتُبِرَ لَاقْتَصَرَ عَلَى حَلِفِهِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُحَلِّفْهُ ثَانِيًا ومِنْهَا أَنَّ مَا فِيهِ احْتِسَابٌ لِلْحَاكِمِ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ مُدَّعٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ الزُّبَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ الْهَاشِمِيُّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ مُضْطَرَبٌ فِيهِ تَارَةً قِيلَ فِيهِ ثَلَاثًا وَتَارَةً قِيلَ فِيهِ وَاحِدَةً وأَصَحُّهُ أَنَّهُ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ وَأَنَّ الثَّلَاثَ ذُكِرَتْ فِيهِ عَلَى الْمَعْنَى وقَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثُ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرٍ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ طُرُقَهُ ضَعِيفَةٌ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَقَدْ وَقَعَ الِاضْطِرَابُ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قَوْلُهُ (فَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ جَعَلَ الْبَتَّةَ وَاحِدَةً) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ أَنْتِ طالق البتة فذكر بن الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهَا وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَرَادَ ثَلَاثًا فَهِيَ ثَلَاثٌ وهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وقَالَتْ طَائِفَةٌ الْبَتَّةُ ثلاث روي ذلك عن علي وبن عمر وبن المسيب وعروة والزهري وبن أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ انْتَهَى كلام العيني وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ طَلَاقُ الْبَتَّةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ نَوَى بِهَا اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَهُوَ مَا نَوَى وعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وعِنْدَ مَالِكٍ ثلاث انتهى كلام القارىء (وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ جَعَلَهَا ثَلَاثًا) وَهُوَ مروي عن

باب ما جاء في أمرك بيدك

بن عمر وبن الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ نِيَّةُ الرَّجُلِ إن نوى واحدة فواحدة وإن نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ لَمْ تَكُنْ إِلَّا وَاحِدَةً وهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ قَدْ ذُكِرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ أَنَّ لَفْظَ الْمَصْدَرِ وَاحِدٌ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعَدَدِ فَالثَّلَاثُ وَاحِدٌ اعْتِبَارِيٌّ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ مَجْمُوعٌ فَتَصِحُّ نِيَّتُهُ وأَمَّا الِاثْنَانِ فِي الْحُرَّةِ فَعَدَدٌ مَحْضٌ لَا دَلَالَةَ لِلَّفْظِ الْمُفْرَدِ عَلَيْهِ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ) اعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا جَعَلَ الرَّجُلُ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا وَقَالَ أَمْرُكِ بِيَدِكِ فَإِنْ اخْتَارَتْهُ وَلَمْ تُفَارِقْهُ بَلْ قَرَّتْ عِنْدَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِطَلَاقٍ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا إِذَا فَارَقَتْهُ وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهُوَ طَلَاقٌ وسَتَقِفُ عَلَى مَا فِيهِ مِنَ اخْتِلَافِ أَهْلِ الْعِلْمِ [1178] قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ غَفْرًا) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ اغْفِرْ غَفْرًا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ طَلَبَ الْمَغْفِرَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ جَعَلَ سَمَاعَ هَذَا الْقَوْلِ مَخْصُوصًا بِالْحَسَنِ يَعْنِي أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ قَتَادَةَ أَيْضًا مِثْلَهُ انْتَهَى وقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ سَمَاعُهُ مِنَ الْحَسَنِ عَلَى الْجَزْمِ وَالْيَقِينِ فَلِذَا قَالَهُ جَزْمًا بَلْ حَصْرًا ولَمْ يَكُنْ سَمَاعُهُ مِنْ قَتَادَةَ بِهَذِهِ الرُّتْبَةِ فَذَكَرَهُ بَعْدَ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِسَبَبِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ السَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ انْتَهَى كَذَا فِي حَاشِيَةِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ قُلْتُ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ كَانَ يَنْبَغِي لِأَيُّوبَ أَنْ يَقُولَ فِي جَوَابِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ لَا إِلَّا الْحَسَنَ وفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ لَكِنَّهُ غَفَلَ عَنْ ذِكْرِ الْحَدِيثِ المرفوع ثم تذكر على الفور فاستغفروا قال اللَّهُمَّ غَفْرًا إِلَّا مَا حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ كَثِيرٍ إِلَخْ واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (عَنْ كَثِيرٍ مَوْلَى بَنِي سَمُرَةَ

قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ كَثِيرُ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ الْبَصْرِيُّ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قال العجلي تابعي ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَوْلُهُ (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ثَلَاثٌ) أَيْ إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَهِيَ ثَلَاثٌ (فَسَأَلْتُهُ) أَيْ فَسَأَلْتُ كَثِيرًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ سَأَلْتُهُ إِنَّكَ حَدَّثْتَ قَتَادَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ (فَلَمْ يَعْرِفْهُ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ أَيُّوبُ فَقَدِمَ عَلَيْنَا كَثِيرٌ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ مَا حَدَّثْتُ بِهَذَا قَطُّ (فَأَخْبَرْتُهُ) أَيْ فَأَخْبَرْتُ قَتَادَةَ بِمَا قَالَ كَثِيرٌ فَقَالَ (أَيْ قَتَادَةُ نَسِيَ) أَيْ كَثِيرٌ وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَقَالَ بَلَى وَلَكِنَّهُ نَسِيَ اعْلَمْ أَنَّ إِنْكَارَ الشَّيْخِ أَنَّهُ حَدَّثَ بِذَلِكَ إِنْ كَانَ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَزْمِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ عِلَّةٌ قَادِحَةٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقَةِ الْجَزْمِ بَلْ عَدَمُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ بِدُونِ تَصْرِيحٍ بِالْإِنْكَارِ كَمَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ قَادِحًا فِي الْحَدِيثِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (وَلَمْ يُعْرَفْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ كَلَامَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ (وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ حَافِظًا صَاحِبَ حَدِيثٍ) لَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ أَرَادَ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ نَصْرٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَرْفُوعًا وَكَانَ ثِقَةً حَافِظًا وَرِوَايَتُهُ مَرْفُوعًا زِيَادَةٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ الْحَافِظِ مَقْبُولَةٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ هِيَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ) يَعْنِي إِذَا قَالَ رَجُلٌ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ فَفَارَقَتْهُ فَهِيَ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ ولَمْ يُصَرِّحْ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّ هَذِهِ الْوَاحِدَةَ بَائِنَةٌ أَوْ رَجْعِيَّةٌ وعِنْدَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هي واحدة رجعية روى محمد في موطإه عن

خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَهُ فَأَتَاهُ بَعْضُ بَنِي أَبِي عَتِيقٍ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ فَقَالَ لَهُ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ مَلَّكْتُ امْرَأَتِي أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَفَارَقَتْنِي فَقَالَ مَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْقَدَرُ قَالَ لَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ارْتَجِعْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ وَأَنْتَ أَمْلَكُ بِهَا وقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ بَعْدَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ هَذَا عِنْدَنَا عَلَى مَا نَوَى الزَّوْجُ فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَهُوَ خَاطِبٌ مِنَ الْخُطَّابِ وإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى كَلَامُهُ قَوْلُهُ (وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الْقَضَاءُ مَا قَضَتْ) أَيْ الْحُكْمُ مَا نَوَتْ مِنْ رَجْعِيَّةٍ أَوْ بَائِنَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثًا لِأَنَّ الْأَمْرَ مُفَوَّضٌ إِلَيْهَا وهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا صرح به الإمام محمد في موطإه وقَدْ عَرَفْتَ قَوْلَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ لِبَعْضِ بَنِي أَبِي عَتِيقٍ ارْتَجِعْهَا إِنْ شِئْتَ فَإِنَّمَا هِيَ وَاحِدَةٌ إِلَخْ فَلَعَلَّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثابت روايتين والله تعالى أعلم وقال بن عُمَرَ إِذَا جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا وَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ (وَقَالَ لَمْ أَجْعَلْ أَمْرَهَا بِيَدِهَا إِلَّا فِي وَاحِدَةٍ اسْتُحْلِفَ الزَّوْجُ وَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ) رَوَى الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ في موطإه عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا مَلَّكَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَالْقَضَاءُ مَا قَضَتْ إِلَّا أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهَا فَيَقُولَ لَمْ أُرِدْ إِلَّا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ وَيَكُونُ أَمْلَكَ بِهَا فِي عِدَّتِهَا (وَذَهَبَ سُفْيَانُ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ إِلَى قَوْلِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ) وَتَقَدَّمَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ (وَأَمَّا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ فقَالَ الْقَضَاءُ مَا قَضَتْ) وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ مَلَّكَ امْرَأَتَهُ أَمْرَهَا فَقَالَتْ أَنْتَ الطَّلَاقُ فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَتْ أَنْتَ الطَّلَاقُ فَقَالَ بِفِيكِ الْحَجَرُ ثُمَّ قَالَتْ أَنْتَ الطَّلَاقُ فَقَالَ بِفِيكِ الْحَجَرُ فَاخْتَصَمَا إِلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَاسْتَحْلَفَهُ مَا مَلَّكَهَا إِلَّا وَاحِدَةً وَرَدَّهَا إِلَيْهِ قَالَ مَالِكٌ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَكَانَ الْقَاسِمُ يُعْجِبُهُ هَذَا الْقَضَاءُ وَيَرَاهُ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي ذَلِكَ وَأَحَبَّهُ إِلَيْهِ انْتَهَى مَا فِي الْمُوَطَّإِ قَالَ الشَّيْخُ سَلَامُ اللَّهِ فِي الْمُحَلَّى فِي شَرْحِ الْمُوَطَّا قَوْلُهُ وَهَذَا أَحْسَنُ أَيْ كَوْنُ الْقَضَاءِ مَا قَضَتْ إِلَّا أَنْ يُنْكِرَهَا الزَّوْجُ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الَّتِي يُجْعَلُ أَمْرُهَا بِيَدِهَا أَوْ يُمَلَّكُ أَمْرَهَا وَهِيَ الْمُمَلَّكَةُ فَلَوْ قَالَتْ طَلَّقْتُ نَفْسِي ثَلَاثًا وَقَالَ مَا أَرَدْتُ ذَلِكَ بَلِ أَرَدْتُ تَمْلِيكِي لَكِ نَفْسَكِ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ مَثَلًا فَالْقَوْلُ لَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ مَا أَرَدْتُ بالتمليك

باب ما جاء في الخيار المراد به التخيير

لَكَ شَيْئًا أَبَدًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَلْ يَقَعُ مَا أَوْقَعَتْ هَذَا فِي الْمُمَلَّكَةِ وأَمَّا الْمُخَيَّرَةُ فَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا يَقَعُ عِنْدَهُ ثَلَاثٌ وَإِنْ أَنْكَرَهَا الزَّوْجُ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ مَالِكٍ كما ذكره بن أَبِي زَيْدٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَقَعُ فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ عَلَى مَا نَوَى الزَّوْجُ فَإِنْ وَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وإِنْ ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ وفِي اخْتِيَارِي يَقَعُ وَاحِدَةً بَائِنَةً وإِنْ نَوَى الزَّوْجُ ثَلَاثًا وعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقَعُ رَجْعِيَّةً فِي الْمُمَلَّكَةِ والمخيرة كليهما وهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ انْتَهَى مَا فِي الْمُحَلَّى (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ) وَلَمْ يَذْكُرْ التِّرْمِذِيُّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ عَرَفْتَ قَوْلَهُ آنِفًا وَهُوَ أَنَّهُ يَقَعُ عِنْدَهُ رَجْعِيَّةً فِي الْمُمَلَّكَةِ وَالْمُخَيَّرَةِ كِلْتَيْهِمَا (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخِيَارِ الْمُرَادُ بِهِ التَّخْيِيرُ) وَهُوَ جَعْلُ الطَّلَاقِ إِلَى الْمَرْأَةِ فَإِنْ لَمْ تَمْتَثِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ [1179] قَوْلُهُ (خَيَّرَنَا) وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ خَيَّرَ نِسَاءَهُ (أَفَكَانَ طَلَاقًا) اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ أَيْ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا لِأَنَّهُنَّ اخْتَرْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْخِيَارِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَبِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَقُولُ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ خَيَّرَ زَوْجَتَهُ فَاخْتَارَتْهُ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ طَلَاقٌ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا هَلْ يَقَعُ طَلْقَةً وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنًا أَوْ يَقَعُ ثَلَاثًا وحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَلِيٍّ إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَإِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إِنْ اخْتَارَتْ

نَفْسَهَا فَثَلَاثٌ وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وعن عمرو بن مَسْعُودٍ إِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَعَنْهُمَا رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ ويُؤَيِّدُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ التَّخْيِيرَ تَرْدِيدٌ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَلَوْ كَانَ اخْتِيَارُهَا لِزَوْجِهَا طَلَاقًا لَاتَّحَدَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اخْتِيَارَهَا لِنَفْسِهَا بِمَعْنَى الْفِرَاقِ وَاخْتِيَارَهَا لِزَوْجِهَا بِمَعْنَى الْبَقَاءِ فِي العصمة وقد أخرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ زَاذَانَ قَالَ كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَلِيٍّ فَسُئِلَ عَنِ الْخِيَارِ فَقَالَ سَأَلَنِي عَنْهُ عُمَرُ فَقُلْتُ إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية قَالَ لَيْسَ كَمَا قُلْتُ إِنْ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَلَا شَيْءَ قَالَ فَلَمْ أَجِدْ بُدًّا مِنْ مُتَابَعَتِهِ فَلَمَّا وُلِّيتُ رَجَعْتُ إِلَى مَا كُنْتُ أَعْرِفُ قَالَ عَلِيٌّ وَأَرْسَلَ عُمَرُ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَالَ فَذَكَرَ مِثْلَ مَا حَكَاهُ عنه الترمذي وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَلِيٍّ نَظِيرَ مَا حَكَاهُ عَنْهُ زَاذَانُ مِنَ اخْتِيَارِهِ وأَخَذَ مَالِكٌ بِقَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ لِكَوْنِهَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا يَقَعُ ثَلَاثًا بِأَنَّ مَعْنَى الْخِيَارِ بَتُّ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إِمَّا الْأَخْذُ وَإِمَّا التَّرْكُ فَلَوْ قُلْنَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا تَكُونُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً لَمْ يُعْمَلْ بِمُقْتَضَى اللَّفْظِ إِنَّهَا تَكُونُ بَعْدُ فِي أَسْرِ الزَّوْجِ وَتَكُونُ كَمَنْ خُيِّرَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَاخْتَارَ غَيْرَهُمَا وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وبن مَسْعُودٍ فِيمَا إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ إِلَّا إِيرَادُ السَّابِقِ وقَالَ الشَّافِعِيُّ التَّخْيِيرُ كِنَايَةٌ فَإِذَا خَيَّرَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ وَأَرَادَ بِذَلِكَ تَخْيِيرَهَا بَيْنَ أَنْ تَطْلُقَ مِنْهُ وَبَيْنَ أَنْ تَسْتَمِرَّ فِي عِصْمَتِهِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَأَرَادَتْ بِذَلِكَ الطَّلَاقَ طَلُقَتْ فَلَوْ قَالَتْ لَمْ أُرِدْ بِاخْتِيَارِ نَفْسِي الطَّلَاقَ صُدِّقَتْ ويُؤْخَذُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِي التَّخْيِيرِ بِالتَّطْلِيقِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ جَزْمًا نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا حَافِظُ الْوَقْتِ أَبُو الْفَضْلِ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَنَبَّهَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى اشْتِرَاطِ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي التَّخْيِيرِ فَلَوْ قَالَ مَثَلًا اخْتَارِي فَقَالَتْ اخْتَرْتُ لَمْ يَكُنْ تَخْيِيرًا بَيْنَ الطَّلَاقِ وَعَدَمِهِ وهُوَ ظَاهِرٌ لَكِنَّ مَحِلَّهُ الْإِطْلَاقُ فَلَوْ قَصَدَ ذَلِكَ بِهَذَا اللَّفْظِ سَاغَ وقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْضًا إِنْ قَالَ اخْتَارِي يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَيَقَعُ بَائِنًا فَلَوْ لَمْ يَنْوِ فَهُوَ بَاطِلٌ وكَذَا لَوْ قَالَ اخْتَارِي فَقَالَتِ اخْتَرْتُ فَلَوْ نَوَى فَقَالَتِ اخْتَرْتُ نَفْسِي وَقَعَتْ طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ وقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ فَاخْتَرْنَاهُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا أَنَّهَا لَوْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا لَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا ووَافَقَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا أَنَّ نَفْسَ ذَلِكَ الِاخْتِيَارِ يَكُونُ طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى نُطْقٍ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ قَالَ وَهُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ مَفْهُومِ قَوْلِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ قَالَ الْحَافِظُ لَكِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ أَنَّ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ لَا يَكُونُ طَلَاقًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إِنْشَاءِ الزَّوْجِ الطَّلَاقَ لِأَنَّ فِيهَا

باب ما جاء في المطلقة ثلاثا لا سكنى لها

فتعالين أمتعكن وأسرحكن أَيْ بَعْدَ الِاخْتِيَارِ وَدَلَالَةُ الْمَنْطُوقِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ انْتَهَى مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا سُكْنَى لَهَا) وَلَا نَفَقَةَ [1180] قَوْلُهُ (طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا) وفِي رِوَايَةٍ فَبَعَثَ إِلَيْهَا بِتَطْلِيقَةٍ كَانَتْ بَقِيَتْ لَهَا (لَا سُكْنَى لَكِ وَلَا نَفَقَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّ المطلقة ثلاثا لا سكنى لها ولا نفقة (فَذَكَرْتُهُ) أَيْ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ (لِإِبْرَاهِيمَ) هُوَ النَّخَعِيُّ (فَقَالَ) أَيْ إِبْرَاهِيمُ (لَا نَدَعُ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ لَا نَتْرُكُ (كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا) سَيَأْتِي بَيَانُ مَا هُوَ الْمُرَادُ من كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا (بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ فَكَانَ عُمَرُ يَجْعَلُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْجَمَاعَةُ بِأَلْفَاظٍ

مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالشَّعْبِيُّ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالُوا لَيْسَ لِلْمُطَلَّقَةِ سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ إِذَا لَمْ يَمْلِكْ زَوْجُهَا الرَّجْعَةَ) وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَطَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ وَإِبْرَاهِيمَ فِي رِوَايَةٍ وَأَهْلِ الظاهر كذا في عمدة القارىء (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عُمَرُ وَعَبْدُ اللَّهِ إِنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قول حماد وشريح والنخعي وبن أبي ليلى وبن شُبْرُمَةَ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَهَا السُّكْنَى وَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالشَّافِعِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ دُونَ السُّكْنَى حَكَاهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ واحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَهُوَ نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قِصَّةُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ رُوِيَتْ مِنْ وُجُوهٍ صِحَاحٍ مُتَوَاتِرَةٍ انْتَهَى واحْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالسُّكْنَى بِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أن يأتين بفاحشة مبينة وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ قَالَ قَالَ عُمَرُ لَهَا إِنْ جِئْتِ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ أَنَّهُمَا سَمِعَاهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا لم نترك كتاب الله لقول امْرَأَةٍ قَالُوا فَظَهَرَ أَنَّ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِكِتَابِ اللَّهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الَّذِي فَهِمَهُ السَّلَفُ مِنْ قَوْلِهِ تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن فَهُوَ مَا فَهِمَتْهُ فَاطِمَةُ مِنْ كَوْنِهِ فِي الرَّجْعِيَّةِ لِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْآيَةِ (لَعَلَّ اللَّهَ يحدث بعد ذلك أمرا) لِأَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي يُرْجَى إِحْدَاثُهُ هُوَ الرَّجْعَةُ لَا سِوَاهُ وهُوَ الَّذِي حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ قَتَادَةَ وَالْحَسَنِ وَالسُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ وَلَمْ يُحْكَ عَنْ أَحَدٍ غَيْرِهِمْ خِلَافُهُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَوْ سَلِمَ الْعُمُومُ فِي الْآيَةِ لَكَانَ حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ مُخَصِّصًا لَهُ وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّ الْعَمَلَ بِهِ لَيْسَ بِتَرْكٍ لِلْكِتَابِ الْعَزِيزِ كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ قَوْلَهُ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ حَفِظَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مِنَ السُّنَّةِ يُخَالِفُ قَوْلَ فَاطِمَةَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ مِنَ السُّنَّةِ كَذَا لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ قُلْتُ صرح

الْأَئِمَّةُ بِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ شَيْءٌ مِنَ السُّنَّةِ يُخَالِفُ قَوْلَ فَاطِمَةَ ومَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ السُّنَّةُ بِيَدِ فَاطِمَةَ قَطْعًا وأَيْضًا تِلْكَ الرِّوَايَةُ عَنْ عُمَرَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمَوْلِدُهُ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسَنَتَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ إِنَّ النَّخَعِيَّ لَا يُرْسِلُ إِلَّا صَحِيحًا كَمَا فِي أَوَائِلِ التَّمْهِيدِ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ صَحَّحُوا مَرَاسِيلَهُ وخَصَّ الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ بِمَا أرسله عن بن مَسْعُودٍ انْتَهَى (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّمَا جَعَلْنَا لَهَا) أَيْ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا (السُّكْنَى بِكِتَابِ اللَّهِ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة قَوْلُهُ تَعَالَى بِتَمَامِهِ هَكَذَا يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف إِلَخْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى هَذَا لِلْمُطَلَّقَاتِ الرَّجْعِيَّةِ فَاسْتِدْلَالُ الشَّافِعِيِّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا السُّكْنَى مَحَلُّ نَظَرٍ فَتَفَكَّرْ (قَالُوا هُوَ الْبَذَاءُ أَنْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَذِيُّ كَرَضِيٍّ الرَّجُلُ الْفَاحِشُ وَهِيَ بِالْبَاءِ وَقَدْ بَذُوَ بَذَاءً وَبَذَاءَةً وَبَذَوْتُ عَلَيْهِمْ وَأَبْذَيْتُهُمْ مِنَ الْبَذَاءِ وَهُوَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ انْتَهَى وَقَالَ في تفسير الخازن قال بن عَبَّاسٍ الْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ بَذَاءَتُهَا عَلَى أَهْلِ زَوْجِهَا فَيَحِلُّ إِخْرَاجُهَا لِسُوءِ خُلُقِهَا وقِيلَ أَرَادَ بِالْفَاحِشَةِ أَنْ تَزْنِيَ فَتُخْرَجُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا ثُمَّ ترد إلى منزلها ويروى ذلك عن بن مَسْعُودٍ انْتَهَى (وَاعْتُلَّ بِأَنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ قَيْسٍ لَمْ يَجْعَلْ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّكْنَى لَمَّا كَانَتْ تَبْذُو عَلَى أَهْلِهَا) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ عَائِشَةَ عَابَتْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْعَيْبِ وَقَالَتْ إِنَّ فَاطِمَةَ كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحِشٍ فَخِيفَ عَلَى نَاحِيَتِهَا فَلِذَلِكَ أَرْخَصَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْإِذْنِ فِي انْتِقَالِ فَاطِمَةَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مَكَانٍ وَحِشٍ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ الْخُلُقِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا نَفَقَةَ لَهَا لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ) فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا لَهَا السُّكْنَى بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا نَفَقَةَ لَهَا بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ طَوِيلٌ فَعَلَيْكَ بِالْمُطَوَّلَاتِ

باب ما جاء لا طلاق قبل النكاح

6 - (بَاب مَا جَاءَ لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ) [1181] قَوْلُهُ (لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ) أَيْ لَا صِحَّةَ لَهُ فَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ هَذَا الْعَبْدَ ولَمْ يَكُنْ مِلْكَهُ وَقْتَ النَّذْرِ لَمْ يَصِحَّ النَّذْرُ فَلَوْ مَلَكَهُ بَعْدَ هَذَا لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ كذا نقل القارىء عن بعض العلماء الْحَنَفِيَّةِ (وَلَا عِتْقَ لَهُ) أَيْ لِابْنِ آدَمَ (وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ) وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ ولَا بَيْعَ إِلَّا فِيمَا مَلَكَ قوله (وفي الباب عن علي) أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ عَنِ النَّزَّالِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا طَلَاقَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَجُوَيْبِرٌ ضَعِيفٌ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ أَنَّهُ سَمِعَ خَالَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ يَقُولُ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا طَلَاقَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ وَلَا يُتْمَ بَعْدَ احْتِلَامٍ الْحَدِيثُ لَفْظُ الْبَيْهَقِيِّ ورِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ مُخْتَصَرَةٌ وَأَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَلِيٍّ مُطَوَّلًا وأخرجه بن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ (وَمُعَاذِ) بْنِ جَبَلٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا وَهُوَ مُنْقَطِعٌ ولَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا وَهِيَ مُنْقَطِعَةٌ أَيْضًا وفِيهَا يَزِيدُ بْنُ عِيَاضٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وزَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي هَذِهِ الطَّرِيقِ وَلَوْ سُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ بِعَيْنِهَا كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وَنَصْبِ الرَّايَةِ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَلَهُ طُرُقٌ عَنْهُ بَيَّنْتُهَا فِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ وقَدْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الصَّحِيحُ مرسل ليس فيه جابر (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ ضَعِيفٌ ولَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَهِيَ أَيْضًا ضَعِيفَةٌ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وفِي الْبَابِ أَيْضًا عن بن عُمَرَ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَنِ المسور بن مخرمة عند بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وقَالَ

أَيْضًا سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ فَقُلْتُ أَيُّ شَيْءٍ أَصَحُّ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ فَقَالَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَسْعَدُ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِظَاهِرِهِ وَأَجْرَاهُ عَلَى عُمُومِهِ إِذْ لَا حُجَّةَ مَعَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ حَالٍ وَحَالٍ والْحَدِيثُ حَسَنٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْخِلَافِيَّاتِ الْمَشْهُورَةِ وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهَا مَذَاهِبُ الْوُقُوعُ مُطْلَقًا وَعَدَمُ الْوُقُوعِ مُطْلَقًا وَالتَّفْصِيلُ بَيْنَ مَا إِذَا عَيَّنَ أَوْ خَصَّصَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ فَقَالَ بِعَدَمِ الوقوع الجمهور وهو قول الشافعي وبن مَهْدِيٍّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُدَ وَأَتْبَاعِهِمْ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَقَالَ بِالْوُقُوعِ مُطْلَقًا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وقال بالتفصيل ربيعة والثوري والليث والأوزاعي وبن أبي ليلى وبن مَسْعُودٍ وَأَتْبَاعُهُ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَعَنْهُ عدم الوقوع مطلقا ولو عين وعن بن الْقَاسِمِ مِثْلُهُ وَعَنْهُ أَنَّهُ تَوَقَّفَ وَكَذَا عَنِ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ بِالتَّفْصِيلِ فَإِنْ سَمَّى امْرَأَةً أَوْ طَائِفَةً أَوْ قَبِيلَةً أَوْ مَكَانًا أَوْ زَمَانًا يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشَ إِلَيْهِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ مُطْلَقًا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ قَالَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ كَثِيرًا مِنَ الْأَخْبَارِ ثُمَّ مِنَ الْآثَارِ الْوَارِدَةِ فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ هَذِهِ الْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُعْظَمَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَهِمُوا مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ الَّذِي عُلِّقَ قَبْلَ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ لَا يَعْمَلُ بَعْدَ وُقُوعِهِمَا وَأَنَّ تَأْوِيلَ الْمُخَالِفِ فِي حَمْلِهِ عَدَمَ الْوُقُوعِ عَلَى مَا إِذَا وَقَعَ قَبْلَ الْمِلْكِ وَالْوُقُوعَ فِيمَا إِذَا وَقَعَ بَعْدَهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ قَبْلَ وُجُودِ عَقْدِ النِّكَاحِ أَوِ الْمِلْكِ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَخْبَارِ فَائِدَةٌ بِخِلَافِ مَا إِذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ فِيهِ فَائِدَةً وَهُوَ الْإِعْلَامُ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ وَلَوْ بَعْدَ وُجُودِ الْعَقْدِ فَهَذَا يُرَجِّحُ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ مِنْ حَمْلِ الْأَخْبَارِ عَلَى ظَاهِرِهَا انْتَهَى كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ وأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّنْجِيزِ وأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ وَكُلُّ أَمَةٍ أَشْتَرِيهَا فَهِيَ حُرَّةٌ هُوَ كَمَا قَالَ فَقَالَ لَهُ مَعْمَرٌ أَوَ لَيْسَ جَاءَ لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ وَلَا عِتْقَ إِلَّا بَعْدَ مِلْكٍ قَالَ إِنَّمَا ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ امْرَأَةُ فُلَانٍ طَالِقٌ وَعَبْدُ فُلَانٍ حُرٌّ وفِيهِ مَا قَالَ الْحَافِظُ مِنْ أَنَّ مَا تَأَوَّلَهُ الزُّهْرِيُّ تَرُدُّهُ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَغَيْرِهِ مِنْ مَشَايِخِ الزُّهْرِيِّ فِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا عَدَمَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ عَمَّنْ قَالَ إِنْ تَزَوَّجْتُ فَهِيَ طَالِقٌ سَوَاءٌ عَمَّمَ أَوْ خَصَّصَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ انْتَهَى وفِيهِ أَيْضًا مَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ أَنَّ مُعْظَمَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَهِمُوا مِنَ الْأَخْبَارِ أَنَّ الطَّلَاقَ أَوْ الْعَتَاقَ الَّذِي عُلِّقَ قَبْلَ النِّكَاحِ والملك لا

يَعْمَلُ بَعْدَ وُقُوعِهِمَا وفِيهِ أَيْضًا لَوْ حَمَلَ أَحَادِيثَ الْبَابِ عَلَى التَّنْجِيزِ لَمْ يَبْقَ فِيهَا فَائِدَةٌ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ولِلْحَنَفِيَّةِ تَمَسُّكَاتٌ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ واحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالتَّفْصِيلِ بِأَنَّهُ إِذَا عَمَّ سَدَّ عَلَى نَفْسِهِ بَابَ النِّكَاحِ الَّذِي نَدَبَ اللَّهُ إِلَيْهِ قوله (وروي عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَنْصُوبَةِ إِنَّهَا تَطْلُقُ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَنْسُوبَةِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْ الْمَرْأَةُ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى قَبِيلَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ وَالْمُرَادُ مِنَ الْمَنْصُوبَةِ الْمُعَيَّنَةُ (وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ قَالُوا إِذَا وَقَّتَ نَزَلَ) أَيْ إِذَا عَيَّنَ وَقْتًا بِأَنْ يَقُولَ إِنْ نَكَحْتُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا مَثَلًا نَزَلَ يَعْنِي يَقَعُ الطَّلَاقُ رَوَى وَكِيعٌ فِي مُصَنَّفِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ إِنْ قَالَ كُلُّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِذَا وَقَّتَ لَزِمَهُ وكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ إذا عمم فليس بشيء وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ إِذَا وَقَّتَ وَقَعَ وَبِإِسْنَادِهِ إِذَا قَالَ كُلٌّ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ ومِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ مِثْلُ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ يزيد عن بن مَسْعُودٍ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَالَ الْحَافِظُ فَابْنُ مَسْعُودٍ أَقْدَمُ مَنْ أَفْتَى بِالْوُقُوعِ وَتَبِعَهُ من أخذ بِمَذْهَبِهِ كَالنَّخَعِيِّ ثُمَّ حَمَّادٌ انْتَهَى (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ كَمَا عَرَفْتَ (أَنَّهُ إِذَا سَمَّى امْرَأَةً بِعَيْنِهَا) مَثَلًا قَالَ إِنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ (أَوْ وَقَّتَ وَقْتًا) أَيْ عَيَّنَ وَقْتًا مِنَ التَّوْقِيتِ بِأَنْ قَالَ مَثَلًا إِنْ تَزَوَّجْتُ الْيَوْمَ أَوْ غَدًا فَهِيَ طَالِقٌ (أَوْ قَالَ إِنْ تَزَوَّجْتُ مِنْ كُورَةِ كَذَا) وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْكُورَةُ بِالضَّمِّ الْمَدِينَةُ وَالصُّقْعُ ج كُوَرٌ وقال فيه الصقع بالضم الناحية (وأما بن الْمُبَارَكِ فَشَدَّدَ فِي هَذَا الْبَابِ) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ (وَقَالَ إِنْ فَعَلَ لَا أَقُولُ هِيَ حَرَامٌ) أَيْ إِذَا قَالَ إِنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةً فَهِيَ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا لَا أَقُولُ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَصَارَتْ حَرَامًا عَلَيْهِ (وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْ رَجُلٍ إِلَخْ) هَذَا بَيَانُ تَشَدُّدِهِ (وَقَالَ

باب ما جاء أن طلاق الأمة تطليقتان

أَحْمَدُ إِنْ تَزَوَّجَ لَا آمُرُهُ أَنْ يُفَارِقَ امرأته) قال الحافظ ولشهرة الِاخْتِلَافُ كَرِهَ أَحْمَدُ مُطْلَقًا وَقَالَ إِنْ تَزَوَّجَ لَا آمُرُهُ أَنْ يُفَارِقَ وكَذَا قَالَ إِسْحَاقُ فِي الْمُعَيَّنَةِ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ طَلَاقَ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ) [1182] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ) هُوَ الْإِمَامُ الذُّهَلِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ جَلِيلٌ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ) النَّبِيلُ الضَّحَّاكُ بْنُ مخلد ثقة ثبت (عن بن جُرَيْجٍ) اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ (أَخْبَرَنَا مظاهر بن أسلم) بضم الميم وفتح الظاء الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ هَاءٌ مَكْسُورَةٌ وَرَاءٌ مُهْمَلَةٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (طَلَاقُ الْأَمَةِ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ أَيْ تَطْلِيقُهَا تَطْلِيقَتَانِ (وعدتها حيضتان) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ دَلَّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعِدَّةِ بِالْمَرْأَةِ وَأَنْ لَا عِبْرَةَ بحرية الزوجة وَكَوْنِهِ عَبْدًا كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا ودَلَّ عَلَى أن العدة بالحيض دون الإظهار وقَالَ الْمُظْهِرُ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الطَّلَاقُ يَتَعَلَّقُ بِالْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً يَكُونُ طَلَاقُهَا اثْنَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ الطَّلَاقُ يَتَعَلَّقُ بِالرَّجُلِ فَطَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَانِ وَطَلَاقُ الْحُرِّ ثَلَاثٌ وَلَا نَظَرَ لِلزَّوْجَةِ وعِدَّةُ الْأَمَةِ عَلَى نِصْفِ عِدَّةِ الْحُرَّةِ فِيمَا لَهُ نِصْفٌ فَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ لِأَنَّهُ لَا نِصْفَ لِلْحَيْضِ وإِنْ كَانَتْ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ فَعِدَّةُ الْأَمَةِ شَهْرٌ وَنِصْفٌ وَعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ وقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الطلاق بالرجال

والعدة بالنساء روي ذلك عن بن عمر وزيد بن ثابت وبن عَبَّاسٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ ثُمَّ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ وَالْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ وَلَكِنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ ضَعَّفُوهُ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ عَبْدًا انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ قُلْتُ وَاحْتَجَّ أَيْضًا لِأَبِي حنيفة رحمه الله بما رواه بن ماجة والدارقطني والبيهقي من حديث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا طَلَاقُ الْأَمَةِ اثْنَتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ وفِي إِسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ شُبَيْبٍ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَهُمَا ضَعِيفَانِ وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ واسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّ الطَّلَاقَ بِالرِّجَالِ بحديث بن مَسْعُودٍ الطَّلَاقُ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةُ بِالنِّسَاءِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ والبيهقي وروياه أيضا عن بن عَبَّاسٍ نَحْوَهُ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ نَحْوَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَوْقُوفَةٌ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ نُفَيْعًا مُكَاتَبًا كَانَ لِأُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَبْدًا كَانَ تَحْتَهُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ فَطَلَّقَهَا اثْنَتَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُرَاجِعَهَا فَأَمَرَهُ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْتِيَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَيَسْأَلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَقِيَهُ عِنْدَ الدَّرَجِ آخِذًا بِيَدِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَسَأَلَهُمَا فَابْتَدَرَاهُ جَمِيعًا فَقَالَ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَرُمَتْ عَلَيْكَ وهَذَا أَيْضًا مَوْقُوفٌ وبِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إِذَا طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَةً تَطْلِيقَتَيْنِ فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً وعِدَّةُ الْحُرَّةِ ثَلَاثُ حِيَضٍ وَعِدَّةُ الْأَمَةِ حَيْضَتَانِ وهَذَا أَيْضًا مَوْقُوفٌ قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا مُظَاهِرٌ بِهَذَا) أَيْ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ يَعْنِي قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهَلِيُّ وَحَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُظَاهِرٍ بِغَيْرِ وَاسِطَةِ بن جريج كما حدثنا عن مظاهر بواسطة بن جريج وفي سنن بن مَاجَهْ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ فَذَكَرْتُهُ لَا لِمُظَاهِرٍ فقلت حدثني كما حدثت بن جُرَيْجٍ فَأَخْبَرَنِي عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ إِلَخْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمر) أخرجه بن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُظَاهِرِ بْنِ أَسْلَمَ وَمُظَاهِرٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ فِي الْعِلْمِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن مَاجَهْ وقَالَ أَبُو دَاوُدَ هُوَ حَدِيثٌ مَجْهُولٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ لَهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ حَدِيثًا آخَرَ رَوَاهُ عَنْ

باب ما جاء فيمن يحدث نفسه بطلاق امرأة

أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم كان يَقْرَأُ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ آلِ عِمْرَانَ كُلَّ لَيْلَةٍ قَالَ وَمُظَاهِرٌ هَذَا مَخْزُومِيٌّ مَكِّيٌّ ضَعَّفَهُ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ مَعَ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ إِنْ ثَبَتَ ولكن أهل الحديث ضعفوه ومنهم من تأوله عَلَى أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ عَبْدًا وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَوْ كَانَ ثَابِتًا قُلْنَا بِهِ إِلَّا أَنَّا لَا نُثْبِتُ حَدِيثًا يَرْوِيهِ مَنْ يُجْهَلُ عَدَالَتُهُ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يحدث نفسه بطلاق امرأة) [1183] قَوْلُهُ (مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا) بِالْفَتْحِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَذَكَرَ الْمُطَرِّزِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَهُ بِالضَّمِّ يُرِيدُونَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (مَا لَمْ تَكَلَّمْ بِهِ) أَيْ فِي الْقَوْلِيَّاتِ (أَوْ تَعْمَلْ بِهِ) أَيْ فِي الْعَمَلِيَّاتِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ كَتَبَ الطَّلَاقَ طَلُقَتِ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهُ عَزَمَ بِقَلْبِهِ وَعَمِلَ بِكِتَابَتِهِ وشَرَطَ مَالِكٌ فِيهِ الْإِشْهَادَ عَلَى ذَلِكَ ونقل العيني في عمدة القارىء عَنِ الْمُحِيطِ إِذَا كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ فِي كِتَابٍ أَوْ لَوْحٍ أَوْ عَلَى حَائِطٍ أَوْ أَرْضٍ وَكَانَ مُسْتَبِينًا وَنَوَى بِهِ الطَّلَاقَ يَقَعُ وإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَبِينًا أَوْ كَتَبَ فِي الْهَوَاءِ أَوْ الْمَاءِ لَا يَقَعُ وَإِنْ نَوَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (إِذَا حَدَّثَ نَفْسَهُ بِالطَّلَاقِ لَمْ يَكُنْ شيئا) أي لا يقع (باب فِي الْجِدِّ وَالْهَزْلِ فِي الطَّلَاقِ) [1184] قَوْلُهُ (عَنْ عبد الرحمن بن أدرك الْمَدَنِيِّ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ النِّسْبَةُ إِلَى

مَدِينَةِ يَثْرِبَ مَدَنِيٌّ وَإِلَى مَدِينَةِ مَنْصُورٍ مَدِينِيٌّ لِلْفَرْقِ كَذَا فِي الْمُغْنِي لِصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبِحَارِ (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ الْهَزْلُ أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْءِ غَيْرُ مَا وُضِعَ لَهُ بِغَيْرِ مُنَاسَبَةٍ بَيْنَهُمَا وَالْجِدُّ مَا يُرَادُ بِهِ مَا وُضِعَ لَهُ أَوْ مَا صَلُحَ لَهُ اللَّفْظُ مَجَازًا (النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا فَفِي الْقَامُوسِ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ عَوْدُ الْمُطَلِّقِ إِلَى طَلِيقَتِهِ انْتَهَى يَعْنِي لَوْ طَلَّقَ أَوْ نَكَحَ أَوْ رَاجَعَ وَقَالَ كُنْتُ فِيهِ لَاعِبًا هَازِلًا لَا يَنْفَعُهُ قَالَ الْقَاضِي اتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الْهَازِلِ يَقَعُ فَإِذَا جَرَى صَرِيحُ لَفْظَةِ الطَّلَاقِ عَلَى لِسَانِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ لَا يَنْفَعُهُ أَنْ يَقُولَ كُنْتُ فِيهِ لَاعِبًا أَوْ هَازِلًا لِأَنَّهُ لَوْ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ لَتَعَطَّلَتِ الْأَحْكَامُ وَقَالَ كُلُّ مُطَلِّقٍ أَوْ نَاكِحٍ إِنِّي كُنْتُ فِي قَوْلِي هَازِلًا فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ إِبْطَالُ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِمَّا جَاءَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَزِمَهُ حُكْمُهُ وَخَصَّ هَذِهِ الثَّلَاثَ لِتَأْكِيدِ أَمْرِ الْفَرْجِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وفِي إِسْنَادِهِ عبد الرحمن بن حبيب بن أدرك وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ النَّسَائِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَوَثَّقَهُ غَيْرُهُ قَالَ الْحَافِظُ فَهُوَ عَلَى هَذَا حَسَنٌ وفِي الْبَابِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِلَفْظِ ثَلَاثٌ لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ فيهن الطلاق والنكاح والعتق وفي إسناده بن لهيعة وعن عبادة بن الصامت عند الحرث بْنِ أَبِي أُسَامَةَ فِي مُسْنَدِهِ رَفَعَهُ بِلَفْظِ ثَلَاثٌ لَا يَجُوزُ اللَّعِبُ فِيهِنَّ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالْعَتَاقُ فَمَنْ قَالَهُنَّ فَقَدْ وَجَبْنَ وإِسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ وعَنْ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ رَفَعَهُ مَنْ طَلَّقَ وَهُوَ لَاعِبٌ فَطَلَاقُهُ جَائِزٌ وَمَنْ أَعْتَقَ وَهُوَ لَاعِبٌ فَعِتْقُهُ جَائِزٌ وَمَنْ نَكَحَ وَهُوَ لَاعِبٌ فَنِكَاحُهُ جَائِزٌ وفِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ أَيْضًا وعَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَيْضًا وَعَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا عِنْدَهُ أَيْضًا كَذَا في النيل قوله (وبن مَاهِكٍ هُوَ عِنْدِي يُوسُفُ بْنُ مَاهِكِ) بْنِ بَهْزَادَ الْفَارِسِيُّ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ

باب ما جاء في الخلع

10 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخُلْعِ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَأْخُوذٌ مِنْ خَلْعِ الثَّوْبِ وَالنَّعْلِ وَغَيْرِهِمَا وذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لِبَاسٌ لِلرَّجُلِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وأنتم لباس لهن وَإِنَّمَا جَاءَ مَصْدَرُهُ بِضَمِّ الْخَاءِ تَفْرِقَةً بَيْنَ الْأَجْرَامِ وَالْمَعَانِي يُقَالُ خَلَعَ ثَوْبَهُ خَلْعًا بِفَتْحِ الْخَاءِ وَخَلَعَ امْرَأَتَهُ خُلْعًا وَخُلْعَةً بِالضَّمِّ وَأَمَّا حَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ فَهُوَ فِرَاقُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ عَلَى عِوَضٍ يَحْصُلُ لَهُ كَذَا نَقَلَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِشَيْخِهِ زَيْنِ الدِّينِ الْعِرَاقِيِّ [1185] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ) كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنِ الرُّبَيِّعِ) بِالتَّصْغِيرِ وَالتَّثْقِيلِ (بِنْتِ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْأَنْصَارِيَّةِ الْبُخَارِيَّةِ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ (أَوْ أُمِرَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَكَلِمَةُ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي (أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ (حَدِيثُ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ الصَّحِيحُ أَنَّهَا أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ) وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي فَذَكَرَتْ قِصَّةً وفِيهَا أَنَّ عُثْمَانَ أَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ قَالَتْ وَتَبِعَ عُثْمَانُ فِي ذَلِكَ قَضَاءَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ كَذَا فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ قَوْلُهُ (أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ) قَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّهُ اخْتَلَفَتْ طُرُقُ الْحَدِيثِ فِي اسْمِ امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ الَّتِي خَالَعَهَا فَفِي أَكْثَرِ طُرُقِهِ أَنَّ اسْمَهَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ وقَدْ صَحَّ أَنَّ اسْمَهَا جَمِيلَةُ وَصَحَّ أَنَّ اسْمَهَا مَرْيَمُ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهَا زَيْنَبَ

باب ما جاء في المختلعات

فَلَمْ يَصِحَّ قَالَ وَأَصَحُّ طُرُقِهِ حَدِيثُ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخُلْعُ قَدْ تَعَدَّدَ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ لِهَذِهِ وَلِهَذِهِ فَإِنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَصْدَقَهَا حَدِيقَةً وفِي بَعْضِهَا حَدِيقَتَيْنِ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاقِعَتَيْنِ فَأَكْثَرَ انْتَهَى قَوْلُهُ (فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَدَّ بِحَيْضَةٍ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّتَهَا حَيْضَةً قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ هَذَا أَدَلُّ شَيْءٍ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثلاثة قروء) فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ مُطَلَّقَةً لَمْ يَقْتَصِرْ لَهَا على قرء واحد انتهى قولههذا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ قولهفقال أكثر أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمْ إِنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ كَعِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ أَيْ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ لَيْسَ بِفَسْخٍ (وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ) وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثَيْ الْبَابِ وفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ الْحَدِيثَ وفِي آخِرِهِ خُذِ الَّذِي لَهَا وَخَلِّ سَبِيلَهَا قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَهَا أَنْ تَتَرَبَّصَ حَيْضَةً وَتَلْحَقَ أَهْلَهَا وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِغَيْرِ زَوْجِهَا حَتَّى يَمْضِيَ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بَيْنَ كَوْنِهِ فَسْخًا وَبَيْنَ النَّقْصِ مِنَ الْعِدَّةِ تَلَازُمٌ انْتَهَى (قَالَ إِسْحَاقُ وَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إِلَى هَذَا فَهُوَ مَذْهَبٌ قَوِيٌّ) لِثُبُوتِ أَحَادِيثِ الْبَابِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُخْتَلِعَاتِ) [1186] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ كُرَيْبٍ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ مشهور بكنيته

ثقة حافظ عن هشيم وبن المبارك وبن عُيَيْنَةَ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ (مُزَاحِمٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالزَّايِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (بْنُ ذَوَّادِ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ (بْنِ عُلْبَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَالَ الْحَافِظُ لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ الْعَاشِرَةِ تَنْبِيهٌ قَدْ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنَ النُّسَخِ الْمَطْبُوعَةِ فِي الهند علبة وَهُوَ غَلَطٌ (عَنْ أَبِيهِ) ذَوَّادِ بْنِ عُلْبَةَ الْحَارِثِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو الْمُنْذِرِ ضَعِيفٌ (عَنْ لَيْثٍ) هُوَ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ بْنِ زُنَيْمٍ صَدُوقٌ اِخْتَلَطَ أَخِيرًا وَلَمْ يَتَمَيَّزْ حَدِيثُهُ فَتُرِكَ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي الْخَطَّابِ) قَالَ فِي التقريب أبو الخطاب شيخ البيت بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ مَجْهُولٌ انْتَهَى (عَنْ أَبِي زُرْعَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أبي إدريس الخولاني قيل هو بن عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ وَإِلَّا فَهُوَ مَجْهُولٌ انْتَهَى وقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَبِي إدريس وعنه أبو الخطاب لعله يحيى أبي عمرو السبياني (عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ اسْمُهُ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيُّ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَسَمِعَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ) وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ عَالِمَ الشَّامِ بَعْدَ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَوْلُهُ (الْمُخْتَلِعَاتُ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ اللَّاتِي يَطْلُبْنَ الْخُلْعَ وَالطَّلَاقَ عَنْ أَزْوَاجِهِنَّ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ (هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ) أَيْ الْعَاصِيَاتُ بَاطِنًا وَالْمُطِيعَاتُ ظَاهِرًا قَالَ الطِّيبِيُّ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) لِأَنَّ فِي بَعْضِ رِجَالِهِ جَهَالَةً وفِي بَعْضِهِمْ ضَعْفًا كَمَا عَرَفْتَ وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا الْمُنْتَزِعَاتُ وَالْمُخْتَلِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وفِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْحَسَنَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ قَالَ الْحَسَنُ لَمْ أَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ وقَدْ تَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ تَكَلُّفٌ وَمَا الْمَانِعُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ هَذَا مِنْهُ فَقَطْ وَصَارَ يُرْسِلُ عَنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ فَتَكُونُ قِصَّتُهُ فِي ذَلِكَ كَقِصَّتِهِ مَعَ سَمُرَةَ فِي حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنِ بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُتَبَرِّجَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ قَوْلُهُ (مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ شِدَّةٍ تُلْجِئُهَا إِلَى سُؤَالِ الْمُفَارَقَةِ (لَمْ تَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ) أَيْ لَمْ تَشُمَّهَا قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا

باب ما جاء في مداراة النساء

مُعَاهَدَةً لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ أَيْ لَمْ يَشُمَّ رِيحَهَا يُقَالُ رَاحَ يَرِيحُ وَرَاحَ يَرَاحُ وَأَرَاحَ يُرِيحُ إِذَا وَجَدَ رَائِحَةَ الشَّيْءِ والثَّلَاثَةُ قَدْ رُوِيَ بِهَا الْحَدِيثُ انْتَهَى [1187] قَوْلُهُ (فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) أَيْ مَمْنُوعٌ عَنْهَا وَذَلِكَ عَلَى نَهْجِ الْوَعِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّهْدِيدِ أَوْ وُقُوعُ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ أَيْ لَا تَجِدُ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ أَوَّلَ مَا وَجَدَهَا الْمُحْسِنُونَ أَوْ لَا تَجِدُ أَصْلًا وَهَذَا مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّهْدِيدِ ونَظِيرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ قَالَهُ القاضي قال القارىء وَلَا بِدَعَ أَنَّهَا تُحْرَمُ لَذَّةَ الرَّائِحَةِ وَلَوْ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رَوَاهُ أَصْحَابُ السنن وصححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَيُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عن ثوبان) كذلك رواه أبو داود وبن مَاجَهْ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مُدَارَاةِ النِّسَاءِ) دَارَاهُ مُدَارَاةً لَاطَفَهُ [1188] قَوْلُهُ (إِنَّ الْمَرْأَةَ كَالضِّلَعِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الضِّلَعُ كَعِنَبٍ وَجِذَعٍ مَعْرُوفٌ مُؤَنَّثَةٌ انْتَهَى وَهُوَ عَظْمُ الْجَنْبِ وَهُوَ مُعْوَجٌّ يَعْنِي أَنَّ النِّسَاءَ فِي خَلْقِهِنَّ اعْوِجَاجٌ فِي الْأَصْلِ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يُغَيِّرَهُنَّ عَمَّا جُبِلْنَ عَلَيْهِ وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ لَنْ تَسْتَقِيمَ عَلَى طَرِيقَةٍ (إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمَهَا) أَيْ تَرُدَّهَا إِلَى إِقَامَةِ الِاسْتِقَامَةِ وَبَالَغْتَ فِيهَا مَا سَامَحْتَهَا فِي أُمُورِهَا وما تغافلت عن بعض أفعالها قاله القارىء (كَسَرْتَهَا) كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي الْمُعْوَجِّ الشَّدِيدِ الْيَابِسِ فِي الْحِسِّ زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وكسرها وطلاقها (اسْتَمْتَعْتَ بِهَا عَلَى عِوَجٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَيُفْتَحُ أَيْ مَعَ عِوَجٍ لَا انْفِكَاكَ لَهَا عَنْهُ وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِنْ اسْتَمْتَعْتَ بِهَا اسْتَمْتَعْتَ بِهَا وَبِهَا عِوَجٌ قَوْلُهُ

باب ما جاء لا تسأل المرأة طلاق أختها

(وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَسَمُرَةَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ وَسَمُرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ فَمُخَرَّجٌ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَسْأَلُهُ أَبُوهُ أَنْ يُطَلِّقَ زَوْجَتَهُ) [1189] قَوْلُهُ (طَلِّقْ امْرَأَتَكَ) فِيهِ دَلِيلٌ صَرِيحٌ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ إِذَا أَمَرَهُ أَبُوهُ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ أَنْ يُطَلِّقَهَا وَإِنْ كَانَ يُحِبُّهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ فِي الْإِمْسَاكِ وَيَلْحَقُ بِالْأَبِ الأم لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّ لَهَا مِنَ الْحَقِّ عَلَى الْوَلَدِ مَا يَزِيدُ عَلَى حَقِّ الْأَبِ كَمَا فِي حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَبَرُّ قَالَ أُمَّكَ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ أُمَّكَ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ أُمَّكَ قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ أَبَاكَ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ 4 - (بَاب مَا جَاءَ لَا تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا) [1190] قَوْلُهُ (لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُخْتِ الْأُخْتُ فِي الدِّينِ يُوَضِّحُ هَذَا مَا رَوَاهُ

باب ما جاء في طلاق المعتوه

بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّ الْمُسْلِمَةَ أُخْتُ الْمُسْلِمَةِ (لِتُكْفِئَ مَا فِي إِنَائِهَا) أَيْ لِتَقْلِبَ مَا فِي إِنَائِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ كَفَأْتُ الْإِنَاءَ وَأَكْفَأْتُهُ إِذَا كَبَبْتُهُ وَإِذَا أَمَلْتُهُ وهَذَا تَمْثِيلٌ لِإِمَالَةِ الضَّرَّةِ حَقَّ صَاحِبَتِهَا مِنْ زَوْجِهَا إِلَى نفسها إذا سألت علاقها انْتَهَى وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لِتَسْتَفْرِغَ صَحِيفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ نَهْيُ الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ أَنْ تَسْأَلَ رَجُلًا طَلَاقَ زَوْجَتِهِ لِيُطَلِّقَهَا وَيَتَزَوَّجَ بِهَا انْتَهَى وحمل بن عَبْدِ الْبَرِّ الْأُخْتَ هُنَا عَلَى الضَّرَّةِ فَقَالَ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تَسْأَلَ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا لِتَنْفَرِدَ بِهِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا يُمْكِنُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي وَقَعَتْ بِلَفْظِ لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا لَفْظُ الشَّرْطِ (يَعْنِي بِلَفْظِ لَا يَصْلُحُ لِامْرَأَةٍ أَنْ تشترط طلاق أختها لتكفىء إِنَاءَهَا) فَظَاهِرٌ أَنَّهَا فِي الْأَجْنَبِيَّةِ ويُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِيهَا وَلْتَنْكِحْ أَيْ وَلْتَتَزَوَّجْ الزَّوْجَ الْمَذْكُورَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَشْتَرِطَ أَنْ يُطَلِّقَ الَّتِي قَبْلَهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي طَلَاقِ الْمَعْتُوهِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمَعْتُوهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا هَاءٌ النَّاقِصُ الْعَقْلِ فَيَدْخُلُ فِيهِ الطِّفْلُ وَالْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ والْجُمْهُورُ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ مَا يَصْدُرُ مِنْهُ انْتَهَى [1191] قَوْلُهُ (كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ) أَيْ وَاقِعٌ (إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ عُتِهَ كَعُنِيَ عَتْهًا وَعُتْهًا وَعُتَاهًا فَهُوَ مَعْتُوهٌ نَقَصَ عَقْلُهُ أَوْ فُقِدَ أَوْ دُهِشَ انْتَهَى وقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْمَعْتُوهُ هُوَ الْمَجْنُونُ الْمُصَابُ بِعَقْلِهِ وَقَدْ عُتِهَ فَهُوَ مَعْتُوهٌ انْتَهَى (الْمَغْلُوبُ عَلَى عقله) تفسير المعتوه وأورد صاحب المشكلة هذا الحديث بلفظ والمعتوه قال القارىء كَأَنَّهُ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْمَغْلُوبِ بِلَا

وَاوٍ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ وَعَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَ ضَعِيفٌ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ) أَيْ غَيْرُ حَافِظٍ لَهُ قَالَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ التِّرْمِذِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَ لَيْسَ لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ وَلَيْسَ لَهُ فِي بَقِيَّةِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ شَيْءٌ وَهُوَ حَنَفِيٌّ بَصْرِيٌّ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ وَيُعْرَفُ بِالْعَطَّارِ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ قال بن مَعِينٍ وَالْفَلَّاسُ كَذَابٌ وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَالْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ زَادَ أَبُو حَاتِمٍ جِدًّا وهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ انْتَهَى اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللَّفْظِ قَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ قَالَ الْعَيْنِيُّ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ وَوَصَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي الْجَعْدِيَّاتِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ لَا يَجُوزُ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ في الفتح وفيه خلاف قديم ذكر بن أبي شيبة من طريق نافع أن المحير بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَكَانَ مَعْتُوهًا فأمرها بن عُمَرَ بِالْعِدَّةِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ مَعْتُوهٌ فَقَالَ إِنِّي لَمْ أَسْمَعِ اللَّهَ اسْتَثْنَى لِلْمَعْتُوهِ طَلَاقًا ولا غيره وذكر بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ انْتَهَى قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ وَالْمَغْلُوبُ عَلَى عَقْلِهِ يَعُمُّ السَّكْرَانَ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ وَالْمَجْنُونَ وَالنَّائِمَ وَالْمَرِيضَ الزَّائِلَ عَقْلُهُ بِالْمَرَضِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُمْ كُلَّهُمْ لَا يَقَعُ طَلَاقُهُمْ وكَذَا الصَّبِيُّ وفِي الْهِدَايَةِ وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ يَعْقِلُ والمجنون والنائم والمعتوه كالمجنون قال بن الْهُمَامِ قِيلَ هُوَ قَلِيلُ الْفَهْمِ الْمُخْتَلِطُ الْكَلَامِ الْفَاسِدُ التَّدْبِيرِ لَكِنْ لَا يُضْرَبُ وَلَا يُشْتَمُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وقِيلَ الْعَاقِلُ مَنْ يَسْتَقِيمُ كَلَامُهُ وَأَفْعَالُهُ إِلَّا نَادِرًا وَالْمَجْنُونُ ضِدُّهُ وَالْمَعْتُوهُ مَنْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى السَّوَاءِ وهَذَا يُؤَدِّي إِلَى أَنْ لَا يُحْكَمَ بِالْعَتَهِ عَلَى أَحَدٍ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَمَا قِيلَ مَنْ يَكُونُ كُلٌّ مِنَ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُ غَالِبًا مَعْنَاهُ يَكْثُرُ مِنْهُ وقِيلَ مَنْ يَفْعَلُ فِعْلَ الْمَجَانِينِ عَنْ قَصْدِهِ مَعَ ظُهُورِ الْفَسَادِ وَالْمَجْنُونُ بِلَا قَصْدٍ وَالْعَاقِلُ خِلَافُهُمَا وَقَدْ يَفْعَلُ فِعْلَ الْمَجَانِينِ عَلَى ظَنِّ الصَّلَاحِ أَحْيَانًا وَالْمُبْرَسَمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَدْهُوشُ كَذَلِكَ وهَذَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَذَهَبَ إِلَى عَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ السَّكْرَانِ أَيْضًا أَبُو الشَّعْثَاءِ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْقَاسِمُ وَعُمَرُ بن عبد العزيز

ذكره بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَبِهِ قَالَ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَإِسْحَاقُ وَالْمُزَنِيُّ وَاخْتَارَهُ الطَّحَاوِيُّ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ لَا يَقَعُ قَالَ وَالسَّكْرَانُ مَعْتُوهٌ بِسُكْرِهِ وَقَالَ بِوُقُوعِهِ طَائِفَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَالزُّهْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وعَنِ الشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ الْمُصَحَّحُ مِنْهُمَا وُقُوعُهُ والْخِلَافُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالتَّرْجِيحُ بِالْعَكْسِ وقال بن الْمُرَابِطِ إِذَا تَيَقَّنَّا ذَهَابَ عَقْلِ السَّكْرَانِ لَمْ يَلْزَمْهُ طَلَاقٌ وَإِلَّا لَزِمَهُ وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ حَدَّ السُّكْرِ الَّذِي تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ أَنْ لَا يَعْلَمَ مَا يَقُولُ وهَذَا التَّفْصِيلُ لَا يَأْبَاهُ مَنْ يَقُولُ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِهِ وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ بِوُقُوعِهِ مُطْلَقًا بِأَنَّهُ عَاصٍ بِفِعْلِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ الْخِطَابُ بِذَلِكَ وَلَا الْإِثْمُ لِأَنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ فِي السُّكْرِ أَوْ فِيهِ وأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ أَحْكَامُ فَاقِدِ الْعَقْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَهَابُ عَقْلِهِ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ أَوْ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ عَجَزَ عَنِ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ بِسَبَبٍ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ أَوْ بِسَبَبٍ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَمَنْ كَسَرَ رِجْلَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْقِيَامِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْقِيَامَ انْتَقَلَ إِلَى بَدَلٍ وَهُوَ القعود فافترقا وأجاب بن الْمُنْذِرِ عَنِ الِاحْتِجَاجِ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ بِأَنَّ النَّائِمَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَلَا يَقَعُ طلاقه فافترقا انتهى كلام الحافظ 6 - باب [1192] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ شُبَيْبٍ) الْمَكِّيُّ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ الثَّامِنَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ بن حِبَّانَ ونُقِلَ عَنْ هَامِشِ الْخُلَاصَةِ عَنِ التَّهْذِيبِ وَوَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ قَوْلُهُ (كَانَ النَّاسُ) أَيْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (وَهِيَ امْرَأَتُهُ إِذَا ارْتَجَعَهَا وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ وَإِنْ طَلَّقَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ) الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَإِنْ طَلَّقَهَا وَصْلِيَّةٌ وَالْمَعْنَى كَانَ لَهُ الرَّجْعَةُ مَا دَامَتْ في العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر (ولا أؤويك) مِنَ الْإِيوَاءِ أَيْ لَا أُسْكِنُكِ فِي مَنْزِلِي قال فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ أَرَادَ الرَّجْعَةَ انْتَهَى قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَوَيْتُ مَنْزِلِي وَإِلَيْهِ أُوِيًّا بِالضَّمِّ ويكسر وأويت تأية وتأويت وأتويت وئتويت نزلته بنفسي أسكنته وَأَوَّيْتُهُ وَآوَيْتُهُ أَنْزَلْتُهُ انْتَهَى (فَكُلَّمَا هَمَّتْ عِدَّتُكَ أن

باب ما جاء في الحامل المتوفى عنها زوجها

تَنْقَضِيَ) الْهَمُّ الْقَصْدُ أَيْ فَكُلَّمَا أَرَادَتْ وَقَصَدَتْ عِدَّتُكَ الِانْقِضَاءَ وَالْمَعْنَى كُلَّمَا قَرُبَ كَانَ انْقِضَاءُ عدتك (الطلاق مرتان) قَالَ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ مَرَّتَانِ وَلَا رَجْعَةَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ إِلَّا أَنْ تَنْكِحَ زَوْجًا آخَرَ وهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ قَوْلُ مَنْ جَوَّزَ الْجَمْعَ بَيْنَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ فِي دَفْعَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الشَّافِعِيُّ وقِيلَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّ التَّطْلِيقَ الشَّرْعِيَّ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَطْلِيقَةً بَعْدَ تَطْلِيقَةٍ عَلَى التَّفْرِيقِ دُونَ الْجَمْعِ وَالْإِرْسَالِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ حرام إلا أن أبا حنيفة رح قَالَ يَقَعُ الثَّلَاثُ وَإِنْ كَانَ حَرَامًا (فَإِمْسَاكٌ بمعروف) يَعْنِي بَعْدَ الرَّجْعَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا رَاجَعَهَا بَعْدَ التَّطْلِيقَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَهَا بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ كُلُّ مَا عُرِفَ فِي الشَّرْعِ مِنْ أَدَاءِ حُقُوقِ النِّكَاحِ وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ (أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان) يَعْنِي أَنَّهُ يَتْرُكُهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ حَتَّى تَنْقَضِيَ عدتها من غيره مُضَارَّةٍ وَقِيلَ هُوَ أَنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا أَدَّى إِلَيْهَا جَمِيعَ حُقُوقِهَا الْمَالِيَّةِ وَلَا يَذْكُرُهَا بَعْدَ الْمُفَارَقَةِ بِسُوءٍ وَلَا يُنَفِّرُ النَّاسَ عَنْهَا كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْخَازِنِ (فَاسْتَأْنَفَ النَّاسُ الطَّلَاقَ مُسْتَقْبَلًا مَنْ كَانَ طَلَّقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ طَلَّقَ) وفِي رِوَايَةٍ عَنْ عُرْوَةَ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلَاقَ جَدِيدًا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَنْ كَانَ طَلَّقَ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ شُبَيْبٍ) يَعْنِي حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ شُبَيْبٍ الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ إِدْرِيسَ أَوْثَقُ مِنْ يَعْلَى بْنِ شُبَيْبٍ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) تَضَعُ الْمَقْصُودُ أَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَضْعُ الْحَمْلِ [1193] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي السنابل) بفتح

الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِاللَّامِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ عَمْرٌو وَقِيلَ عَامِرٌ وَقِيلَ حَبَّةُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (بْنِ بَعْكَكٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْكَافِ الْأُولَى (وَضَعَتْ سُبَيْعَةُ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا وَهِيَ بِنْتُ الْحَارِثِ لَهَا صُحْبَةٌ وذكرها بن سَعْدٍ فِي الْمُهَاجِرَاتِ (بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا) اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ (بِثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا أَوْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (فَلَمَّا تَعَلَّتْ) أَيْ طَهُرَتْ مِنَ النِّفَاسِ (تَشَوَّفَتْ لِلنِّكَاحِ) أَيْ تَزَيَّنَتْ لِلْخُطَّابِ تَشَوَّفَ لِلشَّيْءِ أَيْ طَمَحَ بَصَرُهُ إِلَيْهِ (فَقَالَ إِنْ تَفْعَلْ) أَيْ سُبَيْعَةُ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّشَوُّفِ لِلنِّكَاحِ (فَقَدْ حَلَّ أَجَلُهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عِدَّةَ الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَضْعُ الْحَمْلِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (لَا نَعْرِفُ لِلْأَسْوَدِ شَيْئًا عَنْ أَبِي السَّنَابِلِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْأَسْوَدُ مِنْ كِبَارِ التابعين من أصحاب بن مَسْعُودٍ وَلَمْ يُوصَفْ بِالتَّدْلِيسِ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ لَكِنَّ الْبُخَارِيَّ عَلَى قَاعِدَتِهِ فِي اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ اللِّقَاءِ وَلَوْ مَرَّةً فَلِهَذَا قَالَ مَا نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ لَا أَعْرِفُ أَنَّ أَبَا السَّنَابِلِ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لكن جزم بن سَعْدٍ أَنَّهُ بَقِيَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَمَنًا وَيُؤَيِّدُ كَوْنَهُ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قول بن الْبَرْقِيِّ أَنَّ أَبَا السَّنَابِلِ تَزَوَّجَ سُبَيْعَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَوْلَدَهَا سَنَابِلَ بْنَ أَبِي السَّنَابِلِ ومُقْتَضَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَبُو السَّنَابِلِ عَاشَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ الشَّابَّ وكَذَا فِي رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْ فَتًى مِنْ قَوْمِهَا وَقِصَّتُهَا كَانَتْ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَيَحْتَاجُ أَنْ كَانَ الشَّابُّ دَخَلَ عَلَيْهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا إِلَى زَمَانِ عِدَّةٍ مِنْهُ ثُمَّ إِلَى زَمَانِ الْحَمْلِ حَتَّى تَضَعَ وَتَلِدَ سَنَابِلَ حَتَّى صَارَ أَبُوهُ يُكَنَّى بِهِ أَبَا السَّنَابِلِ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ

السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الْفَتْوَى فِي الْأَمْصَارِ إِنَّ الْحَامِلَ إِذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا تَحِلُّ بِوَضْعِ الْحَمْلِ وَتَنْقَضِي عِدَّةُ الْوَفَاةِ انْتَهَى وهُوَ الْحَقُّ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ تَعْتَدُّ اخر الأجلين) أي كن وَضَعَتْ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ تَرَبَّصَتْ إِلَى انْقِضَائِهَا وَلَا تَحِلُّ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ وَإِنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ قَبْلَ الْوَضْعِ تَرَبَّصَتْ إِلَى الْوَضْعِ وبِهِ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْهُ بسند صحيح وبه قال بن عَبَّاسٍ وَيُقَالُ إِنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ وَيُقَوِّيهِ أَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَتْبَاعِهِ وِفَاقُ الْجَمَاعَةَ فِي ذَلِكَ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِحَدِيثِ سُبَيْعَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَنْ خَالَفَ هَذَا الْقَوْلَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [1194] قَوْلُهُ (بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا) اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ (بِيَسِيرٍ) جَاءَ فِيهِ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مُتَعَذِّرٌ لِاتِّحَادِ الْقِصَّةِ قَالَ وَأَقَلُّ مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ نِصْفُ شَهْرٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم

باب ما جاء في عدة المتوفي عنها زوجها

18 - (بَاب مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) [1195] قَوْلُهُ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ هِيَ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ رَبِيبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ أَيْ الَّتِي ذَكَرْتُهَا بَعْدُ وَهِيَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ وَعَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ (فِيهِ صُفْرَةُ خَلُوقٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ طِيبٌ مُرَكَّبٌ مِنَ الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ وَتَغْلِبُ عَلَيْهِ الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ أَوْ غَيْرِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ عُطِفَ على خلوق (مالي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّ آثَارَ الْحُزْنِ بَاقِيَةٌ عِنْدَهَا لَكِنْ لَمْ يَسَعْهَا إِلَّا امْتِثَالُ الْأَمْرِ (أَنْ تُحِدَّ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْإِحْدَادِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَحَدَّتِ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا تُحِدُّ فَهِيَ مُحِدَّةٌ وَحَدَّتْ تَحُدُّ فَهِيَ حَادَّةٌ إِذَا حَزِنَتْ عَلَيْهِ وَلَبِسَتْ ثِيَابَ الْحُزْنِ وَتَرَكَتِ الزِّينَةَ وَفِي الْمَشَارِقِ لِعِيَاضٍ هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا مَعَ ضَمِّ الْحَاءِ يُقَالُ حَدَّتْ وَأَحَدَّتْ حِدَادًا وَإِحْدَادًا إِذَا امْتَنَعَتْ مِنَ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ وَأَصْلُهُ الْمَنْعُ فَالْمَعْنَى أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنَ الزِّينَةِ وَتَتْرُكَ الطِّيبَ (عَلَى مَيِّتٍ) أَيْ مِنْ وَلَدٍ أَوْ وَالِدٍ وَغَيْرِهِمَا (فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) قَالَ النَّوَوِيُّ جُعِلَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِأَنَّ فِيهَا يُنْفَخُ

الروح في الولد وعشر لِلِاحْتِيَاطِ انْتَهَى [1196] (وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا) وفِي الْمِشْكَاةِ وقد اشتكت عينها قال القارىء بِالرَّفْعِ وفِي نُسْخَةٍ بِالنَّصْبِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ بِرَفْعِ النُّونِ ووَقَعَ فِي بَعْضِ الْأُصُولِ عَيْنَاهَا بِالْأَلِفِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي التَّنْقِيحِ وَيَجُوزُ ضَمُّ النُّونِ عَلَى أَنَّهَا هِيَ الْمُشْتَكِيَةُ وَفَتْحُهَا فَيَكُونُ فِي اشْتَكَتْ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْحَادَّةُ وقَدْ رُجِّحَ الْأَوَّلُ بِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَيْنَاهَا انْتَهَى كلام القارىء قُلْتُ وَقَدْ رَجَّحَ الثَّانِيَ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ بِلَفْظِ وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا [1197] أَفَنَكْحُلُهَا بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا مِنْ بَابِ نَصَرَ وَمَنَعَ وَالضَّمِيرُ الْبَارِزُ إِلَى الِابْنَةِ لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي كُلُّ ذَلِكَ قال القارىء بِالنَّصْبِ وفِي نُسْخَةٍ بِالرَّفْعِ يَقُولُ لَا قَالَ بن الْمَلِكِ فِيهِ حُجَّةٌ لِأَحْمَدَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاكْتِحَالُ بِالْإِثْمِدِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا فِي رَمَدٍ وَلَا فِي غَيْرِهِ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجُوزُ الِاكْتِحَالُ بِهِ فِي الرَّمَدِ وقَالَ الشَّافِعِيُّ تَكْتَحِلُ لِلرَّمَدِ لَيْلًا وَتَمْسَحُهُ نَهَارًا انْتَهَى إِنَّمَا هِيَ أَيْ عِدَّتُكُنَّ فِي الدِّينِ الْآنَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا بِالنَّصْبِ عَلَى حِكَايَةِ لَفْظِ القرآن وفي المشكاة عشر بالرفع قال القارىء كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَالْأُصُولِ الْمُصَحَّحَةِ الْمُعْتَمَدَةِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى أَرْبَعَةٍ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ بِسُكُونِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا وَهِيَ رَوْثُ الْبَعِيرِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَعْرُ وَيُحَرَّكُ وَاحِدَتُهُ بِهَاءٍ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ أَيْ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ قَالَ الْقَاضِي كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا تُوفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ بَيْتًا ضَيِّقًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شَيْئًا فِيهِ زِينَةٌ حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ فَتَكْسِرُ بِهَا مَا كَانَتْ فِيهِ مِنَ الْعِدَّةِ بِأَنْ تَمْسَحَ بِهَا قُبُلَهَا ثُمَّ تَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا وَتَنْقَطِعُ بِذَلِكَ عِدَّتُهَا فَأَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا شُرِعَ فِي الْإِسْلَامِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مِنَ التَّرَبُّصِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فِي مَسْكَنِهَا وَتَرْكِ التَّزَيُّنِ وَالتَّطَيُّبِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ يَسِيرٌ فِي جَنْبِ مَا تُكَابِدُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ حَدِيثُ زَيْنَبَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ وَالْعَمَلُ عَلَى هذا عند

باب ما جاء في المظاهر يواقع قبل أن يكفر

أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ الطِّيبَ وَالزِّينَةَ إِلَخْ وَقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الِاكْتِحَالِ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا وَحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الِاكْتِحَالِ لَهَا سَوَاءٌ احْتَاجَتْ إِلَى ذَلِكَ أَمْ لَا وَجَاءَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فِي الْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِ اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ ولَفْظُ أَبِي دَاوُدَ فَتَكْتَحِلِينَ بِاللَّيْلِ وَتَغْسِلِينَهُ بِالنَّهَارِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّهَا إِذَا لَمْ تَحْتَجْ إِلَيْهِ لَا يَحِلُّ وَإِذَا احْتَاجَتْ لَمْ يَجُزْ بِالنَّهَارِ وَيَجُوزُ بِاللَّيْلِ مَعَ أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فَإِذَا فعلت ممسحته بِالنَّهَارِ انْتَهَى 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُظَاهِرِ يُوَاقِعُ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ) الْمُظَاهِرُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الظِّهَارِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وإِنَّمَا خُصَّ الظَّهْرُ بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الرُّكُوبِ غَالِبًا وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الرُّكُوبُ ظَهْرًا فَشُبِّهَتِ الزَّوْجَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا مَرْكُوبُ الرَّجُلِ فَلَوْ أَضَافَ لِغَيْرِ الظَّهْرِ كَالْبَطْنِ مَثَلًا كَانَ ظِهَارًا عَلَى الْأَظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ واخْتُلِفَ فِيمَا إِذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْأُمَّ كَأَنْ قَالَ كَظَهْرِ أُخْتِي مَثَلًا فَعَنِ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ لَا يَكُونُ ظِهَارًا بَلْ يَخْتَصُّ بِالْأُمِّ كَمَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وكَذَا فِي حَدِيثِ خَوْلَةَ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا أَوْسٌ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ يَكُونُ ظِهَارًا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وكَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي ومَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ شَرْحِ الْوِقَايَةِ بِقَوْلِهِ هُوَ تَشْبِيهُ زَوْجَتِهِ أَوْ مَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا أَوْ جُزْءٌ شَائِعٌ مِنْهَا بِعُضْوٍ يَحْرُمُ نَظَرُهُ إِلَيْهِ مِنْ أَعْضَاءِ مَحَارِمِهِ نَسَبًا أَوْ رَضَاعًا كَانَتْ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ رَأْسِكِ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ نِصْفِكِ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ كَبَطْنِهَا أَوْ كَفَخِذِهَا أَوْ كَفَرْجِهَا أَوْ كَظَهْرِ أُخْتِي أَوْ عَمَّتِي وَيَصِيرُ بِهِ مُظَاهِرًا وَيَحْرُمُ وطئها وَدَوَاعِيهِ حَتَّى يُكَفِّرَ انْتَهَى [1198] قَوْلُهُ (فِي الْمُظَاهِرِ يُوَاقِعُ) أَيْ يُجَامِعُ (قَالَ) تَعَلَّقَ بِهِ الْجَارُّ الْمُتَقَدِّمُ أَيْ قَالَ فِي شَأْنِ الْمُظَاهِرِ إِلَخْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِالْعَنْعَنَةِ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إلخ) قال

القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ إِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْكَفَّارَةِ الْأُولَى وَلَكِنْ لَا يَعُودُ حَتَّى يُكَفِّرَ وفِي الْمُوَطَّأِ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ يُظَاهِرُ ثُمَّ يَمَسُّهَا قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهَا يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيُكَفِّرُ ثُمَّ قَالَ وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ) وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَبِيصَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ ونُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وحَدِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ [1199] قَوْلُهُ (رَأَيْتُ خَلْخَالَهَا) قَالَ فِي الصُّرَاحِ خَلْخَالٌ بِالْفَتْحِ باي برنجن جَمْعُهُ خَلَاخِيلُ وفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ رَأَيْتُ بَيَاضَ حَجْلَيْهَا فِي الْقَمَرِ والْحَجَلُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَيُفْتَحُ وَهُوَ الْخَلْخَالُ (فَلَا تَقْرَبْهَا) أَيْ لَا تُجَامِعْهَا (حَتَّى تَفْعَلَ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ) أَيْ الْكَفَّارَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَالَ الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ أَعَلَّهُ أَبُو حَاتِمٍ وَالنَّسَائِيُّ بِالْإِرْسَالِ وَقَالَ بن حَزْمٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَلَا يَضُرُّ إِرْسَالُ مَنْ أَرْسَلَهُ وأَخْرَجَ الْبَزَّارُ شَاهِدًا لَهُ مِنْ طَرِيقِ خصيف عن عطاء عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي ظَاهَرْتُ مِنَ امْرَأَتِي فَرَأَيْتُ سَاقَهَا فِي الْقَمَرِ فَوَاقَعْتُهَا قَبْلَ أَنْ أُكَفِّرَ فَقَالَ كَفِّرْ وَلَا تَعُدْ وقَدْ بَالَغَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَقَالَ لَيْسَ فِي الظِّهَارِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ

باب ما جاء في كفارة الظهار

20 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ) [1200] قَوْلُهُ (أَنَّ سَلْمَانَ بْنَ صَخْرٍ الْأَنْصَارِيَّ) هُوَ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (أَحَدَ بَنِي بَيَاضَةَ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ سَلْمَانَ (حَتَّى يَمْضِيَ رَمَضَانُ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ ظِهَارِ الْمُوَقِّتِ (وَقَعَ عَلَيْهَا) أَيْ جَامَعَهَا وفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ كنت امرأ قَدْ أُوتِيتُ فِي جِمَاعِ النِّسَاءِ مَا لَمْ يُؤْتَ غَيْرِي فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَانُ ظَاهَرْتُ مِنَ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ فَرَقًا مِنْ أَنْ أُصِيبَ فِي لَيْلَتِي شَيْئًا فَأَتَتَابَعُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنْ يُدْرِكَنِي النَّهَارُ وَأَنَا لَا أَقْدِرُ أَنْ أَنْزِعَ فَبَيْنَا هِيَ تَخْدُمُنِي مِنَ اللَّيْلِ إِذْ تَكَشَّفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى قَوْمِي فَأَخْبَرْتُهُمْ خَبَرِي وَقُلْتُ لَهُمْ انْطَلَقُوا مَعِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرُهُ بِأَمْرِي فَقَالُوا وَاللَّهِ لَا نَفْعَلُ نَتَخَوَّفُ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا قُرْآنٌ أَوْ يَقُولَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَةً يَبْقَى عَلَيْنَا عَارُهَا وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَاصْنَعْ مَا بَدَا لَكَ فَخَرَجْتُ حَتَّى أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ (فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ) وفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي فَقَالَ لِي أَنْتَ بِذَاكَ فَقُلْتُ أَنَا بِذَاكَ فَقَالَ أَنْتَ بِذَاكَ فَقُلْتُ أَنَا بِذَاكَ فَقَالَ أَنْتَ بِذَاكَ قُلْتُ نَعَمْ هَا أَنَا ذَا فَامْضِ فِي حُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَأَنَا صَابِرٌ لَهُ (أَعْتِقْ رَقَبَةً) ظَاهِرُهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ كَوْنِهَا مُؤْمِنَةً وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَا يُجْزِئُ إِعْتَاقُ الْكَافِرِ لِأَنَّ هَذَا مُطْلَقٌ مُقَيَّدٌ بِمَا فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ مِنَ اشْتِرَاطِ الْإِيمَانِ وأُجِيبَ بِأَنَّ تَقْيِيدَ حُكْمٍ بِمَا فِي حُكْمٍ آخَرَ مُخَالِفٌ لَا يَصِحُّ وَلَكِنَّهُ يُؤَيِّدُ اعْتِبَارَ الْإِسْلَامِ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ فَإِنَّهُ لَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِعْتَاقِ جَارِيَتِهِ عَنِ الرَّقَبَةِ الَّتِي عَلَيْهِ قَالَ لَهَا أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ فَقَالَ مَنْ أَنَا فَقَالَتْ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ فَأَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ ولَمْ يَسْتَفْصِلْهُ عَنِ الرَّقَبَةِ الَّتِي عَلَيْهِ وَتَرْكُ الِاسْتِفْصَالِ فِي مَقَامِ الِاحْتِمَالِ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْعُمُومِ فِي الْمَقَالِ كَذَا فِي النَّيْلِ وَغَيْرِهِ قُلْتُ فِيهِ شَيْءٌ فَتَفَكَّرْ (قَالَ فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لَا

أَسْتَطِيعُ) وفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ وَهَلْ أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي إِلَّا فِي الصَّوْمِ (قَالَ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا أَجِدُ) فِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا لَيْلَتَنَا وَحْشًا مَا لَنَا عَشَاءٌ (لِفَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْبَيَاضِيِّ الْأَنْصَارِيِّ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ رَوَى عَنْهُ أَبُو حَازِمٍ التَّمَّارُ (ذَلِكَ الْعَرَقَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ وَيُسَكَّنُ (وَهُوَ مِكْتَلٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمِكْتَلُ كَمِنْبَرٍ زِنْبِيلٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشْرَ صَاعًا انْتَهَى وقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْعَرَقُ بِفَتْحِ الرَّاءِ زِنْبِيلٌ مَنْسُوجٌ مِنْ خُوصٍ وفِي الْقَامُوسِ عَرَقُ التَّمْرِ الشَّقِيقَةُ الْمَنْسُوجَةُ مِنَ الْخُوصِ قَبْلَ أَنْ يُجْعَلَ مِنْهُ الزِّنْبِيلُ أَوْ الزِّنْبِيلُ نَفْسُهُ وَيُسَكَّنُ انْتَهَى وهُوَ تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي (إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا) أَيْ لِيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ فَإِنَّ الْعَرَقَ يَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشْرَ صَاعًا وقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ إِنَّ الْوَاجِبَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ ذُرَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِيهَا فَأَطْعِمْ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَلَا يُجْزِئُ إِطْعَامُ دُونَهُمْ وإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وقال أبو حنيفة وأصحابه انه يجزئ إِطْعَامُ وَاحِدٍ سِتِّينَ يَوْمًا انْتَهَى وقَالَ الطِّيبِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ مُرَتَّبَةٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وصححه بن خزيمة وبن الْجَارُودِ وَقَدْ أَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ بِالِانْقِطَاعِ وَأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ لَمْ يُدْرِكْ سَلَمَةَ وقَدْ حَكَى ذَلِكَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ وفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَهِيَ امْرَأَةُ أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَيْسَتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وأَخْرَجَ حَدِيثَهَا أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ رَوَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ بِالْعَنْعَنَةِ

باب ما جاء في الايلاء

(بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِيلَاءِ) هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْأَلِيَّةِ بِالتَّشْدِيدِ وَهِيَ الْيَمِينُ وَالْجَمْعُ أَلَايَا وَزْنُ عَطَايَا قَالَ الشَّاعِرُ قَلِيلُ الْأَلَايَا حَافِظٌ بيمينه فَإِنْ سَبَقَتْ مِنْهُ الْأَلِيَّةُ بَرَّتِ فَجُمِعَ بَيْنَ الْمُفْرَدِ وَالْجَمْعِ وفِي الشَّرْعِ الْحَلِفُ الْوَاقِعُ مِنَ الزَّوْجِ أَنْ لَا يَطَأَ زَوْجَتَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ ويَأْتِي الْكَلَامُ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ عَنْ قَرِيبٍ [1201] قَوْلُهُ (آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنَ الْإِيلَاءِ أَيْ حَلَفَ (وَحَرَّمَ فَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلَالًا إِلَخْ) فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الَّذِي حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْسِهِ هُوَ الْعَسَلُ وقيل تحريم مارية وروى بن مَرْدَوَيْهِ عَنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ مَا يُفِيدُ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَهَكَذَا الْخِلَافُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لك الْآيَةِ وَمُدَّةُ إِيلَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ شَهْرٌ كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ إِيلَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ سَبَبُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ واخْتُلِفَ أَيْضًا فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ الَّذِي أَفْشَتْهُ وَقَدْ وَرَدَتْ فِي بَيَانِهِ رِوَايَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ وقَدْ اخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا قَالُوا فَإِنَّ مَنْ أَخْرَجَهُ حَلَفَ عَلَى أَنْقَصَ مِنْهَا لم يكن مؤليا قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مُوسَى) لِيُنْظَرْ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيِّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى مِنْ نِسَائِهِ الْحَدِيثَ وفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَنَسٍ وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَزَلَ نِسَاءَهُ شَهْرًا قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مَسْلَمَةَ بْنِ علقمة) وأخرجه بن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ وَلَكِنَّهُ رَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ إِرْسَالَهُ عَلَى وَقْفِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْإِيلَاءُ أَنْ يَحْلِفَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يقرب امرأته أربعة أشهر وأكثر) الْحَلِفُ وفِي الشَّرْعِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فَلَوْ قَالَ لَا أَقْرَبُكَ وَلَمْ يَقُلْ وَاللَّهِ لم يكن موليا وقد فسر بن عَبَّاسٍ بِهِ قَوْلَهُ تَعَالَى الَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نسائهم بالقسم الإيلاء في

اللغة أخرجه عبد الرزاق وبن الْمُنْذِرِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وفِي مُصْحَفِ أُبَيِّ بن كعب للذين يقسمون أخرجه بن أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ عَنْ حَمَّادٍ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ إِذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ قُرْبَانِ زَوْجَتِهِ أَرْبَعَةَ أشهر يكون مؤليا واشْتَرَطَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ مُضِرًّا بِهَا أَوْ يَكُونَ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ فَإِنْ كَانَ لِلْإِصْلَاحِ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا ووَافَقَهُ أَحْمَدُ وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ وكَذَلِكَ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عن بن عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ وَالْحَسَنِ وحُجَّةُ مَنْ أَطْلَقَ إِطْلَاقَ قوله تعالى للذين يؤلون الْآيَةَ واتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَقْرَبَ أَقَلَّ مِنْ أربعة أشهر لا يكون مؤليا وكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ بن حميد عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ إِيلَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ فَوَقَّتَ اللَّهُ لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَمَنْ كَانَ إِيلَاؤُهُ أَقَلَّ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ) أَيْ الْمُولِي يَعْنِي لَا يَقَعُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّلَاقُ بَلْ يُوقَفُ الْمُولِي (فَإِمَّا يَفِيءُ) أَيْ يَرْجِعُ (وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ) وَإِنْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا كَفَّارَةُ يَمِينٍ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَسَائِرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَمَا سَتَعْرِفُ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عن بن عُمَرَ قَالَ إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ وَلَا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلَاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ يَعْنِي الْمُولِيَ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ وَاثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مِنْ وَصْلِ هَذِهِ الْآثَارِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَسَائِرِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّ لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ بَعْدَ ذَلِكَ تَفَارِيعَ يَطُولُ شَرْحُهَا مِنْهَا أَنَّ الْجُمْهُورَ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يَكُونُ فِيهِ رَجْعِيًّا لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ لَا تَصِحُّ رَجْعَتُهُ إِلَّا إِنْ جَامَعَ فِي الْعِدَّةِ وقَالَ الشَّافِعِيُّ ظَاهِرُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ أَجَلًا فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ فَإِذَا انْقَضَتْ فَعَلَيْهِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ فَلِهَذَا قُلْنَا لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ حَتَّى يُحْدِثَ رُجُوعًا أَوْ طَلَاقًا ثُمَّ رُجِّحَ قَوْلُ الْوَقْفِ بِأَنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ قَالَ بِهِ وَالتَّرْجِيحُ قَدْ يَقَعُ بِالْأَكْثَرِ مع موافقة ظاهر القرآن ونقل بن الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ قَالَ لَمْ يَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَدِلَّةِ أَنَّ الْعَزِيمَةَ عَلَى الطَّلَاقِ تَكُونُ طَلَاقًا وَلَوْ جَازَ لَكَانَ الْعَزْمُ على الفيء

باب ما جاء في اللعان

فَيْئًا وَلَا قَائِلَ بِهِ وَكَذَلِكَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنَ اللُّغَةِ أَنَّ الْيَمِينَ الَّذِي لَا يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ تَقْتَضِي طَلَاقًا وقَالَ غَيْرُهُ الْعَطْفُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِالْفَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَالَّذِي يَتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِ التَّرَبُّصِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُدَّةُ الْمَضْرُوبَةُ لِيَقَعَ التَّخْيِيرُ بَعْدَهَا وقَالَ غَيْرُهُ جَعَلَ اللَّهُ الْفَيْءَ وَالطَّلَاقَ مُعَلَّقَيْنِ بِفِعْلِ الْمُولِي بَعْدَ الْمُدَّةِ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ فَاءُوا وان عزموا فَلَا يُتَّجَهُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ انْتَهَى مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَهِيَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي موطإه بَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُمْ قَالُوا إِذَا آلَى الرَّجُلُ مِنَ امْرَأَتِهِ فَمَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ قَبْلَ أَنْ يَفِيءَ فَقَدْ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ بَائِنَةٍ وَهُوَ خَاطِبٌ مِنَ الْخُطَّابِ وَكَانُوا لَا يَرَوْنَ أَنْ يُوقَفَ بَعْدَ الأربعة وقال بن عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فإن الله سميع عليم قَالَ الْفَيْءُ الْجِمَاعُ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَعَزِيمَةُ الطَّلَاقِ انْقِضَاءُ الْأَرْبَعَةِ فَإِذَا مَضَتْ بَانَتْ بِتَطْلِيقَةٍ وَلَا يُوقَفُ بَعْدَهَا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ أَعْلَمَ بِتَفْسِيرِ الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَامَّةِ انْتَهَى مَا فِي الْمُوَطَّإِ قُلْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ مَذْهَبَ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَسَائِرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ ويُوَافِقُهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ فَتَفَكَّرْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي اللِّعَانِ) هُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ اللَّعْنِ لِأَنَّ الْمُلَاعِنَ يَقُولُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ واخْتِيرَ لَفْظُ اللَّعْنِ دُونَ الْغَضَبِ فِي التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ قول الرجل وهو الذي بدأ بِهِ فِي الْآيَةِ وَهُوَ أَيْضًا يُبْدَأُ بِهِ وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ فَيَسْقُطَ عَنِ الْمَرْأَةِ بِغَيْرِ عَكْسٍ وقِيلَ سُمِّيَ لِعَانًا لِأَنَّ اللَّعْنَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا خُصَّتِ الْمَرْأَةُ بِلَفْظِ الْغَضَبِ لِعِظَمِ الذَّنْبِ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ

كَاذِبًا لَمْ يَصِلْ ذَنْبُهُ إِلَى أَكْثَرَ مِنَ الْقَذْفِ وَإِنْ كَانَتْ هِيَ كَاذِبَةً فَذَنْبُهَا أَعْظَمُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَلْوِيثِ الْفِرَاشِ وَالتَّعَرُّضِ لِإِلْحَاقِ مَنْ لَيْسَ مِنَ الزَّوْجِ بِهِ فَتَنْتَشِرُ الْمَحْرَمِيَّةُ وَتَثْبُتُ الْوِلَايَةُ وَالْمِيرَاثُ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّهُمَا قَالَهُ الحافظ في الفتح وقال بن الْهُمَامِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ اللِّعَانُ مَصْدَرُ لَاعَنَ وَاللَّعْنُ فِي اللُّغَةِ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ وفِي الْفِقْهِ اسْمٌ لِمَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الشَّهَادَاتِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَعْلُومَاتِ وَشَرْطُهُ قِيَامُ النِّكَاحِ وَسَبَبُهُ قَذْفُ زَوْجَتِهِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ وَحُكْمُهُ حُرْمَتُهَا بَعْدَ التَّلَاعُنِ وَأَهْلُهُ مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلشَّهَادَةِ فَإِنَّ اللعان شَهَادَاتٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالْأَيْمَانِ عِنْدَنَا وأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَأَيْمَانٌ مُؤَكَّدَاتٌ بِالشَّهَادَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ انْتَهَى كَلَامُ بن الْهُمَامِ مُخْتَصَرًا [1202] قَوْلُهُ (فِي إِمَارَةِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ) أَيْ حِينَ كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْعِرَاقِ (فَمَا دَرَيْتُ) أَيْ مَا عَلِمْتُ (فَقُمْتُ مَكَانِي إِلَى مَنْزِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) وفِي رواية لمسلم فمضيت إلى منزل بن عُمَرَ بِمَكَّةَ فَظَهَرَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ فَقُمْتُ مَكَانِي وَسَافَرْتُ إِلَى مَنْزِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِمَكَّةَ وفِي رِوَايَةِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كُنَّا بِالْكُوفَةِ نَخْتَلِفُ فِي الْمُلَاعَنَةِ يَقُولُ بَعْضُنَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيَقُولُ بَعْضُنَا لَا يُفَرَّقُ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّهُ سَافَرَ مِنَ الْكُوفَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ كَانَ قَدِيمًا وَقَدِ اسْتَمَرَّ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ مِنْ فُقَهَاءِ الْبَصْرَةِ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ لَا يَقْتَضِي الْفُرْقَةَ وكأنه لم يبلغه حديث بن عُمَرَ انْتَهَى (أَنَّهُ قَائِلٌ) مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَهِيَ النوم نصف النهار (فقال بن جبير) برفع بن وهو استفهام أي أأنت بن جُبَيْرٍ (مُفْتَرِشٌ بَرْدَعَةَ رَحْلٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِالدَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي الصُّرَاحِ برذعة كَليم كَه زير بالان بريشت شترنهند انْتَهَى وقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَرْدَعَةُ الْحِلْسُ يُلْقَى تَحْتَ الرَّحْلِ وَقَالَ فيه البرذعة البردعة انتهى وفيه زهادة بن عُمَرَ وَتَوَاضُعُهُ وزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ مُتَوَسِّدٌ وِسَادَةً حَشْوُهَا لِيفٌ (يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هَذَا كُنْيَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

(والذين يرمون أزواجهم) بالزنى (ولم يكن لهم شهداء) عليه (إلا أنفسهم) وَقَعَ ذَلِكَ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ (حَتَّى خَتَمَ الْآيَاتِ) وَالْآيَاتُ مَعَ تفسيرها هكذا (فشهادة أحدهم) مبتدأ (أربع شهادات) نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ (بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) فيما رمي به من زوجته من الزنى (وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ من الكاذبين) فِي ذَلِكَ وَخَبَرُ الْمُبْتَدَأِ يُدْفَعُ عِنْدَ حَدِّ الْقَذْفِ (وَيَدْرَأُ) يَدْفَعُ (عَنْهَا الْعَذَابَ) أَيْ حَدَّ الزنى الَّذِي ثَبَتَ بِشَهَادَاتِهِ (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بالله إنه لمن الكاذبين) فيما رماها به من الزنى (وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ من الصادقين) فِي ذَلِكَ (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) بالستر في ذلك (وأن الله تواب) بِقَبُولِهِ التَّوْبَةَ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ (حَكِيمٌ) فِيمَا حَكَمَ بِهِ فِي ذَلِكَ وَغَيْرِهِ لَبَيَّنَ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ وَعَاجَلَ بِالْعُقُوبَةِ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ قَوْلُهُ (وَذَكَّرَهُ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ خَوَّفَهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ (وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا) وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ (أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ) وَالْعَاقِلُ يَخْتَارُ الْأَيْسَرَ عَلَى الْأَعْسَرِ (وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا) وَهُوَ الرَّجْمُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ يَعِظُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَيُخَوِّفُهُمَا مِنْ وَبَالِ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَى عَذَابِ الدُّنْيَا وَهُوَ الْحَدُّ أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ (فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ) فِيهِ أَنَّ الِابْتِدَاءَ فِي اللِّعَانِ يَكُونُ بِالزَّوْجِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِهِ وَلِأَنَّهُ يُسْقِطُ عَنْ نَفْسِهِ حَدَّ قَذْفِهَا وَيَنْفِي النَّسَبَ إِنْ كَانَ ونَقَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالزَّوْجِ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ لَوْ لَاعَنَتِ الْمَرْأَةُ قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَانُهَا وَصَحَّحَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ

بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ إِلَخْ) وَهَذِهِ أَلْفَاظُ اللِّعَانِ وَهِيَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا (ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا) احْتَجَّ بِهِ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَتْبَاعُهُمَا عَلَى أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْفُرْقَةُ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ حَتَّى يُوقِعَهَا عَلَيْهِمَا الْحَاكِمُ وذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ تَقَعُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ قَالَ مَالِكٌ وَغَالِبُ أَصْحَابِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَرْأَةِ وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَتْبَاعُهُ وَسَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ بَعْدَ فَرَاغِ الزَّوْجِ واعْتُلَّ بِأَنَّ الْتِعَانَ الْمَرْأَةِ إِنَّمَا شُرِعَ لِدَفْعِ الْحَدِّ عَنْهَا بِخِلَافِ الرَّجُلِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فِي حَقِّهِ نَفْيُ النَّسَبِ وَلِحَاقُ الْوَلَدِ وَزَوَالُ الْفِرَاشِ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي التَّوَارُثِ لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا عَقِبَ فَرَاغِ الرَّجُلِ وفِيمَا إِذَا عَلَّقَ طَلَاقَ امْرَأَةٍ بِفِرَاقِ أُخْرَى ثُمَّ لَاعَنَ الْأُخْرَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) أخرجه الشيخان (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا (وَحُذَيْفَةَ) لِيُنْظَرْ من أخرجه (وبن مسعود) أخرجه مسلم قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [1203] قَوْلُهُ (لَاعَنَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ) هُوَ عُوَيْمِرٌ الْعِجْلَانِيُّ وَزَوْجَتُهُ خَوْلَةُ بِنْتُ قَيْسٍ الْعِجْلَانِيَّةُ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ وقَدْ وَقَعَ اللِّعَانُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من صَحَابِيَّيْنِ أَحَدُهُمَا عُوَيْمِرٌ الْعِجْلَانِيُّ رَمَى زَوْجَتَهُ بِشَرِيكِ بن سَحْمَاءَ فَتَلَاعَنَا وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وثَانِيهِمَا هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيُّ وَخَبَرُهُمَا مَرْوِيٌّ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا (وَفَرَّقَ النبي صلى الله عليه وسلم) قال القارىء فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ التَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا لَا تَكُونُ إِلَّا بِتَفْرِيقِ الْقَاضِي وَالْحَاكِمِ وقَالَ زُفَرُ تَقَعُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ تَلَاعُنِهِمَا وهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَحْمَدَ انْتَهَى (وَأُلْحِقَ الْوَلَدُ بِالْأُمِّ) أَيْ فِي النَّسَبِ وَالْوِرَاثَةِ فَيَرِثُ وَلَدُ الْمُلَاعَنَةِ مِنْهَا وَتَرِثُ مِنْهُ وَلَا وِرَاثَةَ بَيْنَ الْمُلَاعِنِ وَبَيْنَهُ وبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَوَقَعَ فِي آخِرِ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عند البخاري وغيره قال يعني بن شِهَابٍ ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وأبو داود والنسائي وبن ماجه

باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها

23 - (بَاب مَا جَاءَ أَيْنَ تَعْتَدُّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا) [1204] قَوْلُهُ (عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) الْبَلَوِيِّ الْمَدَنِيِّ حَلِيفِ الْأَنْصَارِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ زَوْجِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَيُقَالُ لَهَا صُحْبَةٌ (أَنَّ الْفُرَيْعَةَ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ (بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ) بِكَسْرِ السِّينِ (وَهِيَ) أَيْ الْفُرَيْعَةُ زَيْنَبُ (أَنَّهَا) أَيْ الْفُرَيْعَةُ (تَسْأَلُهُ) حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ (فِي بَنِي خُدْرَةَ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَبُو قَبِيلَةٍ (فِي طَلَبِ أَعْبُدٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ جَمْعُ عَبْدٍ (أَبَقُوا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ هَرَبُوا (حَتَّى إِذَا كَانَ) أَيْ زَوْجُهَا (بِطَرَفِ الْقَدُومِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الدَّالِ مُشَدَّدَةٌ وَمُخَفَّفَةٌ مَوْضِعٌ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ (حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي الْحُجْرَةِ) أَيْ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ (أَوْ فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَهُوَ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ (قَالَ امْكُثِي) بِضَمِّ الْكَافِ أَيْ تَوَقَّفِي وَاثْبُتِي (فِي بَيْتِكِ) أَيْ الَّذِي كُنْتِ فِيهِ (حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ) أَيْ الْعِدَّةُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهَا أَيْ الْمَفْرُوضَةُ (أَجَلَهُ) أَيْ مُدَّتَهُ وَالْمَعْنَى حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَسُمِّيَتِ الْعِدَّةُ كِتَابًا لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى كُتِبَ عَلَيْكُمْ أَيْ فُرِضَ (فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ) أَيْ خَلِيفَةً وَأَمِيرَ الْمُؤْمِنِين

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ في الموطإ وأبو داود والنسائي وبن ماجه والدارمي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ مِنَ الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وقَالَ الذَّهَبِيُّ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَحْفُوظٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ والذهلي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم إِلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ اخْتَلَفُوا فِي السكنى المعتدة عَنِ الْوَفَاةِ وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ فَعَلَى الْأَصَحِّ لَهَا السُّكْنَى وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَقَالُوا إِذْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْفُرَيْعَةِ أَوَّلًا صَارَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ امْكُثِي فِي بَيْتِكِ إِلَخْ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ الْحُكْمِ قَبْلَ الْفِعْلِ والْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ لَا سُكْنَى لَهَا بَلْ تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وَهُوَ قَوْلُ علي وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِلْفُرَيْعَةِ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهَا وَقَوْلُهُ لَهَا آخِرًا امْكُثِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ انْتَهَى وحُجَّةُ أَصْحَابِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَدِيثُ الْبَابِ وَاسْتَدَلَّ عَلِيٌّ القارىء عَلَى عَدَمِ خُرُوجِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ متاعا إلى الحول غير إخراج فَإِنَّهُ دَلَّ عَلَى عَدَمِ خُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا ولَمَّا نَسَخَ مُدَّةَ الْحَوْلِ بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وعشرا وَالْوَصِيَّةِ بَقِيَ عَدَمُ الْخُرُوجِ عَلَى حَالِهِ انْتَهَى (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ فَفِي مُوَطَّأِ الإمام محمد عن نافع أن بن عُمَرَ كَانَ يَقُولُ لَا تَبِيتُ الْمَبْتُوتَةُ وَلَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا إِلَّا فِي بَيْتِ زَوْجِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهَذَا نَأْخُذُ أَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَإِنَّهَا تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ فِي حَوَائِجِهَا وَلَا تَبِيتُ إِلَّا فِي بَيْتِهَا وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ مَبْتُوتَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَ مَبْتُوتَةٍ فَلَا تَخْرُجُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ وَإِنْ لَمْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا) وهو قول علي وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ كَمَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ وَجَاءَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وبن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ أَنَّهَا تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ وهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَالظَّاهِرِيَّةِ انْتَهَى واسْتُدِلَّ لَهُمْ بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مَحْبُوبِ بْنِ مُحْرِزٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ الْمُتَوَفَّى

عَنْهَا زَوْجُهَا أَنْ تَعْتَدَّ حَيْثُ شَاءَتْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَمْ يُسْنِدْهُ غَيْرُ أَبِي مَالِكٍ النَّخَعِيِّ وهو ضعيف قال بن الْقَطَّانِ وَمَحْبُوبُ بْنُ مُحْرِزٍ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَعَطَاءٌ مُخْتَلَفٌ وَأَبُو مَالِكٍ أَضْعَفُهُمْ فَلِذَلِكَ أَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِهِ وَذِكْرُ الْجَمِيعِ أَصْوَبُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْجِنَايَةُ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) فَإِنَّ دَلِيلَهُ أَصَحُّ مِنْ دَلِيلِ الْقَوْلِ الثَّانِي قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدِ اسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ فُرَيْعَةَ عَلَى أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَعْتَدُّ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي بَلَغَهَا نَعْيُ زَوْجِهَا وَهِيَ فِيهِ وَلَا تَخْرُجُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وقَدْ أَخْرَجَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عُمَرَ وعثمان وبن عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ أكثر أصحاب بن مَسْعُودٍ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وأَخْرَجَهُ حَمَّادٌ عن بن سِيرِينَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمْ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ قَالَ وَحَدِيثُ فُرَيْعَةَ لَمْ يَأْتِ مَنْ خَالَفَهُ بِمَا يَنْتَهِضُ لمعارضته فالتمسك به متعين انتهى

12 - أبواب البيوع

12 - أبواب الْبُيُوعِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الشُّبُهَاتِ) [1205] قَوْلُهُ (عَنِ الشَّعْبِيِّ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِمُوَحَّدَةٍ هُوَ عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ الْفَقِيهُ الْمَشْهُورُ قَالَ مَكْحُولٌ مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْهُ ثِقَةٌ فَاضِلٌ تُوفِّيَ سَنَةَ 301 ثَلَاثٍ وَمِائَةٍ قَوْلُهُ (الْحَلَالُ بَيِّنٌ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ وَاضِحٌ لَا يَخْفَى حِلُّهُ بِأَنْ وَرَدَ نَصٌّ عَلَى حِلِّهِ أَوْ مُهِّدَ أَصْلٌ يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُ الْجُزْئِيَّاتِ مِنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (خَلَقَ لَكُمْ مَا في الأرض جَمِيعًا) فَإِنَّ اللَّامَ لِلنَّفْعِ فَعُلِمَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْحِلُّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَضَرَّةٌ (وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ) أَيْ ظَاهِرٌ لَا تَخْفَى حُرْمَتُهُ بِأَنْ وَرَدَ نَصٌّ عَلَى حُرْمَتِهِ كَالْفَوَاحِشِ وَالْمَحَارِمِ وَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهَا أَوْ مُهِّدَ مَا يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ نَحْوُ كُلِّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ (وَبَيْنَ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَبَيْنَهُمَا (مُشْتَبِهَاتٌ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ أُمُورٌ مُلْتَبِسَةٌ غَيْرُ مُبَيَّنَةٍ لِكَوْنِهَا ذَاتَ جِهَةٍ إِلَى كُلٍّ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ (لَا يَدْرِي كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) قَالَ الْحَافِظُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ كَثِيرٌ أَنَّ مَعْرِفَةَ حُكْمِهَا مُمْكِنٌ لَكِنْ لِلْقَلِيلِ مِنَ النَّاسِ وَهُمْ الْمُجْتَهِدُونَ فَالشُّبُهَاتُ عَلَى هَذَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ وقَدْ تَقَعُ لَهُمْ حَيْثُ لَا يَظْهَرُ لَهُمْ تَرْجِيحُ

أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ (فَمَنْ تَرَكَهَا) أَيْ الْمُشْتَبِهَاتِ (اسْتِبْرَاءً) اسْتِفْعَالٌ مِنَ الْبَرَاءَةِ أَيْ طَلَبًا لِلْبَرَاءَةِ (لِدِينِهِ) مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ (وَعِرْضِهِ) مِنْ كَلَامِ الطَّاعِنِ (فَقَدْ سَلِمَ) مِنَ الذَّمِّ الشَّرْعِيِّ وَالطَّعْنِ (وَمَنْ وَاقَعَ شَيْئًا مِنْهَا) أَيْ مَنْ وَقَعَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُشْتَبِهَاتِ (يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَ الْحَرَامَ) أَيْ أَنْ يَقَعَ فِيهِ (كَمَا أَنَّهُ مَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ مِيمٍ مُخَفَّفَةٍ وَهُوَ الْمَرْعَى الَّذِي يَحْمِيهِ السُّلْطَانُ مِنْ أَنْ يَرْتَعَ مِنْهُ غَيْرُ رُعَاةِ دَوَابِّهِ وهَذَا الْمَنْعُ غَيْرُ جَائِزٍ إِلَّا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حِمَى إِلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ (يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ) أَيْ يَقْرَبُ أَنْ يَقَعَ فِي الْحِمَى قَالَ الْحَافِظُ فِي اخْتِصَاصِ التَّمْثِيلِ بِذَلِكَ نُكْتَةٌ وَهِيَ أَنَّ مُلُوكَ الْعَرَبِ كَانُوا يَحْمُونَ لِمَرَاعِي مَوَاشِيهِمْ أَمَاكِنَ مُخْتَصَّةً يَتَوَعَّدُونَ مَنْ يَرْعَى فِيهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ الشَّدِيدَةِ فَمَثَّلَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَهُمْ فَالْخَائِفُ مِنَ الْعُقُوبَةِ الْمُرَاقِبُ لِرِضَا الْمَلِكِ يَبْعُدُ عَنْ ذَلِكَ الْحِمَى خَشْيَةَ أَنْ تَقَعَ مَوَاشِيهِ فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَبُعْدُهُ أَسْلَمُ لَهُ وَلَوْ اشْتَدَّ حَذَرُهُ وغَيْرُ الْخَائِفِ الْمُرَاقِبُ يَقْرَبُ مِنْهُ وَيَرْعَى مِنْ جَوَانِبِهِ فَلَا يَأْمَنُ أَنْ تَنْفَرِدَ الْفَاذَّةُ فَتَقَعَ فِيهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ أَوْ يَمْحَلُ الْمَكَانُ الَّذِي هُوَ فِيهِ وَيَقَعُ الْخِصْبُ فِي الْحِمَى فَلَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الْمَلِكُ حَقًّا وَحِمَاهُ مَحَارِمُهُ (أَلَا) مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَحَرْفِ النَّفْيِ لِإِعْطَاءِ مَعْنَى التَّنْبِيهِ عَلَى تَحَقُّقِ مَا بَعْدَهَا (وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى) أَيْ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ أَوِ إِخْبَارٌ عما يكون عليه ظلمة الاسلامية قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ الْأَظْهَرُ أَنَّ الْوَاوَ هِيَ الِابْتِدَائِيَّةُ الَّتِي تُسَمِّي النُّحَاةُ الِاسْتِئْنَافِيَّةَ الدَّالَّةَ عَلَى انْقِطَاعِ مَا بَعْدَهَا عَمَّا قَبْلَهَا فِي الْجُمَلِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي (أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ) وَهِيَ أَنْوَاعُ الْمَعَاصِي فَمَنْ دَخَلَهُ بِارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنْهَا اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ زَادَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

باب ما جاء في أكل الربا

2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الرِّبَا) [1206] قَوْلُهُ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا) أَيْ آخِذَهُ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ وإنما خُصَّ بِالْأَكْلِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الِانْتِفَاعِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا) (وَمُؤْكِلَهُ) بِهَمْزٍ وَيُبَدَّلُ أَيْ مُعْطِيهِ لِمَنْ يَأْخُذُهُ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْأَكْلَ هُوَ الْأَغْلَبُ أَوْ الْأَعْظَمُ كَمَا تَقَدَّمَ (وَشَاهِدَيْهِ وَكَاتِبَهُ) وَرَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ عن جابر وزادهم سَوَاءٌ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ كِتَابَةِ الْمُبَايَعَةِ بَيْنَ الْمُتَرَابِيَيْنِ وَالشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا وفِيهِ تَحْرِيمُ الْإِعَانَةِ عَلَى الْبَاطِلِ انْتَهَى وفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عن بن مَسْعُودٍ آكِلُ الرِّبَا وَمُؤْكِلُهُ وَشَاهِدَاهُ وَكَاتِبُهُ إِذَا عَلِمُوا ذَلِكَ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ (وفِي الباب عن عمر) أخرجه بن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ (وَعَلِيِّ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ حَرَّمَ ثَمَنَ الدَّمِ وَثَمَنَ الْكَلْبِ وَكَسْبَ الْبَغِيِّ وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ إِلَخْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّغْلِيظِ فِي الْكَذِبِ وَالزُّورِ وَنَحْوِهِ) [1207] قَوْلُهُ (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَبَائِرِ) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْكَبَائِرِ فَقَالَ (وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) أَيْ قَطْعُ صِلَتِهِمَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَقِّ وَهُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ وَالْمُرَادُ عُقُوقُ أَحَدِهِمَا

باب ما جاء في التجار وتسمية النبي

قِيلَ هُوَ إِيذَاءٌ لَا يُتَحَمَّلُ مِثْلُهُ مِنَ الْوَلَدِ عَادَةً وَقِيلَ عُقُوقُهُمَا مُخَالَفَةُ أَمْرِهِمَا فِيمَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً وفِي مَعْنَاهُمَا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ (وَقَتْلُ النَّفْسِ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَقَوْلُ الزُّورِ) أَيْ الْكَذِبِ وَسُمِّيَ زُورًا لِمَيَلَانِهِ عَنْ جِهَةِ الْحَقِّ ووَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَشَهَادَةُ الزُّورِ مَكَانُ وَقَوْلُ الزُّورِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَيْمَنُ بْنُ خُرَيْمٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مصغرا بن الْأَخْرَمِ الْأَسَدِيِّ أَبِي عَطِيَّةَ الشَّامِيِّ الشَّاعِرِ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وقَالَ الْعِجْلِيُّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ وَأَخْرَجَ حديثه أحمد والترمذي وأخرج أبو داود وبن مَاجَهْ عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ مَرْفُوعًا عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ بِالْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَرَأَ (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ) رَوَاهُ أبو داود وبن مَاجَهْ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَيْمَنَ بْنِ خريم إلا أن بن ماجه لم يذكر القراءة (وبن عمر رضي الله عنه) أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَنْ تَزُولَ قَدَمُ شَاهِدِ الزور حتى يوجب الله له بالنار قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (بَاب مَا جَاءَ فِي التُّجَّارِ وَتَسْمِيَةِ النَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ [1208] قَوْلُهُ (عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ) بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ وَزَايٍ مَفْتُوحَاتٍ الْغِفَارِيُّ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْكُوفَةَ (نَحْنُ نُسَمَّى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ نُدْعَى (السَّمَاسِرَةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ جَمْعُ السِّمْسَارِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ السِّمْسَارُ الْقَيِّمُ بِالْأَمْرِ الْحَافِظُ وَهُوَ اسْمٌ لِلَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي مُتَوَسِّطًا لِإِمْضَاءِ الْبَيْعِ وَالسَّمْسَرَةُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ انْتَهَى (فَقَالَ يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ) وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ هَكَذَا كُنَّا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُسَمَّى السَّمَاسِرَةَ فَمَرَّ بِنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ إِلَخْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ السِّمْسَارُ أَعْجَمِيٌّ وَكَانَ كَثِيرٌ مِمَّنْ يُعَالِجُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِيهِمْ عَجَمًا فَتَلْقَوْا هَذَا الِاسْمَ عَنْهُمْ فَغَيَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى التِّجَارَةِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَسَمَّانَا بِاسْمٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ انْتَهَى (إِنَّ الشَّيْطَانَ

وَالْإِثْمَ يَحْضُرَانِ الْبَيْعَ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِنَّ الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْحَلِفُ (فَشُوبُوا) أَمْرٌ مِنَ الشَّوْبِ بِمَعْنَى الْخَلْطِ أَيْ اخْلِطُوا (بَيْعَكُمْ بالصدقة) فإنها تطفىء غَضَبَ الرَّبِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ (ورفاعة) أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ أَبِي غَرَزَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَلَا نَعْرِفُ لِقَيْسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ هَذَا) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ التُّجَّارَ هُمُ الْفُجَّارُ إِلَّا مَنْ بَرَّ وَصَدَقَ قَالَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُمَا حَدِيثَيْنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَابِرٍ وَيُقَالُ لَهُ أَبُو حَازِمٍ أَيْضًا مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الخلاصة فِي تَرْجَمَتِهِ يُرْوَى عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ وَمُجَاهِدٍ وعنه الثوري وحكام بن سلم وثقه بن حِبَّانَ (عَنِ الْحَسَنِ) بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ مَشْهُورٌ وَكَانَ يُرْسِلُ كَثِيرًا ويدلس قاله الْبَزَّارُ كَانَ يَرْوِي عَنْ جَمَاعَةٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَيَتَجَوَّزُ وَيَقُولُ حَدَّثَنَا وَخَطَبَنَا يَعْنِي قَوْمَهُ الَّذِينَ حَدَّثُوا وَخَطَبُوا بِالْبَصْرَةِ هُوَ رَأْسُ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ عَشْرَةٍ وَمِائَةٍ وَقَارَبَ التِّسْعِينَ [1209] قَوْلُهُ (التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ إِلَخْ) أَيْ مَنْ تَحَرَّى الصِّدْقَ وَالْأَمَانَةَ كَانَ فِي زُمْرَةِ الأبراء مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَمَنْ تَوَخَّى خِلَافَهُمَا كَانَ فِي قَرْنِ الْفُجَّارِ مِنَ الْفَسَقَةِ وَالْعَاصِينَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ كِلَاهُمَا مِنْ صِيَغِ الْمُبَالَغَةِ تَنْبِيهٌ عَلَى رِعَايَةِ الْكَمَالِ فِي هَذَيْنِ الصِّفَتَيْنِ حَتَّى يَنَالَ هَذِهِ الدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَقَالَ

باب ما جاء فيمن حلف على سلعة كاذبا

الْحَاكِمُ مِنْ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ وفِي الباب عن بن عُمَرَ بِلَفْظِ التَّاجِرُ الْأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ الشهداء يوم القيامة أخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَاعْتُرِضَ قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِلَفْظِ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ تَحْتَ ظِلِّ الْعَرْشِ يَوْمَ القيامة أخرجه الأصفهاني في ترغيبه وعن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ التَّاجِرُ الصَّدُوقُ لَا يُحْجَبُ مِنْ أبواب الجنة أخرجه بن النَّجَّارِ [1210] قَوْلُهُ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ) بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَالُ لَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ (بْنِ رِفَاعَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (عَنْ أَبِيهِ) عُبَيْدٍ (عَنْ جَدِّهِ) رِفَاعَةَ وَهُوَ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ أَبُو مُعَاذٍ الْمَدَنِيُّ بَدْرِيٌّ جَلِيلٌ لَهُ أحاديث انفرد لَهُ الْبُخَارِيُّ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ وَعَنْهُ ابْنَاهُ مُعَاذٌ وَعُبَيْدٌ مَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ (إِنَّ التُّجَّارَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ جَمْعُ تَاجِرٍ (يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا) جَمْعُ فَاجِرٍ مِنَ الْفُجُورِ (إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ) بِأَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ كَبِيرَةً وَلَا صَغِيرَةً مِنْ غِشٍّ وَخِيَانَةٍ أَيْ أَحْسَنَ إِلَى النَّاسِ فِي تِجَارَتِهِ أَوْ قَامَ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ (وَصَدَقَ) أَيْ فِي يَمِينِهِ وَسَائِرِ كَلَامِهِ قَالَ الْقَاضِي لَمَّا كَانَ مِنْ دَيْدَنِ التُّجَّارِ التَّدْلِيسُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالتَّهَالُكُ عَلَى تَرْوِيجِ السِّلَعِ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُمْ مِنَ الْأَيْمَانِ الْكَاذِبَةِ وَنَحْوِهَا حَكَمَ عَلَيْهِمْ بِالْفُجُورِ وَاسْتَثْنَى مِنْهُمْ مَنِ اتَّقَى الْمَحَارِمَ وَبَرَّ فِي يَمِينِهِ وَصَدَقَ فِي حَدِيثِهِ وإِلَى هَذَا ذَهَبَ الشَّارِحُونَ وَحَمَلُوا الْفُجُورَ عَلَى اللَّغْوِ وَالْحَلِفِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ كَاذِبًا) [1211] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ مُدْرِكٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَكَسْرِ الرَّاءِ فَاعِلٌ مِنَ الْإِدْرَاكِ ثِقَةٌ (عَنْ خَرَشَةَ) بِفَتَحَاتٍ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (بْنِ الْحُرِّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْفَزَارِيِّ كَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ عُمَرَ

باب ما جاء في التبكير بالتجارة

قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَهُ صُحْبَةٌ وقَالَ الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ فَيَكُونُ مِنَ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِمْ) أَيْ نَظَرَ رَحْمَةٍ (وَلَا يُزَكِّيهِمْ) أَيْ لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ (فَقَدْ خَابُوا) أَيْ حُرِمُوا مِنَ الْخَيْرِ (الْمَنَّانُ) وفِي رِوَايَةٍ وَالْمَنَّانُ الَّذِي لَا يُعْطِي شَيْئًا إِلَّا مَنَّةً بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ إِلَّا مَنَّ بِهِ عَلَى مَنْ أَعْطَاهُ (وَالْمُسْبِلُ إِزَارَهُ) أَيْ عَنْ كَعْبَيْهِ كِبْرًا وَاخْتِيَالًا (وَالْمُنْفِقُ) بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ أَيْ الْمُرَوِّجُ (بِالْحَلِفِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَبِسُكُونِهَا قَوْلُهُ (وفِي الباب عن بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ (وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّبْكِيرِ بِالتِّجَارَةِ) التَّبْكِيرُ مِنَ الْبُكُورِ قَالَ فِي الصُّرَاحِ بكور بكاه برخاستن وبامداد كردن وبإمداء رفتن يُقَالُ بَكَرْتُ وَأَبْكَرْتُ وَبَكَّرْتُ وَبَاكَرْتُ وَابْتَكَرْتُ كُلُّهُ بِمَعْنًى انْتَهَى [1212] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيُّ) بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ وَاوٍ وَفَتْحِ رَاءٍ وَبِقَافٍ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ) هُوَ هُشَيْمُ بْنُ بَشِيرٍ السُّلَمِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ قَالَ يَعْقُوبُ الدَّوْرَقِيُّ كَانَ عِنْدَ هُشَيْمٍ عِشْرُونَ أَلْفَ حَدِيثٍ وقَالَ العجلي ثقة يدلس وقال بن سَعْدٍ ثِقَةٌ حُجَّةٌ إِذَا قَالَ أَنْبَأَنَا (عَنْ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (بْنِ حَدِيدٍ) بِفَتْحِ الحاء المهملة وكسر الدال الأولى وثقة بن حِبَّانَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَجْهُولٌ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا) أَيْ أَوَّلِ نَهَارِهَا والْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُنَاسَبَةٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (قَالَ وكان

أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ السَّرِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَيْشِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعَمِائَةٍ تُبْعَثُ إِلَى الْعَدُوِّ جَمْعُهَا السَّرَايَا انْتَهَى (فَأَثْرَى) أَيْ صَارَ ذَا ثَرْوَةٍ بِسَبَبِ مُرَاعَاةِ السُّنَّةِ وإِجَابَةِ هَذَا الدُّعَاءِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ (وَكَثُرَ مَالُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَبُرَيْدَةَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ فِي تَرْجَمَةِ عُمَارَةَ بْنِ حَدِيدٍ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِهِ مَا لَفْظُهُ وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ تَالِفٍ وعَنْ بُرَيْدَةَ مِنْ طَرِيقِ أَوْسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وهو لين وعن بن عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهَيْنِ لَمْ يَصِحَّا انْتَهَى وأَمَّا حديث بن عمر فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وفِي الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَمَا سَتَقِفُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ صَخْرٌ لَا يُعْرَفُ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَلَا قِيلَ إِنَّهُ صَحَابِيٌّ إِلَّا بِهِ وَلَا نَقَلَ ذَلِكَ إِلَّا عُمَارَةُ وعُمَارَةُ مَجْهُولٌ كَمَا قَالَ الرازيان ولا يفرح بذكر بن حِبَّانَ لَهُ بَيْنَ الثِّقَاتِ فَإِنَّ قَاعِدَتَهُ مَعْرُوفَةٌ مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِمَنْ لَا يُعْرَفُ تَفَرَّدَ بِهَذَا الحديث عنه يعلى بن عطاء قال بن الْقَطَّانِ أَمَّا قَوْلُهُ حَسَنٌ فَخَطَأٌ انْتَهَى كَلَامُ الذِّهْبِيِّ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَوْهُ كُلُّهُمْ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ صَخْرٍ وَعُمَارَةُ بْنُ حَدِيدٍ بَجَلِيٌّ سُئِلَ عَنْهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فَقَالَ مَجْهُولٌ وَسُئِلَ عَنْهُ أَبُو زُرْعَةَ فَقَالَ لَا يُعْرَفُ وقَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ صَخْرُ بْنُ وَدَاعَةَ الْغَامِدِيُّ وَغَامِدٌ فِي الْأَزْدِ سَكَنَ الطَّائِفَ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ رَوَى عَنْهُ عُمَارَةُ بْنُ حَدِيدٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ يَعْلَى الطَّائِفِيُّ وَلَا أَعْرِفُ لِصَخْرٍ غَيْرَ حَدِيثِ بُورِكَ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا وهُوَ لَفْظٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى كَلَامُهُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وبن عباس وبن مسعود وبن عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَّامٍ وَالنَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَبَعْضُ أَسَانِيدِهِ جَيِّدٌ وَنُبَيْطُ بْنُ شَرِيطٍ وزَادَ فِي حَدِيثِهِ يَوْمَ خَمِيسِهَا وبُرَيْدَةُ وَأَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وفِي كَثِيرٍ مِنْ أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ وَبَعْضُهَا حَسَنٌ وَقَدْ

باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل

جَمَعْتُهَا فِي جُزْءٍ وَبَسَطْتُ الْكَلَامَ عَلَيْهَا ورُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاكِرُوا لِلْغُدُوِّ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ فَإِنَّ الْغُدُوَّ بَرَكَةٌ وَنَجَاحٌ رَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْمُ الصُّبْحَةِ يَمْنَعُ الرِّزْقَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وغيرهما وأوردهما بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّكَارَةِ ورُوِيَ عن فاطمة بنت محمد ورضي اللَّه عَنْهَا قَالَتْ مَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ مُتَصَبِّحَةٌ فَحَرَّكَنِي بِرِجْلِهِ ثُمَّ قَالَ يَا بُنَيَّةَ قُومِي اشْهَدِي رِزْقَ رَبِّكَ وَلَا تَكُونِي مِنَ الْغَافِلِينَ فَإِنَّ اللَّهَ يُقَسِّمُ أَرْزَاقَ النَّاسِ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ قَالَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَاطِمَةَ بَعْدَ أَنْ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ نَائِمَةٌ فَذَكَرَهُ بمعناه وروى بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّوْمِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ انْتَهَى مَا فِي التَّرْغِيبِ (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الشِّرَاءِ إِلَى أَجَلٍ) وَبَوَّبَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ بَابُ شِرَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بالنسيئة قال بن بَطَّالٍ الشِّرَاءُ بِالنَّسِيئَةِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَعَلَّ الْمُصَنِّفَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ تَخَيَّلَ أَنَّ أَحَدًا يَتَخَيَّلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ فَأَرَادَ دَفْعَ ذَلِكَ التَّخَيُّلِ انْتَهَى [1213] قَوْلُهُ (ثَوْبَيْنِ قِطْرِيَّيْنِ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وفِي بَعْضِهَا ثَوْبَانِ قِطْرِيَّانِ وَهُوَ الْقِيَاسُ قَالَ فِي النِّهَايَةُ قِطْرِيٌّ بِكَسْرِ الْقَافِ ضَرْبٌ مِنَ الْبُرُودِ فِيهِ حُمْرَةٌ وَلَهُ أَعْلَامٌ وفِيهِ بَعْضُ خُشُونَةٍ (فَقَدِمَ بَزٌّ) هُوَ ضَرْبٌ مِنَ الثِّيَابِ (إِلَى الْمَيْسَرَةِ) أَيْ مُؤَجَّلًا إِلَى وَقْتِ الْيُسْرِ (قَدْ عَلِمْتُ مَا يُرِيدُ) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ عَلَّقَ الْعِلْمَ أَوْ مَوْصُولَةٌ وَالْعِلْمُ بِمَعْنَى الْعِرْفَانِ (وَآدَاهُمْ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ بِمَدِّ أَلِفٍ أَيْ أَحْسَنُهُمْ وَفَاءً انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن بن عباس) أخرجه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا (وَأَسْمَاءَ ابْنَةِ يَزِيدَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهَا قَوْلُهُ (حَتَّى تَقُومُوا إِلَى

حَرَمِيِّ بْنِ عُمَارَةَ) بْنِ أَبِي حَفْصَةَ وَحَرَمِيٌّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِشِدَّةِ التَّحْتَانِيَّةِ وَإِنَّمَا قَالَ شُعْبَةُ لِلْقَوْمِ لِتَقْبِيلِ رَأْسِهِ لِإِعْزَازِهِ وَإِكْرَامِهِ لأنه هو بن عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ الَّذِي رَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْهُ [1214] قَوْلُهُ (وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ) الْوَاوُ لِلْحَالِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَقَالَ صَاحِبُ الِاقْتِرَاحِ هُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ كَذَا في النيل [1215] (قال محمد) هو بن بَشَّارٍ (مَشَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِيرٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَعَ لِأَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ لَقَدْ وَعَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ عَلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةِ سَنِخَةٍ فَكَأَنَّ الْيَهُودِيَّ دَعَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى لِسَانِ أَنَسٍ فَلِهَذَا قَالَ مَشَيْتُ إِلَيْهِ بِخِلَافِ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ أَحْضَرَ ذَلِكَ إِلَيْهِ انْتَهَى (وَإِهَالَةٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْإِهَالَةُ الشَّحْمُ أَوْ مَا أُذِيبَ مِنْهُ أَوْ الزَّيْتُ وَكُلُّ مَا ائْتُدِمَ بِهِ (سَنِخَةٍ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ الْمُتَغَيِّرَةُ الرِّيحِ (مَعَ يَهُودِيٍّ وفِي بَعْضِ النُّسَخِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي عُدُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مُعَامَلَةِ مَيَاسِيرِ الصَّحَابَةِ إِلَى مُعَامَلَةِ الْيَهُودِ إِمَّا بَيَانُ الْجَوَازِ أَوْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إِذْ ذَاكَ طَعَامٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِمْ أَوْ خُشِيَ أَنَّهُمْ لَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ ثَمَنًا أَوْ عِوَضًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بِعِشْرِينَ صَاعًا) وفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ بثلاثين صاعا من شعير ولعله رَهَنَهُ أَوَّلَ الْأَمْرِ فِي عِشْرِينَ ثُمَّ اسْتَزَادَهُ عَشَرَةً فَرَوَاهُ الرَّاوِي تَارَةً عَلَى مَا كَانَ الرَّهْنُ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَتَارَةً عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ آخِرًا وقَالَ فِي الْفَتْحِ لَعَلَّهُ كَانَ دُونَ الثَّلَاثِينَ فَجُبِرَ الْكَسْرُ تَارَةً وَأُلْقِيَ الْجَبْرُ أُخْرَى انْتَهَى (وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ ذَاتَ يَوْمٍ يَقُولُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ كَلَامُ أَنَسٍ والضمير في

باب ما جاء في كتابة الشروط

سَمِعْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا رَهَنَ الدِّرْعَ عِنْدَ الْيَهُودِيِّ مُظْهِرًا لِلسَّبَبِ فِي شِرَائِهِ إِلَى أَجَلٍ وَذَهِلَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَلَامُ قَتَادَةَ وَجَعَلَ الضَّمِيرَ فِي سَمِعْتُهُ لِأَنَسٍ لِأَنَّهُ إِخْرَاجٌ لِلسِّيَاقِ عَنْ ظَاهِرِهِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ انْتَهَى (وَإِنَّ عِنْدَهُ يَوْمَئِذٍ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ) قَالَ الْحَافِظُ مُنَاسَبَةُ ذِكْرِ أَنَسٍ لِهَذَا الْقَدْرِ مَعَ مَا قَبْلَهُ الْإِشَارَةُ إِلَى سَبَبِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا وَأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ مُتَضَجِّرًا وَلَا شَاكِيًا مَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَهُ مُعْتَذِرًا عَنْ إِجَابَةِ دَعْوَةِ الْيَهُودِيِّ وَلِرَهْنِهِ عِنْدَهُ دِرْعَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي كِتَابَةِ الشُّرُوطِ) [1216] (أخبرنا عَبَّادُ بْنُ لَيْثٍ) أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يخطىء من التاسعة (صاحب الكرابيس) ويقال له الكرابيسي أَيْضًا وَالْكَرَابِيسُ جَمْعُ كِرْبَاسٍ بِالْكَسْرِ ثَوْبٌ مِنَ القطن الأبيض معرب فارسيته بالفتح غيروه لعزة فِعْلَالٍ والنِّسْبَةُ كَرَابِيسِيٌّ كَأَنَّهُ شُبِّهَ بِالْأَنْصَارِيِّ وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ كِرْبَاسِيٌّ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (قَالَ لِي الْعَدَّاءُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ بِوَزْنِ الْفَعَّالِ صَحَابِيٌّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ أَسْلَمَ بَعْدَ حُنَيْنٍ (بْنُ هَوْذَةَ) بِفَتْحِ الهاء وسكون الواو هو بن رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ قوله (لاداء) قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ الْمُرَادُ بِهِ الْبَاطِنُ سَوَاءٌ ظَهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا كَوَجَعِ الْكَبِدِ وَالسُّعَالِ وقال بن المنير لاداء أَيْ يَكْتُمُهُ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ بِالْعَبْدِ دَاءٌ وَبَيَّنَهُ الْبَائِعُ كَانَ مِنْ بَيْعِ الْمُسْلِمِ للمسلم ومحصله أنه لم يرد بقوله لاداء نَفْيُ الدَّاءِ مُطْلَقًا بَلْ نَفْيُ دَاءٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ (وَلَا غَائِلَةَ) قيل المراد بها الإباق وقال بن بَطَّالٍ هُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ اغْتَالَنِي فُلَانٌ إِذَا احْتَالَ بِحِيلَةٍ سَلَبَ بِهَا مَالِي (وَلَا خِبْثَةَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِضَمِّهَا وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ قِيلَ الْمُرَادُ الْأَخْلَاقُ الْخَبِيثَةُ كَالْإِبَاقِ وقَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ هِيَ

باب ما جاء في المكيال والميزان

الدَّنِيَّةُ وقِيلَ الْمُرَادُ الْحَرَامُ كَمَا عَبَّرَ عَنِ الْحَلَالِ بِالطَّيِّبِ وقِيلَ الدَّاءُ مَا كَانَ فِي الْخَلْقِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْخِبْثَةُ مَا كَانَ فِي الْخُلُقِ بِضَمِّهَا والْغَائِلَةُ سُكُوتُ الْبَائِعِ عَنْ بَيَانِ مَا يُعْلَمُ مِنْ مَكْرُوهٍ فِي الْمَبِيعِ قَالَهُ بن الْعَرَبِيِّ كَذَا فِي النَّيْلِ (بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ) الْمُسْلِمُ الْأَوَّلُ بِالْجَرِّ فَاعِلٌ وَالثَّانِي بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ والْمَعْنَى أَنَّ هَذَا بَيْعُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ مِنَ الدَّاءِ وَالْغَائِلَةِ وَالْخِبْثَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن ماجه وبن الْجَارُودِ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ) [1217] قَوْلُهُ (إِنَّكُمْ قَدْ وُلِّيتُمْ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَكْسُورَةِ (أَمْرَيْنِ) أَيْ جُعِلْتُمْ حُكَّامًا فِي أَمْرَيْنِ أَيْ الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ وإِنَّمَا قَالَ أَمْرَيْنِ أَبْهَمَهُ وَنَكَّرَهُ لِيَدُلَّ عَلَى التَّفْخِيمِ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ فِي حَقِّهِمْ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (هَلَكَتْ فِيهِ) كَذَا فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ وفِي الْمِشْكَاةِ فِيهِمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ (الْأُمَمُ السَّالِفَةُ قَبْلَكُمْ) كَقَوْمِ شُعَيْبٍ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنَ النَّاسِ تَامًّا وإِذَا أَعْطَوْهُمْ أَعْطَوْهُمْ نَاقِصًا قَوْلُهُ (وَحُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) فِي التَّقْرِيبِ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ الرَّحَبِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ لَقَبُهُ حَنَشٌ مَتْرُوكٌ مِنَ السَّادِسَةِ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ موقوفا عن بن عَبَّاسٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْهُ أي عن بن عَبَّاسٍ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ كَيْفَ وَحُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ مَتْرُوكٌ وَالصَّحِيحُ عن بن عَبَّاسٍ مَوْقُوفٌ كَذَا قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ مَنْ يَزِيدُ)

[1218] قَوْلُهُ (بَاعَ حِلْسًا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ كِسَاءٌ يُوضَعُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ تَحْتَ الْقَتَبِ لَا يُفَارِقُهُ والْحِلْسُ الْبِسَاطُ أَيْضًا ومِنْهُ كُنْ حِلْسَ بَيْتِكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ يَدٌ خَاطِئَةٌ أَوْ مِيتَةٌ قَاضِيَةٌ (وَقَدَحًا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ أَرَادَ بَيْعَهُمَا وَقَضِيَّتُهُ إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَةً فَقَالَ لَهُ هَلْ لك شيء فقال لَيْسَ لِي إِلَّا حِلْسٌ وَقَدَحٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعْهُمَا وَكُلْ ثَمَنَهُمَا ثُمَّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَكَ شَيْءٌ فسل الصدقة فباعهما كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ إِلَخْ) فِيهِ جَوَازُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّمَنِ إِذَا لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِمَا عَيَّنَ الطَّالِبُ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا لَيْسَ بِسَوْمٍ لِأَنَّ السَّوْمَ هُوَ أَنْ يَقِفَ الرَّاغِبُ وَالْبَائِعُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَمْ يَعْقِدَاهُ فَيَقُولُ الْآخَرُ لِلْبَائِعِ أَنَا أَشْتَرِيهِ وهَذَا حَرَامٌ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ وأَمَّا السَّوْمُ بِالسِّلْعَةِ الَّتِي تُبَاعُ لِمَنْ يَزِيدُ فَلَيْسَ بحرام قوله (هذا حديث حسن) وأعله بن الْقَطَّانِ بِجَهْلِ حَالِ أَبِي بَكْرٍ الْحَنَفِيِّ ونُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَصِحُّ حَدِيثُهُ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ والْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مُطَوَّلًا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ) حَكَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ أَدْرَكْتُ النَّاسَ لَا يَرَوْنَ بَأْسًا فِي بَيْعِ الْمَغَانِمِ في من يزيد ووصله بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَرَوَى هُوَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِبَيْعِ مَنْ يَزِيدُ وَكَذَلِكَ كَانَتْ تُبَاعُ الأخماس قال بن الْعَرَبِيِّ لَا مَعْنَى لِاخْتِصَاصِ الْجَوَازِ بِالْغَنِيمَةِ وَالْمِيرَاثِ فَإِنَّ الْبَابَ وَاحِدٌ وَالْمَعْنَى مُشْتَرَكٌ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَكَانَ التِّرْمِذِيُّ يُقَيِّدُ بِمَا وَرَدَ

باب ما جاء في بيع المدبر

في حديث بن عمر الذي أخرجه بن خزيمة وبن الْجَارُودِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عن بن عُمَرَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَحَدٍ حَتَّى يَذَرَ إِلَّا الْغَنَائِمَ وَالْمَوَارِيثَ وكَأَنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ فِيمَا يُعْتَادُ فِيهِ الْبَيْعُ مُزَايَدَةً وَهِيَ الْغَنَائِمُ وَالْمَوَارِيثُ وَيَلْتَحِقُ بِهِمَا غَيْرُهُمَا لِلِاشْتِرَاكِ فِي الْحُكْمِ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ فَخَصَّا الْجَوَازَ بِبَيْعِ الْمَغَانِمِ وَالْمَوَارِيثِ وعَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ انْتَهَى وقال العيني في عمدة القارىء أَمَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ فِيمَنْ يَزِيدُ فَلَا بَأْسَ فِيهِ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى زِيَادَةِ أَخِيهِ وذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْعَيْنِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الزِّيَادَةَ عَلَى زِيَادَةِ أَخِيهِ وَلَمْ يَرَوْا صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ وَضَعَّفَهُ الْأَزْدِيُّ بِالْأَخْضَرِ بْنِ عَجْلَانَ فِي سَنَدِهِ وحُجَّةُ الْجُمْهُورِ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الثُّبُوتِ أَنَّهُ لَوْ سَاوَمَ وَأَرَادَ شِرَاءَ سِلْعَتِهِ وَأَعْطَى فِيهَا ثَمَنًا لَمْ يَرْضَ بِهِ صَاحِبُ السِّلْعَةِ ولَمْ يَرْكَنْ إِلَيْهِ ليبيعه فإنه يجوز لغيره طلب شراؤها قَطْعًا ولَا يَقُولُ أَحَدٌ إِنَّهُ يَحْرُمُ السَّوْمُ بَعْدَ ذَلِكَ قَطْعًا كَالْخِطْبَةِ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ إِذَا رُدَّ الْخَاطِبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ جَوَازَ ذَلِكَ يَعْنِي بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ فِي الْغَنَائِمِ وَالْمَوَارِيثِ قَالَ الْعَيْنِيُّ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ من رواية بن لَهِيعَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ عن زيد بن أسلم عن بن عُمَرَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بيع المزايدة ولا بيع أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إِلَّا الْغَنَائِمَ وَالْمَوَارِيثَ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنِ الْوَاقِدِيِّ مِثْلُهُ وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ زَيْنَ الدِّينِ الْعِرَاقِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَدِيثَ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وَعَلَى مَا كَانُوا يَعْتَادُونَ فيه مؤايدة وَهِيَ الْغَنَائِمُ وَالْمَوَارِيثُ فَإِنَّهُ وَقَعَ الْبَيْعُ فِي غيرهما مزايدة فالمعنى واحد كما قاله بن الْعَرَبِيِّ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ مَنْ كَرِهَ بَيْعَ مَنْ يَزِيدُ لَعَلَّهُ تَمَسَّكَ بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ وَهْبٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّ فِي إسناده بن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْمُدَبَّرِ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّدْبِيرِ وَهُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ [1219] قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ) فِي مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَبُو مَذْكُورٍ الْأَنْصَارِيُّ وَالْغُلَامُ اسْمُهُ يَعْقُوبُ ولَفْظُ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ أَبُو مَذْكُورٍ أَعْتَقَ غُلَامًا يُقَالُ لَهُ يَعْقُوبُ (دَبَّرَ غُلَامًا لَهُ) بِأَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي (فَمَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ

باب ما جاء في كراهية تلقي البيوع

في عمدة القارىء هَذَا مِمَّا نُسِبَ بِهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ إِلَى الْخَطَأِ أَعْنِي قَوْلَهُ فَمَاتَ وَلَمْ يَكُنْ سَيِّدُهُ مَاتَ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الأحاديث الصحيحة وقد بين الشافعي خطأ بن عُيَيْنَةَ فِيهَا بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ عَنْهُ وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَتَرَكَ مُدَبَّرًا وَدَيْنًا ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى خَطَأِ شَرِيكٍ فِي ذَلِكَ وقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ الْعِرَاقِيَّ وَقَدْ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَحُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ سُهَيْلٍ كُلُّهُمْ عَنْ عَطَاءٍ لَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ هَذِهِ اللَّفْظَةَ بَلْ صَرَّحُوا بِخِلَافِهَا انتهى (فاشتراه نعيم) بضم النون مصغرا بن النَّحَّامِ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (قَالَ جَابِرٌ عَبْدًا قِبْطِيًّا) أَيْ كَانَ ذَلِكَ الْغُلَامُ عَبْدًا قِبْطِيًّا وَهُوَ يَعْقُوبُ الْقِبْطِيُّ (مَاتَ) أَيْ ذلك الغلام (عام الأول في إمارة بن الزُّبَيْرِ) أَيْ فِي الْعَامِ الْأَوَّلِ مِنْ إِمَارَةِ بن الزُّبَيْرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (لَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْفِسْقِ وَالضَّرُورَةِ وإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ مُطْلَقًا والْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ انْتَهَى 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ تَلَقِّي الْبُيُوعِ) أَيْ الْمَبِيعَاتِ وَأَصْحَابِهَا قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ هُوَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْمِصْرِيُّ الْبَدَوِيَّ قَبْلَ وُصُولِهِ إِلَى الْبَلَدِ وَيُخْبِرُهُ بِكَسَادِ مَا مَعَهُ كَذِبًا لِيَشْتَرِيَ مِنْهُ سِلْعَتَهُ بِالْوَكْسِ وَأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ انْتَهَى [1220] قَوْلُهُ (أَنَّهُ نَهَى عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّلَقِّي مُحَرَّمٌ وقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْأَخْذِ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ تلقي البيوع والركبان وحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَجَازَ التَّلَقِّي وتعقبه

الْحَافِظُ بِأَنَّ الَّذِي فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ التَّلَقِّي فِي حَالَتَيْنِ أَنْ يَضُرَّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ وَأَنْ يُلَبِّسَ السِّعْرَ عَلَى الْوَارِدِينَ انْتَهَى قوله (وفي الباب عن علي وبن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وبن عُمَرَ وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الجماعة وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأَمَّا حَدِيثُ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ [1221] قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ يُتَلَقَّى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (الْجَلَبُ) بِفَتْحِ اللَّامِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ الْمَجْلُوبُ يُقَالُ جَلَبَ الشَّيْءَ جَاءَ بِهِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ لِلتِّجَارَةِ (فَإِنْ تَلَقَّاهُ) أَيْ الجَلَبَ (إِنْسَانٌ فَابْتَاعَهُ) أَيْ اشْتَرَاهُ (فَصَاحِبُ السِّلْعَةِ بِالْخِيَارِ إِذَا وَرَدَ السُّوقَ) قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ انْتَهَى واخْتَلَفُوا هَلْ يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ مُطْلَقًا أَوْ بِشَرْطِ أَنْ يَقَعَ لَهُ فِي الْبَيْعِ غَبْنٌ ذَهَبَتِ الْحَنَابِلَةُ إِلَى الْأَوَّلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وظَاهِرُهُ أَنَّ النَّهْيَ لِأَجْلِ مَنْفَعَةِ الْبَائِعِ وَإِزَالَةِ الضَّرَرِ عَنْهُ وَصِيَانَتِهِ ممن يخدعه قال بن الْمُنْذِرِ وَحَمَلَهُ مَالِكٌ عَلَى نَفْعِ أَهْلِ السُّوقِ لَا عَلَى نَفْعِ رَبِّ السِّلْعَةِ وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ الْكُوفِيُّونَ وَالْأَوْزَاعِيُّ قَالَ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَثْبَتَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ لَا لِأَهْلِ السُّوقِ انْتَهَى وقَدْ احْتَجَّ مَالِكٌ وَمَنْ مَعَهُ بِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ مِنَ النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي السِّلَعِ حَتَّى تَهْبِطَ الْأَسْوَاقَ وَهَذَا لَا يَكُونُ دَلِيلًا لِمُدَّعَاهُمْ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ رِعَايَةً لِمَنْفَعَةِ الْبَائِعِ لِأَنَّهَا إِذَا هَبَطَتِ الْأَسْوَاقَ عُرِفَ مِقْدَارُ السِّعْرِ فَلَا يُخْدَعُ ولَا مَانِعَ مِنْ أَنْ يُقَالَ الْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ مُرَاعَاةُ نَفْعِ الْبَائِعِ وَنَفْعِ أَهْلِ السُّوقِ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ الخ) أخرجه الجماعة إلا البخاري (وحديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ تَلَقِّي الْبُيُوعِ إِلَخْ) وَهُوَ الْحَقُّ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء لا يبيع حاضر لباد

13 - (بَاب مَا جَاءَ لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ) [1222] قَوْلُهُ (لَا يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ) الْحَاضِرُ سَاكِنُ الْحَضَرِ وَالْبَادِي سَاكِنُ الْبَادِيَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحَضَرُ وَالْحَاضِرَةُ وَالْحَضَارَةُ وَتُفْتَحُ خِلَافُ الْبَادِيَةِ وَالْحَضَارَةُ الْإِقَامَةُ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ قَالَ وَالْحَاضِرُ خِلَافُ الْبَادِي وَقَالَ فِي الْبَدْوِ وَالْبَادِيَةِ وَالْبَادَاةِ وَالْبَدَاوَةِ خِلَافُ الْحَضَرِ وَتَبَدَّى أَقَامَ بِهَا وَتَبَادَى تَشَبَّهَ بِأَهْلِهَا والنِّسْبَةُ بَدَاوِيٌّ وَبَدَوِيٌّ وَبَدَا الْقَوْمُ خَرَجُوا إِلَى الْبَادِيَةِ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَقْدُمَ غَرِيبٌ مِنَ الْبَادِيَةِ أَوْ مِنْ بَلَدٍ آخَرَ بِمَتَاعٍ تَعُمُّ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ لِيَبِيعَهُ بِسِعْرِ يَوْمِهِ فَيَقُولُ لَهُ الْبَلَدِيُّ اتْرُكْهُ عِنْدِي لِأَبِيعَهُ عَلَى التَّدْرِيجِ بِأَغْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَحْرُمُ بِهَذِهِ الشُّرُوطِ وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ النَّهْيَ وَكَانَ الْمَتَاعُ مِمَّا لَا يُحْتَاجُ فِي الْبَلَدِ أَوْ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ لِقِلَّةِ ذَلِكَ الْمَجْلُوبِ لَمْ يَحْرُمْ وَلَوْ خَالَفَ وَبَاعَ الْحَاضِرُ لِلْبَادِي صَحَّ الْبَيْعُ مَعَ التَّحْرِيمِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُفْسَخُ الْبَيْعُ مَا لَمْ يَفُتْ وقَالَ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي مُطْلَقًا لِحَدِيثِ الدِّينُ النَّصِيحَةُ قَالُوا وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ حَاضِرٍ لِبَادٍ مَنْسُوخٌ وقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وقَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وَكُلُّ هَذِهِ الْقُيُودِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهَا الْحَدِيثُ بَلِ اسْتَنْبَطُوهَا مِنْ تَعْلِيلِهِمْ لِلْحَدِيثِ بِعِلَلٍ مُتَصَيَّدَةٍ مِنَ الْحُكْمِ قَالَ وَدَعْوَى النَّسْخِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِافْتِقَارِهِ إِلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وحَدِيثُ النَّصِيحَةِ مَشْرُوطٌ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ فَإِذَا اسْتَنْصَحَهُ نَصَحَهُ بِالْقَوْلِ لِأَنَّهُ يَتَوَلَّى لَهُ الْبَيْعَ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ طَلْحَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وأنس) أخرجه الشيخان (وجابر) أخرجه مسلم (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَحَكِيمِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَسَكَتَ عَنْهُ وأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَحَدِيثُ رَجُلٍ مِنْ

باب ما جاء في النهي عن المحاقلة والمزابنة

أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِمَا [1223] قَوْلُهُ (دَعُوا النَّاسَ) أَيْ اتْرُكُوهُمْ لِيَبِيعُوا مَتَاعَهُمْ رَخِيصًا (يَرْزُقِ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ عَلَى أَنَّهُ مَجْزُومٌ فِي جَوَابِ الْأَمْرِ وَبِضَمِّهَا عَلَى أَنَّهُ مَرْفُوعٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (حَدِيثُ جَابِرٍ فِي هَذَا هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي أَنْ يَشْتَرِيَ حَاضِرٌ لِبَادٍ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي شِرَاءِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي فَكَرِهَتْ طَائِفَةٌ كَمَا كَرِهُوا الْبَيْعَ لَهُ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْبَيْعَ فِي اللُّغَةِ يَقَعُ عَلَى الشِّرَاءِ كَمَا يَقَعُ الشِّرَاءُ عَلَى الْبَيْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وشروه بثمن بخس أَيْ بَاعُوهُ وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ وأَجَازَتْ طَائِفَةٌ الشِّرَاءَ لَهُمْ وَقَالُوا إِنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا جَاءَ فِي الْبَيْعِ خَاصَّةً وَلَمْ يَعُدُّوا ظَاهِرَ اللَّفْظِ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ فَمَرَّةً قَالَ لَا يَشْتَرِي لَهُ وَلَا يَشْتَرِي عَلَيْهِ ومَرَّةً أَجَازَ الشِّرَاءَ لَهُ وَبِهَذَا قَالَ اللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وقَالَ الْكِرْمَانِيُّ قَالَ إِبْرَاهِيمُ وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْبَيْعَ عَلَى الشِّرَاءِ ثُمَّ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ هَذَا صَحِيحٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ جَوَّزَ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ ضِدَّانِ فَلَا يَصِحُّ إِرَادَتُهُمَا مَعًا فَإِنْ قُلْتَ فَمَا تَوْجِيهُهُ قُلْتُ وَجْهُهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِ الْمَجَازِ انْتَهَى قَالَ الْعَيْنِيُّ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورُ لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ واسْتُعْمِلَ فِي مَعْنَيَيْهِ بَلْ هُمَا مِنَ الْأَضْدَادِ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ) يَأْتِي تَفْسِيرُهُمَا عَنِ التِّرْمِذِيِّ [1224] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ) قَدْ جَاءَ

تَفْسِيرُ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ روى البخاري ومسلم عن بن عُمَرَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُزَابَنَةِ أَنْ يَبِيعَ تَمْرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلًا بِتَمْرٍ كَيْلًا وإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلًا وعِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ نَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا نَهَى عَنِ الْمُزَابَنَةِ قَالَ وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يباع ما في رؤوس النَّخْلِ بِتَمْرٍ بِكَيْلٍ مُسَمًّى إِنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ وعَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الْمُخَابَرَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ الزَّرْعَ بِمِائَةِ فَرَقٍ حِنْطَةٍ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَعْدٍ وَجَابِرٍ وَرَافِعِ بن خديج وأبي سعيد) أما حديث بن عُمَرَ وَجَابِرٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا وأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ رافع بن خديج فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْمُحَاقَلَةُ بَيْعُ الزَّرْعِ بِالْحِنْطَةِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْمُحَاقَلَةُ مُخْتَلَفٌ فِيهَا قِيلَ هِيَ اكْتِرَاءُ الْأَرْضِ بِالْحِنْطَةِ هَكَذَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي يُسَمِّيهِ الزَّرَّاعُونَ بِالْمُحَارَثَةِ وقِيلَ هِيَ الْمُزَارَعَةُ عَلَى نَصِيبٍ مَعْلُومٍ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَنَحْوِهِمَا وَقِيلَ هِيَ بَيْعُ الطَّعَامِ فِي سُنْبُلِهِ بِالْبُرِّ وقِيلَ بَيْعُ الزَّرْعِ قَبْلَ إِدْرَاكِهِ وإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا لِأَنَّهَا مِنَ الْمَكِيلِ وَلَا يَجُوزُ فِيهِ إِذَا كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَيَدًا بِيَدٍ وهَذَا مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا أَكْثَرُ وفِيهِ النَّسِيئَةُ انْتَهَى (وَالْمُزَابَنَةُ بيع الثمر على رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْمُحَاقَلَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْحَقْلِ وَهُوَ الزَّرْعُ إِذَا تَشَعَّبَ قَبْلَ أَنْ يَغْلُظَ سُوقُهُ وقِيلَ هُوَ مِنَ الْحَقْلِ وَهِيَ الْأَرْضُ الَّتِي تُزْرَعُ وَيُسَمِّيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ الْقَرَاحَ انْتَهَى [1225] قَوْلُهُ (أَنَّ زَيْدًا أَبَا عَيَّاشٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ زَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ بِالتَّحْتَانِيَّةِ أَبُو عَيَّاشٍ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثالثة (سأل سعدا) هو بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (عَنِ الْبَيْضَاءِ بِالسُّلْتِ) وفِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ لِلْإِمَامِ مُحَمَّدٍ عَمَّنْ اشْتَرَى الْبَيْضَاءَ بِالسُّلْتِ والْبَيْضَاءُ هُوَ الشَّعِيرُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ وَوَهِمَ وَكِيعٌ فَقَالَ عَنْ مَالِكٍ الذُّرَةَ وَلَمْ يَقُلْهُ غَيْرُهُ والْعَرَبُ تُطْلِقُ الْبَيْضَاءَ عَلَى الشَّعِيرِ

والسمراء على البر كذا قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالسُّلْتُ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ ضَرْبٌ مِنَ الشَّعِيرِ لَا قِشْرَ لَهُ يَكُونُ فِي الْحِجَازِ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ كَذَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْبَيْضَاءُ الْحِنْطَةُ وَهِيَ السَّمْرَاءُ أَيْضًا وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُهَا فِي الْبَيْعِ وَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمَا عِنْدَهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ انْتَهَى وقَالَ السُّلْتُ ضَرْبٌ مِنَ الشَّعِيرِ أَبْيَضُ لَا قِشْرَ لَهُ وقِيلَ هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْحِنْطَةِ والْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْبَيْضَاءَ الْحِنْطَةُ انْتَهَى وقَالَ فِي حَاشِيَةِ مُوَطَّإِ الْإِمَامِ مَالِكٍ الْبَيْضَاءُ نَوْعٌ مِنَ الْبُرِّ أَبْيَضُ وفِيهِ رَخَاوَةٌ تَكُونُ بِبِلَادِ مِصْرَ وَالسُّلْتُ نَوْعٌ مِنَ الشَّعِيرِ لَا قِشْرَ لَهُ تَكُونُ فِي الْحِجَازِ وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ الْبَيْضَاءُ هُوَ الرَّطْبُ مِنَ السُّلْتِ والْأَوَّلُ أَعْرَفُ إِلَّا أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَلْيَقُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ مَوْضِعُ التَّشْبِيهِ مِنَ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ ولَوِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ لَمْ يَصِحَّ التَّشْبِيهُ وفِي الْغَرِيبَيْنِ السُّلْتُ هُوَ حَبُّ الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ لَا قِشْرَ لَهُ انْتَهَى وفِي الْقَامُوسِ الْبَيْضَاءُ هُوَ الْحِنْطَةُ وَالرَّطْبُ مِنَ السُّلْتِ انْتَهَى (فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ) فِيهِ تَأَمُّلٌ فَتَأَمَّلْ وَتَفَكَّرْ (أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا يَبِسَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ فَنَهَى عن ذلك قال الإمام محمد في موطإه بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَبِهَذَا نَأْخُذُ لَا خَيْرَ فِي أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ قَفِيزَ رُطَبٍ بِقَفِيزٍ مِنْ تَمْرٍ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّ الرُّطَبَ يَنْقُصُ إِذَا جَفَّ فَيَصِيرُ أَقَلَّ مِنْ قَفِيزٍ فَلِذَلِكَ فَسَدَ الْبَيْعُ فِيهِ انْتَهَى وبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَغَيْرُهُمْ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَمَاثِلًا يَدًا بِيَدٍ كَانَ أَوْ نَسِيئَةً وأَمَّا التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالرُّطَبُ بِالرُّطَبِ فَيَجُوزُ ذَلِكَ مُتَمَاثِلًا لَا مُتَفَاضِلًا يَدًا بِيَدٍ لَا نَسِيئَةً وفِيهِ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ جَوَّزَ بَيْعَ التَّمْرِ بِالرُّطَبِ مُتَمَاثِلًا إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّ الرُّطَبَ تَمْرٌ وَبَيْعُ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ جَائِزٌ مُتَمَاثِلًا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وقَدْ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ سَأَلُوهُ عَنْ هَذَا وَكَانُوا أَشِدَّاءَ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ فَقَالَ الرُّطَبُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ تَمْرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ تَمْرًا فَإِنْ كَانَ تَمْرًا جَازَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرًا جَازَ لِحَدِيثِ إِذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ فَأَوْرَدُوا عَلَيْهِ الْحَدِيثَ فَقَالَ مَدَارُهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ أَوْ قَالَ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ واسْتَحْسَنَ أَهْلُ الْحَدِيثِ هَذَا الطَّعْنَ مِنْهُ حتى قال بن الْمُبَارَكِ كَيْفَ يُقَالُ إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ وَهُوَ يَقُولُ زَيْدٌ مِمَّنْ لَا يقبل حديثه قال بن الهمام في الفتح رد ترديده بأن ها هنا قِسْمًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ التَّمْرِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْآخَرِ كَالْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ لِعَدَمِ تَسْوِيَةِ الْكَيْلِ بِهِمَا فَكَذَا الرُّطَبُ وَالتَّمْرُ لَا يُسَوِّيهِمَا الْكَيْلُ وَإِنَّمَا يُسَوِّي فِي حَالِ اعْتِدَالِ الْبَدَلَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَجِفَّ الْآخَرُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَمْنَعُهُ وَيَعْتَبِرُ التَّسَاوِي حَالَ الْعَقْدِ وعروض النقص بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنَ الْمُسَاوَاةِ فِي الْحَالِ إِذَا كَانَ مُوحِيهِ أَمْرًا خُلُقِيًّا وَهُوَ زِيَادَةُ الرُّطُوبَةِ بِخِلَافِ الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِهَا فَإِنَّهُ فِي الْحَالِ يُحْكَمُ لِعَدَمِ

التَّسَاوِي لِاكْتِنَازِ أَحَدِهِمَا وَتَخَلْخُلِ الْآخَرِ ورُدَّ طَعْنُهُ فِي زَيْدٍ بِأَنَّهُ ثِقَةٌ كَمَا مَرَّ وَقَدْ يجاب أيضا بأنه على تقدير صحته السَّنَدِ فَالْمُرَادُ النَّهْيُ نَسِيئَةً فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ أَبِي عَيَّاشٍ هَذَا زِيَادَةُ نَسِيئَةً أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ أَبَا عَيَّاشٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدًا يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ نَسِيئَةً وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ ورَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ اجْتِمَاعُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ يَعْنِي مَالِكًا وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ وَالضَّحَّاكَ بْنَ عُثْمَانَ وَآخَرَ عَلَى خِلَافِ مَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِمْ لِلْحَدِيثِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنْ بَعْدَ صِحَّةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ قَبُولُهَا لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الْمُخْتَارَ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ هُوَ قَبُولُ الزِّيَادَةِ وَإِنْ لَمْ يَرْوِهَا الْأَكْثَرُ إِلَّا فِي زِيَادَةٍ تَفَرَّدَ بِهَا بَعْضُ الْحَاضِرِينَ فِي الْمَجْلِسِ فَإِنَّ مِثْلَهُ مَرْدُودٌ كَمَا كَتَبْنَاهُ فِي تَحْرِيرِ الْأُصُولِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَكِنْ يَبْقَى قَوْلُهُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ عَرِيًّا عَنِ الْفَائِدَةِ إِذَا كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ لِلنَّسِيئَةِ انتهى كلام بن الْهُمَامِ وهَذَا غَايَةُ التَّوْجِيهِ فِي الْمَقَامِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى مَا فِيهِ ولِلطَّحَاوِيِّ كَلَامٌ فِي شَرْحِ مَعَانِي الْآثَارِ مَبْنِيٌّ عَلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ النَّسِيئَةِ وَهُوَ خِلَافُ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ وَخِلَافُ سِيَاقِ الرِّوَايَةِ أَيْضًا وَلَعَلَّ الْحَقَّ لَا يَتَجَاوَزُ عَنْ قَوْلِهِمَا وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ كَذَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وقَدْ أَعَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَجْلِ زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَقَالَ مَدَارُهُ عَلَى زَيْدِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَكَذَا قَالَ بن حَزْمٍ وَتَعَقَّبُوهُمَا بِأَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَزَيْدٌ لَيْسَ بِمَجْهُولٍ قَالَ الزُّرْقَانِيُّ زَيْدٌ كُنْيَتُهُ أَبُو عَيَّاشٍ وَاسْمُ أَبِيهِ عَيَّاشٌ الْمَدَنِيُّ تَابِعِيٌّ صَدُوقٌ نُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَقِيلَ إِنَّهُ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ وفِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ زَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ وَيُقَالُ الْمَخْزُومِيُّ رَوَى عَنْ سَعْدٍ وَعَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ وَعِمْرَانُ بْنُ أُنَيْسٍ ذكره بن حبان في الثقات وصحح الترمذي وبن خزيمة وبن حِبَّانَ حَدِيثَهُ الْمَذْكُورَ وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ثِقَةٌ وقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لِإِجْمَاعِ أَئِمَّةِ النَّقْلِ عَلَى إِمَامَةِ مَالِكٍ وأَنَّهُ مُحْكِمٌ في كل ما يرويه إذا لَمْ يُوجَدْ فِي رِوَايَتِهِ إِلَّا الصَّحِيحُ خُصُوصًا فِي رِوَايَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ والشَّيْخَانِ لَمْ يُخْرِجَاهُ لِمَا خَشِيَا مِنْ جَهَالَةِ زَيْدٍ انْتَهَى وفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ زَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ أَبُو عَيَّاشٍ الزُّرَقِيُّ الْمَدَنِيُّ ليس به بأس ومشائخنا ذَكَرُوا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ مَجْهُولٌ وَرُدَّ طَعْنُهُ بِأَنَّهُ ثِقَةٌ ورَوَى عَنْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَهُوَ لَا يَرْوِي عَنْ مَجْهُولٍ وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ كَيْفَ يَكُونُ مَجْهُولًا وَقَدْ رَوَى عَنْهُ ثِقَتَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ وَعِمْرَانُ بْنُ أبي أنيس وهما مما احْتَجَّ بِهِمَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ عَرَفَهُ أَئِمَّةُ هَذَا الشَّأْنِ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ مَالِكٌ مَعَ شدة تحريه في

باب ما جاء في كراهية بيع الثمرة قبل أن يبدو

الرجال وقال بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ فَإِنْ كَانَ هُوَ لَمْ يَعْرِفْهُ فَقَدْ عَرَفَهُ أَئِمَّةُ النَّقْلِ انْتَهَى وفِي غَايَةِ الْبَيَانِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ نَقَلُوا تَضْعِيفَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَهُ ولَكِنْ لَمْ يَصِحَّ ضَعْفُهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ فَمَنِ ادَّعَى فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ انْتَهَى وفِي الْبِنَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ عِنْدَ قَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ زَيْدُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ انْتَهَى كَذَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِنَا) وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَقَدْ عَرَفْتَ قَوْلَ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَا فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ 5 - (بَاب ما جاء في كراهية بيع الثمرة قبل أن يَبْدُوَ) صَلَاحُهَا [1226] قَوْلُهُ (حَتَّى يَزْهُوَ) يُقَالُ زَهَا النَّخْلُ يَزْهُو إِذَا ظَهَرَتْ ثَمَرَتُهُ وَأَزْهَى يُزْهِي إِذَا احْمَرَّ أَوِ اصْفَرَّ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنَى الِاحْمِرَارِ وَالِاصْفِرَارِ مِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ يَزْهُو ومِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ يُزْهِي وفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ قُلْنَا لِأَنَسٍ مَا زَهْوُهَا قَالَ تَحْمَرُّ أَوْ تَصْفَرُّ وقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ يُسْتَعْمَلُ زَهَا وَأَزْهَى ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا قَالَ في الصحاح يقال زهى النَّخْلُ يَزْهُو إِذَا بَدَتْ فِيهِ الْحُمْرَةُ أَوِ الصُّفْرَةُ وأَزْهَى لُغَةٌ حَكَاهَا أَبُو زَيْدٍ وَلَمْ يَعْرِفْهَا الْأَصْمَعِيُّ وَوَقَعَ رُبَاعِيًّا فِي الصَّحِيحِ وَثُلَاثِيًّا عِنْدَ مُسْلِمٍ كِلَاهُمَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ انْتَهَى كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ [1227] (حَتَّى يَبْيَضَّ) أَيْ يَشْتَدَّ حُبُّهُ (وَيَأْمَنَ الْعَاهَةَ) أَيْ الْآفَةَ والْجُمْلَةُ مِنْ بَابِ عَطْفِ التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ بِلَفْظِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تَنْجُوَ مِنَ الْعَاهَةِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (وَأَبِي هريرة) أخرجه أحمد ومسلم والنسائي وبن ماجه (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاعَ ثَمَرٌ حَتَّى يُطْعَمَ الْحَدِيثَ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ أَبِي (سَعِيدٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ

تعليقا قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ كَرِهُوا بَيْعَ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ فَقِيلَ يَبْطُلُ مطلقا وهو قول بن أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَوَهِمَ مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ عَلَى الْبُطْلَانِ وقِيلَ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَلَوْ شُرِطَ التَّبْقِيَةُ وَهُوَ قَوْلُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَوَهِمَ مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ أَيْضًا وقِيلَ إِنْ شَرَطَ الْقَطْعَ لَمْ يَبْطُلْ وَإِلَّا بَطَلَ وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وقِيلَ يَصِحُّ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ التَّبْقِيَةَ وَالنَّهْيُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ تُوجَدَ أَصْلًا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْحَنَفِيَّةِ وقِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَكِنَّ النَّهْيَ فِيهِ لِلتَّنْزِيهِ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهَا الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ الصَّلَاحِ وَأَنَّ وُقُوعَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ بَاطِلٌ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى النَّهْيِ ومَنِ ادَّعَى أَنَّ مُجَرَّدَ شَرْطِ الْقَطْعِ يُصَحِّحُ الْبَيْعَ قَبْلَ الصَّلَاحِ فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى دَلِيلٍ يَصْلُحُ لِتَقْيِيدِ أَحَادِيثِ النَّهْيِ وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ لَا صِحَّةَ لَهَا كَمَا عَرَفْتَ مِنْ أَنَّ أَهْلَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَقُولُونَ بِالْبُطْلَانِ مُطْلَقًا وقَدْ عَوَّلَ الْمُجَوَّزُونَ مَعَ شَرْطِ الْقَطْعِ فِي الْجَوَازِ عَلَى عِلَلٍ مُسْتَنْبَطَةٍ فَجَعَلُوهَا مُقَيِّدَةٍ لِلنَّهْيِ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يُفِيدُ مَنْ لَمْ يَسْمَحْ بِمُفَارَقَةِ النُّصُوصِ لِمُجَرَّدِ خَيَالَاتِ عَارِضَةٍ وَشُبَهٍ وَاهِيَةٍ تَنْهَارُ بِأَيْسَرِ تَشْكِيكٍ فَالْحَقُّ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ مُطْلَقًا وظَاهِرُ النُّصُوصِ أَيْضًا أَنَّ الْبَيْعَ بَعْدَ ظُهُورِ الصَّلَاحِ صَحِيحٌ سَوَاءٌ شُرِطَ الْبَقَاءُ أَوْ لَمْ يُشْرَطْ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ جَعَلَ النَّهْيَ مُمْتَدًّا إِلَى غَايَةِ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَمَا بَعْدَ الْغَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا قَبْلَهَا ومَنِ ادَّعَى أَنَّ شَرْطَ الْبَقَاءِ مُفْسِدٌ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَلَا يَنْفَعُهُ فِي الْمَقَامِ مَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ فِي تَجْوِيزِهِ لِلْبَيْعِ قَبْلَ الصَّلَاحِ مَعَ شَرْطِ الْقَطْعِ وَهُوَ بَيْعٌ وَشَرْطٌ وأَيْضًا لَيْسَ كُلُّ شَرْطٍ فِي الْبَيْعِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ جَابِرٍ بَعْدَ بَيْعِهِ لِلْجَمَلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ قَدْ صَحَّحَهُ الشَّارِعُ وَهُوَ شَبِيهٌ بِالشَّرْطِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ [1228] قَوْلُهُ (حَتَّى يَسْوَدَّ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ زَادَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ فَإِنَّهُ إِذَا اسْوَدَّ يَنْجُو عَنِ العاهة (حتى

باب ما جاء في بيع حبل الحبلة

يَشْتَدَّ) اشْتِدَادُ الْحَبِّ قُوَّتُهُ وَصَلَابَتُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَقَرَّ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَقِيلَ فِي الأول بسكون الموحدة وغلط عِيَاضٌ وَهُوَ مَصْدَرُ حَبِلَتْ تَحْبَلُ حَبْلًا والْحَبَلَةُ جَمْعُ حَابِلٍ مِثْلُ ظَلَمَةٍ وَظَالِمٍ وَيَجِيءُ تَفْسِيرُ حَبَلِ الْحَبَلَةِ مِنَ التِّرْمِذِيِّ [1229] قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ) كَذَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ بِدُونِ التَّفْسِيرِ ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَعَ التَّفْسِيرِ هَكَذَا نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتَجَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ بن عُمَرَ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَتَبَايَعُونَ لَحْمَ الْجَزُورِ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ وحَبَلُ الْحَبَلَةِ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا ثُمَّ تَحْمِلَ الَّتِي نَتَجَتْ فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ أن هذا التفسير من كلام بن عمر ولهذا جزم بن عبد البر بأنه من تفسير بن عُمَرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ (وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) أخرجه بن ماجه قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَحَبَلُ الْحَبَلَةِ نَتَاجُ النَّتَاجِ) أَيْ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ اعْلَمْ أَنَّ لِحَبَلِ الْحَبَلَةِ تَفْسِيرَيْنِ مَشْهُورَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا قَالَ بِهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ وَهُوَ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ إِلَى أَنْ يَلِدَ وَلَدُ النَّاقَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَبِيعَ بِثَمَنٍ إِلَى أَنْ تَحْمِلَ الدَّابَّةُ وَتَلِدَ وَيَحْمِلَ وَلَدُهَا وبِهِ جَزَمَ أَبُو إِسْحَاقَ فِي التَّنْبِيهِ فَلَمْ يَشْتَرِطْ وَضْعَ حَبَلِ الْوَلَدِ وَعِلَّةُ النَّهْيِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الْجَهَالَةُ فِي الْأَجَلِ وثَانِيهُمَا مَا قَالَ بِهِ أَبُو عُبَيْدَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَحْمَدُ وإسحاق وبن حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ وَأَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَبِهِ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ بَيْعُ وَلَدِ نَتَاجِ الدَّابَّةِ وعِلَّةُ النَّهْيِ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّهُ بَيْعُ مَعْدُومٍ وَمَجْهُولٍ وَغَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَيَدْخُلُ فِي بُيُوعِ الْغَرَرِ قَالَ الْحَافِظُ وَرُجِّحَ الْأَوَّلُ لِكَوْنِهِ موافقا للحديث

باب ما جاء في كراهية بيع الغرر

وَإِنْ كَانَ كَلَامُ أَهْلِ اللُّغَةِ مُوَافِقًا لِلثَّانِي وقال بن التِّينِ مُحَصَّلُ الْخِلَافِ هَلْ الْمُرَادُ الْبَيْعُ إِلَى أَجَلٍ أَوْ بَيْعُ الْجَنِينِ وَعَلَى الْأَوَّلِ هَلِ الْمُرَادُ بِالْأَجَلِ وِلَادَةُ الْأُمِّ أَوْ وِلَادَةُ وَلَدِهَا وعَلَى الثَّانِي هَلْ الْمُرَادُ بَيْعُ الْجَنِينِ الْأَوَّلِ أو بيع حنين الْجَنِينِ فَصَارَتْ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ انْتَهَى وقَالَ النَّوَوِيُّ التَّفْسِيرُ الثَّانِي أَقْرَبُ إِلَى اللُّغَةِ لَكِنَّ الرَّاوِيَ وهو بن عُمَرَ قَدْ فَسَّرَهُ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَعْرَفُ ومذهب الشافعي ومحقق الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ تَفْسِيرَ الرَّاوِي مُقَدَّمٌ إِذَا لَمْ يُخَالِفْ الظَّاهِرَ انْتَهَى (وَهُوَ بَيْعٌ مَفْسُوخٌ) أَيْ مَمْنُوعٌ وَمَنْهِيٌّ عَنْهُ (وَهُوَ مِنْ بُيُوعِ الْغَرَرِ) هَذَا عَلَى تَفْسِيرِ التِّرْمِذِيِّ وأَمَّا عَلَى تَفْسِيرِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ فَعِلَّةُ النَّهْيِ جَهَالَةُ الثَّمَنِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْغَرَرِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْأُولَى أَيْ مَا لَا يُعْلَمُ عَاقِبَتُهُ مِنَ الْخَطَرِ الَّذِي لَا يُدْرَى أَيَكُونُ أَمْ لَا كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالْغَائِبِ الْمَجْهُولِ ومُجْمَلُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَجْهُولًا أَوْ مَعْجُوزًا عَنْهُ مِمَّا انْطَوَى بِعَيْنِهِ مِنْ غَرِّ الثَّوْبِ أَيْ طَيِّهِ أَوْ مِنَ الْغِرَّةِ بِالْكَسْرِ أَيْ الغفلة أو من الْغُرُورُ [1230] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ) قَالَ النَّوَوِيُّ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ كِتَابِ الْبُيُوعِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ كَبَيْعِ الْآبِقِ وَالْمَعْدُومِ وَالْمَجْهُولِ وَمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَمَا لَمْ يَتِمَّ مِلْكُ الْبَائِعِ عَلَيْهِ وَبَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ وَبَيْعِ الْحَمْلِ فِي الْبَطْنِ وَبَيْعِ بَعْضِ الصُّبْرَةِ مُبْهَمًا وَبَيْعِ ثَوْبٍ مِنْ أَثْوَابٍ وشَاةٍ مِنْ شِيَاهٍ وَنَظَائِرِ ذَلِكَ وكُلُّ هَذَا بَيْعٌ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ غَرَرٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وقَدْ يَحْتَمِلُ بَعْضَ الْغَرَرِ بَيْعًا إِذَا دَعَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ كَالْجَهْلِ بِأَسَاسِ الدَّارِ وَكَمَا إِذَا بَاعَ الشَّاةَ الْحَامِلَ وَالَّتِي فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ لِأَنَّ الْأَسَاسَ تَابِعٌ لِلظَّاهِرِ مِنَ الدَّارِ ولِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُؤْيَتُهُ

وَكَذَا الْقَوْلُ فِي حَمْلِ الشَّاةِ وَلَبَنِهَا وَكَذَلِكَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ أَشْيَاءَ فِيهَا غَرَرٌ حَقِيرٌ مِنْهَا أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَإِنْ لَمْ يُرَ حَشْوُهَا وَلَوْ بِيعَ حَشْوُهَا بِانْفِرَادِهِ لَمْ يَجُزْ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ إِجَارَةِ الدَّارِ وَالدَّابَّةِ وَالثَّوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ شَهْرًا مَعَ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ دُخُولِ الْحَمَّامِ بِالْأُجْرَةِ مَعَ اخْتِلَافِ النَّاسِ فِي اسْتِعْمَالِهِمْ الْمَاءَ وفِي قَدْرِ مُكْثِهِمْ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَدَارُ الْبُطْلَانِ بِسَبَبِ الْغَرَرِ وَالصِّحَّةِ مَعَ وُجُودِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّهُ إِنْ دَعَتْ حَاجَةٌ إِلَى ارْتِكَابِ الْغَرَرِ وَلَا يُمْكِنُ الاحتراز عنه إلا بمشقة وكان الغرر حقير أجاز الْبَيْعُ وَإِلَّا فَلَا واعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الْمُلَامَسَةِ وَبَيْعَ الْمُنَابَذَةِ وَبَيْعَ حَبَلِ الْحَبَلَةِ وَبَيْعَ الْحَصَاةِ وَعَسْبِ الْفَحْلِ وَأَشْبَاهِهَا مِنَ الْبُيُوعِ الَّتِي جَاءَ فِيهَا نُصُوصٌ خَاصَّةٌ هِيَ دَاخِلَةٌ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَلَكِنْ أُفْرِدَتْ بِالذِّكْرِ وَنُهِيَ عَنْهَا لِكَوْنِهَا مِنْ بِيَاعَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَشْهُورَةِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ (وَبَيْعِ الْحَصَاةِ) فِيهِ ثَلَاثُ تَأْوِيلَاتٍ أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَثْوَابِ مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ الْحَصَاةُ الَّتِي أَرْمِيهَا أَوْ بِعْتُكَ مِنْ هَذِهِ الْأَرْضِ مِنْ هُنَا إِلَى مَا انْتَهَتْ إِلَيْهِ الْحَصَاةُ والثَّانِي أَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ إِلَى أَنْ أَرْمِيَ بِهَذِهِ الْحَصَاةِ والثَّالِثُ أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ الرَّمْيِ بِالْحَصَاةِ بَيْعًا فَيَقُولُ إِذَا رَمَيْتُ هَذَا الثَّوْبَ بِالْحَصَاةِ فَهُوَ مَبِيعٌ مِنْكَ بِكَذَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ قوله (وفي الباب عن بن عمر وبن عباس وأبي سعيد وأنس) أما حديث بن عمر فأخرجه البيهقي وبن حِبَّانَ قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عباس فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ وأبو دَاوُدَ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَالْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ بَيْعُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ) قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَهُوَ فِيمَا إِذَا كَانَ السَّمَكُ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ مِنْهُ وَكَذَا إِذَا كَانَ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ مِنْهُ وَلَكِنْ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وأَمَّا إِذَا كَانَ فِي مَاءٍ يَسِيرٍ بِحَيْثُ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ مِنْهُ وَكَذَا إِذَا كَانَ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ مِنْهُ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَتَسْلِيمِهِ وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ مَرْئِيًّا فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ بِأَنْ يَكُونَ الْمَاءُ صَافِيًا فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَرْئِيًّا بِأَنْ يَكُونَ كَدِرًا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ انْتَهَى كَلَامُ الْعِرَاقِيِّ قَوْلُهُ (ومعنى

باب ما جاء في النهي عن بيعتين في بيعة

بَيْعِ الْحَصَاةِ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي إِذَا نَبَذْتُ إِلَخْ) وَقَعَ هَذَا التَّفْسِيرُ فِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَلِلْبَزَّارِ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْهُ يَعْنِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَصَاةِ يَعْنِي إِذَا قَذَفَ الْحَصَاةَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ انْتَهَى (وَهُوَ) أَيْ بَيْعُ الْحَصَاةِ (يُشْبِهُ) مِنَ الْإِشْبَاهِ أَيْ يُشَابِهُ (بَيْعَ الْمُنَابَذَةِ) هُوَ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ بِثَوْبِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَلَا تَرَاضٍ وَيَأْتِي بَاقِي الْكَلَامِ فِي بَيْعِ الْمُنَابَذَةِ فِي بَابِهِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) [1231] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ) أَيْ صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَعَقْدٍ وَاحِدٍ وَيَأْتِي تَفْسِيرُ هَذَا عَنِ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو وبن عمر وبن مسعود) قال الحافظ في التلخيص حديث بن مَسْعُودٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِهِ عَنْهُ بِلَفْظِ نَهَى عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صفقة وحديث بن عمر رواه بن عبد البر مثله وحديث بن عَمْرٍو رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ انْتَهِي قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ رَوَاهُ أَحْمَدُ والنسائي وصححه الترمذي وبن حِبَّانَ وَلِأَبِي دَاوُدَ مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوْ الرِّبَا انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي بَلَاغَاتِهِ قَوْلُهُ (وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ أَنْ يَقُولَ أَبِيعُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِنَقْدٍ بِعَشْرَةٍ وَبِنَسِيئَةٍ بِعِشْرِينَ وَلَا يُفَارِقُهُ عَلَى أَحَدِ الْبَيْعَيْنِ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا التَّفْسِيرِ هُوَ فَاسِدٌ عِنْدَ أكثر أهل

الْعِلْمِ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى أَيُّهُمَا جُعِلَ الثَّمَنَ انْتَهَى وقَالَ فِي النَّيْلِ وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ عَدَمُ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ فِي صُورَةِ بَيْعِ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِثَمَنَيْنِ انْتَهَى (فَإِذَا فَارَقَهُ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا بَأْسَ إِذَا كَانَتِ العقدة على واحد مِنْهُمَا) بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ أَبِيعُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِنَقْدٍ بِعَشْرَةٍ وَبِنَسِيئَةٍ بِعِشْرِينَ فَقَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُهُ بِنَقْدٍ بِعَشْرَةٍ ثُمَّ نَقَدَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَقَدْ صَحَّ هَذَا الْبَيْعُ وكَذَلِكَ إِذَا قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُهُ بِنَسِيئَةٍ بِعِشْرِينَ وَفَارَقَ الْبَائِعَ عَلَى هَذَا صَحَّ الْبَيْعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْهُ عَلَى إِيهَامٍ وَعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ بَلْ فَارَقَهُ عَلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ مِنْهُمَا وهَذَا التَّفْسِيرُ قَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ سِمَاكٍ فَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ قَالَ سِمَاكٌ هُوَ الرَّجُلُ يَبِيعُ الْبَيْعَ فَيَقُولُ هُوَ بِنَسَأٍ بِكَذَا وَهُوَ بِنَقْدٍ بكذا وكذا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَسَّرَهُ سِمَاكٌ بِمَا رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى عَنْ أَحْمَدَ عَنْهُ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ فَقَالَ بِأَنْ يَقُولَ بِعْتُكَ بِأَلْفٍ نَقْدًا أَوْ أَلْفَيْنِ إِلَى سَنَةٍ فَخُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ أَنْتَ وَشِئْتُ أنا ونقل بن الرِّفْعَةِ عَنِ الْقَاضِي أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ عَلَى أَنَّهُ قَبِلَ عَلَى الْإِبْهَامِ أَمَّا لَوْ قَالَ قبلت بألف نقد أَوْ بِأَلْفَيْنِ بِالنَّسِيئَةِ صَحَّ ذَلِكَ انْتَهَى وقَدْ فسره الشافعي بتفسر آخَرَ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ (قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ مَعْنَى مَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بيعتين في بيعتين أَنْ يَقُولَ أَبِيعُكَ دَارِي هَذِهِ بِكَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي غُلَامَكَ بِكَذَا فَإِذَا وَجَبَ لِي غُلَامُكَ وَجَبَتْ لَكَ دَارِي وَهَذَا تَفَارُقٌ عَنْ بَيْعٍ بِغَيْرِ ثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَلَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى مَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ صَفْقَتُهُ) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا التَّفْسِيرِ هَذَا أَيْضًا فَاسِدٌ لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَلِأَنَّهُ يؤدي إِلَى جَهَالَةِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْوَفَاءَ بِبَيْعِ الْجَارِيَةِ لَا يَجِبُ وقَدْ جَعَلَهُ مِنَ الثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ قِيمَةٌ فَهُوَ شَرْطٌ لَا يَلْزَمُ وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ بَطَلَ بَعْضُ الثَّمَنِ فَيَصِيرُ مَا بَقِيَ مِنَ الْمَبِيعِ فِي مُقَابَلَةِ الثَّانِي مَجْهُولًا انْتَهَى وقَالَ فِي النَّيْلِ وَالْعِلَّةُ فِي تَحْرِيمِ هَذِهِ الصُّورَةِ التَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ الْمُسْتَقْبِلِ انْتَهَى واعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ فُسِّرَ الْبَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ بِتَفْسِيرٍ آخَرَ وَهُوَ أَنْ يُسْلِفَهُ دِينَارًا فِي قَفِيزِ حِنْطَةٍ إِلَى شَهْرٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ وَطَالَبَهُ بِالْحِنْطَةِ قَالَ بِعْنِي الْقَفِيزَ الَّذِي لَكَ عَلَيَّ إِلَى شَهْرَيْنِ بِقَفِيزَيْنِ فَصَارَ ذَلِكَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِي قَدْ دَخَلَ عَلَى الْأَوَّلِ فَيُرَدُّ إِلَيْهِ أَوْكَسُهُمَا وَهُوَ الْأَوَّلُ كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَنِ لِابْنِ رَسْلَانَ فَقَدْ فَسَّرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ بِثَلَاثَةِ تَفَاسِيرَ فَاحْفَظْهَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رِوَايَةً أُخْرَى رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ

مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوْ الرِّبَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ والْمَشْهُورُ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ انْتَهَى مَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ وَقَدْ تَفَرَّدَ هُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنْ طُرُقٍ لَيْسَ فِي وَاحِدٌ مِنْهَا هَذَا اللَّفْظُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَيْسَتْ صَالِحَةً لِلِاحْتِجَاجِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي شَرْحِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا لَفْظُهُ قَوْلُهُ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَيْ أَنْقَصُهُمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَصَحَّحَ الْبَيْعَ بِأَوْكَسِ الثَّمَنَيْنِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَهُوَ مَذْهَبٌ فَاسِدٌ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَهُ بِالْأَوْكَسِ يَسْتَلْزِمُ صِحَّةَ الْبَيْعِ بِهِ ومَعْنَى قَوْلِهِ أَوْ الرِّبَا يَعْنِي أَوْ يَكُونُ قَدْ دَخَلَ هُوَ وَصَاحِبُهُ فِي الرِّبَا الْمُحَرَّمِ إِذَا لَمْ يَأْخُذْ الْأَوْكَسَ بَلْ أَخَذَ الْأَكْثَرَ قَالَ وَذَلِكَ ظاهر في التفسير الذي ذكره بن رَسْلَانَ وأَمَّا فِي التَّفْسِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَحْمَدُ عَنْ سِمَاكٍ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فَفِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ قَالَ يَحْرُمُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِأَكْثَرَ مِنْ سِعْرِ يَوْمِهِ لِأَجْلِ النَّسَاءِ وقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَالنَّاصِرُ وَالْمَنْصُورُ بِاللَّهِ وَالْهَادَوِيَّةُ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْمُؤَيَّدُ بِاللَّهِ وَالْجُمْهُورُ إِنَّهُ يَجُوزُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِجَوَازِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمُتَمَسَّكُ هُوَ الرِّوَايَةُ الْأُولَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَعْنِي الَّتِي رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ وقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهَا آنِفًا وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِي رَاوِيهَا مِنَ الْمَقَالِ ومَعَ ذَلِكَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ اللَّفْظُ الَّذِي رَوَاهُ غَيْرُهُ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ ولَوْ سَلَّمْنَا أَنَّ تِلْكَ الرِّوَايَةَ الَّتِي تَفَرَّدَ بِهَا ذَلِكَ الرَّاوِي صَالِحَةٌ لِلِاحْتِجَاجِ لَكَانَ احْتِمَالُهَا لِتَفْسِيرٍ خَارِجٍ عَنْ مَحَلِّ النزاع كما سلف عن بن رَسْلَانَ قَادِحًا فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى الْمُتَنَازَعِ فِيهِ عَلَى أَنَّ غَايَةَ مَا فِيهَا الدَّلَالَةُ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْبَيْعِ إِذَا وَقَعَ عَلَى الصورة وهي أن يقول نقدا بكذا ونسيئة بكذا لَا إِذَا قَالَ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ نَسِيئَةً بِكَذَا فَقَطْ وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ سِعْرِ يَوْمِهِ مَعَ أَنَّ الْمُتَمَسِّكِينَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ يَمْنَعُونَ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ وَلَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى ذَلِكَ فَالدَّلِيلُ أَخَصُّ مِنَ الدَّعْوَى قَالَ وَقَدْ جَمَعْنَا رسالة في هذه المسألة وسميناها شفاء الغلل فِي حُكْمِ زِيَادَةِ الثَّمَنِ لِمُجَرَّدِ الْأَجَلِ وحَقَقْنَاهَا تَحْقِيقًا لَمْ نُسْبَقْ إِلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ

باب ما جاء في كراهية بيع ما ليس عنده

(بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ مَا ليس عنده) [1232] قَوْلُهُ (أَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَأَشْتَرِي لَهُ مِنَ السُّوقِ وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَفَأَبْتَاعُ لَهُ مِنَ السُّوقِ (ثُمَّ أَبِيعُهُ) لَمْ يَقَعْ هَذَا اللَّفْظُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَلَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ ولا في رواية بن مَاجَهْ والظَّاهِرُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّسْلِيمُ ومَقْصُودُ السَّائِلِ أَنَّهُ هَلْ يَبِيعُ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيهِ مِنَ السُّوقِ ثُمَّ يُسَلِّمُهُ لِلْمُشْتَرِي الَّذِي اشْتَرَى لَهُ مِنْهُ (قَالَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) أَيْ شَيْئًا لَيْسَ فِي مِلْكِكَ حَالَ الْعَقْدِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ هَذَا فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ دُونَ بُيُوعِ الصِّفَاتِ فَلِذَا قِيلَ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ مَوْصُوفٍ عَامِّ الْوُجُودِ عِنْدَ الْمَحَلِّ الْمَشْرُوطِ يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ حَالَ الْعَقْدِ وفِي مَعْنَى مَا لَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْفَسَادِ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ وَبَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وفِي مَعْنَاهُ بَيْعُ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يُجِيزُ مَالِكُهُ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وقَالَ جَمَاعَةٌ يَكُونُ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا عَلَى إجازة المالك وهو قول مالك وأصحاب وأبو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ [1233] قَوْلُهُ (أَنْ أَبِيعَ مَا لَيْسَ عِنْدِي) فِيهِ وفِي قَوْلِهِ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِ الْإِنْسَانِ وَلَا دَاخِلًا تَحْتَ مَقْدِرَتِهِ وقَدْ اسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ السَّلَمُ فَتَكُونُ أَدِلَّةُ جَوَازِهِ مُخَصَّصَةً لِهَذَا الْعُمُومِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ [1234] قَوْلُهُ (لَا يَحِلُّ سَلَفٌ) بِفَتْحَتَيْنِ

(وَبَيْعٌ) أَيْ مَعَهُ يَعْنِي مَعَ السَّلَفِ بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَشْرُوطًا فِي الْآخَرِ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ السَّلَفُ يُطْلِقُ عَلَى السَّلَمِ وَالْقَرْضِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا شَرْطُ الْقَارِضِ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ لَا يَحِلُّ بَيْعٌ مَعَ شَرْطِ سَلَفٍ بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِعَشْرَةٍ عَلَى أَنْ تُقْرِضَنِي عَشْرَةً نَفَى الْحِلَّ اللَّازِمَ لِلصِّحَّةِ لِيَدُلَّ عَلَى الْفَسَادِ مِنْ طَرِيقِ الْمُلَازَمَةِ وقِيلَ هُوَ أَنْ يُقْرِضَهُ قَرْضًا وَيَبِيعَ مِنْهُ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّهُ حَرَامٌ لِأَنَّ قَرْضَهُ رَوَّجَ مَتَاعَهُ بِهَذَا الثَّمَنِ وَكُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعًا فَهُوَ حَرَامٌ (وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ) فُسِّرَ بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ أولا للبيعتين في بيعة ويأتي تَفْسِيرٌ آخَرُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (وَلَا رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ) يُرِيدُ بِهِ الرِّبْحَ الْحَاصِلَ مِنْ بَيْعِ مَا اشْتَرَاهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ وَيَنْتَقِلُ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ إِلَى ضَمَانِهِ فَإِنَّ بَيْعَهُ فَاسِدٌ وفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الرِّبْحَ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِنَّمَا يَحِلُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْخُسْرَانُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخُسْرَانُ عَلَيْهِ كَالْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِذَا تَلِفَ فَإِنَّ ضَمَانَهُ عَلَى الْبَائِعِ ولَا يَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ مَنَافِعَهُ الَّتِي انْتَفَعَ بِهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَمْ يَدْخُلْ بِالْقَبْضِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَلَا يَحِلُّ لَهُ رِبْحُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَلَا بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا لِتَصْرِيحِهِ بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَيَكُونُ مَذْهَبُهُ فِي الِامْتِنَاعِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ إِنَّمَا هُوَ الشَّكُّ فِي إِسْنَادِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِذَا صَحَّ بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو انْتَفَى ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ منصور) بن بهرام الكرسج أَبُو يَعْقُوبَ التَّمِيمِيُّ الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ رَوَى عَنْهُ الْجَمَاعَةُ سِوَى أَبِي دَاوُدَ وَتَتَلْمَذَ لِأَحْمَدَ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَلَهُ عَنْهُمْ مَسَائِلُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (ثُمَّ يُبَايِعُهُ بَيْعًا يَزْدَادُ عَلَيْهِ) يَعْنِي يَبِيعُ مِنْهُ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ (وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ يُسَلِّفُ) أَيْ يُقْرِضُ (إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ) يَعْنِي قَرَضَهُ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ وَأَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا (فَيَقُولُ إِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ عِنْدَكَ) أَيْ لَمْ يَتَهَيَّأْ وَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَكَ رَدُّ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ (فَهُوَ بَيْعٌ عَلَيْكَ) يَعْنِي فَذَلِكَ الشَّيْءُ الَّذِي أَخَذْتُ مِنْكَ يَكُونُ مَبِيعًا مِنْكَ بِعِوَضِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ (قَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ) الْمُرَادُ مِنْ إِسْحَاقَ هَذَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالضَّمِيرُ فِي قَالَ رَاجِعٌ إِلَى أَحْمَدَ بْنِ

حَنْبل أَيْ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي بَيَانِ مَعْنَى نَهَى عَنْ سَلَفٍ وَبَيْعٍ (قُلْتُ لِأَحْمَدَ وَعَنْ بَيْعِ مَا لَمْ تَضْمَنْ) أَيْ سَأَلْتُهُ عَنْ مَعْنَى بَيْعِ مَا لَمْ يَضْمَنْ (قَالَ) أَيْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ (لَا يَكُونُ عِنْدِي إِلَّا فِي الطَّعَامِ) أَيْ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ تَضْمَنْ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ بَلْ هُوَ مَخْصُوصٌ بِالطَّعَامِ (يَعْنِي لَمْ تَقْبِضْ) هَذَا تَفْسِيرٌ لقوله لم تضمن (قال إسحاق) هو بن رَاهْوَيْهِ (كَمَا قَالَ) أَيْ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (فَهَذَا مِنْ نَحْوِ شَرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ (وَإِذَا قَالَ أَبِيعُكَهُ وَعَلَيَّ خِيَاطَتُهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ أَوْ قَالَ أَبِيعُكَهُ وعلى قصارته فلا بأس به إنما هذا الشرط واحد) أي فيجوز لمفهوم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ وكَلَامُ التِّرْمِذِيِّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطَيْنِ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَيْعُ بِشَرْطٍ يَجُوزُ عِنْدَهُ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ لَا فَرْقَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطٍ أَوْ شَرْطَيْنِ وفَرَّقَ أَحْمَدُ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ فِي اللَّمَعَاتِ التَّقْيِيدُ بِشَرْطَيْنِ وَقَعَ اتِّفَاقًا وَعَادَةً وَبِالشَّرْطِ الْوَاحِدِ أَيْضًا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ قَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ انْتَهَى وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ إِنْ شَرَطَ فِي الْبَيْعِ شَرْطًا وَاحِدًا صَحَّ وَإِنْ شَرَطَ شَرْطَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَصِحَّ ومَذْهَبُ الْأَكْثَرِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالشَّرْطَيْنِ واتَّفَقُوا عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ مَا فِيهِ شَرْطَانِ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ أَوْرَدَهُ فِي قِصَّةٍ كذا في الدراية للحافظ بن حَجَرٍ وقَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ بِالْقِصَّةِ قال بن الْقَطَّانِ وَعِلَّتُهُ ضَعْفُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى (قَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ) أَيْ كَمَا قال أحمد قوله (حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَكْرَارٌ [1235] قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي

باب ما جاء في كراهية بيع الولاء وهبته

كَثِيرٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَعْلَى بْنِ حَكِيمٍ عن يوسف بن مَاهِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِصْمَةَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَزَعَمَ عَبْدُ الْحَقِّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بن عصمة ضعيف جدا ولم يتعقبه بن القطان بل نقل عن بن حَزْمٍ أَنَّهُ قَالَ هُوَ مَجْهُولٌ وَهُوَ جَرْحٌ مَرْدُودٌ فَقَدْ رَوَى عِنْدَ ثَلَاثَةٍ وَاحْتَجَّ بِهِ النَّسَائِيُّ انْتَهَى وقَالَ فِيهِ وَصَرَّحَ هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنَّ يَعْلَى بْنَ حَكِيمٍ حَدَّثَهُ أَنَّ يُوسُفَ حَدَّثَهُ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ حَدَّثَهُ انْتَهَى 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ) الْوَلَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ حَقُّ مِيرَاثِ الْمُعْتِقِ مِنَ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ [1236] قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي وَلَاءَ الْعِتْقِ وَهُوَ إِذَا مَاتَ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ مُعْتِقُهُ أَوْ وَرَثَةُ مُعْتِقِهِ كَانَتْ

باب ما جاء في كراهية بيع الحيوان بالحيوان نسيئة

الْعَرَبُ تَبِيعُهُ وَتَهَبُهُ فَنَهَى عَنْهُ لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ فَلَا يَزُولُ بِالْإِزَالَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ وَأنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ وَأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ عَنْ مُسْتَحِقِّهِ بَلْ هُوَ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ وبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وأَجَازَ بَعْضُ السَّلَفِ نَقْلَهُ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمْ الْحَدِيثُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ وَهْمٌ) أَيْ ذِكْرُ نَافِعٍ بَيْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عمر وبن عُمَرَ (وَهِمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ) فَإِنَّهُ قَدْ خَالَفَ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ فَإِنَّهُمْ يَذْكُرُونَ بَيْنَهُمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ ويَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ هَذَا هُوَ الطَّائِفِيُّ نَزِيلُ مكة صدوق سيء الْحِفْظِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الخلاصة وثقه بن معين وبن سَعْدٍ وَالنَّسَائِيُّ إِلَّا فِي عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عمر وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ الْخَزْرَجِيُّ احْتَجَّ بِهِ ع وَلَهُ فِي خ فَرْدُ حَدِيثٍ انْتَهَى 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً) [1237] قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَسَأْتُهُ البيع وأنسأته بعته بنسئة بالضم وبنسئة كأخرة وقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ فِيهِ ثَلَاثُ

لُغَاتٍ نَسِيئَةٌ بِوَزْنِ كَرِيمَةٍ وَبِالْإِدْغَامِ وَبِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ النُّونِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ بن عباس) أخرجه البزار والطحاوي وبن حِبَّانَ وَالدّارَقُطْنيُّ بِنَحْوِ حَدِيثِ سَمُرَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ورِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ فَرَجَّحَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ إِرْسَالَهُ انْتَهَى (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الحافظ وإسناده لين (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ قَوْلُهُ (وَسَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ) هَكَذَا (قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ) سَيَأْتِي الكلام فيه في باب اختلاب الْمَوَاشِي بِغَيْرِ إِذْنِ الْأَرْبَابِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ إِلَخْ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيِّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً مُتَفَاضِلًا مُطْلَقًا وشَرَطَ مَالِكٌ أَنْ يَخْتَلِفَ الْجِنْسُ وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا مَعَ النَّسِيئَةِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنَ الْكُوفِيُّينَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وفِي الْبَابِ رِوَايَاتٌ مَوْقُوفَةٌ فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرزاق من طريق بن الْمُسَيِّبِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كره بعيرا ببعيرين نسيئة وروى بن أبي شيبة عنه نحوه وعن بن عمر عبد الرزاق وبن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَعِيرٍ بِبَعِيرَيْنِ فَكَرِهَهُ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَإِسْحَاقَ) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَبْعَثَ جَيْشًا عَلَى إِبِلٍ كَانَتْ عِنْدِي قَالَ فَحَمَلْتُ النَّاسَ عَلَيْهَا حَتَّى نَفِدَتِ الْإِبِلُ وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنَ النَّاسِ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْإِبِلُ قَدْ نَفِدَتْ وَقَدْ بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنَ النَّاسِ لَا ظَهْرَ لَهُمْ فَقَالَ لِي ابْتَعْ عَلَيْنَا إِبِلًا بِقَلَائِصَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِلَى مَحَلِّهَا حَتَّى تُنْفِذَ هَذَا الْبَعْثَ قَالَ وَكُنْتُ أَبْتَاعُ الْبَعِيرَ بِقَلُوصَيْنِ وَثَلَاثِ قَلَائِصَ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ إِلَى مَحَلِّهَا حَتَّى نَفَّذْتُ ذَلِكَ الْبَعْثَ فَلَمَّا جَاءَتْ إِبِلُ الصَّدَقَةِ أَدَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وفِيهِ مَقَالٌ مَعْرُوفٌ وقَوَّى الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إسناده وقال

باب ما جاء في شراء العبد بالعبدين

الْخَطَّابِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَأَعَلَّهُ يَعْنِي مِنْ أَجْلِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بِمَا فِيهِ مِنَ الْمَقَالِ وقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمُرَادُ بِهِ النَّسِيئَةُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُ ذَلِكَ كَمَا يَحْتَمِلُ النَّسِيئَةَ مِنْ طَرَفٍ وإِذَا كَانَتِ النَّسِيئَةُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ فَهِيَ من بيع الكالي بالكالي وَهُوَ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الْجَمِيعِ وأَجَابَ الْمَانِعُونَ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَلَا يَخْفَى أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بَعْدَ تَقَرُّرِ تَأَخُّرِ النَّاسِخِ وَلَمْ ينقل ذلك فلم يبق ها هنا إِلَّا الطَّلَبُ لِطَرِيقِ الْجَمْعِ إِنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ أَوْ الْمَصِيرُ إِلَى التَّعَارُضِ قِيلَ وَقَدْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بِمَا سَلَفَ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَلَكِنَّهُ مُتَوَقِّفٌ عَلَى صِحَّةِ إِطْلَاقِ النَّسِيئَةِ عَلَى بَيْعِ الْمَعْدُومِ بِالْمَعْدُومِ فَإِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ أَوْ فِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَخْلُو عَنْ مَقَالٍ لَكِنَّهَا تَثْبُتُ مِنْ طَرِيقِ ثَلَاثَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ سَمُرَةَ وجابر بن سمرة وبن عَبَّاسٍ وبَعْضُهَا يُقَوِّي بَعْضًا فَهِيَ أَرْجَحُ مِنْ حَدِيثٍ وَاحِدٍ غَيْرِ خَالٍ مِنَ الْمَقَالِ وهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ولَا سِيَّمَا وقد صحح الترمذي وبن الْجَارُودِ حَدِيثَ سَمُرَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ مُرَجِّحٌ آخَرُ وأَيْضًا قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ دَلِيلَ التَّحْرِيمِ أَرْجَحُ مِنْ دَلِيلِ الْإِبَاحَةِ وَهَذَا أَيْضًا مُرَجِّحٌ ثَالِثٌ كَذَا فِي النَّيْلِ [1238] قَوْلُهُ (الْحَيَوَانُ اثنين بواحدة لَا يَصْلُحُ نَسِيئًا) تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ مَنَعَ بَيْعَ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ مُتَفَاضِلًا نَسِيئًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) فِي سَنَدِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس وروي هذا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بِالْعَنْعَنَةِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي شِرَاءِ الْعَبْدِ بِالْعَبْدَيْنِ) [1239] قَوْلُهُ (فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ مُتَفَاضِلًا إِذَا كَانَ

باب ما جاء أن الحنطة بالحنطة مثلا بمثل

يَدًا بِيَدٍ وهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وبن مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى صَفِيَّةَ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ مِنْ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْحِنْطَةَ بالحنطة مثلا بمثل) وكراهية التفاضل فِيهِ [1240] قَوْلُهُ (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ) بِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ يُبَاعُ وَبِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ بِيعُوا (فَمَنْ زَادَ) أَيْ أَعْطَى الزِّيَادَةَ (أَوِ ازْدَادَ) أَيْ طَلَبَ الزِّيَادَةَ (فَقَدْ أَرْبَى) أَيْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِي الرِّبَا وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ أَيْ أَتَى الرِّبَا وَتَعَاطَاهُ ومَعْنَى اللَّفْظِ أَخَذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ مِنْ ربا الشيء يربوا إِذَا زَادَ (بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْتُمْ يَدًا بِيَدٍ) أَيْ حَالًا مَقْبُوضًا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ افْتِرَاقِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَالَ أَرْبَى الْآخِذُ وَالْمُعْطِي فِيهِ سَوَاءٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَبِلَالٍ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَوْلُهُ حَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ قوله

باب ما جاء في الصرف

(وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وحُجَّتُهُمْ أَنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ هُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنَّ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ صِنْفَانِ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُتَفَاضِلًا وهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (أَصَحُّ) مِنَ الْقَوْلِ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيعُوا الْبُرَّ بِالشَّعِيرِ كَيْفَ شِئْتُمْ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ الْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْبُرَّ وَالشَّعِيرَ صِنْفَانِ وهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ فَقَالُوا هُمَا صِنْفٌ وَاحِدٌ انْتَهَى 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّرْفِ) هُوَ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَبِالْعَكْسِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ [1241] قَوْلُهُ (انْطَلَقْتُ أنا وبن عُمَرَ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طريق الليث عن نافع أن بن عُمَرَ قَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ إِنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَأْثُرُ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال نَافِعٌ فَانْطَلَقَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَنَا مَعَهُ وَاللَّيْثُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَقَالَ إِنَّ هَذَا أَخْبَرَنِي أَنَّكَ تُخْبِرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بيع الورق

بِالْوَرِقِ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ الْحَدِيثَ فَأَشَارَ أَبُو سَعِيدٍ بِأُصْبُعَيْهِ إِلَى عَيْنَيْهِ وَأُذُنَيْهِ فَقَالَ أَبْصَرَتْ عَيْنَايَ وَسَمِعَتْ أُذُنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِلَخْ (لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ) يَدْخُلُ فِي الذَّهَبِ جَمِيعُ أَصْنَافِهِ مِنْ مَضْرُوبٍ وَمَنْقُوشٍ وَجَيِّدٍ وَرَدِيءٍ وَصَحِيحٍ وَمُكَسَّرٍ وَحُلِيٍّ وَتِبْرٍ وَخَالِصٍ وَمَغْشُوشٍ ونَقَلَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ في ذلك الإجماع (إلا مثل بِمِثْلٍ) أَيْ إِلَّا حَالَ كَوْنِهِمَا مُتَمَاثِلِينَ أَيْ مُتَسَاوِيَيْنِ (وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ) الْمُرَادُ بِالْفِضَّةِ جَمِيعُ أَنْوَاعِهَا مَضْرُوبَةً وَغَيْرَ مَضْرُوبَةٍ (لَا يُشَفُّ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِشْفَافِ وَهُوَ التَّفْضِيلُ يُقَالُ شَفَّ الدِّرْهَمُ يَشِفُّ إِذَا زَادَ وَإِذَا نَقَصَ مِنَ الْأَضْدَادِ وأَشَفَّهُ غَيْرُهُ يَشِفُّهُ كذا في عمدة القارىء (وَلَا تَبِيعُوا مِنْهُ غَائِبًا) أَيْ غَيْرَ حَاضِرٍ (بِنَاجِزٍ) أَيْ حَاضِرٍ مِنَ النُّجْزِ بِالنُّونِ وَالْجِيمِ وَالزَّايِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ مُؤَجَّلًا بِحَالٍّ وَالْمُرَادُ بِالْغَائِبِ أَعَمُّ مِنَ الْمُؤَجَّلِ كَالْغَائِبِ عَنِ الْمَجْلِسِ مُطْلَقًا مُؤَجَّلًا كَانَ أَوْ حَالًّا وَالنَّاجِزُ الْحَاضِرُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَفِي الْبَابِ عَنْ عمر رضي الله عنه فِي السِّتَّةِ وَعَنْ عَلِيٍّ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مُسْلِمٍ وَعَنْ أَنَسٍ فِي الدَّارَقُطْنِيِّ وَعَنْ بِلَالٍ فِي الْبَزَّارِ وَعَنْ أَبِي بكرة متفق عليه وعن بن عُمَرَ فِي الْبَيْهَقِيِّ وَهُوَ مَعْلُولٌ انْتَهَى قُلْتُ وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالْبَزَّارِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَأَمَّا أَحَادِيثُ بَاقِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم إلا ما روي عن بن عَبَّاسٍ إِلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ بَيْعَ الصَّرْفِ لَهُ شَرْطَانِ مَنْعُ النَّسِيئَةِ مَعَ اتِّفَاقِ النَّوْعِ وَاخْتِلَافِهِ وَهُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ وَمَنْعُ التَّفَاضُلِ فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وخَالَفَ فِيهِ بن عمر ثم رجع وبن عَبَّاسٍ وَاخْتُلِفَ فِي رُجُوعِهِ وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَيَّانَ الْعَدَوِيِّ سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزٍ عن الصرف فقال كان بن عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا زَمَانًا مِنْ عُمُرِهِ مَا كَانَ مِنْهُ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وكَانَ يَقُولُ إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ فَلَقِيَهُ أَبُو سَعِيدٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَالْحَدِيثَ وفِيهِ التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ

بِالشَّعِيرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ فَهُوَ رِبًا فَقَالَ بن عَبَّاسٍ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ أَشَدَّ النَّهْيِ كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي فَإِنْ قُلْتَ فَمَا وَجْهُ التَّوفِيقِ بَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ وَبَيْنَ حَدِيثِ أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قُلْتُ اخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَقِيلَ إِنَّ حَدِيثَ أُسَامَةَ مَنْسُوخٌ لَكِنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وقِيلَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ لَا رِبَا الرِّبَا الْأَغْلَظُ الشَّدِيدُ التَّحْرِيمِ الْمُتَوَعَّدُ عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ الشَّدِيدِ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ لَا عَالِمَ فِي الْبَلَدِ إِلَّا زَيْدٌ مَعَ أَنَّ فِيهَا عُلَمَاءً غَيْرَهُ وَإِنَّمَا الْقَصْدُ نَفْيُ الْأَكْمَلِ لَا نَفْيُ الْأَصْلِ وأَيْضًا فَنَفْيُ تَحْرِيمِ رِبَا الْفَضْلِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَفْهُومِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ بِالْمَنْطُوقِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ أُسَامَةَ عَلَى الرِّبَا الْأَكْبَرِ كَمَا تَقَدَّمَ وقَالَ الطَّبَرِيُّ مَعْنَى حَدِيثِ أُسَامَةَ لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ إِذَا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ الْبَيْعِ وَالْفَضْلُ فِيهِ يَدًا بِيَدٍ رِبَا جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ [1242] قَوْلُهُ (بِالْبَقِيعِ) بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ بَقِيعُ الْغَرْقَدِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُقِيمُونَ السُّوقَ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُتَّخَذَ مَقْبَرَةً وَرُوِيَ النَّقِيعِ بِالنُّونِ وَهُوَ مَوْضِعٌ قَرِيبٌ مِنَ الْمَدِينَةِ يَسْتَنْقِعُ فِيهِ الْمَاءُ أَيْ يَجْتَمِعُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ) أَيْ تَارَةً (فَآخُذُ مَكَانَهَا) أَيْ مَكَانَ الدَّنَانِيرِ (الْوَرِقَ) أَيْ الْفِضَّةَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِإِسْكَانِهَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَيَجُوزُ فَتْحُهُمَا وَقِيلَ بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمَضْرُوبَةَ وَبِفَتْحِهَا الْمَالُ (وَأَبِيعُ بِالْوَرِقِ) أَيْ تَارَةً أُخْرَى (فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ بِالْقِيمَةِ) أَيْ لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ بَدَلَ الدَّنَانِيرِ الْوَرِقَ بِالْعَكْسِ بِشَرْطِ

التَّقَابُضِ فِي الْمَجْلِسِ وفِي الْمِشْكَاةِ فَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا مَا لَمْ تفترقا وبينكما شيء قال بن الْمَلِكِ أَيُّ شَيْءٍ مِنْ عُلْقَةِ الِاسْتِبْدَالِ وَهُوَ التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ فِي بَيْعِ النَّقْدِ بِالنَّقْدِ وَلَوْ مَعَ اخْتِلَافِ الْجِنْسِ انْتَهَى قَالَ الطِّيبِيُّ رح فَإِنَّمَا نَكْرَهُ أَيْ لَفْظَ شَيْءٍ وَأَبْهَمَهُ لِلْعِلْمِ بِالْمُرَادِ وَإِنْ تَقَابَضَ النَّقْدَيْنِ فِي الْمَجْلِسِ مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ لَا يَلْتَبِسُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي قَوْلِهِ أَنْ تَأْخُذَهَا رَاجِعٌ إِلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ عَلَى الْبَدَلِ كَمَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِبْدَالِ عَنِ الثَّمَنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ بِغَيْرِهِ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُمَا غَيْرُ حَاضِرَيْنِ جَمِيعًا بَلِ الْحَاضِرُ أَحَدُهُمَا وَهُوَ غَيْرُ اللَّازِمِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ كَالْحَاضِرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سِمَاكٍ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ فِي النَّيْلِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ عبد الله والحسن والحكم وطاؤس وَالزُّهْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وأحمد وغيرهم وروى عن بن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ أَيْ الِاسْتِبْدَالُ الْمَذْكُورُ وَالْحَدِيثُ يَرُدُّ عليهم واختلف الأولون فمنهم من قال يشترطان أَنْ يَكُونَ بِسِعْرِ يَوْمِهَا كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ بِسِعْرِ يَوْمِهَا وَأَغْلَى وَأَرْخَصَ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ بِسِعْرِ يَوْمِهَا وهُوَ أَخَصُّ مِنْ حَدِيثِ إِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ [1243] قَوْلُهُ (عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ النَّصْرِيِّ بِالنُّونِ الْمَدَنِيِّ لَهُ رُؤْيَةٌ وَرَوَى عَنْ عُمَرَ (مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ) مِنَ الِاصْطِرَافِ وَكَانَ أَصْلُهُ بِالتَّاءِ فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ بِالطَّاءِ (أَرِنَا ذَهَبَكَ ثُمَّ ائْتِنَا إِذَا جَاءَ خَادِمُنَا) وفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّإِ فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنَ الْغَابَةِ وإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ طَلْحَةُ لِظَنِّهِ جَوَازَ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ وَمَا كَانَ بَلَغَهُ حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ (نُعْطِكَ وَرِقَكَ) الْوَرِقُ بِكَسْرِ رَاءٍ

باب ما جاء في ابتياع النخل بعد التأبير

وَيُسَكَّنُ وَبِكَسْرِ وَاوٍ مَعَ سُكُونٍ وَالرِقَةُ بِكَسْرِ رَاءٍ وَخِفَّةِ قَافٍ الدِّرْهَمُ الْمَضْرُوبُ (إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ لُغَتَانِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَالْمَدُّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَأَصْلُهُ هَاكَ فَأُبْدِلَتِ الْكَافُ مِنَ الْمَدِّ وَمَعْنَاهُ خُذْ هَذَا وَيَقُولُ لِصَاحِبِهِ مِثْلَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) يَعْنِي عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ النَّاجِزِ بِالْغَائِبِ فِي الصَّرْفِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ابْتِيَاعِ النَّخْلِ بَعْدَ التَّأْبِيرِ) وَالْعَبْدِ وَلَهُ مَالٌ [1244] قَوْلُهُ (مَنِ ابْتَاعَ) أَيْ اشْتَرَى (بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّأْبِيرِ وَهُوَ تَلْقِيحُ النَّخْلِ وَهُوَ أَنْ يُوضَعَ شَيْءٌ مِنْ طَلْعِ فَحْلِ النَّخْلِ فِي طَلْعِ الْأُنْثَى إِذَا انْشَقَّ فَتَصْلُحُ ثَمَرَتُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى (فَثَمَرَتُهَا للذي باعها) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ بَاعَ نَخْلًا وَعَلَيْهَا ثَمَرَةٌ مُؤَبَّرَةٌ لَمْ تَدْخُلْ الثَّمَرَةُ فِي الْبَيْعِ بَلْ تَسْتَمِرُّ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَيَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ تَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ وَتَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَبِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَخَالَفَهُمْ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَا تكون للبائع قبل التأبير وبعده وقال بن أَبِي لَيْلَى تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مُطْلَقًا وكِلَا الْإِطْلَاقَيْنِ مُخَالِفٌ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ وهَذَا إِذَا لَمْ يَقَعْ شَرْطٌ مِنَ الْمُشْتَرِي بِأَنَّهُ اشْتَرَى الثَّمَرَةَ وَلَا مِنَ الْبَائِعِ بِأَنَّهُ اسْتَثْنَى لِنَفْسِهِ الثَّمَرَةَ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ كَانَتِ الثَّمَرَةُ لِلشَّارِطِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ مُؤَبَّرَةً أَوْ غَيْرَ مُؤَبَّرَةٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّأْبِيرِ أَنْ يُؤَبِّرَ أَحَدٌ بَلْ لَوْ تَأَبَّرَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَخْتَلِفْ الْحُكْمُ عِنْدَ جَمِيعِ الْقَائِلِينَ بِهِ كَذَا فِي النَّيْلِ (إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ) أَيْ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَقُولَ اشْتَرَيْتُ النَّخْلَةَ بثمرتها هذه (وله مال) قال القارىء اللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا مِلْكَ لَهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ (فَمَالُهُ) بِضَمِّ اللَّامِ (لِلَّذِي بَاعَهُ) أَيْ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ مِلْكًا للبائع قبل البيع قال القارىء وهَذَا عَلَى رَأْيِ مَنْ

قَالَ إِنَّ الْعَبْدَ لَا مِلْكَ لَهُ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْعَبْدَ لَا مِلْكَ لَهُ بِحَالٍ فَإِنَّ السَّيِّدَ لَوْ مَلَكَهُ لَا يَمْلِكُ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ فَلَا يَجُوزُ أن يكون مالكا كالبهائم وقولهوله مَالٌ إِضَافَةُ مَجَازٍ لَا إِضَافَةُ مِلْكٍ كَمَا يُضَافُ السَّرْجُ إِلَى الْفَرَسِ وَالْإِكَافُ إِلَى الْحِمَارِ وَالْغَنَمُ إِلَى الرَّاعِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ أَضَافَ الْمِلْكَ إِلَيْهِ وَإِلَى الْبَائِعِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ كُلُّهُ مِلْكًا لِلِاثْنَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَثَبَتَ أَنَّ إِضَافَةَ الْمَالِ إِلَى الْعَبْدِ مَجَازٌ أَيْ لِلِاخْتِصَاصِ وَإِلَى الْمَوْلَى حَقِيقَةٌ أَيْ الْمِلْكُ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ مَالًا مَلَكَهُ لَكِنَّهُ إِذَا بَاعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنْ كَانَ الْمَالُ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْعَبْدِ وَتِلْكَ الدَّرَاهِمُ بِدَرَاهِمَ وكَذَا إِنْ كَانَ الدَّنَانِيرُ أَوْ الْحِنْطَةُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُمَا بِذَهَبٍ أَوْ حِنْطَةٍ وقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ إِنِ اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ وَالثَّمَنُ دَرَاهِمَ لِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالظَّاهِرُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ يَعْنِي قَوْلَ مَالِكٍ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْمَالِ إِلَى الْمَمْلُوكِ تَقْتَضِي أَنَّهُ يَمْلِكُ وَتَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ فِي يَدِ الْعَبْدِ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ وَأُضِيفَ إِلَى الْعَبْدِ لِلِاخْتِصَاصِ والِانْتِفَاعِ لَا لِلْمِلْكِ كَمَا يُقَالُ الْجُلُّ لِلْفَرَسِ خِلَافَ الظَّاهِرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جابر) لينظر من أخرجه قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ وَحْدَهُ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ

باب ما جاء البيعين بالخيار ما لم يتفرقا البيعان

26 - (باب ما جاء الْبَيِّعَيْنِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا الْبَيِّعَانِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي [1245] قَوْلُهُ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ مِنَ الِاخْتِيَارِ أَوْ التَّخْيِيرِ وَهُوَ طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْ إِمْضَاءِ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخِهِ وَالْمُرَادُ بِالْخِيَارِ هُنَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَالْبَيِّعُ هُوَ الْبَائِعُ أُطْلِقَ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى سَبِيلِ التَّغْلِيبِ أَوْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ اللَّفْظَيْنِ يُطْلَقُ عَلَى الْآخَرِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْبَائِعَانِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْبَائِعِ أَشْهَرَ وَأَغْلَبَ مِنَ الْبَيِّعِ وَإِنَّمَا اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ بِالْقَصْرِ وَالْإِدْغَامِ مِنَ الْفِعْلِ الثَّلَاثِي الْمُعْتَلِّ الْعَيْنِ فِي أَلْفَاظٍ مَحْصُورَةٍ كَطَيِّبٍ وَمَيِّتٍ وَكَيِّسٍ وَرَيِّضٍ وَلَيِّنٍ وهين واستعملوا في باع الأمرين فقالوا بايع وَبَيِّعٌ انْتَهَى وقَالَ الْحَافِظُ الْبَيِّعُ بِمَعْنَى الْبَائِعِ كَضَيِّقٍ وَضَائِقٍ وَلَيْسَ كَبَيِّنٍ وَبَائِنٍ فَإِنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ كَقَيِّمٍ وَقَائِمٍ انْتَهَى (مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) أَيْ بالأبدان كما فهمه بن عُمَرَ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ أَيْضًا كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ (أَوْ يَخْتَارَا) أَيْ مَضَاءَ البيع قوله (فكان بن عُمَرَ إِذَا ابْتَاعَ بَيْعًا وَهُوَ قَاعِدٌ قَامَ ليجب له) وفي رواية للبخاري وكان بن عُمَرَ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَارَقَ صَاحِبَهُ وَلِمُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ وَكَانَ إِذَا بَايَعَ رَجُلًا فَأَرَادَ أَنْ لَا يُقِيلَهُ قَامَ فَمَشَى هُنَيْهَةً ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ ولِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فِي رواية كان بن عُمَرَ إِذَا بَاعَ انْصَرَفَ لِيَجِبَ لَهُ

الْبَيْعُ [1246] قَوْلُهُ (عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ) بِكَسْرِ مُهْمَلَةٍ فَزَايٍ (فَإِنْ صَدَقَا) أَيْ فِي صِفَةِ الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا (وَبَيَّنَا) أَيْ عَيْبَ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعَ (بُورِكَ) أَيْ كَثُرَ النَّفْعُ (لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا) أَيْ وَشِرَائِهِمَا أَوْ الْمُرَادُ فِي عَقْدِهِمَا (مُحِقَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُزِيلَتْ وَذَهَبَتْ (بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) قَالَ الْحَافِظُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ شُؤْمَ التَّدْلِيسِ وَالْكَذِبِ وقع ذَلِكَ الْعَقْدِ فَمَحَقَ بَرَكَتَهُ وإِنْ كَانَ الصَّادِقُ مَأْجُورًا وَالْكَاذِبُ مَأْزُورًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُخْتَصًّا بِمَنْ وَقَعَ مِنْهُ التَّدْلِيسُ وَالْعَيْبُ دُونَ الآخر ورجحه بن أَبِي جَمْرَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِلَفْظِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إليه في قرس بَعْدَ مَا تَبَايَعَا وَكَانَا فِي سَفِينَةٍ فَقَالَ لَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ (وَسَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وأبي هريرة) أخرجه أبو داود (وبن عباس) أخرجه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالُوا الْفُرْقَةُ بالأبدان لا بالكلام) وبه قال بن عُمَرَ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ولَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ انْتَهَى وهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وبن أبي مليكة ونقل بن الْمُنْذِرِ الْقَوْلَ بِهِ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب والزهري وبن أَبِي ذِئْبٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَنِ

الحسن البصري والأوزاعي وبن جريج وغيرهم وبالغ بن حَزْمٍ فَقَالَ لَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفًا مِنِ التَّابِعِينَ إِلَّا النَّخَعِيَّ وَحْدَهُ وَرِوَايَةً مَكْذُوبَةً عَنْ شُرَيْحٍ والصَّحِيحُ عَنْهُ الْقَوْلُ بِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَقَدِ اعْتَرَفَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ أَوْلَى الْأَقْوَالِ حَيْثُ قَالَ وَلَعَلَّ الْمُنْصِفَ الْغَيْرَ الْمُتَعَصِّبِ يَسْتَيْقِنُ بَعْدَ إِحَاطَةِ الْكَلَامِ مِنَ الْجَوَانِبِ فِي هَذَا الْبَحْثِ أَنَّ أَوْلَى الْأَقْوَالِ هُوَ مَا فَهِمَهُ الصَّحَابِيَّانِ الجليلان يعني بن عُمَرَ وَأَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وفَهْمُ الصَّحَابِيِّ إِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً لَكِنَّهُ أَوْلَى مِنْ فَهْمِ غَيْرِهِ بِلَا شُبْهَةٍ وَإِنْ كان كل من الأقوال مستند إِلَى حُجَّةٍ انْتَهَى كَلَامُهُ (وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا يَعْنِي الْفُرْقَةَ بِالْكَلَامِ) وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وبِهِ قَالَ المالكية إلا بن حبيب والحنفية كلهم قال بن حَزْمٍ لَا نَعْلَمُ لَهُمْ سَلَفًا إِلَّا إِبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ وَرِوَايَةً مَكْذُوبَةً عَنْ شُرَيْحٍ والصَّحِيحُ عَنْهُ القول به قال الإمام محمد في موطإه وَتَفْسِيرُهُ عِنْدَنَا عَلَى مَا بَلَغَنَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا عَنْ مَنْطِقِ الْبَيْعِ إِذَا قَالَ الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُكَ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ مَا لَمْ يَقُلْ الْآخَرُ قَدِ اشْتَرَيْتُ وَإِذَا قَالَ الْمُشْتَرِي قَدِ اشْتَرَيْتُ بِكَذَا وَكَذَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهِ اشْتَرَيْتُ مَا لَمْ يَقُلِ الْبَائِعُ قَدْ بِعْتُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى مَا فِي الْمُوَطَّإِ وقَدْ أطال صاحب التعليق الممجد ها هنا الْكَلَامَ وَأَجَادَ وَأَجَابَ عَنْ كُلِّ مَا تَمَسَّكَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ فَعَلَيْكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ (وَمَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ مَعْنَاهُ أَنْ يُخَيِّرَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ بعد

إِيجَابِ الْبَيْعِ فَإِذَا خَيَّرَهُ فَاخْتَارَ الْبَيْعَ إِلَخْ) قَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ فَقَالَ الْجُمْهُورُ وَبِهِ جَزَمَ الشَّافِعِيُّ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ امْتِدَادِ الْخِيَارِ إِلَى التَّفَرُّقِ والْمُرَادُ أَنَّهُمَا إِنِ اخْتَارَا إِمْضَاءَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَقَدْ لَزِمَ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ وَبَطَلَ اعْتِبَارُ التَّفَرُّقِ فَالتَّقْدِيرُ إِلَّا الْبَيْعَ الَّذِي جَرَى فِيهِ التَّخَايُرُ قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَرْجِيحِ هَذَا التَّأْوِيلِ وَأَبْطَلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مَا سِوَاهُ وغَلَّطُوا قَائِلَهُ ورِوَايَةُ اللَّيْثِ ظَاهِرَةٌ جِدًّا فِي تَرْجِيحِهِ قِيلَ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ انْقِطَاعِ الْخِيَارِ بِالتَّفَرُّقِ وقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَيْ فَيَشْتَرِطَا الْخِيَارَ مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَلَا يَنْقَضِي الْخِيَارُ بِالتَّفَرُّقِ بَلْ يَبْقَى حَتَّى تَمْضِيَ المدة حكاه بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَرَجَّحَ الْأَوَّلَ بِأَنَّهُ أَقَلُّ فِي الْإِضْمَارِ وفِيهِ أَقْوَالٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ [1247] قَوْلُهُ (إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَفْقَةُ خِيَارٍ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ إِلَّا أَنْ تُوجَدَ أَوْ تَحْدُثَ صَفْقَةُ خِيَارٍ وَبِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ كَانَ نَاقِصَةٌ وَاسْمُهَا مُضْمِرٌ وَخَبَرُهَا صَفْقَةُ خِيَارٍ وَالتَّقْدِيرُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الصَّفْقَةُ صَفْقَةَ خِيَارٍ والْمُرَادُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِذَا قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ أَوِ افْسَخْهُ فَاخْتَارَ أَحَدَهُمَا تَمَّ الْبَيْعُ وإن لم يتفرقا قاله الشوكاني وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَنْقَطِعُ خِيَارُهُمَا بِالتَّفَرُّقِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ بَيْعًا شُرِطَ فيه الخيار وتفسير القارىء هَذَا خِلَافُ مَا فَسَّرَ بِهِ الشَّوْكَانِيُّ وَكِلَاهُمَا مُحْتَمَلٌ وقَدْ تَقَدَّمَ اخْتِلَافُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْإِضَافَةُ فِي صَفْقَةِ خِيَارٍ لِلْبَيَانِ فَإِنَّ الصَّفْقَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلْبَيْعِ أَوْ لِلْعَهْدِ انْتَهَى وقَالَ فِي النِّهَايَةِ إِنَّ أَكْبَرَ الْكَبَائِرِ أَنْ تُقَاتِلَ أَهْلَ صَفْقَتِكَ هُوَ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَهْدَهُ وَمِيثَاقَهُ ثُمَّ يُقَاتِلَهُ لِأَنَّ الْمُتَعَاهِدَيْنِ يَضَعُ أَحَدُهُمَا يَدَهُ فِي يَدِ الْآخَرِ كَمَا يَفْعَلُ الْمُتَبَايِعَانِ وَهِيَ الْمَرَّةُ مِنِ التَّصْفِيقِ بِالْيَدَيْنِ انْتَهَى (ولا يحل) أي في الورع قاله القارىء (لَهُ) أَيْ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ (أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ) أَيْ بِالْبَدَنِ (خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ وَاسْتَدَلَّ

بِهَذَا الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ قَالُوا لِأَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ صَاحِبَهُ لَا يَمْلِكُ الْفَسْخَ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الِاسْتِقَالَةِ وأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ ومَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ خَشْيَةَ أَنْ يَخْتَارَ فَسْخَ الْبَيْعِ فَالْمُرَادُ بِالِاسْتِقَالَةِ فَسْخُ النَّادِمِ مِنْهُمَا لِلْبَيْعِ وعَلَى هَذَا حَمَلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا وَلَوْ كَانَتِ الْفُرْقَةُ بِالْكَلَامِ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الِاسْتِقَالَةِ لَمْ تَمْنَعْهُ مِنَ الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ وقَدْ أَثْبَتَ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ الْخِيَارَ وَمَدَّهُ إِلَى غَايَةِ التَّفَرُّقِ ومِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الِاسْتِقَالَةِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى الْفَسْخِ وحَمَلُوا نَفْيَ الْحِلِّ عَلَى الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالْمُرُوءَةِ وَحُسْنِ مُعَاشَرَةِ الْمُسْلِمِ لَا أَنَّ اخْتِيَارَ الْفَسْخِ حَرَامٌ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشوكاني وبهذا اندفع قول القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بِأَنَّهُ دَلِيلٌ صَرِيحٌ لِمَذْهَبِنَا لِأَنَّ الْإِقَالَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ ولَوْ كَانَ لَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لَمَا طَلَبَ مِنْ صَاحِبِهِ الْإِقَالَةَ وَوَجْهُ الِانْدِفَاعِ ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّوْكَانِيِّ وبِكَلَامِهِ أَيْضًا ظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِ الْمُظْهِرِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الِاسْتِقَالَةِ طَلَبُ الْفَسْخِ لَا حَقِيقَةُ الْإِقَالَةِ وَهِيَ دَفْعُ الْعَاقِدَيْنِ الْبَيْعَ بَعْدَ لُزُومِهِ بِتَرَاضِيهِمَا أَيْ لَا يَنْبَغِي لِلْمُتَّقِي أَنْ يَقُومَ مِنَ الْمَجْلِسِ بَعْدَ الْعَقْدِ وَيَخْرُجَ مِنْ أَنْ يَفْسَخَ الْعَاقِدُ الْآخَرُ الْبَيْعَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ الْخَدِيعَةَ انْتَهَى ووَجْهُ صِحَّةِ كَلَامِهِ أَيْضًا ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ الشَّوْكَانِيِّ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِهِ رواه الخمسة إلا بن مَاجَهْ ورَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وفِي لَفْظٍ حَتَّى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا قَوْلُهُ (وَمَعْنَى هَذَا أَنْ يُفَارِقَهُ إِلَخْ) وَكَذَا قَالَ غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ مِنْ أَهْلِ العلم كما عرفت في كلام الشوكاني 7 - باب [1248] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بْنَ عَمْرِو) بْنِ جَرِيرٍ الْبَجَلِيَّ الْكُوفِيَّ رَوَى عَنْ جَدِّهِ جَرِيرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ ثِقَاتِ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (لَا يَتَفَرَّقَنَّ عَنْ بَيْعٍ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ (لَا يَفْتَرِقَنَّ اثْنَانِ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ عَنْ تَرَاضٍ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ أَيْ لَا يَتَفَرَّقَنَّ اثْنَانِ إِلَّا تَفَرُّقًا صَادِرًا عَنْ تراض انتهى قال القارىء الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّهُمَا لَا يَتَفَرَّقَانِ إِلَّا عَنْ تَرَاضٍ بَيْنَهُمَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِعْطَاءِ الثَّمَنِ وَقَبْضِ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَقَدْ يَحْصُلُ الضرر

باب ما جاء فيمن يخدع في البيع

وَهُوَ مَنْهِيٌّ فِي الشَّرْعِ أَوْ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُشَاوِرَ مُرِيدُ الْفِرَاقِ صَاحِبَهُ أَلَكَ رَغْبَةٌ في المبيع فإن أريد الْإِقَالَةَ أَقَالَهُ فَيُوَافِقُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ يَعْنِي الْحَدِيثَ الْآتِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وهَذَا نَهْيُ تَنْزِيهٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى حِلِّ الْمُفَارَقَةِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ الْآخَرِ وَلَا عِلْمِهِ انْتَهَى وقَالَ قَالَ الْأَشْرَفُ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى ثُبُوتِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ لَهُمَا وَإِلَّا فَلَا مَعْنَى لِهَذَا الْقَوْلِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ فَهِمَ رَاوِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْهُ ثُبُوتَ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَهُوَ أَبُو زُرْعَةَ بْنُ عَمْرٍو فَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْجَرْجَرَائِيُّ قَالَ مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ أَخْبَرَنَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ قَالَ كَانَ أَبُو زُرْعَةَ إِذَا بَايَعَ رَجُلًا خَيَّرَهُ قَالَ ثُمَّ يَقُولُ خَيِّرْنِي فَيَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا زُرْعَةَ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَبَا زُرْعَةَ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ [1249] قَوْلُهُ (خَيَّرَ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ الْبَيْعِ) أَيْ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ قَالَ الطِّيبِيُّ ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ ثَابِتًا بِالْعَقْدِ كَانَ التَّخْيِيرُ عَبَثًا والْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مُطْلَقٌ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنَ الْبَابِ انتهى أراد بالحديث الأول حديث بن عُمَرَ الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَقَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حديث حسن صحيح غريب وقال القارىء وَحَسَنٌ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي بَعْضِ النُّسَخِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ) [1250] قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي عُقْدَتِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ فِي رَأْيِهِ وَنَظَرِهِ فِي مَصَالِحِ نَفْسِهِ انْتَهَى وكَانَ اسْمُ ذَلِكَ الرَّجُلِ حِبَّانَ بْنَ مُنْقِذٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ (ضَعْفٌ) أَيْ كَانَ

ضَعِيفَ الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ (احْجُرْ عَلَيْهِ) بِضَمِّ الْجِيمِ أَمْرٌ مِنَ الْحَجْرِ وَهُوَ الْمَنْعُ مِنَ التَّصَرُّفِ وَمِنْهُ حَجْرَ الْقَاضِي عَلَى الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ إِذَا مَنَعَهُمَا مِنَ التَّصَرُّفِ مِنْ مَالِهِمَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فَنَهَاهُ) أَيْ عَنِ الْمُبَايَعَةِ (فَقُلْ هَاءَ وَهَاءَ) تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَتَفْسِيرُهُ فِي بَابِ الصَّرْفِ (وَلَا خِلَابَةَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ أَيْ لَا خَدِيعَةَ وَلَا لِنَفْيِ الْجِنْسِ أَيْ لَا خَدِيعَةَ فِي الدِّينِ لِأَنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ خَاصًّا فِي حَقِّهِ وَأَنَّ الْمُغَابَنَةَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَازِمَةٌ لَا خِيَارَ لِلْمَغْبُونِ بِسَبَبِهَا سَوَاءٌ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ وهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَآخَرِينَ وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ وقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لِلْمَغْبُونِ الْخِيَارُ لِهَذَا الْحَدِيثِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْلُغَ الْغَبَنُ ثُلُثَ الْقِيمَةِ فَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَلَا والصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ قُلْ لَا خِلَابَةَ أَيْ لَا خَدِيعَةَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا ثُبُوتُ الْخِيَارِ وَلِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَوْ أَثْبَتَ لَهُ الْخِيَارَ كَانَتْ قَضِيَّةَ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا فَلَا يَنْفُذُ مِنْهُ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وقَالُوا الْحَجْرُ عَلَى الرَّجُلِ الْحُرِّ إِلَخْ) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الرَّجُلِ الَّذِي كَانَ فِي عُقْدَتِهِ ضَعْفٌ لَمَّا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ احْجُرْ عَلَيْهِ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فَلَوْ كَانَ الْحَجْرُ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ لَا يَصِحُّ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ واسْتَدَلَّ أَيْضًا بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِالْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحْجُرْ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ فَلَوْ كَانَ الْحَجْرُ عَلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ جَائِزًا لَحَجَرَ عَلَى ذَلِكَ وَمَنَعَهُ مِنَ الْبَيْعِ فَتَأَمَّلْ

باب ما جاء في المصراة

29 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُصَرَّاةِ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّصْرِيَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُصَرَّاةُ النَّاقَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ أَوِ الشَّاةُ يُصَرَّى اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا أَيْ يُجْمَعُ وَيُحْبَسُ انْتَهَى يَعْنِي لِتُبَاعَ كذلك ويغتربها الْمُشْتَرِي وَيَظُنَّ أَنَّهَا لَبُونٌ فَيَزِيدَ فِي الثَّمَنِ [1251] قَوْلُهُ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا حَلَبَهَا) وفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْخِيَارَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا عَلِمَ بِالتَّصْرِيَةِ ثَبَتَ لَهُ الْخِيَارُ وَلَوْ لَمْ يَحْلِبْ لَكِنْ لَمَّا كَانَتِ التَّصْرِيَةُ لَا تُعْرَفُ غَالِبًا إِلَّا بَعْدَ الْحَلْبِ ذَكَرَ قَيْدًا فِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ فَلَوْ ظَهَرَتِ التَّصْرِيَةُ بِغَيْرِ الْحَلْبِ فَالْخِيَارُ ثَابِتٌ (إِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ) أَيْ عِوَضًا عَنْ لَبَنِهَا لِأَنَّ بَعْضَ اللَّبَنِ حَدِيثٌ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَبَعْضَهُ كَانَ مَبِيعًا فَلِعَدَمِ تَمْيِيزِهِ امْتَنَعَ رَدُّهُ وَرَدَّ قِيمَتَهُ فَأَوْجَبَ الشَّارِعُ صَاعًا قَطْعًا لِلْخُصُومَةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى قِلَّةِ اللَّبَنِ وَكَثْرَتِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى (وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وفي الباب أيضا عن بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي [1252] قَوْلُهُ (فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى امْتِدَادِ الْخِيَارِ هَذَا الْمِقْدَارِ فَتُقَيَّدُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الرِّوَايَاتُ الْقَاضِيَةُ بِأَنَّ الْخِيَارَ بَعْدَ الْحَلْبِ عَلَى الْفَوْرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِبَهَا (فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ لَا سَمْرَاءَ) قَالَ الْحَافِظُ تُحْمَلُ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِيهَا الطَّعَامُ عَلَى التَّمْرِ وقَدْ رَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ أيوب عن بن سِيرِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّمْرَاءِ الْحِنْطَةُ الشَّامِيَّةُ ورَوَى بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بن حسان عن بن سيرين لاسمراء يعني الحنطة وروى بن المنذر من طريق بن عون عن بن سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا

هُرَيْرَةَ يَقُولُ لَا سَمْرَاءَ تَمْرٌ لَيْسَ بِبُرٍّ فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ التَّمْرُ ولَمَّا كَانَ الْمُتَبَادِرُ إِلَى الذِّهْنِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالطَّعَامِ الْقَمْحُ نَفَاهُ بِقَوْلِهِ لَا سَمْرَاءَ انْتَهَى قَوْلُهُ (مَعْنَى لَا سَمْرَاءَ لَا بُرَّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهِيَ الْحِنْطَةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَفْتَى به بن مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَالَ بِهِ مِنَ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مَنْ لَا يُحْصَى عَدَدُهُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ اللَّبَنُ الَّذِي احْتُلِبَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا ولَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ التَّمْرُ قُوتَ تِلْكَ الْبَلَدِ أَمْ لَا وخَالَفَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ أَكْثَرُ الْحَنَفِيَّةِ وفِي فُرُوعِهَا أَكْثَرُونَ أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا لَا يَرُدُّ بِعَيْبِ التَّصْرِيَةِ وَلَا يَجِبُ رَدُّ صَاعٍ مِنَ التَّمْرِ وَخَالَفَهُمْ زُفَرُ فقال يقول الْجُمْهُورِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ صَاعِ تَمْرٍ أَوْ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ وَكَذَا قَالَ بن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَتَعَيَّنُ صَاعُ التَّمْرِ بَلْ قِيمَتُهُ وَاعْتَذَرَ الْحَنَفِيَّةُ عَنِ الْأَخْذِ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ بِأَعْذَارٍ شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ طَعَنَ فِي الْحَدِيثِ بِكَوْنِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَمْ يَكُنْ كَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ فَلَا يُؤْخَذُ بِمَا رَوَاهُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ الْجَلِيِّ وَهُوَ كَلَامٌ آذَى قَائِلُهُ بِهِ نَفْسَهُ وفِي حِكَايَتِهِ غِنًى عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَقَدْ تَرَكَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمْثَالِهِ كَمَا فِي الْوُضُوءِ بِنَبِيذِ التَّمْرِ وَمِنَ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وأَظُنُّ أَنَّ لهذه النكتة أورد البخاري حديث بن مَسْعُودٍ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِشَارَةً مِنْهُ إلى أن بن مَسْعُودٍ قَدْ أَفْتَى بِوَفْقِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَوْلَا أَنَّ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ ثابت لما خالف بن مَسْعُودٍ الْقِيَاسَ الْجَلِيَّ فِي ذَلِكَ وَقَدْ اخْتُصَّ أَبُو هُرَيْرَةَ بِمَزِيدِ الْحِفْظِ لِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْفَرِدْ أَبُو هُرَيْرَةَ بِرِوَايَةِ هَذَا الْأَصْلِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْهُ وَأَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ لَمْ يُسَمَّ وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْحَدِيثُ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَثُبُوتِهِ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ وَاعْتَلَّ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ بِأَشْيَاءَ لَا حَقِيقَةَ لَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ لِذِكْرِ التَّمْرِ فِيهِ تَارَةً وَالْقَمْحِ أُخْرَى وَاللَّبَنِ أُخْرَى وَاعْتِبَارِهِ بِالصَّاعِ تَارَةً وَبِالْمِثْلِ أَوْ الْمِثْلَيْنِ تَارَةً وَبِالْإِنَاءِ أُخْرَى وَالْجَوَابُ أَنَّ الطُّرُقَ الصَّحِيحَةَ لَا اخْتِلَافَ فِيهَا وَالضَّعِيفُ لَا يُعَلُّ بِهِ الصَّحِيحُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ وَهُوَ مُعَارِضٌ لِعُمُومِ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ به وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ ضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ لَا الْعُقُوبَاتِ وَالْمُتْلَفَاتُ تُضْمَنُ بِالْمِثْلِ وَبِغَيْرِ الْمِثْلِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مَنْسُوخٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ

النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى النَّسْخِ مَعَ مُدَّعِيهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ فِيهِ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَسْطًا حَسَنًا وَأَجَادَ وقال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ الْمِثَالُ الْعِشْرُونَ رَدُّ الْمُحْكَمِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ فِي مَسْأَلَةِ الْمُصَرَّاةِ بِالْمُتَشَابِهِ مِنَ الْقِيَاسِ وَزَعْمُهُمْ أَنَّ هَذَا يُخَالِفُ الْأُصُولَ فَلَا يُقْبَلُ فَيُقَالُ الْأُصُولُ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعُ أُمَّتِهِ وَالْقِيَاسُ الصَّحِيحُ الْمُوَافِقُ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ الْأَصْلُ يُخَالِفُ نَفْسَهُ هَذَا مِنْ أَبْطَلْ الْبَاطِلِ وَالْأُصُولُ فِي الْحَقِيقَةِ اثْنَانِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا كَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ رَسُولِهِ وَمَا عَدَاهُمَا فَمَرْدُودٌ إِلَيْهِمَا فَالسُّنَّةُ أَصْلٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ وَالْقِيَاسُ فَرْعٌ فَكَيْفَ يُرَدُّ الْأَصْلُ بِالْفَرْعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مُوَافَقَةِ حَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ لِلْقِيَاسِ وَإِبْطَالُ قَوْلِ مَنْ زعم أنه خلاف القياس ويالله الْعَجَبَ كَيْفَ وَافَقَ الْوُضُوءُ بِالنَّبِيذِ الْمُشْتَدِّ لِلْأُصُولِ حَتَّى قُبِلَ وَخَالَفَ خَبَرُ الْمُصَرَّاةِ لِلْأُصُولِ حَتَّى رد انتهى قلت قد أطال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي هَذَا الْكِتَابِ فِي إِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ خِلَافُ الْقِيَاسِ فَعَلَيْكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ أَمَّا مَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْمَنَارِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ غَيْرُ فَقِيهٍ وَرِوَايَةُ الَّذِي لَيْسَ بِفَقِيهٍ غَيْرُ معتبر إِذَا كَانَتْ خِلَافَ الْقِيَاسِ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي بِالْفَرْقِ بَيْنَ اللَّبَنِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَلَبَنِ النَّاقَةِ أَوْ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَقْيِسَةِ فَأَقُولُ إِنَّ مِثْلَ هَذَا قَابِلُ الْإِسْقَاطِ مِنَ الْكُتُبِ فَإِنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ عَامِلٌ وَأَيْضًا هَذِهِ الضَّابِطَةُ لَمْ تَرِدْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَكِنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إِلَى عِيسَى بْنِ أَبَانَ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ بِلَفْظِهِ قُلْتُ وَكَذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الضَّوَابِطِ وَالْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ قَابِلَةٌ لِلْإِسْقَاطِ مِنَ الْكُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهَا لَمْ تَرِدْ عَنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ بَلْ هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَيْهِ بِلَا دَلِيلٍ وَشَأْنُهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ أَنْ يَقُولَ بِهَا تَنْبِيهٌ آخَرُ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ الطَّحَاوِيُّ فَعَارَضَ الْحَدِيثَ وَأَتَى بِحَدِيثِ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ أَقُولُ إِنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ بِلَفْظِهِ ثُمَّ بَسَطَ فِي تَضْعِيفِ جَوَابِ الطَّحَاوِيِّ هَذَا وَتَوْهِينِهِ قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ جَوَابَ الطَّحَاوِيِّ هَذَا ضَعِيفٌ وَوَاهٍ وَقَدْ زَعَمَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ حَدِيثَ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ وَهَذَا زَعْمٌ فَاسِدٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقِيلَ إِنَّ نَاسِخَهُ حَدِيثُ الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ وَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ عَنْ عَائِشَةَ وَوُجْهَةُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ اللَّبَنَ فَضْلَةٌ مِنْ فَضَلَاتِ الشَّاةِ وَلَوْ هَلَكَتْ لَكَانَ مِنْ ضَمَانِ المشتري فكذلك فضلاتها تكون له فكيف يعزم بَدَلَهَا لِلْبَائِعِ حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا وتُعُقِّبَ بِأَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ أَصْلَحُ مِنْهُ بِاتِّفَاقٍ فَكَيْفَ يُقَدَّمُ الْمَرْجُوحُ عَلَى الرَّاجِحِ وَدَعْوَى كَوْنِهِ بَعْدَهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَالْمُشْتَرِي لَمْ يُؤْمَرْ بِغَرَامَةِ مَا حَدَثَ فِي مِلْكِهِ بَلْ بِغَرَامَةِ اللَّبَنِ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ وَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْعَقْدِ فَلَيْسَ بَيْنَ الْحَدِيثِينَ عَلَى

باب ما جاء في اشتراط ظهر الدابة عند البيع

هذا تعارض انتهى كلام الحافظ وقال قبلي هَذَا مَا لَفْظُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مَنْسُوخٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى النَّسْخِ مَعَ مُدَّعِيهِ لِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي النَّاسِخِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ الْأَحَادِيثَ الَّتِي زَعَمُوا أَنَّهَا نَاسِخَةٌ وَأَجَابَ عَنْهَا جَوَابًا شَافِيًا إِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَارْجِعْ إِلَى فَتْحِ الْبَارِي 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي اشْتِرَاطِ ظَهْرِ الدَّابَّةِ عِنْدَ الْبَيْعِ) [1253] قَوْلُهُ (وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى أَهْلِهِ) وفِي رِوَايَةٍ لِلصَّحِيحَيْنِ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُرَادُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ الرُّكُوبِ وبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ السَّفَرِ قَرِيبَةً وَحَدَّهَا بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ سَوَاءٌ قَلَّتِ الْمَسَافَةُ أَوْ كَثُرَتْ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ وَحَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ الثُّنْيَا وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ قِصَّةُ عَيْنٍ تَدْخُلُهَا الِاحْتِمَالَاتُ ويُجَابُ بِأَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْمَقَالِ هُوَ أَعَمُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ مُطْلَقًا فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ وأَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ الثُّنْيَا فَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْيِيدُهُ بِقَوْلِهِ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب في الانتفاع بالرهن

38 - (باب فِي الِانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ) أَيْ بِالشَّيْءِ الْمَرْهُونِ [1254] قَوْلُهُ (الظَّهْرُ يُرْكَبُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَكَذَلِكَ يُشْرَبُ وَهُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ والْمُرَادُ مِنَ الظَّهْرِ ظَهْرُ الدَّابَّةِ وَقِيلَ الظَّهْرُ الْإِبِلُ الْقَوِيُّ يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ (وَلَبَنُ الدَّرِّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الدَّارَّةِ أَيْ ذَاتِ الضَّرْعِ وقَوْلُهُ لَبَنُ الدَّرِّ مِنْ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى نفسه كقوله تعالى وحب الحصيد قَالَهُ الْحَافِظُ (وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ نَفَقَتُهُ) أَيْ كَائِنًا مَنْ كَانَ هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ الِانْتِفَاعُ بِالرَّهْنِ إِذَا قَامَ بِمَصْلَحَتِهِ وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الْمَالِكُ وهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَطَائِفَةٍ قالوا أينتفع المرتهن من الرهن بالركوب والخلب بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِغَيْرِهِمَا لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وأَمَّا دَعْوَى الْإِجْمَالِ فَقَدْ دَلَّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى إباحة الانتفاع فِي مُقَابَلَةِ الْإِنْفَاقِ وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ مُجْمَلًا لَكِنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ انْتِفَاعَ الرَّاهِنِ بِالْمَرْهُونِ لِكَوْنِهِ مَالِكَ رَقَبَتِهِ لا لكونه منفقا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُرْتَهِنِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يَنْتَفِعُ مِنَ الْمَرْهُونِ بِشَيْءٍ وتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ لِكَوْنِهِ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا التَّجْوِيزُ لِغَيْرِ الْمَالِكِ أَنْ يَرْكَبَ وَيَشْرَبَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَالثَّانِي تَضْمِينُهُ ذَلِكَ بِالنَّفَقَةِ لا بالقيمة قال بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَرُدُّهُ أُصُولٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَآثَارٌ ثَابِتَةٌ لَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهَا ويَدُلُّ عَلَى نَسْخِهِ حَدِيثُ بن عُمَرَ لَا تُحْلَبُ مَاشِيَةُ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ انْتَهَى وقَالَ الشَّافِعِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ رَهْنِ ذَاتِ دَرٍّ وَظَهْرٍ لَمْ يَمْنَعْ الرَّاهِنَ مِنْ دَرِّهَا وَظَهْرِهَا فَهِيَ مَحْلُوبَةٌ وَمَرْكُوبَةٌ لَهُ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الرَّهْنِ وَاعْتَرَضَهُ الطَّحَاوِيُّ بِمَا رَوَاهُ هُشَيْمٌ عَنْ زَكَرِيَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَفْظُهُ إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَفُهَا الْحَدِيثَ قَالَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُرْتَهِنُ لَا الرَّاهِنُ ثُمَّ أَجَابَ عَنِ الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّبَا فَلَمَّا حُرِّمَ الرِّبَا ارْتَفَعَ مَا أُبِيحَ فِي هَذَا لِلْمُرْتَهِنِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَالتَّارِيخُ فِي هَذَا مُتَعَذِّرٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ مُمْكِنٌ وقَدْ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو

ثَوْرٍ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى مَا إِذَا امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَرْهُونِ فَيُبَاحُ حِينَئِذٍ لِلْمُرْتَهِنِ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْحَيَوَانِ حِفْظًا لِحَيَاتِهِ وَلِابْقَاءِ الْمَالِيَّةِ فِيهِ وَجُعِلَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ نَفَقَتِهِ الِانْتِفَاعُ بِالرُّكُوبِ أَوْ بِشُرْبِ اللَّبَنِ بِشَرْطِ أَلَّا يَزِيدَ قَدْرُ ذَلِكَ أَوْ قِيمَتُهُ عَلَى قَدْرِ عَلَفِهِ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الظَّفَرِ كَذَا أَفَادَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا إِذَا امْتَنَعَ الرَّاهِنُ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَى الْمَرْهُونِ خِلَافُ الظَّاهِرِ وقَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ إِنَّهُ تَقْيِيدٌ لِلْحَدِيثِ بِمَا لَمْ يقيد به الشارع وأما قول بن عبد البر يدل على نسخه حديث بن عُمَرَ لَا تُحْلَبُ مَاشِيَةُ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَفِيهِ مَا قَالَ الْحَافِظُ فِي جَوَابِ الطَّحَاوِيِّ مِنْ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَالتَّارِيخُ فِي هَذَا مُتَعَذِّرٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثِينَ مُمْكِنٌ وَقَالَ فِي السُّبُلِ أَمَّا النَّسْخُ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ إِلَّا إِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَلَا تَعَذُّرَ هُنَا إِذْ يُخَصُّ عُمُومُ النَّهْيِ بِالْمَرْهُونَةِ انْتَهَى وأَمَّا قَوْلُهُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ يَرُدُّهُ أُصُولٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَآثَارٌ ثَابِتَةٌ فَفِيهِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ والْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْأَصْلِ وَتِلْكَ الْأُصُولِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا وَتِلْكَ الْآثَارِ الثَّابِتَةِ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا مُمْكِنٌ وأَمَّا قَوْلُ الْجُمْهُورِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ وَرَدَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ إِلَخْ فَفِيهِ مَا قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ إِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَهُوَ قَوْلُهُ الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَحْلِبُ النَّفَقَةُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَإِنَّهُ جَوَّزَ لِغَيْرِ الْمَالِكِ أَنْ يَرْكَبَ الدَّابَّةَ وَيَحْلِبَهَا وَضَمَّنَهُ ذَلِكَ بِالنَّفَقَةِ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ مِنْ وَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وقَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ وَأُصُولُهَا لَا تَقْتَضِي سِوَاهُ فَإِنَّ الرَّهْنَ إِذَا كَانَ حَيَوَانًا محترم فِي نَفْسِهِ بِحَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَكَذَلِكَ فِيهِ حَقُّ الْمِلْكِ وَلِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْوَثِيقَةِ وقَدْ شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الرَّهْنَ مَقْبُوضًا بِيَدِ الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا كَانَ بِيَدِهِ فَلَمْ يَرْكَبْهُ وَلَمْ يَحْلِبْهُ ذَهَبَ نَفْعُهُ بَاطِلًا وَإِنْ مَكَّنَ صَاحِبَهُ مِنْ رُكُوبِهِ خَرَجَ عَنْ يَدِهِ وَتَوْثِيقِهِ وَإِنْ كُلِّفَ صَاحِبُهُ كُلَّ وَقْتٍ أَنْ يَأْتِيَ يَأْخُذُ لَبَنَهُ شَقَّ عَلَيْهِ غَايَةَ الْمَشَقَّةِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ وَإِنْ كُلِّفَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَ اللَّبَنِ وَحِفْظَ ثَمَنِهِ لِلرَّاهِنِ شَقَّ عَلَيْهِ فَكَانَ بِمُقْتَضَى الْعَدْلِ وَالْقِيَاسِ وَمَصْلَحَةُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْحَيَوَانِ أَنْ يَسْتَوفِيَ الْمُرْتَهِنُ مَنْفَعَةَ الرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ وَيُعَوِّضَ عَنْهُمَا بِالنَّفَقَةِ فَفِي هَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَتَوفِيرُ الْحَقَّيْنِ فَإِنَّ نَفَقَةَ الْحَيَوَانِ وَاجِبَةٌ عَلَى صَاحِبِهِ والْمُرْتَهِنُ إِذَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ أَدَّى عَنْهُ وَاجِبًا وَلَهُ فِيهِ حَقٌّ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِبَدَلِهِ وَمَنْفَعَةُ الرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَا بَدَلًا فَأَخْذُهَا خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُهْدَرَ عَلَى صَاحِبِهَا بَاطِلًا وَيُلْزَمَ بِعِوَضِ مَا أَنْفَقَ الْمُرْتَهِنُ وَإِنْ قِيلَ للمرتهن لا رجوع لك كان في إِضْرَارٌ بِهِ وَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِالنَّفَقَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ فَكَانَ مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرِيعَةُ هُوَ الْغَايَةَ الَّتِي مَا فَوْقَهَا فِي الْعَدْلِ وَالْحِكْمَةِ والمصلحة شيء يختار ثم ذكر بن الْقَيِّمِ كَلَامًا حَسَنًا مُفِيدًا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى الْإِعْلَامِ وقَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَيُجَابُ عَنْ دَعْوَى مُخَالَفَةِ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِلْأُصُولِ بِأَنَّ السُّنَّةَ الصَّحِيحَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْأُصُولِ فَلَا تُرَدُّ إِلَّا بِمُعَارِضٍ أَرْجَحَ منها

بعد تعذر الجمع وعن حديث بن عُمَرَ بِأَنَّهُ عَامٌّ وَحَدِيثُ الْبَابِ خَاصٌّ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَقْضِي بِتَأَخُّرِ النَّاسِخِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْجَمْعُ لَا بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ مَعَ الْإِمْكَانِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ صَحِيحٌ مُحْكَمٌ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ وَلَا يَرُدُّهُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَلَا أَثَرٌ مِنَ الْآثَارِ الثَّابِتَةِ وهُوَ دَلِيلٌ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ بِنَفَقَتِهَا وَشُرْبِ لَبَنِ الدَّرِّ الْمَرْهُونَةِ بِنَفَقَتِهَا وهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وأَمَّا قِيَاسُ الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ عَلَى الدَّابَّةِ الْمَرْهُونَةِ وَالدَّرِّ الْمَرْهُونَةِ فَقِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا مُسْلِمًا وَالنَّسَائِيَّ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَا يَنْتَفِعُ الْمُرْتَهِنُ مِنَ الرَّهْنِ بِالرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِغَيْرِهِمَا لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنَ الْمَرْهُونِ بِحَلْبٍ وَرُكُوبٍ دُونَ غَيْرِهِمَا وَيُقَدَّرُ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ وَاحْتَجَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ ووَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنْ يُقَالَ دَلَّ الْحَدِيثُ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى إِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِنْفَاقِ وَانْتِفَاعِ الرَّاهِنِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ إِبَاحَتَهُ مُسْتَفَادَةٌ لَهُ مِنْ تَمَلُّكِ الرَّقَبَةِ لَا مِنَ الْإِنْفَاقِ وَبِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ جَوَازَ الِانْتِفَاعِ مَقْصُورٌ عَلَى هَذَيْنِ النوعين من المنفعة وجواز انتفاع غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَيْهِمَا فَإِذًا الْمُرَادُ أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالرُّكُوبِ وَالْحَلْبِ مِنَ الْمَرْهُونِ بِالنَّفَقَةِ وَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَزِمَهُ النَّفَقَةُ انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ هُوَ الظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ الْبَابِ وقَدْ قَالَ بِهِ طَائِفَةٌ أَيْضًا كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ وقَدْ قَالَ بِجَوَازِ انْتِفَاعِ الرُّكُوبِ وَشُرْبِ اللَّبَنِ بِقَدْرِ الْعَلَفِ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَيْضًا قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ تُرْكَبُ الضَّالَّةُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا وَالرَّهْنُ مِثْلُهُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَالرَّهْنُ مِثْلُهُ فِي الْحُكْمِ الْمَذْكُورِ وقَدْ وَصَلَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَلَفْظُهُ الدَّابَّةُ إِذَا كَانَتْ مَرْهُونَةً تُرْكَبُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا وَإِذَا كَانَ لَهَا لَبَنٌ يُشْرَبُ مِنْهُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا ورَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ فِي جَامِعِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَلَفْظُهُ إِذَا ارْتَهَنَ شَاةً شَرِبَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ لَبَنِهَا بِقَدْرِ ثَمَنِ عَلَفِهَا فَإِنِ اسْتَفْضَلَ مِنَ اللَّبَنِ بَعْدَ ثَمَنِ الْعَلَفِ فَهُوَ رِبًا انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ (أَنْ يَنْتَفِعَ مِنَ الرَّهْنِ) أَيْ مِنَ الشَّيْءِ الْمَرْهُونِ (بِشَيْءٍ) أَيْ بِشَيْءٍ مِنَ الِانْتِفَاعِ وهُوَ قَوْلُ

باب ما جاء في شراء القلادة وفيها ذهب وخرز

الْجُمْهُورِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ مُتَّصِلٌ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ الشَّارِعَ قَدْ جَعَلَ الْغُنْمَ وَالْغُرْمَ لِلرَّاهِنِ وَلَكِنَّهُ قَدْ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ وَرَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ عَدَمَ انْتِهَاضِهِ لِمُعَارَضَةِ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ قَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فيه الحافظ بن حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي شِرَاءِ الْقِلَادَةِ وَفِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْخَرَزُ مُحَرَّكَةً الْجَوْهَرُ وَمَا يُنْظَمُ وقَالَ فِي الصُّرَاحِ خَرَزَةٌ بِفَتْحَتَيْنِ مهره خَرَازَاتُ الْمَلِكِ وَجَوَاهِرُ تَاجِهِ والْقِلَادَةُ بِكَسْرِ الْقَافِ مَا يُقَلَّدُ فِي الْعُنُقِ وقَالَ فِي الصُّرَاحِ قِلَادَةٌ بِالْكَسْرِ كَردن بند وجميل [1255] قَوْلُهُ (عَنْ حَنَشٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الْخَفِيفَةِ بعدها معجمة بن عبد الله ويقال بن عَلِيٍّ وَالسَّبَائِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ فَضَالَةَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ (بْنِ عُبَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (فَفَصَلْتُهَا) مِنَ التَّفْصِيلِ أَيْ مَيَّزْتُ ذَهَبَهَا وخرزها بَعْدَ الْعَقْدِ (فَوَجَدْتُ فِيهَا) أَيْ فِي الْقِلَادَةِ (لَا تُبَاعُ) أَيْ الْقِلَادَةُ بَعْدَ هَذَا نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ (حَتَّى تُفْصَلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تُمَيَّزَ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِقِلَادَةٍ فِيهَا ذَهَبٌ وَخَرَزٌ ابْتَاعَهَا مِنْ رَجُلٍ بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ أَوْ سَبْعَةِ دَنَانِيرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَتَّى تُمَيِّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَقَالَ إِنَّمَا أَرَدْتُ الْحِجَارَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَتَّى تُمَيِّزَ بينهما قال فرده حتى ميز بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَلَهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا فِي

بَعْضِهَا قِلَادَةٌ فِيهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ وفِي بَعْضِهَا ذَهَبٌ وَجَوْهَرٌ وفِي بَعْضِهَا خَرَزٌ وَذَهَبٌ وفِي بَعْضِهَا خَرَزٌ مُعَلَّقَةٌ بِذَهَبٍ وفِي بَعْضِهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا وفِي أُخْرَى بِتِسْعَةِ دَنَانِيرَ وفِي أُخْرَى بِسَبْعَةِ دَنَانِيرَ وأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّهَا كَانَتْ بُيُوعًا شَهِدَهَا فَضَالَةُ قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَوَابُ الْمُسَدِّدُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لَا يُوجِبُ ضَعْفًا بَلِ الْمَقْصُودُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ مَحْفُوظٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُفْصَلْ وَأَمَّا جِنْسُهَا وَقَدْرُ ثَمَنِهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالِاضْطِرَابِ وَحِينَئِذٍ فَيَنْبَغِي التَّرْجِيحُ بَيْنَ رُوَاتِهَا وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ ثِقَاتٍ فَيُحْكَمُ بِصِحَّةِ رِوَايَةِ أَحْفَظِهِمْ وَأَضْبَطِهِمْ وَيَكُونُ رِوَايَةُ الْبَاقِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ شَاذَّةً وهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الَّذِي يُجَابُ بِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَقِصَّةِ جَمَلِهِ وَمِقْدَارِ ثَمَنِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم لَمْ يَرَوْا أَنْ يُبَاعَ سَيْفٌ مُحَلًّى) أَيْ بِالْفِضَّةِ (أَوْ مِنْطَقَةٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْفَارِسِيَّةِ كَمربند مُفَضَّضَةٌ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّفْضِيضِ قَالَ في الصراح تفضيض سيم كوفت وسيم اندود كردن (وهو قول بن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ) وَقَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِنَّهُ يَجُوزُ إِذَا كَانَ الذَّهَبُ الْمُنْفَرِدُ أَكْثَرَ مِنَ الَّذِي فِي الْقِلَادَةِ وَنَحْوِهَا لَا مِثْلَهُ وَلَا دُونَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَهَبٍ مَعَ غَيْرِهِ بِذَهَبٍ حَتَّى يُفْصَلَ فَيُبَاعَ الذَّهَبُ بِوَزْنِهِ ذهبا ويباع الاخر بما أراد وكذا لاتباع فِضَّةٌ مَعَ غَيْرِهَا بِفِضَّةٍ وَكَذَا الْحِنْطَةُ مَعَ غَيْرِهَا بِحِنْطَةٍ وَالْمِلْحُ مَعَ غَيْرِهِ بِمِلْحٍ وَكَذَا سَائِرُ الرِّبَوِيَّاتِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ فَصْلِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ الذَّهَبُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَكَذَلِكَ بَاقِي الرِّبَوِيَّاتِ وهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وغيره المعروفة بمسألة مدعجوة وصورتها باع مدعجوة ودرهما بمدعجوة أَوْ بِدِرْهَمَيْنِ لَا يَجُوزُ لِهَذَا الْحَدِيثِ وهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَابْنِهِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكِيمِ الْمَالِكِيِّ وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ يَجُوزُ بَيْعُهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا فِيهِ مِنَ الذَّهَبِ وَلَا يَجُوزُ بِمِثْلِهِ وَلَا بِدُونِهِ وقَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَآخَرُونَ يَجُوزُ بَيْعُ السَّيْفِ الْمُحَلَّى بذهب

باب ما جاء في اشتراط الولاء والزجر عن ذلك

وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ بِمَا فِيهِ ذَهَبٌ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالذَّهَبِ إِذَا كَانَ الذَّهَبُ فِي الْمَبِيعِ تَابِعًا لِغَيْرِهِ وَقَدَّرُوهُ بِأَنْ يَكُونَ الثُّلُثَ فَمَا دُونَهُ قَالَ وَأَجَابَتِ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الذَّهَبَ فِيهَا كَانَ أَكْثَرَ مِنَ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَقَدِ اشْتَرَاهَا بِاثْنَيْ عَشَرَ دِينَارًا قَالُوا وَنَحْنُ لَا نُجِيزُ هَذَا وَإِنَّمَا نُجِيزُ الْبَيْعَ إِذَا بَاعَهَا بِذَهَبٍ أَكْثَرَ مِمَّا فِيهَا فَيَكُونُ مَا زَادَ مِنَ الذَّهَبِ الْمُنْفَرِدِ فِي مُقَابَلَةِ الْخَرَزِ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مِنَ الذَّهَبِ الْمَبِيعِ فَيَصِيرُ كَعَقْدَيْنِ وأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ بِأَنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ كَانَ فِي بَيْعِ الْغَنَائِمِ لِئَلَّا يُغْبَنَ الْمُسْلِمُونَ فِي بَيْعِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَدَلِيلُ صِحَّةِ قَوْلِنَا وَفَسَادِ التَّأْوِيلَيْنِ يَعْنِي جَوَابَ الْحَنَفِيَّةِ وَجَوَابَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُبَاعُ حَتَّى يُفْصَلَ وهَذَا صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاطِ فَصْلِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ فِي الْبَيْعِ وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ الْمَبِيعُ بِهِ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَيْعِ الْغَنَائِمِ وَغَيْرِهَا انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وقَالَ صَاحِبُ السُّبُلِ وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى عِلَّةِ النَّهْيِ وَهِيَ عَدَمُ الْفَصْلِ حَيْثُ قَالَ لَا يُبَاعُ حَتَّى يُفْصَلَ وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ فِي الْمُسَاوِي وَغَيْرِهِ فَالْحَقُّ مَعَ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ ولَعَلَّ وَجْهَ حُكْمِ النَّهْيِ هُوَ سَدُّ الذَّرِيعَةِ إِلَى وُقُوعِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الرِّبَوِيِّ وَلَا يَكُونُ إِلَّا بِتَمْيِيزِهِ بِفَصْلٍ وَاخْتِيَارِ الْمُسَاوَاةِ بِالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَعَدَمِ الْكِفَايَةِ بِالظَّنِّ فِي التَّغْلِيبِ انْتَهَى 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ وَالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ) قَوْلُهُ (أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ) بِوَزْنِ فَعَيْلَةٍ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْبَرِيرِ وَهُوَ ثَمَنُ الْأَرَاكِ وقِيلَ إِنَّهَا فَعَيْلَةٌ مِنَ الْبِرِّ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَمَبْرُورَةٍ أَوْ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ كَرَحِيمَةٍ هَكَذَا وَجَّهَهُ الْقُرْطُبِيُّ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيَّرَ اسْمَ جُوَيْرِيَّةَ وَكَانَ اسْمُهَا بَرَّةَ وَقَالَ (لَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ) فَلَوْ كَانَتْ بَرِيرَةُ مِنَ الْبِرِّ لَشَارَكَتْهَا فِي ذَلِكَ وَكَانَتْ بَرِيرَةُ لِنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ وَقِيلَ لِنَاسٍ مِنْ بَنِي هِلَالٍ قَالَهُ بن عَبْدِ الْبَرِّ ويُمْكِنُ الْجَمْعُ وَكَانَتْ تَخْدُمُ عَائِشَةَ قَبْلَ أَنْ تُعْتَقَ كَمَا فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ وَعَاشَتْ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَتَفَرَّسَتْ فِي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَنَّهُ يَلِي الْخِلَافَةَ فَبَشَّرَتْهُ بِذَلِكَ ورَوَى هُوَ ذَلِكَ عَنْهَا كَذَا [1256] فِي الْفَتْحِ (اشْتَرِيهَا فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ) أَيْ لِمَنِ اشْتَرَى وَأَعْتَقَ قَالَ فِي اللَّمَعَاتِ قد

يُتَوَهَّمُ أَنَّ هَذَا مُتَضَمِّنٌ لِلْخِدَاعِ وَالتَّغْرِيرِ فَكَيْفَ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِهِ بِذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ جَهْلًا بَاطِلًا مِنْهُمْ فَلَا اعْتِذَارَ بِذَلِكَ وَأَشْكَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي الْوَلَاءَ لَهُمْ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ والْجَوَابُ أَنَّ اشْتِرَاطَهُ لَهُمْ تَسْلِيمٌ لِقَوْلِهِمْ الْبَاطِلِ بِإِرْخَاءِ الْعِنَانِ دُونَ إِثْبَاتِهِ لَهُمْ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي دَفْعِ هَذَا الْإِشْكَالِ وُجُوهًا عَدِيدَةً بِالْبَسْطِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَهُ (أَوْ لِمَنْ وَلِيَ النِّعْمَةَ) أَيْ الْمُعْتِقِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى (مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ يُكَنَّى أَبَا عَتَّابٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدَّةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ (إِذَا حُدِّثْتَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ منصور) أي بن الْمُعْتَمِرِ يَعْنِي إِذَا حَدَّثَكَ رَجُلٌ عَنْ مَنْصُورٍ (فَقَدْ مَلَأْتَ يَدَكَ مِنَ الْخَيْرِ) كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ ثِقَةً ثَبَتًا فِي الْحَدِيثِ وَكَانَ هُوَ أَثْبَتَ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَكَانَ لَا يُحَدِّثُ إِلَّا عن ثقة (لا ترد) من الإرادة (وغيره) أَيْ غَيْرَ مَنْصُورٍ (وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ (مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ يُكَنَّى أَبَا عَتَّابٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدَّةِ الْفَوْقِيَّةِ قَوْلُهُ (قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدِ) بْنِ فَرُّوخٍ التَّمِيمِيَّ الْقَطَّانُ الْبَصْرِيُّ الْحَافِظُ الْحُجَّةُ أَحَدُ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ (إِذَا حُدِّثْتَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ لِلْمُخَاطَبِ (عَنْ مَنْصُورٍ) هُوَ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ الْمَذْكُورُ قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ فِي تَرْجَمَةِ أَحَدِ الْأَعْلَامِ لَا أَحْفَظُ لَهُ شَيْئًا عَنِ الصَّحَابَةِ وَحَدَّثَ عن أبي وائل وربعي بن حراش وَإِبْرَاهِيمَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي حَازِمٍ الْأَشْجَعِيِّ وَطَبَقَتِهِمْ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَشَيْبَانُ وَسُفْيَانُ وَشُرَيْكٌ وَخَلْقٌ كَثِيرٌ وَحَكَى عَنْهُ شُعْبَةُ قَالَ ما كتبت حديثا قط وقال بن مَهْدِيٍّ لَمْ يَكُنْ بِالْكُوفَةِ أَحَدٌ أَحْفَظَ مِنْ منصور وقال أحمد العجلي كان منصورا أَثْبَتَ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ أَحَدٌ مَاتَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ انْتَهَى مُخْتَصَرًا (فَقَدْ مَلَأْتَ يَدَكَ مِنَ الْخَيْرِ لَا تُرِدْ) مِنَ الْإِرَادَةِ (غَيْرَهُ) مَقْصُودُ يَحْيَى الْقَطَّانِ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بَيَانُ كَمَالِ حِفْظِ مَنْصُورِ بن المعتمر وإتقانه في الحديث

34 - باب [1257] قَوْلُهُ (بَعَثَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ المهملة وبالزاي وهو بن أَخِي خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وُلِدَ قَبْلَ الْفِيلِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ وَوُجُوهِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَتَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ إِلَى عَامِ الْفَتْحِ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَلَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً سِتُّونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسِتُّونَ فِي الْإِسْلَامِ (يَشْتَرِي لَهُ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لِيَشْتَرِيَ لَهُ (أُضْحِيَةً) أَيْ مَا يُضَحِّي بِهِ مِنْ غَنَمٍ (وَتَصَدَّقَ بِالدِّينَارِ) جَعَلَ جَمَاعَةٌ هَذَا أَصْلًا فَقَالُوا مَنْ وَصَلَ إِلَيْهِ مَالٌ مِنْ شُبْهَةٍ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ لَهُ مستحقا فإنه يتصدق به ووجه الشبهة ها هنا أَنَّهُ لَمْ يَأْذَنْ لِحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فِي بَيْعِ الْأُضْحِيَّةِ ويَحْتَمِلُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ عَنْهُ لِلْقُرْبَةِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي الْأُضْحِيَّةِ فَكَرِهَ أَكْلَ ثَمَنِهَا قَالَهُ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ عِنْدِي مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ) فَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ انْتَهَى [1258] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الزُّبَيْرُ بْنُ خِرِّيتٍ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ واخره مثناة وثقه أحمد وبن مَعِينٍ (عَنْ أَبِي لَبِيدٍ) اسْمُهُ لِمَازَةُ بِكَسْرِ اللام وتخفيف الميم وبالزاي بن الزَّبَّارِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَتَثْقِيلِ الْمُوَحَّدَةِ وَآخِرَهُ رَاءٌ صَدُوقٌ نَاصِبِيٌّ مِنَ

الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (فَاشْتَرَيْتُ لَهُ شَاتَيْنِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ إِذَا قَالَ لَهُ الْمَالِكُ اشْتَرِ بِهَذَا الدِّينَارِ شَاةً وَوَصَفَهَا أَنْ يَشْتَرِيَ بِهَا شَاتَيْنِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْمُوَكِّلِ قَدْ حَصَلَ وَزَادَ الْوَكِيلُ خَيْرًا وَمِثْلُ هَذَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَ شَاةً بِدِرْهَمٍ فَبَاعَهَا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا بِدِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ كَمَا نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ فِي زِيَادَاتِ الرَّوْضَةِ (فَقَالَ بَارَكَ اللَّهُ فِي صَفْقَةِ يَمِينِكَ) بِفَتْحِ صَادٍ وَسُكُونِ فَاءٍ وَالْمَعْنَى بَارَكَ اللَّهُ فِي بَيْعِكَ وَتِجَارَتِكَ (فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ إِلَى كُنَاسَةِ الْكُوفَةِ) بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مَوْضِعٍ بِالْكُوفَةِ (فَيَرْبَحُ الرِّبْحَ الْعَظِيمَ إِلَخْ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْعِهِ بِالْبَرَكَةِ فَكَانَ لَوِ اشْتَرَى تُرَابًا لَرَبِحَ فِيهِ وحَدِيثُ عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وبن ماجه وفي إسناده من عند الْبُخَارِيِّ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو حَمَّادٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ لِمَازَةَ بْنِ زَبَّارٍ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ مَجْهُولٌ لَكِنَّهُ قَالَ إنه وثقه بن سعد وقال حرب سمعت أحد يُثْنِي عَلَيْهِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِنَّهُ نَاصِبِيٌّ أَجْلَدُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالنَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ لِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْهَيْنِ وقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ بن عُيَيْنَةَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ غَرْقَدٍ سَمِعْتُ الْحَيَّ يُحَدِّثُونَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ الْحَافِظُ الصَّوَابُ أَنَّهُ مُتَّصِلٌ فِي إِسْنَادِهِ مُبْهَمٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ إِلَخْ) قَالَ فِي النَّيْلِ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وقَوَّاهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ من السلف منهم علي وبن عباس وبن مسعود وبن عُمَرَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ

باب ما جاء في المكاتب

وَأَصْحَابُهُ إِنَّ الْبَيْعَ الْمَوْقُوفَ وَالشِّرَاءَ الْمَوْقُوفَ بَاطِلَانِ لِحَدِيثِ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ وأَجَابُوا عَنْ حَدِيثَيِ الْبَابِ بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْمَقَالِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فَيُمْكِنُ أَنَّهُ كَانَ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ بِقَرِينَةِ فَهْمِهَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وقال أبو حنيفة إنه بكون الْبَيْعُ الْمَوْقُوفُ صَحِيحًا دُونَ الشِّرَاءِ وَالْوَجْهُ أَنَّ الْإِخْرَاجَ عَنْ مِلْكِ الْمَالِكِ مُفْتَقِرٌ إِلَى إِذْنِهِ بِخِلَافِ الْإِدْخَالِ ويُجَابُ بِأَنَّ الْإِدْخَالَ لِلْمَبِيعِ فِي الْمِلْكِ يَسْتَلْزِمُ الْإِخْرَاجَ مِنَ الْمِلْكِ لِلثَّمَنِ ورُوِيَ عَنْ مَالِكٍ الْعَكْسُ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ قَوِيٌّ لِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُكَاتَبِ) إِذَا كَانَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي [1259] قَوْلُهُ (إِذَا أَصَابَ الْمُكَاتَبُ) أَيْ اسْتَحَقَّ (حَدًّا) أَيْ دِيَةً (أَوْ مِيرَاثًا وَرِثَ) بِفَتْحٍ فَكَسْرِ رَاءٍ مُخَفَّفٍ (بِحِسَابِ مَا عُتِقَ مِنْهُ) أَيْ بِحَسَبِهِ وَمِقْدَارِهِ والْمَعْنَى إِذَا ثَبَتَ لِلْمُكَاتَبِ دِيَةٌ أَوْ مِيرَاثٌ ثَبَتَ لَهُ مِنَ الدِّيَةِ وَالْمِيرَاثِ بِحَسَبِ مَا عُتِقَ مِنْ نِصْفِهِ كَمَا لَوْ أَدَّى نِصْفَ الْكِتَابَةِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ حُرٌّ وَلَمْ يُخَلِّفْ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يَرِثُ مِنْهُ نِصْفَ مَالِهِ أَوْ كَمَا إِذَا جُنِيَ عَلَى الْمُكَاتَبِ جِنَايَةٌ وَقَدْ أَدَّى بَعْضَ كِتَابَتِهِ فَإِنَّ الْجَانِيَ عَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى وَرَثَتِهِ بِقَدْرِ مَا أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ دِيَةَ حُرٍّ وَيَدْفَعَ إِلَى مَوْلَاهُ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ دِيَةَ عَبْدٍ مِثْلًا إِذَا كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ وَقِيمَتُهُ مِائَةٌ وَأَدَّى خَمْسَمِائَةٍ ثُمَّ قُتِلَ فَلِوَرَثَةِ الْعَبْدِ خَمْسُمِائَةٍ مِنْ أَلْفٍ نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ وَلِمَوْلَاهُ خَمْسُونَ نِصْفُ قِيمَتِهِ (يُودَى الْمُكَاتَبُ) بِضَمِّ يَاءٍ وَسُكُونِ وَاوٍ وَفَتْحِ دَالٍ مُخَفَّفَةً أَيْ يُعْطَى دِيَةَ الْمُكَاتَبِ (بِحِصَّةِ مَا أَدَّى) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ قَضَى وَوَفَّى قال القارىء وفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِحَسَبِ مَا أَدَّى أَيْ مِنَ النُّجُومِ (دِيَةَ حُرٍّ) بِالنَّصْبِ (وَمَا بَقِيَ) أَيْ وَيُعْطَى بِحِصَّةِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ النُّجُومِ (دِيَةَ عَبْدٍ) بِالنَّصْبِ قَالَ الأشرف قوله يؤدي بتخفيف الدال مجهولا من ودي يدي دية أي أعطى الدِّيَةَ وَانْتَصَبَ دِيَةُ حُرٍّ مَفْعُولًا بِهِ وَمَفْعُولُ مَا أَدَّى مِنَ النُّجُومِ مَحْذُوفٌ عَائِدٌ إِلَى الْمَوْصُولِ أَيْ بِحِصَّةِ مَا أَدَّاهُ مِنَ النُّجُومِ يُعْطَى دِيَةَ حُرٍّ وَبِحِصَّةِ مَا بَقِيَ دِيَةَ عَبْدٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ الترمذي وأبو داود وبن ماجه قوله (حديث

بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُكَاتَبَ يَعْتِقُ بِقَدْرِ مَا يُؤَدِّيهِ مِنَ النَّجْمِ وكَذَا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَحْدَهُ وَمَعَ مَا فِيهِ مِنَ الطَّعْنِ مُعَارَضٌ بِحَدِيثَيْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قال القارىء يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَهُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ تَقْوِيَةً لِقَوْلِ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ يَعْتِقُ عِتْقًا مَوْقُوفًا عَلَى تَكْمِيلِ تَأْدِيَةِ النُّجُومِ لا سيما على القول بجواز تجزي الْعِتْقِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ [1260] قَوْلُهُ (عَلَى مِائَةِ أُوقِيَّةٍ) بِضَمِّ هَمْزَةٍ وَتَخْفِيفِ تَحْتِيَّةٍ وَقَدْ تُشَدَّدُ وَهِيَ اسْمٌ لِأَرْبَعَيْنِ دِرْهَمًا (فَأَدَّاهَا) أَيْ فَقَضَى الْمِائَةَ وَدَفَعَهَا (إِلَّا عَشْرَةَ أَوَاقٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَنْوِينِ الْقَافِ جَمْعُ أُوقِيَّةٍ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ عَشْرُ أَوَاقٍ بِغَيْرِ التَّاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (ثُمَّ عَجَزَ) أَيْ عَنْ أَدَاءِ نُجُومِ الْكِتَابَةِ (فَهُوَ) أي فعبده المكاتب العاجز قال بن الْمَلِكِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ أَدَاءِ الْبَعْضِ كَعَجْزِهِ عَنِ الْكُلِّ فَلِلسَّيِّدِ فَسْخُ كِتَابَتِهِ فَيَكُونُ رَقِيقًا كَمَا كَانَ وَيَدُلُّ مَفْهُومُ قَوْلِهِ فَهُوَ رَقِيقٌ عَلَى أَنَّ مَا أَدَّاهُ يَصِيرُ لِسَيِّدِهِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ انْتَهَى وقَالَ فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَمْ أَجِدْ أَحَدًا رَوَى هَذَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَمْرًا وَلَمْ أَرَ مَنْ رَضِيتُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُثْبِتُهُ وعَلَى هَذَا فُتْيَا الْمُفْتِينَ انْتَهَى قُلْتُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ قَالَ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا

باب ما جاء إذا أفلس للرجل غريم فيجد عنده متاعه

بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ مُكَاتَبَتِهِ دِرْهَمٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالثَّلَاثَةِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ انْتَهَى وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وفِيهِ مَقَالٌ [1261] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَخْ) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ هَذَا بَابٌ مِنْهُ (عَنْ نَبْهَانَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ زَادَ أَبُو دَاوُدَ مُكَاتَبِ أُمِّ سَلَمَةَ (فَلْتَحْتَجِبْ) أَيْ إِحْدَاكُنَّ وَهِيَ سَيِّدَتُهُ (مِنْهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ فَإِنَّ مِلْكَهُ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ وَمَا قَارَبَ الشَّيْءَ يُعْطَى حُكْمَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بعد ذكره أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى التَّوَرُّعِ إِلَخْ) قَالَ الْقَاضِي هَذَا أَمْرٌ مَحْمُولٌ عَلَى التَّوَرُّعِ وَالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يُعْتَقَ بِالْأَدَاءِ لَا أَنَّهُ يُعْتَقُ بِمُجَرَّدِ أَنْ يَكُونَ وَاجِدًا لِلنَّجْمِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ مَا لَمْ يُؤَدِّ الْجَمِيعَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ ولَعَلَّهُ قَصَدَ بِهِ مَنْعَ الْمُكَاتَبِ عَنْ تَأْخِيرِ الْأَدَاءِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لِيَسْتَبِيحَ بِهِ النَّظَرَ إِلَى السَّيِّدَةِ وَسَدَّ هَذَا الْبَابِ عَلَيْهِ انْتَهَى 6 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا أَفْلَسَ لِلرَّجُلِ غَرِيمٌ فَيَجِدُ عِنْدَهُ مَتَاعَهُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَفْلَسَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَبْقَ لَهُ مَالٌ ومَعْنَاهُ صَارَتْ دَرَاهِمُهُ فُلُوسًا وقِيلَ صَارَ إِلَى حَالٍ يُقَالُ لَيْسَ مَعَهُ فَلْسٌ وقَدْ أَفْلَسَ يُفْلِسُ إِفْلَاسًا فَهُوَ مُفْلِسٌ وَفَلَّسَهُ الْحَاكِمُ تَفْلِيسًا انْتَهَى وَالْغَرِيمُ الْمَدْيُونُ [1262] (وَوَجَدَ رَجُلٌ سِلْعَتَهُ عِنْدَهُ بِعَيْنِهَا) أَيْ بِذَاتِهَا بِأَنْ تَكُونَ غَيْرَ هَالِكَةٍ حِسًّا أَوْ مَعْنًى بِالتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ (فَهُوَ) أَيْ الرَّجُلُ (أَوْلَى بِهَا) أَيْ أَحَقُّ بِسِلْعَتِهِ (مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ مِنَ

الْغُرَمَاءِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سُمْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْهُ وفِي سَمَاعِهِ مِنْهُ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ لكنه يشهد لصحته حديث الباب (وبن عمر) أخرجه بن حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَهُ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا إِذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ وَوَجَدَ الْبَائِعُ عَيْنَ مَالِهِ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَأْخُذَ عَيْنَ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَ بَعْضَ الثَّمَنِ وَأَفْلَسَ بِالْبَاقِي أَخَذَ مِنْ مَالِهِ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنَ الثَّمَنِ كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَضَى بِهِ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا نَعْلَمُ لَهُمَا مُخَالِفًا مِنَ الصَّحَابَةِ وبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ انْتَهَى قُلْتُ وَهُوَ الْحَقُّ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ هُوَ مُسَاوٍ لَهُمْ وَكَوَاحِدٍ مِنْهُمْ يَأْخُذُ مِثْلَ مَا يَأْخُذُونَ وَيُحْرَمُ عما يُحْرَمُونَ (وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمَتَاعِ لَيْسَ بِأَحَقَّ لَا فِي الْمَوْتِ وَلَا فِي الْحَيَاةِ لِأَنَّ المتاع بعد ما قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي صَارَ مِلْكًا خَالِصًا لَهُ وَالْبَائِعُ صَارَ أَجْنَبِيًّا مِنْهُ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ فَالْغُرَمَاءُ شُرَكَاءُ الْبَائِعِ فِيهِ فِي كِلْتَا الصُّورَتَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ فَالْبَائِعُ أَحَقُّ لِاخْتِصَاصِهِ بِهِ وَهَذَا مَعْنًى وَاضِحٌ لَوْلَا وُرُودُ النَّصِّ بِالْفَرْقِ وَسَلَفُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلِيٌّ فَإِنَّ قَتَادَةَ رَوَى عَنْ خَلَّاسِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ هُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ إِذَا وَجَدَهَا بِعَيْنِهَا وأَحَادِيثُ خَلَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ ضَعِيفَةٌ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُرَدُّ إِلَّا الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ولا عبرة الرأي بعد ورود نصة كذا حققه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالزُّرْقَانِيُّ انْتَهَى واعْلَمْ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَدِ اعْتَذَرُوا عَنِ الْعَمَلِ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ بِاعْتِذَارَاتٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ فَمِنْهَا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلْأُصُولِ وَفَسَادُ هَذَا الِاعْتِذَارِ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْأُصُولِ فَلَا يُتْرَكُ الْعَمَلُ بِهَا إِلَّا لِمَا هُوَ أَنْهَضُ مِنْهَا ومِنْهَا أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمَتَاعُ وَدِيعَةً أَوْ عَارِيَةً أَوْ لُقَطَةً وَفَسَادُ هَذَا الِاعْتِذَارِ أَيْضًا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُقَيَّدْ بِالْإِفْلَاسِ وَلَا جُعِلَ أَحَقَّ بِهَا لِمَا تَقْتَضِيهِ صِيغَةُ أَفْعَلَ مِنَ الِاشْتِرَاكِ ويَرُدُّ هَذَا الِاعْتِذَارَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ أَنَّهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي بَاعَهُ وفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ الْبَائِعُ سِلْعَتَهُ وكَذَلِكَ وَقَعَ فِي عِدَّةِ رِوَايَاتٍ مَا يَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى أَنَّهَا وَارِدَةٌ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ الْحَدِيثَ وَارِدٌ فِي صُورَةِ

باب ما جاء في النهي للمسلم أن يدفع إلى الذمي

الْبَيْعِ وَيُلْتَحَقُ بِهِ الْقَرْضُ وَسَائِرُ مَا ذُكِرَ يَعْنِي مِنَ الْعَارِيَةِ وَالْوَدِيعَةِ بِالْأَوْلَى ومِنْهَا أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا أَفْلَسَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ السِّلْعَةَ ويَرُدُّ هَذَا الِاعْتِذَارَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ مُفْلِسٍ وفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ رَجُلٍ وفِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ ثُمَّ أَفْلَسَ وهِيَ عِنْدَهُ إِذَا فلس الرَّجُلُ وَعِنْدَهُ مَتَاعٌ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى الذِّمِّيِّ) الْخَمْرَ يَبِيعُهَا لَهُ [1263] قَوْلُهُ (فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ) أَيْ الْآيَةُ الَّتِي فِيهَا تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ والميسر الْآيَتَيْنِ (عَنْهُ) أَيْ عَنِ الْخَمْرِ الَّتِي عِنْدِي لِلْيَتِيمِ وَالْخَمْرُ قَدْ يُذَكَرُ أَوْ بِتَأْوِيلِ الشَّرَابِ (فَقَالَ أَهْرِيقُوهُ) أَيْ صُبُّوهُ وَالْأَصْلُ أَرِيقُوهُ مِنَ الْإِرَاقَةِ وَقَدْ تُبَدَّلُ الْهَمْزَةُ بِالْهَاءِ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ بِالْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ مَعًا كَمَا وَقَعَ هُنَا وَهُوَ نَادِرٌ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ لَا تُمْلَكُ وَلَا تُحْبَسُ بَلْ تَجِبُ إِرَاقَتُهَا فِي الْحَالِ ولَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الِانْتِفَاعُ بِهَا إِلَّا بِالْإِرَاقَةِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا قَالَ لَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَقَالَ بِهَذَا بَعْضُ أهل العلم وكرهو أَنْ يُتَّخَذَ الْخَمْرُ خَلًّا إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ تَحْتَ حَدِيثِ أَنَسٍ فِي هَذَا بَيَانٌ وَاضِحٌ أَنَّ مُعَالَجَةَ الْخَمْرِ حَتَّى تَصِيرَ خَلًّا غَيْرُ جَائِزٍ ولَوْ كَانَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ لَكَانَ مَالُ الْيَتِيمِ أَوْلَى الْأَمْوَالِ بِهِ لِمَا يَجِبُ مِنْ حِفْظِهِ وَتَثْمِيرِهِ وَالْحَيْطَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ فَعُلِمَ أَنَّ مُعَالَجَتَهُ لَا تُطَهِّرُهُ وَلَا تَرُدُّهُ إِلَى الْمَالِيَّةِ بِحَالٍ انْتَهَى وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْلِيلُ الْخَمْرِ وَلَا تَطْهُرُ بِالتَّخْلِيلِ هَذَا إِذَا خَلَّلَهَا بِوَضْعِ شَيْءٍ فِيهَا أَمَّا إِذَا كَانَ التَّخْلِيلُ بِالنَّقْلِ مِنَ الشَّمْسِ إِلَى الظِّلِّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَأَصَحُّ وَجْهٍ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تَحِلُّ وَتَطْهُرُ وقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَطْهُرُ إِذَا خللت

بِإِلْقَاءِ شَيْءٍ فِيهَا قُلْتُ وَالْحَقُّ أَنَّ تَخْلِيلَ الْخَمْرِ لَيْسَ بِجَائِزٍ لِحَدِيثِ الْبَابِ وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ وَمَنْ قَالَ بِالْجَوَازِ فَلَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ (وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي خَلِّ الْخَمْرِ إِذَا وُجِدَ قَدْ صَارَ خَلًّا) أَيْ مِنْ غَيْرِ مُعَالَجَةٍ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ تَحْتَ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيهِ حُرْمَةُ التَّخْلِيلِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ يَطْهُرُ بِالتَّخْلِيلِ وعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا عَنْهُ أَنَّ التَّخْلِيلَ حَرَامٌ فَلَوْ خَلَّلَهَا عَصَى وَطَهُرَتْ والشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا أُلْقِيَ فِيهِ شَيْءٌ لِلتَّخَلُّلِ لَمْ يَطْهُرْ أَبَدًا وأَمَّا بِالنَّقْلِ إِلَى الشَّمْسِ مَثَلًا فَلِلشَّافِعِيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَطْهِيرُهُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ تَخْلِيلَ الْخَمْرِ أَنَّ الْقَوْمَ كَانَتْ نُفُوسُهُمْ أَلِفَتْ بِالْخَمْرِ وَكُلُّ مَأْلُوفٍ تَمِيلُ إِلَيْهِ النَّفْسُ فَخَشِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دَوَاخِلِ الشَّيْطَانِ فَنَهَاهُمْ عَنِ اقْتِرَانِهِمْ نهى تنزيه كيلا يُتَّخَذَ التَّخْلِيلُ وَسِيلَةً إِلَيْهَا وأَمَّا بَعْدَ طُولِ عَهْدِ التَّحْرِيمِ فَلَا يُخْشَى هَذِهِ الدَّوَاخِلُ وَيُؤَيِّدُهُ خَبَرُ نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ وَخَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ اللَّائِقَ بِمَنْصِبِ الشَّارِعِ لا بيان اللغة انتهى كلام القارىء قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ خَيْرُ خَلِّكُمْ خَلُّ خَمْرِكُمْ مَا لَفْظُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَ خَلَّ الْعِنَبِ خَلَّ الْخَمْرِ قَالَ وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا تَخَلَّلَ بِنَفْسِهِ وعَلَيْهِ يُحْمَلُ حَدِيثُ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ فَرَجِ بْنِ فَضَالَةَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا فِي الشَّاةِ أَنَّ دِبَاغَهَا يَحِلُّ كَمَا يَحِلُّ خَلُّ الْخَمْرِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ وَيُعَارِضُ ظَاهِرُهُ حَدِيثَ أَنَسٍ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ أَتُتَّخَذُ خَلًّا قَالَ لَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْهُ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ أَفَلَا نَجْعَلُهَا خَلًّا قَالَ لَا انْتَهَى وأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ وأَمَّا حَدِيثُ نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ فَالْمُرَادُ بِالْخَلِّ الْخَلُّ الَّذِي لَمْ يُتَّخَذْ مِنَ الْخَمْرِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ تَعَالَى أعلم 8 - باب [1264] قوله (حدثنا طلق بن الغنام) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدَّةِ النُّونِ النَّخَعِيُّ أَبُو محمد الكوفي

ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمِ بن حُصَيْنٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَوْلُهُ (أَدِّ الْأَمَانَةَ) هِيَ كُلُّ شَيْءٍ لَزِمَكَ أَدَاؤُهُ والْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أهلها (إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ) أَيْ عَلَيْهَا (وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ) أَيْ لَا تُعَامِلْهُ بِمُعَامَلَتِهِ وَلَا تُقَابِلْ خِيَانَتَهُ بِخِيَانَتِكَ قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجَازَي بِالْإِسَاءَةِ مَنْ أَسَاءَ وحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ عَلَى الْجَوَازِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِمَسْأَلَةِ الظَّفَرِ وفِيهَا أَقْوَالٌ لِلْعُلَمَاءِ هَذَا الْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ وَسَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا أُخِذَ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ والثَّانِي يَجُوزُ إِذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ مَا أُخِذَ عَلَيْهِ لَا مِنْ غَيْرِهِ لِظَاهِرِ قوله (بمثل ما عوقبتم به) وَقَوْلِهِ مِثْلُهَا وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ والثَّالِثُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ إِلَّا لِحُكْمِ الْحَاكِمِ لِظَاهِرِ النَّهْيِ فِي الْحَدِيثِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بينكم بالباطل وَأُجِيبَ أَنَّهُ لَيْسَ أَكْلًا بِالْبَاطِلِ والْحَدِيثُ يُحْمَلُ فِيهِ النَّهْيُ عَلَى النَّدْبِ الرَّابِعُ لِابْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بِقَدْرِ حَقِّهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ نَوْعِ مَا هُوَ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَيَبِيعُ وَيَسْتَوفِي حَقَّهُ فَإِنْ فَضَلَ عَلَى مَا هُوَ لَهُ رَدَّهُ لَهُ أَوْ لِوَرَثَتِهِ وإِنْ نَقَصَ بَقِيَ فِي ذِمَّةِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَنْ يُحَلِّلَهُ أَوْ يُبَرِّئَهُ فَهُوَ مَأْجُورٌ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ الَّذِي لَهُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَظَفَرَ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ مَنْ عِنْدَهُ لَهُ الْحَقُّ أَخَذَهُ فَإِنْ طُولِبَ أَنْكَرَ فَإِنِ اسْتُحْلِفَ حَلَفَ وَهُوَ مَأْجُورٌ فِي ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمَا وَكَذَلِكَ عِنْدَنَا كُلُّ مَنْ ظَفَرَ لِظَالِمٍ بِمَالٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَخْذُهُ وَإِنْصَافُ الْمَظْلُومِ مِنْهُ وَاسْتُدِلَّ بِالْآيَتَيْنِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عليهم من سبيل وبقوله تعالى والحرمات قصاص وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى مَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بمثل ما اعتدى عليكم وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِهِنْدٍ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوُلْدَكِ بِالْمَعْرُوفِ وَبِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ وَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ وَاسْتَدَلَّ لِكَوْنِهِ إِذَا لَمْ يَفْعَلْ عَاصِيًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَتَعَاوَنُوا عَلَى البر والتقوى الْآيَةِ وبِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رَأَى مُنْكَرًا الْحَدِيثِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ طَلْقِ بْنِ غَنَّامٍ عَنْ شَرِيكٍ وَقَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ وَكُلُّهُمْ ضَعِيفٌ قَالَ وَلَئِنْ صَحَّ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ انْتِصَافُ الْمَرْءِ مِنْ حَقِّهِ خِيَانَةً بَلْ هُوَ حَقٌّ وَاجِبٌ وَإِنْكَارُ مُنْكَرٍ انْتَهَى مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قال بن الْقَطَّانِ وَالْمَانِعُ مِنْ تَصْحِيحِهِ أَنَّ شَرِيكًا وَقَيْسَ بْنَ الرَّبِيعِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا انْتَهَى

باب ما جاء أن العارية مؤداة

وَقَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَاسْتَنْكَرَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ انْتَهَى وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كعب عند بن الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ وفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ وأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارَقُطْنِيُّ وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ وعَنْ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيِّ وفِي إِسْنَادِهِ مَجْهُولٌ آخَرُ غَيْرُ الصَّحَابِيِّ لِأَنَّ يُوسُفَ بْنَ مَاهِكٍ رَوَاهُ عَنْ فُلَانٍ عَنْ آخر وقد صححه بن السَّكَنِ وَعَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ قَالَ الشافعي هذا الحديث ليس بثابت وقال بن الْجَوْزِيِّ لَا يَصِحُّ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ وقَالَ أَحْمَدُ هَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَعْرِفُهُ مِنْ وَجْهٍ يَصِحُّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَا يَخْفَى أَنَّ وُرُودَهُ بِهَذِهِ الطُّرُقِ الْمُتَعَدِّدَةِ مَعَ تَصْحِيحِ إِمَامَيْنِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَبَرِينَ لِبَعْضِهَا وَتَحْسِينِ إِمَامٍ ثَالِثٍ مِنْهُمْ مِمَّا يَصِيرُ بِهِ الْحَدِيثُ مُنْتَهِضًا لِلِاحْتِجَاجِ انتهى 9 - (باب ما جاء أَنَّ الْعَارِيَةَ مُؤَدَّاةٌ) [1265] قَوْلُهُ (الْعَارِيَةُ مُؤَدَّاةٌ) قَالَ التوربشتي أي تؤدى إلى صاحبها واختلفوا في تَأْوِيلِهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الضَّمَانِ فَالْقَائِلُ بِالضَّمَانِ يَقُولُ تُؤَدَّى عَيْنًا حَالَ الْقِيَامِ وَقِيمَةً عِنْدَ التَّلَفِ وَفَائِدَةُ التَّأْدِيَةِ عِنْدَ مَنْ يَرَى خلافه إلزام المستعير مؤنة ردها إلى مالكها كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَالزَّعِيمُ) أَيْ الْكَفِيلُ (غَارِمٌ) قال في النهاية الغارم الذي يلتزم مَا ضَمِنَهُ وَتَكَفَّلَ بِهِ وَيُؤَدِّيهِ وَالْغُرْمُ أَدَاءُ شَيْءٍ لَازِمٍ وَقَدْ غَرِمَ يَغْرَمُ غُرْمًا انْتَهَى والْمَعْنَى أَنَّهُ ضَامِنٌ وَمَنْ ضَمِنَ دَيْنًا لَزِمَهُ أداؤه (والدين مقضى) أي يجب قضاؤه قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ سَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وأبو داود وبن ماجه

(وَصَفْوَانِ بْنِ أُمَيَّةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فِي الْكَفَالَةِ بِإِسْنَادِهِ ومتنه وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِيهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ رِوَايَةُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ مِنَ الشَّامِيِّينَ جَيِّدَةٌ وَشُرَحْبِيلُ مِنْ ثِقَاتِ الشَّامِيِّينَ قَالَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ ووثقه أيضا العجلي وبن حبان وضعفه بن مَعِينٍ انْتَهَى والْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْوَصَايَا مُطَوَّلًا [1266] قَوْلُهُ (عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ) أَيْ يَجِبُ عَلَى الْيَدِ رَدُّ مَا أَخَذَتْهُ قَالَ الطيبي ما موصولة مبتدأ وعلى الْيَدِ خَبَرُهُ وَالرَّابِعُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَا أَخَذَتْهُ الْيَدُ ضَمَانٌ عَلَى صَاحِبِهَا والْإِسْنَادُ إِلَى الْيَدِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمُتَصَرِّفَةُ (حَتَّى تُؤَدِّيَ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ الْمُؤَنَّثِ وَالضَّمِيرُ إِلَى الْيَدِ أَيْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ إِلَى مَالِكِهِ فَيَجِبُ رَدُّهُ فِي الْغَصْبِ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْهُ وفِي الْعَارِيَةِ إِنْ عَيَّنَ مُدَّةً رَدَّهُ إِذَا انْقَضَتْ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْ مَالِكُهَا وفِي الْوَدِيعَةِ لَا يَلْزَمُ إِلَّا إذا طلب المالك ذكره بن الملك قال القارىء وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ يَعْنِي مَنْ أَخَذَ مَالَ أحد بغضب أَوْ عَارِيَةٍ أَوْ وَدِيعَةٍ لَزِمَ رَدُّهُ انْتَهَى (قَالَ قَتَادَةُ ثُمَّ نَسِيَ الْحَسَنُ) أَيْ الْحَدِيثَ (فَقَالَ) أَيْ الْحَسَنُ (هُوَ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ) لَا يَلْزَمُ مِنْ قَوْلِ الْحَسَنِ إِنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ أَنَّهُ نَسِيَ الْحَدِيثَ كَمَا سَتَعْرِفُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وسَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْوَدِيعَ وَالْمُسْتَعِيرَ ضَامِنَانِ وَهُوَ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى التَّضْمِينِ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ إِذَا كَانَ عَلَى الْيَدِ الْآخِذَةِ حَتَّى تَرُدَّهُ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ فِي ضَمَانِهَا كَمَا يُشْعِرُ لَفْظُ عَلَى مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ مَأْخُوذٍ وَمَأَخُوذٍ وقَالَ الْمُقْبِلِيُّ فِي الْمَنَارِ يَحْتَجُّونَ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي مَوَاضِعَ عَلَى التَّضْمِينِ ولَا أَرَاهُ صَرِيحًا لِأَنَّ الْيَدَ الْأَمِينَةَ أَيْضًا عَلَيْهَا مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ وَإِلَّا فَلَيْسَتْ بِأَمِينَةٍ إِنَّمَا كَلَامُنَا هَلْ يَضْمَنُهَا لَوْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَلَيْسَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْمَضْمُونِ وَغَيْرِ الْمَضْمُونِ إِلَّا هذا وأما الحفظ فمشرك وَهُوَ الَّذِي تُفِيدُهُ عَلَى فِعْلِ هَذَا لَمْ يَنْسَ الْحَسَنُ كَمَا زَعَمَ قَتَادَةُ حِينَ قَالَ هُوَ أَمِينُكَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بَعْدَ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ انْتَهَى قَالَ

الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْمُقْبِلِيِّ هَذَا وَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ مَا فِي هَذَا الْكَلَامِ مِنْ قِلَّةِ الْجَدْوَى وَعَدَمِ الْفَائِدَةِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْيَدَ الْأَمِينَةَ عَلَيْهَا مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّ وَإِلَّا فَلَيْسَتْ بِأَمِينَةٍ يَقْتَضِي الْمُلَازَمَةَ بَيْنَ عَدَمِ الرَّدِّ وَعَدَمِ الْأَمَانَةِ فَيَكُونُ تَلَفُ الْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَةِ بِأَيِّ وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ قَبْلَ الرَّدِّ مُقْتَضِيًا لِخُرُوجِ الْأَمِينِ عَنْ كَوْنِهِ أَمِينًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ التَّلَفُ بِخِيَانَةٍ أَوْ جِنَايَةٍ وَلَا نِزَاعَ فِي أَنَّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ إِنَّمَا النِّزَاعُ فِي تَلَفٍ لَا يَصِيرُ بِهِ الْأَمِينُ خَارِجًا عَنْ كَوْنِهِ أَمِينًا كَالتَّلَفِ بِأَمْرٍ لَا يُطَاقُ دَفْعُهُ أَوْ بِسَبَبِ سَهْوٍ أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ ضَيَاعٍ بِلَا تَفْرِيطٍ فَإِنَّهُ يُوجَدُ التَّلَفُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مَعَ بَقَاءِ الْأَمَانَةِ وظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي الضَّمَانَ وَقَدْ عَارَضَهُ مَا أَسْلَفْنَا ثُمَّ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ كَلَامَ صَاحِبِ ضَوْءِ النَّهَارِ ثُمَّ تَعَقَّبَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا مُخَالَفَةُ رَأْيِ الْحَسَنِ لِرِوَايَتِهِ فَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْعَمَلَ بِالرِّوَايَةِ لَا بِالرَّأْيِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالُوا يَضْمَنُ صَاحِبُ الْعَارِيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) قَالَ فِي النَّيْلِ قال بن عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَزَاهُ صَاحِبُ الْفَتْحِ إِلَى الْجُمْهُورِ أَنَّهَا إِذَا تَلِفَتْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ ضَمِنَهَا إِلَّا فِيمَا إِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ سَمُرَةَ الْمَذْكُورِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَمْرَ بِتَأْدِيَةِ الْأَمَانَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ ضَمَانَهَا إِذَا تَلِفَتْ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَغَيْرِهِمْ لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْعَارِيَةِ ضَمَانٌ إِلَّا أَنْ يُخَالِفَ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ (إِسْحَاقُ) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ بِلَفْظِ لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ ولَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ وَقَالَ إِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ شُرَيْحٍ غَيْرَ مَرْفُوعٍ قَالَ الْحَافِظُ وفِي إِسْنَادِهِ ضَعِيفَانِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ لَا ضَمَانَ عَلَى مُؤْتَمَنٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَانَ أَمِينًا عَلَى عَيْنٍ مِنَ الْأَعْيَانِ كَالْوَدِيعِ وَالْمُسْتَعِيرِ أَمَّا الْوَدِيعُ فَلَا يَضْمَنُ قِيلَ إِجْمَاعًا إِلَّا لِجِنَايَةٍ مِنْهُ عَلَى الْعَيْنِ وَالْوَجْهِ فِي تَضْمِينِهِ بِالْجِنَايَةِ أَنَّهُ صَارَ بِهَا خَائِنًا والْخَائِنُ ضَامِنٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ وَالْمُغِلُّ هُوَ الْخَائِنُ وَهَكَذَا يَضْمَنُ الْوَدِيعُ إِذَا وَقَعَ مِنْهُ تَعَدٍّ فِي حِفْظِ الْعَيْنِ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْخِيَانَةِ وَأَمَّا الْعَارِيَةُ فَقَدْ ذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ إِذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَعَدٍّ انْتَهَى

باب ما جاء في الاحتكار

(بَاب مَا جَاءَ فِي الِاحْتِكَارِ) قَالَ الْحَافِظُ الِاحْتِكَارُ الشَّرْعِيُّ إِمْسَاكُ الطَّعَامِ عَنِ الْبَيْعِ وَانْتِظَارُ الْغَلَاءِ مَعَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ وَحَاجَةُ النَّاسِ إِلَيْهِ وبِهَذَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وعَنْ أَحْمَدَ إِنَّمَا يَحْرُمُ احْتِكَارُ الطَّعَامِ الْمُقْتَاتِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ انتهى [1267] قوله (لا يحتكر إلا خاطىء) بِالْهَمْزِ أَيْ عَاصٍ آثِمٌ ورَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ من احتكر فهو خاطىء قَالَ النَّوَوِيُّ الِاحْتِكَارُ الْمُحَرَّمُ هُوَ فِي الْأَقْوَاتِ خَاصَّةً بِأَنْ يَشْتَرِيَ الطَّعَامَ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ وَلَا يَبِيعَهُ فِي الْحَالِ بَلِ ادَّخَرَهُ لِيَغْلُوَ فَأَمَّا إِذَا جَاءَ مِنْ قَرْيَةٍ أَوِ اشْتَرَاهُ فِي وَقْتِ الرُّخْصِ وَادَّخَرَهُ وَبَاعَهُ فِي وَقْتِ الْغَلَاءِ فَلَيْسَ بِاحْتِكَارٍ وَلَا تَحْرِيمَ فِيهِ وَأَمَّا غَيْرُ الْأَقْوَاتِ فَلَا يَحْرُمُ الِاحْتِكَارُ فِيهِ بِكُلِّ حَالٍ انْتَهَى واسْتَدَلَّ مَالِكٌ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الِاحْتِكَارَ حَرَامٌ مِنَ الْمَطْعُومِ وَغَيْرِهِ ذَكَرَهُ بن الْمَلِكِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (فَقُلْتُ) قَائِلُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (لِسَعِيدٍ) أي بن الْمُسَيِّبِ (يَا أَبَا مُحَمَّدٍ) كُنْيَةُ سَعِيدِ بْنِ المسيب (إنك تحتكر قال ومعمر) أي بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَضَالَةَ (قَدْ كَانَ يَحْتَكِرُ) أَيْ فِي غَيْرِ الْأَقْوَاتِ (وَالْخَبَطَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْوَرَقُ السَّاقِطُ أَيْ عَلَفُ الدَّوَابِّ (وَنَحْوَ هَذَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْأَقْوَاتِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَآخَرُونَ إِنَّمَا كَانَا يَحْتَكِرَانِ الزَّيْتَ وحَمَلَا الْحَدِيثَ عَلَى احْتِكَارِ الْقُوتِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وكَذَلِكَ حَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) مَرْفُوعًا مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامَ والإفلاس أخرجه بن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وعَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْجَالِبُ مَرْزُوقٌ وَالْمُحْتَكِرُ مَلْعُونٌ أخرجه بن مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ (وَعَلِيٍّ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ (وَأَبِي أُمَامَةَ) مَرْفُوعًا مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يَكُنْ له كفارة أخرجه رزين (وبن عُمَرَ) مَرْفُوعًا مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنَ اللَّهِ وَبَرِئَ مِنْهُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وفِي الْبَابِ

باب ما جاء في بيع المحفلات

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنِ احْتَكَرَ حُكْرَةً يُرِيدُ أَنْ يُغَالِيَ بِهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ خاطىء أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ وَسَكَتَ عَنْهُ وعَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا مَنِ احْتَكَرَ طَعَامًا عَلَى أُمَّتِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَتَصَدَّقَ بِهِ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ أخرجه بن عَسَاكِرَ قَوْلُهُ (وَرَخَّصَ بَعْضُهُمْ فِي الِاحْتِكَارِ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ) وَاحْتَجُّوا بِالرِّوَايَاتِ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الطَّعَامِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ الِاحْتِكَارَ مُحَرَّمٌ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ قُوتِ الْآدَمِيِّ وَالدَّوَابِّ وَبَيْنَ غَيْرِهِ والتَّصْرِيحُ بِلَفْظِ الطَّعَامِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا يَصْلُحُ لِتَقْيِيدِ بَاقِي الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ بَلْ هُوَ مِنَ التَّنْصِيصِ عَلَى فَرْدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ الَّتِي يُطْلَقُ عَلَيْهَا الْمُطْلَقُ وَذَلِكَ لِأَنَّ نَفْيَ الْحُكْمِ عَنْ غَيْرِ الطَّعَامِ إِنَّمَا هُوَ لِمَفْهُومِ اللَّقَبِ وَهُوَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لِلتَّقْيِيدِ عَلَى مَا تقرر في الأصول قوله (قال بن الْمُبَارَكِ لَا بَأْسَ بِالِاحْتِكَارِ بِالْقُطْنِ وَالسِّخْتِيَانِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ السِّخْتِيَانُ وَيُفْتَحُ جِلْدُ الْمَاعِزِ إِذَا دُبِغَ مُعَرَّبٌ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْمُحَفَّلَاتِ) الْمُحَفَّلَةُ هِيَ الْمُصَرَّاةُ وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ تَفْسِيرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ سميت بذلك لأن اللبن بكثر فِي ضَرْعِهَا وَكُلُّ شَيْءٍ كَثَّرْتَهُ فَقَدْ حَفَّلْتَهُ تَقُولُ ضَرْعٌ حَافِلٌ أَيْ عَظِيمٌ واحْتَفَلَ الْقَوْمُ إِذَا كَثُرَ جَمْعُهُمْ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْمَحْفِلُ [1268] قَوْلُهُ (لَا تَسْتَقْبِلُوا السُّوقَ) الْمُرَادُ مِنَ السُّوقِ الْعِيرُ أَيْ لَا تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فِي حَدِيثِ الْجُمُعَةِ إِذَا جَاءَتْ سَوِيقَةٌ أَيْ تِجَارَةٌ وَهِيَ مُصَغَّرُ السُّوقِ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّ التِّجَارَةَ تُجْلَبُ إِلَيْهَا وَالْمَبِيعَاتُ تُسَاقُ نَحْوَهَا وَالْمُرَادُ الْعِيرُ انْتَهَى (وَلَا تُحَفِّلُوا) مِنَ التَّحْفِيلِ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ بِمَعْنَى التَّجْمِيعِ والْمَعْنَى لَا تَتْرُكُوا حَلْبَ النَّاقَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ الشَّاةِ لِيَجْتَمِعَ وَيَكْثُرَ لبنها في ضرعها فيعتز بِهِ الْمُشْتَرِي (وَلَا يُنَفِّقْ) بِصِيغَةِ النَّهْيِ مِنَ التَّنْفِيقِ وَهُوَ مِنَ النَّفَاقِ ضِدِّ الْكَسَادِ قَالَ نَفَقَتِ السِّلْعَةُ فَهِيَ نَافِقَةٌ وَأَنْفَقْتَهَا وَنَفَّقْتَهَا إِذَا جعلتها نَافِقَةً (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ لَا يَقْصِدْ أَنْ يُنَفِّقَ سِلْعَتَهُ عَلَى جِهَةِ النَّجْشِ فَإِنَّهُ بِزِيَادَتِهِ فِيهَا يَرْغَبُ السَّامِعُ فَيَكُونُ قوله

باب ما جاء في اليمين الفاجرة يقتطع بها مال المسلم

سَبَبًا لِابْتِيَاعِهَا وَمُنَفِّقًا لَهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الباب عن بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ بِلَفْظِ قَالَ مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مَرْفُوعًا وَذَكَرَ أَنَّ رَفْعَهُ غَلَطٌ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ الْكُوفِيُّ أَبُو الْمُغِيرَةِ صَدُوقٌ وَرِوَايَتُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ خَاصَّةٌ مُضْطَرِبَةٌ وَقَدْ تَغَيَّرَ بِآخِرِهِ فَكَانَ رُبَّمَا يُلَقَّنُ انْتَهَى فَتَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ لِوُرُودِهِ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى صَحِيحَةٍ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ يُقْتَطَعُ بِهَا مَالُ الْمُسْلِمِ) [1269] قَوْلُهُ (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ) الْمُرَادُ بِالْيَمِينِ الْمَالُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ (وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ) أَيْ كَاذِبٌ (لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) قَالَ الْحَافِظُ يَقْتَطِعُ يَفْتَعِلُ مِنَ الْقَطْعِ كَأَنَّهُ قَطَعَهُ عَنْ صَاحِبِهِ أَوْ أَخَذَ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ بِالْحَلِفِ الْمَذْكُورِ (لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ) فِي حديث وائل بن حُجْرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ وفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الجنة (فقال الأشعث) هو بن قَيْسٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَنَدِيُّ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْكُوفَةَ (فِيَّ وَاللَّهِ لَقَدْ كَانَ ذَلِكَ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ إِلَخْ) وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مال امرئ

باب ما جاء إذا اختلف البيعان

مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قليلا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَدَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ مَا حَدَّثَكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ كُنْيَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالُوا كَذَا وَكَذَا فَقَالَ فِيَّ أُنْزِلَتْ إِلَخْ (إِذَنْ يَحْلِفَ) بالنصب قال السهيلي لا غير وحكى بن خَرُوفٍ جَوَازَ الرَّفْعِ فِي مِثْلِ هَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَأَبِي مُوسَى) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ 3 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ [1270] قَوْلُهُ (إِذَا اخْتَلَفَ الْبَيِّعَانِ) أَيْ إِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ أَوْ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ أَوْ فِي شَيْءٍ آخَرَ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قَالَ فِي النَّيْلِ لَمْ يَذْكُرِ الْأَمْرَ الَّذِي فِيهِ الِاخْتِلَافُ وَحَذْفُ الْمُتَعَلِّقِ مُشْعِرٌ بِالتَّعْمِيمِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي فَيَعُمُّ الِاخْتِلَافُ فِي الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ وفِي كُلِّ أَمْرٍ يَرْجِعُ إِلَيْهِمَا وفِي سَائِرِ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ وَالتَّصْرِيحُ بِالِاخْتِلَافِ فِي الثَّمَنِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ لَا ينافي في هَذَا الْعُمُومَ الْمُسْتَفَادَ مِنَ الْحَذْفِ انْتَهَى (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ) أَيْ مَعَ يَمِينِهِ (وَالْمُبْتَاعُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (بِالْخِيَارِ) أَيْ إِنْ شَاءَ اخْتَارَ الْبَيْعَ وَرَضِيَ بِقَوْلِ الْبَائِعِ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ أَوْ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ لِمَا عُرِفَ مِنَ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ أَنَّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ كَذَا فِي سُبُلِ السَّلَامِ قُلْتُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَأَتَاهُ رَجُلَانِ تَبَايَعَا سِلْعَةً فَقَالَ هَذَا أَخَذْتُ بِكَذَا وكذا وقال هذا بعت بكذاوكذا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَتَى عَبْدُ اللَّهِ فِي مِثْلِ هَذَا فَقَالَ

حَضَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ هَذَا فَأَمَرَ بِالْبَائِعِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ ثُمَّ يُخَيَّرَ الْمُبْتَاعُ إِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ قَوْلُهُ (وَالْمُبْتَاعُ) أَيْ الْمُشْتَرِي (بِالْخِيَارِ) أَيْ إِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ ورُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنْ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ (الْقَوْلُ مَا قَالَ رَبُّ السِّلْعَةِ) أَيْ الْبَائِعُ (قَالَ إِسْحَاقُ كَمَا قَالَ) أَيْ أَحْمَدُ (وَكُلُّ مَنْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ) يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ الَّتِي ذَكَرْنَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَدْ اسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ إِذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي فِي أَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَقْدِ ولَكِنْ مَعَ يَمِينِهِ كَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْآخِرَةِ وهَذَا إِذَا لَمْ يَقَعْ التَّرَاضِي بَيْنَهُمَا عَلَى التَّرَادِّ فَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ فَلَا يَكُونُ لَهُمَا خَلَاصٌ عَنِ النِّزَاعِ إِلَّا التَّفَاسُخَ أَوْ حَلَفَ الْبَائِعُ وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ بَقَاءِ الْمَبِيعِ وَتَلَفِهِ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ عَدَمِ انْتِهَاضِ الرِّوَايَةِ الْمُصَرَّحِ فِيهَا بِاشْتِرَاطِ بَقَاءِ المبيع للاحتجاج والتراد مع التلت مُمْكِنٌ بِأَنْ يَرْجِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمِثْلِ الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةِ الْقِيَمِيِّ إِذَا تَقَرَّرَ لَكَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ كَوْنِ الْقَوْلِ قَوْلَ الْبَائِعِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ إِلَى الْعَمَلِ بِهِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الِاخْتِلَافِ أَحَدٌ فِيمَا أَعْلَمُ بَلِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا طَوِيلًا عَلَى حَسَبِ مَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْفُرُوعِ ووَقَعَ الِاتِّفَاقُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ وَالِاخْتِلَافُ فِي بَعْضٍ وسَبَبُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ بِعُمُومِهِ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ والْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا بَائِعًا وَالْآخَرُ مُشْتَرِيًا أَوْ لَا وحَدِيثُ الْبَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْبَائِعِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ مُدَّعِيًا أَوْ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَبَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَتَعَارَضَانِ بِاعْتِبَارِ مَادَّةِ الِاتِّفَاقِ وَهِيَ حَيْثُ يَكُونُ الْبَائِعُ مُدَّعِيًا فَيَنْبَغِي أَنْ يُرْجَعَ فِي التَّرْجِيحِ إِلَى الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ وحَدِيثُ إِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَزَاهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ إِلَى أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَهُوَ أَيْضًا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي الرَّهْنِ وفِي بَابِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ انْتَهَى بقدر الحاجة

باب ما جاء في بيع فضل الماء

(بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ) [1271] قَوْلُهُ (عَنْ إِيَاسِ بْنِ عَبْدٍ) بِغَيْرِ إِضَافَةٍ يُكَنَّى أَبَا عَوْفٍ لَهُ صُحْبَةٌ يُعَدُّ فِي أهل الحجاز قَوْلُهُ (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ) وفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ الْكَائِنِ فِي أَرْضٍ مُبَاحَةٍ أَوْ فِي أَرْضٍ مَمْلُوكَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ لِلشُّرْبِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةِ الْمَاشِيَةِ أَوْ الزَّرْعِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي فَلَاةٍ أَوْ فِي غَيْرِهَا وَقَدْ خُصِّصَ مِنْ عُمُومِ أَحَادِيثِ الْمَنْعِ مِنَ الْبَيْعِ لِلْمَاءِ مَا كَانَ مِنْهُ مُحْرَزًا فِي الْآنِيَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ قِيَاسًا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْحَطَبِ إِذَا أَحْرَزَهُ الْحَاطِبُ لِحَدِيثِ الَّذِي أَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاحْتِطَابِ لِيَسْتَغْنِيَ بِهِ عَنِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا الْقِيَاسُ بَعْدَ تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ إِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ جَوَّزَ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ وَالْخِلَافُ فِي ذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي الْأُصُولِ وَلَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْمَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اشْتَرَى نِصْفَ بِئْرِ رُومَةَ مِنَ الْيَهُودِيِّ وَسَبَلَهَا لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنِ اشْتَرَى بِئْرَ رومة فيوسع بها على المسلمين وله الْجَنَّةُ وَكَانَ الْيَهُودِيُّ يَبِيعُ مَاءَهَا الْحَدِيثَ فَإِنَّهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْبِئْرِ نَفْسِهَا وَكَذَلِكَ الْعَيْنُ بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمَاءِ لِتَقْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِيِّ عَلَى الْبَيْعِ وَيُجَابُ بِأَنَّ هَذَا كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتْ شَوْكَةُ الْيَهُودِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ قَوِيَّةً وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَالَحَهُمْ فِي مُبَادِي الْأَمْرِ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقَرَّتِ الْأَحْكَامُ وَشَرَعَ لِأُمَّتِهِ تَحْرِيمَ بَيْعِ الْمَاءِ فَلَا يُعَارِضُهُ ذَلِكَ التَّقْرِيرُ وَأَيْضًا الْمَاءُ هُنَا دَخَلَ تَبَعًا لِبَيْعِ الْبِئْرِ وَلَا نِزَاعَ فِي جَوَازِ ذَلِكَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَبُهَيْسَةَ عَنْ أَبِيهَا وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ نَهَى عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ وأَمَّا حَدِيثُ بُهَيْسَةَ عَنْ أَبِيهَا فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ الْمَاءُ ثُمَّ أَعَادَ فَقَالَ الملح وفيه قصة وأعله عبد الحق وبن القطان بأنها لا تعرف لكن ذكرها بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ فِي الصَّحَابَةِ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وأما حديث أبي هريرة فأخرجه بن ماجه بسند صحيح ثلاث لا يمنعه من الماء والكلاء والنار وأما حديث عائشة فأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّهَا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ

مَا الشَّيْءُ الَّذِي لَا يَحِلُّ مَنْعُهُ قَالَ الْمَاءُ وَالْمِلْحُ وَالنَّارُ الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ خَصْلَتَانِ لَا يَحِلُّ مَنْعُهُمَا الْمَاءُ وَالنَّارُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وأَمَّا حديث بن عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ فِي كِتَابِ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ إِيَاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا بن مَاجَهْ قَوْلُهُ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ كَرِهُوا بَيْعَ الْمَاءِ إِلَخْ) اسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي بَيْعِ الْمَاءِ إِلَخْ) وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَا تَمَسَّكُوا فِي كَلَامِ الشَّوْكَانِيِّ [1272] قَوْلُهُ (لَا يُمْنَعُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَضْلُ الْمَاءِ) وَهُوَ الْفَاضِلُ عَنْ كِفَايَةِ صَاحِبِهِ (لِيَمْنَعَ بِهِ الْكَلَاءَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَقْصُورَةٌ وهُوَ النَّبَاتُ رَطْبُهُ وَيَابِسُهُ وَالْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ حَوْلَ الْبِئْرِ كَلَاءٌ لَيْسَ عِنْدَهُ مَاءٌ غَيْرُهُ وَلَا يُمْكِنُ أَصْحَابُ الْمَوَاشِي رَعْيَهُ إِلَّا إِذَا مُكِّنُوا مِنْ سَقْيِ بَهَائِمِهِمْ مِنْ تِلْكَ الْبِئْرِ لِئَلَّا يَتَضَرَّرُوا بِالْعَطَشِ بَعْدَ الرَّعْيِ فَيَسْتَلْزِمُ مَنْعُهُمْ مِنَ الْمَاءِ مَنْعَهُمْ مِنَ الرَّعْيِ وإِلَى هَذَا التَّفْسِيرِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَعَلَى هَذَا يَخْتَصُّ الْبَذْلُ بِمَنْ لَهُ مَاشِيَةٌ ويُلْحَقُ بِهِ الرُّعَاةُ إِذَا احْتَاجُوا إِلَى الشُّرْبِ لِأَنَّهُ إِذَا مَنَعَهُمْ مِنَ الشُّرْبِ امْتَنَعُوا مِنَ الرَّعْيِ هُنَاكَ ويُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُمْكِنُهُمْ حَمْلُ الْمَاءِ لِأَنْفُسِهِمْ لِقِلَّةِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ والصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَيُلْتَحَقُ بِذَلِكَ الزَّرْعُ عِنْدَ مَالِكٍ والصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَبِهِ قَالَتِ الْحَنَفِيَّةُ الِاخْتِصَاصُ بِالْمَاشِيَةِ وفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي مَا حَكَاهُ الْمُزَنِيُّ عَنْهُ بَيْنَ الْمَوَاشِي وَالزَّرْعِ بِأَنَّ الْمَاشِيَةَ ذَاتُ أَرْوَاحٍ يُخْشَى مِنْ عَطَشِهَا مَوْتُهَا بِخِلَافِ الزَّرْعِ وبِهَذَا أَجَابَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ

باب ما جاء في كراهية عسب الفحل

45 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ عَسْبِ الْفَحْلِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وفِي آخِرِهِ مُوَحَّدَةٌ وَيُقَالُ لَهُ الْعَسِيبُ أَيْضًا وَالْفَحْلُ الذَّكَرُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ فَرَسًا كَانَ أَوْ جَمَلًا أَوْ تَيْسًا وَغَيْرَ ذَلِكَ وقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَهَى عَنْ عَسِيبِ التَّيْسِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَسْبُ ضِرَابُ الْفَحْلِ أَوْ مَاؤُهُ أَوْ نَسْلُهُ والْوَلَدُ وَإِعْطَاءُ الْكِرَاءِ عَلَى الضِّرَابِ وَالْفِعْلُ كَضَرَبَ انْتَهَى [1273] قَوْلُهُ (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عسب الْفَحْلِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ عَسْبُ الْفَحْلِ مَاؤُهُ فَرَسًا كَانَ أَوْ بَعِيرًا أَوْ غَيْرَهُمَا وَعَسْبُهُ أَيْضًا ضِرَابُهُ يُقَالُ عَسَبَ الْفَحْلُ النَّاقَةَ يَعْسِبُهَا عَسْبًا وَلَمْ يَنْهَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّهْيَ عَنِ الْكِرَاءِ الَّذِي يُؤْخَذُ عَلَيْهِ فَإِنَّ إِعَارَةَ الْفَحْلِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَمِنْ حَقِّهَا إِطْرَاقُ فَحْلِهَا ووَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ كِرَاءِ عَسْبِ الْفَحْلِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ وقِيلَ يقال الكراء الْفَحْلِ عَسْبٌ وَعَسَبَ فَحْلَهُ يَعْسِبُهُ أَيْ أَكْرَاهُ وَعَسَبْتُ الرَّجُلَ إِذَا أَعْطَيْتُهُ كِرَاءَ ضِرَابِ فَحْلِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِلْجَهَالَةِ الَّتِي فِيهِ وَلَا بُدَّ فِي الْإِجَارَةِ مِنْ تَعْيِينِ الْعَمَلِ وَمَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وأنس وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ ولِأَنَسٍ غَيْرُ حَدِيثِ الْبَابِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي عُلُومِ الحديث وبن حِبَّانَ وَالْبَزَّارِ وَعَنِ الْبَرَاءِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَعَنِ بن عَبَّاسٍ عِنْدَهُ أَيْضًا وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ والنَّهْيُ عِنْدَهُمْ لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بيعه وكراءه حَرَامٌ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوَّمٍ وَلَا مَعْلُومٍ وَلَا مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ وفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَجُوزُ الْإِجَارَةُ مُدَّةً مَعْلُومَةً

وهو قول الحسن وبن سِيرِينَ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ قَوَّاهَا الْأَبْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وحَمَلَ النَّهْيَ عَلَى مَا إِذَا وَقَعَ لِأَمَدٍ مَجْهُولٍ وَأَمَّا إِذَا اسْتَأْجَرَ مُدَّةً مَعْلُومَةً فَلَا بأس كما يجوز الاستيجار لِتَلْقِيحِ النَّخْلِ وتُعُقِّبَ بِالْفَرْقِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا مَاءُ الْفَحْلِ وَصَاحِبُهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ بِخِلَافِ التَّلْقِيحِ انْتَهَى وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى مَنْ جَوَّزَ إِجَارَةَ الْفَحْلِ لِلضِّرَابِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لِأَنَّهَا صَادِقَةٌ عَلَى الْإِجَارَةِ قَالَ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ أَعْسَبَ الرَّجُلُ عَسْبًا اكْتَرَى مِنْهُ فَحْلًا يُنَزِّيهِ انْتَهَى (وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ فِي قَبُولِ الْكَرَامَةِ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ الْآتِي قَالَ الْحَافِظُ وَأَمَّا عَارِيَةُ ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فَإِنْ أُهْدِيَ لِلْمُعِيرِ هَدِيَّةٌ مِنَ الْمُسْتَعِيرِ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ حَدِيثَ أَنَسٍ الْآتِيَ ثُمَّ قَالَ وَلِابْنِ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ مَرْفُوعًا مَنْ أَطْرَقَ فَرَسًا فَأَعْقَبَ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ سَبْعِينَ فَرَسًا انْتَهَى [1274] قَوْلُهُ (إِنَّا نُطْرِقُ الْفَحْلَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ نُعِيرُهُ لِلضِّرَابِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ وَمِنْ حَقِّهَا إِطْرَاقُ فَحْلِهَا أَيْ إعارته للضراب واستطرق الْفَحْلِ اسْتِعَارَتُهُ لِذَلِكَ (فَنُكْرَمُ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُعْطِينَا صَاحِبُ الْأُنْثَى شَيْئًا بِطَرِيقِ الْهَدِيَّةِ وَالْكَرَامَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمُعَارَضَةِ (فَرَخَّصَ لَهُ فِي الْكَرَامَةِ) أَيْ فِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ دُونَ الْكِرَاءِ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُعِيرَ إِذَا أَهْدَى إِلَيْهِ الْمُسْتَعِيرُ هَدِيَّةً بِغَيْرِ شَرْطٍ حَلَّتْ لَهُ وقَدْ وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي إِطْرَاقِ الْفَحْلِ أخرج بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ مَرْفُوعًا مَنْ أَطْرَقَ فَرَسًا فَأَعْقَبَ كَانَ لَهُ كَأَجْرِ سَبْعِينَ فَرَسًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حُمَيْدٍ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَإِبْرَاهِيمُ بن حميد وثقة النسائي وبن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ

باب ما جاء في ثمن الكلب

46 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ثَمَنِ الْكَلْبِ) [1275] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِ الْكَلْبِ مُطْلَقًا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ (وَمَهْرِ الْبَغِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلَةٍ مِنْ بَغَتِ الْمَرْأَةُ بِغَاءً بِالْكَسْرِ إِذَا زَنَتْ ومِنْهُ قَوْلُهُ تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء وَمَهْرُ الْبَغِيِّ هُوَ مَا تَأْخُذُهُ الزَّانِيَةُ عَلَى الزنى سَمَّاهُ مَهْرًا مَجَازًا [1276] (وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَا يُعْطَاهُ عَلَى كِهَانَتِهِ قَالَ الْهَرَوِيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْحَلَاوَةِ شَبَّهَ الْمُعْطَى بِالشَّيْءِ الْحُلْوِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ يَأْخُذُهُ سَهْلًا بِلَا كُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ والْكَاهِنُ هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى الْإِخْبَارَ عَنِ الْكَائِنَاتِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَدَّعِي مَعْرِفَةَ الْأَسْرَارِ وكَانَتْ فِي الْعَرَبِ كَهَنَةٌ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ الْكَائِنَةِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ لَهُمْ تَابِعَةً مِنَ الْجِنِّ تُلْقِي إِلَيْهِمْ الْأَخْبَارَ ومِنْهُمْ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ يُدْرِكُ الْأُمُورَ بِفَهْمٍ أُعْطِيَهُ ومِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْرِفُ الْأُمُورَ بِمُقَدِّمَاتٍ وَأَسْبَابٍ يُسْتَدَلُّ بِهِمَا عَلَى مَوَاقِعِهَا كَالشَّيْءِ يُسْرَقُ فَيَعْرِفُ الْمَظْنُونَ بِهِ لِلسَّرِقَةِ وَمُتَّهَمِ الْمَرْأَةِ بِالزَّنْيَةِ فَيَعْرِفُ مَنْ صَاحِبُهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ ومِنْهُمْ مَنْ يُسَمِّي الْمُنَجِّمَ كَاهِنًا حَيْثُ إِنَّهُ يُخْبِرُ عَنِ الْأُمُورِ كَإِتْيَانِ الْمَطَرِ وَمَجِيءِ الْوَبَاءِ وَظُهُورِ الْقِتَالِ وَطَالِعِ نَحْسٍ أَوْ سَعِيدٍ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ وحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ الْكَاهِنِ يَشْتَمِلُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ هَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ وَعَلَى النَّهْيِ عَنْ تَصْدِيقِهِمْ وَالرُّجُوعِ إِلَى قَوْلِهِمْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قال الْحَافِظُ وَحُلْوَانُ الْكَاهِنِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ الْعِوَضِ عَلَى أَمْرٍ بَاطِلٍ وفِي مَعْنَاهُ التَّنْجِيمُ وَالضَّرْبُ بِالْحَصَى وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَاطَاهُ الْعَرَّافُونَ مِنَ اسْتِطْلَاعِ الْغَيْبِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم فِي الْأَصْلِ مَا يُكْرَهُ لِرَدَاءَتِهِ وَخِسَّتِهِ وَيُسْتَعْمَلُ لِلْحَرَامِ مِنْ حَيْثُ كَرِهَهُ الشَّارِعُ وَاسْتَرْذَلَهُ كَمَا يُسْتَعْمَلُ الطَّيِّبُ لِلْحَلَالِ قَالَ تَعَالَى وَلَا تَتَبَدَّلُوا الخبيث قَوْلُهُ (كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ إِلَخْ) أَيْ مَكْرُوهٌ لدناءته قال

القاضي الخبيث بالطيب أَيْ الْحَرَامَ بِالْحَلَالِ وَلَمَّا كَانَ مَهْرُ الزَّانِيَةِ حَرَامًا كَانَ الْخُبْثُ الْمُسْنَدُ إِلَيْهِ بِمَعْنَى الْحَرَامِ وَكَسْبُ الْحَجَّامِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ حَرَامًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ كَانَ الْمُرَادُ مِنَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ الثَّانِي وأَمَّا نَهْيُ بَيْعِ الْكَلْبِ فَمَنْ صَحَّحَهُ كَالْحَنَفِيَّةِ فَسَّرَهُ بِالدَّنَاءَةِ وَمَنْ لَمْ يُصَحِّحْهُ كَأَصْحَابِنَا فَسَّرَهُ بِأَنَّهُ حَرَامٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الراية ص 491 (وبن مَسْعُودٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالدّارَقُطْنيُّ فِي سُنَنِهِ ذَكَرَهُ الزيلعي (وبن عباس) أخرجه أحمد وأبو داود (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ رَافِعٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا ثَمَنَ الْكَلْبِ إِلَخْ) قَالَ الطِّيبِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَأَنْ لَا قِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُعَلَّمًا أو لا وسواء كان يجوز افتناؤه أَمْ لَا وأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَ الْكَلْبِ الَّذِي فِيهِ مَنْفَعَةٌ وأَوْجَبَ الْقِيمَةَ عَلَى مُتْلِفِهِ وعَنْ مَالِكٍ رِوَايَاتٌ الْأُولَى لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَتَجِبُ الْقِيمَةُ والثَّانِيَةُ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّالِثَةُ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ انْتَهَى وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ يَجُوزُ بَيْعُ كَلْبِ الصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إِلَّا كَلْبَ صَيْدٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ طَعَنَ فِي صِحَّتِهِ وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْمُهَزَّمِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَيَنْبَغِي حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَيَكُونُ الْمُحَرَّمُ بَيْعَ مَا عَدَا كَلْبَ الصَّيْدِ إِنْ صَحَّ هَذَا الْمُقَيَّدُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ واخْتَلَفُوا أَيْضًا هَلْ تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى مُتْلِفِهِ فَمَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ بَيْعِهِ قَالَ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَمَنْ قَالَ بِجَوَازِهِ قَالَ بِالْوُجُوبِ ومَنْ فَصَّلَ فِي الْبَيْعِ فَصَّلَ في لزوم القيمة انتهى

باب ما جاء في كسب الحجام

47 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ) [1277] قَوْلُهُ (عن بن مُحَيِّصَةَ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمَكْسُورَةِ (فِي إِجَارَةِ الْحَجَّامِ) وفِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّإِ فِي أُجْرَةِ الْحَجَّامِ (فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ وَيَسْتَأْذِنُهُ) أَيْ فِي أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فِي أَكْلِهَا فَإِنَّ أَكْثَرَ الصَّحَابَةِ كَانَتْ لَهُمْ أَرِقَّاءُ كَثِيرُونَ وَأَنَّهُمْ كَانُوا يَأْكُلُونَ مِنْ خَرَاجِهِمْ وَيَعُدُّونَ ذَلِكَ مِنْ أَطْيَبِ الْمَكَاسِبِ فَلَمَّا سَمِعَ مُحَيِّصَةُ نَهْيَهُ عَنْ ذَلِكَ وَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى أَكْلِ أُجْرَةِ الْحَجَّامِ تَكَرَّرَ فِي أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فِي ذَلِكَ (حَتَّى قَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اعْلِفْهُ نَاضِحَكَ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ أَطْعِمهُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَلْفُ كَالضَّرْبِ الشُّرْبُ الْكَثِيرُ وَإِطْعَامُ الدَّابَّةِ كَالْإِعْلَافِ وَالنَّاضِحُ هُوَ الْجَمَلُ الَّذِي يُسْقَى بِهِ الْمَاءُ (وَأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ) أَيْ عَبْدَكَ لِأَنَّ هَذَيْنِ لَيْسَ لَهُمَا شَرَفٌ يُنَافِيهِ دَنَاءَةُ هَذَا الْكَسْبِ بِخِلَافِ الْحُرِّ وهَذَا ظَاهِرٌ فِي حُرْمَتِهِ عَلَى الْحُرِّ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ لَكِنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَنَاوُلِ الْحُرِّ لَهُ فَيُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى التَّنْزِيهِ كذا ذكره بن الْمَلِكِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ (وَأَبِي جُحَيْفَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ كَسْبِ الْحَجَّامِ فَقَالَ أَطْعِمْهُ نَاضِحَكَ (وَالسَّائِبِ) أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ ص 491 ج 2 قَوْلُهُ (حَدِيثُ مُحَيِّصَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مَالِكٌ قَوْلُهُ (وَقَالَ أَحْمَدُ إِنْ سَأَلَنِي حَجَّامٌ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فَكَرِهُوا لِلْحُرِّ الِاحْتِرَافَ بِالْحِجَامَةِ وَيَحْرُمُ الْإِنْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهَا وَيَجُوزُ لَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ مِنْهَا وَأَبَاحُوهَا لِلْعَبْدِ مُطْلَقًا وعمدتهم حديث محيصة

باب ما جاء من الرخصة في كسب الحجام

48 - (باب ما جاء من الرُّخْصَةِ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ) [1278] قَوْلُهُ (عَنْ حُمَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ هُوَ حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ (وَحَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ) بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ فَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ عَبْدٌ لِبَنِي بَيَّاضَةَ وَاسْمُهُ نَافِعٌ أَوْ دِينَارٌ أَوْ مَسِيرَةٌ أَقْوَالٌ (وَأَمَرَ أَهْلَهُ) أَيْ سَادَاتِهِ (فَوَضَعُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ مَا يُقَدِّرُهُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيُقَالُ لَهُ ضَرِيبَةٌ وَغَلَّةٌ (أَوِ إِنَّ مِنْ أَمْثَلِ دَوَائِكُمْ) أَيْ مِنْ أَفْضَلِ دَوَائِكُمْ وَأَوْ لِلشَّكِّ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ لِيُنْظَرْ مَنْ أخرجه وبن عباس) أخرجه البخاري ومسلم (وبن عُمَرَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ حَلَالٌ واحتجوا بهذا الحديث يعني بحديث بن عَبَّاسٍ قَالَ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِهِ قَالَ وَقَالُوا هُوَ كَسْبٌ فِيهِ دَنَاءَةٌ وَلَيْسَ بِمُحَرَّمٍ فَحَمَلُوا الزَّجْرَ عَنْهُ عَلَى التَّنْزِيهِ ومِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى النَّسْخَ وَأَنَّهُ كَانَ حَرَامًا ثُمَّ أُبِيحَ وَجَنَحَ إِلَى ذَلِكَ الطَّحَاوِيُّ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وذَهَبَ أَحْمَدُ وَجَمَاعَةٌ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وقَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَ أَحْمَدَ فِيمَا تَقَدَّمَ نَقْلًا عَنِ الْفَتْحِ قال الحافظ وجمع بن الْعَرَبِيِّ بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ وَبَيْنَ إِعْطَائِهِ الْحَجَّامَ أُجْرَتَهُ بِأَنَّ مَحَلَّ الْجَوَازِ مَا إِذَا كَانَتِ الْأُجْرَةُ عَلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ ويُحْمَلُ الزَّجْرُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ قَالَ وفِي الْحَدِيثِ الْأُجْرَةُ عَلَى الْمُعَالَجَةِ بِالطِّبِّ وَالشَّفَاعَةُ إِلَى أَصْحَابِ الْحُقُوقِ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْهَا وجَوَازُ مُخَارَجَةِ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تَكْتَسِبَ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي كُلَّ يَوْمٍ كَذَا وَمَا زَادَ فَهُوَ لَكَ انْتَهَى

باب ما جاء في كراهية ثمن الكلب والسنور

(بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ وَهُوَ الْهِرُّ [1279] (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا يَنْفَعُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لِكَيْ يَعْتَادَ النَّاسُ هِبَتَهُ وَإِعَارَتَهُ وَالسَّمَاحَةَ بِهِ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَإِنْ كَانَ نَافِعًا وَبَاعَهُ صَحَّ الْبَيْعُ وَكَانَ ثَمَنُهُ حَلَالًا هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَإِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ وأما ما ذكره الخطابي وبن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ فَلَيْسَ كَمَا قَالَا بَلْ هُوَ صَحِيحٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ فَإِنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ كَمَا سَتَعْرِفُ وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ بَيْعِ الْهِرِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَمُجَاهِدٌ وَجَابِرُ بْنُ زيد حكى ذلك عنهم بن الْمُنْذِرِ وحَكَاهُ الْمُنْذِرِيُّ أَيْضًا عَنْ طَاوُسٍ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ بَيْعِهِ وأَجَابُوا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ وفِيهِ أَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وقِيلَ إِنَّهُ يُحْمَلُ النَّهْيُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَأَنَّ بَيْعَهُ لَيْسَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَلَا مِنَ الْمُرُوءَاتِ ولَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا إِخْرَاجُ النَّهْيِ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ بِلَا مُقْتَضًى انْتَهَى قَوْلُهُ (فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ وَعَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ ثُمَّ قَالَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ عَنْ جَمَاعَةٍ عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ دُونَ الْبُخَارِيِّ إِذْ هُوَ لَا يَحْتَجُّ بِرِوَايَةِ أَبِي سُفْيَانَ ولَعَلَّ مُسْلِمًا إِنَّمَا لَمْ يُخْرِجْهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ وكيع بن الْجَرَّاحِ رَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ قَالَ الْأَعْمَشُ أَرَى أَبَا سُفْيَانَ ذَكَرَهُ فَالْأَعْمَشُ كَانَ يَشُكُّ فِي وَصْلِ الْحَدِيثِ فَصَارَتْ رِوَايَةُ أَبِي سُفْيَانَ بِذَلِكَ ضَعِيفَةً

انْتَهَى [1280] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَعُمَرُ بْنُ زَيْدٍ لَا نَعْرِفُ كَبِيرَ أَحَدٍ إِلَخْ) وَالْحَدِيثُ أخرجه أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وقَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا مُنْكَرٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وفي إسناده عمر بن زيد الصنعاني قال بن حِبَّانَ يَنْفَرِدُ بِالْمَنَاكِيرِ عَنِ الْمَشَاهِيرِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَدِّ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وزَعَمَ أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَدِيثُ بَيْعِ السِّنَّوْرِ لَا يَثْبُتُ رَفْعُهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ معقل وهو بن عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَزَرِيُّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ قَالَ زَجَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ 0 - باب [1281] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمُهَزِّمِ) بِتَشْدِيدِ الزَّايِ الْمَكْسُورَةِ التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ اسْمُهُ يَزِيدُ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُفْيَانَ مَتْرُوكٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الْكَلْبِ إِلَّا كَلْبَ الصَّيْدِ) اسْتَدَلَّ بِهِ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ كَلْبِ الصَّيْدِ دُونَ غَيْرِهِ لَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ قَوْلُهُ (وَتَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ) قَالَ فِي الْمِيزَانِ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ ثُمَّ تَرَكَهُ وقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكٌ قَالَ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ كَانَ أَبُو الْمُهَزِّمِ مَطْرُوحًا فِي مَسْجِدِ ثَابِتٍ لَوْ أَعْطَاهُ إِنْسَانٌ فَلْسًا لَحَدَّثَهُ سَبْعِينَ حَدِيثًا وقَالَ مُسْلِمٌ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ رَأَيْتُ أَبَا الْمُهَزَّمِ ولو يعطي درهما لوضع حديث انْتَهَى قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هَذَا وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ أَيْضًا) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ الْحَافِظُ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ طُعِنَ فِي إسناده وقد وقع

باب ما جاء في كراهية بيع المغنيات

في حديث بن عُمَرَ عِنْدَ أَبِي حَاتِمٍ بِلَفْظِ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَإِنْ كَانَ ضَارِيًا يَعْنِي مِمَّا يَصِيدُ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ مُنْكَرٌ انْتَهَى 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْمُغَنِّيَاتِ) [1282] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الضَّادِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ وسكون المهملة صدوق يخطىء (عن عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ) بْنِ أَبِي زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ الدِّمَشْقِيِّ صَاحِبِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنِ الْقَاسِمِ) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبُ أَبِي أُمَامَةَ صَدُوقٌ يُرْسِلُ كَثِيرًا قَوْلُهُ (لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ فِي الصِّحَاحِ الْقَيْنُ الْأَمَةُ مُغَنِّيَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وفِي الْحَدِيثِ يُرَادُ بِهَا الْمُغَنِّيَةُ لِأَنَّهَا إِذَا لَمْ تَكُنْ مُغَنِّيَةً فَلَا وَجْهَ لِلنَّهْيِ عَنْ بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا (وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ) أَيْ الغناء فإنها رقية الزنى (وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ) قَالَ الْقَاضِي النَّهْيُ مَقْصُورٌ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِأَجْلِ التَّغَنِّي وَحُرْمَةُ ثَمَنِهَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ بَيْعِهَا وَالْجُمْهُورُ صَحَّحَ بَيْعَهَا والْحَدِيثُ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الضَّعْفِ لِلطَّعْنِ فِي رِوَايَتِهِ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّ أَخْذَ الثَّمَنِ عَلَيْهِنَّ حَرَامٌ كَأَخْذِ ثَمَنِ الْعِنَبِ مِنَ النَّبَّاذِ لِأَنَّهُ إِعَانَةٌ وَتَوَصُّلٌ إِلَى حُصُولِ مُحَرَّمٍ لَا لِأَنَّ الْبَيْعَ غَيْرُ صَحِيحٍ انْتَهَى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لهو الحديث أَيْ يَشْتَرِي الْغِنَاءَ وَالْأَصْوَاتَ الْمُحَرَّمَةَ الَّتِي تُلْهِي عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الإضافة فيه بمعنى من البيان نَحْوَ جُبَّةِ خَزٍّ وَبَابِ سَاجٍ أَيْ يَشْتَرِي اللَّهْوَ مِنَ الْحَدِيثِ لِأَنَّ اللَّهْوَ يَكُونُ مِنَ الْحَدِيثِ وَمِنْ غَيْرِهِ والْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُنْكَرُ فَيَدْخُلُ فِيهِ نَحْوُ السَّمَرِ بِالْأَسَاطِيرِ وَبِالْأَحَادِيثِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا وَالتَّحَدُّثُ بِالْخُرَافَاتِ وَالْمَضَاحِيكِ وَالْغِنَاءُ وَتَعَلُّمُ الْمُوسِيقَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ كَذَا فِي المرقاة وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يشتري لهو الحديث قال الغناء والذي لا إله غيره وأخرجه الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ

باب ما جاء في كراهية أن يفرق بين الأخوين

(حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِثْلَ هَذَا من هذا لوجه) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ إِلَخْ) قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ كَذَا فِي الْمِيزَانِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أن يفرق بين الأخوين) الخ [1283] قوله (من فرق) بتشديد الراء (بين والدة وولدها) أي ببيع أوهبة أَوْ خَدِيعَةٍ بِقَطِيعَةٍ وَأَمْثَالِهَا وفِي مَعْنَى الْوَالِدَةِ الْوَالِدُ بَلْ وَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَادَ بِهِ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا وفِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْجَدَّةِ وَحُكْمُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ الْبَيْعَ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّمَا كُرِهَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ السَّبَايَا فِي الْبَيْعِ وَأَمَّا الْوَلَدُ فَلَا بَأْسَ ورَخَّصَ أَكْثَرُهُمْ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ أَيْ الْآتِي وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْكِبَرِ الْمُبِيحِ لِلتَّفْرِيقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ أَنْ يَبْلُغَ سَبْعَ سِنِينَ أَوْ غَايَتَهُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ مَالِكٌ حتى يصغر وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَتَّى يَحْتَلِمَ وقَالَ أَحْمَدُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَبُرَ وَاحْتَلَمَ وَجَوَّزَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ الصَّغِيرَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ) أَيْ مِنْ أَوْلَادِهِ وَوَالِدَيهِ وَغَيْرِهِمَا (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ فِي مَوْقِفٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَحْبَابُ وَيَشْفَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا عِنْدَ رَبِّ الْأَرْبَابِ فَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وبنيه قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وأحمد

وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ [1284] قَوْلُهُ (يَا عَلِيُّ مَا فَعَلَ) بِالْفَتْحِ أَيْ صَنَعَ (غُلَامُكَ) أَيْ الْغَائِبُ (فَأَخْبَرْتُهُ) أَيْ أَعْلَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعِهِ (رُدَّهُ) أَيْ رُدَّ الْبَيْعَ (رُدَّهُ) كَرَّرَهُ لِلتَّأْكِيدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وأخرجه بن مَاجَهْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وقَدْ أَعَلَّهُ أَبُو دَاوُدَ بِالِانْقِطَاعِ بَيْنَهُمَا وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَ إِسْنَادَهُ وَرَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ لِشَوَاهِدِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ التَّفْرِيقَ بَيْنَ السَّبْيِ فِي الْبَيْعِ) وَكَذَا فِي غَيْرِ الْبَيْعِ كَالْهِبَةِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَالْوَلَدِ وَبَيْنَ الْأَخَوَيْنِ أَمَّا بَيْنَ الْوَالِدَةِ وَوَلَدِهَا فَقَدْ حَكَى فِي الْبَحْرِ عَنِ الْإِمَامِ يَحْيَى أَنَّهُ إِجْمَاعٌ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ الْوَلَدُ بِنَفْسِهِ وقَدْ اخْتُلِفَ فِي انْعِقَادِ الْبَيْعِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلٌ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَنْعَقِدُ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بِأَنَّهُ مَقِيسٌ عَلَى الْأُمِّ ولَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ يَشْمَلُ الْأَبَ فَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهِ إِنْ صَحَّ أَوْلَى مِنَ التَّعْوِيلِ عَلَى الْقِيَاسِ وأَمَّا بَقِيَّةُ الْقَرَابَةِ فَذَهَبَتِ الْهَادَوِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمْ قِيَاسًا وقَالَ الْإِمَامُ يَحْيَى وَالشَّافِعِيُّ لَا يَحْرُمُ والَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّصُّ هُوَ تَحْرِيمُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْإِخْوَةِ وأَمَّا بَيْنَ مَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْأَرْحَامِ فَإِلْحَاقُهُ بِالْقِيَاسِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ مِنْهُمْ بِالْمُفَارَقَةِ مَشَقَّةٌ كَمَا تَحْصُلُ بِالْمُفَارَقَةِ بَيْنَ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَبَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ فَلَا إِلْحَاقَ لِوُجُودِ الْفَارِقِ فَيَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَى مَا تَنَاوَلَهُ النَّصُّ وظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّفْرِيقُ سَوَاءٌ كَانَ بِالْبَيْعِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِمَّا فِيهِ مَشَقَّةٌ تُسَاوِي مَشَقَّةَ التَّفْرِيقِ بِالْبَيْعِ إِلَّا التَّفْرِيقَ الَّذِي لَا اخْتِيَارَ فِيهِ لِلْمُفَرِّقِ كَالْقِسْمَةِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ الْمُرَادُ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّوْكَانِيُّ حَدِيثُهُ الَّذِي أخرجه بن مَاجَهْ وَالدّارَقُطْنيُّ عَنْهُ قَالَ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَالِدِ وَوَلَدِهِ وَبَيْنَ الْأَخِ وَأَخِيهِ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) يَعْنِي صَحِيحٌ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ

باب ما جاء فيمن يشتري العبد ويستغله

الْبَابِ وأَمَّا مَنْ رَخَّصَ فِي التَّفْرِيقِ مُطْلَقًا فَأَحَادِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدِ اسْتُدِلَّ عَلَى جَوَازِ التَّفْرِيقِ بَعْدَ الْبُلُوغِ بِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دواد عَنْهُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ أَمَّرَهُ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَزَوْنَا فَزَارَةَ فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنَ الْمَاءِ أَمَرَنَا أَبُو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا الْحَدِيثَ وفِيهِ قَالَ فَجِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وفِيهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ فَزَارَةَ عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أَدَمٍ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ وَأَجْمَلِهِ فَنَفَلَنِي أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا حَتَّى قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ ثُمَّ بِتُّ فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا وفِيهِ فَقُلْتُ هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَبَعَثَ بِهَا إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ وفِي أَيْدِيهِمْ أَسَارَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَفَدَاهُمْ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي جواز التفريق بعد البلوغ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ فَلَمْ أَكْشِفْ لَهَا ثَوْبًا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ الْجِمَاعِ والظَّاهِرُ أَنَّ الْبِنْتَ قَدْ كَانَتْ بَلَغَتْ قَالَ وَقَدْ حَكَى فِي الْغَيْثِ الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ التَّفْرِيقِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ الْمُسْتَنَدُ لَا هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّ كَوْنَ بُلُوغِهَا هُوَ الظَّاهِرُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى ذَلِكَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وقَدْ اسْتُدِلَّ عَلَى جَوَازِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبَالِغِينَ بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بِلَفْظِ لَا تُفَرِّقْ بَيْنَ الْأُمِّ وَوَلَدِهَا قِيلَ إِلَى مَتَى قَالَ حَتَّى يَبْلُغَ الْغُلَامُ وَتَحِيضَ الْجَارِيَةُ وهَذَا نَصٌّ عَلَى الْمَطْلُوبِ صَرِيحٌ لَوْلَا أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو الْوَاقِفِيَّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ رَمَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ بِالْكَذِبِ وَلَمْ يَرْوِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ غَيْرُهُ وقَدْ اسْتَشْهَدَ لَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِحَدِيثِ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ ولَا شَكَّ أَنَّ مَجْمُوعَ مَا ذُكِرَ مِنَ الْإِجْمَاعِ وَحَدِيثِ سَلَمَةَ وَهَذَا الْحَدِيثِ مُنْتَهِضٌ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ فَتَفَكَّرْ وَتَأَمَّلْ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ فَرَّقَ إِلَخْ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ وفِي قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ هَذَا كَلَامٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَشْتَرِي العبد ويستغله) الخ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْغَلَّةُ الدَّاخِلُ الَّذِي يَحْصُلُ مِنَ الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ وَاللَّبَنِ وَالْإِجَارَةِ وَالنَّتَاجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَا يُقَدِّرُهُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ يُقَالُ لَهَا الْخَرَاجُ وَالضَّرِيبَةُ وَالْغَلَّةُ انْتَهَى وقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْغَلَّةُ الدَّخْلُ مِنْ كِرَاءِ دَارٍ وَأَجْرِ غُلَامٍ وَفَائِدَةِ أَرْضٍ وَأَغْلَّتِ الضَّيْعَةُ أَعْطَتْهَا وَاسْتَغَلَّ عَبْدَهُ كَلَّفَهُ أَنْ يُغِلَّ عَلَيْهِ انتَهَى [1285] قَوْلُهُ (وَأَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ) بِعَيْنٍ وَقَافٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو (عَنْ مَخْلَدٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ

وَفَتْحِ اللَّامِ (بْنِ خُفَافٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وفائين بِوَزْنِ غُرَابٍ [1286] قَوْلُهُ (قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْبَاءُ فِي بِالضَّمَانِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ الْخَرَاجُ مُسْتَحَقٌّ بِالضَّمَانِ أَيْ بِسَبَبِهِ وقِيلَ الْبَاءُ لِلْمُقَابَلَةِ وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَنَافِعُ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ تَبْقَى لِلْمُشْتَرِي فِي مُقَابَلَةِ الضَّمَانِ اللَّازِمِ عَلَيْهِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ وَنَفَقَتِهِ وَمُؤْنَتِهِ ومِنْهُ قَوْلُهُ مَنْ عَلَيْهِ غُرْمُهُ فَعَلَيْهِ غنمه والمراد بالخراج ما يحصل من علة الْعَيْنِ الْمُبْتَاعَةِ عَبْدًا كَانَ أَوْ أَمَةً أَوْ مِلْكًا وذَلِكَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ فَيَسْتَغِلَّهُ زَمَانًا ثُمَّ يَعْثُرَ مِنْهُ عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ لَمْ يُطْلِعْهُ البائع عليه أو لم يعرفه فَلَهُ رَدُّ الْعَيْنِ الْمَعِيبَةِ وَأَخْذُ الثَّمَنِ وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي مَا اسْتَغَلَّهُ لِأَنَّ الْمَبِيعَ لَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ لَكَانَ مِنْ ضَمَانِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ وفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا يَحْدُثُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ نَتَاجِ الدَّابَّةِ وَوَلَدِ الْأَمَةِ وَلَبَنِ الْمَاشِيَةِ وَصُوفِهَا وَثَمَرِ الشَّجَرَةِ أَنَّ الْكُلَّ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي وَلَهُ رَدُّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ وذَهَبَ أصحاب أبي حنيفة رحمه اللهإلى أَنَّ حُدُوثَ الْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ رَدَّ الْأَصْلِ بِالْعَيْبِ بَلْ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ وقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرُدُّ الْوَلَدَ مَعَ الْأَصْلِ وَلَا يَرُدُّ الصُّوفَ وَلَوِ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوُطِئَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالشُّبْهَةِ أَوْ وَطَأَهَا ثم وجد بها عيبا فإن كان ثَيِّبًا رَدَّهَا وَالْمَهْرُ لِلْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إن كان هو الواطىء وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا فَافْتُضَّتْ فَلَا رَدَّ لَهُ لِأَنَّ زَوَالَ الْبَكَارَةِ نَقْصٌ حَدَثَ فِي يَدِهِ بَلْ يَسْتَرِدُّ مِنَ الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْ قِيمَتِهَا وهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا بِسَنَدٍ آخَرَ وَصَحَّحَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الترمذي وبن خزيمة وبن الجارود وبن حبان والحاكم وبن الْقَطَّانِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَاسْتَغْرَبَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْحَدِيثَ) أَيْ جَعَلَهُ غَرِيبًا (وَقَدْ رَوَى مسلم بن خالد الزنجي

باب ما جاء من الرخصة في أكل الثمرة للمار بها

ففيه صَدُوقٌ كَثِيرُ الْأَوْهَامِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (وَحَدِيثُ جَرِيرٍ يُقَالُ تَدْلِيسٌ) أَيْ مُدَلِّسٌ (دَلَّسَ فِيهِ جرير) معنى التدليس أي يَرْوِيَ الرَّاوِي عَمَّنْ لَقِيَهُ أَوْ عَاصَرَهُ مَا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ بِصِيغَةٍ تَحْتَمِلُ السَّمَاعَ كَلَفْظَةِ قَالَ وَعَنْ قَوْلُهُ (هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَشْتَرِي الْعَبْدَ فَيَسْتَغِلُّهُ) أَيْ يَأْخُذُ غَلَّتَهُ (فَالْغَلَّةُ لِلْمُشْتَرِي) لَا لِلْبَائِعِ (لِأَنَّ الْعَبْدَ لَوْ هَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي) أَيْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ أَيْ الْخَرَاجُ مُسْتَحَقٌّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ 4 - (باب ما جاء من الرُّخْصَةِ فِي أَكْلِ الثَّمَرَةِ لِلْمَارِّ بِهَا) [1287] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ للعاشرة (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ) هُوَ الطَّائِفِيُّ كَمَا هو مصرح عند بن مَاجَهْ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطائفي صدوق سيء الْحِفْظِ انْتَهَى وقَالَ فِي مُقَدِّمَةِ فَتْحِ الْبَارِي وثقة بن معين والعجلي وبن سَعْدٍ وقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَحَلُّهُ الصِّدْقُ وَلَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَقَالَ السَّاجِيُّ أَخْطَأَ فِي أَحَادِيثَ رَوَاهَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَكِتَابُهُ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِذَا حَدَّثَ مِنْ كِتَابِهِ فَحَدِيثُهُ حَسَنٌ وإِذَا حَدَّثَ حِفْظًا فَيُعْرَفُ وَيُنْكَرُ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ الْبَابِ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ (مَنْ دَخَلَ حَائِطًا فَلْيَأْكُلْ) أَيْ مِنْ ثِمَارِهِ (وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ وَهِيَ طَرَفُ الثَّوْبِ أَيْ لَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فِي ثَوْبِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي اللُّقَطَةِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الزَّكَاةِ وبن ماجه

وَالتِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَعَبَّادِ بْنِ شُرَحْبِيلَ) أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ (وَرَافِعِ بْنِ عَمْرٍو) الْغِفَارِيِّ أَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ (وَعُمَيْرٍ مَوْلَى أَبِي اللَّحْمِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عُمَرَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ يَصِحَّ وَجَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ غَيْرِ قَوِيَّةٍ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْبَيْهَقِيِّ هَذَا وَالْحَقُّ أَنَّ مَجْمُوعَهَا لَا يقصر عن درجة الصحيح وقد احتجوا في كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ بِمَا هُوَ دُونَهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِابْنِ السَّبِيلِ فِي أَكْلِ الثِّمَارِ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ إِلَّا بِالثَّمَنِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ اختلف العلماء فيمن مَرَّ بِبُسْتَانٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ قَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ فَيَأْخُذُ وَيَغْرَمُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ لَا يَلْزَمُهُ شيء وقال أحمد إذا لم يكن على الْبُسْتَانِ حَائِطٌ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنَ الْفَاكِهَةِ الرطبة في أصح الروايتين ولو لم يحتج لِذَلِكَ وفِي الْأُخْرَى إِذَا احْتَاجَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ وعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَعْنِي حَدِيثَ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ بِحَائِطٍ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ قَدْ ضَعَّفَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ لَمْ يَصِحَّ وَجَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ غَيْرِ قَوِيَّةٍ وقَالَ الْحَافِظُ وَالْحَقُّ أَنَّ مجموعها لا يقصر عن درجة الصحيح وقد نَقَلْنَا آنِفًا كَلَامَ الْبَيْهَقِيِّ وكَلَامَ الْحَافِظِ ويَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ احْتِلَابِ الْمَوَاشِي بِغَيْرِ إِذْنِ الْأَرْبَابِ [1289] قَوْلُهُ (عَنِ الثَّمَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ (الْمُعَلَّقِ) أَيْ الْمُدَلَّى مِنَ الشَّجَرِ (مَنْ أَصَابَ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الثَّمَرِ (مِنْ ذِي حَاجَةٍ) بَيَانٌ لِمَنْ أَيْ فَقِيرٍ أَوْ مُضْطَرٍ (غَيْرَ مُتَّخِذٍ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَصَابَ (خُبْنَةً) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْخُبْنَةُ مِعْطَفُ الْإِزَارِ وَطَرَفُ الثَّوْبِ أَيْ لَا يَأْخُذُ مِنْهُ فِي ثَوْبِهِ يُقَالُ أَخْبَنَ الرَّجُلُ إِذَا خَبَّأَ شَيْئًا فِي خُبْنَةِ ثوبه أو سراويله انتهى (فلا شي عليه) قال بن الْمَلِكِ أَيْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لَكِنْ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ وأَجَازَ ذَلِكَ أَحْمَدُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه النسائي وأبو

باب ما جاء في النهي عن الثنيا

داود وبن ماجه [1288] قَوْلُهُ (كُنْتُ أَرْمِي نَخْلَ الْأَنْصَارِ) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ كُنْتُ غُلَامًا أَرْمِي نَخْلَ الْأَنْصَارِ (وَكُلْ مَا وَقَعَ) أَيْ سَقَطَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ الثُّنْيَا) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ عَلَى وَزْنِ الدُّنْيَا اسْمٌ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَهِيَ فِي الْبَيْعِ أَنْ يَسْتَثْنِيَ شَيْئًا مَجْهُولًا [1290] قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا (وَالْمُخَابَرَةِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (وَالثُّنْيَا) أَيْ إِذَا أَفْضَتْ إِلَى الْجَهَالَةِ (إِلَّا أَنْ تُعْلَمَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ والْمَعْنَى إِذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مَعْلُومًا فَهُوَ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ وَإِنَّمَا المنهي عنه هو الاستثناء المجهول قال بن حَجَرٍ الْمُرَادُ بِالثُّنْيَا الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْبَيْعِ نَحْوُ أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ شَيْئًا وَيَسْتَثْنِيَ بَعْضَهُ فَإِنْ كَانَ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ مَعْلُومًا نَحْوَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ وَاحِدَةً مِنَ الْأَشْجَارِ أَوْ مَنْزِلًا مِنَ الْمَنَازِلِ أَوْ مَوْضِعًا مَعْلُومًا مِنَ الْأَرْضِ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ وإِنْ كَانَ مَجْهُولًا نَحْوَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ شَيْئًا غَيْرَ مَعْلُومٍ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ والْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنِ اسْتِثْنَاءِ الْمَجْهُولِ مَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْغَرَرِ مَعَ الْجَهَالَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ نَهَى عَنِ الثُّنْيَاءِ أَخْرَجَهُ أَيْضًا بِزِيَادَةِ إِلَّا أَنْ تعلم النسائي وبن حبان في صحيحه وغلط بن الْجَوْزِيِّ فَزَعَمَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِهِ الثُّنْيَا

باب ما جاء في كراهية بيع الطعام حتى يستوفيه

56 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ) أَيْ يَقْبِضَهُ [1291] قَوْلُهُ (مَنِ ابْتَاعَ) أَيْ اشْتَرَى (حَتَّى يَسْتَوفِيَهُ) أَيْ يَقْبِضَهُ وَافِيًا (قال بن عَبَّاسٍ وَأَحْسَبُ كُلَّ شَيْءٍ مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ الطعام إستعمل بن عَبَّاسٍ الْقِيَاسَ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّصُّ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ كَالطَّعَامِ كَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُبَاعَ السِّلَعُ حَيْثُ تُبْتَاعَ حَتَّى يَحُوزَهَا التُّجَّارُ إِلَى رِحَالِهِمْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدّارَقُطْنيُّ وكَحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ عَلَيَّ قَالَ إِذَا اشْتَرَيْتَ شَيْئًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ رَوَاهُ أحمد قال محمد في الموطإ بقول بن عَبَّاسٍ نَأْخُذُ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا مِثْلَ الطَّعَامِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَبِيعَ الْمُشْتَرِي شَيْئًا اشْتَرَاهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِلَّا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالْأَرْضِينَ الَّتِي لَا تُحَوَّلُ أَنْ تُبَاعَ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ أَمَّا نَحْنُ فَلَا نُجِيزُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يُقْبَضَ انْتَهَى كَلَامُ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ هُوَ الظَّاهِرُ لِإِطْلَاقِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ الْمَذْكُورَيْنِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن جابر) أخرجه أحمد ومسلم (وبن عُمَرَ) قَالَ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الطَّعَامَ جُزَافًا بِأَعْلَى السُّوقِ فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يَنْقُلُوهُ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا الترمذي وبن ماجه قوله حديث بن عَبَّاسٍ حَسَنٌ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي مَنِ ابْتَاعَ شَيْئًا مِمَّا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ) أَيْ فِي مَنِ اشْتَرَى شَيْئًا غَيْرَ مَكِيلٍ وَلَا مَوْزُونٍ (مِمَّا لَا يُؤْكَلُ وَلَا يُشْرَبُ) لِمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ (أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَوفِيَهُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالْأَرْضِينَ كَمَا تَقَدَّمَ (وَإِنَّمَا التَّشْدِيدُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الطَّعَامِ وهو قول أحمد وإسحاق) قال الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ

باب ما جاء في النهي عن البيع على بيع أخيه

اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ مَالِكٌ يَجُوزُ جَمِيعُ التَّصَرُّفَاتِ فِي غَيْرِ الطَّعَامِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِوُرُودِ التَّخْصِيصِ فِي الْأَحَادِيثِ بِالطَّعَامِ وَقَالَ أَحْمَدُ إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ وفِي غَيْرِهِ يَجُوزُ وَقَالَ زُفَرُ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ بَيْعُ شَيْءٍ قَبْلَ الْقَبْضِ طَعَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى جَوَازِ بَيْعِ غَيْرِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّ النَّهْيَ مَعْلُولٌ بِضَرَرِ انْفِسَاخِ الْعَقْدِ لِخَوْفِ الْهَلَاكِ وَهُوَ فِي الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ نَادِرٌ وفِي الْمَنْقُولَاتِ غَيْرُ نَادِرٍ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الظَّاهِرَ قَوْلُ زُفَرَ وَمُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُمْ واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) [1292] قَوْلُهُ (لَا يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ) بِأَنْ يَجِيءَ بَعْضُكُمْ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي وَرُكُونِ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ فَيَزِيدُ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ فَإِطْلَاقُ الْبَيْعِ مَجَازٌ أَوَّلٌ يُرَادُ بِهِ السَّوْمُ (وَلَا يَخْطُبُ بَعْضُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ بَعْضٍ) أَيْ بَعْدَ التَّوَافُقِ عَلَى الصَّدَاقِ وَرُكُونِ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ ولَفْظُ الْبُخَارِيِّ نَهَى أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَأَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ حَتَّى يَتْرُكَ الْخَاطِبُ قَبْلَهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهُ الْخَاطِبُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَسَمُرَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَا يَسُومُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا يَسُمُ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ (وَمَعْنَى الْبَيْعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ هُوَ السَّوْمُ) صُورَةُ السَّوْمِ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا لِيَشْتَرِيَهُ فَيَقُولَ الْمَالِكُ رُدَّهُ لِأَبِيعَكَ خَيْرًا مِنْهُ بِثَمَنِهِ أَوْ مِثْلَهُ بِأَرْخَصَ أَوْ يَقُولَ لِلْمَالِكِ اسْتَرِدَّهُ لِأَشْتَرِيَهُ مِنْكَ بِأَكْثَرَ وإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الثَّمَنِ وَرُكُونِ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَصْرِيحًا فَقَالَ الْحَافِظُ فِي

باب ما جاء في بيع الخمر والنهي عن ذلك

الْفَتْحِ لَا خِلَافَ فِي التَّحْرِيمِ وَإِنْ كَانَ ظاهرا ففيه وجهان للشافعية وقال بن حَزْمٍ إِنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ لَا يَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الرُّكُونِ وتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ مُبِينٍ لِوَضْعِ التَّحْرِيمِ فِي السَّوْمِ لِأَنَّ السَّوْمَ فِي السِّلْعَةِ الَّتِي تُبَاعُ فِيمَنْ يَزِيدُ لَا يَحْرُمُ اتِّفَاقًا كَمَا حَكَاهُ فِي الْفَتْحِ عن بن عَبْدِ الْبَرِّ فَتَعَيَّنَ أَنَّ السَّوْمَ الْمُحَرَّمَ مَا وقع فيه قَدْرٍ زَائِدٍ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا صُورَةُ الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى الشِّرَاءِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِمَنِ اشْتَرَى سِلْعَةً فِي زَمَنِ الْخِيَارِ افْسَخْ لِأَبِيعَكَ بِأَنْقَصَ أَوْ يَقُولَ لِلْبَائِعِ افْسَخْ لِأَشْتَرِيَ مِنْكَ بِأَزْيَدَ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَدِ اشْتَرَطَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ فِي التَّحْرِيمِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُشْتَرِي مَغْبُونًا غَبْنًا فَاحِشًا وإِلَّا جَازَ الْبَيْعُ عَلَى الْبَيْعِ وَالسَّوْمُ عَلَى السَّوْمِ لِحَدِيثِ الدِّينُ النَّصِيحَةُ وأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ النَّصِيحَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْبَيْعِ عَلَى الْبَيْعِ وَالسَّوْمِ عَلَى السَّوْمِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُعَرِّفَهُ أَنَّ قِيمَتَهَا كَذَا فَيُجْمَعُ بِذَلِكَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ كَذَا فِي الْفَتْحِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ الْخَمْرِ وَالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ) [1293] قَوْلُهُ (لِأَيْتَامٍ) صِفَةُ خَمْرٍ أَيْ اشْتَرَيْتُهَا لِلتَّخْلِيلِ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي ويَحْتَمِلُ أَنْ يَتَعَلَّقَ باشتريت أَيْ اشْتَرَيْتُهَا لِأَجْلِهِمْ وَيَكُونُ هَذَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ ثم سأل عن حكمها بعد التحريم هلى أُلْقِيهِ أَوْ أُهْرِيقُهُ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ السَّابِقِ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ كَانَ عِنْدَنَا خَمْرٌ لِيَتِيمٍ فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمَائِدَةُ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ وَقُلْتُ إِنَّهُ لِيَتِيمٍ فَقَالَ أَهْرِيقُوهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَيُنَاسِبُهُ مَعْنَى رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ أَفَلَا أَجْعَلُهَا خَلًّا قَالَ لَا كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ (فِي حِجْرِي) صِفَةٌ لِأَيْتَامٍ (وَاكْسِرْ الدِّنَانَ) بِكَسْرِ الدَّالِ جَمْعُ الدَّنِّ وَهُوَ ظَرْفُهَا وَإِنَّمَا أَمَرَ بِكَسْرِهِ لِنَجَاسَتِهِ بِتَشَرُّبِهَا وَعَدَمِ إِمْكَانِ تَطْهِيرِهِ أَوْ مُبَالَغَةً لِلزَّجْرِ عَنْهُ وَعَمًّا قَارَبَهَا كَمَا كَانَ التَّغْلِيظُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْأَصْبَهَانِيُّ ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ (وَأَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ قَالَ قُلْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حرمت الخمر إن عندنا خمر اليتيم لنا فأمرنا فأهرقناها (وبن مسعود) لم

أقف على حديثه (وبن عمر) أخرجه أبو داود وبن ماجه (وأنس) أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ رَوَى الثَّوْرَيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ كَانَ عِنْدَهُ) فَالْحَدِيثُ عَلَى رِوَايَةِ السُّدِّيِّ مِنْ مُسْنَدِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ اللَّيْثِ فَهُوَ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ والسُّدِّيُّ هَذَا هُوَ الْكَبِيرُ وَاسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ كَانَ يَقْعُدُ فِي سُدَّةِ بَابِ الْجَامِعِ فَسُمِّيَ بالسدى بضم السين وتشديد الدال [1294] قَوْلُهُ (قَالَ لَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا دَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَخْلِيلُ الْخَمْرِ وَلَا تَطْهُرُ بِالتَّخْلِيلِ هَذَا إِذَا خَلَّلَهَا بِخُبْزٍ أَوْ بَصَلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُلْقَى فِيهَا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى نَجَاسَتِهَا وَيَنْجُسُ مَا أُلْقِيَ فِيهَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَطْهُرُ وعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا أَنَّ التَّخْلِيلَ حَرَامٌ فَلَوْ خَلَّلَهَا عَصَى وَطَهُرَتْ والثَّانِيَةُ حَرَامٌ وَلَا تَطْهُرُ والثَّالِثَةُ حَلَالٌ وَتَطْهُرُ وأَجْمَعُوا أَنَّهَا إِذَا انْتَقَلَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا طَهُرَتْ وَقَدْ يُحْكَى عَنْ سُحْنُونٍ الْمَالِكِيِّ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ [1295] قَوْلُهُ (فِي الْخَمْرِ) ظَرْفِيَّةٌ مَجَازِيَّةٌ أَوْ تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ فِي شَأْنِهَا أَوْ لِأَجْلِهَا (عَشْرَةٌ) أَيْ عَشْرَةُ أَشْخَاصٍ (عَاصِرَهَا) بِالنَّصْبِ بَدَلًا عَنِ الْمَفْعُولِ بِهِ وَهُوَ مَنْ يَعْصِرُهَا بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ (وَمُعْتَصِرَهَا) مَنْ يَطْلُبُ عَصْرَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ (وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) أَيْ مَنْ يَطْلُبُ أَنْ يَحْمِلَهَا أَحَدٌ إِلَيْهِ (وَبَائِعَهَا) أَيْ عَاقِدَهَا وَلَوْ كَانَ وَكِيلًا أَوْ دَلَّالًا (وَالْمُشْتَرِيَ) أَيْ لِلشُّرْبِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ غَيْرِهَا (لَهَا) أَيْ لِلْخَمْرِ (وَالْمُشْتَرَاةَ لَهُ) بِصِيغَةِ

باب ما جاء في احتلاب المواشي بغير إذن الأرباب

اسْمِ الْمَفْعُولِ أَيْ الَّذِي اشْتُرِيَتِ الْخَمْرُ لَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ) رضي الله عنه وأخرجه بن ماجه (وقد روى نحو هذا عن بن عباس) أخرجه أحمد بإسناد صحيح وبن حبان والحاكم كذا في الترغيب (وبن مسعود) لم أقف على حديثه (وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي احْتِلَابِ الْمَوَاشِي بِغَيْرِ إِذْنِ الْأَرْبَابِ) أَيْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَرْبَابِ الْمَوَاشِي وهِيَ جَمْعُ الْمَاشِيَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَاشِيَةُ الْإِبِلُ وَالْغَنَمُ انْتَهَى وقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَاشِيَةُ جَمْعُهَا الْمَوَاشِي وَهِيَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْغَنَمِ انْتَهَى [1296] قَوْلُهُ (إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَتَى مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ وَعَدَّاهُ بِعَلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى نَزَلَ وَجَعَلَ الْمَاشِيَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمُضِيفِ وفِيهِ مَعْنَى حُسْنِ التَّعْلِيلِ وَهَذَا إِذَا كَانَ الضَّيْفُ النَّازِلُ مُضْطَرًّا انْتَهَى (فَلْيَسْتَأْذِنْهُ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا (فَلْيُصَوِّتْ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ فَلْيَصِحْ وَلِيُنَادِ (وَلَا يَحْمِلْ) أَيْ منه شيئا قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مُشْرَبَتُهُ فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ فَيُنْتَقَلُ طَعَامُهُ فَإِنَّمَا تُخَزِّنُ لَهُمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أُطْعُمَاتِهِمْ فَلَا يَحْلِبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِهِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَبِي سعيد) أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا أَتَيْتَ عَلَى رَاعٍ فَنَادِهِ ثَلَاثًا فَإِنْ أَجَابَكَ وَإِلَّا فَاشْرَبْ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفْسِدَ الْحَدِيثَ وذَكَرَ الْحَافِظُ هَذَا الحديث في الفتح وقال أخرجه بن ماجه والطحاوي وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ

(حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَى الْحَسَنِ فَمَنْ صَحَّحَ سَمَاعَهُ مِنْ سَمُرَةَ صَحَّحَهُ وَمَنْ لَا أَعَلَّهُ بِالِانْقِطَاعِ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ مِنْ أَقْوَاهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَذَكَرَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ أحمد وإسحاق) قال القارىء قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا يعني على حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْلِبَ مَاشِيَةَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنٍ إِلَّا إِذَا اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ وَيَضْمَنُ وَقِيلَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَبَاحَهُ لَهُ وذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا إِلَى إِبَاحَتِهِ لِغَيْرِ الْمُضْطَرِّ أَيْضًا إِذَا لَمْ يَكُنْ الْمَالِكُ حَاضِرًا فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَلَبَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبَنًا مِنْ غَنَمِ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَرْعَاهَا عَبْدٌ لَهُ وَصَاحِبُهَا غَائِبٌ فِي هِجْرَتِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ولِمَا رَوَى الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ الْحَدِيثَ وقَدْ رَخَّصَ بَعْضُهُمْ لِابْنِ السَّبِيلِ فِي أَكْلِ ثِمَارِ الْغَيْرِ ولما روي عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ غَرِيبٍ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال من دَخَلَ حَائِطًا لِيَأْكُلَ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَكْثَرِهِمْ لَا يُبَاحُ إِلَّا بِإِذْنِ الْمَالِكِ إِلَّا بِضَرُورَةِ مَجَاعَةٍ كَمَا سَبَقَ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى الْمَجَاعَةِ وَالضَّرُورَةِ لِأَنَّهَا لَا تُقَاوِمُ النُّصُوصَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي تَحْرِيمِ مَالِ الْمُسْلِمِ انْتَهَى وقَالَ الحافظ في الفتح تحت حديث بن عمر المذكور قال بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يأخذ المسلم للمسلم شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنَّمَا خُصَّ اللَّبَنُ بِالذِّكْرِ لِتَسَاهُلِ النَّاسِ فِيهِ فَنَبَّهَ عَلَى مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ وبِهَذَا أَخَذَ الْجُمْهُورُ لَكِنْ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنٍ خَاصٍّ أَوْ إِذْنٍ عَامٍّ واسْتَثْنَى كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ مَا إِذَا عَلِمَ بِطِيبِ نَفْسِ صَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ إِذْنٌ خَاصٌّ وَلَا عَامٌّ وذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى الْجَوَازِ مُطْلَقًا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ سَوَاءٌ عَلِمَ بِطِيبِ نَفْسِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَالْحُجَّةُ لَهُمْ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ الْحَدِيثَ وأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ حَدِيثَ النَّهْيِ أَصَحُّ وَأَوْلَى أَنْ يُعْمَلَ بِهِ وَبِأَنَّهُ مُعَارِضٌ لِلْقَوَاعِدِ الْقَطْعِيَّةِ فِي تَحْرِيمِ مَالِ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ ومِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِوُجُوهٍ مِنَ الْجَمْعِ مِنْهَا حَمْلُ الْإِذْنِ عَلَى مَا إِذَا عَلِمَ طِيبَ نَفْسِ صَاحِبِهِ وَالنَّهْيُ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَعْلَمْ وَمِنْهَا تَخْصِيصُ الْإِذْنِ بِابْنِ السَّبِيلِ دُونَ غَيْرِهِ أَوْ بِالْمُضْطَرِّ أَوْ بِحَالِ الْمَجَاعَةِ مُطْلَقًا وَهِيَ مُتَقَارِبَةٌ ومِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمَالِكُ أَحْوَجَ مِنَ الْمَارِّ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ إِذْ رَأَيْنَا إِبِلًا مَصْرُورَةً فَثُبْنَا إِلَيْهَا فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذِهِ الْإِبِلَ لِأَهْلِ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ قُوتُهُمْ أَيَسُرُّكُمْ لَوْ رَجَعْتُمْ إِلَى مَزَاوِدِكُمْ فَوَجَدْتُمْ مَا فِيهَا قَدْ ذَهَبَ قُلْنَا لَا قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ أَخْرَجَهُ أحمد وبن ماجه

وَاللَّفْظُ لَهُ وفِي حَدِيثِ أَحْمَدَ فَابْتَدَرَهَا الْقَوْمُ لِيَحْلِبُوهَا قَالُوا فَيُحْمَلُ حَدِيثُ الْإِذْنِ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمَالِكُ مُحْتَاجًا وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ مُسْتَغْنِيًا ومِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْإِذْنَ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَصْرُورَةٍ وَالنَّهْيَ عَلَى مَا إِذَا كَانَتْ مَصْرُورَةً لِهَذَا الْحَدِيثِ لَكِنْ وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي آخِرِهِ فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَاشْرَبُوا وَلَا تَحْمِلُوا فَدَلَّ عَلَى عُمُومِ الْإِذْنِ فِي الْمَصْرُورِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ بِقَيْدِ عَدَمِ الْحَمْلِ وَلَا بد منه واختار بن الْعَرَبِيِّ الْحَمْلَ عَلَى الْعَادَةِ قَالَ وَكَانَتْ عَادَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَغَيْرِهِمْ الْمُسَامَحَةَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ بَلَدِنَا وأَشَارَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ إِلَى قَصْرِ ذَلِكَ عَلَى الْمُسَافِرِ فِي الْغَزْوِ وآخَرُونَ عَلَى قَصْرِ الْإِذْنِ عَلَى مَا كَانَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالنَّهْيِ عَلَى مَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ وَكَانَ ذَلِكَ حِينَ كَانَتِ الضِّيَافَةُ وَاجِبَةً ثُمَّ نُسِخَتْ فَنُسِخَ ذَلِكَ الْحُكْمُ وَأَوْرَدَ الْأَحَادِيثَ فِي ذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَنْ مَرَّ بِبُسْتَانٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ قَالَ الْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ فَيَأْخُذُ وَيَغْرَمُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وقال بعض السلف لا يلزمه شيء وقال أَحْمَدُ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْبُسْتَانِ حَائِطٌ جَازَ لَهُ الْأَكْلُ مِنَ الْفَاكِهَةِ الرَّطْبَةِ فِي أصح الروايتين ولو لم يحتج لذلك وفي الْأُخْرَى إِذَا احْتَاجَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الْحَالَيْنِ وعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ الحديث قال البيهقي يعني حديث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ بِحَائِطٍ فَلْيَأْكُلْ وَلَا يَتَّخِذْ خُبْنَةً أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ يَصِحَّ وَجَاءَ مِنْ أَوْجُهٍ أُخَرَ غَيْرِ قَوِيَّةٍ قَالَ الْحَافِظُ وَالْحَقُّ أَنَّ مَجْمُوعَهَا لا يقصر عن درجة الصحيح وقد احتجوا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ بِمَا هُوَ دُونَهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ (وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَقَالُوا إِنَّمَا يُحَدِّثُ عَنْ صَحِيفَةِ سَمُرَةَ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ هَكَذَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ سَمَاعًا مِنْهُ لِحَدِيثِ الْعَقِيقَةِ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ نُسْخَةً كَبِيرَةً غَالِبُهَا فِي السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَعِنْدَ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ أَنَّ كُلَّهَا سَمَاعٌ وَكَذَا حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ وَقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَآخَرُونَ هِيَ كِتَابٌ وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي الِانْقِطَاعَ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَقَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ إِنَّ عَبْدًا لَهُ أَبَقَ وَإِنَّهُ نَذَرَ إِنْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ فَقَالَ الْحَسَنُ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ قَالَ قَلَّمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً إِلَّا أَمَرَ فِيهَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ وَهَذَا يَقْتَضِي سَمَاعَهُ مِنْهُ لِغَيْرِ حَدِيثِ الْعَقِيقَةِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ عَقِبَ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ سَمُرَةَ عَنْ أَبِيهِ فِي الصَّلَاةِ دَلَّتْ هَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَلَى أَنَّ الْحَسَنَ سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ قَالَ الْحَافِظُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الدَّلَالَةِ بَعْدُ انْتَهَى

باب ما جاء في بيع جلود الميتة والأصنام

60 - (بَاب مَا جَاءَ فِي بَيْعِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَالْأَصْنَامِ) [1297] قَوْلُهُ (عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ) فِيهِ بَيَانُ تَارِيخِ ذَلِكَ وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّحْرِيمُ وَقَعَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَعَادَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْمَعَهُ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهُ (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وفِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِإِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى الضَّمِيرِ الْوَاحِدِ وكَانَ الْأَصْلُ حَرَّمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالتَّحْقِيقُ جَوَازُ الْإِفْرَادِ فِي مِثْلِ هَذَا وَوَجْهُهُ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ أمر النبي صلى الله عليه وسلم ناشىء عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ وَاللَّهُ ورسوله أحق أن يرضوه وَالْمُخْتَارُ فِي هَذَا أَنَّ الْجُمْلَةَ الْأُولَى حُذِفَتْ لِدَلَالَةِ الثَّانِيَةِ عَلَيْهَا وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ انْتَهَى (بَيْعُ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهِ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى شَحْمِ الْمَيْتَةِ عَلَى تَأْوِيلِ المذكور قاله الطيبي قال القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الشَّحْمِ الْمَفْهُومِ مِنَ الشُّحُومِ (السُّفُنُ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ السَّفِينَةِ (وَيُدَّهِنُ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ (وَيَسْتَصْبِحُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يُنَوِّرُ (بِهَا النَّاسُ) أَيْ الْمِصْبَاحَ أَوْ بُيُوتَهُمْ يَعْنِي فَهَلْ يَحِلُّ بَيْعُهَا لِمَا ذُكِرَ مِنَ الْمَنَافِعِ فَإِنَّهَا مُقْتَضِيَةٌ لِصِحَّةِ الْبَيْعِ (قَالَ لَا هُوَ حَرَامٌ) قَالَ الْحَافِظُ أَيْ الْبَيْعُ هَكَذَا فَسَّرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَالشَّافِعِيِّ وَمَنِ اتَّبَعَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ قَوْلَهُ وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الِانْتِفَاعِ فَقَالَ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ فَلَا يُنْتَفَعُ مِنَ الْمَيْتَةِ أَصْلًا عِنْدَهُمْ إِلَّا مَا خُصَّ بِالدَّلِيلِ وَهُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ واخْتَلَفُوا فِيمَا يَتَنَجَّسُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الطَّاهِرَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الْجَوَازِ وقال أحمد وبن الْمَاجِشُونَ لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ واسْتَدَلَّ الْخَطَّابِيُّ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَتْ لَهُ دَابَّةٌ سَاغَ لَهُ إِطْعَامُهَا لِكِلَابِ الصَّيْدِ فَكَذَلِكَ يَسُوغُ دَهْنُ السَّفِينَةِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ وَلَا فَرْقَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ) أَيْ أَهْلَكَهُمْ وَلَعَنَهُمْ

باب ما جاء في الرجوع في الهبة

إِخْبَارٌ أَوْ دُعَاءٌ (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ) أَيْ شُحُومَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ قَالَ اللَّهُ تعالى ومن الغنم والبقر حرمنا عليهم شحومهما فَأَجْمَلُوهُ أَيْ أَذَابُوهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ جَمَلْتُ الشَّحْمَ وَأَجْمَلْتُهُ أَذَبْتُهُ وقَالَ فِي الْقَامُوسِ جَمَلَ الشَّحْمَ أَذَابَهُ كَأَجْمَلَهُ وَاجْتَمَلَهُ واحْتَالُوا بِذَلِكَ فِي تَحْلِيلِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّحْمَ الْمُذَابَ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الشَّحْمِ فِي عُرْفِ الْعَرَبِ بَلْ يَقُولُونَ إِنَّهُ الْوَدَكُ (ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي هَذِهِ الْجُمَلِ الثَّلَاثِ رَاجِعٌ إِلَى الشُّحُومِ عَلَى تَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ أَوِ الَى الشَّحْمِ الْمَفْهُومِ مِنَ الشُّحُومِ كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ كل حيلة تحتال للتوصيل إِلَى مُحَرَّمٍ وَأَنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُهُ بِتَغَيُّرِ هيأته وَتَبْدِيلِ اسْمِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) مَرْفُوعًا قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشحوم فجملوها فباعوها أخرجه الشيخان (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) [1298] قَوْلُهُ (لَيْسَ لَنَا مَثَلُ السَّوْءِ) أَيْ لَا يَنْبَغِي لَنَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ نَتَّصِفَ بِصِفَةٍ ذَمِيمَةٍ يُشَابِهُنَا فِيهَا أَخَسُّ الْحَيَوَانَاتِ فِي أَخَسِّ أَحْوَالِهَا قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى) وَلَعَلَّ هَذَا أَبْلَغُ فِي الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ وَأَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ مِمَّا لَوْ قَالَ لَا تَعُودُوا فِي الْهِبَةِ وإِلَى الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بَعْدَ أَنْ تُقْبَضَ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَّا هِبَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ جَمْعًا بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ (الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قيئه قال الطحاوي قوله قَوْلُهُ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ وَإِنِ اقْتَضَى التَّحْرِيمَ لِكَوْنِ الْقَيْءِ حَرَامًا لَكِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ كَالْكَلْبِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّ الْكَلْبَ غَيْرُ مُتَعَبِّدٍ فَالْقَيْءُ لَيْسَ حَرَامًا عَلَيْهِ والْمُرَادُ التَّنْزِيهُ عَنْ فِعْلٍ يُشْبِهُ فِعْلَ

الْكَلْبِ وتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ مَا تَأَوَّلَهُ وَمُنَافِرَةِ سِيَاقِ الْأَحَادِيثِ لَهُ وَبِأَنَّ عُرْفَ الشَّرْعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يُرِيدُ بِهِ الْمُبَالَغَةَ فِي الزَّجْرِ كقوله من لعب بالنرد شير فَكَأَنَّمَا غَمَسَ يَدَهُ فِي لَحْمِ خِنْزِيرٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً فَيَرْجِعَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى يُعْطِي (فِيهَا) أَيْ فِي عَطِيَّتِهِ (إِلَّا الْوَالِدَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ واحْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ إِلَّا هِبَةَ الْوَالِدِ لولده وهم جمهور العلماء [1299] قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ قَوْلُهُ (قَالُوا مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً لِغَيْرِ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا مَا لَمْ يُثَبْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ مَا لَمْ يُعَوَّضْ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ هِبَتِهِ (وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ حَدِيثُ بن عمر وبن عَبَّاسٍ نَصٌّ صَرِيحٌ عَلَى أَنَّ جَوَازَ الرُّجُوعِ مَقْصُورٌ عَلَى مَا وَهَبَ الْوَالِدُ مِنْ وَلَدِهِ وإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَعَكَسَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالُوا لَا رُجُوعَ لِلْوَاهِبِ فِيمَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ مَحَارِمِهِ وَلِأَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِيمَا وَهَبَ لِلْآخَرِ ولَهُ الرُّجُوعُ فِيمَا وَهَبَ لِلْأَجَانِبِ وجَوَّزَ مَالِكٌ الرُّجُوعَ مُطْلَقًا إِلَّا فِي هِبَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ مِنَ الْآخَرِ وأَوَّلَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا الْحَدِيثَ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يَحِلُّ مَعْنَاهُ التَّحْذِيرُ عَنِ الرُّجُوعِ لَا نَفْيَ الْجَوَازِ عَنْهُ كَمَا فِي قَوْلِكَ لَا يَحِلُّ لِلْوَاجِدِ رَدُّ السَّائِلِ وقَوْلُهُ إِلَّا الْوَالِدَ لِوَلَدِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ وَيَتَصَرَّفَ فِي نَفَقَتِهِ وَسَائِرِ مَا يَجِبُ لَهُ عَلَيْهِ وَقْتَ حَاجَتِهِ كَسَائِرِ أَمْوَالِهِ اسْتِيفَاءً لِحَقِّهِ مِنْ مَالِهِ لَا اسْتِرْجَاعًا لِمَا وَهَبَ وَنَقْضًا لِلْهِبَةِ وَهُوَ مَعَ بُعْدِهِ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ بلا دليل انتهى كلام القاضي قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ مُتَعَقِّبًا عَلَيْهِ الْمُجْتَهِدُ أَسِيرُ الدَّلِيلِ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ دَلِيلٌ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّأْوِيلِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ أَخْرَجَ مَالِكٌ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ وَهَبَ هِبَةً يَرْجُو ثَوَابَهَا وَهِيَ رَدٌّ عَلَى صَاحِبِهَا مَا لم يثب منها ورواه البيهقي عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ قَالَ الْحَافِظُ وَالْمَحْفُوظُ من رواية بن عُمَرَ عَنْ عُمَرَ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى مَرْفُوعًا قِيلَ وَهُوَ وَهْمٌ قَالَ الْحَافِظُ صححه الحاكم وبن حزم ورواه بن حَزْمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ

باب ما جاء في العرايا والرخصة في ذلك

الْوَاهِبُ أَحَقُّ بِهِبَتِهِ مَا لَمْ يُثَبْ مِنْهَا وأخرجه أيضا بن مَاجَهْ وَالدّارَقُطْنيُّ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا كَانَتِ الْهِبَةُ لِذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَمْ يَرْجِعْ ورَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ من حديث بن عباس قال الحافظ وسنده ضعيف قال بن الجوزي أحاديث بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَمُرَةَ ضَعِيفَةٌ ولَيْسَ مِنْهَا مَا يَصِحُّ وأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنِ بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا مَنْ وَهَبَ هِبَةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا حَتَّى يُثَابَ عَلَيْهَا فَإِنْ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ فَهُوَ كَالَّذِي يَقِيءُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كَانَتْ مُخَصِّصَةً لِعُمُومِ حَدِيثِ الْبَابِ فَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْإِثَابَةِ عَلَيْهَا وَمَفْهُومُ حَدِيثِ سَمُرَةَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ لِغَيْرِ ذِي الرَّحِمِ انْتَهَى (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحِلُّ إِلَخْ) وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كَمَا عَرَفْتَ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَرَايَا وَالرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ) الْعَرَايَا جَمْعُ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ عَطِيَّةُ ثَمَرِ النَّخْلِ دُونَ الرَّقَبَةِ كَانَ الْعَرَبُ فِي الْجَدْبِ يَتَطَوَّعُ أَهْلُ النَّخْلِ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ لَا ثَمَرَ لَهُ كَمَا يَتَطَوَّعُ صَاحِبُ الشَّاةِ أَوْ الْإِبِلِ بِالْمَنِيحَةِ وَهِيَ عَطِيَّةُ اللَّبَنِ دُونَ الرَّقَبَةِ والْعَرِيَّةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى فَعُولَةٍ أَوْ فَاعِلَةٍ يُقَالُ عَرَى النَّخْلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ بِالتَّعَدِّيَةِ يَعْرُوهَا إِذَا أَفْرَدَهَا عَنْ غَيْرِهَا بِأَنْ أَعْطَاهَا لِآخَرَ عَلَى سَبِيلِ الْمَنْحَةِ لِيَأْكُلَ ثَمَرَهَا وَتَبْقَى رَقَبَتُهَا لِمُعْطِيهَا وَيُقَالُ عَرِيَتِ النَّخْلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ تَعْرَى عَلَى أَنَّهُ قَاصِرٌ فَكَأَنَّهَا عَرِيَتْ عَنْ حُكْمِ أَخَوَاتِهَا وَاسْتُثْبِتَتْ بِالْعَطِيَّةِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهَا شَرْعًا فَقَالَ مَالِكٌ وَالْعَرِيَّةُ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ النَّخْلَةَ أَيْ يَهَبَهَا لَهُ أَوْ يَهَبَ لَهُ ثَمَرَهَا ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا أَيْ يَشْتَرِيَ رُطَبَهَا مِنْهُ بِتَمْرٍ كَذَا نَقَلَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ وقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ الْعَرَايَا أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ ثَمَنَ النَّخْلَةِ فَأَكْثَرَ بِخَرْصِهِ مِنَ التَّمْرِ بِأَنْ يَخْرِصَ الرُّطَبَ ثُمَّ يُقَدِّرَ كَمْ يَنْقُصُ إِذَا يَبَسَ ثُمَّ يشتري بخرصة تمر فَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ أَنْ يَتَقَابَضَا فَسَدَ الْبَيْعُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مُحَصَّلُهُ أَنْ لَا يَكُونَ جُزَافًا وَلَا نَسِيئَةً انْتَهَى وقَالَ بن إسحاق في حديثه عن نافع عن بن عُمَرَ كَانَتِ الْعَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي ما له النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ كَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ الحافظ أما حديث بن إسحاق

عن نافع فوصله الترمذي دون تفسير بن إِسْحَاقَ وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ فَوَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ بِلَفْظِ النَّخَلَاتِ وزَادَ فِيهِ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ فَيَبِيعُهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا وهَذَا قَرِيبٌ مِنَ الصُّورَةِ الَّتِي قَصَرَ مَالِكٌ الْعَرِيَّةَ عَلَيْهَا انْتَهَى وقَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاءُوا مِنَ التَّمْرِ كَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ الْحَافِظُ هَذَا وَصَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِ سُفْيَانُ بْنَ حُسَيْنٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا فِي الْعَرَايَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ فَذَكَرَهُ قَالَ الْحَافِظُ وَصُوَرُ الْعَرِيَّةِ كَثِيرَةٌ وَهَذِهِ إِحْدَاهَا قَالَ مِنْهَا أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِصَاحِبِ حَائِطٍ بِعْنِي ثَمَرَ نَخَلَاتٍ بِأَعْيَانِهَا بِخَرْصِهَا مِنَ التَّمْرِ فَيَخْرُصُهَا أَوْ يَبِيعُهُ وَيَقْبِضُ مِنْهُ التَّمْرَ وَيُسَلِّمُ إِلَيْهِ النَّخَلَاتِ بِالنَّخْلِيَّةِ فَيَنْتَفِعُ بِرُطَبِهَا مِنْهَا أَنْ يَهَبَهُ إِيَّاهَا فَيَتَضَرَّرَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِانْتِظَارِ صَيْرُورَةِ الرُّطَبِ تَمْرًا وَلَا يُحِبُّ أَكْلَهَا رُطَبًا لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى التَّمْرِ فَيَبِيعُ ذَلِكَ الرُّطَبَ بِخَرْصِهِ مِنَ الْوَاهِبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِتَمْرٍ يَأْخُذُ مُعَجَّلًا وَمِنْهَا أَنْ يَبِيعَ الرَّجُلُ ثَمَرَ حَائِطِهِ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَيَسْتَثْنِيَ مِنْهُ نَخَلَاتٍ مَعْلُومَةً يُبْقِيهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لِعِيَالِهِ وَهِيَ الَّتِي عُفِيَ لَهُ عَنْ خَرْصِهَا فِي الصَّدَقَةِ وَسُمِّيَتْ عَرَايَا لِأَنَّهَا أُعْرِيَتْ مِنْ أَنْ تُخْرَصَ فِي الصَّدَقَةِ فَرُخِّصَ لِأَهْلِ الْحَاجَةِ الَّذِينَ لَا نَقْدَ لَهُمْ وَعِنْدَهُمْ فُضُولٌ مِنْ تَمْرِ قُوتِهِمْ أَنْ يَبْتَاعُوا بِذَلِكَ التَّمْرِ مِنْ رُطَبِ تِلْكَ النَّخَلَاتِ بِخَرَصِهَا ومما يطلق عليه اسم عرية أي يُعْرِي رَجُلًا ثَمَرَ نَخَلَاتٍ يُبِيحُ لَهُ أَكْلَهَا وَالتَّصَرُّفَ فِيهَا وَهَذِهِ هِبَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَمِنْهَا أَنْ يُعْرِيَ عَامِلُ الصَّدَقَةِ لِصَاحِبِ الْحَاجَةِ مِنْ حَائِطِهِ نَخَلَاتٍ مَعْلُومَةً لَا يَخْرُصُهَا فِي الصَّدَقَةِ وَهَاتَانِ الصُّورَتَانِ مِنَ الْعَرَايَا لَا بَيْعَ فِيهِمَا وجَمِيعُ هَذِهِ الصُّوَرِ صَحِيحَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وقَصَرَ مَالِكٌ الْعَرِيَّةَ فِي الْبَيْعِ عَلَى الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وقَصَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ صُوَرِ الْبَيْعِ وَزَادَ أَنَّهُ رَخَّصَ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا الرُّطَبَ وَلَا يَشْتَرُوهُ لِتِجَارَةٍ وَلَا ادِّخَارٍ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ صُوَرَ الْبَيْعِ كُلَّهَا وَقَصَرَ الْعَرِيَّةَ عَلَى الْهِبَةِ وَهُوَ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ تَمْرَ نَخْلَةٍ مِنْ نَخْلِهِ وَلَا يُسَلِّمَ ذَلِكَ لَهُ ثُمَّ يَبْدُو لَهُ فِي ارْتِجَاعِ تِلْكَ الْهِبَةِ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَحْتَبِسَ ذَلِكَ وَيُعْطِيَهُ بِقَدْرِ مَا وَهَبَهُ لَهُ مِنَ الرُّطَبِ بِخَرْصِهِ تَمْرًا وَحَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ أَخْذُهُ بِعُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ وتُعُقِّبَ بِالتَّصْرِيحِ بِاسْتِثْنَاءِ العرايا في حديث بن عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ وفِي حَدِيثِ غَيْرِهِ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ مِنْ أَصْحَابِهِمْ أن معنى الرخصة أن الذي وهبت الْعَرِيَّةُ لَمْ يَمْلِكْهَا لِأَنَّ الْهِبَةَ لَا تُمْلَكُ إِلَّا بِالْقَبْضِ فَلَمَّا جَازَ لَهُ أَنْ يُعْطَى بَدَلَهَا تَمْرًا وَهُوَ لَمْ يَمْلِكِ الْبَدَلَ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَحِقَّ الْبَدَلَ كَانَ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى وَكَانَ رُخْصَةً وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ بَلْ مَعْنَى الرُّخْصَةِ فِيهِ أَنَّ الْمَرْءَ مَأْمُورٌ بِإِمْضَاءِ مَا وَعَدَ بِهِ ويعطي بدله ولم لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ مَا وَعَدَ بِهِ وَيُعْطِيَ بَدَلَهُ وَلَا يَكُونُ فِي حُكْمِ مَنْ أَخْلَفَ وَعْدَهُ ظَهَرَ بِذَلِكَ مَعْنَى الرُّخْصَةِ واحْتَجَّ لِمَذْهَبِهِ بِأَشْيَاءَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَرِيَّةَ الْعَطِيَّةُ وَلَا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَصْلِ الْعَرِيَّةِ الْعَطِيَّةَ أَنْ لَا تُطْلَقَ العرية

شرعا على صور أخرى قال بن الْمُنْذِرِ الَّذِي رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ قَالَ وَنَظِيرُ ذَلِكَ الْإِذْنُ فِي السَّلَمِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ قَالَ فَمَنْ أَجَازَ السَّلَمَ مَعَ كَوْنِهِ مُسْتَثْنًى مِنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ وَمَنَعَ الْعَرِيَّةَ مَعَ كَوْنِهَا مُسْتَثْنَاةً مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ فَقَدْ تَنَاقَضَ وأَمَّا حَمْلُهُمْ الرُّخْصَةَ عَلَى الْهِبَةِ فَبَعِيدٌ مَعَ تَصْرِيحِ الْحَدِيثِ بِالْبَيْعِ وَاسْتِثْنَاءِ الْعَرَايَا مِنْهُ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْهِبَةَ لَمَا اسْتُثْنِيَتِ الْعَرِيَّةُ مِنَ الْبَيْعِ وَلِأَنَّهُ عَبَّرَ بِالرُّخْصَةِ وَالرُّخْصَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بَعْدَ مَمْنُوعٍ وَالْمَنْعُ إِنَّمَا كَانَ فِي الْبَيْعِ لَا الْهِبَةِ وَبِأَنَّ الرُّخْصَةَ قُيِّدَتْ بِخَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ مَا دُونَهَا وَالْهِبَةُ لَا تَتَقَيَّدُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ بَيْنَ ذِي رَحِمٍ وَغَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الرُّجُوعُ جَائِزًا فَلَيْسَ إِعْطَاؤُهُ بِالتَّمْرِ بَدَلَ الرُّطَبِ بَلْ هُوَ تَجْدِيدُ هِبَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ الرُّجُوعَ لَا يَجُوزُ فَلَا يَصِحُّ تَأْوِيلُهُمْ انْتَهَى [1300] قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ) قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا أَيْضًا وَهُوَ بَيْعُ الثمر في رؤوس النَّخْلِ بِالتَّمْرِ (إِلَّا أَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لِأَهْلِ الْعَرَايَا أَنْ يَبِيعُوهَا بِمِثْلِ خَرْصِهَا) الْخَرْصُ بِفَتْحِ الخاء المعجمة وسكون الراء الحرز وَالِاسْمُ بِالْكَسْرِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ خَرْصَ النَّخْلَةَ وَالْكَرْمَةَ يَخْرُصُهَا خَرْصًا إِذَا حَزَرَ مَا عَلَيْهَا مِنَ الرُّطَبِ تَمْرًا وَمِنَ الْعِنَبِ زَبِيبًا فَهُوَ مِنَ الْخِرْصِ الظَّنِّ لِأَنَّ الْحَزْرَ إِنَّمَا هُوَ تَقْدِيرٌ بِظَنٍّ وَالِاسْمُ الْخِرْصُ بِالْكَسْرِ يُقَالُ كَمْ خِرْصُ أَرْضِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا (وجابر) أخرجه أحمد والشافعي وصححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ (هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَوَى أَيُّوبُ إِلَخْ) يَعْنِي رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّهْيَ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ والمزابنة والرخصة في العرايا كليهما عن بن عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ورَوَى أَيُّوبُ وغيره النهي عن المحاقلة والمزابنة عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةِ زَيْدِ بن ثابت والرخصة في العرايا عن بن عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ورِوَايَةُ أَيُّوبَ وغيره أصح من رواية بن إِسْحَاقَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مُرَادُ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُزَابَنَةِ لَمْ يَرِدْ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَإِنَّمَا رَوَاهُ بن عمر بغير واسطة وروى بن عُمَرَ اسْتِثْنَاءَ الْعَرَايَا بِوَاسِطَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فإن كانت رواية بن إسحاق محفوظة احتمل أن يكون بن عُمَرَ حَمَلَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَكَانَ عِنْدَهُ بَعْضُهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ قَالَ وأشار

الترمذي إلى أن بن إِسْحَاقَ وَهِمَ فِيهِ والصَّوَابُ التَّفْصِيلُ انْتَهَى [1301] قَوْلُهُ (فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا وقَدِ اعْتَبَرَ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ بَيْعِ الْعَرَايَا بِمَفْهُومِ هَذَا الْعَدَدِ وَمَنَعُوا مَا زَادَ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْخَمْسَةِ لِأَجْلِ الشَّكِّ الْمَذْكُورِ والْخِلَافُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ والرَّاجِحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْجَوَازُ فِي الْخَمْسَةِ فَمَا دُونَهَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْجَوَازُ فِيمَا دُونَ الْخَمْسَةِ ولَا يَجُوزُ فِي الْخَمْسَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ قَوْلُهُ (أَرْخَصَ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ رَخَّصَ مِنَ الترخيص (بخرصها) وفي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ بِخَرْصِهَا كَيْلًا ولِمُسْلِمٍ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَأْخُذُهَا أَهْلُ الْبَيْتِ بِخَرْصِهَا تَمْرًا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا وأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ يُوهَبَانِ لِلرَّجُلِ فَيَبِيعُهُمَا بِخَرْصِهِمَا تَمْرًا زَادَ فِيهِ يُوهَبَانِ لِلرَّجُلِ ولَيْسَ بِقَيْدٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا [1302] قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالُوا إِنَّ الْعَرَايَا مُسْتَثْنَاةٌ إِلَخْ) وأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّ الْعَرَايَا لَيْسَتْ بِمُسْتَثْنَاةٍ مِنْ

قوله الثمر بالتمر

بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ بَلْ هِبَةٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ ما فيه في كلام الحافظ فتذكر 3 - ([1303] قَوْلُهُ (الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ)) الْأَوَّلُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالثَّانِي بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْمُزَابَنَةِ (وَعَنْ كل ثمر بخرصها) بفتح الخاء المعجمة وأشار بن التين إلى جواز كسرها وجزم بن الْعَرَبِيِّ بِالْكَسْرِ وَأَنْكَرَ الْفَتْحَ وَجَوَّزَهُمَا النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْفَتْحُ أَشْهَرُ انْتَهَى والْخَرْصُ هُوَ التَّخْمِينُ وَالْحَدْسُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَحْدَهُ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النَّجْشِ فِي الْبُيُوعِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ أَنْ يَمْدَحَ السِّلْعَةَ لِيُنَفِّقَهَا وَيُرَوِّجَهَا أَوْ يَزِيدَ فِي ثَمَنِهَا وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَقَعَ غَيْرُهُ فِيهَا والْأَصْلُ فِيهِ تَنْفِيرُ الْوَحْشِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ انْتَهَى وقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ النَّجْشُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ تَنْفِيرُ الصَّيْدِ وَاسْتِثَارَتُهُ مِنْ مَكَانِهِ لِيُصَادَ يُقَالُ نَجَشْتُ الصَّيْدَ أَنْجُشُهُ بِالضَّمِّ نَجْشًا وفِي الشَّرْعِ الزِّيَادَةُ فِي ثَمَنِ السِّلْعَةِ مِمَّنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَقَعَ غَيْرُهُ فِيهَا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاجِشَ يُثِيرُ الرَّغْبَةَ فِي السِّلْعَةِ وَيَقَعُ ذَلِكَ بِمُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْإِثْمِ وَيَقَعُ ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمِ الْبَائِعِ فَيَخْتَصُّ بِذَلِكَ النَّاجِشُ وَقَدْ يَخْتَصُّ بِهِ الْبَائِعُ كَمَنْ يُخْبِرُ بِأَنَّهُ اشْتَرَى سِلْعَةً بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ لِيَغُرَّ غيره بذلك وقال بن قُتَيْبَةَ النَّجْشُ الْخَتْلُ وَالْخَدِيعَةُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلصَّائِدِ نَاجِشٌ لِأَنَّهُ يَخْتِلُ الصَّيْدَ وَيَحْتَالُ لَهُ انْتَهَى [1304] قَوْلُهُ (قَالَ لَا تَنَاجَشُوا) قَالَ الْحَافِظُ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ التَّفَاعُلِ لِأَنَّ التَّاجِرَ إِذَا فَعَلَ لِصَاحِبِهِ ذَلِكَ كَانَ بِصَدَدِ أَنْ يَفْعَلَ لَهُ مِثْلَهُ انتهى

قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّجْشِ (وَأَنَسٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (فَيَسْتَامُ بِأَكْثَرَ مِمَّا تَسْوَى) أَيْ بِأَكْثَرَ مِمَّا تُسَاوِيهِ السِّلْعَةُ يَعْنِي يَسْتَامُ بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ السِّلْعَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَهُوَ لَا يُسَاوِي شَيْئًا وَلَا يَسْوَى كَيَرْضَى انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ نَجَشَ رَجُلٌ فَالنَّاجِشُ آثِمٌ فِيمَا يَصْنَعُ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ لأن البائع غير الناجش) قال بن بَطَّالٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ النَّاجِشَ عَاصٍ بِفِعْلِهِ واخْتَلَفُوا فِي الْبَيْعِ إِذَا وَقَعَ عَلَى ذلك ونقل بن الْمُنْذِرِ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَسَادَ ذَلِكَ الْبَيْعِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ ورِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِمُوَاطَأَةِ الْبَائِعِ أَوْ صُنْعِهِ والْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ ثُبُوتُ الْخِيَارِ وهو وجه للشافعية قياسا على المصراة والأصح عِنْدَهُمْ صِحَّةُ الْبَيْعِ مَعَ الْإِثْمِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وقَالَ الرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ تَعْصِيَةَ النَّاجِشِ وَشَرَطَ فِي تَعْصِيَةِ مَنْ بَاعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ وأَجَابَ الشَّارِحُونَ بِأَنَّ النَّجْشَ خَدِيعَةٌ وَتَحْرِيمُ الْخَدِيعَةِ وَاضِحٌ لِكُلِّ أَحَدٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ هَذَا الْحَدِيثَ بِخُصُوصِهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ فَقَدْ لَا يَشْتَرِكُ فِيهِ كُلُّ أَحَدٍ وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ الْفَرْقَ بِأَنَّ الْبَيْعَ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ إِضْرَارٌ وَالْإِضْرَارُ يَشْتَرِكُ فِي عِلْمِ تَحْرِيمِهِ كُلُّ أَحَدٍ قَالَ فَالْوَجْهُ تَخْصِيصُ الْمَعْصِيَةِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِمَنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ انْتَهَى وقَدْ حَكَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَعْرِفَةِ وَالسُّنَنِ عَنِ الشَّافِعِيِّ تَخْصِيصَ التَّعْصِيَةِ فِي النَّجْشِ أَيْضًا بِمَنْ عَلِمَ النَّهْيَ فَظَهَرَ أَنَّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا مَنْصُوصٌ ولَفْظُ الشَّافِعِيِّ النَّجْشُ أَنْ يُحْضِرَ الرَّجُلُ السَّعْلَةَ تُبَاعُ فَيُعْطِي بِهَا الشَّيْءَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا لِيَقْتَدِيَ بِهِ السُّوَّامُ فَيُعْطُونَ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا كَانُوا يُعْطُونَ لَوْ لَمْ يَسْمَعُوا سَوْمَهُ فَمَنْ نَجَشَ فَهُوَ عَاصٍ بِالنَّجْشِ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالنَّهْيِ وَالْبَيْعُ جَائِزٌ لَا يُفْسِدُهُ مَعْصِيَةُ رَجُلٍ نَجَشَ عَلَيْهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي

باب ما جاء في الرجحان في الوزن

65 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّجْحَانِ فِي الْوَزْنِ) [1305] قَوْلُهُ (عَنْ سُوَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثُ السَّرَاوِيلِ نَزَلَ الْكُوفَةَ (جَلَبْتُ أَنَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ جَلَبَهُ يَجْلِبُهُ جَلْبًا وَجَلَبًا وَاجْتَلَبَهُ سَاقَهُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ انْتَهَى وقَالَ فِي الصُّرَاحِ الجلب كَشيدن جليب أنجه ازشهر بشهر برند بفروختن (وَمَخْرَفَةُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَرَاءٍ ثُمَّ فَاءٍ وَيُقَالُ بِالْمِيمِ وَالصَّحِيحُ الأول كذا في الاستيعاب (بزا) بتشديد الزاء قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَزُّ الثِّيَابُ أَوْ مَتَاعُ الْبَيْتِ مِنَ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا وَبَائِعُهُ الْبَزَّازُ وَحِرْفَتُهُ البزازة انتهى قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي السِّيَرِ الْبَزُّ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ ثِيَابُ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ لَا ثِيَابُ الصُّوفِ وَالْخَزِّ (مِنْ هَجَرٍ) بِفَتْحَتَيْنِ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَصْرُوفٌ قاله القارىء وقَالَ فِي الْقَامُوسِ وَهَجَرٌ مُحَرَّكَةً بَلَدٌ بِالْيَمَنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُشَرَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ وَقَدْ يُؤَنَّثُ وَيُمْنَعُ وَاسْمٌ لِجَمِيعِ أَرْضِ الْبَحْرَيْنِ وَمِنْهُ الْمَثَلُ كَمُبْضِعِ تَمْرٍ إِلَى هَجَرٍ وَقَرْيَةٌ كَانَتْ قُرْبَ الْمَدِينَةِ وَإِلَيْهَا تُنْسَبُ الْقِلَالُ أَوْ تُنْسَبُ إِلَى هَجَرِ الْيَمَنِ انْتَهَى وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَفَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ هَجَرٍ فَأَتَيْنَا بِهِ مَكَّةَ (فَجَاءَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَنَحْنُ بِمِنًى (فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ) وفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَاشْتَرَى مِنَّا سَرَاوِيلًا قَالَ السُّيُوطِيُّ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى السَّرَاوِيلَ وَلَمْ يَلْبَسْهَا وفِي الْهَدْيِ لِابْنِ الْقَيِّمِ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ لَبِسَهَا فَقِيلَ إِنَّهُ سَبَقَ قَلَمٌ لَكِنْ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى وَالْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ لِلطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ دَخَلْتُ يَوْمًا السُّوقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجلس إلى البزارين فَاشْتَرَى سَرَاوِيلَ بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّكَ لَتَلْبَسُ السَّرَاوِيلَ فَقَالَ أَجَلْ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَإِنِّي أُمِرْتُ بِالسِّتْرِ فَلَمْ أَجِدْ شَيْئًا أَسْتَرَ مِنْهُ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (وَعِنْدِي وَزَّانٌ يَزِنُ) أَيْ الثَّمَنَ (بِالْأَجْرِ) أَيْ بِالْأُجْرَةِ (زِنْ) بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ ثَمَنَهُ (وَأَرْجِحْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَجَحَ الْمِيزَانُ يَرْجَحُ مُثَلَّثَةً رُجُوحًا وَرُجْحَانًا مَالَ وَأَرْجَحَ لَهُ وَرَجَحَ أَعْطَاهُ رَاجِحًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الْوَزْنِ وَالْكَيْلِ وفِي مَعْنَاهُمَا أُجْرَةُ الْقَسَّامِ وَالْحَاسِبِ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَنْهَى عَنْ أُجْرَةِ الْقَسَّامِ وَكَرِهَهَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَكَانَ فِي مُخَاطَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ إِيَّاهُ بِهِ كَالدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ وَزْنَ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِذَا كَانَ الْوَزْنُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِيفَاءَ

باب ما جاء في إنظار المعسر والرفق به

يَلْزَمُهُ فَقَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ أُجْرَةَ الْوَزَّانِ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَرِي فَقِيَاسُهُ فِي السِّلْعَةِ الْمَبِيعَةِ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْبَائِعِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ سُوَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَأَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سِمَاكٍ فَقَالَ عَنْ أَبِي صَفْوَانَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ) فَخَالَفَ شُعْبَةُ سُفْيَانَ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَرِوَايَةِ شُعْبَةَ مَا لَفْظُهُ وَالْقَوْلُ قَوْلُ سفيان حدثنا بن أَبِي رِزْمَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ قَالَ رَجُلٌ لِشُعْبَةَ خَالَفَكَ سُفْيَانُ فَقَالَ دَمَغْتَنِي وبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ كُلُّ مَنْ خَالَفَ سُفْيَانَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ سُفْيَانِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَخْبَرْنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ كَانَ سُفْيَانُ أَحْفَظَ مِنِّي انْتَهَى وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْكَرَابِيسِيُّ أَبُو صَفْوَانَ مَالِكُ بْنُ عَمِيرَةَ وَيُقَالُ سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ بَاعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرْجَحَ لَهُ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمِرِيُّ أَبُو صَفْوَانَ مَالِكُ بْنُ عَمِيرَةَ وَيُقَالُ سُوَيْدُ بْنُ قَيْسٍ وَذَكَرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُمَا رَجُلٌ وَاحِدٌ كُنْيَتُهُ أَبُو صَفْوَانَ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ انْتَهَى 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِنْظَارِ الْمُعْسِرِ وَالرِّفْقِ بِهِ) الْإِنْظَارُ التَّأْخِيرُ وَالْإِمْهَالُ وَالْمُعْسِرُ الْفَقِيرُ [1306] قَوْلُهُ (مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا) أَيْ أَمْهَلَ مَدْيُونًا فَقِيرًا (أَوْ وَضَعَ لَهُ) أَيْ حَطَّ وَتَرَكَ دَيْنَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ (أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ) أَيْ أَوْقَفَهُ اللَّهُ

باب ما جاء في مطل الغني أنه ظلم

تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الْيَسَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ (وَأَبِي قَتَادَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَنْجَاهُ اللَّهُ مِنْ كَرْبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ (وحذيفة) أخرجه البخاري (وبن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَعُبَادَةَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) ذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَرْغِيبِهِ وَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ وَحْدَهُ وَقَالَ مَعْنَى وَضَعَ لَهُ أَيْ تَرَكَ لَهُ شَيْئًا مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ انْتَهَى [1307] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ) اسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبٍ الْأَنْصَارِيُّ الْبَدْرِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إِلَّا أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا مُوسِرًا) أَيْ غَنِيًّا ذَا مَالٍ (يُخَالِطُ النَّاسَ) أَيْ يُعَامِلُ النَّاسَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ) أَيْ الْفَقِيرِ أَيْ يَتَسَامَحُوا فِي الِاقْتِضَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَقَبُولِ مَا فِيهِ نَقْصٌ يَسِيرٌ (بِذَلِكَ) أَيْ بِالتَّجَاوُزِ (تَجَاوَزُوا عَنْهُ) أَيْ تَسَامَحُوا عَنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مَطْلِ الْغَنِيِّ أَنَّهُ ظُلْمٌ) [1308] قَوْلُهُ (مَطْلُ الْغَنِيِّ) أَيْ تَأْخِيرُهُ أَدَاءَ الدَّيْنِ مِنْ وقت إلى وقت بغير عذر (ظلم) فإن الْمَطْلَ مَنْعُ أَدَاءِ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ وَهُوَ حَرَامٌ مِنَ الْمُتَمَكِّنِ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مُتَمَكِّنًا جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ إِلَى الْإِمْكَانِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِالْغَنِيِّ هُنَا مَنْ قَدَرَ عَلَى الْأَدَاءِ فَأَخَّرَهُ وَلَوْ كَانَ فَقِيرًا قَالَ وَقَوْلُهُ مَطْلُ الْغَنِيِّ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْفَاعِلِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْغَنِيِّ الْقَادِرِ أَنْ يَمْطُلَ بِالدَّيْنِ بَعْدَ اسْتِحْقَاقِهِ بِخِلَافِ الْعَاجِزِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِلْمَفْعُولِ وَالْمَعْنَى يَجِبُ وَفَاءُ الدَّيْنِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحِقُّهُ غَنِيًّا وَلَا يَكُونُ غِنَاهُ سَبَبًا لِتَأْخِيرِ حَقِّهِ عَنْهُ وإِذَا كَانَ كَذَلِكَ في حق

الْغَنِيِّ فَهُوَ فِي الْفَقِيرِ أَوْلَى ولَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا التَّأْوِيلِ انْتَهَى [1309] (فَإِذَا أُتْبِعَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ الْقَطْعِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ جُعِلَ تَابِعًا لِلْغَيْرِ بِطَلَبِ الْحَقِّ وَحَاصِلُهُ إِذَا أُحِيلَ (عَلَى مَلِيٍّ) أَيْ غَنِيٍّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَلِيءُ بِالْهَمْزَةِ الثِّقَةُ الْغَنِيُّ وَقَدْ أُولِعَ النَّاسُ فِيهِ بِتَرْكِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ انْتَهَى (فَلْيَتْبَعْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ فَلْيَحْتَلْ يَعْنِي فَلْيَقْبَلِ الْحَوَالَةَ قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ مَعْنَى قَوْلِهِ أُتْبِعَ فَلْيَتْبَعْ أَيْ أُحِيلَ فَلْيَحْتَلْ وقَدْ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ أَحْمَدُ قَالَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَاللُّغَةِ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ إِسْكَانُ الْمُثَنَّاةِ فِي أُتْبِعَ وفِي فَلْيَتْبَعْ وَهُوَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِثْلُ إِذَا عُلِّمَ فَلْيَعْلَمْ وقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَمَّا أُتْبِعَ فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّاءِ مَبْنِيًّا لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ وأَمَّا فَلْيَتْبَعْ فَالْأَكْثَرُ عَلَى التَّخْفِيفِ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى التَّشْدِيدِ وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَمَا ادَّعَاهُ مِنَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أُتْبِعَ يَرُدُّهُ قَوْلُ الْخَطَّابِيِّ إِنَّ أَكْثَرَ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَهُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَالصَّوَابُ التَّخْفِيفُ قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أُحِيلَ الرَّجُلُ عَلَى مَلِيءٍ فَاحْتَالَهُ) أَيْ فَقَبِلَ ذَلِكَ الرَّجُلُ الْحَوَالَةَ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلرَّجُلِ الْمُحْتَالِ (أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْمُحِيلِ) وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْغِنَى فَائِدَةٌ فَلَمَّا شُرِطَ عُلِمَ أَنَّهُ انْتَقَلَ انْتِقَالًا لَا رُجُوعَ لَهُ كَمَا لَوْ عَوَّضَهُ عَنْ دَيْنِهِ بِعِوَضٍ ثُمَّ تَلِفَ الْعِوَضُ فِي يَدِ صَاحِبِ الدَّيْنِ فَلَيْسَ لَهُ رُجُوعٌ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا تَوِيَ) كَرضي أَيْ هَلَكَ (مَالُ هَذَا) أَيْ الْمُحْتَالِ (بِإِفْلَاسِ الْمُحَالِ عليه) أي مَوْتِهِ (فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْأَوَّلِ) أَيْ فَلِلْمُحْتَالِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُحِيلِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ قَالُوا يَرْجِعُ عِنْدَ التَّعَذُّرِ وَشَبَّهُوهُ بِالضَّمَانِ (وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ عُثْمَانَ وَغَيْرِهِ حِينَ قَالُوا لَيْسَ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ تَوًى) عَلَى وَزْنِ حَصًى بِمَعْنَى الْهَلَاكِ (وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ مَلِيءٌ) أَيْ الرَّجُلُ الْمُحْتَالُ يَظُنُّ أَنَّ الْآخَرَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ غَنِيٌّ (فَإِذَا) لِلْمُفَاجَأَةِ (هُوَ مُعْدِمٌ) أَيْ مُفْلِسٌ (فَلَيْسَ عَلَى مَالِ مُسْلِمٍ تَوًى) أَيْ هَلَاكٌ وضياع

باب ما جاء في المنابذة والملامسة

68 - (باب ما جاء في المنابذة والملامسة) [1310] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ) زَادَ مُسْلِمٌ أَمَّا الْمُلَامَسَةُ فَأَنْ يَلْمِسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَ صَاحِبِهِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ والْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَوْبَهُ إِلَى الْآخَرِ وَلَمْ يَنْظُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى ثَوْبِ صَاحِبِهِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الْمُلَامَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ فِي الْبَيْعِ وَالْمُلَامَسَةُ لَمْسُ الرَّجُلِ ثَوْبَ الْآخَرِ بِيَدِهِ بِاللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ وَلَا يُقَلِّبُهُ وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَنْبِذَ الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ بِثَوْبِهِ وَيَنْبِذَ الْآخَرُ بِثَوْبِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بَيْعَهُمَا مِنْ غَيْرِ نظر ولا تراض (وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ يَقُولَ إِذَا نَبَذْتُ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ الْمُلَامَسَةِ عَلَى ثَلَاثِ صُوَرٍ هِيَ أَوْجُهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ أَصَحُّهَا أَنْ يَأْتِيَ بِثَوْبٍ مَطْوِيٍّ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَيَمَسَّهُ الْمُسْتَامُ فَيَقُولُ لَهُ صَاحِبُ الثَّوْبِ بِعْتُكَهُ بِكَذَا بِشَرْطِ أَنْ يَقُومَ لَمْسُكَ مَقَامَ نَظَرِكَ وَلَا خِيَارَ لَكَ إِذَا رَأَيْتَهُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلتَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي أَنْ يَجْعَلَا نَفْسَ اللَّمْسِ بَيْعًا بِغَيْرِ صِيغَةٍ زَائِدَةٍ الثَّالِثُ أَنْ يَجْعَلَا اللَّمْسَ شَرْطًا فِي قَطْعِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَغَيْرِهِ وَالْبَيْعُ عَلَى التَّأْوِيلَاتِ كُلِّهَا بَاطِلٌ قَالَ وَأَمَّا الْمُنَابَذَةُ فَاخْتَلَفُوا أَيْضًا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ وَهِيَ أَوْجُهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ أَصَحُّهَا أَنْ يجعلا نفس النبذبيعا كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُلَامَسَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلتَّفْسِيرِ فِي الْحَدِيثِ والثَّانِي أَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ بَيْعًا بِغَيْرِ صِيغَةٍ وَالثَّالِثُ أَنْ يَجْعَلَا النَّبْذَ قَاطِعًا لِلْخِيَارِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ النَّبْذِ فَقِيلَ هُوَ طَرْحُ الثَّوْبِ كَمَا وَقَعَ تَفْسِيرُهُ فِي الحديث المذكور وقيل هو نبذ الحصاة والصحيح أَنَّهُ غَيْرُهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ لَا يَرَى) الْوَاوُ وَصْلِيَّةٌ (مِنْهُ) أي من الشيء البيع (مِثْلَ مَا يَكُونُ فِي الْجِرَابِ) أَيْ مِثْلَ الْمَبِيعِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْجِرَابِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا بِالْفَارِسِيَّةِ انبان عَلَى مَا فِي الصراح وقال فِي الْقَامُوسِ الْجِرَابُ بِالْكَسْرِ وَلَا

باب ما جاء في السلف في الطعام والتمر

يفتح أو لغيه فِيمَا حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْمِزْوَدُ وَالْوِعَاءُ ج جُرُبٌ وَأَجْرِبَةٌ انْتَهَى (فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ) وَالْعِلَّةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ الْغَرَرُ وَالْجَهَالَةُ وَإِبْطَالُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السَّلَفِ فِي الطعام والتمر) السَّلَفُ بِفَتْحَتَيْنِ السَّلَمُ وَزْنًا وَمَعْنًى قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ السَّلَمُ هُوَ أَنْ تُعْطِيَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فِي سِلْعَةٍ مَعْلُومَةٍ إِلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ فَكَأَنَّكَ قَدْ أَسْلَمْتَ الثَّمَنَ إِلَى صَاحِبِ السِّلْعَةِ وَسَلَّمْتَهُ إِلَيْهِ انْتَهَى قُلْتُ فَالثَّمَنُ الْمُعَجَّلُ يُسَمَّى رَأْسَ الْمَالِ وَالْمَبِيعُ الْمُؤَجَّلُ الْمُسَلَّمُ فِيهِ وَمُعْطِي الثَّمَنِ رَبُّ السَّلَمِ وَصَاحِبُهُ الْمَبِيعُ الْمُسَلَّمُ إِلَيْهِ والْقِيَاسُ يَأْبَى عَنْ جَوَازِ هَذَا الْعَقْدِ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ تَحْتَ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ إِلَّا أَنَّهُ جُوِّزَ لِوُرُودِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِذَلِكَ وآيَةُ الْمُدَايَنَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ دَالَّةٌ عَلَى جوازه كما روى عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا [1311] قَوْلُهُ (قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ) أَيْ مِنْ مَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ (وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي الثَّمَرِ) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَالْإِسْلَافُ إِعْطَاءُ الثَّمَنِ فِي مَبِيعٍ إِلَى مُدَّةٍ أَيْ يُعْطُونَ الثَّمَنَ فِي الْحَالِ وَيَأْخُذُونَ السِّلْعَةَ فِي الْمَالِ وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ (مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى وُجُوبِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَتَعْيِينِ الْأَجَلِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَأَنَّ جَهَالَةَ أَحَدِهِمَا مُفْسِدَةٌ لِلْبَيْعِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ جَوَازُ السَّلَمِ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَدْرُهُ مَعْلُومًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِمَّا يُضْبَطُ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَذْرُوعًا كَالثَّوْبِ اشْتُرِطَ ذِكْرُ ذَرْعَاتٍ مَعْلُومَةٍ وإِنْ كَانَ مَعْدُودًا كَالْحَيَوَانِ اشْتُرِطَ ذِكْرُ عَدَدٍ مَعْلُومٍ ومَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِنْ أَسْلَمَ فِي مَكِيلٍ فَلْيَكُنْ كَيْلُهُ مَعْلُومًا وَإِنْ كَانَ مَوْزُونًا فَلْيَكُنْ وَزْنُهُ مَعْلُومًا وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا فَلْيَكُنْ أَجَلُهُ مَعْلُومًا ولَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا اشْتِرَاطُ كَوْنِ السَّلَمِ مُؤَجَّلًا بَلْ يَجُوزُ حَالًّا لِأَنَّهُ إِذَا جَازَ مُؤَجَّلًا مَعَ الْغَرَرِ فَجَوَازُ الْحَالِّ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الْغَرَرِ وَلَيْسَ ذِكْرُ الْأَجَلِ فِي الْحَدِيثِ لِاشْتِرَاطِ الْأَجَلِ بَلْ مَعْنَاهُ إِنْ كَانَ أَجَلٌ فَلْيَكُنْ مَعْلُومًا وقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِ السَّلَمِ الْحَالِّ مَعَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْمُؤَجَّلِ فَجَوَّزَ الْحَالَّ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ وَأَجْمَعُوا عَلَى اشْتِرَاطِ وَصْفِهِ بِمَا يَضْبِطُهُ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ النووي قول (قال) أي

أبو عيسى (وفي الباب عن بن أَبِي أَوْفَى وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى) قَالَا كُنَّا نُصِيبُ الْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ فَنُسَلِّفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ وفِي رِوَايَةٍ وَالزَّيْتِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قِيلَ أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ قَالَا مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عن ذلك أخرجه البخاري قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ جَائِزًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُجَهِّزَ جَيْشًا فَنَفِدَتِ الْإِبِلُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ قَلَائِصِ الصَّدَقَةِ فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ وفِي إِسْنَادِهِ اخْتِلَافٌ لَكِنْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو نَحْوَهُ انْتَهَى (وَكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ السَّلَمَ فِي الْحَيَوَانِ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَاحْتَجُّوا بِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالدّارَقُطْنيُّ فِي سُنَنِهِ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ السَّلَفِ فِي الْحَيَوَانِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ انْتَهَى قَالَ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ جَوْفِيٍّ قَالَ فِيهِ بن حِبَّانَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ جِدًّا يَأْتِي عَنِ الثِّقَاتِ بِالْمَوْضُوعَاتِ لَا يَحِلُّ كَتْبُ حَدِيثِهِ إِلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ وقَالَ الْحَاكِمُ رَوَى أَحَادِيثَ مَوْضُوعَةً انْتَهَى واحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لا تسلمن ما لنا فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ وفِيهِ قِصَّةٌ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ فِي التَّنْقِيحِ فِيهِ انْقِطَاعٌ انْتَهَى

باب ما جاء في أرض المشترك يريد بعضهم بيع نصيبه

70 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَرْضِ الْمُشْتَرِكِ يُرِيدُ بَعْضُهُمْ بَيْعَ نَصِيبِهِ) [1312] قَوْلُهُ (عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْكَافِ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ قَيْسٍ ثِقَةٌ قَالَ أَبُو داود مات في فتنة بن الزُّبَيْرِ قَوْلُهُ (مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي حَائِطٍ) أَيْ بُسْتَانٍ (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْحَائِطِ (حَتَّى يَعْرِضَهُ عَلَى شَرِيكِهِ) وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا مَحْمُولٌ عِنْدَنَا عَلَى النَّدْبِ إِلَى إِعْلَامِهِ وَكَرَاهَةِ بَيْعِهِ قَبْلَ إِعْلَامِهِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ ويَتَأَوَّلُونَ الْحَدِيثَ عَلَى هَذَا وَيَصْدُقُ عَلَى الْمَكْرُوهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَلَالٍ ويَكُونُ الْحَلَالُ بِمَعْنَى الْمُبَاحِ وَهُوَ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ وَالْمَكْرُوهُ لَيْسَ بِمُبَاحٍ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ بَلْ هُوَ رَاجِحُ التَّرْكِ واخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَا لَوْ أَعْلَمَ الشَّرِيكَ بِالْبَيْعِ فَأَذِنَ فِيهِ فَبَاعَ ثُمَّ أَرَادَ الشَّرِيكُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُمْ وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وبن أَبِي لَيْلَى وَغَيْرُهُمْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ وَقَالَ الْحَكَمُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَيْسَ لَهُ الْأَخْذُ وعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مُتَعَقِّبًا عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمَكْرُوهِ إِنَّهُ لَيْسَ بِحَلَالٍ مَا لَفْظُهُ هَذَا إِنَّمَا يَتِمُّ إِذَا كَانَ اسْمُ الْحَلَالِ مُخْتَصًّا بِمَا كَانَ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا أَوْ وَاجِبًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ مِنْ أَقْسَامِ الْحَلَالِ وقَالَ فِيهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَحْرُمُ الْبَيْعُ قَبْلَ العرض على الشريك قال بن الرِّفْعَةِ وَلَمْ أَظْفَرْ بِهِ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَا مَحِيدَ عَنْهُ وقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَاضْرِبُوا بِقَوْلِي عُرْضَ الْحَائِطِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِسَنَدٍ آخَرَ مُتَّصِلٍ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ مَنْ كَانَ لَهُ شَرِيكٌ فِي رَبْعَةٍ أَوْ نَخْلٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ فَإِنْ رَضِيَ أَخَذَ وَإِنْ كَرِهَ تَرَكَ وفِي رِوَايَةٍ لَهُ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يَعْرِضَ عَلَى شَرِيكِهِ (وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ) أَيْ مِنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ (قَتَادَةُ وَلَا أَبُو بِشْرٍ) قَالَ الْخَزْرَجِيُّ في الخلاصة

باب ما جاء في المخابرة والمعاومة

سُلَيْمَانُ بْنُ قَيْسٍ الْيَشْكُرِيُّ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وعَنْهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَأَرْسَلَ عَنْهُ قَتَادَةُ وَأَبُو بِشْرٍ قَالَ النَّسَائِيُّ ثِقَةٌ انْتَهَى (وَلَا نَعْرِفُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ) أَيْ مِمَّنْ رَوَى عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ (وَلَعَلَّهُ) أَيْ لَعَلَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ (سَمِعَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُخَابَرَةِ وَالْمُعَاوَمَةِ) [1313] قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ) أَمَّا الْمُحَاقَلَةُ وَالْمُزَابَنَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَعَانِيهِمَا فِي بَابِ النَّهْيِ عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وأَمَّا الْمُخَابَرَةُ فَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا فِي بَابِ النَّهْيِ عَنِ الثُّنْيَا (وَالْمُعَاوَمَةِ) مُفَاعَلَةٍ مِنَ الْعَامِ كَالْمُسَانَهَةِ مِنَ السَّنَةِ وَالْمُشَاهِرَةِ مِنَ الشَّهْرِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هِيَ بَيْعُ ثَمَرِ النَّخْلِ أَوْ الشَّجَرِ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَصَاعِدًا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ ثِمَارُهُ وهَذَا الْبَيْعُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ فَهُوَ كَبَيْعِ الْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ (وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْعَرَايَا فِي بَابِ الْعَرَايَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

72 - باب [1314] قَوْلُهُ (غَلَا السِّعْرُ) بِكَسْرِ السِّينِ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ نرخ أَيْ ارْتَفَعَ السِّعْرُ (سَعِّرْ لَنَا) أَمْرٌ من تسعير وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَ السُّلْطَانُ أَوْ نُوَّابُهُ أَوْ كُلُّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ أَمْرَ أَهْلِ السُّوقِ أَنْ لَا يَبِيعُوا أَمْتِعَتَهُمْ إِلَّا بِسِعْرِ كَذَا فَيَمْنَعَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ أَوْ النُّقْصَانِ لِمَصْلَحَةٍ (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُسَعِّرُ) بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ الْمَكْسُورَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ إِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُرَخِّصُ الْأَشْيَاءَ وَيُغْلِيهَا فَلَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ ولِذَلِكَ لَا يَجُوزُ التَّسْعِيرُ انْتَهَى (الْقَابِضُ الْبَاسِطُ) أَيْ مُضَيِّقُ الرِّزْقِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَنْ شَاءَ كَيْفَ شَاءَ وَمُوَسِّعُهُ (وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَطْلُبُنِي بِمَظْلِمَةٍ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ مَصْدَرُ ظَلَمَ وَاسْمُ مَا أُخِذَ مِنْكَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ بِكَسْرِ لَامٍ وَفَتْحِهَا وَقَدْ يُنْكَرُ الْفَتْحُ انْتَهَى وقَدْ اسْتُدِلَّ بِالْحَدِيثِ وَمَا وَرَدَ فِي مَعْنَاهَا عَلَى تَحْرِيمِ التَّسْعِيرِ وَأَنَّهُ مَظْلِمَةٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ والتَّسْعِيرُ حَجْرٌ عَلَيْهِمْ والْإِمَامُ مَأْمُورٌ بِرِعَايَةِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَيْسَ نَظَرُهُ فِي مَصْلَحَةِ الْمُشْتَرِي بِرُخْصِ الثَّمَنِ أَوْلَى مِنْ نَظَرِهِ فِي مَصْلَحَةِ الْبَائِعِ بِتَوفِيرِ الثَّمَنِ وَإِذَا تَقَابَلَ الْأَمْرَانِ وَجَبَ تَمْكِينُ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الِاجْتِهَادِ لِأَنْفُسِهِمْ وَإِلْزَامِ صَاحِبِ السِّلْعَةِ أَنْ يَبِيعَ بِمَا لَا يَرْضَى بِهِ مُنَافٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلَّا أن تكون تجارة عن تراض) وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ ورُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ التَّسْعِيرُ وأَحَادِيثُ الْبَابِ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ حَالَةِ الْغَلَاءِ وَلَا حَالَةِ الرُّخْصِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَجْلُوبِ وَغَيْرِهِ وَإِلَى ذَلِكَ مَالَ الْجُمْهُورُ وفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ جَوَازُ التَّسْعِيرِ فِي حَالَةِ الْغَلَاءِ وظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَ مَا كَانَ قُوتًا لِلْآدَمِيِّ وَلِغَيْرِهِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ وَبَيْنَ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْإِدَامَاتِ وَسَائِرِ الْأَمْتِعَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ قَالَ الْحَافِظُ وإسناده على شرط مسلم وصححه أيضا بن حِبَّانَ وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ فَقَالَ بَلِ ادْعُوا اللَّهَ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَعِّرْ فَقَالَ بَلِ اللَّهُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ قَالَ الْحَافِظُ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عند بن مَاجَهْ وَالْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ

باب ما جاء في كراهية الغش في البيوع

وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ وَعَنْ عَلِيٍّ عِنْدَ الْبَزَّارِ نَحْوُهُ وعن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الصَّغِيرِ وَعَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ فِي الْكَبِيرِ كَذَا فِي النَّيْلِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْغِشِّ فِي الْبُيُوعِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْغِشُّ ضِدُّ النُّصْحِ مِنَ الغشش وهو المشرب لكدر انْتَهَى وقَالَ فِي الْقَامُوسِ غَشَّهُ لَمْ يَمْحَضْهُ النُّصْحَ أَوْ أَظْهَرَ لَهُ خِلَافَ مَا أَضْمَرَ كَغَشَشَهُ وَالْغِشُّ بِالْكَسْرِ الِاسْمُ مِنْهُ انْتَهَى وقَالَ فِي الصُّرَاحِ غِشٌّ بِالْكَسْرِ خيانت كردن [1315] قَوْلُهُ (مَرَّ عَلَى صُبْرَةٍ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ مَا جُمِعَ مِنَ الطَّعَامِ بِلَا كَيْلٍ وَوَزْنٍ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الصُّبْرَةُ الطَّعَامُ الْمُجْتَمِعُ كَالْكَوْمَةِ وَجَمْعُهَا صُبَرٌ (مِنْ طَعَامٍ) الْمُرَادُ مِنَ الطَّعَامِ جِنْسُ الْحُبُوبِ الْمَأْكُولِ (فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا) أَيْ فِي الصُّبْرَةِ (فَنَالَتْ) أَيْ أَدْرَكَتْ (بَلَلًا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَاللَّامِ (قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ) أَيْ الْمَطَرُ لِأَنَّهَا مَكَانَهُ وَهُوَ نَازِلٌ مِنْهَا قَالَ الشَّاعِرُ إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا (مَنْ غَشَّ أُمَّتِي لَيْسَ مِنِّي) وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلَيْسَ مِنِّي قَالَ النَّوَوِيُّ كَذَا فِي الْأُصُولِ ومعناه ممن اهتدى بهديي واقتدى بعلمي وعلمي وَحُسْنِ طَرِيقَتِي كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَرْضَ فِعْلَهُ لَسْتَ مِنِّي وَهَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ مِثْلُ قَوْلِهِ مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ فَلَيْسَ مِنَّا وكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَكْرَهُ تَفْسِيرَ مِثْلِ هَذَا أَوْ يَقُولُ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْلِ بَلْ يُمْسِكُ عَنْ تَأْوِيلِهِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ انْتَهَى وهُوَ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْغِشِّ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ (وأبي الحمراء) أخرجه بن ماجه وبن عباس وبريرة لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا (وَأَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِهِ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيَّ

باب ما جاء في استقراض البعير أو الشيء من الحيوان

74 - (بَاب مَا جَاءَ فِي اسْتِقْرَاضِ الْبَعِيرِ أَوْ الشيء من الحيوان) أو السمن أَيْ غَيْرِ الْبَعِيرِ [1316] قَوْلُهُ (اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مِنْ رَجُلٍ (سِنًّا) أَيْ جَمَلًا لَهُ سِنٌّ مُعَيَّنٌ (فَأَعْطَى) وفي نسخة فأعطاه (سنا خير مِنْ سِنِّهِ) أَيْ مِنْ سِنِّ الرَّجُلِ الَّذِي اسْتَقْرَضَ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يَرَوْا بِاسْتِقْرَاضِ السِّنِّ بَأْسًا مِنَ الْإِبِلِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى وقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ اقْتِرَاضِ الْحَيَوَانِ وفِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِنَّهُ يَجُوزُ قَرْضُ جَمِيعِ الحيوان إلا الجارية لمن يملك وطئها فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ ويَجُوزُ إِقْرَاضُهَا لِمَنْ لَا يملك وطئها كَمَحَارِمِهَا وَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى والْمَذْهَبُ الثَّانِي مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ وبن جَرِيرٍ وَدَاوُدَ أَنَّهُ يَجُوزُ قَرْضُ الْجَارِيَةِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ والثَّالِثُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَرْضُ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ وهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَاهُمْ النَّسْخُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ جَوَازُ اقْتِرَاضِ الْحَيَوَانِ هُوَ الرَّاجِحُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ (وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ) وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وهو حديث قد روي عن بن عباس مرفوعا أخرجه بن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنيُّ وَغَيْرُهُمَا وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ الْحُفَّاظَ رَجَّحُوا إِرْسَالَهُ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وفِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ اخْتِلَافٌ وفِي الْجُمْلَةِ هُوَ حَدِيثٌ صَالِحٌ لِلْحُجَّةِ وادَّعَى الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ نَاسِخٌ لِحَدِيثِ الْبَابِ وتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ والْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثِينَ مُمْكِنٌ فَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ نَسِيئَةً مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَدِيثِينَ

أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا بِاتِّفَاقٍ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْمُرَادَ مِنَ الْحَدِيثِ بَقِيَتِ الدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ اسْتِقْرَاضِ الْحَيَوَانِ وَالسَّلَمِ فِيهِ واعْتَلَ مَنْ مَنَعَ بِأَنَّ الْحَيَوَانَ يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا حَتَّى لَا يُوقَفُ عَلَى حَقِيقَةِ الْمِثْلِيَّةِ فِيهِ وأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنَ الْإِحَاطَةِ بِهِ بِالْوَصْفِ بِمَا يَدْفَعُ التَّغَايُرَ وَقَدْ جَوَّزَ الْحَنَفِيَّةُ التَّزْوِيجَ وَالْكِتَابَةَ عَلَى الرَّقِيقِ الْمَوْصُوفِ بِالذِّمَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ تَنْبِيهٌ قَالَ صَاحِبُ الْعَرْفِ الشَّذِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْقَرْضُ إِلَّا فِي الْمَكِيلِ أَوْ الْمَوْزُونِ قَالَ وَلَنَا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً وَإِنْ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْبَيْعِ لَا الْقَرْضِ يُقَالُ إِنَّ مَنَاطَهُمَا وَاحِدٌ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ رُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ الْحِنْطَةَ لَا يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ نَسِيئَةً وَقَرْضُهَا جَائِزٌ فَكَذَلِكَ الْحَيَوَانُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ نَسِيئَةً وَقَرْضُهُ جَائِزٌ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ النَّسِيئَةُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ قَالَ وَمَحْمَلُ حَدِيثِ الْبَابِ عِنْدِي أَنَّهُ اشْتَرَى الْبَعِيرَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ ثُمَّ أُعْطِيَ إِبِلًا بَدَلَ ذَا الثَّمَنِ فَعَبَّرَ الرَّاوِي بِهَذَا انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ تَأْوِيلُهُ هَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْهِ يَرُدُّهُ لَفْظُ اسْتَقْرَضَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ [1317] قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا تَقَاضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ طَلَبَ مَنَّهُ قَضَاءَ الدَّيْنِ وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِنٌّ مِنَ الْإِبِلِ فَجَاءَهُ يَتَقَاضَاهُ ولِأَحْمَدَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ يَتَقَاضَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيرًا (فَأَغْلَظَ لَهُ) أَيْ فَعَنَّفَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ الْإِغْلَاظُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّشْدِيدِ فِي الْمُطَالَبَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ قَدْحٌ فِيهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَائِلُ كَافِرًا مِنَ الْيَهُودِ أَوْ غَيْرِهِمْ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ أَعْرَابِيًّا وَكَأَنَّهُ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ مِنْ جَفَاءِ الْمُخَاطَبَةِ (فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ) أَيْ أَرَادَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُؤْذُوهُ بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعْلِ لَكِنْ لَمْ يَفْعَلُوا أَدَبًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَعُوهُ) أَيْ اتْرُكُوهُ وَلَا تَزْجُرُوهُ (فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا) أَيْ صَوْلَةَ الطَّلَبِ وَقُوَّةَ الْحُجَّةِ لَكِنْ مع مراعاة الأدب المشروع قال بن الْمَلِكِ الْمُرَادُ بِالْحَقِّ هُنَا الدَّيْنُ أَيْ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى غَرِيمِهِ حَقٌّ فَمَاطَلَهُ فَلَهُ أَنْ يَشْكُوَهُ وَيُرَافِعَهُ إِلَى الْحَاكِمِ وَيُعَاتِبَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْمَقَالِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ (اشْتَرُوا لَهُ بَعِيرًا) قَالَ الْحَافِظُ وفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ الْتَمِسُوا لَهُ مِثْلَ سِنِّ بَعِيرِهِ (فَلَمْ يَجِدُوا إِلَّا سِنًّا أَفْضَلَ مِنْ سِنِّهِ) لأن بَعِيرَهُ كَانَ صَغِيرًا وَالْمَوْجُودُ كَانَ رَبَاعِيًا خِيَارًا كما في

رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ الْآتِيَةِ (فَإِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً) فِيهِ جَوَازُ وَفَاءِ مَا هُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْمِثْلِ الْمُقْتَرَضِ إِذَا لَمْ تَقَعْ شَرْطِيَّةُ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ فَيَحْرُمُ حِينَئِذٍ اتِّفَاقًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي الزِّيَادَةِ إِنْ كَانَتْ بِالْعَدَدِ مُنِعَتْ وَإِنْ كَانَتْ بِالْوَصْفِ جَازَتْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قوله (حدثنا روح بن عبادة) بن الْعَلَاءِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ لَهُ تَصَانِيفُ مِنَ التَّاسِعَةِ [1318] قَوْلُهُ (اسْتَسْلَفَ) أَيْ اسْتَقْرَضَ (بَكْرًا) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ أَيْ شَابًّا مِنَ الْإِبِلِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْبَكْرُ بِالْفَتْحِ الْفَتِيُّ مِنَ الْإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ الْغُلَامِ مِنَ النَّاسِ وَالْأُنْثَى بَكْرَةٌ وَقَدْ يُسْتَعَارُ لِلنَّاسِ انْتَهَى (فَجَاءَتْهُ إِبِلٌ مِنَ الصَّدَقَةِ) أَيْ قِطْعَةُ إِبِلٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ (إِلَّا جَمَلًا خِيَارًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ جَمَلٌ خِيَارٌ وَنَاقَةٌ خِيَارٌ أَيْ مُخْتَارٌ وَمُخْتَارَةٌ (رَبَاعِيًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتَانِيَّةِ وَهُوَ مِنَ الْإِبِلِ مَا أَتَى عَلَيْهِ سِتُّ سِنِينَ وَدَخَلَ فِي السَّابِعَةِ حِينَ طَلَعَتْ رَبَاعِيَتُهُ (أَعْطِهِ إِيَّاهُ فَإِنَّ خِيَارَ النَّاسِ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مِمَّا يُسْتَشْكَلُ فَيُقَالُ كَيْفَ قَضَى مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ أَجْوَدَ مِنَ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ الْغَرِيمُ مَعَ أَنَّ النَّاظِرَ فِي الصَّدَقَاتِ لَا يَجُوزُ تَبَرُّعُهُ مِنْهَا والْجَوَابُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَرَضَ لِنَفْسِهِ فَلَمَّا جَاءَتْ إِبِلُ الصَّدَقَةِ اشْتَرَى مِنْهَا بَعِيرًا رَبَاعِيًا مِمَّنْ اسْتَحَقَّهُ فَمَلَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَمَنِهِ وَأَوْفَاهُ مُتَبَرِّعًا بِالزِّيَادَةِ مِنْ مَالِهِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اشْتَرُوا لَهُ سِنًّا فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ وَقَدْ قِيلَ فِي أَجْوِبَتِهِ غَيْرُهُ مِنْهَا أَنَّ الْمُقْتَرِضَ كَانَ بَعْضَ الْمُحْتَاجِينَ اقْتَرَضَ لِنَفْسِهِ فَأَعْطَاهُ مِنَ الصَّدَقَةِ حِينَ جَاءَتْ وَأَمَرَهُ بِالْقَضَاءِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم وروى بن مَاجَهْ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ الْجُمْلَةَ الْأَخِيرَةَ بلفظ خير الناس خيرهم قضاء

باب قوله إن الله يحب سمح البيع

75 - (باب [1319] قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ الْبَيْعِ)) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْمِيمِ أَيْ سَهْلًا فِي الْبَيْعِ وَجَوَادًا يَتَجَاوَزُ عَنْ بَعْضِ حَقِّهِ إِذَا بَاعَ قَالَ الْحَافِظُ السَّمْحُ الْجَوَادُ يُقَالُ سَمَحَ بِكَذَا إِذَا جَادَ وَالْمُرَادُ هُنَا الْمُسَاهَلَةُ (سَمْحَ الشِّرَاءِ سَمْحَ الْقَضَاءِ) أَيْ التَّقَاضِي لِشَرَفِ نَفْسِهِ وَحُسْنِ خُلُقِهِ بِمَا ظَهَرَ مِنْ قَطْعِ عَلَاقَةِ قَلْبِهِ بِالْمَالِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ ولِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ رَفَعَهُ أَدْخَلَ اللَّهُ الْجَنَّةَ رَجُلًا كَانَ سَهْلًا مُشْتَرِيًا وَبَايِعًا وَقَاضِيًا وَمُقْتَضِيًا وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عبد الله بن عمرو ونحوه قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَقَرُّوهُ [1320] قَوْلُهُ (غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانَ سَهْلًا إِلَخْ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِيهِ حَثٌّ لَنَا عَلَى التَّأَسِّي بِذَلِكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا (إِذَا اقْتَضَى) أَيْ إِذَا طَلَبَ دَيْنًا لَهُ عَلَى غَرِيمٍ يَطْلُبُهُ بالرفق واللطلف لَا بِالْخَرْقِ وَالْعُنْفِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ذكر الترمذي أنه سئل عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ حَسَنٌ انْتَهَى ورَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى

باب النهي عن البيع في المسجد

76 - (بَاب النَّهْيِ عَنْ الْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ) [1321] قَوْلُهُ (إِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ) أَيْ يشتري قال القارىء حَذْفُ الْمَفْعُولِ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ فَيَشْمَلُ ثَوْبَ الْكَعْبَةِ وَالْمَصَاحِفَ وَالْكُتُبَ وَالسُّبَحَ (فَقُولُوا) أَيْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِاللِّسَانِ جَهْرًا أَوْ بِالْقَلْبِ سِرًّا قَالَهُ القارىء قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِاللِّسَانِ جَهْرًا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ بُرَيْدَةَ الْآتِي (لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ) دُعَاءٌ عَلَيْهِ أَيْ لَا جَعَلَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ ذَاتَ رِبْحٍ وَنَفْعٍ ولَوْ قَالَ لَهُمَا مَعًا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكُمَا جَازَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَنْشُدُ) بِوَزْنِ يَطْلُبُ وَمَعْنَاهُ أَيْ يَطْلُبُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ (ضَالَّةً) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الضَّالَّةُ هِيَ الضَّائِعَةُ مِنْ كُلِّ مَا يُقْتَنَى مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ يُقَالُ ضَلَّ الشَّيْءُ إِذَا ضَاعَ وَضَلَّ عَنِ الطَّرِيقِ إِذَا حَارَ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ فَاعِلَةٌ ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهَا فَصَارَتْ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ وَتَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَتُجْمَعُ عَلَى ضَوَالَّ انْتَهَى (فَقُولُوا لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ) وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ لِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا وَعَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَنْ دَعَا إِلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَجَدْتَ إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَوَائِدُ مِنْهَا النَّهْيُ عَنْ نَشْدِ الضَّالَّةِ فِي الْمَسْجِدِ وَيُلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْعُقُودِ وَكَرَاهَةِ رَفْعِ الصَّوْتِ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ بِالْعِلْمِ وَغَيْرِهِ وأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ رَفْعَ الصَّوْتِ فِيهِ بِالْعِلْمِ وَالْخُصُومَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ لِأَنَّهُ مجمعهم ولا بدلهم مِنْهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ فِي اليوم والليلة وبن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ

مُسْلِمٍ ذَكَرَهُ مَيْرَكُ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ مُسْلِمًا قَدْ أَخْرَجَ الشَّطْرَ الثَّانِيَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ كَرِهُوا الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الْمَسْجِدِ) وَهُوَ الْحَقُّ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى الرُّخْصَةِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ رَخَّصَ

13 - كتاب الأحكام

13 - كتاب الأحكام قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْأَحْكَامُ جَمْعُ حُكْمٍ وَالْمُرَادُ بَيَانُ آدَابِهِ وَشُرُوطِهِ وَكَذَا الْحَاكِمُ وَيَتَنَاوَلُ لَفْظُ الْحَاكِمِ الْخَلِيفَةَ وَالْقَاضِيَ والْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ خِطَابُ اللَّهِ الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ بِالِاقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ وَمَادَّةُ الْحُكْمِ مِنَ الْإِحْكَامِ وَهُوَ الإتقان بالشيء ومنعه من العيب بَاب مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القاضي [1322] قَوْلُهُ (فَاقْضِ بَيْنَ النَّاسِ) أَيْ اقْبَلِ الْقَضَاءَ بينهم (قال أو تعافيني) بِالْوَاوِ بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مَحْذُوفٌ أَيْ أَتَرْحَمُ عَلَيَّ وَتُعَافِينِي (مِنْ ذَلِكَ) أَيْ الْقَضَاءِ (فَبِالْحَرِيِّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فُلَانٌ حَرِيٌّ بِكَذَا وَحَرِيٌّ بِكَذَا أَوْ بِالْحَرِيِّ أَنْ يَكُونَ كَذَا أَيْ جَدِيرٌ وَخَلِيقٌ وَالْمُثَقَّلُ يُثَنَّى وَيُجْمَعُ وَيُؤَنَّثُ تَقُولُ حَرِيَّانِ وَحَرِيُّونَ وَحَرِيَّةٌ وَالْمُخَفَّفُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ عَلَى حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ (أَنْ يَنْقَلِبَ مِنْهُ كَفَافًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ في حديث

عُمَرَ وَدِدْتُ أَنِّي سَلِمْتُ مِنَ الْخِلَافَةِ كَفَافًا لَا عَلَيَّ وَلَا لِي الْكَفَافُ هُوَ الَّذِي لَا يَفْضُلُ عَنِ الشَّيْءِ وَيَكُونُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ مَكْفُوفًا عَنِّي شَرُّهَا انْتَهَى قَالَ الطِّيبِيُّ يَعْنِي أَنَّ مَنْ تَوَلَّى الْقَضَاءَ وَاجْتَهَدَ فِي تحري الحق واستفرغ جحده فِيهِ حَقِيقٌ أَنْ لَا يُثَابَ وَلَا يُعَاقَبَ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي تَوَلِّيهِ وفِي مَعْنَاهُ أَنْشَدَ عَلَى أَنَّنِي رَاضٍ بِأَنْ أَحْمِلَ الْهَوَى وَأَخْلُصَ مِنْهُ لَا عَلَيَّ وَلَا لي قَالَ وَالْحَرِيُّ إِنْ كَانَ اسْمَ فَاعِلٍ يَكُونُ مُبْتَدَأً خَبَرُهُ أَنْ يَنْقَلِبَ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ نَحْوَ بِحَسْبِكَ دِرْهَمٌ أَيْ الْخَلِيقُ وَالْجَدِيرُ كَوْنُهُ مُنْقَلِبًا مِنْهُ كَفَافًا وَإِنْ جَعَلْتَهُ مَصْدَرًا فَهُوَ خَبَرٌ وَالْمُبْتَدَأُ مَا بَعْدَهُ وَالْبَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ كَوْنُهُ مُنْقَلِبًا ثَابِتٌ بِالِاسْتِحْقَاقِ (فَمَا أَرْجُو) أَيْ فأي شيء أرجو (بعد ذلك) أي بعد ما سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ وفِي الْمِشْكَاةِ فَمَا رَاجَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْ فَمَا رَدَّ عُثْمَانُ الْكَلَامَ على بن عُمَرَ (وفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) فِي التَّرْغِيبِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوهَبٍ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِابْنِ عُمَرَ إذهب فكن قاضيا قال أو تعفيني يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ اذْهَبْ فَاقْضِ بَيْنَ النَّاسِ قَالَ تُعْفِينِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ عَزَمْتُ عَلَيْكَ إِلَّا ذَهَبْتَ فَقَضَيْتَ قَالَ لَا تَعْجَلْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول من عاذ بالله فقد عاد بِمَعَاذٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ قَاضِيًا قَالَ وَمَا يَمْنَعُكَ وَقَدْ كان أبوك يقضي قال لِأَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ كَانَ قَاضِيًا فَقَضَى بِالْجَهْلِ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَمَنْ كَانَ قَاضِيًا فَقَضَى بِالْجَوْرِ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَمَنْ كَانَ قَاضِيًا فَقَضَى بِحَقٍّ أَوْ بِعَدْلٍ سَأَلَ التَّفَلُّتَ كَفَافًا فَمَا أَرْجُو مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ رواه أبو يعلى وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ بِاخْتِصَارٍ عَنْهُمَا وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُوهَبٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ انْتَهَى مَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) لَهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ ذَكَرهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (حديث بن عمر حديث غريب) وأخرجه أبو يعلى وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مُطَوَّلًا كَمَا عَرَفْتَ (وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ) فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ موهب لم يسمع من عثمان رضي الله عَنْهُ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ (وَعَبْدُ الْمَلِكِ الَّذِي رَوَى عَنْهُ الْمُعْتَمِرُ هَذَا هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا

واحدا في القضاء وله في صحيح بن حبان آخر انتهى [1323] (وُكِلَ إِلَى نَفْسِهِ) بِضَمِّ وَاوٍ فَكَافٍ مُخَفَّقَةٍ مَكْسُورَةٍ أَيْ فُوِّضَ إِلَى نَفْسِهِ وَلَا يُعَانُ مِنَ اللَّهِ (وَمَنْ جُبِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وفِي بَعْضِ النُّسَخِ أُجْبِرَ (فَيُسَدِّدُهُ) أَيْ يَحْمِلُهُ عَلَى السَّدَادِ وَالصَّوَابِ [1324] قَوْلُهُ (عَنْ بِلَالِ بْنِ مِرْدَاسٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُقَالُ بن أَبِي مُوسَى الْفَزَارِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ خيثمة) هو بن أَبِي خَيْثَمَةَ الْبَصْرِيُّ أَبُو نَصْرٍ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَنِ ابْتَغَى) أَيْ طَلَبَ فِي نَفْسِهِ (وَمَنْ أُكْرِهَ) أَيْ أُجْبِرَ قَوْلُهُ (وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى) أَيْ حَدِيثُ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بِذِكْرِ خَيْثَمَةَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بِغَيْرِ ذِكْرِ خَيْثَمَةَ قَالَ الْحَافِظُ وَطَرِيقُ خَيْثَمَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ التِّرْمِذِيُّ والحاكم انتهى [1325] (مَنْ وُلِّيَ الْقَضَاءَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّوْلِيَةِ (أَوْ) لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي (جُعِلَ قَاضِيًا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ جَعَلَهُ السُّلْطَانُ قَاضِيًا (فَقَدْ ذُبِحَ) بصيغة المجهول (بغير سكين) قال بن الصَّلَاحِ الْمُرَادُ ذُبِحَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ بَيْنَ عَذَابِ الدُّنْيَا إِنْ رَشَدَ وَبَيْنَ عَذَابِ الْآخِرَةِ إِنْ فَسَدَ وقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ إنما عدل عَنِ الذَّبْحِ بِالسِّكِّينِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُخَافُ مِنْ هَلَاكِ دِينِهِ دُونَ بَدَنِهِ وَهَذَا أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ والثَّانِي أَنَّ الذَّبْحَ بِالسِّكِّينِ فِيهِ إِرَاحَةٌ لِلْمَذْبُوحِ وَبِغَيْرِ السِّكِّينِ كَالْخَنْقِ وَغَيْرِهِ يَكُونُ الْأَلَمُ فِيهِ أَكْثَرَ فَذُكِرَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي التَّحْذِيرِ ومِنَ النَّاسِ مَنْ فُتِنَ بِمَحَبَّةِ الْقَضَاءِ فَأَخْرَجَهُ عَمَّا يَتَبَادَرُ إِلَيْهِ الْفَهْمُ مِنْ سِيَاقِهِ فَقَالَ إِنَّمَا قَالَ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ لِيُشِيرَ إِلَى الرِّفْقِ بِهِ وَلَوْ ذُبِحَ بِالسِّكِّينِ لَكَانَ أَشَقَّ عَلَيْهِ وَلَا يَخْفَى فَسَادُ هَذَا كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَافِظُ

باب ما جاء في القاضي يصيب ويخطىء

وله طرق وأعله بن الْجَوْزِيِّ فَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ ولَيْسَ كَمَا قَالَ وَكَفَاهُ قُوَّةً تَخْرِيجُ النَّسَائِيِّ لَهُ وذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْخِلَافَ فِيهِ عَلَى سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقَاضِي يصيب ويخطىء) [1326] قَوْلُهُ (فَاجْتَهَدَ) عَطْفٌ عَلَى الشَّرْطِ عَلَى تَأْوِيلِ أَرَادَ الْحُكْمَ (فَأَصَابَ) عَطْفٌ عَلَى فَاجْتَهَدَ أَيْ وَقَعَ اجْتِهَادُهُ مُوَافِقًا لِحُكْمِ اللَّهِ (فَلَهُ أَجْرَانِ) أَيْ أَجْرُ الِاجْتِهَادِ وَأَجْرُ الْإِصَابَةِ وَالْجُمْلَةُ جَزَاءُ الشَّرْطِ (فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إنما يؤجر المخطىء عَلَى اجْتِهَادِهِ فِي طَلَبِ الْحَقِّ لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ عِبَادَةٌ وَلَا يُؤْجَرُ عَلَى الْخَطَأِ بَلْ يُوضَعُ عَنْهُ الْإِثْمُ وَهَذَا فِيمَنْ كَانَ جَامِعًا لِآلَةِ الِاجْتِهَادِ عَارِفًا بِالْأُصُولِ عَالِمًا بِوُجُوهِ الْقِيَاسِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلِاجْتِهَادِ فَهُوَ مُتَكَلِّفٌ وَلَا يُعْذَرُ بِالْخَطَأِ بَلْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْوِزْرُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي الْفُرُوعِ الْمُحْتَمِلَةِ لِلْوُجُوهِ الْمُخْتَلِفَةِ دُونَ الْأُصُولِ الَّتِي هِيَ أَرْكَانُ الشَّرِيعَةِ وَأُمَّهَاتُ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا تَحْتَمِلُ الْوُجُوهَ وَلَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلتَّأْوِيلِ فَإِنَّ مَنْ أَخْطَأَ فِيهَا كَانَ غَيْرَ مَعْذُورٍ فِي الْخَطَأِ وَكَانَ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ مَرْدُودًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عمرو بن العاص) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالدّارَقُطْنيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي هُرَيْرَةَ

باب ما جاء في القاضي كيف يقضي

3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقَاضِي كَيْفَ يَقْضِي) [1327] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عَوْنٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عن الحارث بن عمرو) هو بن أخ للمغيرة بن شعبة الثقفي ويقال بن عَوْنٍ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وفِي الْمِيزَانِ مَا رَوَى عَنِ الْحَارِثِ غَيْرُ أَبِي عَوْنٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ (قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي) قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الِاجْتِهَادُ بَذْلُ الْوُسْعِ فِي طلب الأمر وهو افتعال من الجهد الطاقة وَالْمُرَادُ بِهِ رَدُّ الْقَضِيَّةِ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَمْ يُرِدْ الرَّأْيَ الَّذِي يَرَاهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ عَنْ غَيْرِ حَمْلٍ عَلَى كِتَابٍ وَسُنَّةٍ انْتَهَى وقَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ أَجْتَهِدُ رَأْيِي الْمُبَالَغَةُ قَائِمَةٌ فِي جَوْهَرِ اللَّفْظِ وَبِنَاؤُهُ لِلِافْتِعَالِ لِلِاعْتِمَالِ وَالسَّعْيِ وَبَذْلِ الْوُسْعِ قَالَ الرَّاغِبُ الْجُهْدُ الطَّاقَةُ وَالْمَشَقَّةُ وَالِاجْتِهَادُ أَخْذُ النَّفْسِ بِبَذْلِ الطَّاقَةِ وَتَحَمُّلِ الْمَشَقَّةِ يُقَالُ جَهَدْتُ رَأْيِي وَاجْتَهَدْتُ أَتْعَبْتُهُ بِالْفِكْرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يُرِدْ بِهِ الرَّأْيَ الَّذِي يَسْنَحُ لَهُ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ أَوْ يَخْطِرُ بِبَالِهِ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ مِنْ كِتَابٍ وَسُنَّةٍ بَلِ أَرَادَ رَدَّ الْقَضِيَّةِ إِلَى مَعْنَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ وفِي هَذَا إِثْبَاتٌ لِلْحُكْمِ بالقياس كذا في المرقاة (الحمدلله الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ [1328] قَوْلُهُ (عَنْ أُنَاسٍ مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ كُورَةٌ بِالشَّامِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوجه

وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدّارَقُطْنيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ وَعَنْهُ أَبُو عَوْنٍ لَا يَصِحُّ وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أبي عون هكذا وأرسله بن مَهْدِيٍّ وَجَمَاعَةٌ عَنْهُ وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ قَالَ أَبُو دَاوُدَ أَكْثَرُ مَا كَانَ يُحَدِّثُنَا شُعْبَةُ عَنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَالَ مَرَّةً عَنْ مُعَاذٍ وَقَالَ بن حَزْمٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْحَارِثَ مَجْهُولٌ وَشُيُوخَهُ لَا يُعْرَفُونَ قَالَ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ فِيهِ التَّوَاتُرَ وَهَذَا كَذِبٌ بَلْ هُوَ ضِدُّ التَّوَاتُرِ لِأَنَّهُ مَا رَوَاهُ أَحَدٌ غَيْرُ أَبِي عَوْنٍ عَنِ الْحَارِثِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُتَوَاتِرًا وَقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ لَا يُسْنَدُ وَلَا يُوجَدُ مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ وقال بن الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ لَا يَصِحُّ وَإِنْ كَانَ الْفُقَهَاءُ كُلُّهُمْ يَذْكُرُونَهُ فِي كُتُبِهِمْ وَيَعْتَمِدُونَ عليه وإن كان معناه صحيحا وقال بن طَاهِرٍ فِي تَصْنِيفٍ لَهُ مُفْرَدٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ اعْلَمْ أَنَّنِي فَحَصْتُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْمَسَانِيدِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَسَأَلْتُ عَنْهُ مَنْ لَقِيتُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ فلم أجد له غير طريقين أحدهما طَرِيقُ شُعْبَةَ وَالْأُخْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ عَنْ مُعَاذٍ وَكِلَاهُمَا لَا يَصِحُّ انتهى وقال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا مَا لَفْظُهُ هَذَا حَدِيثٌ وَإِنْ كَانَ عَنْ غَيْرِ مُسَمَّيْنَ فَهُمْ أَصْحَابُ مُعَاذٍ فَلَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى شُهْرَةِ الْحَدِيثِ وَأَنَّ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ لَا وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الشُّهْرَةِ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوْ سُمِّيَ كَيْفَ وَشُهْرَةُ أَصْحَابِ مُعَاذٍ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ وَالْفَضْلِ وَالصِّدْقِ بِالْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَخْفَى وَلَا يُعْرَفُ فِي أَصْحَابِهِ مُتَّهَمٌ وَلَا كَذَابٌ وَلَا مَجْرُوحٌ بَلِ أَصْحَابُهُ مِنْ أَفَاضِلِ الْمُسْلِمِينَ وَخِيَارِهِمْ لَا يَشُكُّ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ فِي ذَلِكَ كَيْفَ وَشُعْبَةُ حَامِلُ لِوَاءِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ إِذَا رَأَيْتَ شُعْبَةَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثٍ فَاشْدُدْ يَدَيْكَ بِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنَمٍ عَنْ مُعَاذٍ وَهَذَا إِسْنَادٌ مُتَّصِلٌ وَرِجَالُهُ مَعْرُوفُونَ بِالثِّقَةِ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ نَقَلُوهُ وَاحْتَجُّوا بِهِ فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى صِحَّتِهِ عِنْدَهُمْ كَمَا وَقَفْنَا عَلَى صِحَّةِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وقَوْلُهُ فِي الْبَحْرِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ وَالْحِلُّ مَيْتَتُهُ وقَوْلُهُ إِذَا اخْتَلَفَ المتبايعان في الثمن والسلعة قائمة تحالفا وتراد الْبَيْعَ وَقَوْلُهُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ لَا تَثْبُتُ مِنْ جِهَةِ الْإِسْنَادِ ولَكِنْ لَمَّا نَقَلَهَا الْكَافَّةُ عَنِ الْكَافَّةِ غَنُوا بِصِحَّتِهَا عِنْدَهُمْ عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ لَهَا فَكَذَلِكَ حَدِيثُ مُعَاذٍ لَمَّا احْتَجُّوا بِهِ جَمِيعًا غَنُوا عَنْ طَلَبِ الْإِسْنَادِ انْتَهَى كَلَامُهُ وقَدْ جَوَّزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَجْتَهِدَ رَأْيَهُ وَجَعَلَ لَهُ عَلَى خَطَئِهِ فِي اجْتِهَادِ الرَّأْيِ أَجْرًا وَاحِدًا إِذَا كَانَ قَصْدُهُ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ وَاتْبَاعَهُ وقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُونَ فِي النوازل ويقيسون

باب ما جاء في الإمام العادل

بَعْضَ الْأَحْكَامِ عَلَى بَعْضٍ وَيَعْتَبِرُونَ النَّظِيرَ بِنَظِيرِهِ ثم بسط بن الْقَيِّمِ فِي ذِكْرِ اجْتِهَادَاتِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ وَقَدْ اجْتَهَدَ الصَّحَابَةُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ وَلَمْ يُغْنِهِمْ كَمَا أَمَرَهُمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ أَنْ يُصَلُّوا الْعَصْرَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَاجْتَهَدَ بَعْضُهُمْ وَصَلَّاهَا فِي الطَّرِيقِ وَقَالَ لَمْ يُرِدْ مِنَّا التَّأْخِيرَ وَإِنَّمَا أَرَادَ سُرْعَةَ النُّهُوضِ فَنَظَرُوا إِلَى الْمَعْنَى واجْتَهَدَ آخَرُونَ وَأَخَّرُوهَا إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَصَلَّوْهَا لَيْلًا نَظَرُوا إِلَى اللَّفْظِ وهَؤُلَاءِ سَلَفُ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَأُولَئِكَ سَلَفُ أَصْحَابِ الْمَعَانِي وَالْقِيَاسِ وقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ قَالَ الْمُزَنِيُّ الْفُقَهَاءُ مِنْ عَصْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِنَا وَهَلُمَّ جَرًّا اسْتَعْمَلُوا الْمَقَايِيسَ فِي الْفِقْهِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ قَالَ وَأَجْمَعُوا بِأَنَّ نَظِيرَ الْحَقِّ حَقٌّ وَنَظِيرَ الْبَاطِلِ بَاطِلٌ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إِنْكَارُ الْقِيَاسِ لِأَنَّهُ التَّشْبِيهُ بِالْأُمُورِ وَالتَّمْثِيلُ عَلَيْهَا انْتَهَى مَا فِي الْأَحْكَامِ قُلْتُ الْأَمْرُ كما قال بن الْقَيِّمِ لَكِنَّ مَا قَالَ فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِ الْبَابِ فَفِيهِ عِنْدِي كَلَامٌ (بَاب مَا جَاءَ في الإمام العادل) [1329] قوله (عَنْ عَطِيَّةَ) بْنِ سَعْدِ بْنِ جُنَادَةَ الْعَوْفِيِّ الْجَدَلِيِّ أَبِي الْحَسَنِ الْكُوفِيِّ ضَعَّفَهُ الثَّوْرِيُّ وَهُشَيْمٌ وبن عَدِيٍّ وَحَسَّنَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ أَحَادِيثَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ يخطىء كَثِيرًا كَانَ شِيعِيًّا مُدَلِّسًا انْتَهَى وقَالَ فِي الْمِيزَانِ تَابِعِيٌّ شَهِيرٌ ضَعِيفٌ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ يكتب حديثه ضعيف وقال بن مَعِينٍ صَالِحٌ وَقَالَ أَحْمَدُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَجَمَاعَةٌ ضَعِيفٌ انْتَهَى مُخْتَصَرًا (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (إِنَّ أحب الناس) أي أكثرهم محبوبية قاله القارىء وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ أَسْعَدَهُمْ بِمَحَبَّتِهِ (وَأَدْنَاهُمْ) أَيْ أَقْرَبَهُمْ (مِنْهُ مَجْلِسًا) أَيْ مَكَانَةً وَمَرْتَبَةً قَالَهُ القارىء وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ أَقْرَبَهُمْ مِنْ مَحَلِّ كَرَامَتِهِ وَأَرْفَعَهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً (إِمَامٌ جَائِرٌ) أَيْ ظَالِمٌ قوله (وفي الباب عن بن أَبِي أَوْفَى) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ قوله (حدثنا

باب ما جاء في القاضي لا يقضي بين الخصمين

عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ) الْقَيْسِيُّ أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (حدثنا عمران القطان) هو بن داود بِفَتْحِ الْوَاوِ بَعْدَهَا رَاءٌ أَبُو الْعَوَّامِ صَدُوقٌ يَهِمُ وَرُمِيَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (عن بن أَبِي أَوْفَى) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى وَاسْمُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ الْأَسْلَمِيُّ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَخَيْبَرَ وَمَا بَعْدَهُمَا مِنَ الْمَشَاهِدِ وَلَمْ يَزَلْ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الْكُوفَةِ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ بالكوفة سنة سبع وثمانين ووهم القارىء فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ فَقَالَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيُّ الْأَنْصَارِيُّ [1330] قَوْلُهُ (اللَّهُ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ إِنَّ اللَّهَ (مَعَ الْقَاضِي) أَيْ بِالنُّصْرَةِ وَالْإِعَانَةِ (مَا لَمْ يَجُرْ) بِضَمِّ الْجِيمِ أَيْ مَا لَمْ يَظْلِمْ (تَخَلَّى عَنْهُ) أَيْ خَذَلَهُ وَتَرَكَ عَوْنَهُ (وَلَزِمَهُ الشَّيْطَانُ) لَا يَنْفَكُّ عَنْ إِضْلَالِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ وَأَقَرُّوهُ انْتَهَى وفِي الْبَابِ عن بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يَحِفْ عَمْدًا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ المناوي ضعيف لضعف جعفر بن سليمان القارىء انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقَاضِي لَا يَقْضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ) حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَهُمَا [1331] قَوْلُهُ (عَنْ حَنَشٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الْخَفِيفَةِ هو بن الْمُعْتَمِرِ الْكِنَانِيُّ الْكُوفِيُّ صَاحِبُ عَلِيٍّ قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ (إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ رَجُلَانِ) أَيْ تَرَافَعَ إِلَيْكَ خَصْمَانِ (فَلَا تَقْضِ لِلْأَوَّلِ) أَيْ مِنَ الْخَصْمَيْنِ وَهُوَ الْمُدَّعِي (حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ

باب ما جاء في إمام الرعية

دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَقْضِي عَلَى غَائِبٍ وذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَنَعَهُ مِنْ أَنْ يَقْضِيَ لِأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَهُمَا حَاضِرَانِ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ فَفِي الْغَائِبِ أَوْلَى بِالْمَنْعِ وذَلِكَ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْغَائِبِ حُجَّةٌ تُبْطِلُ دَعْوَى الْآخَرِ وَتَدْحَضُ حُجَّتَهُ قَالَ الْأَشْرَفُ لَعَلَّ مُرَادَ الْخَطَّابِيِّ بِهَذَا الْغَائِبِ الْغَائِبُ عَنْ مَحَلِّ الْحُكْمِ فَحَسْبُ دُونَ الْغَائِبِ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَإِنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ جَائِزٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَسَوْفَ تَدْرِي كَيْفَ تَقْضِي) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يَتَبَيَّنَ لَكَ الْقَضَاءُ (فَمَا زِلْتُ قَاضِيًا بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ دُعَائِهِ وَتَعْلِيمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ بن مَاجَهْ هَكَذَا بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعَثْتَنِي وَأَنَا شَابٌّ أَقْضِي بَيْنَهُمْ وَلَا أَدْرِي مَا الْقَضَاءُ قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ قَلْبَهُ وَثَبِّتْ لِسَانَهُ قَالَ فَمَا شَكَكْتُ بَعْدُ فِي قَضَاءٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ ورَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ نَحْوَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي إِمَامِ الرَّعِيَّةِ) [1332] قَوْلُهُ (قَالَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ) فِي التَّقْرِيبِ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجُهَنِيُّ أَبُو طَلْحَةَ أَوْ أَبُو مَرْيَمَ صَحَابِيٌّ مَاتَ بِالشَّامِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ انْتَهَى وقَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ يُكَنَّى أَبَا مَرْيَمَ الْجُهَنِيُّ وَقِيلَ الْأَزْدِيُّ شَهِدَ أَكْثَرَ الْمُشَاهَدِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَمَا مِنْ إِمَامٍ يُغْلِقُ بَابَهُ دُونَ ذَوِي الْحَاجَةِ وَالْخَلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ) أَيْ يَحْتَجِبُ وَيَمْتَنِعُ مِنَ الْخُرُوجِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِمْ إِلَيْهِ وَالْخَلَّةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْحَاجَةُ وَالْفَقْرُ فَالْحَاجَةُ وَالْخَلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أَلْفَاظٌ مُتَقَارِبَةٌ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لِلتَّأْكِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ (إِلَّا أَغْلَقَ اللَّهُ أَبْوَابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ) أَيْ أَبْعَدَهُ وَمَنَعَهُ عَمَّا يَبْتَغِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ أَوِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلَا يَجِدُ سَبِيلًا إِلَى حَاجَةٍ مِنْ حَاجَاتِهِ الضَّرُورِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِاحْتِجَابِ الْوَالِي أَنْ يَمْنَعَ أَرْبَابَ الْحَوَائِجِ وَالْمُهِمَّاتِ أَنْ يَدْخُلُوا عليه فيعرضوها له ويعسر عليهم إنهاوها واحْتِجَابُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يُجِيبَ دَعْوَتَهُ وَيُخَيِّبَ آمَالَهُ انْتَهَى

باب ما جاء لا يقضي القاضي وهو غضبان

قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ كُلُّكُمْ رَاعٍ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَزَّارُ [1333] قَوْلُهُ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ (عَنْ أَبِي مَرْيَمَ) هُوَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْمَذْكُورُ (نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَاهُ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِنَّ سَنَدَهُ جَيِّدٌ (بَاب مَا جَاءَ لَا يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ) [1334] قَوْلُهُ (وَهُوَ قَاضٍ) أَيْ بِسِجِسْتَانَ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بَيْنَ اثْنَيْنِ) أَيْ مُتَخَاصِمَيْنِ (وَهُوَ غَضْبَانُ) بِلَا تَنْوِينٍ أَيْ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ على الاجتهاد والفكر في مسألتهما قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ النَّهْيُ عَنِ الْحُكْمِ حَالَةَ الْغَضَبِ لِمَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ مِنَ التَّغَيُّرِ الَّذِي يَخْتَلُّ بِهِ النَّظَرُ فَلَا يَحْصُلُ اسْتِيفَاءُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَجْهِ قَالَ وَعَدَّاهُ الْفُقَهَاءُ بِهَذَا الْمَعْنَى إِلَى كُلِّ مَا يَحْصُلُ بِهِ تَغَيُّرُ الْفِكْرِ كَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ الْمُفْرِطَيْنِ وَغَلَبَةِ النُّعَاسِ وَسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ به القلب تعلقا بشغله عَنِ اسْتِيفَاءِ النَّظَرِ وَهُوَ قِيَاسُ مَظِنَّةٍ عَلَى مَظِنَّةٍ وقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ لَا يَقْضِي الْقَاضِي إِلَّا هُوَ شَبْعَانُ رَيَّانُ وسَبَبُ ضَعْفِهِ أَنَّ فِي إِسْنَادِهِ الْقَاسِمَ الْعُمَرِيَّ وَهُوَ مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ وظَاهِرُ النَّهْيِ التَّحْرِيمُ وَلَا مُوجِبَ لِصَرْفِهِ عَنْ مَعْنَاهُ الحقيقي إلى

باب ما جاء في هدايا الأمراء

الْكَرَاهَةِ فَلَوْ خَالَفَ الْحَاكِمُ فَحَكَمَ فِي حَالِ الْغَضَبِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ إِنْ صَادَفَ الْحَقَّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى لِلزُّبَيْرِ فِي حَالِ الْغَضَبِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ فَكَأَنَّهُمْ جَعَلُوا ذَلِكَ قَرِينَةً صَارِفَةً لِلنَّهْيِ إِلَى الْكَرَاهَةِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلْحَاقُ غَيْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ عَنِ الْحُكْمِ بِالْبَاطِلِ فِي رِضَائِهِ وَغَضَبِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ فَلَا عِصْمَةَ تَمْنَعُهُ عَنِ الْخَطَأِ وَلِهَذَا ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ الْحُكْمُ فِي حَالِ الْغَضَبِ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وفَصَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْغَضَبُ طَرَأَ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنِ اسْتَبَانَ لَهُ الْحُكْمُ فَلَا يُؤَثِّرُ وَإِلَّا فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ قَالَ الحافظ بن حَجَرٍ وَهُوَ تَفْصِيلٌ مُعْتَبَرٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَبُو بَكْرَةَ اسْمُهُ نُفَيْعٌ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مُصَغَّرًا صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ (بَاب مَا جَاءَ فِي هَدَايَا الْأُمَرَاءِ) [1335] قَوْلُهُ (فِي أَثَرِي) بِفَتْحَتَيْنِ وَبِكَسْرٍ وَسُكُونٍ أَيْ عَقِبِي (فَرُدِدْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الرَّدِّ أَيْ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ وَوَقَفْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ (قَالَ لَا تُصِيبَنَّ شَيْئًا) فِيهِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ بَعَثْتُ إِلَيْكَ لِأُوصِيَكَ وَأَقُولَ لَكَ لَا تُصِيبَنَّ أَيْ لَا تَأْخُذَنَّ (فَإِنَّهُ غُلُولٌ) أَيْ خِيَانَةٌ وَالْغُلُولُ هُوَ الْخِيَانَةُ فِي الْغَنِيمَةِ (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَرَادَ بِمَا غَلَّ مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا ألفين أحدكم يجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ الْحَدِيثَ (لِهَذَا) أَيْ لِأَجْلِ هَذَا النُّصْحِ (وَامْضِ) أَيْ اذْهَبْ وفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَامْضِ بِالْفَاءِ [1336] قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ (وَبُرَيْدَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ (وَالْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْأُولَى أَخْرَجَهُ أبو داود (وأبي حميد) أخرجه البيهقي وبن عدي قال الحافظ إسناده ضعيف

باب ما جاء في الراشي والمرتشي في الحكم

(وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ مُعَاذٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْفَتْحِ وَعَزَاهُ إِلَى التِّرْمِذِيِّ وَسَكَتَ عَنْهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ) الرَّاشِي هُوَ دَافِعُ الرِّشْوَةِ وَالْمُرْتَشِي آخِذُهَا قَوْلُهُ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ فِي الْحُكْمِ) زَادَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ وَالرَّائِشَ يَعْنِي الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ قَالَ بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ الرِّشْوَةُ وَالرُّشْوَةُ الْوَصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بِالْمُصَانَعَةِ وَأَصْلُهُ مِنَ الرِّشَا الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ فَالرَّاشِي مَنْ يُعْطِي الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْبَاطِلِ والْمُرْتَشِي الْآخِذُ وَالرَّائِشُ الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزِيدُ لِهَذَا أَوْ يَسْتَنْقِصُ لِهَذَا فَأَمَّا مَا يُعْطَى تَوَصُّلًا إِلَى أَخْذِ حَقٍّ أَوْ دَفْعِ ظُلْمٍ فَغَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ رُوِيَ أن بن مَسْعُودٍ أُخِذَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي شَيْءٍ فَأَعْطَى دِينَارَيْنِ حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ ورُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ قَالُوا لَا بَأْسَ أَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظلم انتهى كلام بن الْأَثِيرِ وفِي الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ قِيلَ الرِّشْوَةُ مَا يُعْطَى لِإِبْطَالِ حَقٍّ أَوْ لِإِحْقَاقِ بَاطِلٍ أَمَّا إِذَا أَعْطَى لِيُتَوَصَّلَ بِهِ إِلَى حَقٍّ أَوْ لِيَدْفَعَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ظُلْمًا فَلَا بَأْسَ بِهِ وكَذَا الْآخِذُ إِذَا أَخَذَ لِيَسْعَى فِي إِصَابَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ فَلَا بَأْسَ بِهِ لَكِنَّ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِ الْقُضَاةِ وَالْوُلَاةِ لِأَنَّ السَّعْيَ فِي إِصَابَةِ الْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ وَدَفْعِ الظُّلْمِ عَنِ الْمَظْلُومِ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الْأَخْذُ عَلَيْهِ قَالَ القارىء كذا ذكره بن الْمَلِكِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ إِلَّا قَوْلَهُ وَكَذَا الْآخِذُ وَهُوَ بِظَاهِرِهِ يُنَافِيهِ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا مَنْ شَفَعَ لِأَحَدٍ شَفَاعَةً فَأَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً عَلَيْهَا فَقَبِلَهَا فَقَدْ أَتَى بَابًا عَظِيمًا مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ إِسْنَادُهُ لَا مَطْعَنَ فِيهِ (وَعَائِشَةَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ مُخَرِّجًا أَحَادِيثَ الْبَابِ أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وأم سلمة فينظر من أخرجهما (وبن حَدِيدَةَ) كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ قَالَ فِي أسد الغابة عن أبي نعيم وبن مَنْدَهْ أَنَّهُ الصَّوَابُ قَالَ

باب ما جاء في قبول الهدية وإجابة الدعوة

وَقِيلَ أَبُو حَدِيدَةَ انْتَهَى بِالْمَعْنَى وفِي بَعْضِهَا بن حَيْدَةَ وفِي أَبِي حَدِيدٍ كَذَا فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَدْ عَزَاهُ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ إِلَى أَحْمَدَ وَالْأَرْبَعَةِ وَهُوَ وَهْمٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ غير حديث بن عَمْرٍو وَوَهِمَ أَيْضًا بَعْضُ الشُّرَّاحِ فَقَالَ إِنَّ أبا داود زاد في روايته لحديث بن عَمْرٍو لَفْظَ فِي الْحُكْمِ وَلَيْسَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ عند أبي داود قال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ فِي الْحُكْمِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ (وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ بَهْرَامَ السَّمَرْقَنْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ الْحَافِظُ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مُتْقِنٌ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ [1337] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ) [1338] قَوْلُهُ (لَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ هُوَ مُسْتَدَقُّ السَّاقِ مِنَ الرِّجْلِ وَمِنْ حَدِّ الرُّسْغِ مِنَ الْيَدِ وهُوَ مِنَ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ بِمَنْزِلَةِ الْوَظِيفِ مِنَ الْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ وقِيلَ الْكُرَاعُ مَا دُونَ الْكَعْبِ من الدواب وقال بن فَارِسٍ كُرَاعُ كُلِّ شَيْءٍ طَرَفُهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَلَوْ دُعِيتُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْكُرَاعِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ قَالَ

باب ما جاء في التشديد على من يقضى له بشيء

الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَكَذَا وَقَعَ لِلْغَزَالِيِّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُرَاعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمَكَانُ الْمَعْرُوفُ بِكُرَاعِ الْغَمِيمِ وَهُوَ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وزَعَمَ أَنَّهُ أَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِجَابَةِ وَلَوْ بَعُدَ الْمَكَانُ لَكَانَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِجَابَةِ مَعَ حَقَارَةِ الشَّيْءِ أَوْضَحَ وَلِهَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكُرَاعِ هُنَا كُرَاعُ الشَّاةِ وَأَغْرَبَ الْغَزَّالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ وَلَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ ولَا أَصْلَ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ انْتَهَى قُلْتُ لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَلَوْ دُعِيتُ عَلَيْهِ لَأَجَبْتُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُرَادَ بِالْكُرَاعِ كُرَاعُ الْغَمِيمِ وفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاضُعِهِ وَجَبْرِهِ لِقُلُوبِ النَّاسِ وَعَلَى قَبُولِ الْهَدِيَّةِ وَإِجَابَةِ مَنْ يَدْعُو الرَّجُلَ إِلَى مَنْزِلِهِ ولَوْ عَلِمَ أَنَّ الَّذِي يَدْعُوهُ إِلَيْهِ شَيْءٌ قَلِيلٌ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَسَلْمَانَ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ) قَالَ فِي التَّلْخِيصِ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ كِسْرَى أَهْدَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً فَقَبِلَ مِنْهُ وَأَنَّ الْمُلُوكَ أَهْدَوْا إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُمْ وفِي النَّسَائِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَلْقَمَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ ثَقِيفٍ قَدِمُوا مَعَهُمْ بِهَدِيَّةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالُوا لَا بَلْ هَدِيَّةٌ فَقَبِلَهَا وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ أَهَدِيَّةٌ أَمْ صَدَقَةٌ فَإِنْ قِيلَ صَدَقَةٌ قَالَ لِأَصْحَابِهِ كُلُوا وَإِنْ قِيلَ هَدِيَّةٌ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَأَكَلَ مَعَهُمْ قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ شَهِيرَةٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبْتُ وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ لَقَبِلْتُ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّشْدِيدِ عَلَى مَنْ يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ) لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ [1339] قَوْلُهُ (إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ) أَيْ تَرْمُونَ الْمُخَاصَمَةَ إِلَيَّ (وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ) أَيْ كَوَاحِدٍ مِنَ الْبَشَرِ

فِي عَدَمِ عِلْمِ الْغَيْبِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ التَّنْبِيهُ عَلَى حَالَةِ الْبَشَرِيَّةِ وأَنَّ الْبَشَرَ لَا يعلمون عن الْغَيْبِ وَبَوَاطِنِ الْأُمُورِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يُطْلِعَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وأَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ فِي أُمُورِ الْأَحْكَامِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِمْ وأَنَّهُ إِنَّمَا يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِالظَّاهِرِ وَلَا يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ فَيَحْكُمُ بِالْبَيِّنَةِ وَبِالْيَمِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِ الظَّاهِرِ مَعَ إِمْكَانِ كَوْنِهِ فِي الْبَاطِنِ خِلَافَ ذَلِكَ ولَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَطْلَعَهُ عَلَى بَاطِنِ أَمْرِ الْخَصْمَيْنِ فَحَكَمَ بِيَقِينِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى شَهَادَةٍ أَوْ يَمِينٍ لَكِنْ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أُمَّتَهُ بإتباعه والاقتداء فأقواله وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ أَجْرَى لَهُ حُكْمَهُمْ فِي عَدَمِ الِاطِّلَاعِ عَلَى بَاطِنِ الْأُمُورِ لِيَكُونَ حُكْمُ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ حُكْمَهُ فَأَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى أَحْكَامَهُ عَلَى الظَّاهِرِ الَّذِي يَسْتَوِي فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ لِيَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ انْتَهَى (وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ) وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ قَالَ الْحَافِظُ أَلْحَنُ بِمَعْنَى أَبْلَغَ لِأَنَّهُ مِنْ لَحِنَ بِمَعْنَى فَطِنَ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ أَفْطَنَ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ فِي حُجَّتِهِ مِنَ الْآخَرِ انْتَهَى (فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ مِنَ النَّارِ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ أَيْ الَّذِي قَضَيْتُ لَهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ إِذَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ لَا يَسْتَحِقُّهُ فَهُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ يؤول بِهِ إِلَى النَّارِ وقَوْلُهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ تَمْثِيلٌ يُفْهَمُ مِنْهُ شِدَّةُ التَّعْذِيبِ عَلَى مَنْ يَتَعَاطَاهُ فَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إنما يأكلون في بطونهم نارا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَجَمَاهِيرِ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُحِلُّ الْبَاطِلَ وَلَا يُحِلُّ حَرَامًا فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ فَحَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ لَمْ يَحِلُّ لِلْمَحْكُومِ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ ولَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِقَتْلٍ لَمْ يَحِلَّ لِلْوَلِيِّ قَتْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا وإن شهد بِالزُّورِ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ لَمْ يَحِلَّ لِمَنْ عَلِمَ بِكَذِبِهِمَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ حُكْمِ الْقَاضِي بِالطَّلَاقِ وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يُحِلُّ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْفُرُوجَ دُونَ الْأَمْوَالِ فَقَالَ نُحِلُّ نِكَاحَ الْمَذْكُورَةِ وهَذَا مُخَالِفٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَمُخَالِفٌ لِقَاعِدَةٍ وَافَقَ هُوَ وَغَيْرُهُ عَلَيْهَا وَهِيَ أَنَّ الْأَبْضَاعَ أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنَ الْأَمْوَالِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ بِنَحْوِ حَدِيثِ الْبَابِ (وَعَائِشَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَلَهُ أَلْفَاظٌ

باب ما جاء في أن البينة على المدعي

12 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي) وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ [1340] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (جَاءَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الضَّادِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ مُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ وَهُوَ مَوْضِعٌ مِنْ أَقْصَى الْيَمَنِ (وَرَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَبُو قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَمَنِ (غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ لِي) أَيْ بِالْغَصْبِ وَالتَّعَدِّي (هِيَ أَرْضِي) أَيْ مِلْكٌ لِي (وفِي يَدِي) أَيْ وَتَحْتَ تَصَرُّفِي (إِنَّ الرَّجُلَ) أَيْ الْكَنَدِيَّ (فَاجِرٌ) أَيْ كَاذِبٌ (إِلَّا ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنَ الْيَمِينِ (لَمَّا أَدْبَرَ) أَيْ حِينَ وَلَّى عَلَى قَصْدِ الْخُلْفِ (عَلَى مَالِهِ) أَيْ عَلَى مَالِ الْحَضْرَمِيِّ (لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ) بِالنَّصْبِ (وَهُوَ) أَيْ اللَّهُ (عَنْهُ) أَيْ الْكَنَدِيِّ (مُعْرِضٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ مَجَازٌ عَنِ الِاسْتِهَانَةِ بِهِ وَالسُّخْطِ عَلَيْهِ وَالْإِبْعَادِ عَنْ رحمته نحو قوله تعالى لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم قوله (وفي الباب عن بن عمر) لينظر من أخرجه (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مَرْفُوعًا لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى النَّاسُ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي والْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ عَلَى مَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (وَعَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَالْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ) أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ

باب ما جاء في اليمين مع الشاهد

مُسْلِمٌ [1341] قَوْلُهُ (الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي) وَهُوَ مَنْ يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ أَوْ مَنْ لَوْ سَكَتَ لَخُلِّيَ (وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) لِأَنَّ جَانِبَ الْمُدَّعِي ضَعِيفٌ فَكُلِّفَ حُجَّةً قَوِيَّةً وَهِيَ الْبَيِّنَةُ وَجَانِبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَوِيٌّ فَقُنِعَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ ضَعِيفَةٍ وَهِيَ الْيَمِينُ قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيُّ) بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَرَاءٍ سَاكِنَةٍ فزاي مفتوحة أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ (يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَتْرُوكٌ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ تَرَكَ الناس حديثه وقال بن مَعِينٍ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وقَالَ الْفَلَّاسُ مَتْرُوكٌ قَالَ الذَّهَبِيُّ هُوَ مِنْ شُيُوخِ شُعْبَةَ الْمُجْمَعِ عَلَى ضَعْفِهِ وَلَكِنْ كَانَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ انْتَهَى [1342] قَوْلُهُ (قَضَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) أَيْ الْمُنْكِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ ثَابِتٌ مُقَرَّرٌ فِي الشَّرْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ) [1343] قَوْلُهُ (قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ) قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي كَانَ لِلْمُدَّعِي

شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ بَدَلًا مِنَ الشَّاهِدِ الْآخَرِ فَلَمَّا حَلَفَ قَضَى لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا ادَّعَاهُ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَخِلَافِهِمْ فِي الْأَمْوَالِ فَأَمَّا إِذَا كَانَ الدَّعْوَى فِي غَيْرِ الْأَمْوَالِ فَلَا يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدّارَقُطْنيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَقَضَى بِهِ أمير المؤمنين بالعراق (وجابر) أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ (وَسُرَّقَ) بِالضَّمِّ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَصَوَّبَ الْعَسْكَرِيُّ تَخْفِيفَهَا بْنِ أَسَدٍ الْجُهَنِيِّ وقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ صَحَابِيٌّ سَكَنَ مِصْرَ ثُمَّ الاسكندرية وحديثه أخرجه بن مَاجَهْ وفِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَهُوَ الرَّاوِي عَنْهُ قَوْلُهُ (حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشاهد حديث حسن غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُدَ وَزَادَ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِسُهَيْلٍ فَقَالَ أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ وَهُوَ عِنْدِي ثِقَةٌ أَنِّي حَدَّثْتُهُ إِيَّاهُ وَلَا أَحْفَظُهُ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَدْ كَانَ أَصَابَ سُهَيْلًا عِلَّةٌ أَذْهَبَتْ بَعْضَ عَقْلِهِ وَنَسِيَ بَعْضَ حَدِيثِهِ فَكَانَ سُهَيْلٌ بَعْدُ يُحَدِّثُهُ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رِجَالُهُ مَدَنِيُّونَ ثِقَاتٌ وَلَا يَضُرُّهُ أَنَّ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ نَسِيَهُ بَعْدَ أَنْ حَدَّثَ بِهِ رَبِيعَةُ لِأَنَّهُ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ نَفْسِهِ انْتَهَى ورَوَى بن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه صحيح وقال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ إِنَّهُ صَحَّحَ حَدِيثَ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ الْحَافِظَانِ أَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ [1344] قَوْلُهُ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) هُوَ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَعْرُوفُ بِالصَّادِقِ صَدُوقٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ عَنْ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ سَنَةً (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِالْبَاقِرِ قَالَ بن سَعْدٍ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ تُوفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ (عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ) حديث جابر هذا أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ أَيْضًا [1345] قَوْلُهُ (وَهَذَا

أصح) أي كونه مرسلا أصح قال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي زُرْعَةَ هُوَ مُرْسَلٌ وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ كَانَ جَعْفَرٌ رُبَّمَا أَرْسَلَهُ وَرُبَّمَا وَصَلَهُ وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَصَلَهُ وَهُوَ ثِقَةٌ وقَدْ صَحَّحَ حديث جابر أبو عوانة وبن خُزَيْمَةَ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ يُقْضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي فِي الْأَمْوَالِ وَمَا يُقْصَدُ بِهِ الْأَمْوَالُ وبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعَلِيٌّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ وَسَائِرُ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَمُعْظَمُ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ من رواية علي وبن عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعِمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ الْحُفَّاظُ أَصَحُّ أَحَادِيثِ الْبَابِ حَدِيثُ بن عباس قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا مَطْعَنَ لِأَحَدٍ فِي إِسْنَادِهِ قَالَ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِي صِحَّتِهِ قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا حَسَنَانِ انْتَهَى (وَلَمْ يَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَكَمِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَالْأَنْدَلُسِيِّينَ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالُوا لَا يُحْكَمُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحْكَامِ واحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى واستشهدوا بشهيدين مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامرأتان وبقوله وأشهدوا ذوي عدل منكم وقد حكى البخاري وقوع المراجعة ذلك ما بين أبي الزناد وبن شُبْرُمَةَ فَاحْتَجَّ أَبُو الزِّنَادِ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ بِالْخَبَرِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ فَأَجَابَ عنه بن شُبْرُمَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى هَذَا قَالَ الْحَافِظُ وَإِنَّمَا تَتِمُّ لَهُ الْحُجَّةُ بِذَلِكَ عَلَى أَصْلٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ يَعْنِي الْكُوفِيِّينَ وَالْحِجَازِيِّينَ وَهُوَ أَنَّ الْخَبَرَ إِذَا وَرَدَ مُتَضَمِّنًا لِزِيَادَةٍ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ هَلْ يَكُونُ نَسْخًا وَالسُّنَّةُ لَا تَنْسَخُ الْقُرْآنَ أَوْ لَا يَكُونُ نَسْخًا بَلْ زِيَادَةً مُسْتَقِلَّةً بِحُكْمٍ مُسْتَقِلٍّ إِذَا ثَبَتَ سَنَدُهُ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ والْأَوَّلُ مَذْهَبُ الْكُوفِيُّينَ وَالثَّانِي مَذْهَبُ الْحِجَازِيِّينَ ومَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ ذلك

لا تنهض حجة بن شُبْرُمَةَ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مُعَارِضَةً لِلنَّصِّ بِالرَّأْيِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ وقَدْ أَجَابَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ مَا حَاصِلُهُ إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّنْصِيصِ عَلَى الشَّيْءِ نَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ حَاصِلِ بَحْثِهِ هَذَا لَكِنَّ مُقْتَضَى ما يحثه إِنَّهُ لَا يُقْضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ إِلَّا عِنْدَ فَقْدِ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ مَا قَامَ مَقَامَهُمَا مِنَ الشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ وهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وَصَحَّحَهُ الْحَنَابِلَةُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي الْحَقِّ بِشَاهِدَيْنِ فَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ أَخَذَ حَقَّهُ وَإِنْ جَاءَ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَأَجَابَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْقُرْآنِ نَسْخٌ وَأَخْبَارُ الْآحَادِ لَا تَنْسَخُ الْمُتَوَاتِرَ وَلَا تُقْبَلُ الزِّيَادَةُ مِنَ الْأَحَادِيثِ إِلَّا إِذَا كَانَ الْخَبَرُ بِهَا مَشْهُورًا وأُجِيبَ بِأَنَّ النَّسْخَ رَفْعُ الْحُكْمِ وَلَا رَفْعَ هُنَا وأَيْضًا فَالنَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ وَهَذَا غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى النَّسْخِ وَغَايَةُ مَا فِيهِ أَنَّ تَسْمِيَةَ الزِّيَادَةِ كَالتَّخْصِيصِ نَسْخًا اصْطِلَاحٌ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ لَكِنَّ تَخْصِيصَ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وراء ذلكم وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْعَمَّةِ مَعَ بِنْتِ أَخِيهَا وَسَنَدُ الْإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ وكَذَلِكَ قَطْعُ رِجْلِ السَّارِقِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وقَدْ أَخَذَ مَنْ رَدَّ الْحُكْمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لِكَوْنِهِ زِيَادَةً عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ كُلُّهَا زَائِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ كَالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَالْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ وَمِنَ الْقَيْءِ وَاسْتِبْرَاءِ الْمَسْبِيَّةِ وَتَرْكِ قَطْعِ مَنْ سَرَقَ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ وَشَهَادَةِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْوِلَادَةِ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالسَّيْفِ وَلَا جُمُعَةَ إِلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَلَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ وَلَا يَرِثُ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَلَا يُؤْكَلُ الطَّافِي مِنَ السَّمَكِ وَيَحْرُمُ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَلَا يَرِثُ الْقَاتِلُ مِنَ الْقَتِيلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الزِّيَادَةَ عَلَى عُمُومِ الْكِتَابِ وأَجَابُوا بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْمَذْكُورَةِ أَحَادِيثُ شَهِيرَةٌ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا لشهرتها فيقال لهم وأحاديث القضاة بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ رَوَاهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ نَفْسًا وفِيهَا مَا هُوَ صَحِيحٌ فَأَيُّ شُهْرَةٍ عَلَى هَذِهِ الشُّهْرَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ الْقَضَاءُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ لَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَجُوزَ أَقَلُّ مِمَّا نَصَّ عَلَيْهِ يَعْنِي وَالْمُخَالِفُ لِذَلِكَ لَا يَقُولُ بِالْمَفْهُومِ أَصْلًا فَضْلًا عَنْ مَفْهُومِ الْعَدَدِ كَذَا فِي النَّيْلِ

باب ما جاء في العبد يكون بين رجلين فيعتق أحدهما

14 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَبْدِ يَكُونُ بَيْنَ رجلين فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمَا) نَصِيبَهُ [1346] قَوْلُهُ (أَوْ قَالَ شَقِيصًا) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ شِقْصًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ الشِّقْصُ وَالشَّقِيصُ النَّصِيبُ فِي الْعَيْنِ الْمُشْتَرَكَةِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (أَوْ قَالَ شِرْكًا) بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ حِصَّةً وَنَصِيبًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فَكَانَ لَهُ) أَيْ لِلْمُعْتِقِ وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَكَانَ لَهُ (مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ) وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ أَيْ قِيمَةَ بَاقِيهِ (بِقِيمَةِ الْعَدْلِ) أَيْ تَقْوِيمِ عَدْلٍ مِنَ الْمُقَوِّمِينَ أَوِ الْمُرَادُ قِيمَةٌ وَسَطٌ (فَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ (فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْعَبْدِ (مَا عَتَقَ) مِنْ نَصِيبِ الْمُعْتَقِ هَذَا الْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُعْتِقَ إِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ لِلشَّرِيكِ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ بَلْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ وَرَقَّ مَا رَقَّ ومَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ إِنْ كَانَ مُوسِرًا ضَمِنَ أَوِ اسْتَسْعَى الشَّرِيكُ الْعَبْدَ أَوْ أَعْتَقَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا لَا يَضْمَنُ لَكِنَّ الشَّرِيكَ إِمَّا أَنْ يَسْتَسْعِي أَوْ يَعْتِقَ وَالْوَلَاءُ لَهُمَا لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ يَتَجَزَّى عِنْدَهُ وَقَالَا أَيْ صَاحِبَاهُ لَهُ ضَمَانُهُ غَنِيًّا وَالسِّعَايَةُ فَقِيرًا وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ لِعَدَمِ تَجَزِّي الْإِعْتَاقِ عِنْدَهُمَا ومَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ أَنَّ الْعَبْدَ يُكَلَّفُ لِلِاكْتِسَابِ حَتَّى يُحَصِّلَ قِيمَتَهُ لِلشَّرِيكِ وقِيلَ هُوَ أَنْ يَخْدُمَ الشَّرِيكَ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ مِنَ الْمِلْكِ كَذَا فِي اللَّمَعَاتِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَقَدْ رَوَاهُ) أَيْ الْحَدِيثَ المذكور [1347] (سالم عن أبيه) أي عن بن عُمَرَ كَمَا رَوَاهُ نَافِعٌ

عَنْهُ ثُمَّ أَسْنَدَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ إِلَخْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ [1348] قَوْلُهُ (عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَزْنًا وَاحِدًا هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ) أَيْ يَبْلُغُ قِيمَةَ بَاقِيهِ وفِي رواية مسلم من عتق شقصا في عبد أعتق كُلُّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ) أَيْ لِلْمُعْتِقِ (قُوِّمَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ من التقويم (قيمة عدل) أي تقديم عَدْلٍ مِنَ الْمُقَوِّمِينَ أَوِ الْمُرَادُ قِيمَةٌ وَسَطٌ (يُسْتَسْعَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى الِاسْتِسْعَاءِ أَنَّ الْعَبْدَ يُكَلَّفُ بِالِاكْتِسَابِ وَالطَّلَبِ حَتَّى يُحَصِّلَ قِيمَةَ نَصِيبِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ فَإِذَا دَفَعَهَا إِلَيْهِ عَتَقَ كَذَا فَسَّرَهُ الْجُمْهُورُ وقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يَخْدُمَ سَيِّدَهُ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ بِقَدْرِ مَا لَهُ فِيهِ مِنَ الرِّقِّ (غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يُكَلَّفُ بِمَا يَشُقُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ (وَهَكَذَا رَوَى أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ نَحْوَهُ) يَعْنِي بِذِكْرِ الِاسْتِسْعَاءِ قَوْلُهُ (فَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ السِّعَايَةَ فِي هَذَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى الْأَخْذِ بِالِاسْتِسْعَاءِ إِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا أَبُو حَنِيفَةَ

وَصَاحِبَاهُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَآخَرُونَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الْأَكْثَرُ يَعْتِقُ جَمِيعُهُ فِي الْحَالِ وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي تَحْصِيلِ قِيمَةِ نصيب الشريك وزاد بن أَبِي لَيْلَى فَقَالَ ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُعْتِقِ الْأَوَّلِ بِمَا أَدَّاهُ لِلشَّرِيكِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ يَتَخَيَّرُ الشَّرِيكُ بَيْنَ الِاسْتِسْعَاءِ وَبَيْنَ عِتْقِ نَصِيبِهِ وهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً إِلَّا النَّصِيبُ الْأَوَّلُ فَقَطْ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا جَنَحَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَنَّهُ يَصِيرُ كَالْمُكَاتَبِ وَعَنْ عَطَاءٍ يَتَخَيَّرُ الشَّرِيكُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ إِبْقَاءِ حِصَّتِهِ فِي الرِّقِّ وخَالَفَ الْجَمِيعَ زُفَرُ فَقَالَ يَعْتِقُ كُلُّهُ وَتُقَوَّمُ حِصَّةُ الشَّرِيكِ فَتُؤْخَذُ إِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا وَتُرَتَّبُ فِي ذِمَّتِهِ إِنْ كَانَ مُعْسِرًا انْتَهَى (وقالوا بما روي عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَعْنِي حَدِيثَهُ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ (وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) قَالَ فِي الْحَاشِيَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ ليس في نسخة صحيحة ذكر إسحاق ها هنا وَهُوَ الْأَنْسَبُ بِمَا سَبَقَ انْتَهَى واسْتُدِلَّ لَهُمْ بحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَبِأَحَادِيثَ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وأُجِيبَ مِنْ قِبَلِهِمْ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّ ذِكْرَ الِاسْتِسْعَاءِ فِيهِ مُدْرَجٌ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأُجِيبَ مِنْ جَانِبِ الْأَوَّلِينَ عن حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَنَّ الَّذِي يَدُلُّ فِيهِ عَلَى تَرْكِ الِاسْتِسْعَاءِ هُوَ قَوْلُهُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ هُوَ مُدْرَجٌ لَيْسَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحَانِ مَرْفُوعَانِ وِفَاقًا لِصَاحِبَيِ الصَّحِيحِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مُؤَيِّدَاتٍ لِهَاتَيْنِ الزِّيَادَتَيْنِ فالواجب قبول الزيادتين المذكورتين في حديث بن عُمَرَ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَظَاهِرُهُمَا التَّعَارُضُ وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ وَقَدْ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ مَعْنَاهُمَا أَنَّ الْمُعْسِرَ إِذَا أَعْتَقَ حِصَّتَهُ لَمْ يَسْرِ الْعِتْقُ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ بَلْ تَبْقَى حِصَّةُ شَرِيكِهِ عَلَى حَالِهَا وَهِيَ الرِّقُّ ثُمَّ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي عِتْقِ بَقِيَّتِهِ فَيُحَصِّلُ ثَمَنَ الْجُزْءِ الَّذِي لِشَرِيكِ سَيِّدِهِ وَيَدْفَعُهُ إِلَيْهِ وَيَعْتِقُ وَجَعَلُوهُ فِي ذَلِكَ كَالْمُكَاتَبِ وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ به البخاري قال الْحَافِظُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ لِقَوْلِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ بِأَنْ يُكَلَّفَ الْعَبْدُ الِاكْتِسَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى يُحَصِّلَ ذَلِكَ لَحَصَلَ لَهُ غَايَةُ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ لَا تَلْزَمُ فِي الْكِتَابَةِ بِذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَهَذِهِ مِثْلُهَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا يَبْقَى بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بَعْدَ هَذَا الْجَمْعِ مُعَارَضَةٌ أَصْلًا قَالَ الْحَافِظُ وهُوَ كَمَا قَالَ إِلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَبْقَى الرِّقُّ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ إِذَا لَمْ يَخْتَرِ الْعَبْدُ الِاسْتِسْعَاءَ فَيُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي الْمَلِيحِ يَعْنِي بِحَدِيثِهِ الَّذِي يَرْوِيهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَوْمِنَا أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ

باب ما جاء في العمرى

مَمْلُوكِهِ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ خَلَاصَهُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ وَقَالَ لَيْسَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَرِيكٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وفِي لَفْظٍ هُوَ حُرٌّ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَبِي دَاوُدَ مَعْنَاهُ قَالَ الْحَافِظُ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ غَنِيًّا أَوْ عَلَى مَا إِذَا كَانَ جَمِيعُهُ لَهُ فَأَعْتَقَ بَعْضَهُ انْتَهَى وفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَعَلَيْكَ أَنْ تَرْجِعَ إِلَى فَتْحِ الْبَارِي وَغَيْرِهِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعُمْرَى) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ مَعَ الْقَصْرِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَحُكِيَ ضَمُّ الْمِيمِ مَعَ ضَمِّ أَوَّلِهِ وَحُكِيَ فَتْحُ أَوَّلِهِ مَعَ السُّكُونِ انْتَهَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ أَعْمَرْتُهُ الدَّارَ عُمْرَى أَيْ جَعَلْتُهَا لَهُ يَسْكُنُهَا مُدَّةَ عُمُرِهِ فَإِذَا مَاتَ عَادَتْ إِلَيَّ وَكَذَا كَانُوا يَفْعَلُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبْطَلَ ذَلِكَ وَأَعْلَمَهُمْ أَنَّ مَنْ أَعْمَرَ شَيْئًا أَوْ أَرْقَبَهُ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ وقَدْ تَعَاضَدَتِ الرِّوَايَاتُ عَلَى ذَلِكَ وَالْفُقَهَاءُ فِيهَا مُخْتَلِفُونَ فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْمَلُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَيَجْعَلُهَا تَمْلِيكًا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا كَالْعَارِيَةِ وَيَتَأَوَّلُ الْحَدِيثَ انْتَهَى قُلْتُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَى إِذَا وَقَعَتْ كَانَتْ مِلْكًا لِلْآخِذِ وَلَا تَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ إِلَّا إِنْ صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ ثُمَّ اخْتَلَفُوا إِلَى مَا يَتَوَجَّهُ التَّمْلِيكُ فَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ إِلَى الرَّقَبَةِ كَسَائِرِ الْهِبَاتِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْمُعَمَّرُ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ نَفَذَ بِخِلَافِ الْوَاهِبِ وقِيلَ يَتَوَجَّهُ إِلَى الْمَنْفَعَةِ دُونَ الرَّقَبَةِ وهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَهَلْ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْعَارِيَةِ أَوِ الْوَقْفِ رِوَايَتَانِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وعَنِ الْحَنَفِيَّةِ التَّمْلِيكُ فِي الْعُمْرَى يَتَوَجَّهُ إِلَى الرَّقَبَةِ وفِي الرُّقْبَى إِلَى الْمَنْفَعَةِ وعَنْهُمْ إِنَّهَا بَاطِلَةٌ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ هُوَ الظَّاهِرُ [1349] قَوْلُهُ (الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا) أَيْ لِأَهْلِ الْعُمْرَى وَهُوَ الْمُعَمَّرُ لَهُ (أَوْ مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي ورَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِنَّ الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُمْرَى تَمْلِيكُ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ إِنَّ الْعُمْرَى تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ دُونَ الرَّقَبَةِ وحَدِيثُ سَمُرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا وفِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ كَلَامٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أخرجه بن حِبَّانَ بِلَفْظِ الْعُمْرَى سَبِيلُهَا سَبِيلُ الْمِيرَاثِ (وَجَابِرٍ) أخرجه

مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ بِأَلْفَاظٍ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم بلفظ العمرى جائزة (وعائشة وبن الزبير ومعاوية) أما حديث بن الزُّبَيْرِ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ وأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَمُعَاوِيَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ ق [1350] وله (أَيُّمَا رَجُلٍ أُعْمِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عُمْرَى) قَالَ القارىء هُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ (لَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِأُعْمِرَ وَالضَّمِيرُ لِلرَّجُلِ (وَلِعَقِبِهِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا مَعَ فَتْحِ الْعَيْنِ وَمَعَ كَسْرِهَا كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَالْعَقِبُ هُمْ أَوْلَادُ الْإِنْسَانِ مَا تَنَاسَلُوا قَالَهُ النَّوَوِيُّ (فَإِنَّهَا) أَيْ الْعُمْرَى (لِلَّذِي يُعْطَاهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (لِأَنَّهُ أعْطَى) عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ وَقِيلَ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (عَطَاءً وَقَعَتْ فِيهِ الْمَوَارِيثُ) وَالْمَعْنَى أَنَّهَا صَارَتْ مِلْكًا لِلْمَدْفُوعِ إِلَيْهِ فَيَكُونُ بَعْدَ مَوْتِهِ لِوَارِثِهِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَلَا تَرْجِعُ إِلَى الدَّافِعِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ (هِيَ لَكَ حَيَاتَكَ) بِالنَّصْبِ أَيْ الدَّارُ لَكَ مُدَّةَ حَيَاتِكَ (وَلِعَقِبِكَ) وَلِأَوْلَادِكَ (فَإِنَّهَا لِمَنْ أُعْمِرَهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (لَا تَرْجِعُ إِلَى الْأَوَّلِ أَيْ الْمُعْمِرِ (إِذَا مَاتَ الْمُعْمِرُ) أَيْ الْمُعْمِرُ لَهُ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ واحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ مَفْهُومَ الشَّرْطِ الَّذِي تَضَمَّنَهُ أَيُّمَا وَالتَّعْلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُعْمَرْ لَهُ كَذَلِكَ لَمْ يُورَثْ مِنْهُ الْعُمْرَى بَلْ يَرْجِعُ إِلَى الْمُعْطَى وبِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا قَالَ إِنَّمَا الْعُمْرَى الَّتِي أَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ فَأَمَّا إِذَا قَالَ هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى صَاحِبِهَا واعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ هَذَا فِي الْقَدِيمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ فَكَقَوْلِ الْجُمْهُورِ (وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا) أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ وَلِعَقِبِهِ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ

رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْجُمْهُورِ واحْتَجُّوا بِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا أَنَّ الْعُمْرَى مِيرَاثٌ لِأَهْلِهَا وَبِمَا رَوَى هُوَ عَنْهُ مَرْفُوعًا أَمْسِكُوا أَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ لَا تُفْسِدُوهَا فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أَعْمَرَ حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْمُرَادُ بِهِ إِعْلَامُهُمْ أَنَّ الْعُمْرَى هِبَةٌ صَحِيحَةٌ مَاضِيَةٌ يَمْلِكُهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ مِلْكًا تَامًّا لَا يَعُودُ إِلَى الْوَاهِبِ أَبَدًا فَإِذَا عَلِمُوا ذَلِكَ فَمَنْ شَاءَ أَعْمَرَ وَدَخَلَ عَلَى بَصِيرَةٍ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُتَوَهَّمُونَ أَنَّهَا كَالْعَارِيَةِ وَيَرْجِعُ فِيهَا وهَذَا دَلِيلِي لِلشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَاتِ الْعُمْرَى الْمُخْتَلِفَةِ مَا لَفْظُهُ فَيَجْتَمِعُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ وَلِعَقِبِكَ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لِلْمَوْهُوبِ لَهُ وَلِعَقِبِهِ ثَانِيهَا أَنْ يَقُولَ هِيَ لَكَ مَا عِشْتَ فَإِذَا مُتَّ رَجَعَتْ إِلَيَّ فَهَذِهِ عَارِيَةٌ مُؤَقَّتَةٌ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَإِذَا مَاتَ رَجَعَتْ إِلَى الَّذِي أَعْطَى وَقَدْ بَيَّنَتْ هَذِهِ وَالَّتِي قَبْلَهَا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ لَا تَرْجِعُ إِلَى الْوَاهِبِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فَلُغِيَ ثَالِثُهَا أَنْ يَقُولَ أَعْمَرْتُكَهَا وَيُطْلِقُ فَرِوَايَةُ أَبِي الزُّبَيْرِ هَذِهِ (يَعْنِي بِهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ جَعَلَ الْأَنْصَارُ يُعْمِرُونَ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْسِكُوا عَلَيْكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَلَا تُفْسِدُوهَا فَإِنَّهُ مَنْ أَعْمَرَ عُمْرَى فَهِيَ لِلَّذِي أُعْمِرَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا وَلِعَقِبِهِ) تَدُلُّ عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْأَوَّلِ وَأَنَّهَا لَا تَرْجِعُ إِلَى الْوَاهِبِ وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَدِيدِ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ الْعَقْدُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ وعَنْهُ كَقَوْلِ مَالِكٍ وقِيلَ الْقَدِيمُ عَنِ الشَّافِعِيِّ كَالْجَدِيدِ وقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّ قَتَادَةَ حَكَى أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَأَلَ الْفُقَهَاءَ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي صُورَةَ الْإِطْلَاقِ فَذَكَرَ لَهُ قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا جَائِزَةٌ وَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِذَلِكَ قَالَ وَذَكَرَ لَهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ فَقَالَ الزُّهْرِيُّ إِنَّمَا الْعُمْرَى أَيْ الْجَائِزَةُ إِذَا أُعْمِرَ لَهُ وَلِعَقِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ عَقِبُهُ مِنْ بَعْدِهِ كَانَ لِلَّذِي يَجْعَلُ شَرْطَهُ قَالَ قَتَادَةُ وَاحْتَجَّ الزُّهْرِيُّ بِأَنَّ الْخُلَفَاءَ لَا يَقْضُونَ بِهَا فَقَالَ عَطَاءٌ قَضَى بِهَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ انْتَهَى

باب ما جاء في الرقبى

16 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّقْبَى) عَلَى وَزْنِ حُبْلَى قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الرُّقْبَى هُوَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ قَدْ وَهَبْتُ لَكَ هَذِهِ الدَّارَ فَإِنْ مُتَّ قَبْلِي رَجَعَتْ إِلَيَّ وَإِنْ مُتُّ قَبْلَكَ فَهِيَ لَكَ وَهِيَ فُعْلَى مِنَ الْمُرَاقَبَةِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرْقُبُ موت صاحبه انتهى قال القارىء الرُّقْبَى لَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَتَصِحُّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ انْتَهَى وقال الحافظ في الفتح العمرى والرقبى متحد الْمَعْنَى عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَمَنَعَ الرُّقْبَى مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَوَافَقَ أَبُو يُوسُفَ الْجُمْهُورَ وقَدْ روى النسائي بإسناد صحيح عن بن عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا الْعُمْرَى وَالرُّقْبَى سَوَاءٌ انْتَهَى [1351] قَوْلُهُ (الْعُمْرَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا) أَيْ لِمَنْ أُعْمِرَ لَهُ (وَالرُّقْبَى جَائِزَةٌ لِأَهْلِهَا) أَيْ لِمَنْ أُرْقِبَ لَهُ وروى النسائي عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْعُمْرَى لِمَنْ أُعْمِرَهَا وَالرُّقْبَى لِمَنْ أُرْقِبَهَا وَالْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ (وَلَمْ يُجِيزُوا الرُّقْبَى) وَحَدِيثُ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ (قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ الرُّقْبَى مِثْلُ الْعُمْرَى إِلَخْ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الظَّاهِرُ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ ذَكَرَهَا الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فِي بَابِ الرُّجُوعِ في الهبة

باب ما ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح

17 - (باب ما ذكر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّلْحِ) بَيْنَ النَّاسِ [1352] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو الْقَيْسِيُّ ثِقَةٌ (حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ مِنْهُمْ مَنْ كَذَّبَهُ قَوْلُهُ (الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) خَصَّهُمْ لَا لِإِخْرَاجِ غَيْرِهِمْ بَلْ لِدُخُولِهِمْ فِي ذَلِكَ دُخُولًا أَوَّلِيًّا اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِمْ (إِلَّا صُلْحًا حَرَّمَ حَلَالًا) كَمُصَالَحَةِ الزَّوْجَةِ لِلزَّوْجِ عَلَى أَنْ لَا يُطَلِّقَهَا أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لَا يبيت عند ضرتها (أو أحل حراما) كالصلح عَلَى أَكْلِ مَالٍ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ (وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) أَيْ ثَابِتُونَ عَلَيْهَا لَا يَرْجِعُونَ عَنْهَا (إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا) فَهُوَ بَاطِلٌ كَأَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا يَطَأَ أَمَتَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) كَأَنْ يَشْتَرِطَ نُصْرَةَ الظَّالِمِ أَوْ الْبَاغِي أَوْ غَزْوَ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن صحيح) وأخرجه بن مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُدَ وَانْتَهَتْ رِوَايَتُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ شُرُوطِهِمْ وفِي تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ نَظَرٌ فَإِنَّ فِي إِسْنَادِهِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا قَالَ فِيهِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ هُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْكَذِبِ وقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وقال بن حِبَّانَ لَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ نُسْخَةٌ مَوْضُوعَةٌ وتَرَكَهُ أَحْمَدُ وَقَدْ نُوقِشَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَصْحِيحِ حَدِيثِهِ قَالَ الذَّهَبِيُّ أَمَّا التِّرْمِذِيِّ فَرَوَى مِنْ حَدِيثِهِ الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَصَحَّحَهُ فَلِهَذَا لَا يَعْتَمِدُ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَصْحِيحِهِ وقَالَ بن كَثِيرٍ فِي إِرْشَادِهِ قَدْ نُوقِشَ أَبُو عِيسَى يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ فِي تَصْحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَا شَاكَلَهُ انْتَهَى واعْتَذَرَ لَهُ الْحَافِظُ فَقَالَ وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ كَذَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَذَكَرَ فِيهِ طُرُقَهُ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ وَالطُّرُقَ يَشْهَدُ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ فَأَقَلُّ أَحْوَالِهَا أَنْ يَكُونَ الْمَتْنُ الَّذِي اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ حَسَنًا انْتَهَى

باب ما جاء في الرجل يضع على حائط جاره خشبا

18 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَضَعُ عَلَى حَائِطِ جَارِهِ خَشَبًا) [1353] قَوْلُهُ (أَنْ يَغْرِزَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ يَضَعَ (خَشَبَةً) بِالْإِفْرَادِ الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ لِأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وغيره خشبة بالجمع قال بن عَبْدِ الْبَرِّ رُوِيَ اللَّفْظَانِ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَاحِدِ الْجِنْسُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الَّذِي يَتَعَيَّنُ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَإِلَّا فَالْمَعْنَى قَدْ يَخْتَلِفُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَمْرَ الْخَشَبَةِ الْوَاحِدَةِ أَخَفُّ فِي مُسَامَحَةِ الْجَارِ بِخِلَافِ الْخَشَبِ الْكَثِيرِ انْتَهَى (فَلَا يَمْنَعْهُ) بِالْجَزْمِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْجِدَارَ إِذَا كَانَ لِوَاحِدٍ وَلَهُ جَارٌ فَاسْتَأْذَنَهُ أَنْ يَضَعَ جِذْعَهُ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ الْمَنْعُ (فَلَمَّا حَدَّثَ أَبُو هُرَيْرَةَ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ (طَأْطَأُوا) أَيْ نَكَّسُوا وفِي رواية بن عيينة عند أبي داود فنكسوا رؤوسهم (عَنْهَا) أَيْ عَنْ هَذِهِ السُّنَّةِ أَوْ عَنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ (لَأَرْمِيَنَّ بِهَا) وفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لَأُلْقِيَنَّهَا أَيْ لَأُشِيعَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِيكُمْ ولأقر عنكم بِهَا كَمَا يُضْرَبُ الْإِنْسَانُ بِالشَّيْءِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ لِيَسْتَيْقِظَ مِنْ غَفْلَتِهِ وقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا هَذَا الْحُكْمَ وَتَعْمَلُوا بِهِ رَاضِينَ لَأَجْعَلَنَّهَا أَيْ الْخَشَبَةَ عَلَى رِقَابِكُمْ كَارِهِينَ قَالَ وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْمُبَالَغَةَ وَبِهَذَا التَّأْوِيلِ جَزَمَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وقَالَ إِنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حِينَ كَانَ يَلِي إِمْرَةَ المدينة وقد وقع عند بن عَبْدِ الْبَرِّ لَأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَعْيُنِكُمْ وَإِنْ كَرِهْتُمْ وهَذَا يُرَجِّحُ التَّأْوِيلَ الْمُتَقَدِّمَ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بن عباس) أخرجه بن ماجه (ومجمع بن جارية) أخرجه بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ) وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وغيرهما من أهل الحديث وبن حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ

قَالَهُ الْحَافِظُ وقَدْ صَرَّحَ هُوَ بِأَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ هَذَا فِي الْقَدِيمِ قَالَ وَعَنْهُ فِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا اشْتِرَاطُ إِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنِ امْتَنَعَ لَمْ يُجْبَرْ وهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وحَمَلُوا الْأَمْرَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى النَّدْبِ والنَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْرِيمِ مَالِ الْمُسْلِمِ إِلَّا بِرِضَاهُ انْتَهَى (مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالُوا إِلَخْ) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْكُوفِيُّونَ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْقَاضِيَةُ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبَةٍ مِنْ نَفْسِهِ فَعُمُومَاتٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ نَجِدْ فِي السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ مَا يُعَارِضُ هَذَا الْحُكْمَ إِلَّا عُمُومَاتٌ لَا يُسْتَنْكَرُ أَنْ يَخُصَّهَا وحَمَلَ بَعْضُهُمْ الْحَدِيثَ عَلَى مَا إِذَا تَقَدَّمَ اسْتِئْذَانُ الْجَارِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ وفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ مَنْ سَأَلَهُ جَارُهُ وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ حِبَّانَ فَإِذَا تَقَدَّمَ الِاسْتِئْذَانُ لَمْ يَكُنْ للجار المنع لا إذا لم يتقدم 9 - مَا جَاءَ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مَا يُصَدِّقُهُ صَاحِبُهُ [1354] قَوْلُهُ (الْمَعْنَى وَاحِدٌ) أَيْ فِي لَفْظِ قُتَيْبَةَ وَأَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ اخْتِلَافٌ وَمَعْنَى حَدِيثِهِمَا وَاحِدٌ (الْيَمِينُ) أَيْ الْحَلِفُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (على ما يصدقك به صاحبك) قال القارىء أَيْ خَصْمُكَ وَمُدَّعِيكَ وَمُحَاوِرُكَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ وَاقِعٌ عَلَيْهِ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ التَّوْرِيَةُ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْيَمِينِ بِقَصْدِ الْمُسْتَحْلِفِ إِنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهَا وَإِلَّا فَالْعِبْرَةُ بِقَصْدِ الْحَالِفِ فَلَهُ التَّوْرِيَةُ قَالَ هَذَا خُلَاصَةُ كَلَامِ عُلَمَائِنَا مِنَ الشُّرَّاحِ انتهى كلام القارىء وقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَلِفِ بِاسْتِحْلَافِ الْقَاضِي فَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَحَلَفَ وَوَرَّى فَنَوَى غَيْرَ مَا نَوَى الْقَاضِي انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ عَلَى مَا نَوَاهُ الْقَاضِي وَلَا يَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ وهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَدَلِيلُهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَالْإِجْمَاعُ فَأَمَّا إِذَا حَلَفَ بِغَيْرِ اسْتِحْلَافِ الْقَاضِي وَوَرَّى فَتَنْفَعُهُ التَّوْرِيَةُ ولَا يَحْنَثُ سَوَاءٌ حَلَفَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفٍ أَوْ حَلَّفَهُ غَيْرُ الْقَاضِي وَغَيْرُ نَائِبِهِ فِي ذَلِكَ وَلَا اعْتِبَارَ بِنِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ غَيْرِ الْقَاضِي وَاعْلَمْ أَنَّ التَّوْرِيَةَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْنَثُ بِهَا فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهَا حَيْثُ يَبْطُلُ بِهَا حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ وهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ انْتَهَى كَلَامُهُ مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ وفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ الْيَمِينُ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ وهُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ

باب ما جاء في الطريق إذا اختلف فيه كم يجعل

(بَاب مَا جَاءَ فِي الطَّرِيقِ إِذَا اخْتُلِفَ فِيهِ كَمْ يُجْعَلُ) [1355] قَوْلُهُ (عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَآخِرُهُ كَافٌ وَبَشِيرٌ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (اجْعَلُوا الطَّرِيقَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ) قَالَ الْحَافِظُ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْآدَمِيِّ فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ بِالْمُعْتَدِلِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْبُنْيَانِ الْمُتَعَارَفِ قَالَ الطَّبَرِيُّ مَعْنَاهُ أَنْ يَجْعَلَ قَدْرَ الطَّرِيقِ الْمُشْتَرَكَةِ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ ثُمَّ يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرْضِ قَدْرَ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَلَا يَضُرَّ غَيْرَهُ والْحِكْمَةُ فِي جَعْلِهَا سَبْعَةَ أَذْرُعٍ لِتَسْلُكَهَا الْأَحْمَالُ وَالْأَثْقَالُ دُخُولًا وَخُرُوجًا وَلِبَيْعِ مَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ طَرْحِهِ عِنْدَ الْأَبْوَابِ وَالْتَحَقَ بِأَهْلِ البنيان من قعد للبيع في حالة الطَّرِيقِ فَإِنْ كَانَتِ الطَّرِيقُ أَزْيَدَ مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ لَمْ يُمْنَعْ مِنَ الْقُعُودِ فِي الزَّائِدِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مُنِعَ لِئَلَّا يُضَيِّقَ الطَّرِيقَ عَلَى غَيْرِهِ انْتَهَى [1356] قَوْلُهُ (عَنْ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ مُصَغَّرًا مُخَضْرَمٌ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (إِذَا تَشَاجَرْتُمْ) مِنَ الْمُشَاجَرَةِ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ أَيْ تَنَازَعْتُمْ وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِذَا اخْتَلَفْتُمْ قَوْلُهُ (فَاجْعَلُوهُ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ أَمَّا قَدْرُ الطَّرِيقِ فَإِنْ جَعَلَ الرَّجُلُ بَعْضَ أَرْضِهِ الْمَمْلُوكَةِ طَرِيقًا مُسْبَلَةً لِلْمَارِّينَ فَقَدْرُهَا إِلَى خِيرَتِهِ وَالْأَفْضَلُ تَوْسِيعُهَا وَلَيْسَ هَذِهِ الصُّورَةَ مُرَادَةُ الْحَدِيثِ وإِنْ كَانَ الطَّرِيقُ بَيْنَ أَرْضٍ لقوم وأرادوا إحيائها فَإِنِ اتَّفَقُوا عَلَى شَيْءٍ فَذَاكَ وإِنِ اخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ جُعِلَ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ هَذَا مُرَادُ الْحَدِيثِ أَمَّا إِذَا وَجَدْنَا طَرِيقًا مَسْلُوكًا وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَوْلِيَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ لَكِنْ لَهُ عِمَارَةُ مَا حَوَالَيْهِ مِنَ الْمَوَاتِ

وَيَمْلِكُهُ بِالْإِحْيَاءِ بِحَيْثُ لَا يَضُرُّ الْمَارِّينَ انْتَهَى قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِي الطَّرِيقِ الْمِيتَاءِ فَاجْعَلُوهَا سَبْعَةَ أَذْرُعٍ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ والطبراني وعن أنس أخرجه بن عَدِيٍّ وفِي كُلٍّ مِنَ الْأَسَانِيدِ الثَّلَاثَةِ مَقَالٌ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ بُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا النسائي 1 - مَا جَاءَ فِي تَخْيِيرِ الْغُلَامِ بَيْنَ أَبَوَيْهِ إِذَا افْتَرَقَا أَيْ بِالطَّلَاقِ [1357] قَوْلُهُ (خَيَّرَ غُلَامًا) قال القارىء أَيْ وَلَدًا بَلَغَ سِنَّ الْبُلُوغِ وَتَسْمِيَتُهُ غُلَامًا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَآتُوا الْيَتَامَى أموالهم) وَقِيلَ غُلَامًا مُمَيِّزًا انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الْغُلَامُ الْمُمَيِّزُ (بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ) قَالَ القارىء وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وأَمَّا عِنْدَنَا فَالْوَلَدُ إِذَا صَارَ مُسْتَغْنِيًا بِأَنْ يَأْكُلَ وَحْدَهُ وَيَشْرَبَ وَحْدَهُ وَيَلْبَسَ وَحْدَهُ قِيلَ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ فَالْأَبُ أَحَقُّ بِهِ والْخَصَّافُ قَدَّرَ الِاسْتِغْنَاءَ بِسَبْعِ سِنِينَ وَعَلَيْهِ الفتوى قال بن الْهُمَامِ إِذَا بَلَغَ الْغُلَامُ السِّنَّ الَّذِي يَكُونُ الْأَبُ أَحَقَّ بِهِ كَسَبْعٍ مِثْلًا أَخَذَهُ الْأَبُ ولَا يَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِ الْغُلَامِ ذَلِكَ وعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُخَيَّرُ الْغُلَامُ فِي سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وعِنْدَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ يُخَيَّرُ فِي سَبْعٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً وإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنِّي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ (وَجَدِّ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الطَّلَاقِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْفَرَائِضِ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ

عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ سِنَانَ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ فَجَاءَ بِابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ لَمْ يَبْلُغْ فَأَجْلَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الأب ها هنا والأم ها هنا ثُمَّ خَيَّرَهُ وَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِهِ فَذَهَبَ إِلَى أَبِيهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وفِي رِوَايَةٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي رَافِعِ بْنِ سِنَانَ أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ ابْنَتِي وَهِيَ فَطِيمٌ أَوْ شَبَهُهُ وقَالَ رَافِعٌ ابْنَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْعُدْ نَاحِيَةً وَقَالَ لَهَا اقْعُدِي نَاحِيَةً فَأُقْعِدَتِ الصَّبِيَّةُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ ادْعُوهَا فَمَالَتْ إِلَى أُمِّهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اهْدِهَا فَمَالَتْ إِلَى أَبِيهَا فَأَخَذَهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وعَبْدُ الْحَمِيدِ هَذَا هُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ الْأَنْصَارِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن ماجة وصححه بن حبان وبن الْقَطَّانِ قَوْلُهُ (وَأَبُو مَيْمُونَةَ اسْمُهُ سُلَيْمٌ) بِالتَّصْغِيرِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو مَيْمُونَةَ الْفَارِسِيُّ الْمَدَنِيُّ الْأَبَّارُ قِيلَ اسْمُهُ سُلَيْمٌ أَوْ سُلَيْمَانُ أَوْ سُلْمَى وقِيلَ أُسَامَةُ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ ومِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَارِسِيِّ وَالْأَبَّارِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَدَنِيٌّ يَرْوِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقِيلَ إِنَّهُ وَالِدُ هِلَالِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ وَلَا يَصِحُّ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ هِلَالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ وَغَيْرُهُ وذَكَرَ الْحَافِظُ أَسْمَاءَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْفَارِسِيِّ وَالْأَبَّارِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ تَحْتَ حَدِيثِ الْبَابِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أنه إذا تنازع الأب والأم في بن لَهُمَا كَانَ الْوَاجِبُ هُوَ تَخْيِيرُهُ فَمَنِ اخْتَارَهُ ذَهَبَ بِهِ وقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ خَيَّرَ غُلَامًا بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ وأَخْرَجَ أيضا عن علي أنه خير عمارة الجدامي بين أمه وعمته وكان بن سَبْعٍ أَوْ ثَمَانِ سِنِينَ وقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَقَالَ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْأُمِّ إِلَى سَبْعِ سِنِينَ ثُمَّ يُخَيَّرُ وَقِيلَ إِلَى خَمْسٍ وذَهَبَ أَحْمَدُ إِلَى أَنَّ الصَّغِيرَ إِلَى دُونِ سَبْعِ سِنِينَ أُمُّهُ أَوْلَى بِهِ وَإِنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ فَالذَّكَرُ فِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ يُخَيَّرُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِهِ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا والثَّانِيَةُ أَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ بِهِ والثَّالِثَةُ أَنَّ الْأَبَ أَحَقُّ بِالذَّكَرِ وَالْأُمُّ بِالْأُنْثَى إِلَى تِسْعٍ ثُمَّ يَكُونُ الْأَبُ أَحَقَّ بِهَا والظَّاهِرُ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي حَقِّ مَنْ بَلَغَ مِنَ الْأَوْلَادِ إِلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ هُوَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهِلَالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ هُوَ هِلَالُ بْنُ

عَلِيِّ بْنِ أُسَامَةَ وَهُوَ مَدَنِيٌّ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَيُقَالُ هِلَالُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ وَهِلَالُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ الْعَامِرِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمَدَنِيُّ وبعضهم نسبة إلى جده فقال بن أُسَامَةَ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ 2 - مَا جَاءَ أَنَّ الْوَالِدَ يَأْخُذُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ [1358] قَوْلُهُ (عَنْ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ (بْنِ عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ التَّيْمِيُّ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَمَّتِهِ) لَا تعرف قال بن حِبَّانَ وَسَيَأْتِي كَلَامُهُ (إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ) أَيْ أَحَلَّهُ وَأَهْنَأَهُ (مِنْ كَسْبِكُمْ) أَيْ مِمَّا كَسَبْتُمُوهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ لِقُرْبَهِ لِلتَّوَكُّلِ وَكَذَا بِوَاسِطَةِ أَوْلَادِكُمْ كَمَا بَيَّنَهُ بقَوْلِهِ (وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ) لِأَنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ بَعْضُهُ وَحُكْمُ بَعْضِهِ حُكْمُ نَفْسِهِ وَسُمِّيَ الْوَلَدُ كَسْبًا مَجَازًا قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ وفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أَنَّ وَلَدَ الرَّجُلِ مِنْ أَطْيَبِ كَسْبِهِ فَكُلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ هَنِيئًا وفِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَنْتَ وَمَالُكَ لأبيك قال بن رَسْلَانَ اللَّامُ لِلْإِبَاحَةِ لَا لِلتَّمْلِيكِ لِأَنَّ مَالَ الْوَلَدِ لَهُ وَزَكَاتَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ عنه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي فَقَالَ أَنْتَ وَمَالُكَ لأبيك قال بن الْقَطَّانِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ عِيسَى بْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ كَذَا فِي النَّيْلِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي فَقَالَ أَنْتَ وَمَالُكَ لوالدك الحديث وأخرجه أيضا بن خزيمة وبن الْجَارُودِ وفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ سَمُرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَعَنْ عُمَرَ عِنْدَ الْبَزَّارِ أَيْضًا وَعَنِ بن مسعود عند الطبراني وعن بن عُمَرَ عِنْدَ أَبِي يَعْلَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى

وقال الشوكاني أخرجه أيضا بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَلَفْظُ أَحْمَدَ (يَعْنِي لَفْظَهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ أبو حاتم وأبو زرعة وأعله بن الْقَطَّانِ بِأَنَّهُ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ عَمَّتِهِ وَتَارَةً عَنْ أُمِّهِ وَكِلْتَاهُمَا لَا يُعْرَفَانِ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالُوا إِنَّ يَدَ الْوَالِدِ مَبْسُوطَةٌ فِي مَالِ وَلَدِهِ يَأْخُذُهُ مَا شَاءَ) وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَبِمَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ يُنْتَهَضُ لِلِاحْتِجَاجِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ مُشَارِكٌ لِوَلَدِهِ فِي مَالِهِ فَيَجُوزُ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ سَوَاءٌ أَذِنَ الْوَلَدُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَيَجُوزُ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهِ كَمَا يَتَصَرَّفُ بِمَالِهِ مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ السَّرَفِ وَالسَّفَهِ وقَدْ حَكَى فِي الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلَدِ الْمُوسِرِ مُؤْنَةُ الْأَبَوَيْنِ الْمُعْسِرَيْنِ انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ) قَالَ بن الْهُمَامِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ مِلْكًا نَاجِزًا فِي مَالِهِ قُلْنَا نَعَمْ لَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ حَدِيثٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهَا مَرْفُوعًا إِنَّ أَوْلَادَكُمْ هِبَةٌ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ وأَمْوَالَهُمْ لَكُمْ إِذَا احْتَجْتُمْ إِلَيْهَا وَمِمَّا يَقَعُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ يَعْنِي أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ مَا أُوِّلَ أَنَّهُ تَعَالَى وَرَّثَ الْأَبَ مِنَ ابْنِهِ السُّدُسَ مَعَ وَلَدِ وَلَدِهِ فَلَوْ كَانَ الْكُلُّ مِلْكَهُ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ شَيْءٌ مَعَ وُجُودِهِ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهِيَ إِذَا احْتَجْتُمْ إِلَيْهَا إِنَّهَا منكرة ونقل عن بن الْمُبَارَكِ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا بِهِ حَمَّادٌ ووهم فيه انتهى 3 - مَا جَاءَ فِيمَنْ يُكْسَرُ لَهُ الشَّيْءُ مَا يُحْكَمُ لَهُ مِنْ مَالِ الْكَاسِرِ [1359] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أبو داود الْحَفَرِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ نِسْبَةً إِلَى مَوْضِعٍ بِالْكُوفَةِ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَهْدَتْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ كَمَا رَوَاهُ بن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى عَنْ

أَنَسٍ وَوَقَعَ قَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ مَعَ أُمِّ سَلَمَةَ كَمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْهَا وَبَعْضُ الرِّوَايَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا حَفْصَةُ وَبَعْضُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أُمُّ سَلَمَةَ وَبَعْضُهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا صَفِيَّةُ قَالَ الْحَافِظُ وَتَحَرَّرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ أُبْهِمَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ هِيَ زَيْنَبُ لِمَجِيءِ الْحَدِيثِ مِنْ مَخْرَجِهِ وَهُوَ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَقِصَصٌ أُخْرَى لَا يَلِيقُ بِمَنْ تَحَقَّقَ أَنْ يَقُولَ فِي مِثْلِ هَذَا قِيلَ الْمُرْسِلَةُ فُلَانَةُ وَقِيلَ فُلَانَةُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيرٍ انْتَهَى (بِقَصْعَةٍ) بِوَزْنِ صَحْفَةٍ وَبِمَعْنَاهُ (طَعَامٍ بِطَعَامٍ وَإِنَاءٍ بِإِنَاءٍ) فِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْقِيَمِيَّ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ وَلَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمِثْلِ ويُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ وَدَفَعَ الْقَصْعَةَ الصَّحِيحَةَ لِلرَّسُولِ وبِهِ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ وَقَالَ مَالِكٌ إِنَّ الْقِيَمِيَّ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ مُطْلَقًا وفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ كَالْمَذْهَبِ الْأَوَّلِ وفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أُخْرَى مَا صَنَعَهُ الْآدَمِيُّ فَالْمِثْلُ وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَالْقِيمَةُ وعَنْهُ أَيْضًا مَا كَانَ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا فَالْقِيمَةُ وَإِلَّا فَالْمِثْلُ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمِثْلِيَّ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ وأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي عَنْ حَدِيثِ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ بِمَا حَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ أَنَّ الْقَصْعَتَيْنِ كَانَتَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتَيْ زَوْجَتَيْهِ فَعَاقَبَ الْكَاسِرَةَ بِجَعْلِ الْقَصْعَةِ الْمَكْسُورَةِ فِي بَيْتِهَا وَجَعَلَ الصَّحِيحَةَ فِي بَيْتِ صَاحِبَتِهَا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَضْمِينٌ وتُعُقِّبَ بِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ بِلَفْظِ مَنْ كَسَرَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ وبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَ مَعْنَاهُ الْجَمَاعَةُ [1360] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ) السُّلَمِيُّ مَوْلَاهُمْ الدِّمَشْقِيُّ قَاضِي بَعْلَبَكَ أَصْلُهُ وَاسِطِيٌّ نَزَلَ حِمْصَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ (اسْتَعَارَ قَصْعَةً) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الصَّادِ قَالَ فِي الْقَصْعَةِ الصَّحْفَةُ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ كاسه بزرك (وَهَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وإنما أراد عندي سويد) هو بن عَبْدِ الْعَزِيزِ (الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ) يَعْنِي أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ وَهِمَ فِي رِوَايَةِ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فَرَوَاهُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَارَ قَصْعَةً إِلَخْ فَهُوَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ والْمَحْفُوظُ هُوَ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ أَهْدَتْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الخ

باب ما جاء في حد بلوغ الرجل والمرأة

24 - (باب ما جاء في حد بلوغ الرجل وَالْمَرْأَةِ) [1361] قَوْلُهُ (عُرِضْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ للذَّهَابِ إِلَى الْغَزْوِ (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مِنْ بَابِ عَرْضِ الْعَسْكَرِ عَلَى الْأَمِيرِ (فِي جَيْشٍ) أَيْ فِي وَاقِعَةِ أُحُدٍ وَكَانَتْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ (وَأَنَا بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَلَمْ يَقْبَلْنِي) وفِي رواية للشيخين فلم يجزني وزاد البيهقي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ (فَعُرِضْتُ عَلَيْهِ مِنْ قَابِلٍ فِي جَيْشٍ) يَعْنِي غَزْوَةَ الْخَنْدَقِ وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَحْزَابِ (فَقَبِلَنِي) وفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ فَأَجَازَنِي أَيْ فِي الْمُقَاتَلَةِ أَوِ الْمُبَايَعَةِ وَقِيلَ كَتَبَ الْجَائِزَةَ لي وهي رزق وزاد البيهقي وبن حِبَّانَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَأَجَازَنِي وَرَآنِي بَلَغْتُ وقَدْ صحح هذه الزيادة أيضا بن خُزَيْمَةَ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدُّ مَا بَيْنَ الذُّرِّيَّةِ وَالْمُقَاتِلَةِ) بِكَسْرِ التَّاءِ يُرِيدُ إِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً دَخَلَ فِي زُمْرَةِ الْمُقَاتِلِينَ وَأُثْبِتَ فِي الدِّيوَانِ اسْمُهُ وإذا لم يبلغها عدمن الذُّرِّيَّةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتَدَلَّ بِقِصَّةِ بن عُمَرَ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سنة أجربت عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْبَالِغِينَ وَإِنْ لَمْ يَحْتَلِمْ فَيُكَلَّفُ بِالْعِبَادَاتِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَيَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْغَنِيمَةِ وَيُقْتَلُ إِنْ كَانَ حَرْبِيًّا وَيُفَكُّ عَنْهُ الْحَجْرُ إِنْ أُونِسَ رُشْدَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ وقَدْ عَمِلَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَقَرَّهُ عليه راويه نافع وأجاب الطحاوي وبن الْقَصَّارِ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهِ بِأَنَّ الْإِجَازَةَ الْمَذْكُورَةَ جَاءَ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا كَانَتْ فِي الْقِتَالِ وذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِالْقُوَّةِ وَالْجَلَدِ وأَجَابَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنَّهَا وَاقِعَةُ عَيْنٍ فَلَا عُمُومَ لَهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صَادَفَ أَنَّهُ كَانَ

عِنْدَ تِلْكَ السِّنِّ قَدِ احْتَلَمَ فَلِذَلِكَ أَجَازَهُ وتَجَاسَرَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ إِنَّمَا رَدَّهُ لِضَعْفِهِ لَا لِسِنِّهِ وإِنَّمَا أَجَازَهُ لِقُوَّتِهِ لَا لِبُلُوغِهِ ويَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنِ بن جريج ورواه أبو عوانة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِمَا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ وهِيَ زِيَادَةٌ صَحِيحَةٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ لِجَلَالَةِ بن جُرَيْجٍ وَتَقَدُّمِهِ عَلَى غَيْرِهِ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ وقَدْ صَرَّحَ فِيهَا بِالتَّحْدِيثِ فَانْتَفَى مَا يُخْشَى من تدليسه وقد نص فيها لفظ بن عمر لقوله ولم يرني بلغت وبن عُمَرَ أَعْلَمُ بِمَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا سِيَّمَا فِي قِصَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا إِذَا اسْتَكْمَلَ الْغُلَامُ أَوْ الْجَارِيَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً كَانَ بَالِغًا وبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا وإِذَا احْتَلَمَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا قَبْلَ بُلُوغِهِ هَذَا الْمَبْلَغَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ وكَذَلِكَ إِذَا حَاضَتِ الْجَارِيَةُ بَعْدَ تِسْعٍ وَلَا حَيْضَ وَلَا احْتِلَامَ قَبْلَ بُلُوغِ التِّسْعِ انْتَهَى وقَالَ فِي الْهِدَايَةِ بُلُوغُ الْغُلَامِ بِالِاحْتِلَامِ والإحبال والإنزال إذا وطىء فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً وَبُلُوغُ الْجَارِيَةِ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَالْحَبَلِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فَحَتَّى يَتِمَّ لَهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وقالا إِذَا تَمَّ لِلْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ فَقَدْ بَلَغَا وهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنَّ الْغُلَامَ أَوْ الْجَارِيَةَ إِذَا اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً كَانَ بَالِغًا هُوَ الرَّاجِحُ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ (فَالْإِنْبَاتُ يَعْنِي الْعَانَةَ) يُرِيدُ إِنْبَاتَ شَعْرِ الْعَانَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أبي سعيد بلفظ فكان يكشف عن مونزر الْمُرَاهِقِينَ فَمَنْ أَنْبَتَ مِنْهُمْ قُتِلَ وَمَنْ لَمْ يُنْبِتْ جُعِلَ فِي الذَّرَارِيِّ وفِي الْإِنْبَاتِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي النَّيْلِ وقَدِ اسْتُدِلَّ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِنْبَاتَ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْإِنْبَاتَ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ وتُعُقِّبَ بِأَنَّ قَتْلَ مَنْ أَنْبَتَ لَيْسَ لِأَجْلِ التَّكْلِيفِ بَلْ لِدَفْعِ ضَرَرِهِ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةً لِلضَّرَرِ كَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَنَحْوِهَا ورُدَّ هَذَا التَّعَقُّبُ بِأَنَّ الْقَتْلَ لِمَنْ كَانَ كَذَلِكَ لَيْسَ إِلَّا لِأَجْلِ الْكُفْرِ لَا

باب فيمن تزوج امرأة أبيه

لِدَفْعِ الضَّرَرِ لِحَدِيثِ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَطَلَبُ الْإِيمَانِ وَإِزَالَةُ الْمَانِعِ مِنْهُ فَرْعُ التَّكْلِيفِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يغزوا إلى البلاد البعيدة كتبوك وبأمر بِغَزْوِ أَهْلِ الْأَقْطَارِ النَّائِيَةِ مَعَ كَوْنِ الضَّرَرِ مِمَّنْ كَانَ كَذَلِكَ مَأْمُونًا وَكَوْنُ قِتَالِ الْكُفَّارِ لِكُفْرِهِمْ هُوَ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وذَهَبَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى إِلَى أَنَّ قِتَالَهُمْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَالْقَوْلُ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ هُوَ مَنْشَأُ ذَلِكَ التعقب ومن القائلين بهذا شيخ الاسلام بن تَيْمِيَةَ حَفِيدُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي مُصَنِّفَ الْمُنْتَقَى ولَهُ فِي ذَلِكَ رِسَالَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ 5 - (بَاب فِيمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ) [1362] قَوْلُهُ (مَرَّ بِي خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ) بِكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ خَفِيفَةٌ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ (وَمَعَهُ لِوَاءٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ عَلَمٌ قَالَ الْمُظْهِرُ وَكَانَ ذَلِكَ اللِّوَاءُ عَلَامَةَ كَوْنِهِ مَبْعُوثًا مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ (بَعَثَنِي) أَيْ أَرْسَلَنِي (أَنْ آتِيَهِ) أَيْ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِرَأْسِهِ) أَيْ بِرَأْسِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وفِي رِوَايَةٍ لأبي داود وللنسائي وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ وَآخُذَ مَالَهُ والْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ بِقَتْلِ مَنْ خَالَفَ قَطْعِيًّا مِنْ قطعيان الشَّرِيعَةِ كَهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) وَلَكِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ الَّذِي أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ عَالِمٌ بِالتَّحْرِيمِ وَفَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا وَذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ الْكُفْرِ وَالْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ قُرَّةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلِلْحَدِيثِ أَسَانِيدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ (وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَذَكَرَهُ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَى النَّيْلِ

باب ما جاء في الرجلين يكون أحدهما أسفل من الاخر

26 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلَيْنِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْآخَرِ) فِي الْمَاءِ الْمُرَادُ بِالْأَسْفَلِ الْأَبْعَدُ أَيْ يَكُونُ أَرْضُ أَحَدِهِمَا قَرِيبَةً مِنَ الْمَاءِ وَأَرْضُ الْآخَرِ بَعِيدَةً مِنْهَا [1363] قَوْلُهُ (أَنَّ رجلا من الأنصار) زاد البخاري رِوَايَتَهُ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ الدَّاوُدِيُّ بَعْدَ جَزْمِهِ بِأَنَّهُ كَانَ مُنَافِقًا وَقِيلَ كَانَ بَدْرِيًّا فَإِنْ صَحَّ فَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُ قَبْلَ شُهُودِهَا لِانْتِفَاءِ النِّفَاقِ مِمَّنْ شهدها وقال بن التِّينِ إِنْ كَانَ بَدْرِيًّا فَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يُؤْمِنُونَ لَا يَسْتَكْمِلُونَ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ اجْتَرَأَ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ بِنِسْبَةِ الرَّجُلِ تَارَةً إِلَى النِّفَاقِ وَأُخْرَى إِلَى الْيَهُودِيَّةِ وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ زَائِغٌ عَنِ الْحَقِّ إِذْ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ كَانَ أَنْصَارِيًّا وَلَمْ يَكُنْ الْأَنْصَارُ مِنْ جُمْلَةِ اليهود ولو كان مغموضا عليه في دينه لم يصفوا بِهَذَا الْوَصْفِ فَإِنَّهُ وَصْفُ مَدْحٍ والْأَنْصَارُ وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُمْ مَنْ يُرْمَى بِالنِّفَاقِ فَإِنَّ الْقَرْنَ الْأَوَّلَ وَالسَّلَفَ بَعْدَهُمْ تَحَرَّجُوا وَاحْتَرَزُوا أَنْ يُطْلِقُوا عَلَى مَنْ ذُكِرَ بِالنِّفَاقِ وَاشْتَهَرَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ والْأَوْلَى بِالشَّحِيحِ بِدَيْنِهِ أَنْ يَقُولَ هَذَا قَوْلٌ أَذَلَّهُ الشَّيْطَانُ فِيهِ بِتَمَكُّنِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ وَغَيْرُ مُسْتَبْدَعٍ مِنَ الصِّفَاتِ الْبَشَرِيَّةِ الِابْتِلَاءُ بِأَمْثَالِ ذَلِكَ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ (خَاصَمَ الزُّبَيْرَ) أَيْ بن العوام بن صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ حَاكَمَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْجِيمِ جَمْعُ شَرْجٍ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ مِثْلُ بَحْرٍ وَبِحَارٍ والْمُرَادُ بِهَا هُنَا مَسِيلُ الْمَاءِ وَإِنَّمَا أُضِيفَتْ إِلَى الْحَرَّةِ لِكَوْنِهَا فِيهَا وَالْحَرَّةُ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَادِيَانِ يَسِيلَانِ بِمَاءِ الْمَطَرِ فَيَتَنَافَسُ النَّاسُ فِيهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْلَى فَالْأَعْلَى كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ) يَعْنِي لِلزُّبَيْرِ (سَرِّحْ الْمَاءَ) أَمْرٌ مِنَ التَّسْرِيحِ أَيْ أَطْلِقْهُ وَأَرْسِلْهُ وَإِنَّمَا قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ كَانَ يَمُرُّ بِأَرْضِ الزُّبَيْرِ قَبْلَ أَرْضِ الْأَنْصَارِيِّ فَيَحْبِسُهُ لِإِكْمَالِ سَقْيِ أَرْضِهِ ثُمَّ يُرْسِلُهُ إِلَى أَرْضِ جَارِهِ فَالْتَمَسَ مِنْهُ الْأَنْصَارِيُّ تَعْجِيلَ ذَلِكَ فَامْتَنَعَ اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ شَرِّجْ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ غَلَطٌ (فَأَبَى) أَيْ الزُّبَيْرُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْأَنْصَارِيِّ (اسْقِ يَا زُبَيْرُ

بهمزة وصل من الثلاثي وحكى بن التِّينِ أَنَّهُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مِنَ الرُّبَاعِيِّ قَالَهُ الْحَافِظُ (ثُمَّ أَرْسِلِ الْمَاءَ إِلَى جَارِكَ) فَإِنَّ أَرْضَ الزُّبَيْرِ كَانَتْ أَعْلَى مِنْ أَرْضِ الْأَنْصَارِيِّ (أن كان بن عَمَّتِكَ) بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنْ أَيْ حَكَمْتَ بِذَلِكَ لِأَجْلِ أنْ كَانَ أَوْ بِسَبَبِ أنْ كَانَ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِأَنْ أَوْ لِأَنْ وحرف الجر يحذف معها لِلتَّخْفِيفِ كَثِيرًا فَإِنَّ فِيهَا مَعَ صِلَتِهَا طُولًا أي وهذا التقديم والترجيح لأنه بن عَمَّتِكَ أَوْ بِسَبَبِهِ وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَنْ كان ذا مال وبنين أي لا تطعه مع هذا الْمِثَالِبِ لِأَنْ كَانَ ذَا مَالٍ (فَتَلَوَّنَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أي تَغَيَّرَ مِنَ الْغَضَبِ (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى الْجَدْرِ) أَيْ يَصِيرَ إِلَيْهِ وَالْجَدْرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الْمُسَنَّاةُ وَهُوَ مَا وُضِعَ بَيْنَ شَرَبَاتِ النَّخْلِ كَالْجِدَارِ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْحَوَاجِزُ الَّتِي تَحْبِسُ الْمَاءَ وَيُرْوَى الْجُدُرَ بِضَمِّ الدَّالِ وَهُوَ جَمْعُ جِدَارٍ وَالْمُرَادُ جُدْرَانُ الشَّرَبَاتِ الَّتِي فِي أُصُولِ النَّخْلِ فَإِنَّهَا تُرْفَعُ حَتَّى تَصِيرَ شَبَهَ الْجِدَارِ وَالشَّرَبَاتُ بِمُعْجَمَةٍ وَفَتَحَاتٌ هِيَ الْحُفَرُ الَّتِي تُحْفَرُ فِي أُصُولِ النَّخْلِ (فَلَا وَرَبِّكَ) لَا زَائِدَةٌ (لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شجر) أَيْ اخْتَلَطَ (بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أنفسهم حرجا) ضيقا أو شكا (مما قضيت ويسلموا) يَنْقَادُوا لِحُكْمِكَ (تَسْلِيمًا) مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةٍ (الْآيَةَ) بِالنَّصْبِ أَيْ أَتَمَّ الْآيَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَرَوَى شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الزُّبَيْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصُّلْحِ مِنْ صَحِيحِهِ (نَحْوَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) أَيْ الَّذِي أَسْنَدَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ الِاخْتِلَافِ

باب ما جاء فيمن يعتق مماليكه عند موته

27 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يُعْتِقُ مَمَالِيكَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ) وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ [1364] قَوْلُهُ (أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ) جَمْعُ عَبْدٍ أَيْ سِتَّةَ مَمَالِيكَ (فَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا) كَرَاهَةً لِفِعْلِهِ وَتَغْلِيظًا عَلَيْهِ لِعِتْقِ الْعَبِيدِ كُلِّهِمْ وَعَدَمِ رِعَايَةِ جَانِبِ الْوَرَثَةِ (ثُمَّ دَعَاهُمْ) أَيْ طَلَبَهُمْ (فَجَزَّأَهُمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ وَتَخْفِيفِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ ذَكَرَهُمَا بن السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ أَيْ فَقَسَّمَهُمْ وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَجَزَّأَهُمْ (ثَلَاثًا وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً) أَيْ أَبْقَى حُكْمَ الرِّقِّ عَلَى الْأَرْبَعَةِ ودَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ يَنْفُذُ عَنِ الثُّلُثِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِهِ وَكَذَا التَّبَرُّعُ كَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) قَوْلُهُ (حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ كَذَا فِي المنتقى قوله (وهي قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ يَرَوْنَ الْقُرْعَةَ فِي هَذَا وفِي غَيْرِهِ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ الْقُرْعَةِ فِي الْمُشْكِلَاتِ وَذَكَرَ فِيهِ عِدَّةَ أَحَادِيثَ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقُرْعَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وجْهُ إِدْخَالِهَا فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ أَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْبَيِّنَاتِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْحُقُوقُ فَكَمَا تُقْطَعُ الْخُصُومَةُ وَالنِّزَاعُ بِالْبَيِّنَةِ كَذَلِكَ تُقْطَعُ بِالْقُرْعَةِ وَمَشْرُوعِيَّةُ الْقُرْعَةِ مِمَّا اخْتُلِفَ فِيهِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْقَوْلِ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ وأنكرها بعض الحنفية وحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَوْلَ بِهَا وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ضَابِطَهَا الْأَمْرُ الْمُشْكِلُ وفَسَّرَهَا غَيْرُهُ بِمَا يَثْبُتُ فِيهِ الْحَقُّ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ وَتَقَعُ الْمُشَاحَّةُ فِيهِ فَيُقْرَعُ لِفَصْلِ النِّزَاعِ وقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي لَيْسَ فِي الْقُرْعَةِ إِبْطَالُ الشَّيْءِ مِنَ الْحَقِّ كَمَا زَعَمَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ بَلِ اذَا وَجَبَتِ الْقِسْمَةُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَعْدِلُوا ذَلِكَ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ يَقْتَرِعُوا

باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم

فَيَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مَا وَقَعَ لَهُ بِالْقُرْعَةِ مُجْتَمِعًا مِمَّا كَانَ لَهُ فِي الْمِلْكِ مَشَاعًا فَيُضَمُّ فِي مَوْضِعٍ بِعَيْنِهِ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالْعِوَضِ الَّذِي صَارَ لِشَرِيكِهِ لِأَنَّ مَقَادِيرَ ذَلِكَ قَدْ عُدِلَتْ بِالْقِيمَةِ وَإِنَّمَا أَفَادَتِ الْقُرْعَةُ أَنْ لَا يَخْتَارَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ شَيْئًا مُعَيَّنًا فَيَخْتَارُهُ الْآخَرُ فَيَقْطَعُ التَّنَازُعَ وهِيَ إِمَّا فِي الْحُقُوقِ الْمُتَسَاوِيَةِ وَإِمَّا فِي تَعْيِينِ الْمِلْكِ فَمِنَ الْأَوَّلِ عَقْدُ الْخِلَافَةِ إِذَا اسْتَوَوْا فِي صِفَةِ الْإِمَامَةِ وكَذَا بَيْنَ الْأَئِمَّةِ فِي الصَّلَوَاتِ وَالْمُؤَذِّنِينَ وَالْأَقَارِبِ فِي تَغْسِيلِ الْمَوْتَى وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَالْحَائِضَاتِ إِذَا كُنَّ فِي دَرَجَةٍ وَالْأَوْلِيَاءِ فِي التَّزْوِيجِ وَالِاسْتِبَاقِ إِلَى الصف الأول وفي إحياء الموات وفِي نَقْلِ الْمَعْدِنِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ والتَّقْدِيمِ بِالدَّعْوَى عِنْدَ الْحَاكِمِ وَالتَّزَاحُمِ عَلَى أَخْذِ اللَّقِيطِ وَالنُّزُولِ فِي الْخَانِ الْمُسْبَلِ وَنَحْوِهِ وفِي السَّفَرِ بِبَعْضِ الزوجات وفي ابتداء القسم والدخول ابتداء النِّكَاحِ وفِي الْإِقْرَاعِ بَيْنَ الْعَبِيدِ إِذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ وَلَمْ يَسَعْهُمُ الثَّالِثُ وَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ مِنْ صُوَرِ الْقَسْمِ الثَّانِي أَيْضًا وَهُوَ تَعْيِينُ الْمِلْكِ وَمِنْ صُوَرِ تَعْيِينِ الْمِلْكِ الْإِقْرَاعُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ عِنْدَ تَعْدِيلِ السِّهَامِ فِي الْقِسْمَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (وَأَمَّا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يَرَوُا الْقُرْعَةَ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وحَدِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى هَؤُلَاءِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ (وَقَالُوا يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ عَبْدٍ) أَيْ مِنَ الْأَعْبُدِ السِّتَّةِ (الثُّلُثُ) أَيْ ثُلُثُهُ (يُسْتَسْعَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ كُلُّ عَبْدٍ (فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ) فَإِنَّ ثُلُثَهُ قَدْ صَارَ حُرًّا قَوْلُهُ (وَأَبُو الْمُهَلَّبِ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ) [1365] قَوْلُهُ (مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَأَصْلُهُ مَوْضِعُ تَكْوِينِ الْوَلَدِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ لِلْقَرَابَةِ فَيَقَعُ عَلَى كُلِّ مَنْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ نَسَبٌ يُوجِبُ تَحْرِيمَ النِّكَاحِ (مَحْرَمٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَيُقَالُ مُحْرَمٌ بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ مِنَ التَّحْرِيمِ والْمَحْرَمُ مَنْ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهُ مِنَ

الْأَقَارِبِ كَالْأَبِ وَالْأَخِ وَالْعَمِّ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ وَهُوَ بِالْجَرِّ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ صِفَةُ ذَا رَحِمٍ لَا نَعْتُ رَحِمٍ ولعله من باب جر الجواد كَقَوْلِهِ بَيْتُ ضَبٍّ خَرِبٍ وَمَاءُ شَنٍّ بَارِدٍ (فَهُوَ) أَيْ ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى (حُرٌّ) أَيْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ مِلْكِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مُسْنَدًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا وَشُعْبَةُ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادٍ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَصِحُّ انْتَهَى وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَكِنَّ الرَّفْعَ مِنَ الثِّقَةِ زِيَادَةٌ لَوْلَا مَا فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ مُقَالٌ انْتَهَى والحديث أخرجه أحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُمَرَ شَيْئًا مِنْ هَذَا) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ بِمِثْلِ حَدِيثِ سَمُرَةَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَهُوَ مَوْقُوفٌ وَقَتَادَةُ لَمْ يَسْمَعْ عَنْ عُمَرَ فَإِنَّ مَوْلِدَهُ بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ بِنَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ (الْعَمِّيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ صدوق يخطى مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العلم) قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ أَنَّ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ عَتَقَ عَلَيْهِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ أَوْلَادُ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ وذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ عليه الولد

باب فيمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم

وَالْوَالِدَانُ وَالْإِخْوَةُ وَلَا يَعْتِقُ غَيْرُهُمْ انْتَهَى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَافَقْنَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي بَنِي الْأَعْمَامِ أَنَّهُمْ لَا يَعْتِقُونَ بِحَقِّ الْمِلْكِ واسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ بِأَنَّ غَيْرَ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا رَدُّ الشَّهَادَةِ وَلَا يَجِبُ بِهَا النفقة مع اختلاف الدين فأشبه قرابة بن الْعَمِّ وَبِأَنَّهُ لَا يَعْصِبُهُ فَلَا يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ كَابْنِ الْعَمِّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ لَا يَخْفَى أَنَّ نَصْبَ مِثْلِ هَذِهِ الْأَقْيِسَةِ فِي مُقَابَلَةِ حديث سمرة وحديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِمَّا لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ مُنْصِفٌ والِاعْتِذَارُ عَنْهُمَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْمَقَالِ سَاقِطٌ لِأَنَّهُمَا يَتَعَاضَدَانِ فَيَصْلُحَانِ لِلِاحْتِجَاجِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قَوْلُهُ (وَلَا يُتَابَعُ ضَمْرَةُ بْنُ ربيعة على هذا الحديث) قال الحافظ بْنُ رَبِيعَةَ الْفِلَسْطِينِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَصْلُهُ دِمَشْقِيٌّ صَدُوقٌ يَهِمُ قَلِيلًا مِنَ التَّاسِعَةِ انْتَهَى وفِي الخلاصة وثقه أحمد وبن معين والنسائي وبن سَعْدٍ (وَهُوَ حَدِيثٌ خَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) وَقَالَ النَّسَائِيُّ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهِمَ فِيهِ ضَمْرَةُ والْمَحْفُوظُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ ورَدَّ الْحَاكِمُ هَذَا بِأَنْ رَوَى مِنْ طَرِيقِ ضَمْرَةَ الْحَدِيثَيْنِ بِالْإِسْنَادِ الواحد وصححه بن حزم وعبد الحق وبن القطان كذا في التلخيص وحديث بن عمر هذا أخرجه بن مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ ضَمْرَةَ الَّتِي ذكرها الترمذي 9 - (باب فِيمَنْ زَرَعَ فِي أَرْضِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ) [1366] قَوْلُهُ (فَلَيْسَ لَهُ مِنَ الزَّرْعِ شَيْءٌ) يَعْنِي مَا حَصَلَ مِنَ الزَّرْعِ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ إِلَّا بَذْرُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَقَالَ غَيْرُهُ مَا حَصَلَ مِنَ الزَّرْعِ فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَعَلَيْهِ نُقْصَانُ الْأَرْضِ كذا نقله القارىء عن بعض العلماء الحنفية ونقل عن بن الْمَلَكِ أَنَّهُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ مِنْ يَوْمِ غَصْبِهَا إِلَى يَوْمِ تَفْرِيغِهَا انْتَهَى قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ (وَلَهُ نَفَقَتُهُ) أَيْ مَا أَنْفَقَهُ الْغَاصِبُ عَلَى الزَّرْعِ مِنَ الْمُؤْنَةِ فِي الْحَرْثِ وَالسَّقْيِ وَقِيمَةِ الْبَذْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وقِيلَ الْمُرَادُ بِالنَّفَقَةِ قِيمَةُ الزَّرْعِ فَتُقَدَّرُ قِيمَتُهُ وَيُسَلَّمُهَا الْمَالِكُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَضَعَّفَهُ الْخَطَّابِيُّ وَنُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ تَضْعِيفُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا نقله

التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ مِنْ تَحْسِينِهِ وضَعَّفَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ رَافِعٍ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَمْ يَسْمَعْ عَطَاءٌ مِنْ رَافِعٍ وَكَانَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ يُضَعِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ وَيَقُولُ لَمْ يَرْوِهِ غَيْرُ شَرِيكٍ ولَا رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ غَيْرُ أَبِي إِسْحَاقَ وَلَكِنْ قَدْ تَابَعَهُ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ وَهُوَ سَيِّءُ الْحِفْظِ كَذَا فِي النَّيْلِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قال بن رَسْلَانَ قَدْ اسْتَدَلَّ بِهِ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ مَنْ زَرَعَ بَذْرًا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ وَاسْتَرْجَعَهَا صَاحِبُهَا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَسْتَرْجِعَهَا مَالِكُهَا وَيَأْخُذَهَا بَعْدَ حَصَادِ الزَّرْعِ أَوْ يَسْتَرْجِعُهَا وَالزَّرْعُ قَائِمٌ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ فَإِنْ أَخَذَهَا مُسْتَحِقُّهَا بَعْدَ حَصَادِ الزَّرْعِ فَإِنَّ الزرع لغاصب الأرض لانعلم فِيهَا خِلَافًا وذَلِكَ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مَالِهِ وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ إِلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ وَضَمَانُ نَقْصِ الْأَرْضِ وَتَسْوِيَةِ حُفَرِهَا وإِنْ أَخَذَ الْأَرْضَ صَاحِبُهَا مِنَ الْغَاصِبِ وَالزَّرْعُ قَائِمٌ فِيهَا لَمْ يَمْلِكْ إِجْبَارَ الْغَاصِبِ عَلَى قَلْعِهِ وَخُيِّرَ الْمَالِكُ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ نَفَقَتَهُ وَيَكُونَ الزَّرْعُ لَهُ أَوْ يَتْرُكَ الزَّرْعَ لِلْغَاصِبِ وبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ يَمْلِكُ إِجْبَارَ الْغَاصِبِ عَلَى قَلْعِهِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ ويَكُونُ الزَّرْعُ لِمَالِكِ الْبَذْرِ عِنْدَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَيْهِ كِرَاءُ الْأَرْضِ ومِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ مَا أَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود والطبراني وغيرهم أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى زَرْعًا فِي أَرْضِ ظَهِيرٍ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مَا أَحْسَنَ زَرْعِ ظَهِيرٍ فَقَالُوا إِنَّهُ لَيْسَ لِظَهِيرٍ وَلَكِنَّهُ لِفُلَانٍ قَالَ فَخُذُوا زَرْعَكُمْ وَرُدُّوا عَلَيْهِ نَفَقَتَهُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الزَّرْعَ تَابِعُ الْأَرْضِ ولَا يَخْفَى أَنَّ حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَخَصُّ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ مُطْلَقًا فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ وَهَذَا عَلَى فَرْضِ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّرْعَ لِرَبِّ الْبَذْرِ فَيَكُونُ الرَّاجِحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْ أَنَّ الزَّرْعَ لصاحب الأرض إذا استرجع أرضه الزرع فِيهَا وأَمَّا إِذَا اسْتَرْجَعَهَا بَعْدَ حَصَادِ الزَّرْعِ فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَيْضًا لِرَبِّ الْأَرْضِ وَلَكِنَّهُ إِذَا صَحَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لِلْغَاصِبِ كَانَ مُخَصِّصَا لِهَذِهِ الصُّورَةِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ مِثْلُ مَا قَالَهُ الْأَوَّلُونَ وفِي الْبَحْرِ أَنَّ مَالِكًا وَالْقَاسِمَ يَقُولَانِ الزَّرْعُ لِرَبِّ الْأَرْضِ وَاحْتَجَّ لِمَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ الزَّرْعَ لِلْغَاصِبِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّرْعُ لِلزَّرَّاعِ وَإِنْ كَانَ غَاصِبًا ولَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَيُنْظَرْ فِيهِ وَقَالَ بن رَسْلَانَ إِنَّ حَدِيثَ لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ ورَدَ فِي الْغَرْسِ الَّذِي لَهُ عِرْقٌ مُسْتَطِيلٌ فِي الْأَرْضِ وحَدِيثُ رَافِعٍ وَرَدَ فِي الزَّرْعِ فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَيُعْمَلُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَوْضِعِهِ ولَكِنْ مَا

باب ما جاء في النحل والتسوية بين الولد

ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْجَمْعِ أَرْجَحُ لِأَنَّ بِنَاءَ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ أَوْلَى مِنَ الْمَصِيرِ إِلَى قَصْرِ الْعَامِّ عَلَى السَّبَبِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدٌ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (حَدَّثَنَا مَعْقِلُ بْنُ مَالِكٍ الْبَصْرِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ مَقْبُولٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ وَزَعَمَ الْأَزْدِيُّ أَنَّهُ مَتْرُوكٌ فَأَخْطَأَ (حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ الْأَصَمِّ) هُوَ عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَصَمُّ الرِّفَاعِيُّ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ وَرُبَّمَا دَلَّسَ وَوَهِمَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْأَصَمِّ وَالرِّفَاعِيِّ كَابْنِ حِبَّانَ (عَنْ عَطَاءٍ) هُوَ بن أَبِي رَبَاحٍ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النُّحْلِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْوَلَدِ) [1367] قَوْلُهُ (أَنَّ أَبَاهُ نَحَلَ) أَيْ أَعْطَى وَوَهَبَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ النَّحْلُ الْعَطِيَّةُ وَالْهِبَةُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَلَا اسْتِحْقَاقٍ (ابْنًا لَهُ) هُوَ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ نَفْسُهُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا (غُلَامًا) أَيْ عَبْدًا (يُشْهِدُهُ) أَيْ يَجْعَلُهُ شَاهِدًا (فَارْدُدْهُ) أَيْ ارْدُدِ الْغُلَامَ إِلَيْكَ وفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وُلْدِكَ مِثْلَ هَذَا قَالَ لَا قَالَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ وفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ وفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً قَالَ بَلَى قَالَ فَلَا إِذًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْوَلَدِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ يُسَوِّي بَيْنَ الْوَلَدِ حَتَّى فِي الْقُبْلَةِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ التَّسْوِيَةَ مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنْ فَضَّلَ بَعْضًا صَحَّ وَكُرِهَ وَاسْتُحِبَّتِ الْمُبَادَرَةُ إِلَى التَّسْوِيَةِ أَوْ الرُّجُوعُ فَحَمَلُوا الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ وَالنَّهْيَ عَلَى التَّنْزِيهِ قَالَ

باب ما جاء في الشفعة

وَتَمَسَّكَ بِهِ يَعْنِي بِحَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَنْ أَوْجَبَ التَّسْوِيَةَ فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ وبِهِ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ وهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وقَالَ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ثُمَّ الْمَشْهُورُ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهَا بَاطِلَةٌ وعَنْ أَحْمَدَ تَصِحُّ ويَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ وعَنْهُ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ إِنْ كَانَ لَهُ سَبَبٌ كَأَنْ يَحْتَاجَ الْوَلَدَ لِأَمَانَتِهِ وَدِينِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ دُونَ الْبَاقِينَ وقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَجِبُ التَّسْوِيَةُ إِنْ قُصِدَ بِالتَّفْضِيلِ الْإِصْرَارُ قَالَ وَمِنْ حُجَّةِ مَنْ أَوْجَبَهُ أَنَّهُ مُقَدِّمَةُ الْوَاجِبِ لِأَنَّ قَطْعَ الرَّحِمِ وَالْعُقُوقَ مُحَرَّمَانِ فَمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِمَا يَكُونُ مُحَرَّمًا وَالتَّفْضِيلُ بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِمَا انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسَوِّي بَيْنَ وَلَدِهِ فِي النَّحْلِ وَالْعَطِيَّةِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ وهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفُوا فِي صِفَةِ التَّسْوِيَةِ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ الْعَدْلُ أَنْ يُعْطِيَ الذَّكَرَ حَظَّيْنِ كَالْمِيرَاثِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ حَظُّهَا مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ لَوْ أَبْقَاهُ الْوَاهِبُ فِي يَدِهِ حَتَّى مَاتَ وَقَالَ غَيْرُهُمْ لَا فَرَّقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَظَاهِرُ الأمر بالتسوية يشهد لهم واستأنسوا بحديث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ سَوُّوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ فلوا كُنْتُ مُفَضِّلًا أَحَدًا لَفَضَّلْتُ النِّسَاءَ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ انْتَهَى 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشُّفْعَةِ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَغَلِطَ مَنْ حَرَّكَهَا وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ لُغَةً مِنَ الشَّفْعِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَقِيلَ مِنَ الزِّيَادَةِ وَقِيلَ مِنَ الْإِعَانَةِ وفِي الشَّرْعِ انْتِقَالُ حِصَّةِ شَرِيكٍ إِلَى شَرِيكٍ كَانَتِ انْتَقَلَتْ إِلَى أَجْنَبِيٍّ بِمِثْلِ الْعَرَضِ الْمُسَمَّى قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ [1368] قَوْلُهُ (جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وأَجَابَ عَنْهُ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَارِ هُوَ الشَّرِيكُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ الشَّرِيدِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بن سويد

قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرْضِي لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شِرْكٌ وَلَا قَسْمٌ إِلَّا الْجِوَارُ فَقَالَ الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا كَانَ رَوَاهُ أحمد والنسائي وبن مَاجَهْ ولِابْنِ مَاجَهْ مُخْتَصَرًا الشَّرِيكُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا كَانَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى (وَأَبِي رَافِعٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْجَارُ بِسَقَبِهِ وأَخْرَجَهُ أيضا أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ إِلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَرَوَى) أَيْ عِيسَى بْنُ يُونُسَ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا (وَلَا نَعْرِفُ حَدِيثَ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِيسَى بْنِ يُونُسَ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ وَهِمَ فِيهِ عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ هَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ وغيره وهو الصواب انتهى قال بن الْقَطَّانِ عِيسَى بْنُ يُونُسَ ثِقَةٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَعْنِي عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ سَمُرَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّائِفِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ حديث حسن) أخرجه النسائي وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ وقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ فِيمَا تَقَدَّمَ (وَرَوَى إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ بِلَفْظِ الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ وفِيهِ قِصَّةُ (سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ كِلَا الْحَدِيثَيْنِ عِنْدِي صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ أَبِيهِ وَمِنْ أَبِي رَافِعٍ انْتَهَى

باب ما جاء في الشفعة للغائب

32 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشُّفْعَةِ لِلْغَائِبِ) [1369] قَوْلُهُ (الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ) أَيْ بِشُفْعَةِ جَارِهِ كَمَا في رواية أبي داود (ينتظر) بصيغة المجهول (به) أي بالجار قال بن رَسْلَانَ يُحْتَمَلُ انْتِظَارُ الصَّبِيِّ بِالشُّفْعَةِ حَتَّى يَبْلُغَ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا مَرْفُوعًا الصَّبِيُّ عَلَى شُفْعَتِهِ حَتَّى يُدْرِكَ فَإِذَا أَدْرَكَ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُزَيْغٍ وَكَذَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُزَيْغٍ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ لَيِّنٌ لَيْسَ بِمَتْرُوكٍ وقَالَ بن عَدِيٍّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَهُوَ قَاضِي تُسْتَرَ وَعَامَّةُ أَحَادِيثِهِ لَيْسَتْ بِمَتْرُوكَةٍ انْتَهَى (وَإِنْ كَانَ غَائِبًا) بِالْوَاوُ وَإِنْ وَصْلِيَّةٌ قَالَ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ فِي التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ وَشَرْحِ السُّنَّةِ وَبِإِسْقَاطِهَا فِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ (إِذَا كَانَ طريقهما) أي طريق الجارين أو والدارين قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَرَوَاهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (لَا نَعْلَمُ أَحَدًا تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرَ شُعْبَةَ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْمَشْهُورِينَ تَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ لِتَفَرُّدِهِ عَنْ عَطَاءٍ بِخَبَرِ الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ قَالَ وَكِيعٌ سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُولُ لَوْ رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ حَدِيثًا آخَرَ مِثْلَ حَدِيثِ الشُّفْعَةِ لَطَرَحْتُ حَدِيثَهُ وقَالَ أَبُو قُدَامَةَ السَّرَخْسِيُّ سَمِعْتُ يَحْيَى الْقَطَّانَ يَقُولُ لَوْ رَوَى عَبْدُ الْمَلِكِ حَدِيثًا آخَرَ كَحَدِيثِ الشُّفْعَةِ لَتَرَكْتُ حَدِيثَهُ وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ يَحْيَى ثِقَةٌ وَقَالَ أَحْمَدُ حَدِيثُهُ فِي الشُّفْعَةِ مُنْكَرٌ وَهُوَ ثِقَةٌ انْتَهَى وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يُخَافُ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْفُوظًا وَأَبُو سَلَمَةَ حَافِظٌ وكَذَلِكَ أَبُو الزُّبَيْرِ وَلَا يُعَارَضُ حَدِيثُهُمَا بِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ وسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وقَالَ يَحْيَى لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا عَبْدُ الْمَلِكِ وقَدْ أنكره

باب ما جاء حدت الحدود ووقعت السهام فلا شفعة

النَّاسُ عَلَيْهِ وقَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ عَطَاءٍ غَيْرَ عَبْدِ الْمَلَكِ تَفَرَّدَ بِهِ ويُرْوَى عَنْ جَابِرٍ خِلَافُ هَذَا هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَدِ احْتَجَّ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِحَدِيثِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يُخْرِجَا لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ ويُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ تَرَكَاهُ لِتَفَرُّدِهِ بِهِ وَإِنْكَارِ الْأئمَةِ عَلَيْهِ وجَعَلَهُ بَعْضُهُمْ رَأْيًا لِعَبْدِ الْمَلِكِ أَدْرَجَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قَوْلُهُ (فَإِذَا قَدِمَ فَلَهُ الشُّفْعَةُ وَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ) وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السَّيْرُ مَتَى بَلَغَهُ لِلطَّلَبِ أَوْ الْبَعْثِ بِرَسُولٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ غَيْبَتِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامَ فَمَا دُونَهَا وَإِنْ كَانَتِ الْمَسَافَةُ فَوْقَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ 3 - (بَاب مَا جاء حُدَّتْ الْحُدُودُ وَوَقَعَتْ السِّهَامُ فَلَا شُفْعَةَ) [1370] قَوْلُهُ (إِذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ) أَيْ إِذَا قُسِمَ الْمِلْكُ الْمُشْتَرَى وَوَقَعَتِ الْحُدُودُ أَيْ الْحَوَاجِزُ وَالنِّهَايَاتُ قَالَ بن الْمَلِكِ أَيْ عُيِّنَتْ وَظَهَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِالْقِسْمَةِ وَالْإِفْرَازِ (وَصُرِّفَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ بُيِّنَتْ (الطُّرُقُ) بِأَنْ تَعَدَّدَتْ وَحَصَلَ لِكُلِّ نَصِيبٍ طَرِيقٌ مَخْصُوصٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ صُرِّفَتِ الطُّرُقُ أَيْ بُيِّنَتْ مَصَارِفُهَا وَشَوَارِعُهَا كَأَنَّهُ مِنَ التَّصَرُّفِ أَوْ التصريف انتهى وقال بن مَالِكٍ مَعْنَاهُ خَلَصَتْ وَبَانَتْ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الصَّرْفِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ الْخَالِصُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَلَا شُفْعَةَ) اسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِالْخُلْطَةِ لَا بِالْجِوَارِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ لَا يَرَوْنَ الشُّفْعَةَ إِلَّا للخليط

ولَا يَرَوْنَ لِلْجَارِ شُفْعَةً إِذَا لَمْ يَكُنْ خَلِيطًا) وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الشُّفْعَةَ ثَبَتَتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِمَعْنًى مَعْدُومٍ فِي الْجَارِ وهُوَ أَنَّ الشَّرِيكَ رُبَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ فَتَأَذَّى بِهِ فَدَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى مُقَاسَمَتِهِ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ الضَّرَرُ بِنَقْصِ قِيمَةِ مِلْكِهِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْمَقْسُومِ (وَقَالَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهُمْ الشُّفْعَةُ لِلْجَارِ) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ (وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال جَارُ الدَّارِ أَحَقُّ بِالدَّارِ) قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الشُّفْعَةِ (وَقَالَ الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا وَهُوَ الْقُرْبُ وَالْمُلَاصَقَةُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَجَاءَ الْمِسْوَرُ بن مخرمة فوضع يده على إحدى مَنْكِبَيْ إِذْ جَاءَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا سَعْدُ ابْتَعْ مِنِّي بَيْتَيَّ فِي دَارِكَ فَقَالَ سَعْدٌ وَاللَّهِ مَا أَبْتَاعُهُمَا فَقَالَ الْمِسْوَرُ وَاللَّهِ لَتَبْتاعَنَّهُمَا فَقَالَ سَعْدٌ وَاللَّهِ لَا أَزِيدُكَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ مُنَجَّمَةٍ أَوْ مُقَطَّعَةٍ قَالَ أَبُو رَافِعٍ لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهِمَا خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ وَلَوْلَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا أَعْطَيْتُكَهُمَا بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ وَإِنَّمَا أُعْطَى بِهِمَا خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ فَأَعْطَاهَا إياه قال الحافظ في الفتح قال بن بَطَّالٍ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى إِثْبَاتِ الشُّفْعَةِ لِلْجَارِ وأَوَّلَهُ غَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشَّرِيكُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ شَرِيكَ سَعْدٍ فِي الْبَيْتَيْنِ وَلِذَلِكَ دَعَاهُ إِلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ لَيْسَ فِي اللُّغَةِ مَا يَقْتَضِي تَسْمِيَةَ الشَّرِيكِ جَارًا فَمَرْدُودٌ فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَارَبَ شَيْئًا قِيلَ لَهُ جَارٌ وَقَدْ قَالُوا لِامْرَأَةِ الرَّجُلِ جَارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمُخَالَطَةِ انتهى وتعقبه بن الْمُنِيرِ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ يَمْلِكُ بَيْتَيْنِ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ سَعْدٍ لَا شِقْصًا شَائِعًا مِنْ مَنْزِلِ سَعْدٍ وَذَكَرَ عمر بن شبة أَنَّ سَعْدًا كَانَ اتَّخَذَ دَارَيْنِ بِالْبَلَاطِ مُتَقَابِلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا عَشْرَةُ أَذْرُعٍ وَكَانَتِ الَّتِي عَنْ يَمِينِ الْمَسْجِدِ مِنْهُمَا لِأَبِي رَافِعٍ فَاشْتَرَاهَا سَعْدٌ مِنْهُ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ الْبَابِ فَاقْتَضَى

باب ما جاء أن الشريك شفيع

كَلَامُهُ أَنَّ سَعْدًا كَانَ جَارًا لِأَبِي رَافِعٍ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ دَارَهُ لَا شَرِيكًا وقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ يَلْزَمُ الشَّافِعِيَّةَ الْقَائِلِينَ بِحَمْلِ اللَّفْظَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ أَنْ يَقُولُوا بِشُفْعَةِ الْجَارِ لِأَنَّ الْجَارَ حَقِيقَةٌ فِي الْمُجَاوِرِ مَجَازٌ فِي الشَّرِيكِ وأُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ التجرد وقد قامت القرينة منا عَلَى الْمَجَازِ فَاعْتُبِرَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثَيْ جَابِرٍ وَأَبِي رَافِعٍ فَحَدِيثُ جَابِرٍ صَرِيحٌ فِي اخْتِصَاصِ الشُّفْعَةِ بِالشَّرِيكِ وَحَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ مَصْرُوفُ الظَّاهِرِ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْجَارُ أَحَقَّ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى مِنَ الشَّرِيكِ والَّذِينَ قَالُوا بِشُفْعَةِ الْجَارِ قَدَّمُوا الشَّرِيكَ مُطْلَقًا ثُمَّ الْمُشَارِكَ فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ الْجَارَ عَلَى مَنْ لَيْسَ بِمُجَاوِرٍ فَعَلَى هَذَا فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ قَوْلِهِ أَحَقُّ بِالحَمْلِ عَلَى الْفَضْلِ أَوْ التَّعَهُّدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ 4 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الشَّرِيكَ شَفِيعٌ) [1371] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ السُّكَّرِيِّ) قَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِحَلَاوَةِ كَلَامِهِ انْتَهَى قَالَ فِي الْقَامُوسِ السُّكَّرُ بِالضَّمِّ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ مُعَرَّبُ شكر وقَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ فَاضِلٌ (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رَفِيعٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مُصَغَّرًا عَنِ بن أَبِي مُلَيْكَةَ بِالتَّصْغِيرِ هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ مِنْ مَشَاهِيرِ التَّابِعِينَ وَعُلَمَائِهِمْ وَكَانَ قاضيا على عهد بن الزُّبَيْرِ قَوْلُهُ (وَالشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِمَّا يُمْكِنُ نَقْلُهُ أَوْ لَا لَكِنِ الْحَدِيثُ مَعْلُولٌ بِالْإِرْسَالِ قَوْلُهُ (هَذَا أَصَحُّ) أَيْ كَوْنُهُ مُرْسَلًا أَصَحُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ روى

اللقطة الشيء يلتقط وهو بضم اللام وفتح القاف على المشهور عند أهل اللغة

البيهقي من حديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ أُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ وأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ لَهُ شَاهِدًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِرُوَاتِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّمَا تَكُونُ الشُّفْعَةُ فِي الدُّورِ وَالْأَرْضِينَ وَلَمْ يَرَوُا الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ شَيْءٍ) وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ تُقْسَمْ رَبَعَةٌ أَوْ حَائِطٌ الحديث رواه مسلم قال القارىء فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَثْبُتُ إِلَّا فِيمَا لَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ كَالْأَرَاضِيِ وَالدُّورِ وَالْبَسَاتِينِ دُونَ مَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ كَالْأَمْتِعَةِ وَالدَّوَابِّ وهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى واحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ سَمُرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَبِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالشُّفْعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فِي الْأَرَضِينَ وَالدُّورِ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي الْمُسْنَدِ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ إِسْحَاقَ عَنْ عُبَادَةَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وعَنْ أَحْمَدَ تَثْبُتُ فِي الْحَيَوَانَاتِ دُونَ غَيْرِهَا مِنَ الْمَنْقُولَاتِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَدِيثِ بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ معلول بالإرسال (اللُّقَطَةُ الشَّيْءُ يُلْتَقَطُ وَهُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْمُحَدِّثِينَ) وقَالَ عِيَاضٌ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ اللُّقَطَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْعَامَّةُ تُسَكِّنُهَا كَذَا قَالَ وَقَدْ جَزَمَ الْخَلِيلُ بِأَنَّهَا بِالسُّكُونِ قَالَ وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ اللَّاقِطُ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الْقِيَاسُ وَلَكِنِ الَّذِي سُمِعَ مِنَ الْعَرَبِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ اللُّغَةِ والحديث الفتح كَذَا فِي الْفَتْحِ والضَّالُّ فِي الْحَيَوَانِ كَاللُّقَطَةِ في غيره [1374] قَوْلُهُ (عَنْ سُوَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ غَفْلَةَ) بِفَتْحِ المعجمة والفاء

أَبُو أُمَيَّةَ الْجُعْفِيُّ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مُخَضْرَمٌ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ فِي زَمَنِهِ رَجُلًا وَأَعْطَى الصَّدَقَةَ فِي زَمَنِهِ وَلَمْ يَرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ إِنَّهُ صَلَّى خَلْفَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ وَإِنَّمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ حِينَ نَفَضُوا أَيْدِيَهُمْ مِنْ دَفْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ شَهِدَ الْفُتُوحَ وَنَزَلَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ ثَمَانِينَ أَوْ بَعْدَهَا (قَالَ خَرَجْتُ) أَيْ فِي غَزَاةٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (مَعَ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مُخَضْرَمٌ أَيْضًا (وَسَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ) هُوَ الْبَاهِلِيُّ يُقَالُ لَهُ صُحْبَةٌ وَيُقَالُ لَهُ سَلْمَانُ الْخَيْلِ لِخِبْرَتِهِ بِهَا وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى بَعْضِ الْمَغَازِي فِي فُتُوحِ الْعِرَاقِ فِي عَهْدِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ (قَالَا) أَيْ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ (دَعْهُ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَلْقِهِ (تَأْكُلُهُ السِّبَاعُ) كَأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْجِلْدِ أَوْ مِثْلِهِ مِمَّا يَأْكُلُهُ السباع (لأخذته ولأستمتعن بِهِ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَلَكِنْ إِنْ وَجَدْتُ صَاحِبَهُ وَإِلَّا اسْتَمْتَعْتُ بِهِ (فَقَدِمْتُ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلَمَّا رَجَعْنَا حَجَجْنَا فَمَرَرْتُ بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ (فَقَالَ أَحْسَنْتَ) أَيْ فِيمَا فَعَلْتَ (وَقَالَ أَحْصِ) أَمْرٌ مِنَ الْإِحْصَاءِ (عِدَّتَهَا) أَيْ عَدَدَهَا (وَوِعَاءَهَا) الْوِعَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الشَّيْءُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خَزَفٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (وَوِكَاءَهَا) الْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَالْمَدِّ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الصرة وغيرهما قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم [1372] قَوْلُهُ (ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا) فِي النِّهَايَةِ الْوِكَاءُ هُوَ الْخَيْطُ الَّذِي تُشَدُّ بِهِ الصُّرَّةُ وَالْكِيسُ وَنَحْوُهُمَا (وَوِعَاءَهَا) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ (وَعِفَاصَهَا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ وِعَاءَهَا فِي الْفَائِقِ الْعِفَاصُ الْوِعَاءُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ اللُّقَطَةُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ خِرْقَةٍ أو غير ذلك قال بن

عَبْدِ الْمَلَكِ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِمَعْرِفَتِهَا لِيُعْلَمَ صِدْقَ وَكَذِبَ مَنْ يَدَّعِيهَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ اعْرِفْ عِفَاصَهَا فِي أَنَّهُ لَوْ جَاءَ رَجُلٌ وَادَّعَى اللُّقْطَةَ وَعَرَّفَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا هَلْ يَجِبُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ وأحمد إلا أَنَّهُ يَجِبُ الدَّفْعُ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ إِذْ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ وقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إِذَا عَرَّفَ الرَّجُلُ الْعِفَاصَ وَالْوِكَاءَ وَالْعَدَدَ وَالْوَزْنَ وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ وَإِلَّا فَبِبَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ فِي الصفة بأن يسمع الملتقط بصفها فَعَلَى هَذَا تَأْوِيلُ قَوْلِهِ اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِمَالِهِ اخْتِلَاطًا لَا يُمْكِنُهُ التَّمْيِيزُ إِذَا جَاءَ مَالِكُهَا انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ يُخْبِرُكَ بِعَدَدِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا فَأَعْطِهَا إِيَّاهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ أَخَذَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إِنْ وَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهُ جَازَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يُصِيبُ الصِّفَةَ وقَالَ الْخَطَّابِيُّ إن صحت هذه اللقطة لَمْ يَجُزْ مُخَالَفَتُهَا وَهِيَ فَائِدَةُ قَوْلِهِ اعْرِفْ عِفَاصَهَا إِلَخْ وإِلَّا فَالِاحْتِيَاطُ مَعَ مَنْ لَمْ يَرَ الرَّدَّ إِلَّا بِالْبَيِّنَةِ قَالَ وَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهُ اعْرِفْ عِفَاصَهَا عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِئَلَّا تَخْتَلِطَ بِمَالِهِ أَوْ لِتَكُونَ الدَّعْوَى فِيهَا مَعْلُومَةً قَالَ الْحَافِظُ قَدْ صَحَّتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا انْتَهَى قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ وَجْهَ صِحَّةِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي الْفَتْحِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ (فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا) أَيْ مَالِكُ اللُّقَطَةِ (فَأَدِّهَا إِلَيْهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى بَقَاءِ مِلْكِ مَالِكِ اللُّقْطَةِ خِلَافًا لِمَنْ أَبَاحَهَا بَعْدَ الْحَوْلِ بِلَا ضَمَانٍ (فَضَالَّةُ الْغَنَمِ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ غَاوِيَتُهَا أَوْ مَتْرُوكَتُهَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَا حُكْمُهَا (هِيَ لَكَ) أَيْ إِنْ أَخَذْتَهَا وَعَرَّفْتَهَا وَلَمْ تَجِدْ صَاحِبَهَا فَإِنَّ لَكَ أَنْ تَمْلِكَهَا (أَوْ لِأَخِيكَ) يُرِيدُ بِهِ صَاحِبَهَا والْمَعْنَى إِنْ أَخَذْتَهَا فَظَهَرَ مَالِكُهَا فَهُوَ لَهُ أَوْ تَرَكْتَهَا فَاتَّفَقَ أَنْ صادفهافهو أَيْضًا لَهُ وقِيلَ مَعْنَاهُ إِنْ لَمْ تَلْتَقِطْهَا يَلْتَقِطْهَا غَيْرُكَ (أَوْ لِلذِّئْبِ) بِالْهَمْزَةِ وَإِبْدَالِهِ أَيْ إِنْ تَرَكْتَ أَخَذَهَا الذِّئْبُ وفِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الْتِقَاطِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ تَرَكْتَهَا وَلَمْ يَتَّفِقْ أن يأخذها غيرك يأكله الذئب غالبا بِذَلِكَ عَلَى جَوَازِ الْتِقَاطِهَا وَتَمَلُّكِهَا وَعَلَى مَا هُوَ الْعِلَّةُ لَهَا وَهِيَ كَوْنُهَا مُعَرَّضَةً لِلضَّيَاعِ لِيَدُلَّ عَلَى اطِّرَادِ هَذَا الْحُكْمِ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ يَعْجِزُ عَنِ الرَّعْيِ بِغَيْرِ رَاعٍ (احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ) أَيْ خَدَّاهُ (أَوِ احْمَرَّ وَجْهُهُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (مَالَكَ وَلَهَا) أَيْ شَيْءٌ لَكَ وَلَهَا قِيلَ مَا شَأْنُكَ مَعَهَا أَيْ اتْرُكْهَا وَلَا تَأْخُذْهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا الْحِذَاءُ بِالْمَدِّ النَّعْلُ وَالسِّقَاءُ بِالْكَسْرِ الْقِرْبَةُ وَالْمُرَادُ هُنَا بَطْنُهَا وَكُرُوشُهَا فَإِنَّ فِيهِ رُطُوبَةً يَكْفِي أَيَّامًا كَثِيرَةً مِنَ الشُّرْبِ فَإِنَّ الْإِبِلَ قَدْ يَتَحَمَّلُ مِنَ الظماء ما لا يتحمله سواء مِنَ الْبَهَائِمِ ثُمَّ أَرَادَ أَنَّهَا تَقْوَى عَلَى الْمَشْيِ وَقَطْعِ الْأَرْضِ وَعَلَى قَصْدِ الْمِيَاهِ وَوُرُودِهَا ورعي الشجر

وَالِامْتِنَاعِ عَنِ السِّبَاعِ الْمُفْتَرِسَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) فِي حَاشِيَةِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ كَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بِالْوَاوِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ بَعْضُ الْقَرَائِنِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا فِي هَذِهِ الْحَاشِيَةِ (وَالْجَارُودُ بْنُ الْمُعَلَّى وَعِيَاضُ بْنُ حِمَارٍ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِغَيْرِ الْوَاوِ عَلَى مَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِالْوَاوِ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ الْجَارُودِ فَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ وأَمَّا حَدِيثُ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فأخرجه أحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا يَأْوِي الضَّالَّةَ إِلَّا ضَالٌّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَحَدِيثُ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا تَكْرَارٌ قَوْلُهُ (رَخَّصُوا فِي اللُّقَطَةِ إِذَا عَرَّفَهَا سَنَةً فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا وهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا فَاسْتَمْتِعْ بِهَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَإِلَّا فَاسْتَنْفِقْهَا اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ يَتَصَرَّفُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَمْ فَقِيرًا وعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إِنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِهَا وَإِنْ صَاحِبَهَا تَخَيَّرَ بَيْنَ إِمْضَاءِ الصَّدَقَةِ أَوْ تَغْرِيمِهِ قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إِلَّا إِنْ كَانَ يَأْذَنْ الْإِمَامُ فَيَجُوزُ لِلْغَنِيِّ كَمَا فِي قِصَّةِ أُبَيِّ بن كعب وبهذا قال عمر وعلي وبن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ يُعَرِّفُهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ) اسْتَدَلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حمار وفيه وإن لم يجيء صَاحِبُهَا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ رواه أحمد وبن مَاجَهْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُلْتَقِطَ يَمْلِكُ اللُّقْطَةَ بَعْدَ أَنْ

يُعَرِّفَ بِهَا حَوْلًا وهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فَقِيرًا وَبِهِ قَالَتِ الْهَادَوِيَّةُ واسْتَدَلُّوا عَلَى اشْتِرَاطِ الْفَقْرِ بِقَوْلِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَهُوَ مَالُ اللَّهِ قَالُوا وَمَا يُضَافُ إِلَى اللَّهِ إِنَّمَا يَتَمَلَّكُهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الصَّدَقَةَ وذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهَا فِي نَفْسِهِ بَعْدَ التَّعْرِيفِ سَوَاءٌ كَانَ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا لِإِطْلَاقِ الْأَدِلَّةِ الشَّامِلَةِ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ كَقَوْلِهِ فَاسْتَمْتِعْ بِهَا وفِي لَفْظٍ فَهِيَ كَسَبِيلِ مَالِكَ وفِي لَفْظٍ فَاسْتَنْفِقْهَا وفِي لَفْظٍ فَهِيَ لَكَ وأَجَابُوا عَنْ دَعْوَى أَنَّ الْإِضَافَةَ (يعني إضافة المال إن الله في قوله فهو مال الله) تدل عَلَى الصَّرْفِ إِلَى الْفَقِيرِ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا تُضَافُ إِلَى اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ الله الذي أتاكم انْتَهَى (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْتَفِعُ بِهَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا عَرَفْتَ (لِأَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَصَابَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَرِّفَهَا ثُمَّ يَنْتَفِعَ بِهَا وكَانَ أُبَيٌّ كَثِيرَ الْمَالِ مِنْ مَيَاسِيرِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) أَخْرَجَ حَدِيثَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ هَذَا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ومَيَاسِيرُ جَمْعُ مُوسِرٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْيُسْرُ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ وَالْيَسَارُ وَالْمُسَارَّةُ وَالْمَيْسَرَةُ مُثَلَّثَةُ السِّينِ السُّهُولَةُ وَالْغِنَى وَأَيْسَرَ إيسَارًا وَيُسْرَى صَارَ ذَا غِنًى فَهُوَ مُوسِرٌ جَمْعُهُ مَيَاسِيرُ انْتَهَى وقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَكَانَ أُبَيٌّ كَثِيرَ الْمَالِ قَدِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ حَيْثُ اسْتَشَارَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدَقَتِهِ فَقَالَ اجْعَلْهَا فِي فُقَرَاءِ أَهْلِكَ فَجَعَلَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَحَسَّانَ وَغَيْرِهِمَا والْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْحَالِ وقَوْلُ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ ذَلِكَ حِينَ فُتِحَتِ الْفُتُوحُ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُلَهَا) وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ أَنْ يَنْتَفِعَ بِاللُّقَطَةِ وأَجَابَ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ جَوَازِهِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا جَازَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ الِانْتِفَاعُ بِهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ أَذِنَ لَهُ بالانتفاع بها وإذا يأذن الْإِمَامُ يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ الِانْتِفَاعُ بِاللُّقَطَةِ قُلْتُ هَذَا الْجَوَابُ إِنَّمَا يَتَمَشَّى إِذَا ثَبَتَ عَدَمُ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِاللُّقَطَةِ لِلْغَنِيِّ بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ (فَلَوْ كَانَتِ اللُّقَطَةُ لَمْ تَحِلَّ إِلَّا لِمَنْ تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ لَمْ تَحِلَّ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَصَابَ دِينَارًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَّفَهُ فَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُلَهُ) يَأْتِي تَخْرِيجُ حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا عَنْ قَرِيبٍ (وكان

عَلِيٌّ لَا تَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ) وَهَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِاللُّقَطَةِ لِلْغَنِيِّ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا كَانَتِ اللُّقَطَةُ يَسِيرَةً أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا وَلَا يُعَرِّفَهَا إِلَخْ) أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ رَخَّصَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْحَبْلِ وَأَشْبَاهِهِ يَلْتَقِطُهُ الرَّجُلُ يَنْتَفِعُ بِهِ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِتَمْرَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى فِيهِ إِبَاحَةُ الْمُحَقَّرَاتِ فِي الْحَالِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ حَدِيثُ جَابِرٍ فِي إِسْنَادِهِ الْمُغِيرَةُ بْنُ زِيَادٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وفِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ وفِي الخلاصة وثقة وكيع وبن معين وبن عَدِيٍّ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وقَوْلُهُ وَأَشْبَاهُهُ يَعْنِي كُلَّ شَيْءٍ يَسِيرٍ وقَوْلُهُ يَنْتَفِعُ بِهِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِمَا يُوجَدُ فِي الطُّرُقَاتِ مِنَ الْمُحَقَّرَاتِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْرِيفٍ وَقِيلَ إِنَّهُ يَجِبُ التَّعْرِيفُ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ والْجَوْزَجَانِيُّ وَاللَّفْظُ لِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ مَرْفُوعًا مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةً يَسِيرَةً حَبْلًا أَوْ دِرْهَمًا أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ فَلْيُعَرِّفْهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلْيُعَرِّفْهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَلْيَتَصَدَّقْ بِهَا وفِي إِسْنَادِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِضَعْفِهِ وَلَكِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَ لَهُ بن خزيمة متابعة وروى عن جماعة وزعم بن حزم أنه مجهول وزعم هو وبن الْقَطَّانِ أَنَّ يَعْلَى وَحَكِيمَةَ الَّتِي رَوَتْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ يَعْلَى مَجْهُولَانِ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ عَجَبٌ مِنْهُمَا لِأَنَّ يَعْلَى صَحَابِيٌّ مَعْرُوفُ الصُّحْبَةِ قال بن رَسْلَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعْمُولًا بِهِ لِأَنَّ رِجَالَ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَلَيْسَ فِيهِ مُعَارَضَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِتَعْرِيفِ سَنَةٍ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ سَنَةً هُوَ الْأَصْلُ الْمَحْكُومُ بِهِ عَزِيمَةً وَتَعْرِيفُ الثَّلَاثِ رُخْصَةً تَيْسِيرًا لِلْمُلْتَقِطِ لِأَنَّ الْمُلْتَقِطَ الْيَسِيرَ يَشُقُّ عَلَيْهِ التَّعْرِيفُ سَنَةً مَشَقَّةً عَظِيمَةً بِحَيْثُ يُؤَدِّي إِلَى أَنَّ أَحَدًا لَا يَلْتَقِطُ الْيَسِيرَ والرخصة لا تعارض العظيمة بَلْ لَا تَكُونُ إِلَّا مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ ويُؤَيِّدُ تَعْرِيفَ الثَّلَاثِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ عَلِيًّا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدِينَارٍ وَجَدَهُ فِي السُّوقِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِّفْهُ ثَلَاثًا فَفَعَلَ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَعْرِفُهُ فَقَالَ كُلْهُ انْتَهَى وَيَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ يُقَيَّدَ مُطْلَقُ الِانْتِفَاعِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِالتَّعْرِيفِ بِالثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِالْحَقِيرِ إِلَّا بَعْدَ التَّعْرِيفِ بِهِ ثَلَاثًا حَمْلًا

لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ الْحَقِيرُ مَأْكُولًا فَإِنْ كَانَ مَأْكُولًا جَازَ أَكْلُهُ وَلَمْ يَجِبِ التَّعْرِيفُ بِهِ أَصْلًا كالتمرة ونحوها لحديث أنس المذكورة لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ أَكْلِ التَّمْرَةِ إِلَّا خَشْيَةَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ وَلَوْلَا ذلك لأكلها وقد روى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا وَجَدَتْ تَمْرَةً فَأَكَلَتْهَا وَقَالَتْ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْفَسَادَ قَالَ فِي الفتح يعني أنها لو تركتها فلو تُؤْخَذْ فَتُؤْكَلْ لَفَسَدَتْ قَالَ وَجَوَازُ الْأَكْلِ هُوَ الْمَجْزُومُ بِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ انْتَهَى ويُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ يُقَيَّدُ حَدِيثُ التَّمْرَةِ بِحَدِيثِ التَّعْرِيفِ ثَلَاثًا كَمَا قُيِّدَ بِهِ حَدِيثُ الِانْتِفَاعِ وَلَكِنَّهَا لَمْ تَجْرِ لِلْمُسْلِمِينَ عَادَةٌ بِمِثْلِ ذَلِكَ وأَيْضًا الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَكَلْتُهَا أَيْ فِي الْحَالِ وَيَبْعُدُ كُلَّ الْبُعْدِ أَنْ يُرِيدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَكَلْتُهَا بَعْدَ التَّعْرِيفِ بِهَا ثَلَاثًا وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مِقْدَارِ التَّعْرِيفِ بِالْحَقِيرِ فَحَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرِ وَالْقَاسِمِيَّةِ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُعَرَّفُ بِهِ سَنَةً كَالْكَثِيرِ وَحَكَى عَنِ الْمُؤَيَّدِ بِاللَّهِ وَالْإِمَامِ يَحْيَى وَأَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعَرَّفُ بِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَرِّفْهَا سَنَةً قَالُوا وَلَمْ يُفَصِّلْ واحْتَجَّ الْآخَرُونَ بِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ وَجَعَلُوهُمَا مُخَصِّصِيْنِ لِعُمُومِ حَدِيثِ التَّعْرِيفِ سَنَةً وَهُوَ الصَّوَابُ لِمَا سَلَفَ قَالَ الْإِمَامُ الْمَهْدِيُّ قُلْتُ الْأَقْوَى تَخْصِيصُهُ بِمَا مَرَّ لِلْحَرَجِ انْتَهَى يَعْنِي تَخْصِيصَ حَدِيثِ السَّنَةِ بِحَدِيثِ التَّعْرِيفِ ثَلَاثًا انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ [1373] قَوْلُهُ (عَنْ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ المهملة (بن سعيد) المدني العابد مولى بن الْحَضْرَمِيِّ ثِقَةٌ جَلِيلٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (فَإِنِ اعْتُرِفَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ اللُّقَطَةِ (فَأَدِّهَا) أَيْ أَدِّ إِلَى رَبِّهَا الْمُعْتَرِفِ (ثُمَّ كُلْهَا) أَيْ بَعْدَ التَّعْرِيفِ إِلَى سَنَةٍ وفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُلْتَقِطِ أَنْ يَأْكُلَ اللُّقَطَةَ وَيَتَصَرَّفَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ غنيا لإطلاقا الْحَدِيثِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ بِعَيْنِهَا فَهِيَ مكررة وليس في تكرارها فائدة

باب ما جاء في الوقف

36 - (باب ما جاء فِي الْوَقْفِ) [1375] قَوْلُهُ (أَصَابَ عُمَرُ) أَيْ صَادَفَ فِي نَصِيبِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ (أَرْضًا بِخَيْبَرَ) هِيَ الْمُسَمَّاةُ بِثَمَغٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدَ وَثَمَغٌ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمِيمِ وَقِيلَ بِسُكُونِ الْمِيمِ وبعدها عين مُعْجَمَةٌ (لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ) أَيْ قَبْلَ هَذَا أَبَدًا (أَنْفَسَ) أَيْ أَعَزَّ وَأَجْوَدَ وَالنَّفِيسُ الْجَيِّدُ الْمُغْتَبَطُ بِهِ يُقَالُ نَفُسَ بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الْفَاءِ نَفَاسَةً (فَمَا تَأْمُرُنِي) أَيْ فِيهِ فَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ وَأَجْعَلَهُ لِلَّهِ وَلَا أَدْرِي بِأَيِّ طَرِيقٍ أَجْعَلُهُ لَهُ (حَبَّسْتُ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُخَفَّفُ أَيْ وَقَفْتُ (وَتَصَدَّقْتُ بِهَا) أَيْ بِمَنْفَعَتِهَا وَبَيَّنَ ذَلِكَ مَا فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ احْبِسْ أَصْلَهَا وَسَبِّلْ ثَمَرَتَهَا وفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ تَصَدَّقْ بِثَمَرِهِ وَحَبِّسْ أَصْلَهُ قَالَهُ الْحَافِظُ (فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهَا لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ) فِيهِ أَنَّ الشَّرْطَ مِنْ كَلَامِ عُمَرَ وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَدَّقَ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ إِلَخْ وهَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّرْطَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مُنَافَاةَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ عُمَرَ شَرَطَ ذَلِكَ الشَّرْطَ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ فَمِنَ الرُّوَاةِ مَنْ رَفْعِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَفَ عَلَى عُمَرَ لِوُقُوعِهِ مِنْهُ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ الْوَاقِعِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ (تَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ) وفِي الْمِشْكَاةِ وَتَصَدَّقَ بِهَا إِلَخْ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ (وَالْقُرْبَى) تَأْنِيثُ الْأَقْرَبِ كَذَا قِيلَ والْأَظْهَرُ أَنَّهُ بِمَعْنَى الْقَرَابَةِ وَالْمُضَافُ مُقَدَّرٌ ويؤيده قوله تعالى وآت ذا القربى قاله القارىء وقَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُمْ مَنْ ذُكِرَ فِي الْخَمْسِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِمْ قُرْبَى الْوَاقِفِ وَبِهَذَا الثَّانِي جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ (وفِي الرِّقَابِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رَقَبَةٍ وَهُمْ الْمُكَاتَبُونَ أَيْ فِي أَدَاءِ دُيُونِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ الْأَرِقَّاءَ وَيَعْتِقَهُمْ (وفِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ أَوِ الْحَاجُّ قاله القارىء (وبن السبيل) أي ملازمته وَهُوَ الْمُسَافِرُ (وَالضَّيْفُ) هُوَ مَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ يُرِيدُ الْقِرَى (لَا جُنَاحَ) أَيْ لَا إِثْمَ (عَلَى مَنْ وَلِيَهَا) أَيْ قَامَ بِحِفْظِهَا وَإِصْلَاحِهَا (أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ) بِأَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا قدر ما

يَحْتَاجُ إِلَيْهِ قُوتًا وَكِسْوَةً (أَوْ يُطْعِمُ) مِنَ الْإِطْعَامِ (غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ) أَيْ مُدَّخِرٍ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ وَلِيَهَا (قَالَ فَذَكَرْتُهَا لِابْنِ سِيرِينَ) القائل هو بن عَوْنٍ ووَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَحَدَّثْتُ بِهِ بن سِيرِينَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْقَائِلُ هُوَ بن عَوْنٍ بَيَّنَ ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أسامة عن بن عَوْنٍ قَالَ ذَكَرْتُ حَدِيثَ نَافِعٍ لِابْنِ سِيرِينَ فَذَكَرَهُ انْتَهَى (فَقَالَ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا) أَيْ غَيْرَ مُجَمِّعٍ لِنَفْسِهِ مِنْهُ رَأْسَ مَالٍ قَالَ بن الْأَثِيرِ أَيْ غَيْرَ جَامِعٍ يُقَالُ مَالٌ مُؤَثَّلٌ وَمَجْدٌ مُؤَثَّلٌ أَيْ مَجْمُوعٌ ذُو أَصْلٍ وَأَثْلَةُ الشَّيْءِ أَصْلُهُ انْتَهَى وقَالَ الْحَافِظُ التَّأَثُّلُ أَصْلُ الْمَالِ حَتَّى كَأَنَّهُ عِنْدَهُ قَدِيمٌ وَأَثْلَةُ كُلِّ شيء أصله (قال بن عَوْنٍ فَحَدَّثَنِي بِهِ رَجُلٌ آخَرُ إِلَخْ) وَقَعَ في النسخة المطبوعة الأحمدية بن عَوْفٍ بِالْفَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ (فِي قِطْعَةِ أَدِيمٍ أَحْمَرَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْأَدِيمُ الْجِلْدُ أَوْ أَحْمَرُهُ أَوْ مَدْبُوغُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (لَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا فِي إِجَازَةِ وَقْفِ الْأَرْضِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ) وَجَاءَ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ أَنْكَرَ الْحَبْسَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُ وَخَالَفَهُ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ إِلَّا زُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ فَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ عِيسَى بْنِ أَبَانَ قَالَ كَانَ أَبُو يُوسُفَ يُجِيزُ بَيْعَ الْوَقْفِ فَبَلَغَهُ حَدِيثُ عُمَرَ هَذَا فَقَالَ مَنْ سمع هذا من بن عَوْنٍ فَحَدَّثَهُ بِهِ ابْنُ عُلَيَّةَ فَقَالَ هَذَا لَا يَسَعُ أَحَدًا خِلَافُهُ وَلَوْ بَلَغَ أَبَا حَنِيفَةَ لَقَالَ بِهِ فَرَجَعَ عَنْ بَيْعِ الْوَقْفِ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ انْتَهَى كَذَا فِي الْفَتْحِ [1376] قَوْلُهُ (انْقَطَعَ عن عَمَلُهُ) أَيْ أَعْمَالُهُ بِدَلِيلِ الِاسْتِثْنَاءِ وَالْمُرَادُ فَائِدَةُ عَمَلِهِ لِانْقِطَاعِ عَمَلِهِ يَعْنِي لَا يَصِلُ إِلَيْهِ أَجْرٌ وَثَوَابٌ مِنْ شَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ (إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ) فَإِنَّ أَجْرَهَا لَا يَنْقَطِعُ (صَدَقَةٍ جارية

باب ما جاء في العجماء أن جرحها جبار

بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ ثَلَاثٍ قَالَ فِي الْأَزْهَارِ هِيَ الْوَقْفُ وَشَبَهُهُ مِمَّا يَدُومُ نَفْعُهُ (وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ (وَوَلَدٍ صَالِحٍ يدعو له) قال بن الْمَلِكِ قَيَّدَ الْوَلَدَ بِالصَّالِحِ لِأَنَّ الْأَجْرَ لَا يَحْصُلُ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ دُعَاءَهُ تَحْرِيضًا لِلْوَلَدِ عَلَى الدُّعَاءِ لِأَبِيهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 7 - (باب ما جاء في العجماء أن جَرْحُهَا جُبَارٌ) [1377] قَوْلُهُ (الْعَجْمَاءِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ مَمْدُودًا سُمِّيَتْ عَجْمَاءَ لِأَنَّهَا لَا تَتَكَلَّمُ (جُرْحُهَا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا فَبِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالضَّمِّ الِاسْمُ (جُبَارٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ هَدَرٌ لَا شَيْءَ فِيهِ (وَالْبِئْرُ) بِالْهَمْزَةِ وَيُبْدَلُ (جُبَارٌ) فَمَنْ حفر بيرا فِي أَرْضِهِ أَوْ فِي أَرْضِ الْمُبَاحِ وَسَقَطَ فِيهِ رَجُلٌ لَا قَوَدَ وَلَا عَقْلَ عَلَى الحافر وكذلك المعدن قاله القارىء (وَالْمَعْدِنُ جُبَارٌ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فيه وإنما المعنى أن من استأجر لِلْعَمَلِ فِي مَعْدِنٍ مَثَلًا فَهَلَكَ فَهُوَ هَدَرٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى مَنِ اسْتَأْجَرَهُ (وفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ) الرِّكَازُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ وَآخِرُهُ زَايٌ الْمَالُ الْمَدْفُونُ مَأْخُوذٌ مِنَ الرَّكْزِ بِفَتْحِ الرَّاءِ يُقَالُ رَكَزَهُ يَرْكُزُهُ رِكْزًا إِذَا دَفَنَهُ فَهُوَ مَرْكُوزٌ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَعَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (فَالرِّكَازُ مَا وُجِدَ مِنْ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ) بِكَسْرِ الدَّالِ

الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بِمَعْنَى الْمَدْفُونِ كَالذِّبْحِ بِمَعْنَى الْمَذْبُوحِ وأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهُوَ الْمَصْدَرُ وَلَا يُرَادُ هُنَا (فَمَنْ وَجَدَ رِكَازًا أَدَّى مِنْهُ الْخُمْسَ) قال البخاري في صحيحه قال مالك وبن إِدْرِيسَ الرِّكَازُ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْخُمْسُ وَلَيْسَ الْمَعْدِنُ بِرِكَازٍ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَعْدِنِ جُبَارٌ وفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الْخُمْسُ فَهُوَ قَوْلُهُ فِي القديم كما نقله بن الْمُنْذِرِ وَاخْتَارَهُ وأَمَّا فِي الْجَدِيدِ فَقَالَ لَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمْسُ حَتَّى يَبْلُغَ نِصَابَ الزَّكَاةِ الْأَوَّلُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهِيَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَعْدِنِ جُبَارٌ وفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ أَيْ فَغَايَرَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ الْمَعْدِنُ رِكَازٌ مِثْلُ دَفْنِ الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ رُكِزَ الْمَعْدِنُ إِذَا أُخْرِجَ مِنْهُ شَيْءٌ قِيلَ لَهُ فَقَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ له الشيء وربح ربحا كثيرا وكثر تمره أَرَكَزْتَ ثُمَّ نَاقَضَهُ وَقَالَ لَا بَأْسَ أَنَّهُ يَكْتُمُهُ وَلَا يُؤَدِّي الْخُمْسَ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ قوله وقال بعض الناس إلخ قال بن التِّينِ الْمُرَادُ بِبَعْضِ النَّاسِ أَبُو حَنِيفَةَ قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَبَا حَنِيفَةَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْكُوفِيُّينَ مِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ قَالَ بن بَطَّالٍ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُمَا إِلَى أَنَّ الْمَعْدِنَ كَالرِّكَازِ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِقَوْلِ الْعَرَبِ أَرْكَزَ الرَّجُلُ إِذَا أَصَابَ رِكَازًا وَهِيَ قِطَعٌ مِنَ الذَّهَبِ تُخْرَجُ مِنَ الْمَعَادِنِ والْحُجَّةُ لِلْجُمْهُورِ تَفْرِقَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ بِوَاوِ الْعَطْفِ فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُهُ وَقَالَ وَمَا أَلْزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ الْقَائِلَ الْمَذْكُورَ قَدْ يُقَالُ لِمَنْ وُهِبَ لَهُ الشَّيْءُ أَوْ رَبِحَ رِبْحًا كَثِيرًا أَوْ كَثُرَ ثَمَرُهُ أَرْكَزْتَ حُجَّةٌ بَالِغَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الِاشْتِرَاكِ في الأسماء لاشتراك فِي الْمَعْنَى إِلَّا إِنْ أَوْجَبَ لَكَ مَنْ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهُ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمَالَ الْمَوْهُوبَ لَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمْسُ وَإِنْ كَانَ يُقَالُ لَهُ أَرْكَزَ فَكَذَلِكَ الْمَعْدِنُ وأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ نَاقَضَ إِلَخْ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا أَجَازَ لَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَكْتُمَهُ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِمَعْنَى أَنَّهُ يَتَأَوَّلُ أَنَّ لَهُ حَقًّا فِي بَيْتِ الْمَالِ وَنَصِيبًا فِي الْفَيْءِ فَأَجَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْخُمْسَ لِنَفْسِهِ عِوَضًا عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ الْخُمْسَ عَنِ الْمَعْدِنِ انْتَهَى وقَدْ نَقَلَ الطَّحَاوِيُّ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي ذكرها بن بَطَّالٍ وَنُقِلَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ فِي دَارِهِ مَعْدِنًا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وبِهَذَا يَتَّجِهُ اعْتِرَاضُ الْبُخَارِيِّ والْفَرْقُ بَيْنَ الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ فِي الْوُجُوبِ وَعَدَمِهِ أَنَّ الْمَعْدِنَ يَحْتَاجُ إِلَى عَمَلٍ وَمُؤْنَةٍ وَمُعَالَجَةٍ لِاسْتِخْرَاجِهِ بِخِلَافِ الرِّكَازِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الشَّرْعِ أَنَّ مَا غَلُظَتْ مُؤْنَتُهُ خُفِّفَ عَنْهُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ

باب ما ذكر في إحياء أرض الموات

وَمَا خُفِّفَتْ زِيدَ فِيهِ وَقِيلَ إِنَّمَا جُعِلَ فِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ لِأَنَّهُ مَالُ كَافِرٍ فَنُزِّلَ مَنْ وَجَدَهُ مَنْزِلَةَ الْغَنَائِمِ فَكَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِهِ انْتَهَى 8 - (بَاب مَا ذُكِرَ فِي إِحْيَاءِ أَرْضِ الْمَوَاتِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَوَاتُ الْأَرْضُ الَّتِي لَمْ تُزْرَعْ وَلَمْ تُعَمَّرْ وَلَا جَرَى عَلَيْهِ مِلْكُ أَحَدٍ وَإِحْيَاؤُهَا مُبَاشَرَةُ عمارتها وتأثير شيء فيها قوله (من أحيى أَرْضًا مَيِّتَةً) الْأَرْضُ الْمَيِّتَةُ هِيَ الَّتِي لَمْ تُعَمَّرْ شُبِّهَتْ عِمَارَتُهَا بِالْحَيَاةِ وَتَعْطِيلُهَا بِالْمَوْتِ قَالَ الزُّرْقَانِيُّ مَيِّتَةٌ بِالتَّشْدِيدِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَلَا يُقَالُ بِالتَّخْفِيفِ لِأَنَّهُ إِذَا خُفِّفَ تُحْذَفُ مِنْهُ تَاءُ التَّأْنِيثِ وَالْمَيِّتَةُ وَالْمَوَاتُ وَالْمَوْتَانِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْوَاوِ التي لم تعمر سميت بذلك تشبيها لها بِالْمَيِّتَةِ الَّتِي لَا يُنْتَفَعُ بِهَا لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِزَرْعٍ أَوْ غَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ أَوْ نَحْوِهَا انْتَهَى (فَهِيَ لَهُ) أَيْ صَارَتْ تِلْكَ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُ سَوَاءٌ كَانَتْ فِيهَا قُرْبٌ مِنَ الْعُمْرَانِ أَمْ بُعْدٌ سَوَاءٌ أَذِنَ لَهُ الْإِمَامُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَأْذَنْ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بُدَّ مِنْ إِذْنِ الْإِمَامِ مُطْلَقًا وَعَنْ مَالِكٍ فِيمَا قَرُبَ وضَابِطُ الْقُرْبِ مَا بِأَهْلِ الْعُمْرَانِ إِلَيْهِ حَاجَةٌ مِنْ رَعْيٍ وَنَحْوِهِ واحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ لِلْجُمْهُورِ مَعَ حَدِيثِ الْبَابِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَاءِ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ وَمَا يُصْطَادُ مِنْ طَيْرٍ وَحَيَوَانٍ فَإِنَّهُمْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ أَخَذَهُ أَوْ صَادَهُ يَمْلِكُهُ سَوَاءٌ قَرُبَ أَوْ بَعُدَ سَوَاءٌ أَذِنَ الْإِمَامُ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْتُ خَالَفَ أَبَا حَنِيفَةَ صَاحِبَاهُ فَقَالَا بِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنه صح واسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ الْأَرْضُ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ثم لكم من بعدي فمن أحيى شَيْئًا مِنْ مَوْتَاتِ الْأَرْضِ فَلَهُ رَقَبَتُهَا أَخْرَجَهُ بن يُوسُفَ فِي كِتَابِ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَكُلُّ مَا أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْتَصَّ بِهِ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَالْكُبْرَى مَمْنُوعَةٌ لِحَدِيثِ الْبَابِ وَلِقَوْلِهِ في هذا الحديث فمن أحيى شَيْئًا إِلَخْ فَتَفَكَّرْ واسْتُدِلَّ لَهُ أَيْضًا بِحَدِيثِ لَيْسَ لِلْمَرْءِ إِلَّا مَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُ إِمَامِهِ قُلْتُ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ ذِكْرِهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وفِيهِ ضَعْفٌ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ انْتَهَى (وَلَيْسَ لِعِرْقٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهُوَ أَحَدُ عُرُوقِ الشَّجَرَةِ (ظَالِمٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ

فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ بِتَنْوِينِ عِرْقٍ وَظَالِمٍ نَعْتٌ لَهُ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى صَاحِبِ الْعِرْقِ أَيْ لَيْسَ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ أَوِ الَى الْعِرْقِ أَيْ لَيْسَ لِعِرْقٍ ذِي ظُلْمٍ ويُرْوَى بِالْإِضَافَةِ وَيَكُونُ الظَّالِمُ صَاحِبُ الْعِرْقِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْعِرْقِ الأرض وبالأول جزم مالك والشافعي والأزهري وبن فَارِسٍ وَغَيْرُهُمْ وَبَالَغَ الْخَطَّابِيُّ فَغَلَّطَ رِوَايَةَ الْإِضَافَةِ انْتَهَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ إِلَى أَرْضٍ قَدْ أَحْيَاهَا رَجُلٌ قَبْلَهُ فَيَغْرِسَ فِيهَا غَرْسًا غَصْبًا لِيَسْتَوْجِبَ بِهِ الْأَرْضَ وَالرِّوَايَةُ لِعِرْقٍ بِالتَّنْوِينِ وَهُوَ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ لِذِي عِرْقٍ ظَالِمٍ فَجَعَلَ الْعِرْقَ نَفْسَهُ ظَالِمًا وَالْحَقُّ لِصَاحِبِهِ أَوْ يَكُونُ الظَّالِمُ مِنْ صِفَةِ صَاحِبِ الْعِرْقِ وَإِنْ رُوِيَ عِرْقٌ بِالْإِضَافَةِ فَيَكُونُ الظَّالِمُ صَاحِبَ الْعِرْقِ وَالْحَقِّ الْمُعْرِقِ وَهُوَ أَحَدُ عُرُوقِ الشَّجَرَةِ انْتَهَى [1378] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَقَرَّ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ [1379] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا) هَذَا الْمُرْسَلُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَمَالِكٌ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَقَالُوا) أَيْ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمْ (لَهُ) أَيْ يَجُوزُ لِمَنْ أَرَادَ إِحْيَاءَ الْأَرْضِ الْمَيِّتَةِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْيِيَهَا إِلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ محمد رحمه الله في الموطإ أبعد ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ مُرْسَلًا وَأُثِرَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمِثْلِهِ مَا لَفْظُهُ قَالَ محمد وبهذا نأخذ من أحيى أَرْضًا مَيِّتَةً بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَهِيَ لَهُ فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَا يَكُونُ لَهُ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ الْإِمَامُ قَالَ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ إِذَا أَحْيَاهَا أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ تَكُنْ لَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) لَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى ما أخرجه النسائي عنه بلفظ من أحيى أَرْضًا مَيِّتَةً فَلَهُ فِيهَا أَجْرٌ وَمَا أَكَلَتِ الْعَافِيَةُ مِنْهَا فَهُوَ لَهُ صَدَقَةٌ (وَعَمْرِو بْنِ عوف المزني جد كثير) أخرجه

باب ما جاء في القطائع

بن أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَرَوَاهُ بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَأَعَلَّهُ بِكَثِيرٍ وَضَعَّفَهُ عَنْ أحمد والنسائي وبن مَعِينٍ جِدًّا كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ (وَسَمُرَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ قَوْلُهُ (قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيَّ) هُوَ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَاهِلِيُّ مَوْلَاهُمْ الْبَصْرِيُّ الْحَافِظُ الْإِمَامُ الْحُجَّةُ قَالَ أَحْمَدُ مُتْقِنٌ وهُوَ الْيَوْمَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَا أُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنَ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ الْبُخَارِيُّ مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ (قُلْتُ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَغْرِسُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْقَائِلُ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ المثنى (قال) أي أبو الوليد 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقَطَائِعِ) جَمْعُ قَطِيعَةٍ تَقُولُ أَقَطَعْتُهُ أَرْضًا جَعَلْتُهَا لَهُ قَطِيعَةً وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَخُصُّ بِهِ الْإِمَامُ بَعْضَ الرَّعِيَّةِ مِنَ الْأَرْضِ الْمَوَاتِ فَيَخْتَصُّ بِهِ وَيَصِيرُ أَوْلَى بِإِحْيَائِهِ مِمَّنْ لَمْ يَسْبِقْ إِلَى إِحْيَائِهِ وَاخْتِصَاصُ الْإِقْطَاعِ بِالْمَوَاتِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيَّةِ وحَكَى عِيَاضٌ أَنَّ الْإِقْطَاعَ تَسْوِيغُ الْإِمَامِ مِنْ مَالِ اللَّهِ شَيْئًا لِمَنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ قَالَ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ الْأَرْضُ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا لِمَنْ يَرَاهُ مَا يُجَوِّزُهُ إِمَّا بِأَنْ يُمَلِّكَهُ إِيَّاهُ فَيُعَمِّرَهُ وَإِمَّا بِأَنْ يَجْعَلَ لَهُ غَلَّتَهُ مُدَّةً انْتَهَى كَذَا فِي الْفَتْحِ [1380] قَوْلُهُ (قُلْتُ لِقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ قَيْسٍ) قَرَأَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى شَيْخِهِ قُتَيْبَةَ بِالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ وَهَذَا أَحَدُ وُجُوهِ التَّحَمُّلِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي تَدْرِيبِ الرَّاوِي وَإِذَا قَرَأَ عَلَى الشَّيْخِ قَائِلًا أَخْبَرَكَ فُلَانٌ أَوْ نَحْوَهُ كَمَا قُلْتَ أَخْبَرَنَا فُلَانٌ وَالشَّيْخُ مُصْغٍ إِلَيْهِ فَاهِمٌ لَهُ غَيْرُ مُنْكِرٍ وَلَا مُقِرِّ لَفْظٍ صَحَّ السَّمَاعُ وَجَازَتِ الرِّوَايَةُ بِهِ اكْتِفَاءً بِالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ نُطْقُ الشَّيْخِ بِالْإِقْرَارِ كَقَوْلِهِ نَعَمْ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِ الْفُنُونِ وَشَرَطَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيَّةِ وَالظَّاهِرِيِّينَ نُطْقَهُ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ السُّيُوطِيِّ قُلْتُ قَدْ أَقَرَّ قُتَيْبَةُ بَعْدَ قِرَاءَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَيْهِ وَنَطَقَ بِقَوْلِهِ نَعَمْ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (الْمَأْرِبِيُّ) مَنْسُوبٌ إِلَى مَأْرِبَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وكسر الراء وقيل

بفتحها موضع باليمين (عَنْ ثُمَامَةَ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ (بْنِ شَرَاحِيلَ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (عَنْ سُمَيٍّ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وفتح الميم وتشديد الياء (بن قَيْسٍ) قَالَ الْحَافِظُ مَجْهُولٌ (عَنْ شُمَيْرٍ) بِضَمِّ الشين المعجمة وفتح الميم مصغرا بن عَبْدِ الدَّارِ الْيَمَامِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ (وَفَدَ) أَيْ قَدِمَ (اسْتَقْطَعَهُ) أَيْ سَأَلَهُ أَنْ يُقَطِّعَ إِيَّاهُ (الْمِلْحَ) أَيْ مَعْدِنَ الْمِلْحِ (فَقَطَّعَ لَهُ) لِظَنِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يُخْرِجَ مِنْهُ الْمِلْحَ بِعَمَلٍ وَكَدٍّ (فَلَمَّا أَنْ وَلَّى) أَيْ أَدْبَرَ (قَالَ رَجُلٌ مِنَ المجلس) وهو الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَقِيلَ إِنَّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ (الْمَاءَ الْعِدَّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ الدَّائِمُ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ وَالْعِدُّ الْمُهَيَّأُ (قَالَ) أي الرجل قال بن الملك والظاهر أنه أبيض الراوي قال القارىء الْأَظْهَرُ أَنَّ فَاعِلَ قَالَ هُوَ الرَّجُلُ وَإِلَّا فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَهُ فَرَجَعَهُ مِنِّي انْتَهَى قُلْتُ عِنْدِي أَنَّ فَاعِلَ قَالَ هُوَ شُمَيْرٌ الرَّاوِي عَنْ أَبْيَضَ فَتَفَكَّرْ (قَالَ أَيْ شُمَيْرٌ) الرَّاوِي (وَسَأَلَهُ) أَيْ الرَّجُلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ أَيْ سَأَلَ أَبْيَضُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ الظَّاهِرُ عِنْدِي هُوَ مَا قَالَ الشَّيْخُ (عَنْ مَا يُحْمَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْأَرَاكِ بَيَانٌ لِمَا وَهُوَ الْقُطَعَة مِنَ الْأَرْضِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْأَرْضُ الَّتِي فِيهَا الْأَرَاكُ قَالَ الْمُظْهِرُ الْمُرَادُ مِنَ الْحِمَى هُنَا الْإِحْيَاءُ إِذِ الْحِمَى الْمُتَعَارَفُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَخُصَّهُ (مَا لَمْ تَنَلْهُ) بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ لَمْ تَصِلْهُ خِفَافُ الْإِبِلِ مَعْنَاهُ مَا كَانَ بِمَعْزِلٍ مِنَ الْمَرَاعِي وَالْعِمَارَاتِ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِحْيَاءَ لَا يَجُوزُ بِقُرْبِ الْعِمَارَةِ لِاحْتِيَاجِ أَهْلِ الْبَلَدِ إِلَيْهِ لِرَعْيِ مَوَاشِيهِمْ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ تَنَلْهُ خِفَافُ الْإِبِلِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ الْخِفُّ الْجَمَلُ الْمُسِنُّ والْمَعْنَى أَنَّ مَا قَرُبَ مِنَ الْمَرْعَى لَا يُحْمَى بَلْ يُتْرَكُ لِمُسَانِّ الْإِبِلِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الضِّعَافِ الَّتِي لَا تَقْوَى عَلَى الْإِمْعَانِ فِي طَلَبِ الْمَرْعَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمُهُ اللَّهُ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يُحْمَى مَا تَنَالُهُ الْأَخْفَافُ وَلَا شَيْءَ مِنْهَا إِلَّا وَتَنَالُهُ الْأَخْفَافُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قوله (فأقربه وَقَالَ نَعَمْ) هَذَا مُتَعَلِّقٌ

باب ما جاء في فضل الغرس

بِقَوْلِهِ قُلْتُ لِقُتَيْبَةَ بْنِ سَعِيدٍ حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى إِلَخْ أَيْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لِشَيْخِهِ قُتَيْبَةَ حَدَّثَكُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى إِلَخْ فَأَقَرَّ بِهِ قُتَيْبَةُ وَقَالَ نَعَمْ وهَذَا أَحَدُ وُجُوهِ التَّحَمُّلِ وقَدْ مَرَّ تَفْصِيلُهُ فِي ابْتِدَاءِ الْكِتَابِ في شرح قوله فأقربه الشَّيْخُ الثِّقَةُ الْأَمِينُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ وَائِلٍ وَأَسْمَاءَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ) أَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْطَعَ لِلزُّبَيْرِ نَخِيلًا قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبْيَضَ بْنِ حَمَّالٍ حديث حسن غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ [1381] قَوْلُهُ (أَقْطَعَهُ) أَيْ أَعْطَى وَاثِلًا (أَرْضًا بِحَضْرَمَوْتَ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الضَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمِيمِ اسْمُ بَلَدٍ بِالْيَمَنِ وهُمَا اسْمَانِ جُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا فَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ بِالْعَلَمِيَّةِ وَالتَّرْكِيبِ وقَالَ فِي الْقَامُوسِ بِضَمِّ الْمِيمِ بَلَدٌ وَقَبِيلَةٌ (وَبَعَثَ لَهُ) أَيْ مَعَ وَائِلٍ (معاوية) الظاهر أن المراد به هو بن الحاكم السلمى وبن جَاهِمَةَ السُّلَمِيُّ وأَمَّا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ وَأَبُوهُ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ ثُمَّ هُوَ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ فَهُوَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِلْمَرَامِ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقُ هَذَا الِاسْمِ يَنْصَرِفُ إِلَيْهِ في كل مقام قاله القارىء قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْغَرْسِ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ قَالَ فِي الصُّرَاحِ غَرَسَ بِالْفَتْحِ نشاندن درخت [1382] قَوْلُهُ (يَغْرِسُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ غَرَسَ الشَّجَرَ يَغْرِسُهُ أَثْبَتَهُ فِي الْأَرْضِ كَأَغْرَسَهُ وَالْغَرْسُ

باب ما جاء في المزارعة

الْمَغْرُوسُ (أَوْ يَزْرَعُ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لِأَنَّ الزَّرْعَ غَيْرُ الْغَرْسِ (زَرْعًا) نَصَبَهُ وَكَذَا نَصَبَ غَرْسًا عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ أَوْ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (فَيَأْكُلُ مِنْهُ) أَيْ مِمَّا ذُكِرَ مِنَ الْمَغْرُوسِ أَوْ الْمَزْرُوعِ (إِنْسَانٌ) وَلَوْ بِالتَّعَدِّي (أَوْ طَيْرٌ أَوْ بَهِيمَةٌ) أَيْ وَلَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ (إِلَّا كَانَتْ لَهُ صَدَقَةٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ الرِّوَايَةُ بِرَفْعِ الصَّدَقَةِ عَلَى أن كانت تامة انتهى قال القارىء وفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى الْمَأْكُولِ وَأُنِّثَ لِتَأْنِيثِ الْخَبَرِ انْتَهَى والْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ وفِيهِ وَمَا سُرِقَ مِنْهُ لَهُ صَدَقَةٌ وفِي رِوَايَةٍ لَهُ عَنْهُ لَا يَغْرِسُ مُسْلِمٌ غَرْسًا فَيَأْكُلَ مِنْهُ إِنْسَانٌ وَلَا دَابَّةٌ وَلَا طَيْرٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَا مِنْ رَجُلٍ يَغْرِسُ غَرْسًا إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ مِنَ الْأَجْرِ قَدْرَ مَا يَخْرُجُ مِنْ ذَلِكَ الْغَرْسِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ اللَّيْثِيَّ (وَأُمِّ مُبَشِّرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الشِّينِ الْمُشَدَّدَةِ صَحَابِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ امْرَأَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَحَدِيثُهَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَزَيْدِ بْنِ خالد) لينظر من أخرجه وفي الباب عن أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ فِي بَابِ الزَّرْعِ وَغَرْسِ الْأَشْجَارِ الْمُثْمِرَةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 1 - (باب ما جاء فِي الْمُزَارَعَةِ) الْمُزَارَعَةُ هِيَ أَنْ يُعَامِلَ إِنْسَانًا عَلَى أَرْضٍ لِيَتَعَهَّدَهَا بِالسَّقْيِ وَالتَّرْبِيَةِ عَلَى أَنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْحُبُوبِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ والْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ كَالنِّصْفِ وَالرُّبُعِ وَالثُّلُثِ [1383] قَوْلُهُ (عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ) وَهُمْ يُهَوَّدُ خَيْبَرَ وَهُوَ موضع قريب الْمَدِينَةِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ (بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ) أَيْ بِنِصْفِهِ فَالشَّطْرُ هُنَا بِمَعْنَى النِّصْفِ وَقَدْ يَأْتِي بِمَعْنَى النَّحْوِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام أَيْ نَحْوَهُ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ خَيْبَرَ يَعْنِي مِنْ نَخْلِهَا وَزَرْعِهَا والْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْمُزَارَعَةِ بِالْجُزْءِ الْمَعْلُومِ مِنْ نِصْفٍ أَوْ رُبْعٍ أَوْ ثُمْنٍ وَهُوَ الْحَقُّ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عن أنس

لينظر من أخرجه (وبن عَبَّاسٍ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ خَيْبَرَ أَرْضَهَا وَنَخْلَهَا مُقَاسَمَةً عَلَى النِّصْفِ أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ (وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَسَيَأْتِي لَفْظُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ (وَجَابِرٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَرَوْا بِالْمُزَارَعَةِ بَأْسًا عَلَى النِّصْفِ وَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ إِلَخْ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ الْمُسَاقَاةُ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ أَشْجَارَهُ إِلَى غَيْرِهِ لِيَعْمَلَ فِيهِ وَيُصْلِحَهَا بِالسَّقْيِ وَالتَّرْبِيَةِ عَلَى سَهْمٍ مُعَيَّنٍ كَنِصْفٍ أَوْ ثُلُثٍ وَالْمُزَارَعَةُ عَقْدٌ عَلَى الْأَرْضِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ كَذَلِكَ والْمُسَاقَاةُ تَكُونُ فِي الْأَشْجَارِ وَالْمُزَارَعَةُ فِي الْأَرَاضِي وَحُكْمُهَا وَاحِدٌ وَهُمَا فَاسِدَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وعِنْدَ صَاحِبَيْهِ وَالْآخَرِينَ مِنَ الْأَئِمَّةِ جَائِزٌ وقِيلَ لَا نَرَى أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنَعَ عَنْهُمَا إِلَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَقِيلَ زُفَرُ مَعَهُ وقَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَالدَّلِيلُ لِلْأَئِمَّةِ مَا روي أن النبي صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَهِيَ الْمُزَارَعَةُ انْتَهَى كَلَامُهُ قُلْتُ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنِ الْمُخَابَرَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّنْزِيهِ أَوْ عَلَى مَا إِذَا اشْتَرَطَ صَاحِبُ الْأَرْضِ نَاحِيَةً مِنْهَا مُعَيَّنَةً كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَمَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ الْمُطْلَقِ عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُزَارَعَةِ يُحْمَلُ عَلَى مَا فِيهِ مَفْسَدَةٌ كَمَا بَيَّنَتْهُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اجْتِنَابِهَا نَدْبًا وَاسْتِحْبَابًا فَقَدْ جَاءَ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُزَارَعَةِ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ بَلْ هُوَ لِلتَّنْزِيهِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى هَذَا كَلَامٌ حَسَنٌ وَلَا بُدَّ مِنَ الْمَصِيرِ إِلَيْهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ وهُوَ الَّذِي رَجَّحْنَاهُ فِيمَا سَلَفَ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ هُوَ عُمْدَةُ مَنْ أَجَازَ الْمُزَارَعَةَ وَالْمُخَابَرَةَ لِتَقْرِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ وَاسْتِمْرَارِهِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ إِلَى أَنْ أَجْلَاهُمْ عُمَرُ وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَجَمِيعِ الشَّجَرِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُثْمِرَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ مِنَ الثَّمَرَةِ وبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَخَصَّهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ بِالنَّخْلِ وَالْكَرْمِ وَأُلْحِقَ الْمُقْلُ بِالنَّخْلِ لِشَبَهِهِ بِهِ وَخَصَّهُ أَبُو دَاوُدَ بِالنَّخْلِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ لَا يَجُوزُ بِحَالٍ لِأَنَّهَا إِجَارَةٌ بِثَمَرَةٍ مَعْدُومَةٍ أَوْ مَجْهُولَةٍ وأَجَابَ مَنْ جَوَّزَهُ بِأَنَّهُ عَقْدٌ عَلَى عَمَلٍ فِي الْمَالِ بِبَعْضِ نَمَائِهِ فَهُوَ كَالْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَعْمَلُ فِي الْمَالِ بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهِ وَهُوَ مَعْدُومٌ وَمَجْهُولٌ وَقَدْ صَحَّ عَقْدُ الْإِجَارَةِ مَعَ أَنَّ الْمَنَافِعَ مَعْدُومَةٌ فَكَذَلِكَ هُنَا وَأَيْضًا فَالْقِيَاسُ فِي إِبْطَالِ نَصٍّ أَوِ إِجْمَاعٍ مَرْدُودٍ وأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ قِصَّةِ خَيْبَرَ بِأَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا وَأَقَرُّوا عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ مِلْكُهُمْ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطَوْا نِصْفَ الثَّمَرَةِ فَكَانَ ذَلِكَ يُؤْخَذُ بِحَقِّ الْجِزْيَةِ فَلَا يدل على

باب من المزارعة

جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ مُعْظَمَ خَيْبَرَ فُتِحَ عنوة وبأن كثيرا منها قسم بين العانمين وَبِأَنَّ عُمَرَ أَجْلَاهُمْ مِنْهَا فَلَوْ كَانَتِ الْأَرْضُ مِلْكَهُمْ مَا أَجْلَاهُمْ عَنْهَا واسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَهُ فِي جَمِيعِ الثَّمَرِ بِأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ الْبَابِ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ نَخْلٍ وَشَجَرٍ وفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ عَلَى أَنَّ لَهُمُ الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ زَرْعٍ وَنَخْلٍ وَشَجَرٍ انْتَهَى (وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْبَذْرُ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ) أَيْ مَالِكِهَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ يَعْنِي بِحَدِيثِ الْبَابِ عَلَى جَوَازِ الْبَذْرِ مِنَ الْعَامِلِ أَوْ الْمَالِكِ لِعَدَمِ تَقْيِيدِهِ فِي الْحَدِيثِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ واحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ بِأَنَّ الْعَامِلَ حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ بَاعَ الْبَذْرَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ بِمَجْهُولٍ مِنَ الطَّعَامِ نَسِيئَةً وَهُوَ لَا يَجُوزُ وأَجَابَ مَنْ أَجَازَهُ بِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ نَسِيئَةً جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إِلْغَاءِ أَحَدِهِمَا انْتَهَى (وَهُوَ قَوْلُ مالك بن أنس والشافعي) والراجح أَنَّ الْمُزَارَعَةَ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَالْمُسَاقَاةُ بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ كِلَاهُمَا جَائِزٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ كَمَا عَرَفْتَ (وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنَ الْمُزَارَعَةِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَبَالَغَ رَبِيعَةُ فقال لا يجوز كراءها إِلَّا بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ وقَالَ طَاوُسٌ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ مُطْلَقًا وَذَهَبَ إليه بن حَزْمٍ وَقَوَّاهُ وَاحْتَجَّ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى 2 - (بَاب مِنْ الْمُزَارَعَةِ) [1384] قَوْلُهُ (أَنْ يُعْطِيَهَا) أَيْ نَهَى عَنْ أَنْ يُعْطِيَهَا (بَعْضَ خَرَاجِهَا) أَيْ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ (أَوْ بِدَرَاهِمَ) احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ جَوَازِ كِرَاءِ الْأَرْضِ مُطْلَقًا لَكِنْ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِبَعْضِ خَرَاجِهَا أَوْ بِدَرَاهِمَ فَقَدْ أَعَلَّهُ النَّسَائِيُّ بأن مجاهدا لم يسعه من رافع قال الحافظ

ورواية أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ فِي حِفْظِهِ مَقَالٌ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْهُ عَنْ شَيْخِهِ فِيهِ فَلَمْ يَذْكُرِ الدَّرَاهِمَ وقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي حَدِيثِهِ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ ذَهَبٌ وَلَا فِضَّةٌ انْتَهَى (فَلْيَمْنَحْهَا) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَيَجُوزُ كَسْرُ النُّونِ وَالْمُرَادُ يَجْعَلُهَا مَنِيحَةً وَعَارِيَةً أَيْ لِيُعْطِهَا مَجَّانًا (أَخَاهُ) لِيَزْرَعَهَا هُوَ (أَوْ لِيُزْرِعْهَا) أَيْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ [1385] قَوْلُهُ (لَمْ يُحَرِّمِ الْمُزَارَعَةَ إِلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي حَدِيثِ النَّهْيِ عَنِ الْمُزَارَعَةِ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ بَلْ لِلتَّنْزِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ ويَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عمرو بن دينار قال قلت لطاؤوس لَوْ تَرَكْتَ الْمُخَابَرَةَ فَإِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهَا فَقَالَ إن أعلمهم يعني بن عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا وقَالَ لَأَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا (لَكِنْ أَمَرَ أَنْ يَرْفُقَ) مِنَ الرِّفْقِ وَهُوَ اللُّطْفُ مِنْ بَابِ نَصَرَ قَالَ فِي الصُّرَاحِ رَفِقَ بِالْكَسْرِ نرمي كَردن ضد العنف صلته بِالْبَاءِ انْتَهَى وقَالَ فِي الْقَامُوسِ الرِّفْقُ بِالْكَسْرِ مَا اسْتُعِينَ بِهِ رَفِقَ بِهِ وَعَلَيْهِ مُثَلَّثَةٌ رِفْقًا وَمَرْفِقًا كَمَجْلِسٍ وَمَقْعَدٍ وَمِنْبَرٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظٍ آخَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَا وَاللَّهِ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ إِنَّمَا أَتَى رَجُلَانِ قَدِ اقْتَتَلَا فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنْ كَانَ هَذَا شَأْنُكُمْ فَلَا تُكْرُوا طَرِيقَ الْمَزَارِعِ فَسَمِعَ رَافِعٌ قَوْلَهُ لَا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ وهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ رَافِعٍ حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ إِلَخْ) رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ حَدِيثَ رَافِعٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ بَعْضُهَا مُخْتَصِرَةٌ وَبَعْضُهَا مُطَوَّلَةٌ وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَالنِّصْفِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي قَدِ اسْتَظْهَرَ الْبُخَارِيُّ لِحَدِيثِ رَافِعٍ بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَادًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ رَافِعٍ فَرْدٌ وَأَنَّهُ مُضْطَرِبٌ وأَشَارَ إِلَى صِحَّةِ الطَّرِيقَيْنِ عَنْهُ حَيْثُ رَوَى عَنْ عَمِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ رَوَى عَنْ عَمِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ رِوَايَتَهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ كِرَاءِ الْأَرْضِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ عَمِّهِ مفسرة للمراد وهو ما بينه بن عَبَّاسٍ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ إِرَادَةِ الرِّفْقِ وَالتَّفْضِيلِ وَأَنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ انْتَهَى

14 - أبواب الديات

14 - أبواب الدِّيَاتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الديات جمع دية قال في الغرب الدية مصدر ودي القاتل والمقتول إِذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النفس ثم قيس لِذَلِكَ الْمَالِ الدِّيَةُ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ ولِذَا جُمِعَتْ وَهِيَ مِثْلُ عِدَّةٍ فِي حَذْفِ الْفَاءِ قَالَ الشُّمُّنِيُّ وَأَصْلُ هَذَا اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى الْجَرْيِ وَمِنْهُ الْوَادِي لِأَنَّ الْمَاءَ يَدِي فِيهِ أَيْ يَجْرِي وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى ودية مسلمة إلى أهله وَبِالسُّنَّةِ وَهِيَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْجُمْلَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ وَدَيْتُ الْقَتِيلَ أَدِيهِ دِيَةً إِذَا أَعْطَيْتُ دِيَتَهُ وَاتَّدَيْتُهُ أَيْ أَخَذْتُ ديته انتهى (بَاب مَا جَاءَ فِي الدِّيَةِ كَمْ هِيَ من الابل) [1386] قَوْلُهُ (عَنْ خِشْفٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ المعجمتين وبالفاء (بن مَالِكٍ) الطَّائِيِّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (فِي دِيَةِ الْخَطَأِ) أَيْ فِي دِيَةِ قَتْلِ الْخَطَأِ اعْلَمْ أَنَّ الْقَتْلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَشِبْهِ عَمْدٍ وإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاهِيرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَجَعَلُوا فِي الْعَمْدِ الْقِصَاصَ وفِي الْخَطَأِ الدِّيَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ وفِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَهُوَ مَا كَانَ بِمَا مِثْلُهُ لَا يُقْتَلُ

فِي الْعَادَةِ كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْإِبْرَةِ مَعَ كَوْنِهِ قَاصِدًا لِلْقَتْلِ دِيَةً مُغَلَّظَةً وهِيَ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا وقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَغَيْرُهُمَا إِنَّ الْقَتْلَ ضَرْبَانِ عَمْدٌ وَخَطَأٌ فَالْخَطَأُ مَا وَقَعَ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ أَوْ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ أَوْ غَيْرِ قَاصِدٍ لِلْمَقْتُولِ أَوْ لِلْقَتْلِ بِمَا مِثْلُهُ لَا يُقْتَلُ فِي الْعَادَةِ وَالْعَمَلُ مَا عَدَاهُ وَالْأَوَّلُ لَا قَوَدَ فِيهِ والثَّانِي فِيهِ الْقَوَدُ ولَا يَخْفَى أَنَّ الْأَحَادِيثَ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ صَالِحَةٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا وَإِيجَابُ دِيَةٍ مُغَلَّظَةٍ عَلَى فَاعِلِهِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ (عِشْرِينَ ابْنَةَ مَخَاضٍ) هِيَ الَّتِي تَطْعَنُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْإِبِلِ (وَعِشْرِينَ بَنِي مَخَاضٍ ذُكُورًا) بِالنَّصْبِ كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وفِي الْمِشْكَاةِ ذكور بالجر قال القارىء بِالْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ كَمَا فِي الْمَثَلِ جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ كَذَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَشَرْحِ السُّنَّةِ وَبَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ وفِي بَعْضِهَا ذكورا بالنصب وهو ظاهر انتهى كلام القارىء فَظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ هَذَا أَنَّ نُسْخَةَ التِّرْمِذِيِّ التي كانت عند القارىء كَانَ فِيهَا ذُكُورٍ بِالْجَرِّ (وَعِشْرِينَ بِنْتَ لَبُونٍ) قال في مجمع البحار بنت اللبون وبن اللَّبُونِ وَهُوَ مِنَ الْإِبِلِ مَا أَتَى عَلَيْهِ سَنَتَانِ وَدَخَلَ فِي الثَّالِثَةِ فَصَارَتْ أُمُّهُ لَبُونًا أَيْ ذَاتَ لَبَنٍ بِوَلَدٍ آخَرَ (وَعِشْرِينَ جَذَعَةً) هُوَ مِنَ الْإِبِلِ مَا تَمَّ لَهُ أَرْبَعُ سِنِينَ (وَعِشْرِينَ حِقَّةً) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ القاف وهي الداخلة في الرابعة قوله (وأبو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْعِجْلِيُّ الْكُوفِيُّ قَاضِي الْمَدَائِنِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ بِلَفْظِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ خَطَأً فَدِيَتُهُ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ ثَلَاثُونَ بِنْتِ مَخَاضٍ وَثَلَاثُونَ بِنْتِ لَبُونٍ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَعَشَرَةُ بَنِي لَبُونٍ ذُكُورٌ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَمَنْ دُونَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ ثِقَاتٌ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ رَاشِدٍ الْمَكْحُولِيَّ وقد وثقه أحمد وبن معين والنسائي وضعفه بن حِبَّانَ وَأَبُو زُرْعَةَ وقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ لَا أَعْرِفُ أَحَدًا قَالَ بِهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ قوله (حديث بن مَسْعُودٍ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مَوْقُوفًا) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السنن والبزار والدارقطني والبيهقي من حديث بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا لَكِنْ فِيهِ بَنِي مَخَاضٍ بَدَلَ بن لَبُونٍ وَبَسَطَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْقَوْلَ فِي السُّنَنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا وفِيهِ عِشْرُونَ بَنِي لَبُونٍ وقَالَ هَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ وضَعَّفَ الْأَوَّلَ مِنْ أَوْجُهٍ عَدِيدَةٍ وَقَوَّى رِوَايَةَ أَبِي عُبَيْدَةَ بِمَا رواه عن ابراهيم النخعي عن

بن مَسْعُودٍ عَلَى وَفْقِهِ وتَعَقَّبَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ وَهِمَ فِيهِ وَالْجَوَادُ قَدْ يَعْثِرُ قَالَ وَقَدْ رَأَيْتُهُ فِي جَامِعِ سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَعِنْدَ الْجَمِيعِ بَنِي مَخَاضٍ قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ وَقَدْ رَدَّ عَلَى نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ وَقَدْ رأيته في كتاب بن خُزَيْمَةَ وَهُوَ إِمَامٌ مِنْ رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ بَنِي لَبُونٍ كَمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فَانْتَفَى أَنْ يَكُونَ الدَّارَقُطْنِيُّ غَيَّرَهُ فَلَعَلَّ الْخِلَافَ فِيهِ مِنْ فَوْقٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تؤخذ في ثلاث سنين) روى بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ أَوَّلُ مَنْ فَرَضَ الْعَطَاءَ عُمَرُ وفَرَضَ فِيهِ الدية كاملة في ثلاث سنين ثلثا الدِّيَةِ فِي سَنَتَيْنِ وَالنِّصْفُ فِي سَنَتَيْنِ وَالثُّلُثُ فِي سَنَةٍ وَمَا دُونَ ذَلِكَ فِي عَامِهِ وأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقٍ عَنْ عُمَرَ كَذَا فِي الدِّرَايَةِ ولَفْظُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي طَرِيقٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَعَلَ الدِّيَةَ الْكَامِلَةَ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَجَعَلَ نِصْفَ الدِّيَةِ فِي سَنَتَيْنِ وَمَا دُونَ النِّصْفِ فِي سَنَةٍ وَلَفْظُهُ فِي طَرِيقٍ أُخْرَى إِنَّ عُمَرَ جَعَلَ الدِّيَةَ فِي الْأَعْطِيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَالنِّصْفَ وَالثُّلُثَيْنِ فِي سَنَتَيْنِ وَالثُّلُثَ فِي سَنَةٍ وَمَا دُونَ الثُّلُثِ فَهُوَ فِي عَامِهِ وَلَفْظُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَقَضَى بِالدِّيَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وفِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ فِي عَطِيَّاتِهِمْ وقَضَى بِالثُّلُثَيْنِ فِي سَنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ فِي سَنَةٍ وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ فَهُوَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ (وَرَأَوْا أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ عَلَى الْعَاقِلَةِ) بكسر القاف جمع عاقل وهو رافع الدِّيَةِ وَسُمِّيَتِ الدِّيَةُ عَقْلًا تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ لِأَنَّ الْإِبِلَ كَانَتْ تُعْقَلُ بِفِنَاءِ وَلِيِّ الْقَتِيلِ ثُمَّ كَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ حَتَّى أُطْلِقَ الْعَقْلُ عَلَى الدِّيَةِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ إِبِلًا وعَاقِلَةُ الرَّجُلِ قَرَابَاتُهُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَهُمْ عَصَبَتُهُ وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَعْقِلُونَ الْإِبِلَ عَلَى بَابِ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ وَتَحَمُّلُ الْعَاقِلَةِ الدِّيَةَ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ وأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ تعالى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) لَكِنَّهُ خَصَّ مِنْ عُمُومِهَا ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ لِأَنَّ الْقَاتِلَ لَوْ أُخِذَ بِالدِّيَةِ لَأَوْشَكَ أَنْ تَأْتِيَ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ لِأَنَّ تَتَابُعَ الْخَطَأِ مِنْهُ لَا يُؤْمَنُ وَلَوْ تُرِكَ بِغَيْرِ تَغْرِيمٍ لَأُهْدِرَ دَمُ الْمَقْتُولِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السِّرُّ فِيهِ أَنَّهُ لَوْ أُفْرِدَ بِالتَّغْرِيمِ حَتَّى يَفْتَقِرَ لِآلِ الْأَمْرِ إِلَى الْإِهْدَارِ بَعْدَ الِافْتِقَارِ فَجُعِلَ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ احْتِمَالَ فَقْرِ الْوَاحِدِ أَكْثَرُ مِنَ احْتِمَالِ فَقْرِ الْجَمَاعَةِ وَلِأَنَّهُ إِذَا تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ كَانَ تَحْذِيرُهُ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ جَمَاعَةٍ أَدْعَى إِلَى الْقَبُولِ مَعَ تَحْذِيرِهِ نَفْسَهُ والْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ

تَعَالَى وعَاقِلَةُ الرَّجُلِ عَشِيرَتُهُ فَيُبْدَأُ بِفَخْذِهِ الْأَدْنَى فَإِنْ عَجَزُوا ضُمَّ إِلَيْهِمْ الْأَقْرَبُ إِلَيْهِمْ وهِيَ عَلَى الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ أُولِي الْيَسَارِ مِنْهُمْ انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا الدِّيَةُ عَلَى الرِّجَالِ دون النساء والصبيان من العصبة) قال فِي الْهِدَايَةِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ وَلَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ عَقْلٌ لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَعْقِلُ مَعَ الْعَاقِلَةِ صَبِيٌّ وَلَا امْرَأَةٌ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ غَرِيبٌ انْتَهَى وقَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ لَمْ أَجِدْهُ انْتَهَى قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلِأَنَّ الْعَقْلَ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ لِتَرْكِهِمْ مُرَاقَبَتَهُ وَالنَّاسُ لَا يَتَنَاصَرُونَ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَلِهَذَا لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ مَا هُوَ خَلَفٌ عَنِ النُّصْرَةِ وَهُوَ الْجِزْيَةُ انْتَهَى (وَيُحَمَّلُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّحْمِيلِ (كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رُبْعُ دِينَارٍ وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى نِصْفِ دِينَارٍ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَتُقْسَمُ عَلَيْهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا يُزَادُ الْوَاحِدُ عَلَى أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَيُنْقَصُ مِنْهَا كَذَا ذَكَرُهُ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ وقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ جَمِيعِ الدِّيَةِ فِي الثَّلَاثِ سِنِينَ عَلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ إلا درهما أو درهما وَثُلُثُ دِرْهَمٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ دِينَارٍ لأنه صلة فيعتبر بِالزَّكَاةِ وَأَدْنَاهَا ذَلِكَ إِذْ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ عِنْدَهُمْ نِصْفُ دِينَارٍ انْتَهَى (فَإِنْ تَمَّتِ الدِّيَةُ) أَيْ فَبِهَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَتِمَّ الدِّيَةُ (نُظِرَ إِلَى أَقْرَبِ الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ فَأُلْزِمُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِلْزَامِ قَوْلُهُ (مَنْ قَتَلَ) بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ (دُفِعَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ الْقَاتِلُ (وَهِيَ ثَلَاثُونَ حِقَّةً) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ مِنَ الْإِبِلِ مَا دَخَلَتْ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ لِأَنَّهَا اسْتَحَقَّتِ الرُّكُوبَ وَالْحَمْلَ (وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً) بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ مَا دَخَلَتْ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ (وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا فَاءٌ وَهِيَ الْحَامِلُ وَتُجْمَعُ خِلْفَاتٌ وَخَلَائِفُ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا (وَذَلِكَ لِتَشْدِيدِ الْعَقْلِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ أَيْ الدِّيَةِ قَوْلُهُ

باب ما جاء في الدية كم هي من الدراهم

(حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدِيثٌ حَسَنٌ غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَكَتَ عَنْهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي الدِّيَةِ كَمْ هِيَ مِنْ الدَّرَاهِمِ) [1387] قَوْلُهُ (إِنَّهُ جَعَلَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا) أَيْ مِنَ الدَّرَاهِمِ قَوْلُهُ (وفِي حديث بن عُيَيْنَةَ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا) رَوَى أَبُو داود من سنته عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَدِيٍّ قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اخْتَلَفُوا فِي الْفِضَّةِ فَذَهَبَ الْهَادِي وَالْمُؤَيَّدُ بِاللَّهِ إِلَى أَنَّهَا عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ في قول له إلى أنها اثني عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ انْتَهَى واسْتُدِلَّ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَغَيْرُهُمَا بِحَدِيثِ الْبَابِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِ مِائَةَ دِينَارٍ أَوْ ثَمَانِيَةَ آلَافِ درهم الحديث ولا يخفى أن حديث بن عَبَّاسٍ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ فِيهِ إِثْبَاتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَهَا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَهُوَ مُثْبَتٌ فَيُقَدَّمُ عَلَى النَّافِي كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَكَثْرَةُ طُرُقِهِ تَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ وَالرَّفْعُ زِيَادَةٌ إِذَا وَقَعَتْ مِنْ طَرِيقِ ثِقَةٍ تَعَيَّنَ الْأَخْذُ بِهَا انْتَهَى (وَرَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ الدِّيَةَ عَشْرَةَ آلَافٍ) أَيْ مِنَ الدَّرَاهِمِ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ

باب ما جاء في الموضحة

الْكُوفَةِ) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشْرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الدِّرَايَةِ لَمْ أَجِدْهُ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الحسن في الاثار موقوفا وكذلك بن أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَعْرِفُ الدِّيَةَ إِلَّا مِنَ الْإِبِلِ وَهِيَ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ) اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وفِيهِ وَإِنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ الْحَدِيثُ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ أَنْوَاعِ الدِّيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْوُجُوبِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ القاسم بن إبراهيم قالا وَبَقِيَّةُ الْأَصْنَافِ كَانَتْ مُصَالَحَةً لَا تَقْدِيرًا شَرْعِيًّا وقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ بَلْ هِيَ مِنَ الْإِبِلِ لِلنَّصِّ وَمِنَ النَّقْدَيْنِ تَقْوِيمًا إِذْ هُمَا قِيَمُ الْمُتْلَفَاتِ وَمَا سِوَاهُمَا صُلْحٌ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُوضِحَةِ) [1390] بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الْجِرَاحَةُ الَّتِي تَرْفَعُ اللَّحْمَ مِنَ الْعَظْمِ وَتُوَضِّحُهُ قَوْلُهُ (قَالَ فِي الْمَوَاضِحِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ جَمْعُ مُوضِحَةٍ (خَمْسٌ خَمْسٌ) أَيْ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ فِي النيل وأخرجه أيضا بن خزيمة وبن الْجَارُودِ وَصَحَّحَاهُ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ إِلَخْ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ (بَاب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ) [1391] قَوْلُهُ (دِيَةُ أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ) أَيْ حَتَّى الْإِبْهَامِ وَالْخِنْصَرِ وَإِنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ فِي

الْمَفَاصِلِ (عَشْرَةٌ مِنَ الْإِبِلِ لِكُلِّ إِصْبِعٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْبَاءِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الخمسة إلا الترمذي قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وأخرجه أيضا بن حبان في صحيحه وقال بن الْقَطَّانِ فِي كِتَابِهِ رِجَالُ إِسْنَادِهِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ الْحَقُّ وقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَجْعَلُ فِي الْخِنْصَرِ سِتًّا مِنَ الْإِبِلِ وفِي الْبِنْصَرِ تِسْعًا وفِي الْوُسْطَى عَشْرًا وفِي السَّبَّابَةِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ وفِي الْإِبْهَامِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ ثُمَّ رُوِيَ عَنْهُ الرُّجُوعُ عَنْ ذَلِكَ ورُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْإِبْهَامِ خَمْسَ عَشْرَةَ وفِي الَّتِي تَلِيهَا عَشْرٌ وفِي الْوُسْطَى عَشْرٌ وفِي الَّتِي تَلِيهَا ثَمَانٍ وفِي الْخِنْصَرِ سَبْعٌ وهُوَ مَرْدُودٌ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ [1392] قَوْلُهُ (هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ يَعْنِي) أَيْ يُرِيدُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ هَذِهِ وَهَذِهِ (الْخِنْصَرَ وَالْإِبْهَامَ) أَيْ هُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الدِّيَةِ وَإِنْ كَانَ الْإِبْهَامُ أَقَلَّ مَفْصِلًا مِنَ الْخِنْصَرِ إِذْ فِي كُلِّ إِصْبِعٍ عُشْرُ الدِّيَةِ وَهِيَ عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ يَجِبُ فِي كُلِّ إِصْبِعٍ يَقْطَعُهَا عَشْرٌ مِنَ الْإِبِلِ وَإِذَا قَطَعَ أُنْمُلَةً مِنْ أَنَامِلِهِ فَفِيهَا ثُلُثُ دِيَةِ إِصْبِعٍ إِلَّا أُنْمُلَةَ الْإِبْهَامِ فَإِنَّ فِيهَا نِصْفَ دِيَةِ إِصْبِعٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا أُنْمُلَتَانِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنَامِلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الجماعة إلا مسلما

باب ما جاء في العفو

رضخ 5 (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَفْوِ) [1393] قَوْلُهُ (فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ مُعَاوِيَةَ) أَيْ اسْتَغَاثَ مُعَاوِيَةَ عَلَى الرَّجُلِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ اسْتَعْدَاهُ اسْتَعَانَهُ وَاسْتَنْصَرَهُ (وَأَلَحَّ) مِنَ الْإِلْحَاحِ (الْآخَرُ) أَيْ الَّذِي دَقَّ سِنَّهُ (فَأَبْرَمَهُ) مِنَ الْإِبْرَامِ أَيْ فَأَمَلَّهُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَرَمُ السَّآمَةُ وَالضَّجَرُ وَأَبْرَمَهُ فَبَرِمَ كَفَرِحَ وَتَبَرَّمَ أَمَلَّهُ فَمَلَّ انْتَهَى وقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ بَرِمَ بِهِ أَيْ سَئِمَهُ وَمَلَّهُ (مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِشَيْءٍ فِي جَسَدِهِ) مِنْ نَحْوِ قَطْعٍ أَوْ جُرْحٍ (فَيَتَصَدَّقُ بِهِ) أَيْ عَفَا عَنْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ يُصَابُ وَمُخَصِّصٌ لَهُ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمَاوِيًّا وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الْعِبَادِ فَخُصَّ بِالثَّانِي لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ فَتَصَدَّقَ بِهِ وَهُوَ الْعَفْوُ عَنِ الْجَانِي وقَالَ الْمَنَاوِيُّ أَيْ إِذَا جَنَى إِنْسَانٌ عَلَى آخَرَ جِنَايَةً فَعَفَا عَنْهُ لِوَجْهِ اللَّهِ نَالَ هَذَا الثَّوَابَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَخْ) قال المنذري في الترغيب وروى بن مَاجَهْ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ عَنْ أَبِي السَّفَرِ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَوْلَا الِانْقِطَاعُ قَوْلُهُ (وَأَبُو السَّفَرِ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ أَحْمَدَ ويقال بن يُحْمِدَ الثَّوْرِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ سَعِيدُ بْنُ يُحْمِدَ بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ قِيلَ فِيهِ أَحْمَدُ أَبُو السَّفَرِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ الْهُذَلِيُّ الثَّوْرِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثالثة انتهى

باب ما جاء فيمن رضخ رأسه بصخرة

6 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ رُضِخَ رَأْسُهُ بِصَخْرَةٍ) الرَّضْخُ الدَّقُّ وَالْكَسْرُ [1394] قَوْلُهُ (عَلَيْهَا أَوْضَاحٌ) جَمْعُ وَضَحٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ نَوْعٌ مِنَ الْحُلِيِّ مِنَ الْفِضَّةِ سُمِّيَتْ بِهَا لِبَيَاضِهَا (فَأَخَذَهَا) أَيْ الْجَارِيَةَ (فَرَضَخَ رَأْسهَا) أَيْ رَضَّ رَأْسَهَا بَيْنَ حَجَرَيْنِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ (أُدْرِكَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أَدْرَكَهَا النَّاسُ (وَبِهَا رَمَقٌ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ بَقِيَّةُ الرُّوحِ وَآخِرُ النَّفَسِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ قَوْلُهُ (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جَوَازِ الْقَوَدِ بِمِثْلِ مَا قُتِلَ بِهِ الْمَقْتُولُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ عُمُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ به وَقَوْلُهُ تَعَالَى فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عليكم وقوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها وَمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ وفِيهِ مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي إِسْنَادِهِ بَعْضُ مَنْ يُجْهَلُ وَإِنَّمَا قَالَهُ زِيَادٌ فِي خُطْبَتِهِ وهَذَا إِذَا كَانَ السَّبَبُ الَّذِي وَقَعَ الْقَتْلُ بِهِ مِمَّا يَجُوزُ فِعْلُهُ لَا إِذَا كَانَ لَا يَجُوزُ لِمَنْ قَتَلَ غَيْرَهُ بِإِيجَارِهِ الْخَمْرَ أَوْ اللِّوَاطَ بِهِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ ذَهَبَتِ الْعِتْرَةُ وَالْكُوفِيُّونَ ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلا أَنَّ الِاقْتِصَاصَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالسَّيْفِ واسْتَدَلُّوا بحديث النعمان بن بشير عند بن مَاجَهْ وَالْبَزَّارِ وَالطَّحَاوِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ منها لا قود إلا بالسيف وأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَأَخْرَجَهُ البيهقي والطبراني من حديث بن مسعود وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا وهَذِهِ الطُّرُقُ كُلُّهَا لَا تَخْلُو وَاحِدَةٌ مِنْهَا مِنْ ضَعِيفٍ أَوْ مَتْرُوكٍ حَتَّى قَالَ أَبُو حَاتِمٍ حَدِيثٌ منكر وقال عبد الحق وبن الْجَوْزِيِّ طُرُقُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ

باب ما جاء في تشديد قتل المؤمن

وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ إِسْنَادٌ ويُؤَيِّدُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يُقَوِّي بَعْضُ طُرُقِهِ بَعْضًا حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وأبي داود والنسائي وبن مَاجَهْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَإِحْسَانُ الْقَتْلِ لَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ ضَرْبِ الْعُنُقِ بِالسَّيْفِ كَمَا يَحْصُلُ بِهِ ولِهَذَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِضَرْبِ العنق مَنْ أَرَادَ قَتْلَهُ حَتَّى صَارَ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي أَصْحَابِهِ فَإِذَا رَأَوْا رَجُلًا يَسْتَحِقُّ الْقَتْلَ قَالَ قَائِلُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَهُ حَتَّى قِيلَ إِنَّ الْقَتْلَ بِغَيْرِ ضَرْبِ الْعُنُقِ بِالسَّيْفِ مُثْلَةٌ وقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهَا انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ (بَاب مَا جَاءَ فِي تَشْدِيدِ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ) [1395] قَوْلُهُ (لَزَوَالُ الدُّنْيَا) اللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ (أَهْوَنُ) أَيْ أَحْقَرُ وَأَسْهَلُ (عَلَى اللَّهِ) أَيْ عِنْدَهُ (مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الدُّنْيَا عِبَارَةٌ عَنِ الدَّارِ الْقُرْبَى الَّتِي هِيَ مَعْبَرٌ لِلدَّارِ الْأُخْرَى وهي مزرعة لها وما خلقت السماوات وَالْأَرْضُ إِلَّا لِتَكُونَ مَسَارِحَ أَنْظَارِ الْمُتَبَصِّرِينَ وَمُتَعَبَّدَاتِ الْمُطِيعِينَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتُ هَذَا باطلا أَيْ بِغَيْرِ حِكْمَةٍ بَلْ خَلَقْتَهَا لِأَنْ تَجْعَلَهَا مَسَاكِنَ لِلْمُكَلَّفِينَ وَأَدِلَّةً لَهُمْ عَلَى مَعْرِفَتِكَ فَمَنْ حَاوَلَ قَتْلَ مَنْ خُلِقَتِ الدُّنْيَا لِأَجْلِهِ فَقَدْ حَاوَلَ زَوَالَ الدُّنْيَا وبِهَذَا لُمِحَ مَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أحد يقول الله الله قال القارىء وإليه الايعاء بِقَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جميعا الاية قوله (وفي الباب عن سعد وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَبُرَيْدَةَ) أَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حديث

باب الحكم في الدماء

حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ (بَاب الْحُكْمِ فِي الدِّمَاءِ) [1396] قَوْلُهُ (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحْكَمُ بَيْنَ الْعِبَادِ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (فِي الدِّمَاءِ) خَبَرُ إِنَّ قَالَ النووي هذا التعظيم أَمْرِ الدُّنْيَا وَتَأْثِيرِ خَطَرِهَا ولَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَقٍّ لِلَّهِ وَهَذَا فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ وَالْأَظْهَرُ أن يقال لأن ذَلِكَ فِي الْمَنْهِيَّاتِ وَهَذَا فِي الْمَأْمُورَاتِ أَوْ الْأَوَّلُ فِي الْمُحَاسَبَةِ وَالثَّانِي فِي الْحُكْمِ لِمَا أخرج النسائي عن بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ الْعَبْدُ عَلَيْهِ صَلَاتُهُ وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ وفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَوَّلَ الْحَقِيقِيَّ هُوَ الصَّلَاةُ فَإِنَّ الْمُحَاسَبَةَ قَبْلَ الْحُكْمِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه الشيخان [1398] قَوْلُهُ (لَوْ أَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ وَأَهْلَ الْأَرْضِ

باب ما جاء في الرجل يقتل ابنه أيقاد منه أم لا

اشْتَرَكُوا) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَوْ لِلْمُضِيِّ فَإِنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ فَاعِلٌ وَالتَّقْدِيرُ لَوِ اشْتَرَكَ أَهْلُ السَّمَاءِ (فِي دَمِ مُؤْمِنٍ) أَيْ إِرَاقَتِهِ والْمُرَادُ قَتْلُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ (لَأَكَبَّهُمْ اللَّهُ فِي النَّارِ) أَيْ صَرَعَهُمْ فِيهَا وَقَلَّبَهُمْ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَبَّهُ بِوَجْهِهِ أَيْ صَرَعَهُ فَأَكَبَّ هُوَ وَهَذَا مِنَ النَّوَادِرِ أَنْ يَكُونَ أَفْعَلُ لَازِمًا وَفَعَلَ مُتَعَدِّيًا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ لَا يَكُونُ بِنَاءُ أَفْعَلَ مُطَاوِعًا لِفِعْلٍ بَلْ هَمْزَةُ أَكَبَّ لِلصَّيْرُورَةِ أَوْ لِلدُّخُولِ فَمَعْنَاهُ صَارَ ذَا كَبٍّ أَوْ دَخَلَ فِي الْكَبِّ وَمُطَاوِعُ فَعَلَ انْفَعَلَ نَحْوُ كَبَّ وَانْكَبَّ وَقَطَعَ وَانْقَطَعَ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَالصَّوَابُ كَبَّهُمْ اللَّهُ ولَعَلَّ مَا فِي الْحَدِيثِ سَهْوٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وقَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ نَظَرٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرِدَ هَذَا عَلَى الْأَصْلِ وكَلَامُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ وَلِأَنَّ الجوهري ناف والرواة مثبتون قال القارىء فِيهِ إِنَّ الْجَوْهَرِيَّ لَيْسَ بِنَافٍ لِلتَّعْدِيَةِ بَلْ مُثْبِتٌ لِلُّزُومِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ثُبُوتِ اللُّزُومِ نَفْيُ التَّعْدِيَةِ هَذَا وَقَدْ أَثْبَتَهَا صَاحِبُ الْقَامُوسِ حَيْثُ قَالَ كَبَّهُ قَلْبَهُ وَصَرَعَهُ كَأَكَبَّهُ وَكَبْكَبَهُ فَأَكَبَّ وَهُوَ لَازِمٌ مُتَعَدٍّ (بَاب مَا جَاءَ في الرجل يقتل ابنه أيقاد مِنْهُ أَمْ لَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْقَوَدُ الْقِصَاصُ وَقَتْلُ الْقَاتِلِ بَدَلَ الْقَتِيلِ وَقَدْ أَقَدْتُهُ بِهِ أُقِيدُهُ إِقَادَةً وَاسْتَقَدْتُ الْحَاكِمَ سَأَلْتُهُ أَنْ يُقِيدَنِي وَاقْتَدْتُ مِنْهُ أَقْتَادُ [1399] قَوْلُهُ (عَنْ سُرَاقَةَ بن مالك) أي بن جعثم الْمُدْلِجِيِّ الْكِنَانِيِّ كَانَ يَنْزِلُ قَدِيدًا وَيُعَدُّ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ وَكَانَ شَاعِرًا مُجِيدًا مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ قَوْلُهُ (يُقِيدُ الْأَبَ) مِنَ الْإِقَادَةِ أَيْ يُقْتَصُّ لَهُ (مِنَ ابْنِهِ) بِكَسْرِ النُّونِ مِنَ للالتقاء أَيْ لِأَجْلِهِ وَبِسَبَبِهِ والْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ قِيلَ كَانَ هَذَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نسخ ذكره بن الْمَلِكِ (وَلَا يُقِيدُ الِابْنَ) بِكَسْرِ اللَّامِ لِلِالْتِقَاءِ (مِنْ أَبِيهِ) قَالُوا الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْوَالِدَ سَبَبُ وُجُودِ الْوَلَدِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ سَبَبًا لِعَدَمِهِ كَذَا فِي اللَّمَعَاتِ قَالَ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ وَلَعَلَّ الِابْنَ كَانَ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ

حَدِيثِ سُرَاقَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وفِيهِ اضْطِرَابٌ واختلاف على عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَقِيلَ عَنْ عَمْرٍو قِيلَ عَنْ سُرَاقَةَ قِيلَ بلا واسطة وهي عند أحمد وفيها بن لهيعة [1401] قَوْلُهُ (لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ) صَوْنًا لَهَا وَحِفْظًا لِحُرْمَتِهَا فَيُكْرَهُ (وَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ) أَيْ لَا يُقَادُ وَالِدٌ بِقَتْلِ وَلَدِهِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ فِي إِيجَادِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا فِي إِعْدَامِهِ كَذَا فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمُنَاوِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ (وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَالَ الْحَافِظُ لَكِنْ تَابَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وقَالَ عَبْدُ الْحَقِّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ لَا يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ وقَالَ الشَّافِعِيُّ حَفِظْتُ عَنْ عَدَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَقِيتُهُمْ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَبِذَلِكَ أَقُولُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ طُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ مُنْقَطِعَةٌ وأَكَّدَهُ الشَّافِعِيُّ بِأَنَّ عَدَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ بِهِ انْتَهَى

باب ما جاء لا يحل دم امرئ مسلم

10 - (بَاب مَا جَاءَ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ [1402] قَوْلُهُ (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ) أَيْ إِرَاقَتُهُ وَالْمُرَادُ الْإِنْسَانُ فَإِنَّ الْحُكْمَ شَامِلٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (مُسْلِمٍ) صِفَةٌ مُقَيِّدَةٌ لامرىء (يَشْهَدُ) أَيْ يَعْلَمُ وَيَتَيَقَّنُ وَيَعْتَقِدُ قَالَ الطِّيبِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ يَشْهَدَ حَالٌّ جِيءَ بِهَا مُقَيِّدَةٌ لِلْمَوْصُوفِ مَعَ صِفَتِهِ إِشْعَارًا بِأَنَّ الشَّهَادَتَيْنِ هُمَا الْعُمْدَةُ فِي حَقْنِ الدَّمِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ كَيْفَ تصنع بلا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وقَالَ الْقَاضِي يَشْهَدُ مَعَ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ جَاءَتْ لِلتَّوْضِيحِ وَالْبَيَانِ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُسْلِمِ هُوَ الْآتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ وَأَنَّ الْإِيمَانَ بِهِمَا كَافٍ لِلْعِصْمَةِ (إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ) أَيْ خِصَالٍ ثَلَاثٍ قَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَزِنَا الْمُحْصَنِ وَالِارْتِدَادُ فَفَصَّلَ ذَلِكَ بِتَعْدَادِ الْمُتَّصِفِينَ بِهِ الْمُسْتَوْجِبِينَ الْقَتْلَ لِأَجْلِهِ فَقَالَ (الثَّيِّبُ الزَّانِي) أَيْ زِنَا الثَّيِّبِ (وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ) أَيْ قَتْلُ النَّفْسِ بِالنَّفْسِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ يَحِلُّ قَتْلُ النَّفْسِ قِصَاصًا بِالنَّفْسِ الَّتِي قَتَلَهَا عُدْوَانًا وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِوَلِيِّ الدَّمِ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ لِأَحَدٍ سِوَاهُ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ انْتَهَى (وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) أَيْ تَرْكُ التَّارِكِ وَالْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ صِفَةٌ مُوَلَّدَةٌ لِلتَّارِكِ لِدِينِهِ أَيْ الَّذِي تَرَكَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَخَرَجَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَانْفَرَدَ عَنْ أَمْرِهِمْ بِالرِّدَّةِ الَّتِي هِيَ قَطْعُ الْإِسْلَامِ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا أَوِ اعْتِقَادًا فَيَجِبُ قَتْلُهُ إِنْ لَمْ يَتُبْ وَتَسْمِيَتُهُ مُسْلِمًا مَجَازِيًّا بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ عَلَيْهِ لَا بِالْبِدْعَةِ أَوْ نَفْيِ الْإِجْمَاعِ كَالرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ إِلَخْ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ أَحَادِيثَهُمْ قوله (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَقْتُلُ نَفْسًا مُعَاهِدَةً) بِكَسْرِ الْهَاءِ مَنْ عَاهَدَ الْإِمَامَ عَلَى تَرْكِ الْحَرْبِ ذِمِّيًّا أَوْ غَيْرَهُ وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا وَهُوَ مَنْ عاهده

الْإِمَامُ قَالَ الْقَاضِي يُرِيدُ بِالْمُعَاهَدَةِ مَنْ كَانَ لَهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ عَهْدٌ شَرْعِيٌّ سَوَاءٌ كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَةٍ أَوْ هُدْنَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ أَمَانٍ مِنْ مُسْلِمٍ [1403] قَوْلُهُ (أَلَا) حَرْفُ التَّنْبِيهِ (مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهِدَةً) أَيْ رَجُلًا مُعَاهِدًا (لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الذِّمَّةُ وَالذِّمَامُ وَهُمَا بِمَعْنَى الْعَهْدِ وَالْأَمَانِ وَالضَّمَانِ وَالْحُرْمَةِ وَالْحَقِّ وسُمِّيَ أَهْلَ الذِّمَّةِ لِدُخُولِهِمْ فِي عَهْدِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَانِهِمْ انْتَهَى (فَقَدْ أَخْفَرَ بذمة الله) قال في المجتمع خَفَرْتُهُ أَجَرْتُهُ وَحَفِظْتُهُ وَالْخِفَارَةُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ الذِّمَامُ وَأَخْفَرْتُهُ إِذَا أَنْقَضْتُ عَهْدَهُ وَذِمَامَهُ وَهَمْزَتُهُ لِلسَّلْبِ (فَلَا يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ) أَيْ لَمْ يَشُمَّ رِيحَهَا يُقَالُ رَاحَ يَرِيحُ وَرَاحَ يَرَاحُ وَأَرَاحَ يُرِيحُ إِذَا وَجَدَ رَائِحَةَ الشَّيْءِ والثَّلَاثَةُ قَدْ رُوِيَ بِهَا الْحَدِيثُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ الْحَافِظُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْيَاءِ هُوَ أَجْوَدُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ قَالَ وَالْمُرَادُ بِهَذَا النَّفْيِ وَإِنْ كَانَ عاما التخصيص بِزَمَانٍ مَا لِمَا تَعَاضَدَتِ الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ وَالنَّقْلِيَّةُ أَنَّ مَنْ مَاتَ مُسْلِمًا وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِإِسْلَامِهِ غَيْرُ مُخَلَّدٍ فِي النَّارِ وَمَآلُهُ إِلَى الْجَنَّةِ وَلَوْ عُذِّبَ قَبْلَ ذَلِكَ انْتَهَى (وَإِنَّ رِيحَهَا لَتُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَرِيفًا) أَيْ عَامًا كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ والْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ رِيحَ الْجَنَّةِ لَتُوجَدُ قَالَ السُّيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وفِي رِوَايَةٍ سَبْعِينَ عَامًا وفِي الْأُخْرَى مِائَةَ عَامٍ وفِي الْفِرْدَوْسِ أَلْفَ عَامٍ وَجُمِعَ بِأَنَّ ذَلِكَ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَعْمَالِ وَتَفَاوُتِ الدَّرَجَاتِ فَيُدْرِكُهَا مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ مَسِيرَةِ أَلْفِ عَامٍ وَمَنْ شَاءَ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا وما بين ذلك قاله بن العربي وغيره ذكره القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْكُلِّ طُولُ الْمَسَافَةِ لَا تَحْدِيدُهَا انْتَهَى قُلْتُ ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةَ وَذَكَرَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ خَمْسَ مِائَةِ عَامٍ وَوَقَعَ فِي الْمُوَطَّأِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَهَذَا اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ ثم ذكر وجه الجمع عن بن بَطَّالٍ وَلَمْ يَرْضَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّكَلُّفِ ثُمَّ قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي الْجَمْعِ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْأَرْبَعِينَ أَقَلُّ زَمَنٍ يُدْرِكُ بِهِ رِيحَ الْجَنَّةِ مَنْ فِي الْمَوْقِفِ وَالسَّبْعِينَ فَوْقَ ذَلِكَ أَوْ ذُكِرَتْ لِلْمُبَالَغَةِ وَالْخَمْسُ مِائَةٍ ثُمَّ الْأَلْفُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَعْمَالِ فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنَ الْمَسَافَةِ الْبُعْدَى أَفْضَلُ مِمَّنْ أَدْرَكَهُ مِنَ الْمَسَافَةِ الْقُرْبَى وَبُيِّنَ ذَلِكَ وقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ ثُمَّ رَأَيْتُ نَحْوَهُ في كلام بن الْعَرَبِيِّ وَنَقَلَ كَلَامَهُمَا فَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَارْجِعْ إِلَى الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه بن ماجه

باب ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو

12 - باب [1404] قَوْلُهُ (وَدِيَ الْعَامِرِيَّيْنِ) الَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ (بِدِيَةِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ مِثْلَ دِيَةِ المسلمين وأخرج البيهقي عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةَ الْعَامِرِيَّيْنِ دِيَةَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ وأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ دِيَةَ الْمُعَاهَدِينَ دِيَةَ الْمُسْلِمِ (وَكَانَ لَهُمَا) أَيْ لِلْعَامِرِيَّيْنِ (عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ وَلِذَلِكَ قَتَلَهُمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ والرَّاوِي عَنْهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ (وَأَبُو سَعْدٍ الْبَقَّالُ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ) الْعَبْسِيُّ مَوْلَاهُمْ الْكُوفِيُّ الْأَعْوَرُ ضَعِيفٌ مُدَلِّسٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حُكْمِ وَلِيِّ الْقَتِيلِ فِي الْقِصَاصِ وَالْعَفْوِ) [1405] قَوْلُهُ (وَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ) أَيْ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَرِيبٌ كَانَ حَيًّا فَصَارَ قَتِيلًا بِذَلِكَ الْقَتْلِ (فَهُوَ) أَيْ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ يَعْنِي وَلِيَّ الْمَقْتُولِ (بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ) يَعْنِي الْقِصَاصَ وَالدِّيَةَ أَيَّهُمَا اخْتَارَ كَانَ لَهُ (إِمَّا أَنْ يَعْفُوَ وَإِمَّا أَنْ يَقْتُلَ) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِمَّا أَنْ يُودَى وَإِمَّا يُقَادُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْمُرَادُ بِالْعَفْوِ أَخْذُ الدِّيَةِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عِنْدَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ فَمَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ إِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا أَوْ يَأْخُذُوا الدية ولأبي داود وبن مَاجَهْ وعَلَّقَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ بِلَفْظِ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ يَقْتَصَّ

وَإِمَّا أَنْ يَعْفُوَ وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَيْ إِنْ أَرَادَ زِيَادَةً عَلَى الْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ قَالَ وفِي الْحَدِيثِ إِنَّ وَلِيَّ الدَّمِ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ واخْتُلِفَ إِذَا اخْتَارَ الدِّيَةَ هَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ إِجَابَتُهُ فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى ذَلِكَ وعَنْ مَالِكٍ لَا يَجِبُ إِلَّا بِرِضَا الْقَاتِلِ واسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ وَمَنْ قُتِلَ لَهُ بِأَنَّ الْحَقَّ يَتَعَلَّقُ بِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ غَائِبًا أَوْ طِفْلًا لَمْ يَكُنْ لِلْبَاقِينَ الْقِصَاصُ حَتَّى يَبْلُغَ الطِّفْلُ وَيَقْدَمَ الْغَائِبُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي شُرَيْحٍ خُوَيْلِدِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ عَمْرٍو) وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ خُوَيْلِدٍ وَهُوَ خُزَاعِيٌّ كَعْبِيٌّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ [1406] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ) بِالتَّصْغِيرِ قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هُوَ أَبُو شُرَيْحٍ خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو الْكَعْبِيُّ الْخُزَاعِيُّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ) أَيْ جَعَلَهَا مُحَرَّمَةً مُعَظَّمَةً وَأَهْلُهَا تَبَعٌ لَهَا فِي الْحُرْمَةِ (وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ) أَيْ مِنْ عِنْدِهِمْ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ حَرَّمَهَا إِبْرَاهِيمُ بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) اكْتَفَى بِطَرَفَيِ الْمُؤْمِنِ بِهِ عَنْ بَقِيَّتِهِ (فَلَا يَسْفِكَنَّ) أَيْ فَلَا يَسْكُبَنَّ (فِيهَا دَمًا) أي بالجرح والقتل قال القارىء وَهَذَا إِذَا كَانَ دَمًا مُهْدَرًا وَفْقَ قَوَاعِدِنَا وَإِلَّا فَالدَّمُ الْمَعْصُومُ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَرَمُ وَغَيْرُهُ فِي حُرْمَةِ سَفْكِهِ (وَلَا يَعْضِدَنَّ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ وَلَا يَقْطَعْ (فِيهَا شَجَرًا) وفِي مَعْنَاهَا النَّبَاتُ وَالْحَشِيشُ (فَقَالَ) أَيْ الْمُتَرَخِّصُ عَطْفٌ على ترخيص (فَإِنَّ اللَّهَ أَحَلَّهَا لِي) وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَقُولُوا إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَبِهِ تَمَّ جَوَابُ الْمُتَرَخِّصِ ثُمَّ ابْتَدَأَ وَعَطَفَ عَلَى الشَّرْطِ فَقَالَ وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي إِلَخْ (ثُمَّ هِيَ) أَيْ مَكَّةُ (ثُمَّ إِنَّكُمْ مَعْشَرَ خُزَاعَةَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ قَتَلُوا فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ رَجُلًا مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي هُذَيْلٍ بِقَتِيلٍ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَدَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُمْ دِيَتَهُ لِإِطْفَاءِ الْفِتْنَةِ بَيْنَ الْفِئَتَيْنِ (مِنْ هُذَيْلٍ) بِالتَّصْغِيرِ (وَإِنِّي عَاقِلُهُ) أي

مُؤَدٍّ دِيَتَهُ مِنَ الْعَقْلِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ تَسْمِيَةِ الدِّيَةِ بِالْعَقْلِ (فَمَنْ قُتِلَ لَهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ اخْتِيَارَيْنِ وَالْمَعْنَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ (إِمَّا أَنْ يَقْتُلُوا) أَيْ قَاتَلَهُ (أَوْ يَأْخُذُوا الْعَقْلَ) أَيْ الدِّيَةَ مِنْ عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَصْلُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَعْفُوَ وَيَأْخُذَ الدِّيَةَ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ يَأْخُذَ الدِّيَةَ بِلَفْظِ أَوْ مَكَانَ الْوَاوِ وَهُوَ الظَّاهِرُ رَوَى الدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول من أُصِيبَ بِدَمٍ أَوْ خَبَلٍ وَالْخَبَلُ الْجُرْحُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ فَإِنْ أَرَادَ الرَّابِعَةَ فَخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ أَوْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ الْحَدِيثَ ورَوَاهُ أَيْضًا أبو داود وبن مَاجَهْ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ [1407] قَوْلُهُ (قُتِلَ رَجُلٌ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَدَفَعَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَى وَلِيِّهِ) أَيْ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ (مَا أَرَدْتُ قَتْلَهُ) أَيْ مَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّهُ) أَيْ الْقَاتِلُ (إِنْ كَانَ صَادِقًا) يُفِيدُ أَنَّ مَا كَانَ ظَاهِرُهُ الْعَمْدُ لَا يَسَعُ فِيهِ كَلَامُ الْقَاتِلِ إِنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ فِي الْحُكْمِ نَعَمْ يَنْبَغِي لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ أَنْ لَا يَقْتُلَهُ خَوْفًا مِنْ لُحُوقِ الْإِثْمِ بِهِ عَلَى تَقْدِيرِ صِدْقِ دَعْوَى الْقَاتِلِ (فَخَلَّاهُ) أَيْ تَرَكَ الْقَاتِلَ (الرَّجُلُ) بِالرَّفْعِ أَوْ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ (وَكَانَ) أَيْ الْقَاتِلُ (مَكْتُوفًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَكْتُوفُ الَّذِي شُدَّتْ يَدَاهُ مِنْ خَلْفِهِ (بِنِسْعَةٍ) بِكَسْرِ نُونٍ فَسُكُونِ مُهْمَلَةٍ فَمُهْمَلَةٍ قِطْعَةُ جِلْدٍ تُجْعَلُ زِمَامًا لِلْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ (فَخَرَجَ) أَيْ الْقَاتِلُ (يُسَمَّى) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ الْقَاتِلُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن ماجه

باب باب ما جاء في النهي عن المثلة

14 - (باب بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ) [1408] قَوْلُهُ (أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ) أَيْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ خُصُوصًا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (بِتَقْوَى اللَّهِ) وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَوْصَاهُ وَقَوْلُهُ (وَمَنْ مَعَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى خَاصَّتِهِ أَيْ وفِي مَنْ مَعَهُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا) نُصِبَ عَلَى انْتِزَاعِ الْخَافِضِ أَيْ بِخَيْرٍ قَالَ الطِّيبِيُّ وَمَنْ فِي مَحَلِّ الْجَرِّ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَأَنَّهُ قِيلَ أَوْصَى بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَأَوْصَى بِخَيْرٍ فِي مَنْ مَعَهُ من المسلمين وفي اختصاص التقوى بخاصة نفسه وَالْخَيْرِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِشَارَةٌ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَشُدَّ عَلَى نَفْسِهِ فِيمَا يَأْتِي ويذر وأن يسهل على من معه من الْمُسْلِمِينَ وَيَرْفُقَ بِهِمْ كَمَا وَرَدَ يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا (فَقَالَ اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ) أَيْ مُسْتَعِينِينَ بِذِكْرِهِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ لِأَجْلِ مَرْضَاتِهِ وَإِعْلَاءِ دِينِهِ (قَاتِلُوا مَنْ كفر بالله) جملة موضحة لا غزوا (اغْزُوا وَلَا تَغُلُّوا) وفِي الْمِشْكَاةِ فَلَا تَغُلُّوا قال القارىء أَعَادَ قَوْلَهُ اغْزُوا لِيُعَقِّبَهُ بِالْمَذْكُورَاتِ بَعْدَهُ انْتَهَى وهُوَ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ لَا تَخُونُوا فِي الْغَنِيمَةِ (وَلَا تَغْدِرُوا) بِكَسْرِ الدال أي لا تنقضوا العهد وقيل لا تُحَارِبُوهُمْ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ (وَلَا تُمَثِّلُوا) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ مَثَّلَ بِهِ يُمَثِّلُ كَقَتَّلَ إِذَا قَطَعَ أَطْرَافَهُ وفِي الْقَامُوسِ مَثَّلَ بِفُلَانٍ مَثَلًا وَمُثْلَةً بِالضَّمِّ نَكَّلَ كَمَثَّلَ تَمْثِيلًا وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ مَثَّلْتُ بِالْحَيَوَانِ أُمَثِّلُ بِهِ مَثَلًا إِذَا قَطَعْتَ أَطْرَافَهُ وَشَوَّهْتَ بِهِ وَمَثَّلْتَ بِالْقَتِيلِ إِذَا جَدَعْتَ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ مَذَاكِيرَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ أَطْرَافِهِ وَالِاسْمُ الْمُثْلَةُ فَأَمَّا مَثَّلَ بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ انْتَهَى (وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا) أَيْ طِفْلًا صَغِيرًا (وفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) رَوَاهَا مسلم بطولها قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَسَمُرَةَ وَالْمُغِيرَةِ وَيَعْلَى بْنِ مُرَّةَ وَأَبِي أَيُّوبَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَدْ وَرَدَتْ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ انْتَهَى قُلْتُ ذَكَرَ بَعْضًا مِنْهَا الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ

قَوْلُهُ (حَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَكَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْمُثْلَةَ) أَيْ حَرَّمُوهَا فَالْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمُ وَقَدْ عَرَفْتَ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّ السَّلَفَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ يُطْلِقُونَ الْكَرَاهَةَ وَيُرِيدُونَ بِهَا الْحُرْمَةَ قَوْلُهُ (عَنْ شَدَّادِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ (بْنِ أَوْسٍ) بفتح الهمزة وسكون الواو بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ مَاتَ بِالشَّامِّ قَبْلَ السِّتِّينَ أو بعدها وهو بن أَخِي حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ [1409] قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ) أَيْ إِلَى كُلِّ شَيْءٍ أَوْ عَلَى بِمَعْنَى فِي أَيْ أَمَرَكُمْ بِالْإِحْسَانِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْعُمُومُ الشَّامِلُ لِلْإِنْسَانِ حَيًّا وَمَيِّتًا قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَوْجَبَ مُبَالَغَةً لِأَنَّ الْإِحْسَانَ هُنَا مُسْتَحَبٌّ وَضَمَّنَ الْإِحْسَانَ مَعْنَى التَّفَضُّلَ وَعَدَّاهُ بِعَلَى والْمُرَادُ بِالتَّفَضُّلِ إِرَاحَةُ الذَّبِيحَةِ بِتَحْدِيدِ الشَّفْرَةِ وَتَعْجِيلِ إِمْرَارِهَا وَغَيْرِهِ وقَالَ الشُّمُّنِيُّ عَلَى هُنَا بِمَعْنَى اللَّامِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِحْسَانِ وَلَا بُدَّ مِنْ عَلَى أُخْرَى مَحْذُوفَةٍ بِمَعْنَى الِاسْتِعْلَاءِ الْمَجَازِيِّ مُتَعَلِّقَةٌ بِكَتَبَ وَالتَّقْدِيرُ كَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْإِحْسَانَ لِكُلِّ شَيْءٍ (فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ) وَبِكَسْرِ الْقَافِ الْحَالَّةِ الَّتِي عَلَيْهَا الْقَاتِلُ فِي قَتْلِهِ كَالْجِلْسَةِ وَالرِّكْبَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْمُسْتَحِقَّةُ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا وَالْإِحْسَانُ فِيهَا الاختيار أَسْهَلِ الطُّرُقِ وَأَقَلِّهَا أَلَمًا (وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ) قَالَ النَّوَوِيُّ يُرْوَى بِفَتْحِ الذَّالِ وَبِغَيْرِ هَاءٍ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ يَعْنِي نُسَخَ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وفِي بَعْضِهَا بِكَسْرِ الذَّالِ وَبِالْهَاءِ كَالْقِتْلَةِ (وَلْيُحِدَّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا (أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ) بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ سِكِّينَتَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُحِدَّ بِحَضْرَةِ الذَّبِيحَةِ وَلَا يَذْبَحَ وَاحِدَةً بِحَضْرَةِ الْأُخْرَى وَلَا يَجُرَّهَا إِلَى مَذْبَحِهَا (وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ لِيَتْرُكْهَا حَتَّى تَسْتَرِيحَ وَتَبْرُدَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرَاحَ الرَّجُلُ إِذَا رَجَعَتْ إِلَيْهِ نَفْسُهُ بَعْدَ الْإِحْيَاءِ وَالِاسْمُ الرَّاحَةُ وَهَذَانِ الْفِعْلَانِ كَالْبَيَانِ لِلْإِحْسَانِ فِي الذَّبْحِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْحَدِيثُ عَامٌّ فِي كُلِّ قَتْلٍ مِنَ الذَّبَائِحِ وَالْقَتْلِ قِصَاصًا وَحْدًا وَنَحْوِ ذَلِكَ وهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الجوامع انتهى قال القارىء قَالَ عُلَمَاؤُنَا وَكُرِهَ السَّلْخُ قَبْلَ التَّبَرُّدِ وَكُلُّ تَعْذِيبٍ بِلَا فَائِدَةٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ ولِمَا أَخْرَجَ الحاكم في المستدرك عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً يُرِيدُ أَنْ يَذْبَحَهَا وَهُوَ يُحِدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُرِيدُ أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَتَيْنِ هَلَّا أَحْدَدْتَ شَفْرَتَكَ قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَأَبُو الْأَشْعَثِ اسْمُهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ آدَةَ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَالصَّوَابُ شَرَاحِيلُ بْنُ آدَةَ

باب ما جاء في دية الجنين

قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ شَرَاحِيلُ بْنُ آدَةَ بِالْمَدِّ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ أَبُو الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ وَيُقَالُ ادة جد أبيه وهو بن شَرَاحِيلَ بْنِ كَلْبٍ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ شَهِدَ فَتْحَ دِمَشْقَ انْتَهَى وكَذَلِكَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالْخُلَاصَةِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي دِيَةِ الْجَنِينِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْجَنِينُ الْوَلَدُ فِي الْبَطْنِ وَالْجَمْعُ أَجِنَّةٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أجنة في بطون أمهاتكم [1411] قَوْلُهُ (أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا ضَرَّتَيْنِ) قَالَ فِي القاموس الضرتان زوجتان وَكُلُّ ضَرَّةٍ لِلْأُخْرَى وَهُنَّ ضَرَائِرُ بِحَجَرٍ أَوْ عَمُودِ فُسْطَاطٍ بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ السِّينِ أَيْ خَيْمَةٍ (غُرَّةٌ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وبالتنوين (عبدا) بَيَانٌ لِلْغُرَّةِ (أَوْ أَمَةٌ) أَوْ لَيْسَ لِلشَّكِّ بَلْ لِلتَّنْوِيعِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْغُرَّةُ الْعَبْدُ نَفْسُهُ أَوِ الْأَمَةُ وَأَصْلُ الْغُرَّةِ الْبَيَاضُ فِي وَجْهِ الْفَرَسِ وكَانَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ يَقُولُ الْغُرَّةُ عَبْدٌ أبْيَضُ أَوْ أَمَةٌ بَيْضَاءُ وسُمِّيَ غُرَّةً لِبَيَاضِهِ فَلَا يُقْبَلُ فِي الدِّيَةِ عَبْدٌ أَسْوَدُ وَلَا جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ وَإِنَّمَا الْغُرَّةُ عِنْدَهُمْ مَا بَلَغَ ثَمَنُهُ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ مِنَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وإِنَّمَا تَجِبُ الْغُرَّةُ فِي الْجَنِينِ إِذَا سَقَطَ مَيِّتًا فَإِنْ سَقَطَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ فَفِيهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً وقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْحَدِيثُ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ وقِيلَ إِنَّ الْفَرَسَ وَالْبَغْلَ غَلَطٌ مِنَ الرَّاوِي انْتَهَى (وَجَعَلَهُ) أَيْ الْغُرَّةَ (عَلَى عَصَبَةِ الْمَرْأَةِ) أَيْ الْقَاتِلَةِ وَهُمْ مَنْ عَدَا الْوَلَدِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ وفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِزَوْجِهَا وَبَنِيهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا قَوْلُهُ (قَالَ الحسن) هو بن عَلِيٍّ الْخَلَّالُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ [1410] قَوْلُهُ

(أَنُعْطِي) مِنَ الْإِعْطَاءِ وفِي مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عِنْدَ مَالِكٍ فَقَالَ الَّذِي قُضِيَ عَلَيْهِ كَيْفَ أُغَرَّمُ مَنْ لَا شَرِبَ وَلَا أَكَلَ إِلَخْ (وَلَا صَاحَ فَاسْتَهَلَّ) وفِي مُرْسَلِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ وَلَا نَطَقَ وَلَا اسْتَهَلَّ وَاسْتِهْلَالُ الصَّبِيِّ تَصْوِيتُهُ عِنْدَ وِلَادَتِهِ (فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلُّ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ يَبْطُلُ وَيُهْدَرُ مِنْ طَلَّ الْقَتْلُ يَطُلُّ فَهُوَ مَطْلُولٌ وَرُوِيَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ (إِنَّ هَذَا لَيَقُولُ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ) وفِي حَدِيثِ مُرْسَلِ سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ إِنَّ هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الْكُهَّانِ وفِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ فقال سجع كسجع الأعراب وفي حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ أَسْجَعُ الْجَاهِلِيَّةِ وَكَهَانَتِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الَّذِي سَجَعَ وَلَمْ يَعِبْهُ بِمُجَرَّدِ السَّجْعِ دُونَ مَا تَضَمَّنَ سَجْعُهُ مِنَ الْبَاطِلِ أَمَّا إِذَا وُضِعَ السَّجْعُ فِي مَوَاضِعِهِ مِنَ الْكَلَامِ فَلَا ذَمَّ فِيهِ وَكَيْفَ يُذَمُّ وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ الَّذِي جَاءَ مِنْ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ عَنْ قَصْدٍ إِلَى التَّسْجِيعِ وَإِنَّمَا جَاءَ اتِّفَاقًا لِعِظَمِ بَلَاغَتِهِ وَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُ فَقَدْ يَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ يَكُونُ عَنْ قَصْدٍ وَهُوَ الْغَالِبُ وَمَرَاتِبُهُمْ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتَةٌ جِدًّا انْتَهَى وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ وفِي قَوْلِهِ فِي حديث بن عباس أسجع الجاهلية وكهانتها دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَذْمُومَ مِنَ السَّجْعِ إِنَّمَا هو ما كان في ذَلِكَ الْقَبِيلِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ إِبْطَالُ شَرْعٍ أَوِ إِثْبَاتُ بَاطِلٍ أَوْ كَانَ مُتَكَلَّفًا وقَدْ حَكَى النَّوَوِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَكْرُوهَ مِنْهُ إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ كَذَلِكَ لَا غَيْرَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثِ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ نَعَمْ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ فِي الْبَابِ حَدِيثٌ عَنْ حَمَلِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّابِغَةِ وقَالَ الْحَافِظُ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْجَنِينِ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُمْ غَيْرُهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْمُولُ عَلَيْهِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَوْ فَرَسٌ أَوْ بَغْلٌ) قَالَ الْحَافِظُ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهُ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنِينِ غُرَّةَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ أَوْ بَغْلٍ وكَذَا وَقَعَ عند عبد الرزاق في رواية بن طاؤوس عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلًا فَقَالَ حَمَلُ بْنُ النَّابِغَةِ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّيَةِ فِي الْمَرْأَةِ وفِي

باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر

الْجَنِينِ غُرَّةَ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ أَوْ فَرَسٍ وأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إِلَى أَنَّ ذِكْرَ الْفَرَسِ فِي الْمَرْفُوعِ وَهْمٌ وَأنَّ ذَلِكَ أُدْرِجَ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ لِلْغُرَّةِ وذَكَرَ أَنَّهُ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُسٍ بِلَفْظِ فَقَضَى أَنَّ فِي الْجَنِينِ غُرَّةً قَالَ طَاوُسٌ الْفَرَسُ الغرة قال الحافظ ونقل بن المنذر والخطابي وَمُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ الْغُرَّةُ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ أَوْ فَرَسٌ وَتَوَسَّعَ دَاوُدُ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ فَقَالُوا يُجْزِئُ كُلُّ مَا وقع عليه اسم الغرة انتهى 6 - (بَاب مَا جَاءَ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) [1412] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ المهملة وتشديد الراء المكسورة بن طَرِيفٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنْ صِغَارِ السَّادِسَةِ (حَدَّثَنَا أَبُو جُحَيْفَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ بَعْدَهَا فَاءٌ اسْمُهُ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيُّ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَكَانَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ ذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوفِّيَ وَلَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ وَلَكِنَّهُ سَمِعَ مِنْهُ وَرَوَى عَنْهُ مَاتَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ قَوْلُهُ (هَلْ عِنْدَكُمْ سَوْدَاءُ فِي بَيْضَاءَ) الْمُرَادُ بِهِ شَيْءٌ مَكْتُوبٌ وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ وَضَمِيرُ الْجَمْعِ لِلتَّعْظِيمِ أَوْ أَرَادَ جَمِيعَ أَهْلِ الْبَيْتِ وَهُوَ رَئِيسُهُمْ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الشِّيعَةِ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ الْبَيْتِ لَا سِيَّمَا عَلِيًّا أَشْيَاءَ مِنَ الْوَحْيِ خَصَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا لَمْ يُطْلِعْ غَيْرَهُمْ عَلَيْهَا وقَدْ سَأَلَ عَلِيًّا عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَيْضًا قَيْسُ بْنُ عُبَادَةَ وَالْأَشْتَرُ النَّخَعِيُّ وَحَدِيثُهُمَا فِي مُسْنَدِ النَّسَائِيِّ (وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ) أَيْ شَقَّهَا فَأَخْرَجَ مِنْهَا النَّبَاتَ وَالْغُصْنَ (وَبَرَأَ النَّسَمَةَ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ خَلَقَهَا وَالنَّسَمَةُ النَّفْسُ وَكُلُّ دَابَّةٍ فِيهَا رُوحٌ فَهِيَ نَسَمَةٌ (مَا عَلِمْتُهُ إِلَّا فَهْمًا يُعْطِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ قَالَ لا إلا كتاب الله أو فهم أعطيه رجل مسلم أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ (وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ) عَطْفٌ عَلَى فَهْمًا وفِي رِوَايَةٍ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ والْمُرَادُ بِالصَّحِيفَةِ الْوَرَقَةُ الْمَكْتُوبَةُ قَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا سَأَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الشِّيعَةَ كَانُوا يَزْعُمُونَ فَذَكَرَ كَمَا نَقَلْنَا عَنِ الْحَافِظِ ثُمَّ قَالَ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى مِنْهُ عِلْمًا وَتَحْقِيقًا لَا يَجِدُهُ فِي زَمَانِهِ عِنْدَ غَيْرِهِ فَحَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ سِوَى الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ

يَخُصَّ بِالتَّبْلِيغِ وَالْإِرْشَادِ قَوْمًا دُونَ قَوْمٍ وإِنَّمَا وَقَعَ التَّفَاوُتُ مِنْ قِبَلِ الْفَهْمِ وَاسْتِعْدَادِ الِاسْتِنْبَاطِ فَمَنْ رُزِقَ فَهْمًا وَإِدْرَاكًا وَوُفِّقَ لِلتَّأَمُّلِ فِي آيَاتِهِ وَالتَّدَبُّرِ فِي مَعَانِيهِ فُتِحَ عَلَيْهِ أَبْوَابُ الْعُلُومِ وَاسْتَثْنَى مَا فِي الصَّحِيفَةِ احْتِيَاطَ الِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَا لَا يَكُونُ عِنْدَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ مُنْفَرِدًا بِالْعِلْمِ (قَالَ قُلْتُ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ) وفِي رِوَايَةٍ وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ (قَالَ فِيهَا الْعَقْلُ) أَيْ الدِّيَةُ وَأَحْكَامُهَا يَعْنِي فِيهَا ذِكْرُ مَا يَجِبُ لِدِيَةِ النَّفْسِ وَالْأَعْضَاءِ مِنَ الْإِبِلِ وَذِكْرُ أَسْنَانٍ تُؤَدَّى فِيهَا وَعَدَدِهَا (وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا أَيْ فِيهَا حُكْمُ تَخْلِيصِهِ وَالتَّرْغِيبُ فِيهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُهْتَمَّ بِهِ (وَأَنْ لَا يُقْتَلَ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ) قَالَ الْقَاضِي هَذَا عَامٌّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يُقْتَلُ بِكَافِرٍ قِصَاصًا سَوَاءٌ الْحَرْبِيُّ وَالذِّمِّيُّ وهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَعُمَرُ بن عبد العزيز وإليه ذهب الثوري وبن شُبْرُمَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وقِيلَ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ وَالْحَدِيثُ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْبَيْلَمَانِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَنَا أَحَقُّ مَنْ أَوْفَى بِذِمَّتِهِ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ وأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لَا احْتِجَاجَ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُ أَخْطَأَ إِذْ قِيلَ إِنَّ الْقَاتِلَ كَانَ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ وقَدْ عَاشَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَتَيْنِ وَمَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ الْكَافِرَ كَانَ رَسُولًا فَيَكُونُ مُسْتَأْمَنًا وَالْمُسْتَأْمَنُ لَا يُقْتَلُ بِهِ الْمُسْلِمُ وِفَاقًا وَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَنْسُوخٌ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم الْفَتْحِ فِي خُطْبَةٍ خَطَبَهَا عَلَى دَرَجِ الْبَيْتِ وَلَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ لَا يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وفِي لَفْظٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى والْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي التَّلْخِيصِ وَالنَّيْلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَفْظُ الْكَافِرِ صَادِقٌ عَلَى الذِّمِّيِّ كَمَا هُوَ صَادِقٌ عَلَى الْحَرْبِيِّ وَكَذَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَحَادِيثُ أُخْرَى وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ

عن معمر عن الزهري عن سالم عن أَبِيهِ أَنَّ مُسْلِمًا قَتَلَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَرُفِعَ إِلَى عُثْمَانَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ وَغَلَّظَ عليه الدية قال بن حَزْمٍ هَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ فَلَا يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ شَيْءٌ غَيْرُ هَذَا إِلَّا مَا رُوِينَاهُ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ يُقَارِبَهُ ثُمَّ أَلْحَقَهُ كِتَابًا فَقَالَ لَا تَقْتُلُوهُ وَلَكِنِ اعْتَقِلُوهُ وأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي أَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقْتَلُ بِالذِّمِّيِّ فَلَيْسَ دَلِيلٌ صَرِيحٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ ومِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ مَا رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْبَيْلَمَانِيُّ وقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ حَدِيثُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ قَالُوا إِنَّ قَوْلَهُ وَلَا ذُو عَهْدٍ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ مُسْلِمٌ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ كَمَا فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ والْمُرَادُ بِالْكَافِرِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَعْطُوفِ هُوَ الْحَرْبِيُّ فَقَطْ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ مُقَابِلًا لِلْمُعَاهَدِ لِأَنَّ الْمُعَاهَدَ يُقْتَلُ بِمَنْ كَانَ مُعَاهَدًا مِثْلَهُ مِنَ الذِّمِّيِّينَ إِجْمَاعًا فَيَلْزَمُ أَنْ يُقَيَّدَ الْكَافِرُ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِالْحَرْبِيِّ كَمَا قُيِّدَ فِي الْمَعْطُوفِ لِأَنَّ الصِّفَةَ بَعْدَ مُتَعَدِّدٍ تَرْجِعُ إِلَى الْجَمِيعِ اتِّفَاقًا فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ بِكَافِرٍ حَرْبِيٍّ وَهَذَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ يُقْتَلُ بِالْكَافِرِ الذِّمِّيِّ ويُجَابُ بِأَنَّ هَذَا مَفْهُومُ صِفَةٍ وَالْخِلَافُ فِي الْعَمَلِ بِهِ مَشْهُورٌ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ ومِنْ جُمْلَةِ الْقَائِلِينَ بِعَدَمِ الْعَمَلِ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ فَكَيْفَ يَصِحُّ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَ الْمَنْطُوقُ وَالْمَفْهُومُ يُقَدَّمُ الْمَنْطُوقُ وَقَدْ أُجِيبَ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَكَذَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ فِي الْجَوَابِ عَنْ مُتَمَسَّكَاتِهِمُ الْأُخْرَى فعليك أن تراجع الفتح 7 - قوله (حدثنا بن وَهْبٍ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ الْمِصْرِيُّ الْفَقِيهُ ثِقَةٌ حَافِظٌ [1413] قَوْلُهُ (قَالَ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا عَرَفْتَ قَوْلُهُ (وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ) أَيْ الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ إِلَخْ (دِيَةُ عَقْلِ الْكَافِرِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُؤْمِنِ) وفِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ عَقْلُ الْكَافِرِ بِحَذْفِ لَفْظِ الدِّيَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّ الْعَقْلَ هُوَ الدِّيَةُ وفِي لَفْظٍ قَضَى أَنَّ عَقْلَ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ نِصْفُ عَقْلِ الْمُسْلِمِينَ وَهُمُ اليهود والنصاري رواه أحمد والنسائي وبن مَاجَهْ وفِي رِوَايَةٍ كَانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِ مِائَةِ دِينَارٍ وَثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَدِيَةُ أهل الكتاب يؤمئذ النِّصْفُ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ قَالَ وَكَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ إِنَّ الْإِبِلَ قَدْ غَلَتْ قَالَ فَفَرَضَهَا عُمَرُ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ

أَلْفًا الْحَدِيثَ وفِيهِ تَرَكَ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنَ الدِّيَةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي هَذَا الْبَابِ حديث حسن) وأخرجه أحمد والنسائي وصححه بن الْجَارُودِ قَوْلُهُ (وَبِهَذَا يَقُولُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ) وَحُجَّتُهُ أَحَادِيثُ الْبَابِ (وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافٍ) أَيْ مِنَ الدَّرَاهِمِ (وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِ مِائَةٍ) أَيْ مِنَ الدَّرَاهِمِ أَخْرَجَ أَثَرَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا الشَّافِعِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ كَانَ عُمَرُ يَجْعَلُ دِيَةَ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةَ آلَافٍ وَالْمَجُوسِيِّ ثَمَانِ مِائَةٍ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ فِي النَّيْلِ وأثر عمر أخرجه أيضا البيهقي وأخرج بن حزم في الايصال من طريق بن لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دِيَةُ الْمَجُوسِيِّ ثَمَانِ مِائَةِ دِرْهَمٍ وأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّحَاوِيُّ وبن عدي والبيهقي وإسناده ضعيف من أجل بن لهيعة وروى البيهقي عن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ ثمانمائة درهم وفي إسناده بن لَهِيعَةَ وأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامر نحوه وفيه أيضا بن لهيعة وروى نحو ذلك بن عدي والبيهقي والطحاوي عن عثمان وفيه بن لَهِيعَةَ (وَبِهَذَا يَقُولُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَإِسْحَاقُ) وَاسْتَدَلُّوا بِأَثَرِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَبِمَا ذَكَرْنَا (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فدية مسلمة إلى أهله قَالُوا إِطْلَاقُ الدِّيَةِ يُفِيدُ أَنَّهَا الدِّيَةُ الْمَعْهُودَةُ وَهِيَ دِيَةُ الْمُسْلِمِ ويُجَابُ عَنْهُ أَوَّلًا بِمَنْعِ كون المعهود ها هنا هُوَ دِيَةُ الْمُسْلِمِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالدِّيَةِ الْمُتَعَارَفَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ الْمُعَاهَدِينَ وَثَانِيًا بِأَنَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ مُقَيَّدٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثَ كُلِّهَا ضَعِيفَةٍ لَا تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَبَيَّنَ عِلَلَهَا ثُمَّ قَالَ وَمَعَ هَذِهِ الْعِلَلِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُعَارَضَةٌ بِحَدِيثِ الْبَابِ وَهُوَ أَرْجَحُ مِنْهَا مِنْ جِهَةِ صِحَّتِهِ وَكَوْنِهِ قَوْلًا وَهَذِهِ فِعْلًا وَالْقَوْلُ أَرْجَحُ مِنَ الْفِعْلِ انْتَهَى

باب ما جاء في الرجل يقتل عبده

18 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَقْتُلُ عَبْدَهُ) [1414] قَوْلُهُ (مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ يُقْتَلُ (وَمَنْ جَدَعَ عَبْدَهُ جَدَعْنَاهُ) أَيْ مَنْ قَطَعَ أَطْرَافَ عَبْدِهِ قَطَعْنَا أَطْرَافَهُ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ طَرَفَ الْحُرِّ لَا يُقْطَعُ بِطَرَفِ الْعَبْدِ فَثَبَتَ بهذا الانفاق أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى الزَّجْرِ وَالرَّدْعِ أَوْ هُوَ مَنْسُوخٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غريب) وأخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَمَنْ خَصَى عَبْدَهُ خَصَيْنَاهُ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا حَسَنٌ غَرِيبٌ وكَذَا وَقَعَ فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ إِنَّ التِّرْمِذِيَّ صَحَّحَهُ وَالصَّوَابُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى فَإِنَّا لَمْ نَجِدْ فِي نُسَخٍ مِنَ التِّرْمِذِيِّ إِلَّا لَفْظَ حَسَنٌ غَرِيبٌ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ إِلَى هَذَا) قَالَ فِي النَّيْلِ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ إِلَّا عَنِ النَّخَعِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى قَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ سَمَاعُ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ صَحِيحٌ وَأَخَذَ بِحَدِيثِهِ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ قَتَلْنَاهُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ وتَأَوَّلُوا الْخَبَرَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ كَانَ عَبْدَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ تَقَدُّمُ الْمِلْكِ مَانِعًا (وَقَالَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ لَيْسَ بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ قِصَاصٌ فِي النَّفْسِ وَلَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْكَشَّافِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ انْتَهَى

باب ما جاء في المرأة هل ترث من دية زوجها

19 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمَرْأَةِ هَلْ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا) [1415] قَوْلُهُ (الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْعَقْلِ وَالْعُقُولِ وَالْعَاقِلَةِ أَمَّا الْعَقْلُ فَهُوَ الدِّيَةُ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ إِذَا قَتَلَ قَتِيلًا جَمَعَ الدِّيَةَ مِنَ الْإِبِلِ فَعَقَلَهَا بِفِنَاءِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ أَيْ شَدَّهَا فِي عُقُلِهَا ليسلها إِلَيْهِمْ وَيَقْبِضُوهَا مِنْهُ فَسُمِّيَتِ الدِّيَةُ عَقْلًا بِالْمَصْدَرِ يُقَالُ عَقَلَ الْبَعِيرَ يَعْقِلُهُ عَقْلًا وَجَمْعُهَا عُقُولٌ وَكَانَ أَصْلُ الدِّيَةِ الْإِبِلَ ثُمَّ قُوِّمَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا والْعَاقِلَةُ هِيَ الْعَصَبَةُ وَالْأَقَارِبُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ الَّذِينَ يُعْطُونَ دِيَةَ قَتِيلِ الْخَطَأِ وَهِيَ صِفَةُ جَمَاعَةٍ عَاقِلَةٍ وَأَصْلُهَا اسْمُ فَاعِلَةٍ مِنَ الْعَقْلِ وَهِيَ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ انْتَهَى (حَتَّى أَخْبَرَهُ) أَيْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الضَّحَّاكُ) بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ المهملة (بن سُفْيَانَ الْكِلَابِيُّ) بِكَسْرِ الْكَافِ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ كَانَ مِنْ عُمَّالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّدَقَاتِ قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ بِشَجَاعَتِهِ يُعَدُّ بِمِائَةِ فَارِسٍ وَكَانَ يَقُومُ عَلَى رَأْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّيْفِ (أَنْ) مَصْدَرِيَّةٌ أَوْ تَفْسِيرِيَّةٌ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ فِيهَا مَعْنَى الْقَوْلِ (وَرِّثْ) أَمْرٌ مِنَ التَّوْرِيثِ أَيْ إِعْطَاءِ الْمِيرَاثِ (امْرَأَةَ أَشْيَمَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَسُكُونِ شِينٍ مُعْجَمَةٍ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ مَفْتُوحَةٌ وَكَانَ قُتِلَ خَطَأً فَإِنَّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ مَالِكٌ مِنْ رواية بن شهاب عن عمر وزاد قال بن شِهَابٍ وَكَانَ قَتْلَهُمْ أَشْيَمَ خَطَأً (الضِّبَابِيِّ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى مَنْسُوبٌ إِلَى ضباب قلعة بالكوفة وهو صحابي ذكره بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فِي الصَّحَابَةِ (مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَرَجَعَ عُمَرُ أَيْ عَنْ قَوْلِهِ لَا تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ لِلْمَقْتُولِ أَوَّلًا ثُمَّ تَنْتَقِلُ مِنْهُ إِلَى وَرَثَتِهِ كَسَائِرِ أَمْلَاكِهِ وهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ كَانَ لَا يُوَرِّثُ الْإِخْوَةَ مِنَ الْأُمِّ وَلَا الزَّوْجَ وَلَا الْمَرْأَةَ مِنَ الدِّيَةِ شَيْئًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ عُمَرُ يَذْهَبُ فِي قَوْلِهِ الْأَوَّلِ إِلَى ظَاهِرِ الْقِيَاسِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْتُولَ لَا تَجِبُ

باب ما جاء في القصاص

دِيَتُهُ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِهِ وإِذَا مَاتَ بَطَلَ مِلْكُهُ فَلَمَّا بَلَغَتْهُ السُّنَّةُ تَرَكَ الرَّأْيَ وَصَارَ إِلَى السُّنَّةِ انْتَهَى قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ هُوَ الْحَقُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وفِي الْبَابِ حَدِيثَانِ آخَرَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْمُنْتَقَى فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقِصَاصِ) بِكَسْرِ الْقَافِ مَصْدَرٌ مِنَ الْمُقَاصَّةِ وَهِيَ الْمُمَاثَلَةُ أَوْ فِعَالٌ مِنْ قَصَّ الْأَثَرَ أَيْ تَبِعَهُ وَالْوَلِيُّ يَتْبَعُ الْقَاتِلَ فِي فِعْلِهِ وفِي الْمُغْرِبِ الْقِصَاصُ هُوَ مُقَاصَّةُ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ الْقَاتِلَ وَالْمَجْرُوحِ الْجَارِحَ وَهِيَ مُسَاوَاتُهُ إِيَّاهُ فِي قَتْلٍ أَوْ جَرْحٍ ثُمَّ عَمَّ فِي كُلِّ مُسَاوَاةٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ [1416] قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا عَضَّ يَدَ رَجُلٍ) الْعَضُّ أَخْذُ الشَّيْءِ بِالسِّنِّ وفِي الصُّرَاحِ الْعَضُّ كزيدن مِنْ سَمِعَ يَسْمَعُ وَضَرَبَ يَضْرِبُ (فَنَزَعَ) أَيْ الْمَعْضُوضُ (يَدَهُ) أَيْ مِنْ فِيِّ الْعَاضِّ (فَوَقَعَتْ) أَيْ سَقَطَتْ (ثَنِيَّتَاهُ) أَيْ ثَنِيَّتَا الْعَاضِّ وَالثَّنِيَّتَانِ السِّنَّانِ الْمُتَقَدِّمَتَانِ وَالْجَمْعُ الثَّنَايَا وَهِيَ الْأَسْنَانُ الْمُتَقَدِّمَةُ اثْنَتَانِ فَوْقُ وَاثْنَتَانِ تَحْتُ (فَاخْتَصَمُوا) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَاخْتَصَمَا (فَقَالَ يَعَضُّ أَحَدُكُمْ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ (كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ أَيْ الذَّكَرُ مِنَ الْإِبِلِ (لَا دِيَةَ لَكَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ إِذَا وَقَعَتْ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مِنْهُ كَالْقِصَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَا شَابَهَهَا فَلَا قِصَاصَ وَلَا أَرْشَ فَأَنْزَلَ الله تعالى والجروح قصاص أَيْ يُقْتَصُّ فِيهَا إِذَا أَمْكَنَ كَالْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالذَّكَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَا لَا يُمْكِنُ فِيهِ الْحُكُومَةُ كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ أعني فأنزل الله تعالى والجروح قصاص لَمْ أَجِدْهَا فِي غَيْرِ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى (وَسَلَمَةَ بن أمية) أخرجه النسائي وبن مَاجَهْ (وَهُمَا أَخَوَانِ) فِي التَّقْرِيبِ سَلَمَةُ بْنُ أُمَيَّةَ التَّمِيمِيُّ الْكُوفِيُّ أَخُو يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ انْتَهَى قُلْتُ وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ

باب ما جاء في الحبس في التهمة

21 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَبْسِ فِي التُّهْمَةِ) [1417] قَوْلُهُ (عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ) بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ جَدِّهِ) هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيُّ قَوْلُهُ (حَبَسَ رَجُلًا فِي تُهْمَةٍ) أَيْ فِي أَدَاءِ شَهَادَةٍ بِأَنْ كَذَبَ فِيهَا أَوْ بِأَنِ ادَّعَى عَلَيْهِ رَجُلٌ ذَنْبًا أَوْ دَيْنًا فَحَبَسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَعْلَمَ صِدْقَ الدَّعْوَى بِالْبَيِّنَةِ ثُمَّ لَمَّا لَمْ يُقِمِ الْبَيِّنَةَ خَلَّى عَنْهُ (ثُمَّ خَلَّى عَنْهُ) أَيْ تَرَكَهُ عَنِ الْحَبْسِ بِأَنْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ وَالْمَعْنَى خَلَّى سَبِيلَهُ عَنْهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَبْسَ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ فِيهِ أَنَّ حَبْسَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَشْرُوعٌ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الْبَيِّنَةُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَجَدُّ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيُّ وَلَهُ صُحْبَةٌ وفِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ اخْتِلَافٌ انْتَهَى قُلْتُ سُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَقَالَ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِذَا كَانَ مِنْ دُونِ بَهْزٍ ثِقَةٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي أُسْدِ الْغَابَةِ وقال في تهذيب التهذيب وقال بن حبان كان يخطىء كَثِيرًا فَأَمَّا أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فَهُمَا يَحْتَجَّانِ بِهِ وَتَرَكَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى إسماعيل بن إبراهيم) هو بن عُلَيَّةَ (عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ هَذَا الْحَدِيثَ أَتَمَّ مِنْ هَذَا وَأَطْوَلَ) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَبَاهُ أَوْ عَمَّهُ قَامَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ جِيرَانِي بِمَ أُخِذُوا فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ أَخْبِرْنِي بِمَ أُخِذُوا فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقَالَ لَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ إِنَّهُمْ لَيَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَنْهَى عَنِ الْغَيِّ وَتَسْتَخْلِي بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قال فقام أخوه أو بن أَخِيهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ قَالَ فَقَالَ لَقَدْ قُلْتُمُوهَا أَوْ قَائِلُكُمْ وَلَئِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ ذَلِكَ إِنَّهُ لَعَلَيَّ وَمَا هُوَ عَلَيْكُمْ خَلُّوا لَهُ عَنْ جِيرَانِهِ وأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرُ عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ قَوْمِي فِي تُهْمَةٍ فَحَبَسَهُمْ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ عَلَامَ تَحْبِسُ جِيرَانِي فَصَمَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ فَقَالَ إِنَّ نَاسًا لَيَقُولُونَ إِنَّكَ تَنْهَى عَنِ الشَّرِّ وَتَسْتَخْلِي بِهِ

باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَقُولُ قَالَ فَجَعَلْتُ أَعْرِضُ بَيْنَهُمَا بِالْكَلَامِ مَخَافَةَ أَنْ يَسْمَعَهَا فَيَدْعُوَ عَلَى قَوْمِي دَعْوَةً لَا يُفْلِحُونَ بَعْدَهَا أَبَدًا فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ حَتَّى فَهِمَهَا فَقَالَ قَدْ قَالُوهَا أَوْ قَائِلُهَا مِنْهُمْ وَاللَّهِ لَوْ فَعَلْتُ لَكَانَ عَلَيَّ وَمَا كَانَ عَلَيْهِمْ خَلُّوا لَهُ عَنْ جِيرَانِهِ انْتَهَى 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ) [1418] قَوْلُهُ (وَحَاتِمُ بْنُ سِيَاهٍ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تحتانية وآخرها هاء منونة مقبول مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَهْلٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بن عمرو بن نفيل) العدوي أحد العشرة قَوْلُهُ (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ) أَيْ عِنْدَ الدَّفْعِ عَنْ مَالِهِ (فَهُوَ شَهِيدٌ) أَيْ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ لَا فِي حُكْمِ الدُّنْيَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ [1419] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُطَّلِبِ) بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ الْمَخْزُومِيُّ أَبُو طَالِبٍ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وأبي هريرة وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ طَرِيقَيْنِ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي قَالَ فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قاتلني قال قَاتِلْهُ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي قَالَ فَأَنْتَ شَهِيدٌ قَالَ أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ قَالَ هُوَ فِي النَّارِ وفِي لَفْظِ أَحْمَدَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عُدِيَ عَلَى مَالِي قَالَ انْشُدِ اللَّهَ قَالَ فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ قَالَ انْشُدِ اللَّهَ قَالَ فَإِنْ أَبَوْا عَلَيَّ قَالَ قَاتِلْ فَإِنْ قُتِلْتَ

فَفِي الْجَنَّةِ وَإِنْ قَتَلْتَ فَفِي النَّارِ وَأَمَّا حديث بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أخرج أحمد والنسائي وأبو داود والبيهقي وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيَكَ عَنْهُ بِلَفْظِ وَلَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ وفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ من حديث بن عُمَرَ مَا كَانَ عَلَيْكَ فِيهِ شَيْءٌ كَذَا في النيل وأما حديث بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ اعْلَمْ أَنَّ الْحَافِظَ قَدْ تَعَقَّبَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مِنَ التَّلْخِيصِ مَنْ زَعَمَ أن حديث بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وقَالَ إِنَّهُ مِنْ أَفْرَادِ الْبُخَارِيِّ وفِي هَذَا التَّعَقُّبِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وفِيهِ قِصَّةٌ وَقَدِ اعْتَرَفَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ وَالْغَصْبِ بِأَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ من طريق بن عَمْرٍو وَذَكَرَ الْقِصَّةَ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) وهو الحق لأحاديث الباب (قال بن الْمُبَارَكِ يُقَاتِلُ عَنْ مَالِهِ وَلَوْ دِرْهَمَيْنِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ دِرْهَمَيْنِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَجُوزُ مُقَاتَلَةُ مَنْ أَرَادَ أَخْذَ مَالِ إِنْسَانٍ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إِذَا كَانَ الْأَخْذُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَمَا حَكَاهُ النَّوَوِيُّ وَالْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّ الْمُقَاتَلَةَ وَاجِبَةٌ وقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لَا تَجُوزُ إِذَا طَلَبَ الشَّيْءَ الْخَفِيفَ ولَعَلَّ مُتَمَسَّكُ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْمُقَاتَلَةِ وَالنَّهْيِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَالِ إِلَى مَنْ رَامَ غَصْبَهُ وأَمَّا الْقَائِلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ فِي الشَّيْءِ الْخَفِيفِ فَعُمُومُ أَحَادِيثِ الْبَابِ تَرُدُّ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ فَلَا يَعْدِلُ الْمُدَافِعُ إِلَى الْقَتْلِ مَعَ إِمْكَانِ الدَّفْعِ بِدُونِهِ ويَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنْشَادِ اللَّهِ قَبْلَ الْمُقَاتَلَةِ وَكَمَا تَدُلُّ الْأَحَادِيثُ عَلَى جَوَازِ الْمُقَاتَلَةِ لِمَنْ أَرَادَ أَخْذَ الْمَالِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْمُقَاتَلَةِ لِمَنْ أَرَادَ إِرَاقَةَ الدَّمِ وَالْفِتْنَةَ في الدين والأهل وحكى بن الْمُنْذِرِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ أَوْ نَفْسُهُ أَوْ حَرِيمُهُ فَلَهُ الْمُقَاتَلَةُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ عَقْلٌ وَلَا دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ قال بن الْمُنْذِرِ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ عَمَّا ذُكِرَ إِذَا أُرِيدَ ظُلْمًا بِغَيْرِ تَفْصِيلٍ إِلَّا أَنَّ كُلَّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ كَالْمُجْمِعِينَ عَلَى اسْتِثْنَاءِ السُّلْطَانِ لِلْآثَارِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّبْرِ عَلَى جَوْرِهِ وَتَرْكِ الْقِيَامِ عَلَيْهِ انْتَهَى ويَدُلُّ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ فِي قَتْلِ مَنْ كَانَ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وحَمَلَ الْأَوْزَاعِيُّ أَحَادِيثَ

الْبَابِ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي لِلنَّاسِ فِيهَا إِمَامٌ وَأَمَّا حَالَةُ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ فَلْيَسْتَسْلِمْ الْمَبْغِيُّ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَا يُقَاتِلُ أَحَدًا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ يَعْنِي الْحَدِيثَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ [1420] قَوْلُهُ (قَالَ سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (وَأَثْنَى) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ قَوْلُهُ (مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ) بِالرَّفْعِ أَيْ الْإِنْسَانُ الذي أراد إنسان آخَرَ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ (بِغَيْرِ حَقٍّ) أَيْ ظُلْمًا (فَقَاتَلَ) أَيْ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ الَّذِي هُوَ مَالِكُ الْمَالِ دُونَ مَالِهِ (فَقُتِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ مَالِكُ الْمَالِ (فَهُوَ) أَيْ مَالِكُ الْمَالِ الْمَقْتُولُ (شَهِيدٌ) أَيْ فِي حُكْمِ الْآخِرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ [1421] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ) الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا أَبِي) هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ حُجَّةٌ تَكَلَّمَ فِيهِ بِلَا قَادِحٍ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ الْبَغْدَادِيُّ ثِقَةٌ وَلِيَ قَضَاءَ وَاسِطٍ وَغَيْرِهَا مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ) أَيْ عِنْدَ دَفْعِهِ مَنْ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِهِ ظُلْمًا (وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ) أَيْ فِي الدَّفْعِ عَنْ نَفْسِهِ (وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ) أَيْ فِي نُصْرَةِ دِينِ اللَّهِ وَالذَّبِّ عَنْهُ (وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ) أَيْ فِي الدَّفْعِ عَنْ بُضْعِ حَلِيلَتِهِ أَوْ قَرِيبَتِهِ (فَهُوَ شَهِيدٌ) لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ مُحْتَرَمٌ ذَاتًا وَدَمًا وَأَهْلًا وَمَالًا فَإِذَا أُرِيدَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ الدَّفْعُ عَنْهُ فَإِذَا قُتِلَ بِسَبَبِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ

باب ما جاء في القسامة

23 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَسَامَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ مَصْدَرُ أَقْسَمَ وَالْمُرَادُ بِهَا الْأَيْمَانُ وَاشْتِقَاقُ الْقَسَامَةِ مِنَ الْقَسَمِ كَالْجَمَاعَةِ مِنَ الْجَمْعِ وَقَدْ حَكَى إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْقَسَامَةَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ اسْمٌ لِلْأَيْمَانِ وَعِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ اسْمٌ لِلْحَالِفِينَ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي الْقَامُوسِ وقَالَ فِي الضِّيَاءِ إِنَّهَا الْأَيْمَانُ وَقَالَ فِي الْمُحْكَمِ إِنَّهَا فِي اللُّغَةِ الْجَمَاعَةُ ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى الْأَيْمَانِ قَالَهُ فِي النَّيْلِ وقَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَسَبَبُ الْقَسَامَةِ وُجُودُ الْقَتْلِ فِي الْمَحَلَّةِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا وَرُكْنُهَا قَوْلُهُمْ بِاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا وشَرْطُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُقْسِمُ رَجُلًا حُرًّا عَاقِلًا وقَالَ مَالِكٌ يَدْخُلُ النِّسَاءُ فِي قَسَامَةِ الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ وَحُكْمُهَا الْقَضَاءُ بِوُجُوبِ الدِّيَةِ بَعْدَ الْحَلِفِ سَوَاءٌ كَانَتِ الدَّعْوَى فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ أَوْ الْخَطَأِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ صُورَةُ قَتِيلِ الْقَسَامَةِ أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ وَادَّعَى وَلِيُّهُ عَلَى رَجُلٍ أَوْ عَلَى جَمَاعَةٍ قَتْلَهُ وَكَانَ عَلَيْهِمْ لَوْثٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ مَا يُغَلِّبُ عَلَى الظَّنِّ صِدْقَ الْمُدَّعِي كَأَنْ وُجِدَ فِي مَحَلَّتِهِمْ وَكَانَ بَيْنَ الْقَتِيلِ وَبَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ [1422] قَوْلُهُ (عَنْ بُشَيْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا الْحَارِثِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (قَالَ قَالَ يَحْيَى وَحَسِبْتُ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) كَذَا فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ وَعَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ بِالْوَاوِ قَبْلَ عَنْ وَكَذَلِكَ وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ عَنْ يَحْيَى عَنْ بُشَيْرٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ يَحْيَى وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ أَنَّهُمَا قَالَا خَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ إِلَخْ وقَالَ وفِي الْأَدَبِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ بُشَيْرٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ إِلَخْ (أَنَّهُمَا) أَيْ سَهْلًا وَرَافِعًا (وَمُحَيِّصَةُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ (أَقْبَلَ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَأَقْبَلَ (وَحُوَيِّصَةُ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ مُصَغَّرًا وَقَدْ رُوِيَ التَّخْفِيفُ فِيهِ وفِي مُحَيِّصَةَ (قَبْلَ صَاحِبِهِ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ صَاحِبَيْهِ وَهُوَ

الظَّاهِرُ (كَبِّرْ الْكُبْرَ) الْأَوَّلُ أَمْرٌ مِنَ التَّكْبِيرِ وَالثَّانِي بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ قَدِّمْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْكَ وَأَسَنُّ بِالْكَلَامِ إِرْشَادٌ إِلَى الْأَدَبِ (مَقْتَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ) أَيْ قَتْلَهُ (فَقَالَ لَهُمْ أَتَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا) وفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ (صَاحِبَكُمْ أَوْ قَاتِلَكُمْ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (قَالَ فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا) وفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ فَتُبَرِّئُكُمْ يَهُودُ فِي أَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ أَيْ يَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنَ الْيَهُودِ فَتُبَرِّئُكُمْ مِنْ أَنْ تَحْلِفُوا (أَعْطَى عَقْلَهُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ أَيْ دِيَتَهُ زَادَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مِنْ عِنْدِهِ وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلَّ دَمُهُ فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ غَلَطٌ مِنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ لِتَصْرِيحِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِقَوْلِهِ مَنْ عِنْدَهُ وَجَمَعَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ بِمَالٍ دَفَعَهُ مِنْ عِنْدِهِ أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِنْ عِنْدِهِ أَيْ بَيْتِ الْمَالِ الْمُرْصَدِ لِلْمَصَالِحِ وَأُطْلِقَ عَلَيْهِ صَدَقَةً بِاعْتِبَارِ الِانْتِفَاعِ بِهِ مَجَّانًا لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وقَدْ حَمَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى ظَاهِرِهِ فَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ جَوَازَ صَرْفِ الزَّكَاةِ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي لَاسٍ قَالَ حَمَلَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِبِلٍ مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ فِي الْحَجِّ وعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالْعِنْدِيَّةِ كَوْنُهَا تَحْتَ أَمْرِهِ وَحُكْمِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ وَقَاعِدَةٌ مِنْ قواعد الأحكام وركن من أركان مصالح العباد وَبِهِ أَخَذَ كَافَّةُ الْأَئِمَّةِ وَالسَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعُلَمَاءِ الْأُمَّةِ وَفُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ وَالشَّامِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي صُورَةِ الْأَخْذِ بِهِ وَرُوِيَ التَّوَقُّفُ عَنِ الْأَخْذِ بِهِ عَنْ طَائِفَةٍ فَلَمْ يَرَوُا الْقَسَامَةَ وَلَا أَثْبَتُوا بِهَا فِي الشَّرْعِ حُكْمًا وهَذَا مَذْهَبُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ وَأَبِي قِلَابَةَ وَسَالِمِ بْنِ

عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَقَتَادَةَ وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ عُلَيَّةَ وَإِلَيْهِ يَنْحُو الْبُخَارِيُّ ورُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِاخْتِلَافٍ عَنْهُ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا يُنَافِي مَا صَدَّرَ بِهِ كَلَامَهُ أَنَّ كَافَّةَ الْأَئِمَّةِ أَخَذُوا بِهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَمَّنْ لَمْ يَقُلْ بِمَشْرُوعِيَّتِهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ انْتَهَى (وَقَدْ رَأَى بَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ الْقَوَدَ بِالْقَسَامَةِ إِلَخْ) اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِالْقَسَامَةِ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا هَلْ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهَا أَمْ لَا فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ وهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ قَوْلَيْهِ لَا يَجِبُ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ واخْتَلَفُوا فِي مَنْ يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ يَحْلِفُ الورثة ويجب الحق بحلفهم وقال أصحاب أبو حَنِيفَةَ يُسْتَحْلَفُ خَمْسُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَيَتَحَرَّاهُمْ الْوَلِيُّ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَمَا عَلِمْنَا قَاتِلَهُ فَإِذَا حَلَفُوا قَضَى عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِمْ بِالدِّيَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ نقلا عن النووي

15 - أبواب الحدود

15 - أبواب الحدود (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ) [1423] قَوْلُهُ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ (عَنْ علي) هو بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (رُفِعَ الْقَلَمُ) كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ التَّكْلِيفِ (عَنْ ثَلَاثَةٍ) قَالَ السُّبْكِيُّ الَّذِي وَقَعَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ ثَلَاثَةٍ بِالْهَاءِ وفِي بَعْضِ كُتُبِ الْفُقَهَاءِ ثَلَاثٍ بِغَيْرِ هَاءٍ ولَمْ أَرَ لَهُ أَصْلًا قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ (عَنِ النَّائِمِ) وَلَا يَزَالُ مُرْتَفِعًا (حَتَّى يَسْتَيْقِظَ) مِنْ نَوْمِهِ وَكَذَلِكَ يُقَدَّرُ فِيمَا بَعْدَهُ (وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ) وفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَحْتَلِمَ وفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَكْبُرَ وفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَبْلُغَ قَالَ السُّبْكِيُّ لَيْسَ فِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَكْبَرَ مِنَ الْبَيَانِ وَلَا فِي قَوْلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَعْنِي رِوَايَةَ حَتَّى يَحْتَلِمَ فَالتَّمَسُّكُ بِهَا لِبَيَانِهَا وَصِحَّةِ سَنَدِهَا أَوْلَى (وَعَنِ الْمَعْتُوهِ) أَيْ الْمَجْنُونِ وَنَحْوِهِ (حَتَّى يَعْقِلَ) أَيْ حَتَّى يُفِيقَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الدارمي وأخرجه بن مَاجَهْ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ

المذكور والحديث أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ أَيْضًا (وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَلِيٍّ) أَيْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَسَانِيدَ عَدِيدَةٍ (وَرَوَى بَعْضُهُمْ وَعَنِ الْغُلَامِ حَتَّى يَحْتَلِمَ) أَيْ مَكَانَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَشِبَّ (وَلَا نَعْرِفُ لِلْحَسَنِ سَمَاعًا مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ سُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ هَلْ سَمِعَ الْحَسَنُ أَحَدًا مِنَ الْبَدْرِيِّينَ قَالَ رَآهُمْ رُؤْيَةً رَأَى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا قِيلَ هَلْ سَمِعَ مِنْهُمَا حَدِيثًا قَالَ لَا رَأَى عَلِيًّا بِالْمَدِينَةِ وَخَرَجَ عَلِيٌّ إِلَى الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَلَمْ يَلْقَهُ الْحَسَنُ بَعْدَ ذَلِكَ وقَالَ الْحَسَنُ رَأَيْتُ الزُّبَيْرَ يُبَايِعُ عَلِيًّا وقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ لَمْ يَرَ عَلِيًّا إِلَّا أَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ غُلَامٌ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ قَالَ النِّيمَوِيُّ اتِّصَالُ الْحَسَنِ بِعَلِيٍّ ثَابِتٌ بِوُجُوهٍ فَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الصَّغِيرِ فِي تَرْجَمَةِ سُلَيْمَانِ بْنِ سَالِمٍ الْقُرَشِيِّ الْعَطَّارِ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ رَأَى عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ الْتَزَمَا وَرَأَى عُثْمَانَ وَعَلِيًّا الْتَزَمَا ومِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْمِزِّيُّ فِي تَهْذِيبِ الْكَمَالِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ سَأَلْتُ الْحَسَنَ قُلْتُ يَا أَبَا سَعِيدٍ إِنَّكَ تَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّكَ لَمْ تُدْرِكْهُ قَالَ يا بن أَخِي لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ شَيْءٍ مَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ وَلَوْلَا مَنْزِلَتُكَ مِنِّي مَا أَخْبَرْتُكَ إِنِّي فِي زَمَانٍ كَمَا تَرَى وكَانَ فِي عَمَلِ الْحَجَّاجِ كُلُّ شَيْءٍ سَمِعْتَنِي أَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ غَيْرَ أَنِّي فِي زَمَانٍ لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَذْكُرَ عَلِيًّا ومِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا حَوْثَرَةُ بْنُ أَشْرَسَ قَالَ أَخْبَرَنَا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي الصَّهْبَاءِ الْبَاهِلِيُّ قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ الْحَدِيثَ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي إِتْحَافِ الْفِرْقَةِ بِوَصْلِ الْخِرْقَةِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّيْرَفِيُّ شَيْخُ شُيُوخِنَا هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ورِجَالُهُ ثِقَاتٌ حَوْثَرَةُ وَثَّقَهُ بن حبان وعقبة وثقة أحمد وبن مَعِينٍ قُلْتُ أَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فَفِي سَنَدِهِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ وأَمَّا قَوْلُ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ فَلْيُنْظَرْ كَيْفَ إِسْنَادُهُ وأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى فَالظَّاهِرُ صِحَّتُهُ فَإِنْ كَانَ خَالِيًا عَنْ عِلَّةٍ خَفِيَّةٍ قَادِحَةٍ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هذا الْحَدِيثِ وَرَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ) لَيْسَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ عَنْ وَهُوَ الصَّحِيحُ (عَنْ أَبِي ظبيان عن بن عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَلَمْ يَرْفَعْهُ

باب ما جاء في درء الحدود

قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ عَلِيٌّ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلَاثٍ عَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي الْجَعْدِيَّاتِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْجَعْدِ عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أبي ظبيان عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ عُمَرَ أُتِيَ بِمَجْنُونَةٍ قَدْ زَنَتْ وَهِيَ حُبْلَى فَأَرَادَ أَنْ يَرْجُمَهَا فَقَالَ لَهُ علي أما بلغك أن القلم قد وضع عن ثلاثة فذكره وتابعه بن نُمَيْرٍ وَوَكِيعٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ فَصَرَّحَ فِيهِ بالرفع أخرجه أبو داود وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا لَكِنْ لم يذكر فيهما بن عَبَّاسٍ جَعَلَهُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَلِيٍّ وَرَجَحَ الْمَوْقُوفَ عَلَى الْمَرْفُوعِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَخَذَ بِمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ الْجُمْهُورُ لَكِنِ اخْتَلَفُوا فِي إِيقَاعِ طَلَاقِ الصَّبِيِّ فعن بن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ يَلْزَمُهُ إِذَا عَقَلَ وَمَيَّزَ وَحْدَهُ وَعِنْدَ أَحْمَدَ أَنْ يُطِيقَ الصِّيَامَ وَيُحْصِيَ الصَّلَاةَ وعند عطاء إذا بلغ اثنا عشر سَنَةً وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةُ إِذَا نَاهَزَ الِاحْتِلَامَ انْتَهَى قُلْتُ وَحَدِيثُ الْبَابِ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (وَأَبُو ظَبْيَانَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وسكون الموحدة (اسْمُهُ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدُبِ) بْنِ الْحَارِثِ الْجَنْبِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (بَاب مَا جَاءَ فِي درء الحدود) [1424] قوله (ادرأوا الْحُدُودَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَمْرٌ مِنَ الدَّرْءِ أَيْ ادْفَعُوا إِيقَاعَ الْحُدُودِ (مَا اسْتَطَعْتُمْ) أَيْ مُدَّةَ اسْتِطَاعَتِكُمْ وَقَدْرَ طَاقَتِكُمْ (فَإِنْ كَانَ لَهُ) أَيْ لِلْحَدِّ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ الْحُدُودُ (مَخْرَجٌ) اسْمُ مَكَانٍ أَيْ عُذْرٌ يَدْفَعُهُ (فَخَلُّوا سَبِيلَهُ) أَيْ اتْرُكُوا إِجْرَاءَ الْحَدِّ عَلَى صَاحِبِهِ ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضمير له للمسلم المستفاد مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَرَدَ فِي رِوَايَةِ فَإِنْ وَجَدْتُمْ لِلْمُسْلِمِ مَخْرَجًا فَالْمَعْنَى اتْرُكُوهُ أَوْ لا

تتعرضوا له (فإن الإمام إن يخطىء) أَيْ خَطَؤُهُ (فِي الْعَفْوِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (خَيْرٌ من أن يخطىء فِي الْعُقُوبَةِ) وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ إِنْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا في رواية لأن يخطىء بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ لَامُ الِابْتِدَاءِ قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا اسْتَطَعْتُمْ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ إِلَيَّ فَإِنَّ الْإِمَامَ إِذَا سَلَكَ سَبِيلَ الْخَطَأِ فِي الْعَفْوِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْلُكَ سَبِيلَ الْخَطَأِ فِي الْحُدُودِ فَإِنَّ الْحُدُودَ إِذَا وَصَلَتْ إِلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِنْفَاذُ قَالَ الطِّيبِيُّ نَزَّلَ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَى حَدِيثِ تَعَافَوْا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ وَجَعَلَ الْخِطَابَ فِي الْحَدِيثِ لِعَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ رَجُلٍ وَبُرَيْدَةَ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ فَيَكُونُ الْخِطَابُ لِلْأَئِمَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلرَّجُلِ أَبِكَ جُنُونٌ ثُمَّ قَوْلُهُ أَحْصَنْتَ وَلِمَاعِزٍ أَبِهِ جُنُونٌ ثُمَّ قَوْلُهُ أَشَرِبَ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَدْرَأَ الْحُدُودَ بالشبهات انتهى قال القارىء بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الطِّيبِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ هَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ لَا يُلَائِمُهُ قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ عَامَّةَ الْمُسْلِمِينَ مَأْمُورُونَ بِالسَّتْرِ مُطْلَقًا وَلَا يُنَاسِبُهُ أَيْضًا لَفْظُ خَيْرٌ كَمَا لَا يَخْفَى فَالصَّوَابُ أَنَّ الْخِطَابَ لِلْأَئِمَّةِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا الْحُدُودَ بِكُلِّ عُذْرٍ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَدْفَعَ بِهِ كَمَا وَقَعَ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمَاعِزٍ وَغَيْرِهِ مِنْ تَلْقِينِ الْأَعْذَارِ انتهى كلام القارىء قَالَ الطِّيبِيُّ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ مُظْهَرًا أُقِيمَ مَقَامَ الْمُضْمَرِ عَلَى سَبِيلِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ حَثًّا عَلَى إِظْهَارِ الرَّأْفَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هريرة فأخرجه بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَلَفْظُهُ ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهَا مَدْفَعًا وأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ بِالْوَاوِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ تَعَافَوُا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ قَالَ الشوكاني وفي الباب عن علي مرفوعا أدرأوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ وفِيهِ الْمُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ قَالَ وَأَصَحُّ مَا فِيهِ حَدِيثُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قال أدرأوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ ادْفَعُوا الْقَتْلَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ورُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَمُعَاذٍ أَيْضًا مَوْقُوفًا وَرُوِيَ مُنْقَطِعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ ورواه بن حَزْمٍ فِي كِتَابِ الِاتِّصَالِ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا عليه قال الحافظ وإسناده صحيح ورواه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عمر بلفظ لأن أخطىء فِي الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُقِيمَهَا بِالشُّبُهَاتِ فِي مُسْنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْحَارِثِيِّ من طريق مقسم عن بن عباس مرفوعا بلفظ ادرأوا

باب ما جاء في الستر على المسلم

الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ ومَا فِي الْبَابِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْمَقَالُ الْمَعْرُوفُ فَقَدْ شَدَّ مِنْ عَضُدِهِ مَا ذَكَرْنَاهُ فَيَصْلُحُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ الْمُحْتَمَلَةِ لَا مُطْلَقِ الشُّبُهَاتِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ رَبِيعَةَ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ) وَقَدْ تَقَدَّمَ آثَارُهُمْ (باب مَا جَاءَ فِي السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ) [1425] قَوْلُهُ (مَنْ نَفَّسَ) مِنَ التَّنْفِيسِ أَيْ فَرَّجَ وَأَزَالَ وَكَشَفَ (عَنْ مُسْلِمٍ) كُرْبَةً بِضَمِّ الْكَافِ فُعْلَةٌ مِنَ الْكَرْبِ وَهِيَ الْخَصْلَةُ الَّتِي يُحْزَنُ بِهَا وَجَمْعُهَا كُرَبٌ بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وَالنُّونُ فِيهَا لِلْإِفْرَادِ وَالتَّحْقِيرِ أَيْ هَمًّا وَاحِدًا مِنْ هُمُومِهَا أَيُّ هَمٍّ كَانَ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا (مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا) أَيْ بَعْضِ كُرَبِهَا أَوْ كُرْبَةٍ مُبْتَدَأَةٍ مِنْ كُرَبِهَا (نَفَّسَ اللَّهُ) أَيْ أَزَالَهَا وَفَرَّجَهَا (عَنْهُ) أَيْ عَنْ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً (مِنْ كُرَبِ الْآخِرَةِ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَنْفِيسُ الْكَرْبِ إِحْسَانٌ لَهُمْ وَقَدْ قَالَ تعالى هل جزاء الإحسان إلا الإحسان وَلَيْسَ هَذَا مُنَافِيًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّهَا تُجَازَى بِمِثْلِهَا وَضِعْفِهَا إِلَى عَشْرَةٍ إِلَى مِائَةٍ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ إِلَى غَيْرِ حِسَابٍ عَلَى أَنَّ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ تُسَاوِي عَشْرًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا ويَدُلُّ عَلَيْهِ تَنْوِينُ التَّعْظِيمِ وَتَخْصِيصُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ دُونَ يَوْمٍ آخَرَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُضَاعَفَةَ إِمَّا فِي الْكَمِّيَّةِ أَوْ فِي الْكَيْفِيَّةِ (من ستر على مسلم) وفي حديث بن عُمَرَ مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا أَيْ بَدَنَهُ أَوْ عيبه بعدم الغيبة له والذب عن معائبه وهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ لَيْسَ

مَعْرُوفًا بِالْفَسَادِ وَإِلَّا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُرْفَعَ قِصَّتُهُ إلى الوالي فإذا رأى في مَعْصِيَةً فَيُنْكِرُهَا بِحَسَبِ الْقُدْرَةِ وَإِنْ عَجَزَ يَرْفَعُهَا إِلَى الْحَاكِمِ إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ (سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) أَيْ لَمْ يَفْضَحْهُ بِإِظْهَارِ عُيُوبِهِ وَذُنُوبِهِ (وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) وفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ أَيْ مَنْ كَانَ سَاعِيًا فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ وفِيهِ تَنْبِيهٌ نَبِيهٌ عَلَى فَضِيلَةِ عَوْنِ الْأَخِ عَلَى أُمُورِهِ وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُكَافَأَةَ عَلَيْهَا بِجِنْسِهَا مِنَ الْعِنَايَةِ الْإِلَهِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ بِقَلْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ بِهِمَا لِدَفْعِ الْمَضَارِّ أَوْ جَلْبِ الْمَنَافِعِ إِذِ الْكُلُّ عَوْنٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ عنه مرفوعا أبو داود والنسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لفظه من ستر عورة أخيه فكأنما استحي موؤدة فِي قَبْرِهَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ رِجَالٌ أَسَانِيدُهُمْ ثِقَاتٌ وَلَكِنِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَشِيطٍ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ذَكَرْتُ بَعْضَهُ فِي مختصر السنن انتهى وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ إِلَخْ) أَيْ بِالِاتِّصَالِ بَيْنَ الْأَعْمَشِ وَأَبِي صَالِحٍ (وَرَوَى أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حُدِّثْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) فَفِي رِوَايَةِ أَسْبَاطٍ انْقِطَاعٌ بَيْنَ الْأَعْمَشِ وَأَبِي صَالِحٍ فَإِنَّ الْأَعْمَشَ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ الترمذي وحسنه والنسائي وبن مَاجَهْ انْتَهَى قُلْتُ لَيْسَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ عِنْدِي تَحْسِينُ التِّرْمِذِيِّ لِهَذَا الْحَدِيثِ [1426] قَوْلُهُ (عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ) قال الله تعالى (إنما المؤمنون إخوة) وَلَا يُسْلِمُهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ لا

باب ما جاء في التلقين في الحد

يَخْذُلُهُ بَلْ يَنْصُرُهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَسْلَمَ فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا أَلْقَاهُ فِي التَّهْلُكَةِ وَلَمْ يَحْمِهِ مِنْ عَدُوِّهِ وَهُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ أَسْلَمْتَهُ إِلَى شَيْءٍ لَكِنْ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ وَغَلَبَ عَلَيْهِ الْإِلْقَاءُ فِي الْهَلَكَةِ وقَالَ بَعْضُهُمْ الْهَمْزَةُ فِيهِ لِلسَّلْبِ أَيْ لَا يُزِيلُ سَلَمَهُ وَهُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا الصُّلْحُ قَوْلُهُ (مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ) أَيْ فِي قَضَائِهَا (وَمَنْ فَرَّجَ) مِنَ التَّفْرِيجِ أَيْ أَزَالَ وَكَشَفَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حديث بن عُمَرَ) هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمِشْكَاةِ لَكِنْ لَمْ يَعْزُهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ إِلَى الشَّيْخَيْنِ بَلْ عَزَاهُ إِلَى أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ (باب مَا جَاءَ فِي التَّلْقِينِ فِي الْحَدِّ) [1427] قَوْلُهُ (قَالَ لِمَاعِزٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالزَّايِ (أَحَقٌّ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ مَا بَلَغَنِي عَنْكَ (مَا بَلَغَكَ) أَيْ أَيُّ شَيْءٍ بَلَغَكَ (وَقَعْتَ عَلَى جَارِيَةِ آلِ فُلَانٍ) أَيْ جَامَعْتَهَا (فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ) أَيْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ كَأَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّلْقِينِ فِي الْحَدِّ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ هَلْ يَقُولُ الْإِمَامُ لِلْمُقِرِّ لَعَلَّكَ لمست أو غمزت وذكر فيه حديث بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّتِهِ وفِيهِ لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ غَمَزْتَ أَوْ نَظَرْتَ قَالَ لَا يَا رَسُولَ الله الحديث قال الحافظ هذه التَّرْجَمَةُ مَعْقُودَةٌ لِجَوَازِ تَلْقِينِ الْإِمَامِ الْمُقِرَّ بِالْحَدِّ مَا يَدْفَعُهُ عَنْهُ وَقَدْ خَصَّهُ بَعْضُهُمْ بِمَنْ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ أَخْطَأَ أَوْ جَهِلَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ) لينظر من أخرجه (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ

باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع

5 - (باب مَا جَاءَ فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْمُعْتَرِفِ إِذَا رَجَعَ) [1428] قَوْلُهُ (فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ زَنَى) هَذَا نَقْلٌ بِالْمَعْنَى كَمَا لَا يَخْفَى إِذْ لَفْظُهُ إِنِّي قَدْ زَنَيْتُ والْمُرَادُ أَنَّ ما عزا قد زني قاله القارىء قُلْتُ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ كَمَا لَا يَخْفَى (ثُمَّ جَاءَ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ) أَيْ بَعْدَ غيبته عن المجلس قاله القارىء قُلْتُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ على ذلك إلا أن عليه دليل آخَرَ فَلْيُنْظَرْ (فَأَمَرَ بِهِ) أَيْ بِرَجْمِهِ (فِي الرَّابِعَةِ) أَيْ فِي الْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ مِنْ مَجَالِسِ الِاعْتِرَافِ (فَأُخْرِجَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُمِرَ بِإِخْرَاجِهِ (إِلَى الْحَرَّةِ) وَهِيَ بُقْعَةٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ خَارِجَ الْمَدِينَةِ (فَلَمَّا وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ) أَيْ أَلَمَ إِصَابَتِهَا (فَرَّ) أَيْ هَرَبَ (يَشْتَدُّ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ يَسْعَى وَهُوَ حَالٌ (حَتَّى مَرَّ بِرَجُلٍ مَعَهُ لَحْيُ جَمَلٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ عَظْمُ ذَقَنِهِ وَهُوَ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَيْهِ الْأَسْنَانُ (فَضَرَبَهُ) أَيْ الرَّجُلَ (بِهِ) أَيْ بِاللَّحْيِ (وَضَرَبَهُ النَّاسُ) أَيْ آخَرُونَ بِأَشْيَاءَ أخر (وَمَسَّ الْمَوْتَ) عَطْفٌ عَلَى مَسَّ الْحِجَارَةَ عَلَى سَبِيلِ الْبَيَانِ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ ذَلِكَ إِذَا جُعِلَ إِشَارَةً إِلَى الْمَذْكُورِ السَّابِقِ مِنْ فِرَارِهِ مِنْ مَسِّ الْحِجَارَةِ كَأَنَّ قَوْلَهُ إِنَّهُ فَرَّ حِينَ وَجَدَ مَسَّ الْحِجَارَةِ تَكْرَارًا لِأَنَّهُ بَيَانُ ذَلِكَ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُبْهَمًا وقَدْ فُسِّرَ بِمَا بَعْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) وَلَعَلَّهُ كُرِّرَ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ انْتَهَى (هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ) وفِي رِوَايَةٍ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَتُوبَ فيتوب الله عليه قال القارىء أَيْ عَسَى أَنْ يَرْجِعَ عَنْ فِعْلِهِ فَيَرْجِعَ الله عليه بقبول توبته قال بن الملك فيه أن المقر على نفسه بالزنى لَوْ قَالَ مَا زَنَيْتُ أَوْ كَذَبْتُ أَوْ رَجَعْتُ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ فَلَوْ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ إِقَامَتِهِ عَلَيْهِ سَقَطَ الْبَاقِي وقَالَ جَمْعٌ لَا يَسْقُطُ إِذْ لَوْ سَقَطَ لَصَارَ مَاعِزٌ مَقْتُولًا خَطَأً فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِ الْقَاتِلِينَ قُلْنَا إِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ صَرِيحًا لِأَنَّهُ هَرَبَ وَبِالْهَرَبِ لَا يَسْقُطُ الْحَدُّ وتَأْوِيلُ قَوْلِهِ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ أَيْ لِيُنْظَرْ فِي أَمْرِهِ أَهْرَبَ مِنْ ألم الحجارة أو رجع عن إقراره

بالزنى قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخَذَهُمْ بِقَتْلِهِ حَيْثُ فَرَّ فَهَلْ يَلْزَمُهُمْ قَوَدٌ إِذَا قُلْتُ لَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخَذَهُمْ بِشُبْهَةٍ عَرَضَتْ تَصْلُحُ أَنْ يُدْفَعَ بِهَا الْحَدُّ وَقَدْ عُرِضَتْ لَهُمْ شُبْهَةٌ أَيْضًا وَهِيَ إِمْضَاءُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمْ انْتَهَى وفِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ عَلَى نفسه بالزنى إِذَا رَجَعَ فِي خِلَالِ إِقَامَةِ الْحَدِّ فَقَالَ كَذَبْتُ أَوْ مَا زَنَيْتُ أَوْ رَجَعْتُ سَقَطَ مَا بَقِيَ مِنَ الْحَدِّ عَنْهُ وَكَذَلِكَ السَّارِقُ وَشَارِبُ الْخَمْرِ انْتَهَى [1429] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه بن مَاجَهْ (وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَقِيبَ قَوْلِهِ هَذَا بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الحسن بن عَلِيٍّ الْخَلَّالُ إِلَخْ قَوْلُهُ (حَتَّى شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ) أَيْ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ كَأَنَّهُ شَهِدَ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِهِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ (قَالَ أَبِكَ جُنُونٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّمَا قَالَ أَبِكَ جُنُونٌ لِتَحَقُّقِ حَالِهِ فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُصِرُّ عَلَى إِقْرَارِ مَا يَقْتَضِي هَلَاكَهُ مَعَ أَنَّ لَهُ طَرِيقًا فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ بِالتَّوْبَةِ وَهَذَا مُبَالَغَةٌ فِي تَحْقِيقِ حَالِ الْمُسْلِمِ وَصِيَانَةِ دَمِهِ وَإِشَارَةً إِلَى أَنَّ إِقْرَارَ الْمَجْنُونِ بَاطِلٌ وَأَنَّ الْحُدُودَ لَا تَجْرِي عَلَيْهِ (قَالَ أَحْصَنْتَ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أي هل تزوجت (فلما أذلفته الْحِجَارَةُ) أَيْ أَصَابَتْهُ بِحَدِّهَا فَعَقَرَتْهُ مِنْ ذَلَقَ الشَّيْءَ طَرَفَهُ (فَرَّ) أَيْ هَرَبَ (فَأُدْرِكَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أَدْرَكَهُ النَّاسُ مِنَ الْإِدْرَاكِ بِمَعْنَى اللُّحُوقِ (فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا) أَيْ أَثْنَى عَلَيْهِ (وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ) وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَصَلَّى عَلَيْهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَاشِيَةِ السُّنَنِ رَوَاهُ ثَمَانِيَةُ أَنْفُسٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَلَمْ يَذْكُرُوا قَوْلَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ وذَكَرَ الْحَافِظُ رِوَايَاتِ هَؤُلَاءِ الْأَنْفُسِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ قَالَ فَهَؤُلَاءِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ أَنْفُسٍ مِنْهُمْ مَنْ سَكَتَ عَنِ الزِّيَادَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِنَفْيِهَا انْتَهَى قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يَقُلْ يُونُسُ وبن جريج عن

الزُّهْرِيِّ فَصَلَّى عَلَيْهِ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ صَلَّى عَلَيْهِ يَصِحُّ قَالَ رَوَاهُ مَعْمَرُ فَقِيلَ لَهُ رَوَاهُ غَيْرُ مَعْمَرٍ قَالَ لَا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَيْهِ فِي جَزْمِهِ بِأَنَّ مَعْمَرًا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةَ مَعَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ بِهَا إِنَّمَا هُوَ مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَقَدْ خَالَفَهُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ مِنَ الْحُفَّاظِ فَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ لَكِنْ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَوِيَتْ عِنْدَهُ رِوَايَةُ مَحْمُودٍ بِالشَّوَاهِدِ فَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَيْضًا وَهُوَ فِي السُّنَنِ لِأَبِي قُرَّةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حَنِيفٍ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ قَالَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ قَالَ لَا قَالَ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ فَهَذَا الْخَبَرُ يَجْمَعُ الِاخْتِلَافَ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ النَّفْيِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ حِينَ رُجِمَ ورِوَايَةُ الْإِثْبَاتِ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَالَ الْحَافِظُ وَيَتَأَيَّدُ بِمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي قِصَّةِ الْجُهَنِيَّةِ الَّتِي زَنَتْ وَرُجِمَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَتُصَلِّي عَلَيْهَا وَقَدْ زَنَتْ فَقَالَ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِّمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ لَوَسِعَتْهُمْ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحُجَّتُهُمْ أَحَادِيثُ الْبَابِ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ يَحْتَجُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ من اشترط التكرار في الإقرار بالزنى حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ويَحْتَجُّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَجِيئِهِ مِنَ الْجَوَانِبِ الْأَرْبَعَةِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ وَمَنْ لَمْ يَشْتَرِطِ التَّكْرَارَ قَالَ إِنَّمَا رَدَّهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِشُبْهَةٍ دَاخَلَتْهُ فِي أَمْرِهِ ولِذَلِكَ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبِكَ جُنُونٌ قَالَ لَا وفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ أَشَرِبْتَ خَمْرًا فَقَامَ رَجُلٌ فَاسْتَنْكَهَهُ فَلَا يَجِدُ مِنْهُ رِيحَ الْخَمْرِ فَقَالَ أَزَنَيْتَ قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَرُدَّ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِلْكَشْفِ عَنْ حَالِهِ لَا أَنَّ التَّكْرَارَ فِيهِ شَرْطٌ انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ مَرَّةً أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ) وَاخْتَارَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَأَجَابَ عَنْ جَمِيعِ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَقَالَ فِي آخِرِ كَلَامِهِ وَإِذَا قَدْ تَقَرَّرَ لَكَ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْأَرْبَعِ عَرَفْتَ عَدَمَ اشْتِرَاطِ مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ أَنَّ الْأَرْبَعَ لَا تَكْفِي أَنْ تَكُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ فِي أَرْبَعَةِ مَجَالِسَ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الْأَمْكِنَةِ فَرْعُ تَعَدُّدِ الْإِقْرَارِ الْوَاقِعِ فِيهَا وإِذَا لَمْ يُشْتَرَطِ الْأَصْلُ تَبِعَهُ الْفَرْعُ فِي ذَلِكَ وَأَيْضًا لَوْ فَرَضْنَا اشْتِرَاطَ كَوْنِ الْإِقْرَارِ أَرْبَعًا لَمْ يَسْتَلْزِمْ كَوْنَ مَوَاضِعَهِ مُتَعَدِّدَةً أَمَّا عَقْلًا فَظَاهِرٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ انْتِقَالٍ مِمَّا لَا يُخَالِفُ فِي إِمْكَانِهِ عَاقِلٌ وَأَمَّا شَرْعًا فَلَيْسَ فِي الشَّرْعِ مَا يَدُلُّ

باب ما جاء في كراهية أن يشفع في الحدود

عَلَى أَنَّ الْإِقْرَارَ الْوَاقِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَعَ مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ فَضْلًا عَنْ وُجُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ شَرْطٌ ثُمَّ أَجَابَ الشَّوْكَانِيُّ عَنِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا الْحَنَفِيَّةُ عَلَى اشْتِرَاطِ تَعَدُّدِ مَوَاضِعِ الْإِقْرَارِ فَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى النَّيْلِ (وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَخْ) سَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ بِطُولِهِ فِي بَابِ الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ وأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ مُطْلَقٌ قَيَّدَتْهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ وَقَعَ الْإِقْرَارُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَقَدْ رَدَّ الشَّوْكَانِيُّ هَذَا الْجَوَابَ فِي النَّيْلِ فَقَالَ الْإِطْلَاقُ وَالتَّقْيِيدُ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَجَمِيعُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا تَرْبِيعُ الْإِقْرَارِ أَفْعَالٌ وَلَا ظَاهِرَ لَهَا وغَايَةُ مَا فِيهَا جَوَازُ تَأْخِيرِ إِقَامَةِ الْحَدِّ بَعْدَ وُقُوعِ الْإِقْرَارِ مَرَّةً إِلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إِلَى أَرْبَعٍ ثُمَّ لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ بَعْدَ ذَلِكَ وظَاهِرُ السِّيَاقَاتِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ مَاعِزٍ لِقَصْدِ التَّثَبُّتِ كَمَا يُشْعِرُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ لَهُ أَبِكَ جُنُونٌ ثُمَّ سُؤَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِقَوْمِهِ فَتُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي فِيهَا التَّرَاخِي عَنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ بَعْدَ صُدُورِ الْإِقْرَارِ مَرَّةً عَلَى مَنْ كَانَ أَمْرُهُ مُلْتَبِسًا فِي ثُبُوتِ الْعَقْلِ وَاخْتِلَالِهِ وَالصَّحْوِ وَالسُّكْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وأَحَادِيثُ إِقَامَةِ الْحَدِّ بَعْدَ الْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى مَنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِصِحَّةِ الْعَقْلِ وَسَلَامَةِ إِقْرَارِهِ عَنِ الْمُبْطِلَاتِ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يُشَفَّعَ فِي الْحُدُودِ) [1430] قَوْلُهُ (أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمْ) وفِي الْمِشْكَاةِ أَهَمَّهُمْ بِالتَّذْكِيرِ أَيْ أَحْزَنَهُمْ وَأَوْقَعَهُمْ فِي الْهَمِّ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ يُقَالُ أَهَمَّنِي الأمر إذا قلقك وَأَحْزَنَكَ (شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ) أَيْ الْمَنْسُوبَةِ إِلَى بَنِي مَخْزُومٍ قَبِيلَةٍ كَبِيرَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْهُمْ أَبُو جَهْلٍ وَهِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بِنْتِ أَخِي أَبِي سَلَمَةَ (الَّتِي سَرَقَتْ) أَيْ وَكَانَتْ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ أَيْضًا وَقَدْ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا (فَقَالُوا) أَيْ

قَوْمُهَا (مَنْ يُكَلِّمُ) أَيْ بِالشَّفَاعَةِ (فِيهَا) أَيْ فِي شَأْنِهَا ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْحُدُودَ تَنْدَرِئُ بِالشَّفَاعَةِ كَمَا أَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبْهَةِ (مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ) أَيْ مَنْ يَتَجَاسَرُ عَلَيْهِ (إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَحْبُوبُهُ وَهُوَ بِالرَّفْعِ عَطْفُ بَيَانٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ أُسَامَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى يَجْتَرِئُ يَتَجَاسَرُ عَلَيْهِ بِطَرِيقِ الْإِدْلَالِ وَهَذِهِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأُسَامَةَ (فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ) أَيْ فَكَلَّمُوا أُسَامَةَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ كُلَّ شَفَاعَةٍ حَسَنَةٍ مَقْبُولَةٌ وَذُهُولًا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يكن له كفل منها (أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ) الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّوْبِيخِ (ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ) أَيْ بَالَغَ فِي خطبته أو أظهر خطبته قاله القارىء وقَالَ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ أَيْ خطب (إنما أهلك) بصيغة الفاعل قال القارىء وفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (الَّذِينَ مَنْ قَبْلَكُمْ) يَحْتَمِلُ كُلَّهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ (أَنَّهُمْ كَانُوا) أَيْ كَوْنُهُمْ إِذَا سَرَقَ إِلَخْ أَوْ مَا أَهْلَكَهُمْ إِلَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا وَالْحَصْرُ ادِّعَائِيٌّ إِذْ كَانَتْ فِيهِمْ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّهُمْ كَانُوا (إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ) أَيْ الْقَوِيُّ (تَرَكُوهُ) أَيْ بِلَا إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ (وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ) أَيْ الْقَطْعَ أَوْ غَيْرَهُ (وَايْمُ اللَّهِ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَسُكُونِ يَاءٍ وَضَمِّ مِيمٍ وَبِكَسْرٍ وَبِفَتْحِ هَمْزَةٍ وَيُكْسَرُ فَفِي الْقَامُوسِ وَإِيمُنِ اللَّهِ وَإِيمُ اللَّهِ بِكَسْرِ أَوَّلِهِمَا وَإِيمُ اللَّهِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَهُوَ اسْمٌ وُضِعَ لِلْقَسَمِ والتَّقْدِيرُ أَيْمُنُ اللَّهِ قَسَمِي وفِي النِّهَايَةِ وَأَيْمُ اللَّهِ مِنْ أَلْفَاظِ الْقَسَمِ وفِي هَمْزِهَا الْفَتْحُ وَالْكَسْرُ وَالْقَطْعُ وَالْوَصْلُ وفِي شَرْحِ الْجَزَرِيَّةِ لِابْنِ الْمُصَنِّفِ الْأَصْلُ فِيهَا الْكَسْرُ لِأَنَّهَا هَمْزَةُ وَصْلٍ لِسُقُوطِهَا وَإِنَّمَا فُتِحَتْ فِي هَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهُ نَابَ مَنَابَ حَرْفِ الْقَسَمِ وَهُوَ الْوَاوُ فَفُتِحَتْ لِفَتْحِهَا وَهُوَ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مُفْرَدٌ وَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ مِنَ الْيُمْنِ بِمَعْنَى الْبَرَكَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَرَكَةُ اللَّهِ قَسَمِي وذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ جَمْعُ يَمِينٍ وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ قَطْعٍ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ فِي الْوَصْلِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ وفِي الْمَشَارِقِ لِعِيَاضٍ وَأَيْمُ اللَّهِ بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَوَصْلِهَا أَصْلُهُ أَيْمُنُ فَلَمَّا كَثُرَ فِي كَلَامِهِمْ حُذِفَ النُّونُ فَقَالُوا أَيْمُ اللَّهِ وَقَالُوا أَمُ اللَّهِ وَمُ اللَّهِ انْتَهَى وفِيهِ لُغَاتٌ كَثِيرَةٌ ذُكِرَتْ فِي الْقَامُوسِ (لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ إِلَخْ) إِنَّمَا ضَرَبَ الْمَثَلَ بِفَاطِمَةَ لِأَنَّهَا أَعَزُّ أَهْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ

باب ما جاء في تحقيق الرجم

مسعود بن العجماء ويقال بن الأعجم وبن عُمَرَ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ فَلْيُنْظَرْ من أخرجه وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وفِي الْبَابِ عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامِّ أَنَّهُ لَقِيَ رَجُلًا قَدْ أَخَذَ سَارِقًا وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ فَشَفَعَ لَهُ الزُّبَيْرُ لِيُرْسِلَهُ فَقَالَ لَا حَتَّى أَبْلُغَ بِهِ السُّلْطَانَ فَقَالَ الزُّبَيْرُ إِنَّمَا الشَّفَاعَةُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ إِلَى السُّلْطَانِ فَإِذَا بَلَغَ إِلَيْهِ فَقَدْ لُعِنَ الشَّافِعُ وَالْمُشَفَّعُ رَوَاهُ مَالِكٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ (باب مَا جَاءَ فِي تَحْقِيقِ الرَّجْمِ) [1432] قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عليه الكتاب) هذا مقدمة للكلام وتوطية لِلْمَرَامِ رَفْعًا لِلرِّيبَةِ وَدَفْعًا لِلتُّهْمَةِ النَّاشِئَةِ مِنْ فِقْدَانِ تِلَاوَةِ آيَةِ الرَّجْمِ بِنَسْخِهَا مَعَ بَقَاءِ حُكْمِهَا (وَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةُ الرَّجْمِ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا اسْمُ كَانَ وفِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ خَبَرُهُ وَهِيَ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ أَيْ الثَّيِّبُ وَالثَّيِّبَةُ كَذَا فَسَّرَهُ مَالِكٌ في الموطإ قال القارىء وَالْأَظْهَرُ تَفْسِيرُهُمَا بِالْمُحْصَنِ وَالْمُحْصَنَةِ (وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ) أَيْ تَبَعًا لَهُ وفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وُقُوعِ الْإِجْمَاعِ بَعْدَهُ (أَلَا) حَرْفُ التَّنْبِيهِ (وَإِنَّ الرَّجْمَ حَقٌّ) أَيْ ثَابِتٌ أَوْ وَاجِبٌ (عَلَى مَنْ زَنَى) أَيْ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (إِذَا أَحْصَنَ) أَيْ كَانَ بَالِغًا عَاقِلًا قَدْ تَزَوَّجَ حُرَّةً تَزْوِيجًا صحيحا وجامعها (أو الاعتراف) أي الإقرار بالزنى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [1431] قَوْلُهُ (فإني قد

باب ما جاء في الرجم على الثيب

خَشِيتُ أَنْ يَجِيءَ أَقْوَامٌ إِلَخْ) قَدْ وَقَعَ مَا خَشِيَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَنْكَرَ الرَّجْمَ طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وَمُعْظَمُهُمْ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَنَدَ فِي ذَلِكَ إِلَى تَوْقِيفٍ وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالطَّبَرِيُّ عَنِ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ سَيَجِيءُ قَوْمٌ يُكَذِّبُونَ بِالرَّجْمِ الْحَدِيثَ وَوَقَعَ فِي رواية سعيد بن إبراهيم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدِ النَّسَائِيِّ وَأَنَّ نَاسًا يَقُولُونَ مَا بَالُ الرَّجْمِ وَإِنَّمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْجَلْدُ أَلَا قَدْ رَجَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عُمَرَ اسْتَحْضَرَ نَاسًا قَالُوا ذَلِكَ فَرَدَّ عَلَيْهِمْ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَصْلُهُ فِي الصحيحين (باب مَا جَاءَ فِي الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ) [1433] قَوْلُهُ (وَشِبْلٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ هو بن خالد أو بن خُلَيْدٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ قال الحافظ شبل بن حامد أو بن خُلَيْدٍ الْمُزْنِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى وقَدْ تَفَرَّدَ بِذِكْرِ شِبْلٍ فِي الْحَدِيثِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ (فَقَالَ أَنْشُدُكَ اللَّهَ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ بَابِ نَصَرَ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَضَمَّنَ أَنْشُدُكَ مَعْنَى أُذَكِّرُكَ فَحَذَفَ الْبَاءَ أَيْ أُذَكِّرُكَ رَافِعًا نَشِيدَتِي أَيْ صَوْتِي هَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَطْلُوبٍ مُؤَكَّدٍ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ رَفْعُ صَوْتٍ وبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنِ اسْتَشْكَلَ رَفْعَ الرَّجُلِ صَوْتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّهْيِ عَنْهُ ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ لِكَوْنِهِ أَعْرَابِيًّا (لَمَّا قَضَيْتَ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ) لَمَّا بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ بِمَعْنَى أَلَا وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ أَلَا قَضَيْتَ قَالَ الْحَافِظُ قِيلَ فِيهِ اسْتِعْمَالُ الْفِعْلِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَرْفٌ مَصْدَرِيٌّ لِضَرُورَةِ افْتِقَارِ الْمَعْنَى إِلَيْهِ وَهُوَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْفِعْلُ مَوْقِعَ الِاسْمِ وَيُرَادُ بِهِ النَّفْيُ الْمَحْصُورُ فِيهِ الْمَفْعُولُ والْمَعْنَى هُنَا لَا أَسْأَلُكَ

إِلَّا الْقَضَاءَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إِلَّا جَوَابَ الْقَسَمِ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْحَصْرِ تَقْدِيرُهُ أَسْأَلُكَ بِاللَّهِ لَا تَفْعَلْ شَيْئًا إِلَّا الْقَضَاءَ فَالتَّأْكِيدُ إِنَّمَا وَقَعَ لِعَدَمِ التَّشَاغُلِ بِغَيْرِهِ لَا لِأَنَّ لِقَوْلِهِ بِكِتَابِ اللَّهِ مَفْهُومًا وَالْمُرَادُ بِكِتَابِ اللَّهِ مَا حَكَمَ بِهِ وَكَتَبَ عَلَى عِبَادِهِ وقِيلَ الْمُرَادُ الْقُرْآنُ وَهُوَ الْمُتَبَادَرُ وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ الرَّجْمَ وَالتَّغْرِيبَ لَيْسَا مَذْكُورَيْنِ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِوَاسِطَةِ أَمْرِ اللَّهِ بِاتِّبَاعِ رَسُولِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِكِتَابِ اللَّهِ الْآيَةُ الَّتِي نُسِخَتْ تِلَاوَتُهَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا انْتَهَى (فَقَالَ خَصْمُهُ وَكَانَ أَفْقَهَ مِنْهُ أَجَلْ) بِفَتْحَتَيْنِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ نَعَمْ قَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرَّاوِي كَانَ عَارِفًا بِهِمَا قَبْلَ أَنْ يَتَحَاكَمَا فَوَصَفَ الثَّانِيَ بِأَنَّهُ أَفْقَهُ مِنَ الْأَوَّلِ إِمَّا مُطْلَقًا وَإِمَّا فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ الْخَاصَّةِ أَوِ اسْتَدَلَّ بِحُسْنِ أَدَبِهِ فِي اسْتِئْذَانِهِ وَتْرِكِ رَفْعِ صَوْتِهِ إِنْ كَانَ الْأَوَّلُ رَفَعَهُ وَتَأْكِيدِهِ السُّؤَالَ عَلَى فِقْهِهِ وقَدْ وَرَدَ أَنَّ حُسْنَ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ وأورده بن السُّنِّيِّ فِي كِتَابِ رِيَاضَةِ الْمُتَعَلِّمِينَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ قَالَهُ الْحَافِظُ (اقْضِ) أَيْ احْكُمْ (إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا) أَيْ أَجِيرًا وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْخَادِمِ وَعَلَى الْعَبْدِ (عَلَى هَذَا) ضَمَّنَ عَلَى مَعْنَى عِنْدَ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَسِيفًا فِي أَهْلِ هَذَا وَكَانَ الرَّجُلُ اسْتَخْدَمَهُ فِيمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ مِنَ الْأُمُورِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَا وَقَعَ لَهُ مَعَهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَزَنَى) أَيْ الْأَجِيرُ (بِامْرَأَتِهِ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ (فَأَخْبَرُونِي) أَيْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ (فَفَدَيْتُ مِنْهُ) أَيْ ابْنِي (بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ) أَيْ أَعْطَيْتُهُمَا فِدَاءً وَبَدَلًا عَنْ رَجْمِ ابْنِي (فَزَعَمُوا) أَيْ قَالُوا وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَأَخْبَرُونِي (أَنَّ عَلَى ابْنِي جَلْدَ مِائَةٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ ضَرْبَ مِائَةِ جَلْدَةٍ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُحْصَنٍ (وَتَغْرِيبَ عَامٍ) أَيْ إِخْرَاجَهُ عَنِ الْبَلَدِ سَنَةً (وَإِنَّمَا الرَّجْمُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا) أَيْ لِأَنَّهَا مُحْصَنَةٌ (الْمِائَةُ شَاةٍ وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ) أَيْ مَرْدُودٌ عَلَيْكَ (وَاغْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ وَهُوَ أَمْرٌ بِالذَّهَابِ فِي الْغَدْوَةِ كَمَا أَنَّ رُحْ أَمْرٌ بِالذَّهَابِ فِي الرَّوَاحِ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ كُلٌّ فِي مَعْنَى الْآخَرِ أَيْ فَاذْهَبْ (يَا أُنَيْسُ) تَصْغِيرُ أَنَسٍ وَهُوَ بن الضَّحَّاكِ الْأَسْلَمِيُّ (عَلَى امْرَأَةِ هَذَا) أَيْ إِلَيْهَا وفيه تضمين

أَيْ حَاكِمًا إِلَيْهَا (فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا) قَالَ القارىء بِهِ أَخَذَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَنَّهُ يَكْفِي فِي الْإِقْرَارِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّقَ رَجْمَهَا بِاعْتِرَافِهَا وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْأَرْبَعَ كَمَا هُوَ مَذْهَبُنَا وأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى فَإِنِ اعْتَرَفَتِ الِاعْتِرَافَ الْمَعْهُودَ وَهُوَ أَرْبَعُ مَرَّاتٍ فَارْجُمْهَا انْتَهَى قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ إِلَخْ) لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ شِبْلٍ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَرَوَوْا بِهَذَا الْإِسْنَادِ) أَيْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ أَيْ بِدُونِ ذِكْرِ شِبْلٍ (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا زَنَتِ الْأَمَةُ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَشِبْلُ بْنُ خَالِدٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا رَوَى شِبْلٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْأَوْسِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

وهذا الصحيح وحديث بن عُيَيْنَةَ غَيْرُ مَحْفُوظٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التهذيب شبل بن حامد ويقال بن خالد ويقال بن خليد ويقال بن مَعْبَدٍ الْمُزْنِيُّ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْأَوْسِيِّ حَدِيثَ الْوَلِيدَةُ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا وَعَنْهُ بِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ كَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ عَنْهُ وخالفهم بن عُيَيْنَةَ فَرَوَى عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَشِبْلٍ جَمِيعًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ الْعَسِيفِ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَى ذَلِكَ رَوَاهُ النسائي والترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ النَّسَائِيُّ الصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ وَحَدِيثُ بن عيينة خطأ وروى البخاري حديث بن عُيَيْنَةَ فَأَسْقَطَ مِنْهُ شِبْلًا قَالَ الدَّوْرِيُّ عَنِ بن مَعِينٍ لَيْسَتْ لِشِبْلٍ صُحْبَةٌ انْتَهَى (وَرُوِيَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ (أَنَّهُ قَالَ شِبْلُ بْنُ حَامِدٍ وَهُوَ خَطَأٌ إِنَّمَا هُوَ شِبْلُ بْنُ خَالِدٍ وَيُقَالُ أَيْضًا شِبْلُ بْنُ خُلَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ فِي هَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ إِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَارْجِعْ إِلَيْهِ [1434] قَوْلُهُ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ (عَنْ حِطَّانَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الرَّقَاشِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنْ الثَّانِيَةِ (خُذُوا عَنِّي) أَيْ حُكْمَ حَدِّ الزنى (فَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا) أَيْ حَدًّا وَاضِحًا وَطَرِيقًا نَاصِحًا فِي حَقِّ الْمُحْصَنِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَة إِلَى قَوْلِهِ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا وَلَمْ يَقُلْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَكُمْ لِيُوَافِقَ نَظْمَ الْقُرْآنِ وَمَعَ هَذَا فِيهِ تَغْلِيبٌ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُنَّ مَبْدَأٌ لِلشَّهْوَةِ وَمُنْتَهَى الْفِتْنَةِ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ حِينَ شُرِعَ الْحَدُّ فِي الزاني والزانية والسبيل ها هنا الْحَدُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا ذَلِكَ الْوَقْتِ وَكَانَ الْحُكْمُ فِيهِ مَا ذُكِرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لهن سبيلا (الثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ) أَيْ حَدُّ زِنَا الثَّيِّبِ بِالثَّيِّبِ (جَلْدُ مِائَةٍ ثُمَّ الرَّجْمُ) اسْتَدَلَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ إِنَّ الثَّيِّبَ يُجْلَدُ ثُمَّ يُرْجَمُ (وَالْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ) أَيْ حَدُّ زِنَا الْبِكْرِ بِالْبِكْرِ ضَرْبُ مِائَةِ جَلْدَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (وَنَفْيُ سَنَةٍ) أَيْ وَإِخْرَاجُهُ عَنْ الْبَلَدِ سَنَةً قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا البخاري والنسائي قَوْلُهُ (وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وهو قول إسحاق) وهو قول

داود الظاهري وبن الْمُنْذِرِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ واسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ وَبِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ ضَرَبَهَا يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَالَ جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسَنَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي أَثَرِ عَلِيٍّ هَذَا وَكَذَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُجْمَعُ لِلْمُحْصَنِ مِنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ سفيان الثوري وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّهُ لَا يُجْلَدُ الْمُحْصَنُ بَلْ يُرْجَمُ فَقَطْ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ سَمُرَةَ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْلِدْ مَاعِزًا بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى رَجْمِهِ قَالُوا وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ أَحَادِيثِ الْجَلْدِ فَيَكُونُ نَاسِخًا لِحَدِيثِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيُجَابُ بِمَنْعِ التَّأَخُّرِ الْمُدَّعَى فَلَا يَصْلُحُ تَرْكُ جَلْدِ مَاعِزٍ لِلنَّسْخِ لِأَنَّهُ فَرْعُ التَّأَخُّرِ وَلَمْ يَثْبُتْ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ومَعَ عَدَمِ ثُبُوتِ تَأَخُّرِهِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ التَّرْكُ مُقْتَضِيًا لِإِبْطَالِ الْجَلْدِ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْقُرْآنُ عَلَى كُلِّ مَنْ زَنَى ولَا رَيْبَ أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْمُحْصَنِ أَنَّهُ زَانٍ فَكَيْفَ إِذَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مِنَ السُّنَّةِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ لِلْمُحْصَنِ كَحَدِيثِ عُبَادَةَ الْمَذْكُورِ ولَا سِيَّمَا وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَقَامِ الْبَيَانِ وَالتَّعْلِيمِ لِأَحْكَامِ الشَّرْعِ عَلَى الْعُمُومِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ بِأَخْذِ ذَلِكَ الْحُكْمِ عَنْهُ فَقَالَ خُذُوا عَنِّي فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بَعْدَ نَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِسُكُوتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ أَوْ عَدَمِ بَيَانِهِ لِذَلِكَ أَوِ إِهْمَالِهِ لِلْأَمْرِ بِهِ قَالَ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمُثْبِتَ أَوْلَى مِنَ النَّافِي وَلَا سِيَّمَا كَوْنُ الْمَكَانِ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ أَنَّ الرَّاوِيَ تَرَكَ ذِكْرَ الْجَلْدِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ وَهَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ بَعْدَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعِدَّةٍ مِنَ السِّنِينَ لَمَّا جَمَعَ لِتِلْكَ الْمَرْأَةِ بَيْنَ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ فَكَيْفَ يَخْفَى عَلَى مِثْلِهُ النَّاسِخُ وَعَلَى مَنْ بِحَضْرَتِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ الْأَكَابِرِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ واسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ أَيْضًا بِعَدَمِ ذِكْرِ الْجَلْدِ فِي رَجْمِ الْغَامِدِيَّةِ وَغَيْرِهَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيُجَابُ بِمَنْعِ كَوْنِ عَدَمِ الذِّكْرِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُقُوعِ لِمَ لَا يُقَالُ إِنَّ عَدَمَ الذِّكْرِ لِقِيَامِ

أَدِلَّةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْقَاضِيَةِ بِالْجَلْدِ وأَيْضًا عَدَمُ الذِّكْرِ لَا يُعَارِضُ صَرَائِحَ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِالْإِثْبَاتِ وَعَدَمُ الْعِلْمِ لَيْسَ عِلْمًا بِالْعُدْمِ وَمَنْ عَلِمَ حجة على من لم يعلم انتهى [1435] قَوْلُهُ (أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ) وَهِيَ الْغَامِدِيَّةُ (فَقَالَ أَحْسِنْ إِلَيْهَا) إِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ سَائِرَ قَرَابَتِهَا رُبَّمَا حَمَلَتْهُمْ الْغَيْرَةُ وَحَمِيَّةُ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى أَنْ يَفْعَلُوا بِهَا مَا يُؤْذِيهَا فَأَمَرَهُ بِالْإِحْسَانِ تَحْذِيرًا مِنْ ذَلِكَ (فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا) لِئَلَّا تَنْكَشِفَ عِنْدَ وُقُوعِ الرَّجْمِ عَلَيْهَا لِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنَ الِاضْطِرَابِ عِنْدَ نُزُولِ الْمَوْتِ وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِمَا يَبْدُو مِنَ الْإِنْسَانِ ولِهَذَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ تُرْجَمُ قَاعِدَةً وَالرَّجُلُ قَائِمًا لِمَا فِي ظُهُورِ عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ مِنَ الشَّنَاعَةِ (ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا) هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى الْغَامِدِيَّةِ واخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي صَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَاعِزٍ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي أَمْرِ مَاعِزٍ قَالَ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ ورَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وفِي رِوَايَةٍ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فِي أَمْرِ مَاعِزٍ وَقَالَ لَهُ خَيْرًا وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ وقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ الْمُتَقَدِّم فِي بَابِ دَرْءِ الْحَدِّ عَنِ الْمُعْتَرِفِ إِذَا رَجَعَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَرْجُومِ فَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لِلْإِمَامِ وَلِأَهْلِ الْفَضْلِ دُونَ بَاقِي النَّاسِ وَيُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُ الْإِمَامِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَأَهْلُ الْفَضْلِ وَغَيْرُهُمْ والْخِلَافُ بَيْنَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ إِنَّمَا هُوَ فِي الْإِمَامِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي وبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا فَيُصَلِّي عَلَى الْفُسَّاقِ وَالْمَقْتُولِينَ فِي الْحُدُودِ وَالْمُحَارَبَةِ وَغَيْرِهِمْ وقَالَ الزُّهْرِيُّ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَلَى الْمَرْجُومِ وَقَاتِلِ نَفْسِهِ وقَالَ قَتَادَةُ لَا يُصَلِّي على ولد الزنى واحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي بِحَدِيثِ الْبَابِ وفِيهِ دَلَالَةٌ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ وَأَهْلَ الْفَضْلِ يُصَلُّونَ عَلَى الْمَرْجُومِ كَمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ وأَجَابَ أَصْحَابُ مَالِكٍ عَنْهُ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ ضَعَّفُوا رِوَايَةَ الصَّلَاةِ لِكَوْنِ أَكْثَرِ الرُّوَاةِ لم يذكروها

باب ما جاء في رجم أهل الكتاب

وَالثَّانِي تَأَوَّلُوهَا عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالصَّلَاةِ أَوْ دَعَا فَسُمِّيَ صَلَاةً عَلَى مُقْتَضَاهَا فِي اللُّغَةِ وهَذَانِ الْجَوَابَانِ فَاسِدَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحِ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَهَذَا التَّأْوِيلُ مَرْدُودٌ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ إِنَّمَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِذَا اضْطَرَّتِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ إِلَى ارْتِكَابِهِ وَلَيْسَ هُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَسِعَتْهُمْ) وفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَوَسِعَتْهُمْ (مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ) أَيْ أَخْرَجَهَا وَدَفَعَهَا كَمَا يَدْفَعُ الْإِنْسَانُ مَالَهُ يَجُودُ بِهِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا البخاري وبن مَاجَهْ 0 - (باب مَا جَاءَ فِي رَجْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ) [1436] قَوْلُهُ (رَجَمَ يَهُودِيًّا وَيَهُودِيَّةً) فِيهِ دَلِيلٌ لمن قال إن حد الزنى يُقَامُ عَلَى الْيَهُودِ كَمَا يُقَامُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِحْصَانِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ وعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَالْمَالِكِيَّةِ الْإِسْلَامُ شَرْطٌ (وفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) رَوَاهَا الشَّيْخَانِ وَهِيَ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ مِنْهُمْ قَدْ زَنَيَا فَقَالَ مَا تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمْ فَقَالُوا تُسَخَّمُ وُجُوهُهُمَا وَيُخْزَيَانِ قَالَ كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ إِلَخْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِطُولِهِ [1437] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا شَرِيكٌ) هُوَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الكوفي القاضي صدوق يخطىء كَثِيرًا تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ قَضَاءَ الْكُوفَةِ قوله (وفي الباب عن بن عمر والبراء وجابر وبن أَبِي أَوْفَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جزء وبن عباس) أما حديث بن عُمَرَ فَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثٍ آخَرَ لَهُ فِي رجم أهل

الْكِتَابِ وأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ جابر وهو بن عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وأَمَّا حَدِيثُ بْنِ أَبِي أَوْفَى فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزَءٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) أَشَارَ بِقَوْلِهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ إِلَى وَجْهِ الْغَرَابَةِ فَلَا تَكْرَارَ فِي الْعِبَارَةِ فَتَفَكَّرْ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا إِذَا اخْتَصَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ إِلَخْ) وَحُجَّتُهُمْ أَحَادِيثُ الْبَابِ (وَقَالَ بعضهم لا يقام عليهم الحد في الزنى) قال بن الْهُمَامِ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ فِي الْإِحْصَانِ وكَذَا أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ وبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَوْلُ مَالِكٍ كَقَوْلِنَا فَلَوْ زَنَى الذِّمِّيُّ الثَّيِّبُ الْحُرُّ يُجْلَدُ عِنْدَنَا وَيُرْجَمُ عِنْدَهُمْ لهذا الحديث يعني لحديث بن عُمَرَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ تَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ فِي أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي الْإِحْصَانِ بِحَدِيثٍ رُوِيَ عَنِ بن عُمَرَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ الْوَقْفَ وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَوَّلَ الْإِحْصَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِإِحْصَانِ الْقَذْفِ انْتَهَى وأَجَابَ الْحَنَفِيَّةُ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا رَجَمَهُمَا بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ فَإِنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ ذَلِكَ أَوَّلًا وأن ذلك إنما كان عند ما قدم المدينة ثم نزلت آية حد الزنى وَلَيْسَ فِيهَا اشْتِرَاطُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نَزَلَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ فَالرَّجْمُ بِاشْتِرَاطِ الْإِحْصَانِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَتْلُوٍّ عُلِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ ذَكَرَ هَذَا الْجَوَابَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَلَا يَخْفَى ما فيه من التعسف ولذ لم يرض به بن الْهُمَامِ حَيْثُ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَسْهَلَ ممَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنْ يُقَالَ حِينَ رَجْمَهُمَا كَانَ الرَّجْمُ ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّتُهُ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ ثُمَّ الظَّاهِرُ كَوْنُ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَإِلَّا لَمْ يَرْجُمْهُمْ لِانْتِسَاخِ شَرِيعَتِهِمْ وَإِنَّمَا كَانَ يَحْكُمُ بِمَا نَزَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ وإِنَّمَا سَأَلَهُمْ عَنِ الرَّجْمِ لِيُبَكِّتَهُمْ بِتَرْكِهِمْ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِمْ فَحَكَمَ بِرَجْمِهِمَا بِشَرْعِهِ الْمُوَافِقِ لِشَرْعِهِمْ وإِذَا لَزِمَ كَوْنُ الرَّجْمِ كَانَ ثَابِتًا فِي شَرْعِنَا حَالَ رَجَمَهُمْ بِلَا اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ الْمُقَيِّدُ لِاشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ تَارِيخٌ يُعْرَفُ بِهِ أَمَّا تَقَدُّمُ اشْتِرَاطِ الْإِسْلَامِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ أو تأخره

باب ما جاء في النفي

فَيَكُونُ رَجْمُهُ الْيَهُودِيَّيْنِ وَقَوْلُهُ الْمَذْكُورُ مُتَعَارِضَيْنِ فَيُطْلَبُ التَّرْجِيحُ وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا فِي كَلَامِ الْحَافِظِ أَنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ وَغَيْرَهُ قَدْ رَجَّحُوا وَقْفَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ الصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ قَوْلُهُ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَمَدَارُهُ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ فِي الْإِحْصَانِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ وقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الصَّوَابَ وَقْفُهُ واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّفْيِ) الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ التَّغْرِيبُ وَهُوَ إِخْرَاجُ الزَّانِي عَنْ مَحَلِّ إِقَامَتِهِ سَنَةً [1438] قَوْلُهُ (وَيَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ التَّمِيمِيُّ الْمَرْوَزِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاضِي الْمَشْهُورُ فَقِيهٌ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ رُمِيَ بِسَرِقَةِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَرَى الرِّوَايَةَ بِالْإِجَازَةِ وَالْوِجَادَةِ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (ضَرَبَ) أَيْ جَلَدَ الزَّانِيَ وَالزَّانِيَةَ مِائَةَ جَلْدَةٍ (وَغَرَّبَ) مِنَ التَّغْرِيبِ أَيْ إِخْرَاجِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ عَنْ مَحَلِّ الْإِقَامَةِ سَنَةً قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وفِيهِ عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالنَّسَائِيَّ وفِيهِ الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عام قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ والدارقطني قال الحافظ في التلخيص وصححه بن الْقَطَّانِ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقْفَهُ قَوْلُهُ (وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

النفي رواه أبي هُرَيْرَةَ إِلَخْ) وفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَبْسُوطَةٌ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ لِلزَّيْلَعِيِّ وَالتَّلْخِيصِ الْحَبِيرِ وَغَيْرِهِمَا (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَرَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّإِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ بَكْرٍ فَأَحْبَلَهَا ثُمَّ اعْتَرَفَ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ زَنَى وَلَمْ يَكُنْ أَحْصَنَ فَأَمَرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَجُلِدَ الْحَدَّ ثُمَّ نُفِيَ إِلَى فَدَكَ ومِنْهُمْ عُثْمَانُ رضي الله تعالى عنه فعند بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّ عُثْمَانَ جَلَدَ امْرَأَةً فِي زِنًا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَى مَوْلًى يُقَالُ لَهُ الْمَهْدِيُّ إِلَى خَيْبَرَ نَفَاهَا إِلَيْهِ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وقَدِ ادَّعَى مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ الِاتِّفَاقَ عَلَى نَفْيِ الزَّانِي الْبِكْرِ إِلَّا عن الكوفيين وقال بن الْمُنْذِرِ أَقْسَمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْعَسِيفِ أَنَّهُ يَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ إِنَّ عَلَيْهِ جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ وهُوَ الْمُبَيِّنُ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وخطب عمر بذلك على رؤوس الْمَنَابِرِ وَعَمِلَ بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَلِلْحَنَفِيَّةِ فِي الْجَوَابِ عَنْ أَحَادِيثِ النَّفْيِ مَسَالِكُ الْأَوَّلُ الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَمْرٌ لَا سَبِيلَ إِلَى إِثْبَاتِهِ بَعْدَ ثُبُوتِ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ بِهِ مَعَ أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَالثَّانِي أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّعْزِيرِ بِدَلِيلِ مَا رَوَى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن بن الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ غَرَّبَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ فِي الشَّرَابِ إِلَى خَيْبَرَ فَلَحِقَ بِهِرَقْلَ فَتَنَصَّرَ فَقَالَ عُمَرُ لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا وأَخْرَجَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ وَعَبْدُ الرزاق عن إبراهيم قال قال بن مَسْعُودٍ فِي الْبِكْرِ يَزْنِي بِالْبِكْرِ يُجْلَدَانِ وَيُنْفَيَانِ سَنَةً قَالَ وَقَالَ عَلِيٌّ حَسْبُهُمَا مِنَ الْفِتْنَةِ أَنْ يُنْفَيَا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ النَّفْيُ حَدًّا مَشْرُوعًا لَمَا صَدَرَ عَنْ عُمَرَ وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُهُ وَالثَّالِثُ أَنَّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ وَلَا تَجُوزُ بِهَا الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِتَابِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِأُصُولِهِمْ لَا يُسْكِتُ خَصْمَهُمْ انْتَهَى قُلْتُ أَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا أُغَرِّبُ بَعْدَهُ مُسْلِمًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ دُونَ الزَّانِي وأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فرواه عنه إبراهيم النخعي وليس له سماع منه قال

باب ما جاء أن الحدود كفارة لأهلها

أَبُو زُرْعَةَ النَّخَعِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ وقَالَ بن الْمَدِينِيِّ لَمْ يَلْقَ النَّخَعِيُّ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وقال أَبُو حَاتِمٍ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا عَائِشَةَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهَا وَأَدْرَكَ أَنَسًا وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وأَمَّا قَوْلُهُمْ بِأَنَّهَا أَخْبَارُ آحَادٍ وَلَا تَجُوزُ بِهَا الزِّيَادَةُ فَفِيهِ أَنَّ أَحَادِيثَ التَّغْرِيبِ قَدْ جَاوَزَتْ حَدَّ الشُّهْرَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا وَرَدَ مِنَ السُّنَّةِ زَائِدًا عَلَى الْقُرْآنِ فَلَيْسَ لَهُمْ مَعْذِرَةٌ عَنْهَا بِذَلِكَ وَقَدْ عَمِلُوا بِمَا هُوَ دُونَهَا بِمَرَاحِلَ كَحَدِيثِ نَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْقَهْقَهَةِ وَحَدِيثِ جَوَازِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ 2 - (بَابِ مَا جَاءَ أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا) [1439] قَوْلُهُ (فَقَالَ تُبَايِعُونِي) وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بَايِعُونِي والْمُبَايَعَةُ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الْمُعَاهَدَةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَشْبِيهًا بِالْمُعَاوَضَةِ الْمَالِيَّةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بأن لهم الجنة قَرَأَ عَلَيْهِمُ الْآيَةَ وفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَقَرَأَ الْآيَةَ كُلَّهَا قَالَ الْحَافِظُ هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَى آخِرِهَا وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ أَيْ ثَبَتَ عَلَى الْعَهْدِ ووفى بالتخفيف وفي الراء بِالتَّشْدِيدِ وَهُمَا بِمَعْنًى (فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) أُطْلِقَ عَلَى سَبِيلِ التَّفْخِيمِ لِأَنَّهُ لَمَّا أَنْ ذَكَرَ الْمُبَايَعَةَ الْمُقْتَضِيَةَ لِوُجُودِ الْعِوَضَيْنِ أَثْبَتَ ذِكْرَ الْأَجْرِ فِي مَوْضِعِ أَحَدِهِمَا وَأَفْصَحَ فِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ بِتَعْيِينِ الْعِوَضِ فَقَالَ بِالْجَنَّةِ وعَبَّرَ هُنَا بِلَفْظِ عَلَى لِلْمُبَالَغَةِ فِي تَحَقُّقِ وُقُوعِهِ كَالْوَاجِبَاتِ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِ لِلْأَدِلَّةِ الْقَائِمَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ (فَهُوَ) أَيْ الْعِقَابُ (كَفَّارَةٌ لَهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ عُمُومُ هَذَا الْحَدِيثِ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ فَالْمُرْتَدُّ إِذَا قُتِلَ عَلَى ارْتِدَادِهِ لَا يَكُونُ الْقَتْلُ لَهُ كَفَّارَةً انْتَهَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمِنْهُمْ مَنْ وَقَفَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا أَدْرِي كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا لَكِنْ حَدِيثُ عُبَادَةَ أَصَحُّ إِسْنَادًا وَيُمْكِنُ يَعْنِي عَلَى طَرِيقِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَدَ أَوَّلًا قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَعْلَمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ انْتَهَى وقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ هُنَا بَسْطًا حَسَنًا فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَ الْفَتْحَ (فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ

باب ما جاء في إقامة الحد على الإماء

يَشْمَلُ مَنْ تَابَ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ وَقَالَ بِذَلِكَ طَائِفَةٌ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَنْ تَابَ لَا يَبْقَى عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةٌ ومَعَ ذَلِكَ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَا اطِّلَاعَ لَهُ هَلْ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ أَوْ لَا وَقِيلَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحَدُّ وَمَا لَا يَجِبُ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ أَتَى مَا يُوجِبُ الْحَدَّ فَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَتُوبَ سِرًّا وَيَكْفِيهِ ذَلِكَ وقِيلَ بَلِ الْأَفْضَلُ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامَ وَيَعْتَرِفَ بِهِ وَيَسْأَلَهُ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدَّ كَمَا وَقَعَ لِمَاعِزٍ وَالْغَامِدِيَّةِ وفَصَلَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُعْلِنًا بِالْفُجُورِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعْلِنَ بِتَوْبَتِهِ وَإِلَّا فَلَا كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْتُ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَجُوزُ أَنْ يَتُوبَ سِرًّا وَيَكْفِيهِ ذَلِكَ هُوَ الظَّاهِرُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنً كَذَا فِي النَّيْلِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ وَأَمَّا حَدِيثُ خُزَيْمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا أَمَرَا رَجُلًا أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ) رَوَاهُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ إِنَّ الْآخَرَ قَدْ زَنَى قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ هَلْ ذَكَرْتَ هَذَا لِأَحَدٍ غَيْرِي قَالَ لَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ تُبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ قَالَ سَعِيدٌ فَلَمْ تُقِرَّ بِهِ نَفْسُهُ حَتَّى أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِلَخْ 3 - (باب مَا جَاءَ فِي إقامة الحد على الإماء) [1441] قَوْلُهُ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) أَيْ يَا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى أَرِقَّائِكُمْ) بِتَشْدِيدِ الْقَافِ جمع

رَقِيقٍ أَيْ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ (مَنْ أُحْصِنَ) أَيْ تَزَوَّجَ (مِنْهُمْ) أَيْ وَمِنْهُمْ فَفِيهِ حَذْفٌ وتغليب (ومن لم يحصن) قال الطِّيبِيُّ وَتَقْيِيدُ الْأَرِقَّاءِ بِالْإِحْصَانِ مَعَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ شَرْطُ الْإِحْصَانِ يُرَادُ بِهِ كَوْنُهُنَّ مُزَوَّجَاتٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نصف ما على المحصنات من العذاب حَيْثُ وَصَفَهُنَّ بِالْإِحْصَانِ فَقَالَ فَإِذَا أُحْصِنَّ وحُكْمُ (وَإِنَّ) وفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِنَّ (فَإِذَا هِيَ حَدِيثَةُ عَهْدٍ) أَيْ جَدِيدَةُ زَمَانٍ (فَخَشِيتُ إِنْ أَنَا جَلَدْتُهَا أَنْ أَقْتُلَهَا) قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ مَفْعُولُ فَخَشِيتُ وَجَلَدْتُهَا مُفَسِّرٌ لِعَامِلِ أَنَا الْمُقَدَّرِ بَعْدَ إِنِ الشَّرْطِيَّةِ كَقَوْلِ الْحَمَاسِيِّ وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَحْمِلْ عَلَى النَّفْسِ ضَيْمَهَا فَلَيْسَ إِلَى حُسْنِ الثَّنَاءِ سَبِيلُ وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ الْمُعْتَرَضُ فِيهِ بَيْنَ الْفِعْلِ وَمَفْعُولِهِ (أَوْ تَمُوتَ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (فَقَالَ أَحْسَنْتَ) فِيهِ أَنَّ جَلْدَ ذَاتِ النِّفَاسِ يُؤَخَّرُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ نِفَاسِهَا لِأَنَّ نِفَاسَهَا نَوْعُ مَرَضٍ فَتُؤَخَّرُ إِلَى زَمَانِ الْبُرْءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1440] قَوْلُهُ (إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أحدكم فليجدها ثَلَاثًا إِلَخْ) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ هَكَذَا إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا ثُمَّ إِنْ زَنَتِ الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَذَكَرَ فيه الرَّابِعَةِ الْحَدَّ وَالْبَيْعَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ فَلْيَبِعْهَا ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهَا لَا تُحَدُّ إِذَا زَنَتْ بَعْدَ أَنْ جَلَدَهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ وَلَكِنِ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مُصَرِّحَةٌ بِالْجَلْدِ فِي الثَّالِثَةِ وكَذَلِكَ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ أَنَّهُمَا ذَكَرَا فِي الرَّابِعَةِ الْحَدَّ وَالْبَيْعَ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ وَبِهَا يُرَدُّ عَلَى النَّوَوِيِّ حَيْثُ قَالَ إِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْصُلِ الْمَقْصُودُ مِنَ الزَّجْرِ عَدَلَ إِلَى الْإِخْرَاجِ عَنِ الْمِلْكِ دُونَ الْجِلْدِ مُسْتَدِلًّا عَلَى ذَلِكَ بقوله فليبعها وكذا وافقه على ذلك بن دقيق العيد وهو مردود قاله الشوكاني (وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعْرٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَيُسَكَّنُ أَيْ وَإِنْ كَانَ ثَمَنُهَا قَلِيلًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ تَرْكُ مُخَالَطَةِ الْفُسَّاقِ وَأَهْلِ الْمَعَاصِي وَهَذَا الْبَيْعُ الْمَأْمُورُ بِهِ مُسْتَحَبٌّ وقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ هُوَ وَاجِبٌ وفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ الشَّيْءِ الثَّمِينِ بثمن حقير

إِذَا كَانَ الْبَائِعُ عَالِمًا وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَفِيهِ خِلَافٌ لِأَصْحَابِ مَالِكٍ فَإِنَّهُمْ لَا يُجَوِّزُونَهُ خِلَافًا لِلْجُمْهُورِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكْرَهُ شَيْئًا لِنَفْسِهِ وَيَرْتَضِيهِ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَالْجَوَابُ لَعَلَّ الزَّانِيَةَ تَسْتَعِفُّ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِأَنْ يَعِفَّهَا بِنَفْسِهِ أَوْ يَصُونَهَا لِهَيْبَتِهِ أَوْ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا وَالتَّوْسِعَةِ عَلَيْهَا أَوْ يُزَوِّجَهَا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ انْتَهَى مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَشِبْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْأَوْسِيِّ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الرَّجْمِ عَلَى الثَّيِّبِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ رَأَوْا أَنْ يُقِيمَ الرَّجُلُ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ دُونَ السُّلْطَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ أَحَادِيثُ الْبَابِ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى مَمْلُوكِهِ وإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالشَّافِعِيُّ وذَهَبَتِ الْعِتْرَةُ إِلَى أَنَّ حَدَّ الْمَمَالِيكِ إِلَى الْإِمَامِ إِنْ كَانَ ثَمَّ إِمَامٌ وَإِلَّا كَانَ إِلَى سَيِّدِهِ وذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الْأَمَةَ إِنْ كَانَتْ مُزَوَّجَةً كان أمر بحدها إِلَى الْإِمَامِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ زَوْجُهَا عَبْدًا لِسَيِّدِهَا فَأَمْرُ حَدِّهَا إِلَى السَّيِّدِ واسْتَثْنَى مَالِكٌ أَيْضًا الْقَطْعَ فِي السَّرِقَةِ وَهُوَ وَجْهٌ لِلشَّافِعِيَّةِ وفِي وَجْهٍ لَهُمْ آخَرَ يُسْتَثْنَى حَدُّ الشُّرْبِ ورُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ لَا يُقِيمُ السيد إلا حد الزنى وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ يَحُدُّ الْمَمْلُوكَ سَيِّدُهُ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مَوْجُودًا أَوْ مَعْدُومًا وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ صالحا قامة الحد أم لا وقال بن حَزْمٍ يُقِيمُهُ السَّيِّدُ إِلَّا إِذَا كَانَ كَافِرًا (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَدْفَعُ إِلَى السُّلْطَانِ وَلَا يُقِيمُ الْحَدَّ هُوَ بِنَفْسِهِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وقَدِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يُقِيمُ الْحُدُودَ مُطْلَقًا إِلَّا الْإِمَامُ بِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَجُلٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَقُولُ الزَّكَاةُ وَالْحُدُودُ وَالْفَيْءُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى السُّلْطَانِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا نَعْلَمُ لَهُ مخالفا من الصحابة وتعقبه بن حَزْمٍ بِأَنَّهُ خَالَفَهُ اثْنَا عَشَرَ صَحَابِيًّا وَظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّ الْأَمَةَ وَالْعَبْدَ يُجْلَدَانِ سَوَاءٌ كَانَا مُحْصَنَيْنِ أَمْ لَا وقَدْ أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ قَالَ أَدْرَكْتُ بَقَايَا الْأَنْصَارِ وَهُمْ يَضْرِبُونَ الْوَلِيدَةَ مِنْ وَلَائِدِهِمْ فِي مَجَالِسِهِمْ إِذَا زَنَتْ ورَوَاهُ الشافعي عن بن مَسْعُودٍ وَأَبِي بُرْدَةَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ وأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يُنْتَهَى إِلَى أَقْوَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ

لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ يُقِيمُ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ دُونَ السُّلْطَانِ إِلَّا أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقِيمَ حد الزنى على عبده وأمته وروى الشافعي عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ عَبْدِهِ وَجَلَدَ عَبْدًا لَهُ زَنَى وأَخْرَجَ مَالِكٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَطَعَتْ يَدَ عَبْدٍ لَهَا وأَخْرَجَ أَيْضًا أَنَّ حَفْصَةَ قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا وأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالشَّافِعِيُّ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّتْ جَارِيَةً لَهَا زَنَتْ (وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ) لِدَلَالَةِ أَحَادِيثِ الْبَابِ عليه 4 - مَا جَاءَ فِي حَدِّ السَّكْرَانِ [1442] قَوْلُهُ (عَنْ مِسْعَرٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وبالراء المهملات هو بن كِدَامٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ ثَانِيهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَوْلُهُ (ضَرَبَ الْحَدَّ بِنَعْلَيْنِ أَرْبَعِينَ) وفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ جُلِدَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْخَمْرِ بِنَعْلَيْنِ أَرْبَعِينَ فَلَمَّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ جُعِلَ بَدَلَ كُلِّ نَعْلٍ سَوْطًا قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالسَّائِبِ وبن عَبَّاسٍ وَعُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وفِيهِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قُمْ فَاجْلِدْهُ فَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ يَعُدُّ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ فَقَالَ أَمْسِكْ ثُمَّ قَالَ جَلَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعِينَ وَأَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ وأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ وَقَالَ اضْرِبُوهُ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ الْحَدِيثَ وأَمَّا حديث السائب وهو بن يَزِيدَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نُؤْتَى بِالشَّارِبِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفِي إِمْرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إِمْرَةِ عُمَرَ فَنَقُومُ إِلَيْهِ نَضْرِبُهُ بِأَيْدِينَا وَنِعَالِنَا وَأَرْدِيَتِنَا حَتَّى كَانَ صَدْرًا مِنْ إِمْرَةِ عُمَرَ فَجَلَدَ فِيهَا أَرْبَعِينَ حَتَّى إِذَا عَتَوْا فِيهَا وَفَسَقُوا جَلَدَ ثَمَانِينَ وأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْهُ أَنَّ الشُّرُبَ كَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضْرَبُونَ بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ

وَالْعِصِيِّ حَتَّى تُوفِّيَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَجْلِدُهُمْ أَرْبَعِينَ حَتَّى تُوفِّيَ إِلَى أَنْ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ مَاذَا تَرَوْنَ الْحَدِيثَ وأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْهُ قَالَ جيء بالنعمان أو بن النُّعْمَانِ شَارِبًا فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ أَنْ يَضْرِبُوهُ فَكُنْتُ فِيمَنْ ضَرَبَهُ فَضَرَبْنَاهُ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ (أَبُو الصِّدِّيقِ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمَكْسُورَةِ (النَّاجِيُّ) بِالنُّونِ وَالْجِيمِ (اسمه بكر بن عمرو) وقيل بن قَيْسٍ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ [1443] قَوْلُهُ (بِجَرِيدَتَيْنِ) الْجَرِيدَةُ سَعَفَةُ النَّخْلِ سُمِّيَتْ بِهَا لِكَوْنِهَا مُجَرَّدَةً عَنِ الْخُوصِ وَهُوَ وَرَقُ النَّخْلِ (نَحْوَ الْأَرْبَعِينَ) وفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَضْرِبُ فِي الْخَمْرِ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ أَرْبَعِينَ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ (فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ) أَيْ أَرَى أَنْ تُجْعَلَ ثَمَانِينَ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدَّيْلَمِيِّ قَالَ إِنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ أَرَى أَنْ تَجْلِدَهُ ثمانين جلدة فإنه إذا شرب سكر وإذا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَجَلَدَ عُمَرُ في حد الخمر ثمانين قال بن الْهُمَامِ وَلَا مَانِعَ مِنْ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَشَارَ بِذَلِكَ فَرُوِيَ الْحَدِيثُ مُقْتَصَرًا عَلَى هَذَا مَرَّةً وَعَلَى هَذَا أُخْرَى قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم أن حد السكران ثمانون) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ الْمُخَالَفَةُ انْتَهَى وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدْ ذَهَبَتِ الْعِتْرَةُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ إِلَى أَنَّ حَدَّ السَّكْرَانِ ثَمَانُونَ جَلْدَةً وذَهَبَ أَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ أَرْبَعُونَ لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي كَانَتْ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَفَعَلَهَا عَلِيٌّ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ واسْتَدَلَّ الأولون بأن عمر جلد

ثمانين بعد ما اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ قَالَ وَدَعْوَى إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ فَإِنَّ اخْتِلَافَهُمْ فِي ذَلِكَ قَبْلَ إِمَارَةِ عُمَرَ وَبَعْدَهَا وَرَدَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاقْتِصَارُ عَلَى مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ بَلْ جَلَدَ تَارَةً بِالْجَرِيدِ وَتَارَةً بِالنِّعَالِ وَتَارَةً بِهِمَا فَقَطْ وَتَارَةً بِهِمَا مَعَ الثِّيَابِ وَتَارَةً بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ وَالْمَنْقُولُ مِنَ الْمَقَادِيرِ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّخْمِينِ ولِهَذَا قَالَ أَنَسٌ نَحْوَ أَرْبَعِينَ فَالْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا وَرَدَ عَنِ الشَّارِعِ مِنَ الْأَفْعَالِ وَتَكُونُ جَمِيعُهَا جَائِزَةً فَأَيُّهَا وَقَعَ فَقَدْ حَصَلَ بِهِ الْجَلْدُ الْمَشْرُوعُ الَّذِي أَرْشَدَنَا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ كَمَا فِي حَدِيثِ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَالْجَلْدُ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الْجَلْدُ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنَ الصَّحَابَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ ولَا دَلِيلَ يَقْتَضِي تَحَتُّمَ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَرْبَعِينَ بِالْجَزْمِ كَمَا عَرَفْتَ 5 - ما جاء من شرب الخمر فاجلدوه [1444] قوله (عن عاصم) هو بن بهدلة وهو بن أبي النجود الكوفي الْمُقْرِئُ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ حُجَّةٌ فِي الْقِرَاءَةِ (فَإِنْ عاد في الرابعة فاقتلوه) قال القارىء الْمُرَادُ الضَّرْبُ الشَّدِيدُ أَوْ الْأَمْرُ لِلْوَعِيدِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ قَدِيمًا أَوْ حَدِيثًا إِلَى أَنَّ شَارِبَ الْخَمْرِ يُقْتَلُ وقِيلَ كَانَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ انْتَهَى قُلْتُ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ الْأَخِيرِ ذَهَبَ التِّرْمِذِيُّ وَاخْتَارَهُ وأما قول القارىء بِأَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ إِلَخْ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ شِرْذِمَةٌ قَلِيلَةٌ كَمَا نقله القارىء نَفْسُهُ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّرِيدِ وَالشُّرَحْبِيلِ بْنِ أَوْسٍ وَجَرِيرٍ وَأَبِي الرَّمَدِ الْبَلَوِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ ثُمَّ إِنْ سَكِرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ وزَادَ أَحْمَدُ قَالَ الزُّهْرِيُّ فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بِسَكْرَانَ فِي الرَّابِعَةِ فَخَلَّى سَبِيلَهُ كَذَا فِي المنتقي ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ مَعْنَاهُ إِذَا اسْتَحَلَّ وَلَمْ يَقْبَلِ التَّحْرِيمَ انْتَهَى ورَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وأَمَّا حَدِيثُ الشَّرِيدِ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وأَمَّا حَدِيثُ شُرَحْبِيلَ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وأَمَّا حديث جرير وهو بن عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وأَمَّا

حَدِيثُ أَبِي الرَّمَدِ الْبَلَوِيِّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاقْتُلُوهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ائْتُونِي بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الرَّابِعَةِ فَلَكُمْ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَهُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ مُحَمَّدًا) هَذَا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ وَمُحَمَّدٌ هَذَا هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدِيثُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا أَصَحُّ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إلا النسائي وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَسَكَتَ عَنْهُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ هُوَ صَحِيحٌ وأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ (وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا) أَيْ قَتْلُ شَارِبِ الْخَمْرِ إِذَا عَادَ فِي الرَّابِعَةِ (فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ) أَيْ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ (ثُمَّ نُسِخَ بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ (هَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ الْكُبْرَى وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ في مسنده عن بن إِسْحَاقَ بِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِالنُّعْمَانِ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ ثَلَاثًا فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَلَمَّا كَانَ فِي الرَّابِعَةِ أَمَرَ بِهِ فَجُلِدَ الْحَدَّ فَكَانَ نَسْخًا (وَكَذَلِكَ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُوَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هَذَا قَالَ فَرُفِعَ الْقَتْلُ وَكَانَتْ رُخْصَةً) وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وقَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْقَتْلُ مَنْسُوخٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ وقَالَ غَيْرُهُ قَدْ يُرَادُ الْأَمْرُ بِالْوَعِيدِ وَلَا يُرَادُ بِهِ وُقُوعُ الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ الرَّدْعُ وَالتَّحْذِيرُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ فِي الْخَامِسَةِ وَاجِبًا ثُمَّ نُسِخَ بِحُصُولِ الْإِجْمَاعِ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ إِلَّا طَائِفَةٌ شَاذَّةٌ قَالَتْ يُقْتَلُ بَعْدَ حَدِّهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ لِلْحَدِيثِ وهُوَ عِنْدَ الْكَافَّةِ مَنْسُوخٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وقَبِيصَةُ بْنُ ذُوَيْبٍ وُلِدَ عَامَ الْفَتْحِ وَقِيلَ إِنَّهُ وُلِدَ أَوَّلَ سَنَةٍ

مِنَ الْهِجْرَةِ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَدَّهُ الْأَئِمَّةُ مِنَ التَّابِعِينَ وذَكَرُوا أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَوْلِدَهُ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَدْ قِيلَ إِنَّهُ أُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ غُلَامٌ يَدْعُو لَهُ وَذُكِرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ذُكِرَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُوَيْبٍ قَالَ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وأَمَّا أَبُوهُ ذُوَيْبُ بْنُ حَلْحَلَةَ فَلَهُ صُحْبَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمُ اخْتِلَافًا فِي ذَلِكَ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يُقْتَلُ الشَّارِبُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ أَوْ لَا فَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إلى أنه يقتل ونصره بن حَزْمٍ وَاحْتَجَّ لَهُ وَدَفَعَ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْقَتْلِ وهَذَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الباب عن بن عَمْرٍو وذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ الشَّارِبُ وَأَنَّ الْقَتْلَ مَنْسُوخٌ انْتَهَى

باب ما جاء في كم تقطع يد السارق

16 - (باب مَا جَاءَ فِي كَمْ تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ) [1445] قَوْلُهُ (كَانَ يَقْطَعُ) أَيْ يَدَ السَّارِقِ وَالسَّارِقَةِ أَيْ كَانَ يَأْمُرُ بِالْقَطْعِ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُبَاشِرُ الْقَطْعَ بِنَفْسِهِ (فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا) قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ يَخْتَصُّ هَذَا بِالْفَاءِ وَيَجُوزُ ثم بدلها ولا تجوز الواو وقال بن جِنِّيٍّ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ وَلَوْ زَادَ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إِذَا زَادَ لَمْ يَكُنْ إِلَّا صَاعِدًا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَمَا فَوْقَهُ بَدَلَ فَصَاعِدًا وَهُوَ بِمَعْنَاهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الجماعة إلا بن مَاجَهْ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا) أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَحَاوَلَ الطَّحَاوِيُّ تَعْلِيلَ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْمَرْفُوعَةِ بِرِوَايَةِ وَلَدِهِ الْمَوْقُوفَةِ وَأَبُو بَكْرٍ أَتْقَنُ وَأَعْلَمُ مِنْ وَلَدِهِ عَلَى أَنَّ الْمَوْقُوفَ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُخَالِفُ الْمَرْفُوعَ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَتْوَى وَالْعَجَبُ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ ضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَرَامَ هُنَا تَضْعِيفَ الرِّوَايَةِ الْقَوِيَّةِ بِرِوَايَتِهِ انْتَهَى

[1446] قَوْلُهُ (قَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِجَنٍّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ هُوَ التُّرْسُ لِأَنَّهُ يُوَارِي حَامِلَهُ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تُخَالِفُ رِوَايَةَ رُبُعِ دِينَارٍ الْمُتَقَدِّمَةَ لِأَنَّ رُبُعَ الدِّينَارِ كَانَ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَفِي رِوَايَةِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ قَالَ اقْطَعُوا فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَلَا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَكَانَ رُبُعُ الدِّينَارِ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَالدِّينَارُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَرُبُعُ الدِّينَارِ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَذَلِكَ أَنَّ الصَّرْفَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ وَكَانَ كَذَلِكَ بَعْدَهُ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ فَرَضَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَيْمَنَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أيمن فأخرجه الطحاوي قوله (حديث بن عُمَرَ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ قَطَعَ فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ) وأخرج بن الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ لَا تُقْطَعُ الْخَمْسُ إِلَّا فِي خَمْسٍ (وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَطَعَا فِي رُبُعِ دِينَارٍ) أَخْرَجَ بن الْمُنْذِرِ أَنَّهُ أُتِيَ عُثْمَانُ بِسَارِقٍ سَرَقَ أُتْرُجَّةً فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ حِسَابِ الدِّينَارِ بِاثْنَيْ عَشَرَ فَقَطَعَ وَأَخْرَجَ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ جعفر عن أبيه أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَطَعَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ وَكَانَتْ قِيمَتُهُ دِرْهَمَيْنِ وَنِصْفًا وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْقَطْعُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَطَعَ يَدَ السَّارِقِ فِي بَيْضَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ثَمَنُهَا رُبُعُ دِينَارٍ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ ولكنه منقطع

(وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُمَا قَالَا تُقْطَعُ الْيَدُ فِي خَمْسَةِ دَرَاهِمَ) وَرُوِيَ عَنْهُمَا الْقَطْعُ فِي أَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الْمَذْهَبُ الْخَامِسُ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ نَقَلَهُ بن الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَكَذَلِكَ حَكَاهُ عَنْهُمَا فِي الْبَحْرِ انْتَهَى (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ (رَأَوُا الْقَطْعَ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا) قَدْ ذَهَبَ إِلَى مَا تَقْتَضِيهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ مِنْ ثُبُوتِ الْقَطْعِ فِي ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ رُبُعِ دِينَارٍ الْجُمْهُورُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَمِنْهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي مَا يُقَوَّمُ بِهِ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَذَهَبَ مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ إِلَى أَنَّهُ يَكُونُ التَّقْوِيمُ بِالدَّرَاهِمِ لَا بِرُبُعِ الدِّينَارِ إِذَا كَانَ الصَّرْفُ مُخْتَلِفًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْأَصْلُ فِي تَقْوِيمِ الْأَشْيَاءِ هُوَ الذَّهَبُ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي جَوَاهِرِ الْأَرْضِ كُلِّهَا حَتَّى قَالَ إِنَّ الثَّلَاثَةَ الدَّرَاهِمَ إِذَا لَمْ تَكُنْ قِيمَتُهَا رُبُعَ دِينَارٍ لَمْ تُوجِبِ الْقَطْعَ انْتَهَى قَالَ مَالِكٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مُعْتَبَرٌ فِي نَفْسِهِ لَا يُقَوَّمُ بِالْآخَرِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْبَغْدَادِيِّينَ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي تَقْوِيمِ العروض بما كان غالبا في نقود أهل البلد (وقد روى عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ لَا قَطْعَ إِلَّا فِي دِينَارٍ أَوْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ وَهُوَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ رواه القاسم بن عبد الرحمن عن بن مسعود والقاسم لم يسمع من بن مسعود) أخرج قول بن مَسْعُودٍ هَذَا الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ عَنِ الْمَسْعُودِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَذَكَرَهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ قَالُوا لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَسَائِرِ فقهاء العراق واحتجوا بقول بن مَسْعُودٍ الْمَذْكُورِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عن عطاء عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَوَّمُ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَ نَحْوَ ذَلِكَ النَّسَائِيُّ عَنْهُ وأخرج

باب ما جاء في تعليق يد السارق

عن أَبُو دَاوُدَ أَنَّ ثَمَنَهُ كَانَ دِينَارًا أَوْ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ ثَمَنُ الْمِجَنِّ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا أَدْنَى مَا يُقْطَعُ فِيهِ ثَمَنُ الْمِجَنِّ قَالَ وَثَمَنُهُ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ قَالُوا هَذِهِ الرِّوَايَاتُ فِي تَقْدِيرِ ثَمَنِ الْمِجَنِّ أَرْجَحُ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ وَأَصَحَّ وَلَكِنْ هَذِهِ أَحْوَطَ وَالْحُدُودُ تُدْفَعُ بِالشُّبُهَاتِ فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كَأَنَّهَا شُبْهَةٌ فِي الْعَمَلِ بِمَا دُونَهَا وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عن بن الْعَرَبِيِّ قَالَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ مَعَ جَلَالَتِهِ ويجاب بأن الروايات المروية عن بن عباس وبن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي إِسْنَادِهَا جَمِيعًا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَقَدْ عَنْعَنَ وَلَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ إِذَا جَاءَ بِالْحَدِيثِ مُعَنْعَنًا فَلَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ ما في الصحيحين عن بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَقَدْ تَعَسَّفَ الطَّحَاوِيُّ فَزَعَمَ أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ مُضْطَرِبٌ ثُمَّ بَيَّنَ الِاضْطِرَابَ بِمَا يُفِيدُ بُطْلَانَ قَوْلِهِ وَقَدِ اسْتَوْفَى صَاحِبُ الْفَتْحِ الرَّدَّ عَلَيْهِ كَذَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ قَدْ أَجَابَ الْحَافِظُ عَمَّا أَوْرَدَ الطَّحَاوِيُّ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ جَوَابًا حَسَنًا شَافِيًا وَقَدْ أَجَابَ أَيْضًا عَنِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَمَنَ الْمِجَنِّ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا أَوْ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ وَأَجَادَ فِيهِ وَأَصَابَ ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ وَلَوْ ثَبَتَتْ لَمْ تَكُنْ مُخَالِفَةً لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ بَلْ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلًا لَا قَطْعَ فِيمَا دُونَ الْعَشَرَةِ ثُمَّ شُرِعَ الْقَطْعُ فِي الثَّلَاثَةِ فَمَا فَوْقَهَا فَزِيدَ فِي تَغْلِيظِ الْحَدِّ كَمَا زِيدَ فِي تَغْلِيظِ حَدِّ الْخَمْرِ وَأَمَّا سَائِرُ الرِّوَايَاتِ فَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا إِخْبَارٌ عَنْ فِعْلٍ وَقَعَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ فيه تحديد النصاب فلا ينافي رواية بن عُمَرَ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَهُوَ مَعَ كَوْنِهِ حِكَايَةَ فِعْلٍ فَلَا يُخَالِفُ حَدِيثَ عَائِشَةَ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّ رُبُعَ دِينَارٍ صَرْفُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ 7 - (باب مَا جَاءَ فِي تَعْلِيقِ يَدِ السَّارِقِ) [1447] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ) هُوَ بن أرطأة (سمعت فَضَالَةَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ (بْنَ عُبَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (أُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَعُلِّقَتْ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مَجْهُولًا (فِي عنقه) أي ليكون عبرة ونكالا قال بن

باب في الخائن والمختلس والمنتهب

الْهُمَامِ الْمَنْقُولُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ يُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِهِ فِي عُنُقِهِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَ بِهِ وَعِنْدَنَا ذَلِكَ مُطْلَقٌ لِلْإِمَامِ إِنْ رَآهُ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي كُلِّ قَطْعِهِ لِيَكُونَ سُنَّةً انْتَهَى وَقَالَ فِي النَّيْلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَعْلِيقِ يَدِ السَّارِقِ فِي عُنُقِهِ لأن في ذلك من الزجر مالا مَزِيدَ عَلَيْهِ فَإِنَّ السَّارِقَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا مَقْطُوعَةً مُعَلَّقَةً فَيَتَذَكَّرَ السَّبَبَ لِذَلِكَ وَمَا جَرَّ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرُ مِنَ الْخَسَارِ بِمُفَارَقَةِ ذَلِكَ الْعُضْوِ النَّفِيسِ وَكَذَلِكَ الْغَيْرُ يَحْصُلُ لَهُ بِمُشَاهَدَةِ الْيَدِ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ مَا تَنْقَطِعُ بِهِ وَسَاوِسُهُ الرَّدِيئَةُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَطَعَ سَارِقًا فَمَرُّوا بِهِ وَيَدُهُ مُعَلَّقَةٌ فِي عُنُقِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَحْمَدَ وَفِي إِسْنَادِهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيِّ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَهُمَا مُدَلِّسَانِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ ضَعِيفٌ وَلَا يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ قَالَ هَذَا بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ بطريقة انتهى 8 - (باب في الخائن والمختلس والمنتهب) الخائن مَنْ يَأْخُذُ الْمَالَ خُفْيَةً وَيُظْهِرُ النُّصْحَ لِلْمَالِكِ وَالْمُخْتَلِسُ الَّذِي يَسْلُبُ الْمَالَ عَلَى طَرِيقَةِ الْخِلْسَةِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ مَنْ يَأْخُذُهُ سَلْبًا وَمُكَابَرَةً وَالْمُنْتَهِبُ هُوَ مَنْ يَنْتَهِبُ الْمَالَ عَلَى جِهَةِ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ [1448] (قَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى خَائِنٍ) قال بن الْهُمَامِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْخِيَانَةِ وَهُوَ أَنْ يُؤْتَمَنَ عَلَى شَيْءٍ بِطَرِيقِ الْعَارِيَّةِ وَالْوَدِيعَةِ فَيَأْخُذَهُ وَيَدَّعِيَ ضَيَاعَهُ أَوْ يُنْكِرَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ أَوْ عَارِيَّةٌ وَعَلَّلَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقُصُورِ الْحِرْزِ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي يَدِ الْخَائِنِ وَحِرْزِهِ لَا حِرْزِ الْمَالِكِ عَلَى الْخُلُوصِ وَذَلِكَ لِأَنَّ حِرْزَهُ وَإِنْ كَانَ حِرْزَ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ أَحْرَزَهُ بِإِيدَاعِهِ عِنْدَهُ لَكِنَّهُ حِرْزٌ مَأْذُونٌ لِلسَّارِقِ فِي دُخُولِهِ (وَلَا مُنْتَهِبٍ) لِأَنَّهُ مُجَاهِرٌ بِفِعْلِهِ لَا مُخْتَفٍ فَلَا سَرِقَةَ وَلَا قَطْعَ (وَلَا مختلس) لأنه الْمُخْتَطِفُ لِلشَّيْءِ مِنَ الْبَيْتِ

باب ما جاء لا قطع في ثمر ولا كثر

وَيَذْهَبُ أَوْ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ فِي الْمُغْرِبِ الِاخْتِلَاسُ أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ ظَاهِرٍ بِسُرْعَةٍ (قَطْعٌ) اسْمُ لَيْسَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى إِيجَابَ الْقَطْعِ عَلَى السَّارِقِ وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا كَالِاخْتِلَاسِ وَالِانْتِهَابِ وَالْغَصْبِ لِأَنَّ ذَلِكَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّرِقَةِ وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُ اسْتِرْجَاعَ هَذَا النَّوْعِ بِالِاسْتِغَاثَةِ إِلَى وُلَاةِ الْأُمُورِ وَتَسْهِيلِ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِهَا فَيَعْظُمُ أَمْرُهَا وَاشْتَدَّتْ عُقُوبَتُهَا لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ عَنْهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا في المنتقى وأخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عند بن مَاجَهْ بِنَحْوِ حَدِيثِ الْبَابِ وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ بن ماجة أيضا والطبراني في الأوسط وعن بن عباس عند بن الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ وَضَعَّفَهُ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ وبن حِبَّانَ لِحَدِيثِ الْبَابِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَلَمْ يَذْكُرِ اخْتِلَافَ الْأَئِمَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ الْمُخْتَلِسُ وَالْمُنْتَهِبُ وَالْخَائِنُ الْعِتْرَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَزُفَرُ وَالْخَوَارِجُ إِلَى أَنَّهُ يُقْطَعُ وَذَلِكَ لِعَدَمِ اعْتِبَارِهِمُ الْحِرْزَ انْتَهَى قُلْتُ وَالرَّاجِحُ هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ والحنيفة لِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَهِيَ بِمَجْمُوعِهَا صَالِحَةٌ لِلِاحْتِجَاجِ 9 - (باب مَا جَاءَ لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كثر) [1449] قوله (لا يقطع في ثمر ولا كثر) يفتح الْكَافِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ الْجُمَّارُ قَالَ فِي القاموس

باب ما جاء أن لا يقطع الأيدي في الغزو

وَالْكَثْرُ وَيُحَرَّكُ جُمَّارُ النَّخْلِ أَوْ طَلْعُهَا وَقَالَ الْجُمَّارُ كَرُمَّانٍ شَحْمُ النَّخْلِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْكَثَرُ بِفَتْحَتَيْنِ جُمَّارُ النَّخْلِ وَهُوَ شَحْمُهُ الَّذِي فِي وَسَطِ النَّخْلَةِ وَهُوَ شَيْءٌ أَبْيَضُ وَسَطَ النَّخْلِ يُؤْكَلُ الْكَثْرُ الطَّلْعُ أَوَّلَ مَا يُؤْكَلُ انْتَهَى قُلْتُ الْمُرَادُ بِالْكَثْرِ هُوَ الْجُمَّارُ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يُوجِبِ الْقَطْعَ فِي سَرِقَةِ شَيْءٍ مِنَ الْفَوَاكِهِ الرَّطْبَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُحْرَزَةً أَوْ غَيْرَ مُحْرَزَةٍ وَقَاسَ عَلَيْهِ اللُّحُومَ وَالْأَلْبَانَ وَالْأَشْرِبَةَ وَالْخُبُوزَ وَأَوْجَبَ الْآخَرُونَ الْقَطْعَ فِي جَمِيعِهَا إِذَا كَانَ مُحْرَزًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ الْحَدِيثَ عَلَى الثِّمَارِ الْمُعَلَّقَةِ غَيْرِ الْمُحْرَزَةِ وَقَالَ نَخِيلُ الْمَدِينَةِ لَا حَوَائِطَ لِأَكْثَرِهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِنْهَا مُحْرَزًا يَجِبُ الْقَطْعُ بِسَرِقَتِهِ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ مَنْ أَصَابَ مِنْهُ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الْجَرِينَ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي أَكْلِ الثَّمَرَةِ لِلْمَارِّ بِهَا وَحَسَّنَهُ وَحَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ والبيهقي وصححه البيهقي وبن حِبَّانَ وَاخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ تَلَقَّتِ الْعُلَمَاءُ مَتْنَهُ بِالْقَبُولِ 0 - (باب ما جاء أن لا يقطع الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ) [1450] قَوْلُهُ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ الْأَوَّلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ المشددة والثاني

بِالْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ (عَنْ شِيَيْمِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ مِثْلِهَا بَعْدَهَا (بْنِ بَيْتَانِ) بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ بَيْتِ الْقِتْبَانِيِّ الْمِصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ وَفِي الْمُغْنِي شِيَيْمُ بِكَسْرِ مُعْجَمَةٍ وَيُقَالُ بِضَمِّهَا وَفَتْحِ تَحْتِيَّةٍ أُولَى وَسُكُونِ الثَّانِيَةِ (عَنْ جُنَادَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ الْخَفِيفَةِ (بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مُصَغَّرًا الْأَزْدِيُّ الشَّامِيُّ وَمِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (عَنْ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ (أَرْطَاةَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ويقال بن أَبِي أَرْطَاةَ مِنْ صِغَارِ الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ (لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزْوِ) رَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّهُ وَجَدَ رَجُلًا يَسْرِقُ فِي الْغَزْوِ فَجَلَدَهُ وَلَمْ يَقْطَعْ يَدَهُ وَقَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقَطْعِ فِي الْغَزْوِ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْهُ الْمَرْفُوعُ انْتَهَى وَفِي الْبَابِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال جَاهِدُوا النَّاسَ فِي اللَّهِ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ وَلَا تُبَالُوا فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَأَقِيمُوا الْحُدُودَ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ وَسَيَأْتِي الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا (وَقَدْ رَوَاهُ غير بن لَهِيعَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ هَذَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صالح أخبرنا بن وَهْبٍ أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ رِجَالُ إِسْنَادِ أَبِي دَاوُدَ ثِقَاتٌ إِلَى بُسْرٍ قَالَ وَفِي إِسْنَادِ النَّسَائِيِّ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَاخْتُلِفَ فِي صُحْبَةِ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ فَقِيلَ لَهُ صُحْبَةٌ وَقِيلَ لَا وَأَنَّ مَوْلِدَهُ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِنِينَ وَلَهُ أَخْبَارٌ مَشْهُورَةٌ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَا يُحْسِنُ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ لَا صُحْبَةَ لَهُ وَغَمَزَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ وَنَقَلَ فِي الخلاصة عن بن مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ لَا صُحْبَةَ لَهُ وَأَنَّهُ رَجُلُ سَوْءٍ وَلِيَ الْيَمَنَ وَلَهُ بِهَا آثَارٌ قَبِيحَةٌ انْتَهَى (وَقَالَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُقَالُ وَهُوَ الظَّاهِرُ (بُسْرُ بْنُ أَبِي أَرْطَاةَ) أَيْ بِزِيَادَةِ لَفْظِ أَبِي بَيْنَ بُسْرٍ وَأَرْطَاةَ

باب ما جاء في الرجل يقع على جارية امرأته

قَوْلُهُ (كَذَلِكَ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ) قَالَ الْعَزِيزِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ بِهِ الْأَوْزَاعِيُّ انْتَهَى وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَلَعَلَّ الْأَوْزَاعِيَّ رَأَى فِيهِ احْتِمَالَ افْتِتَانِ الْمَقْطُوعِ بِأَنْ يَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ رَأَى أَنَّهُ إِذَا قُطِعَتْ يَدُهُ وَالْأَمِيرُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى الْغَزْوِ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الدَّفْعِ وَلَا يُغْنِي عَنَّا فَيُتْرَكُ إِلَى أَنْ يَقْفِلَ الْجَيْشُ قَالَ الْقَاضِي وَلَعَلَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَرَادَ بِهِ الْمَنْعَ مِنَ الْقَطْعِ فِيمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْمَغَانِمِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ يَعْنِي حَدِيثَ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ وَحَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمَذْكُورَيْنِ لِأَنَّ حَدِيثَ بُسْرٍ أَخَصُّ مُطْلَقًا مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى الْخَاصِّ وَبَيَانُهُ أَنَّ السَّفَرَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ أَعَمُّ مُطْلَقًا مِنَ الْغَزْوِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ بُسْرٍ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يَكُونُ غَازِيًا وَقَدْ لَا يَكُونُ وَأَيْضًا حَدِيثُ بُسْرٍ فِي حَدِّ السَّرِقَةِ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ فِي عُمُومِ الْحَدِّ انْتَهَى 1 - (باب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَقَعُ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ) [1451] قَوْلُهُ (وَأَيُّوبَ بْنِ مِسْكِينٍ) بِكَسْرِ مِيمٍ وَكَافٍ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أَيُّوبُ بْنُ أَبِي مِسْكِينٍ وَيُقَالُ مِسْكِينٌ التَّمِيمِيُّ أَبُو الْعَلَاءِ الْقَصَّابُ الْوَاسِطِيُّ رَوَىَ عَنْ قَتَادَةَ وَسَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَأَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِمْ قَالَ أَحْمَدُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ مُرَّةُ رَجُلٌ صَالِحٌ ثِقَةٌ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ) الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَكَاتِبِهِ لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ الثَّالِثَةِ (رُفِعَ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ لَهُ وَلِأَبَوَيْهِ صُحْبَةٌ ثُمَّ سَكَنَ الشَّامَ ثُمَّ وَلِيَ إِمْرَةَ الْكُوفَةِ ثُمَّ قُتِلَ بِحِمْصٍ (لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِيكَ مَكَانَ فِيهَا وَالْخِطَابُ لِلرَّجُلِ (لَئِنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَهُ) أَيْ إِنْ كَانَتِ امْرَأَتُهُ جَعَلَتْ جَارِيَتَهَا حَلَالًا وَأَذِنَتْ لَهُ فِيهَا (لَأَجْلِدَنَّهُ مِائَةً) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي داود جلدتك مائة قال بن الْعَرَبِيِّ يَعْنِي أَدَّبْتُهُ تَعْزِيرًا

أَوْ أَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ تَنْكِيلًا لَا إِنَّهُ رَأَى حَدَّهُ بِالْجَلْدِ حَدًّا لَهُ قَالَ السِّنْدِيُّ بعد ذكر كلام بن الْعَرَبِيِّ هَذَا لِأَنَّ الْمُحْصَنَ حَدُّهُ الرَّجْمُ لَا الْجَلْدُ وَلَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا أَحَلَّتْ جَارِيَتَهَا لِزَوْجِهَا فَهُوَ إِعَارَةُ الْفُرُوجِ فَلَا يَصِحُّ لَكِنِ الْعَارِيَّةُ تَصِيرُ شُبْهَةً ضَعِيفَةً فَيُعَزَّرُ صَاحِبُهَا انْتَهَى [1452] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ نَحْوُهُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مُشَدَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَمِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ يَكْسِرُهَا وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي رَجُلٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ إِنْ كَانَ اسْتَكْرَهَهَا فَهِيَ حُرَّةٌ وَعَلَيْهِ لِسَيِّدَتِهَا مِثْلُهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاوَعَتْهُ فَهِيَ لَهُ وَعَلَيْهِ لِسَيِّدَتِهَا مِثْلُهَا قَالَ النَّسَائِيُّ لَا تَصِحُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَبِيصَةُ بْنُ حُرَيْثٍ يَعْنِي الَّذِي رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ يَقُولُ رَوَاهُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ شَيْخٌ لَا يُعْرَفُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ غَيْرُ الْحَسَنِ يَعْنِي قَبِيصَةَ بْنَ حُرَيْثٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ قَبِيصَةُ بْنُ حُرَيْثٍ سَمِعَ سَلَمَةَ بن المحبق في حديثه نظر وقال بن الْمُنْذِرِ لَا يَثْبُتُ خَبَرُ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَقَبِيصَةُ بْنُ حُرَيْثٍ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَالْحُجَّةُ لَا تَقُومُ بِمِثْلِهِ وَكَانَ الْحَسَنُ لَا يُبَالِي أَنْ يَرْوِيَ الْحَدِيثَ مِمَّنْ سَمِعَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا كَانَ قَبْلَ الْحُدُودِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ النُّعْمَانِ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ النَّسَائِيُّ أَحَادِيثُ النُّعْمَانِ كُلُّهَا مُضْطَرِبَةٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ انْتَهَى (إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ خَالِدِ بْنُ عُرْفُطَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَضَمِّ الْفَاءِ وَبَعْدَهَا طَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَتَاءُ تَأْنِيثٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (وَذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إِلَى مَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهَذَا هُوَ

باب ما جاء في المرأة إذا استكرهت على الزنى

الرَّاجِحُ لِأَنَّ الْحَدِيثَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْمَقَالُ الْمُقَدَّمُ فَأَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ انْتَهَى 2 - (باب مَا جَاءَ فِي المرأة إذا استكرهت على الزنى) [1453] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُعَمَّرٌ) بِوَزْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ فِي التقريب معمر في التشديد بن سُلَيْمَانَ النَّخَعِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ أَخْطَأَ الْأَزْدِيُّ فِي تَلْيِينِهِ وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ لَهُ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (اُسْتُكْرِهَتِ امْرَأَةٌ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ جَامَعَهَا رَجُلٌ بِالْإِكْرَاهِ (فَدَرَأَ) أَيْ دَفَعَ (وَأَقَامَهُ) أَيِ الْحَدَّ (عَلَى الَّذِي أَصَابَهَا) أَيْ جَامَعَهَا (وَلَمْ يذكر) أي الراوي قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ (أَنَّهُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَعَلَ لَهَا مَهْرًا) أَيْ عَلَى مُجَامَعَتِهَا قَالَ المظهر وكذا بن الْمَلَكِ لَا يَدُلُّ هَذَا عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْمَهْرِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهُ لَهَا بِإِيجَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ) لِأَنَّ عَبْدَ الْجَبَّارِ بْنَ وَائِلٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ فَقَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى إِلَخْ (سَمِعْتُ مُحَمَّدًا) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ) هَذَا صَحِيحٌ (وَلَا أَدْرَكَهُ يُقَالُ إِنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ بِأَشْهُرٍ) هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّهُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بن

عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ وَائِلٍ قَالَ كُنْتُ غُلَامًا لَا أَعْقِلُ صَلَاةَ أَبِي فَحَدَّثَنِي وَائِلُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إِذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ الْحَدِيثَ فَقَوْلُ عَبْدِ الْجَبَّارِ كُنْت غُلَامًا لَا أَعْقِلُ صَلَاةَ أَبِي نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ عَبْدَ الْجَبَّارِ قَدْ وُلِدَ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ غُلَامًا لَا أَعْقِلُ صَلَاةَ أَبِي وَلَوْ مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ حَمْلٌ لَمْ يَقُلْ هَذَا الْقَوْلَ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ نَصَّ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ عَلَى أَنَّ الْقَائِلَ كُنْتُ غُلَامًا لَا أَعْقِلُ صَلَاةَ أَبِي هُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ لَا أَخُوهُ عَبْدُ الْجَبَّارِ قُلْتُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْبَزَّارِ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَائِلُ كُنْتُ غُلَامًا لَا أَعْقِلُ صَلَاةَ أَبِي هُوَ عَلْقَمَةُ لَمْ يَقُلْ فَحَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ [1454] قَوْلُهُ (تُرِيدُ الصَّلَاةَ) حَالٌ أَوِ اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ (فَتَلَقَّاهَا رَجُلٌ) أَيْ قَابَلَهَا (فَتَجَلَّلَهَا) أَيْ فَغَشِيَهَا بِثَوْبِهِ فَصَارَ كَالْجُلِّ عَلَيْهَا (فَقَضَى حَاجَتَهُ مِنْهَا) قَالَ الْقَاضِي أَيْ غَشِيَهَا وَجَامَعَهَا كَنَّى بِهِ عَنِ الْوَطْءِ كَمَا كَنَّى عَنْهُ بِالْغَشَيَانِ (فَانْطَلَقَ) أَيِ الرَّجُلُ الَّذِي جَامَعَهَا (وَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ) أَيْ آخَرُ غَيْرُ الَّذِي جَلَّلَهَا (فَقَالَتْ إِنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ) أَيِ الْمَارَّ الَّذِي لَمْ يُجَلِّلْهَا (فَعَلَ بِي كَذَا وَكَذَا) أَيِ التَّجْلِيلَ وَقَضَاءَ الْحَاجَةِ مِنْهَا وَالْحَالُ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ الْمَارَّ مَا كَانَ فَعَلَ بِهَا (وَمَرَّتْ عِصَابَةٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ جَمَاعَةٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَمَرَّتْ عِصَابَةٌ (فَأَخَذُوا الرَّجُلَ الَّذِي ظَنَّتْ أَنَّهُ وَقَعَ عَلَيْهَا) وَكَانَ ظَنُّهَا غَلَطًا (أَنَا صَاحِبُهَا) أَيْ أَنَا الَّذِي جَلَّلْتُهَا وَقَضَيْتُ حَاجَتِي مِنْهَا لَا الَّذِي أَخَذُوهُ وَأَتَوْا بِهِ عِنْدَك (فَقَالَ لَهَا

اذْهَبِي فَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكِ) لِكَوْنِهَا مُكْرَهَةً (وَقَالَ لِلرَّجُلِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ يَعْنِي الرَّجُلَ الْمَأْخُوذَ (قَوْلًا حَسَنًا) لِأَنَّهُ كَانَ مَأْخُوذًا مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ (وَقَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهَا ارْجُمُوهُ) لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَرِفًا بِمَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ وَكَانَ مُحْصَنًا (وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ) أَمَّا كَوْنُ عَلْقَمَةَ أَكْبَرَ مِنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَةُ وَأَمَّا سَمَاعُ عَلْقَمَةَ مِنْ أَبِيهِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَاتٌ عَدِيدَةٌ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ الْقِصَاصِ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ الْحَدِيثَ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي بَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ أَخْبَرَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ قَيْسِ بْنِ سُلَيْمٍ الْعَنْبَرِيِّ حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلٍ حَدَّثَنِي أَبِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْءِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمِ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ أَنْبَأَنَا قَيْسُ بْنُ سُلَيْمٍ الْعَنْبَرِيُّ قَالَ سَمِعْتُ عَلْقَمَةَ بْنَ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ حَدَّثَنِي أَبِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَوْلُهُ إِنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَكَذَا قَوْلُهُ حَدَّثَنِي أَبِي فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَالْبُخَارِيِّ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى سَمَاعِ عَلْقَمَةَ مِنْ أَبِيهِ فَالْحَقُّ أَنَّ عَلْقَمَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَخِيهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ فَإِنْ قِيلَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَلْقَمَةُ بْنُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ صَدُوقٌ إِلَّا إِنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ انْتَهَى وَقَدْ قَالَ فِي أَوَائِلِ التَّقْرِيبِ إِنِّي أَحْكُمُ عَلَى كُلِّ شَخْصٍ مِنْهُمْ بِحُكْمٍ يَشْمَلُ أَصَحَّ مَا قِيلَ فِيهِ وَأَعْدَلَ مَا وُصِفَ بِهِ انْتَهَى فَظَهَرَ أَنَّ أَعْدَلَ الْأَقْوَالِ وَأَصَحَّهَا أَنَّ عَلْقَمَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ قُلْتُ قَوْلُ الْحَافِظِ فِي التَّقْرِيبِ بِأَنَّ عَلْقَمَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَقَوْلُ الْحَافِظِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلْقَمَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْحَافِظَ كَانَ قَائِلًا أَوَّلًا بِعَدَمِ سَمَاعِ عَلْقَمَةَ مِنْ أَبِيهِ ثُمَّ تَحَقَّقَ عِنْدَهُ سَمَاعُهُ مِنْهُ فَرَجَعَ مِنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ هَذَا فَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ فِي التَّقْرِيبِ بِأَنَّ عَلْقَمَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ يَرُدُّهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورَةُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء فيمن يقع على البهيمة

23 - (باب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَقَعُ عَلَى الْبَهِيمَةِ) [1455] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو) فِي التَّقْرِيبِ عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو مَيْسَرَةُ مَوْلَى الْمُطَّلِبِ الْمَدَنِيِّ أَبُو عُثْمَانَ ثِقَةٌ رُبَّمَا وَهِمَ من الخامسة (فاقتلوه) قال القارىء أَيْ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبًا شَدِيدًا أَوْ أَرَادَ بِهِ وَعِيدًا أَوْ تَهْدِيدًا (وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ) قِيلَ لِئَلَّا يَتَوَلَّدَ مِنْهَا حَيَوَانٌ عَلَى صُورَةِ إِنْسَانٍ وَقِيلَ كَرَاهَةَ أَنْ يَلْحَقَ صَاحِبَهَا الْخِزْيُ فِي الدُّنْيَا لِإِبْقَائِهَا وَفِي شَرْحِ الْمُظْهِرِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرْ قَوْلَيْهِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إِنَّهُ يُعَزَّرُ وَقَالَ إِسْحَاقُ يُقْتَلُ إِنْ عَمِلَ ذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِالنَّهْيِ وَالْبَهِيمَةُ قِيلَ إِنْ كَانَتْ مَأْكُولَةً تُقْتَلُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الْقَتْلُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَعَدَمُ الْقَتْلِ لِلنَّهْيِ عَنْ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ إِلَّا لِأَهْلِهِ (فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا شَأْنُ الْبَهِيمَةِ) أَيْ لَا عَقْلَ لَهَا وَلَا تَكْلِيفَ عَلَيْهَا فَمَا بَالُهَا تُقْتَلُ (فَقَالَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذَلِكَ شَيْئًا) أَيْ مِنَ الْعِلَلِ وَالْحُكْمِ (وَلَكِنْ أُرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّ (أَوْ يَنْتَفِعَ) بِهَا أَيْ بِلَبَنِهَا وَبِشَعْرِهَا وَتَوْلِيدِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ (وقد عمل بها ذاك الْعَمَلُ) أَيِ الْمَكْرُوهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ إِلَّا أَنَّ فِيهِ اخْتِلَافًا كَذَا فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ وَيَأْتِي بَاقِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا بَعْدُ (وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍ) هُوَ بن أَبِي النَّجُودِ (عَنْ أَبِي رَزِينٍ) هُوَ مَسْعُودُ بْنُ مَالِكٍ الْأَسْدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) هذا قول بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ زَادَ أَبُو دَاوُدَ وَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ وَقَالَ الْحَكَمُ أَرَى أَنْ يُجْلَدَ وَلَا يُبْلَغَ بِهِ الْحَدُّ وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي قَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثُ عَاصِمٍ يُضَعِّفُ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو انتهى

باب ما جاء في حد اللوطي

قُلْتُ عَطَاءٌ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ مَشْهُورٌ وَالْحَكَمُ هَذَا هو بن عُتَيْبَةَ الْكُوفِيُّ أَحَدُ الْأَئِمَّةِ الْفُقَهَاءِ وَالْحَسَنُ هَذَا هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ (أَيْ أَبُو دَاوُدَ بِقَوْلِهِ حَدِيثُ عَاصِمٍ يُضَعِّفُ حَدِيثَ عمرو بن أبي عمرو) أن بن عَبَّاسٍ لَوْ كَانَ عِنْدَهُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا يُخَالِفُهُ انْتَهَى (وَهَذَا) أَيْ حَدِيثُ عَاصِمٍ الموقوف على بن عَبَّاسٍ (أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) يَعْنِي حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو الْمَذْكُورِ أَوَّلًا وَحَدِيثُ عَاصِمٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ عَمَلُهُمْ عَلَى حَدِيثِ عَاصِمٍ الْمَوْقُوفِ يَعْنِي أَنَّهُمْ قَالُوا بِأَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ أَتَى الْبَهِيمَةَ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَكَذَلِكَ قَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ انْتَهَى 4 - (باب مَا جَاءَ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ) [1456] قَوْلُهُ (مَنْ وَجَدْتُمُوهُ) أَيْ عَلِمْتُمُوهُ (يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ) أَيْ بِعَمَلِ قَوْمِ لُوطٍ اللِّوَاطَةَ (فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ قَوْلَيْهِ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إِلَى أن حد الفاعل حد الزنى أَيْ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا يُرْجَمُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْصَنًا يُجْلَدُ مِائَةً وَعَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً مُحْصَنًا أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ لِأَنَّ التَّمْكِينَ فِي الدُّبُرِ لَا يُحْصِنُهَا فَلَا يُحْصِنُهَا حَدُّ الْمُحْصَنَاتِ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ اللُّوطِيَّ يُرْجَمُ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ الْفَاعِلُ وَالْمَفْعُولُ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَقَدْ قِيلَ فِي كَيْفِيَّةِ قَتْلِهِمَا هَدْمُ بِنَاءٍ عَلَيْهِمَا وَقِيلَ رَمْيُهُمَا مِنْ شَاهِقٍ كَمَا فُعِلَ بِقَوْمِ لُوطٍ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُعَزَّرُ وَلَا يُحَدُّ انْتَهَى

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ أَحْصَنَا أَوْ لَمْ يُحْصِنَا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ مُعَلَّقًا (فَقَالَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَصِحُّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ وَعَاصِمٌ مَتْرُوكٌ قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي حَدِّ اللُّوطِيِّ فَرَأَى بَعْضُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِ الرَّجْمَ أُحْصِنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) أَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ رَجَمَ لُوطِيًّا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبِهَذَا نَأْخُذُ يُرْجَمُ اللُّوطِيُّ مُحْصَنًا كَانَ أَوْ غَيْرَ محصن وروى بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ فَارْجُمُوا الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ عَاصِمًا هَذَا مَتْرُوكٌ وَأَمَّا رَجْمُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لُوطِيًّا فَهُوَ فَعَلَهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ فُقَهَاءِ التَّابِعِينَ مِنْهُمُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرُهُمْ قَالُوا حَدُّ اللُّوطِيِّ حَدُّ الزَّانِي وهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَيُجْلَدُ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْبِكْرُ وَيُغَرَّبُ وَيُرْجَمُ الْمُحْصَنُ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ التَّلَوُّطَ نوع من أنواع الزنى لِأَنَّهُ إِيلَاجُ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ فَيَكُونُ اللَّائِطُ وَالْمَلُوطُ بِهِ دَاخِلَيْنِ تَحْتَ عُمُومِ الْأَدِلَّةِ الْوَارِدَةِ فِي الزَّانِي الْمُحْصَنِ وَالْبِكْرِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ

حَدِيثُ إِذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كَذَّبَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا أَعْرِفُهُ وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ انْتَهَى وَرَوَاهُ أَبُو الْفَتْحِ الْأَزْدِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَفِيهِ بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ الْبَجَلِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ وَعَلَى فَرْضِ عَدَمِ شُمُولِ الْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ لَهُمَا فَهُمَا لَاحِقَانِ بِالزَّانِي بِالْقِيَاسِ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْأَدِلَّةَ الْوَارِدَةَ بِقَتْلِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ مُطْلَقًا مُخَصَّصَةٌ لعموم أدلة الزنى الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ عَلَى فَرْضِ شُمُولِهَا اللُّوطِيَّ وَمُبْطِلَةٌ لِلْقِيَاسِ الْمَذْكُورِ عَلَى فَرْضِ عَدَمِ الشُّمُولِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ فَاسِدَ الِاعْتِبَارِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ إِلَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ اللُّوطِيُّ فَقَطْ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْمَذْهَبِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِلْأَدِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي خُصُوصِ اللُّوطِيِّ وَالْأَدِلَّةُ الْوَارِدَةُ فِي الزَّانِي عَلَى الْعُمُومِ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ لهذا بحديث لأن أخطىء في العفو خير من أن أخطىء فِي الْعُقُوبَةِ فَمَرْدُودٌ بِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مَعَ الِالْتِبَاسِ وَالنِّزَاعُ لَيْسَ هُوَ فِي ذَلِكَ [1457] قَوْلُهُ (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي عمل قوم لوط) أخوف أفعل تفصيل بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَضَافَ أَفْعَلَ إِلَى مَا وَهِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا اسْتَقْصَى الْأَشْيَاءَ الْمُخَوَّفَ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لَمْ يُوجَدْ أَخْوَفُ مِنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن ماجة

باب ما جاء في المرتد

25 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُرْتَدِّ) [1458] أَيْ فِي حُكْمِ الَّذِي ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ (إِنَّ عَلِيًّا حَرَقَ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ) رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ عَلِيًّا بَلَغَهُ أَنَّ قَوْمًا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ فَأَطْعَمَهُمْ ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَوْا فَحَفَرَ حَفِيرَةً ثُمَّ أَتَى بِهِمْ فَضَرَبَ أَعْنَاقَهُمْ وَرَمَاهُمْ فِيهَا ثُمَّ أَلْقَى عَلَيْهِمُ الْحَطَبَ فَأَحْرَقَهُمْ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ ورسوله وزعم أبو المظفر الإسفرائيني فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ أَنَّ الَّذِينَ أَحْرَقَهُمْ عَلِيٌّ طَائِفَةٌ مِنَ الرَّوَافِضِ ادَّعَوْا فِيهِ الْإِلَهِيَّةَ وَهُمُ السبائية وَكَانَ كَبِيرُهُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَبَأٍ يَهُودِيًّا ثُمَّ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ وَابْتَدَعَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ رِوَايَةً تؤيد ما زعمه الإسفرائيني في الملل والنحل (فبلغ ذلك بن عباس) وكان بن عَبَّاسٍ حِينَئِذٍ أَمِيرًا عَلَى الْبَصْرَةِ مِنْ قِبَلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لَوْ كُنْتُ أَنَا) أَنَا تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَوْ كُنْتُ أَنَا بَدَلَهُ (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ مَنْ عَامٌّ يُخَصُّ مِنْهُ مَنْ بَدَّلَهُ فِي الْبَاطِنِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ ذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الظَّاهِرِ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فِي الظَّاهِرِ مَعَ الْإِكْرَاهِ (لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ) أَيْ بِالْقَتْلِ بِالنَّارِ (فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فقال صدق بن عباس) قال الحافظ وفي رواية بن علية فبلغ عليا فقال ويح أم بن عَبَّاسٍ كَذَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَعِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ بِحَذْفِ أُمِّ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِمَا اعْتَرَضَ بِهِ وَرَأَى أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى تَفْسِيرِ وَيْحَ بِأَنَّهَا كَلِمَةُ رَحْمَةٍ فَتَوَجَّعَ لَهُ لِكَوْنِهِ حَمَلَ النَّهْيَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَاعْتَقَدَ مُطْلَقًا فَأَنْكَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهَا رِضًا بِمَا قَالَ وَأَنَّهُ حَفِظَ مَا نسيه بناء على أحد مَا قِيلَ فِي تَفْسِيرِ وَيْحَ أَنَّهَا تُقَالُ بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالتَّعَجُّبِ كَمَا حَكَاهُ فِي النِّهَايَةِ انْتَهَى قُلْتُ لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ صَدَقَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ويح أم بن عَبَّاسٍ الْمَدْحُ وَالتَّعَجُّبُ

باب ما جاء فيمن شهر السلاح

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ الْبَابِ فَإِنَّ لَفْظَ (مَنْ) فِي قَوْلَهُ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ عَامٌّ شَامِلٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ تُحْبَسُ وَلَا تُقْتَلُ) أَيِ الْمَرْأَةُ الْمُرْتَدَّةُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ) وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتُدِلَّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ عَلَى قَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ كَالْمُرْتَدِّ وَخَصَّهُ الْحَنَفِيَّةُ بِالذِّكْرِ وَتَمَسَّكُوا بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ النَّهْيَ عَلَى الْكَافِرَةِ الْأَصْلِيَّةِ إِذَا لَمْ تُبَاشِرِ الْقِتَالَ وَلَا الْقَتْلَ لِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ لَمَّا رَأَى الْمَرْأَةَ مَقْتُولَةً مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ ثُمَّ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ مَنِ الشَّرْطِيَّةَ لا تعم المؤنث وتعقب بأن بن عَبَّاسٍ رَاوِيَ الْخَبَرِ قَدْ قَالَ تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ وَقَتَلَ أَبُو بَكْرٍ فِي خِلَافَتِهِ امْرَأَةً ارْتَدَّتْ وَالصَّحَابَةُ مُتَوَافِرُونَ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ وقد أخرج ذلك كله بن الْمُنْذِرِ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَثَرَ أَبِي بَكْرٍ مِنْ وَجْهٍ حَسَنٍ وَأَخْرَجَ مِثْلَهُ مَرْفُوعًا فِي قَتْلِ الْمُرْتَدَّةِ لَكِنْ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرْسَلَهُ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ أَيُّمَا رَجُلٍ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ فَادْعُهُ فَإِنْ عَادَ وَإِلَّا فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ ارْتَدَّتْ عَنِ الْإِسْلَامِ فَادْعُهَا فَإِنْ عَادَتْ وَإِلَّا فَاضْرِبْ عُنُقَهَا وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَهُوَ نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ فَيَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ اشْتِرَاكُ الرِّجَالِ والنساء في الحدود كلها الزنى والسرقة وشرب الخمر والقذف ومن صور الزنى رَجْمُ الْمُحْصَنِ فَاسْتُثْنِيَ ذَلِكَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ فَكَذَلِكَ يُسْتَثْنَى قَتْلُ الْمُرْتَدَّةِ انْتَهَى 6 - (بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ شَهَرَ السِّلَاحَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ شَهَرَ سَيْفَهُ كَمَنَعَ وَشَهَرَهُ انْتَضَاهُ فَرَفَعَهُ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ شَهَرَ

شمشير بركشيدن ازنيام وَالسِّلَاحُ بِالْكَسْرِ آلَةُ الْحَرْبِ وَحَدِيدَتُهَا وَيُؤَنَّثُ وَالسَّيْفُ وَالْقَوْسُ بِلَا وَتَرٍ وَالْعَصَا [1459] قَوْلُهُ (مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ) وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَنْ سَلَّ عَلَيْنَا السَّيْفَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ حَمَلَ السِّلَاحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِقِتَالِهِمْ بِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَخْوِيفِهِمْ وَإِدْخَالِ الرُّعْبِ عَلَيْهِمْ وَكَأَنَّهُ كَنَّى بِالْحَمْلِ عَنِ الْمُقَاتَلَةِ أَوِ الْقَتْلِ لِلْمُلَازَمَةِ الغالبة قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْحَمْلِ مَا يُضَادُّ الْوَضْعَ وَيَكُونُ كِنَايَةً عَنِ الْقِتَالِ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْحَمْلِ حَمْلُهُ لِإِرَادَةِ الْقِتَالِ بِهِ لِقَرِينَةِ قَوْلِهِ عَلَيْنَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ حَمَلَهُ لِلضَّرْبِ بِهِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالتَّشْدِيدِ فِيهِ قَالَ الْحَافِظُ جَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ مَنْ شَهَرَ عَلَيْنَا السِّلَاحَ أَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَمِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَفِي سَنَدِ كُلٍّ مِنْهَا لِينٌ لَكِنَّهَا يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مَنْ رَمَانَا بالنبل فليس مناوهو عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ اللَّيْلُ بَدَلَ النَّبْلِ وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ مِثْلُهُ (فَلَيْسَ مِنَّا) أَيْ لَيْسَ عَلَى طَرِيقَتِنَا أَوْ لَيْسَ مُتَّبِعًا لِطَرِيقَتِنَا لِأَنَّ مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْصُرَهُ وَيُقَاتِلَ دُونَهُ لَا أَنْ يُرْعِبَهُ بِحَمْلِ السِّلَاحِ عَلَيْهِ لِإِرَادَةِ قِتَالِهِ أَوْ قَتْلِهِ وَنَظِيرُهُ مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ لَا يَسْتَحِلُّ ذَلِكَ فَأَمَّا مَنْ يَسْتَحِلُّهُ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِاسْتِحْلَالِ الْمُحَرَّمِ بِشَرْطِهِ لَا بِمُجَرَّدِ حَمْلِ السِّلَاحِ وَالْأَوْلَى عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْخَبَرِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَأْوِيلِهِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ وَكَانَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يُنْكِرُ عَلَى مَنْ يَصْرِفُهُ عَنْ ظَاهِرِهِ فَيَقُولُ مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقَتِنَا وَيَرَى أَنَّ الْإِمْسَاكَ عَنْ تَأْوِيلِهِ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَالْوَعِيدُ الْمَذْكُورُ لَا يَتَنَاوَلُ مَنْ قَاتَلَ الْبُغَاةَ مِنْ أَهْلِ الْحَقِّ فَيُحْمَلُ عَلَى الْبُغَاةِ وَعَلَى مَنْ بَدَأَ بِالْقِتَالِ ظَالِمًا انْتَهَى قوله (وفي الباب عن بن عمر وبن الزُّبَيْرِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ) أَمَّا حديث بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ حَدِيثِ الباب وأما حديث بن الزُّبَيْرِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي مُوسَى حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ

باب ما جاء في حد الساحر

27 - (باب مَا جَاءَ فِي حَدِّ السَّاحِرِ) [1460] قَوْلُهُ (حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ يُرْوَى بِالتَّاءِ وَبِالْهَاءِ وَعَدَلَ عَنِ الْقَتْلِ إِلَى هَذَا كَيْ لَا يَتَجَاوَزَ مِنْهُ إِلَى أَمْرٍ آخَرَ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ حَدَّ السَّاحِرِ الْقَتْلُ لَكِنِ الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ أَبُو إِسْحَاقَ كَانَ مِنَ الْبَصْرَةِ ثُمَّ سَكَنَ مَكَّةَ وَكَانَ فَقِيهًا ضَعِيفَ الْحَدِيثِ مِنِ الْخَامِسَةِ (وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ قَالَ وَكِيعٌ هُوَ ثِقَةٌ وَيَرْوِي عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا) أَيْ كَمَا يَرْوِي عَنْهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَبْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَمَلُ السِّحْرِ حَرَامٌ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ كُفْرًا وَقَدْ لَا يَكُونُ كُفْرًا بَلْ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ فَإِنْ كَانَ فِيهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَقْتَضِي الْكُفْرَ كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ فَحَرَامٌ قَالَ وَلَا يُقْتَلُ عِنْدَنَا يَعْنِي السَّاحِرَ فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَقَالَ مَالِكٌ السَّاحِرُ كَافِرٌ بِالسِّحْرِ وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَلْ يَتَحَتَّمُ قَتْلُهُ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ لِأَنَّ السَّاحِرَ عِنْدَهُ كَافِرٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَنَا لَيْسَ بِكَافِرٍ وَعِنْدَنَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الْمُنَافِقِ وَالزِّنْدِيقِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَبِقَوْلِ مَالِكٍ قَالَ

باب ما جاء في الغال ما يصنع به

أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا إِذَا قَتَلَ السَّاحِرُ بِسِحْرِهِ إِنْسَانًا أَوِ اعْتَرَفَ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ وَأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ مَاتَ بِهِ وَلَكِنَّهُ قَدْ يَقْتُلُ وَقَدْ لَا يَقْتُلُ فَلَا قِصَاصَ وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ العاقلة لا تجمل مَا ثَبَتَ بِاعْتِرَافِ الْجَانِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُتَصَوَّرُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِالْبَيِّنَةِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِاعْتِرَافِ السَّاحِرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْغَالِّ مَا يُصْنَعُ بِهِ) [1461] قَوْلُهُ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ سَرَقَ مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ وَالْغُلُولُ هُوَ الْخِيَانَةُ فِي الْمَغْنَمِ (فَاحْرِقُوا مَتَاعَهُ) قَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِحَرْقِ مَتَاعِ الْغَالِّ (قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ (قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ وَعَنِ الْحَسَنِ وَيُحْرَقُ مَتَاعُهُ كُلُّهُ إِلَّا الْحَيَوَانَ وَالْمُصْحَفَ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ حِينَ كَانَتِ الْعُقُوبَةُ بِالْمَالِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ

باب ما جاء فيمن يقول للاخر يا مخنث

الْأَئِمَّةِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَحْتَجُّونَ بِهَذَا فِي الْغُلُولِ وَهُوَ بَاطِلٌ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَنْكَرُوا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى صَالِحِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ وَهَذَا حَدِيثٌ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ وَلَا أَصْلَ لِهَذَا الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّ سَالِمًا أَمَرَ بِذَلِكَ وَصَحَّحَ أَبُو دَاوُدَ وَقْفَهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَقَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ حَدِيثٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَالِّ وَلَمْ يَأْمُرْ فِيهِ بِحَرْقِ مَتَاعِهِ) الْحَرَقُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَقَدْ تُسَكَّنُ الرَّاءُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ مَصْدَرُ حَرِقَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنِ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي بَابِ الْقَلِيلِ مِنَ الْغُلُولِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَرَقَ مَتَاعَهُ يَعْنِي فِي حَدِيثِهِ الَّذِي سَاقَهُ فِي ذَلِكَ الْبَابِ وَهُوَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كَرْكَرَةُ فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ فِي النَّارِ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا أَصَحُّ قَالَ فِي الْفَتْحِ أَشَارَ إِلَى تَضْعِيفِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي الْأَمْرِ بِحَرْقِ رَحْلِ الْغَالِّ انْتَهَى 9 - (باب مَا جَاءَ فِيمَنْ يقول للاخر يَا مُخَنَّثٌ) بِفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وَيُكْسَرُ هُوَ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ سُمِّيَ بِهِ لِانْكِسَارِ كَلَامِهِ وَقِيلَ قِيَاسُهُ الْكَسْرُ وَالْمَشْهُورُ فَتْحُهُ وَالتَّشَبُّهُ قَدْ يَكُونُ طَبْعِيًّا وَقَدْ يَكُونُ تَكْلِيفًا وَمِنَ الثَّانِي حَدِيثُ لَعْنِ الْمُخَنَّثِينَ كَذَا فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ [1462] قَوْلُهُ (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ) أَيِ الْمُسْلِمُ (يا يهودي) قال القارىء وَفِي مَعْنَاهُ يَا نَصْرَانِيُّ وَيَا كَافِرُ (فَاضْرِبُوهُ عِشْرِينَ) أَيْ سَوْطًا (وَإِذَا قَالَ يَا مُخَنَّثُ فَاضْرِبُوهُ عِشْرِينَ) قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ يَا يَهُودِيُّ فِيهِ تَوْرِيَةٌ وَإِيهَامٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْكُفْرُ وَالذِّلَّةُ لِأَنَّ الْيَهُودَ مَثَلٌ فِي الصَّغَارِ وَالْحَمْلُ عَلَى الثَّانِي أَرْجَحُ لِلدَّرْءِ فِي الْحُدُودِ وَعَلَى هَذَا الْمُخَنَّثُ انْتَهَى (وَمَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ) أَيْ

باب ما جاء في التعزير

مَنْ وَقَعَ بِالْجِمَاعِ مُتَعَمِّدًا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ يُقْتَلُ قَالَ الْمُظْهِرُ حَكَمَ أَحْمَدُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقَالَ غَيْرُهُ هَذَا زَجْرٌ وَإِلَّا حُكْمُهُ حُكْمُ سَائِرِ الزُّنَاةِ يُرْجَمُ إِنْ كَانَ مُحْصَنًا وَيُجْلَدُ إِنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ وَالظَّاهِرُ مَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَلَا حَاجَةَ لِحَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى الزَّجْرِ قَوْلُهُ (وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْأَشْهَلِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ رَوَاهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَقُرَّةُ بْنُ إِيَاسٍ الْمُزْنِيُّ أَنَّ رَجُلًا إِلَخْ) تَقَدَّمَ حَدِيثُ الْبَرَاءِ وَحَدِيثُ قُرَّةَ فِي بَابِ مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ قَوْلُهُ (قَالُوا مَنْ أَتَى ذَاتَ مَحْرَمٍ) أَيْ جَامَعَهَا (وَهُوَ يَعْلَمُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ يَعْلَمُ بِتَحْرِيمِهَا (فَعَلَيْهِ الْقَتْلُ) أَيْ فعليه أن يقتل يعني يجب قتله وهوالظاهر وَعَلَيْهِ تَدُلُّ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا إن عليه حد الزنى فَأَحَادِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 0 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّعْزِيرِ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ التَّعْزِيرُ تَأْدِيبٌ دُونَ الْحَدِّ وَأَصْلُهُ مِنَ العزر بمعنى الرد والردع قال بن الهمام وهو مشروع بالكتاب قال تعالى فاضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا أمر بضرب الزوجات تأديبا وتهذيبا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ لِلْقَارِيِّ وَقَالَ فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثَ فِي ثُبُوتِ التَّعْزِيرِ مَا لَفْظُهُ وَأَقْوَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَاضْرِبُوهُمْ عَلَى تَرْكِهَا بِعَشْرٍ فِي الصِّبْيَانِ فَهَذَا دَلِيلُ شَرْعِيَّةِ التَّعْزِيرِ وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَالَ الْحَافِظُ التَّعْزِيرُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَزْرِ وَهُوَ الرَّدُّ وَالْمَنْعُ وَاسْتُعْمِلَ فِي الدَّفْعِ عَنِ الشَّخْصِ كَدَفْعِ أَعْدَائِهِ عَنْهُ وَمَنْعِهِمْ مِنْ إِضْرَارِهِ ومنه وآمنتم

برسلي وعزرتموهم وَكَدَفْعِهِ عَنْ إِتْيَانِ الْقَبِيحِ وَمِنْهُ عَزَّرَهُ الْقَاضِي أَيْ أَدَّبَهُ لِئَلَّا يَعُودَ إِلَى الْقَبِيحِ وَيَكُونُ بِالْقَوْلِ وَبِالْفِعْلِ بِحَسَبِ مَا يَلِيقُ بِهِ انْتَهَى [1463] قَوْلُهُ (لَا يُجْلَدُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِصِيغَةِ النَّفْيِ وَرُوِيَ بِصِيغَةِ النَّهْيِ مَجْزُومًا (فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ) وَفِي رِوَايَةٍ فَوْقَ عَشْرَةِ أَسْوَاطٍ وَفِي رِوَايَةٍ فَوْقَ عَشْرِ ضَرْبَاتٍ (إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ) الْمُرَادُ بِهِ مَا وَرَدَ عَنِ الشارع مقدرا بعدد مخصوص كحد الزنى وَالْقَذْفِ وَنَحْوِهِمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ هُنَا عُقُوبَةُ الْمَعْصِيَةِ مُطْلَقًا لَا الْأَشْيَاءُ الْمَخْصُوصَةُ فَإِنَّ ذَلِكَ التَّخْصِيصَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَعَرَّفَ الشَّرْعُ إِطْلَاقَ الْحَدِّ عَلَى كُلِّ عُقُوبَةٍ لِمَعْصِيَةٍ من المعاصي كبيرة أو صغيرة ونسب بن دَقِيقِ الْعِيدِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِلَى بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ له وإليها ذهب بن الْقَيِّمِ وَقَالَ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْمَذْكُورِ فِي التَّأْدِيبِ لِلْمَصَالِحِ كَتَأْدِيبِ الْأَبِ ابْنَهُ الصَّغِيرَ وَاعْتُرِضَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ أَنَّ الشَّارِعَ يُطْلِقُ الْحُدُودَ عَلَى الْعُقُوبَاتِ الْمَخْصُوصَةِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِنَّ أَخَفَّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ مُلَخَّصًا مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ قُلْتُ وَقَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِي بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجُلِدَ بِجَرِيدَتَيْنِ نَحْوَ أَرْبَعِينَ قَالَ وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ اسْتَشَارَ النَّاسَ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَخَفُّ الْحُدُودِ ثَمَانُونَ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ قَوْلُهُ (وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي التَّعْزِيرِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي مَدْلُولِ هَذَا الْحَدِيثِ فَأَخَذَ بِظَاهِرِهِ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَصَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْعَشْرِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْلُغُ أَدْنَى

الْحُدُودِ وَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِحَدِّ الْحُرِّ أَوِ الْعَبْدِ قَوْلَانِ وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ يُسْتَنْبَطُ كُلُّ تَعْزِيرٍ مِنْ جِنْسِ حَدِّهِ وَلَا يُجَاوِزُهُ وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِ الْأَوْزَاعِيِّ لَا يَبْلُغُ بِهِ الْحَدَّ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَقَالَ الْبَاقُونَ هُوَ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي مُوسَى لَا تَجْلِدْ فِي التَّعْزِيرِ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ وَعَنْ عُثْمَانَ ثَلَاثِينَ وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ بلغ بالسوط مائة وكذا عن بن مَسْعُودٍ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَطَاءٍ لَا يُعَزَّرُ إِلَّا مَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ وَمَنْ وَقَعَ مِنْهُ مَرَّةً وَاحِدَةً مَعْصِيَةٌ لَا حَدَّ فِيهَا فَلَا يُعَزَّرُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَبْلُغُ أربعين وعن بن أَبِي لَيْلَى وَأَبِي يُوسُفَ لَا يُزَادُ عَلَى خَمْسٍ وَتِسْعِينَ جَلْدَةً وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَبْلُغُ ثَمَانِينَ وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِأَجْوِبَةٍ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالْحَقُّ الْعَمَلُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي بُرْدَةَ وَلَيْسَ لِمَنْ خَالَفَهُ مُتَمَسِّكٌ يَصْلُحُ لِلْمُعَارَضَةِ وَقَدْ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَخَالَفَهُ النَّوَوِيُّ فَنَقَلَ عَنِ الْجُمْهُورِ عَدَمَ الْقَوْلِ بِهِ وَلَكِنْ إِذَا جَاءَ نَهْرُ اللَّهِ بطل نهر معقل فَلَا يَنْبَغِي لِمُنْصِفٍ التَّعْوِيلُ عَلَى قَوْلِ أَحَدٍ عِنْدَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوا كُلَّ قَوْلٍ عِنْدَ قَوْلِ مُحَمَّدٍ فما امن في دينه كمخاطر

16 - أبواب الصيد

16 - أبواب الصَّيْدِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَاب مَا جَاءَ مَا يُؤْكَلُ مِنْ صيد الكلب) وما لا يؤكل [1465] قَوْلُهُ (إِنَّا نُرْسِلُ كِلَابًا لَنَا مُعَلَّمَةً) الْمُرَادُ بِالْمُعَلَّمَةِ الَّتِي إِذَا أَغْرَاهَا صَاحِبُهَا عَلَى الصَّيْدِ طَلَبَتْهُ وَإِذَا زَجَرَهَا انْزَجَرَتْ وَإِذَا أَخَذَ الصَّيْدَ حَبَسَتْهُ عَلَى صَاحِبِهَا وَهَذَا الثَّالِثُ مُخْتَلَفٌ فِي اشْتِرَاطِهِ وَاخْتُلِفَ مَتَى يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهَا فَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ أَقَلُّهُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ يَكْفِي مَرَّتَيْنِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يُقَدِّرْهُ الْمُعْظَمُ لِاضْطِرَابِ الْعُرْفِ وَاخْتِلَافِ طِبَاعِ الْجَوَارِحِ فَصَارَ الْمَرْجِعُ إِلَى الْعُرْفِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (كُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ قُلْتُ فَإِنْ أَكَلَ قَالَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَفِي رواية أخرى له إذا أرسلت كلابك المعلمة وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ وإن قتلن

إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ تَحْرِيمُ أَكْلِ الصَّيْدِ الَّذِي أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا وَقَدْ عُلِّلَ فِي الْحَدِيثِ بِالْخَوْفِ مِنْ أَنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الرَّاجِحُ مِنْ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ يَحِلُّ وَاحْتَجُّوا بِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا يُقَالُ لَهُ أَبُو ثَعْلَبَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي كِلَابًا مُكَلَّبَةً فَأَفْتِنِي فِي صَيْدِهَا قَالَ كُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَا بَأْسَ بِسَنَدِهِ وَسَلَكَ النَّاسُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ طُرُقًا مِنْهَا لِلْقَائِلِينَ بِالتَّحْرِيمِ حُمِلَ حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَلَى مَا إِذَا قَتَلَهُ وَخَلَّاهُ ثُمَّ عَادَ فَأَكَلَ مِنْهُ وَمِنْهَا التَّرْجِيحُ فَرِوَايَةُ عَدِيٍّ فِي الصَّحِيحَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهَا وَرِوَايَةُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْمَذْكُورَةُ فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ مُخْتَلَفٌ فِي تَضْعِيفِهَا وَأَيْضًا فَرِوَايَةُ عَدِيٍّ صَرِيحَةٌ مَقْرُونَةٌ بِالتَّعْلِيلِ الْمُنَاسِبِ لِلتَّحْرِيمِ وَهُوَ خَوْفُ الْإِمْسَاكِ عَلَى نَفْسِهِ مُتَأَيِّدَةٌ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَيْتَةِ التَّحْرِيمُ فَإِذَا شَكَكْنَا فِي السَّبَبِ الْمُبِيحِ رَجَعْنَا إِلَى الْأَصْلِ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عليكم) فَإِنَّ مُقْتَضَاهَا أَنَّ الَّذِي يُمْسِكُهُ مِنْ غَيْرِ إِرْسَالٍ لَا يُبَاحُ وَيَتَقَوَّى أَيْضًا بِالشَّاهِدِ مِنْ حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ إِذَا أَرْسَلْتَ الْكَلْبَ فَأَكَلَ الصَّيْدَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا أَرْسَلْتَهُ فَقَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى صَاحِبِهِ وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ اخر عن بن عباس وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ وَمِنْهَا لِلْقَائِلِينَ بِالْإِبَاحَةِ حَمْلُ حَدِيثِ عَدِيٍّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ انْتَهَى (وَإِنْ قَتَلْنَ مَا لَمْ يَشْرَكْهَا كَلْبٌ مِنْ غَيْرِهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قُلْتُ أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ قَالَ لَا تَأْكُلْ فَإِنَّك إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الْآخَرِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا شَارَكَهُ فِيهِ كَلْبٌ آخَرُ فِي اصْطِيَادِهِ قَالَ الْحَافِظُ مَحَلُّهُ إِذَا اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَرْسَلَهُ مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ حَلَّ ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ أَرْسَلَاهُمَا مَعًا فَهُوَ لَهُمَا وَإِلَّا فَلِلْأَوَّلِ وَيُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيلِ فِي قَوْلِهِ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرْسِلَ لَوْ سَمَّى عَلَى الْكَلْبِ لَحَلَّ (إِنَّا نَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ قَالَ الْخَلِيلُ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ سَهْمٌ لَا رِيشَ لَهُ ولا نصل وقال بن دريد وتبعه بن سِيدَهْ سَهْمٌ طَوِيلٌ لَهُ أَرْبَعُ قُذَذٌ رِقَاقٌ فَإِذَا رُمِيَ بِهِ اعْتَرَضَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمِعْرَاضُ نَصْلٌ عَرِيضٌ لَهُ ثِقَلٌ وَرَزَانَةٌ وَقِيلَ عُودٌ رَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ غَلِيظُ الْوَسَطِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْخِذَافَةِ وَقِيلَ خَشَبَةٌ ثَقِيلَةٌ آخِرُهَا عَصَا

مُحَدَّدٌ رَأْسُهَا وَقَدْ لَا يُحَدَّدُ وَقَوَّى هَذَا الْأَخِيرَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِعِيَاضٍ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّهُ المشهور وقال بن التِّينِ الْمِعْرَاضُ عَصًا فِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ يَرْمِي الصَّائِدُ بِهَا الصَّيْدَ فَمَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَهُوَ ذَكِيٌّ فَيُؤْكَلُ وَمَا أَصَابَ بِغَيْرِ حَدِّهِ فَهُوَ وَقِيذٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ (مَا خَزَقَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا قَافٌ أَيْ نَفَذَ يُقَالُ سَهْمٌ خَازِقٌ أَيْ نَافِذٌ (وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ بِغَيْرِ طَرَفِهِ الْمُحَدَّدِ وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ وَعَنِ الْأَوْزَاعِيِّ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ حِلُّ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1464] قَوْلُهُ (مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ) أَيْ مَا صدت بسهمك (فان لم تجدوا غيرها فاغسلوا بِالْمَاءِ ثُمَّ كُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا) قَالَ الْبَرْمَاوِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَعْمِلُ آنِيَتَهُمْ بَعْدَ الْغَسْلِ إِذَا وَجَدَ غَيْرَهَا وَقَدْ قَالَ الْفُقَهَاءُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ آنِيَتِهِمْ بَعْدَ الْغَسْلِ بِلَا كَرَاهِيَةٍ سَوَاءٌ وجد غيرها أو لا فتحمل الكراهية فِي الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْآنِيَةُ الَّتِي كَانُوا يَطْبُخُونَ فِيهَا لُحُومَ الْخِنْزِيرِ وَيَشْرَبُونَ فِيهَا الْخَمْرَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهَا بَعْدَ الْغَسْلِ لِلِاسْتِقْذَارِ وَكَوْنِهَا مُعْتَادَةَ النَّجَاسَةِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ الْأَوَانِي الَّتِي لَيْسَتْ مُسْتَعْمَلَةً فِي النَّجَاسَاتِ غَالِبًا وَذَكَرَهُ أَبُو داود في سنته صَرِيحًا قَالَ النَّوَوِيُّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مُطْلَقًا وَذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ مُقَيَّدًا قَالَ إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا الْحَدِيثَ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ فِي كَلَامِ الْبِرْمَاوِيِّ وَقَالَ فَالنَّهْيُ بَعْدَ الْغَسْلِ لِلِاسْتِقْذَارِ كَمَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ فِي الْمِحْجَمَةِ الْمَغْسُولَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ

باب ما جاء في صيد كلب المجوسي

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) أراد الترمذي به غير حديث الْمَذْكُورِ وَلَهُ فِي الْبَابِ أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ قَوْلُهُ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَعَائِذُ الله أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ) وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَسَمِعَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ مات سنة ثمانين (باب ما جاء في صيد كلب المجوسي) [1466] (عن سلمان الْيَشْكُرِيِّ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ وَبِكَافٍ مضمومة هو بن قَيْسٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (نُهِينَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ صَيْدِ كَلْبِ الْمَجُوسِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ مِنَ الْكَفَرَةِ لَا يَحِلُّ صَيْدُ جَارِحَةٍ أَرْسَلَهَا هُوَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ يَحِلُّ مَا اصْطَادَ الْمُسْلِمُ بِكَلْبِ الْمَجُوسِيِّ وَلَا يَحِلُّ مَا اصْطَادَهُ الْمَجُوسِيُّ بِكَلْبِ الْمُسْلِمِ إِلَّا أَنْ يُدْرِكَهُ الْمُسْلِمُ حَيًّا فَيَذْبَحَهُ وَإِنِ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ فِي إِرْسَالِ كَلْبٍ أَوْ سَهْمٍ عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَقَتَلَهُ فهو حرام انتهى وأخرج عبد الرزاق وبن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفَيْهِمَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمُ الْإِسْلَامَ فَمَنْ أَسْلَمَ قَبِلَ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ضَرَبَ عَلَيْهِمُ الْجِزْيَةَ غَيْرَ نَاكِحِي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم قال القارىء وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا شَرَطَ كَوْنَ الذَّابِحِ مُسْلِمًا لقوله تعالى (إلا ما ذكيتم) وَكِتَابِيًّا وَلَوْ كَانَ الْكِتَابِيُّ حَرْبِيًّا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) وَالْمُرَادُ بِهِ مُذَكَّاتُهُمْ لِأَنَّ مُطْلَقَ الطَّعَامِ غَيْرِ الْمُذَكَّى يَحِلُّ مِنْ أَيِّ كَافِرٍ كَانَ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَذْكُرَ الْكِتَابِيُّ غَيْرَ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ حَتَّى لَوْ ذَبَحَ بِذِكْرِ الْمَسِيحِ أَوْ عزير لا تحل ذبيحته لقول تعالى (وما أهل لغير الله به) لَا مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ مَجُوسِيًّا لِمَا سَبَقَ أَوْ وَثَنِيًّا لِأَنَّهُ مِثْلُ الْمَجُوسِيِّ فِي عَدَمِ التَّوْحِيدِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ الخ) في إسناده شريك وهو بن عبد الله النخعي الكوفي

باب في صيد البزاة

وحجاج وهو بن أَرْطَاةَ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ (وَالْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ نَافِعٍ الْمَكِّيُّ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ الْقَاسِمُ بْنُ أَبِي بَزَّةَ وَاسْمُهُ نَافِعٌ وَيُقَالُ يَسَارٌ وَيُقَالُ نَافِعُ بْنُ يَسَارٍ الْمَكِّيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَيُقَالُ أبو عاصم القارىء الْمَخْزُومِيُّ مَوْلَاهُمْ رَوَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ قَيْسٍ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَغَيْرُهُ قَالَ بن معين والعجلي والنسائى ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ وَلَمْ يَسْمَعِ التَّفْسِيرَ مِنْ مُجَاهِدٍ أَحَدٌ غَيْرُ الْقَاسِمِ وَكُلُّ مَنْ يَرْوِي عَنْ مُجَاهِدٍ التَّفْسِيرَ فَإِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ كتاب القاسم انتهى (باب فِي صَيْدِ الْبُزَاةِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ الْبَازِيِّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَازِيُّ ضَرْبٌ مِنَ الصُّقُورِ وَقَالَ فِيهِ الصَّقْرُ كُلُّ شَيْءٍ يَصِيدُ مِنَ الْبُزَاةِ وَالشَّوَاهِينِ قَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ الْبَازِيُّ أَفْصَحُ لُغَاتِهِ مُخَفَّفَةُ الْيَاءِ وَالثَّانِيَةُ بَازٍ والثالثة بازي بتشديد الياء حكاهما بن سِيدَهْ وَهُوَ مُذَكَّرٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَيُقَالُ فِي التَّثْنِيَةِ بَازِيَانِ وَفِي الْجَمْعِ بُزَاةٌ كَقَاضِيَانِ وَقُضَاةٍ وَيُقَالُ لِلْبُزَاةِ وَالشَّوَاهِينِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يَصِيدُ صقور وهو أشد الْحَيَوَانِ تَكَبُّرًا وَأَضْيَقُهَا خُلُقًا انْتَهَى [1467] قَوْلُهُ (مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مَا عَلَّمْتَ مِنْ كَلْبٍ أَوْ بَازٍ ثُمَّ أَرْسَلْتَهُ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكَ عليك قلت وإن قتل قَالَ إِذَا قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَيْكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَمُجَالِدٌ هَذَا هُوَ بن سَعِيدٍ وَفِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُجَالِدٌ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ بن سَعِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ بِسُكُونِ الْمِيمِ أَبُو

باب ما جاء في الرجل يرمي الصيد فيغيب عنه

عَمْرٍو الْكُوفِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ مِنْ صِغَارِ السَّادِسَةِ انْتَهَى قُلْتُ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ مجالد يذكر الْبَازُ فِيهِ وَخَالَفَ الْحُفَّاظَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ بِصَيْدِ الْبُزَاةِ وَالصُّقُورِ بَأْسًا) قَالَ الْحَافِظُ وَفِي مَعْنَى الْبَازِ الصَّقْرُ وَالْعُقَابُ وَالْبَاشِقُ وَالشَّاهِينُ (وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْبُزَاةُ وَهُوَ الطَّيْرُ الَّذِي يُصَادُ بِهِ) مِنَ الْجَوَارِحِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا علمتم من الجوارح فَسَّرَ الْكِلَابَ وَالطَّيْرَ الَّذِي يُصَادُ بِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ فَسَّرَ مُجَاهِدٌ الْجَوَارِحَ فِي الْآيَةِ بِالْكِلَابِ وَالطُّيُورِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ إِلَّا مَا روى عن بن عمر وبن عَبَّاسٍ مِنَ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ صَيْدِ الْكَلْبِ وَالطَّيْرِ وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي صَيْدِ الْبَازِيِّ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ وَقَالُوا إِنَّمَا تَعْلِيمُهُ إِجَابَتُهُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ الْبَابِ الْبَازُ إِذَا أَكَلَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَالْكَلْبُ إِذَا أَكَلَ كُرِهَ وَإِنْ شَرِبَ الدَّمَ فَلَا بَأْسَ انْتَهَى (وَالْفُقَهَاءُ أَكْثَرُهُمْ قَالُوا يَأْكُلُ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَ الْبَازِيِّ إِنَّمَا هُوَ إِجَابَتُهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَغِيبُ عَنْهُ) [1468] قَوْلُهُ (فَأَجِدُ فِيهِ مِنَ الْغَدِ سَهْمِي) أَيْ فِي بَعْضِ زَمَنِ الِاسْتِقْبَالِ فَمِنْ لِلتَّبْعِيضِ كقوله تعالى (منهم من كلم الله) أَوْ بِمَعْنَى فِي كَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِذَا نُودِيَ للصلاة من يوم الجمعة) وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ مِنْ فِيهِ زَائِدَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قبل ومن بعد) كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (إِذَا عَلِمْتَ أَنَّ سَهْمَكَ قَتَلَهُ وَلَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَكُلْ) قال بن الْمَلَكِ وَإِنْ رَأَيْتَ فِيهِ أَثَرَ سَبُعٍ فَلَا تَأْكُلْ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ سَبَبُ قَتْلِهِ يَقِينًا

باب ما جاء فيمن يرمي الصيد فيجده ميتا في الماء

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنِي فِي قَوْسِي قَالَ كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ قَالَ ذَكِيًّا وَغَيْرَ ذَكِيٍّ قَالَ وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنِّي قَالَ وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ مَا لَمْ يَصِلَّ أَوْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ سَهْمِكَ وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَصِلَّ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ مَا لَمْ يُنْتِنْ وَيَتَغَيَّرْ رِيحُهُ يُقَالُ صَلَّ اللَّحْمُ وَأَصَلَّ لُغَتَانِ (باب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَجِدُهُ مَيِّتًا فِي الْمَاءِ) [1469] قَوْلُهُ (إِلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَلَا تأكل) وجهه أنه يَحْصُلَ حِينَئِذٍ التَّرَدُّدُ هَلْ قَتَلَهُ السَّهْمُ أَوِ الْغَرَقُ فِي الْمَاءِ فَلَوْ تَحَقَّقَ أَنَّ السَّهْمَ أَصَابَهُ فَمَاتَ فَلَمْ يَقَعْ فِي الْمَاءِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ السَّهْمُ حَلَّ أَكْلُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [1470] قَوْلُهُ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ إِلَخْ) لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ وُجْدَانِ الصَّيْدِ مَيِّتًا فِي الْمَاءِ فَلَا مُنَاسَبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَابِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرَ مَسْأَلَةِ مَا إِذَا خَالَطَتِ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ كِلَابًا أُخْرَى وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ مَا إِذَا وَجَدَ الصَّيْدَ مَيِّتًا فِي الْمَاءِ فَتَفَكَّرْ

باب ما جاء في صيد المعراض

قَوْلُهُ (قَالَ سُفْيَانُ كُرِهَ لَهُ أَكْلُهُ) يَعْنِي الْمَقْصُودَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى كَلْبِكَ أَنَّهُ كُرِهَ أَكْلُ صَيْدِ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ إِذَا خَالَطَهُ كَلْبٌ آخَرُ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي الذَّبِيحَةِ إِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ فَمَاتَ فِيهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ إِذَا وَجَدَ الصَّيْدَ فِي الْمَاءِ غَرِيقًا حَرُمَ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى وَقَدْ صَرَّحَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّ مَحَلَّهُ مَا لَمْ يَنْتَهِ الصَّيْدُ بِتِلْكَ الْجِرَاحَةِ إِلَى حَرَكَةِ الْمَذْبُوحِ فَإِنِ انْتَهَى إِلَيْهَا لِقَطْعِ الْحُلْقُومِ مَثَلًا فَقَدْ تَمَّتْ ذَكَاتُهُ كَذَا فِي النَّيْلِ (وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْكَلْبِ إِذَا أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ فَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْهُ فَلَا يَأْكُلُ إِلَخْ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ (بَابُ مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْمِعْرَاضِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي بَابِ مَا يُؤْكَلُ مِنْ صَيْدِ الْكَلْبِ وَمَا لا يؤكل

باب ما جاء في الذبح بالمروة

[1471] قَوْلُهُ (مَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ) أَيْ بِطَرَفِهِ الْمُحَدَّدِ وفي رواية كل ما خرق وماأصبت بِعَرْضِهِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ بِغَيْرِ طَرَفِهِ الْمُحَدَّدِ فَهُوَ وَقِيذٌ زَادَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَلَا تَأْكُلْ وَوَقِيذٌ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بِوَزْنِ عَظِيمٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَهُوَ مَا قُتِلَ بِعَصًا أَوْ بِحَجَرٍ أَوْ مَا لَا حَدَّ لَهُ وَحَاصِلُ الْحَدِيثِ أَنَّ السَّهْمَ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إِذَا أَصَابَ الصَّيْدَ بِحَدِّهِ حَلَّ وَكَانَتْ تِلْكَ ذَكَاتَهُ وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخَشَبَةِ الثَّقِيلَةِ وَالْحَجَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمُثْقِلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (والعمل عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) أَيْ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ في الحديث (باب ما جاء في الذبح بالمروة) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ الْحِجَارَةُ الْبَيْضَاءُ وَبِهِ سُمِّيَتْ مَرْوَةُ مَكَّةَ وَفِي الْمُغْرِبِ الْمَرْوَةُ حَجَرٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَرْوَةُ حِجَارَةٌ بِيضٌ بَرَّاقَةٌ تُورِي النَّارَ أَوْ أَصْلَبُ الْحِجَارَةِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ هِيَ حَجَرٌ أَبْيَضُ وَيُجْعَلُ مِنْهُ كَالسِّكِّينِ [1472] قَوْلُهُ (صَادَ أَرْنَبًا) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ يُقَالُ بِالْفَارِسِيَّةِ خركوش (أَوِ اثْنَتَيْنِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (فَتَعَلَّقَهُمَا) أَيْ عَلَّقَهُمَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَلَّقَهُ تَعْلِيقًا جَعَلَهُ مُعَلَّقًا كَتَعْلِقَةٍ (فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهِمَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الذَّبْحُ بِالْمَرْوَةِ وَعَلَى أَنَّ الْأَرْنَبَ حَلَالٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ وَرَافِعٍ وَعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ

صفوان فأخرجه أبو داود والنسائي وبن ماجة وأما حديث رافع وهو بن خَدِيجٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ) وَهُوَ الْحَقُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا وَنَحْنُ بِمَرِّ الظَّهْرَانِ فَسَعَى الْقَوْمُ فَغَلَبُوا فَأَخَذْتُهَا فَجِئْتُ بِهَا إِلَى أَبِي طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا فَبَعَثَ بِوَرِكَيْهَا أَوْ قَالَ بِفَخِذَيْهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَهَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ أَكْلِ الْأَرْنَبِ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا جَاءَ فِي كَرَاهَتِهَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَنْ عِكْرِمَةَ مِنَ التَّابِعِينَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مِنَ الْفُقَهَاءِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي الْأَرْنَبِ قَالَ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ قُلْتُ فَإِنِّي آكُلُ مَا لَا تُحَرِّمُهُ وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نُبِّئْتُ أَنَّهَا تُدْمِي وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ جِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَأْكُلْهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا زَعَمَ أَنَّهَا تَحِيضُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ عُمَرَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ حَرَّمَهَا وَغَلَّطَهُ النَّوَوِيُّ فِي النَّقْلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى (وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَكْلَ الْأَرْنَبِ) وَقَدْ عَرَفْتَ آنِفًا أَسْمَاءَهُمْ وَمَا احْتَجُّوا بِهِ قَوْلُهُ (وَرَوَى عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ صَفْوَانَ) بْنِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ أَيْ رَوَاهُ بِالشَّكِّ وَرِوَايَةُ عَاصِمٍ هَذِهِ أَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ (وَمُحَمَّدُ بْنِ صَفْوَانَ أَصَحُّ) وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ صَفْوَانَ هو الصواب وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ صَفْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَكْثَرُ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشَّعْبِيُّ رَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا) أَيْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ صفوان وجابر بن عبد الله كليهما

باب ما جاء في كراهية أكل المصبورة

8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَكْلِ الْمَصْبُورَةِ) أَيِ الَّتِي تُحْبَسُ وَتُرْمَى بِالنَّبْلِ حَتَّى تَمُوتَ [1473] قَوْلُهُ (عَنْ أَكْلِ الْمُجَثَّمَةِ) بِتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَضَبَطَهُ الشُّمُنِّيُّ بِكَسْرِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ كُلُّ حَيَوَانٍ يُنْصَبُ وَيُرْمَى لِيُقْتَلَ إِلَّا أَنَّهُ يَكْثُرُ فِي الطَّيْرِ وَالْأَرْنَبِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا يَجْثُمُ بِالْأَرْضِ أَيْ يَلْزَمُهَا وَيَلْتَصِقُ بِهَا (وَهِيَ الَّتِي تُصْبَرُ) أَيْ تُحْبَسُ وَيُرْمَى إِلَيْهَا (بِالنَّبْلِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ بِالسَّهْمِ حَتَّى تَمُوتَ وَهَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ وَالنَّهْيُ لِأَنَّ هَذَا الْقَتْلَ لَيْسَ بِذَبْحٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ وأنس وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ الْعِرْبَاضِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَفْظُهُ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ وَأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ [1474] قَوْلُهُ (عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ) أَيْ عَنْ أَكْلِهِ (مِنَ السِّبَاعِ) أَيْ سِبَاعِ الْبَهَائِمِ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَالدُّبِّ وَالْقِرَدَةِ وَالْخِنْزِيرِ (وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ (مِنَ الطَّيْرِ) أَيْ عَنْ أَكْلِ سِبَاعِهِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَرَادَ بِكُلِّ ذِي نَابٍ مَا يَعْدُو بِنَابِهِ عَلَى النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ كَالذِّئْبِ وَالْأَسَدِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِهَا وَأَرَادَ بِذِي مِخْلَبٍ مَا يَقْطَعُ وَيَشُقُّ بِمِخْلَبِهِ كَالنِّسْرِ وَالصَّقْرِ وَالْبَازِيِّ وَغَيْرِهَا (وَعَنْ

باب ما جاء في ذكاة الجنين

لُحُومِ الْحُمُرِ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ حِمَارٍ (الْأَهْلِيَّةِ) أَيِ الْإِنْسِيَّةِ ضِدُّ الْوَحْشِيَّةِ (وَعَنِ الْمُجَثَّمَةِ) سَبَقَ ذِكْرُهَا وَسَيَأْتِي أَيْضًا (وَعَنِ الْخَلِيسَةِ) أَيِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ فَمِ السِّبَاعِ فَتَمُوتُ قَبْلَ أَنْ تُذَكَّى وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا مَخْلُوسَةً مِنَ السَّبُعِ أَيْ مَسْلُوبَةً مِنْ خَلَسَ الشَّيْءَ إِذَا سَلَبَهُ (وَأَنْ تُوطَأَ) أَيْ عَنْ أَنْ تُجَامَعَ (الْحَبَالَى) بِفَتْحِ الْحَاءِ جمع الحبلى (وحتى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ) يَعْنِي إِذَا حَصَلَتْ لِشَخْصٍ جَارِيَةٌ حُبْلَى لَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا حَتَّى تضع حملها قال القارىء وكذا إذا تزوج حبلى من الزنى ذَكَرَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ وَقَالَ الْمُظْهِرُ إِذَا حَصَلَتْ جَارِيَةٌ لِرَجُلٍ مِنَ السَّبْيِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا وَحَتَّى تَحِيضَ وَيَنْقَطِعَ دَمُهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) شَيْخُ التِّرْمِذِيِّ وَهُوَ الْقُطَعِيُّ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ وَضَمِيرُ هُوَ رَاجِعٌ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَقَائِلُهَا هو الترمذي (بَابُ مَا جَاءَ فِي ذَكَاةِ الْجَنِينِ) أَيْ فِي ذَبْحِهِ وَالْجَنِينُ هُوَ الْوَلَدُ مَا دَامَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ التَّذْكِيَةُ الذَّبْحُ وَالنَّحْرُ يُقَالُ ذَكَّيْتُ الشَّاةَ تَذْكِيَةً وَالِاسْمُ الذَّكَاةُ وَالْمَذْبُوحُ ذَكِيٌّ [1476] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَيَأْتِي تَرْجَمَتُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ

قَوْلُهُ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) مَرْفُوعَانِ بِالِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ وَالْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنْ ذَكَاةِ الْجَنِينِ بِأَنَّهَا ذَكَاةُ أُمِّهِ فَيَحِلُّ بِهَا كَمَا تَحِلُّ الْأُمُّ بِهَا وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَذْكِيَةٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى وَسَتَعْرِفُ تَخْرِيجَهَا قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الدارقطني وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَضَعَّفَهُ عَبْدُ الْحَقِّ وَقَالَ لَا يُحْتَجُّ بِأَسَانِيدِهِ كُلِّهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي بَعْضِهَا مُجَالِدًا وَلَكِنَّ أَقَلَّ أَحْوَالِ الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا لِغَيْرِهِ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ وَمُجَالِدٌ لَيْسَ إِلَّا فِي الطَّرِيقِ الَّتِي أَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْهَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ لَيْسَ فِيهَا ضَعِيفٌ وَالْحَاكِمُ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا عَطِيَّةُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَطِيَّةُ فِيهِ لِينٌ وقد صححه مع بن حبان بن دَقِيقِ الْعِيدِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْحَافِظُ فِي التلخيص قال بن الْمُنْذِرِ إِنَّهُ لَمْ يَرْوِ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْجَنِينَ لَا يُؤْكَلُ إِلَّا بِاسْتِئْنَافِ الذَّكَاةِ إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ انْتَهَى (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ) هو الثوري (وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَيْضًا مَالِكٌ وَاشْتَرَطَ أن يكون قد أشعر وقال أَبُو حَنِيفَةَ بِتَحْرِيمِ الْجَنِينِ إِذَا خَرَجَ مَيِّتًا وَإِنَّهَا لَا تُغْنِي تَذْكِيَةُ الْأُمِّ عَنْ تَذْكِيَتِهِ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَخْبَرَنَا نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ إِذَا نُحِرَتِ النَّاقَةُ فَذَكَاةُ مَا فِي بَطْنِهَا ذَكَاتُهَا إِذَا كَانَ قَدْ تَمَّ خَلْقُهُ وَنَبَتَ شَعْرُهُ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا ذُبِحَ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّمُ مِنْ جَوْفِهِ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَكَاةُ مَا كَانَ فِي بَطْنِ الذَّبِيحَةِ ذَكَاةُ أُمِّهِ إِذَا كَانَ قَدْ نَبَتَ شَعْرُهُ وَتَمَّ خَلْقُهُ ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ وَبِهَذَا نَأْخُذُ إِذَا تَمَّ خَلْقُهُ فَذَكَاتُهُ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَكَانَ يَكْرَهُ أَكْلَهُ حَتَّى يَخْرُجَ حَيًّا فَيُذَكَّى وَكَانَ يُرْوَى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ لَا تَكُونُ ذَكَاةُ نَفْسٍ ذَكَاةَ نَفْسَيْنِ انْتَهَى قُلْتُ اسْتِدْلَالُ الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ هَذَا عَلَى كَرَاهَةِ أَكْلِ الْجَنِينِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ هَذَا اسْتِبْعَادٌ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ بِمُقَابَلَةِ النُّصُوصِ

وَلَعَلَّهَا لَمْ تَبْلُغْهُ أَوْ حَمَلَهَا عَلَى غَيْرِ مَعْنَاهَا وَقَالَ قَوْلَهُ إِذَا تَمَّ يَعْنِي إِذَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ الذَّبِيحَةِ جَنِينٌ مَيِّتٌ فَإِنْ كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ نَابِتَ الشَّعْرِ يُؤْكَلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَامَّ الْخَلْقِ فَهُوَ مُضْغَةٌ لَا تُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ بِحِلِّهِ مُطْلَقًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُؤْكَلُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا ذُبِحَ اتفاقا ودليل من قال بالحل مطلقاأو مُقَيَّدًا بِتَمَامِ الْخِلْقَةِ حَدِيثُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ رَوَاهُ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا مِنَ الصَّحَابَةِ الْأَوَّلُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ بِاللَّفْظِ المذكور أبو داود وبن ماجة والترمذي وحسنه وبن حِبَّانَ وَأَحْمَدُ الثَّانِي جَابِرٌ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو يَعْلَى الثَّالِثُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَفِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَفِي سَنَدِهِ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ ضعيف الرابع بن عُمَرَ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ الْخَامِسُ أَبُو أَيُّوبَ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْحَاكِمُ السَّادِسُ بن مَسْعُودٍ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ السابع بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ الثَّامِنُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ حَدِيثُهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ التَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ أَبُو أُمَامَةَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ حَدِيثُهُمَا عِنْدَ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ الْحَادِيَ عَشَرَ عَلِيٌّ حَدِيثُهُ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ قَالَ وَأَجَابَ فِي الْمَبْسُوطِ بِأَنَّ حَدِيثَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ لَا يَصِحُّ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَضَعْفُ بَعْضِ طُرُقِهِ غَيْرُ مُضِرٍّ وَذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْ أَبَا حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ لَا تَأْوِيلَ لَهُ وَلَوْ بَلَغَهُ لَمَا خَالَفَهُ وَهَذَا حَسَنٌ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ رُوِيَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةَ أُمِّهِ بِالنَّصْبِ فَهُوَ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيْ كَذَكَاةِ أُمِّهِ كَمَا يُقَالُ لِسَانُ الْوَزِيرِ لِسَانَ الْأَمِيرِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ عَنْ أَئِمَّةِ الشَّأْنِ الرَّفْعُ صَرَّحَ بِهِ الْمُنْذِرِيُّ وَيُوَضِّحُهُ مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ السَّائِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَنْحَرُ الْإِبِلَ وَالنَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ أَفَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ فَقَالَ كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَبِالْجُمْلَةِ فَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِمُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ أَقْوَى هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْبِنَايَةِ انْتَهَى مَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ قُلْتُ قَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ الْكَلَامَ عَلَى أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَمَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهِ فَإِنْ قُلْتُ حَدِيثُ الْبَابِ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي أَنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ وَأَنَّ ذَكَاةَ الْأُمِّ تُغْنِي عَنْ ذَكَاتِهِ فَفِي النِّهَايَةِ لِلْجَزَرِيِّ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ فَمَنْ رَفَعَهُ جَعَلَهُ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ فَتَكُونُ ذَكَاةُ الْأُمِّ هِيَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَبْحٍ مُسْتَأْنَفٍ وَمَنْ نَصَبَ كَانَ التَّقْدِيرُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ فَلَمَّا حُذِفَ الْجَارُّ نُصِبَ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ يُذَكَّى تَذْكِيَةً مِثْلَ ذَكَاةِ أُمِّهِ

فَحَذَفَ الْمَصْدَرَ وَصِفَتَهُ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ فَلَا بُدَّ عِنْدَهُ مِنْ ذَبْحِ الْجَنِينِ إِذَا خَرَجَ حَيًّا وَمِنْهُمْ مَنْ يَرْوِيهِ بِنَصْبِ الذَّكَاتَيْنِ أَيْ ذَكَاةَ الْجَنِينِ ذَكَاةَ أُمِّهِ انْتَهَى قُلْتُ نَعَمْ يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ لَكِنَّ الْمَحْفُوظَ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ هُوَ الرَّفْعُ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ أَئِمَّةِ هَذَا الشَّأْنِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ الرَّفْعُ فِيهِمَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ مَا يُبْطِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَيَدْحَضَهُ فَإِنَّهُ تَعْلِيلٌ لِإِبَاحَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثِ ذَكَاةٍ انْتَهَى قُلْتُ رَوَى أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ الْبَابِ بِلَفْظِ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَنْحَرُ النَّاقَةَ وَنَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ فَنَجِدُ فِي بَطْنِهَا الْجَنِينَ أَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلَهُ قَالَ كُلُوهُ إِنْ شِئْتُمْ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ جَوَازِ أَكْلِ الْجَنِينِ إِذَا ذُكِّيَتْ أُمُّهُ وَإِنْ لَمْ تُجَدَّدْ لِلْجَنِينِ ذَكَاةٌ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ مَنْ لَا يَرَى أَكْلَ الْجَنِينِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْجَنِينَ يُذَكَّى كَمَا تُذَكَّى أُمُّهُ فَكَأَنَّهُ قَالَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ (يَعْنِي الْمَذْكُورَةَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ هَذِهِ) تُبْطِلُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَتَدْحَضُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ تَعْلِيلٌ لِإِبَاحَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِحْدَاثِ ذَكَاةٍ ثَانِيَةٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى مَعْنَى النِّيَابَةِ عَنْهَا انْتَهَى كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اعْتَذَرُوا عَنِ الْحَدِيثِ بِمَا لَا يُغْنِي شَيْئًا فَقَالُوا الْمُرَادُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ كَذَكَاةِ أُمِّهِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ لَكَانَ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَالرِّوَايَةُ بِالرَّفْعِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ رُوِيَ بِلَفْظِ ذَكَاةُ الْجَنِينِ فِي ذَكَاةِ أُمِّهِ وَرُوِيَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ بِذَكَاةِ أُمِّهِ انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ لِلْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ بِعُمُومِ قوله تعالى (حرمت عليكم الميتة) وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْجَنِينَ إِذَا خَرَجَ مَيِّتًا فَهُوَ مُذَكًّى بِذَكَاةِ أُمِّهِ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ فَهُوَ لَيْسَ بِمَيْتَةٍ دَاخِلَةٍ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ اعْلَمْ أَنَّ مَنِ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْجَنِينُ قَدْ أَشْعَرَ احْتَجَّ بِمَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ عَنِ بن عُمَرَ بِلَفْظِ إِذَا أَشْعَرَ الْجَنِينُ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ بْنُ عِصَامٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَأَيْضًا قَدْ رُوِيَ عَنِ بن أَبِي لَيْلَى مَرْفُوعًا ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَأَيْضًا قد روى من طريق بن عُمَرَ نَفْسِهِ مَرْفُوعًا أَوْ مَوْقُوفًا كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّهُ قَالَ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ كَذَا فِي النَّيْلِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَلِتَعَارُضِهِمَا لَمْ يَأْخُذْ بِهِمَا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ مُطْلَقًا وَمَالِكٌ أَلْغَى الثَّانِيَ لِضَعْفِهِ وَأَخَذَ بِالْأَوَّلِ لِاعْتِضَادِهِ بِالْمَوْقُوفِ فَقَيَّدَ بِهِ حَدِيثَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ انْتَهَى

باب ما جاء في كراهية كل ذي ناب وذي مخلب

قَوْلُهُ (وَأَبُو الْوَدَّاكِ اسْمُهُ جَبْرُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالرَّاءِ (بْنُ نَوْفٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبِالْفَاءِ الْهَمْدَانِيُّ الْبِكَالِيُّ كُوفِيٌّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الرَّابِعَةِ 0 - (باب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ كُلِّ ذِي نَابٍ وَذِي مِخْلَبٍ) النَّابُ السن الذي خلف الرباعية جمعه أنياب قال بن سِينَا لَا يَجْتَمِعُ فِي حَيَوَانٍ وَاحِدٍ نَابٌ وَقَرْنٌ مَعًا وَذُو النَّابِ مِنَ السِّبَاعِ كَالْأَسَدِ والذئب والنمر والفيل والقرد وكل ما له نَابٌ يَتَقَوَّى بِهِ وَيَصْطَادُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ مَا يَفْتَرِسُ الْحَيَوَانَ وَيَأْكُلُ قَسْرًا كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَنَحْوِهَا انْتَهَى وَالْمِخْلَبُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمِخْلَبُ لِلطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ بِمَنْزِلَةِ الظُّفْرِ لِلْإِنْسَانِ [1477] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ) جَمْعُ السَّبُعِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ السَّبُعُ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا الْمُفْتَرِسُ مِنَ الْحَيَوَانِ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْحَقُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَأَبَا دَاوُدَ [1478] قَوْلُهُ (الْحُمُرَ الْإِنْسِيَّةَ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ (وَلُحُومَ الْبِغَالِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْبِغَالِ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُ وَهُوَ الحق وخالف فِي ذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ كَمَا نَقَلَهُ الشَّوْكَانِيُّ عن البحر

باب ما جاء ما قطع من الحي فهو ميت

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعِرْبَاضِ بن سارية وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِرْبَاضٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ أكل المصبورة وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ وَلَفْظُهُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ فِي النَّيْلِ حَدِيثُ جَابِرٍ أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ بسند لابأس بِهِ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ انْتَهَى [1479] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّتِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) وَهُوَ الْحَقُّ وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِإِبَاحَةِ كُلِّ ذِي نَابٍ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ) الْآيَةَ فَفِيهِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ وَأَحَادِيثُ التَّحْرِيمِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ (وَهُوَ قَوْلُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حنيفة وأما مالك فقال بن العربي المشهور عنه الكراهة قال بن رَسْلَانَ وَمَشْهُورُ مَذْهَبِهِ عَلَى إِبَاحَةِ ذَلِكَ وَكَذَا قال القرطبي 1 - (باب ما جاء مَا قُطِعَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ) [1480] قَوْلُهُ (وَهُمْ يَجُبُّونَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَقْطَعُونَ (أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ) بِكَسْرِ النُّونِ

باب ما جاء في الذكاة في الحلق واللبة

جَمْعُ سَنَامٍ (وَيَقْطَعُونَ أَلْيَاتِ الْغَنَمِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ جَمْعُ أَلْيَةٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ طَرَفُ الشَّاةِ (مَا يُقْطَعُ) مَا مَوْصُولَةٌ (مِنَ الْبَهِيمَةِ) مِنْ بَيَانِيَّةٌ (وَهِيَ حَيَّةٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَهُوَ) أَيْ مَا يُقْطَعُ وَالْفَاءُ لِتَضَمُّنِ الْمُبْتَدَأِ مَعْنَى الشَّرْطِ (مِيتَةٌ) أَيْ حَرَامٌ كَالْمَيْتَةِ لَا يَجُوزُ أكله قال بن الْمَلَكِ أَيْ كُلُّ عُضْوٍ قُطِعَ فَذَلِكَ الْعُضْوُ حَرَامٌ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ بِزَوَالِ الْحَيَاةِ عَنْهُ وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ فَنُهُوا عَنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ الْمَدِينِيُّ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي حَدِيثِهِ ضَعْفٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَذَكَرَ أَبُو أَحْمَدَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ لَا أَعْلَمُ يَرْوِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ غَيْرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وقد أخرجه بن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فِي إِسْنَادِهِ يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ وَفِيهِ مقال 2 - (باب مَا جَاءَ فِي الذَّكَاةِ فِي الْحَلْقِ وَالَّلبَّةِ) بِفَتْحِ الَّلامِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ فِي النَّهَايَةِ هِيَ الْهَزْمَةُ الَّتِي فَوْقَ الصَّدْرِ وَفِيهَا تُنْحَرُ الْإِبِلُ انْتَهَى قِيلَ وَهِيَ آخِرُ الْحَلْقِ وقال في الصراح لبة سر سينة [1481] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْعُشَرَاءِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمَدِّ اسْمُهُ أُسَامَةُ بْنُ مَالِكٍ الدَّارِمِيُّ تَابِعِيٌّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ يُعَدُّ فِي الْبَصْرِيِّينَ وَفِي اسْمِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ وَهَذَا أَشْهَرُ مَا قِيلَ فِيهِ قَالَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ أَعْرَابِيٌّ مَجْهُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) قَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهِ فِي آخِرِ الباب

قَوْلُهُ (أَمَا تَكُونُ) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ وَمَا نَافِيَةٌ وَالْمُرَادُ التَّقْرِيرُ أَيْ أَمَا تَحْصُلُ (الذَّكَاةُ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ الذَّبْحُ الشَّرْعِيُّ إِلَّا (فِي الْحَلْقِ واللبة) هِيَ الْمَنْحَرُ مِنَ الْبَهَائِمِ لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ فَالسُّكُونُ أَيْ فِي فَخْذِ الْمُذَكَّاةِ الْمَفْهُومَةِ مِنَ الذَّكَاةِ (لَأَجْزَأَ عَنْكَ) أَيْ لَكَفَى طَعْنُ فَخِذِهَا عَنْ ذَبْحِكَ إِيَّاهَا (قَالَ أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ قَالَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ هَذَا فِي الضَّرُورَةِ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ أَوْ قَوْلُهُ لَوْ طَعَنْتَ إِلَخْ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ هَذَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالتَّرَدِّي فِي الْبِئْرِ وَأَشْبَاهِهِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ هَذَا لَا يَصِحُّ إِلَّا فِي الْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّافِرَةِ وَالْمُتَوَحِّشَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ أَبْوَابِ الصَّيْدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ لِأَنَّ رُوَاتَهُ مَجْهُولُونَ وَأَبُو الْعُشَرَاءِ لَا يُدْرَى مَنْ أَبُوهُ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ تَفَرَّدَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ يَعْنِي أَبَا الْعُشَرَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ الْمَيْمُونِيُّ سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي الْعُشَرَاءِ فِي الذَّكَاةِ قَالَ هُوَ عِنْدِي غَلَطٌ وَلَا يُعْجِبُنِي وَلَا أَذْهَبُ إِلَيْهِ إِلَّا فِي مَوْضِعِ ضَرُورَةٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ وَاسْمِهِ وَسَمَاعِهِ مِنْ أَبِيهِ نَظَرٌ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ (وَلَا نَعْرِفُ لِأَبِي الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ) رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي غَيْرِ السُّنَنِ عَنْ أَبِي الْعُشَرَاءِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الْعَتِيرَةِ فَحَسَّنَهَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ سَمِعَهُ مِنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فَاسْتَحْسَنَهُ جِدًّا كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (فَقَالَ بَعْضُهُمِ اسْمُهُ أُسَامَةُ بْنُ قِهْطِمٍ) فِي الْقَامُوسِ الْقِهْطِمُ كَزِبْرِجٍ اللَّئِيمُ ذُو الصَّخَبِ وَعَلَمٌ (وَيُقَالُ يَسَارُ بْنُ بَرْزٍ بفتح الموحدة وسكون المهملة وبالزاي ويقال بن بلز) بفتح الموحدة وسكون اللام وبالزاي

باب ما جاء في قتل الوزغ

13 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الْوَزَغِ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ الْوَزَغُ بِفَتْحِ وَاوٍ وَزَايٍ وَبِمُعْجَمَةٍ دَابَّةٌ لَهَا قَوَائِمُ تَعْدُو فِي أُصُولِ الْحَشِيشِ وَقِيلَ إِنَّهَا تَأْخُذُ ضَرْعَ النَّاقَةِ فَتَشْرَبُ لَبَنَهَا انْتَهَى قُلْتُ يُقَالُ لَهَا فِي لِسَانِنَا الْهِنْدِيَّةُ كركب وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ وَزَغٌ جانوري جون كربشه انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَرَاحِ كربشه بروزن أقمشه كربسه كه بِمَعْنَى جلباسه هِنْدِيٌّ جهيكلي انْتَهَى [1482] قَوْلُهُ (مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً بِالضَّرْبَةِ الْأُولَى كَانَ لَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ كُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ ذَلِكَ وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ سَبَبُ تَكْثِيرِ الثَّوَابِ فِي قَتْلِهِ أَوَّلَ ضَرْبَةٍ الْحَثُّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِقَتْلِهِ وَالِاعْتِنَاءُ بِهِ وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَوْ فَاتَهُ رُبَّمَا انْفَلَتَ وَفَاتَ قَتْلُهُ وَالْمَقْصُودُ انْتِهَازُ الْفُرْصَةِ بِالظَّفْرِ عَلَى قَتْلِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن مَسْعُودٍ وَسَعْدٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ شَرِيكٍ) أَمَّا حَدِيثُ بن مسعود فأخرجه أحمد وبن حِبَّانَ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ قَتَلَ حَيَّةً فَلَهُ سَبْعُ حَسَنَاتٍ وَمَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فَلَهُ حَسَنَةٌ وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهَا مَرْفُوعًا مَنْ قَتَلَ وَزَغًا كَفَّرَ اللَّهُ عَنْهُ سَبْعَ خَطِيئَاتٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ شَرِيكٍ فَأَخْرَجَهُ عَنْهَا الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَقَالَ كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم

باب ما جاء في قتل الحيات

14 - (باب ما جاء في قتل الْحَيَّاتِ) جَمْعُ حَيَّةٍ [1483] قَوْلُهُ (اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ) أَيْ كُلَّهَا عُمُومًا (وَاقْتُلُوا) أَيْ خُصُوصًا (ذَا الطُّفْيَتَيْنِ) بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ صَاحِبَهُمَا وَهِيَ حَيَّةٌ خَبِيثَةٌ عَلَى ظَهْرِهَا خَطَّانِ أَسْوَدَانِ كَالطُّفْيَتَيْنِ وَالطُّفْيَةُ بِالضَّمِّ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ خُوصَةُ الْمُقْلِ وَالْخُوصُ بِالضَّمِّ وَرَقُ النَّخْلِ الْوَاحِدَةُ بِهَاءٍ وَالْمُقْلُ بِالضَّمِّ صَمْغُ شَجَرَةٍ وَفِي النِّهَايَةِ الطُّفْيَةُ خُوصَةُ الْمُقْلِ شُبِّهَ بِهِ الْخَطَّانِ اللَّذَانِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَّةِ فِي قَوْلِهِ ذَا الطُّفْيَتَيْنِ (وَالْأَبْتَرَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى ذَا قِيلَ هُوَ الَّذِي يُشْبِهُ الْمَقْطُوعَ الذَّنَبَ لِقِصَرِ ذَنَبِهِ وَهُوَ مِنْ أَخْبَثِ مَا يَكُونُ مِنَ الْحَيَّاتِ (فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ) أَيْ يَطْلُبَانِهِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ يَطْمِسَانِ الْبَصَرَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ وَيُعْمِيَانِ الْبَصَرَ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا لِخَاصِّيَّةِ السُّمِّيَّةِ فِي بَصَرِهِمَا (وَيُسْقِطَانِ) مِنَ الْإِسْقَاطِ (الْحَبَلَ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ الْجَنِينَ عِنْدَ النَّظَرِ إِلَيْهِمَا بِالْخَاصَّةِ السُّمِّيَّةِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ جَعَلَ مَا يَفْعَلَانِ بِالْخَاصَّةِ كَاَلَّذِي يُفْعَلُ بِقَصْدٍ وَطَلَبٍ وَفِي خَوَاصِّ الْحَيَوَانِ عجائب لا تنكر وقد ذكر في خَوَاصَّ الْأَفْعَى أَنَّ الْحَبَلَ يَسْقُطُ عِنْدَ مُوَافَقَةِ النَّظَرَيْنِ وَفِي خَوَاصِّ بَعْضِ الْحَيَّاتِ أَنَّ رُؤْيَتَهَا تُعْمِي وَمِنَ الْحَيَّاتِ نَوْعٌ يُسَمَّى النَّاظُورُ مَتَى وَقَعَ نَظَرُهُ عَلَى إِنْسَانٍ مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ وَنَوْعٌ آخَرُ إِذَا سَمِعَ الْإِنْسَانُ صَوْتَهُ مَاتَ قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ كُلَّهَا إِلَّا الْجَانَّ الْأَبْيَضَ الَّذِي كَأَنَّهُ قَضِيبُ فِضَّةٍ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ يَعْنِي الْحَيَّاتِ وَمَنْ تَرَكَ قَتْلَ شَيْءٍ مِنْهُنَّ خِيفَةً فَلَيْسَ مِنَّا وَلَهُ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي هَذَا الْبَابِ ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وقد روى عن بن عُمَرَ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ) بِضَمِّ اللَّامِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ (نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ الْبُيُوتِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ جَانٍّ الْحَيَّةُ الدَّقِيقَةُ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ أَيْ صَوَاحِبِهَا لِمُلَازَمَتِهَا (وَهِيَ) أَيْ جِنَّانُ الْبُيُوتِ (الْعَوَامِرُ) أَيْ لِلْبُيُوتِ حَيْثُ تَسْكُنُهَا وَلَا تُفَارِقُهَا وَاحِدَتُهَا عَامِرَةٌ وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِهَا لِطُولِ عُمُرِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ عُمَّارُ الْبُيُوتِ وَعَوَامِرُهَا سُكَّانُهَا مِنَ الْجِنِّ وَأَخْرَجَ هذه الرواية الشيخان في حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَلَفْظُهُمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حَيَّةً أَقْتُلُهَا نَادَانِي أَبُو لُبَابَةَ لَا تَقْتُلْهَا فَقُلْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ فَقَالَ إِنَّهُ نَهَى بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ وهن العوامر قوله (ويروى عن بن عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْضًا) زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ هَذَا هُوَ أَخُو عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَكَانَ زَيْدُ أَسَنَّ مِنْ عُمَرَ وَأَسْلَمَ قَبْلَهُ وَكَانَ طَوِيلًا بَائِنَ الطُّولِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ لَهُ فِي الْكُتُبِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قُلْتُ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ [1484] قَوْلُهُ (إِنَّ لِبُيُوتِكُمْ عُمَّارًا) أَيْ سِوَاكِنَ (فَحَرِّجُوا عَلَيْهِنَّ ثَلَاثًا) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ ضَيِّقُوا أَيْ قُولُوا لَهَا أَنْتِ فِي حَرَجٍ أَيْ ضِيقٍ إِنْ عُدْتِ إِلَيْنَا فَلَا تَلُومِينَا أَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْكِ بِالتَّتَبُّعِ وَالطَّرْدِ وَالْقَتْلِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ القاضي عياض روى بن الْحَبِيبِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقُولُ أَنْشَدْتُكُمْ بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ أَنْ لَا تُؤْذُونَا وَلَا تَظْهَرُوا لَنَا وَنَحْوِهِ عَنْ مَالِكٍ (فَإِنْ بَدَا) أَيْ ظَهَرَ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بعد التحريج (فاقتلوه)

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ فَلَيْسَ بِجِنِّيٍّ مُسْلِمٍ بَلْ هُوَ إِمَّا جِنِّيٌّ كَافِرٌ وَإِمَّا حَيَّةٌ وَإِمَّا وَلَدٌ مِنْ أَوْلَادِ إِبْلِيسَ أَوْ سَمَّاهُ شَيْطَانًا لِتَمَرُّدِهِ وَعَدَمِ ذَهَابِهِ بِالْإِيذَانِ وَكُلُّ مُتَمَرِّدٍ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالدَّابَّةِ يُسَمَّى شَيْطَانًا وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِذَا لَمْ يَذْهَبْ بِالْإِنْذَارِ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَوَامِرِ الْبُيُوتِ وَلَا مِمَّنْ أَسْلَمَ مِنَ الْجِنِّ بَلْ هُوَ شَيْطَانٌ فَلَا حُرْمَةَ لَهُ فَاقْتُلُوهُ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ سَبِيلًا إِلَى الْإِضْرَارِ بِكُمْ قَوْلُهُ (وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ هَذَا الْحَدِيثَ) رَوَاهُ فِي آخِرِ الْمُوَطَّأِ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِقِصَّتِهِ [1485] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى) أَنْصَارِيٌّ وُلِدَ لِسِتِّ سِنِينَ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَقُتِلَ بِدُجَيْلٍ وَقِيلَ غَرِقَ بِنَهْرِ الْبَصْرَةِ وَقِيلَ فُقِدَ بِدَيْرِ الْجَمَاجِمِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وثمانين في وقعة بن الْأَشْعَثِ حَدِيثُهُ فِي الْكُوفِيِّينَ سَمِعَ أَبَاهُ وَخَلْقًا كثيرا من الصحابة ومنه الشعبي ومجاهد وبن سِيرِينَ وَخَلْقٌ وَهُوَ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنْ تَابِعِي الْكُوفِيِّينَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي حَرْفِ العين وقال في حرف اللام بن أَبِي لَيْلَى اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى يَسَارٌ الْأَنْصَارِيُّ وُلِدَ إِلَخْ ثُمَّ قَالَ وقد يقال بن أَبِي لَيْلَى أَيْضًا لِوَلَدِهِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَاضِي الْكُوفَةِ إِمَامٌ مَشْهُورٌ فِي الْفِقْهِ صَاحِبُ مَذْهَبٍ وقول وإذا أطلق المحدثون بن أَبِي لَيْلَى فَإِنَّمَا يَعْنُونَ أَبَاهُ وَإِذَا أَطْلَقَ الفقهاء بن أَبِي لَيْلَى فَإِنَّمَا يَعْنُونَ مُحَمَّدًا وَوُلِدَ مُحَمَّدٌ هَذَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ (قَالَ قَالَ أَبُو لَيْلَى) الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ وَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَعَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ قَوْلُهُ (إِنَّا نَسْأَلُكَ بِعَهْدِ نُوحٍ) وَلَعَلَّ الْعَهْدَ كَانَ حِينَ إِدْخَالِهَا فِي السَّفِينَةِ (أَنْ لَا تُؤْذِيَنَا) هَذِهِ الْيَاءُ يَاءُ الضَّمِيرِ لَا يَاءُ الْكَلِمَةِ فَإِنَّهَا سَقَطَتْ لِاجْتِمَاعِ السَّاكِنَيْنِ فَتَكُونُ سَاكِنَةً سَوَاءٌ قُلْنَا إن أن

باب ما جاء في قتل الكلاب

مَصْدَرِيَّةٌ وَلَا نَافِيَةٌ وَالتَّقْدِيرُ نَطْلُبُ مِنْك عَدَمَ الْإِيذَاءِ أَوْ مُفَسِّرَةٌ وَلَا نَاهِيَةٌ لِأَنَّ فِي السُّؤَالِ مَعْنَى الْقَوْلِ أَيْ لَا تُؤْذِينَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ اعْلَمْ أَنَّهُ وَرَدَ فِي قَتْلِ الْحَيَّاتِ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ إِلَى قَتْلِ الْحَيَّاتِ أَجْمَعَ فِي الصَّحَارِيِ وَالْبُيُوتِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِ الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَسْتَثْنُوا نَوْعًا وَجِنْسًا وَلَا مَوْضِعًا وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ جَاءَتْ عَامَّةً وَقَالَتْ تُقْتَلُ الْحَيَّاتُ أَجْمَعُ إِلَّا سَوَاكِنَ الْبُيُوتِ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنَّهُنَّ لَا يُقْتَلْنَ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ وَزَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهِنَّ بَعْدَ الْأَمْرِ بِقَتْلِ جَمِيعِ الْحَيَّاتِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ تُنْذَرُ سَوَاكِنُ الْبُيُوتِ فِي الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ بَدَيْنَ بَعْدَ الْإِنْذَارِ قُتِلْنَ وَمَا وُجِدَ مِنْهُنَّ فِي غَيْرِ الْبُيُوتِ يُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ وَقَالَ مَالِكٌ يُقْتَلُ مَا وُجِدَ مِنْهَا فِي الْمَسَاجِدِ وَاسْتَدَلَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا تُنْذَرُ إِلَّا حَيَّاتُ الْمَدِينَةِ فَقَطْ وَأَمَّا حَيَّاتُ غَيْرِ الْمَدِينَةِ فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ وَالْبُيُوتِ فَتُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُقْتَلُ الْأَبْتَرُ وَذُو الطُّفْيَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ إِنْذَارِ سَوَاكِنَ بِالْمَدِينَةِ وَغَيْرِهَا وَلِكُلِّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَجْهٌ قَوِيٌّ وَدَلِيلٌ ظَاهِرٌ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الْكِلَابِ) [1486] قَوْلُهُ (لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ إِلَخْ) يَأْتِي شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي رَافِعٍ وَأَبِي أَيُّوبَ) أَمَّا حديث بن عمر

باب من أمسك كلبا ما ينقص من أجره

فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلَابِ حَتَّى إِنَّ الْمَرْأَةَ تَقْدُمُ مِنَ الْبَادِيَةِ بِكَلْبِهَا فَنَقْتُلُهُ ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهَا وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَا أَبَا رَافِعٍ اقْتُلْ كُلَّ كَلْبٍ بِالْمَدِينَةِ الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ بِزِيَادَةٍ (وَيُرْوَى فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ شَيْطَانٌ) وَهُوَ حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو لَيْلَى فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ إِنَّهُ شَيْطَانٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ الْكَلْبِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْإِبِلِ إِنَّهَا جِنٌّ وَهِيَ مَوْلُودَةٌ مِنَ النُّوقِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ لَهُمَا بِالشَّيْطَانِ وَالْجِنِّ لِأَنَّ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ شَرُّ الْكِلَابِ وَأَقَلُّهَا نَفْعًا وَالْإِبِلُ شِبْهُ الْجِنِّ فِي صُعُوبَتِهَا وَصَوْلَتِهَا وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ قِيلَ فِي تَخْصِيصِ كِلَابِ الْمَدِينَةِ بِالْقَتْلِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ مَهْبِطَ الْمَلَائِكَةِ بِالْوَحْيِ وَهُمْ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَجَعَلَ الْكَلْبَ الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ شَيْطَانًا لِخَبَثِهِ فَإِنَّهُ أَضَرُّ الْكِلَابِ وَأَعْقَرُهَا وَالْكَلْبُ أَسْرَعُ إِلَيْهِ مِنْهُ إِلَى جَمِيعِهَا وَهِيَ مَعَ هَذَا أَقَلُّهَا نفعا وأسوأها حِرَاسَةً وَأَبْعَدُهَا مِنَ الصَّيْدِ وَأَكْثَرُهَا نُعَاسًا وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَحِلُّ صَيْدُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ الْعَقُورِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهَا كُلِّهَا ثُمَّ نَسَخَ ذَلِكَ إِلَّا الْأَسْوَدَ الْبَهِيمَ ثُمَّ اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ جَمِيعِ الْكِلَابِ حَيْثُ لَا ضَرَرَ فِيهَا حَتَّى الْأَسْوَدِ الْبَهِيمِ انْتَهَى 6 - (باب مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا مَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ) [1487] قَوْلُهُ (مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا) يُقَالُ اقْتَنَى الشَّيْءَ إِذَا اتَّخَذَهُ لِلِادِّخَارِ أَيْ حَبَسَ وَأَمْسَكَ (أَوِ اتخذ

كَلْبًا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (لَيْسَ بِضَارٍ) بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ الْمُنَوَّنَةِ أَيْ لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ الضَّارِي مِنَ الْكِلَابِ مَا يَهِيجُ بِالصَّيْدِ يُقَالُ ضَرَا الْكَلْبُ بِالصَّيْدِ ضَرَاوَةً أَيْ تَعَوَّدَهُ انتهى وقال الحافظ ضرا الكلب وَأَضْرَاهُ صَاحِبُهُ أَيْ عَوَّدَهُ وَأَغْرَاهُ بِالصَّيْدِ (وَلَا كلب ماشية) هو ما يُتَّخَذُ مِنَ الْكِلَابِ لِحِفْظِ الْمَاشِيَةِ عِنْدَ رَعْيِهَا (نقص) بصيغة المجهول قال القارىء وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي الْمِشْكَاةَ بِالْمَعْلُومِ وَهُوَ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا اللُّزُومُ أَيِ انْتَقَصَ (كُلَّ يَوْمٍ) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ (قِيرَاطَانِ) فاعل أو نائبه قال القارىء أَيْ مِنْ أَجْرِ عَمَلِهِ الْمَاضِي فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مَحْمُولًا عَلَى التَّهْدِيدِ لِأَنَّ حَبْطَ الْحَسَنَةِ بِالسَّيِّئَةِ لَيْسَ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَقِيلَ أَيْ من ثواب عمله المتقبل حِينَ يُوجَدُ وَهَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّهُ تَعَالَى إِذَا نَقَصَ مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهِ وَلَا يَكْتُبُ لَهُ كَمَا يَكْتُبُ لِغَيْرِهِ مِنْ كَمَالِ فَضْلِهِ لَا يَكُونُ حَبْطًا لِعَمَلِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اقْتَنَى النَّجَاسَةَ مَعَ وُجُوبِ التَّجَنُّبِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ وَجَعَلَهَا وَسِيلَةً لِرَدِّ السَّائِلِ وَالضَّعِيفِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُقْصَانِ الْأَجْرِ بِاقْتِنَاءِ الْكَلْبِ فَقِيلَ لِامْتِنَاعِ الْمَلَائِكَةِ مِنْ دُخُولِ بَيْتِهِ وَقِيلَ لِمَا يَلْحَقُ الْمَارِّينَ مِنَ الْأَذَى مِنْ تَرْوِيعِ الْكَلْبِ لَهُمْ وَقَصْدِهِ إِيَّاهُمْ وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ عُقُوبَةٌ لَهُمْ لِاِتِّخَاذِهِمْ مَا نُهِيَ عَنِ اتِّخَاذِهِ وَعِصْيَانِهِمْ فِي ذَلِكَ وَقِيلَ لِمَا يُبْتَلَى بِهِ وُلُوغُهُ فِي الْأَوَانِي عِنْدَ غَفْلَةِ صَاحِبِهِ وَلَا يَغْسِلُهُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَسُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا لَا يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلَا ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كل يوم قيراط قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ) رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ وَسُفْيَانُ بْنُ أَبِي زُهَيْرٍ

[1488] قَوْلُهُ (فَقَالَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَهُ زَرْعٌ) أراد بن عُمَرَ بِذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ حِفْظِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنَّهُ صَاحِبُ زَرْعٍ دُونَهُ وَمَنْ كَانَ مُشْتَغِلًا بِشَيْءٍ احْتَاجَ إِلَى تَعَرُّفِ أَحْكَامِهِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي حَمْلُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ سَالِمٌ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَوْ كَلْبَ حَرْثٍ وَكَانَ صَاحِبَ حَرْثٍ وَقَدْ وَافَقَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى ذِكْرِ الزَّرْعِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ كَمَا أَخْرَجَهُ الترمذي في هذا الباب وسفيان بن أبي زُهَيْرٍ كَمَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1490] قَوْلُهُ (إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلتَّرْدِيدِ (اُنْتُقِصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قيراط) وفي رواية بن عُمَرَ الْمُتَقَدِّمَةِ قِيرَاطَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي اخْتِلَافِ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ الْمُخْتَلِفَتَيْنِ فَقِيلَ الْحُكْمُ لِلزَّائِدِ لِكَوْنِهِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظْهُ الْآخَرُ أَوْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِنَقْصِ قِيرَاطٍ وَاحِدٍ فَسَمِعَهُ الرَّاوِي الْأَوَّلُ ثُمَّ أَخْبَرَ ثَانِيًا بِنَقْصِ قِيرَاطَيْنِ زِيَادَةً فِي التَّأْكِيدِ وَالتَّنْفِيرِ مِنْ ذَلِكَ فَسَمِعَ الرَّاوِي الثَّانِي وَقِيلَ يَنْزِلُ عَلَى حالين فنقص القراطين بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الْإِضْرَارِ بِاِتِّخَاذِهَا وَنَقْصُ الْقِيرَاطِ بِاعْتِبَارِ قِلَّتِهِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ نَقْصُ الْقِيرَاطَيْنِ بِمَنِ اتَّخَذَهَا بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ خَاصَّةً وَالْقِيرَاطُ بِمَا عَدَاهَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي الْقِيرَاطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ هُنَا هَلْ هُمَا كَالْقِيرَاطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ وَاتِّبَاعِهَا فَقِيلَ بِالتَّسْوِيَةِ وَقِيلَ اللَّذَانِ فِي الْجِنَازَةِ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ وَاَللَّذَانِ هُنَا مِنْ بَابِ الْعُقُوبَةِ وَبَابُ الْفَضْلِ أَوْسَعُ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (أَنَّهُ رَخَّصَ فِي إِمْسَاكِ الْكَلْبِ وَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ) إِذَا أَمْسَكَهُ لِحِفْظِ الشَّاةِ الواحدة فإنه كلب ماشية قال بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِبَاحَةُ اتِّخَاذِ الْكَلْبِ لِلصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَكَذَلِكَ لِلزَّرْعِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ حَافِظٍ وَكَرَاهَةُ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي مَعْنَى

الصَّيْدِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذُكِرَ اتِّخَاذُهَا لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ قِيَاسًا فَتَمَحَّضَ كَرَاهَةَ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْوِيعِ النَّاسِ وَامْتِنَاعِ دُخُولِ الْمَلَائِكَةِ إِلَى الْبَيْتِ الَّذِي الْكِلَابُ فِيهِ وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِهَا لِغَيْرِ مَا ذُكِرَ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ لِأَنَّ مَا كَانَ اتِّخَاذُهُ مُحَرَّمًا امْتَنَعَ اتِّخَاذُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ نَقَصَ الْأَجْرُ أَمْ لَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اتِّخَاذَهَا مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ كَذَا فِي النَّيْلِ [1489] قَوْلُهُ (لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ) أَيْ جِنْسَهَا (أُمَّةٌ) أَيْ جَمَاعَةٌ (مِنَ الْأُمَمِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ) (فَاقْتُلُوا مِنْهَا كُلَّ أَسْوَدَ بَهِيمٍ) أَيْ خَالِصَ السَّوَادِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ إِفْنَاءَ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ وَإِعْدَامَ جِيلٍ مِنَ الْخَلْقِ لِأَنَّهُ مَا مِنْ خَلْقٍ لِلَّهِ تَعَالَى إِلَّا وَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْحِكْمَةِ وَضَرْبٌ مِنَ الْمَصْلَحَةِ يَقُولُ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا وَلَا سَبِيلَ إِلَى قَتْلِهِنَّ فَاقْتُلُوا شِرَارَهُنَّ وَهِيَ السُّودُ الْبُهْمُ وَأَبْقُوا مَا سِوَاهَا لِتَنْتَفِعُوا بِهِنَّ فِي الْحِرَاسَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أمثالكم) أَيْ أَمْثَالُكُمْ فِي كَوْنِهَا دَالَّةً عَلَى الصَّانِعِ وَمُسَبِّحَةً لَهُ قَالَ تَعَالَى (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ) أَيْ يُسَبِّحُ بِلِسَانِ الْقَالِ أَوِ الْحَالِ حَيْثُ يَدُلُّ عَلَى الصَّانِعِ وَعَلَى قُدْرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَتَنْزِيهِهِ عَمَّا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ فَبِالنَّظَرِ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهَا بِالْقَتْلِ وَالْإِفْنَاءِ وَلَكِنْ إِذَا كَانَ لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ كَقَتْلِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ أَوْ جَلْبِ مَنْفَعَةٍ كَذَبْحِ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ جَازَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى

باب ما جاء في الذكاة بالقصب وغيره

17 - (باب مَا جَاءَ فِي الذَّكَاةِ بِالْقَصَبِ وَغَيْرِهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَصَبُ مُحَرَّكَةٌ كُلُّ نَبَاتٍ ذِي أَنَابِيبَ [1491] قَوْلُهُ (إِنَّا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا) لَعَلَّهُ عَرَفَ ذَلِكَ بِخَبَرٍ أَوْ بِقَرِينَةٍ وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى بِضَمِّ الْمِيمِ مُخَفَّفٌ مَقْصُورٌ جَمْعُ مُدْيَةٍ بِسُكُونِ الدَّالِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ وَهِيَ السِّكِّينُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقْطَعُ مُدَى الْحَيَوَانِ أَيْ عُمُرَهُ وَالرَّابِطُ بَيْنَ قَوْلِهِ نَلْقَى الْعَدُوَّ وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُمْ إِذَا لَقُوا الْعَدُوَّ وَصَارُوا بِصَدَدِ أَنْ يَغْنَمُوا مِنْهُمْ مَا يَذْبَحُونَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّهُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى ذَبْحِ مَا يَأْكُلُونَهُ لِيَتَقَوَّوْا بِهِ عَلَى الْعَدُوِّ إِذَا لَقُوهُ (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ) أَيْ أَسَالَهُ وَصَبَّهُ بِكَثْرَةِ شِبْهِهِ بِجَرْيِ الْمَاءِ فِي النَّهْرِ قَالَ عِيَاضٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ بِالرَّاءِ وَذَكَرَهُ أَبُو ذَرٍّ بِالزَّايِ وَقَالَ النَّهْزُ بِمَعْنَى الدَّفْعِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَمَا مَوْصُولَةٌ فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهَا فَكُلُوا وَالتَّقْدِيرُ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَهُوَ حَلَالٌ فَكُلُوا وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً (وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْإِذْنَ بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَهُمَا الْإِنْهَارُ وَالتَّسْمِيَةُ وَالْمُعَلَّقُ عَلَى شَيْئَيْنِ لَا يُكْتَفَى فِيهِ إِلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا وَيَنْتَفِي بِانْتِفَاءِ أَحَدِهِمَا (مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ أَوْ ظُفْرٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِالرَّفْعِ وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ وَفِي بَعْضِهَا سِنًّا أَوْ ظُفْرًا بِالنَّصْبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ) اخْتُلِفَ فِي هَذَا هَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَرْفُوعِ أَوْ مُدْرَجٌ (أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ) قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ هُوَ قِيَاسٌ حُذِفَتْ مِنْهُ الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ لِشُهْرَتِهَا عِنْدَهُمْ وَالتَّقْدِيرُ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَكُلُّ عَظْمٍ لَا يَحِلُّ الذَّبْحُ بِهِ وَطَوَى النَّتِيجَةَ لدلالة الاستثناء عليها وقال بن الصَّلَاحِ فِي مُشْكِلِ الْوَسِيطِ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ قَدْ قَرَّرَ كَوْنَ الذَّكَاةِ لَا تَحْصُلُ بِالْعَظْمِ فَلِذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ فَعَظْمٌ قَالَ وَلَمْ أَرَ بَعْدَ الْبَحْثِ مَنْ نَقَلَ الْمَنْعَ مِنَ الذَّبْحِ بِالْعَظْمِ مَعْنًى يعقل وكذا وقع في كلام بن عَبْدِ السَّلَامِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَذْبَحُوا بِالْعِظَامِ فَإِنَّهَا تُنَجَّسُ بِالدَّمِ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنْ تَنْجِيسِهَا لِأَنَّهَا زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وقال بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمُشْكِلِ هَذَا

باب ما جاء في البعير والبقر والغنم

يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الذَّبْحَ بِالْعَظْمِ كَانَ مَعْهُودًا عِنْدَهُمْ إِنَّهُ لَا يُجْزِي وَقَرَّرَهُمِ الشَّارِعُ عَلَى ذَلِكَ (وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ) أَيْ وَهُمْ كُفَّارٌ وَقَدْ نُهِيتُمْ عَنِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ قَالَهُ بن الصَّلَاحِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ نَهَى عَنْهُمَا لِأَنَّ الذَّبْحَ بِهِمَا تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَلَا يَقْطَعُ بِهِ غَالِبًا إِلَّا الْخَنْقُ الَّذِي هُوَ عَلَى صُورَةِ الذَّبْحِ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَامْتَنَعَ الذَّبْحُ بِالسِّكِّينِ وَسَائِرِ مَا يَذْبَحُ بِهِ الْكُفَّارُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّبْحَ بِالسِّكِّينِ هُوَ الْأَصْلُ وَأَمَّا مَا يَلْحَقُ بِهَا فَهُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ فِيهِ التَّشَبُّهُ وَمِنْ ثَمَّ كَانُوا يَسْأَلُونَ عَنْ جَوَازِ الذَّبْحِ بِغَيْرِ السِّكِّينِ وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ السِّنُّ إِنَّمَا يُذَكَّى بِهَا إذا كانت منتزعة فَأَمَّا وَهِيَ ثَابِتَةٌ فَلَوْ ذَبَحَ بِهَا لَكَانَتْ مُنْخَنِقَةً يَعْنِي فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ التَّذْكِيَةِ بِالسِّنِّ الْمُنْتَزِعَةِ بِخِلَافِ مَا نُقِلَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ جَوَازِهِ بِالسِّنِّ الْمُنْفَصِلَةِ قَالَ وَأَمَّا الظُّفْرُ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ ظُفْرَ الْإِنْسَانِ لَقَالَ فِيهِ مَا قَالَ فِي السِّنِّ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الظُّفْرَ الَّذِي هُوَ طِيبٌ مِنْ بِلَادِ الْحَبَشَةِ وَهُوَ لَا يَقْوَى فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْخَنْقِ كَذَا فِي النَّيْلِ قُلْتُ هُوَ جِسْمٌ صُلْبٌ كَالصَّدَفِ أَحَدُ طَرَفَيْهِ رَقِيقٌ مُحَدَّدٌ يُقَالُ لَهُ أَظْفَارُ الطِّيبِ قَالَ فِي بَحْرِ الْجَوَاهِرِ أَظْفَارُ الطِّيبِ أَقْطَاعٌ صَدَفِيَّةٌ فِي مِقْدَارِ الظُّفْرِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعِطْرِ انْتَهَى قُلْتُ وَيَكُونُ أَكْبَرَ مِنْ مِقْدَارِ الظُّفْرِ أَيْضًا قَوْلُهُ (لَمْ يَذْكُرْ) أَيْ وَالِدُ سُفْيَانَ (فِيهِ) أَيْ فِي حَدِيثِهِ (عَنْ عَبَايَةَ عَنْ أَبِيهِ) بَلْ ذَكَرَ عَنْ عَبَايَةَ عَنْ رَافِعٍ وَتَرَكَ ذِكْرَ أَبِيهِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 8 - (باب مَا جَاءَ فِي الْبَعِيرِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) إِذَا ند فصار وحشيا يرمى بسمكم أَمْ لَا [1492] قَوْلُهُ (عَنْ عَبَايَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَحْتَانِيَّةٌ خَفِيفَةٌ الأنصاري الزرقي المدني ثقة من الثالثة (بن رِفَاعَةَ) بِكَسْرِ رَاءٍ وَخِفَّةِ فَاءٍ وَبِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ ثقة (بن

رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) الْأَنْصَارِيِّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ ثُمَّ الْخَنْدَقُ (فَنَدَّ بَعِيرٌ) أَيْ هَرَبَ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ (وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ) أَيْ وَلِأَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَخْذِهِ (فَحَبَسَهُ اللَّهُ) أَيْ أَصَابَهُ السَّهْمُ فَوَقَفَ (إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ) وَفِي رِوَايَةِ البخاري أن لهذه الابل (أو ابد كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْأَوَابِدُ جَمْعُ آبِدَةٍ وَهِيَ الَّتِي قَدْ تَأَبَّدَتْ أَيْ تَوَحَّشَتْ وَنَفَرَتْ مِنَ الْإِنْسِ انْتَهَى وَالْمُرَادُ أَنَّ لَهَا تَوَحُّشًا وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ اللَّامُ بِمَعْنَى مِنْ (فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا) أَيْ فَأَيُّ بَهِيمَةٍ مِنْ هَذِهِ الْبَهَائِمِ تَهْرُبُ وَتَنْفِرُ (فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا) أَيْ فَارْمُوهُ بِسَهْمٍ وَنَحْوِهِ وَالْمَعْنَى مَا نَفَرَ مِنَ الْحَيَوَانِ الْأَهْلِيِّ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالدَّجَاجِ كَالصَّيْدِ الْوَحْشِيِّ فِي حُكْمِ الذَّبْحِ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ اضْطِرَارِيَّةٌ فَجَمِيعُ أَجْزَائِهِ مَحَلُّ الذَّبْحِ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَيَوَانَ الْإِنْسِيَّ إِذَا تَوَحَّشَ وَنَفَرَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى قَطْعِ مَذْبَحِهِ يَصِيرُ جَمِيعُ بَدَنِهِ فِي حُكْمِ الْمَذْبَحِ كَالصَّيْدِ الَّذِي لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ مَنْكُوسًا فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَى قَطْعِ حُلْقُومِهِ فَطُعِنَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ فَمَاتَ كَانَ حَلَالًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ (قَوْلُهُ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قال الحافظ في الفتح قد نقله بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنِ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَهُمْ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَنَقَلَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةَ فَقَالُوا لَا يَحِلُّ أَكْلُ الْإِنْسِيِّ أَوِ الْوَحْشِ إِلَّا بِتَذْكِيَتِهِ فِي حَلْقِهِ أَوْ لَبَّتِهِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ رَافِعٍ انْتَهَى قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ هُوَ الصَّوَابُ وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ الْبَابِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعُمَيْسِ عَنْ غضيان عَنْ يَزِيدَ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَعْرَسَ رَجُلٌ مِنَ الْحَيِّ فَاشْتَرَى جَذُورًا فَنَدَّتْ فَعَرْقَبَهَا وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ فَأَمَرَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي بن مَسْعُودٍ أَنْ يَأْكُلُوا فَمَا طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ حَتَّى جَعَلُوا لَهُ مِنْهَا بَضْعَةً ثُمَّ أَتَوْهُ بِهَا فَأَكَلَ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ إِذَا وَقَعَ الْبَعِيرُ فِي الْبِئْرِ فَاطْعَنْهُ مِنْ قِبَلِ خَاصِرَتِهِ وَاذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ وكل وأخرج بن ابي

شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَاشِدٍ السَّلْمَانِيِّ قَالَ كُنْتُ أَرْعَى مَنَائِحَ لِأَهْلِي بِظَهْرِ الْكُوفَةِ فَتَرَدَّى مِنْهَا بَعِيرٌ فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقَنِي بِذَكَاتِهِ فَأَخَذْتُ حَدِيدَةً فَوَجَأْتُ بِهَا فِي جَنْبِهِ أَوْ سَنَامِهِ ثُمَّ قَطَّعْتُهُ أَعْضَاءً وَفَرَّقْتُهُ عَلَى أَهْلِي فَأَبَوْا أَنْ يَأْكُلُوهُ فَأَتَيْتُ عَلِيًّا فَقُمْتُ عَلَى بَابِ قَصْرِهِ فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ يَا لَبَّيْكَاهُ يَا لَبَّيْكَاهُ فَأَخْبَرْتُهُ خبره فقال كل وأطعمني وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبَايَةَ بِلَفْظِ تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي رَكِيَّةٍ فَنَزَلَ رَجُلٌ لِيَنْحَرَهُ فَقَالَ لَا أقدر على نحره فقال له بن عُمَرَ اذْكُرِ اسْمَ اللَّهِ ثُمَّ اقْتُلْ شَاكِلَتَهُ يَعْنِي خَاصِرَتَهُ فَفَعَلَ فَأُخْرِجَ مُقَطَّعًا فَأَخَذَ مِنْهُ بن عُمَرَ عَشِيرًا بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ أَرْبَعَةٍ قَوْلُهُ (وَهَكَذَا رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِلَفْظٍ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِثْلَ رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ نَحْوُ رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَمَا رَوَى سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعٍ كَذَلِكَ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعٍ وَلَمْ يَذْكُرَا بَيْنَ عَبَايَةَ وَرِفَاعَةَ وَاسِطَةَ وَالِدِ عَبَايَةَ ولذلك قال الترمذي وهذا أصح

17 - أبواب الأضاحي

17 - أبواب الْأَضَاحِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع الأضحية (باب ما جاء في فضل الْأُضْحِيَّةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَهِيَ اسْمٌ لِلْمَذْبُوحِ يَوْمَ النَّحْرِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ أُضْحِيَّةٌ وَإِضْحِيَّةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَجَمْعُهَا أَضَاحِيُّ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ وَالثَّالِثَةُ ضَحِيَّةٌ وَجَمْعُهَا ضَحَايَا وَالرَّابِعَةُ أَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْجَمْعُ أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ وَأَرْطَى وَبِهَا سُمِّيَ يَوْمُ الْأَضْحَى [1493] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو مُسْلِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ الْحَذَّاءُ المديني) رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ الصَّائِغِ وَعَنْهُ ت س وَقَالَ صَدُوقٌ (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ الصَّائِغُ) الْمَخْزُومِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ صَحِيحُ الْكِتَابِ فِي حِفْظِهِ لِينٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وثقة بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ (عَنْ أَبِي الْمُثَنَّى) اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ عَنْ سَالِمٍ وَسَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ وعنه بن ابي فديك وبن وهب حسن الترمذي حديثه ووثقه بن حِبَّانَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (ما عمل ادمى) وفي رواية أبو ماجة بن آدَمَ (مِنْ عَمَلٍ) مِنْ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ الِاسْتِغْرَاقِ أَيْ عَمَلًا (يَوْمَ النَّحْرِ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَحَبَّ) بِالنَّصْبِ صِفَةُ عَمِلَ وَقِيلَ بِالرَّفْعِ وَتَقْدِيرُهُ هو أحب قاله القارىء (مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ) أَيْ صَبُّهُ (وَأَنَّهُ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ إِهْرَاقُ الدَّمِ

قَالَهُ الطِّيبِيُّ (بِقُرُونِهَا) جَمْعُ قَرْنٍ (وَأَشْعَارُهَا) جَمْعُ شَعْرٍ (وَأَظْلَافُهَا) جَمْعُ ظِلْفٍ وَضَمِيرُ التَّأْنِيثِ بِاعْتِبَارِ أن المهراق دمه أضحية قال القارىء قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ يَعْنِي أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ يَوْمَ الْعِيدِ إِرَاقَةُ دَمِ الْقُرُبَاتِ وَأَنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا مِنْ غَيْرِ نُقْصَانِ شَيْءٍ مِنْهُ لِيَكُونَ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ أَجْرٌ وَيَصِيرُ مَرْكَبُهُ عَلَى الصِّرَاطِ انْتَهَى (وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ) أَيْ مِنْ رِضَاهُ (بِمَكَانٍ) أَيْ مَوْضِعِ قَبُولٍ (قَبْلَ أَنْ يَقَعَ من الأرض) وفي رواية بن مَاجَهْ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ بِحَذْفِ مِنْ أَيْ يَقْبَلُهُ تَعَالَى عِنْدَ قَصْدِ الذَّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ دَمُهُ عَلَى الْأَرْضِ (فَطِيبُوا بِهَا) أَيْ بِالْأُضْحِيَّةِ (نَفْسًا) تَمْيِيزٌ عَنِ النِّسْبَةِ قال بن الْمَلَكِ الْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ أَيْ إِذَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُهُ وَيَجْزِيكُمْ بِهَا ثَوَابًا كَثِيرًا فَلْتَكُنْ أَنْفُسُكُمْ بِالتَّضْحِيَةِ طَيِّبَةً غَيْرَ كَارِهَةٍ لَهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ قُومِي إِلَى أُضْحِيَّتِكِ فَاشْهَدِيهَا فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كل ذنب عملتيه وقولي إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله إِلَى قَوْلِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَبُو حَمْزَةَ الثُّمَالِيُّ ضَعِيفٌ جِدًّا انْتَهَى وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مَقَالٌ وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَذَكَرَهُ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الخدري وفيه عطية وقد قال بن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَفِيهِ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) قَالَ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ قَالَ سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالُوا فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ قَالُوا فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُلِّ شَعْرَةٍ من الصوف حسنة رواه أحمد وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قُلْتُ فِي سَنَدِهِ عَائِذُ اللَّهِ الْمُجَاشِعِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يصح حديثه ووثقه بن حِبَّانَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ

باب في الأضحية بكبشين

تنبيه قال بن الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَيْسَ فِي فَضْلِ الْأُضْحِيَّةِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قال بن الْعَرَبِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَسَنٌ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ فِي الْأُضْحِيَّةِ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ رواه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمَا كُلُّهُمْ عَنْ عَائِذِ اللَّهِ عَنْ أَبِي دَاوُدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْأَضَاحِيُّ إِلَخْ وَقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ آنِفًا (باب في الأضحية بكبشين) قوله [1494] (قَوْلُهُ (بِكَبْشَيْنِ (اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى اخْتِيَارِ الْعَدَدِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ إِنَّ الْأُضْحِيَّةَ بِسَبْعِ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنَ الْبَعِيرِ لِأَنَّ الدَّمَ الْمُرَاقَ فِيهَا أَكْثَرُ وَالثَّوَابُ يَزِيدُ بِحَسْبِهِ وَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ يُعَجِّلُهُ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ اسْتِحْبَابَ التَّفْرِيقِ عَلَى أَيَّامِ النَّحْرِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا أَرْفَقُ بِالْمَسَاكِينِ لَكِنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ وَفِيهِ أَنَّ الذَّكَرَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنَ الْأُنْثَى (أَمْلَحَيْنِ) الْأَمْلَحُ بالحاء المهملة قال بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الَّذِي بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ وَقِيلَ هُوَ النَّقِيُّ الْبَيَاضِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَلْحَةُ بَيَاضٌ يُخَالِطُهُ سَوَادٌ كَالْمَلَحِ مُحَرَّكَةٌ كَبْشٌ أَمْلَحُ وَنَعْجَةٌ مَلْحَاءُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ الَّذِي فِيهِ سَوَادٌ وَبَيَاضٌ وَالْبَيَاضُ أَكْثَرُ وَيُقَالُ هُوَ الْأَغْبَرُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ وَزَادَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الْأَبْيَضُ الَّذِي فِي خَلَلِ صُوفِهِ طَبَقَاتٌ سُودٌ وَيُقَالُ الْأَبْيَضُ الْخَالِصُ وَقِيلَ الَّذِي يَعْلُوهُ حُمْرَةٌ انْتَهَى (ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ) وَهُوَ الْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ يَعْرِفُ آدَابَ

الذَّبْحِ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلْيَحْضُرْ عِنْدَ الذَّبْحِ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الْمَذْكُورِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِيهَا لِلْقَادِرِ لَكِنْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَةٌ بِعَدَمِ الْإِجْزَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَعِنْدَ أَكْثَرِهِمْ يُكْرَهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْهَدَهَا انْتَهَى قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ أَمَرَ أَبُو مُوسَى بَنَاتَهُ أَنْ يُضَحِّينَ بِأَيْدِيهِنَّ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَصَلَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَوَقَعَ لَنَا بِعُلُوٍّ فِي خَبَرَيْنِ كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يَأْمُرُ بَنَاتَه أَنْ يَذْبَحْنَ نَسَائِكَهُنَّ بأيديهن وسنده صحيح قال بن التِّينِ فِيهِ جَوَازُ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ وَنَقَلَ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتَهُ وَعَنِ الشَّافِعِيَّةِ الْأَوْلَى لِلْمَرْأَةِ أن تؤكل فِي ذَبْحِ أُضْحِيَّتِهَا وَلَا تُبَاشِرَ الذَّبْحَ بِنَفْسِهَا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (وَسَمَّى وَكَبَّرَ) أَيْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَالْوَاوُ الْأُولَى لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ قَبْلَ الذَّبْحِ (وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا) جَمْعُ صَفْحٍ بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَهُوَ الْجَنْبُ وَقِيلَ جَمْعُ صَفْحَةٍ وَهُوَ عَرْضُ الْوَجْهِ وَقِيلَ نَوَاحِي عُنُقِهَا وَفِي النِّهَايَةِ صَفْحُ كُلِّ شَيْءٍ جِهَتُهُ وَنَاحِيَتُهُ قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ وَضْعِ الرِّجْلِ عَلَى صَفْحَةِ عُنُقِ الْأُضْحِيَّةِ الْأَيْمَنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ ضِجَاعَهَا يَكُونُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَيَضَعُ رِجْلَهُ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَى الذَّابِحِ فِي أَخْذِ السِّكِّينِ بِالْيَمِينِ وَإِمْسَاكِ رَأْسِهَا بِيَدِهِ الْيَسَارِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ عَلَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ بِلَفْظِ أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ أَبَدًا فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ أَبَدًا (وعائشة وأبي هريرة) أخرجه بن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ موجوئين الحديث قال الحافظ في الفتح بن عقيل المذكور في سنده مختلف انتهى (وجابر) أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ قَالَ ذَبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الذَّبْحِ كَبْشَيْنِ أَقَرْنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ موجئين الْحَدِيثَ (وَأَبِي أَيُّوبَ) لِيُنْظَرَ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ (وَأَبِي الدَّرْدَاءِ) قَالَ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم بكبشين جذعين موجئين أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (وَأَبِي رَافِعٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْهُ قَالَ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين موجئين خصيين الحديث (وبن عُمَرَ) لِيُنْظَرَ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأَبِي بَكْرَةَ) أَخْرَجَهُ الترمذي

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قوله (حدثنا شريك) هو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ أَبِي الْحَسْنَاءِ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَبُو الْحَسْنَاءِ عَنِ الْحَكَمِ وَعَنْهُ شَرِيكٌ اسْمُهُ الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ حَدَّثَ عَنْهُ شَرِيكٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ انْتَهَى (عَنِ الحكم) هو بن عتيبة ثقة ثبت (عن حنش) قال القارىء بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هو بن عَبْدِ اللَّهِ السِّبَائِيُّ قِيلَ إِنَّهُ كَانَ مَعَ عَلِيٍّ بِالْكُوفَةِ وَقَدِمَ مِصْرَ بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ انتهى قلت حنش هذا ليس بن عَبْدِ اللَّهِ السَّبَئِيَّ بَلْ هُوَ حَنَشٌ بْنُ الْمُعْتَمِرِ الْكِنَانِيُّ أَبُو الْمُعْتَمِرِ الْكُوفِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُنْذِرِيُّ [1495] قَوْلُهُ (أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ مَا هَذَا فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَانِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ وَفِي رِوَايَةٍ صَحَّحَهَا الْحَاكِمُ عَلَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ أَنَّهُ كَانَ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِكَبْشَيْنِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَمَرَنِي أَنْ أُضَحِّيَ عَنْهُ أَبَدًا فَأَنَا أُضَحِّي عَنْهُ أَبَدًا فَرِوَايَةُ الْحَاكِمِ هَذِهِ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يُقَالَ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَلِيًّا وَأَوْصَاهُ أَنْ يُضَحِّيَ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِكَبْشٍ أَوْ بِكَبْشَيْنِ فَعَلِيٌّ قَدْ يُضَحِّي عَنْهُ وَعَنْ نَفْسِهِ بِكَبْشٍ كَبْشٍ وَقَدْ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَرَنِي بِهِ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا أَدَعُهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَا أَتْرُكُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ حَنَشٌ هُوَ أَبُو الْمُعْتَمِرِ الْكِنَانِيُّ الصَّنْعَانِيُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ واحد وقال بن حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ وَكَانَ كَثِيرَ الْوَهْمِ فِي الْأَخْبَارِ يَنْفَرِدُ عَنْ عَلِيٍّ بِأَشْيَاءَ لَا يُشْبِهُ حَدِيثَ الثِّقَاتِ حَتَّى صَارَ مِمَّنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وشريك هو بن عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي فِيهِ مَقَالٌ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمُتَابَعَاتِ انْتَهَى قُلْتُ وَأَبُو الْحَسْنَاءِ شَيْخُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ كَمَا عَرَفْتَ فالحديث ضعيف

باب ما يستحب من الأضاحي

قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُضَحَّى عَنِ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَرَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُضَحَّى عَنْهُ) أَيْ عَنِ الْمَيِّتِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ رَخَّصَ بِحَدِيثِ الْبَابِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ (وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَتَصَدَّقَ عنه ولا يضحي وَإِنْ ضَحَّى فَلَا يَأْكُلْ مِنْهَا شَيْئًا وَيَتَصَدَّقْ بِهَا كُلِّهَا) وَكَذَلِكَ حَكَى الْإِمَامُ الْبَغَوِيُّ فِي شرح السنة عن بن الْمُبَارَكِ قَالَ فِي غُنْيَةِ الْأَلْمَعِيِّ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّ قَوْلَ مَنْ رَخَّصَ فِي التَّضْحِيَةِ عَنِ الْمَيِّتِ مُطَابِقٌ لِلْأَدِلَّةِ وَلَا دَلِيلَ لِمَنْ مَنَعَهَا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُضَحِّي كَبْشَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ أُمَّتِهِ مِمَّنْ شَهِدَ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لَهُ بِالْبَلَاغِ وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ قَدْ كَانُوا مَاتُوا فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ فِي أُضْحِيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَحْيَاءُ وَالْأَمْوَاتُ كُلُّهُمْ وَالْكَبْشُ الْوَاحِدُ الَّذِي يُضَحِّي بِهِ عَنْ أُمَّتِهِ كَمَا كَانَ لِلْأَحْيَاءِ مِنْ أُمَّتِهِ كَذَلِكَ كَانَ لِلْأَمْوَاتِ مِنْ أُمَّتِهِ بِلَا تَفْرِقَةٍ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَصَدَّقُ بِذَلِكَ الْكَبْشِ كُلِّهِ وَلَا يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا بَلْ قَالَ أَبُو رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْعِمُهُمَا جَمِيعًا الْمَسَاكِينَ وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَكَانَ دَأْبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنَ الْأُضْحِيَّةِ هُوَ وَأَهْلُهُ وَيُطْعِمُ مِنْهَا الْمَسَاكِينَ وَأَمَرَ بِذَلِكَ أُمَّتَهُ وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ خِلَافُهُ فَإِذَا ضَحَّى الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ بَعْضِ أَمْوَاتِهِ أَوْ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِهِ وَعَنْ بَعْضِ أَمْوَاتِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْ تِلْكَ الْأُضْحِيَّةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا نَعَمْ أَنْ تُخَصَّ الْأُضْحِيَّةُ لِلْأَمْوَاتِ مِنْ دُونِ شَرِكَةِ الْأَحْيَاءِ فِيهَا فَهِيَ حَقٌّ لِلْمَسَاكِينِ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ انْتَهَى مَا فِي غُنْيَةِ الْأَلْمَعِيِّ مُحَصَّلًا قُلْتُ لَمْ أَجِدْ فِي التَّضْحِيَةِ عَنِ الْمَيِّتِ مُنْفَرِدًا حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْبَابِ فَضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ فَإِذَا ضَحَّى الرَّجُلُ عَنِ الْمَيِّتِ مُنْفَرِدًا فَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا كُلِّهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (بَاب مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْأَضَاحِيِّ) [1496] قَوْلُهُ (بِكَبْشٍ أَقْرَنَ فَحِيلٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ فَحْلٌ فَحِيلٌ كَرِيمٌ مُنْجِبٌ فِي ضِرَابِهِ انْتَهَى

باب ما لا يجوز من الأضاحي

وَكَذَلِكَ فِي نِهَايَةِ الْجَزَرِيِّ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ الْكَرِيمُ الْمُخْتَارُ لِلْفَحْلَةِ وَأَمَّا الْفَحْلُ فَهُوَ عَامٌّ فِي الذُّكُورَةِ مِنْهَا وَقَالُوا فِي ذُكُورَةِ النَّخْلِ فِحَالٌ فَرْقًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَائِرِ الْفُحُولِ مِنَ الْحَيَوَانِ انْتَهَى وَقَالَ فِي النَّيْلِ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِالْفَحِيلِ كما ضحى بالمخصي انتهى وقال بن الْعَرَبِيِّ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ بِلَفْظِ ضَحَّى بِكَبْشٍ فَحْلٍ أَيْ كَامِلِ الْخِلْقَةِ لم تقطع أنثياه يرد رواية موجوئين قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ وَقَعَ ذَلِكَ فِي وَقْتَيْنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (يَأْكُلُ فِي سَوَادٍ) أَيْ فَمُهُ أَسْوَدُ (وَيَمْشِي فِي سَوَادٍ) أَيْ قَوَائِمُهُ سُودٌ مَعَ بَيَاضِ سَائِرِهِ (وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ) أَيْ حَوَالَيْ عَيْنَيْهِ سَوَادٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ أيضا النسائي وبن ماجة وصححه بن حِبَّانَ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَهُ صَاحِبُ الِاقْتِرَاحِ كَذَا فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ فَأَتَى بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ ثُمَّ قَالَ اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ الْحَدِيثَ (باب مَا لَا يَجُوزُ مِنْ الْأَضَاحِيِّ) [1497] قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَعُبَيْدٌ بِالتَّصْغِيرِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (رَفَعَهُ) أَيْ رَوَاهُ مَرْفُوعًا (قَالَ لَا يُضَحَّى بِالْعَرْجَاءِ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا) بِفَتْحِ الظَّاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَيُفْتَحُ أَيْ عَرَجُهَا وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَهَا الْمَشْيُ (بَيِّنٌ عَوَرُهَا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ عَمَاهَا فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَبِالْأَوْلَى فِي الْعَيْنَيْنِ (وَلَا بِالْمَرِيضَةِ بَيِّنٌ مَرَضُهَا) وهي التي لا تعتلف قاله القارىء (وَلَا بِالْعَجْفَاءِ) أَيِ الْمَهْزُولَةِ

باب ما يكره من الأضاحي

(الَّتِي لَا تُنْقَى) مِنَ الْإِنْقَاءِ أَيِ الَّتِي لَا نِقْيَ لَهَا بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَهُوَ الْمُخُّ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ هِيَ الْمَهْزُولَةُ الَّتِي لَا نِقْيَ لِعِظَامِهَا يَعْنِي لَا مُخَّ لَهَا مِنَ الْعَجَفِ يُقَالُ أَنْقَتِ النَّاقَةُ أَيْ صَارَ فِيهَا نِقْيٌّ أَيْ سَمِنَتْ وَوَقَعَ فِي عِظَامِهَا الْمُخُّ قَوْلُهُ (نَحْوَهُ بِمَعْنَاهُ) يَعْنِي نَحْوَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ بِمَعْنَاهُ لَا بِلَفْظِهِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَوْ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ أَعْنِي مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ فَيْرُوزَ عَنِ الْبَرَاءِ بِلَفْظِ قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصَابِعِي أَقْصَرُ مِنْ أَصَابِعِهِ وَأَنَامِلِي أَقْصَرُ مِنْ أَنَامِلِهِ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ بَيِّنٌ عَوَرُهَا وَالْمَرِيضَةُ بَيِّنٌ مَرَضُهَا وَالْعَرْجَاءُ بَيِّنٌ ظَلْعُهَا وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِهَا وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا أَوْ أَقْبَحُ مِنْهَا كَالْعَمَى وَقَطْعِ الرِّجْلِ وَشِبْهِهِ انْتَهَى (باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الْأَضَاحِيِّ) [1498] قَوْلُهُ (أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنُ وَالْأُذُنَ) بِضَمِّ الذَّالِ وَيُسَكَّنُ أَيْ نَنْظُرُ إِلَيْهِمَا وَنَتَأَمَّلُ فِي سَلَامَتِهِمَا مِنْ آفَةٍ تَكُونُ بِهِمَا كَالْعَوَرِ وَالْجَدْعِ قِيلَ وَالِاسْتِشْرَافُ إِمْعَانُ النَّظَرِ والأصل فيه وضع يدك على حاجبك كيلا تَمْنَعُكَ الشَّمْسُ مِنَ النَّظَرِ مَأْخُوذٌ مِنَ الشَّرَفِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُرْتَفِعُ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ

يطلع على شيء أشرف عليه وقال بن الْمَلَكِ الِاسْتِشْرَافُ الِاسْتِكْشَافُ قَالَ الطِّيبِيُّ وَقِيلَ هُوَ من الشرفة وهي خيار المال أي أمرنا أَنْ نَتَخَيَّرَهُمَا أَيْ نَخْتَارَ ذَاتَ الْعَيْنِ وَالْأُذُنِ الْكَامِلَتَيْنِ (وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ أَيِ الَّتِي قُطِعَ مِنْ قِبَلِ أُذُنِهَا شَيْءٌ ثُمَّ تُرِكَ مُعَلَّقًا مِنْ مُقَدَّمِهَا (وَلَا مُدَابَرَةٍ) وَهِيَ الَّتِي قُطِعَ مِنْ دُبُرِهَا وَتُرِكَ مُعَلَّقًا مِنْ مُؤَخَّرِهَا (وَلَا شَرْقَاءَ) بِالْمَدِّ أَيْ مَشْقُوقَةِ الْأُذُنِ طُولًا مِنَ الشَّرْقِ وَهُوَ الشِّقُّ وَمِنْهُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَإِنَّ فِيهَا تُشَرَّقُ لُحُومُ الْقَرَابِينِ (وَلَا خَرْقَاءَ) بِالْمَدِّ أَيْ مَثْقُوبَةِ الْأُذُنِ ثُقْبًا مُسْتَدِيرًا وَقِيلَ الشَّرْقَاءُ مَا قُطِعَ أُذُنُهَا طُولًا وَالْخَرْقَاءُ مَا قُطِعَ أُذُنُهَا عَرْضًا قَوْلُهُ (الْمُقَابَلَةُ مَا قُطِعَ طَرَفُ أُذُنِهَا) أَيْ مِنْ قُدَّامِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ هِيَ شَاةٌ قُطِعَتْ أُذُنُهَا مِنْ قُدَّامٍ وَتُرِكَتْ مُعَلَّقَةً وَمِثْلُهُ فِي النِّهَايَةِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِقُدَّامٍ (وَالْمُدَابَرَةُ مَا قُطِعَ مِنْ جَانِبِ الْأُذُنِ) أَيْ مِنْ مُؤَخَّرِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُدَابَرَةُ أَنْ قُطِعَ مِنْ مُؤَخَّرِ أُذُنِ الشَّاةِ شَيْءٌ ثُمَّ يُتْرَكُ مُعَلَّقًا كَأَنَّهُ زَنَمَةٌ انْتَهَى (وَالشَّرْقَاءُ الْمَشْقُوقَةُ) أَيِ الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الشَّرْقَاءُ هِيَ الْمَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ بِاثْنَتَيْنِ شَرِقَ أُذُنَهَا يَشْرَقُ شَرْقَاءَ إِذَا شَقَّهَا انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ شَرِقَ الشَّاةَ شَرْقًا شَقَّ أُذُنَهَا وَشَرِقَتِ الشَّاةُ كَفَرِحَ انْشَقَّتْ أُذُنُهَا طُولًا فَهِيَ شَرْقَاء انْتَهَى (وَالْخَرْقَاءُ الْمَثْقُوبَةُ) أَيِ الْمَثْقُوبَةُ الْأُذُنُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْخَرْقَاءُ الَّتِي فِي أُذُنِهَا ثُقْبٌ مُسْتَدِيرٌ وَالْخَرْقُ الشَّقُّ انْتَهَى وَفِي الْقَامُوسِ الْخَرْقَاءُ مِنَ الْغَنَمِ الَّتِي فِي أُذُنِهَا خَرْقٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ أخرجه الخمسة وصححه الترمذي وبن حبان والحاكم انتهى

باب في الجذع من الضأن في الأضاحي

5 - (باب فِي الْجَذَعِ مِنَ الضَّأْنِ فِي الْأَضَاحِيِّ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الضَّائِنُ خِلَافُ الْمَاعِزِ مِنَ الْغَنَمِ جَمْعُ ضَأْنٍ وَيُحَرَّكُ وَكَأَمِيرٍ وَهِيَ ضَائِنَةٌ جَمْعُ ضَوَائِنَ انْتَهَى وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ ضَائِنٌ ميش نر خِلَافُ مَعْزٍ وَالْجَمْعُ ضَأْنٍ مِثْلُ رَاكِبٍ وَرَكْبٍ وَضَأَنٌ بِالتَّحْرِيكِ أَيْضًا مِثْلُ حَارِسٍ وَحَرَسٍ انْتَهَى وَالْجَذَعُ مُحَرَّكَةٌ قَبْلَ الثَّنِيِّ وَهِيَ بِهَاءٍ اسْمٌ لَهُ فِي زَمَنٍ وَلَيْسَ بِسِنٍّ تَنْبُتُ أَوْ تَسْقُطُ وَالشَّابُّ الحدث جَمْعُ جِذَاعٍ وَجِذْعَانٍ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَأَصْلُ الْجَذَعِ مِنْ أَسْنَانِ الدَّوَابِّ وَهُوَ مَا كَانَ مِنْهَا شَابًّا فَتِيًّا فَهُوَ مِنَ الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْمَعْزِ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَقِيلَ الْبَقَرُ فِي الثَّالِثَةِ وَمِنَ الضَّأْنِ مَا تَمَّتْ لَهُ سَنَةٌ وَقِيلَ أَقَلُّ مِنْهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَالِفُ بَعْضَ هَذَا فِي التَّقْدِيرِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ وَصْفٌ لِسِنٍّ مُعَيَّنٍ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَمِنَ الضَّأْنِ مَا أَكْمَلَ السَّنَةَ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقِيلَ دُونَهَا ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِهِ فَقِيلَ بن سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقِيلَ ثَمَانِيَةٍ وَقِيلَ عَشْرَةٍ وَحَكَى الترمذي عن وكيع أنه بن ستة أشهر أو سبعة أشهر وعن بن الأعرابي أن بن الشابين يجذع لستة أشهر إلى سبعة وبن الْهَرَمَيْنِ يُجْذَعُ لِثَمَانِيَةٍ إِلَى عَشْرَةٍ قَالَ وَالضَّأْنُ أسرع إجذاعا من المعز وأما الجذع فهو مِنَ الْمَعْزِ فَهُوَ مَا دَخَلَ فِي السَّنَةِ الثانية ومن البقر ما أَكْمَلَ الثَّالِثَةَ وَمِنَ الْإِبِلِ مَا دَخَلَ فِي الْخَامِسَةِ انْتَهَى [1499] قَوْلُهُ (عَنْ كِدَامٍ) قَالَ فِي التقريب كدام بالكسر والتخفيف بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ انْتَهَى (عَنْ أَبِي كِبَاشٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ السُّلَمِيُّ أَوِ الْعَيْشِيُّ وَقِيلَ هُوَ أَبُو عَيَّاشٍ أَبُو كِبَاشٍ لَقَبٌ مَجْهُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (جَلَبْتُ غَنَمًا) أَيْ لِلتِّجَارَةِ (فَكَسَدَتْ) أَيِ الْغَنَمُ (عَلَيَّ) أَيْ لِعَدَمِ رَغْبَةِ النَّاسِ فِيهَا ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ (نِعْمَ أَوْ نِعْمَتْ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (فَانْتَهَبَهُ النَّاسُ) كِنَايَةٌ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الشِّرَاءِ

قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) لِيُنْظَرَ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأُمِّ بِلَالٍ بِنْتِ هلال عن أبيها) أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ يَجُوزُ الْجَذَعُ مِنَ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً (وَجَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ مَرْفُوعًا لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ (وَعُقْبَةِ بْنِ عَامِرٍ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ بِلَفْظِ ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِذَاعٍ مِنَ الضَّأْنِ (وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أخرج أبو داود وبن مَاجَهْ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لَهُ مُجَاشِعٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِنَّ الْجَذَعَ يُوفِي مِمَّا يُوفِي مِنْهُ الثَّنِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَكِنَّهُ لَمْ يُسَمِّ الصَّحَابِيَّ بَلْ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ مُزَيْنَةَ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا) قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ الْكَبِيرِ سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ رَوَاهُ عُثْمَانُ بْنُ وَاقِدٍ فَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ فَوَقَفَهُ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِ أَبِي كِبَاشٍ فَلَمْ يَعْرِفْهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْجَذَعَ مِنَ الضَّأْنِ يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ حكى غيره عن بن عُمَرَ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّ الْجَذَعَ لَا يُجْزِئُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الضَّأْنِ أَوْ غَيْرِهِ وَبِهِ قال بن حَزْمٍ وَعَزَاهُ لِجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَأَطْنَبَ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ أَجَازَهُ انْتَهَى قُلْتُ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْجَوَازِ وَهُوَ الْحَقُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَخْ فَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمْ حَمَلُوهُ عَلَى الْأَفْضَلِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُسْتَحَبُّ لَكُمْ إِلَّا مُسِنَّةٌ فَإِنْ عَجَزْتُمْ فَاذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ قَالَ وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَنْعِ الْجَذَعَةِ مِنَ الضَّأْنِ وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ [1500] قَوْلُهُ (أَعْطَاهُ غَنَمًا) هُوَ أَعَمُّ مِنَ الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ (يَقْسِمُهَا فِي أَصْحَابِهِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ

باب في الاشتراك في الأضحية فحضر الأضحى

الضَّمِيرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِعُقْبَةَ قَالَهُ الْحَافِظُ (ضَحَايَا) حَالٌ أَيْ يَقْسِمُهَا حَالَ كَوْنِهَا ضَحَايَا (فَبَقِيَ عَتُودٌ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْخَفِيفَةِ وَهُوَ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ مَا قَوِيَ وَرَعَى وَأَتَى عَلَيْهِ حَوْلٌ وَالْجَمْعُ أَعْتِدَةٌ وَعِتْدَانٌ وَتُدْغَمُ التَّاءُ فِي الدال فيقال عدان وقال بن بطال العتود الجذع من المعز بن خَمْسَةِ أَشْهُرٍ (أَوْ جَدْيٌ) أَوْ لِلشَّكِّ وَالْجَدْيُ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ ذَكَرُهَا جَمْعُهُ أَجْدٍ وَجِدَاءٌ وجديان بكسرهما كذا في القاموس (باب في الاشتراك في الأضحية [1501] (فَحَضَرَ الْأَضْحَى)) أَيْ يَوْمُ عِيدِهِ (فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَةِ سَبْعَةً) أَيْ سَبْعَةَ أَشْخَاصٍ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْنِي بَيَانًا لِضَمِيرِ الْجَمْعِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَقِيلَ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَقِيلَ مَرْفُوعٌ بَدَلًا مِنْ ضَمِيرِ اشْتَرَكْنَا وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ (وَفِي الْبَعِيرِ عَشْرَةً) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اشْتِرَاكُ عَشْرَةِ أَشْخَاصٍ فِي الْبَعِيرِ وَبِهِ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الْأَشَدِّ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَأَبِي أَيُّوبَ) لِيُنْظَرَ من أخرج حديثهما قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشْرًا مِنَ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ [1502] قَوْلُهُ (نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْبَدَنَةُ تَقَعُ عَلَى الْجَمَلِ وَالنَّاقَةِ وَالْبَقَرَةِ وَهِيَ بِالْإِبِلِ أَشْبَهُ وَفِي الْقَامُوسِ الْبَدَنَةُ مُحَرَّكَةٌ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَفِي الْفَتْحِ إِنَّ أَصْلَ الْبُدْنِ مِنَ الْإِبِلِ وَأُلْحِقَتْ بِهَا الْبَقَرَةُ شَرْعًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) أَيْ عَلَى جَوَازِ اشْتِرَاكِ السَّبْعَةِ فِي الْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ فِي الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ (وَقَالَ إِسْحَاقُ يُجْزِئُ أيضا البعير عن عشرة واحتج بحديث بن عَبَّاسٍ) أَيِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي الْبَدَنَةِ فَقَالَتِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْجُمْهُورُ إِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ سبعة وقالت العترة وإسحاق بن راهويه وبن خُزَيْمَةَ تُجْزِئُ عَنْ عَشْرَةٍ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ هنا يعني في الأضحية لحديث بن عَبَّاسٍ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْحَقُّ فِي الْهَدْيِ لِلْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ يَعْنِي بِهَا حَدِيثَ جَابِرٍ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَأَمَّا الْبَقَرَةُ فَتُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةٍ فقط اتفاقا في الهدي والأضحية انتهى [1503] قَوْلُهُ (عَنْ حُجَيَّةَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مصغرا قال في التقريب صدوق

يخطىء مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ شَبِيهٌ بالمجهول وقال بن سَعْدٍ كَانَ مَعْرُوفًا وَلَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَهُ الْعِجْلِيُّ تابعي ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى (فَالْعَرْجَاءُ) أَيْ مَا حُكْمُهَا هَلْ يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا أَمْ لَا قَالَ إِذَا بَلَغَتِ الْمَنْسِكَ بِكَسْرِ السِّينِ أَيِ الْمَذْبَحَ وَهُوَ الْمُصَلَّى أَيْ فَيَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا إِذَا بَلَغَتِ الْمَنْسِكَ (فَمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ قَالَ لَا بَأْسَ) أَيْ بِالتَّضْحِيَةِ بِهَا وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ عَنْ حُجَيَّةَ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ أَتَى رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنِ الْمَكْسُورَةِ الْقَرْنِ قَالَ لَا يَضُرُّكَ الْحَدِيثَ وَظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَضْحِيَةُ الْمَكْسُورَةِ الْقَرْنِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالنِّصْفِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ أَكْثَرَ وَلَكِنَّ حَدِيثَهُ الْمَرْفُوعَ الْآتِي يُخَالِفُهُ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ (أُمِرْنَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَوْ أَمَرَنَا بِصِيَغَةِ الْمَعْلُومِ وَأَوْ لِلشَّكِّ (أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَأَصْلُ الِاسْتِشْرَافِ أَنْ تَضَعَ يَدَكَ عَلَى حَاجِبِكَ وَتَنْظُرَ كَالَّذِي يَسْتَظِلُّ مِنَ الشَّمْسِ حَتَّى يَسْتَبِينَ الشَّيْءَ وَأَصْلُهُ مِنَ الشَّرَفِ الْعُلُوُّ كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ فَيَكُونُ أَكْثَرَ لِإِدْرَاكِهِ وَمِنْهُ حَدِيثُ أُمِرْنَا أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ أَيْ نَتَأَمَّلَ سَلَامَتَهُمَا مِنْ آفَةٍ تَكُونُ بِهِمَا وَقِيلَ هُوَ مِنَ الشُّرْفَةِ وَهِيَ خِيَارُ الْمَالِ أَيْ أُمِرْنَا أَنْ نَتَخَيَّرَهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ والبزار وبن حبان والحاكم والبيهقي وأعله الدَّارَقُطْنِيَّ وَقَالَ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ [1504] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ) أَيْ مَكْسُورَةِ الْقَرْنِ وَمَقْطُوعِ الْأُذُنِ قَالَهُ بن الْمَلَكِ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءٌ بَارِدٌ وَقِيلَ مَقْطُوعُ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ وَالْعَضْبُ الْقَطْعُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (قَالَ قَتَادَةُ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ) وَفِي

باب ما جاء أن الشاة الواحدة تجزيء عن أهل البيت

رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قُلْتُ يَعْنِي لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مَا الْأَعْضَبُ (فَقَالَ الْعَضَبُ مَا بَلَغَ النِّصْفَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ وَهُوَ مَا ذَهَبَ نِصْفُ قَرْنِهِ أَوْ أُذُنِهِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ والجمهور إلى أنها تجزىء التَّضْحِيَةُ بِمَكْسُورَةِ الْقَرْنِ مُطْلَقًا وَكَرِهَهُ مَالِكٌ إِذَا كَانَ يُدْمِي وَجَعَلَهُ عَيْبًا وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ إِنَّ الْعَضْبَاءَ الشَّاةُ الْمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ الدَّاخِلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمَكْسُورَةَ لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الذَّاهِبُ مِنَ الْقَرْنِ مِقْدَارًا يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يُقَالُ لَهَا عَضْبَاءُ لِأَجْلِهِ أَوْ يَكُونُ دُونَ النِّصْفِ إِنْ صَحَّ أَنَّ التَّقْدِيرَ بِالنِّصْفِ الْمَرْوِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لُغَوِيٌّ أَوْ شَرْعِيٌّ كَذَلِكَ لَا تُجْزِئُ التَّضْحِيَةُ بِأَعْضَبِ الْأُذُنِ وَهُوَ مَا صَدَقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْعَضْبِ لُغَةً أَوْ شَرْعًا انْتَهَى قُلْتُ قَالَ فِي الْفَائِقِ الْعَضْبُ فِي الْقَرْنِ دَاخِلُ الِانْكِسَارِ وَيُقَالُ للانكسار في الخارج القصم وكذلك في خارج القصم الْقَامُوسِ كَمَا عَرَفْتَ وَقَالَ فِيهِ الْقَصْمَاءُ الْمَعْزُ الْمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ الْخَارِجِ انْتَهَى فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ الْمَكْسُورَةَ الْقَرْنِ الْخَارِجِ تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا وَأَمَّا الْمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ الدَّاخِلِ فَكَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ مِنْ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الذَّاهِبُ مِنَ الْقَرْنِ الدَّاخِلِ مِقْدَارًا يَسِيرًا إِلَخْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (باب مَا جَاءَ أن الشاة الواحدة تجزيء عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ) [1505] قَوْلُهُ (كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ) أَيِ الْوَاحِدَةِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ نَفْسِهِ (وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ) وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الموطأ كنا نصحي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ يَذْبَحُهَا الرَّجُلُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ (فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ) مِنَ الْإِطْعَامِ (حَتَّى تَبَاهَى النَّاسُ) أَيْ تَفَاخَرُوا وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ ثُمَّ تباهى الناس بعد وفي رواية في موطأه ثُمَّ تَبَاهَى النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ (فَصَارَتْ) أَيِ الضَّحَايَا (كَمَا تَرَى) وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فَصَارَتْ مباهاة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ في الموطأ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي البناية بعد ما ذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ وَحَدِيثُ أَنَّهُ ذَبَحَ كَبْشًا عَنْ أُمَّتِهِ وَبِهَذِهِ الْأَخْبَارِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ إِلَى جَوَازِ الشَّاةِ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ كَذَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ وَالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْحَرُ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ الْبَدَنَةَ وَيَذْبَحُ الْبَقَرَةَ وَالشَّاةَ الْوَاحِدَةَ هُوَ يَمْلِكُهَا وَيَذْبَحُهَا عَنْهُمْ وَيُشْرِكُهُمْ فِيهَا انْتَهَى وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ بِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَإِنْ كَانُوا كَثِيرِينَ وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الشَّاةَ تُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ كَمَا قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّ كَيْفَ كَانَتِ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنْ كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ أَبِي سريحة قال أحملني أهلي على الجفاء بعد ما عَلِمْتُ مِنَ السُّنَّةِ كَانَ أَهْلُ الْبَيْتِ يُضَحُّونَ بالشاة والشاتين والان يبخلنا جيراننا رواه بن مَاجَهْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَحَدِيثُ أَبِي سريحة إسناده في سنن بن مَاجَهْ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَقَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَإِنْ كَانُوا مِائَةَ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا قَضَتْ بِذَلِكَ السُّنَّةُ انْتَهَى وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي عَقِيلٍ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

هِشَامٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَغِيرٌ فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِهِ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَهُوَ خِلَافُ مَنْ يَقُولُ إِنَّهَا لَا تُجْزِئُ إِلَّا عَنِ الْوَاحِدَةِ انْتَهَى كَذَا فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ لِلزَّيْلَعِيِّ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَبْلَ هَذَا وَيَشْكُلُ عَلَى الْمَذْهَبِ يَعْنِي مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا فِي مَنْعِهِمُ الشَّاةَ لِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ بِالْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشٍ عَنْهُ وَعَنْ أُمَّتِهِ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي عَقِيلٍ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ إِلَخْ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ فَأَتَى بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ قَالَ يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ ثُمَّ قَالَ اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضحى به ورواه مُسْلِمٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ قَوْلُهُ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَهْلِهِ وَإِنْ كَثُرُوا وَرُوِيَ عَنْ أبي هريرة وبن عُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا يَفْعَلَانِ ذَلِكَ وَأَجَازَهُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهُوَيْهِ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مَنْسُوخَةٌ أَوْ مَخْصُوصَةٌ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَا كَمَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ قُلْتُ تَضْحِيَةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أُمَّتِهِ وَإِشْرَاكُهُمْ فِي أُضْحِيَّتِهِ مَخْصُوصٌ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا تَضْحِيَتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَآلِهِ فَلَيْسَ بِمَخْصُوصٍ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا مَنْسُوخًا وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَانُوا يُضَحُّونَ الشَّاةَ الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته كَمَا عَرَفْتَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ التَّضْحِيَةُ عَنِ الْأُمَّةِ وَإِشْرَاكُهُمْ فِي أُضْحِيَّتِهِ أَلْبَتَّةَ وَأَمَّا مَا ادَّعَاهُ الطَّحَاوِيُّ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْمَذْكُورُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُحْتَاجًا إِلَى اللَّحْمِ أَوْ فَقِيرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ فَيَذْبَحُ الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَيُطْعِمُ اللَّحْمَ أَهْلَ بَيْتِهِ أَوْ يُشْرِكُهُمْ فِي الثَّوَابِ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَأَمَّا الِاشْتِرَاكُ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ فَلَا فَإِنَّ الِاشْتِرَاكَ خِلَافُ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا جَوَّزَ فِي الْبَقَرِ وَالْإِبِلِ لِوُرُودِ النص أنهم اشتركوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرَةِ وَلَا نَصَّ فِي الشَّاةِ كَذَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ نَقْلًا عَنِ الْبِنَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ قُلْتُ كَمَا ورد النص أنهم اشتركوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِبِلِ والبقرة كذلك

ورد النص أنهم اشتركوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الِاشْتِرَاكُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرَةِ مِنْ أَهْلِ أَبْيَاتٍ شَتَّى وَثَبَتَ الِاشْتِرَاكُ فِي الشَّاةِ مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ وَاحِدٍ كَمَا عَرَفْتَ فَالْقَوْلُ بِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الشَّاةِ خِلَافُ الْقِيَاسِ وَأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ بَاطِلٌ جِدًّا وَأَمَّا حَمْلُهُمْ حَدِيثَ أَبِي أَيُّوبَ الْمَذْكُورَ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُحْتَاجًا إِلَى اللَّحْمِ أَوْ فَقِيرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ فَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنَ الصَّحَابَةِ يَجِدُ سَعَةً يُضَحِّي الشَّاةَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ وَلَا يُشْرِكُ أَهْلَهُ فِيهَا وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَا يَجِدُ سَعَةً يُضَحِّي الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ أَهْلِهِ وَيُشْرِكُهُمْ فِيهَا وَلَمَّا لَمْ يَثْبُتْ هَذَا التَّفْرِيقُ بَطَلَ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا سَرِيحَةَ كَانَ ذَا سَعَةٍ وَلَمْ يَكُنْ فَقِيرًا وَمَعَ هَذَا كَانَ يُضَحِّي الشَّاةَ الْوَاحِدَةَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ فَقِيرًا لَمْ يَحْمِلْهُ أَهْلُهُ عَلَى الْجَفَاءِ وَلَمْ يُبَخِّلْهُ جِيرَانُهُ باب [1506] قَوْلُهُ (عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ قَوْلُهُ (فَأَعَادَهَا) أَيْ فَأَعَادَ ذَلِكَ الرَّجُلُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ أَيِ الْأُضْحِيَّةُ أَوَاجِبَةٌ هِيَ (عليه) أي على بن عمر رضي الله عنه (فقال) أي بن عُمَرَ (أَتَعْقِلُ) أَيْ أَتَفْهَمُ (ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ لم يثبت عند بن عُمَرَ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ فَلِذَا لَمْ يَقُلْ فِي جَوَابِ السَّائِلِ نَعَمْ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قال بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هِيَ سُنَّةٌ وَمَعْرُوفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَلَهُ حَمَّادُ بْنُ سلمة في مصنفه بسند جيد إلى بن عُمَرَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) ذَكَرَ الْحَافِظُ هذا الحديث وتحسين الترمذي فِي الْفَتْحِ وَسَكَتَ عَنْهُ لَكِنْ فِي سَنَدِهِ الحجاج والظاهر أنه بن أَرْطَاةَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ جَبَلَةَ بِلَفْظِ عن

قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح كأن الترمذي فهم من كون بن عُمَرَ لَمْ يَقُلْ فِي الْجَوَابِ نَعَمْ أَنَّهُ لَا يَقُولُهُ بِالْوُجُوبِ فَإِنَّ الْفِعْلَ الْمُجَرَّدَ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ وَالْمُسْلِمُونَ إلى أنها ليست من الخصائص وكان بن عُمَرَ حَرِيصًا عَلَى اتِّبَاعِ أَفْعَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ لَمْ يُصَرِّحْ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وبن الْمُبَارَكِ) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ وَاجِبَةٌ أَوْ سُنَّةٌ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ مُقِيمٍ مُوسِرٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمُخْتَارُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الغني وسنة على الفقير وفي رسالة بن أَبِي زَيْدٍ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنِ اسْتَطَاعَهَا وَدَلِيلُ الْوُجُوبِ مَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سَلِيمٍ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ وَفِيهِ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ قَالَ الشَّيْخُ وَهَذَا صِفَةُ الْوُجُوبِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ وَجَدَ سَعَةً وَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّيْخِ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ مِخْنَفِ بْنِ سَلِيمٍ رَفَعَهُ عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ أُضْحِيَّةٌ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ فِي الْوُجُوبِ الْمُطْلَقِ وَقَدْ ذَكَرَ مَعَهَا الْعَتِيرَةَ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَأَمَّا حَدِيثُ مَنْ وَجَدَ سَعَةً فلا يقربن مصلانا فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَحْمَدُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَالْمَوْقُوفُ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْإِيجَابِ قَالَهُ الْحَافِظُ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَصَلِّ لربك وانحر) وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَخْصِيصُ الرَّبِّ بِالنَّحْرِ لَهُ لَا لِلْأَصْنَامِ فَالْأَمْرُ مُتَوَجِّهٌ إِلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ الْقَيْدُ الَّذِي يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْكَلَامُ وَلَا شَكَّ فِي وُجُوبِ تَخْصِيصِ اللَّهِ بِالصَّلَاةِ وَالنَّحْرِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّحْرِ وَضْعُ الْيَدَيْنِ حَالَ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّدْرِ وَلَهُمْ دَلَائِلُ أُخْرَى لَكِنْ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا عَنْ كَلَامٍ

باب في الذبح بعد الصلاة

واستدل من قال بعدم الوجوب بحديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ثَلَاثٌ هُنَّ عَلَيَّ فَرَائِضُ وَلَكُمْ تَطَوُّعٌ النَّحْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وبن عَدِيٍّ وَالْحَاكِمُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ مِنْ جَمِيعِ طُرُقِهِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِمَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا كَانَا لَا يُضَحِّيَانِ كَرَاهَةَ أَنْ يَظُنَّ مَنْ رَآهُمَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَ عَنِ بن عباس وبلال وأبي مسعود وبن عُمَرَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذِهِ آثَارُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهَا أَلَّا حُجَّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى وَلَهُمْ دَلَائِلُ أُخْرَى لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا عَنْ كلام فنقول كما قال بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَحَّى الْمُسْلِمُونَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [1507] قَوْلُهُ (أَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ يُضَحِّي) أي كل سنة قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فَمُوَاظَبَتُهُ دَلِيلُ الْوُجُوبِ انْتَهَى قُلْتُ مُجَرَّدُ مُوَاظَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فِعْلٍ لَيْسَ دَلِيلَ الْوُجُوبِ كَمَا لَا يَخْفَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي إِسْنَادِهِ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَالتَّدْلِيسِ) وَرَوَاهُ عن نافع بالعنعنة (باب فِي الذَّبْحِ بَعْدَ الصَّلَاةِ) [1508] قَوْلُهُ (فَقَامَ خَالِي) اسْمُهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ (هَذَا يَوْمٌ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ) يَعْنِي بِسَبَبِ كَثْرَةِ اللَّحْمِ وَكَثْرَةِ النَّظَرِ إِلَيْهِ يَتَشَبَّعُ الطَّبْعُ وَيَتَنَفَّرُ عَنْهُ وَفِي أَوَّلِ الْيَوْمِ لَا يَكْثُرُ اللَّحْمُ فَلِذَا أني

عَجِلْتُ إِلَخْ كَذَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ هَكَذَا هَذَا يَوْمٌ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ مَقْرُومٌ وَمَعْنَاهُ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ يُقَالُ قَرِمْتُ إِلَى اللَّحْمِ وَقَرِمْتُهُ إِذَا اشْتَهَيْتُهُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُوَافِقَةٌ لِلرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّ هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ اللَّحْمُ وَلِذَلِكَ صَوَّبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذِهِ الرِّوَايَةَ قُلْتُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَكِلْتَاهُمَا صَوَابٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ كَمَا مَضَى فِي الْعِيدَيْنِ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنَّ وَصْفَهُ اللَّحْمَ بِكَوْنِهِ مُشْتَهًى وَبِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا لَا تَنَاقُضَ فِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارَيْنِ فَمِنْ حَيْثُ إِنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ فِيهِ بِالذَّبَائِحِ فَالنَّفْسُ تَتَشَوَّقُ لَهُ يَكُونُ مُشْتَهًى وَمِنْ حَيْثُ تَوَارُدُ الْجَمِيعِ عَلَيْهِ حَتَّى يَكْثُرَ مَمْلُولًا فَانْطَلَقَتْ عَلَيْهِ الْكَرَاهَةُ لِذَلِكَ فَحَيْثُ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ مُشْتَهًى أَرَادَ ابْتِدَاءَ حَالِهِ وَحَيْثُ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ مَكْرُوهًا أَرَادَ انْتِهَاءَهُ وَمِنْ ثَمَّ اسْتَعْجَلَ بِالذَّبْحِ لِيَفُوزَ بِتَحْصِيلِ الصِّفَةِ الْأُولَى عِنْدَ أَهْلِهِ وَجِيرَانِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (نَسِيكَتِي) أَيْ ذَبِيحَتِي (عِنْدِي عَنَاقُ لَبَنٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ الْأُنْثَى مِنْ وَلَدِ الْمَعْزِ عند أهل اللغة قال بن التِّينِ مَعْنَى عَنَاقُ لَبَنٍ أَنَّهَا صَغِيرَةُ سِنٍّ تَرْضَعُ أُمَّهَا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ) الْمَعْنَى أَنَّهَا أَطْيَبُ لَحْمًا وَأَنْفَعُ لِلْآكِلِينَ لِسِمَنِهَا وَنَفَاسَتِهَا (وَلَا تُجْزِئُ جَذَعَةٌ بَعْدَك) أَيْ جَذَعَةٌ مِنَ الْمَعْزِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن جابر) أخرجه أحمد ومسلم (وجندب) وهو بن سُفْيَانَ الْبَجَلِيُّ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الشَّيْخَانِ (وَأَنَسٌ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَعُوَيْمِرِ بْنِ أَشْقَرَ) لِيُنْظَرَ مَنْ أَخْرَجَهُ (وبن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب في كراهية أكل الأضحية فوق ثلاثة أيام

قَوْلُهُ (وَقَدْ رَخَّصَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَهْلِ الْقُرَى فِي الذَّبْحِ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ وهو قول بن الْمُبَارَكِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ حجة على هؤلاء 0 - (باب فِي كَرَاهِيَةِ أَكْلِ الْأُضْحِيَّةِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) [1509] قَوْلُهُ (لَا يَأْكُلْ أَحَدُكُمْ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الثَّلَاثِ مِنْ يَوْمِ ذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ وَإِنْ ذُبِحَتْ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَإِنْ تَأَخَّرَ الذبح عنه قال وهذا أظهر ورجح بن الْقَيِّمِ الْأَوَّلَ وَهَذَا الْخِلَافُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فَائِدَةٌ إِلَّا بِاعْتِبَارِ الِاحْتِجَاجِ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الرَّابِعِ لَيْسَ مِنْ أَيَّامِ الذَّبْحِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أنس فلينظر من أخرجه 1 - (باب فِي الرُّخْصَةِ فِي أَكْلِهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ) [1510] قَوْلُهُ (لِيَتَّسِعَ ذَوُو الطَّوْلِ) أَيْ أَصْحَابُ الطَّوْلِ وَذَوُو جَمْعُ ذُو وَالطَّوْلُ بِفَتْحِ الطَّاءِ

وَسُكُونِ الْوَاوِ الْقُدْرَةُ وَالْغِنَى وَالسَّعَةُ (فَكُلُوا مَا بَدَا لَكُمْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَقْدِيرِ الأكل بمقدار وللرجل أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ مَا شَاءَ وَإِنْ كَثُرَ مَا لَمْ يَسْتَغْرِقْ بِقَرِينَةٍ قَوْلُهُ وَأَطْعِمُوا (وادخروا) بتشديد الدال المهملة وكأن أصله إذ تخروا فَأُبْدِلَتْ تَاءُ الِافْتِعَالِ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَأُبْدِلَتِ الذَّالُ الْمُعْجَمَةُ أَيْضًا بِهَا ثُمَّ أُدْغِمَتِ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ أَيِ اجْعَلُوهَا ذَخِيرَةً قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَنُبَيْشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَقَتَادَةَ بْنِ النعمان وأنس وأم سلمة) أما حديث بْنِ مَسْعُودٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَمَّا حَدِيثُ نُبَيْشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ وَغَيْرِهِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ) أَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى نَسْخِ تَحْرِيمِ أَكْلِ لُحُومِ الْأَضَاحِيِّ بَعْدَ الثَّلَاثِ وَادِّخَارِهَا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ مِنْ عُلَمَاءِ الْأَمْصَارِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَكَى النَّوَوِيُّ عَنْ علي وبن عمر أنهما يحرمان الامساك

باب في الفرع والعتيرة

12 - (باب فِي الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ) [1512] قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ (لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ) هَكَذَا جَاءَ بِلَفْظِ النَّفْيِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ النَّهْيِ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وقد وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ فِي الْإِسْلَامِ (وَالْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ هَذَا التَّفْسِيرُ مَوْصُولًا بِالْحَدِيثِ وَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ الْفَرَعُ أَوَّلُ النِّتَاجِ الْحَدِيثُ جَعَلَهُ مَوْقُوفًا عَلَى سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ أَحْسِبُ التَّفْسِيرَ فِيهِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ قَالَ الْحَافِظُ قَدْ أَخْرَجَ أَبُو قُرَّةَ فِي السُّنَنِ الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ مَعْمَرٍ وَصَرَّحَ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّ تَفْسِيرَ الْفَرَعِ وَالْعَتِيرَةِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَقَوْلُهُ أَوَّلُ النِّتَاجِ بِكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ خَفِيفَةٌ وَآخِرُهُ جِيمٌ (كَانَ يُنْتَجُ لَهُمْ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ يُقَالُ نُتِجَتْ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ إِذَا وَلَدَتْ وَلَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا الْفِعْلُ إِلَّا هَكَذَا وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ قَالَهُ الْحَافِظُ (فَيَذْبَحُونَهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَانُوا يَذْبَحُونَهُ لِطَوَاغِيتِهِمْ قَالَ الْحَافِظُ زَادَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ بَعْضِهِمْ ثُمَّ يَأْكُلُونَهُ وَيُلْقَى جِلْدُهُ عَلَى الشَّجَرِ قَالَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ وَاسْتَنْبَطَ الشَّافِعِيُّ مِنْهُ الْجَوَازَ إِذَا كَانَ الذَّبْحُ لِلَّهِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْفَرَعُ حَقٌّ وَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ رِوَايَةِ دَاوُدَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْفَرَعِ قَالَ الْفَرَعُ حَقٌّ وَإِنْ تَتْرُكَهُ حَتَّى يَكُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ أَوِ بن لَبُونٍ فَتَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ تُعْطِيَهُ أَرْمَلَةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذْبَحَهُ يُلْصَقُ لَحْمُهُ بِوَبَرٍ وَقَوْلُهُ نَاقَتَك قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمُزَنِيِّ عَنْهُ الْفَرَعُ شَيْءٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَذْبَحُونَهُ يَطْلُبُونَ بِهِ الْبَرَكَةَ فِي أَمْوَالِهِمْ فَكَانَ يَذْبَحُ أَحَدُهُمْ بَكْرَ نَاقَتِهِ أَوْ شَاتِهِ رَجَاءَ الْبَرَكَةِ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهُ فَسَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حكمها فاعلم أنه لا كراهيه عليهم فِيهِ وَأَمَرَهُمِ اسْتِحْبَابًا أَنْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى يَحْمِلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ حَقٌّ أَيْ لَيْسَ بِبَاطِلٍ وَهُوَ كَلَامٌ خَرَجَ عَلَى جَوَابِ السَّائِلِ وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ فَإِنَّ

مَعْنَاهُ لَا فَرَعَ وَاجِبٌ وَلَا عَتِيرَةَ وَاجِبَةٌ وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ أَيْ لَيْسَ فِي تَأَكُّدِ الِاسْتِحْبَابِ كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى قَالَ النَّوَوِيُّ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةَ عَلَى أَنَّ الْفَرَعَ وَالْعَتِيرَةَ مُسْتَحَبَّانِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ نُبَيْشَةَ فَذَكَرَهُ ثُمَّ قَالَ فَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبْطِلِ الْفَرَعَ وَالْعَتِيرَةَ مِنْ أَصْلِهِمَا وَإِنَّمَا أَبْطَلَ صِفَةً مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَمِنَ الْفَرَعِ كَوْنُهُ يُذْبَحُ أَوَّلَ مَا يُولَدُ وَمِنَ الْعَتِيرَةِ خُصُوصَ الذَّبْحِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ هَذَا تَلْخِيصُ مَا فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِيهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو داود والنسائي وصححه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعِ بْنِ عَدَسٍ عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا نَذْبَحُ ذَبَائِحَ فِي رَجَبٍ فَنَأْكُلُ وَنُطْعِمُ مَنْ جَاءَنَا فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ وَكِيعُ بْنُ عَدَسٍ فَلَا أَدَعُهُ وَجَزَمَ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَنَّ الْعَتِيرَةَ تُسْتَحَبُّ وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ بن سيرين تفرد بذلك ونقل الطحاوي عن بن عون أنه كان يفعله ومال بن الْمُنْذِرِ إِلَى هَذَا وَقَالَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُمَا وَفَعَلَهُمَا بَعْضُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالْإِذْنِ ثُمَّ نَهَى عَنْهُمَا وَالنَّهْيُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ شَيْءٍ كَانَ يُفْعَلُ وَمَا قَالَ أَحَدٌ أَنَّهُ نَهَى عَنْهُمَا ثُمَّ أَذِنَ فِي فِعْلِهِمَا ثُمَّ نَقَلَ عن العلماء تركهما إلا بن سِيرِينَ وَكَذَا ذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى النَّسْخِ وَبِهِ جَزَمَ الْحَازِمِيُّ وَمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَرَعَةِ فِي كُلِّ خَمْسِينَ وَاحِدَةً انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ نُبَيْشَةَ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو داود والنسائي وبن ماجه وصححه الحاكم وبن الْمُنْذِرِ وَلَفْظُهُ قَالَ نَادَى رَجُلٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا كُنَّا نَعْتِرُ عَتِيرَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي رَجَبٍ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ اذْبَحُوا لِلَّهِ فِي أَيِّ شَهْرٍ كَانَ قَالَ إِنَّا كُنَّا نَفْرَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ فِي كُلِّ سَائِمَةٍ فَرَعٌ تَغْذُوهُ مَاشِيَتَك حَتَّى إِذَا اسْتُعْمِلَ ذَبَحْتَهُ فَتَصَدَّقْتَ بِلَحْمِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ خَالِدٌ قُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ كَمِ السَّائِمَةُ قَالَ مِائَةٌ (وَمِخْنَفُ بْنُ سُلَيْمٍ) تَقَدَّمَ حَدِيثُهُ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مَذْكُورَةٌ فِي الْمُنْتَقَى وَفَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب ما جاء في العقيقة

13 - (باب ما جاء في الْعَقِيقَةُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ عَنِ الْمَوْلُودِ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهَا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَصْمَعِيُّ أَصْلُهَا الشَّعْرُ الَّذِي يَخْرُجُ عَلَى رَأْسِ الْمَوْلُودِ وَتَبِعَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَسُمِّيَتِ الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَقِيقَةً لِأَنَّهُ يَحْلِقُ عَنْهُ ذَلِكَ الشَّعْرَ عِنْدَ الذَّبْحِ وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْعَقِّ وهو الشق والقطع ورجحه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَطَائِفَةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْعَقِيقَةُ اسْمُ الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ عَنِ الْوَلَدِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُعَقُّ مَذَابِحُهَا أَيْ تُشَقُّ وَتُقْطَعُ قَالَ وَقِيلَ هي الشعر الذي يحلق وقال بن فَارِسٍ الشَّاةُ الَّتِي تُذْبَحُ وَالشَّعْرُ كُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى عَقِيقَةً يُقَالُ عَقَّ يَعُقُّ إِذَا حَلَقَ عَنِ ابْنِهِ عَقِيقَتَهُ وَذَبَحَ لِلْمَسَاكِينِ شَاةً قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَمِمَّا وَرَدَ فِي تَسْمِيَةِ الشَّاةِ عَقِيقَةً مَا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِ عطاء عن بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ لِلْغُلَامِ عَقِيقَتَانِ وَلِلْجَارِيَةِ عَقِيقَةٌ وَقَالَ لَا نَعْلَمُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَوَقَعَ فِي عِدَّةِ أَحَادِيثَ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ انْتَهَى [1513] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ مُصَغَّرًا (عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَبِالْكَافِ تُرِكَ صَرْفُهُ كَذَا فِي الْمُغْنِي قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يُوسُفُ بْنُ مَاهِكِ بْنِ بَهْزَادَ الْفَارِسِيُّ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ) وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَوَقَعَ في آخر الحديث قال داود يعني بن قَيْسٍ الرَّاوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ عَنْ الْمُكَافِئَتَانِ قَالَ الشَّاتَانِ الْمُشَبَّهَتَانِ تُذْبَحَانِ جَمِيعًا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ أَيْ لَا يُؤَخَّرُ ذَبْحُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْآخَرِ وَحَكَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ الْمُكَافِئَتَانِ الْمُتَقَارِبَتَانِ قَالَ الخطابي أي في السنن وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَعْنَاهُ مُتَعَادِلَتَانِ لِمَا يُجْزِئُ فِي الزَّكَاةِ وَفِي الْأُضْحِيَّةِ وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ فِي حَدِيثِ أُمِّ كُرْزٍ فِي وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ بِلَفْظِ شَاتَانِ مِثْلَانِ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي حَدِيثٍ آخَرَ قِيلَ مَا الْمُكَافِئَتَانِ قَالَ الْمِثْلَانِ وَمَا أشار إليه

زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ مِنْ ذَبْحِ إِحْدَاهُمَا عَقِبَ الْأُخْرَى حَسَنٌ وَيُحْتَمَلُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ مَعًا انْتَهَى (وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِيهِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَعَنْ مَالِكٍ هُمَا سَوَاءٌ فَيَعُقُّ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةً وَاحْتَجَّ لَهُ بِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ كَبْشًا كَبْشًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عكرمة عن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ كَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مِثْلَهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَرُدُّ بِهِ الْأَحَادِيثَ الْمُتَوَارِدَةَ فِي التَّنْصِيصِ عَلَى التَّثْنِيَةِ لِلْغُلَامِ بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يَدُلَّ عَلَى جَوَازِ الِاقْتِصَارِ وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْعَدَدَ لَيْسَ شَرْطًا بَلْ مُسْتَحَبٌّ وَاسْتَدَلَّ بِإِطْلَاقِ الشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَقِيقَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَأَصَحُّهُمَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ بِالْقِيَاسِ لَا بِالْخَبَرِ وَبِذِكْرِ الشَّاةِ وَالْكَبْشِ عَلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْغَنَمُ لِلْعَقِيقَةِ وَبِهِ تَرْجَمَ أَبُو الشيخ الأصبهاني ونقله بن الْمُنْذِرِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي بكر وقال البندينجي مِنَ الشَّافِعِيَّةِ لَا نَصَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي ذَلِكَ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ غَيْرُهَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى إِجْزَاءِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَيْضًا وَفِيهِ حَدِيثٌ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَأَبِي الشَّيْخِ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ يَعُقُّ عَنْهُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى اشْتِرَاطِ كَامِلَةٍ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا أَنَّهَا تَتَأَدَّى بِالسَّبْعِ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ سَنَدُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورِ هَكَذَا حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قال أخبرنا أيوب عن عكرمة عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ الْحَدِيثَ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَأَمَّا سَنَدُ حَدِيثِ أَبِي الشَّيْخِ بِلَفْظِ كَبْشَيْنِ كَبْشَيْنِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَمْ أَقِفْ عَلَى سَنَدِ مَا أَخْرَجَهُ هُوَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مِثْلَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ يَعُقُّ عَنْهُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَلَيْسَ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ مَسْعَدَةَ بْنَ الْيَسَعِ الْبَاهِلِيَّ قَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ مَسْعَدَةُ بْنُ الْيَسَعِ الْبَاهِلِيُّ سَمِعَ مِنْ مُتَأَخِّرِي التَّابِعِينَ هَالِكٌ كَذَّبَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ خَرَقْنَا حَدِيثَهُ مُنْذُ دَهْرٍ انْتَهَى وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَمْ يَرُدَّهُ عَنْ حَدِيثٍ إِلَّا مَسْعَدَةُ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَعْرُوفٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَسَيَأْتِي (وَأُمِّ كُرْزٍ) بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الراء

وَبِالزَّايِ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهَا أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَبُرَيْدَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ كُنَّا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وُلِدَ لِأَحَدِنَا غُلَامٌ ذَبَحَ شَاةً وَلَطَّخَ رَأْسَهُ بِدَمِهَا فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كُنَّا نَذْبَحُ الشَّاةَ يَوْمَ السَّابِعِ وَنَحْلِقُ رَأْسَهُ وَنُلَطِّخُهُ بِزَعْفَرَانٍ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ في إسناده عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَفِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى (وَسَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَسَيَأْتِي (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَبُو الشَّيْخِ مَرْفُوعًا أَنَّ الْيَهُودَ تَعُقُّ عَنِ الْغُلَامِ كَبْشًا وَلَا تَعُقُّ عَنِ الْجَارِيَةِ فَعُقُّوا عَنِ الْغُلَامِ كَبْشَيْنِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ كَبْشًا كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَفِيهِ مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ

باب الأذان في أذن المولود

شَاةً وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو الشَّيْخِ وَقَدْ تَقَدَّمَ (وَسَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عنه الأذى (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَأَخْرَجَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثًا آخَرَ وَتَقَدَّمَ هُوَ أَيْضًا قَوْلُهُ (مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ) تَمَسَّكَ بِمَفْهُومِهِ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ فَقَالَا يَعُقُّ عَنِ الصَّبِيِّ وَلَا يَعُقُّ عَنِ الْجَارِيَةِ وَخَالَفَهُمِ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا يَعُقُّ عَنِ الْجَارِيَةِ أَيْضًا وَهُوَ الْحَقُّ وَحُجَّتُهُمُ الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِذِكْرِ الْجَارِيَةِ فَلَوْ وُلِدَ اثْنَانِ فِي بَطْنٍ اسْتُحِبَّ عَنْ كُلِّ واحد عقيقة ذكره بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنِ اللَّيْثِ وَقَالَ لَا أَعْلَمُ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافَهُ (فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا) كَذَا أَبْهَمَ مَا يُهْرَاقُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَفَسَّرَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ بِلَفْظِ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ [1515] شَاةٌ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ (وَأَمِيطُوا) أَيْ أَزِيلُوا وَزْنًا وَمَعْنًى (الْأَذَى) قَالَ بن سِيرِينَ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَذَى حَلْقَ الرَّأْسِ فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ قَالَ لَمْ أَجِدْ مَنْ يُخْبِرُنِي عَنْ تَفْسِيرِ الْأَذَى انْتَهَى وَقَدْ جَزَمَ الْأَصْمَعِيُّ بِأَنَّهُ حَلْقُ الرَّأْسِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ كَذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَأَمَرَ أَنْ يُمَاطَ عن رؤسهما الْأَذَى وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِي حَلْقِ الرأس فقد وقع في حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَيُمَاطُ عَنْهُ الْأَذَى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ فَعَطَفَهُ عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى حَمْلُ الْأَذَى عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَيُمَاطُ عَنْهُ أَقْذَارُهُ رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه 4 - (باب الْأَذَانِ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ) [1514] قَوْلُهُ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ ضَعِيفٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (أَذَّنَ فِي أُذُنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ حِينَ وَلَدَتْهُ فَاطِمَةُ بِالصَّلَاةِ) أَيْ أَذَّنَ بِآذَانِ الصَّلَاةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى سُنِّيَّةِ الْأَذَانِ في أذن المولود قال القارىء وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يُؤَذِّنُ فِي الْيُمْنَى وَيُقِيمُ فِي الْيُسْرَى إِذَا وُلِدَ الصَّبِيُّ قَالَ وَقَدْ جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ عَنِ الْحُسَيْنِ مَرْفُوعًا مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصغير للسيوطي انتهى كلام القارىء

قُلْتُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَانَ إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ أَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي أُذُنِهِ الْيُسْرَى لَمْ أَرَهُ عنه مسندا وقد ذكره بن المنذر عنه وقد روى مرفوعا أخرجه بن السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ مَنْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ فَأَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَأَقَامَ فِي الْيُسْرَى لَمْ تَضُرَّهُ أُمُّ الصِّبْيَانِ وَأُمُّ الصِّبْيَانِ هِيَ التَّابِعَةُ مِنَ الْجِنِّ انتهى قوله (هذا حديث صحيح) قال المنذر فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَفِي إِسْنَادِهِ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَدْ غمزه الامام مالك وقال بن مَعِينٍ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُهُمَا وَانْتَقَدَ عَلَيْهِ أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بْنُ حِبَّانَ الْبُسْتِيُّ رِوَايَةَ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قُلْتُ وَقَالَ الْعِجْلِيُّ لَا بَأْسَ به وقال بن عَدِيٍّ هُوَ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَقَالَ بن خُزَيْمَةَ لَا أَحْتَجُّ بِهِ لِسُوءِ حِفْظِهِ كَذَا فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ فِي التَّأْذِينِ فِي أُذُنِ الْمَوْلُودِ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ فَإِنْ قُلْتُ كَيْفَ الْعَمَلُ عَلَيْهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ عَاصِمَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ كَمَا عَرَفْتَ قُلْتُ نَعَمْ هُوَ ضَعِيفٌ لَكِنَّهُ يُعْتَضَدُ بِحَدِيثِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا الَّذِي رَوَاهُ أبو يعلي الموصلي وبن السُّنِّيِّ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَقِيقَةِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ) وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ (وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا أَنَّهُ عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِشَاةٍ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَسَيَأْتِي (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ) وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ عَرَفْتَ مَا فِيهِ

15 - باب [1517] قَوْلُهُ عَنْ عُفَيْرِ بِالتَّصْغِيرِ بْنِ مَعْدَانَ الْحِمْصِيِّ الْمُؤَذِّنِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ عَنْ سُلَيْمٍ بِالتَّصْغِيرِ قَوْلُهُ (خَيْرُ الْأُضْحِيَّةِ الْكَبْشُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بِلَفْظِ خَيْرُ الْأُضْحِيَّةِ الْكَبْشُ الْأَقْرَنُ قَالَ الطِّيبِيُّ وَلَعَلَّ فَضِيلَةَ الْكَبْشِ الْأَقْرَنِ عَلَى غَيْرِهِ لِعِظَمِ جُثَّتِهِ وَسِمَنِهِ فِي الْغَالِبِ انْتَهَى (وَخَيْرُ الْكَفَنِ الْحُلَّةُ) أَيِ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحُلَّةُ وَاحِدُ الْحُلَلِ وَهِيَ بُرُودُ الْيَمَنِ وَلَا يُسَمَّى حُلَّةً حَتَّى يَكُونَ ثَوْبَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ انْتَهَى قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ وَالْمَقْصُودُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالثَّوْبَانِ خَيْرٌ مِنْهُ وَإِنْ أُرِيدَ السُّنَّةُ وَالْكَمَالُ فَثَلَاثٌ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ انْتَهَى وَهِيَ نَوْعٌ مُخَطَّطٌ مِنْ ثِيَابِ الْقُطْنِ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ الْمُطَهَّرُ اخْتَارَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَبْيَضَ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ كُفِّنَ في السحولية وحديث بن عباس كفنوا فيها موتاكم انتهى قال القارىء وَفِيهِ أَنَّ الْحُلَّةَ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ أَوْ غَيْرُهُ فَمَعَ هَذَا الِاحْتِمَالِ لا يتم الاستدلال وقال بن الْمَلَكِ الْأَكْثَرُونَ عَلَى اخْتِيَارِ الْبِيضِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي الْحُلَّةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ يَوْمَئِذٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَعُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ بِسَنَدٍ آخَرَ لَيْسَ فِيهِ عُفَيْرٌ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ 6 - باب [1518] قَوْلُهُ (عَنْ مِخْنَفِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ كَمِنْبَرٍ (بْنِ سُلَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ

باب العقيقة شاة

قَوْلُهُ (كُنَّا وُقُوفًا) أَيْ وَاقِفِينَ (مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَفَاتٍ) يَعْنِي فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (عَلَى كُلِّ أَهْلِ بَيْتٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُضْحِيَّةٌ وَعَتِيرَةٌ) أَيْ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ (هِيَ الَّتِي تُسَمُّونَهَا الرَّجَبِيَّةَ) أَيِ الذَّبِيحَةَ الْمَنْسُوبَةَ إِلَى رَجَبٍ لِوُقُوعِهَا فِيهِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْعَتِيرَةِ وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي الْوُجُوبِ الْمُطْلَقِ وَقَدْ ذَكَرَ مَعَهَا الْعَتِيرَةَ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ عِنْدَ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْأُضْحِيَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ انْتَهَى وَقَالَ فِي بَحْثٍ الْفَرَعُ وَالْعَتِيرَةُ مِنَ الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ الْخَطَّابِيُّ لَكِنْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَجَاءَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مِخْنَفِ بْنِ سُلَيْمٍ قُلْتُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ قَالَ عَبْدُ الحق إسناده ضعيف قال بن الْقَطَّانِ وَعِلَّتُهُ الْجَهْلُ بِحَالِ أَبِي رَمْلَةَ وَاسْمُهُ عَامِرٌ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا يَرْوِيهِ عن بن عون انتهى وقال الحافظ في التقريب عَامِرٌ أَبُو رَمْلَةَ شَيْخٌ لِابْنِ عَوْنٍ لَا يعرف من الثالثة 7 - (باب العقيقة شاة) [1519] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ) هُوَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طالب ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (وَتَصَدَّقِي بِزِنَةِ شَعْرِهِ فِضَّةً) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى التَّصَدُّقِ بِزِنَةِ شَعْرِ المولود فضة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ) فَإِنْ قُلْتُ كَيْفَ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِأَنَّ إِسْنَادَهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ حَسَّنَهُ بِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَضِيَ عَنْهَا وَزَنَتْ شَعْرَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَزَيْنَبَ وَأُمِّ كُلْثُومٍ فَتَصَدَّقَتْ بِوَزْنِهِ فِضَّةً رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِهِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ فَذَكَرَ الْحَافِظُ حَدِيثَ الْبَابِ قَالَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ لَمَّا وَلَدَتْ فَاطِمَةُ حَسَنًا قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا أَعُقُّ عَنِ ابْنِي بِدَمٍ قَالَ لَا وَلَكِنِ احْلِقِي شَعْرَهُ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ مِنَ الْوَرِقِ عَلَى الْأَوْفَاضِ يَعْنِي أَهْلَ الصُّفَّةِ قال البيهقي وتفرد به بن عَقِيلٍ وَرَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فَقَالَ زِنِي شَعْرَ الْحُسَيْنِ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ فِضَّةً وَأَعْطِي الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ وَرَوَاهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا قَالَ وَفِي الْأَحْمَدَيْنِ مِنْ مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ الْقَاسِمِ من حديث عطاء عن بن عَبَّاسٍ قَالَ سَبْعَةٌ مِنَ السُّنَّةِ فِي الصَّبِيِّ يَوْمَ السَّابِعِ يُسَمَّى وَيُخْتَنُ وَيُمَاطُ عَنْهُ الْأَذَى وَيُثْقَبُ أُذُنُهُ وَيُعَقُّ عَنْهُ وَتُحْلَقُ رَأْسُهُ وَتُلَطَّخُ بِدَمِ عَقِيقَتِهِ وَيُتَصَدَّقُ بِوَزْنِ شَعْرِ رَأْسِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَفِيهِ رَوَّادُ بْنُ الْجَرَّاحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَدْ تَعَقَّبَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ كَيْفَ تَقُولُ يُمَاطُ عَنْهُ الْأَذَى مَعَ قَوْلِهِ تُلَطَّخُ رَأْسُهُ بِدَمِ عَقِيقَتِهِ قَالَ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ فَلَعَلَّ إِمَاطَةَ الْأَذَى تَقَعُ بَعْدَ اللَّطْخِ وَالْوَاوُ لَا تَسْتَلْزِمُ التَّرْتِيبَ وَأَمَّا زِنَةُ شَعْرِ أُمِّ كُلْثُومٍ وزينب فلم أره انتهى كلام الحافظ 8 - باب [1520] قَوْلُهُ (خَطَبَ ثُمَّ نَزَلَ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ عَلَى شَيْءٍ مُرْتَفِعٍ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ

باب من العقيقة

الْآتِي نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ (نَزَلَ عَنْ مِنْبَرِهِ) فِيهِ ثُبُوتُ وُجُودِ الْمِنْبَرِ فِي الْمُصَلَّى وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ عَلَيْهِ [1521] قَوْلُهُ (أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ إِذَا ذَبَحَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) أَيْ بِالْوَاوِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ وَسَكَتَ عَنْهُ قَوْلُهُ (وَالْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ يُقَالُ إنه لا يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَهُ انتهى 9 - (باب من العقيقة) [1522] قَوْلُهُ (الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ) اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا وَأَجْوَدُ مَا قِيلَ فِيهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالَ هَذَا فِي الشَّفَاعَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ فَمَاتَ

طِفْلًا لَمْ يَشْفَعْ فِي أَبَوَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَقِيقَةَ لَازِمَةٌ لَا بُدَّ مِنْهَا فَشَبَّهَ الْمَوْلُودَ فِي لُزُومِهَا وَعَدَمِ انْفِكَاكِهِ مِنْهَا بِالرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَهَذَا يُقَوِّي قَوْلَ مَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّهُ مَرْهُونٌ بِأَذَى شَعْرِهِ وَلِذَلِكَ فَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى انْتَهَى وَالَّذِي نقل عن أحمد قاله عطاء الخرساني أسنده عنه البيهقي وأخرج بن حَزْمٍ عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ إِنَّ النَّاسَ يُعْرَضُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْعَقِيقَةِ كَمَا يُعْرَضُونَ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَهَذَا لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ قَوْلًا آخَرَ يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ العقيقة قال بن حَزْمٍ وَمِثْلُهُ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ انْتَهَى (يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ) أَيْ مِنْ يَوْمِ الولادة وهل يحسب يوم الولادة قال بن عَبْدِ الْبَرِّ نَصَّ مَالِكٌ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ السَّبْعَةِ الْيَوْمُ الَّذِي يَلِي يَوْمَ الْوِلَادَةِ إِلَّا إِنْ وُلِدَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ وَجْهَيْنِ وَرَجَّحَ الحسبان وَاخْتَلَفَ تَرْجِيحُ النَّوَوِيِّ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ أَنْ يُحْسَبَ يَوْمُ الْوِلَادَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ يُذْبَحُ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ إِنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الذَّابِحُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَتَعَيَّنُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْمَوْلُودِ وَعَنِ الْحَنَابِلَةِ يَتَعَيَّنُ الْأَبُ إِلَّا إِنْ تَعَذَّرَ بِمَوْتٍ أَوِ امْتِنَاعٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَأَنَّ الْحَدِيثَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عن الحسن والحسين مؤول قَالَ النَّوَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبَوَاهُ حِينَئِذٍ كَانَا مُعْسِرَيْنِ أَوْ تَبَرَّعَ بِإِذْنِ الْأَبِ أَوْ قَوْلُهُ عَقَّ أَيْ أَمَرَ أَوْ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ضَحَّى عَمَّنْ لم يضح عن أُمَّتِهِ وَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُهُمْ مِنْ خَصَائِصِهِ وَنَصَّ مَالِكٌ عَلَى أَنَّهُ يُعَقُّ عَنِ الْيَتِيمِ مِنْ مَالِهِ وَمَنَعَهُ الشَّافِعِيَّةُ (وَيُسَمَّى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى سُنِّيَّةِ تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ السَّابِعِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ فَفِي البزار وصحيحي بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ عَقَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ يَوْمَ السَّابِعِ وَسَمَّاهُمَا وَفِي معجم الطبراني الأوسط عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا إِذَا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ لِلْمَوْلُودِ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى وَسَمُّوهُ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَقَدْ ثَبَتَ تَسْمِيَةُ الْمَوْلُودِ يَوْمَ يُولَدُ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ الْحَدِيثَ وَفِيهِ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنِهِ حِينَ وُلِدَ فَسَمَّاهُ الْمُنْذِرَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رَفَعَهُ قَالَ وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْته بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ الْحَدِيثَ (وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ) أَيْ جَمِيعُهُ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنِ الْقَزَعِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ إِنَّ حَدِيثَ

الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ كِتَابٌ إِلَّا حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ وَتَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ حَكَى الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ مَا يَدُلُّ عَلَى سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ حَدِيثَ الْعَقِيقَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُذْبَحَ عَنِ الْغُلَامِ الْعَقِيقَةُ يَوْمَ السَّابِعِ فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ يَوْمُ السَّابِعِ فَيَوْمُ الرَّابِعَ عَشَرَ فَإِنْ لَمْ يَتَهَيَّأْ عَقَّ عَنْهُ يَوْمُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ لَمْ أَرَ هَذَا صَرِيحًا إِلَّا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُوشَنْجِيِّ وَنَقَلَهُ صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ وَإِسْمَاعِيلُ ضَعِيفٌ وَذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ أَبُو إِسْحَاقَ كَانَ مِنَ الْبَصْرَةِ ثُمَّ سَكَنَ مَكَّةَ وَكَانَ فَقِيهًا وَكَانَ ضَعِيفَ الْحَدِيثِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالُوا لَا يُجْزِئُ فِي الْعَقِيقَةِ مِنَ الشَّاةِ إِلَّا مَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ) قَدْ وَرَدَ فِي أَحَادِيثِ الْعَقِيقَةِ لَفْظُ الشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الشَّاةِ وَالشَّاتَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَقِيقَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَأَصَحُّهُمَا يُشْتَرَطُ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ بِالْقِيَاسِ لَا بِالْخَبَرِ انْتَهَى قُلْتُ لَمْ يَثْبُتْ الِاشْتِرَاطُ بِحَدِيثٍ صَحِيحٍ أَصْلًا بَلْ وَلَا بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ فَالَّذِينَ قَالُوا بِالِاشْتِرَاطِ لَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ غَيْرُ الْقِيَاسِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْعَقِيقَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ لِلشَّافِعِيَّةِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِإِطْلَاقِ الشَّاتَيْنِ عَلَى عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ وَهُوَ الْحَقُّ لَكِنْ لَا لِهَذَا الْإِطْلَاقِ بَلْ لِعَدَمِ وُرُودِ ما يدل ها هنا عَلَى تِلْكَ الشُّرُوطِ وَالْعُيُوبِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَهِيَ أَحْكَامٌ شَرْعِيَّةٌ لَا تَثْبُتُ بِدُونِ دَلِيلٍ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ فَائِدَةٌ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَسُنَّ طَبْخُهَا كَسَائِرِ الْوَلَائِمِ إِلَّا رِجْلَهَا فَتُعْطَى نِيئَةً لِلْقَابِلَةِ لِحَدِيثِ الْحَاكِمِ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَاطِمَةَ فَقَالَ زِنِي شَعْرَ الْحُسَيْنِ وَتَصَدَّقِي بِوَزْنِهِ فِضَّةً وَأَعْطِي الْقَابِلَةَ رِجْلَ الْعَقِيقَةِ وَرَوَاهُ حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا انْتَهَى فَائِدَةٌ قَدِ اشْتُهِرَ أَنَّهُ لَا يُكْسَرُ عِظَامُ الْعَقِيقَةِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حديث لكنه مرسل قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ ذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْعَقِيقَةِ الَّتِي عَقَّتْهَا فَاطِمَةُ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنْ ابْعَثُوا إِلَى بَيْتِ الْقَابِلَةِ بِرِجْلٍ وَكُلُوا وَأَطْعِمُوا وَلَا تَكْسِرُوا مِنْهَا عَظْمًا انْتَهَى فَائِدَةٌ قَدِ اشْتُهِرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي أَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَقَّ عَنْ نَفْسِهِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ قَالَ الْبَزَّارُ تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى وَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ قَتَادَةَ وَإِسْمَاعِيلُ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَقَدْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ إِنَّهُمْ تَرَكُوا حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرٍ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَعَلَّ إِسْمَاعِيلَ سَرَقَهُ مِنْهُ ثَانِيهِمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْمُسْتَمْلِيِّ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ جَمِيلٍ وَدَاوُدَ بْنِ مُحَبَّرٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ وَدَاوُدَ ضَعِيفٌ لَكِنَّ الْهَيْثَمَ ثِقَةٌ وَعَبْدُ اللَّهِ مِنْ رِجَالِ الْبُخَارِيِّ فَالْحَدِيثُ قَوِيُّ الْإِسْنَادِ ثُمَّ قَالَ فَلَوْلَا مَا فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى مِنَ الْمَقَالِ لَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحًا وَذَكَرَ مَا فِيهِ مِنَ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ ثُمَّ قَالَ فَهَذَا مِنَ الشُّيُوخِ الَّذِينَ إِذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمْ بِالْحَدِيثِ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً وَيُحْتَمَلُ أَوْ يُقَالُ إِنْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ كَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالُوا فِي تَضْحِيَتِهِ عَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِهِ انْتَهَى فَائِدَةٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ اخْتُلِفَ فِي مَبْدَأِ وَقْتِ ذَبْحِ الْعَقِيقَةِ فَقِيلَ وَقْتُهَا وَقْتُ الضَّحَايَا أَوْ مِنْ وَقْتِ الضُّحَى أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَقِيلَ إِنَّهَا تُجْزِئُ فِي اللَّيْلِ وَقِيلَ لَا عَلَى حَسَبِ الْخِلَافِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَقِيلَ تُجْزِئُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا عَرَفْتَ مِنْ عَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَا يُعْتَبَرُ فِي الْأُضْحِيَّةِ انْتَهَى فَائِدَةٌ إِذَا ما ت الْمَوْلُودُ قَبْلَ يَوْمِ السَّابِعِ هَلْ يُعَقُّ عَنْهُ أَمْ لَا فَقِيلَ لَا يُعَقُّ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْعَقِيقَةَ مُؤَقَّتَةٌ بِالْيَوْمِ السَّابِعِ وَأَنَّ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَهُ لَمْ يَقَعِ الْمَوْقِعَ وَأَنَّهَا تَفُوتُ بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَالَ أَيْضًا إِنْ مَاتَ قَبْلَ السابع سقطت العقيقة وفي رواية بن وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ فِي السَّابِعِ الْأَوَّلِ عُقَّ عَنْهُ فِي السابع الثاني قال بن وَهْبٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَقَّ عَنْهُ فِي السَّابِعِ الثَّالِثِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

باب ترك أخذ الشعر لمن أراد أن يضحي

قُلْتُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْعَقِيقَةَ مُؤَقَّتَةٌ بِالْيَوْمِ السَّابِعِ فَقَوْلُ مَالِكٍ هُوَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَمَّا رِوَايَةُ السَّابِعِ الثَّانِي وَالسَّابِعِ الثَّالِثِ فَضَعِيفَةٌ كَمَا عَرَفْتَ فِيمَا مَرَّ 0 - (باب تَرْكِ أَخْذِ الشَّعْرِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ) [1523] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرٍو) بِالْوَاوِ أَوْ (عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ) أَيْ بِغَيْرِ الْوَاوِ وَأَوْ لِلشَّكِّ وَصَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ أَنَّهُ هُوَ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ بِالْوَاوِ (فَلَا يَأْخُذَنَّ) بِنُونِ التَّأْكِيدِ (مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ وَأَرَادَ بَعْضُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أُخْرَى فَلَا يَأْخُذَنَّ شَعْرًا وَلَا يُقَلِّمَن ظُفْرًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ (وَالصَّحِيحُ هُوَ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ) أَيْ بِالْوَاوِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَاخْتَلَفُوا عَلَى مَالِكٍ وَعَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو فِي عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ عُمَرُ وَأَكْثَرُهُمْ قَالَ عَمْرٌو قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ مُسْلِمٍ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيُّ الْجَنْدَعِيُّ انْتَهَى قَالَ فِي التَّقْرِيب عَمْرُو بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عِمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ بِالتَّصْغِيرِ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ وَقِيلَ اسْمُهُ عُمَرُ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (وَقَدْ رُوِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ نَحْوَ هَذَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا (وَبِهِ كَانَ يَقُولُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ) رَوَاهُ عَنْهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (وَإِلَى هَذَا الْحَدِيثِ ذَهَبَ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ سعيد بن

الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُدُ وَبَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ حَتَّى يُضَحِّيَ فِي وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ مَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ يُكْرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَحْرُمُ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ الْوَاجِبِ وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ واحتج الشافعي وآخرون بحديث عائشة قال كُنْتُ أَفْتِلُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُقَلِّدُهُ وَيَبْعَثُ بِهِ وَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ الْبَعْثُ بِالْهَدْيِ أَكْثَرُ مِنْ إِرَادَةِ التَّضْحِيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ ذَلِكَ وَحَمَلَ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ (وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ) وَحَكَى النَّوَوِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا إِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ كَمَا عَرَفْتَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَا بَأْسَ أَنْ يَأْخُذَ إِلَخْ أَيْ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ (وَاحْتَجَّ) أَيِ الشَّافِعِيُّ (بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ) إِلَخْ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَحَمَلَ النَّهْيَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَأَجَابَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ بِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْآثَارِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَوْقُوفًا مَا لَفْظُهُ فَهَذَا هُوَ أَصْلُ الْحَدِيثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا انْتَهَى قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ رَوَى حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ مَوْقُوفًا لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ رَوَوْهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مَرْفُوعًا فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ الْحَدِيثَ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَتِ الْعَشْرُ الْحَدِيثَ قِيلَ لِسُفْيَانَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَرْفَعُهُ فَقَالَ لكني أرفعه

وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو اللَّيْثِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ أُكَيْمَةَ اللَّيْثِيِّ قَالَ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ سَمِعْت أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَ لَهُ ذَبْحٌ الْحَدِيثَ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ مِنَ الطَّرِيقَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا عَنْ شَرْحِ الْآثَارِ وَهَذِهِ الطُّرُقُ الْمَرْفُوعَةُ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَوْقُوفَ هُوَ أَصْلُ الْحَدِيثِ بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ هُوَ الْمَرْفُوعُ وَقَدْ أَفْتَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَلَى وَفْقِ حَدِيثِهَا الْمَرْفُوعِ فَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْهَا مَوْقُوفًا عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ وَحَدِيثَ عَائِشَةَ كِلَيْهِمَا مَرْفُوعَانِ صَحِيحَانِ وَلِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ تَرْجِيحٌ لِأَنَّهُ قَوْلِيٌّ أَوْ يُقَالُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَنَّ حَدِيثَهَا مَحْمُولٌ عَلَى كراهة التنزيه والله تعالى أعلم

18 - أبواب النذور والأيمان

18 - أبواب النذور والأيمان الخ النُّذُورُ جَمْعُ نَذْرٍ وَأَصْلُهُ الْإِنْذَارُ بِمَعْنَى التَّخْوِيفِ وَعَرَّفَهُ الرَّاغِبُ بِأَنَّهُ إِيجَابُ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ لِحُدُوثِ أَمْرٍ وَالْأَيْمَانُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ يَمِينٍ وَأَصْلُ الْيَمِينِ فِي اللُّغَةِ الْيَدُ وَأُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا تَحَالَفُوا أَخَذَ كُلٌّ يَمِينَ صَاحِبِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْيَدَ الْيُمْنَى مِنْ شأنها حفظ الشيء فسمى الحلف بذلك الحفظ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَسُمِّيَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَمِينًا لِتَلَبُّسِهِ بِهَا وَيُجْمَعُ الْيَمِينُ أَيْضًا عَلَى أَيْمُنٍ كَرَغِيفٍ وَأَرْغُفٍ وَعُرِّفَتْ شَرْعًا بِأَنَّهَا تَوْكِيدُ الشَّيْءِ بِذِكْرِ اسْمٍ أَوْ صِفَةٍ لِلَّهِ وَهَذَا أَخْصَرُ التَّعَارِيفِ وأقربها بَاب مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا نذر في معصية [1524] قَوْلُهُ (لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا وَفَاءَ فِي نَذْرِ مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا قَدَّرَ الْوَفَاءَ لِأَنَّ لَا لِنَفْيِ الْجِنْسِ تَقْتَضِي نَفْيَ الْمَاهِيَّةِ فَإِذَا نُفِيَتْ يَنْتَفِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَإِذًا يَتَعَيَّنُ تَقْدِيرُ الْوَفَاءِ وَيُؤَيِّدُ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَمَنْ كَانَ نَذَرَ فِي مَعْصِيَةٍ فَذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ وَلَا وَفَاءَ فِيهِ وَيُكَفِّرُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ انْتَهَى (وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي نَذْرِ الْمَعْصِيَةِ

قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ وَجَابِرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ لَا وَفَاءَ لِنَذْرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ النَّذْرُ نَذْرَانِ فَمَنْ كَانَ نَذَرَ فِي طَاعَةٍ فَذَلِكَ لِلَّهِ فِيهِ الْوَفَاءُ وَمَنْ كَانَ نَذَرَ فِي مَعْصِيَةٍ فَذَلِكَ لِلشَّيْطَانِ وَلَا وَفَاءَ فِيهِ وَيُكَفِّرُهُ مَا يُكَفِّرُ الْيَمِينَ وَهَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ [1525] قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لَمْ يَسْمَعْهُ الزُّهْرِيُّ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ (وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وأخرجه أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ النَّسَائِيُّ سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ مَتْرُوكٌ وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ يَعْنِي فَرَوَوْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الزُّبَيْرِ الْحَنْظَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عِمْرَانَ انْتَهَى قُلْتُ وَلِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَقَالَ

النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ حَدِيثُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ الْحَافِظُ قَدْ صَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ بْنُ السَّكَنِ فَأَيْنَ الِاتِّفَاقُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَدِ اخْتُلِفَ فِيمَنْ وَقَعَ مِنْهُ النَّذْرُ فِي الْمَعْصِيَةِ هَلْ يَجِبُ فِيهِ كَفَّارَةٌ فَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا وَعَنْ أَحْمَدَ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ نَعَمْ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِ النَّذْرِ فِي الْمَعْصِيَةِ وَاخْتِلَافُهُمْ إِنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهَا بِأَحَادِيثِ الْبَابِ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَأَجَابُوا عَنْ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ قُلْتُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بِتَعَدُّدِهَا وَتَعَدُّدِ طُرُقِهَا تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَاللَّهُ تعالى أعلم [1526] قَوْلُهُ (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ) الطَّاعَةُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِي وَاجِبٍ أَوْ مُسْتَحَبٍّ يُتَصَوَّرُ النَّذْرُ فِي فِعْلِ الْوَاجِبِ بأن يؤقت كَمَنْ يَنْذُرُ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ وَأَمَّا الْمُسْتَحَبُّ مِنْ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ فَيَنْقَلِبُ بِالنَّذْرِ وَاجِبًا وَيَتَقَيَّدُ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ النَّاذِرُ وَالْخَبَرُ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِوَفَاءِ النَّذْرِ إِذَا كَانَ فِي طَاعَةٍ وَفِي النَّهْيِ عَنْ تَرْكِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذَا كَانَ فِي مَعْصِيَةٍ (مَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ مَعْصِيَةً لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ ولا يلزمه الكفارة إذا لَوْ كَانَتْ فِيهِ الْكَفَّارَةُ لَبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال القارىء لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى نَفْيِ الْكَفَّارَةِ وَلَا عَلَى إِثْبَاتِهَا قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ القارىء

باب لا نذر في ما لا يملك بن ادم

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وأحمد وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (قَالُوا لَا يَعْصِي اللَّهَ) هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ (وَلَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ إِلَخْ) فِيهِ اخْتِلَافٌ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا (باب لا نذر في ما لا يملك بن آدَمَ) [1527] قَوْلُهُ (لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ) أَيْ لَا يَصِحُّ النَّذْرُ وَلَا يَنْعَقِدُ فِي شَيْءٍ لَا يَمْلِكُهُ حِينَ النَّذْرِ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ بَعْدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَلَا الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود (باب في فِي كَفَّارَةِ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ) [1528] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) مُحَمَّدٌ هذا هو بن يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الثَّقَفِيُّ

قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ مَجْهُولٌ قَالَ وَصَحَّحَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ (وَقَالَ حَدَّثَنِي كَعْبُ بْنُ عَلْقَمَةَ) بْنِ كَعْبٍ الْمِصْرِيُّ التَّنُوخِيُّ أَبُو عَبْدِ الْحَمِيدِ صَدُوقٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ) اسْمُهُ مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيُّ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (كَفَّارَةُ النَّذْرِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ) أَيْ لَمْ يُعَيِّنْهُ النَّاذِرُ بِأَنْ قَالَ إِنِّي نَذَرْتُ نَذْرًا أَوْ عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يُعَيِّنْ أَنَّهُ صَوْمٌ أَوْ غَيْرُهُ (كَفَّارَةُ يَمِينٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ إِنَّمَا تَجِبُ فِيمَا كَانَ مِنَ النُّذُورِ غَيْرَ مُسَمًّى قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ كَفَّارَةُ النَّذْرِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فَحَمَلَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى نَذْرِ اللَّجَاجِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ أَوِ الْكَفَّارَةِ وَحَمَلَهُ مَالِكٌ وَكَثِيرُونَ أَوِ الْأَكْثَرُونَ عَلَى النَّذْرِ الْمُطْلَقِ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ نَذْرٌ وَحَمَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْحَدِيثِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ النَّذْرِ وَقَالُوا هُوَ مُخَيَّرٌ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَنْذُورَاتِ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا الْتَزَمَ وَبَيْنَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَالظَّاهِرُ اخْتِصَاصُ الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَ بِالنَّذْرِ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ لِأَنَّ حَمْلَ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَاجِبٌ وَأَمَّا النُّذُورُ الْمُسَمَّاةُ إِنْ كَانَتْ طَاعَةً فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْدُورَةٍ فَفِيهَا كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَإِنْ كَانَتْ مَقْدُورَةً وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهَا سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْبَدَنِ أَوْ بِالْمَالِ وَإِنْ كَانَتْ مَعْصِيَةً لَمْ يَجُزِ الْوَفَاءُ بِهَا وَلَا يَنْعَقِدُ وَلَا يَلْزَمُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَانَتْ مُبَاحَةً مَقْدُورَةً فَالظَّاهِرُ الِانْعِقَادُ وَلُزُومُ الْكَفَّارَةِ لِوُقُوعِ الْأَمْرِ بِهَا فِي الْأَحَادِيثِ فِي قِصَّةِ النَّاذِرَةِ بِالْمَشْيِ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَقْدُورَةٍ فَفِيهَا الْكَفَّارَةُ لِعُمُومِ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُطِقْهُ هَذَا خُلَاصَةُ مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِدُونِ زِيَادَةِ إِذَا لَمْ يُسَمَّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أبو داود والنسائي وبن ماجه وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُطِقْهُ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّ الْحُفَّاظَ رَجَّحُوا وَقْفَهُ

باب فيمن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها

4 - (باب فِيمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا) [1529] قَوْلُهُ (لَا تَسْأَلْ) بِصِيغَةِ النَّهْيِ (الْإِمَارَةَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيِ الْحُكُومَةَ (فَإِنَّك إِنْ أَتَتْكَ) أَيْ حَصَلَتْ لَك الْإِمَارَةُ (عَنْ مَسْأَلَةٍ) أَيْ بَعْدَ سُؤَالِكَ إِيَّاهَا (وُكِلْتَ إِلَيْهَا) بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْكَافِ مُخَفَّفَةً أَيْ خُلِّيتَ إِلَيْهَا وَتُرِكْتَ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ إِعَانَةٍ فِيهَا (أُعِنْتَ عَلَيْهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِعَانَةِ أَيْ أَعَانَكَ اللَّهُ عَلَى تِلْكَ الْإِمَارَةِ (فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَبِي مُوسَى) أَمَّا حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب في الكفارة قبل الحنث

5 - (باب فِي الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ) [1530] قَوْلُهُ (فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ جَوَّزَ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ وَفِيهِ أَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ نَعَمْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ لَفْظُ ثُمَّ وَلَفْظُهُ فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ لِيَفْعَلِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَكَذَلِكَ وَقَعَ لَفْظُ ثُمَّ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَلَفْظُهُ فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ إِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ صَحِيحٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَخْرَجَ نَحْوَهَا أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهَا انْتَهَى فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَقْدِيمِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) قَالَ بن الْمُنْذِرِ رَأَى رَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ غَيْرَ أَهْلِ الرَّأْيِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ تُجْزِئُ قَبْلَ الْحِنْثِ إِلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ اسْتَثْنَى الصِّيَامَ فَقَالَ لَا يُجْزِئُ إِلَّا بَعْدَ الْحِنْثِ وقال أهل الرأي تجزئ لا الْكَفَّارَةُ قَبْلَ الْحِنْثِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ وَوَافَقَ الْحَنَفِيَّةَ أَشْهَبُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَدَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ وَخَالَفَهُ بن حَزْمٍ وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بِالرِّوَايَاتِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْحِنْثِ وَبِالرِّوَايَاتِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا لَفْظُ ثُمَّ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا تَقَدَّمَ وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَهْلُ الرَّأْيِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ) فَإِنَّ الْمُرَادَ إِذَا حَلَفْتُمْ فَحَنِثْتُمْ

باب في الاستثناء في اليمين

وَرَدَّهُ مُخَالِفُوهُ فَقَالُوا بَلِ التَّقْدِيرُ فَأَرَدْتُمِ الْحِنْثَ قَالَ الْحَافِظُ وَأَوْلَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ التَّقْدِيرُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَلَيْسَ أَحَدُ التَّقْدِيرَيْنِ بِأَوْلَى مِنَ الْآخَرِ انْتَهَى وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ بِنَفْسِ الْيَمِينِ وَرَدَّهُ مَنْ أَجَازَهَا بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِنَفْسِ الْيَمِينِ لَمْ تَسْقُطْ عَمَّنْ لَمْ يَحْنَثِ اتِّفَاقًا وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ الْكَفَّارَةَ بَعْدَ الْحِنْثِ فَرْضٌ وَإِخْرَاجَهَا قَبْلَهُ تَطَوُّعٌ فَلَا يَقُومُ التَّطَوُّعُ مَقَامَ الْمَفْرُوضِ وَانْفَصَلَ عَنْهُ مَنْ أَجَازَ بِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ إِرَادَةُ الْحِنْثِ وَإِلَّا فَلَا تُجْزِئُ كَمَا فِي تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ وَذَكَرَ عِيَاضٌ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ عِدَّةَ من قال بجواز تقديم الكفارة أربعة عشرة صَحَابِيًّا وَتَبِعَهُمْ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وقد عرفت مما سلف أن المتوجه الْعَمَلُ بِرِوَايَةِ التَّرْتِيبِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِلَفْظِ ثُمَّ وَلَوْلَا الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ تَأْخِيرِ الْكَفَّارَةِ عَنِ الْحِنْثِ لَكَانَ ظَاهِرُ الدَّلِيلِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْكَفَّارَةِ وَاجِبٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ لِلْكَفَّارَةِ ثَلَاثُ حَالَاتٍ أَحَدُهَا قبل الحلف فلا تجزىء اتفاقا ثانيها بعد الحلف والحنث فتجزىء اتفاقا ثالثها بعد الحلف وقبل الحنث فَفِيهَا الْخِلَافُ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ مَعَ إِتْيَانِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ الْيَمِينِ وَإِتْيَانَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ هُوَ الْكَفَّارَةُ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ إِنَّهُ مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا لَا يُعْبَأُ به قال الحافظ كأنه يشر إِلَى حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَهُوَ كَفَّارَتُهُ ويَحْيَى ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا يُوهِمُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ عَنْهُ بِلَفْظِ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيَتْرُكْ يَمِينَهُ هَكَذَا أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْكَفَّارَةَ وَلَكِنْ أَخْرَجَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ بِلَفْظِ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْهَا وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَمَدَارُهُ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا عَلَى عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ عَدِيٍّ وَالَّذِي زَادَ ذَلِكَ حَافِظٌ فهو المعتمد انتهى (باب فِي الِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ) [1531] قَوْلُهُ (مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَقَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَقَدِ اسْتَثْنَى فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِمَشِيئَةِ

اللَّهِ مَانِعٌ مِنَ انْعِقَادِ الْيَمِينِ أَوْ يَحِلُّ انْعِقَادُهَا وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْجُمْهُورُ وَادَّعَى عليه بن الْعَرَبِيِّ الْإِجْمَاعَ قَالَ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُتَّصِلًا قَالَ وَلَوْ جَازَ مُنْفَصِلًا كَمَا رَوَى بَعْضُ السَّلَفِ لَمْ يَحْنَثْ أَحَدٌ قَطُّ فِي يَمِينٍ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى كَفَّارَةٍ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الِاتِّصَالِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ هُوَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُتَّصِلًا بِالْيَمِينِ مِنْ غَيْرِ سُكُوتٍ بَيْنَهُمَا وَلَا يَضُرُّ سَكْتَةُ النَّفَسِ وَعَنْ طَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ أَنَّ لَهُ الِاسْتِثْنَاءَ مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهِ وَقَالَ قَتَادَةُ مَا لَمْ يَقُمْ أَوْ يَتَكَلَّمْ وَقَالَ عَطَاءٌ قَدْرَ حَلْبَةِ نَاقَةٍ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يصح بعد أربعة أشهر وعن بن عَبَّاسٍ لَهُ الِاسْتِثْنَاءُ أَبَدًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحَلِفِ بِاللَّهِ أَوْ بِالطَّلَاقِ أَوِ الْعَتَاقِ أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْمَشِيئَةِ يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَبَعْضُهُمْ فَصَّلَ وَاسْتَثْنَى أَحْمَدُ الْعَتَاقَ قَالَ لِحَدِيثِ إِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ تُطَلَّقْ وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَإِنَّهُ حُرٌّ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ حُمَيْدُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الترمذي في هذا الباب (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ انْتَهَى قَالَ فِي النيل حديث بن عُمَرَ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَلَهُ طُرُقٌ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْأَطْرَافِ وَهُوَ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ لَا كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ إِلَخْ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ

[1532] قَوْلُهُ (لَأَطُوفَنَّ) اللَّامُ جَوَابُ الْقَسَمِ وَهُوَ مَحْذُوفٌ أَيْ وَاللَّهِ لَأَطُوفَنَّ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِهِ لَمْ يَحْنَثْ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ الْحِنْثَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ قَسَمٍ وَالْقَسَمُ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُقْسَمٍ بِهِ (عَلَى سَبْعِينَ امْرَأَةً) قَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ فِي الْعَدَدِ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا مَا لَفْظُهُ فَمُحَصَّلُ الرِّوَايَاتِ سِتُّونَ وَسَبْعُونَ وَتِسْعُونَ وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ وَمِائَةٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا أَنَّ السِّتِّينَ كُنَّ حَرَائِرَ وَمَا زَادَ عَلَيْهِنَّ كُنَّ سَرَارِيَّ أَوْ بِالْعَكْسِ وَأَمَّا السَّبْعُونَ فَلِلْمُبَالَغَةِ وَأَمَّا تِسْعُونَ وَالْمِائَةُ فَكُنَّ دُونَ الْمِائَةِ وَفَوْقَ التِّسْعِينَ فَمَنْ قَالَ تِسْعُونَ أَلْقَى الْكَسْرَ وَمَنْ قَالَ مِائَةً جَبَرَهُ وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ لَيْسَ فِي ذِكْرِ الْقَلِيلِ نَفْيُ الْكَثِيرِ وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الْعَدَدِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَلَيْسَ بِكَافٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَذَلِكَ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ كَثِيرِينَ وَقَدْ حَكَى وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ فِي الْمُبْتَدَأِ أَنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَانَ أَلْفُ امْرَأَةٍ ثَلَاثُ مِائَةِ مَهِيرَةٍ وَسَبْعُ مِائَةِ سُرِّيَّةٍ وَنَحْوُ مَا أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ إِنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَانَ أَلْفُ بَيْتٍ مِنْ قَوَارِيرَ فِيهَا ثَلَاثُ مِائَةِ صَرِيحَةٍ وَسَبْعُ مِائَةِ سُرِّيَّةٍ انْتَهَى (تَلِدُ كُلُّ امْرَأَةٍ غُلَامًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ تَحْمِلُ كُلُّ امْرَأَةٍ فَارِسًا يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (فَطَافَ عَلَيْهِنَّ) أَيْ جَامَعَهُنَّ قَوْلُهُ (إِلَّا امْرَأَةً نِصْفَ غُلَامٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِلَّا وَاحِدَةً سَاقِطًا أَحَدَ شِقَّيْهِ (لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَكَانَ كَمَا قَالَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَأَطُوفَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِتِسْعِينَ امْرَأَةٍ كُلٌّ تَلِدُ غُلَامًا يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي الْمَلَكَ قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَنَسِيَ الْحَدِيثَ قَالَ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ قِيلَ هُوَ خَاصٌّ بِسُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَهَا وَقَعَ مَا أَرَادَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَهَا عِنْدَ مَا وَعَدَ الْخَضِرَ أَنَّهُ يَصْبِرُ عَمَّا يَرَاهُ مِنْهُ وَلَا يَسْأَلْهُ عَنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَصْبِرْ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ

باب في كراهية الحلف بغير الله

أَمْرِهِمَا وَقَدْ قَالَهَا الذَّبِيحُ فَوَقَعَ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصابرين) فَصَبَرَ حَتَّى فَدَاهُ اللَّهُ بِالذَّبْحِ قَوْلُهُ (لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو عوانة كما في الفتح (باب فِي كَرَاهِيَةِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ) [1533] قَوْلُهُ (وَهُوَ يَقُولُ وَأَبِي وَأَبِي) الْوَاوُ لِلْقَسَمِ يَعْنِي يُقْسِمُ بِأَبِيهِ وَيَقُولُ وَأَبِي وَأَبِي (فَقَالَ أَلَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ السِّرُّ فِي النَّهْيِ عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ أَنَّ الْحَلِفَ بِشَيْءٍ يَقْتَضِي تَعْظِيمَهُ وَالْعَظَمَةُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هِيَ لِلَّهِ وَحْدَهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ تَخْصِيصُ الْحَلِفِ بِاللَّهِ خَاصَّةً لَكِنْ قَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ تَنْعَقِدُ بِاللَّهِ وَذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ الْعَلِيَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِهَا بِبَعْضِ الصِّفَاتِ وَكَانَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِاللَّهِ الذَّاتَ لَا خُصُوصَ لَفْظِ اللَّهِ وَأَمَّا الْيَمِينُ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ ثَبَتَ الْمَنْعُ فِيهَا وَهَلِ الْمَنْعُ للتحريم قولان عند المالكية كذا قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمُ الْكَرَاهَةُ وَالْخِلَافُ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عِنْدَهُمُ التَّحْرِيمُ وَبِهِ جَزَمَ الظَّاهِرِيَّةُ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّنْزِيهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا) بِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ حَاكِيًا عَنِ الْغَيْرِ أَيْ مَا حَلَفْتُ بِهَا وَلَا حَكَيْتُ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِي وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عقيل عن بن شِهَابٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَا حَلَفْتُ بِهَا مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهَا وَلَا تَكَلَّمْتُ بِهَا وَقَدِ اسْتُشْكِلَ هَذَا التَّفْسِيرُ لِتَصْدِيرِ الْكَلَامِ بِحَلَفْتُ وَالْحَاكِي عَنْ غَيْرِهِ لَا يُسَمَّى حَالِفًا وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفًا أَيْ وَلَا ذَكَرْتُهَا آثِرًا عَنْ غَيْرِي أَوْ يَكُونُ ضِمْنَ حَلَفْتُ مَعْنَى تَكَلَّمْتُ وَيُقَوِّيهِ رِوَايَةُ عُقَيْلٍ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَقُتَيْلَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ فَأَخْرَجَهُ الشيخان وأما حديث بْنِ عَبَّاسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مَرْفُوعًا لَا تَحْلِفُوا إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ وَأَمَّا حَدِيثُ قُتَيْلَةَ وَهِيَ قُتَيْلَةُ بِالْمُثَنَّاةِ وَالتَّصْغِيرِ بِنْتُ صَيْفِيٍّ الْأَنْصَارِيَّةُ أَوِ الْجُهَنِيَّةُ صَحَابِيَّةٌ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهَا أَنَّ يَهُودِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّكُمْ تُنَدِّدُونَ وَإِنَّكُمْ تُشْرِكُونَ تَقُولُونَ مَا شَاءَ اللَّهُ وَشِئْتُ وَتَقُولُونَ وَالْكَعْبَةِ فَأَمَرَهُمِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَحْلِفُوا أَنْ يَقُولُوا وَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَيَقُولُ أَحَدُهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ شِئْتُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ) هُوَ إِمَامٌ مَشْهُورٌ لَهُ تَصَانِيفُ نَافِعَةٌ مِنْهَا غَرِيبُ الْحَدِيثِ قَالَ الْحَافِظُ اسْمُهُ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ الْبَغْدَادِيُّ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مُصَنِّفٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ وَلَمْ أَرَ لَهُ فِي الْكُتُبِ حَدِيثًا مُسْتَنِدًا بَلْ مِنْ أَقْوَالِهِ فِي شَرْحِ الْغَرِيبِ يَقُولُ (لَا آثُرُهُ عَنْ غَيْرِي) أَيْ لَا أَنْقُلُهُ عَنْ غَيْرِي قَالَ فِي الصُّرَاحِ الْأَثَرُ نَقْلُ كردن سخن وَمِنْهُ حَدِيثٌ مَأْثُورٌ أَيْ يَنْقُلُهُ خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ [1534] قَوْلُهُ (أَدْرَكَ عُمَرَ وَهُوَ فِي رَكْبٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ يَسِيرُ فِي رَكْبٍ وَفِي مُسْنَدِ يَعْقُوبَ بن شيبة من طريق بن عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ بَيْنَمَا أَنَا رَاكِبٌ أَسِيرُ فِي غَزَاةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهُوَ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا (لِيَحْلِفْ حَالِفٌ بِاللَّهِ أَوْ لِيَسْكُتْ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ الزَّجْرُ عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ وَإِنَّمَا خُصَّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بِالْآبَاءِ لِوُرُودِهِ عَلَى سَبَبِهِ الْمَذْكُورِ أَوْ خُصَّ لِكَوْنِهِ كَانَ غَالِبًا عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا وَيَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ قَوْلُهُ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إِلَّا بِاللَّهِ وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْقَسَمِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَفِيهِ جَوَابَانِ

باب قوله من حلف بغير الله فقد كفر

أَحَدُهُمَا أَنَّ فِيهِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ وَرَبِّ الشَّمْسِ وَنَحْوِهِ الثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِاللَّهِ فَإِذَا أَرَادَ تَعْظِيمَ شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ أَقْسَمَ بِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَعْرَابِيِّ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ فَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ النَّهْيِ أَوْ بِأَنَّهَا كَلِمَةٌ جَارِيَةٌ عَلَى اللِّسَانِ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْحَلِفُ كَمَا جَرَى عَلَى لِسَانِهِمْ عَقْرَى حَلْقَى وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَوْ فِيهِ إِضْمَارُ اسْمِ الرَّبِّ كَأَنَّهُ قَالَ وَرَبِّ أَبِيهِ وَقِيلَ هُوَ خَاصٌّ وَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ عَنْ بعض مشائخه أَنَّهُ قَالَ هُوَ تَصْحِيفٌ وَإِنَّمَا كَانَ وَاللَّهِ قُصِرَتِ اللَّامَانِ وَاسْتَنْكَرَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا وَقَالَ إِنَّهُ يَجْزِمُ الثِّقَةُ بِالرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ وَأَقْوَى الْأَجْوِبَةِ الْأَوَّلَانِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَلِفَ بِغَيْرِ اللَّهِ لَا يَنْعَقِدُ لِأَنَّ النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِنَّ الْحَلِفَ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْعَقِدُ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (باب [1535] قَوْلُهُ (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ) أَوْ أَشْرَكَ) كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِلَفْظِ أَوْ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ نَقْلًا عَنْ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ أَوْ وَقَعَ فِي بَعْضِهَا وَأَشْرَكَ بِالْوَاوِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ نَقْلًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ بِالْوَاوِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالتَّعْبِيرُ بِقَوْلِهِ فَقَدْ كَفَرَ أَوْ أَشْرَكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ يَسْمَعْهُ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ من بن عُمَرَ قَالَ الْحَافِظُ قَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ منصور عنه

قال كنت عند بن عُمَرَ وَرَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِي عبد الرحمن السلمي عن بن عمر انتهى (من قال في حلفه باللات وَالْعُزَّى) صَنَمَانِ مَعْرُوفَانِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ (فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) قَالَ الْحَافِظُ وَإِنَّمَا أَمَرَ الْحَالِفَ بِذَلِكَ بِقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِكَوْنِهِ تَعَاطَى صُورَةَ تَعْظِيمِ الصَّنَمِ حَيْثُ حَلَفَ به قال جمهور العلماء من حلف باللات وَالْعُزَّى أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْأَصْنَامِ أَيْ قَالَ إِنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَنْعَقِدْ يَمِينُهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ إِلَّا فِي مِثْلِ قَوْلِهِ أَنَا مُبْتَدِعٌ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحْتَجَّ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْمُظَاهِرِ مَعَ أَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ وَزُورٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْحَلِفُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُنْكَرٌ وَتُعُقِّبَ بِهَذَا الْخَبَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ إِلَّا الْأَمْرَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَفَّارَةً وَالْأَصْلُ عَدَمُهَا حَتَّى يُقَامَ الدَّلِيلُ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الظِّهَارِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُوجِبُوا فِيهِ كَفَّارَةَ الظِّهَارِ وَاسْتَثْنَوْا أَشْيَاءَ لَمْ يُوجِبُوا فِيهَا كَفَّارَةَ إِصْلَاحٍ مَعَ أَنَّهُ مُنْكَرٌ مِنَ الْقَوْلِ انْتَهَى وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (الرياء شرك) روى بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ يَسِيرَ الرِّيَاءِ شِرْكٌ الْحَدِيثَ وَقَدْ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذِهِ الْآيَةَ (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحا) الْآيَةَ تَمَامُهَا (وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) قَالَ لَا يُرَائِي يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الشِّرْكِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الرِّيَاءُ وَأُطْلِقَ الشِّرْكُ عَلَى الرِّيَاءِ تَغْلِيظًا وَمُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ عَنْهُ

باب في من يحلف بالمشي ولا يستطيع

9 - (باب في من يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ وَلَا يَسْتَطِيعُ) [1536] قَوْلُهُ (عَنْ عِمْرَانَ القطان) هو عمران بن داود بِفَتْحِ الْوَاوِ بَعْدَهَا رَاءٌ أَبُو الْعَوَّامِ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ وَرُمِيَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ قَوْلُهُ (مُرُوهَا فَلْتَرْكَبْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ وَفِيهِ تَعْذِيبُهُ نَفْسَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتْرُكَ الْمَشْيَ وَيَرْكَبَ وَأَمَّا قوله وفي تَعْذِيبُهُ نَفْسَهُ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ الْآتِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعُقْبَةَ بن عامر وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِيمَا يَأْتِي وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُخْتِي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ مَاشِيَةً فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِك شَيْئًا لِتَخْرُجْ رَاكِبَةً وَلْتُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهَا وَالْحَدِيثُ هَذَا سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مَعْنَاهُ [1537] قَوْلُهُ (يُهَادَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بَيْنَ ابْنَيْهِ) أَيْ يَمْشِي بَيْنَ ابْنَيْهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا مِنْ ضَعْفِهِ (فَقَالَ مَا بَالُ هَذَا) أَيْ مَا حَالُ هَذَا الشَّيْخِ (قَالُوا نَذَرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَمْشِيَ) وَلِلنَّسَائِيِّ فِي رِوَايَةٍ

باب في كراهية النذور

نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ (إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ) هَذَا فَاعِلُ الْمَصْدَرِ وَنَفْسَهُ مَفْعُولُهُ (فَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ) أَيْ لِعَجْزِهِ عَنِ الْمَشْيِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالُوا إِذَا نَذَرَتِ الْمَرْأَةُ أَنْ تَمْشِيَ فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ شَاةً) قَدْ وَقَعَ فِي حديث عكرمة عن بن عَبَّاسٍ فِي قِصَّةِ أُخْتِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَلْتَرْكَبْ وَلْتُهْدِ بَدَنَةً وَفِي لَفْظٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَأَمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَرْكَبَ وَتُهْدِيَ هَدْيًا وَقَدْ بسط الكلام ها هنا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فليرجع إلى النيل 0 - (باب في كراهية النذور) [1538] قَوْلُهُ (لَا تَنْذُرُوا) بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا (فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي) أَيْ لَا يَدْفَعُ أَوْ لَا يَنْفَعُ (مِنَ الْقَدَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مِنَ الْقَضَاءِ السَّمَاوِيِّ (شَيْئًا) فَإِنَّ الْمُقَدَّرَ لَا يَتَغَيَّرُ (وإنما يستخرج به) أي يسبب النَّذْرِ (مِنَ الْبَخِيلِ) لِأَنَّ غَيْرَ الْبَخِيلِ يُعْطِي بِاخْتِيَارِهِ بِلَا وَاسِطَةِ النَّذْرِ قَالَ الْقَاضِي عَادَةُ النَّاسِ تَعْلِيقُ النُّذُورِ عَلَى حُصُولِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ فَنَهَى عَنْهُ فَإِنَّ ذَلِكَ فِعْلُ الْبُخَلَاءِ إِذِ السَّخِيُّ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى اسْتَعْجَلَ فِيهِ وَأَتَى بِهِ فِي الْحَالِ وَالْبَخِيلُ لَا تُطَاوِعُهُ نَفْسُهُ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْ يَدِهِ إِلَّا فِي مُقَابَلَةِ عِوَضٍ يُسْتَوْفَى أو لا فَيَلْتَزِمُهُ فِي مُقَابَلَةِ مَا سَيَحْصُلُ لَهُ وَيُعَلِّقُهُ عَلَى جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ وَذَلِكَ لَا يُغْنِي عَنِ الْقَدَرِ شَيْئًا أَيْ نَذْرٍ لَا يَسُوقُ إِلَيْهِ خَيْرًا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ وَلَا يَرُدَّ شَرًّا قُضِيَ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ النَّذْرَ قد يوافق القدر فيخرج من البخيل مالا لَمْ يَكُنْ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَهُ وَقَالَ

الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى نَهْيِهِ عَنِ النَّذْرِ إِنَّمَا هُوَ التَّأَكُّدُ لِأَمْرِهِ وَتَحْذِيرِ التَّهَاوُنِ بِهِ بَعْدَ إِيجَابِهِ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ الزَّجْرَ عَنْهُ حَتَّى يَفْعَلَ لَكَانَ فِي ذَلِكَ إِبْطَالُ حُكْمِهِ وَإِسْقَاطُ لُزُومِ الْوَفَاءِ بِهِ إِذْ صَارَ مَعْصِيَةً وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَعْلَمَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ لَا يَجْلُبُ لَهُمْ فِي الْعَاجِلِ نَفْعًا وَلَا يَصْرِفُ عَنْهُمْ ضُرًّا وَلَا يَرُدُّ شَيْئًا قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فَلَا تَنْذُرُوا عَلَى أَنَّكُمْ تُدْرِكُونَ بِالنَّذْرِ شَيْئًا لَمْ يُقَدِّرِ اللَّهُ لَكُمْ أَوْ تَصْرِفُونَ عَنْ أَنْفُسِكُمْ شَيْئًا جَرَى الْقَضَاءُ بِهِ عَلَيْكُمْ وَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَاخْرُجُوا عَنْهُ بِالْوَفَاءِ فَإِنَّ الَّذِي نَذَرْتُمُوهُ لَازِمٌ لَكُمْ قَالَ الطِّيبِيُّ تَحْرِيرُهُ أَنَّهُ عَلَّلَ النَّهْيَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّ النَّذْرَ لَا يُغْنِي مِنَ الْقَدَرِ وَنَبَّهَ بِهِ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ النَّذْرُ الْمُقَيَّدُ الَّذِي يُعْتَقَدُ أَنَّهُ يُغْنِي عَنِ الْقَدَرِ بِنَفْسِهِ كَمَا زَعَمُوا وَكَمْ نَرَى فِي عَهْدِنَا جَمَاعَةً يَعْتَقِدُونَ ذَلِكَ لِمَا شَاهَدُوا مِنْ غَالِبِ الْأَحْوَالِ حُصُولَ الْمَطَالِبِ بِالنَّذْرِ وَأَمَّا إِذَا نَذَرَ وَاعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الَّذِي يُسَهِّلُ الْأُمُورَ وَهُوَ الضَّارُّ وَالنَّافِعُ وَالنُّذُورُ كَالذَّرَائِعِ وَالْوَسَائِلِ فَيَكُونُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ طَاعَةً وَلَا يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَيْفَ وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ الخيرة من عباده بقوله (يوفون بالنذر) وَ (إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي محررا) وَأَمَّا مَعْنَى وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْبَذْلَ وَالْإِنْفَاقَ فَمَنْ سَمَحَتْ أَرِيحَتُهُ فَذَلِكَ وَإِلَّا فَشَرَعَ النُّذُورَ لِيَسْتَخْرِجَ بِهِ مِنْ مَالِ الْبَخِيلِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ وَلَفْظُهُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن النَّذْرِ وَقَالَ إِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهُوا النَّذْرَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا بَابٌ مِنَ الْعِلْمِ غَرِيبٌ وَهُوَ أَنْ يَنْهَى عَنْ فِعْلِ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فُعِلَ كَانَ وَاجِبًا وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَنُقِلَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ النَّذْرَ مَكْرُوهٌ وَكَذَا عَنِ الْمَالِكِيَّةِ وَجَزَمَ الْحَنَابِلَةُ بِالْكَرَاهَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وروى ذلك عن القاضي

باب وفاء النذر

حسين والتولي وَالْغَزَالِيِّ وَجَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ بِحَمْلِ مَا وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مِنَ النَّهْيِ عَلَى نَذْرِ الْمُجَازَاةِ فَقَالَ هَذَا النَّهْيُ مَحَلُّهُ أَنْ يَقُولَ مَثَلًا إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ لَمَّا وَقَفَ فِعْلَ الْقُرْبَةِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى حُصُولِ الْغَرَضِ الْمَذْكُورِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَتَمَحَّضْ لَهُ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ بَلْ سَلَكَ فِيهَا مَسْلَكَ الْمُعَارَضَةِ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْفِ مَرِيضَهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِمَا عَلَّقَهُ عَلَى شِفَائِهِ وَهَذِهِ حَالَةُ الْبَخِيلِ فَإِنَّهُ لَا يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا إِلَّا بِعِوَضٍ عَاجِلٍ يَزِيدُ عَلَى مَا أَخْرَجَ غَالِبًا وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ قَالَ وَقَدْ يَنْضَمُّ إِلَى هَذَا اعْتِقَادُ جَاهِلٍ يَظُنُّ أَنَّ النَّذْرَ يُوجِبُ حُصُولَ ذَلِكَ الْغَرَضِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْعَلُ مَعَهُ ذَلِكَ الْغَرَضَ لِأَجْلِ ذَلِكَ النَّذْرِ وَإِلَيْهِمَا الْإِشَارَةُ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا وَالْحَالَةُ الْأُولَى تُقَارِبُ الْكُفْرَ وَالثَّانِيَةُ خَطَأٌ صَرِيحٌ قَالَ الْحَافِظُ بَلْ تَقْرُبُ مِنَ الْكُفْرِ ثُمَّ نَقَلَ الْقُرْطُبِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ حَمْلَ النَّهْيِ الْوَارِدِ فِي الْخَبَرِ عَلَى الْكَرَاهَةِ قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ عَلَى التَّحْرِيمِ فِي حَقِّ مَنْ يَخَافُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الِاعْتِقَادَ الْفَاسِدَ فَيَكُونُ إِقْدَامُهُ عَلَى ذَلِكَ مُحَرَّمًا وَالْكَرَاهَةُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ وَيُؤَيِّدُهُ قصة بن عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ عَنِ النَّذْرِ فإنها في نذر المجازاة انتهى 1 - (باب وَفَاءِ النَّذْرِ) [1539] قَوْلُهُ (أَوْفِ بِنَذْرِكَ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وأما حديث بن عباس فأخرجه بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ مِنَ الْكَافِرِ مَتَى أَسْلَمَ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَنْعَقِدُ نَذْرُ الْكَافِرِ وَحَدِيثُ عُمَرَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا عَرَفَ بِأَنَّ عُمَرَ قَدْ تَبَرَّعَ بِفِعْلِ ذَلِكَ أَذِنَ لَهُ بِهِ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ طَاعَةٌ وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْجَوَابِ مِنَ الْمُخَالَفَةِ لِلصَّوَابِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِالْوَفَاءِ اسْتِحْبَابًا لَا وُجُوبًا وَيَرُدُّ بِأَنَّ هَذَا الْجَوَابَ لَا يَصْلُحُ لِمَنِ ادَّعَى عَدَمَ الِانْعِقَادِ انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً عَلَى جَوَازِ الِاعْتِكَافِ بِغَيْرِ صَوْمٍ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ بِوَقْتِ صَوْمٍ وَقَدْ أَمَرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفِيَ بِنَذْرِهِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَوْجَبَهَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ يَوْمًا بَدَلَ لَيْلَةٍ وقد جمع بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ نَذْرَ اعْتِكَافِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَمَنْ أَطْلَقَ لَيْلَةً أَرَادَ بِيَوْمِهَا وَمَنْ أَطْلَقَ يَوْمًا أَرَادَ بِلَيْلَتِهِ وَقَدْ وَرَدَ الْأَمْرُ بِالصَّوْمِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ اعتكف وصم أخرجه أبي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بديل ولكنه ضعيف وقد ذكر بن عَدِيٍّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِذَلِكَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَرِوَايَةُ مَنْ رَوَى يَوْمًا شَاذَّةً وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى نَذْرِهِ شَيْئًا وَأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا صَوْمَ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ حَدٌّ مُعَيَّنٌ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ لَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَعُودَ مَرِيضًا الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَلَا اعْتِكَافَ إِلَّا بِصَوْمٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِي الْحَدِيثِ كَلَامٌ (وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ إِلَخْ) وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْكَلَامِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ لا كما قال بن الْقَيِّمِ إِنَّ الرَّاجِحَ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ السَّلَفِ أَنَّ الصَّوْمَ شَرْطٌ فِي الِاعْتِكَافِ وَقَدْ رُوِيَ عن علي وبن مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ إِلَّا أَنْ يُوجِبَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إِلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ رَفَعَهُ أَبُو بَكْرٍ السُّوسِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يَرْفَعُهُ وَأَخْرَجَهُ الحاكم مرفوعا وقال صحيح الاسناد

باب كيف كان يمين النبي صلى الله عليه وسلم

12 - (باب كَيْفَ كَانَ يَمِينُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [1540] قَوْلُهُ (لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ لَا لِنَفْيِ الْكَلَامِ السَّابِقِ وَمُقَلِّبُ الْقُلُوبِ هُوَ الْمُقْسَمُ بِهِ وَالْمُرَادُ بِتَقْلِيبِ الْقُلُوبِ تَقْلِيبُ أَحْوَالِهَا لَا تَقْلِيبُ ذَوَاتِهَا وَفِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ اللَّهِ بِمَا ثَبَتَ مِنْ صِفَاتِهِ عَلَى وَجْهٍ يَلِيقُ بِهِ قَالَ القاضي أبو بكر بن الْعَرَبِيِّ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْحَلِفِ بِأَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا وَصَفَ بِهَا وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَهُ تَعَالَى وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْقُدْرَةِ وَالْعِلْمِ فَقَالُوا إِنَّ مَنْ حَلَفَ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ وَإِنْ حَلَفَ بِعِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ تَنْعَقِدْ لِأَنَّ الْعِلْمَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْمَعْلُومِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لنا وَالْجَوَابُ أَنَّهُ هُنَا مَجَازٌ إِنْ سَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمَعْلُومُ وَالْكَلَامُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ قَالَ الرَّاغِبُ تَقْلِيبُ اللَّهِ الْقُلُوبَ وَالْأَبْصَارَ صَرْفُهَا عَنْ رَأْيٍ إِلَى رَأْيٍ قَالَ وَيُعَبِّرُ عَنِ الْقَلْبِ عَنِ الْمَعَانِي الَّتِي تَخْتَصُّ بِهِ مِنَ الرُّوحِ وَالْعِلْمِ وَالشَّجَاعَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا مسلما 3 - (باب في ثواب مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً) ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ثَوَابِ الْعِتْقِ ثُمَّ عَقَدَ فِيمَا بَعْدُ بَابًا آخَرَ بِلَفْظِ باب ما جاء في فضل من أعتق وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فَضْلِ الْعِتْقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي هذا تكرار بِلَا فَائِدَةٍ وَلَوْ عَقَدَ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ وَأَوْرَدَ فِيهِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ كَمَا فَعَلَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى لَكَانَ أَحْسَنَ [1541] قَوْلُهُ (عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ) بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ فَاضِلٌ

(عن سعيد بن مرجانة) هو بن عَبْدِ اللَّهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَمَرْجَانَةُ أُمُّهُ حِجَازِيٌّ وزعم الذهلي أنه بن يَسَارٍ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً) هَذَا مُقَيِّدٌ لِبَاقِي الرِّوَايَاتِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ إِلَّا مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً (أَعْتَقَ اللَّهُ) مِنْ بَابِ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمُرَادُ أَنْجَاهُ اللَّهُ (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْمُعْتِقِ بِالْكَسْرِ (بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ وَالْمَعْنَى أَنْجَى اللَّهُ تَعَالَى بِكُلِّ عُضْوٍ مِنَ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ عُضْوًا مِنَ الْمُعْتِقِ بِالْكَسْرِ مِنَ النَّارِ (حَتَّى يُعْتِقَ) أَيِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (فَرْجَهُ) بِالنَّصْبِ أَيْ فَرْجَ الْمُعْتِقِ بِالْكَسْرِ (بِفَرْجِهِ) أَيْ بِفَرْجِ الْمُعْتَقِ بِالْفَتْحِ وَاسْتَشْكَلَهُ بن الْعَرَبِيِّ فَقَالَ الْفَرْجُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ذَنْبٌ يوجب النار إلا الزنى فَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَا يَتَعَاطَى مِنَ الصَّغَائِرِ كَالْمُفَاخَذَةِ لَمْ يَشْكُلْ عِتْقُهُ مِنَ النَّارِ بِالْعِتْقِ وإلا فالزنى كَبِيرَةٌ لَا تُكَفَّرُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ قَالَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ الْعِتْقَ يُرَجَّحُ عِنْدَ الْمُؤَازَاةِ بِحَيْثُ يَكُونُ مُرَجِّحًا لِحَسَنَاتِ الْمُعْتِقِ تَرْجِيحًا يوازي سيئة الزنى انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَلَا اخْتِصَاصَ لِذَلِكَ بِالْفَرْجِ بَلْ يَأْتِي فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَعْضَاءِ كَالْيَدِ فِي الْغَصْبِ مَثَلًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن عائشة وعمرو بن عبسة وبن عَبَّاسٍ وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَأَبِي أُمَامَةَ وَكَعْبِ بْنِ مُرَّةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) وأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ المهملة فأخرجه أبو داود وأما حديث بْنِ عَبَّاسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَسَيَأْتِي وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

باب في الرجل يلطم خادمه

قَوْلُهُ (وَهُوَ مَدِينِيٌّ ثِقَةٌ) قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ مكثر 4 - (باب في الرجل يلطم خادمه) فِي الْقَامُوسِ اللَّطْمُ ضَرْبُ الْخَدِّ وَصَفْحَةِ الْجَسَدِ بِالْكَفِّ مَفْتُوحَةً لَطَمَهُ يَلْطِمُهُ وَفِي الصُّرَاحِ لَطَمَ طابنجه زدن مِنْ بَابِ ضَرَبَ [1542] يَضْرِبُ (مَا لَنَا خَادِمٌ إِلَّا وَاحِدَةٌ) لَفْظُ الْخَادِمِ يُطْلَقُ عَلَى الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ خَدَمَهُ يَخْدِمُهُ وَيَخْدُمُهُ خِدْمَةً فَهُوَ خَادِمٌ وَهِيَ خَادِمٌ وَخَادِمَةٌ (فَأَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُعْتِقَهَا) فِيهِ حَثٌّ عَلَى الرِّفْقِ بِالْمَمَالِيكِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ عِتْقَهُ بِهَذَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَإِنَّمَا هُوَ مَنْدُوبٌ كَفَّارَةُ ذَنْبِهِ فِيهِ وَإِزَالَةُ إِثْمِ ظُلْمِهِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ أَوْ لَطَمَهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ

باب ما جاء في كراهية الحلف بغير ملة الإسلام

15 - (باب ما جاء في كراهية الحلف بغير ملة الإسلام) في بَعْضِ النُّسَخِ بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ وَفِي بَعْضِهَا بَابُ مَا جَاءَ فِيمَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ غَيْرِ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ [1543] قَوْلُهُ (عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ) هُوَ أَبُو يَزِيدَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فِي بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَهُوَ صَغِيرٌ ومات في فتنة بن الزُّبَيْرِ قَوْلُهُ (مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الدِّينُ وَالشَّرِيعَةُ وَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّهُ جَمِيعُ الْمِلَلِ كَالْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَالدَّهْرِيَّةِ وَنَحْوِهَا (غَيْرِ الْإِسْلَامِ) بِالْجَرِّ صِفَةُ مِلَّةٍ (كَاذِبًا) أَيْ فِي حَلِفِهِ (فَهُوَ كَمَا قَالَ) قَالَ فِي الْفَتْحِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْكَلَامِ التَّهْدِيدَ وَالْمُبَالَغَةَ فِي الْوَعِيدِ لَا الْحُكْمَ كَأَنْ قَالَ فَهُوَ مُسْتَحِقٌّ مِثْلَ عَذَابِ مَنِ اعْتَقَدَ مَا قَالَ وَنَظِيرُهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ أَيِ اسْتَوْجَبَ عُقُوبَةَ مَنْ كفر وقال بن الْمُنْذِرِ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فِي نِسْبَتِهِ إِلَى أكفر بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَاذِبٌ كَذِبَ الْمُعَظِّمِ لِتِلْكَ الْجِهَةِ وَقَالَ اخْتُلِفَ فِيمَنْ قَالَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ ونحوه إن فعلت ثم فعل فقال بن عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٌ وَقَتَادَةُ وَجُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ كَافِرًا إِلَّا إِنْ أَضْمَرَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَنَفِيَّةُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ هُوَ يَمِينٌ وَعَلَيْهِ الكفارة قال بن الْمُنْذِرِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من حلف باللات وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ كَفَّارَةً زَادَ غَيْرُهُ وَكَذَا قَالَ مَنْ حَلَفَ بِمِلَّةٍ سِوَى الْإِسْلَامِ فَهُوَ كَمَا قَالَ فَأَرَادَ التَّغْلِيظَ فِي ذَلِكَ حَتَّى لَا يَجْتَرِئَ أحد عليه قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْحَلِفُ بِالشَّيْءِ حَقِيقَةً هُوَ الْقَسَمُ بِهِ وَإِدْخَالُ بَعْضِ حُرُوفِ الْقَسَمِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ وَاللَّهِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى التَّعْلِيقِ بِالشَّيْءِ يَمِينٌ كَقَوْلِهِمْ مَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ فَالْمُرَادُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الْحَلِفَ لِمُشَابَهَتِهِ لِلْيَمِينِ فِي اقْتِضَاءِ الْحِنْثِ أَوِ الْمَنْعِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الْمَعْنَى الثَّانِي لِقَوْلِهِ كَاذِبًا وَالْكَذِبُ يُدْخِلُ الْقَضِيَّةَ الْإِخْبَارِيَّةَ الَّتِي يَقَعُ مُقْتَضَاهَا تَارَةً وَلَا يَقَعُ أُخْرَى وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِنَا وَاللَّهِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَيْسَ الْإِخْبَارُ بِهَا عَنْ أَمْرٍ خَارِجِيٍّ بَلْ هِيَ لِإِنْشَاءِ الْقَسَمِ فَتَكُونُ صُورَةُ الْحَلِفِ هُنَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَتَعَلَّقَ بِالْمُسْتَقْبَلِ كَقَوْلِهِ إِنْ فَعَلَ كَذَا فَهُوَ يَهُودِيٌّ وَالثَّانِي تَتَعَلَّقُ بِالْمَاضِي كَقَوْلِهِ إِنْ كَانَ

كَاذِبًا فَهُوَ يَهُودِيٌّ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا مَنْ لَمْ يَرَ فِيهِ الْكَفَّارَةَ لِكَوْنِهِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ كَفَّارَةً بَلْ جَعَلَ الْمُرَتَّبَ عَلَى كَذِبِهِ قوله فهوكما قَالَ قَالَ وَلَا يَكْفُرُ فِي صُورَةِ الْمَاضِي إِلَّا إِنْ قَصَدَ التَّعْظِيمَ وَفِيهِ خِلَافٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِكَوْنِهِ تَنْجِيزًا مَعْنًى فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ هُوَ يَهُودِيٌّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِذَا كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَمِينٌ لَمْ يَكْفُرْ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنْ يَكْفُرَ بِالْحِنْثِ بِهِ كَفَرَ لِكَوْنِهِ رَضِيَ بِالْكُفْرِ حَيْثُ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ وَقَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ إِذَا كَانَ كَاذِبًا وَالتَّحْقِيقُ التَّفْصِيلُ فَإِنِ اعْتَقَدَ تَعْظِيمَ مَا ذَكَرَ كَفَرَ وَإِنْ قَصَدَ حَقِيقَةَ التَّعْلِيقِ فَيُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ كَفَرَ لِأَنَّ إِرَادَةَ الْكُفْرِ كُفْرٌ وَإِنْ أَرَادَ الْبُعْدَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكْفُرْ لَكِنْ هَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَوْ يُكْرَهُ تَنْزِيهًا الثَّانِي هُوَ الْمَشْهُورُ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ 6 - بَاب [1544] قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الضَّمْرِيِّ مَوْلَاهُمُ الْإِفْرِيقِيُّ صَدُوقٌ يخطىء مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الرُّعَيْنِيِّ) بِرَاءٍ مَضْمُومَةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا اسْمُهُ جُعْثُلٌ بِضَمِّ الجيم والمثلثة بينهما مهملة ساكنة بن هَاعَانَ بِتَقْدِيمِ الْهَاءِ الْقِتْبَانِيُّ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ الْمِصْرِيُّ صَدُوقٌ فَقِيهٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْيَحْصَبِيِّ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مِصْرِيٌّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ

قَوْلُهُ (إِلَى الْبَيْتِ) أَيْ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ (حَافِيَةً) أَيْ غَيْرَ مُنْتَعِلَةٍ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَصْنَعُ بِشَقَاءِ أُخْتِكَ) بِفَتْحِ الشِّينِ أَيْ بِتَعَبِهَا وَمَشَقَّتِهَا (شَيْئًا) أَيْ مِنَ الصُّنْعِ فَإِنَّهُ مُنَزَّهٌ مِنْ رَفْعِ الضَّرَرِ وَجَلْبِ النَّفْعِ (فَلْتَرْكَبْ وَلْتَخْتَمِرْ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ لِتَمْشِ وَلْتَرْكَبْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّاذِرَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنْ تَرْكَبَ جَزْمًا وَأَمَرَ أُخْتَ عُقْبَةَ أَنْ تَمْشِيَ وَأَنْ تَرْكَبَ لِأَنَّ النَّاذِرَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ شَيْخًا ظَاهِرَ الْعَجْزِ وَأُخْتُ عُقْبَةَ لَمْ تُوصَفْ بِالْعَجْزِ فَكَأَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَمْشِيَ إِنْ قَدَرَتْ وَتَرْكَبَ إِنْ عَجَزَتِ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ أَنَسٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَافِظُ قَدْ مَرَّ فِي بَابِ مَنْ يَحْلِفُ بِالْمَشْيِ ولا يستطيع

باب في فضل من أعتق

17 - (باب قضاء النذر عن الميت) [1546] قوله (اقض عَنْهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَضَاءِ الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَنِ الْمَيِّتِ وَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ مَالِيٌّ فَإِنَّهُ يَجِبُ قَضَاؤُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ إِلَّا إِنْ وَقَعَ النَّذْرُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَيَكُونُ مِنَ الثُّلُثِ وَشَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ مُطْلَقًا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ اخْتَلَفُوا فِي نَذْرِ أُمِّ سَعْدٍ هَذَا فَقِيلَ كَانَ نَذْرًا مُطْلَقًا وَقِيلَ كَانَ صَوْمًا وَقِيلَ عِتْقًا وَقِيلَ صَدَقَةً وَاسْتَدَلَّ كُلُّ قَائِلٍ بِأَحَادِيثَ جَاءَتْ فِي قَضِيَّةِ أُمِّ سَعْدٍ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ نَذْرًا فِي الْمَالِ أَوْ نَذْرًا مُبْهَمًا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْوَارِثَ لَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ النَّذْرِ الْوَاجِبِ عَلَى الْمَيِّتِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مَالِيٍّ وَإِذَا كَانَ مَالِيًّا كَكَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ زَكَاةٍ وَلَمْ يَخْلُفْ تَرِكَةً لَا يَلْزَمُهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ يَلْزَمُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّبَرُّعِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح) أصله في الصحيحين 8 - (باب فِي فَضْلِ مَنْ أَعْتَقَ) [1547] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ) الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ (عَنْ حصين بالتصغير) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُ أَبُو الْهُذَيْلِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ فِي الْآخِرِ قَوْلُهُ (أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَجْرَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ كَانَ مِنَ الْمُعْتَقِينَ مُسْلِمًا

فَلَا أَجْرَ لِلْكَافِرِ فِي عِتْقِهِ إِلَّا إِذَا انْتَهَى أَمْرُهُ إِلَى الْإِسْلَامِ (أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَجْرَ مُخْتَصٌّ بِمَنْ أَعْتَقَ امْرَأً مُسْلِمًا وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ مُعْتِقَ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ مُثَابٌ عَلَى الْعِتْقِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ كَثَوَابِ الرَّقَبَةِ الْمُسْلِمَةِ (كَانَ فَكَاكُهُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَةً أَيْ خَلَاصُهُ (يُجْزِئُ) بِالْهَمْزَةِ مِنَ الْإِجْزَاءِ كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى هَذَا الْحَدِيثَ وَعَزَاهُ إِلَى الترمذي بلفظ يجزئ بِغَيْرِ الْهَمْزَةِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُنْتَقَى قوله يجزئ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ نُسَخَ التِّرْمِذِيِّ مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا اللَّفْظِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِتْقَ مِنَ الْقُرَبِ الْمُوجِبَةِ لِلسَّلَامَةِ مِنَ النَّارِ وَأَنَّ عِتْقَ الذَّكَرِ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْأُنْثَى وَقَدْ ذَهَبَ الْبَعْضُ إِلَى تَفْضِيلِ عِتْقِ الْأُنْثَى عَلَى الذَّكَرِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ عِتْقَهَا يَسْتَلْزِمُ حُرِّيَّةَ وَلَدِهَا سَوَاءٌ تَزَوَّجَهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ وَمُجَرَّدُ هَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ لَا يَصْلُحُ لِمُعَارَضَةِ مَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ فِكَاكِ الْمُعْتَقِ إِمَّا رَجُلًا أَوِ امْرَأَتَيْنِ وَأَيْضًا عِتْقُ الْأُنْثَى رُبَّمَا أَفْضَى فِي الْغَالِبِ إِلَى ضَيَاعِهَا لِعَدَمِ قُدْرَتِهَا عَلَى التَّكَسُّبِ بِخِلَافِ الذَّكَرِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَفِي قَوْلِهِ أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ عُضْوًا مِنْهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَلَّا يَكُونَ فِي الرَّقَبَةِ نُقْصَانٌ لِتَحْصِيلِ الِاسْتِيعَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَلِأَحْمَدَ وَلِأَبِي دَاوُدَ مَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ أَوْ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ السُّلَمِيِّ وَزَادَ فِيهِ وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً مُسْلِمَةً كَانَتْ فِكَاكَهَا من النار يجزئ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهَا

19 - أبواب السير

19 - أبواب السِّيَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّيَرُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ جَمْعُ سِيرَةٍ وَأَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَى أَبْوَابِ الْجِهَادِ لِأَنَّهَا مُتَلَقَّاةٌ مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في غزواته (بَاب مَا جَاءَ فِي الدَّعْوَةِ قَبْلَ الْقِتَالِ) [1548] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُثَنَّاةِ بَيْنَهُمَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ فَيْرُوزَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ الطَّائِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فِيهِ تَشَيُّعٌ قَلِيلٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ مِنَ الثَّالِثَةِ (أَلَّا نَنْهَدَ إِلَيْهِمْ) أَيْ لَا نَنْهَضَ إِلَيْهِمْ (قَالَ دَعُونِي) أَيِ اتْرُكُونِي (أَدْعُوهُمْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُمْ) أَيْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَبَوْا فَإِلَى إِعْطَاءِ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ فَإِنْ أَبَوْا فَإِلَى الْقِتَالِ (فَإِنْ أَسْلَمْتُمْ فَلَكُمْ مِثْلُ الَّذِي لَنَا) أَيْ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ (وَعَلَيْكُمْ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْنَا) أَيْ مِنْ أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْحُدُودِ وَنَحْوِهَا (وَأَعْطَوْنَا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ) حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ أَيْ عَنْ يَدٍ مُوَاتِيَةٍ بِمَعْنَى مُنْقَادِينَ أَوْ عَنْ يَدِكُمْ بِمَعْنَى مسلمينبأيديكم غَيْرَ بَاعِثِينَ بِأَيْدِي غَيْرِكُمْ أَوْ عَنْ غِنًى

وَلِذَلِكَ لَا تُؤْخَذُ مِنَ الْفَقِيرِ أَوْ حَالٌ مِنَ الْجِزْيَةِ بِمَعْنَى نَقْدًا مُسَلَّمَةً عَنْ يَدٍ إِلَى يَدٍ أَوْ عَنْ إِنْعَامٍ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ إِبْقَاءَكُمْ بِالْجِزْيَةِ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ (وَأَنْتُمْ صَاغِرُونَ) حَالٌ ثَانٍ مِنَ الضَّمِيرِ أَيْ ذَلِيلُونَ (وَرَطَنَ إِلَيْهِمْ بِالْفَارِسِيَّةِ) أَيْ تَكَلَّمَ فِيهَا (وَإِنْ أَبَيْتُمْ نَابَذْنَاكُمْ عَلَى سَوَاءٍ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ كَاشَفْنَاكُمْ وَقَاتَلْنَاكُمْ عَلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ مُسْتَوٍ فِي الْعِلْمِ بِالْمُنَابَذَةِ مِنَّا وَمِنْكُمْ بِأَنْ نُظْهِرَ لَهُمُ الْعَزْمَ عَلَى قِتَالِهِمْ وَنُخْبِرَهُمْ بِهِ إِخْبَارًا مَكْشُوفًا وَالنَّبْذُ يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فِي الْأَجْسَامِ وَالْمَعَانِي وَمِنْهُ نَبَذَ الْعَهْدَ إِذَا أَنْقَضَهُ وَأَلْقَاهُ إِلَى مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ النُّعْمَانِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أخرجه وأما حديث بن عمر فأخرجه مسلم وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمًا قَطُّ إِلَّا دَعَاهُمْ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ سَلْمَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَرَأَوْا أَنْ يُدْعَوْا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيِ الْعَدُوِّ (وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) يَعْنِي إِسْحَاقَ بْنَ رَاهُوَيْهِ (وَأَنْ تُقَدَّمَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّقَدُّمِ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا دَعْوَةَ الْيَوْمَ

باب في البيات والغارات

إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى اشْتِرَاطِ الدُّعَاءِ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِتَالِ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي بَدْءِ الْأَمْرِ قَبْلَ انْتِشَارِ دَعْوَةِ الْإِسْلَامِ فَإِنْ وُجِدَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ لَمْ يُقَاتَلْ حَتَّى يُدْعَى نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ قُوتِلَ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ لِاشْتِهَارِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ بَعُدَتْ دَارُهُ فَالدَّعْوَةُ أَقْطَعُ لِلشَّكِّ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَالَ كُنَّا نَدْعُو وَنَدَعُ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ مُنَزَّلٌ عَلَى الْحَالَيْنِ المتقدمين انتهى باب [1549] قَوْلُهُ (إِذَا رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا أَوْ سَمِعْتُمْ مُؤَذِّنًا) أَيْ إِذَا حَقَّقْتُمْ عَلَامَةً فِعْلِيَّةً أَوْ قَوْلِيَّةً مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ (فَلَا تَقْتُلُوا أَحَدًا) أَيْ حَتَّى تُمَيِّزُوا الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (بَابُ في البيات والغارات) جَمْعِ الْغَارَةِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ تَبْيِيتُ الْعَدُوِّ أَنْ يُقْصَدَ فِي اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ فَيُؤْخَذَ

بَغْتَةً وَهُوَ الْبَيَاتُ انْتَهَى وَقَالَ فِيهِ أَغَارَ أَيْ هَجَمَ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ وَالْغَارَةُ اسم من الاغارة [1550] قَوْلُهُ (وَكَانَ إِذَا جَاءَ بِقَوْمٍ لَيْلًا لَمْ يَغُرْ عَلَيْهِمْ) مِنَ الْإِغَارَةِ (حَتَّى يُصْبِحَ) لِيَعْرِفَ بِالْأَذَانِ أَنَّهُ بِلَادُ الْإِسْلَامِ فَيُمْسِكُ أَوْ أَنَّهُ مِنْ بِلَادِ الْكُفَّارِ فَيُغِيرُ (خَرَجَتْ يَهُودُ بِمَسَاحِيهِمْ) جَمْعُ مِسْحَاةٍ وَهِيَ الْمِجْرَفَةُ مِنَ الْحَدِيدِ وَمِيمُهُ زَائِدَةٌ مِنَ السَّحْوِ بِمَعْنَى الْكَشْفِ وَالْإِزَالَةِ لِمَا يُكْشَفُ بِهِ الطِّينُ عَنْ وَجْهِ الْأَرْضِ (وَمَكَاتِلِهِمْ) جَمْعُ مِكْتَلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الزِّنْبِيلُ الْكَبِيرُ (قَالُوا مُحَمَّدٌ) أَيْ هَذَا مُحَمَّدٌ أَوْ جَاءَ مُحَمَّدٌ (وَافَقَ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ الْخَمِيسَ) بِالنَّصْبِ وَالْمَعْنَى جَاءَ مُحَمَّدٌ مَعَ الْخَمِيسِ وَهُوَ الْجَيْشُ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ مُقَسَّمٌ خَمْسَةً الْمُقَدِّمَةُ وَالسَّاقَةُ وَالْمَيْمَنَةُ وَالْمَيْسَرَةُ وَالْقَلْبُ (خَرِبَتْ خَيْبَرُ) خَبَرًا أَوْ دُعَاءً (إِنَّا) أَيْ مَعْشَرَ الْإِسْلَامِ أَوْ مَعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَإِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانٌ لِمُوجِبِ خَرَابِ خَيْبَرَ وَقَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ فِيهِ مَعْنَى التَّعَجُّبِ من أنه تعالى قدر نزوله بساحتهم بعد ما أنذروا أثم أَصْبَحَهُمْ وَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ ذَلِكَ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ السَّاحَةُ الْفَضَاءُ وَأَصْلُهَا الْفَضَاءُ بَيْنَ الْمَنَازِلِ (فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيِ الْكُفَّارِ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ بِئْسَ صَبَاحُهُمْ لِنُزُولِ عَذَابِ اللَّهِ بِالْقَتْلِ وَالْإِغَارَةِ عَلَيْهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا وَفِيهِ اقْتِبَاسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ [1551] قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ) أَيْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ (أَقَامَ بِعَرْصَتِهِمْ) الْعَرْصَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَيْنَهُمَا هِيَ الْبُقْعَةُ الْوَاسِعَةُ بِغَيْرِ بِنَاءٍ مِنْ دَارٍ وَغَيْرِهَا (ثَلَاثًا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثَلَاثَ لَيَالٍ قَالَ الْمُهَلَّبُ حِكْمَةُ الْإِقَامَةِ لِإِرَاحَةِ الظَّهْرِ وَالْأَنْفُسِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحِلَّهُ إِذَا كَانَ فِي أَمْنٍ مِنْ عَدُوٍّ طَارِقٍ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثٍ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ إقامة وقال بن الْجَوْزِيِّ إِنَّمَا كَانَ يُقِيمُ لِيُظْهِرَ تَأْثِيرَ الْغَلَبَةِ وَتَنْفِيذَ الْأَحْكَامِ وَقِلَّةَ الِاحْتِفَالِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ مَنْ كَانَتْ فِيهِ قُوَّةٌ مِنْكُمْ فَلْيَرْجِعْ

باب في التحريق والتخريب

إلينا وقال بن الْمُنِيرِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ تَقَعَ ضِيَافَةُ الْأَرْضِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا الْمَعَاصِي بِإِيقَاعِ الطاعة فيها بذكر الله وإظهار شعار الْمُسْلِمِينَ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الضِّيَافَةِ نَاسَبَ أَنْ يُقِيمَ عَلَيْهَا ثَلَاثًا لِأَنَّ الضِّيَافَةَ ثَلَاثَةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَحَدِيثُ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (بَاب فِي التَّحْرِيقِ وَالتَّخْرِيبِ) [1552] قَوْلُهُ (حَرَّقَ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ (نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَّعَ) أَيْ أَمَرَ بِتَحْرِيقِ نَخْلِهِمْ وَقَطْعِهَا وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَقِصَّتُهُمْ مَشْهُورَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ السِّيَرِ كَالْمَوَاهِبِ وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَشْرِ كَالْبَغَوِيِّ (وَهِيَ الْبُوَيْرَةُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ مَوْضِعُ نَخْلٍ لِبَنِي النَّضِيرِ (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لينة) أَيْ أَيِّ شَيْءٍ قَطَعْتُمْ مِنْ نَخْلِهِ (أَوْ تركتموها) الضَّمِيرُ لِمَا وَتَأْنِيثُهُ لِأَنَّهُ مُفَسَّرٌ بِاللِّينَةِ (قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا) أي لم تقطعوها (فبإذن الله) أَيْ فَبِأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ الْمُقْتَضِي لِلْمَصْلَحَةِ وَالْحِكْمَةِ (وَلِيُخْزِيَ الفاسقين) أَيْ وَفَعَلْتُمْ أَوْ أَذِنَ لَكُمْ فِي الْقَطْعِ بِهِمْ لِيَجْزِيَهُمْ عَلَى فِسْقِهِمْ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ هَدْمِ دِيَارِ الْكُفَّارِ وَقَطْعِ أَشْجَارِهِمْ زِيَادَةً لِغَيْظِهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ اللِّينَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ هِيَ أَنْوَاعُ التَّمْرِ كُلِّهَا إِلَّا الْعَجْوَةَ وَقِيلَ كِرَامُ النَّخْلِ وَقِيلَ كُلُّ النَّخْلِ وَقِيلَ كُلُّ الْأَشْجَارِ وَقِيلَ إِنَّ أَنْوَاعَ نَخْلِ الْمَدِينَةِ مِائَةٌ وعشرون نوعا

قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) لِيُنْظَرَ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا إِلَخْ) قال القارىء وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ قَطْعِ شَجَرِ الْكُفَّارِ وَإِحْرَاقِهِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ قال بن الْهُمَامِ يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ كَبْتُ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَكَسْرُ شَوْكَتِهِمْ وَبِذَلِكَ هَذَا يَحْصُلُ ذَلِكَ فَيَفْعَلُونَ مَا يُمَكِّنُهُمْ مِنَ التَّحْرِيقِ وَقَطْعِ الْأَشْجَارِ وَإِفْسَادِ الزَّرْعِ لَكِنْ إِذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ مَأْخُوذُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ مَغْلُوبُونَ وَأَنَّ الْفَتْحَ بَادٍ كُرِهَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَمَا أُبِيحَ إِلَّا لَهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ ونهى أبو بكر الصديق أَنْ يَقْطَعَ شَجَرًا مُثْمِرًا أَوْ يُخَرِّبَ عَامِرًا وَعَمِلَ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى جَوَازِ التَّحْرِيقِ وَالتَّخْرِيبِ فِي بِلَادِ الْعَدُوِّ وَكَرِهَهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَاحْتَجُّوا بِوَصِيَّةِ أَبِي بَكْرٍ لِجُيُوشِهِ أَلَّا يَفْعَلُوا أَشْيَاءَ مِنْ ذَلِكَ وَأَجَابَ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَصْدِ لِذَلِكَ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَصَابُوا ذَلِكَ فِي خِلَالِ الْقِتَالِ كَمَا وَقَعَ فِي نَصْبِ الْمَنْجَنِيقِ عَلَى الطَّائِفِ وَهُوَ نَحْوُ مَا أَجَابَ بِهِ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَنَحْوُ ذَلِكَ الْقَتْلُ بِالتَّغْرِيقِ وَقَالَ غَيْرُهُ إِنَّمَا نَهَى أَبُو بَكْرٍ جُيُوشَهُ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ تِلْكَ الْبِلَادَ سَتُفْتَحُ فَأَرَادَ إِبْقَاءَهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَالَ أَحْمَدُ وَقَدْ تَكُونُ فِي مَوَاضِعَ لَا يَجِدُونَ مِنْهُ بُدًّا) الْمَعْنَى أَنَّ الْجُيُوشَ قَدْ يَحْتَاجُونَ إِلَى التَّحْرِيقِ وَالتَّخْرِيبِ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ بُدٌّ مِنْ ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ (فَأَمَّا بِالْعَبَثِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ (فَلَا تُحْرَقُ) وَكَذَا لَا تُخَرَّبُ (إِذَا كَانَ أَنْكَى فِيهِمْ) أَنْكَى أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مِنَ النِّكَايَةِ قَالَ فِي

باب ما جاء في الغنيمة

الْقَامُوسِ نَكَى الْعَدُوَّ وَفِيهِ نِكَايَةٌ قَتَلَ وَجَرَحَ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ نِكَايَة جراحت كردن وبد سكاليدن وكشتن دشمن رامن بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ (باب مَا جَاءَ فِي الْغَنِيمَةِ) [1553] قَوْلُهُ (عَنْ سَيَّارٍ) بِمُهْمَلَةٍ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ مُشَدَّدَةٌ وَآخِرُهُ رَاءٌ قَوْلُهُ (أَوْ قَالَ أُمَّتِي عَلَى الْأُمَمِ) أَوْ لِلشَّكِّ أَيْ إِمَّا قَالَ فَضَلَّنِي عَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَوْ قَالَ فَضَّلَ أُمَّتِي عَلَى الْأُمَمِ (وَأَحَلَّ لَنَا الْغَنَائِمَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ مَنْ تَقَدَّمَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الْجِهَادِ فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ مَغَانِمُ وَمِنْهُمْ مَنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ لَكِنْ كَانُوا إِذَا غَنِمُوا أَشْيَاءَ لَمْ يَحِلَّ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوهُ وَجَاءَتْ نَارٌ فَأَحْرَقَتْهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ خَصَّ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْغَنِيمَةِ يَصْرِفُهَا كَيْفَ شَاءَ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَهُوَ إِنْ مَضَى لَمْ تَحِلَّ لَهُمُ الْغَنَائِمُ أَصْلًا قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي ذَرٍّ وعبد الله بن عمرو وأبي موسى وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِأَسَانِيدَ حِسَانٍ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي كِتَابِ التَّيَمُّمِ تَحْتَ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِمَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) تَفَرَّدَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (وَسَيَّارٌ هَذَا يُقَالُ لَهُ سَيَّارٌ مَوْلَى بَنِي مُعَاوِيَةَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ تَابِعِيٌّ شَامِيٌّ أَخْرَجَ له الترمذي وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَيَّارٌ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمُ الدِّمَشْقِيُّ قَدِمَ الْبَصْرَةَ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قِيلَ اسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ

قَوْلُهُ (فُضِّلْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّفْضِيلِ (عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ) أَيْ بِسِتِّ خِصَالٍ (أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ) قَالَ الْحَافِظُ جَوَامِعُ الْكَلِمِ الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ تَقَعُ فِيهِ الْمَعَانِي الْكَثِيرَةُ بِالْأَلْفَاظِ الْقَلِيلَةِ وَكَذَلِكَ يَقَعُ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ الْكَثِيرُ مِنْ ذَلِكَ انتهى وقال بن رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ مَا لَفْظُهُ جَوَامِعُ الْكَلِمِ الَّتِي خُصَّ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا مَا هُوَ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عن الفحشاء والمنكر والبغي) قَالَ الْحَسَنُ لَمْ تَتْرُكْ هَذِهِ الْآيَةُ خَيْرًا إِلَّا أَمَرَتْ بِهِ وَلَا شَرًّا إِلَّا نَهَتْ عَنْهُ وَالثَّانِي مَا هُوَ فِي كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنْتَشِرٌ مَوْجُودٌ فِي السُّنَنِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهى (ونصرت بالرعب) زاد أبي أُمَامَةَ يُقْذَفُ فِي قُلُوبِ أَعْدَائِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ قَالَ الْحَافِظُ مَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لِغَيْرِهِ النَّصْرُ بِالرُّعْبِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ وَلَا فِي أَكْثَرَ مِنْهَا أَمَّا مَا دُونَهَا فَلَا لَكِنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ فَالظَّاهِرُ اختصاصه به مطلقا وإنما جعل الغاية منها شَهْرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ بَلَدِهِ وَبَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَعْدَائِهِ أَكْثَرُ مِنْهُ وَهَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ حَاصِلَةٌ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ حَتَّى لَوْ كَانَ وَحْدَهُ بِغَيْرِ عَسْكَرٍ وَهَلْ هِيَ حَاصِلَةٌ لِأُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ فِيهِ احْتِمَالٌ انْتَهَى (وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ) زَادَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي (وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا) أَيْ مَوْضِعَ سُجُودٍ لَا يَخْتَصُّ السُّجُودُ مِنْهَا بِمَوْضِعٍ دُونَ غَيْرِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا عَنِ الْمَكَانِ الْمَبْنِيِّ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَتِ الصَّلَاةُ فِي جَمِيعِهَا كَانَتْ كَالْمَسْجِدِ فِي ذَلِكَ قَالَ بن التَّيْمِيِّ قِيلَ الْمُرَادُ جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَجُعِلَتْ لِغَيْرِي مَسْجِدًا وَلَمْ تُجْعَلْ لَهُ طَهُورًا لِأَنَّ عِيسَى كَانَ يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ وَيُصَلِّي حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَسَبَقَهُ إِلَى ذَلِكَ الداؤدي وَقِيلَ إِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ فِي مَوْضِعٍ تَيَقَّنُوا طَهَارَتَهُ بِخِلَافِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَأُبِيحَ لَهَا فِي جَمِيعِ الْأَرْضِ إِلَّا فِيمَا تَيَقَّنُوا نَجَاسَتَهُ قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَظْهَرُ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ أَنَّ مَنْ قَبْلَهُ إِنَّمَا أُبِيحَتْ لَهُمُ الصَّلَاةُ فِي أَمَاكِنَ مَخْصُوصَةٍ كَالْبِيَعِ وَالصَّوَامِعِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِلَفْظِ وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَهَذَا نَصٌّ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ فَثَبَتَتِ الْخُصُوصِيَّةُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ البزار من حديث بن عَبَّاسٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَفِيهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَحَدٌ يُصَلِّي حَتَّى يَبْلُغَ مِحْرَابَهُ (وَطَهُورًا) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الطَّهُورَ هُوَ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ

باب في سهم الخيل

الطَّهُورَ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّاهِرَ لَمْ تَثْبُتِ الْخُصُوصِيَّةُ وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا سِيقَ لِإِثْبَاتِهَا وَقَدْ روى بن المنذر وبن الْجَارُودِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا جُعِلَتْ لِيَ كُلُّ الْأَرْضِ طَيِّبَةً مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَمَعْنَى طَيِّبَةً طَاهِرَةً فَلَوْ كَانَ مَعْنَى طَهُورًا طَاهِرًا لَلَزِمَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ (وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً قَالَ الْحَافِظُ وَلَا يُعْتَرَضُ بِأَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَبْعُوثًا إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ الطُّوفَانِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا مَعَهُ وَقَدْ كَانَ مُرْسَلًا إِلَيْهِمْ لِأَنَّ هَذَا الْعُمُومَ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ بَعْثَتِهِ وَإِنَّمَا اتَّفَقَ بِالْحَادِثِ الَّذِي وَقَعَ وَهُوَ انْحِصَارُ الْخَلْقِ فِي الْمَوْجُودِينَ بَعْدَ هَلَاكِ سَائِرِ النَّاسِ وَأَمَّا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعُمُومُ رِسَالَتِهِ مِنْ أَصْلِ الْبَعْثَةِ فَثَبَتَ اخْتِصَاصُهُ بِذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ أَهْلِ الْمَوْقِفِ لِنُوحٍ كَمَا صَحَّ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ أَنْتَ أَوَّلُ رَسُولٍ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ عُمُومَ بَعْثَتِهِ بَلْ إِثْبَاتُ أَوَّلِيَّةِ إِرْسَالِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِتَنْصِيصِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي عِدَّةِ آيَاتٍ عَلَى أَنَّ إِرْسَالَ نُوحٍ كَانَ إِلَى قَوْمِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَى غَيْرِهِمْ (وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ) فَلَا نَبِيَّ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (بَاب فِي سَهْمِ الْخَيْلِ) [1554] قَوْلُهُ (قَسَّمَ فِي النَّفَلِ) أَيْ فِي الْغَنِيمَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ النَّفَلُ بِالتَّحْرِيكِ الْغَنِيمَةُ وَجَمْعُهُ أَنْفَالٌ (وَلِلرَّجُلِ بِسَهْمٍ) الْمُرَادُ مِنَ الرَّجُلِ صَاحِبُ الْفَرَسِ وَالْمَعْنَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْفَارِسَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ أَسْهَمَ لِلرَّجُلِ وَلِفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ وَفِي لَفْظٍ أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّجُلِ سَهْمًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ وبن عباس وبن أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ) أَمَّا حَدِيثُ مُجَمِّعٍ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ الْمُشَدَّدَةِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ قُسِّمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ فَقَسَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فِيهِمْ ثَلَاثَةُ مِائَةِ فَارِسٍ فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ إِنَّ حديث بن عُمَرَ أَصَحُّ قَالَ وَأَتَى الْوَهْمُ فِي حَدِيثِ مُجَمِّعٍ أَنَّهُ قَالَ ثَلَاثُ مِائَةِ فَارِسٍ وَإِنَّمَا كانوا مائتي فارس وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَمَ لِمِائَتَيْ فَرَسٍ بخيبر سهمين سهمين وأما حديث بن أَبِي عَمْرَةَ عَنْ أَبِيهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ أَتَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَمَعَنَا فَرَسٌ فَأَعْطَى كُلَّ إِنْسَانٍ مِنَّا سَهْمًا وَأَعْطَى الْفَرَسَ سَهْمَيْنِ وَاسْمُ هَذَا الصَّحَابِيِّ عَمْرُو بْنُ مُحْسِنٍ كذا في المنتقى قوله (وحديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَلَهُ أَلْفَاظٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (قَالُوا لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ صَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أبي شيبة عن أبي أسامة وبن نُمَيْرٍ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِلَفْظِ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَأَجَابَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ بِسَبَبِ فَرَسِهِ سَهْمَيْنِ غَيْرَ سَهْمِهِ الْمُخْتَصِّ به وقد رواه بن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ وَمُسْنَدِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فقال للفرس وكذلك أخرجه بن أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ لَهُ عَنِ بن أَبِي شَيْبَةَ وَكَأَنَّ الرَّمَادِيَّ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى وَقَدْ أخرجه أحمد عن أبي أسامة وبن نُمَيْرٍ مَعًا بِلَفْظِ أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ وَعَلَى هَذَا التأويل

باب ما جاء في السرايا

أَيْضًا يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ عن بن الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ مِثْلَ رِوَايَةِ الرَّمَادِيِّ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ نُعَيْمٍ عَنِ بن الْمُبَارَكِ بِلَفْظِ أَسْهَمَ لِلْفَرَسِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَيْضًا بحديث مجمع بْنِ جَارِيَةَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ وَفِيهِ فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ وَالرَّاجِلَ سَهْمًا وَأَجَابَ عَنْهُ الْحَافِظُ بِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفًا وَلَوْ ثَبَتَ يُحْمَلُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ أَوْلَى وَلَا سِيَّمَا وَالْأَسَانِيدُ الْأُولَى أَثْبَتُ وَمَعَ رُوَاتِهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِكُلِّ إِنْسَانٍ سَهْمًا فَكَانَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ لَهُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ سَهْمَيْنِ لِفَرَسِهِ وَسَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِقَرَابَتِهِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِدَلَائِلَ أُخْرَى لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا عَنْ كَلَامٍ قَادِحٍ لِلِاسْتِدْلَالِ (باب مَا جَاءَ فِي السَّرَايَا) جَمْعُ السَّرِيَّةِ وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنَ الْجَيْشِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ السَّرِيَّةُ هِيَ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَيْشِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعَ مِائَةٍ تُبْعَثُ إِلَى الْعَدُوِّ وَجَمْعُهَا السَّرَايَا سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ خُلَاصَةَ الْعَسْكَرِ وَخِيَارَهُمْ مِنَ الشَّيْءِ السَّرِيِّ النَّفِيسِ [1555] قَوْلُهُ (خَيْرُ الصَّحَابَةِ) بِالْفَتْحِ جَمْعُ صَاحِبٍ وَلَمْ يُجْمَعْ فَاعِلٌ عَلَى فَعَالَةٍ غَيْرَ هَذَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ (أَرْبَعَةٌ) أَيْ مَا زَادَ عَنْ ثَلَاثَةٍ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الْمُسَافِرُ لَا يَخْلُو عَنْ رَحْلٍ يَحْتَاجُ إِلَى حِفْظِهِ وَعَنْ حَاجَةٍ يَحْتَاجُ إِلَى التَّرَدُّدِ فِيهَا وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً لَكَانَ الْمُتَرَدِّدُ وَاحِدًا فَيَبْقَى بِلَا رَفِيقٍ فَلَا يَخْلُو عَنْ خَطَرٍ وَضِيقِ قَلْبٍ لِفَقْدِ الْأَنِيسِ وَلَوْ تَرَدَّدَ اثْنَانِ كَانَ الْحَافِظُ وَحْدَهُ قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي الرُّفَقَاءَ إِذَا كَانُوا أَرْبَعَةً خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً لِأَنَّهُمْ إِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً وَمَرِضَ أَحَدُهُمْ وَأَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ أَحَدَ رَفِيقَيْهِ وَصِيَّ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَشْهَدُ بِإِمْضَائِهِ إِلَّا وَاحِدٌ فَلَا يَكْفِي وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً كَفَى شَهَادَةُ اثْنَيْنِ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ إِذَا كَانُوا أَكْثَرَ يَكُونُ مُعَاوَنَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا أَتَمَّ وَفَضْلُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أيضا

باب من يعطي الفيء

أَكْثَرُ فَخَمْسَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَكَذَا كُلُّ جَمَاعَةٍ خَيْرٌ مِمَّنْ هُوَ أَقَلُّ مِنْهُمْ لَا مِمَّنْ فَوْقَهُمْ (وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَلَا يُغْلَبُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَا يَصِيرُ مَغْلُوبًا (اِثْنَا عَشَرَ أَلْفًا) قَالَ الطِّيبِيُّ جَمِيعُ قَرَائِنِ الْحَدِيثِ دَائِرَةٌ عَلَى الْأَرْبَعِ وَاثْنَا عَشَرَ ضِعْفَا أَرْبَعٍ وَلَعَلَّ الْإِشَارَةَ بِذَلِكَ إِلَى الشِّدَّةِ وَالْقُوَّةِ وَاشْتِدَادِ ظَهْرَانَيْهِمْ تَشْبِيهًا بِأَرْكَانِ الْبِنَاءِ وَقَوْلُهُ مِنْ قِلَّةٍ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ صَارُوا مَغْلُوبِينَ لَمْ يَكُنْ لِلْقِلَّةِ بَلْ لِأَمْرٍ آخَرَ سِوَاهَا وَإِنَّمَا لَمْ يَكُونُوا قَلِيلِينَ وَالْأَعْدَاءُ مِمَّا لَا يُعَدُّ وَلَا يُحْصَى كُلُّ أَحَدٍ فَعَنْ هَذِهِ الْأَثْلَاثِ جَيْشٌ قُوبِلَ بِالْمَيْمَنَةِ أَوِ الْمَيْسَرَةِ أَوِ الْقَلْبِ فَلْيَكْفِهَا وَلِأَنَّ الْجَيْشَ الْكَثِيرَ الْمُقَاتِلَ مِنْهُمْ بَعْضُهُمْ وَهَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ مُقَاتِلُونَ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا لَنْ نُغْلَبَ الْيَوْمَ مِنْ قِلَّةٍ وَإِنَّمَا غُلِبُوا مِنْ إِعْجَابٍ مِنْهُمْ قَالَ تَعَالَى (وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذَا أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عنكم شيئا) وَكَانَ عَشْرَةُ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَلْفَانِ مِنْ مُسْمِلِي فَتْحِ مَكَّةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ وَالْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَاقْتَصَرَ الْمُنْذِرِيُّ فِي مُخْتَصَرِ السُّنَنِ عَلَى نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ الْحَاكِمُ هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعَنَزِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالنُّونِ ثُمَّ زَايٍ أَبُو عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (باب مَنْ يُعْطَى الْفَيْءَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْفَيْءُ هُوَ مَا حصل المسلمين مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ وَلَا جِهَادٍ وَأَصْلُ الْفَيْءِ الرُّجُوعُ كَأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ لَهُمْ فَرَجَعَ إِلَيْهِمُ انْتَهَى

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْفَيْءِ هُنَا مَالُ الْغَنِيمَةِ [1556] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ) الْمَدَنِيِّ مَوْلَى بَنِي لَيْثٍ وَهُوَ غَيْرُ يَزِيدَ الْفَارِسِيِّ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (أَنَّ نَجْدَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدَهَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ (الْحَرُورِيَّ) نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةِ حَرُورَاءَ بِفَتْحِ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَضَمِّ رَاءٍ أُولَى مُخَفَّفَةٍ وَكَسْرِ ثَانِيَةٍ وَبَيْنَهُمَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ وَبِالْمَدِّ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالْكُوفَةِ وَنَجْدَةُ هَذَا هُوَ بن عَامِرٍ الْحَنَفِيُّ الْخَارِجِيُّ وَأَصْحَابُهُ يُقَالُ لَهُمِ النَّجَدَانُ مُحَرَّكَةً قَوْلُهُ (يُحْذَيْنَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْحَذْوِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يُعْطَيْنَ قَالَ في القاموس الحذوة بالكسر العطية (وأما يسهم بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ مِنَ الْإِسْهَامِ) وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ إِذَا حَضَرَتِ الْقِتَالَ مَعَ الرِّجَالِ لَا يُسْهَمُ لَهُنَّ بَلْ يُعْطَيْنَ شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَأُمِّ عَطِيَّةَ) لِيُنْظَرَ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) وَهُوَ الْأَقْوَى دَلِيلًا (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسْهَمُ لِلْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّ الْأَوْزَاعِيَّ قَالَ يُسْهَمُ لَهُنَّ قَالَ وَأَحْسِبُهُ ذَهَبَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ حَشْرَجِ بْنِ زِيَادٍ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ انْتَهَى وَحَدِيثُ حَشْرَجٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ أَنَّهَا خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةِ خَيْبَرَ سَادِسَ سِتِّ نِسْوَةٍ فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَ إِلَيْنَا فَجِئْنَا فَرَأَيْنَا فِيهِ الْغَضَبَ فَقَالَ مَعَ مَنْ خَرَجْتُنَّ وَبِإِذْنِ مَنْ خَرَجْتُنَّ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ الله خرجنا نغزل الشعر ونعين فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَعَنَا دَوَاءٌ لِلْجَرْحَى وَنُنَاوِلُ السِّهَامَ وَنَسْقِي السَّوِيقَ قَالَ قُمْنَ فَانْصَرِفْنَ حَتَّى إِذَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ

باب هل يسهم للعبد

خَيْبَرَ أَسْهَمَ لَنَا كَمَا أَسْهَمَ لِلرِّجَالِ قَالَ فَقُلْتُ لَهَا يَا جَدَّةُ وَمَا كَانَ ذَلِكَ قَالَتْ تَمْرًا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَهُوَ حَشْرَجٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ انْتَهَى (قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَسْهَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ بِخَيْبَرَ إِلَخْ) هَذَا مُرْسَلٌ وَالْمُرْسَلُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ الرَّاجِحِ (يَقُولُ يُرْضَخُ لَهُنَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الرَّضْخِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَضَخَ لَهُ أَعْطَاهُ عَطَاءً غَيْرَ كَثِيرٍ (باب هَلْ يُسْهَمُ لِلْعَبْدِ) [1557] قَوْلُهُ (عَنْ عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُمَيْرٌ مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ الْغِفَارِيِّ صَحَابِيٌّ شَهِدَ خَيْبَرَ (مَوْلَى آبِي اللَّحْمِ) هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَبَى يَأْبَى قَالَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كَانَ حَرَّمَ اللَّحْمَ عَلَى نَفْسِهِ فَسُمِّيَ آبِي اللَّحْمِ (مَعَ سَادَتِي) جَمْعُ سَيِّدٍ (فَكَلَّمُوا فِيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (وَكَلَّمُوهُ أَنِّي مَمْلُوكٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ فَكَلَّمُوا فِيَّ أَيْ كَلَّمُوا فِي حَقِّي وَشَأْنِي أَوَّلًا بِمَا هُوَ مَدْحٌ لِي ثُمَّ أَتْبَعُوهُ بِقَوْلِهِمْ إِنِّي مَمْلُوكٌ انْتَهَى (فَقُلِّدْتُ السَّيْفَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَجْهُولِ مِنَ التَّقْلِيدِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ أَمَرَنِي أَنْ أَحْمِلَ السِّلَاحَ وَأَكُونَ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ لِأَتَعَلَّمَ الْمُحَارَبَةَ فَإِذَا أَنَا أَجُرُّهُ أَيْ أَجُرُّ السَّيْفَ عَلَى الأرض من قصر قامتي لصغر سني (فأمرني بِشَيْءٍ مِنْ خُرْثِيِّ الْمَتَاعِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَضْمُومَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ وَهُوَ سَقَطُهُ فِي النِّهَايَةِ هُوَ أَثَاثُ الْبَيْتِ قَالَ

باب ما جاء في أهل الذمة يغزون مع المسلمين

فِي الْقَامُوسِ الْخُرْثِيُّ بِالضَّمِّ أَثَاثُ الْبَيْتِ أَوْ أَرْدَأُ الْمَتَاعِ وَالْغَنَائِمِ (وَعَرَضْتُ عَلَيْهِ رُقْيَةً كُنْتُ أَرْقِي بِهَا الْمَجَانِينَ فَأَمَرَنِي بِطَرْحِ بَعْضِهَا وَحَبْسِ بَعْضِهَا) أَيْ بِإِسْقَاطِ بَعْضِ كَلِمَاتِهَا الَّتِي تُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ وَإِبْقَاءِ بَعْضِهَا الَّتِي لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرُّقْيَةِ مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ خَالِيَةً عَنْ كَلِمَاتٍ شِرْكِيَّةٍ وَعَمَّا مَنَعَتْ عَنْهُ الشَّرِيعَةُ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ لَا يُسْهَمَ لِلْمَمْلُوكِ إِلَخْ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ يَغْزُونَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ) هَلْ يُسْهَمُ لَهُمْ [1558] قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبَرِ) الْحَرَّةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَالْوَبَرُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ وَبِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا مَوْضِعٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ (يَذْكُرُ مِنْهُ جُرْأَةً وَنَجْدَةً) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ شجاعة

قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا) أَيْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ بِطُولِهِ فَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ بَدْرٍ فَلَمَّا كَانَ بِحَرَّةِ الْوَبْرَةِ أَدْرَكَهُ رَجُلٌ قَدْ كَانَ تُذْكَرُ مِنْهُ جُرْأَةٌ وَنَجْدَةٌ فَفَرِحَ بِهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ فَلَمَّا أَدْرَكَهُ قَالَ جِئْتُ لِأَتْبَعَكَ فَأُصِيبُ مَعَكَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ لَا قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَتْ ثُمَّ مَضَى حَتَّى إِذَا كَانَ بِالشَّجَرَةِ أَدْرَكَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَقَالَ لَا قَالَ فَارْجِعْ فَلَنْ أَسْتَعِينَ بِمُشْرِكٍ قَالَ فَرَجَعَ فَأَدْرَكَهُ بِالْبَيْدَاءِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ فَانْطَلِقْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ مُطَوَّلًا كَمَا عَرَفْتَ الْآنَ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا لَا يُسْهَمُ لِأَهْلِ الذِّمَّةِ وَإِنْ قَاتَلُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ الْعَدُوَّ) وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ (وَيُرْوَى عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ قَاتَلُوا مَعَهُ) هَذَا مُرْسَلٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ وَمَرَاسِيلُ الزُّهْرِيِّ ضَعِيفَةٌ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ يُسْهَمُ لَهُمْ إِذَا شَهِدُوا الْقِتَالَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُسْهَمُ لِلنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَبِيدِ وَالذِّمِّيِّينَ وَمَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ مِمَّا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ فَيَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى الرَّضْخِ وَهُوَ الْعَطِيَّةُ الْقَلِيلَةُ جَمْعًا بَيْنَ الأحاديث وقد صرح حديث بن عَبَّاسٍ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي بَابِ مَنْ يُرْضَخُ لَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ بِمَا يُرْشِدُ إِلَى هَذَا الْجَمْعِ فَإِنَّهُ نَفَى أَنْ يَكُونَ لِلنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ سَهْمٌ مَعْلُومٌ وَأَثْبَتَ الْحَذِيَّةَ وَهَكَذَا حَدِيثُهُ الْآخَرُ فإنه

صَرَّحَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي الْمَرْأَةَ وَالْمَمْلُوكَ دُونَ مَا يُصِيبُ الْجَيْشُ وَهَكَذَا حَدِيثُ عُمَيْرٍ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَضَخَ لَهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَثَاثِ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُ فَيُحْمَلُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ حَشْرَجٍ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْهَمَ لِلنِّسَاءِ بِخَيْبَرَ عَلَى مُجَرَّدِ الْعَطِيَّةِ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَهَكَذَا يُحْمَلُ مَا وَقَعَ فِي مُرْسَلِ الزُّهْرِيِّ الْمَذْكُورِ مِنَ الْإِسْهَامِ لِقَوْمٍ مِنَ الْيَهُودِ وَمَا وَقَعَ فِي مُرْسَلِ الْأَوْزَاعِيِّ الْمَذْكُورِ أَيْضًا مِنَ الْإِسْهَامِ لِلصِّبْيَانِ كَمَا لَمَّحَ إِلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ أَرَادَ بِالْمُصَنِّفِ صَاحِبَ الْمُنْتَقَى فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ مُرْسَلِ الْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِ مَا لَفْظُهُ وَيُحْمَلُ الْإِسْهَامُ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ عَلَى الرَّضْخِ انْتَهَى [1559] قَوْلُهُ (قَالَ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا وَذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ مُطَوَّلًا (فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الَّذِينَ افْتَتَحُوهَا) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ يُسْهَمُ لِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ الْفَتْحِ قَبْلَ قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ قَالَ بن التِّينِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَعْطَاهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْغَنِيمَةِ لِكَوْنِهِمْ وَصَلُوا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَ حوزها وهو أحد الأقوال للشافعي قال بن بَطَّالٍ لَمْ يَقْسِمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ مَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ إِلَّا فِي خَيْبَرَ فَهِيَ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تُجْعَلْ أَصْلًا يُقَاسُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَسَمَ لِأَصْحَابِ السَّفِينَةِ لِشِدَّةِ حَاجَتِهِمْ وَكَذَلِكَ أَعْطَى الْأَنْصَارَ عِوَضَ مَا كَانُوا أَعْطُوا الْمُهَاجِرِينَ عِنْدَ قُدُومِهِمْ عَلَيْهِمْ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَطَابَ أَنْفُسَ أَهْلِ الْغَنِيمَةِ بِمَا أَعْطَى الْأَشْعَرِيِّينَ وَغَيْرَهُمْ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ لَا نَصِيبَ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْقِتَالِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بإسناد صحيح وبن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُمَرَ قَالَ الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وقال الصحيح موقوف وأخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ الظَّاهِرُ

باب ما جاء في الانتفاع بآنية المشركين

11 - (باب مَا جَاءَ فِي الِانْتِفَاعِ بِآنِيَةِ الْمُشْرِكِينَ) قوله (عن أبي ثعلبة) بفتح المثلثة بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ فَلَامٌ مَفْتُوحَةٌ فَمُوَحَّدَةٌ (الْخُشَنِيِّ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَنُونٍ نِسْبَةً إِلَى خُشَيْنِ بْنِ نَمِرٍ فِي قُضَاعَةَ اسْمُهُ جُرْهُمٌ بَايَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ وَأَرْسَلَهُ إِلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمُوا نَزَلَ بِالشَّامِ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ [1560] قَوْلُهُ (عَنْ قُدُورِ الْمَجُوسِ) أَيْ عَنِ الطَّبْخِ فِيهَا وَالْقُدُورُ جَمْعُ الْقِدْرِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الدَّالِ (اُنْقُوهَا) مِنَ الْإِنْقَاءِ (غَسْلًا) تَمْيِيزٌ (وَاطْبُخُوا فِيهَا) أَيْ بَعْدَ الْإِنْقَاءِ بِالْغَسْلِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ وَفِي لَفْظٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ قلت إنا نمر بهذا اليهود والنصارى والمجوس فَلَا نَجِدُ غَيْرَ آنِيَتِهِمُ الْحَدِيثَ انْتَهَى وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ قَالَ لَا تَأْكُلُوا فيها إلا إن لا تَجِدُوا غَيْرَهَا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهَلْ هُوَ لِنَجَاسَةِ رُطُوبَتِهِمْ أَوْ لِجَوَازِ أَكْلِهِمُ الْخِنْزِيرَ وَشُرْبِهِمُ الْخَمْرَ أَوْ لِلْكَرَاهَةِ ذَهَبَ إِلَى الْأَوَّلِ الْقَائِلُونَ بِنَجَاسَةِ رُطُوبَةِ الْكُفَّارِ وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نجس وَالْكِتَابِيُّ يُسَمَّى مُشْرِكًا إِذْ قَدْ قَالُوا (الْمَسِيحُ بن الله) (وعزير بن اللَّهِ) وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ إِلَى طَهَارَةِ رُطُوبَتِهِمْ وَهُوَ الْحَقُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَةِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْقِيَتِهِمْ وَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا كَانَ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ وَلَا كَلَامَ فِيهِ قُلْنَا فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَدِلَّةِ غَنِيَّةٌ عَنْهُ فمنها ما

أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهُ يَهُودِيٌّ إِلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا قَالَ فِي الْبَحْرِ لَوْ حُرِّمَتْ رُطُوبَتُهُمْ لَاسْتَفَاضَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ نَقْلُ تَوَقِّيهِمْ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالَاتِهِمُ الَّتِي لَا يَخْلُو مِنْهَا مَلْبُوسًا وَمَطْعُومًا وَالْعَادَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ تَقْضِي بِالِاسْتِفَاضَةِ قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ إِمَّا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ الْأَكْلِ فِي آنِيَتِهِمْ لِلِاسْتِقْذَارِ لَا لِكَوْنِهَا نَجِسَةً إِذْ لَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمْ يَجْعَلْهُ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ وُجْدَانِ غَيْرِهَا إِذِ الْإِنَاءُ الْمُتَنَجِّسُ بَعْدَ إِزَالَةِ نَجَاسَتِهِ هُوَ وَمَا لَمْ يَتَنَجَّسْ عَلَى سَوَاءٍ وَلِسَدِّ ذَرِيعَةِ الْمُحَرَّمِ أَوْ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ لِمَا يُطْبَخُ فِيهَا لَا لِرُطُوبَتِهِمْ كَمَا تُفِيدُهُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ وَأَحْمَدَ بِلَفْظِ إِنَّا نُجَاوِرُ أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمُ الْخَمْرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا الْحَدِيثَ وَحَدِيثُهُ الْأَوَّلُ مُطْلَقٌ وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِآنِيَةٍ يُطْبَخُ فِيهَا مَا ذُكِرَ وَيُشْرَبُ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَأَمَّا الْآيَةُ فَالنَّجَسُ لُغَةً الْمُسْتَقْذَرُ فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ ذُو نَجَسٍ لِأَنَّ مَعَهُمُ الشِّرْكَ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّجَسِ وَلِأَنَّهُمْ لَا يَتَطَهَّرُونَ وَلَا يَغْتَسِلُونَ وَلَا يَتَجَنَّبُونَ النَّجَاسَاتِ فَهِيَ مُلَابِسَةٌ لَهُمْ وَبِهَذَا يَتِمُّ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ آيَةِ الْمَائِدَةِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُوَافِقَةِ لِحُكْمِهَا وَآيَةُ الْمَائِدَةِ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ انْتَهَى مَا فِي السُّبُلِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى الْمَنْعِ مِنِ اسْتِعْمَالِ آنِيَةِ الْكُفَّارِ حَتَّى تُغْسَلَ إِذَا كَانُوا مِمَّنْ لَا تُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنَ النَّصَارَى بِمَوْضِعٍ مُتَظَاهِرًا فِيهِ بِأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ مُتَمَكِّنًا فِيهِ أَوْ يَذْبَحُ بِالسِّنِّ وَالظُّفْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِآنِيَةِ مَنْ سِوَاهُمْ جَمْعًا بِذَلِكَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ غَسْلَ الْكُلِّ لِحَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَبْوَابِ الصَّيْدِ (وَنَهَى عَنْ كُلِّ سَبُعٍ ذِي نَابٍ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ قَوْلُهُ (عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عُبَيْدِ اللَّهِ مُصَغَّرًا وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ عَائِذُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُكَبَّرًا وَوَقَعَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ أَبْوَابِ الصَّيْدِ عَائِذُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مُكَبَّرًا وَهُوَ الصَّوَابُ

باب في النفل

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 2 - (بَابٌ فِي النَّفَلِ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ النَّفَلُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَقَدْ تُسَكَّنُ زِيَادَةٌ يُخَصُّ بِهَا بَعْضُ الْغُزَاةِ وَهُوَ أَيْضًا الْغَنِيمَةُ انْتَهَى قُلْتُ الْمُرَادُ هُنَا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ [1561] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سَلَّامٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ اسْمُهُ مَمْطُورٌ الْأَسْوَدُ الْحَبَشِيُّ ثِقَةٌ يُرْسِلُ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (كَانَ يُنَفِّلُ) مِنَ التَّنْفِيلِ (فِي الْبَدْأَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ (الرُّبُعَ) أَيْ رُبُعَ الْغَنِيمَةِ (وَفِي الْقُفُولِ) أَيِ الرُّجُوعِ (الثُّلُثَ) أَيْ ثُلُثَ الْغَنِيمَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ كَانَ إِذَا غَابَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ نَفَّلَ الرُّبُعَ وَإِذَا أَقْبَلَ رَاجِعًا وَكُلُّ النَّاسِ نَفَّلَ الثُّلُثَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْبَدْأَةُ ابْتِدَاءُ السَّفَرِ لِلْغَزْوِ وَإِذَا نَهَضَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ فَإِذَا وَقَعَتْ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْعَدُوِّ فَمَا غَنِمُوا كَانَ لَهُمْ فِيهِ الرُّبُعُ وَيُشْرِكُهُمْ سَائِرُ الْعَسْكَرِ فِي ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِهِ فَإِنْ قَفَلُوا مِنَ الْغَزْوَةِ ثُمَّ رَجَعُوا فَأَوْقَعُوا بِالْعَدُوِّ ثَانِيَةً كَانَ لَهُمْ مِمَّا غَنِمُوا الثُّلُثُ لِأَنَّ نُهُوضَهُمْ بَعْدَ الْقَفْلِ أَشَقُّ لِكَوْنِ الْعَدُوِّ عَلَى حَذَرٍ وَحَزْمٍ انْتَهَى وَرِوَايَةُ أَحْمَدَ الْمَذْكُورَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَنْفِيلَ الثُّلُثِ لِأَجْلِ مَا لَحِقَ الْجَيْشَ مِنَ الْكَلَالِ وَعَدَمِ الرَّغْبَةِ فِي الْقِتَالِ لَا لِكَوْنِ الْعَدُوِّ قَدْ أَخَذَ حِذْرَهُ مِنْهُمْ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَحَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَمَعْنِ بْنِ يَزِيدَ وبن عمر وسلمة بن الأكوع) أما حديث بْنِ عَبَّاسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ نَفَلَ الرُّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي بَدْأَتِهِ وَنَفَلَ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ فِي رَجْعَتِهِ

وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ وَلَفْظُهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا نَفَلَ إِلَّا بَعْدَ الْخُمُسِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حديث عباده حديث حسن وأخرجه أحمد وبن ماجه وصححه بن حِبَّانَ قَوْلُهُ (تَنَفَّلَ سَيْفَهُ) أَيْ أَخَذَهُ زِيَادَةً عَنِ السَّهْمِ (ذَا الْفَقَارِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْعَامَّةُ يَكْسِرُونَهَا كَذَا فِي الْفَائِقِ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ سَيْفِهِ (وَهُوَ الَّذِي رَأَى فِيهِ الرُّؤْيَا يَوْمَ أُحُدٍ) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَالرُّؤْيَا الَّتِي رَأَى فِيهِ أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ يَوْمَ أُحُدٍ أَنَّهُ هَزَّ ذَا الْفَقَارِ فَانْقَطَعَ مِنْ وَسَطِهِ ثُمَّ هَزَّهُ هَزَّةً أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مِمَّا كَانَ وَقِيلَ الرُّؤْيَا هِيَ مَا قَاتَلَ فِيهِ رَأَيْتُ فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثَلَمًا فَأَوَّلْتُهُ هَزِيمَةً وَرَأَيْتُ كَأَنِّي أَدْخَلْتُ يَدِي فِي دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوَّلْتُهَا الْمَدِينَةَ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (فَقَالَ يُخْرِجُ الْخُمُسَ ثُمَّ يُنَفِّلُ مِمَّا بَقِيَ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ هُوَ مِنْ

باب ما جاء في من قتل قتيلا فله سلبه

أَصْلِ الْغَنِيمَةِ أَوْ مِنَ الْخُمُسِ أَوْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ أَوْ مِمَّا عَدَا الْخُمُسَ عَلَى أَقْوَالٍ ثُمَّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ 3 - (باب مَا جَاءَ فِي مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ) قَوْلُهُ (عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ) الْمَدَنِيِّ مَوْلَى أَبِي أَيُّوبَ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ) اسْمُهُ نَافِعٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ نَافِعُ بْنُ عَبَّاسٍ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ أَوْ تَحْتَانِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَقْرَعُ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِلُزُومِهِ وَكَانَ مَوْلَى عَقِيلَةَ الْعَقَارِيَّةِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ [1562] قَوْلُهُ (مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا) وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ قَتَلَ كَافِرًا أَيْ لِمَنْ قَتَلَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَتْلِ الْقَتِيلِ (فَلَهُ) أَيْ لِمَنْ قَتَلَ (سَلَبُهُ) بِالتَّحْرِيكِ هُوَ مَا يُوجَدُ مَعَ الْمُحَارِبِ مِنْ مَلْبُوسٍ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعَنْ أَحْمَدَ لَا تَدْخُلُ الدَّابَّةُ وَعَنِ الشَّافِعِيِّ يَخْتَصُّ بِأَدَاةِ الْحَرْبِ قَوْلُهُ (وَفِي الحديث قصة) رواها الشيخان في صحيحهما قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَأَنَسٍ وَسَمُرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَفِيهِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالسَّلَبِ لِلْقَاتِلِ قَالَ بَلَى وَعَنْ عَوْفٍ وَخَالِدٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخَمِّسِ السَّلَبَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب في كراهية بيع المغانم حتى يقسم

قَوْلُهُ (وَهُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ) ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْقَاتِلَ يَسْتَحِقُّ السَّلَبَ سَوَاءٌ قَالَ أَمِيرُ الْجَيْشِ قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَمْ لَا وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ هَذَا وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخْرِجَ مِنَ السَّلَبِ الْخُمُسَ) رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُخَيَّرُ الْإِمَامُ بَيْنَ أَنْ يُعْطِيَ الْقَاتِلَ السَّلَبَ أَوْ يُخَمِّسَهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ قَالَهُ فِي النَّيْلِ (وَقَالَ الثَّوْرِيُّ النَّفَلُ أَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَذَهَبَ الْعِتْرَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ الْقَاتِلُ إِلَّا إِنْ شَرَطَ لَهُ الْإِمَامُ ذَلِكَ (وَقَالَ إِسْحَاقُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا كَثِيرًا فَرَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهُ الْخُمُسَ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِتَخْمِيسِ السَّلَبِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فأن لله خمسه) الْآيَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ شَيْئًا وَاسْتَدَلَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا خُمُسَ فِيهِ لِحَدِيثِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَخَالِدٍ الْمَذْكُورِ وَجَعَلُوهُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ الْآيَةِ 4 - (باب فِي كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتَّى يقسم) [1563] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ) أَيْ عن بيعها واشترائها حتى تقسم قال القارىء قَالَ الْقَاضِي الْمُقْتَضِي لِلنَّهْيِ عَدَمُ الْمِلْكِ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْمِلْكَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَعِنْدَ مَنْ يَرَى الْمِلْكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ الْمُقْتَضِي لَهُ الْجَهْلُ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ وَصِفَتِهِ إِذَا كَانَ في المغنم أجناس مختلفة انتهى وتبعه بن الْمَلَكِ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَائِنَا يَعْنِي الْحَنَفِيَّةَ قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي لَوْ بَاعَ أَحَدٌ مِنْ

باب ما جاء في كراهية وطىء الحبالى من السبايا

الْمُجَاهِدِينَ نَصِيبَهُ مِنَ الْغَنِيمَةِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مَجْهُولٌ وَلِأَنَّهُ مِلْكٌ ضَعِيفٌ يَسْقُطُ بِالْأَعْرَاضِ وَالْمِلْكُ الْمُسْتَقِرُّ لَا يَسْقُطُ بِالْأَعْرَاضِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) لينظر من أخرجه قوله (وهذا حديث غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ فَإِنَّ فِي سَنَدِهِ مُحَمَّدَ بن إبراهيم الباهلي البصري قال أَبُو حَاتِمٍ مَجْهُولٌ وَأَيْضًا فِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ الْعَبْدِيُّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ لَعَلَّهُ بن أَبِي الْقُمُوسِ وَإِلَّا فَمَجْهُولٌ 5 - (باب مَا جَاءَ في كراهية وطىء الحبالى من السبايا) الْحَبَالَى بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ الْحُبْلَى وَالسَّبَايَا جَمْعُ سَبِيَّةٍ [1564] قَوْلُهُ (حَدَّثَتْنِي أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (نَهَى أَنْ تُوطَأَ السَّبَايَا حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ الْأَمَةَ الْمَسْبِيَّةَ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَأَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي سَبْيِ أَوْطَاسٍ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَطَأَ الْأَمَةَ الْمَسْبِيَّةَ إِذَا كَانَتْ حَامِلًا حتى تستبرىء بِحَيْضَةٍ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَالثَّوْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ أَنَّهُ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ لِلْبِكْرِ وَيُؤَيِّدُهُ الْقِيَاسُ على العدة فإنها تجب مع العلم براءة الرَّحِمِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إِنَّمَا يَجِبُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ تَعْلَمْ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا وَأَمَّا مَنْ عَلِمَتْ بَرَاءَةَ رَحِمِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ فِي حَقِّهَا وَقَدْ روى عبد الرزاق عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إِذَا كَانَتِ الْأَمَةُ عَذْرَاءَ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا إِنْ شَاءَ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ الشَّوْكَانِيُّ مُؤَيِّدَاتٍ لِهَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ وَمِنَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ إِنَّمَا هُوَ لِلْعِلْمِ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَحَيْثُ تُعْلَمُ الْبَرَاءَةُ لَا يَجِبُ وَحَيْثُ لَا يُعْلَمُ وَلَا يظن يجب

باب ما جاء في في طعام المشركين

أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تيمية وبن الْقَيِّمِ وَرَجَّحَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمُ الْجَلَالُ وَالْمُقْبِلِيُّ وَالْمَغْرِبِيُّ وَالْأَمِيرُ وَهُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ الْعِلَّةَ مَعْقُولَةٌ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ مَئِنَّةٌ كَالْحَمْلِ وَلَا مَظِنَّةٌ كَالْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ فَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ تَعَبُّدِيٌّ وَأَنَّهُ يَجِبُ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ وَكَذَا فِي حَقِّ الْبِكْرِ وَالْآيِسَةِ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ رُوَيْفِعٍ) بِالتَّصْغِيرِ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِي مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا وَفِي لَفْظٍ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَنْكِحْنَ ثَيِّبًا مِنَ السَّبَايَا حَتَّى تَحِيضَ رَوَاهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عِرْبَاضٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إن تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تستبرىء بِحَيْضَةٍ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَانْقِطَاعٌ قَوْلُهُ (قَالَ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ) بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ الْكُوفِيُّ سَكَنَ الشَّامَ رَوَى عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ عَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ وَخَلْقٌ قَالَ فِي حَاشِيَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ عَلِيُّ بْنُ يُونُسَ قُلْتُ هَذَا غَلَطٌ وَالصَّوَابُ عِيسَى بن يونس 6 - (باب ما جاء في فِي طَعَامِ الْمُشْرِكِينَ) [1565] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ قَبِيصَةَ بْنِ هُلْبٍ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ (قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ طَعَامِ

النَّصَارَى) وَفِي رِوَايَةٍ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ مِنَ الطَّعَامِ طَعَامًا أَتَحَرَّجُ مِنْهُ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ (لَا يَتَخَلَّجْنَ فِي صَدْرِك طَعَامٌ) وَفِي رِوَايَةٍ شَيْءٌ مَكَانَ طَعَامٍ وَيَتَخَلَّجْنَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ يُرْوَى بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَمَعْنَاهُ بِالْمُهْمَلَةِ لَا يَدْخُلَنَّ قَلْبَكَ مِنْهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ مُبَاحٌ نَظِيفٌ وَبِالْمُعْجَمَةِ لَا يَتَحَرَّكَنَّ الشَّكُّ فِي قَلْبِكَ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَصْلُ الِاخْتِلَاجِ الْحَرَكَةُ وَالِاضْطِرَابُ (ضَارَعْتَ فِيهِ النَّصْرَانِيَّةَ) أَيْ شَابَهْتَ لِأَجْلِهِ أَهْلَ الْمِلَّةِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ حَيْثُ امْتِنَاعُهُمْ إِذَا وَقَعَ فِي قَلْبِ أَحَدِهِمْ أَنَّهُ حَرَامٌ أَوْ مَكْرُوهٌ وَهَذَا فِي الْمَعْنَى تَعْلِيلُ النَّهْيِ وَالْمَعْنَى لَا تَتَحَرَّجْ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ ضَارَعْتَ فِيهِ النَّصْرَانِيَّةَ فَإِنَّهُ مِنْ دَأْبِ النَّصَارَى وَتَرْهِيبِهِمْ وَقَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ الْمُوجِبِ أَيْ لَا يَدْخُلَنَّ فِي قَلْبِكَ ضِيقٌ وَحَرَجٌ لِأَنَّكَ عَلَى الْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ السَّمْحَةِ فَإِنَّكَ إِذَا شَدَّدْتَ عَلَى نَفْسِكَ بِمِثْلِ هَذَا شَابَهْتَ فِيهِ الرَّهْبَانِيَّةَ فَإِنَّ ذَلِكَ دَأْبُهُمْ وَعَادَتُهُمْ قَالَ تَعَالَى (وَرَهْبَانِيَّةً ابتدعوها ما كتبناها عليهم) الْآيَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (قال محمود) هو بن غَيْلَانَ (عَنْ مُرِّيٍّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ المكسورة (قَطَرِيٍّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مري بلفظ النسب بن قَطَرِيٍّ بِفَتْحَتَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مُخَفَّفًا الْكُوفِيُّ مَقْبُولٌ من الثالثة انتهى قلت ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ لَا يُعْرَفُ تَفَرَّدَ عَنْهُ سِمَاكٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الرُّخْصَةِ فِي طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ) قَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ لَفْظَ طَعَامِ الْمُشْرِكِينَ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْمُشْرِكِينَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَمَلَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ فِي هَذَا الْبَابِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب في كراهية التفريق بين السبي

17 - (باب فِي كَرَاهِيَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ السَّبْيِ) [1566] قَوْلُهُ (أخبرني حيي) بضم أوله ويائين من تحت الأولى مفتوحة بن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ شُرَيْحٍ الْمَعَافِرِيُّ الْمِصْرِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ وَالِدَةٍ وَوَلَدِهَا) أَيْ بِمَا يُزِيلُ الْمِلْكَ (فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحِبَّتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ التَّفْرِيقُ بَيْنَ أَمَةٍ وَوَلَدِهَا بِنَحْوِ بَيْعٍ حَرَامٌ قَبْلَ التَّمْيِيزِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَقَبْلَ الْبُلُوغِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْأَخَوَيْنِ مِنْ كِتَابِ الْبُيُوعِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحٌ وَتُعُقِّبَ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَتَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ هُنَاكَ 8 - (باب مَا جَاءَ فِي قَتْلِ الْأُسَارَى وَالْفِدَاءِ) [1567] قَوْلُهُ (هَبَطَ عَلَيْهِ) أَيْ نَزَلَ عَلَيْهِ (فَقَالَ) أَيْ جِبْرِيلُ (لَهُ) أَيْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خيرهم) بصيغة

الْأَمْرِ مِنَ التَّخْيِيرِ (يَعْنِي أَصْحَابَكَ) أَيْ يُرِيدُ بِالضَّمِيرِ أَصْحَابَكَ وَهَذَا التَّفْسِيرُ إِمَّا مِنْ عَلِيٍّ أَوْ مِمَّنْ بَعْدَهُ مِنَ الرُّوَاةِ وَالْمَعْنَى قُلْ لَهُمْ أَنْتُمْ مُخَيَّرُونَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ (الْقَتْلَ أو الفداء) بالنصب فِيهِمَا أَيْ فَاخْتَارُوا الْقَتْلَ أَوِ الْفِدَاءَ وَالْمَعْنَى أنكم مخيرون بين أن تقتلوا أسارى وَلَا يَلْحَقُكُمْ ضَرَرٌ مِنَ الْعَدُوِّ وَبَيْنَ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْهُمُ الْفِدَاءَ (عَلَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنَ الصَّحَابَةِ (قَابِلٌ) كَذَا وَقَعَ فِي بعض النسخ وفي بعضها قابل بِالتَّنْوِينِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (مِثْلَهُمْ) يَعْنِي بِعَدَدِ مَنْ يُطْلَقُونَ مِنْهُمْ يَكُونُ الظَّفْرُ لِلْكُفَّارِ فِيهَا وَقَدْ قُتِلَ مِنَ الْكُفَّارِ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ وَأُسِرَ سَبْعُونَ (قَالُوا) أَيِ الصَّحَابَةُ (الْفِدَاءَ) أَيِ اخْتَرْنَا الْفِدَاءَ (وَيُقْتَلَ مِنَّا) بِالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ أَنْ بَعْدَ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ عَلَى الْفِدَاءِ أَيْ وَأَنْ يُقْتَلَ مِنَّا في العام المقبل مثلهم قال القارىء وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا أي اختيارنا فداءهم وقتل بعضنا بقتل مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مِثْلُ مَا افْتَدَى الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ قُتِلَ مِنَ الْكُفَّارِ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ وَأُسِرَ سَبْعُونَ قَالَ تَعَالَى (أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أنفسكم) وَإِنَّمَا اخْتَارُوا ذَلِكَ رَغْبَةً مِنْهُمْ فِي إِسْلَامِ أُسَارَى بَدْرٍ وَفِي نَيْلِهِمْ دَرَجَةَ الشَّهَادَةِ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ وَشَفَقَةً مِنْهُمْ عَلَى الْأُسَارَى بِمَكَانِ قَرَابَتِهِمْ مِنْهُمْ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مُشْكِلٌ جِدًّا لِمُخَالَفَتِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ظَاهِرِ التَّنْزِيلِ وَلِمَا صَحَّ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي أَمْرِ أُسَارَى بَدْرٍ أَنَّ أَخْذَ الْفِدَاءِ كَانَ رَأْيًا رَأَوْهُ فَعُوتِبُوا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ هُنَاكَ تَخْيِيرٌ بِوَحْيٍ سَمَاوِيٍّ لَمْ تَتَوَجَّهِ الْمُعَاتَبَةُ عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ الله تعالى (ما كان لنبي أن تكون له أسرى) إِلَى قَوْلِهِ (لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) وَأَظْهَرَ لَهُمْ شَأْنَ الْعَاقِبَةِ بِقَتْلِ سَبْعِينَ مِنْهُمْ بَعْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ عِنْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى (أَوَ لَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا) وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ هَذَا التَّأْوِيلُ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَلَعَلَّ عَلِيًّا ذَكَرَ هُبُوطَ جِبْرِيلَ فِي شَأْنِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيَانِهَا فَاشْتَبَهَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى بَعْضِ الرُّوَاةِ وَمِمَّا جَرَّأَنَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ سِوَى مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ تَفَرَّدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ سُفْيَانَ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ فَلَمْ يَرْوِهِ غَيْرُهُ والسمع قد يخطيء وَالنِّسْيَانُ كَثِيرًا يَطْرَأُ عَلَى الْإِنْسَانِ ثُمَّ إِنَّ الحديث يروى عَنْهُ مُتَّصِلًا وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِهِ مُرْسَلًا فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَمْنَعُ الْقَوْلَ لِظَاهِرِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَقُولُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَالْآيَةِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي الْحَدِيثِ وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ وَالِامْتِحَانِ وَلِلَّهِ أَنْ يَمْتَحِنَ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ امْتَحَنَ اللَّهُ تَعَالَى أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن) الْآيَتَيْنِ وَامْتَحَنَ النَّاسَ بِتَعْلِيمِ السِّحْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إنما نحن فتنة) وَامْتَحَنَ النَّاسَ بِالْمَلَكَيْنِ وَجَعَلَ الْمِحْنَةَ فِي الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ بِأَنْ يَقْبَلَ الْعَامِلُ تَعَلُّمَ السِّحْرِ فَيَكْفُرَ وَيُؤْمِنَ بِتَرْكِ تَعَلُّمِهِ وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى امْتَحَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ بَيْنَ

أَمْرَيْنِ الْقَتْلِ وَالْفِدَاءِ وَأَنْزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِذَلِكَ هَلْ هُمْ يَخْتَارُونَ مَا فِيهِ رِضَا اللَّهِ تَعَالَى مِنْ قَتْلِ أَعْدَائِهِ أَمْ يُؤْثِرُونَ الْعَاجِلَةَ مِنْ قَبُولِ الْفِدَاءِ فَلَمَّا اخْتَارُوا الثَّانِيَ عُوقِبُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ تكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) قال القارىء بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْكَلَامِ مَا لَفْظُهُ قُلْتُ بِعَوْنِ اللَّهِ إِنَّ هَذَا الْجَوَابَ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّهُ مَعْلُولٌ وَمَدْخُولٌ فَإِنَّهُ إِذَا صَحَّ التَّخْيِيرُ لم يجز العتاب والتعبير فَضْلًا عَنِ التَّعْذِيبِ وَالتَّعْزِيرِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ من تَخْيِيرِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُنَّ لَوِ اخْتَرْنَ الدُّنْيَا لَعُذِّبْنَ فِي الْعُقْبَى وَلَا فِي الْأُولَى وَغَايَتُهُ أَنَّهُنَّ يُحْرَمْنَ مِنْ مُصَاحَبَةِ الْمُصْطَفَى لِفَسَادِ اخْتِيَارِهِنَّ الْأَدْنَى بِالْأَعْلَى وَأَمَّا قَضِيَّةُ الْمَلَكَيْنِ وَقَضِيَّةُ تَعْلِيمِ السِّحْرِ فَنَعَمِ امْتِحَانٌ مِنَ اللَّهِ وَابْتِلَاءٌ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ تَخْيِيرٌ لِأَحَدٍ وَلِهَذَا قال المفسرون في قوله تعالى (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) إِنَّهُ أَمْرُ تَهْدِيدٍ لَا تَخْيِيرٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَمْ يُؤْثِرُونَ الْأَعْرَاضَ الْعَاجِلَةَ مِنْ قَبُولِ الْفِدْيَةِ فَلَمَّا اخْتَارُوهُ عُوقِبُوا بِقَوْلِهِ (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ) الْآيَةَ فَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ الْجُرْأَةِ الْعَظِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ الْجَسِيمَةِ فَإِنَّهُمْ مَا اخْتَارُوا الْفِدْيَةَ لَا لِلتَّقْوِيَةِ عَلَى الْكُفَّارِ وَلِلشَّفَقَةِ عَلَى الرَّحِمِ وَلِرَجَاءِ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ أَوْ فِي أَصْلَابِهِمْ مَنْ يُؤْمِنُ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا وَقَعَ مِنْهُمِ اجْتِهَادًا وَافَقَ رَأْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَايَتُهُ أَنَّ اجْتِهَادَ عُمَرَ وَقَعَ أَصْوَبَ عِنْدَهُ تَعَالَى فَيَكُونُ مِنْ مُوَافَقَاتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُسَاعِدُنَا مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ مِنْ أَنَّهُ يُعَضِّدُهُ سَبَبُ النُّزُولِ رَوَى مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنِ بن عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ لَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَنُو الْعَمِّ وَالْعَشِيرَةِ أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً فَتَكُونَ لَنَا قُوَّةٌ عَلَى الْكُفَّارِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَرَى يَا بن الْخَطَّابِ قُلْتُ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تُمَكِّنَنَا فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَصَنَادِيدُهُ فَهَوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ فَقُلْتُ يَا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي وَصَاحِبُكَ فَقَالَ أَبْكِي لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الاية انتهى قال القارىء وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ جَمْعًا بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ أَنَّ اخْتِيَارَ الْفِدَاءِ مِنْهُمْ أَوَّلًا كَانَ بِالْإِطْلَاقِ ثُمَّ وَقَعَ التَّخْيِيرُ بَعْدَهُ بِالتَّقْيِيدِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي بَرْزَةَ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فأخرجه البخاري

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا يُشْعِرُ بِالطَّعْنِ فِيهِ لِأَنَّ الْغَرِيبَ قَدْ يَكُونُ صحيحا انتهى قال القارىء وَقَدْ يَكُونُ ضَعِيفًا فَيَصْلُحُ لِلطَّعْنِ فِي الْجُمْلَةِ انتهى قلت الأمر كان قَالَ الطِّيبِيُّ [1568] قَوْلُهُ (أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ وَبِالرَّاءِ نِسْبَةً إِلَى مَوْضِعٍ بالكوفة (اسمه عمر بن سعد) بن عبيد ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (فَدَى رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا قَوْلُهُ (وَعَمُّ أَبِي قِلَابَةَ هُوَ أَبُو الْمُهَلَّبِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَبِاللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ الْمَفْتُوحَةِ الْجَرْمِيُّ الْبَصْرِيُّ (وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَمْرٍو إِلَخْ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ) قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مَذْهَبُ

باب ما جاء في النهي عن قتل النساء والصبيان

الْجُمْهُورِ أَنَّ الْأَمْرَ فِي الْأُسَارَى الْكَفَرَةِ مِنَ الرِّجَالِ إِلَى الْإِمَامِ يَفْعَلُ مَا هُوَ الْأَحَظُّ لِلْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَطَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْفِدَاءِ مِنَ الْكُفَّارِ أَصْلًا وَعَنِ الْحَسَنِ وَعَطَاءٍ لَا تُقْتَلُ الْأَسْرَى بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمَنِّ وَالْفِدَاءِ وَعَنْ مَالِكٍ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِغَيْرِ فِدَاءٍ وَعَنِ الْحَنَفِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ أَصْلًا لَا بِفِدَاءٍ وَلَا بِغَيْرِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى فَإِمَّا منا بعد وإما فداء حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ثُمَامَةَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِكَرَاهَةِ فِدَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِالْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى لولا كتاب من الله سبق الْآيَةَ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَبْلَ حِلِّ الْغَنِيمَةِ كَمَا قَدَّمْنَا عَنِ بن عَبَّاسٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ قَاضِيَانِ بِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ فَإِنَّهُ قَدْ وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنُّ وَأَخْذُ الْفِدَاءِ وَوَقَعَ مِنْهُ الْقَتْلُ فَإِنَّهُ قَتَلَ النَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعُقْبَةَ بْنَ مُعَيْطٍ وَغَيْرَهُمَا وَوَقَعَ مِنْهُ فِدَاءُ رَجُلَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ فَكِّ الْأَسِيرِ مِنَ الْكُفَّارِ بِالْأَسِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ) [1569] قَوْلُهُ (وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ) قَالَ بن الْهُمَامِ مَا أَظُنُّ إِلَّا أَنَّ حُرْمَةَ قَتْلِ النساء

وَالصِّبْيَانِ إِجْمَاعٌ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ أَوْصَى يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الشَّامِ وَقَالَ لَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا النِّسَاءَ وَلَا الشُّيُوخَ الْحَدِيثَ قَالَ لَكِنْ يُقْتَلُ مَنْ قَاتَلَ مِنْ كُلِّ مَنْ قُلْنَا إِنَّهُ لَا يُقْتَلُ كَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَالشُّيُوخِ وَالرُّهْبَانِ إِلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُقْتَلَانِ فِي حَالِ قِتَالِهِمَا أَمَّا غَيْرُهُمَا مِنَ النِّسَاءِ وَالرُّهْبَانِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ إِذَا قَاتَلُوا بَعْدَ الْأَسْرِ وَالْمَرْأَةُ الْمَلِكَةُ تُقْتَلُ وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَلِكُ وَالْمَعْتُوهُ الْمَلِكُ لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْمَلِكِ كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ فِي بَعْضِ كلام بن الْهُمَامِ هَذَا تَأَمُّلٌ فَتَأَمَّلْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بريدة ورباح ويقال رباح بن الربيع) قال الحافظ في الفتح رباح بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ بِالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَرَجَّحَ الْبُخَارِيُّ أنه بالموحدة (والأسود بن سريع وبن عَبَّاسٍ وَالصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ) أَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ رَبَاحٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ فأخرجه أحمد وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ وَأَمَّا حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ أَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ حَتَّى لَوْ تَتَرَّسَ أَهْلُ الْحَرْبِ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ أَوْ تَحَصَّنُوا بِحِصْنٍ أَوْ سَفِينَةٍ وَجَعَلُوا مَعَهُمُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ لَمْ يَجُزْ رَمْيُهُمْ وَلَا تَحْرِيقُهُمْ وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ فَقَالُوا إِذَا قَاتَلَتِ الْمَرْأَةُ جَازَ قَتْلُهَا وَقَالَ بن حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ لَا يَجُوزُ الْقَصْدُ إِلَى قَتْلِهَا إِذَا قَاتَلَتْ إِلَّا إِنْ بَاشَرَتِ الْقَتْلَ أَوْ قَصَدَتْ إِلَيْهِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنِ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَقَالَ مَنْ قَتَلَ هَذِهِ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ غَنِمْتُهَا فأردفتها خلفي فما رَأَتِ الْهَزِيمَةَ فِينَا أَهْوَتْ إِلَى قَائِمِ سَيْفِي لتقتلني فقتلتها

فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَصَلَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَفِيهِ حجاج بن أرطأة وبن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَحْيَى الأنصاري ونقل بن بَطَّالٍ أَنَّهُ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْقَصْدِ إِلَى قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ أَمَّا النِّسَاءُ فَلِضَعْفِهِنَّ وَأَمَّا الْوِلْدَانُ فَلِقُصُورِهِمْ عَنْ فِعْلِ الْكُفَّارِ وَلِمَا فِي اسْتِبْقَائِهِمْ جَمِيعًا مِنَ الِانْتِفَاعِ إِمَّا بِالرِّقِّ أَوِ الْفِدَاءِ فِيمَنْ يَجُوزُ أَنْ يُفَادَى بِهِ انْتَهَى (وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْبَيَاتِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ هُوَ الْغَارَةُ بِاللَّيْلِ (وَقَتْلِ النِّسَاءِ فِيهِمْ) أَيْ فِي الْكُفَّارِ (وَالْوِلْدَانِ) عُطِفَ على النساء (وهو قول أحمد إسحاق رَخَّصَا فِي الْبَيَاتِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ أَحْمَدُ لَا بَأْسَ فِي الْبَيَاتِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَرِهَهُ انْتَهَى [1570] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي الصَّعْبُ بْنُ جَثَّامَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ اللَّيْثِيُّ صَحَابِيٌّ عَاشَ إِلَى خِلَافَةِ عُثْمَانَ قَوْلُهُ (هُمْ مِنْ آبَائِهِمْ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ هُمْ مِنْهُمْ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ فِي الْحِكَمِ تِلْكَ الْحَالَةُ فَلَيْسَ الْمُرَادُ إِبَاحَةَ قَتْلِهِمْ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ إِلَيْهِمْ بَلِ الْمُرَادُ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْوُصُولُ إِلَى الْآبَاءِ إِلَّا بِوَطْءِ الذُّرِّيَّةِ فَإِذَا أُصِيبُوا لِاخْتِلَاطِهِمْ بِهِمْ جَازَ قَتْلُهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الزُّهْرِيُّ ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ مُطْلَقًا انْتَهَى قَالَ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ أَخْرَجَهَا الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنْ سُفْيَانَ بِلَفْظِ وَكَانَ الزُّهْرِيُّ إِذَا حدث بهذا الحديث قال وأخبرني بن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بَعَثَ إلى بن أَبِي الْحُقَيْقِ نَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ مُرْسَلًا كَأَبِي دَاوُدَ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَكَأَنَّ الزُّهْرِيَّ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى نَسْخِ حَدِيثِ الصعب انتهى

باب ما جاء في الغلول

20 - باب [1571] قَوْلُهُ (فِي بَعْثٍ) أَيْ فِي جَيْشٍ (وَإِنَّ النَّارَ لَا يُعَذِّبُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ) هُوَ خَبَرٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي التحريق فكره ذلك عمر وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ فِي سَبَبِ كُفْرٍ أَوْ فِي حَالِ مُقَاتَلَةٍ أَوْ فِي قِصَاصٍ وَأَجَازَهُ عَلِيٌّ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْمُهَلَّبُ لَيْسَ هَذَا النَّهْيُ عَلَى التَّحْرِيمِ بَلْ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّحْرِيقِ فِعْلُ الصَّحَابَةِ وَقَدْ سَمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْيُنَ الْعُرَنِيِّينَ بِالْحَدِيدِ وَقَدْ أَحْرَقَ أَبُو بَكْرٍ بِالنَّارِ فِي حَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَحَرَّقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَكَذَلِكَ حَرَّقَ عَلِيٌّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وأبو داود 1 - (باب ما جاء في الغلول) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ الْغُلُولُ هُوَ مَا يَأْخُذُهُ أَحَدُ الْغُزَاةِ مِنَ الْغَنِيمَةِ مُخْتَصًّا بِهِ وَلَا يُحْضِرُهُ إِلَى أَمِيرِ الْجَيْشِ لِيَقْسِمَهُ بَيْنَ الْغُزَاةِ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْآخِذُ أَمِيرَ الْجَيْشِ أَوْ أَحَدَهُمْ

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الطَّعَامِ وَالْعُلُوفَةِ وَنَحْوِهِمَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا انْتَهَى وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْغُلُولُ الْخِيَانَةُ فِي الْمَغْنَمِ وَالسَّرِقَةُ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَكُلُّ مَنْ خَانَ فِي شَيْءٍ خُفْيَةً فَقَدْ غَلَّ وَسُمِّيَتْ غُلُولًا لِأَنَّ الْأَيْدِيَ فِيهَا مَغْلُولَةٌ أَيْ مَمْنُوعَةٌ مَجْعُولٌ فِيهَا غُلٌّ وَهُوَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي تَجْمَعُ يَدَ الْأَسِيرِ إِلَى عُنُقِهِ ويقال لها جامعة أيضا انتهى [1572] قَوْلُهُ (وَهُوَ بَرِيءٌ مِنَ الْكِبْرِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالرَّاءِ (وَالدَّيْنِ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وسكون التحتانية (دَخَلَ الْجَنَّةَ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَهُوَ لَيْسَ بَرِيئًا مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ اعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يَحْكُمْ عَلَى حَدِيثِ ثَوْبَانَ هَذَا بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شرطهما [1573] قوله (عن سعيد) هو بن أَبِي عَرُوبَةَ (مَنْ فَارَقَ الرُّوحُ الْجَسَدَ) أَيْ مَنْ فَارَقَ رُوحُهُ جَسَدَهُ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التَّرْغِيبِ (الْكَنْزِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِالزَّايِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ الْكَنْزُ لُغَةً الْمَالُ الْمَدْفُونُ تَحْتَ الْأَرْضِ فَإِذَا أُخْرِجَ مِنْهُ الْوَاجِبُ لَمْ يَبْقَ كَنْزًا شَرْعًا وَإِنْ كَانَ مَكْنُوزًا لُغَةً وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ مَا وَرَدَ كُلُّ مَا أَدَّيْتَ زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ (هَكَذَا قَالَ سَعِيدٌ الْكَنْزِ) يَعْنِي بِالْكَافِ وَالنُّونِ وَالزَّايِ (وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ فِي حَدِيثِهِ الْكِبْرَ) يَعْنِي بِالْكَافِ الْمُوَحَّدَةِ وَالرَّاءِ

باب ما جاء في خروج النساء في الحرب

(وَرِوَايَةُ سَعِيدٍ أَصَحُّ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْحَاكِمَ الْكَنْزُ مُقَيَّدٌ بِالزَّايِ وَالصَّحِيحُ فِي حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ بِالرَّاءِ [1574] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سِمَاكٌ أَبُو زُمَيْلٍ) بِضَمِّ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُصَغَّرًا وَسِمَاكٌ بِكَسْرِ أوله وتخفيف الميم وهو بن الْوَلِيدِ الْيَمَامِيُّ الْكُوفِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (إِنَّ فُلَانًا قَدِ اسْتُشْهِدَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ صَارَ شَهِيدًا (قَالَ كَلَّا) زَجْرٌ وَرَدٌّ لِقَوْلِهِمْ فِي هَذَا الرَّجُلِ إِنَّهُ شَهِيدٌ مَحْكُومٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ أَوَّلَ وَهْلَةٍ بَلْ هُوَ فِي النَّارِ بِسَبَبِ غُلُولِهِ (بِعَبَاءَةٍ) الْعَبَاءُ وَالْعَبَاءَةُ ضَرْبٌ مِنَ الْأَكْسِيَةِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَبَاءُ كِسَاءٌ كَالْعَبَاءَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ على تحريم الغلول من غير فرق بَيْنَ الْقَلِيلِ مِنْهُ وَالْكَثِيرِ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ حِينَ يَغُلُّ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْكَبَائِرِ وَقَدْ صَرَّحَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ بِأَنَّ الْغَالَّ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالشَّيْءُ الَّذِي غَلَّهُ مَعَهُ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي خُرُوجِ النِّسَاءِ فِي الْحَرْبِ) [1575] قَوْلُهُ (يَسْقِينَ الْمَاءَ وَيُدَاوِينَ الْجَرْحَى) وَفِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ نَسْقِي الْقَوْمَ وَنَخْدُمُهُمْ وَنَرُدُّ الْقَتْلَى وَالْجَرْحَى إِلَى الْمَدِينَةِ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وبن مَاجَهْ قَالَتْ غَزَوْتُ مَعَ

باب ما جاء في قبول هدايا المشركين

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَخْلُفُهُمْ فِي رِحَالِهِمْ وَأَصْنَعُ لَهُمُ الطَّعَامَ وَأُدَاوِي الْجَرْحَى وَأَقُومُ عَلَى الزَّمْنَى وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ خُرُوجُ النِّسَاءِ فِي الْحَرْبِ لِهَذِهِ الْمَصَالِحِ وَالْجِهَادُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى النِّسَاءِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ قَالَ لَكُنَّ أَفْضَلُ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ قَالَ بن بَطَّالٍ دَلَّ حَدِيثُ عَائِشَةَ عَلَى أَنَّ الْجِهَادَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى النِّسَاءِ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ أَفْضَلُ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ جِهَادُكُنَّ الْحَجُّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ليس لهن أن يتطوعن بِالْجِهَادِ وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لِمَا فِيهِ مِنْ مُغَايَرَةِ الْمَطْلُوبِ مِنْهُنَّ مِنَ السَّتْرِ وَمُجَانَبَةِ الرِّجَالِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْحَجُّ أَفْضَلَ لَهُنَّ مِنَ الْجِهَادِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قَبُولِ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ) قَوْلُهُ (عَنْ ثُوَيْرٍ) بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ مُصَغَّرًا [1576] قوله (إن كسرى) بكسر الفاء وَفَتْحِهَا لَقَبُ مُلُوكِ الْفُرْسِ (فَقَبِلَ مِنْهُمْ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ قَبُولِ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ وَهِيَ كَثِيرَةٌ وَسَيَأْتِي التَّوْفِيقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ الله عنه رواه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْهُ قَالَ أَهْدَى النَّجَاشِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَارُورَةً مِنْ غَالِيَةٍ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ عُمِلَ لَهُ الْغَالِيَةُ قَالَ الْعَيْنِيُّ لَمْ أَجِدْ فِي هَدَايَا الْمُلُوكِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ وَالنَّجَاشِيُّ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَلَا مَدْخَلَ لِلْحَدِيثِ فِي

باب في كراهية هدايا المشركين

الْبَابِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَهْدَاهُ لَهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالنَّجَاشِيِّ نَجَاشِيٌّ آخَرُ مِنْ مُلُوكِ الْحَبَشَةِ لَمْ يَسْلَمْ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمُ الْحَدِيثَ وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ فَكَسَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُرْدَةً وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَعَنْ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْهُ أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةً مِنْ سُنْدُسٍ ولأنس حديث آخر رواه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مَلِكَ الرُّومِ أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمَشَّقَةً مِنْ سُنْدُسٍ فَلَبِسَهَا أَوْرَدَهُ فِي تَرْجَمَةِ عَلِيٍّ وَضَعَّفَهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ الْمُمَشَّقَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ وَتَشْدِيدِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْقَافِ هُوَ الثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ بِالْمِشْقِ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الْمَغْرَةُ وَلِأَنَسٍ حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ عِمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مَلِكَ ذِي يَزَنَ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً أَخَذَهَا بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ نَاقَةً فَقَبِلَهَا وَعَنْ بِلَالِ بْنِ رَبَاحٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ حَدِيثًا مُطَوَّلًا وَفِيهِ أَلَمْ تَرَ إِلَى الرَّكَائِبِ الْمُنَاخَاةِ الْأَرْبَعِ فَقُلْتُ بَلَى فَقَالَ إِنَّ لَكَ رِقَابَهُنَّ وَمَا عَلَيْهِنَّ فَإِنَّ عَلَيْهِنَّ كِسْوَةً وَطَعَامًا أَهْدَاهُنَّ إِلَيَّ عَظِيمُ فَدَكَ فَاقْبِضْهُنَّ فَاقْضِ دَيْنَكَ وَعَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ قَالَ كَانَ مُحَمَّدٌ أَحَبَّ رَجُلٍ فِي النَّاسِ إِلَيَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا تَنَبَّأَ وَخَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ شَهِدَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ الْمَوْسِمَ وَهُوَ كَافِرٌ فَوَجَدَ حُلَّةً لِذِي يَزَنَ تُبَاعُ فَاشْتَرَاهَا بِخَمْسِينَ دِينَارًا لِيُهْدِيَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَ بِهَا عَلَيْهِ الْمَدِينَةَ فَأَرَادَهُ عَلَى قَبْضِهَا هَدِيَّةً فَأَبَى قَالَ عَبْدُ اللَّهِ حَسِبْتُهُ قَالَ إِنَّا لَا نَقْبَلُ شَيْئًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَكِنْ إِنْ شِئْتَ أَخَذْنَاهَا بِالثَّمَنِ فَأَعْطَيْتُهُ حِينَ أَبَى عَلَيَّ الْهَدِيَّةِ انْتَهَى مَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبَزَّارُ وَأَوْرَدَهُ فِي التَّلْخِيصِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ وَفِي إِسْنَادِهِ ثُوَيْرُ بْنُ أَبِي فَاخِتَةَ وهو ضعيف قوله (وثوير هو بن أَبِي فَاخِتَةَ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ (اِسْمُهُ) أَيِ اسْمُ أَبِي فَاخِتَةَ (سَعِيدُ بْنُ عِلَاقَةَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ 4 - (باب فِي كَرَاهِيَةِ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ) [1577] قَوْلُهُ (عَنْ عِيَاضِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ وَآخِرُهُ ضَادٌ مُعْجَمَةٌ (بْنِ حِمَارٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ التَّمِيمِيِّ الْمُجَاشِعِيِّ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَعَاشَ إِلَى حُدُودِ الْخَمْسِينَ

قَوْلُهُ (إِنِّي نُهِيتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ زَبْدِ الْمُشْرِكِينَ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي آخِرِهِ دَالٌ مُهْمَلَةٌ وَهُوَ الرِّفْدُ وَالْعَطَاءُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وصححه بن خُزَيْمَةَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عِنْدَ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ عَامِرَ بْنَ مَالِكٍ الَّذِي يعدي مُلَاعِبَ الْأَسِنَّةِ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُشْرِكٌ فَأَهْدَى لَهُ فَقَالَ إِنِّي لَا أَقْبَلُ هَدِيَّةَ الْمُشْرِكِينَ الْحَدِيثَ قَالَ فِي الْفَتْحِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَقَدْ وَصَلَهُ بَعْضُهُمْ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ (واحتمل أن يكون هذا بعد ما كَانَ يَقْبَلُ مِنْهُمْ ثُمَّ نَهَى عَنْ هَدَايَاهُمْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ جَمَعَ الطَّبَرِيُّ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ بِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِيمَا أُهْدِيَ لَهُ خَاصَّةً وَالْقَبُولَ فِيمَا أُهْدِيَ لِلْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَدِلَّةِ الْجَوَازِ مَا وَقَعَتِ الْهَدِيَّةُ فِيهِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي حَقِّ مَنْ يُرِيدُ بِهَدِيَّتِهِ التَّوَدُّدَ وَالْمُوَالَاةَ وَالْقَبُولَ فِي حَقِّ مَنْ يُرْجَى بِذَلِكَ تَأْنِيسُهُ وَتَأْلِيفُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهَذَا أَقْوَى مِنَ الْأَوَّلِ وَقِيلَ يُحْمَلُ الْقَبُولُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالرَّدُّ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ وَقِيلَ يَمْتَنِعُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى نَسْخَ الْمَنْعِ بِأَحَادِيثِ الْقَبُولِ وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ الثَّلَاثَةُ ضَعِيفَةٌ فَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَلَا التَّخْصِيصِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ يَدُلُّ عَلَى قَوْلِ مَنِ ادَّعَى نَسْخَ الْمَنْعِ بِأَحَادِيثِ الْقَبُولِ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ قَدِمَتْ قُتَيْلَةُ ابْنَةُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَعْدٍ عَلَى ابْنَتِهَا أَسْمَاءَ بِهَدَايَا ضِبَابٍ وَأَقِطٍ وَسَمْنٍ وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فَأَبَتْ أَسْمَاءُ أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَتُدْخِلَهَا بَيْتَهَا فَسَأَلَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عن الذين لم يقاتلوكم في الدين إِلَى آخِرِ الْآيَةِ فَأَمَرَهَا أَنْ تَقْبَلَ هَدِيَّتَهَا وَأَنْ تُدْخِلَهَا بَيْتَهَا كَذَا فِي الْمُنْتَقَى

باب ما جاء في سجدة الشكر

وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْأَصْلَ هُوَ عَدَمُ جَوَازِ قَبُولِ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ لَكِنْ إِذَا كَانَتْ فِي قَبُولِ هَدَايَاهُمْ مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ أَوْ خَاصَّةٌ فَيَجُوزُ قَبُولُهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي سَجْدَةِ الشُّكْرِ) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ) قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ يَهِمُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ صَدُوقٌ (عن أبي بكرة) صحابي اسمه نقيع بْنُ الْحَارِثِ [1578] قَوْلُهُ (فَسُرَّ بِهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ فَصَارَ مَسْرُورًا بِهِ (فَخَرَّ) مِنَ الْخَرُورِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي إِسْنَادِهِ بَكَّارُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْعُقَيْلِيِّ وغيره وقال بن مَعِينٍ إِنَّهُ صَالِحُ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ يَهِمُ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ قَالَ البيهقي في الباب عن جابر وبن عُمَر وَأَنَسٍ وَجَرِيرٍ وَأَبِي جُحَيْفَةَ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ جَاءَ حَدِيثُ سَجْدَةِ الشُّكْرِ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَمِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى قُلْت وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ فِي الْمُنْتَقَى وَسَجَدَ أَبُو بَكْرٍ حِينَ جَاءَ قَتْلُ مُسَيْلِمَةَ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَسَجَدَ عَلِيٌّ حِينِ وَجَدَ ذَا الثُّدَيَّةِ فِي الْخَوَارِجِ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَسَجَدَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا بُشِّرَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقِصَّتُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ رَأَوْا سَجْدَةَ الشُّكْرِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثَ سُجُودِ الشُّكْرِ مَا لَفْظُهُ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْعِتْرَةُ وَأَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ إِذَا لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ تَوَاتُرِ النِّعَمِ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ مُبَاحٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْثَرْ وَإِنْكَارُ وُرُودِ سُجُودِ الشُّكْرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مِثْلِ هَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ مَعَ وُرُودِهِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ الَّتِي ذَكَرَهَا

باب ما جاء في أمان المرأة والعبد

الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهَا مِنَ الْغَرَائِبِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ثُبُوتَ سُجُودِ الشُّكْرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ سَجْدَةِ ص هِيَ لَنَا شُكْرٌ وَلِدَاوُدَ تَوْبَةٌ 6 - (باب مَا جَاءَ فِي أَمَانِ المرأة والعبد) [1579] قَوْلُهُ (إِنَّ الْمَرْأَةَ لَتَأْخُذُ لِلْقَوْمِ) أَيْ تَأْخُذُ الْأَمَانَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَيْ جَازَ أَنْ تَأْخُذَ الْمَرْأَةُ الْمُسْلِمَةُ الْأَمَانَ لِلْقَوْمِ (يَعْنِي تُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) يُقَالُ أَجَرْتُ فُلَانًا عَلَى فُلَانٍ أَغَثْتُهُ مِنْهُ وَمَنَعْتُهُ وَإِنَّمَا فَسَّرَهُ بِهِ لِإِبْهَامِهِ فَإِنَّ مَفْعُولَ قَوْلِهِ لَتَأْخُذُ مَحْذُوفٌ أَيِ الْأَمَانُ وَالدَّالُّ عَلَيْهِ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مُخْتَصَرًا فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَسَكَتَ عَنْهُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مُرَّةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَشَدَّةِ الرَّاءِ اسْمُهُ يَزِيدُ مَدَنِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أُمِّ هَانِئٍ) بِكَسْرِ نُونٍ وَبِهَمْزَةٍ اسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ عَاتِكَةُ وَقِيلَ هِنْدُ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ أَسْلَمَتْ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ (أَجَرْتُ رَجُلَيْنِ مِنْ أَحْمَائِي) جَمْعُ حَمْوٍ قَرِيبُ الزَّوْجِ (قَدْ أَمَّنَّا) أَيْ أَعْطَيْنَا الْأَمَانَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مطولا

باب ما جاء في الغدر

27 - (باب مَا جَاءَ فِي الْغَدْرِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي أَبُو الْفَيْضِ) اسْمُهُ مُوسَى بْنُ أَيُّوبَ وَيُقَالُ بن أَبِي أَيُّوبَ الْمُهْرِيُّ الْحِمْصِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (قَالَ سَمِعْتُ سُلَيْمَ بْنَ عَامِرٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ مُصَغَّرًا الْكَلَاعِيُّ وَيُقَالُ الْخَبَائِرِيُّ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ غَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1580] قَوْلُهُ (كَانَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ وَبَيْنَ أَهْلِ الرُّومِ عَهْدٌ) أَيْ إِلَى وَقْتٍ مَعْهُودٍ (وَكَانَ يَسِيرُ فِي بِلَادِهِمْ) أَنَّهُ يَذْهَبُ مُعَاوِيَةُ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعَهْدِ لِيَقْرُبَ مِنْ بِلَادِهِمْ حِينَ انْقَضَى الْعَهْدُ (حَتَّى إِذَا انْقَضَى الْعَهْدُ) أَيْ زَمَانُهُ (وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ) فِيهِ اخْتِصَارٌ وَحَذْفٌ لِضِيقِ الْمَقَامِ أَيْ لِيَكُنْ مِنْكُمْ وَفَاءٌ لَا غَدْرٌ يَعْنِي بَعِيدٌ مِنْ أَهْلِ اللَّهِ وَأُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتِكَابُ الْغَدْرِ وَلِلِاسْتِبْعَادِ صَدَّرَ الْجُمْلَةَ بِقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ (وَإِذَا هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ كُنْيَتُهُ أَبُو نَجِيحٍ أَسْلَمَ قَدِيمًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قِيلَ كَانَ رَابِعَ أَرْبَعَةٍ فِي الْإِسْلَامِ عِدَادُهُ فِي الشَّامِيِّينَ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَإِنَّمَا كَرِهَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا هَادَنَهُمْ إِلَى مُدَّةٍ وَهُوَ مُقِيمٌ فِي وَطَنِهِ فَقَدْ صَارَتْ مُدَّةُ مَسِيرِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ كَالْمَشْرُوطِ مَعَ الْمُدَّةِ فِي أَنْ لَا يَغْزُوَهُمْ فِيهَا فَإِذَا صَارَ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْهُدْنَةِ كَانَ إِيقَاعُهُ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي يَتَوَقَّعُونَهُ فَعَدَّ ذَلِكَ عَمْرٌو غَدْرًا

باب ما جاء أن لكل غادر لواء يوم القيامة

وَأَمَّا إِنْ نَقَضَ أَهْلُ الْهُدْنَةِ بِأَنْ ظَهَرَتْ مِنْهُمْ خِيَانَةٌ فَلَهُ أَنْ يَسِيرَ إِلَيْهِمْ عَلَى غَفْلَةٍ مِنْهُمْ (فَسَأَلَهُ مُعَاوِيَةُ عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ دَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ (فَلَا يَحِلَّنَّ عَهْدًا) أَيْ عَقْدَ عَهْدٍ (وَلَا يَشُدَّنَّهُ) أَرَادَ بِهِ الْمُبَالَغَةَ عَنْ عَدَمِ التَّغْيِيرِ وَإِلَّا فَلَا مَانِعَ مِنَ الزِّيَادَةِ فِي الْعَهْدِ وَالتَّأْكِيدِ وَالْمَعْنَى لَا يغيرن عهدا ولا ينقضه بِوَجْهٍ (حَتَّى يَمْضِيَ أَمَدُهُ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ تَنْقَضِيَ غَايَتُهُ (أَوْ يَنْبِذَ) بِكَسْرِ الْبَاءِ أَيْ يَرْمِيَ عَهْدَهُمْ (إِلَيْهِمْ) بِأَنْ يُخْبِرَهُمْ بِأَنَّهُ نَقَضَ الْعَهْدَ عَلَى تَقْدِيرِ خَوْفِ الْخِيَانَةِ مِنْهُمْ (عَلَى سَوَاءٍ) أَيْ لِيَكُونَ خَصْمُهُ مُسَاوِيًا مَعَهُ فِي النَّقْضِ كَيْلَا يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ غَدْرًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ على سواء قَالَ الطِّيبِيُّ عَلَى سَوَاءِ حَالٍ قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ يُعْلِمُهُمْ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَغْزُوَهُمْ وَأَنَّ الصُّلْحَ قَدِ ارْتَفَعَ فَيَكُونُ الْفَرِيقَانِ فِي عِلْمِ ذَلِكَ سَوَاءً قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ 8 - (باب مَا جَاءَ أَنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [1581] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ) أَبُو نَافِعٍ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ أَوْ بَنِي هِلَالٍ قَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ وَقَالَ الْقَطَّانُ ذَهَبَ كِتَابُهُ ثُمَّ وَجَدَهُ فَتُكُلِّمَ فِيهِ لِذَلِكَ مِنَ السَّابِعَةِ (إِنَّ الْغَادِرَ) الْغَدْرُ ضِدُّ الْوَفَاءِ أَيِ الْخَائِنُ لِإِنْسَانٍ عَاهَدَهُ أَوْ أَمَّنَهُ (لِوَاءٌ) أَيْ عَلَمٌ خَلْفَهُ تَشْهِيرًا لَهُ بالغدر وتفضيحا على رؤوس الْأَشْهَادِ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ فَيُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَنَسٍ) أما حديث

باب ما جاء في النزول على الحكم

علي وبن مَسْعُودٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ 9 - (باب مَا جَاءَ فِي النُّزُولِ عَلَى الْحُكْمِ) أَيْ نُزُولِ الْعَدُوِّ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [1582] قَوْلُهُ (رُمِيَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ) أَيْ يَوْمَ غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ (سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ) نَائِبُ الْفَاعِلِ (فَقَطَعُوا) أَيِ الْكُفَّارُ (أَكْحَلَهُ) أَيْ أَكْحَلَ سَعْدٍ وَالْأَكْحَلُ عِرْقٌ فِي وَسَطِ الذِّرَاعِ يكثر فصده (أو) للشك (أبحلة) الأبحل بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ عِرْقٌ فِي بَاطِنِ الذِّرَاعِ (فَحَسَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّارِ) أَيْ قَطَعَ الدَّمَ عَنْهُ بِالْكَيِّ (فَنَزَفَهُ) أَيْ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ كَثِيرٌ حَتَّى ضَعُفَ (فَحَسَمَهُ أُخْرَى) أَيْ مَرَّةً أُخْرَى (فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ) أَيْ فَلَمَّا رَأَى سَعْدٌ عَدَمَ قَطْعِ الدَّمِ (اللَّهُمَّ لَا تُخْرِجْ نَفْسِي) مِنَ الْإِخْرَاجِ (حَتَّى تُقِرَّ عَيْنِي) مِنَ الْإِقْرَارِ وَهُوَ مِنَ الْقُرِّ بِمَعْنَى الْبَرْدِ وَالْمَعْنَى لَا تُمِيتُنِي حَتَّى تَجْعَلَ قُرَّةَ عَيْنِي مِنْ هَلَاكِ بَنِي قُرَيْظَةَ (فَحَكَمَ أَنْ تُقْتَلَ رِجَالُهُمْ وَتُسْتَحْيَى نِسَاؤُهُمْ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فَإِنِّي أَحْكُمُ أَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ (يَسْتَعِينُ بِهِنَّ الْمُسْلِمُونَ) أَيْ تُقَسَّمُ نِسَاؤُهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَيَسْتَعِينُونَ بِهِنَّ وَيَسْتَخْدِمُونَ مِنْهُنَّ (وَكَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ) اخْتُلِفَ فِي عِدَّتِهِمْ فعند بن إِسْحَاقَ أَنَّهُمْ كَانُوا سِتَّمِائَةٍ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي تَرْجَمَةِ سَعْدِ بن معاذ وعند بن عَائِذٍ مِنْ مُرْسَلِ قَتَادَةَ

كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا كَانُوا أَرْبَعَمِائَةٍ فَيُجْمَعُ أَنَّ الْبَاقِينَ كَانُوا أَتْبَاعًا وَقَدْ حكى بن إِسْحَاقَ أَنَّهُ قِيلَ إِنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَمِائَةٍ (اِنْفَتَقَ عِرْقُهُ) أَيِ انْفَتَحَ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ نُزُولُ الْعَدُوِّ عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَلْزَمُهُمْ مَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ قَتْلٍ أَوْ أَسْرٍ وَاسْتِرْقَاقٍ وَقَدْ ذَكَرَ بن إِسْحَاقَ أَنَّ بَنِي قُرَيْظَةَ لَمَّا نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدٍ جَلَسُوا فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمْ جُعِلُوا فِي الْبَيْتَيْنِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عند بن عَائِذٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُمْ جُعِلُوا فِي بَيْتَيْنِ قَالَ بن إِسْحَاقَ فَخَنْدَقُوا لَهُمْ خَنَادِقَ فَضُرِبَتْ أَعْنَاقُهُمْ فَجَرَى الدَّمُ فِي الْخَنْدَقِ وَقَسَمَ أَمْوَالَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَسْهَمَ لِلْخَيْلِ فَكَانَ أَوَّلَ يَوْمٍ وقعت فيه السهمان لها وعند بن سَعْدٍ مِنْ مُرْسَلِ حُمَيْدِ بْنِ بِلَالٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ حَكَمَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ دُورُهُمْ لِلْمُهَاجِرِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ فَلَامَهُ الْأَنْصَارُ فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْتَغْنُوا عَنْ دُورِكُمْ

باب ما جاء في الحلف

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأَمَّا حَدِيثُ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه النسائي وبن حِبَّانَ [1583] قَوْلُهُ (اُقْتُلُوا شُيُوخَ الْمُشْرِكِينَ) أَيِ الرِّجَالَ الْأَقْوِيَاءَ أَهْلَ النَّجْدَةِ وَالْبَأْسِ لَا الْهَرْمَى الَّذِينَ لَا قُوَّةَ لَهُمْ وَلَا رَأْيَ (وَاسْتَحْيُوا) وَفِي رِوَايَةٍ وَاسْتَبْقُوا (شَرْخَهُمْ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيِ الْمُرَاهِقِينَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ فَيَحْرُمُ قَتْلُ الْأَطْفَالِ وَالنِّسَاءِ انْتَهَى (وَالشَّرْخُ الْغِلْمَانُ الَّذِينَ لَمْ يُنْبِتُوا) مِنَ الْإِنْبَاتِ أَيْ لَمْ يَنْبُتْ شَعْرُ عَانَتِهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ [1584] قَوْلُهُ (عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا ظَاءٌ مُشَالَةٌ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ لَهُ حَدِيثٌ يُقَالُ سَكَنَ الْكُوفَةَ (قَالَ عُرِضْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي الْمِشْكَاةِ قَالَ كُنْتُ فِي سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ عُرِضْنَا إِلَخْ (يَوْمَ قُرَيْظَةَ) يَعْنِي يَوْمَ غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ (فَكَانَ مَنْ أَنْبَتَ) أَيِ الشَّعْرَ (قُتِلَ) فَإِنَّهُ مِنْ عَلَامَاتِ الْبُلُوغِ فَيَكُونُ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ (فَخَلَّى سَبِيلَهُ) أَيْ لَمْ يُقْتَلْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْإِنْبَاتَ بُلُوغًا إِنْ لَمْ يُعْرَفِ احْتِلَامُهُ وَلَا سِنُّهُ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَإِنَّمَا اعْتُبِرَ الْإِنْبَاتُ فِي حَقِّهِمْ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ إِذْ لَوْ سُئِلُوا عَنْ الِاحْتِلَامِ أَوْ مَبْلَغِ سِنِّهِمْ لَمْ يَكُونُوا يَتَحَدَّثُوا بِالصِّدْقِ إِذْ رَأَوْا فِيهِ الْهَلَاكَ انْتَهَى (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) فَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ حَدِّ بُلُوغِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ 0 - (باب مَا جَاءَ فِي الْحِلْفِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالْفَاءِ [1585] قَوْلُهُ (أَوْفُوا) مِنَ الْوَفَاءِ وَهُوَ الْقِيَامُ بِمُقْتَضَى الْعَهْدِ (بِحِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيِ الْعُهُودِ الَّتِي وَقَعَتْ فِيهَا مِمَّا لَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ لقوله تعالى أوفوا بالعقود لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ والعدوان (فَإِنَّهُ) أَيِ الْإِسْلَامَ (لَا يَزِيدُهُ) أَيْ حِلْفُ الجاهلية

باب أخذ الجزية من المجوسي

الَّذِي لَيْسَ بِمُخَالِفٍ لِلْإِسْلَامِ (إِلَّا شِدَّةً) أَيْ شدة توثق فيلزمكم الوفاء به قال القارىء فَإِنَّ الْإِسْلَامَ أَقْوَى مِنَ الْحِلْفِ فَمَنِ اسْتَمْسَكَ بِالْعَاصِمِ الْقَوِيِّ اسْتَغْنَى عَنِ الْعَاصِمِ الضَّعِيفِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَصْلُ الْحِلْفِ الْمُعَاقَدَةُ عَلَى التَّعَاضُدِ وَالتَّسَاعُدِ وَالِاتِّفَاقِ فَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى الْفِتَنِ وَالْقِتَالِ بَيْنَ الْقَبَائِلِ فَذَلِكَ الَّذِي وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ فِي الْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَمَا كَانَ مِنْهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى نُصْرَةِ الْمَظْلُومِ وَصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَنَحْوِهِمَا فَذَلِكَ الَّذِي قَالَ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً (وَلَا تُحْدِثُوا) مِنَ الْإِحْدَاثِ أَيْ لَا تَبْتَدِعُوا (حِلْفًا فِي الْإِسْلَامِ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ لَا تُحْدِثُوا فِيهِ مُحَالَفَةً بِأَنْ يَرِثَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فإنه لا عبرة به انتهى وقال القارىء أَيْ لِأَنَّهُ كَافٍ فِي وُجُوبِ التَّعَاوُنِ قَالَ الطِّيبِيُّ التَّنْكِيرُ فِيهِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لِلْجِنْسِ أَيْ لَا تُحْدِثُوا حِلْفًا مَا والاخر أن يكون للنوع قال القارىء الظَّاهِرُ هُوَ الثَّانِي وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْمُظْهِرِ يَعْنِي إِنْ كُنْتُمْ حَلَفْتُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِأَنْ يُعِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَيَرِثَ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا أَسْلَمْتُمْ فَأَوْفُوا بِهِ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يُحَرِّضُكُمْ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ وَلَكِنْ لَا تُحْدِثُوا مُحَالَفَةً فِي الْإِسْلَامِ بِأَنْ يَرِثَ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً وَأَمَّا أَحَادِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرِهِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ 1 - (باب أخذ الجزية من المجوسي) الْجِزْيَةُ مِنْ جَزَّأْتُ الشَّيْءَ إِذَا قَسَّمْتُهُ ثُمَّ سُهِّلَتِ الْهَمْزَةُ وَقِيلَ مِنَ الْجَزَاءِ أَيْ لِأَنَّهَا جَزَاءُ تَرْكِهِمْ بِبِلَادِ الْإِسْلَامِ أَوْ مِنَ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّهَا مِنْ تَوَاضُعٍ عَلَيْهِ فِي عِصْمَةِ دَمِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يد وهم صاغرون أَيْ ذَلِيلُونَ حَقِيرُونَ وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الْأَصْلُ في مشروعية

الْجِزْيَةِ وَدَلَّ مَنْطُوقُ الْآيَةِ مَعَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَفْهُومُهَا أَنَّ غَيْرَهُمْ لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ثَبَتَتِ الْجِزْيَةُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالْكِتَابِ وَعَلَى الْمَجُوسِ بِالسُّنَّةِ وَاحْتَجَّ غَيْرُهُ بِعُمُومِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَغَيْرِهِ فَإِذَا أَلْفَيْتَ عَدُوَّكَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوا وَإِلَّا فَالْجِزْيَةُ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ أَخْذَهَا مِنَ الْمَجُوسِ يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ مَفْهُومِ الْآيَةِ فَلَمَّا انْتَفَى تَخْصِيصُ أَهْلِ الْكِتَابِ بِذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنْ لَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَجُوسَ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ ثُمَّ رُفِعَ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ حَدِيثًا عَنْ عَلِيٍّ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ [1586] قَوْلُهُ (عَنْ بَجَالَةَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ (بْنِ عَبْدَةَ) التَّمِيمِيِّ مَكِّيٌّ ثِقَةٌ وَيُعَدُّ فِي أَهْلِ الْبَصْرَةِ (قَالَ كُنْت كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَبِهَمْزَةٍ هُوَ تَمِيمِيٌّ تَابِعِيٌّ كَانَ وَالِي عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِالْأَهْوَازِ (عَلَى مَنَاذِرَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ اسْمُ مَوْضِعٍ (اُنْظُرْ مَجُوسَ مَنْ قِبَلَكَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ) بِفَتْحِ هَاءٍ وَجِيمٍ قَاعِدَةُ أَرْضِ الْبَحْرَيْنِ كَذَا فِي الْمُغْنِي وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ قَالَ الطِّيبِيُّ اسْمُ بَلَدٍ بِالْيَمَنِ يَلِي الْبَحْرِينِ وَاسْتِعْمَالُهُ عَلَى التَّذْكِيرِ وَالصَّرْفِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ هَجَرُ مُحَرَّكَةٌ بَلَدٌ بِالْيَمَنِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَثْرَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ وَقَدْ يُؤَنَّثُ وَيُمْنَعُ وَاسْمٌ لِجَمِيعِ أَرْضِ الْبَحْرَيْنِ وَقَرْيَةٌ كَانَتْ قُرْبَ الْمَدِينَةِ يُنْسَبُ إِلَيْهَا الْقِلَالُ وَتُنْسَبُ إِلَى هَجَرَ الْيَمَنِ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَجْمَعُوا عَلَى أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنَ الْمَجُوسِ وَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا أُخِذَتِ الْجِزْيَةُ مِنْهُمْ بِالسُّنَّةِ كَمَا أُخِذَتْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِالْكِتَابِ وَقِيلَ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ كَانَ لَهُمْ كِتَابٌ يَدْرُسُونَهُ فَأَصْبَحُوا وَقَدْ أُسْرِيَ عَلَى كِتَابِهِمْ فَرُفِعَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ رَوَى الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ كان المجوس أهل كتاب يقرأونه وَعِلْمٍ يَدْرُسُونَهُ فَشَرِبَ أَمِيرُهُمُ الْخَمْرَ فَوَقَعَ عَلَى أُخْتِهِ فَلَمَّا أَصْبَحَ دَعَا أَهْلَ الطَّمَعِ فَأَعْطَاهُمْ وَقَالَ إِنَّ آدَمَ كَانَ يُنْكِحُ أَوْلَادَهُ بَنَاتِهِ فَأَطَاعُوهُ وَقَتَلَ مَنْ خَالَفَهُ فَأُسْرِيَ عَلَى كِتَابِهِمْ وَعَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنْهُ فَلَمْ يَبْقَ عِنْدَهُمْ مِنْهُ شَيْءٌ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَجُوسَ يُؤْخَذُ مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ فَقَالُوا تُؤْخَذُ مِنْ مَجُوسِ الْعَجَمِ دُونَ مَجُوسِ الْعَرَبِ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ عَنْهُمْ يُقْبَلُ الْجِزْيَةُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمِنْ جَمِيعِ كُفَّارِ الْعَجَمِ وَلَا يُقْبَلُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ

باب ما جاء ما يحل من أموال أهل الذمة

إِلَّا الْإِسْلَامُ أَوِ السَّيْفُ وَعَنْ مَالِكٍ تُقْبَلُ مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ إِلَّا مَنِ ارْتَدَّ وَبِهِ قال الأوزاعي وفقهاء الشام انتهى وقال القارىء فِي شَرْحِ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْآتِي فِي بَابِ وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِتَالِ مَا لَفْظُهُ وَالْحَدِيثُ مِمَّا يَسْتَدِلُّ بِهِ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ مِنْ جَمِيعِ الْكُفَّارِ إِلَّا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَمَجُوسِهِمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تُقْبَلُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِ أَعْرَابًا كَانُوا أَوْ أَعَاجِمَ وَيَحْتَجُّ بِمَفْهُومِ الْآيَةِ وَبِحَدِيثِ سُنُّوا بِهِ سُنَّةَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَتَأَوَّلَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْكِتَابِ لِأَنَّ اسْمَ الْمُشْرِكِ يُطْلَقُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ وَكَانَ تَخْصِيصُهُ مَعْلُومًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا) لِهَذَا الْحَدِيثِ طُرُقٌ وَأَلْفَاظٌ فِي بَعْضِهَا اخْتِصَارٌ وَفِي بَعْضِهَا طُولٌ ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَصْلُهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ 2 - (باب ما جاء مَا يَحِلُّ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ) [1589] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ) اسْمُهُ مَرْثَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيُّ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (إِنَّمَا نَمُرُّ بِقَوْمٍ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أو من المسلمين (فلاهم يُضَيِّفُونَّا) بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَكَانَ أَصْلُهُ يُضَيِّفُونَنَا

مِنَ الْإِضَافَةِ (إِنْ أَبَوْا) أَيْ إِنِ امْتَنَعُوا مِنَ الْإِضَافَةِ وَأَدَاءِ مَا لَكُمْ عَلَيْهِمْ مِنَ الْحَقِّ (إِلَّا أَنْ تَأْخُذُوا كَرْهًا) بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ جَبْرًا (فَخُذُوا) أَيْ كَرْهًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا كَانَ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ وَأَمَّا الْيَوْمَ فَأَرْزَاقُهُمْ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَا حَقَّ لَهُمْ فِي أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ بن بَطَّالٍ قَالَ أَكْثَرُهُمْ إِنَّهُ كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ كَانَتِ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةً وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ جَائِزَتَهُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ مَرْفُوعًا مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ الْحَدِيثَ قَالُوا والجائزة تفضل لا واجب قَالَ الشَّوْكَانِيُّ الَّذِي يَنْبَغِي عَلَيْهِ التَّعْوِيلُ هُوَ أَنَّ تَخْصِيصَ مَا شَرَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّتِهِ بِزَمَنٍ مِنَ الْأَزْمَانِ أَوْ حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يقم ها هنا دَلِيلٌ عَلَى تَخْصِيصِ هَذَا الْحُكْمِ بِزَمَنِ النُّبُوَّةِ وَلَيْسَ فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الضِّيَافَةِ بَعْدَ شِرْعَتِهَا قَدْ صَارَتْ لَازِمَةً لِلْمُضِيفِ لِكُلِّ نَازِلٍ عَلَيْهِ فَلِلنَّازِلِ الْمُطَالَبَةُ بِهَذَا الْحَقِّ الثَّابِتِ شَرْعًا كَالْمُطَالَبَةِ بِسَائِرِ الْحُقُوقِ فَإِذَا أَسَاءَ إِلَيْهِ وَاعْتَدَى عَلَيْهِ بِإِهْمَالِ حَقِّهِ كَانَ لَهُ مُكَافَأَةٌ بِمَا أَبَاحَهُ لَهُ الشَّارِعُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) انْتَهَى قُلْتُ كَمَا أَنَّ تَأْوِيلَ هَذَا الْحَدِيثِ بِتَخْصِيصِهِ بِزَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفٌ كَذَلِكَ تَأْوِيلَاتُهُ الْأُخْرَى الَّتِي تَأَوَّلُوهُ بِهَا ضَعِيفَةٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا قَالَ النَّوَوِيُّ حَمَلَ أَحْمَدُ وَاللَّيْثُ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُضْطَرِّينَ فَإِنَّ ضِيَافَتَهُمْ وَاجِبَةٌ وَثَانِيهَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ أَعْرَاضِهِمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَذْكُرُوا لِلنَّاسِ لُؤْمَهُمْ وَثَالِثُهَا أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ وَكَانَتِ الْمُوَاسَاةُ وَاجِبَةً فَلَمَّا أُشِيعَ الْإِسْلَامُ نُسِخَ ذَلِكَ وَهَذَا التَّأْوِيلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الَّذِي ادعاه المؤول لَا يُعْرَفُ قَائِلُهُ وَرَابِعُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ مَرَّ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ شُرِطَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا صَارَ هَذَا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ انْتَهَى قُلْتُ التَّأْوِيلُ الثَّانِي أَيْضًا بَاطِلٌ قال القارىء بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا أَبْعَدَ هَذَا التَّأْوِيلِ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ انْتَهَى وَالتَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ هُوَ مَا قَالَ أَحْمَدُ وَاللَّيْثُ مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ أَلَا وَقَدْ قَرَّرَهُ الشَّوْكَانِيُّ وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ الْمُفَسَّرُ قَابِلًا لِلِاحْتِجَاجِ فَحَمْلُ حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى مُتَعَيِّنٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ

باب ما جاء في الهجرة

33 - (باب مَا جَاءَ فِي الْهِجْرَةِ) [1590] قَوْلُهُ (لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ) أَيْ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ كَانَتِ الْهِجْرَةُ فَرْضًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَدِينَةِ وَحَاجَتِهِمْ إِلَى الِاجْتِمَاعِ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ مَكَّةَ دَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَقَطَ فَرْضُ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَبَقِيَ فَرْضُ الْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ عَلَى مَنْ قَامَ بِهِ أَوْ نَزَلَ بِهِ عَدُوٌّ انْتَهَى وَكَانَتِ الْحِكْمَةُ أَيْضًا فِي وُجُوبِ الْهِجْرَةِ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ لِيَسْلَمَ مِنْ أَذَى ذَوِيهِ مِنَ الْكُفَّارِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُعَذِّبُونَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إِلَى أَنْ يَرْجِعَ عَنْ دِينِهِ وَفِيهِمْ نَزَلَتْ إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ الله واسعة فتهاجروا فيها الْآيَةَ وَهَذِهِ الْهِجْرَةُ بَاقِيَةُ الْحُكْمِ فِي حَقِّ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْكُفْرِ وَقَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهَا وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ مشرك عملا بعد ما أَسْلَمَ وَيُفَارِقُ الْمُشْرِكِينَ وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَأْمَنْ عَلَى دِينِهِ (وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ يَقْتَضِي مُخَالَفَةَ حُكْمِ مَا بَعْدَهُ لِمَا قَبْلَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْهِجْرَةَ الَّتِي هِيَ مُفَارَقَةُ الْوَطَنِ الَّتِي كَانَتْ مَطْلُوبَةً عَلَى الْأَعْيَانِ إِلَى الْمَدِينَةِ انْقَطَعَتْ إِلَّا أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِسَبَبِ الْجِهَادِ بَاقِيَةٌ وَكَذَلِكَ الْمُفَارَقَةُ بِسَبَبِ نِيَّةٍ صَالِحَةٍ كَالْفِرَارِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ وَالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْفِرَارِ بِالدِّينِ مِنَ الْفِتَنِ وَالنِّيَّةِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا) قَالَ النَّوَوِيُّ يُرِيدُ أَنَّ الْخَيْرَ الَّذِي انْقَطَعَ بِانْقِطَاعِ الْهِجْرَةِ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ بِالْجِهَادِ وَالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَإِذَا أَمَرَكُمُ الْإِمَامُ بِالْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَاخْرُجُوا إِلَيْهِ

باب ما جاء في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ) وَأَمَّا حَدِيثُ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حسن صحيح) أخرجه الجماعة إلا بن مَاجَهْ 4 - (باب مَا جَاءَ فِي بَيْعَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [1591] قَوْلُهُ (إِذْ يُبَايِعُونَك) أَيْ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يُنَاجِزُوا قُرَيْشًا وَلَا يسفروا (تحت الشجرة) كَانَتْ هَذِهِ الشَّجَرَةُ سَمُرَةً (بَايَعْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا نَفِرَّ وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ) وَفِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ الْآتِي قَالَ قُلْتُ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ عَلَى أَيِّ شَيْءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ عَلَى الْمَوْتِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَقَامَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وبن عُمَرَ وَعُبَادَةَ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ

قَوْلُهُ (قَالَ عَلَى الْمَوْتِ) أَيْ بَايَعْنَا عَلَى الْمَوْتِ وَالْمُرَادُ بِالْمُبَايَعَةِ عَلَى الْمَوْتِ أَنْ لَا يَفِرُّوا وَلَوْ مَاتُوا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَقَعَ الْمَوْتُ فَلَيْسَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مُنَافَاةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (فَيَقُولُ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ) هَذَا يُقَيِّدُ مَا أُطْلِقَ فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا) أَيْ حَدِيثُ جَابِرٍ (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَمَعْنَى كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ) أَيْ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثَيْنِ حَدِيثُ جابر وحديث سلمة بن الأكوع

باب في نكث البيعة

35 - (باب فِي نَكْثِ الْبَيْعَةِ) أَيْ نَقْضِهَا وَالنَّكْثُ نَقْضُ الْعَهْدِ [1595] قَوْلُهُ (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ مَعْنَى لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ تَكْلِيمُ مَنْ رَضِيَ عَنْهُ بِإِظْهَارِ الرِّضَا بَلْ بِكَلَامٍ يَدُلُّ عَلَى السُّخْطِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُمْ وَقِيلَ لَا يُكَلِّمُهُمْ كَلَامًا يَسُرُّهُمْ وَقِيلَ لَا يُرْسِلُ إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ بِالتَّحِيَّةِ وَمَعْنَى لَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يُعْرِضُ عَنْهُمْ وَمَعْنَى نَظَرِهِ لِعِبَادِهِ رَحْمَتُهُ لَهُمْ وَلُطْفُهُ بِهِمْ وَمَعْنَى لَا يُزَكِّيهِمْ لَا يُطَهِّرُهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَقِيلَ لَا يُثْنِي عَلَيْهِمِ انْتَهَى (رَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا) زاد في رواية البخاري لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا (فَإِنْ أَعْطَاهُ وَفَّى لَهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَّى لَهُ وَإِنْ لَمْ يَفِ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ رَضِيَ وَإِلَّا سَخِطَ اعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ وَاحِدًا مِنَ الثَّلَاثَةِ وَتَرَكَ الِاثْنَيْنِ اخْتِصَارًا وَلَفْظُ الْحَدِيثِ بِتَمَامِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ هَكَذَا ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يزكهم وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بالطريق يمنع منه بن السَّبِيلِ وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِدُنْيَا فَإِنْ أَعْطَاهُ مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ وإلا لم يف له ورجل بايع رَجُلًا بِسِلْعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى كَذَا وَكَذَا فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَلَمْ يُعْطِ بِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 6 - (باب مَا جَاءَ فِي بَيْعَةِ الْعَبْدِ) [1596] قَوْلُهُ (فَجَاءَ سَيِّدُهُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فجاء سيده يريده قوله (فَاشْتَرَاهُ بِعَبْدَيْنِ أَسْوَدَيْنِ) قَالَ

باب ما جاء في بيعة النساء

النَّوَوِيُّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ مُسْلِمًا وَلِهَذَا بَاعَهُ بِالْعَبْدَيْنِ الْأَسْوَدَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ بِكَافِرٍ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا وَأَنَّهُمَا كَانَا كَافِرَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ مِلْكِهِ لِلْعَبْدِ الَّذِي بَايَعَ عَلَى الْهِجْرَةِ إِمَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِمَّا بِتَصْدِيقِ الْعَبْدِ قَبْلَ إِقْرَارِهِ بِالْحُرِّيَّةِ وَفِيهِ جَوَازُ بَيْعِ عَبْدٍ بِعَبْدَيْنِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْقِيمَةُ مُتَّفِقَةً أَوْ مُخْتَلِفَةً وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إِذَا بِيعَ نَقْدًا وَكَذَا حُكْمُ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَإِنْ بَاعَ عَبْدًا بِعَبْدَيْنِ أَوْ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ إِلَى أَجَلٍ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ جَوَازُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ لَا يَجُوزُ وَفِيهِ مَذْهَبٌ لِغَيْرِهِمُ انْتَهَى (وَلَمْ يُبَايِعْ أَحَدًا بَعْدُ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ (حَتَّى يَسْأَلَهُ أَعَبْدٌ هُوَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَفِيهِ أَنَّ أَحَدًا إِذَا جَاءَ الْإِمَامَ لِيُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ حُرٌّ فَلَا يُبَايِعْهُ حَتَّى يَسْأَلَهُ فَإِنْ كَانَ حُرًّا يُبَايِعْهُ وَإِلَّا فَلَا قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ) أَيْ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَهَذَا هُوَ وَجْهُ كَوْنِهِ غَرِيبًا 7 - (باب مَا جَاءَ فِي بَيْعَةِ النِّسَاءِ) قَوْلُهُ (سَمِعَ أُمَيْمَةَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ (بِنْتَ رُقَيْقَةَ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ اسْمُ أَبِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَجَادٍ التَّيْمِيُّ لَهَا حَدِيثَانِ وَهِيَ غَيْرُ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ الثَّقَفِيَّةِ تَابِعِيَّةٌ [1597] قَوْلُهُ (وَأَطَقْتُنَّ) مِنَ الْإِطَاقَةِ (قَالَ سُفْيَانُ تَعْنِي صَافَحْنَا) أَيْ قال سفيان في تفسير قوله

أُمَيْمَةَ بَايَعْنَا تُرِيدُ بِهِ صَافَحْنَا يَعْنِي أَطْلَقَتْ لَفْظَ بَايَعْنَا وَأَرَادَتْ بِهِ صَافَحْنَا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَوْلِي إِلَخْ) كَذَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرِيُّ أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي نِسْوَةٍ تُبَايِعُ فَقُلْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْسُطْ يَدَك نُصَافِحْكَ فَقَالَ إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ وَلَكِنْ سَآخُذُ عَلَيْكُنَّ فَأَخَذَ عَلَيْنَا حَتَّى بَلَغَ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَقَالَ فِيمَا أَطَقْتُنَّ وَاسْتَطَعْتُنَّ إِلَخْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا أَيْ يَقُولُ ذَلِكَ كَلَامًا فَقَطْ لَا مُصَافَحَةً بِالْيَدِ كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِمُصَافَحَةِ الرِّجَالِ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ وَكَأَنَّ عَائِشَةَ أَشَارَتْ بِقَوْلِهَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ إِلَخْ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَا جَاءَ عَنْ أُمِّ عطية فعند بن خزيمة وبن حبان والبزار والطبري وبن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي قِصَّةِ الْمُبَايَعَةِ قَالَ فَمَدَّ يَدَهُ مِنْ خَارِجِ الْبَيْتِ وَمَدَدْنَا أَيْدِيَنَا مِنْ دَاخِلِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ لَهُمُ اشْهَدْ وَكَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي بَعْدَهُ حَيْثُ قَالَتْ فِيهِ قَبَضَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ يَدَهَا فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُنَّ كُنَّ يُبَايِعْنَهُ بِأَيْدِيهِنَّ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَدَّ الْأَيْدِي مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ إِشَارَةٌ إِلَى وُقُوعِ الْمُبَايَعَةِ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ مُصَافَحَةٌ وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَبْضِ الْيَدِ التَّأَخُّرُ عَنِ الْقَبُولِ أَوْ كَانَتِ الْمُبَايَعَةُ تَقَعُ بِحَائِلٍ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَايَعَ النِّسَاءَ أَتَى بِبُرْدٍ قَطَرِيٍّ فَوَضَعَهُ فِي يَدِهِ وَقَالَ لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مُرْسَلًا نَحْوُهُ وَعِنْدَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ كَذَلِكَ وَأَخْرَجَ بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بَكِيرٍ عَنْهُ عَنْ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْمِسُ يَدَهُ فِي إِنَاءٍ وَتَغْمِسُ الْمَرْأَةُ يَدَهَا فِيهِ وَيُحْتَمَلُ التَّعَدُّدُ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِوَاسِطَةِ عُمَرَ وَقَدْ جَاءَ فِي أَخْبَارٍ أُخْرَى أَنَّهُنَّ كُنَّ يَأْخُذْنَ بِيَدِهِ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ أَخْرَجَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَفِي الْمَغَازِي لِابْنِ إِسْحَاقَ عَنْ أَبَانِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ كَانَ يَغْمِسُ يَدَهُ فِي إِنَاءٍ فَيَغْمِسْنَ أَيْدِيَهُنَّ فِيهِ انْتَهَى مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي اعْلَمْ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ تَكُونَ بَيْعَةُ الرِّجَالِ بِالْمُصَافَحَةِ وَالسُّنَّةُ فِي الْمُصَافَحَةِ أَنْ تَكُونَ بِالْيَدِ الْيُمْنَى فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعَكَ فبسط يمينه الحديث قال القارىء فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيِ افْتَحْ يَمِينَكَ ومدها لأضع

باب ما جاء في عدة أصحاب بدر

يَمِينِي عَلَيْهَا كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي الْبَيْعَةِ انْتَهَى وَفِي هَذَا الْبَابِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ وَكَذَلِكَ السُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ الْمُصَافَحَةُ بِالْيَدِ الْيُمْنَى عِنْدَ اللِّقَاءِ أَيْضًا وَأَمَّا الْمُصَافَحَةُ بِالْيَدَيْنِ عند اللقاء أو عند البيعة فلم تَثْبُتْ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ صَحِيحٍ صَرِيحٍ وَقَدْ حَقَّقْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ بِالْمَقَالَةِ الْحُسْنَى فِي سُنِّيَّةِ الْمُصَافَحَةِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي عِدَّةِ أَصْحَابِ بَدْرٍ) أَيِ الَّذِينَ شَهِدُوا الْوَقْعَةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ أُلْحِقَ بِهِمْ [1598] قَوْلُهُ (كَعِدَّةِ أصحاب طالوت) هو بن قَيْسٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ بِنْيَامِينَ بْنِ يَعْقُوبَ شَقِيقِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُقَالُ إِنَّهُ كَانَ سَقَّاءً وَيُقَالُ إِنَّهُ كَانَ دَبَّاغًا وَالْمُرَادُ بِأَصْحَابِ طَالُوتَ الذين جاوزا مَعَهُ النَّهَرَ وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ إِلَّا مُؤْمِنٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ قِصَّةَ طَالُوتَ وَجَالُوتَ فِي الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْأَخْبَارِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهَرِ نَهَرُ الْأُرْدُنِّ وَأَنَّ جَالُوتَ كَانَ رَأْسَ الْجَبَّارِينَ وَأَنَّ طَالُوتَ وَعَدَ مَنْ قَتَلَ جَالُوتَ أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ وَيُقَاسِمَهُ الْمُلْكَ فَقَتَلَهُ دَاوُدُ فَوَفَّى لَهُ طَالُوتُ وَعَظُمَ قَدْرُ دَاوُدَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى اسْتَقَلَّ بِالْمَمْلَكَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ نِيَّةُ طَالُوتَ تَغَيَّرَتْ لِدَاوُدَ وَهَمَّ بِقَتْلِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فَتَابَ وَانْخَلَعَ مِنَ الْمُلْكِ وَخَرَجَ مُجَاهِدًا هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ وَلَدِهِ حَتَّى مَاتُوا كُلُّهُمْ شُهَدَاءَ وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قِصَّتَهُ مُطَوَّلَةً فِي الْمُبْتَدَأِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (ثَلَاثَ مِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ) كَذَا وَقَعَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ هَذَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَكَذَا وَقَعَ فِي حديث بن عَبَّاسٍ قَالَ الْحَافِظُ وَلِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حديث بن عَبَّاسٍ كَانَ أَهْلُ بَدْرٍ ثَلَاثَ مِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عشر وكذلك أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبِيدَةَ بْنِ عَمْرٍو السَّلَمَانِيِّ أَحَدِ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ وَصَلَهُ بِذِكْرِ عَلِيٍّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ بن إِسْحَاقَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي

باب ما جاء في الخمس

انْتَهَى وَقَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَكَانَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَفِي بَعْضِهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِي بَعْضِهَا سَبْعَةَ عَشَرَ وَفِي بَعْضِهَا تِسْعَةَ عَشَرَ وَقَدْ جَمَعَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ جَمْعًا حَسَنًا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجِعْهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عَبَّاسٍ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ آنِفًا قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 9 - (بَاب مَا جاء فِي الْخُمُسِ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ فَرْضِ الْخُمُسِ كَانَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه وللرسول الْآيَةَ وَكَانَتِ الْغَنَائِمُ تُقَسَّمُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ فَيُعْزَلُ خُمُسٌ مِنْهَا يُصْرَفُ فِيمَنْ ذُكِرَ فِي الْآيَةِ وَكَانَ خُمُسُ هَذَا الْخُمُسِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتُلِفَ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّهُ بَعْدَهُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُصْرَفُ فِي الْمَصَالِحِ وَعَنْهُ يُرَدُّ عَلَى الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِيهِمْ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِهِ الْخَلِيفَةُ وَيُقَسَّمُ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْغَنِيمَةِ عَلَى الْغَانِمِينَ إِلَّا السَّلَبَ فَإِنَّهُ لِلْقَاتِلِ عَلَى الرَّاجِحِ كَذَا فِي الْفَتْحِ [1599] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالرَّاءِ اسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِقِصَّتِهِ

باب ما جاء في كراهية النهبة

40 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النُّهْبَةِ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ النَّهْبَةُ بِالْفَتْحِ مَصْدَرٌ وَبِالضَّمِّ الْمَالُ الْمَنْهُوبُ قَوْلُهُ (عَنْ عَبَايَةَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَحْتَانِيَّةٌ خَفِيفَةٌ (بْنُ رِفَاعَةَ) بكسر الراء بن خَدِيجٍ الْأَنْصَارِيِّ الزُّرَقِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ [1600] قَوْلُهُ (فَتَقَدَّمَ سَرَعَانُ النَّاسِ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ سَرَعَانُ النَّاسِ هُوَ بِفَتْحَتَيْنِ أَوَائِلُهُمُ الَّذِينَ يَتَسَارَعُونَ إِلَى الْمَشْيِ وَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ بِسُرْعَةٍ يَجُوزُ سُكُونُ الرَّاءِ (فَاطَّبَخُوا) هُوَ افْتَعَلُوا مِنَ الطَّبْخِ وَهُوَ عَامٌّ لِمَنْ يَطْبُخُ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَالِاطِّبَاخُ خَاصٌّ لِنَفْسِهِ (فِي أُخْرَى النَّاسِ) أَيْ فِي الطَّائِفَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْهُمْ (فَأُكْفِئَتْ بِصِيغَةِ) الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِكْفَاءِ أَيْ قُلِبَتْ وَأُرِيقَ مَا فِيهَا لِأَنَّهُمْ ذَبَحُوا الْغَنَمَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْمَكَانِ فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا سَبَبُ الْإِرَاقَةِ وَالثَّانِي هَلْ أُتْلِفَ اللَّحْمُ أَمْ لَا فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَالَ عِيَاضٌ كَانُوا انْتَهَوْا إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَالْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ الْأَكْلُ مِنْ مَالِ الْغَنِيمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ إِلَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَأَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ ذَلِكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ إِنَّمَا هُوَ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أن سبب ذلك كونهم انتهبوها ولم يَأْخُذُوهَا بِاعْتِدَالٍ وَعَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ مَا يَدُلُّ لِذَلِكَ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَهُ صُحْبَةٌ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ أَصَابَ النَّاسَ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ فَأَصَابُوا غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغْلِي بِهَا إِذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَرَسِهِ فَأَكْفَأ قُدُورَنَا بِقَوْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ يُرْمِلُ اللَّحْمَ بِالتُّرَابِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنَ الْمَيْتَةِ انْتَهَى وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَامَلَهُمْ مِنْ أَجْلِ اسْتِعْجَالِهِمْ بِنَقِيضِ قَصْدِهِمْ كَمَا عُومِلَ الْقَاتِلُ بِمَنْعِ الْمِيرَاثِ وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمَأْمُورُ بِهِ مِنْ إِرَاقَةِ الْقُدُورِ إِنَّمَا هُوَ إِتْلَافُ الْمَرَقِ عُقُوبَةً لَهُمْ وَأَمَّا اللَّحْمُ فَلَمْ يُتْلِفُوهُ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ جُمِعَ وَرُدَّ إِلَى الْمَغْنَمِ وَلَا يُظَنُّ أَنَّهُ أَمَرَ بِإِتْلَافِهِ مَعَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ وَهَذَا مِنْ مَالِ الْغَانِمِينَ وَأَيْضًا فَالْجِنَايَةُ بِطَبْخِهِ لَمْ تَقَعْ مِنْ جَمِيعِ مُسْتَحِقِّي الْغَنِيمَةِ فَإِنَّ

مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَطْبُخْ وَمِنْهُمُ الْمُسْتَحِقُّونَ لِلْخُمُسِ فَإِنْ قِيلَ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ حَمَلُوا اللَّحْمَ إِلَى الْمَغْنَمِ قُلْنَا وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُمْ أَحْرَقُوهُ أَوْ أَتْلَفُوهُ فَيَجِبُ تَأْوِيلُهُ عَلَى وَفْقِ الْقَوَاعِدِ انْتَهَى وَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ فَإِنَّهُ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَتَرْكُ تَسْمِيَةِ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ وَرِجَالُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَا يُقَالُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَتْرِيبِ اللَّحْمِ إِتْلَافُهُ لِإِمْكَانِ تَدَارُكِهِ بِالْغَسْلِ لِأَنَّ السِّيَاقَ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ أُرِيدَ الْمُبَالَغَةُ فِي الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَلَوْ كَانَ بِصَدَدِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَبِيرُ زَجْرٍ لِأَنَّ الَّذِي يَخُصُّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ نَزْرٌ يَسِيرٌ فَكَانَ إِفْسَادُهَا عَلَيْهِمْ مَعَ تَعَلُّقِ قُلُوبِهِمْ بِهَا وَحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا وَشَهْوَتِهِمْ لَهَا أَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (فَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ) قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ قِيمَةَ الْغَنَمِ إِذْ ذَاكَ فَلَعَلَّ الْإِبِلَ كَانَتْ قَلِيلَةً أَوْ نَفِيسَةً وَالْغَنَمُ كَانَتْ كَثِيرَةً أَوْ هَزِيلَةً بِحَيْثُ كَانَتْ قِيمَةُ الْبَعِيرِ عَشْرَ شِيَاهٍ وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْقَاعِدَةُ فِي الْأَضَاحِيِّ مِنْ أَنَّ الْبَعِيرَ يُجْزِئُ عَنْ سَبْعِ شِيَاهٍ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْغَالِبُ فِي قِيمَةِ الشَّاةِ وَالْبَعِيرِ الْمُعْتَدِلَيْنِ وَأَمَّا هَذِهِ الْقِسْمَةُ فَكَانَتْ وَاقِعَةَ عَيْنٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ التَّعْدِيلُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ نَفَاسَةِ الْإِبِلِ دُونَ الْغَنَمِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ كُلُّ سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ وَالْبَدَنَةُ تُطْلَقُ عَلَى النَّاقَةِ والبقرة وأما حديث بن عَبَّاسٍ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ الْأَضْحَى فَاشْتَرَكْنَا فِي الْبَقَرَةِ وَفِي الْبَدَنَةِ عَشَرَةٌ فَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَعَضَّدَهُ بِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ هَذَا وَاَلَّذِي يَتَحَرَّرُ فِي هَذَا أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْبَعِيرَ بِسَبْعَةٍ مَا لَمْ يَعْرِضْ عَارِضٌ مِنْ نَفَاسَةٍ وَنَحْوِهَا فَيَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِحَسَبِ ذَلِكَ وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ (وَهَذَا أَصَحُّ) أخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ إِلَخْ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ أَحَادِيثَ هؤلاء الصحابة

باب ما جاء في التسليم على أهل الكتاب

[1601] قَوْلُهُ (مَنِ انْتَهَبَ) أَيْ أَخَذَ مَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ قَهْرًا جَهْرًا (فَلَيْسَ مِنَّا) أَيْ لَيْسَ مِنَ الْمُطِيعِينَ لِأَمْرِنَا لِأَنَّ أَخْذَ مَالِ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَلَا عُلِمَ رِضَاهُ حَرَامٌ بَلْ يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَقَالَ القارىء لَيْسَ مِنْ جَمَاعَتِنَا وَعَلَى طَرِيقَتِنَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالضِّيَاءُ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى أَهْلِ الكتاب) [1602] قوله (لا تبدأوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى) أَيْ وَلَوْ كَانُوا ذِمِّيِّينَ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمَا مِنَ الْكُفَّارِ (بِالسَّلَامِ لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهِ إِعْزَازٌ لِلْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ إِعْزَازُهُمْ وَكَذَا لَا يَجُوزُ تَوَادُدُهُمْ وَتَحَابُبُهُمْ بِالسَّلَامِ وَنَحْوِهِ) قَالَ تَعَالَى لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ الْآيَةَ وَلِأَنَّا مَأْمُورُونَ بِإِذْلَالِهِمْ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ سبحانه بقوله (وهم صاغرون) كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَاضْطَرُّوهُ) أَيْ أَلْجِئُوهُ (إِلَى أَضْيَقِهِ) أَيْ أَضْيَقِ الطَّرِيقِ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ جِدَارٌ يَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ وَإِلَّا فَيَأْمُرُهُ لِيَعْدِلَ عَنْ وَسَطِ الطَّرِيقِ إِلَى أَحَدِ طَرَفَيْهِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ وَلَا يَحْرُمُ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ فَالصَّوَابُ تَحْرِيمُ ابْتِدَائِهِمْ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إِنْ سَلَّمَتْ فَقَدْ سَلَّمَ الصَّالِحُونَ وَإِنْ تَرَكْتَ فَقَدْ تَرَكَ الصَّالِحُونَ وَأَمَّا الْمُبْتَدِعُ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُبْدَأُ بِالسَّلَامِ إِلَّا لِعُذْرٍ وَخَوْفٍ مِنْ مَفْسَدَةٍ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَبَانَ ذِمِّيًّا اسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَرِدَّ سَلَامَهُ بِأَنْ يَقُولَ اسْتَرْجَعْتُ سَلَامِي تَحْقِيرًا لَهُ وَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُتْرَكُ لِلذِّمِّيِّ صَدْرُ الطَّرِيقِ بَلْ يُضْطَرُّ إِلَى أَضْيَقِهِ وَلَكِنَّ التَّضْيِيقَ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ فِي وَهْدَةٍ وَنَحْوِهَا وَإِنْ خَلَتِ الطَّرِيقُ عَنِ الزَّحْمَةِ فَلَا حَرَجَ انْتَهَى

باب ما جاء في كراهية المقام بين أظهر المشركين

قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ) وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ [1603] قَوْلُهُ (فَإِنَّمَا يَقُولُ السَّامُ عَلَيْكَ) أَيِ الْمَوْتُ الْعَاجِلُ عَلَيْكَ (فَقُلْ عَلَيْكَ) وَفِي الْمِشْكَاةِ وَعَلَيْكَ بِالْوَاوِ قال القارىء فِي الْمِشْكَاةِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَيْكَ بِغَيْرِ وَاوٍ وَأَنَّهُ رُوِيَ بِالْوَاوِ أَيْضًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 2 - (باب ما جاء فِي كَرَاهِيَةِ الْمُقَامِ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) [1604] قَوْلُهُ (فَاعْتَصَمَ نَاسٌ بِالسُّجُودِ) أَيْ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ السَّاكِنِينَ فِي الْكُفَّارِ سَجَدُوا بِاعْتِمَادِ أَنَّ جَيْشَ الْإِسْلَامِ يَتْرُكُونَنَا عَنِ الْقَتْلِ حَيْثُ يَرَوْنَنَا سَاجِدِينَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَامَةُ الْإِيمَانِ

(فَأَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ) أَيْ بِنِصْفِ الدِّيَةِ قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ لِأَنَّهُمْ أَعَانُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُقَامِهِمْ بَيْنَ الْكَفَرَةِ فَكَانُوا كَمَنْ هَلَكَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلِ غَيْرِهِ فَسَقَطَ حِصَّةُ جِنَايَتِهِ (بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ بَيْنَهُمْ وَلَفْظُ أَظْهُرٍ مَقْحَمٌ (لَا تَرَاءَى نَارَاهُمَا) مِنَ التَّرَائِي تَفَاعُلٌ مِنَ الرُّؤْيَةِ يُقَالُ تَرَاءَى الْقَوْمُ إِذَا رَأَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا تَرَاءَى الشَّيْءُ أَيْ ظَهَرَ حَتَّى رَأَيْتَهُ وَالْأَصْلُ فِي تَرَاءَى تَتَرَاءَى فَحُذِفَتْ إِحْدَى التاءين تخفيفا وإسناد التراءي إِلَى النَّارِ مَجَازٌ مِنْ قَوْلِهِمْ دَارِي تَنْظُرُ مِنْ دَارِ فُلَانٍ أَيْ تُقَابِلُهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ يَلْزَمُ الْمُسْلِمَ وَيَجِبُ أَنْ يَتَبَاعَدَ مَنْزِلُهُ عَنْ مَنْزِلِ الْمُشْرِكِ وَلَا يَنْزِلُ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي إِنْ أُوقِدَتْ فِيهِ نَارُهُ تَلُوحُ وَتَظْهَرُ لِلْمُشْرِكِ إِذَا أَوْقَدَهَا فِي مَنْزِلِهِ وَلَكِنَّهُ يَنْزِلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ هُوَ حَثٌّ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَوِي حُكْمُهُمَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَيْنَ دَارَيِ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ فَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُسَاكِنَ الْكُفَّارَ فِي بِلَادِهِمْ حَتَّى إذا أوقدوا نارا كان منهم بحيث يَرَاهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَتَّسِمُ الْمُسْلِمُ بِسِمَةِ الْمُشْرِكِ وَلَا يَتَشَبَّهُ بِهِ فِي هَدْيِهِ وَشَكْلِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَهُوَ مِثْلُهُ وَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِنَحْوِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ سَنَدَهُ وَحَدِيثُ جَرِيرٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ أخرجه أيضا

باب ما جاء في إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب

أبو داود وبن مَاجَهْ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَلَكِنْ صَحَّحَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ إِرْسَالَهُ إِلَى قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا مَوْصُولًا كَذَا فِي النَّيْلِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِخْرَاجِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ) الْجَزِيرَةُ اسْمُ مَوْضِعٍ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ مَا بَيْنَ حَفْرِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ إِلَى أَقْصَى الْيَمَنِ فِي الطُّولِ وَمَا بَيْنَ رَمْلِ يزن إلى منقطع السموة فِي الْعَرْضِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ مِنْ أَقْصَى عَدَنَ أَبْيَنَ إِلَى رِيفِ الْعِرَاقِ طُولًا وَمِنْ جُدَّةَ وَسَاحِلِ الْبَحْرِ إِلَى أَطْرَافِ الشَّامِ عَرْضًا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ سُمِّيَتْ جَزِيرَةً لِأَنَّ بَحْرَ فَارِسٍ وَبَحْرَ السُّودَانِ أَحَاطَا بِجَانِبَيْهَا وَأَحَاطَ بِالْجَانِبِ الشَّمَالِيِّ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَالْيَمَنُ وَفِي الْقَامُوسِ جَزِيرَةُ الْعَرَبِ مَا أَحَاطَ بِهِ بَحْرُ الْهِنْدِ وَبَحْرُ الشَّامِ ثُمَّ دِجْلَةُ وَالْفُرَاتُ [1607] قَوْلُهُ (فَلَا أَتْرُكُ فِيهَا إِلَّا مُسْلِمًا) قَالَ النَّوَوِيُّ أَوْجَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ إِخْرَاجَ الْكَافِرِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَالُوا لَا يَجُوزُ تَمْكِينُهُمْ سُكْنَاهَا وَلَكِنَّ الشَّافِعِيَّ خَصَّ هَذَا الْحُكْمَ بِالْحِجَازِ وَهُوَ عِنْدَهُ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَأَعْمَالُهَا دُونَ الْيَمَنِ وَغَيْرِهِ وَقَالُوا لَا يُمْنَعُ الْكُفَّارُ مِنَ التَّرَدُّدِ مُسَافِرِينَ فِي الْحِجَازِ وَلَا يُمَكَّنُونَ مِنَ الْإِقَامَةِ فِيهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ إِلَّا مَكَّةَ وَحَرَمَهَا فَلَا يَجُوزُ تَمْكِينُ كَافِرٍ مِنْ دُخُولِهَا بِحَالٍ فَإِنْ دَخَلَهَا بِخُفْيَةٍ وَجَبَ إِخْرَاجُهُ فَإِنْ مَاتَ وَدُفِنَ فِيهَا نُبِشَ وَأُخْرِجَ مِنْهَا مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ دُخُولَهُمُ الْحَرَمَ وَحُجَّةُ الْجَمَاهِيرِ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بعد عامهم هذا وَفِي الْمَعَالِمِ أَرَادَ مَنْعَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ لِأَنَّهُمْ إِذَا دَخَلُوا الْحَرَمَ فَقَدْ قَرُبُوا مِنَ المسجد الحرام قال وجوز أهل الكوفة المعاهد دُخُولَ الْحَرَمِ انْتَهَى

باب ما جاء في تركة النبي صلى الله عليه وسلم

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي وبن ماجه [1606] قَوْلُهُ (لَئِنْ عِشْتُ) أَيْ بَقِيتُ قَوْلُهُ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) قَيْدٌ لِقَوْلِهِ لَأُخْرِجَنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى 4 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي تَرِكَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِفَتْحِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ مَا تَرَكَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1608] قَوْلُهُ (لَا نُورَثُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيَصِحُّ الْكَسْرُ وَحِكْمَتُهُ أَنَّهُمْ كَالْآبَاءِ لِلْأُمَّةِ فَمَالُهُمْ لِكُلِّهِمْ أَوْ لِئَلَّا يُظَنُّ بِهِمُ الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا لِوِرَاثَتِهِمْ وَنِزَاعُ عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ قَبْلَ عِلْمِهِمَا بِالْحَدِيثِ وَبَعْدَهُ رَجَعَا وَأَعْتَقِدُ أَنَّهُ الْحَقُّ بِدَلِيلِ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُغَيِّرِ الْأَمْرَ حِينَ اسْتُخْلِفَ فَإِنْ قُلْتَ فَكَيْفَ نَازَعَا عُمَرَ قُلْتُ طَالَبَا فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَا مُتَصَرِّفِينَ بِالشَّرِكَةِ وَكَرِهَ عُمَرُ الْقِسْمَةَ حَذَرًا مِنْ دَعْوَى الْمِلْكِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (لَكِنْ أَعُولُ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُولُهُ) عَالَ الرَّجُلُ عِيَالَهُ يَعُولُهُمْ إِذَا قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَسَعْدٍ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا أَنَّ

أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تُوُفِّيَ أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَلَيْسَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَاهُ صَدَقَةٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ انْتَهَى قُلْتُ لَيْسَ فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا تصحيح الترمذي إنما فيها تحيسنه فَقَطْ وَرَوَى الشَّيْخَانِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تقتسم وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ لا يقتسم ورثتي دينارا ولا درهما [1610] قَوْلُهُ (أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ) أَيْ أَسْأَلُكُمْ رَافِعًا نِشْدَتِي صوتي (لا نورث) بالنون وهو تَوَارَدَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ كَمَا قَالَ الْحَافِظ فِي الْفَتْحِ وَمَا تَرَكْنَا في موضع الرفع بالابتداء وسدقة خَبَرُهُ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الرَّافِضَةِ أَنَّ لَا نُورَثُ بِالْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَصَدَقَةً بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِ وَمَا تَرَكْنَاهُ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ عَلَى النِّيَابَةِ وَالتَّقْدِيرُ لَا يُورَثُ الَّذِي تَرَكْنَاهُ حَالَ كَوْنِهِ صَدَقَةً وَهَذَا خِلَافُ مَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَةُ وَنَقَلَهُ الْحُفَّاظُ وَمَا ذَلِكَ بِأَوَّلِ تَحْرِيفٍ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ النِّحْلَةِ وَيُوَضِّحُ بُطْلَانَهُ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ بِلَفْظِ فَهُوَ صَدَقَةٌ وَقَوْلُهُ لَا تَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَقَوْلُهُ إِنَّ النَّبِيَّ لَا يُورَثُ (قَالُوا نَعَمْ) قَدِ اسْتُشْكِلَ هَذَا وَوَجْهُ الِاسْتِشْكَالِ أَنَّ أَصْلَ الْقِصَّةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْعَبَّاسَ وَعَلِيًّا قَدْ عَلِمَا بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ يَطْلُبَانِهِ مِنْ أبي بكر وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر فِي زَمَنِهِ بِحَيْثُ أَفَادَ عِنْدَهُمَا الْعِلْمَ بِذَلِكَ فَكَيْف يَطْلُبَانِهِ بَعْد ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ

باب ما جاء قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح

وَأُجِيبَ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا اعْتَقَدَا أَنَّ عُمُومَ لَا نُورَثُ مَخْصُوصٌ بِبَعْضِ مَا يُخَلِّفُهُ دُونَ بَعْضٍ وَلِذَلِكَ نَسَبَ عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَعْتَقِدَانِ ظُلْمَ مَنْ خَالَفَهُمَا كَمَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا مُخَاصَمَتُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِيمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ لَمْ يَكُنْ فِي الْمِيرَاثِ إِنَّمَا تَنَازَعَا فِي وِلَايَةِ الصَّدَقَةِ وَفِي صَرْفِهَا كَيْفَ تُصْرَفُ كَذَا قَالَ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَعُمَرَ بْنِ شَبَّةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا أَرَادَا أَنْ يُقْسَّمَ بَيْنَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْمِيرَاثِ وَلَفْظُهُ فِي آخِرِهِ ثُمَّ جِئْتُمَانِ الْآنَ تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من بن أَخِي وَيَقُولُ هَذَا أُرِيدُ نَصِيبِي مِنِ امْرَأَتِي وَاَللَّهِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا إِلَّا بِذَلِكَ أَيْ إِلَّا بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ تَسْلِيمِهَا لَهُمَا عَلَى سَبِيلِ الْوِلَايَةِ وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ نَحْوَهُ وَفِي السُّنَنِ لِأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ أَرَادَا أَنَّ عُمَرَ يَقْسِمُهَا بَيْنَهُمَا لِيَنْفَرِدَ كُلٌّ منهما مَا يَتَوَلَّاهُ فَامْتَنَعَ عُمَرُ مِنْ ذَلِكَ وَأَرَادَ أَنْ لَا يَقَعَ عَلَيْهَا اسْمُ الْقِسْمَةِ وَلِذَلِكَ أَقْسَمَ عَلَى ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا اقْتَصَرَ أَكْثَرُ شُرَّاحِ الْحَدِيثِ وَاسْتَحْسَنُوهُ وَفِيهِ مِنَ النَّظَر مَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِقِصَّتِهِ الطويلة 5 - (باب ما جاء قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فتح) مكة الخ [1611] قَوْلُهُ (عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَرْصَاءَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قَيْسٍ اللَّيْثِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْبَرْصَاءِ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ تَأَخَّرَ إِلَى أَوَاخِرِ خِلَافَةِ معاوية (لا

باب ما جاء في الساعة التي يستحب فيها القتال

تُغْزَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (هَذِهِ) أَيْ مَكَّةُ الْمُكَرَّمَةُ (بَعْدَ الْيَوْمِ) أَيْ بَعْدَ يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ أَيْ لَا تَعُودُ دَارَ كُفْرٍ يُغْزَى عَلَيْهِ أَوْ لَا يَغْزُوهَا الْكُفَّارُ أَبَدًا إِذِ الْمُسْلِمُونَ قَدْ غَزَوْهَا مَرَّاتٍ غَزَوْهَا زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بَعْدَ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ وَزَمَنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ مَعَ الْحَجَّاجِ وَبَعْدَهُ عَلَى أَنَّ مَنْ غَزَاهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَقْصِدُوهَا وَلَا الْبَيْتَ وَإِنَّمَا قَصَدُوا بن الزُّبَيْرِ مَعَ تَعْظِيمِ أَمْرِ مَكَّةَ وَإِنْ جَرَى عَلَيْهِ مَا جَرَى مِنْ رَمْيِهِ بِالنَّارِ فِي الْمَنْجَنِيقِ وَالْحُرْقَةِ وَلَوْ رُوِيَ لَا تُغْزَ عَلَى النَّهْيِ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى التَّأْوِيلِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَمُطِيعٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَفْرَادِ التِّرْمِذِيِّ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ كَمَا عَرَفْتَ بِهِ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السَّاعَةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْقِتَالُ) [1612] قَوْلُهُ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ وَبِالنُّونِ قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هُوَ النُّعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيُّ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ مُزَيْنَةَ سَكَنَ الْبَصْرَةَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الْكُوفَةِ وَكَانَ عَامِلَ عُمَرَ عَلَى جَيْشِ نَهَاوَنْدَ وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ فَتْحِهَا قَوْلُهُ (فَكَانَ) قَالَ الطِّيبِيُّ مَا أَظْهَرَهُ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى وُجُودِ الْفَاءِ التَّفْصِيلِيَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ غَزَوْتُ مَعَ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشْتَمِلٌ مُجْمَلًا عَلَى مَا ذُكِرَ بَعْدَهُ مُفَصَّلًا (أَمْسَكَ) أَيْ عَنِ الشُّرُوعِ فِي الْقِتَالِ (فَإِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ) أي وصلى (الْعَصْرِ) أَيْ إِلَى الْعَصْرِ (وَكَانَ يُقَالُ) أَيْ يَقُولُ الصَّحَابَةُ الْحِكْمَةُ فِي إِمْسَاكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقِتَالِ إِلَى الزَّوَالِ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَخْ (عِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقُولِ ظَرْفٌ لقوله (تَهِيجُ) أَيْ تَجِيءُ (وَيَدْعُو الْمُؤْمِنُونَ لِجُيُوشِهِمْ فِي صَلَوَاتِهِمْ) أَيْ فِي أَوْقَاتِ صَلَوَاتِهِمْ بَعْدَ فَرَاغِهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهَا بِالْقُنُوتِ عِنْدَ النَّوَازِلِ قَالَهُ القارىء قَالَ الطِّيبِيُّ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ تَرْكَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِتَالَ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ لِاشْتِغَالِهِمْ بِهَا فِيهَا اللَّهُمَّ إِلَّا بَعْدَ الْعَصْرِ فَإِنَّ هَذَا الْوَقْتَ مُسْتَثْنًى مِنْهَا لِحُصُولِ النَّصْرِ فِيهَا لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ فَدَنَا مِنَ الْقَرْيَةِ صَلَاةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ لِلشَّمْسِ إِنَّك مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَعَلَّ لِهَذَا السِّرِّ خُصَّ فِي الْحَدِيثِ هَذَا الْوَقْتُ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ حَيْثُ قَالَ ثُمَّ يُقَاتِلُ وَفِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ قَاتَلَ عَلَى لَفْظِ الْمَاضِي اسْتِحْضَارًا لِتِلْكَ الْحَالَةِ فِي ذِهْنِ السَّامِعِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ قِتَالَهُ فِي هَذَا الْوَقْتِ كَانَ أَشَدَّ وَتَحَرِّيهِ فِيهِ أَكْمَلُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ بِإِسْنَادٍ أَوْصَلَ مِنْ هَذَا) يَعْنِي أَنَّ إِسْنَادَ حَدِيثِ النُّعْمَانِ الْمَذْكُورِ مُنْقَطِعٌ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادٍ مَوْصُولٍ لَيْسَ فِيهِ انْقِطَاعٌ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ وَجْهَ الِانْقِطَاعِ بِقَوْلِهِ وَقَتَادَةُ لَمْ يُدْرِكِ النُّعْمَانَ إِلَخْ وَذَكَرَ الْإِسْنَادَ الْمَوْصُولَ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ إِلَخْ

باب ما جاء في الطيرة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِطُولِهِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الطِّيَرَةِ) بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ [1614] قَوْلُهُ (الطِّيَرَةُ مِنَ الشِّرْكِ) أَيْ لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّ الطِّيَرَةَ تَجْلِبُ لَهُمْ نَفْعًا أَوْ تَدْفَعُ عَنْهُمْ ضُرًّا فَإِذَا عَمِلُوا بِمُوجِبِهَا فَكَأَنَّهُمْ أَشْرَكُوا بِاَللَّهِ فِي ذَلِكَ وَيُسَمَّى شِرْكًا خَفِيًّا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْنِي مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ شَيْئًا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى يَنْفَعُ أَوْ يضر بالاستقلال فَقَدْ أَشْرَكَ أَيْ شِرْكًا جَلِيًّا وَقَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا سَمَّاهَا شِرْكًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ مَا يَتَشَاءَمُونَ بِهِ سَبَبًا مُؤَثِّرًا فِي حُصُولِ الْمَكْرُوهِ وَمُلَاحَظَةُ الْأَسْبَابِ فِي الْجُمْلَةِ شِرْكٌ خَفِيٌّ فَكَيْفَ إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهَا جَهَالَةٌ وَسُوءُ اعْتِقَادٍ (وَمَا مِنَّا) أَيْ أَحَدٍ (إِلَّا) أَيْ إِلَّا مَنْ يَخْطُرُ لَهُ مِنْ جِهَةِ الطِّيَرَةِ شَيْءٌ مَا لِتَعَوُّدِ النُّفُوسِ بِهَا فَحُذِفَ الْمُسْتَثْنَى كَرَاهَةَ أَنْ يُتَفَوَّهَ بِهِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَيْ إِلَّا مَنْ يَعْرِضُ لَهُ الْوَهْمُ مِنْ قِبَلِ الطِّيَرَةِ وَكَرِهَ أَنْ يُتِمَّ كَلَامَهُ ذَلِكَ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنَ الْحَالَةِ الْمَكْرُوهَةِ وَهَذَا نَوْعٌ مِنَ الْكَلَامِ يُكْتَفَى دُونَ الْمَكْرُوهِ مِنْهُ بِالْإِشَارَةِ فَلَا يَضْرِبُ لِنَفْسِهِ مَثَلَ السُّوءِ (وَلَكِنَّ اللَّهَ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَنَصْبِ الْجَلَالَةِ (يُذْهِبُهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنَ الْإِذْهَابِ أَيْ يُزِيلُ ذَلِكَ الْوَهْمَ الْمَكْرُوهَ (بِالتَّوَكُّلِ) أَيْ بِسَبَبِ الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْخَطْرَةَ لَيْسَ بِهَا عِبْرَةٌ فَإِنْ وَقَعَتْ غَفْلَةٌ لَا بُدَّ مِنْ رَجْعَةٍ وَأَوْبَةٍ مِنْ حَوْبَةٍ كَمَا وَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ وَكَفَّارَةُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ قَوْلُهُ (فِي هَذَا الْحَدِيثِ) أَيْ فِي تَحْقِيقِ شَأْنِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ (وَمَا مِنَّا إِلَّا وَلَكِنَّ اللَّهَ يذهبه

بِالتَّوَكُّلِ قَالَ) أَيْ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ (هَذَا) أَيْ قَوْلُهُ وَمَا مِنَّا إِلَخْ (عِنْدِي قَوْلُ بن مَسْعُودٍ) أَيْ فِي ظَنِّي أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى بن مَسْعُودٍ وَإِنَّمَا الْمَرْفُوعُ قَوْلُهُ الطِّيَرَةُ مِنَ الشِّرْكِ فَقَطْ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ هَذَا الْمِقْدَارَ رَوَاهُ جَمْعٌ كثير عن بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا بِدُونِ الزِّيَادَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحَابِسٍ التَّمِيمِيِّ وَعَائِشَةَ وبن عمر) أما حديث سعد وهو بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا أَحَادِيثُ حَابِسٍ وَغَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ إِلَخْ) وأخرجه أبو داود وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْحَدِيثِ إِضْمَارٌ وَالتَّقْدِيرُ وَمَا مِنَّا إِلَّا وَقَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يَعْنِي قُلُوبَ أُمَّتِهِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُ ذَلِكَ عَنْ قَلْبِ كُلِّ مَنْ يَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ وَلَا يَثْبُتُ عَلَى ذَلِكَ هَذَا لَفْظُ الْأَصْبَهَانِيِّ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ قَوْلَهُ وَمَا مِنَّا إِلَخْ من كلام بن مَسْعُودٍ مُدْرَجٌ غَيْرُ مَرْفُوعٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ يُنْكِرُ هَذَا الْحَرْفَ وَيَقُولُ لَيْسَ مِنْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّهُ قول بن مَسْعُودٍ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَيْضًا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ نَحْوَ هَذَا انْتَهَى مَا فِي التَّرْغِيبِ [1615] قَوْلُهُ (لَا عَدْوَى) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ إِنَّهُ الْفَسَادُ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الْعَدْوَى هُنَا مُجَاوَزَةُ الْعِلَّةِ مِنْ صَاحِبِهَا إِلَى غَيْرِهِ يُقَالُ أَعْدَى فُلَانٌ فُلَانًا مِنْ خَلْفِهِ أَوْ مِنْ غُرَّتِهِ وَذَلِكَ عَلَى مَا يَذْهَبُ إِلَيْهِ الْمُتَطَبِّبَةُ فِي عِلَلٍ سَبْعٍ الْجُذَامِ وَالْجَرَبِ وَالْجُدَرِيِّ وَالْحَصْبَةِ وَالْبَخَرِ وَالرَّمَدِ وَالْأَمْرَاضِ الْوَبَائِيَّةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّأْوِيلِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ ذَلِكَ وَإِبْطَالُهُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَالْقَرَائِنُ الْمَسُوقَةُ عَلَى الْعَدْوَى وَهُمُ الْأَكْثَرُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إِبْطَالَهَا فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ وَقَالَ لَا يُورَدَنَّ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ نَفْيَ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ أَصْحَابُ الطَّبِيعَةِ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعِلَلَ الْمُعْدِيَةَ مُؤَثِّرَةً لَا

مَحَالَةَ فَأَعْلَمَهُمْ بِقَوْلِهِ هَذَا أَنْ لَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى مَا يَتَوَهَّمُونَ بَلْ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَشِيئَةِ إِنْ شَاءَ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَيُشِيرُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ أَيْ إِنْ كُنْتُمْ تَرَوْنَ أَنَّ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ الْعَدْوَى لَا غَيْرُ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ وَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ وَبِقَوْلِهِ لَا يُورَدَنَّ ذُو عَاهَةٍ عَلَى مُصِحٍّ أَنَّ مُدَانَاةَ ذَلِكَ بِسَبَبِ الْعِلَّةِ فَلْيَتَّقِهِ اتِّقَاءً مِنَ الْجِدَارِ الْمَائِلِ وَالسَّفِينَةِ الْمَعْيُوبَةِ وَقَدْ رَدَّ الْفِرْقَةُ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي اسْتِدْلَالِهِمْ بِالْحَدِيثَيْنِ أَنَّ النَّهْيَ فِيهِمَا إِنَّمَا جَاءَ شَفَقًا عَلَى مُبَاشَرَةِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَتُصِيبُهُ عِلَّةٌ فِي نَفْسِهِ أَوْ عَاهَةٌ فِي إِبِلِهِ فَيَعْتَقِدُ أَنَّ الْعَدْوَى حَقٌّ قُلْتُ وَقَدِ اخْتَارَهُ الْعَسْقَلَانِيُّ يَعْنِي الْحَافِظَ بن حَجَرٍ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ وَبَسَطْنَا الْكَلَامَ مَعَهُ فِي شَرْحِ الشَّرْحِ وَمُجْمَلُهُ أَنَّهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ اجْتِنَابَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْمَجْذُومِ عِنْدَ إِرَادَةِ الْمُبَايَعَةِ مَعَ أَنَّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ بَعِيدٌ مِنْ أَنْ يُورَدَ لِحَسْمِ مَادَّةِ ظَنِّ الْعَدْوَى كَلَامًا يَكُونُ مَادَّةً لِظَنِّهَا أَيْضًا فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالتَّجَنُّبِ أَظْهَرُ مِنْ فَتْحِ مَادَّةِ ظَنِّ أَنَّ الْعَدْوَى لَهَا تَأْثِيرٌ بِالطَّبْعِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا دَلَالَةَ أَصْلًا عَلَى نَفْيِ الْعَدْوَى مُبَيَّنًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ التُّورِبِشْتِيُّ وَأَرَى الْقَوْلَ الثَّانِيَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّوْفِيقِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ ثُمَّ لِأَنَّ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ يُفْضِي إِلَى تَعْطِيلِ الْأُصُولِ الطِّبِّيَّةِ وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِتَعْطِيلِهَا بَلْ وَرَدَ بِإِثْبَاتِهَا وَالْعِبْرَةُ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْقَرَائِنِ المنسوقة عَلَيْهَا فَإِنَّا قَدْ وَجَدْنَا الشَّارِعَ يَجْمَعُ فِي النَّهْيِ بَيْنَ مَا هُوَ حَرَامٌ وَبَيْنَ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ وَبَيْنَ مَا يُنْهَى عَنْهُ لِمَعْنًى وَبَيْنَ مَا يُنْهَى عَنْهُ لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَجْذُومِ الْمُبَايِعِ قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ فِي حَدِيثِ الشَّرِيدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفِيِّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَجْذُومِ الَّذِي أَخَذَ بِيَدِهِ فَوَضَعَهَا مَعَهُ فِي الْقَصْعَةِ كُلْ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ وَلَا سَبِيلَ إِلَى التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بَيَّنَ بِالْأَوَّلِ التَّوَقِّي مِنْ أَسْبَابِ التَّلَفِ وَبِالثَّانِي التَّوَكُّلَ عَلَى اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ وَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ فِي مُتَارَكَةِ الْأَسْبَابِ وَهُوَ حَالُهُ انْتَهَى قال القارىء وَهُوَ جَمْعٌ حَسَنٌ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ انْتَهَى قُلْتُ فِي كَوْنِ هَذَا الْجَمْعِ حَسَنًا نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِإِثْبَاتِ الْأُصُولِ الطِّبِّيَّةِ فَفِيهِ أَنَّ وُرُودَ الشَّرْعِ لِإِثْبَاتِ جَمِيعِ الْأُصُولِ الطِّبِّيَّةِ مَمْنُوعٌ بَلْ قَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ لِإِبْطَالِ بَعْضِهَا فَإِنَّ الْمُتَطَبِّبِينَ قَائِلُونَ بِحُصُولِ الشِّفَاءِ بِالْحَرَامِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِنَفْيِ الشِّفَاءِ بِالْحَرَامِ وَهُمْ قَائِلُونَ بِثُبُوتِ الْعَدْوَى فِي بَعْضِ الْأَمْرَاضِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِأَنَّهُ لَا عَدْوَى فَالظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي فِي التَّوْفِيقِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ النُّخْبَةِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَلَا طِيَرَةَ) نَفْيٌ مَعْنَاهُ النَّهْيُ كقوله تعالى (لا ريب فيه) (وَأُحِبُّ الْفَأْلَ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ مِنَ

باب ما جاء في وصية النبي صلى الله عليه وسلم

الْإِحْبَابِ (قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْفَأْلُ) وَإِنَّمَا نَشَأَ هَذَا السُّؤَالُ لِمَا فِي نُفُوسِهِمْ مِنْ عُمُومِ الطِّيَرَةِ الشَّامِلِ لِلتَّشَاؤُمِ وَالتَّفَاؤُلِ الْمُتَعَارَفِ فِيمَا بَيْنَهُمْ (قَالَ) إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ فَرْدٌ خَاصٌّ خَارِجٌ عَنِ الْعُرْفِ الْعَامِّ مُعْتَبَرٌ عِنْدَ خَوَاصِّ الْأَنَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ (الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ) أَيِ الصَّالِحَةُ لِأَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا الْفَأْلُ الْحَسَنُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَ الشَّيْخَانِ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ [1616] قَوْلُهُ (كَانَ يُعْجِبُهُ) أَيْ يَسْتَحْسِنُهُ وَيَتَفَاءَلُ بِهِ (أَنْ يَسْمَعَ يَا رَاشِدُ) أَيْ وَاجِدُ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ (يَا نَجِيحُ) أَيْ مَنْ قُضِيَتْ حَاجَتُهُ 8 - (بَاب مَا جَاءَ في وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي الْقِتَالِ [1617] قَوْلُهُ (أَوْصَاهُ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ) أَيْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ خُصُوصًا وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (بِتَقْوَى اللَّهِ) وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَوْصَاهُ (وَمَنْ مَعَهُ) مَعْطُوفٌ عَلَى خَاصَّةِ نَفْسِهِ أَيْ وَفِي مَنْ مَعَهُ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) بَيَانٌ لِمَنْ (خَيْرًا) مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِخَيْرٍ قَالَ الطِّيبِيُّ وَمَنْ فِي مَحَلِّ الْجَرِّ وَمِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى عَامِلَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَأَنَّهُ قِيلَ أَوْصَى بِتَقْوَى اللَّهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَأَوْصَى بِخَيْرٍ فِي مَنْ معه من المسلمين وفي اختصاص التقوى بخاصة نَفْسِهِ وَالْخَيْرِ بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ

يَشُدَّ عَلَى نَفْسِهِ فِيهَا يَأْتِي وَيَذَرُ وَأَنْ يُسَهِّلَ عَلَى مَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَرْفُقَ بِهِمْ كَمَا وَرَدَ يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا (وَقَالَ اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ) أَيْ مُسْتَعِينِينَ بِذِكْرِهِ (وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ لِأَجْلِ مَرْضَاتِهِ وَإِعْلَاءِ دِينِهِ (قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ) جملة موضحة لا غزوا (وَلَا تَغُلُّوا) مِنَ الْغُلُولِ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ أَيْ لَا تَخُونُوا فِي الْغَنِيمَةِ (وَلَا تَغْدِرُوا) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ لَا تَنْقُضُوا الْعَهْدَ وقيل لا تحاربوهم قبل أن تدعوهم إلى الْإِسْلَامِ (وَلَا تُمَثِّلُوا) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ مَثَّلَ بِهِ يُمَثِّلُ كَقَتَّلَ إِذَا قَطَعَ أَطْرَافَهُ وَفِي الْقَامُوسِ مَثَّلَ بِفُلَانٍ مُثْلَةً بِالضَّمِّ نَكَّلَ كَمَثَّلَ تَمْثِيلًا وَفِي الْفَائِقِ إِذَا سَوَّدْتَ وَجْهَهُ أَوْ قَطَعْتَ أَنْفَهُ وَنَحْوُهُ (وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا) أَيْ طِفْلًا صَغِيرًا (فَإِذَا لَقِيتَ) الْخِطَابُ لِأَمِيرِ الْجَيْشِ قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ مِنْ بَابِ تَلْوِينِ الْخِطَابِ خَاطَبَ أَوَّلًا عَامًّا فَدَخَلَ فِيهِ الْأَمِيرُ دُخُولًا أَوَّلِيًّا ثُمَّ خَصَّ الْخِطَابَ بِهِ فَدَخَلُوا فِيهِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ كَقَوْلِهِ تعالى (يا أيها النبي إذا طلقتم) خَصَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنِّدَاءِ (أَوْ خِلَالٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْخِصَالُ وَالْخِلَالُ بِكَسْرِهِمَا جَمْعُ الْخَصْلَةِ وَالْخَلَّةُ بِفَتْحِهِمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ (فَأَيَّتُهَا أَجَابُوكَ) أَيْ قَبِلُوهَا مِنْك (وَكُفَّ عَنْهُمْ) بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَكَسْرُهَا أَيِ امْتَنَعَ عَنْهُمْ (اُدْعُهُمْ) أَيْ أَوَّلًا (وَالتَّحَوُّلِ) أَيْ الِانْتِقَالِ (مِنْ دَارِهِمْ) أَيْ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ (إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ) أَيْ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا مِنْ تَوَابِعِ الْخَصْلَةِ الْأُولَى بَلْ قِيلَ إِنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ (أَنَّهُمْ إِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ) أَيِ التَّحَوُّلَ (فَإِنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ) أَيِ الثَّوَابَ وَاسْتِحْقَاقَ مَالِ الْفَيْءِ وَذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ كَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ كَانَ يُنْفِقُ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ مِنْ حِينِ الْخُرُوجِ إِلَى الْجِهَادِ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَمَرَهُمُ الْإِمَامُ سَوَاءٌ كَانَ مَنْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ كَافِيًا أَوْ لَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْمُهَاجِرِينَ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ إِلَى الْجِهَادِ إِنْ كَانَ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ مَنْ بِهِ الْكِفَايَةُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ) أَيْ مِنَ الْغَزْوِ (وَإِنْ أَبَوْا أَنْ يَتَحَوَّلُوا) أَيْ مِنْ دَارِهِمْ (كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ) أَيِ الَّذِينَ لَازَمُوا أَوْطَانَهُمْ فِي الْبَادِيَةِ لَا فِي دَارِ الْكُفْرِ (يَجْرِي عَلَيْهِمْ مَا يَجْرِي عَلَى الْأَعْرَابِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَيْ مِنْ وُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وغيرهما والقصاص والدية ونحوهما (إلا أن

يُجَاهِدُوا) أَيْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ (وَإِذَا حَاصَرْتَ حِصْنًا) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَهْلَ حِصْنٍ (فَأَرَادُوكَ أَنْ تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه) أي عَهْدَهُمَا وَأَمَانَهُمَا (فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ) أَيْ لَا بِالِاجْتِمَاعِ وَلَا بِالِانْفِرَادِ (فَإِنَّكُمْ إِنْ تَخْفِرُوا) مِنَ الْإِخْفَارِ أَيْ تَنْقُضُوا (فَلَا تُنْزِلُوهُمْ) أَيْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ (فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِمْ أَمْ لَا) قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ فَلَا تَجْعَلْ لَهُمْ ذِمَّةَ اللَّهِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ فَإِنَّهُ قَدْ يَنْقُضُهَا مَنْ لَا يَعْرِفُ حَقَّهَا وَيَنْتَهِكُ حُرْمَتَهَا بَعْضُ الْأَعْرَابِ وَسَوَادُ الْجَيْشِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَلَا تُنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ لَيْسَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا بَلِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِحُكْمِ اللَّهِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَمَنْ يَقُولُ إِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ يَقُولُ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنَّك لَا تَدْرِي أتصيب حكم الله فيهم أنك لَا تَأْمَنَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيَّ وَحْيٌ بِخِلَافِ مَا حَكَمْتَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ تَحْكِيمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ كل مجتهد مصيبا انتهى قال القارىء وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُعْتَزِلَةِ وَبَعْضِ أَهْلِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ مُقَرِّنٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ السَّاعَةِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ فِيهَا الْقِتَالُ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَزَادَ) أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أَحْمَدَ (فَإِنْ أَبَوْا) أَيْ فَإِنِ امْتَنَعُوا عَنِ الْإِسْلَامِ (فَخُذْ مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ) اسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُمَا عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ عَجَمِيًّا كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَ كِتَابِيٍّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الجزية

[1618] قَوْلُهُ (لَا يُغِيرُ) مِنَ الْإِغَارَةِ (إِلَّا عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ) وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ يُغِيرُ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ (فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِلَّا أَغَارَ) قَالَ الْقَاضِي أَيْ كَانَ يَتَثَبَّتُ فِيهِ وَيَحْتَاطُ فِي الْإِغَارَةِ حَذَرًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مُؤْمِنٌ فَيُغِيرُ عَلَيْهِ غَافِلًا عَنْهُ جَاهِلًا بِحَالِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْأَذَانَ شِعَارٌ لِدِينِ الْإِسْلَامِ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ فَلَوْ أَنَّ أَهْلَ بَلَدٍ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِهِ كَانَ للسلطان قتالهم عليه انتهى قال القارىء وَكَذَا نُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا انْتَهَى وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ قِتَالِ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْحُكْمِ بِالدَّلِيلِ لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّ عَنِ الْقِتَالِ بِمُجَرَّدِ سَمَاعِ الْأَذَانِ وَفِيهِ الْأَخْذُ بِالْأَحْوَطِ فِي أَمْرِ الدِّمَاءِ لِأَنَّهُ كَفَّ عَنْهُمْ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ (وَاسْتَمَعَ ذَاتَ يَوْمٍ) لَفْظُ ذَاتَ مُقْحَمٌ (فَقَالَ عَلَى الْفِطْرَةِ) فِيهِ أَنَّ التَّكْبِيرَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَصِحَّ الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى إِسْلَامِ أَهْلِ قَرْيَةٍ سُمِعَ مِنْهُمْ ذَلِكَ (قَالَ خَرَجْتَ مِنَ النَّارِ) هُوَ نَحْوُ الْأَدِلَّةِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَهِيَ مُطْلَقَةٌ مُقَيَّدَةٌ بِعَدَمِ الْمَانِعِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ قَوْلُهُ (قَالَ الْحَسَنُ) هُوَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ (وَحَدَّثَنَا الْوَلِيدُ) كَذَا فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَهُوَ غَلَطٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَاسْمُهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَاهِلِيُّ مَوْلَاهُمُ الطَّيَالِسِيُّ رَوَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم

20 - أبواب الجهاد

20 - أبواب الجهاد (باب فَضْلِ الْجِهَادِ) [1619] قَوْلُهُ (مَا يَعْدِلُ الْجِهَادَ) أَيْ أَيُّ عَمَلٍ يُسَاوِي الْجِهَادَ يَعْنِي فِي الْفَضْلِ وَالثَّوَابِ (مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَثَلُ الصَّائِمِ الْقَائِمِ) وَلِمُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ الخاشع الراكع الساجد وفي الموطأ وبن حِبَّانَ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الدَّائِمِ وَلِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ مَرْفُوعًا مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ نَهَارَهُ وَالْقَائِمِ لَيْلَهُ وَشُبِّهَ حَالُ الصَّائِمِ الْقَائِمِ بِحَالِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي نَيْلِ الثَّوَابِ فِي كُلِّ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ مَنْ لَا يَفْتُرُ سَاعَةً عَنِ الْعِبَادَةِ فَأَجْرُهُ مُسْتَمِرٌّ وَكَذَلِكَ الْمُجَاهِدُ لَا تَضِيعُ سَاعَةٌ مِنْ سَاعَاتِهِ بِغَيْرِ ثَوَابٍ لِحَدِيثِ إِنَّ الْمُجَاهِدَ لَتَسْتَنُّ فَرَسُهُ فَيُكْتَبُ لَهُ حَسَنَاتٌ وَأَصْرَحُ مِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ الله ولا يطأون مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّه لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمِ اللَّهُ أَحْسَنَ ما كانوا يعملون) (لَا يَفْتُرُ) مِنَ الْفُتُورِ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ أَيْ لَا يَسْأَمُ وَلَا يَمَلُّ (حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ إِلَى بَيْتِهِ أَوْ حَتَّى يَنْصَرِفَ عَنْ جِهَادِهِ

قوله (وفي الباب عن الشقاء وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي سَعِيدٍ وَأُمِّ مَالِكٍ الْبَهْزِيَّةِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أما حديث الشقاء فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَبَشِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَاخِرِ فَضَائِلِ الْجِهَادِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سعيد فأخرجه بن مَاجَهْ فِي بَابِ فَضْلِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَبْوَابِ الْجِهَادِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ مَالِكٍ الْبَهْزِيَّةِّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [1620] قَوْلُهُ (يَعْنِي يَقُولُ اللَّهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ قَائِلَهُ أَنَسٌ أَيْ يُرِيدُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أن المجاهد في سبيل إِلَخْ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْإِلَهِيَّةِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ قَالَ أَيُّمَا عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي خَرَجَ مُجَاهِدًا فِي سَبِيلِي ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي ضَمِنْتُ لَهُ إِنْ أَرْجَعْتُهُ أَنْ أُرْجِعَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ وَإِنْ قَبَضْتُهُ غَفَرْتُ لَهُ رَوَاهُ النسائي (وهو علي ضامن) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِلَفْظِ ضَمَانٌ وَفِي تَرْغِيبِ الْمُنْذِرِيِّ نَقْلًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ ضَامِنٌ وَكَذَا نَقَلَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ قَوْلُهُ هُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَيْ مَضْمُونٌ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ذُو ضَمَانٍ انْتَهَى (وَإِنْ رَجَعْتُهُ) أَيْ أَرْجَعْتُهُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَجَعَ يَرْجِعُ رُجُوعًا انْصَرَفَ وَالشَّيْءُ عَنِ الشَّيْءِ وَإِلَيْهِ رَجْعًا صَرَفَهُ وَرَدَّهُ كَأَرْجَعَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهِ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِنَحْوِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَقَدَّمَ انتهى

باب ما جاء في فضل من مات مرابطا

قُلْتُ ذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ فِيمَا تَقَدَّمَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِي وَإِيمَانٌ بِي وَتَصْدِيقٌ بِرُسُلِي فَهُوَ ضَامِنٌ أَنْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرْجِعَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ الَّذِي خرجه مِنْهُ نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ إِلَخْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاللَّفْظُ لَهُ وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُمْ تَكَفَّلَ اللَّهُ مِنْ جاهد فِي سَبِيلِهِ إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ تَضَمَّنَ اللَّهُ وَتَكَفَّلَ اللَّهُ وَانْتَدَبَ اللَّهُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَمُحَصِّلُهُ تَحْقِيقُ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بأن لهم الجنة) وَذَلِكَ التَّحْقِيقُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَدْ عَبَّرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِتَفَضُّلِهِ بِالثَّوَابِ بِلَفْظِ الضَّمَانِ وَنَحْوِهِ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْمُخَاطَبِينَ فِيمَا تَطْمَئِنُّ بِهِ نُفُوسُهُمْ (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ مَنْ مَاتَ مُرَابِطًا) [1621] قَوْلُهُ (أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (بْنَ عبيد) بالتصغير (كل ميت يختم) بصيغة الْمَجْهُولِ (عَلَى عَمَلِهِ) أَيْ لَا يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابٌ جَدِيدٌ (فَإِنَّهُ يَنْمِي لَهُ عَمَلَهُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ يَزِيدُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مِنَ الْإِنْمَاءِ أَيْ يُزَادُ عَمَلُهُ بِأَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ كُلَّ لَحْظَةٍ أَجْرٌ جَدِيدٌ فَإِنَّهُ فَدَى نَفْسَهُ فِيمَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ إِحْيَاءُ الدِّينِ بِدَفْعِ أَعْدَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (وَيَأْمَنُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ) أَيْ مَعَ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ بِهَذَا امْتَازَ عَنْ غَيْرِهِ الْوَارِدِ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ) زَادَ فِي رِوَايَةٍ اللَّهِ أَيْ قَهَرَ نَفْسَهُ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ عَلَى مَا فِيهِ رِضَا اللَّهِ مِنْ فِعْلِ الطَّاعَةِ وَتَجَنُّبِ الْمَعْصِيَةِ وَجِهَادُهَا أَصْلُ كُلِّ جِهَادٍ فَإِنَّهُ مَا لَمْ يُجَاهِدْهَا لَمْ يُمْكِنْهُ جِهَادُ الْعَدُوِّ الْخَارِجِ

باب ما جاء في فضل الصوم في سبيل الله

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ رَابَطَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ سَبْعَ خَنَادِقَ كُلَّ خَنْدَقٍ كَسَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَسَبْعَ أَرَضِينَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ إِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَمَتْنُهُ غَرِيبٌ قَوْلُهُ (حَدِيثُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ جملة المجاهد من جاهد نفسه وأخرجه بن حِبَّانَ مَعَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّوْمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [1622] قَوْلُهُ (مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ بن الْجَوْزِيِّ إِذَا أُطْلِقَ ذِكْرُ سَبِيلِ اللَّهِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْجِهَادُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ سَبِيلُ اللَّهِ طَاعَةُ اللَّهِ فَالْمُرَادُ مَنْ صَامَ قَاصِدًا وَجْهَ اللَّهِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي فَوَائِدِ أَبِي طَاهِرٍ الذُّهْلِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ اللَّيْثِيِّ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ مَا مِنْ مُرَابِطٍ يُرَابِطُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ الله الحديث قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْعُرْفُ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْجِهَادِ فإنحمل كَانَتِ الْفَضِيلَةُ لِاجْتِمَاعِ الْعِبَادَتَيْنِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِسَبِيلِ اللَّهِ طَاعَتُهُ كَيْفَ كَانَتْ وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ أَنَّ الْفِطْرَ فِي الْجِهَادِ أَوْلَى لِأَنَّ الصَّائِمَ يَضْعُفُ عَنِ اللِّقَاءِ لِأَنَّ الْفَضْلَ الْمَذْكُورَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَخْشَ ضَعْفًا وَلَا سِيَّمَا مَنِ اعْتَادَ بِهِ فَصَارَ ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ فَمَنْ لَمْ يُضْعِفْهُ الصَّوْمُ عَنِ الْجِهَادِ فَالصَّوْمُ فِي حَقِّهِ أَفْضَلُ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْفَضِيلَتَيْنِ انْتَهَى (زَحْزَحَهُ اللَّهُ) أَيْ بَعَّدَهُ (سَبْعِينَ خَرِيفًا) قَالَ الْحَافِظُ الْخَرِيفُ زَمَانٌ مَعْلُومٌ مِنَ السَّنَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْعَامُ وَتَخْصِيصُ الْخَرِيفِ بِالذِّكْرِ دُونَ بَقِيَّةِ الْفُصُولِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ لِأَنَّ الْخَرِيفَ أَزْكَى الْفُصُولِ لِكَوْنِهِ يُجْنَى فِيهِ الثِّمَارُ وَنَقَلَ الْفَاكِهَانِيُّ أَنَّ الْخَرِيفَ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْحَرَارَةُ وَالْبُرُودَةُ وَالرُّطُوبَةُ وَالْيُبُوسَةُ دون غيره

وَرَدَ بِأَنَّ الرَّبِيعَ كَذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَرَدَ ذِكْرُ السَّبْعِينَ لِإِرَادَةِ التَّكْثِيرِ كَثِيرًا انْتَهَى وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ النَّسَائِيَّ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَأَبُو يَعْلَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ فَقَالُوا جَمِيعًا فِي رِوَايَاتِهِمْ مِائَةَ عَامٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدٌ مِنْ عُرْوَةَ وَسُلَيْمَانَ (يَقُولُ سَبْعِينَ وَالْآخَرُ يَقُولُ أَرْبَعِينَ) مَنْ رَوَى بِسَبْعِينَ فَرِوَايَتُهُ مُوَافِقَةٌ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ الْآتِي فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) فِي إِسْنَادِهِ بن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ زَحْزَحَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ بِذَلِكَ الْيَوْمِ سَبْعِينَ خَرِيفًا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالتِّرْمِذِيُّ من رواية بن لهيعة وقال حديث غريب ورواه بن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ اللَّيْثِيِّ وَبَقِيَّةُ رِجَالِ الْإِسْنَادِ ثِقَاتٌ انْتَهَى (وَأَبُو الْأَسْوَدِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ الْأَسَدِيُّ الْمَدِينِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ هُوَ يَتِيمٌ عُرْوَةُ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي أُمَامَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ [1623] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَيْمُونٍ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْعَدَنِيِّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ عَنِ النُّعْمَانِ (بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ) بِفَتْحِ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَشَدَّةِ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ وَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ (الزُّرَقِيِّ) بِضَمِّ زَايٍ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ رَاءٍ مُهْمَلَةٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (إِلَّا بَاعَدَ ذَلِكَ الْيَوْمَ) أَيْ صَوْمُهُ (النَّارَ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولُ بَاعَدَ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ فِي

باب ما جاء في فضل النفقة في سبيل الله

التَّرْغِيبِ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ مَا مِنْ عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ بِذَلِكَ الْيَوْمِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا وَعَزَاهُ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا [1624] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ) هُوَ الْبَغْدَادِيُّ الْمَعْرُوفُ بِدَلَّوَيْهِ (جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا) الْخَنْدَقُ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ حَفِيرٌ حَوْلَ أَسْوَارِ الْمُدُنِ مُعَرَّبُ كنده كَذَا فِي الْقَامُوسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ وَسَكَتَ عَنْهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [1625] قَوْلُهُ (عَنِ الرُّكَيْنِ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ الرَّبِيعِ) بْنِ عَمِيلَةَ الْفَزَارِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيِ الرَّبِيعِ بْنِ عَمِيلَةَ الفزاري الكوفي وثقه بن مَعِينٍ (عَنْ يُسَيْرِ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ عَمِيلَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الْفَزَارِيِّ وَيُقَالُ لَهُ أُسَيْرٌ أَيْضًا ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ خُرَيْمِ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ (بْنِ فَاتِكٍ) بِالْفَاءِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ الْأَسَدِيِّ صَحَابِيٌّ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ بِالرَّقَّةِ (مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً) أَيْ صَرَفَ نَفَقَةً صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً (كُتِبَتْ له سبعمائة ضِعْفٍ) أَيْ مِثْلٍ وَهَذَا أَقَلُّ الْمَوْعُودِ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَخَذَ مِنْهُ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا نِهَايَةُ التَّضْعِيفِ وَرَدَ بِآيَةِ (والله يضاعف لمن يشاء) انتهى

باب ما جاء في فضل الخدمة في سبيل الله

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِفَرَسٍ يَجْعَلُ كُلَّ خَطْوٍ مِنْهُ أَقْصَى بَصَرِهِ فَسَارَ وَسَارَ مَعَهُ جِبْرِيلُ فَأَتَى عَلَى قَوْمٍ يَزْرَعُونَ فِي يَوْمٍ وَيَحْصُدُونَ في كل يوم كلما أحصدوا عَادَ كَمَا كَانَ فَقَالَ يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلَاءِ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تُضَاعَفُ لَهُمُ الْحَسَنَةُ بِسَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ وَمَا أَنْفَقُوا مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه النسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْخِدْمَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [1626] قَوْلُهُ (عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْحَارِثِ) الدِّمَشْقِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (قَالَ خِدْمَةُ عَبْدٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ الْآتِيَةِ مَنِيحَةُ خَادِمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ خِدْمَةُ عَبْدٍ أَيْ هِبَةُ عَبْدٍ لِلْمُجَاهِدِ لِيَخْدُمَهُ أَوْ عَارِيَّتُهُ لَهُ (أَوْ ظِلُّ فُسْطَاطٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَتُكْسَرُ خَيْمَةٌ يَسْتَظِلُّ بِهِ الْمُجَاهِدُ أَيْ نَصْبُ خَيْمَةٍ أَوْ خِبَاءٍ لِلْغُزَاةِ يَسْتَظِلُّونَ بِهِ (أَوْ طَرُوقَةُ فَحْلٍ) بِفَتْحِ الطَّاءِ فَعُولَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ أَيْ مَرْكُوبَةٌ يَعْنِي نَاقَةً أَوْ نَحْوَ فَرَسٍ بَلَغَتْ أَنْ يَطْرُقَهَا الْفَحْلُ يُعْطِيهِ إِيَّاهَا لِيَرْكَبَهَا إِعَارَةً أَوْ قَرْضًا أَوْ هِبَةً [1627] قَوْلُهُ (أَفْضَلُ الصَّدَقَاتِ ظِلُّ فُسْطَاطٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنِيحَةُ خَادِمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ طَرُوقَةُ فَحْلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَبِالْإِضَافَةِ هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي صَلُحَتْ لِطَرْقِ الْفَحْلِ وَأَقَلُّ سِنِّهَا ثَلَاثُ سِنِينَ وَبَعْضُ الرَّابِعَةِ وَهَذِهِ هِيَ الْحِقَّةُ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُعْطَى الْغَازِي خَادِمًا أَوْ نَاقَةً هَذِهِ صِفَتُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ الصَّدَقَاتِ

باب ما جاء فيمن جهز غازيا

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ غَرِيبٍ وَكَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِغَيْرِ ذِكْرِ لَفْظِ غَرِيبٍ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ حَقَّهُ حَسَنٌ لَا صَحِيحٌ انْتَهَى وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ فِي مسنده (باب ما جاء فيمن جَهَّزَ غَازِيًا) تَجْهِيزُ الْغَازِي تَحْمِيلُهُ وَإِعْدَادُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي غَزْوِهِ [1628] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ) اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَصْرِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْقَنَّادُ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (قَالَ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا) بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ أَيْ هَيَّأَ أَسْبَابَ سَفَرِهِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فِي الْجِهَادِ (فَقَدْ غَزَا) أَيْ حُكْمًا وَحَصَلَ لَهُ ثَوَابُ الْغُزَاةِ (وَمَنْ خَلَفَ) بِفَتْحِ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ (غَازِيًا) أَيْ قَامَ مقام بَعْدَهُ وَصَارَ خَلَفًا لَهُ بِرِعَايَةِ أُمُورِهِ فِي أَهْلِهِ (فَقَدْ غَزَا) قَالَ الْقَاضِي يُقَالُ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ إِذَا قَامَ

مَقَامَهُ فِي إِصْلَاحِ حَالِهِمْ وَمُحَافَظَةِ أَمْرِهِمْ أَيْ مَنْ تَوَلَّى أَمْرَ الْغَازِي وَنَابَ مَنَابَهُ فِي مُرَاعَاةِ أَهْلِهِ زَمَانَ غَيْبَتِهِ شَارَكَهُ فِي الثَّوَابِ لِأَنَّ فَرَاغَ الْغَازِي لَهُ وَاشْتِغَالَهُ بِهِ بِسَبَبِ قِيَامِهِ بِأَمْرِ عِيَالِهِ فَكَأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ فِعْلِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ فَقَدْ غَزَا قال بن حِبَّانَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْأَجْرِ وَإِنْ لَمْ يَغْزُ حَقِيقَةً ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ بِلَفْظِ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ من أجره شيء ولابن ماجه وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ نَحْوُهُ بِلَفْظِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا حَتَّى يَسْتَقِلَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَرْجِعَ وَأَفَادَتْ فَائِدَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ الْوَعْدَ الْمَذْكُورَ مُرَتَّبٌ عَلَى تَمَامِ التَّجْهِيزِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ حَتَّى يَسْتَقِلَّ ثَانِيَتُهُمَا أنه يستوي معه في الأجر وماله يخبر إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ تِلْكَ الْغَزْوَةُ انْتَهَى فَإِنْ قلت ماوجه التَّوْفِيقِ بَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بَعَثَ بَعْثًا وَقَالَ لِيَخْرُجْ مِنْ كُلِّ رَجُلَيْنِ رَجُلٌ وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ ثُمَّ قَالَ لِلْقَاعِدِ وَأَيُّكُمْ خَلَفَ الْخَارِجَ فِي أَهْلِهِ كَانَ لَهُ مِثْلُ نِصْفِ أَجْرِ الْخَارِجِ قُلْتُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَفْظَةُ نِصْفٍ يُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ مُقْحَمَةً أَيْ مَزِيدَةً مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَقَالَ الْحَافِظُ وَلَا حَاجَةَ لِدَعْوَى زِيَادَتِهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا فِي الصَّحِيحِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ فِي تَوْجِيهِهَا أَنَّهَا أُطْلِقَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَجْمُوعِ الثَّوَابِ لِلْغَازِي وَالْخَالِفِ لَهُ بِخَيْرٍ فَإِنَّ الثَّوَابَ إِذَا انْقَسَمَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مِثْلُ مَا لِلْآخَرِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان وَغَيْرُهُمَا (وَقَدْ رُوِيَ) بِصِيغَةِ

باب من اغبرت قدماه في سبيل الله

الْمَجْهُولِ (مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بقوله حدثنا بن أَبِي عُمَرَ إِلَخْ [1630] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ إِلَخْ) قَدْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ إِلَى قَوْلِهِ نَحْوَهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَبْلَ قَوْلِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ إِلَخْ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ) الْعَرْزَمِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ الخامسة كذا في التقريب (باب مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ بيان ماله مِنَ الْفَضْلِ [1632] قَوْلُهُ (لَحِقَنِي عَبَايَةُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ (بْنُ رِفَاعَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ (وَأَنَا مَاشٍ إِلَى الْجُمُعَةِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ اعْلَمْ أَنَّهُ كَذَا وَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَكَذَا عِنْدَ النَّسَائِيِّ أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِيَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ مَعَ عَبَايَةَ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْمَشْيِ إِلَى الْجُمْعَةِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِعَبَايَةَ مَعَ أَبِي عَبْسٍ فَإِنْ كَانَ مَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مَحْفُوظًا احْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ وَقَعَتْ بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَقَالَ) أَيْ عَبَايَةُ (أَبْشِرْ) مِنَ الْإِبْشَارِ قَالَ فِي الصراح الابشار شاد شدن يُقَالُ بَشَّرْتُهُ بِمَوْلُودٍ فَأُبْشِرَ أَيْ سُرَّ وَيُقَالُ أَبْشِرْ بِخَيْرٍ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ) (فَإِنَّ خُطَاكَ) جَمْعُ خُطْوَةٍ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فِي طَرِيقٍ يُطْلَبُ فِيهَا رِضَا اللَّهِ (سمعت أبا عبس) بسكون الموحدة هو بن جَبْرٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ (مَنِ اغْبَرَّتْ قَدَمَاهُ) أَيْ أَصَابَهُمَا غُبَارٌ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فِي الْجِهَادِ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْ فِي طَرِيقٍ يُطْلَبُ فِيهَا رِضَا اللَّهِ فَشَمِلَ الْجِهَادَ وَغَيْرَهُ كَطَلَبِ الْعِلْمِ قُلْتُ وَأَرَادَ عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَكَذَا أَبُو عَبْسٍ الرَّاوِي فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْعُمُومَ (فَهُمَا حَرَامٌ عَلَى النَّارِ) أَيْ لا

باب ما جاء في فضل الغبار في سبيل الله

تَمَسُّهُمَا النَّارُ وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى عَظِيمِ قَدْرِ التَّصَرُّفِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِذَا كَانَ مُجَرَّدُ مَسِّ الْغُبَارِ لِلْقَدَمِ يُحَرِّمُ عَلَيْهَا النَّارَ فَكَيْفَ بِمَنْ سَعَى وَبَذَلَ جَهْدَهُ وَاسْتَنْفَدَ وُسْعَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَعَنْ جَابِرٍ أخرجه بن حِبَّانَ ذَكَرَ الْحَافِظُ لَفْظَهُمَا فِي الْفَتْحِ تَحْتَ حَدِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ (وَيَزِيدَ بْنَ أَبِي مَرْيَمَ وَهُوَ رَجُلٌ شَامِيٌّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ ثَابِتٌ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ إِمَامُ الْجَامِعِ لَا بَأْسَ بِهِ (رَوَى عَنْهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَيَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ) كَالْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمْ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ كُوفِيٌّ) يَعْنِي هَذَا رَجُلٌ آخَرُ غَيْرُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الشَّامِيِّ الْمَذْكُورِ (أَبُوهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ أَبُو مَرْيَمَ السَّلُولِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ سَكَنَ الْكُوفَةَ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ عَنِ الصَّلَاةِ وَعَنْهُ ابْنُهُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ رَوَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا لَهُ أَنْ يُبَارَكَ لَهُ فِي وَلَدِهِ فَوُلِدَ لَهُ ثمانون ذكرا قال الحافظ ذكره بن حِبَّانَ فِي الصَّحَابَةِ ثُمَّ ذَكَرَهُ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْغُبَارِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [1633] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عُبَيْدٍ الْقُرَشِيِّ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ

باب ما جاء في من شاب شيبة في سبيل الله

قَوْلُهُ (لَا يَلِجُ النَّارَ) أَيْ لَا يَدْخُلُهَا (رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) فَإِنَّ الْغَالِبَ مِنَ الْخَشْيَةِ امْتِثَالُ الطَّاعَةِ وَاجْتِنَابُ الْمَعْصِيَةِ (حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ) هَذَا مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ بِالْمُحَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ في سم الخياط (وَلَا يَجْتَمِعُ) أَيْ عَلَى عَبْدٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ (غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ) فَكَأَنَّهُمَا ضِدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ كَمَا أَنَّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ نَقِيضَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ إِلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي مَنْخَرَيْ مُسْلِمٍ أَبَدًا وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (بَاب مَا جَاءَ في مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [1634] قَوْلُهُ (وَاحْذَرْ) أَيْ عَنْ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ فِيهِ (مَنْ شَابَ شَيْبَةً) أَيْ شَعْرَةً وَاحِدَةً بَيْضَاءَ (فِي الْإِسْلَامِ) يَعْنِي أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي الْجِهَادِ أَوْ غَيْرِهِ (كَانَتْ لَهُ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ ضِيَاءً وَمُخَلِّصًا عَنْ ظُلُمَاتِ الْمَوْقِفِ وَشَدَائِدِهِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ يَصِيرُ الشَّعْرُ نَفْسُهُ نُورًا يَهْتَدِي بِهِ صَاحِبُهُ وَالشَّيْبُ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ لَكِنَّهُ إِذَا كَانَ بِسَبَبٍ مِنْ نَحْوِ جِهَادٍ أَوْ خَوْفٍ مِنَ اللَّهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ سَعْيِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ فَضَالَةَ فَأَخْرَجَهُ

الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ مِنْ رِوَايَةِ بن لَهِيعَةَ وَبَقِيَّةُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَلَفْظُهُ مِثْلُ حَدِيثِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (هَكَذَا رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) أَيْ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ إِلَخْ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ وَأَدْخَلَ) أَيْ مَنْصُورٌ بَيْنَهُ أَيْ بَيْنَ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ (وَيُقَالُ كَعْبَ بْنَ مُرَّةَ وَيُقَالُ مُرَّةَ بْنَ كَعْبٍ الْبَهْزِيَّ إِلَخْ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ كَعْبُ بْنُ مُرَّةَ وَقِيلَ مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ الْبَهْزِيُّ السُّلَمِيُ سَكَنَ الْبَصْرَةَ ثُمَّ الْأُرْدُنَّ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ وَسَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ وَقِيلَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ وَقَالَ مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ وغيرهم قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالْأَكْثَرُ يَقُولُونَ كَعْبُ بْنُ مُرَّةَ لَهُ أَحَادِيثُ مُخَرِّجُهَا عَنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَرْوُونَهَا عَنْ شُرَحْبِيلَ عَنْهُ وَأَهْلُ الشَّامِ يَرْوُونَ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ بِأَعْيَانِهَا عَنْ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عبسة فالله أَعْلَمُ انْتَهَى [1635] قَوْلُهُ (عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ) الْحِمْصِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَوَهِمَ مَنْ عَدَّهُ فِي الصَّحَابَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ عمرو بن عبسة) بعين موحدة مَفْتُوحَتَيْنِ وَإِهْمَالِ سِينٍ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَالِدٍ السُّلَمِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو نَجِيحٍ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ بَعْدَ أُحُدٍ ثُمَّ نَزَلَ الشَّامَ قَوْلُهُ (مَنْ شَابَ شَيْبَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَاهُ مَنْ مَارَسَ الْمُجَاهَدَةَ حَتَّى يَشِيبَ طَاقَةٌ من شعره فله مالا يُوصَفُ مِنَ الثَّوَابِ دَلَّ عَلَيْهِ تَخْصِيصُ ذِكْرِ النُّورِ وَالتَّنْكِيرِ فِيهِ قَالَ وَمَنْ رَوَى فِي الْإِسْلَامِ بَدَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَرَادَ بِالْعَامِّ الْخَاصَّ أَوْ سُمِّيَ

باب ما جاء من ارتبط فرسا في سبيل الله

الْجِهَادُ إِسْلَامًا لِأَنَّهُ عَمُودُهُ وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ انْتَهَى قُلْتُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَعَمُّ مِنَ الْجِهَادِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي حَدِيثٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يَذْكُرِ الْمُنْذِرِيُّ لَفْظَ غَرِيبٍ 0 - (باب ما جاء مَنْ ارْتَبَطَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيِ احْتَبَسَهَا وَأَعَدَّهَا لِلْجِهَادِ [1636] قَوْلُهُ (الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) سَيَأْتِي شَرْحُ هَذَا فِي بَابِ فَضْلِ الْخَيْلِ (الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ) قَالَ الْحَافِظُ وَجْهُ الْحَصْرِ فِي الثَّلَاثَةِ أَنَّ الَّذِي يَقْتَنِي الْخَيْلَ إِمَّا أَنْ يَقْتَنِيَهَا لِلرُّكُوبِ أَوْ لِلتِّجَارَةِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا إِمَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِهِ فِعْلُ طَاعَةِ اللَّهِ وَهُوَ الْأَوَّلُ أَوْ مَعْصِيَةٍ وَهُوَ الْأَخِيرُ أَوْ يَتَجَرَّدُ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ الثَّانِي (هِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ) أَيْ ثَوَابٌ (وَهِيَ لِرَجُلٍ سِتْرٌ) أَيْ سَاتِرٌ لِفَقْرِهِ وَلِحَالِهِ (وَهِيَ عَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ) أَيْ إِثْمٌ وَثِقَلٌ (لَا يُغَيِّبُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَشِدَّةِ الثَّانِيَةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ لَا يُدْخَلُ وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَوْصُولِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَا تُغَيِّبُ بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى الْخَيْلِ وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْخَيْلَ إِنَّمَا تَكُونُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ إِذَا كَانَ اتِّخَاذُهَا فِي الطَّاعَةِ أَوْ فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ وَإِلَّا فَهِيَ مَذْمُومَةٌ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَفِيهِ الْخَيْلُ ثَلَاثَةٌ فَهِيَ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَلِرَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي هِيَ لَهُ أَجْرٌ فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَعُدُّهَا لَهُ فَلَا تُغَيِّبُ شَيْئًا فِي بُطُونِهَا إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرًا وَلَوْ رَعَاهَا فِي مَرْجٍ مَا أَكَلَتْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا أَجْرًا وَلَوْ سَقَاهَا مِنْ نَهَرٍ كَانَ لَهُ بِكُلِّ قَطْرَةٍ تُغَيِّبُهَا فِي بُطُونِهَا أَجْرٌ حَتَّى ذَكَرَ الْأَجْرَ فِي أَبْوَالِهَا وَأَرْوَاثِهَا وَلَوِ اسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كُتِبَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ تَخْطُوهَا أَجْرٌ وَأَمَّا

باب ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله

الَّذِي هِيَ لَهُ سِتْرٌ فَالرَّجُلُ يَتَّخِذُهَا تَكَرُّمًا وتجملا وَلَا يَنْسَى حَقَّ ظُهُورِهَا وَبُطُونِهَا فِي عُسْرِهَا وَيُسْرِهَا وَأَمَّا الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ فَاَلَّذِي يَتَّخِذُهَا أَشَرًا وَبَطَرًا وَبَذَخًا وَرِيَاءَ النَّاسِ فَذَاكَ الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ وِزْرٌ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان والنسائي وبن مَاجَهْ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الرَّمْيِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [1637] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ الْمَكِّيِّ النَّوْفَلِيِّ ثِقَةٌ عَالِمٌ بِالْمَنَاسِكِ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (لَيُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ) أَيْ بِسَبَبِ رَمْيِهِ عَلَى الْكُفَّارِ (ثَلَاثَةً) وَفِي رِوَايَةٍ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ (صَانِعَهُ) بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ (يَحْتَسِبُ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ يَطْلُبُ (فِي صَنْعَتِهِ) أَيْ لِذَلِكَ السَّهْمِ (الْخَيْرَ) أَيِ الثَّوَابَ (وَالرَّامِيَ بِهِ) أَيْ كَذَلِكَ مُحْتَسِبًا وَكَذَا قَوْلُهُ (وَالْمُمِدَّ بِهِ) مِنَ الْإِمْدَادِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْمُمِدُّ بِهِ أَيْ مَنْ يَقُومُ عِنْدَ الرَّامِي وَلَهُ فِينَا سَهْمًا بَعْدَ سَهْمٍ أَوْ يَرُدُّ عَلَيْهِ النَّبْلَ مِنَ الْهَدَفِ مِنْ أَمْدَدْتَهُ بِكَذَا إِذَا أَعْطَيْتَهُ إِيَّاهُ (اِرْمُوا وَارْكَبُوا) أَيْ لَا تَقْتَصِرُوا عَلَى الرَّمْيِ مَاشِيًا وَاجْمَعُوا بَيْنَ الرَّمْيِ وَالرُّكُوبِ أَوِ الْمَعْنَى اعْلَمُوا هَذِهِ الْفَضِيلَةَ وَتَعَلَّمُوا الرَّمْيَ وَالرُّكُوبَ بِتَأْدِيبِ الْفَرَسِ وَالتَّمْرِينِ عَلَيْهِ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ آخِرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ عَطْفُ وَارْكَبُوا يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ وَأَنَّ الرَّامِيَ يَكُونُ رَاجِلًا وَالرَّاكِبَ رَامِحًا فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ (وَلَأَنْ تَرْمُوا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا) أَنَّ الرَّمْيَ بِالسَّهْمِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الطعن بالرمح انتهى كلام الطيبي وقال القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مُعَالَجَةَ الرَّمْيِ وَتَعَلُّمَهُ أَفْضَلُ مِنْ تَأْدِيبِ الْفَرَسِ وَتَمْرِينِ رُكُوبِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخُيَلَاءِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَلِمَا فِي الرَّمْيِ مِنَ النَّفْعِ الْعَامِّ وَلِذَا قَدَّمَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ومن رباط الخيل مع

أن لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الرُّمْحِ أَصْلًا انتهى كلام القارىء (كُلُّ مَا يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ) أَيْ يَشْتَغِلُ وَيَلْعَبُ بِهِ (بَاطِلٌ) لَا ثَوَابَ لَهُ (إِلَّا رَمْيَهُ بِقَوْسٍ) احْتِرَافٌ عَنْ رَمْيِهِ بِالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ (وَتَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ) أَيْ تَعْلِيمَهُ إِيَّاهُ بِالرَّكْضِ وَالْجَوَلَانِ عَلَى نِيَّةِ الْغَزْوِ (وَمُلَاعَبَتَهُ أَهْلَهُ فَإِنَّهُنَّ مِنَ الْحَقِّ) أَيْ لَيْسَ مِنَ اللَّهْوِ الْبَاطِلِ فيترتب عليه الثواب الكامل قال القارىء وَفِي مَعْنَاهَا كُلُّ مَا يُعِينُ عَلَى الْحَقِّ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ إِذَا كَانَ مِنَ الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ كَالْمُسَابَقَةِ بِالرِّجْلِ وَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالتَّمْشِيَةِ لِلتَّنَزُّهِ عَلَى قَصْدِ تَقْوِيَةِ الْبَدَنِ وَتَطْرِيَةِ الدِّمَاغِ وَمِنْهَا السَّمَاعُ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْآلَاتِ الْمُطْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ انتهى كلام القارىء قُلْتُ فِي قَوْلِهِ وَمِنْهَا السَّمَاعُ إِلَخْ نَظَرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ السَّمَاعَ لَيْسَ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الْحَقِّ وَالسَّمَاعُ الَّذِي هُوَ فَاشٍ فِي هَذَا الزَّمَانِ بَيْنَ الْمُتَصَوِّفَةِ الْجَهَلَةِ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ مُعِينٌ عَلَى الْفَسَادِ وَالْبَطَالَةِ وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ السَّمَاعَ لَيْسَ مِمَّا يُعِينُ عَلَى الْحَقِّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لهو الحديث قال الحافظ في التلخيص روى بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يشتري لهو الحديث قال الغناء والذي لا إله غيره وأخرجه الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ انْتَهَى وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا هو بن مَسْعُودٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ بِهِ فِيهِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ هَذَا مُرْسَلٌ لِأَنَّهُ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سَلَّامٍ) الْحَبَشِيِّ الْأَسْوَدِ اسْمُهُ مَمْطُورٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَزْرَقِ) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَزْرَقُ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامر وعنه أبو سلام وثقه بن حِبَّانَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مُرَّةَ فَأَخْرَجَهُ النسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول من بَلَغَ الْعَدُوَّ بِسَهْمٍ رَفَعَ اللَّهُ لَهُ دَرَجَةً فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ النَّحَّامِ وَمَا الدَّرَجَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَمَا إِنَّهَا لَيْسَتْ بِعَتَبَةِ أُمِّكَ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ مِائَةُ عَامٍ وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ سَمِعْتُ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَانَ كمن أعتق رقبة رواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ أَشَارَ بِقَوْلِهِ هَذَا إِلَى حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ لَا إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْهُ بِالْعَنْعَنَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَاكِمِ وَغَيْرُهَا وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُدَ وَمُنْبِلَهُ مَكَانَ وَالْمُمِدَّ بِهِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ مُنْبِلُهُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْبَغَوِيُّ هُوَ الَّذِي يُنَاوِلُ الرَّامِيَ النَّبْلَ وَهُوَ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَقُومَ بِجَنْبِ الرَّامِي أَوْ خَلْفَهُ يُنَاوِلُهُ النَّبْلَ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يَرْمِيَ وَالْآخَرُ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبْلَ الْمَرْمِيَّ بِهِ وَيُرْوَى وَالْمُمِدُّ بِهِ وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ فَعَلَ فَهُوَ مُمِدٌّ بِهِ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مُنْبِلَهُ أَيِ الَّذِي يُعْطِيهِ لِلْمُجَاهِدِ وَيُجَهِّزُ بِهِ مِنْ مَالِهِ إِمْدَادًا لَهُ وَتَقْوِيَةً وَرِوَايَةُ الْبَيْهَقِيِّ تَدُلُّ عَلَى هَذَا انْتَهَى قُلْتُ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُدْخِلُ بِالسَّهْمِ الْوَاحِدِ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ الْجَنَّةَ صَانِعَهُ الَّذِي يَحْتَسِبُ فِي صَنْعَتِهِ الْخَيْرَ وَاَلَّذِي يُجَهِّزُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاَلَّذِي يَرْمِي بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [1638] قَوْلُهُ (فَهُوَ لَهُ عِدْلُ مُحَرِّرٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَيُفْتَحُ أَيْ مِثْلُ ثَوَابِ مُعْتِقٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ (وَأَبُو نَجِيحٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (وَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَبَسَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ بَعْدَ أُحُدٍ ثُمَّ نَزَلَ الشَّامَ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَزْرَقِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ) وَالْأَزْرَقُ صِفَةٌ لِزَيْدٍ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَزْرَقِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَمِيزَانِ الِاعْتِدَالِ

باب ما جاء في فضل الحرس في سبيل الله

12 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْحَرَسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [1639] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ) هُوَ الزَّهْرَانُ الْأَزْدِيُّ (حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ رُزَيْقٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الزَّايِ مُصَغَّرًا الشَّامِيِّ أَبُو شَيْبَةَ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ السَّابِعَةِ (حَدَّثَنَا عطاء) بن أبي مسلم أو عثمان الخرساني وَاسْمُ أَبِيهِ مَيْسَرَةُ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ صَدُوقٌ يَهِمُ كَثِيرًا وَيُرْسِلُ وَيُدَلِّسُ مِنَ الْخَامِسَةِ لَمْ يَصِحَّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ لَهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ) أَيْ لَا تَمَسُّ صَاحِبَهُمَا فَعَبَّرَ بِالْجُزْءِ عَنِ الْجُمْلَةِ وَعَبَّرَ بِالْمَسِّ إِشَارَةً إِلَى امْتِنَاعِ مَا فَوْقَهُ بِالْأَوْلَى وَفِي رِوَايَةٍ أَبَدًا وَفِي رِوَايَةٍ لَا تَرَيَانِ النَّارَ (عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) وَهِيَ مَرْتَبَةُ الْمُجَاهِدِينَ مَعَ النَّفْسِ التَّائِبِينَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ (وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ) وَفِي رِوَايَةٍ تَكْلَأُ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَهِيَ مَرْتَبَةُ الْمُجَاهِدِينَ فِي الْعِبَادَةِ وَهِيَ شَامِلَةٌ لِأَنْ تَكُونَ فِي الْحَجِّ أَوْ طلب العلم أو الجهاد أو العبادة وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَارِسُ لِلْمُجَاهِدَيْنِ لِحِفْظِهِمْ عَنِ الْكُفَّارِ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ عَيْنٌ بَكَتْ هَذَا كِنَايَةٌ عَنِ الْعَالِمِ الْعَابِدِ الْمُجَاهِدِ مَعَ نَفْسِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عباده العلماء حَيْثُ حَصَرَ الْخَشْيَةَ فِيهِمْ غَيْرَ مُتَجَاوِزٍ عَنْهُمْ فَحَصَلَتِ النِّسْبَةُ بَيْنَ الْعَيْنَيْنِ عَيْنِ مُجَاهِدٍ مَعَ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَعَيْنِ مُجَاهِدٍ مَعَ الْكُفَّارِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ وَأَبِي رَيْحَانَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَفْظُهُ حَرَسُ لَيْلَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ لَيْلَةٍ يُقَامُ لَيْلُهَا وَيُصَامُ نَهَارُهَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَيْحَانَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَالنَّسَائِيُّ بِبَعْضِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ

باب ما جاء في ثواب الشهيد

13 - (باب ما جاء في ثواب الشهيد) [1641] قَوْلُهُ (فِي طَيْرٍ) جَمْعُ طَائِرٍ وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ (خُضْرٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ جَمْعُ أَخْضَرَ (تَعْلُقُ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَضَمِّ اللَّامِ أَيْ تَرْعَى مِنْ أَعَالِي شَجَرِ الْجَنَّةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ تَأْكُلُ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ لِلْإِبِلِ إِذَا أَكَلَتِ الْعِضَاهَ يُقَالُ عَلِقَتْ تَعْلُقُ عُلُوقًا فَنُقِلَ إِلَى الطَّيْرِ انْتَهَى (مِنْ ثَمَرِ الْجَنَّةِ أَوْ شَجَرِ الْجَنَّةِ) شك من الراوي وفي حديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَسْرَحُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ ثُمَّ تَأْوِي إِلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ الْحَدِيثَ قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَمْثَالِهِ بَعْضُ الْقَائِلِينَ بِالتَّنَاسُخِ وَانْتِقَالِ الْأَرْوَاحِ وَتَنْعِيمِهَا فِي الصُّوَرِ الْحِسَانِ الْمُرَفَّهَةِ وَتَعْذِيبِهَا فِي الصُّوَرِ الْقَبِيحَةِ وَزَعَمُوا أَنَّ هَذَا هُوَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ لَا يُطَابِقُ مَا جَاءَتْ بِهِ الشَّرَائِعُ مِنْ إِثْبَاتِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَلِهَذَا قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ بعثه الأجساد قال بن الْهُمَامِ اعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ بِتَجَرُّدِ الرُّوحِ يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا أَنَّهُ يُخَالِفُ قَوْلَهُ تَعَالَى فادخلي في عبادي انْتَهَى وَفِي بَعْضِ حَوَاشِي شَرْحِ الْعَقَائِدِ اعْلَمْ أَنَّ التَّنَاسُخَ عِنْدَ أَهْلِهِ هُوَ رَدُّ الْأَرْوَاحِ إِلَى الْأَبْدَانِ فِي هَذَا الْعَالَمِ لَا فِي الْآخِرَةِ إِذْ هُمْ يُنْكِرُونَ الْآخِرَةَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلِذَا كَفَرُوا انْتَهَى قُلْتُ عَلَى بُطْلَانِ التَّنَاسُخِ دَلَائِلُ كَثِيرَةٌ وَاضِحَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ [1642] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ) بْنِ فَارِسٍ الْعَبْدِيُّ بَصْرِيٌّ أَصْلُهُ مِنْ بُخَارَى ثِقَةٌ قِيلَ كَانَ

يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ لَا يَرْضَاهُ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَامِرٍ الْعُقَيْلِيِّ بِالضَّمِّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عامر بن عقبة ويقال بن عَبْدِ اللَّهِ الْعُقَيْلِيُّ) مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عُقْبَةُ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عُقْبَةُ الْعُقَيْلِيُّ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ عَلَيَّ أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ الْحَدِيثَ وَعَنْهُ ابْنُهُ عَامِرٌ الْعُقَيْلِيُّ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (عُرِضَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أَوَّلُ ثَلَاثَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ وَيَجُوزُ كَوْنُهُ لِلْمَفْعُولِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَضَافَ أَفْعَلَ إِلَى النَّكِرَةِ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ أَوَّلُ كُلِّ ثَلَاثَةٍ مِنَ الدَّاخِلِينَ فِي الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ وَأَمَّا تَقْدِيمُ أَحَدِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الْآخَرَيْنِ فَلَيْسَ فِي اللَّفْظِ إِلَّا التَّنْسِيقُ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمَعَانِي انْتَهَى قال القارىء وَقَوْلُهُ لِلِاسْتِغْرَاقِ كَأَنَّهُ صِفَةُ النَّكِرَةِ أَيِ النَّكِرَةِ المستغرقة لأن النكرة الموصوفة تعم فالمعنى أول كُلٌّ مِمَّنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ثَلَاثَةٌ ثَلَاثَةٌ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ التَّقْدِيمَ الذِّكْرِيَّ يُفِيدُ التَّرْتِيبَ الْوُجُودِيَّ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا كَمَا فِي آيَةِ الْوُضُوءِ وَقَدْ قال صلى الله عليه وسلم ابدأوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فِي إِنَّ الصَّفَا والمروة من شعائر الله وَرُوِيَ ثُلَّةٌ بِالضَّمِّ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ أَيْ أَوَّلُ جَمَاعَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَرُوِيَ بِرَفْعِ ثَلَاثَةٌ فَضَمُّ أَوَّلُ لِلْبِنَاءِ كَضَمِّ قَبْلُ وَبَعْدُ وَهُوَ ظَرْفٌ عُرِضَ أَيْ عُرِضَ عَلَى أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْعَرْضِ ثَلَاثَةٌ أَوْ ثُلَّةٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ (شَهِيدٌ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ (وَعَفِيفٌ) عَنْ تَعَاطِي مَا لَا تَحِلُّ (مُتَعَفِّفٌ) أَيْ عَنِ السُّؤَالِ مُكْتَفٍ بِالْيَسِيرِ عَنْ طَلَبِ الْمَفْضُولِ فِي الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ وَقِيلَ أَيْ مُتَنَزِّهٌ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ صَابِرٌ عَلَى مُخَالَفَةِ نَفْسِهِ وَهَوَاهُ (وَعَبْدٌ) أَيْ مَمْلُوكٌ (أَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ) بِأَنْ قَامَ بِشَرَائِطِهَا وَأَرْكَانِهَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَخْلَصَ عِبَادَتَهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِحْسَانُ أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ (وَنَصَحَ لِمَوَالِيهِ) أَيْ أَرَادَ الْخَيْرَ لَهُمْ وَقَامَ بِحُقُوقِهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ في السنن الكبرى [1640] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ) بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْيَرْبُوعِيُّ الْكُوفِيُّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (الْقَتْلُ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ قَوْلُهُ (يُكَفِّرُ كُلَّ خَطِيئَةٍ) أَيْ يَكُونُ سَبَبًا لِتَكْفِيرِ كُلِّ خطيئة

عَنِ الْمَقْتُولِ (إِلَّا الدَّيْنَ) أَيْ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى جَمِيعِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَأَنَّ الْجِهَادَ والشهادة وغيرهما من أعمال البر ولا يُكَفِّرُ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ وَإِنَّمَا تُكَفِّرُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي قَتَادَةَ) أَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَأَمَّا حَدِيثُ أبي هريرة فأخرجه بن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ ذُكِرَ الشُّهَدَاءُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَجِفُّ الْأَرْضُ مِنْ دَمِ الشَّهِيدِ حَتَّى تَبْتَدِرَهُ زَوْجَتَاهُ كَأَنَّهُمَا ظِئْرَانِ أَضَلَّتَا فَصِيلَهُمَا فِي بَرَاحٍ مِنَ الْأَرْضِ وَفِي يَدِ كُلِّ وَاحِدَةٍ حُلَّةٌ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَلَهُ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي هَذَا الْبَابِ ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ فِي الشَّهَادَةِ وَمَا جَاءَ فِي فَضْلِ الشُّهَدَاءِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي بَابِ مَنْ يُسْتَشْهَدُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِلَفْظِ الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا الدَّيْنَ (لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَذَا الشَّيْخِ) يَعْنِي يَحْيَى بْنَ طَلْحَةَ الْكُوفِيَّ (وَقَالَ) أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ (أُرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ أَظُنُّ (أَنَّهُ) أَيْ يَحْيَى بْنَ طَلْحَةَ (أَرَادَ حَدِيثَ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَخْ) يَعْنِي أَرَادَ يَحْيَى بْنُ طَلْحَةَ أَنْ يُحَدِّثَ هَذَا الحديث فاخطأ ووهم وحديث بِحَدِيثِ الْقَتْلُ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إِلَخْ [1643] قَوْلُهُ (يَمُوتُ) صِفَةٌ لِعَبْدٍ (لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ) أَيْ ثَوَابٌ صِفَةٌ أُخْرَى لِعَبْدٍ (يُحِبُّ أَنْ يرجع

باب ما جاء في فضل الشهداء عند الله

كَلِمَةُ أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ وَيَرْجِعَ لَازِمٌ (وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ عَطْفٌ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ عَلَى أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً حَالِيَّةً (إِلَّا الشَّهِيدَ) مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ (لِمَا يَرَى) بِكَسْرِ اللَّامِ التَّعْلِيلِيَّةِ (فَيُقْتَلَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي أَفْضَلِ الشُّهَدَاءِ مَكَانَ فِي فَضْلِ الشُّهَدَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ [1644] قَوْلُهُ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ دِينَارٍ) الْهُذَلِيِّ مَوْلَاهُمْ أبو الريان وَقِيلَ أَبُو طَلْحَةَ الْمِصْرِيُّ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ مِنْ صَحِيفَتِهِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي يَزِيدَ الْخَوْلَانِيِّ) الْمِصْرِيِّ مَجْهُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (أَنَّهُ سَمِعَ فَضَالَةَ بْنَ عُبَيْدِ) بْنِ نَافِذِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيَّ الْأَوْسِيَّ أَوَّلُ مَا شَهِدَ أُحُدًا ثُمَّ نَزَلَ دِمَشْقَ وولى قضاها مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ قَبْلَهَا قَوْلُهُ (الشُّهَدَاءُ أَرْبَعَةٌ) أَيْ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ أَوْ أَرْبَعَةُ رِجَالٍ (رَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الْإِيمَانِ) أَيْ خَالِصُهُ أَوْ كَامِلُهُ (لَقِيَ الْعَدُوَّ) أَيْ مِنَ الْكُفَّارِ (فَصَدَقَ اللَّهَ) بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ صَدَقَ بِشَجَاعَتِهِ مَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ أَوْ بِتَشْدِيدِهِ أَيْ صَدَّقَهُ فِيمَا وَعَدَ عَلَى الشَّهَادَةِ (حَتَّى قُتِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ حَتَّى قَاتَلَ إِلَى أَنِ اسْتُشْهِدَ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْنِي أَنَّ الله وصف المجاهدين الذي قَاتَلُوا لِوَجْهِهِ صَابِرِينَ مُحْتَسِبِينَ فَتَحَرَّى هَذَا الرَّجُلُ بِفِعْلِهِ وَقَاتَلَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا فَكَأَنَّهُ صَدَقَ اللَّهَ تَعَالَى بِفِعْلِهِ قَالَ تَعَالَى رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عاهدوا الله عليه (فَذَاكَ) أَيِ الْمُؤْمِنُ (الَّذِي يَرْفَعُ النَّاسَ

أَيْ أَهْلَ الْمَوْقِفِ (هَكَذَا) مَصْدَرٌ قَوْلُهُ يَرْفَعُ أَيْ رَفْعًا مِثْلَ رَفْعِ رَأْسِي هَكَذَا كَمَا تُشَاهِدُونَ (وَرَفَعَ رَأْسَهُ حَتَّى وَقَعَتْ) أَيْ سَقَطَتْ (قَلَنْسُوَتُهُ) بِفَتْحَتَيْنِ فَسُكُونٍ فَضَمٍّ أَيْ طَاقِيَّتُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ كِنَايَةٌ عَنْ تَنَاهِي رِفْعَةِ مَنْزِلَتِهِ (فَلَا أَدْرِي) هَذَا قَوْلُ الرَّاوِي عَنْ فَضَالَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى وَقَعَتْ كَلَامُ فَضَالَةَ أَوْ كَلَامُ عُمَرَ وَالْمَعْنَى فَلَا أَعْلَمُ (قَلَنْسُوَةَ عُمَرَ أَرَادَ) أَيْ فَضَالَةَ (أَمْ قَلَنْسُوَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِعَادَتُهُ لِلْفَصْلِ (وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ جَيِّدُ الْإِيمَانِ) يَعْنِي لَكِنْ دُونَ الْأَوَّلِ فِي مَرْتَبَةِ الشَّجَاعَةِ (فَكَأَنَّمَا ضَرَبَ) أَيْ مُشَبَّهًا بِمَنْ طَعَنَ (جِلْدَهُ بِشَوْكِ طَلْحٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَهُوَ شَجَرٌ عَظِيمٌ مِنْ شَجَرِ الْعِضَاهِ قَالَ الطِّيبِيُّ إِمَّا كِنَايَةٌ عَنْ كَوْنِهِ يَقْشَعِرُّ شَعْرُهُ مِنَ الْفَزَعِ وَالْخَوْفِ أَوْ عَنِ ارْتِعَادِ فَرَائِصِهِ وَأَعْضَائِهِ وَقَوْلُهُ (مِنَ الْجُبْنِ) بَيَانُ التَّشْبِيهِ قَالَ القارىء الْأظْهَرُ أَنَّ مِنْ تَعْلِيلِيَّةٌ وَالْجُبْنُ ضِدُّ الشَّجَاعَةِ وَهُمَا خَصْلَتَانِ جِبِلِّيَّتَانِ مَرْكُوزَتَانِ فِي الْإِنْسَانِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الْغَرَائِزَ الطَّبِيعِيَّةَ الْمُسْتَحْسَنَةَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَنِعَمِهِ يَسْتَوْجِبُ الْعَبْدُ بِهَا زِيَادَةَ دَرَجَةٍ (أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ مَثَلًا وَالتَّرْكِيبُ تَوْصِيفِيٌّ وَجَوَّزَ الْإِضَافَةَ وَالْمَعْنَى لَا يُعْرَفُ رَامِيهِ (فَقَتَلَهُ) أَيْ ذَلِكَ السَّهْمُ مَجَازًا (فَهُوَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ) وَفِي الْحَدِيثِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَوِيَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ كَمَا رُوِيَ (وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا) الْوَاوُ بِمَعْنَى الْبَاءِ أَوْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَخْلُوطٌ بِالْآخَرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا (حَتَّى قُتِلَ) أَيْ بِوَصْفِ الشَّجَاعَةِ (وَرَجُلٌ مُؤْمِنٌ أَسْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ) أَيْ بِكَثْرَةِ الْمَعَاصِي (حَتَّى قُتِلَ) أَيْ بِوَصْفِ الشَّجَاعَةِ الْمَفْهُومِ مِنْ قَوْلِهِ فَصَدَقَ اللَّهَ (فَذَاكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ) فِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الشُّهَدَاءَ يَتَفَاضَلُونَ وَلَيْسُوا فِي مَرْتَبَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّانِي وَالْأَوَّلِ مَعَ أَنَّ كِلَيْهِمَا جَيِّدُ الْإِيمَانِ أَنَّ الْأَوَّلَ صَدَقَ اللَّهَ فِي إِيمَانِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَهَذَا بَذَلَ مُهْجَتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يَصْدُقْ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجُبْنِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الثَّانِي وَالرَّابِعِ أَنَّ الثَّانِيَ جَيِّدُ الْإِيمَانِ غَيْرُ صَادِقٍ بِفِعْلِهِ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ فَعُلِمَ مِنْ وُقُوعِهِ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِخْلَاصَ لَا يَعْتَرِيهِ شَيْءٌ وَأَنَّ مَبْنَى الأعمال على الاخلاص قال القارىء فِيهِ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ لِلْحَدِيثِ عَلَى الْإِخْلَاصِ مَعَ أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ مَرَاتِبِ الِاخْتِصَاصِ بل

باب ما جاء في غزو البحر

الْفَرْقُ بَيْنَ الْأَوَّلَيْنِ بِالشَّجَاعَةِ وَضِدِّهَا مَعَ اتِّفَاقِهِمَا فِي الْإِيمَانِ وَصَلَاحِ الْعَمَلِ ثُمَّ دُونَهُمَا الْمُخَلِّطُ ثُمَّ دُونَهُمُ الْمُسْرِفُ مَعَ اتِّصَافِهِمَا بِالْإِيمَانِ أَيْضًا وَلَعَلَّ الطِّيبِيَّ أَرَادَ بِالْمُخَلِّطِ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ نِيَّةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَبِالْمُسْرِفِ مَنْ نَوَى بِمُجَاهَدَتِهِ الْغَنِيمَةَ أَوِ الرِّيَاءَ وَالسُّمْعَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ خَوْلَانَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ قَبِيلَةٌ بِالْيَمَنِ وَمِنْهَا أَبُو يَزِيدَ الْخَوْلَانِيُّ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي غَزْوِ الْبَحْرِ) [1645] قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهِيَ خَالَةُ أَنَسٍ صَحَابِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ مَاتَتْ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الِاسْتِئْذَانِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءَ يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ (وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ زَوْجَ عُبَادَةَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ غَزْوِ الْمَرْأَةِ فِي الْبَحْرِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ فَتَزَوَّجَتْ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَتَزَوَّجَ بِهَا عُبَادَةُ بَعْدُ وَظَاهِرُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهَا تَزَوَّجَتْهُ بَعْدَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ وَكَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْإِخْبَارُ عَمَّا آلَ إِلَيْهِ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ تَبَعًا لِعِيَاضٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا هُنَاكَ فَمَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجِعْهُ (وَحَبَسَتْهُ تَفْلِي رَأْسَهُ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ تُفَتِّشُ مَا فِيهِ مِنَ الْقَمْلِ (فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عِنْدَنَا (ثُمَّ اسْتَيْقَظَ وَهُوَ يَضْحَكُ) أَيْ فَرَحًا وَسُرُورًا لِكَوْنِ أُمَّتِهِ

تَبْقَى بَعْدَهُ مُتَظَاهِرَةً أُمُورَ الْإِسْلَامِ قَائِمَةً بِالْجِهَادِ حَتَّى فِي الْبَحْرِ (قَالَ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً) جَمْعُ غَازٍ كَقُضَاةٍ جَمْعُ قَاضٍ بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِيَّةِ وَقَوْلُهُ عُرِضُوا بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَعَلَيَّ بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ (يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هَذَا الْبَحْرِ) قَالَ الْحَافِظُ الثَّبَجُ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ جِيمٌ ظَهْرُ الشَّيْءِ هَكَذَا فَسَّرَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَتْنُ الْبَحْرِ وَظَهْرُهُ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ ثَبَجُ كُلِّ شَيْءٍ وَسَطُهُ قَالَ وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا ظَهْرُهُ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ (مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ أَوْ مِثْلُ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ) بِالشَّكِّ مِنْ إِسْحَاقَ الرَّاوِي عَنْ أَنَسٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَفِي رِوَايَةٍ مِثْلُ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ بِغَيْرِ شَكٍّ أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي الْفَتْحِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَرَادَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ رَأَى الْغُزَاةَ فِي الْبَحْرِ مِنْ أُمَّتِهِ مُلُوكًا عَلَى الْأَسِرَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَرُؤْيَاهُ وَحْيٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى سرر متقابلين وقال على الأرائك متكئون وَالْأَرَائِكُ السُّرَرُ فِي الْحِجَالِ وَقَالَ عِيَاضٌ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ حَالِهِمْ فِي الْغَزْوِ مِنْ سَعَةِ أَحْوَالِهِمْ وَقِوَامِ أَمْرِهِمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَجَوْدَةِ عَدَدِهِمْ فَكَأَنَّهُمُ الْمُلُوكُ عَلَى الْأَسِرَّةِ قَالَ الْحَافِظُ وَفِي هَذَا الِاحْتِمَالِ بُعْدٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لَكِنَّ الْإِتْيَانَ بِالتَّمْثِيلِ فِي مُعْظَمِ طُرُقِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَأَى مَا يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهُمْ لَا أَنَّهُمْ نَالُوا ذَلِكَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَوْ مَوْقِعُ التَّشْبِيهِ أَنَّهُمْ فِيمَا هُمْ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي أُثِيبُوا بِهِ عَلَى جِهَادِهِمْ مِثْلُ مُلُوكِ الدُّنْيَا عَلَى أَسِرَّتِهِمْ فَالتَّشْبِيهُ بِالْمَحْسُوسَاتِ أَبْلَغُ فِي نَفْسِ السَّامِعِ (فَدَعَا لَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا مِنْهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَإِنَّكِ مِنْهُمْ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ دَعَا لَهَا فَأُجِيبَ فَأَخْبَرَهَا جَازِمًا بِذَلِكَ (نَحْوُ مَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْفِرْقَةَ الثَّانِيَةَ يَرْكَبُونَ الْبَحْرَ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ وَلَكِنَّ رِوَايَةَ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَةَ إِنَّمَا غَزَتْ فِي الْبَرِّ لِقَوْلِهِ يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ وقد حكى بن التِّينِ أَنَّ الثَّانِيَةَ وَرَدَتْ فِي غُزَاةِ الْبَرِّ وَأَقَرَّهُ وَعَلَى هَذَا يُحْتَاجُ إِلَى حَمْلِ الْمِثْلِيَّةِ فِي الْخَبَرِ عَلَى مُعْظَمِ مَا اشْتَرَكَتْ فِيهِ الطَّائِفَتَانِ لَا خُصُوصِ رُكُوبِ الْبَحْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْعَسْكَرِ الَّذِينَ غَزَوْا مَدِينَةَ قَيْصَرَ رَكِبُوا الْبَحْرَ إِلَيْهَا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ المراد ما حكى بن التِّينِ فَتَكُونُ الْأَوَّلِيَّةُ مَعَ كَوْنِهَا فِي الْبَرِّ مُقَيَّدَةً بِقَصْدِ مَدِينَةِ قَيْصَرَ وَإِلَّا فَقَدْ غَزَوْا قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْبَرِّ مِرَارًا وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْأُولَى فِي أَوَّلِ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ مِنَ التَّابِعِينَ وَقَالَ الْحَافِظُ بَلْ كَانَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لَكِنَّ

مُعْظَمَ الْأُولَى مِنَ الصَّحَابَةِ وَالثَّانِيَةِ بِالْعَكْسِ وَقَالَ عِيَاضٌ وَالْقُرْطُبِيُّ فِي السِّيَاقِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُؤْيَاهُ الثَّانِيَةَ غَيْرُ رُؤْيَاهُ الْأُولَى وَأَنَّ فِي كُلِّ نَوْمَةٍ عُرِضَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْغُزَاةِ وَأَمَّا قَوْلُ أُمِّ حَرَامٍ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فِي الثَّانِيَةِ فَلِظَنِّهَا أَنَّ الثَّانِيَةَ تُسَاوِي الْأُولَى فِي الْمَرْتَبَةِ فَسَأَلَتْ ثَانِيًا لِيَتَضَاعَفَ لَهَا الْأَجْرُ لَا أَنَّهَا شَكَّتْ فِي إِجَابَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَفِي جَزْمِهِ بِذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ لَا تَنَافِي بَيْنَ إِجَابَةِ دُعَائِهِ وَجَزْمِهِ بِأَنَّهَا مِنَ الْأَوَّلِينَ وَبَيْنَ سُؤَالِهَا أَنْ تَكُونَ مِنَ الْآخِرِينَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعِ التَّصْرِيحُ لَهَا أَنَّهَا تَمُوتُ قَبْلَ زَمَانِ الْغَزْوَةِ الثَّانِيَةِ فَجَوَّزَتْ أَنَّهَا تُدْرِكُهَا فَتَغْزُوَ مَعَهُمْ وَيَحْصُلَ لَهَا أَجْرُ الْفَرِيقَيْنِ فَأَعْلَمَهَا أَنَّهَا لَا تُدْرِكُ زَمَانَ الْغَزْوَةِ الثَّانِيَةِ فَكَانَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى (أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رُؤْيَاهُ الثَّانِيَةَ غَيْرُ الْأُولَى وَأَنَّهُ عُرِضَ فِيهِ غَيْرُ الْأَوَّلِينَ (فَرَكِبَتْ أُمُّ حَرَامٍ الْبَحْرَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ) ظَاهِرُهُ يُوهِمُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَقَدِ اغْتَرَّ بِظَاهِرِهِ بَعْضُ النَّاسِ فَوَهِمَ فَإِنَّ الْقِصَّةَ إِنَّمَا وَرَدَتْ فِي حَقِّ أَوَّلِ مَنْ يَغْزُو فِي الْبَحْرِ وَكَانَ عُمَرُ يَنْهَى عَنْ رُكُوبِ الْبَحْرِ فَلَمَّا وَلِيَ عُثْمَانُ اسْتَأْذَنَهُ مُعَاوِيَةُ فِي الْغَزْوِ فِي الْبَحْرِ فَأَذِنَ لَهُ وَنَقَلَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَسْلَمَ وَيَكْفِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ التَّصْرِيحُ فِي الصَّحِيحِ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ أَوَّلَ مَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ في البحر ونقل أيضا من طريق خالد بن مَعْدَانَ قَالَ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ مُعَاوِيَةُ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَكَانَ اسْتَأْذَنَ عُمَرَ فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فَلَمْ يَزَلْ بِعُثْمَانَ حَتَّى أَذِنَ لَهُ وَقَالَ لَا تَنْتَخِبْ أَحَدًا بَلْ مَنِ اخْتَارَ الْغَزْوَ فِيهِ طَائِعًا فَأَعِنْهُ فَفَعَلَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَصُرِعَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ فَهَلَكَتْ) وَفِي رِوَايَةٍ فَلَمَّا انْصَرَفُوا مِنْ غَزْوِهِمْ قَافِلِينَ إِلَى الشَّامِ قُرِّبَتْ إِلَيْهَا دَابَّةٌ لِتَرْكَبَهَا فَصُرِعَتْ فَمَاتَتْ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَوَقَصَتْهَا بَغْلَةٌ لَهَا شَهْبَاءُ فَوَقَعَتْ فَمَاتَتْ وَفِي رِوَايَةٍ فَوَقَعَتْ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْبَغْلَةَ الشَّهْبَاءَ قُرِّبَتْ إِلَيْهَا لِتَرْكَبَهَا فَشَرَعَتْ لِتَرْكَبَ فَسَقَطَتْ فَانْدَقَّتْ عُنُقُهَا فَمَاتَتْ تَنْبِيهٌ قَدْ أَشْكَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ نَوْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أُمِّ حَرَامٍ وَتَفْلِيَتُهَا رَأْسَهُ فَقَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاخْتَلَفُوا في كيفية ذلك فقال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ كَانَتْ إِحْدَى خَالَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ كَانَتْ خَالَةً لِأَبِيهِ أَوْ لِجَدِّهِ لِأَنَّ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ كَانَتْ أُمُّهُ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ انْتَهَى قُلْتُ فِي ادِّعَائِهِ الِاتِّفَاقَ نَظَرٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّ فِي كَوْنِهَا مَحْرَمًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَأَمُّلًا فَقَدْ بَالَغَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنِ ادَّعَى الْمَحْرَمِيَّةَ فَقَالَ ذَهَلَ كُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ أُمَّ حَرَامٍ إِحْدَى خَالَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ أَوْ مِنَ النَّسَبِ وَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَ لَهَا خُؤُولَةً تَقْتَضِي مَحْرَمِيَّةً لِأَنَّ أُمَّهَاتِهِ من

باب ما جاء في من يقاتل رياء وللدنيا

النَّسَبِ وَاَللَّاتِي أَرْضَعْنَهُ مَعْلُومَاتٌ لَيْسَ فِيهِنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْصَارِ الْبَتَّةَ سِوَى أُمِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهِيَ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ لِبِيدِ بْنِ خِرَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غُنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَأُمُّ حَرَامٍ هِيَ بِنْتُ مِلْحَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرٍ الْمَذْكُورِ فَلَا تَجْتَمِعُ أُمُّ حَرَامٍ وَسَلْمَى إِلَّا فِي عَامِرِ بْنِ غُنْمٍ جَدِّهِمَا الْأَعْلَى وَهَذِهِ خُؤُولَةٌ لَا تَثْبُتُ بِهَا مَحْرَمِيَّةٌ لِأَنَّهَا خُؤُولَةٌ مَجَازِيَّةٌ وَهِيَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ هَذَا خَالِي لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَهُمْ أَقَارِبُ أُمِّهِ آمِنَةَ وَلَيْسَ سَعْدٌ أَخًا لِآمِنَةَ لَا مِنَ النَّسَبِ وَلَا مِنَ الرضاعة انتهى وذكر بن الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْصُومًا يَمْلِكُ إِرْبَهُ عَنْ زَوْجَتِهِ فَكَيْفَ عَنْ غَيْرِهَا مِمَّا هُوَ الْمُنَزَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُبَرَّأُ عَنْ كُلِّ فِعْلٍ قَبِيحٍ وَقَوْلَةُ رَفَثٍ وَرَدَّهُ عِيَاضٌ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَثُبُوتُ الْعِصْمَةِ مُسَلَّمٌ لَكِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ وَجَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ حَتَّى يَقُومَ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ دَلِيلٌ قِيلَ يُحْمَلُ دُخُولُهُ عَلَيْهَا أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْحِجَابِ قَالَ الْحَافِظُ وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْحِجَابِ جَزْمًا وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى شَرْحِهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَقَالَ الدِّمْيَاطِيُّ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْخَلْوَةِ بِهَا فَلَعَلَّ كَانَ ذَاكَ مَعَ وَلَدٍ أَوْ خَادِمٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ تَابِعٍ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ احْتِمَالٌ قَوِيٌّ لَكِنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْإِشْكَالَ مِنْ أَصْلِهِ لِبَقَاءِ الْمُلَامَسَةِ فِي تَفْلِيَةِ الرَّأْسِ وَكَذَا النَّوْمُ فِي الْحِجْرِ ثُمَّ قَالَ وَأَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ دَعْوَى الْخُصُوصِيَّةِ وَلَا يَرُدُّهَا كَوْنُهَا لَا تَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ لِأَنَّ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه 6 - (باب ما جاء في من يُقَاتِلُ رِيَاءً وَلِلدُّنْيَا) [1646] قَوْلُهُ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شُجَاعَةً) أَيْ لِيُذْكَرَ بَيْنَ النَّاسِ وَيُوصَفَ

بِالشَّجَاعَةِ (وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً) أَيْ لِمَنْ يُقَاتِلُ لِأَجْلِهِ مِنْ أَهْلٍ أَوْ عَشِيرَةٍ أَوْ صَاحِبٍ (وَيُقَاتِلُ رِيَاءً) أَيْ لِيَرَى النَّاسُ مَنْزِلَتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ لِيُرَى مَكَانُهُ (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ الْحَافِظُ المراد بكلمة الله ودعوة اللَّهِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ كَانَ سَبَبُ قِتَالِهِ طَلَبَ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ فَقَطْ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ سَبَبًا مِنَ الْأَسْبَابِ الْمَذْكُورَةِ أَخَلَّ بِذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ لَا يُخِلَّ إِذَا حَصَلَ ضِمْنًا لَا أَصْلًا وَمَقْصُودًا وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الطَّبَرِيُّ فَقَالَ إِذَا كَانَ أَصْلُ الْبَاعِثِ هُوَ الْأَوَّلُ لَا يَضُرُّهُ مَا عَرَضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَبِذَلِكَ قَالَ الْجُمْهُورُ لَكِنْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبُو أُمَامَةَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ماله قَالَ لَا شَيْءَ لَهُ فَأَعَادَهَا ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا شَيْءَ لَهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن اللَّهَ لَا يَقْبَلُ مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَى مَنْ قَصَدَ الْأَمْرَيْنِ مَعًا عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ فَلَا يُخَالِفُ الْمُرَجَّحَ أَوَّلًا فَتَصِيرُ الْمَرَاتِبُ خَمْسًا أَنْ يَقْصِدَ الشَّيْئَيْنِ مَعًا أَوْ يَقْصِدَ أَحَدَهُمَا صِرْفًا أَوْ يَقْصِدَ أَحَدَهُمَا وَيَحْصُلَ الْآخَرُ ضِمْنًا فَالْمَحْذُورُ أَنْ يَقْصِدَ غَيْرَ الْإِعْلَاءِ فَقَدْ يَحْصُلُ الْإِعْلَاءُ ضِمْنًا وَقَدْ لَا يَحْصُلُ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ مَرْتَبَتَانِ وَهَذَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَدُونَهُ أَنْ يَقْصِدَهُمَا مَعًا فَهُوَ مَحْذُورٌ أَيْضًا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ وَالْمَطْلُوبُ أَنْ يَقْصِدَ الْإِعْلَاءَ صِرْفًا وَقَدْ يَحْصُلُ غَيْرُ الْإِعْلَاءِ وَقَدْ لَا يَحْصُلُ فَفِيهِ مَرْتَبَتَانِ أَيْضًا قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ ذَهَبَ الْمُحَقِّقُونَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَاعِثُ الْأَوَّلُ قَصْدَ إِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ مَا انْضَافَ إِلَيْهِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ دُخُولَ غَيْرِ الْإِعْلَاءِ ضِمْنًا لَا يَقْدَحُ فِي الْإِعْلَاءِ إِذَا كَانَ الْإِعْلَاءُ هُوَ الْبَاعِثَ الْأَصْلِيَّ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَقْدَامِنَا لِنَغْنَمَ فَرَجَعْنَا وَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ الْحَدِيثَ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ أَنَّ الْأَعْمَالَ إِنَّمَا تُحْتَسَبُ بِالنِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَأَنَّ الْفَضْلَ الَّذِي وَرَدَ فِي الْمُجَاهِدِ يَخْتَصُّ بِمَنْ ذُكِرَ وَفِيهِ ذَمُّ الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا وَعَلَى الْقِتَالِ لِحَظِّ النَّفْسِ فِي غَيْرِ الطَّاعَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه

[1647] قَوْلُهُ (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ) قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْأُصُولِ وَغَيْرِهِمْ لَفْظَةُ إِنَّمَا مَوْضُوعَةٌ للحصر نثبت الْمَذْكُورَ وَتَنْفِي مَا سِوَاهُ فَتَقْدِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَعْمَالَ تُحْسَبُ بِنِيَّةٍ وَلَا تُحْسَبُ إِذَا كَانَتْ بِلَا نِيَّةٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَالْأَعْمَالُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ أَقْوَالًا أَوْ أَفْعَالًا فَرْضًا أَوْ نَفْلًا قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً صَادِرَةً مِنَ الْمُكَلَّفِينَ الْمُؤْمِنِينَ (بِالنِّيَّةِ) بِالْإِفْرَادِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي أَوَّلِ صَحِيحِهِ بِالنِّيَّاتِ بِالْجَمْعِ قَالَ الْحَافِظُ كَذَا أُورِدَ هُنَا وَهُوَ مِنْ مُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ أَيْ كُلُّ عَمَلٍ بِنِيَّتِهِ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ كَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ النِّيَّةَ تَتَنَوَّعُ كَمَا تَتَنَوَّعُ الْأَعْمَالُ كَمَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللَّهِ أَوْ تَحْصِيلَ مَوْعُودِهِ أَوِ الِاتِّقَاءَ لِوَعِيدِهِ وَوَقَعَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ بِإِفْرَادِ النِّيَّةِ وَوَجْهُهُ أَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ وَهُوَ مُتَّحِدٌ فَنَاسَبَ إِفْرَادُهَا بِخِلَافِ الْأَعْمَالِ فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالظَّوَاهِرِ وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ فَنَاسَبَ جَمْعُهَا وَلِأَنَّ النِّيَّةَ تَرْجِعُ إِلَى الْإِخْلَاصِ وَهُوَ وَاحِدٌ لِلْوَاحِدِ الَّذِي لَا شَرِيكَ لَهُ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ وَالنِّيَّةُ الْقَصْدُ وَهُوَ عَزِيمَةُ الْقَلْبِ وَتَعَقَّبَهُ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ عَزِيمَةَ القلب قدر زائد على أصل القصد وقال الْبَيْضَاوِيُّ النِّيَّةُ عِبَارَةٌ عَنِ انْبِعَاثِ الْقَلْبِ نَحْوَ مَا يَرَاهُ مُوَافِقًا لِغَرَضٍ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ حَالًا أَوْ مَآلًا وَالشَّرْعُ خَصَّصَهُ بِالْإِرَادَةِ الْمُتَوَجِّهَةِ نَحْوَ الْفِعْلِ لِابْتِغَاءِ رِضَا اللَّهِ وَامْتِثَالِ حُكْمِهِ وَالنِّيَّةُ فِي الْحَدِيثِ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِيَصِحَّ تَطْبِيقُهُ عَلَى مَا بَعْدَهُ وَتَقْسِيمُهُ أَحْوَالَ الْمُهَاجِرِ فَإِنَّهُ تَفْصِيلٌ لِمَا أُجْمِلَ وَلَا بُدَّ مِنْ مَحْذُوفٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فَقِيلَ تُعْتَبَرُ وَقِيلَ تَكْمُلُ وَقِيلَ تَصِحُّ وَقِيلَ تَحْصُلُ وَقِيلَ تَسْتَقِرُّ وَقِيلَ الْكَوْنُ الْمُطْلَقُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هُوَ الْأَحْسَنُ قَالَ الطِّيبِيُّ كَلَامُ الشَّارِعِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ هُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ فَكَأَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ إِلَّا مِنْ قِبَلِ الشَّارِعِ فَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى مَا يُفِيدُ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ انْتَهَى (وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ تَحْقِيقٌ لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ فَجَنَحَ إِلَى أَنَّهَا مُؤَكِّدَةٌ وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ تُفِيدُ غَيْرَ مَا أَفَادَتْهُ الْأُولَى لِأَنَّ الْأُولَى نَبَّهَتْ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ يَتْبَعُ النِّيَّةَ بِصَاحِبِهَا فَيَتَرَتَّبُ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ وَالثَّانِيَةُ أَفَادَتْ أَنَّ الْعَامِلَ لَا يَحْصُلُ لَهُ إِلَّا مَا نَوَاهُ وَقَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ تَقْتَضِي أَنَّ مَنْ نَوَى شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ يَعْنِي إِذَا عَمِلَهُ بِشَرَائِطِهِ أَوْ حَالَ دُونَ عَمَلِهِ مَا يُعْذَرُ شَرْعًا بِعَدَمِ عَمَلِهِ وَكُلُّ مَا لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَنْوِهِ أَيْ لَا خُصُوصًا وَلَا عُمُومًا أَمَّا إِذَا لَمْ يَنْوِ شَيْئًا مَخْصُوصًا لَكِنْ كَانَتْ هُنَاكَ نِيَّةٌ عَامَّةٌ تَشْمَلُهُ فَهَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ أَنْظَارُ الْعُلَمَاءِ وَيَتَخَرَّجُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَسَائِلِ ما لا

يُحْصَى وَقَدْ يَحْصُلُ غَيْرُ الْمَنْوِيِّ لِمُدْرَكٍ آخَرَ كَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى الْفَرْضَ أَوِ الرَّاتِبَةَ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ نَوَاهَا أَوْ لَمْ يَنْوِهَا لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالتَّحِيَّةِ شَغْلُ الْبُقْعَةِ وَقَدْ حَصَلَ وَهَذَا بِخِلَافِ مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَنِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهُ غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى الرَّاجِحِ لِأَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى التَّعَبُّدِ لَا إِلَى مَحْضِ التَّنْظِيفِ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنَ الْقَصْدِ إِلَيْهِ بِخِلَافِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ أَفَادَتِ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ اشْتِرَاطَ تَعْيِينِ الْمَنْوِيِّ كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَائِتَةٌ لَا يَكْفِيهِ أَنْ يَنْوِيَ الْفَائِتَةَ فَقَطْ حَتَّى يُعَيِّنَهَا ظُهْرًا مَثَلًا أَوْ عَصْرًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلَّهُ مَا إِذَا لَمْ تَنْحَصِرِ الْفَائِتَةُ (فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ) الْهِجْرَةُ التَّرْكُ وَالْهِجْرَةُ إِلَى الشَّيْءِ الِانْتِقَالُ إِلَيْهِ عَنْ غَيْرِهِ وَفِي الشَّرْعِ تَرْكُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ الِانْتِقَالُ مِنْ دَارِ الْخَوْفِ إِلَى دَارِ الْأَمْنِ كَمَا فِي هِجْرَتَيِ الْحَبَشَةِ وَابْتِدَاءِ الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ الثَّانِي الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِيمَانِ وَذَلِكَ بَعْدَ أَنِ اسْتَقَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَهَاجَرَ إِلَيْهِ مَنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتِ الْهِجْرَةُ إِذْ ذَاكَ تَخْتَصُّ بِالِانْتِقَالِ إِلَى الْمَدِينَةِ إِلَى أَنْ فُتِحَتْ مَكَّةُ فَانْقَطَعَ الِاخْتِصَاصُ وَبَقِيَ عُمُومُ الِانْتِقَالِ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَاقِيًا فَإِنْ قِيلَ الْأَصْلُ تَغَايُرُ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ وَقَدْ وَقَعَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُتَّحِدَيْنِ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّغَايُرَ يَقَعُ تَارَةً بِاللَّفْظِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَتَارَةً بِالْمَعْنَى وَيُفْهَمُ ذَلِكَ مِنَ السِّيَاقِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا وهو مؤول عَلَى إِرَادَةِ الْمَعْهُودِ الْمُسْتَقِرِّ فِي النَّفْسِ كَقَوْلِهِمْ أَنْتَ أَنْتَ أَيِ الصَّدِيقُ الْخَالِصُ وَقَوْلُهُمْ هُمْ هُمْ أَيِ الَّذِينَ لَا يُقَدَّرُ قَدْرُهُمْ وَقَوْلُ الشَّاعِرِ أَنَا أَبُو النَّجْمِ وَشِعْرِي وَشِعْرِي أَوْ هو مؤول عَلَى إِقَامَةِ السَّبَبِ مَقَامَ الْمُسَبَّبِ لِاشْتِهَارِ السَّبَبِ وقال بن مَالِكٍ قَدْ يُقْصَدُ بِالْخَبَرِ الْفَرْدِ بَيَانُ الشُّهْرَةِ وَعَدَمِ التَّغَيُّرِ فَيَتَّحِدُ بِالْمُبْتَدَأِ لَفْظًا كَقَوْلِ الشَّاعِرِ خَلِيلَيَّ خَلِيلَيَّ دُونَ رَيْبٍ وَرُبَّمَا أَلَانَ امْرُؤٌ قَوْلًا فَظُنَّ خَلِيلًا وَقَدْ يُفْعَلُ مِثْلُ هَذَا بِجَوَابِ الشَّرْطِ كَقَوْلِكَ مَنْ قَصَدَنِي فَقَدْ قَصَدَنِي أَيْ فَقَدْ قَصَدَ مَنْ عُرِفَ بِإِنْجَاحِ قَاصِدِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ إِذَا اتَّحَدَ لَفْظُ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ وَالشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ عُلِمَ مِنْهُمَا الْمُبَالَغَةُ إِمَّا فِي التَّعْظِيمِ وَإِمَّا فِي التَّحْقِيرِ (إِلَى دُنْيَا) بِضَمِّ الدَّالِ وَبِكَسْرٍ وَهِيَ فُعْلَى مِنَ الدُّنُوِّ وَهُوَ الْقُرْبُ لِدُنُوِّهَا إِلَى الزَّوَالِ أَوْ لِقُرْبِهَا مِنَ الْآخِرَةِ مِنَّا وَلَا تُنَوَّنُ لِأَنَّ أَلِفَهَا مَقْصُورَةٌ لِلتَّأْنِيثِ أَوْ هِيَ تَأْنِيثٌ أَدْنَى وَهِيَ كَافِيَةٌ فِي مَنْعِ الصَّرْفِ وَتَنْوِينُهَا فِي لُغَةٍ شَاذَّةٍ ولِإِجْرَائِهَا مَجْرَى الْأَسْمَاءِ وَخَلْعِهَا عَنِ الْوَصْفِيَّةِ نُكِّرَتْ

كَرُجْعَى وَلَوْ بَقِيَتْ عَلَى وَصْفِيَّتِهَا لَعُرِفَتْ كَالْحُسْنَى وَاخْتَلَفُوا فِي حَقِيقَتِهَا فَقِيلَ هِيَ اسْمُ مَجْمُوعِ هَذَا الْعَالَمِ الْمُتَنَاهِي وَقِيلَ هِيَ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْجَوِّ وَالْهَوَاءِ أَوْ هِيَ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَالْأَعْرَاضِ الْمَوْجُودَةِ قَبْلَ الْآخِرَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ وَيُطْلَقُ عَلَى كل جزء منها مجازا وأريد ها هنا شَيْءٌ مِنَ الْحُظُوظِ النَّفْسَانِيَّةِ (يُصِيبُهَا) أَيْ يُحَصِّلُهَا لَكِنْ لِسُرْعَةِ مُبَادَرَةِ النَّفْسِ إِلَيْهَا بِالْجِبِلَّةِ الْأَصْلِيَّةِ شُبِّهَ حُصُولُهَا بِإِصَابَةِ السَّهْمِ لِلْغَرَضِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ حَالَ أَيْ يَقْصِدُ إِصَابَتَهَا (أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا) خُصَّتْ بِالذِّكْرِ تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَتِ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بسند رجاله ثقات عن بن مَسْعُودٍ كَانَ فِينَا رَجُلٌ خَطَبَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ قَيْسٍ فَأَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ حَتَّى يُهَاجِرَ فَهَاجَرَ فَتَزَوَّجَهَا قَالَ فَكُنَّا نُسَمِّيهِ مُهَاجِرَ أُمِّ قَيْسٍ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ قَصَدَ فِي ضِمْنِ الْهِجْرَةِ سُنَّةً عَظِيمَةً أَبْطَلَ ثَوَابَ هِجْرَتِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ غَيْرُهُ أَوْ دَلَالَةً عَلَى أَعْظَمِ فِتَنِ الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا تَرَكْتُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرُّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ لَكِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا كَانَتْ صَالِحَةً تَكُونُ خَيْرَ مَتَاعِهَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الدُّنْيَا كُلُّهَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِهَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ (فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) أَيْ مُنْصَرِفَةٌ إِلَى الْغَرَضِ الَّذِي هَاجَرَ إِلَيْهِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ أَوِ الْمَعْنَى فَهِجْرَتُهُ مَرْدُودَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَالَ الْحَافِظُ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ الْمَشْهُورُونَ إِلَّا الْمُوَطَّأَ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ مُغْتَرٌّ بِتَخْرِيجِ الشَّيْخَيْنِ لَهُ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ مَالِكٍ أَحَادِيثَ يَسِيرَةً زَائِدَةً عَلَى سَائِرِ الْمُوَطَّآتِ مِنْهَا حَدِيثُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ الْحَدِيثَ وَبِذَلِكَ يَتَبَيَّنُ قَوْلُ مَنْ عَزَا رِوَايَتَهُ إِلَى الْمُوَطَّأِ وَوَهِمَ مَنْ خَطَّأَهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَدْ تَوَاتَرَ النَّقْلُ عَنِ الْأَئِمَّةِ فِي تَعْظِيمِ قَدْرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ فِي

باب في الغدو والرواح في سبيل الله

أَخْبَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْءٌ أَجْمَعُ وَأَغْنَى وَأَكْثَرُ فَائِدَةً مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَاتَّفَقَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَالشَّافِعِيُّ فِيمَا نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ عَنْهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَحَمْزَةُ الْكِنَانِيُّ عَلَى أَنَّهُ ثُلُثُ الْإِسْلَامِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ رُبُعُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ الْبَاقِي وَقَالَ بن مَهْدِيٍّ أَيْضًا يَدْخُلُ فِي ثَلَاثِينَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَدْخُلُ فِي سَبْعِينَ بَابًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهَذَا الْعَدَدِ الْمُبَالَغَةَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يُجْعَلَ هَذَا الْحَدِيثُ رَأْسَ كُلِّ بَابٍ وَوَجَّهَ الْبَيْهَقِيُّ كَوْنَهُ ثُلُثَ الْعِلْمِ بِأَنَّ كَسْبَ الْعَبْدِ يَقَعُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَجَوَارِحِهِ فَالنِّيَّةُ أَحَدُ أَقْسَامِهَا الثَّلَاثَةِ وَأَرْجَحُهَا لِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً وَغَيْرُهَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا وَمِنْ ثَمَّ وَرَدَ نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ فَإِذَا نَظَرْتَ إِلَيْهَا كَانَتْ خَيْرَ الْأَمْرَيْنِ وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِكَوْنِهِ ثُلُثَ الْعِلْمِ أَنَّهُ أَحَدُ الْقَوَاعِدِ الثَّلَاثِ الَّتِي تُرَدُّ إِلَيْهَا جَمِيعُ الْأَحْكَامِ عِنْدَهُ وَهِيَ هَذَا وَمَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ وَالْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ تَنْبِيهٌ آخَرُ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمُبَارَكَ يَسْتَأْهِلُ أَنْ يُفْرَدَ لِشَرْحِهِ جُزْءٌ مَبْسُوطٌ بِجَمِيعِ فَوَائِدِهِ وَمَا يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ مِنَ الْأَحْكَامِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ أَطْنَبَ فِي شَرْحِهِ شراح البخاري كالحافظ بن حَجَرٍ وَالْعَيْنِيِّ وَغَيْرِهِمَا إِطْنَابًا حَسَنًا مُفِيدًا وَإِنِّي قَدِ اقْتَصَرْتُ الْكَلَامَ فِي شَرْحِهِ عَلَى مَا لَا بُدَّ مِنْهُ فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَ شُرُوحَ البخاري 7 - (باب في الْغُدُوِّ وَالرَّوَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيِ الْجِهَادِ [1651] قَوْلُهُ (لَغَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ) قَالَ الْحَافِظُ الْغَدْوَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْغَدْوِ وَهُوَ الْخُرُوجُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى انْتِصَافِهِ وَالرَّوْحَةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الرَّوَاحِ وَهُوَ الْخُرُوجُ فِي أَيِّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى غُرُوبِهَا (خير من الدنيا وما فيها) قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ تَنْزِيلِ الْمَغِيبِ مَنْزِلَةَ الْمَحْسُوسِ تَحْقِيقًا لَهُ فِي النَّفْسِ لِكَوْنِ الدُّنْيَا مَحْسُوسَةً فِي النَّفْسِ مُسْتَعْظَمَةً فِي الطِّبَاعِ فَلِذَلِكَ وَقَعَتِ الْمُفَاضَلَةُ بِهَا وَإِلَّا فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ جَمِيعَ مَا فِي الدُّنْيَا لَا يُسَاوِي ذَرَّةً مِمَّا فِي الْجَنَّةِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنَ الثَّوَابِ خَيْرٌ مِنَ الثَّوَابِ الَّذِي يَحْصُلُ لِمَنْ لَوْ حَصَلَتْ لَهُ الدُّنْيَا كُلُّهَا لَأَنْفَقَهَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ

الحافظ ويؤيد الثاني ما رواه بن الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ مُرْسَلِ الْحَسَنِ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَيْشًا فِيهِمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَتَأَخَّرَ لِيَشْهَدَ الصَّلَاةَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ مَا أَدْرَكْتَ فَضْلَ غَدْوَتِهِمْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ تَسْهِيلُ أَمْرِ الدُّنْيَا وَتَعْظِيمُ أَمْرِ الْجِهَادِ وَأَنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ مِنَ الْجَنَّةِ قَدْرُ سَوْطٍ يَصِيرُ كَأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ أَمْرٌ عَظِيمٌ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي الدُّنْيَا فَكَيْفَ بِمَنْ حَصَّلَ مِنْهَا أَعْلَى الدَّرَجَاتِ وَالنُّكْتَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّ سَبَبَ التَّأْخِيرِ عَنِ الْجِهَادِ الْمَيْلُ إِلَى سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الدُّنْيَا فَنُبِّهَ هَذَا الْمُتَأَخِّرُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ الْيَسِيرَ مِنَ الْجَنَّةِ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ مَا فِي الدُّنْيَا (وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ) أَيْ قَدْرُهُ وَالْقَابُ بِالْقَافِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ مَعْنَاهُ الْقَدْرُ وَقِيلَ الْقَابُ مَا بَيْنَ مِقْبَضِ الْقَوْسِ وَسِيَتِهِ وَقِيلَ مَا بَيْنَ الْوَتَرِ وَالْقَوْسِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَوْسِ هُنَا الذِّرَاعُ الَّذِي يُقَاسُ بِهِ وَكَأَنَّ الْمَعْنَى بَيَانُ فَضْلِ قَدْرِ الذِّرَاعِ مِنَ الْجَنَّةِ (أَوْ مَوْضِعُ يَدِهِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَيْ مِقْدَارُ يَدِهِ (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) أَيْ مِنْ إِنْفَاقِهَا فِيهَا لَوْ مَلَكَهَا أَوْ نَفْسِهَا لَوْ مَلَكَهَا لِأَنَّهُ زَائِلٌ لَا مَحَالَةَ (أَطْلَعَتْ إِلَى الْأَرْضِ) أَيْ أَشْرَفَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ إِلَيْهَا (لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا) أَيْ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ أَوْ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِتَحَقُّقِ ذِكْرِهِمَا فِي الْعِبَارَةِ صريحا قاله القارىء (وَلَمَلَأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا) أَيْ طَيِّبَةً (وَلَنَصِيفُهَا) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ فَاءٌ هُوَ الْخِمَارُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ (عَلَى رَأْسِهَا) قَيَّدَ بِهِ تَحْقِيرًا لَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى خِمَارِ الْبَدَنِ جَمِيعِهِ (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) أَيْ فَكَيْفَ الْجَنَّةُ نَفْسُهَا وَمَا بِهَا مِنْ نَعِيمِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وبن ماجه [1648] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْعَطَّافُ بْنُ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيُّ) قَالَ في التقريب عطاف بتشديد الطاء بن خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَاصِ الْمَخْزُومِيُّ أبو صفوان المدني يَهِمُ مِنَ السَّابِعَةِ مَاتَ قَبْلَ مَالِكٍ انْتَهَى (عن أبي حازم) هو بن دينار

قَوْلُهُ (غَدْوَةٌ) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ الرَّوْحَةُ وَالْغَدْوَةُ وَعِنْدَ بن مَاجَهْ غَدْوَةٌ أَوْ رَوْحَةٌ (وَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجنة) خص الصوت لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الرَّاكِبِ إِذَا أَرَادَ النُّزُولَ فِي مَنْزِلٍ أَنْ يُلْقِيَ سَوْطَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ مُعْلِمًا بِذَلِكَ الْمَكَانَ لِئَلَّا يَسْبِقَهُ إِلَيْهِ أَحَدٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ أَوَّلُ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى ما أخرجه أحمد والشيخان وبن مَاجَهْ عَنْهُ بِلَفْظِ غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ رَوْحَةٌ فِيهِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا [1649] قَوْلُهُ (وَالْحَجَّاجُ عَنِ الْحَكَمِ) يُحْتَمَلُ أن يكون عطفا على بن عَجْلَانَ فَيَكُونُ لِأَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ شَيْخَانِ أَحَدُهُمَا بن عَجْلَانَ وَهُوَ رَوَى عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالثَّانِي الْحَجَّاجُ وَهُوَ رَوَى عَنِ الحكم عن مقسم عن بن عَبَّاسٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى أَبِي خَالِدٍ الْأَحْمَرِ فَيَكُونُ لِأَبِي سَعِيدٍ الْأَشَجِّ شَيْخَانِ أَحَدُهُمَا أَبُو خَالِدٍ وَالثَّانِي الْحَجَّاجُ فَلْيُتَأَمَّلْ وَالْحَجَّاجُ هذا هو بن دِينَارٍ الْوَاسِطِيُّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَهُ ذِكْرٌ فِي مُقَدِّمَةِ مُسْلِمٍ مِنَ السابعة انتهى والحكم هو بن عُتَيْبَةَ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا دَلَّسَ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فأخرجه الشيخان وبن ماجه

وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هذا الحديث من طريق مقسم عن بن عَبَّاسٍ وَنَقَلَ تَحْسِينَهُ انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ التِّرْمِذِيُّ [1650] قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ اللَّيْثِيُّ مَوْلَاهُمْ أبو العلاء المصري قبل مدني الأصل وقال بن يُونُسَ بَلْ نَشَأَ بِهَا صَدُوقٌ لَمْ أَرَ لِابْنِ حَزْمٍ فِي تَضْعِيفِهِ سَلَفًا إِلَّا أَنَّ السَّاجِيَ حَكَى عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ اخْتَلَطَ مِنَ السَّادِسَةِ انْتَهَى وَقَدْ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ فِي الْهِنْدِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الرِّجَالِ مَنِ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ (عن بن أَبِي ذُبَابٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَرَّ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِعْبٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الشِّعْبُ بِالْكَسْرِ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ وَمَسِيلُ الْمَاءِ في بطن أرض أما انْفَرَجَ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا هُوَ الْمَعْنَى الْأَخِيرُ (فِيهِ عُيَيْنَةٌ) تَصْغِيرُ عَيْنٍ بِمَعْنَى الْمَنْبَعِ (مِنْ مَاءٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ صِفَةُ عُيَيْنَةٍ جِيءَ بِهَا مَادِحَةً لِأَنَّ التَّنْكِيرَ فِيهَا يَدُلُّ عَلَى نَوْعِ مَاءٍ صَافٍ تَرُوقُ بِهَا الْأَعْيُنُ وَتُبْهَجُ بِهِ الْأَنْفُسُ (عَذْبَةٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةُ عُيَيْنَةٍ وَبِالْجَرِّ عَلَى الْجِوَارِ أَيْ طَيِّبَةٌ أَوْ طَيِّبٌ مَاؤُهَا قَالَ الطِّيبِيُّ وَعَذْبَةٌ صِفَةٌ أُخْرَى مُمَيِّزَةٌ لِأَنَّ الطَّعْمَ الْأَلَذَّ سَائِغٌ فِي الْمَرِيءِ وَمِنْ ثَمَّ أُعْجِبَ الرَّجُلُ وَتَمَنَّى الِاعْتِزَالَ عَنِ النَّاسِ (فَأَعْجَبَتْهُ) أَيِ الْعُيَيْنَةُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الْمَكَانِ (فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (لَوِ اعْتَزَلْتُ النَّاسَ) لَوْ لِلتَّمَنِّي وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لَوِ امْتِنَاعِيَّةً وَقَوْلُهُ (فَأَقَمْتُ فِي هَذَا الشِّعْبِ) عَطْفٌ عَلَى اعْتَزَلْتُ وَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ أَيْ لَكَانَ خَيْرًا لِي (فَذَكَرَ ذَلِكَ) أَيْ مَا خطر بقلبه (فقال لا نفعل) نَهْيٌ عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ صَحَابِيٌّ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَزْوُ فَكَانَ اعْتِزَالُهُ لِلتَّطَوُّعِ مَعْصِيَةً لاستلزامه ترك الواجب ذكره بن الْمَلَكِ تَبَعًا لِلطِّيبِيِّ (فَإِنَّ مَقَامَ أَحَدِكُمْ) قَالَ القارىء بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ قِيَامَهُ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِضَمِّهَا وَهِيَ الْإِقَامَةُ بِمَعْنَى ثَبَاتَ أَحَدِكُمْ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ بِالِاسْتِمْرَارِ فِي الْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ خُصُوصًا فِي خِدْمَةِ سَيِّدِ الْأَبْرَارِ (أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَلَبَهُ كَانَ مَفْضُولًا لَا مُحَرَّمًا (سبعين عاما) قال القارىء الْمُرَادُ بِهِ الْكَثْرَةُ لَا التَّحْدِيدُ فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مُقَامُ الرَّجُلِ فِي الصَّفِّ في سبيل

باب ما جاء أي الناس خير

اللَّهِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ الرَّجُلِ سِتِّينَ سَنَةً رَوَاهُ الْحَاكِمُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حصين وقال على شرط البخاري ورواه بن عدي وبن عَسَاكِرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَفْظُهُ قِيَامُ أَحَدِكُمُ انْتَهَى (أَلَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ) أَيْ مَغْفِرَةً تَامَّةً (يُدْخِلَكُمُ الْجَنَّةَ) أَيْ إِدْخَالًا أَوَّلِيًّا (اُغْزُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ دُومُوا عَلَى الْغَزْوِ فِي دِينِهِ تَعَالَى (مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُوَاقَ نَاقَةٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفُوَاقُ كَغُرَابٍ هُوَ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ مِنَ الْوَقْتِ وَيُفْتَحُ أَوْ مَا بَيْنَ فَتْحِ يَدِكَ وَقَبْضِهَا عَلَى الضَّرْعِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ هُوَ مَا بَيْنَ الْحَلْبَتَيْنِ لِأَنَّهَا تُحْلَبُ ثُمَّ تُتْرَكُ سَرِيعَةً تُرْضِعُ الْفَصِيلَ لِتُدِرَّ ثُمَّ تُحْلَبَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ أَطْوَلَ مِنْهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ وَلَمُقَامُ أَحَدِكُمْ فِي الصَّفِّ خَيْرٌ مِنْ صلاته ستين سنة كذا في الترغيب 8 - (بَاب مَا جَاءَ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ) [1652] قَوْلُهُ (رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ (بِاَلَّذِي يَتْلُوهُ) وَفِي رِوَايَةٍ بِاَلَّذِي يَلِيهِ (رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ) تَصْغِيرُ غَنَمٍ وَهُوَ مُؤَنَّثٌ سَمَاعِيٌّ وَلِذَلِكَ صُغِّرَتْ بِالتَّاءِ وَالْمُرَادُ قِطْعَةُ غَنَمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ الْعُزْلَةِ عَلَى الْخِلْطَةِ وَفِي ذَلِكَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الِاخْتِلَاطَ أَفْضَلُ بِشَرْطِ رَجَاءِ السَّلَامَةِ مِنَ الْفِتَنِ وَمَذْهَبُ طَوَائِفَ مِنَ الزُّهَّادِ أَنَّ الِاعْتِزَالَ أَفْضَلُ وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى زَمَانِ الْفِتَنِ وَالْحُرُوبِ أَوْ فِيمَنْ لا يسلم الناس منه ولا يصبر على أَذَاهُمْ وَقَدْ كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ

باب ما جاء فيمن سأل الشهادة

صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَجَمَاهِيرُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَالزُّهَّادِ مُخْتَلِطِينَ وَيُحَصِّلُونَ مَنَافِعَ الِاخْتِلَاطِ بِشُهُودِ الْجُمْعَةِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَحِلَقِ الذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى (رَجُلٌ يُسْأَلُ بِاَللَّهِ وَلَا يُعْطِي بِهِ) هَذَا يَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ يسأل بلفظ وَقَوْلُهُ يُعْطِي عَلَى بِنَاءِ الْمَعْلُومِ أَيْ شَرُّ النَّاسِ مَنْ يَسْأَلُ مِنْهُ صَاحِبُ حَاجَةٍ بِأَنْ يَقُولَ اعْطِنِي لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ وَلَا يُعْطِي شَيْئًا بَلْ يَرُدُّهُ خَائِبًا وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ يَسْأَلُ عَلَى بِنَاءِ الْمَعْلُومِ وَقَوْلُهُ لَا يُعْطَى عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْ يَقُولُ اعْطِنِي بِحَقِّ اللَّهِ وَلَا يُعْطَى قَالَ فِي الْمَجْمَعِ هَذَا مُشْكِلٌ إِلَّا أَنْ يُتَّهَمَ السَّائِلُ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْبَاءُ كَالْبَاءِ فِي كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ أَيْ يَسْأَلُ بِوَاسِطَةِ ذِكْرِ اللَّهِ أَوْ لِلْقَسَمِ وَالِاسْتِعْطَافِ أَيْ بِقَوْلِ السَّائِلِ أَعْطُونِي شَيْئًا بِحَقِّ اللَّهِ وَهَذَا مُشْكِلٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ مُتَّهَمًا بِحَقِّ اللَّهِ وَيُظَنُّ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ 9 - (بَاب ما جاء فيمن سأل الشهادة) [1654] قَوْلُهُ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى) الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ الدِّمَشْقِيُّ الْأَشْدَقُ صَدُوقٌ فَقِيهٌ فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ لِينٍ وَخُولِطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِقَلِيلٍ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ مَالِكِ بْنِ يَخَامِرَ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ (السَّكْسَكِيِّ) الْحِمْصِيِّ صَاحِبِ مُعَاذٍ مُخَضْرَمٌ وَيُقَالُ لَهُ صُحْبَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ فِي سَبِيلِهِ) أَيِ الشَّهَادَةَ (صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ) قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ مِعْيَارُ الْأَعْمَالِ وَمِفْتَاحُ بَرَكَاتِهَا (أَعْطَاهُ اللَّهُ أَجْرَ الشَّهِيدِ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ فِي سَبِيلِهِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ والحاكم كذا في الفتح [1653] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ كَثِيرِ) بْنُ النُّعْمَانِ الْإِسْكَنْدَرِيُّ أَبُو الْعَبَّاسِ الْقَاضِي صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ) بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَعَافِرِيُّ أَبُو شُرَيْحٍ الْإسْكَنْدَرَانِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ لم يصب بن سَعْدٍ فِي تَضْعِيفِهِ مِنَ السَّابِعَةِ (أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حنيف) الأناصري الْمَدَنِيَّ نَزِيلَ مِصْرَ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ مَاتَ بِالْإِسْكَنْدَرِيَّةِ (يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ) أَيْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَاسْمُهُ أَسْعَدُ وَقِيلَ سَعْدٌ مَعْرُوفٌ بِكُنْيَتِهِ مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ لَهُ رُؤْيَةٌ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفِ بْنِ وَاهِبٍ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ صَحَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَاسْتَخْلَفَهُ عَلِيٌّ عَلَى الْبَصْرَةِ وَمَاتَ فِي خِلَافَتِهِ قوله (من سأل الله شهادة) أَيِ الْمَوْتَ شَهِيدًا (بَلَّغَهُ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ أَوْصَلَهُ (اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ) مُجَازَاةً لَهُ عَلَى صِدْقِ طَلَبِهِ (وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ وَلَوْ مَاتَ غَيْرَ شَهِيدٍ فَهُوَ في حكم الشهداء وله ثوابهم قال القارىء لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَوَى خَيْرًا وَفَعَلَ مَقْدُورَهُ فَاسْتَوَيَا فِي أَصْلِ الْأَجْرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ) بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجُهَنِيُّ أَبُو صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ كَاتِبُ اللَّيْثِ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْغَلَطِ ثَبْتٌ فِي كِتَابِهِ وَكَانَتْ فِيهِ غَفْلَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شُرَيْحٍ وَغَيْرُهُ وَرَوَى له أبو داود والترمذي وبن مَاجَهْ بِوَاسِطَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْخَلَّالِ

باب ما جاء في المجاهد والمكاتب والناكح

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ) قَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فوافق نَاقَةٍ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْقَتْلَ مِنْ نَفْسِهِ صَادِقًا ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فَإِنَّ لَهُ أَجْرَ شَهِيدٍ الْحَدِيثَ 0 - (باب ما جاء في المجاهد والمكاتب والناكح) وَعَوْنِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ [1655] قَوْلُهُ (ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ) أَيْ ثَابِتٌ عِنْدَهُ إِعَانَتُهُمْ أَوْ وَاجِبٌ عَلَيْهِ بِمُقْتَضَى وَعْدِهِ مُعَاوَنَتُهُمْ (الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ بِمَا يَتَيَسَّرُ لَهُ الْجِهَادُ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ (وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ) أَيْ بَدَلَ الْكِتَابَةِ (وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ) أي العفة من الزنى قَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّمَا آثَرَ هَذِهِ الصِّيغَةَ إِيذَانًا بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مِنَ الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ الَّتِي تَفْدَحُ الْإِنْسَانَ وَتَقْصِمُ ظَهْرَهُ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعِينُهُ عَلَيْهَا لَا يَقُومُ بِهَا وَأَصْعَبُهَا الْعَفَافُ لِأَنَّهُ قَمْعُ الشَّهْوَةِ الْجِبِلِّيَّةِ الْمَرْكُوزَةِ فِيهِ وَهِيَ مُقْتَضَى الْبَهِيمِيَّةِ النَّازِلَةِ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ فَإِذَا اسْتَعَفَّ وَتَدَارَكَهُ عَوْنُ اللَّهِ تَعَالَى تَرَقَّى إِلَى مَنْزِلَةِ الْمَلَائِكَةِ وَأَعْلَى عِلِّيِّينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شرط مسلم قَوْلُهُ (وَمَنْ جُرِحَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (جُرْحًا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَبِالْفَتْحِ هُوَ الْمَصْدَرُ أَيْ جِرَاحَةً

باب ما جاء في فضل من يكلم في سبيل الله

كَائِنَةً (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) بِسِلَاحٍ مِنْ عَدُوٍّ (أَوْ نُكِبَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَوْ أُصِيبَ (نَكْبَةً) بِالْفَتْحِ أَيْ حَادِثَةً فِيهَا جِرَاحَةٌ مِنْ غَيْرِ الْعَدُوِّ فَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ قِيلَ الْجُرْحُ وَالنَّكْبَةُ كِلَاهُمَا وَاحِدٌ وَقِيلَ الْجُرْحُ مَا يَكُونُ مِنْ فِعْلِ الْكُفَّارِ وَالنَّكْبَةِ الْجِرَاحَةُ الَّتِي أَصَابَتْهُ مِنْ وُقُوعِهِ مِنْ دَابَّتِهِ أَوْ وُقُوعِ سِلَاحٍ عَلَيْهِ قَالَ القارىء هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِي النِّهَايَةِ نُكِبَتْ أُصْبُعُهُ أَيْ نَالَتْهَا الْحِجَارَةُ وَالنَّكْبَةُ مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ (فَإِنَّهَا) أَيِ النَّكْبَةَ الَّتِي فِيهَا الْجِرَاحَةُ (تَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ قَدْ سَبَقَ شَيْئَانِ الْجُرْحُ وَالنَّكْبَةُ وَهِيَ مَا أَصَابَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنَ الْحِجَارَةِ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ إِلَى النَّكْبَةِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ حُكْمَ النَّكْبَةِ إِذَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَمَا ظَنُّك بِالْجُرْحِ بِالسِّنَانِ وَالسَّيْفِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا انتهى قال القارىء أو يقال إِفْرَادُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مُؤَدَّاهُمَا وَاحِدٌ وَهِيَ الْمُصِيبَةُ الْحَادِثَةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهِيَ تَظْهَرُ وَتُتَصَوَّرُ (كَأَغْزَرِ مَا كَانَتْ) أَيْ كَأَكْثَرِ أَوْقَاتِ أَكْوَانِهَا فِي الدُّنْيَا قَالَ الطِّيبِيُّ الْكَافُ زَائِدَةٌ وَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْوَقْتُ مُقَدَّرٌ يَعْنِي حِينَئِذٍ تَكُونُ غَزَارَةُ دَمِهِ أَبْلَغَ مِنْ سَائِرِ أَوْقَاتِهِ انْتَهَى (لَوْنُهَا الزَّعْفَرَانُ وَرِيحُهَا كَالْمِسْكِ) كُلٌّ مِنْهُمَا تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فضل من يُكْلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) [1656] قَوْلُهُ (لَا يُكْلَمُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَيْ يُجْرَحُ (أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ السُّيُوطِيُّ أَيْ سَوَاءٌ مَاتَ صَاحِبُهُ مِنْهُ أَمْ لَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ (وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْغَزْوِ وَأَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ فِيهِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ أَخْلَصَ فِيهِ وَقَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا قَالُوا وَهَذَا الْفَضْلُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ

باب أي الأعمال أفضل

الطَّرِيقِ وَفِي إِقَامَةِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ بَيْنَهُمَا وَمَعْنَاهُ يَجْرِي مُتَفَجِّرًا أَيْ كَثِيرًا قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي مَجِيئِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ شَاهِدُ فَضِيلَتِهِ وَبَذْلِهِ نَفْسَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي 2 - (باب أي الأعمال أفضل) [1658] (حدثنا عبدة) هو بن سُلَيْمَانَ الْكِلَابِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ الْمَدَنِيِّ قَوْلُهُ (إِيمَانٌ) التَّنْكِيرُ لِلتَّفْخِيمِ (قِيلَ ثُمَّ أَيُّ شَيْءٍ قَالَ الْجِهَادُ سَنَامُ الْعَمَلِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قِيلَ ثُمَّ مَاذَا قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَوَابَ فِيهَا مَحْذُوفٌ وَأُقِيمَ دَلِيلُهُ مَقَامَهُ وَالتَّقْدِيرُ قِيلَ ثُمَّ أَيُّ شَيْءٍ قَالَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّهُ سَنَامُ الْعَمَلِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَسَنَامُ كُلِّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ (ثُمَّ حَجٌّ مَبْرُورٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحَجُّ الْمَبْرُورُ هُوَ الَّذِي لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَآثِمِ وَقِيلَ هُوَ الْمَقْبُولُ الْمُقَابَلُ بِالْبِرِّ وَهُوَ الثَّوَابُ يُقَالُ بَرَّ حَجُّهُ وَبُرَّ حَجُّهُ وَبَرَّ اللَّهُ حَجَّهُ وَأَبَرَّهُ بِرًّا بِالْكَسْرِ وَإِبْرَارًا انْتَهَى

باب ما ذكر أن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ 3 - (بَاب مَا ذُكِرَ أَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) [1659] قَوْلُهُ (بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لغات ويقال أيضا بحضر الفتح الْحَاءِ وَالضَّادِ بِحَذْفِ الْهَاءِ انْتَهَى (أَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْجِهَادَ وَحُضُورَ مَعْرَكَةِ الْقِتَالِ طَرِيقٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَسَبَبٌ لِدُخُولِهَا وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الدُّنُوِّ مِنَ الْعَدُوِّ فِي الْحَرْبِ بِحَيْثُ تَعْلُوهُ السُّيُوفُ بِحَيْثُ يَصِيرُ ظِلُّهَا عَلَيْهِ يَعْنِي الْجِهَادُ طَرِيقٌ إِلَى الْوُصُولِ إِلَى أَبْوَابِهَا بِسُرْعَةٍ وَالْقَصْدُ الْحَثُّ عَلَى الْجِهَادِ (رَثُّ الْهَيْئَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ مَتَاعٌ رَثٌّ أَيْ خَلَقٌ بَالٍ (فَرَجَعَ) أَيِ الرَّجُلُ (إِلَى أَصْحَابِهِ) أَيْ مِنْ أَهْلِ رَحْلِهِ (قَالَ أَقْرَأُ عَلَيْكُمُ السَّلَامَ) أَيْ سَلَامَ مُوَدِّعٍ (وَكَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَبِالنُّونِ وَهُوَ غِمْدُهُ (فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ كَسَرَ جَفْنَ سَيْفِهِ فَأَلْقَاهُ ثُمَّ مَشَى بِسَيْفِهِ إِلَى الْعَدُوِّ فَضَرَبَ بِهِ حَتَّى قُتِلَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (هُوَ اسمه) يعني اسمه كنيته

باب ما جاء أي الناس أفضل

24 - (بَاب مَا جَاءَ أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ) [1660] قَوْلُهُ (أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ) قَالَ الْقَاضِي هَذَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ وَتَقْدِيرُهُ هَذَا مِنْ أَفْضَلِ النَّاسِ وَإِلَّا فَالْعُلَمَاءُ أَفْضَلُ وَكَذَا الصِّدِّيقُونَ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ (رَجُلٌ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مُؤْمِنٌ بَدَلَ رَجُلٍ قَالَ الْحَافِظُ وَكَانَ الْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِ مَنْ قَامَ بِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ ثُمَّ حَصَّلَ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْجِهَادِ وَأَهْمَلَ الْوَاجِبَاتِ الْعَيْنِيَّةَ وَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ فضل المجاهدات لِمَا فِيهِ مِنْ بَذْلِ نَفْسِهِ وَمَالِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِمَا فِيهِ مِنَ النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي وَإِنَّمَا كَانَ الْمُؤْمِنُ الْمُعْتَزِلُ يَتْلُوهُ فِي الْفَضِيلَةِ لِأَنَّ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ لَا يَسْلَمُ مِنَ ارْتِكَابِ الْآثَامِ فَقَدْ لَا يَفِي هَذَا بِهَذَا وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِوُقُوعِ الْفِتَنِ انْتَهَى (يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) زَادَ الشَّيْخَانِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ (ثُمَّ مُؤْمِنٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ ثُمَّ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ (فِي شعب من الشعاب) قال النووي الشعب ما انفرج بين الجبلين وليس المراد نفس الشعب بل المراد الانفراد والاعتزال وذكر الشِّعْبُ مِثَالًا لِأَنَّهُ خَالٍ عَنِ النَّاسِ غَالِبًا قَالَ الْحَافِظُ وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ الِانْفِرَادِ لِمَا فِيهِ مِنَ السَّلَامَةِ مِنَ الْغِيبَةِ وَاللَّغْوِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا اعْتِزَالُ النَّاسِ أَصْلًا فَقَالَ الْجُمْهُورُ مَحَلُّ ذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِ الْفِتَنِ كَمَا سَيَأْتِي بَسْطُهُ فِي الْفِتَنِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ بَعْجَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَكُونُ خَيْرُ النَّاسِ فِيهِ مَنْزِلَةً مَنْ أَخَذَ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَطْلُبُ الْمَوْتَ فِي مَظَانِّهِ وَرَجُلٌ فِي شِعْبٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَابِ يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَدَعُ النَّاسَ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ أخرجه مسلم وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ اللَّيْثِيِّ عن بعجة قال بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّمَا وَرَدَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ بِذِكْرِ الشِّعْبِ وَالْجَبَلِ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأَغْلَبِ يَكُونُ خَالِيًا مِنَ النَّاسِ فَكُلُّ مَوْضِعٍ يَبْعُدُ عَنِ النَّاسِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى انْتَهَى (يَتَّقِي رَبَّهُ) أَيْ يَخَافُهُ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى (وَيَدَعُ) أَيْ يَتْرُكُ (النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ) فَلَا يُخَاصِمُهُمْ وَلَا يُنَازِعُهُمْ فِي شَيْءٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو داود والنسائي وبن ماجه

باب في ثواب الشهيد

وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَفْظُهُ قَالَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْمَلُ إِيمَانًا قَالَ الَّذِي يُجَاهِدُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَرَجُلٌ يَعْبُدُ اللَّهَ فِي شِعْبٍ من الشعب وَقَدْ كَفَى النَّاسَ شَرَّهُ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ 5 - (باب في ثواب الشهيد) [1663] (حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ) بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْخُزَاعِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ صَدُوقٌ يُخْطِئُ كَثِيرًا فَقِيهٌ عَارِفٌ بِالْفَرَائِضِ من العاشرة وقد تتبع بن عَدِيٍّ مَا أَخْطَأَ فِيهِ وَقَالَ بَاقِي حَدِيثِهِ مُسْتَقِيمٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ بَحِيرِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ (بْنِ سَعِيدٍ) السُّحُولِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو خَالِدٍ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الرِّجَالِ مَنِ اسْمُهُ بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ قَوْلُهُ (لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ) لَا يُوجَدُ مَجْمُوعُهَا لِأَحَدٍ غَيْرِهِ (يُغْفَرُ لَهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فِي أَوَّلِ دُفْعَةٍ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ هِيَ الدَّفْقَةُ مِنَ الدَّمِ وَغَيْرِهِ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ أَيْ تُمْحَى ذُنُوبُهُ فِي أَوَّلِ صَبَّةٍ مِنْ دَمِهِ وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ الدَّفْعَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ مِنَ الدَّفْعِ وَبِالضَّمِّ الدُّفْعَةُ مِنَ الْمَطَرِ وَالرِّوَايَةُ فِي الْحَدِيثِ بِوَجْهَيْنِ وَبِالضَّمِّ أَظْهَرُ أَيْ يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ فِي أَوَّلِ صَبَّةٍ مِنْ دَمِهِ (وَيُرَى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْإِرَاءَةِ وَيُفْتَحُ (مَقْعَدَهُ) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ نَائِبُ الْفَاعِلِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ وَفَاعِلُهُ مَسْتَكِنٌّ فِي يُرَى وَقَوْلُهُ (مِنَ الجنة) متعلق به قال القارىء وينبغي أن يحمل قوله ويرى مَقْعَدَهُ عَلَى أَنَّهُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِقَوْلِهِ يُغْفَرُ لَهُ لِئَلَّا تَزِيدَ الْخِصَالُ عَلَى سِتٍّ وَلِئَلَّا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ فِي قَوْلِهِ (وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ) أَيْ يُحْفَظُ وَيُؤَمَّنُ إِذِ الْإِجَارَةُ مُنْدَرِجَةٌ في المغفرة إذا حملت على ظاهرها روى (يأمن من الفزع الأكبر) قال القارىء فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَحْزُنُهُمِ الفزع الأكبر قِيلَ هُوَ عَذَابُ النَّارِ وَقِيلَ الْعَرْضُ عَلَيْهَا وَقِيلَ هُوَ وَقْتُ يُؤْمَرُ أَهْلُ النَّارِ بِدُخُولِهَا وَقِيلَ ذَبْحُ الْمَوْتِ فَيَيْأَسُ الْكُفَّارُ مِنَ التَّخَلُّصِ مِنَ النَّارِ بِالْمَوْتِ وَقِيلَ وَقْتُ إِطْبَاقِ النَّارِ عَلَى الْكُفَّارِ وَقِيلَ النَّفْخَةُ الْأَخِيرَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي

الصُّوَرِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا من شاء الله انْتَهَى (وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ) أَيْ تَاجٌ هُوَ سَبَبُ الْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ وَفِي النِّهَايَةِ التَّاجُ مَا يُصَاغُ لِلْمُلُوكِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْجَوَاهِرِ (الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا) أَيْ مِنَ التَّاجِ وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَلَامَةُ الْعِزِّ وَالشَّرَفِ أَوْ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مَجْمُوعٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ وَغَيْرِهَا (وَيُزَوَّجُ) أَيْ يُعْطَى بِطَرِيقِ الزَّوْجِيَّةِ (اِثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً) فِي التَّقْيِيدِ بِالثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ التَّحْدِيدُ لَا التَّكْثِيرُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ هَذَا أَقَلُّ مَا يُعْطَى وَلَا مَانِعَ مِنَ التَّفَضُّلِ بالزيادة عليها قاله القارىء (مِنَ الْحُورِ الْعِينِ) أَيْ نِسَاءِ الْجَنَّةِ وَاحِدَتُهَا حَوْرَاءَ وَهِيَ الشَّدِيدَةُ بَيَاضُ الْعَيْنِ الشَّدِيدَةُ سَوَادُهَا وَالْعِينُ جَمْعُ عَيْنَاءَ وَهِيَ الْوَاسِعَةُ الْعَيْنِ (وَيُشَفَّعُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وأخرجه بن ماجه [1661] قَوْلُهُ (غَيْرُ الشَّهِيدِ) قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهِ شَهِيدًا فَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ لِأَنَّهُ حَيٌّ فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ شَهِدَتْ وَحَضَرَتْ دَارَ السَّلَامِ وَأَرْوَاحُ غَيْرِهِمْ إِنَّمَا تَشْهَدُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وقال بن الْأَنْبَارِيِّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَمَلَائِكَتَهُ عَلَيْهِمِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَشْهَدُونَ لَهُ بِالْجَنَّةِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ خُرُوجِ رُوحِهِ مَا أَعَدَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الثَّوَابِ وَالْكَرَامَةِ وَقِيلَ لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَةِ يَشْهَدُونَهُ فَيَأْخُذُونَ رُوحَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ شُهِدَ لَهُ بالإيمان وخاتمة الخير بظاهر حاله وَقِيلَ لِأَنَّهُ مِمَّنْ يَشْهَدُ عَلَى الْأُمَمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِإِبْلَاغِ الرُّسُلِ الرِّسَالَةِ إِلَيْهِمْ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يُشَارِكُهُمْ غَيْرُهُمْ فِي هَذَا الْوَصْفِ انْتَهَى (فَإِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا يَقُولُ حَتَّى أُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ (مِمَّا يَرَى مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْكَرَامَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ لِمَا يَرَى من فضل الشهادة قال بن بطال هذا

باب ما جاء في فضل المرابط

الْحَدِيثُ أَجَلُّ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الشَّهَادَةِ قال وليس في أَعْمَالِ الْبِرِّ مَا تُبْذَلُ فِيهِ النَّفْسُ غَيْرُ الْجِهَادِ فَلِذَلِكَ عَظُمَ فِيهِ الثَّوَابُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 6 - (باب ما جَاءَ فِي فَضْلِ الْمُرَابِطِ) [1664] قَوْلُهُ (رِبَاطُ يَوْمٍ) أَيِ ارْتِبَاطُ الْخَيْلِ فِي الثَّغْرِ وَالْمُقَامُ فِيهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرِّبَاطُ فِي الْأَصْلِ الْإِقَامَةُ عَلَى جِهَادِ الْعَدُوِّ بِالْحَرْبِ وَارْتِبَاطُ الْخَيْلِ وَإِعْدَادُهَا وَالْمُرَابَطَةُ أَنْ يَرْبِطَ الْفَرِيقَانِ خُيُولَهُمْ فِي ثَغْرٍ كُلٌّ مِنْهُمَا مُعَدٌّ لِصَاحِبِهِ فَسُمِّيَ الْمُقَامُ فِي الثُّغُورِ رِبَاطًا فَيَكُونُ الرِّبَاطُ مَصْدَرَ رَابَطْتُ أَيْ لَازَمْتُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ وَهِمَ مَنْ عَزَاهُ لِمُسْلِمٍ [1665] قَوْلُهُ (مَرَّ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَيُقَالُ لَهُ سَلْمَانُ الْخَيْرِ أَصْلُهُ مِنْ أَصْبَهَانَ وَقِيلَ مِنْ رامهر مز مِنْ أَوَّلِ مَشَاهِدِهِ الْخَنْدَقُ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ يُقَالُ بَلَغَ ثَلَاثَمِائَةِ سَنَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ وَكَانَ أدرك وصي عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيمَا قِيلَ وَعَاشَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ وَقَالَ أَبُو الشَّيْخِ سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ أَحْمَدَ بْنِ فَارِسٍ يَقُولُ سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ لِمُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَهْلُ الْعِلْمِ يَقُولُونَ عَاشَ سَلْمَانُ ثَلَاثَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ فَأَمَّا مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ فَلَا يشكون

فِيهِ قَالَ الْحَافِظُ قَدْ قَرَأْتُ بِخَطِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيِّ رَجَعْتُ عَنِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ قَارَبَ الثَّلَاثَمِائَةِ أَوْ زَادَ عَلَيْهَا وَتَبَيَّنَ لِي أَنَّهُ مَا جَاوَزَ الثَّمَانِينَ وَلَمْ يَذْكُرْ مُسْتَنَدَهُ فِي ذَلِكَ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ انْتَهَى (بِشُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ الْكِنْدِيِّ الشامي جزم بن سَعْدٍ بِأَنَّ لَهُ وِفَادَةً ثُمَّ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ وَفَتْحَ حِمْصَ وَعَمِلَ عَلَيْهَا لِمُعَاوِيَةَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ قَوْلُهُ (وَهُوَ فِي مُرَابَطٍ لَهُ) اسْمُ ظَرْفٍ مِنَ الرِّبَاطِ قَوْلُهُ (وَقَدْ شَقَّ) أَيْ صَعُبَ الْقِيَامُ فِيهِ قَوْلُهُ (رِبَاطُ يَوْمٍ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ (وَرُبَّمَا قَالَ خَيْرٌ) أَيْ مَكَانٌ أَفْضَلُ (مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ) قال الحافظ في الفتح قال بن بزبزة لَا تَعَارُضَ بَيْنَ حَدِيثِ سَلْمَانَ رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ وَبَيْنَ حَدِيثِ عُثْمَانَ رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَنَازِلِ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْإِعْلَامِ بِالزِّيَادَةِ فِي الثَّوَابِ عَلَى الْأَوَّلِ أَوْ بِاخْتِلَافِ الْعَامِلَيْنِ انْتَهَى (وفي فِتْنَةَ الْقَبْرِ) أَيْ مِمَّا يُفْتَنُ الْمَقْبُورُ بِهِ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ وَالسُّؤَالِ وَالتَّعْذِيبِ (وَنُمِيَ) ضُبِطَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمِيمِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ فَإِنَّهُ لَازِمٌ قَالَ فِي الصُّرَاحِ نُمُوُّ بِضَمَّتَيْنِ كواليدن يَعْنِي نُمُوُّ كردن وباليدن نَبَاتٌ وَحَيَوَانٌ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ نما ينمو نموا زاد كنما ينمى وَنُمِيًّا وَنَمَاءً انْتَهَى (لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) يَعْنِي أَنَّ ثَوَابَهُ يَجْرِي لَهُ دَائِمًا وَلَا يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأُمِّنَ مِنَ الْفَتَّانِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذِهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْمُرَابِطِ وَجَرَيَانُ عَمَلِهِ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَضِيلَةٌ مُخْتَصَّةٌ بِهِ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ وَقَدْ جَاءَ صَرِيحًا فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ كُلُّ مَيِّتٍ يُخْتَمُ عَلَيْهِ عَمَلُهُ إِلَّا الْمُرَابِطَ فَإِنَّهُ يَنْمَى لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم والنسائي وبن حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَفِي سَنَدِ التِّرْمِذِيِّ انْقِطَاعٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ [1666] قَوْلُهُ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ) بْنِ عُوَيْمِرٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ نَزِيلِ الْبَصْرَةِ يُكْنَى أَبَا رَافِعٍ

ضَعِيفُ الْحِفْظِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ سُمَيٍّ) بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (مَنْ لَقِيَ اللَّهَ بِغَيْرِ أَثَرٍ مِنْ جِهَادٍ) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ الْأَثَرُ بِفَتْحَتَيْنِ مَا بَقِيَ مِنَ الشيء دالا عليه قاله الْقَاضِي وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْعَلَامَةُ أَيْ مَنْ مَاتَ بِغَيْرِ عَلَامَةٍ مِنْ عَلَامَاتِ الْغَزْوِ مِنْ جِرَاحَةٍ أَوْ غُبَارِ طَرِيقٍ أَوْ تَعَبِ بَدَنٍ أَوْ صَرْفِ مَالٍ أَوْ تَهْيِئَةِ أَسْبَابٍ وَتَعْبِيَةِ أَسْلِحَةٍ انْتَهَى (لَقِيَ اللَّهَ) أَيْ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَفِيهِ ثُلْمَةٌ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ خَلَلٌ وَنُقْصَانٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَمَالِ سَعَادَةِ الشَّهَادَةِ وَمُجَاهَدَةِ الْمُجَاهَدَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مُقَيَّدًا بِمَنْ فُرِضَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ الشُّرُوعِ فِي تَهْيِئَةِ الْأَسْبَابِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى المراد قاله القارىء وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ قِيلَ وَذَا خَاصٌّ بِزَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ مِنْ جِهَادٍ صِفَةُ أَثَرٍ وَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ كُلَّ جِهَادٍ مَعَ الْعَدُوِّ وَالنَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَكَذَلِكَ الْأَثَرُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْمُجَاهَدَةِ قَالَ تَعَالَى سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السجود والثلمة ها هنا مُسْتَعَارَةٌ لِلنُّقْصَانِ وَأَصْلُهَا أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي نَحْوِ الْجِدَارِ وَلَمَّا شَبَّهَ الْإِسْلَامَ بِالْبِنَاءِ فِي قَوْلِهِ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ جَعَلَ كُلَّ خَلَلٍ فِيهِ وَنُقْصَانٍ ثُلْمَةً عَلَى سَبِيلِ التَّرْشِيحِ وَهَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ (وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا) يَعْنِي الْبُخَارِيَّ (يَقُولُ هُوَ ثِقَةٌ مُقَارَبُ الْحَدِيثِ) قَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى مُقَارَبُ الْحَدِيثِ وَضَبْطُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ كُنْيَتُهُ أَبُو مُوسَى الْمَكِّيُّ الْأُمَوِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ عَنْ سَلْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نحوه) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا السَّنَدِ

[1667] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْبَاهِلِيُّ) مَوْلَاهُمْ أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ من التاسعة (حدثنا الليث بن سعد) بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْفَهْمِيُّ أَبُو الْحَارِثِ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ إِمَامٌ مَشْهُورٌ مِنَ السَّابِعَةِ (حَدَّثَنِي أبو عقيل) بالفتح (زهرة) بضم الزاء وَسُكُونِ الْهَاءِ (بْنُ مَعْبَدٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ العين المهملة وفتح الموحدة بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ مِصْرَ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ اسْمُهُ الْحَارِثُ وَيُقَالُ تُرْكَانُ بِمُثَنَّاةٍ أَوَّلَهُ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ الْعِجْلِيُّ رَوَى عَنْهُ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ وَالْمِصْرِيُّونَ ثِقَةٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (كَرَاهِيَةَ تَفَرُّقِكُمْ عَنِّي) أَيْ مَخَافَةَ أَنْ تَتَفَرَّقُوا عَنِّي وَتَذْهَبُوا إِلَى الثُّغُورِ لِلرِّبَاطِ بَعْدَ سَمَاعِ الْحَدِيثِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَضِيلَةِ الْعَظِيمَةِ (ثُمَّ بَدَا لِي) أَيْ ظَهَرَ لِي (خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ يَوْمٍ فِيمَا سِوَاهُ) أَيْ فِيمَا سِوَى الرِّبَاطِ أَوْ فِيمَا سِوَى سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّ السبيل يذكر ويؤنث (من المنازل) قال القارىء وَخُصَّ مِنْهُ الْمُجَاهِدُ فِي الْمَعْرَكَةِ بِدَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ عَقْلِيٍّ وَنَقْلِيٍّ وَهُوَ لَا يُنَافِي تَفْسِيرَ الرِّبَاطِ بِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ لِأَنَّهُ رِبَاطٌ دُونَ رِبَاطٍ بَلْ هُوَ مُشَبَّهٌ بِالرِّبَاطِ لِلْجِهَادِ فَإِنَّهُ الْأَصْلُ فِيهِ أَوْ هَذَا رِبَاطٌ لِلْجِهَادِ الْأَكْبَرِ كَمَا أَنَّ ذَاكَ رِبَاطٌ لِلْجِهَادِ الْأَصْغَرِ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا فَإِنَّ الرِّبَاطَ الْجِهَادِيَّ قَدْ فُهِمَ مِمَّا قَبْلَهُ كَمَا لَا يَخْفَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ هُوَ جَمْعٌ مُحَلَّى بِلَامِ الِاسْتِغْرَاقِ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَابِطُ أَفْضَلَ مِنَ الْمُجَاهِدِ فِي الْمَعْرَكَةِ وَمِنَ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَالَ فِيهِ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ وقد شرحنا ثَمَّةَ قُلْتُ هَذَا فِي حَقِّ مَنْ فُرِضَ عليه المرابطة وتعين بنصب الامام قال القارىء في الفرض الْعَيْنُ لَا يُقَالُ إِنَّهُ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَيِّنٌ لَا يُتَصَوَّرُ خِلَافُهُ إِذِ اشْتِغَالُهُ بِغَيْرِهِ مَعْصِيَةٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه

[1668] قوله (وأحمد بن نصر) بن زياد (النيسابوري) الزاهد المقرئ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ثِقَةٌ ففيه حَافِظٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى) الزُّهْرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ الْقَسَّامُ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ) وَفِي رِوَايَةٍ أَلَمُ الْقَتْلِ (مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ أَلَمُ الْقَرْصَةِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ هِيَ الْمَرَّةُ مِنَ الْقَرْصِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَرْصُ أَخْذُكَ لَحْمَ إِنْسَانٍ بِأُصْبُعَيْكَ حَتَّى تُؤْلِمَهُ وَلَسْعُ الْبَرَاغِيثِ انْتَهَى وَذَا تَسْلِيَةٌ لَهُمْ عَنْ هَذَا الْخَطْبِ الْمَهُولِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النسائي وبن ماجه والدارمي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ [1669] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جَمِيلٍ) الْفِلَسْطِينِيُّ أَبُو الْحَجَّاجِ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (قَطْرَةِ دُمُوعٍ) بِجَرِّهَا عَلَى الْبَدَلِ وَيَجُوزُ رَفْعُهَا وَنَصْبُهَا أَيْ قَطْرَةُ بُكَاءٍ حَاصِلَةٌ (مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) أَيْ مِنْ شِدَّةِ خَوْفِهِ وَعَظَمَتِهِ الْمُورِثَةِ لِمَحَبَّتِهِ (قَطْرَةُ دَمٍ تُهْرَاقُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَيُفْتَحُ وَهُوَ بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ قَطْرَةٍ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَهُوَ بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ الْجِهَادَ وَغَيْرَهُ مِنْ سَبِيلِ الْخَيْرِ وَلَعَلَّ وَجْهَ إِفْرَادِ الدَّمِ وَجَمْعِ الدُّمُوعِ أَنَّ الدَّمْعَ غَالِبًا يَتَقَاطَرُ وَيَتَكَاثَرُ بِخِلَافِ الدَّمِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ بِقَطْرَةِ الدُّمُوعِ قَطَرَاتُهَا فَلَمَّا أُضِيفَتْ إِلَى الْجَمْعِ أُفْرِدَتْ ثِقَةً بِذِهْنِ السَّامِعِ وَفِي إِفْرَادِ الدَّمِ وَجَمْعِ الدُّمُوعِ إِيذَانٌ بِتَفْضِيلِ إِهْرَاقِ الدَّمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَلَى تَقَاطُرِ الدَّمْعِ بُكَاءً انْتَهَى وَلَمَّا

كَانَ مَا سَبَقَ فِي قُوَّةِ قَوْلِهِ فَأَمَّا القطرتان فكذا وكذا عطف عليه وقال (وأما الْأَثَرَانِ فَأَثَرٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) كَخُطْوَةٍ أَوْ غُبَارٍ أَوْ جِرَاحَةٍ فِي الْجِهَادِ أَوْ سَوَادِ حِبْرٍ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ (وَأَثَرٌ فِي فَرِيضَةٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ) كَإِشْقَاقِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ فِي الْبَرْدِ وَبَقَاءِ بَلَلِ الْوُضُوءِ وَاحْتِرَاقِ الْجَبْهَةِ مِنْ حَرِّ الرَّمْضَاءِ الَّتِي يَسْجُدُ عَلَيْهَا وَخَلُوفِ فَمِهِ فِي الصَّوْمِ وَاغْبِرَارِ قَدَمِهِ فِي الْحَجِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ

21 - كتاب الجهاد

21 - كِتَاب الْجِهَادِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ لأهل الْعُذْرِ فِي الْقُعُودِ) الْمُرَادُ بِالْعُذْرِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمَرَضِ وَعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى السَّفَرِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ فَكَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْأَغْلَبِ [1670] قَوْلُهُ (اِئْتُونِي بِالْكَتِفِ أَوِ اللَّوْحِ) الظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّكِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ ادْعُوَا فُلَانًا فَجَاءَهُ وَمَعَهُ الدَّوَاةُ وَاللَّوْحُ وَالْكَتِفُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدًا فَجَاءَ بِكَتِفٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ جَوَازُ كِتَابَةِ الْقُرْآنِ فِي الْأَلْوَاحِ وَالْأَكْتَافِ وَفِيهِ طَهَارَةُ عَظْمِ الْمُذَكَّى وَجَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ (فَكَتَبَ) أَيْ كَتَبَ بِأَمْرِهِ وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَمْلَى عَلَيْهِ (هَلْ لِي رُخْصَةٌ) وَفِي حَدِيثِ زَيْدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَجَاءَهُ بن أم مكتوم وهو يملها عَلَيَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ وَكَانَ أَعْمَى فَنَزَلَتْ (غَيْرُ أولى الضرر) قَالَ النَّوَوِيُّ قُرِئَ غَيْرَ بِنَصْبِ الرَّاءِ وَرَفْعِهَا قراءتان مشهورتان في السبع قرأ نافع وبن عامر والكسائي بنصبها والباقون برفعها وقرىء فِي الشَّاذِّ بِجَرِّهَا فَمَنْ نَصَبَ فَعَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَمَنْ رَفَعَ فَوَصْفٌ لِلْقَاعِدِينَ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُمْ وَمَنْ جَرَّ فَوَصْفٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُمْ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنَينَ غَيْرُ أُولِي الضرر الْآيَةُ دَلِيلٌ لِسُقُوطِ الْجِهَادِ عَنِ الْمَعْذُورِينَ وَلَكِنْ لا

باب ما جاء فيمن خرج إلى الغزو وترك أبويه

يَكُونُ ثَوَابُهُمْ ثَوَابَ الْمُجَاهِدِينَ بَلْ لَهُمْ ثَوَابُ نِيَّاتِهِمْ إِنْ كَانَ لَهُمْ نِيَّةٌ صَالِحَةٌ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ وَفِيهِ أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّهُ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضُ عَيْنٍ وَبَعْدَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فَرْضَ كِفَايَةٍ مِنْ حِينِ شُرِعَ وَهَذِهِ الْآيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا انتهى قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) أَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي التَّفْسِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَقَالَ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَرِجَالًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلَا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ حَبَسَهُمُ الْمَرَضُ وَفِي رِوَايَةٍ إِلَّا شركوكم في الأجر وأخرجه أيضا بن ماجه وبن حِبَّانَ وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وبن حِبَّانَ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ (وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ) ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَنَّ ثَمَانِيَةَ رِجَالٍ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ (بَاب مَا جاء فيمن خرج إلى الْغَزْوِ وَتَرَكَ أَبَوَيْهِ) [1671] قَوْلُهُ (جَاءَ رَجُلٌ) قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ جَاهِمَةُ بْنُ الْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ فَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ أَنَّ جَاهِمَةَ جَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَدْتُ الْغَزْوَ وَجِئْتُ لِأَسْتَشِيرَكَ فَقَالَ هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ قَالَ نَعَمْ قَالَ الْزَمْهَا الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ بن جُرَيْجٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ

عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَذَكَرَهُ انْتَهَى (قَالَ فَفِيهِمَا) أَيْ فَفِي خِدْمَتِهِمَا (فَجَاهِدْ) وَفِي رِوَايَةٍ فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِمَا مُتَعَلِّقٌ بِالْأَمْرِ قُدِّمَ لِلِاخْتِصَاصِ وَالْفَاءُ الْأُولَى جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ وَالثَّانِيَةُ جَزَائِيَّةٌ لِتَضَمُّنِ الْكَلَامِ مَعْنَى الشَّرْطِ أَيْ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتَ فَاخْتَصَّ الْمُجَاهِدَةَ فِي خِدْمَةِ الْوَالِدَيْنِ نحو قوله تعالى فإياي فاعبدون أَيْ إِذَا لَمْ يُخْلِصُوا إِلَيَّ الْعِبَادَةَ فِي أَرْضٍ فَأَخْلِصُوهَا فِي غَيْرِهَا فَحُذِفَ الشَّرْطُ وَعُوِّضَ مِنْهُ تَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ الْمُفِيدِ لِلِاخْتِصَاصِ ضِمْنًا وَقَوْلُهُ فَجَاهِدْ جِيءَ بِهِ مُشَاكَلَةً يَعْنِي حَيْثُ قَالَ فَجَاهِدْ فِي مَوْضِعِ فَاخْدُمْهُمَا لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْجِهَادِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْجِهَادُ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ الشَّامِلِ لِلْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ قَالَ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فينا لنهدينهم سبلنا انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ قَوْلُهُ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ أَيْ فَفِي الْوَالِدَيْنِ فَجَاهِدْ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِمُقَدَّرٍ وَهُوَ جَاهِدْ وَلَفْظُ جَاهِدِ الْمَذْكُورُ مُفَسِّرٌ لَهُ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ الْجَزَائِيَّةِ لَا يَعْمَلُ فِيمَا قَبْلَهَا وَمَعْنَاهُ خَصِّصْهُمَا بِالْجِهَادِ وَهَذَا كَلَامٌ لَيْسَ ظَاهِرُهُ مُرَادًا لِأَنَّ ظَاهِرَ الْجِهَادِ إِيصَالُ الضَّرَرِ لِلْغَيْرِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إِيصَالُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ كُلْفَةِ الْجِهَادِ وَهُوَ بَذْلُ المال وتعب البدن فيؤول الْمَعْنَى إِلَى ابْذُلْ مَالَكَ وَأَتْعِبْ بَدَنَكَ فِي رضى وَالِدَيْكَ انْتَهَى وَقَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ هَذَا فِي جِهَادِ التَّطَوُّعِ لَا يَخْرُجُ إِلَّا بِإِذْنِ الْوَالِدَيْنِ إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْجِهَادُ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِذْنِهِمَا وَإِنْ مَنَعَاهُ عَصَاهُمَا وَخَرَجَ وَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ فَيَخْرُجُ بِدُونِ إِذْنِهِمَا فَرْضًا كَانَ الْجِهَادُ أَوْ تَطَوُّعًا وَكَذَلِكَ لَا يَخْرُجُ إِلَى شَيْءٍ مِنَ التَّطَوُّعَاتِ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالزِّيَارَةِ وَلَا يَصُومُ التَّطَوُّعَ إِذَا كَرِهَ الْوَالِدَانِ الْمُسْلِمَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا إِلَّا بِإِذْنِهِمَا انتهى قوله وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي (وَاسْمُهُ السَّائِبُ بْنُ فَرُّوخٍ) ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ

باب ما جاء في الرجل يبعث وحده سرية لا يظهر

3 - (باب ما جاء في الرجل يبعث وحده سَرِيَّةً لَا يَظْهَرُ) مَعْنَى هَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَّا أَنْ يُقَدَّرَ لَفْظُ عَلَى قَبْلَ سَرِيَّةٍ وَيُقَالُ إِنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُبْعَثَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِمُرَادِ الْمُصَنِّفِ مِنْ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ وَقَالَ فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ لَا يُنَاسِبُ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ حَدِيثُ الْبَابِ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ جُعِلَ أَمِيرًا وَلَهُ قِصَّةٌ مَذْكُورَةٌ فِي الْأُصُولِ مِنْ أَنَّهُ قَالَ لِرِجَالِ السَّرِيَّةِ احْرِقُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تُطِيعُونَ أُولِي الْأَمْرِ فَأَبَوْا لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْبَعْثِ وَحْدَهُ بَعْثُهُ عَقِيبَ السَّرِيَّةِ وَحْدَهُ وَجَعْلُهُ أَمِيرًا عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا بَلَغَنِي عَنْ شَيْخِنَا انْتَهَى مَا فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ [1672] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الْإِمَامُ الذُّهْلِيُّ قَوْلُهُ (قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عدي السهمي بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سرية) ضمير قال راجع إلى بن جُرَيْجٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ مُبْتَدَأٌ وَبَعَثَهُ خَبَرُهُ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ أي قال بن جُرَيْجٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ عَلَى سرية وفي رواية مسلم قال بن جُرَيْجٍ نَزَلَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيِّ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ (أَخْبَرَنِيهِ) هَذَا مَقُولُ بن جريج (يعلى بن مسلم) بن هُرْمُزَ الْمَكِّيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِأُولِي الْأَمْرِ مَنْ أَوْجَبَ اللَّهُ طَاعَتَهُ مِنَ الْوُلَاةِ وَالْأُمَرَاءِ هَذَا قَوْلُ جَمَاهِيرِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ هُمُ الْعُلَمَاءُ وَقِيلَ الْأُمَرَاءُ وَالْعُلَمَاءُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ الصَّحَابَةُ خَاصَّةً فَقَطْ فَقَدْ أَخْطَأَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِأُولِي الْأَمْرِ فِي الْآيَةِ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ هُمُ الْأُمَرَاءُ أخرجه الطبري بإسناد صحيح

باب ما جاء في كراهية أن يسافر الرجل وحده

وَأَخْرَجَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ وَغَيْرِهِ نَحْوَهُ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالْخَيْرِ وَعَنْ مُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ هُمُ الْعُلَمَاءُ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَصَحَّ مِنْهُ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ هُمُ الصَّحَابَةُ وَهَذَا أَخَصُّ وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَهَذَا أَخَصُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَرَجَّحَ الشَّافِعِيُّ الْأَوَّلَ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا لَا يَعْرِفُونَ الْإِمَارَةَ وَلَا يَنْقَادُونَ إِلَى أَمِيرٍ فَأُمِرُوا بِالطَّاعَةِ لِمَنْ وَلِيَ الْأَمْرَ وَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ الطَّبَرِيُّ حَمْلَهَا عَلَى الْعُمُومِ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي سَبَبٍ خَاصٍّ انْتَهَى وَذَكَرَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ قوله (أولى الأمر) أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا وَقَالَ الْحَادِيَ عَشَرَ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ شَيْءٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِلَيْهِ مَالَ الْبُخَارِيُّ بِقَوْلِهِ ذَوِي الْأَمْرِ انْتَهَى قُلْتُ الصَّحِيحُ عِنْدِي هُوَ مَا صَحَّحَهُ الْعَيْنِيُّ وَمَالَ إِلَيْهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِأُولِي الْأَمْرِ كُلُّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ شَيْءٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ وَاحِدَ أُولِي ذُو لِأَنَّهَا لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَمَعْنَى أُولِي الْأَمْرِ ذَوُو الْأَمْرِ وَمِنَ الظَّاهِرِ أَنَّ ذَا الْأَمْرِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَنْ وَلِيَ أَمْرَ شَيْءٍ وَأَمَّا أَهْلُ الْعِلْمِ فَهُمْ أُولُو الْعِلْمِ لَا أُولُو الْأَمْرِ الثَّانِي رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَغَضِبَ قَالَ أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُطِيعُونِي قَالُوا بَلَى قَالَ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا فَجَمَعُوا فَقَالَ أَوْقِدُوا نَارًا فَأَوْقَدُوهَا فَقَالَ ادْخُلُوهَا فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا وَيَقُولُونَ فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ النَّارِ فَمَا زَالُوا حَتَّى خَمَدَتِ النَّارُ فَسَكَنَ غَضَبُهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال عَلَى السَّرِيَّةِ فَقِيلَ إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ انْتَهَى وَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ قَوْلُهُ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَإِنَّمَا هُوَ سَهْمِيٌّ قَالَ الْحَافِظُ وَيُؤَيِّدُهُ حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يُسَافِرَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ) [1673] قَوْلُهُ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ زَيْدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ

مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَا أَعْلَمُ مِنَ الْوَحْدَةِ) مَا مَوْصُولَةٌ وَالْمَعْنَى لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا أَعْلَمُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ (مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ يَعْنِي وَحْدَهُ) مَا نَافِيَةٌ قَالَ الطِّيبِيُّ وَكَانَ مِنْ حَقِّ الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ مَا سَارَ أَحَدٌ وَحْدَهُ فَقَيَّدَهُ بِالرَّاكِبِ وَاللَّيْلِ لِأَنَّ الْخَطَرَ بِاللَّيْلِ أَكْثَرُ فَإِنَّ انْبِعَاثَ الشَّرِّ فِيهِ أَكْثَرُ وَالتَّحَرُّزَ مِنْهُ أَصْعُبُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ اللَّيْلُ أَخْفَى لِلْوَيْلِ وَقَوْلُهُمْ اعْذُرِ اللَّيْلَ لِأَنَّهُ إِذَا أَظْلَمَ كَثُرَ فِيهِ الْعُذْرُ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ رَاكِبًا فَإِنَّ لَهُ خَوْفَ وَجَلِ الْمَرْكُوبِ مِنَ النُّفُورِ مِنْ أَدْنَى شَيْءٍ وَالتَّهَوِّي فِي الوحدة بخلاف الراجل قال القارىء وَيُمْكِنُ التَّقْيِيدُ بِالرَّاكِبِ لِيُفِيدَ أَنَّ الرَّاجِلَ مَمْنُوعٌ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الْوَحْدَةَ لَا تُطْلَقُ عَلَى الرَّاكِبِ كَمَا لَا يَخْفَى انْتَهَى قال بن الْمُنِيرِ السَّيْرُ لِمَصْلَحَةِ الْحَرْبِ أَخَصُّ مِنَ السَّفَرِ وَالْخَبَرُ وَرَدَ فِي السَّفَرِ فَيُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ جَوَازُ السَّفَرِ مُنْفَرِدًا لِلضَّرُورَةِ وَالْمَصْلَحَةِ الَّتِي لَا تَنْتَظِمُ إِلَّا بِالِانْفِرَادِ كَإِرْسَالِ الْجَاسُوسِ وَالطَّلِيعَةِ وَالْكَرَاهَةُ لِمَا عَدَا ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ حَالَةُ الْجَوَازِ مُقَيَّدَةً بِالْحَاجَةِ عِنْدَ الْأَمْنِ وَحَالَةُ الْمَنْعِ مُقَيَّدَةٌ بِالْخَوْفِ حَيْثُ لَا ضَرُورَةَ وَقَدْ وَقَعَ فِي كُتُبِ الْمَغَازِي بَعَثَ كُلٌّ مِنْ حُذَيْفَةَ وَنُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ وَخَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَسَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ فِي عِدَّةِ مَوَاطِنَ وَبَعْضُهَا فِي الصَّحِيحِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قُلْتُ وحديث جابر الذي أشار إليه بن الْمُنِيرِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ وَلَفْظُهُ نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرَ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرَ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرَ ثَلَاثًا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ [1674] قَوْلُهُ (الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ) قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي مَشْيَ الْوَاحِدِ مُنْفَرِدًا مَنْهِيٌّ وَكَذَلِكَ مَشْيُ الِاثْنَيْنِ وَمَنِ ارْتَكَبَ مَنْهِيًّا فَقَدْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ وَمَنْ أَطَاعَهُ فَكَأَنَّهُ هُوَ وَلِذَا أَطْلَقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَهُ عَلَيْهِ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَى الْحَدِيثِ عِنْدِي مَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مُرْسَلًا الشَّيْطَانُ يَهِمُّ بِالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً لَمْ يَهِمَّ بِهِمْ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أن التَّفَرُّدُ وَالذَّهَابُ وَحْدَهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ فِعْلِ الشَّيْطَانِ وَهُوَ شَيْءٌ يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ وَيَدْعُوهُ إليه وكذلك

باب ما جاء في الرخصة في الكذب والخديعة في الحرب

الِاثْنَانِ فَإِذَا صَارُوا ثَلَاثَةً فَهُوَ رَكْبٌ أَيْ جَمَاعَةٌ وَصَحْبٌ قَالَ وَالْمُنْفَرِدُ فِي السَّفَرِ إِنْ مَاتَ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ مَنْ يَقُومُ بِغَسْلِهِ وَدَفْنِهِ وَتَجْهِيزِهِ وَلَا عِنْدَهُ مَنْ يُوصِي إِلَيْهِ فِي مَالِهِ وَيَحْمِلُ تَرِكَتَهُ إِلَى أَهْلِهِ وَيُورِدُ خَبَرَهُ إِلَيْهِمْ وَلَا مَعَهُ فِي سَفَرِهِ مَنْ يُعِينُهُ عَلَى الْحُمُولَةِ فَإِذَا كَانُوا ثَلَاثَةً تَعَاوَنُوا وَتَنَاوَبُوا الْمِهْنَةَ وَالْحِرَاسَةَ وَصَلَّوُا الْجَمَاعَةَ وَأَحْرَزُوا الْحَظَّ فِيهَا انْتَهَى (وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَيْ جَمَاعَةٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرَّكْبُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْجَمْعِ كَنَفَرٍ وَرَهْطٍ وَلِهَذَا صُغِّرَ عَلَى لَفْظِهِ وَقِيلَ هُوَ جَمْعُ رَاكِبٍ كَصَاحِبٍ وَصَحْبٍ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقِيلَ فِي تَصْغِيرِهِ رُوَيْكِبُونَ كَمَا يُقَالُ صُوَيْحِبُونَ وَالرَّاكِبُ فِي الْأَصْلِ هُوَ رَاكِبُ الْإِبِلِ خَاصَّةً ثُمَّ اتَّسَعَ فِيهِ فَأُطْلِقَ عَلَى كُلِّ مَنْ رَكِبَ دَابَّةً انْتَهَى قَوْلُهُ (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وبن مَاجَهْ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عَاصِمٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ تَفَرَّدَ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عُمَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخَاهُ قَدْ رَوَاهُ مَعَهُ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَيْ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَإِنَّ جَدَّهُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن عمرو (أحسن) كَذَا فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ بَلْ هُوَ الصَّحِيحُ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الْكَذِبِ وَالْخَدِيعَةِ فِي الْحَرْبِ) [1675] قَوْلُهُ (الْحَرْبُ خَدْعَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أفصحهن

خَدْعَةٌ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ قَالَ ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ وَهِيَ لُغَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالثَّانِيَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَالثَّالِثَةُ بِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ خِدَاعِ الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ وَكَيْفَ أَمْكَنَ الْخِدَاعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَقْضُ عَهْدٍ أَوْ أَمَانٍ فَلَا يَحِلُّ وَقَدْ صُحِّحَ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْكَذِبِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا فِي الْحَرْبِ قَالَ الطَّبَرِيُّ إِنَّمَا يَجُوزُ مِنَ الْكَذِبِ فِي الْحَرْبِ الْمَعَارِيضُ دُونَ حَقِيقَةِ الْكَذِبِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالظَّاهِرُ إِبَاحَةُ حَقِيقَةِ نَفْسِ الْكَذِبِ لَكِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى التَّعْرِيضِ أفضل وقال بن الْعَرَبِيِّ الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ مِنَ الْمُسْتَثْنَى الْجَائِزِ بِالنَّصِّ رِفْقًا بِالْمُسْلِمِينَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْعَقْلِ فِيهِ مَجَالٌ وَلَوْ كَانَ تَحْرِيمُ الْكَذِبِ بِالْعَقْلِ مَا انْقَلَبَ حَلَالًا انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ بَعْدَ ذِكْرِ أَرْبَعِ لُغَاتٍ فِيهَا وَهِيَ الْخَدْعَةُ وَالْخُدْعَةُ وَالْخُدَعَةُ وَالْخَدَعَةُ مَا لَفْظُهُ فَالْخَدْعَةُ بِمَعْنَى أَنَّ أَمْرَهَا يَنْقَضِي بِخَدْعَةٍ وَاحِدَةٍ يُخْدَعُ بِهَا الْمَخْدُوعُ فَتَزِلَّ قَدَمُهُ وَلَا يَجِدُ لَهَا تَلَافِيًا وَلَا إِقَالَةً فَكَأَنَّهُ نَبَّهَ عَلَى أَخْذِ الْحِذْرِ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ ضَمَّ الْخَاءَ وَفَتَحَ الدَّالَ نَسَبَ الْفِعْلَ إِلَيْهَا أَيْ تَخْدَعُ هِيَ مَنِ اطْمَأَنَّ إِلَيْهَا أَوْ أَنَّ أَهْلَهَا يُخْدَعُونَ فِيهَا وَمَنْ فَتَحَهُمَا جَمِيعًا كَانَ جَمْعُ خَادِعٍ يَعْنِي أَنَّ أَهْلَهَا بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِمْ كَأَنَّهُ قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ خَدَعَةٌ وَأَصْلُ الْخَدْعِ إِظْهَارُ أَمْرٍ وَإِضْمَارُ خِلَافِهِ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ أَيْ أَنَّهَا خَدْعَةٌ وَاحِدَةٌ من تيسرت له حق الظَّفَرُ وَبِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ أَيْ مُعْظَمُ ذَلِكَ الْمَكْرُ وَالْخَدِيعَةُ وَبِضَمِّ الْخَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ أَيْ أَنَّهَا خَدَّاعَةٌ لِلْإِنْسَانِ بِمَا تُخَيِّلُ إِلَيْهِ وَتُمَنِّيهِ ثُمَّ إِذَا لَابَسَهَا وَجَدَ الْأَمْرَ بِخِلَافِ مَا خُيِّلَ إِلَيْهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثابت وعائشة وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ وَكَعْبِ بن مالك وأنس بن مالك) أماحديث عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ عائشة فأخرجه بن ماجه وأما حديث بن عباس فأخرجه أيضا بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسِ بن مالك فأخرجه أحمد وبن حِبَّانَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ

باب ما جاء في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم

6 - (باب ما جاء في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم) وكم غزا الْغَزَوَاتُ جَمْعُ غَزْوَةٍ وَأَصْلُ الْغَزْوِ الْقَصْدُ وَمَغْزَى الْكَلَامِ مَقْصِدُهُ وَالْمُرَادُ بِالْغَزَوَاتِ هُنَا مَا وَقَعَ مِنْ قَصْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكُفَّارَ بِنَفْسِهِ وَبِجَيْشٍ مِنْ قِبَلِهِ وَقَصْدُهُمْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَوْ إِلَى الْأَمَاكِنِ الَّتِي حَلُّوهَا حَتَّى دَخَلَ مِثْلُ أُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ [1676] قَوْلُهُ (فَقِيلَ لَهُ) قَالَ الْحَافِظُ الْقَائِلُ هُوَ الرَّاوِي أَبُو إِسْحَاقَ بَيَّنَهُ إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَمَا سَيَأْتِي فِي آخِرِ الْمَغَازِي بِلَفْظِ سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ (قَالَ تِسْعَ عَشْرَةَ) كَذَا قَالَ وَمُرَادُهُ الْغَزَوَاتُ الَّتِي خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا بِنَفْسِهِ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَوْ لَمْ يُقَاتِلْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَكِنْ رَوَى أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عَدَدَ الْغَزَوَاتِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَصْلُهُ فِي مُسْلِمٍ فَعَلَى هَذَا فَفَاتَ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ ذِكْرُ ثِنْتَيْنِ مِنْهَا وَلَعَلَّهُمَا الْأَبْوَاءُ وَبُوَاطٌ وَكَأَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا قُلْتُهُ مَا وَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ قُلْتُ مَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا قَالَ ذَاتُ الْعَشِيرِ أَوِ الْعَشِيرَةِ انْتَهَى وَالْعَشِيرَةُ كَمَا تَقَدَّمَ هي الثالثة وأما قول بن التِّينِ يُحْمَلُ قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَلَى أن العشيرة أول مَا غَزَا هُوَ أَيْ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَالتَّقْدِيرُ فَقُلْتُ مَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَا أَيْ وَأَنْتَ مَعَهُ قَالَ الْعَشِيرُ فَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا ويكون قد خفى عليه اثنتان مِمَّا بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ عَدَّ الْغَزْوَتَيْنِ وَاحِدَةً فَقَدْ قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثَمَانٍ بَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ الْأَحْزَابِ ثُمَّ الْمُصْطَلِقِ ثُمَّ خَيْبَرَ ثُمَّ مَكَّةَ ثُمَّ حُنَيْنٍ ثُمَّ الطَّائِفِ انْتَهَى وَأَهْمَلَ غَزْوَةَ قُرَيْظَةَ لِأَنَّهُ ضَمَّهَا إِلَى الْأَحْزَابِ لِكَوْنِهَا كَانَتْ فِي إِثْرِهَا وَأَفْرَدَهَا غَيْرُهُ لِوُقُوعِهَا مُنْفَرِدَةً بَعْدَ هَزِيمَةِ الْأَحْزَابِ وَكَذَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ عَدَّ الطَّائِفِ وَحُنَيْنٍ وَاحِدَةً لِتَقَارُبِهِمَا فَيَجْتَمِعُ عَلَى هَذَا قَوْلُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وقول جابر وقد توسع بن سَعْدٍ فَبَلَغَ عِدَّةَ الْمَغَازِي الَّتِي خَرَجَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْوَاقِدَيَّ وَهُوَ مطابق لما عده بن إِسْحَاقَ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُفْرِدْ وَادِي الْقُرَى مِنْ خَيْبَرَ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ السُّهَيْلِيُّ وَكَانَ السِّتَّةُ الزَّائِدَةُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ وَأَخْرَجَهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شَبِيبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَزَادَ فِيهِ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ أَوَّلًا ثَمَانِ عَشْرَةَ ثُمَّ قَالَ أربعا

وَعِشْرِينَ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَلَا أَدْرِي أَوَهِمَ أَوْ كَانَ شَيْئًا سَمِعَهُ بَعْدُ قَالَ الْحَافِظُ وَحَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ يَدْفَعُ الْوَهْمَ وَيَجْمَعُ الْأَقْوَالَ والله أعلم وأما البعوث والسرايا فعند بن إِسْحَاقَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ وَعِنْدَ الْوَاقِدِيِّ ثَمَانِيًا وَأَرْبَعِينَ وحكى بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّلْقِيحِ سِتًّا وَخَمْسِينَ وَعِنْدَ الْمَسْعُودِيِّ سِتِّينَ وَبَلَّغَهَا شَيْخُنَا فِي نَظْمِ السِّيرَةِ زِيَادَةً عَلَى السَّبْعِينَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْحَاكِمِ فِي الْإِكْلِيلِ أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ فَلَعَلَّهُ أَرَادَ ضَمَّ الْمَغَازِي إِلَيْهَا انْتَهَى (وَأَيَّتُهُنَّ كَانَ أَوَّلُ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ وَأَيَّتُهُنَّ كَانَتْ (ذَاتُ الْعُشَيْرَاءِ أَوِ الْعُسَيْرَاءِ) الْأَوَّلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا وَالثَّانِي كَذَلِكَ لَكِنْ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَوَقَعَ فِي التِّرْمِذِيِّ الْعَشِيرُ أَوِ الْعَسِيرُ بِلَا هَاءٍ فِيهِمَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ذَاتُ الْعَسِيرِ أَوِ الْعَشِيرِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ وَهِيَ ذَاتُ الْعُشَيْرَةِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ وَجَاءَ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي يَعْنِي مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَسِيرٌ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بِحَذْفِ الْهَاءِ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ فِيهَا الْعُشَيْرَةُ مُصَغَّرَةً بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْهَاءِ قَالَ وَكَذَا ذَكَرَهَا أَبُو إِسْحَاقَ وَهِيَ مِنْ أَرْضِ مَذْحِجٍ وَقَالَ الْحَافِظُ قَوْلُ قَتَادَةَ الْعُشَيْرَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِثْبَاتِ الْهَاءِ هُوَ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَهْلُ السِّيَرِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَأَمَّا غَزْوَةُ الْعَسِيرَةِ بالمهملة فيه غَزْوَةُ تَبُوكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ في ساعة العسرة وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَشَقَّةِ وَهِيَ بِغَيْرِ تَصْغِيرٍ وَأَمَّا هَذِهِ فَنُسِبَتْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي وَصَلُوا إِلَيْهِ وَاسْمُهُ الْعَشِيرُ أَوِ الْعَشِيرَةُ يذكر ويؤنث وهو موضع وذكر بن سَعْدٍ أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ هِيَ عِيرُ قُرَيْشٍ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الشَّامِ بِالتِّجَارَةِ فَفَاتَهُمْ وَكَانُوا يَتَرَقَّبُونَ رُجُوعَهَا فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَلَقَّاهَا لِيَغْنَمَهَا فبسبب ذلك كانت وقعة بدر قال بن إِسْحَاقَ فَإِنَّ السَّبَبَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ مَا حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ بِالشَّامِ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْهُمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فَأَقْبَلُوا فِي قَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ فِيهَا أَمْوَالُ قُرَيْشٍ فَنَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ يَتَجَسَّسُ الْأَخْبَارَ فَبَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ بِقَصْدِهِمْ فَأَرْسَلَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ إِلَى قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ يُحَرِّضُهُمْ عَلَى الْمَجِيءِ لِحِفْظِ أَمْوَالِهِمْ وَيُحَذِّرُهُمُ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَنْفَرَهُمْ ضَمْضَمُ فَخَرَجُوا فِي أَلْفِ رَاكِبٍ وَمَعَهُمْ مِائَةُ فَرَسٍ وَاشْتَدَّ حَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ فَأَخَذَ طَرِيقَ السَّاحِلِ وَجَدَّ فِي السَّيْرِ حَتَّى فَاتَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمَّا

باب ما جاء في الصف والتعبية عند القتال

أَمِنَ أَرْسَلَ إِلَى مَنْ يَلْقَى قُرَيْشًا يَأْمُرُهُمْ بِالرُّجُوعِ فَامْتَنَعَ أَبُو جَهْلٍ مِنْ ذَلِكَ فَكَانَ مَا كَانَ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان (باب مَا جَاءَ فِي الصَّفِّ والتَّعْبِيَةِ عِنْدَ الْقِتَالِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ تَعْبِيَةُ الْجَيْشِ تَهْيِئَتُهُ فِي مَوَاضِعِهِ [1677] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ) الْأَبْرَشُ مَوْلَى الْأَنْصَارِ قَاضِي الرَّيِّ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (عَبَّأَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ عبأت الجيش عبا وَعَبَّأْتُهُمْ تَعْبِئَةً وَتَعْبِيئًا وَقَدْ يُتْرَكُ الْهَمْزُ فَيُقَالُ عَبَّيْتُهُمْ تَعْبِيَةً أَيْ رَتَّبْتُهُمْ فِي مَوَاضِعِهِمْ وَهَيَّأْتُهُمْ لِلْحَرْبِ انْتَهَى بِبَدْرٍ لَيْلًا يَعْنِي سَوَّى الصُّفُوفَ وَأَقَامَ كُلًّا مِنَّا مَقَامًا يَصْلُحُ لَهُ فِي اللَّيْلِ لِيَكُونَ عَلَى طِبْقِهِ وَوَفْقِهِ فِي النَّهَارِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَحِينَ رَأَيْتُهُ) أَيْ حِينَ لَقِيتُ الْبُخَارِيَّ (ثُمَّ ضَعَّفَهُ بَعْدُ) فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَكْثَرَ عَلَى نَفْسِهِ

باب ما جاء في الألوية جمع لواء

8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ الْقِتَالِ) [1678] قوله (عن بن أَبِي أَوْفَى) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيُّ صحابي شهد الحديبية وعمر بعد النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَهْرًا مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْكُوفَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ) يَعْنِي يَا اللَّهُ يَا (مُنْزِلَ الْكِتَابِ) أَيِ الْقُرْآنِ (سَرِيعَ الْحِسَابِ) يَعْنِي يَا سَرِيعَ الْحِسَابِ إِمَّا يُرَادُ بِهِ أَنَّهُ سَرِيعٌ حِسَابُهُ بِمَجِيءِ وَقْتِهِ وَإِمَّا أَنَّهُ سَرِيعٌ فِي الْحِسَابِ (اِهْزِمِ الْأَحْزَابَ) هَزَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا كَمَا وَرَدَ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَهُمْ أَحْزَابٌ اجْتَمَعُوا يَوْمَ الْخَنْدَقِ (وَزَلْزِلْهُمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ أَيِ ازْعِجْهُمْ وَحَرِّكْهُمْ بِالشَّدَائِدِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الزَّلْزَالُ وَالزَّلْزَلَةُ الشَّدَائِدُ الَّتِي تُحَرِّكُ النَّاسَ قَالَ وَقَدِ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ عِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ الدُّعَاءُ عَلَيْهِمْ إِذَا انْهَزَمُوا أَنْ لَا يَسْتَقِرَّ لَهُمْ قَرَارٌ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ أَرَادَ أَنْ تَطِيشَ عُقُولُهُمْ وَتَرْعَدَ أَقْدَامُهُمْ عِنْدَ اللِّقَاءِ فَلَا يَثْبُتُوا قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي وبن ماجه (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْأَلْوِيَةِ جَمْعُ لِوَاءٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَالْمَدِّ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ اللِّوَاءُ عَلَمُ الْجَيْشِ وَهُوَ دُونَ الرَّايَةِ لِأَنَّهُ شِقَّةُ

باب في الرايات

ثَوْبٍ يُلْوَى وَيُشَدُّ إِلَى عُودِ الرُّمْحِ وَالرَّايَةُ عَلَمُ الْجَيْشِ وَيُكْنَى أُمُّ الْحَرْبِ وَهُوَ فَوْقَ اللِّوَاءِ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ اللِّوَاءُ غَيْرُ الرَّايَةِ فَاللِّوَاءُ مَا يُعْقَدُ فِي طَرَفِ الرُّمْحِ وَيُلْوَى عَلَيْهِ وَالرَّايَةُ مَا يُعْقَدُ فِيهِ وَيُتْرَكُ حَتَّى تَصْفِقَهُ الرِّيَاحُ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الرَّايَةُ هي التي يَتَوَلَّاهَا صَاحِبُ الْحَرْبِ وَيُقَاتِلُ عَلَيْهَا وَتَمِيلُ الْمُقَاتِلَةُ إِلَيْهَا وَاللِّوَاءُ عَلَامَةُ كَبْكَبَةِ الْأَمِيرِ تَدُورُ مَعَهُ حَيْثُ دَارَ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الرَّايَةُ الْعَلَمُ الصَّغِيرُ وَاللِّوَاءُ الْعَلَمُ الْكَبِيرُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ [1679] قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ) أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قَوْلُهُ (دَخَلَ مَكَّةَ) أَيْ يَوْمَ الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ (قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْحَدِيثُ هُوَ هَذَا) أَيِ الْحَدِيثُ الْمَحْفُوظُ هُوَ هَذَا الْحَدِيثُ لِأَنَّهُ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ شَرِيكٍ وَأَمَّا حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ شَرِيكٍ بِلَفْظِ دَخَلَ مَكَّةَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ فَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ لِتَفَرُّدِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ بِهِ وَمُخَالَفَتِهِ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ شَرِيكٍ (وَالدُّهْنُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدَهَا نون 0 - (باب فِي الرَّايَاتِ) جَمْعُ رَايَةٍ وَقَدْ عَرَفْتَ مَعْنَاهَا وَالْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللِّوَاءِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ قال الحافظ

وَجَنَحَ التِّرْمِذِيُّ إِلَى التَّفْرِقَةِ فَتَرْجَمَ بِالْأَلْوِيَةِ وَأَوْرَدَ حَدِيثَ جَابِرٍ ثُمَّ تَرْجَمَ لِلرَّايَاتِ وَأَوْرَدَ حَدِيثَ البراء وحديث بن عَبَّاسٍ [1680] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْقَاسِمِ) الثَّقَفِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (قَالَ) أَيْ يُونُسُ (بَعَثَنِي) أَيْ أَرْسَلَنِي (أَسْأَلُهُ عَنْ رَايَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ لَوْنِهَا وَكَيْفِيَّتِهَا (كَانَتْ سَوْدَاءَ) قَالَ الْقَاضِي أَرَادَ بِالسَّوْدَاءِ مَا غَالِبُ لَوْنِهِ سَوَادٌ بِحَيْثُ يُرَى مِنَ الْبَعِيدِ أَسْوَدَ لَا مَا لَوْنُهُ سَوَادٌ خَالِصٌ لِأَنَّهُ قَالَ (مِنْ نَمِرَةٍ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَهِيَ بُرْدَةٌ مِنْ صُوفٍ يَلْبَسُهَا الْأَعْرَابُ فِيهَا تَخْطِيطٌ مِنْ سَوَادٍ وَبَيَاضٍ وَلِذَلِكَ سميت نمرة تشبيها بالنمر ذكره القارىء قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَارِثِ بْنِ حسان وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ الحارث بن حسان فأخرجه بن ماجه وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَلِأَبِي الشيخ عن بن عَبَّاسٍ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى رَايَتِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ الْحَافِظُ وَسَنَدُهُ وَاهٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ (وَأَبُو يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ اسْمُهُ إِسْحَاقُ بْنُ إبراهيم) الكوفي وثقه بن حِبَّانَ وَفِيهِ ضَعْفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ [1681] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ السَّالَحَانِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ السَّيْلَحِينِيُّ بِمُهْمَلَةٍ مُمَالَةٍ وَقَدْ تَصِيرُ أَلِفًا سَاكِنَةً وَفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ أَبُو زَكَرِيَّا أَوْ أَبُو بَكْرٍ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ حِبَّانَ) النَّبَطِيُّ الْبَلْخِيُّ نَزِيلُ الْمَدَائِنِ أَخُو مُقَاتِلٍ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ السَّابِعَةِ (سَمِعْتُ أَبَا مِجْلَزٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ

باب ما جاء في الشعار

وَسُكُونِ الْجِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ بَعْدَهَا زَايٌ (لَاحِقَ بْنَ حُمَيْدِ) بْنَ سَعِيدٍ السَّدُوسِيَّ الْبَصْرِيَّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ) قال بن الْمَلَكِ أَيْ مَا غَالِبُ لَوْنِهِ أَسْوَدُ بِحَيْثُ يُرَى مِنَ الْبَعِيدِ أَسْوَدَ لَا أَنَّهُ خَالِصَ السَّوَادِ يَعْنِي لِمَا سَبَقَ أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ نَمِرَةٍ (وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سِمَاكٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ عَنْ آخَرَ مِنْهُمْ رَأَيْتُ رَايَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفْرَاءَ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ قَوْلُهُ (هذا حديث غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ هَذَا مُخْتَصَرًا عَلَى الرَّايَةِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشِّعَارِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الشِّعَارُ كَكِتَابٍ الْعَلَامَةُ فِي الْحَرْبِ وَالسَّفَرِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ إِنَّ شِعَارَ أَصْحَابِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي الْغَزْوِ يَا مَنْصُورُ (أَمِتْ أَمِتْ) أَيْ عَلَامَتُهُمُ الَّتِي كَانُوا يَتَعَارَفُونَ بِهَا فِي الْحَرْبِ انْتَهَى [1682] قَوْلُهُ (عَنِ الْمُهَلَّبِ بْنِ أَبِي صُفْرَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَاسْمُهُ ظَالِمُ بْنُ سَارِقٍ الْعَتَكِيُّ الْأَزْدِيُّ أَبِي سَعِيدِ الْبَصْرِيِّ مِنْ ثِقَاتِ الْأُمَرَاءِ وَكَانَ عَارِفًا بِالْحَرْبِ فَكَانَ أَعْدَاؤُهُ يَرْمُونَهُ بِالْكَذِبِ مِنَ الثَّانِيَةِ وَلَهُ رِوَايَةٌ مُرْسَلَةٌ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السبيعي ما رأيت أمير أَفْضَلَ مِنْهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (إِنْ بَيَّتَكُمُ الْعَدُوُّ) أَيْ إِنْ قَصَدَكُمْ بِالْقَتْلِ لَيْلًا وَاخْتَلَطْتُمْ مَعَهُمْ قَالَ فِي النِّهَايَةِ تَبْيِيتُ الْعَدُوِّ هُوَ أَنْ يُقْصَدَ فِي اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَ فَيُؤْخَذُ بَغْتَةً وَهُوَ الْبَيَاتُ (فَقُولُوا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِنْ بَيَّتُّمْ فَلْيَكُنْ شِعَارُكُمْ (حم لَا يُنْصَرُونَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ قَالَ القاضي معناه بفضل

باب ما جاء في صفة سيف رسول الله

السور المفتتحة بحم وَمَنْزِلَتِهَا مِنَ اللَّهِ لَا يُنْصَرُونَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ الْخَبَرُ وَلَوْ كَانَ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ لَكَانَ مَجْزُومًا أَيْ لَا يُنْصَرُوا وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ كَأَنَّهُ قَالَ وَاللَّهِ إِنَّهُمْ لَا يُنْصَرُونَ وَقَدْ روى عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ حم اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَكَأَنَّهُ حَلَفَ بِاللَّهِ أَنَّهُمْ لَا يُنْصَرُونَ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ قِيلَ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ لَا يُنْصَرُونَ وَيُرِيدُ بِهِ الْخَبَرَ لَا الدُّعَاءَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دُعَاءً لَقَالَ لَا يُنْصَرُوا مَجْزُومًا فَكَأَنَّهُ قَالَ وَاللَّهِ لَا يُنْصَرُونَ وَقِيلَ إِنَّ السُّوَرَ الَّتِي فِي أَوَّلِهَا حم سُوَرٌ لَهَا شَأْنٌ فَنَبَّهَ أَنَّ ذِكْرَهَا لِشَرَفِ مَنْزِلَتِهَا مِمَّا يُسْتَظْهَرُ بِهِ عَلَى اسْتِنْزَالِ النَّصْرِ مِنَ اللَّهِ وَقَوْلُهُ لَا يُنْصَرُونَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ كَأَنَّهُ حِينَ قَالَ قُولُوا حم قِيلَ مَاذَا يَكُونُ إِذَا قُلْنَا فَقَالَ لَا يُنْصَرُونَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ شِعَارُنَا أَمِتْ أَمِتْ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ سَيْفِ رَسُولُ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1683] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا محمد بن شجاع البغدادي) المروزي بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَضْمُومَةِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ) اسْمُهُ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ وَاصِلٍ السَّدُوسِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ تَكَلَّمَ فِيهِ الْأَزْدِيُّ بِغَيْرِ حُجَّةٍ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعْدٍ) التَّمِيمِيِّ أَبِي بَكْرٍ الْبَصْرِيِّ الْكَاتِبِ الْمُعَلِّمِ ضَعِيفٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (صَنَعْتُ سَيْفِي عَلَى سَيْفِ سَمُرَةَ) أَيْ عَلَى هَيْئَةِ سَيْفِهِ (وَكَانَ حَنَفِيًّا) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فِي حَدِيثِ سَيْفِهِ وَكَانَ حَنَفِيًّا هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى أَحْنَفَ بْنِ قَيْسٍ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ وَتُنْسَبُ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ من أمر

باب ما جاء في الخروج عند الفزع

بِاِتِّخَاذِهَا وَالْقِيَاسُ أَحَنَفِيٌّ انْتَهَى وَقَالَ فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ قَوْلُهُ حَنَفِيًّا أَيْ عَلَى هَيْئَةِ سُيُوفِ بَنِي حَنِيفَةَ قَبِيلَةِ مُسَيْلِمَةَ لِأَنَّ صَانِعَهُ مِنْهُمْ أَوْ مِمَّنْ يَعْمَلُ كَعَمَلِهِمُ انْتَهَى 3 - (بَاب فِي الْفِطْرِ عِنْدَ الْقِتَالِ) [1684] قَوْلُهُ (عَنْ قَزَعَةَ) بزاي وفتحات بن يَحْيَى الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَرَّ الظَّهْرَانِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالظَّاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ وَادٍ بَيْنَ مَكَّةَ وَعُسْفَانَ وَاسْمُ الْقَرْيَةِ الْمُضَافَةِ إِلَيْهِ مَرَّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ انْتَهَى (فَآذَنَنَا) أَيْ أَعْلَمَنَا (فَأَمَرَنَا بِالْفِطْرِ فَأَفْطَرْنَا أَجْمَعِينَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ صِيَامٌ قَالَ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَكَانَتْ رُخْصَةً فَمِنَّا مَنْ صَامَ وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلًا آخَرَ فَقَالَ إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوَّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ فَأَفْطِرُوا وَكَانَتْ عَزْمَةً فَأَفْطَرْنَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفِطْرَ لِمَنْ وَصَلَ فِي سَفَرِهِ إِلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنَ الْعَدُوِّ أَوْلَى لِأَنَّهُ رُبَّمَا وَصَلَ إِلَيْهِمُ الْعَدُوُّ إِلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ مُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ وَلِهَذَا كَانَ الْإِفْطَارُ أَوْلَى وَلَمْ يَتَحَتَّمْ وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِقَاءُ الْعَدُوِّ مُتَحَقِّقًا فَالْإِفْطَارُ عَزِيمَةٌ لِأَنَّ الصَّائِمَ يَضْعُفُ عَنْ مُنَازَلَةِ الْأَقْرَانِ وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ غَلَيَانِ مَرَاجِلَ الضِّرَابِ وَالطِّعَانِ وَلَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْإِهَانَةِ لِجُنُودِ الْمُحِقِّينَ وَإِدْخَالِ الْوَهْنِ عَلَى عَامَّةِ الْمُجَاهِدِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخُرُوجِ عِنْدَ الْفَزَعِ) [1685] قَوْلُهُ (رَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لِأَبِي طَلْحَةَ) هُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ زَوْجُ أُمِّ أَنَسٍ (يُقَالُ لَهُ مندوب

باب ما جاء في الثبات عند القتال

قَالَ الْحَافِظُ قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ مِنَ النَّدْبِ وَهُوَ الرَّهْنُ عِنْدَ السِّبَاقِ وَقِيلَ النَّدْبُ كَانَ فِي جِسْمِهِ وَهُوَ أَثَرُ الْجُرْحِ (مَا كَانَ مِنْ فَزَعٍ) أَيْ خَوْفٍ (وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنْ هِيَ النَّافِيَةُ وَاللَّامُ فِي لَبَحْرًا بِمَعْنَى إِلَّا أَيْ مَا وَجَدْنَاهُ إِلَّا بحرا قال بن التِّينِ هَذَا مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ وَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاللَّامُ زَائِدَةٌ كَذَا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ يُقَالُ لِلْفَرَسِ بَحْرٌ إِذَا كَانَ وَاسِعَ الْجَرْيِ أَوْ لِأَنَّ جَرْيَهُ لَا يَنْفَدُ كَمَا لَا يَنْفَدُ الْبَحْرُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُجَارَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [1686] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) الْهُذَلِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بغندر (وبن أَبِي عَدِيٍّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ السُّلَمِيُّ مَوْلَاهُمُ الْقَسْمَلِيُّ قَوْلُهُ (كَانَ فَزَعٌ بِالْمَدِينَةِ) أَيْ خَوْفٌ مِنْ عَدُوٍّ (فَاسْتَعَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا لَنَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الثَّبَاتِ عِنْدَ الْقِتَالِ) قَوْلُهُ (أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ

[1688] أَوَلَّيْتُمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا أَبَا عُمَارَةَ) هِيَ كُنْيَةُ الْبَرَاءِ (وَلَكِنْ وَلَّى سَرَعَانُ النَّاسِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ السَّرَعَانُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ أَوَائِلُ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَسَارَعُونَ إِلَى الشَّيْءِ وَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ بِسُرْعَةٍ وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الرَّاءِ انْتَهَى (تَلَقَّتْهُمْ هَوَازِنُ بِالنَّبْلِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ وَالرَّشْقُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ رَمْيُ السِّهَامِ وَهَوَازِنُ قَبِيلَةٌ كَبِيرَةٌ مِنَ الْعَرَبِ فِيهَا عِدَّةُ بطون ينسبون إلى هوازن بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ حَفْصَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ غَيْلَانَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ) هَذِهِ الْبَغْلَةُ هِيَ الْبَيْضَاءُ كَمَا فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ (وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) بْنِ هَاشِمٍ وهو بن عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ إِسْلَامُهُ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ خَرَجَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَقِيَهُ فِي الطَّرِيقِ وَهُوَ سَائِرٌ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَخَرَجَ إِلَى غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فَكَانَ فِيمَنْ ثَبَتَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَنَا النَّبِيُّ لا كذب أنا بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ بن التِّينِ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُهُ بِفَتْحِ الباء مِنْ قَوْلِهِ لَا كَذِبَ لِيُخْرِجَهُ عَنِ الْوَزْنِ وَقَدْ أُجِيبَ عَنْ مَقَالَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الرَّجَزَ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ نَظْمُ غَيْرِهِ وَأَنَّهُ كَانَ فِيهِ أَنْتَ النَّبِيُّ لَا كذب أنت بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ أَنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ ثَانِيهَا أَنَّهُ رَجَزٌ وَلَيْسَ مِنْ أَقْسَامِ الشِّعْرِ وَهَذَا مَرْدُودٌ ثَالِثُهَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ شِعْرًا حَتَّى يُتِمَّ قِطْعَتَهُ وَهَذِهِ كَلِمَاتٌ يَسِيرَةٌ وَلَا تُسَمَّى شِعْرًا رَابِعُهَا أَنَّهُ خَرَجَ مَوْزُونًا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الشِّعْرَ وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَجْوِبَةِ وَأَمَّا نِسْبَتُهُ إِلَى عَبْدِ الْمُطَّلِبِ دُونَ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ فَكَأَنَّهَا لِشُهْرَةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بَيْنَ النَّاسِ لِمَا رُزِقَ مِنْ نَبَاهَةِ الذِّكْرِ وَطُولِ الْعُمْرِ بِخِلَافِ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَاتَ شَابًّا وَلِهَذَا كان كثير من العرب يدعونه بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَمَا قَالَ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ لما قدم أيكم بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ اشْتُهِرَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رَجُلٌ يَدْعُو إِلَى اللَّهِ وَيَهْدِي اللَّهُ الْخَلْقَ عَلَى يَدَيْهِ وَيَكُونُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ فَانْتَسَبَ إِلَيْهِ لِيَتَذَكَّرَ ذَاكَ مَنْ كَانَ يَعْرِفُهُ وَقَدِ اشْتُهِرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَذَكَرَهُ سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ قَدِيمًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَبْدُ اللَّهِ آمِنَةَ وَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنْبِيهَ أَصْحَابِهِ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهِ وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لَهُ لِتَقْوَى قُلُوبِهِمْ إِذَا عَرَفُوا أَنَّهُ ثَابِتٌ غَيْرُ مُنْهَزِمٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا كَذِبَ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ صِفَةَ

النُّبُوَّةِ يَسْتَحِيلُ مَعَهَا الْكَذِبُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنَا النَّبِيُّ وَالنَّبِيُّ لَا يَكْذِبُ فَلَسْتَ بِكَاذِبٍ فِيمَا أَقُولُ حَتَّى أَنْهَزِمَ وَأَنَا مُتَيَقِّنٌ بِأَنَّ الَّذِي وَعَدَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ النَّصْرِ حَقٌّ فَلَا يَجُوزُ عَلَيَّ الْفِرَارُ وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَا كَذِبَ أَيْ أَنَا النَّبِيُّ حَقًّا لَا كَذِبَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن علي وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [1689] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ) بْنُ عَطَاءِ بْنِ مُقَدَّمٍ (الْمُقَدَّمِيُّ) بِالتَّشْدِيدِ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ) بْنِ حَسَنٍ الْوَاسِطِيِّ ثِقَةٌ فِي غَيْرِ الزُّهْرِيِّ بِاتِّفَاقِهِمْ مِنَ السَّابِعَةِ مَاتَ بِالرَّيِّ مَعَ الْمَهْدِيِّ وَقِيلَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ الرَّشِيدِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (وَإِنَّ الْفِئَتَيْنِ لَمُوَلِّيَتَانِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَأَوْرَدَ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْفَتْحِ نَقْلًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ وَفِيهِ وَإِنَّ النَّاسَ لَمُوَلِّينَ مَكَانَ وَإِنَّ الْفِئَتَيْنِ لَمُوَلِّيَتَانِ حَيْثُ قَالَ وروى الترمذي من حديث بن عُمَرَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّ النَّاسَ لَمُوَلِّينَ وَمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةُ رَجُلٍ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا أَكْثَرُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ من عدد من أثبت يَوْمَ حُنَيْنٍ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَوَلَّى عَنْهُ النَّاسُ وَثَبَتَ مَعَهُ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَكُنَّا عَلَى أَقْدَامِنَا وَلَمْ نُوَلِّهِمُ الدُّبُرَ وَهُمُ الَّذِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةَ وَهَذَا لا يخالف حديث بن عمر فإنه نفى أن يكونوا مائة وبن مسعود أثبت أنهم كانوا ثمانين

باب ما جاء في السيوف وحليتها

قَوْلُهُ (أَحْسَنَ النَّاسِ) أَيْ خُلُقًا وَخَلْقًا وَصُورَةً وَسِيرَةً وَنَسَبًا وَحَسَبًا وَمُعَاشَرَةً وَمُصَاحَبَةً (وَأَجْوَدَ النَّاسِ) أَيْ أَكْثَرَهُمْ كَرَمًا وَسَخَاوَةً (وَأَشْجَعَ النَّاسِ) أَيْ قُوَّةً وَقَلْبًا (وَلَقَدْ فَزِعَ) بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ خَافَ (لَيْلَةَ سَمِعُوا صَوْتًا) أَيْ مُنْكَرًا (فَتَلَقَّاهُمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ فَتَلَقَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَقَدْ سَبَقَهُمْ إِلَى الصَّوْتِ (عَلَى فَرَسٍ لِأَبِي طَلْحَةَ عُرْيٌ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ سَرْجٌ (وَهُوَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مُتَقَلِّدٌ سَيْفَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي عُنُقِهِ السَّيْفُ (لَمْ تُرَاعُوا) بِضَمِّ التَّاءِ وَالْعَيْنِ مَجْهُولٌ مِنَ الرَّوْعِ بِمَعْنَى الْفَزَعِ وَالْخَوْفِ أَيْ لَمْ تُخَافُوا وَلَمْ تُفْزَعُوا وَأَتَى بِصِيغَةِ الْجَحْدِ مُبَالَغَةً فِي النَّفْيِ وَكَأَنَّهُ مَا وَقَعَ الرَّوْعُ وَالْفَزَعُ قَطُّ (لَمْ تُرَاعُوا) كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا أَوْ كُلٌّ لِخِطَابِ قَوْمٍ مِنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السُّيُوفِ وَحِلْيَتِهَا) [1690] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صُدْرَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَصْرِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنُ صُدْرَانَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالسُّكُونِ الْأَزْدِيُّ السُّلَمِيُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمُؤَذِّنُ الْبَصْرِيُّ وَقَدْ يُنْسَبُ لِجَدِّهِ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا طَالِبُ بْنُ حُجَيْنٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَجِيمٍ مُصَغَّرًا الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ هُودِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ) الْعَبْدِيِّ الْبَصْرِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ جَدِّهِ) لأمه (مزيدة) بوزن كبيرة بن جابر أو بن مَالِكٍ وَهُوَ أَصَحُّ الْعَصْرِيِّ الْعَبْدِيِّ صَحَابِيٌّ مُقِلٌّ قَوْلُهُ (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مَكَّةَ (فَسَأَلْتُهُ) أَيْ هُودًا (وَكَانَتْ قَبِيعَةُ السَّيْفِ فِضَّةً) فِي

النِّهَايَةِ هِيَ الَّتِي تَكُونُ عَلَى رَأْسِ قَائِمِ السَّيْفِ وَقِيلَ مَا تَحْتَ شَارِبَيِ السَّيْفِ وَفِي الْقَامُوسِ قَبِيعَةُ السَّيْفِ مَا عَلَى طَرَفِ مَقْبِضِهِ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ حَدِيدَةٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَبِيعَةُ السَّيْفِ الثُّومَةُ الَّتِي فَوْقَ الْمَقْبِضِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ حَدِيثُ مَزِيدَةَ لَا يَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ إِذْ لَيْسَ لَهُ سَنَدٌ يُعْتَدُّ بِهِ ذَكَرَ صَاحِبُ الِاسْتِيعَابِ حَدِيثَهُ وَقَالَ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ طَالِبِ بْنِ حُجَيْرٍ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وقال الحافظ أبو الحسن القطار هُوَ عِنْدِي ضَعِيفٌ لَا حَسَنٌ وَصَدَقَ أَبُو الْحَسَنِ تَفَرَّدَ طَالِبٌ بِهِ وَهُوَ صَالِحُ الْأَمْرِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَهَذَا مُنْكَرٌ فَمَا عَلِمْنَا فِي حِلْيَةِ سَيْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبًا انْتَهَى كَلَامُ الذَّهَبِيِّ قُلْتُ وَيَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْحَدِيثِ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ لَقَدْ فَتَحَ الْفُتُوحَ قَوْمٌ مَا كَانَتْ حِلْيَةُ سُيُوفِهِمُ الذَّهَبَ وَلَا الْفِضَّةَ إِنَّمَا كَانَتْ حِلْيَتُهُمُ الْعَلَابِيَّ وَالْآنُكَ وَالْحَدِيدَ قَالَ الْحَافِظُ فِي شرح هذا الحديث وفي هذا الحديث أن تَحْلِيَةَ السُّيُوفِ وَغَيْرِهَا مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَوْلَى وَأَجَابَ مَنْ أَبَاحَهَا بِأَنَّ تَحْلِيَةَ السُّيُوفِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِنَّمَا شُرِعَ لِإِرْهَابِ الْعَدُوِّ وَكَانَ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ غُنْيَةٌ لِشِدَّتِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ فِي إِيمَانِهِمُ انْتَهَى [1691] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبِي) أَيْ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَوْلُهُ (وَكَانَتْ قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَحْلِيَةِ السَّيْفِ بِالْقَلِيلِ مِنَ الْفِضَّةِ وَكَذَلِكَ الْمِنْطَقَةُ وَاخْتَلَفُوا فِي اللِّجَامِ وَالسَّرْجِ فأباحه بعضهم

كَالسَّيْفِ وَحَرَّمَ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ مِنْ زِينَةِ الدَّابَّةِ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي تَحْلِيَةِ سِكِّينِ الْحَرْبِ وَالْمِقْلَمَةِ بِقَلِيلٍ مِنَ الْفِضَّةِ فَأَمَّا التَّحْلِيَةُ بِالذَّهَبِ فَغَيْرُ مُبَاحٍ فِي جَمِيعِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ (وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ) أَيْ كَمَا رَوَاهُ جَرِيرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ كَذَلِكَ رَوَاهُ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْهُمَا جَمِيعًا فَقَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عاصم قال حدثنا همام وجرير قال حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ نَعْلُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ وَقَبِيعَةُ سَيْفِهِ فِضَّةً وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ حِلَقُ فِضَّةٍ (وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ إِلَخْ) الْمُرَادُ مِنْ بَعْضِهِمْ هُوَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِضَّةً وَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ سَعِيدَ بْنَ أَبِي الْحَسَنِ تَابِعِيٌّ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ أَخُو الْحَسَنِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ اعْلَمْ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ وَالنَّسَائِيَّ وَغَيْرَهُمَا قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ حَدِيثَ هِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ هُوَ الْمَحْفُوظُ فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ أَقْوَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَالْبَاقِيَةُ ضِعَافٌ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بَابُ قَبِيعَةِ سَيْفِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي الدَّارِمِيَّ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ خَالَفَهُ فَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَعَمَ النَّاسُ أَنَّهُ هُوَ الْمَحْفُوظُ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَالصَّوَابُ قَتَادَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَمَا رَوَاهُ عَنْ هَمَّامٍ غَيْرُ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَحْمَدُ حَدِيثُ جَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَتْ قَبِيعَةُ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِضَّةً خَطَأٌ وَالصَّوَابُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ انْتَهَى مَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ مُحَصَّلًا لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ إِنَّ حَدِيثَ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَحْفُوظٌ لِاتِّفَاقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَهَمَّامٍ عَلَى قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ وَاَلَّذِي رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ مُرْسَلًا هُوَ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَهِشَامٌ وَإِنْ كَانَ مُقَدَّمًا فِي أَصْحَابِ قَتَادَةَ فَلَيْسَ هَمَّامٌ وَجَرِيرٌ إِذَا اتَّفَقَا بِدُونِهِ انتهى قلت الظاهر ما قال بن الْقَيِّمِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في الدرع

17 - (باب ما جاء في الدرع) وهو القميص المتخذ من الزرد [1692] قَوْلُهُ (عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ الْقُرَشِيِّ الْأَسَدِيِّ كَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ فِي الْإِسْلَامِ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَوَلِيَ الْخِلَافَةَ تِسْعَ سِنِينَ وَقُتِلَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (كَانَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعَانِ) أَيْ مُبَالَغَةً فِي قَوْلِهِ تَعَالَى خُذُوا حِذْرَكُمْ وَقَوْلُهُ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ فَإِنَّهَا تَشْمَلُ الدِّرْعَ وَإِنْ فَسَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَقْوَى أَفْرَادِهَا حَيْثُ قَالَ ألا إن القوة الرمي قال القارىء وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى جَوَازِ الْمُبَالَغَةِ فِي أَسْبَابِ الْمُجَاهَدَةِ وَأَنَّهُ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ وَالتَّسْلِيمَ بِالْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ الْمُقَدَّرَةِ (يَوْمَ أُحُدٍ) بِضَمَّتَيْنِ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ (فَنَهَضَ) أَيْ قَامَ مُتَوَجِّهًا (إِلَى الصَّخْرَةِ) أَيِ الَّتِي كَانَتْ هُنَاكَ يَسْتَوِي عَلَيْهَا وَيَنْظُرُ إِلَى الْكُفَّارِ وَيُشْرِفُ عَلَى الْأَبْرَارِ (أَوْجَبَ طَلْحَةُ) أَيِ الْجَنَّةَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَثْبَتَهَا لِنَفْسِهِ بِعَمَلِهِ هَذَا أَوْ بِمَا فَعَلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنَّهُ خَاطَرَ بِنَفْسِهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَفَدَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَهَا وِقَايَةً لَهُ حَتَّى طُعِنَ بِبَدَنِهِ وَجُرِحَ جَمِيعُ جَسَدِهِ حَتَّى شُلَّتْ يَدُهُ بِبِضْعٍ وَثَمَانِينَ جِرَاحَةً كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَالسَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ) أَمَّا حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ السَّائِبِ بن يزيد فأخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ دِرْعَانِ قَدْ ظَاهَرَ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ

باب ما جاء في المغفر

18 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمِغْفَرِ) قَالَ فِي القاموس المغفر كمنبر وبهاء وكتابة زَرَدٌ مِنَ الدِّرْعِ يُلْبَسُ تَحْتَ الْقَلَنْسُوَةِ أَوْ حَلَقٌ يَتَقَنَّعُ بِهَا الْمُتَسَلِّحُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ زَرَدٌ بِالتَّحْرِيكِ زرد بافته زراد زرة كر [1693] قَوْلُهُ (عَامَ الْفَتْحِ) أَيْ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ (وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ) زَرَدٌ يُنْسَجُ مِنَ الدُّرُوعِ عَلَى قَدْرِ الرَّأْسِ وَقِيلَ هُوَ رَفْرَفُ الْبَيْضَةِ قَالَ فِي الْمُحْكَمِ وَفِي الْمَشَارِقِ هُوَ مَا يُجْعَلُ مِنْ فَضْلِ دُرُوعِ الْحَدِيدِ عَلَى الرَّأْسِ مِثْلَ الْقَلَنْسُوَةِ وَفِي رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ عَنْ مَالِكٍ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَيْهِ مِغْفَرٌ مِنْ حَدِيدٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْغَرَائِبِ (فَقِيلَ له) أي النبي صلى الله عليه وسلم (بن خَطَلٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ عَبْدُ الْعُزَّى وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنِ اسْمِهِ أَنَّهُ كَانَ يُسَمَّى عَبْدَ الْعُزَّى فَلَمَّا أَسْلَمَ سُمِّيَ عَبْدَ اللَّهِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ هِلَالٌ فَالْتَبَسَ عَلَيْهِ بِأَخٍ لَهُ اسْمُهُ هِلَالٌ انْتَهَى (قَالَ اقتلوه) قال الحافظ والسبب في قتل بن خَطَلٍ وَعَدَمِ دُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ مَنْ دَخَلَ المسجد فهو آمن ما روى بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ قَالَ لَا يُقْتَلُ أَحَدٌ إِلَّا مَنْ قَاتَلَ إِلَّا نَفَرًا سَمَّاهُمْ فَقَالَ اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِ بن خَطَلٍ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَدِّقًا وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى يَخْدُمُهُ وَكَانَ مُسْلِمًا فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَأَمَرَ الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ تَيْسًا وَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا فَنَامَ وَاسْتَيْقَظَ ولم يصنع له شيئا فعدى عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ ارْتَدَّ مُشْرِكًا وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ وَفِي الْجِهَادِ وَفِي الْمَغَازِي وَفِي اللِّبَاسِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْمَنَاسِكِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْجِهَادِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الحج وفي السير وبن مَاجَهْ فِي الْجِهَادِ قَوْلُهُ (لَا نَعْرِفُ كَبِيرَ أَحَدٍ رَوَاهُ غَيْرَ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا

باب ما جاء في فضل الخيول

وَنَقَلَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ بِلَفْظِ لَا يُعْرَفُ كَثِيرُ أَحَدٍ رَوَاهُ غَيْرُ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا سَتَقِفُ قَالَ الْحَافِظُ وَقِيلَ إِنَّ مَالِكًا تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَمِمَّنْ جزم بذلك بن الصَّلَاحِ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ لَهُ فِي الْكَلَامِ عَلَى الشَّاذِّ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْفَضْلِ العراقي بأنه ورد من طريق بن أَخِي الزُّهْرِيِّ وَأَبِي أُوَيْسٍ وَمَعْمَرٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَقَالَ إن رواية بن أَخِي الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَرِوَايَةَ أَبِي أُوَيْسٍ عبد بن سعد وبن عدي وأن رواية معمر ذكرها بن عَدِيٍّ وَأَنَّ رِوَايَةَ الْأَوْزَاعِيِّ ذَكَرَهَا الْمُزَنِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ شَيْخُنَا مَنْ أَخْرَجَ رِوَايَتَهُمَا وَقَدْ وُجِدَتْ رواية معمر في فوائد بن المقرئ وَرِوَايَةُ الْأَوْزَاعِيِّ فِي فَوَائِدِ تَمَّامٍ ثُمَّ نَقَلَ شيخنا عن بن السدي أن بن الْعَرَبِيِّ قَالَ حِينَ قِيلَ لَهُ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا مَالِكٌ قَدْ رَوَيْتُهُ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ طَرِيقًا غَيْرِ طَرِيقِ مَالِكٍ وَإِنَّهُ وَعَدَ بِإِخْرَاجِ ذلك ولم يخرج شيئا وأطال بن السُّدِّيِّ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَأَنْشَدَ فِيهَا شِعْرًا وحاصلها أنهم اتهموا بن الْعَرَبِيِّ فِي ذَلِكَ وَنَسَبُوهُ إِلَى الْمُجَازَفَةِ ثُمَّ شرح بن السُّدِّيِّ يَقْدَحُ فِي أَصْلِ الْقِصَّةِ وَلَمْ يُصِبْ فِي ذَلِكَ فَرَاوِي الْقِصَّةِ عَدْلٌ مُتْقِنٌ وَاَلَّذِينَ اتهموا بن العربي في ذلك هم الذين أخطأوا لِقِلَّةِ اطِّلَاعِهِمْ وَكَأَنَّهُ بَخِلَ عَلَيْهِمْ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ لِمَا ظَهَرَ لَهُ مِنْ إِنْكَارِهِمْ وَتَعَنُّتِهِمْ وَقَدْ تَتَبَّعْتُ طُرُقَهُ حَتَّى وَقَفْتُ عَلَى أَكْثَرَ مِنَ العدد الذي ذكره بن الْعَرَبِيِّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ تِلْكَ الطُّرُقَ الَّتِي وَجَدَهَا ثُمَّ قَالَ فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ أن إطلاق بن الصلاح متعقب وأن قول بن الْعَرَبِيِّ صَحِيحٌ وَأَنَّ كَلَامَ مَنِ اتَّهَمَهُ مَرْدُودٌ وَلَكِنْ لَيْسَ فِي طُرُقِهِ شَيْءٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ إِلَّا طَرِيقُ مَالِكٍ فَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ انْفَرَدَ بِهِ مَالِكٌ أَيْ بِشَرْطِ الصِّحَّةِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ تُوبِعَ أَيْ فِي الْجُمْلَةِ وَعِبَارَةُ التِّرْمِذِيِّ سَالِمَةٌ مِنَ الِاعْتِرَاضِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ كَثِيرُ أَحَدٍ رَوَاهُ غَيْرُ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَوْلُهُ كَثِيرٌ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ تُوبِعَ فِي الْجُمْلَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا 9 - (بَاب مَا جاء في فضل الخيول) [1694] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْثَرُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ (بْنُ الْقَاسِمِ) الزُّبَيْدِيُّ بِالضَّمِّ أَوْ زُبَيْدٌ كَذَلِكَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ عروة البارقي) هو بن الجعد ويقال بن أَبِي الْجَعْدِ وَيُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ عِيَاضٌ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ وَهُوَ أَوَّلُ قَاضٍ بِهَا قَوْلُهُ (الْخَيْرُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ) أَيْ مُلَازِمٌ بِهَا كَأَنَّهُ مَعْقُودٌ فِيهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ والمراد

بِالْخَيْلِ مَا يُتَّخَذُ لِلْغَزْوِ بِأَنْ يُقَاتَلَ عَلَيْهِ أَوْ يَرْتَبِطَ لِأَجْلِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ الْحَدِيثَ وَلِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ قَالَ عِيَاضٌ إِذَا كَانَ فِي نَوَاصِيهَا الْبَرَكَةُ فَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا شُؤْمٌ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشُّؤْمُ فِي غَيْرِ الْخَيْلِ الَّتِي ارْتَبَطَتْ لِلْجِهَادِ وَأَنَّ الْخَيْلَ الَّتِي أُعِدَّتْ لَهُ هِيَ الْمَخْصُوصَةُ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ أَوْ يُقَالُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي ذَاتٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ فَسَّرَ الْخَيْرَ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْفَرَسُ مِمَّا يُتَشَاءَمُ بِهِ انْتَهَى (الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ الْخَيْرُ أَوْ هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرٍ عَنْ حُصَيْنٍ قَالُوا بم ذلك يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْأَجْرُ وَالْمَغْنَمُ قَالَ الطِّيبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخَيْرُ الَّذِي فُسِّرَ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ اسْتِعَارَةً لِظُهُورِهِ وَمُلَازَمَتِهِ وَخَصَّ النَّاصِيَةَ لِرِفْعَةِ قَدْرِهَا وَكَأَنَّهُ شَبَّهَهُ لِظُهُورِهِ بِشَيْءٍ مَحْسُوسٍ مَعْقُودٍ عَلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ فَنُسِبَ الْخَيْرُ إِلَى لَازِمِ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَذَكَرَ النَّاصِيَةَ تَجْدِيدًا لِلِاسْتِعَارَةِ وَالْمُرَادُ بِالنَّاصِيَةِ هُنَا الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ عَلَى الْجَبْهَةِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَنَّى بِالنَّاصِيَةِ عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الْفَرَسِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ مُبَارَكُ النَّاصِيَةِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُبْعِدُهُ لَفْظُ الْحَدِيثِ الثَّالِثِ يَعْنِي حَدِيثَ أَنَسٍ الْبَرَكَةُ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْوِي نَاصِيَةَ فَرَسِهِ بِأُصْبُعِهِ وَيَقُولُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ النَّاصِيَةُ خُصَّتْ بِذَلِكَ لِكَوْنِهَا الْمُقَدَّمَ مِنْهَا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْفَضْلَ فِي الْإِقْدَامِ بِهَا عَلَى الْعَدُوِّ دون المؤخر لما فيه من الاشارة إلا الادبار قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَجَرِيرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَجَابِرٍ) أَمَّا حديث بن عمر فأخرجه مالك وأحمد والشيخان والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَنِ ارْتَبَطَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ الله وأخرجه أيضا مسلم والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّحَاوِيُّ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي شَرْحِ بَابِ الْجِهَادُ مَاضٍ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ

باب ما يستحب من الخيل

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان والنسائي وبن مَاجَهْ وَالطَّحَاوِيُّ قَوْلُهُ (قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَفِقْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْجِهَادَ مَعَ كُلِّ إِمَامٍ) أَيْ بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْجِهَادَ مَاضٍ مَعَ كُلِّ إِمَامٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ الْجِهَادُ مَاضٍ مَعَ الْبَرِّ وَالْفَاجِرِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ الْحَافِظُ سَبَقَهُ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ بَقَاءَ الْخَيْرِ فِي نَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَفَسَّرَهُ بِالْأَجْرِ وَالْمَغْنَمِ وَالْمَغْنَمُ الْمُقْتَرِنُ بِالْأَجْرِ إِنَّمَا يَكُونُ مِنَ الْخَيْلِ بِالْجِهَادِ وَلَمْ يُقَيَّدْ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ الْإِمَامُ عَادِلًا فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا فَرْقَ فِي حُصُولِ هَذَا الْفَضْلِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْغَزْوُ مَعَ الامام العادل والجائر انتهى 0 - (باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْخَيْلِ) [1695] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عَبَّاسٍ الْهَاشِمِيُّ الْحِجَازِيُّ ثُمَّ الْبَغْدَادِيُّ صَدُوقٌ مُقِلٌّ كَانَ مُعْتَزِلًا لِلسُّلْطَانِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (يُمْنُ الْخَيْلِ) أَيْ بَرَكَتُهَا (فِي الشُّقْرِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ جَمْعُ أَشْقَرَ وَهُوَ أَحْمَرُ قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ الشُّقْرَةُ لَوْنُ الْأَشْقَرِ وَهِيَ فِي الْإِنْسَانِ حُمْرَةٌ صَافِيَةٌ وَبَشَرَتُهُ مَائِلَةٌ إِلَى الْبَيَاضِ وَفِي الْخَيْلِ حُمْرَةٌ صَافِيَةٌ يَحْمَرُّ مَعَهَا الْعَرْفُ وَالذَّنَبُ فَإِنِ اسْوَدَّا فهو الكميت

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ [1696] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ مُوسَى أَبُو الْعَبَّاسِ السِّمْسَارُ الْمَعْرُوفُ بِمَرْدَوَيْهِ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ) بْنِ قَصِيرٍ ضِدُّ الطَّوِيلِ اللَّخْمِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ عُلَيٌّ بِالتَّصْغِيرِ وَكَانَ يَغْضَبُ مِنْهَا مِنْ صِغَارِ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (خَيْرُ الْخَيْلِ الْأَدْهَمُ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الْأَدْهَمُ الَّذِي يَشْتَدُّ سَوَادُهُ وَقَوْلُهُ (الْأَقْرَحُ) الَّذِي فِي وَجْهِهِ الْقُرْحَةُ بِالضَّمِّ وَهِيَ مَا دُونَ الْغُرَّةِ يَعْنِي فِيهِ بَيَاضٌ يَسِيرٌ وَلَوْ قَدْرَ درهم (الأرثم) بالمثلثة أَيْ فِي جَحْفَلَتِهِ الْعُلْيَا بَيَاضٌ يَعْنِي أَنَّهُ الْأَبْيَضُ الشَّفَةِ الْعُلْيَا وَقِيلَ الْأَبْيَضُ الْأَنْفِ قَالَهُ القارىء وَالْجَحْفَلَةُ بِمَنْزِلَةِ الشَّفَةِ لِلْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ (ثُمَّ) أي بعد ما ذَكَرَ مِنَ الْأَوْصَافِ الْمُجْتَمِعَةِ فِي الْفَرَسِ (الْأَقْرَحُ الْمُحَجَّلُ) التَّحْجِيلُ بَيَاضٌ فِي قَوَائِمِ الْفَرَسِ أَوْ فِي ثَلَاثٍ مِنْهَا أَوْ فِي رِجْلَيْهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بَعْدَ أَنْ يُجَاوِزَ الْأَرْسَاغَ وَلَا يُجَاوِزُ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْعُرْقُوبَيْنِ (طُلُقُ الْيَمِينِ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَاللَّامِ وَيُسَكَّنُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي إِحْدَى قَوَائِمِهَا تَحْجِيلٌ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ) أَيِ الْفَرَسُ (أَدْهَمَ) أَيْ أَسْوَدَ مِنَ الدُّهْمَةِ وَهِيَ السَّوَادُ على مافي الْقَامُوسِ (فَكُمَيْتٌ) بِالتَّصْغِيرِ أَيْ بِأُذُنَيْهِ وَعُرْفِهِ سَوَادٌ وَالْبَاقِي أَحْمَرُ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الْكُمَيْتُ مِنَ الْخَيْلِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالْمَصْدَرُ الْكُمَيْتَةُ وَهِيَ حُمْرَةٌ يَدْخُلُهَا فَتْرَةٌ وَقَالَ الْخَلِيلُ إِنَّمَا صُغِّرَ لِأَنَّهُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ لَمْ يَخْلُصْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَأَرَادُوا بِالتَّصْغِيرِ أَنَّهُ قَرِيبٌ مِنْهُمَا (عَلَى هَذِهِ الشِّيَةِ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ أَيِ الْعَلَامَةِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ كُلُّ لَوْنٍ يُخَالِفُ مُعْظَمَ لَوْنِ الْفَرَسِ وَغَيْرَهُ وَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنِ الْوَاوِ الذَّاهِبَةِ مِنْ أَوَّلِهِ وَهَمْزُهَا لَحْنٌ وَهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَقْرَحِ الْأَرْثَمِ ثُمَّ الْمُحَجَّلِ طُلُقِ الْيَمِينِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن ماجه والدارمي والحاكم

باب ما يكره من الخيل

21 - (باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الْخَيْلِ) [1698] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ أَخُو حُصَيْنٍ قِيلَ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ الرَّحِيمِ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ لَهُ عِنْدَهُمْ حَدِيثٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (أَنَّهُ كَرِهَ الشِّكَالَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (فِي الْخَيْلِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنَ الْخَيْلِ وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ وَالشِّكَالُ أَنْ يَكُونَ الْفَرَسُ فِي رِجْلِهِ الْيُمْنَى بَيَاضٌ وَفِي يَدِهِ الْيُسْرَى وَيَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلِهِ الْيُسْرَى قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الشِّكَالِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجُمْهُورُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبُ هُوَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ ثَلَاثُ قَوَائِمَ مُحَجَّلَةٌ وَوَاحِدَةٌ مُطْلَقَةٌ تَشْبِيهًا بِالشِّكَالِ الَّذِي يُشْكِلُ بِهِ الْخَيْلُ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي ثَلَاثِ قَوَائِمَ غَالِبًا قَالَ أَبُو عَبِيدٍ وَقَدْ يَكُونُ الشِّكَالُ ثَلَاثَ قَوَائِمَ مُطْلَقَةً وَوَاحِدَةً مُحَجَّلَةً قَالَ وَلَا يَكُونُ الْمُطْلَقَةُ مِنَ الْأَرْجُلِ أَوِ الْمُحَجَّلَةُ إِلَّا الرِّجْلَ قَالَ بن دُرَيْدٍ الشِّكَالُ أَنْ يَكُونَ مُحَجَّلَةً مِنْ شِقٍّ وَاحِدٍ فِي يَدِهِ وَرِجْلِهِ فَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا قِيلَ الشِّكَالُ مُخَالِفٌ قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمُطَرِّزُ قِيلَ الشِّكَالُ بَيَاضُ الرِّجْلِ الْيُمْنَى وَالْيَدِ الْيُمْنَى وَقِيلَ بَيَاضُ الرِّجْلِ الْيُسْرَى وَالْيَدِ الْيُسْرَى وَقِيلَ بَيَاضُ الْيَدَيْنِ وَقِيلَ بَيَاضُ الرِّجْلَيْنِ وَقِيلَ بَيَاضُ الرِّجْلَيْنِ وَيَدٍ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ بَيَاضُ الْيَدَيْنِ وَرِجْلٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّهُ عَلَى صُورَةِ الْمَشْكُولِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَدْ جُرِّبَ ذَلِكَ الْجِنْسُ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ نَجَابَةٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِذَا كَانَ مَعَ ذَلِكَ أَغَرَّ زَالَتِ الْكَرَاهَةُ لِزَوَالِ شَبَهِ الشِّكَالِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ (وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَثْعَمِيِّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ فِي شِكَالِ الْخَيْلِ قَالَ أَحْمَدُ صَوَابُهُ سَلْمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَخْطَأَ شُعْبَةُ فِي اسْمِهِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ الْمُؤَلِّفُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ

باب ما جاء في الرهان والسبق

أحمد عن أبيه شعبة يخطىء فِي هَذَا يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ وَإِنَّمَا هُوَ سَلْمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّخَعِيُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ) حَافِظٌ ضعيف وكان بن مَعِينٍ حَسَنَ الرَّأْيِ فِيهِ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا جرير) هو بن عَبْدِ الْحَمِيدِ قَوْلُهُ (فَمَا خَرَمَ) مِنْ بَابِ ضرب أي ما نقص يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرِّهَانِ وَالسَّبَقِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرِّهَانُ وَالْمُرَاهَنَةُ الْمُخَاطَرَةُ وَالْمُسَابَقَةُ عَلَى الْخَيْلِ [1699] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَزِيرِ) بْنُ قَيْسٍ الْعَبْدِيُّ الْوَاسِطِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (أَجْرَى الْمُضَمَّرَ) الْإِضْمَارُ وَالتَّضْمِيرُ أَنْ تَعْلِفَ الْخَيْلَ حَتَّى تَسْمَنَ وَتَقْوَى ثُمَّ يُقَلَّلُ عَلَفُهَا بَعْدُ بِقَدْرِ الْقُوتِ وَتُدْخَلُ بَيْتًا وَتُغَشَّى بِالْجِلَالِ حَتَّى تَحْمَى فَتَعْرَقَ فَإِذَا جَفَّ عَرَقُهَا خَفَّ لَحْمُهَا وَقَوِيَتْ عَلَى الْجَرْيِ (مِنَ الْحَفْيَاءِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ وَمَدٌّ مَكَانٌ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَيَجُوزُ الْقَصْرُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ سَابَقَ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ أَجْرَى (إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ) مَكَانٌ آخَرُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَأُضِيفَ الثَّنِيَّةُ إِلَى الْوَدَاعِ لِأَنَّهَا مَوْضِعُ التَّوْدِيعِ (إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ اسْمُ رَجُلٍ (وَبَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الثَّنِيَّةِ وَالْمَسْجِدِ (مِيلٌ) إِنَّمَا جَعَلَ غَايَةَ الْمُضَمَّرَةِ أَبْعَدَ لِكَوْنِهَا أَقْوَى (فَوَثَبَ بِي فَرَسِي جِدَارًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَجِئْت سَابِقًا فطفف بي

الْفَرَسُ الْمَسْجِدَ قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ عَلَا وَوَثَبَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَكَانَ جِدَارُهُ قَصِيرًا وَهَذَا بَعْدَ مُجَاوَزَتِهِ الْغَايَةِ لِأَنَّ الْغَايَةَ هِيَ هَذَا الْمَسْجِدُ وَهُوَ مَسْجِدُ بَنِي زُرَيْقٍ انْتَهَى وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الْمُسَابَقَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْعَبَثِ بَلْ مِنَ الرِّيَاضَةِ الْمَحْمُودَةِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى تَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ فِي الْغَزْوِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الِاسْتِحْبَابِ وَالْإِبَاحَةِ بِحَسَبِ الْبَاعِثِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا مِنَ الدَّوَابِّ عَلَى الْأَقْدَامِ وَكَذَا التَّرَامِي بِالسِّهَامِ وَاسْتِعْمَالِ الْأَسْلِحَةِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّدْرِيبِ عَلَى الْحَرْبِ وَفِيهِ جَوَازُ إِضْمَارِ الْخَيْلِ وَلَا يَخْفَى اخْتِصَاصُ اسْتِحْبَابِهَا بِالْخَيْلِ الْمُعَدَّةِ لِلْغَزْوِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْإِعْلَامِ بِالِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ عِنْدَ الْمُسَابَقَةِ تَنْبِيهٌ لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِلْمُرَاهَنَةِ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ تَرْجَمَ التِّرْمِذِيُّ لَهُ بَابَ الْمُرَاهَنَةِ عَلَى الْخَيْلِ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمُكَبَّرِ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَرَاهَنَ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الْمُسَابَقَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَكِنْ قَصَرَهَا مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عَلَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ وَالنَّصْلِ وَخَصَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالْخَيْلِ وَأَجَازَهُ عَطَاءٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهَا بِعِوَضٍ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْمُتَسَابِقِينَ كَالْإِمَامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ لَهُ مَعَهُمْ فَرَسٌ وَجَوَّزَ الْجُمْهُورُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مِنَ الْمُتَسَابِقِينَ وَكَذَا إِذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ مُحَلَّلٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُخْرِجَ مِنْ عِنْدِهِ شَيْئًا لِيُخْرِجَ الْعَقْدَ عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ كُلٌّ مِنْهُمَا سَبَقًا فَمَنْ غَلَبَ أَخَذَ السَّبَقَيْنِ فَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْعِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ فِي الْمُحَلَّلِ أَنْ يَكُونَ لَا يَتَحَقَّقُ السَّبَقُ فِي مَجْلِسِ السَّبَقِ قُلْتُ وَيَدُلُّ عَلَى قَوْلِهِ وَكَذَا إِذَا كَانَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ مُحَلِّلٌ إِلَخْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَيْنَ فَرَسَيْنِ فَإِنْ كَانَ يُؤْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَا خَيْرَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَسْبِقَ فَلَا بَأْسَ بِهِ رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ الْمُظْهِرُ اعْلَمْ أَنَّ الْمُحَلِّلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى فَرَسٍ مثل فر الْمُخْرِجَيْنِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فَرَسَيْهِمَا فِي الْعَدْوِ فَإِنْ كَانَ فَرَسُ الْمُحَلِّلِ جَوَادًا بِحَيْثُ يَعْلَمُ الْمُحَلِّلُ أَنَّ فَرَسَيِ الْمُخْرِجَيْنِ لَا يَسْبِقَانِ فَرَسَهُ لَمْ يَجُزْ بَلْ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ يَسْبِقُ فَرَسَيِ الْمُخْرِجَيْنِ يَقِينًا أَوْ أَنَّهُ يَكُونُ مَسْبُوقًا جَازَ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ ثُمَّ فِي الْمُسَابَقَةِ إِنْ كَانَ الْمَالُ مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ أَوْ مِنْ جِهَةِ وَاحِدٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ شَرَطَ لِلسَّابِقِ مِنَ الْفَارِسَيْنِ مَالًا مَعْلُومًا فَجَائِزٌ وَإِذَا سَبَقَ اسْتَحَقَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْفَارِسَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ إِنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا وَإِنْ سَبَقْتُكَ فَلَا شَيْءَ لِي عَلَيْكَ فَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا فَإِذَا سَبَقَ اسْتَحَقَّ الْمَشْرُوطَ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ مِنْ جِهَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ إِنْ سَبَقْتُكَ فَلِي عَلَيْكَ كَذَا وَإِنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا فَهَذَا لَا

يَجُوزُ إِلَّا بِمُحَلِّلٍ يَدْخُلُ بَيْنَهُمَا إِنْ سَبَقَ الْمُحَلِّلُ أَخَذَ السَّبَقَيْنِ وَإِنْ سُبِقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَسُمِّيَ مُحَلِّلًا لِأَنَّهُ مُحَلِّلٌ لِلسَّابِقِ أَخْذَ الْمَالِ فَبِالْمُحَلِّلِ يَخْرُجُ الْعَقْدُ عَنْ أَنْ يَكُونَ قِمَارًا لِأَنَّ الْقِمَارَ يَكُونُ الرَّجُلُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الْغُنْمِ وَالْغُرْمِ فَإِذَا دَخَلَ بَيْنَهُمَا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ إِذَا جَاءَ الْمُحَلِّلُ أو لا ثُمَّ جَاءَ الْمُسْتَبِقَانِ مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ أَخَذَ الْمُحَلِّلُ السَّبَقَيْنِ وَإِنْ جَاءَ الْمُسْتَبِقَانِ مَعًا ثُمَّ الْمُحَلِّلُ فَلَا شَيْءَ لِأَحَدٍ وَإِنْ جَاءَ أَحَدُ الْمُسْتَبِقَيْنِ أَوَّلًا ثُمَّ الْمُحَلِّلُ وَالْمُسْتَبِقُ الثَّانِي إِمَّا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ أَحْرَزَ السَّابِقُ سَبَقَهُ وَأَخَذَ سَبَقَ الْمُسْتَبِقِ الثَّانِي وَإِنْ جَاءَ الْمُحَلِّلُ وَأَحَدُ الْمُسْتَبِقَيْنِ مَعًا ثُمَّ جَاءَ الثَّانِي مُصَلِّيًا أَخَذَ السَّابِقَانِ سَبَقَهُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وبن ماجه وبن حبان والبيهقي ومن حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَابَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَبَقْتُهُ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ هَذِهِ بِتِلْكَ قَالَ الْحَافِظُ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى هِشَامٍ فَقِيلَ هَكَذَا وَقِيلَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَقِيلَ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [1700] قَوْلُهُ (عَنْ نَافِعِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ) الْبَزَّارِ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (لَا سَبَقَ) بِفَتْحَتَيْنِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ مَا يُجْعَلُ مِنَ الْمَالِ رَهْنًا عَلَى الْمُسَابَقَةِ وَبِالسُّكُونِ مَصْدَرُ سَبَقْتُ أَسْبِقُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الرِّوَايَةُ الْفَصِيحَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْمَعْنَى لَا يَحِلُّ أَخْذُ الْمَالِ بِالْمُسَابَقَةِ (إِلَّا فِي نَصْلٍ) أَيْ لِلسَّهْمِ (أَوْ خُفٍّ) أَيْ لِلْبَعِيرِ (أَوْ حَافِرٍ) أَيْ لِلْخَيْلِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ تَقْدِيرٍ أَيْ ذِي نَصْلٍ وَذِي خُفٍّ وذي حافر وقال بن الْمَلَكِ الْمُرَادُ ذُو نَصْلٍ كَالسَّهْمِ وَذُو خُفٍّ كَالْإِبِلِ وَالْفِيلِ وَذُو حَافِرٍ كَالْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ أَيْ لَا يَحِلُّ أَخْذُ الْمَالِ بِالْمُسَابَقَةِ إِلَّا فِي أَحَدِهَا وَأَلْحَقَ بَعْضٌ بِهَا الْمُسَابَقَةَ بِالْأَقْدَامِ وَبَعْضٌ الْمُسَابَقَةَ بِالْأَحْجَارِ وَفِي شَرْحِ

باب ما جاء في كراهية أن ينزى الحمر على الخيل

السُّنَّةِ وَيَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْخَيْلِ الْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَفِي مَعْنَى الْإِبِلِ الْفِيلُ قِيلَ لِأَنَّهُ أَغْنَى مِنَ الْإِبِلِ فِي الْقِتَالِ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمُ الشَّدَّ عَلَى الْأَقْدَامِ وَالْمُسَابَقَةَ عَلَيْهَا وَفِيهِ إِبَاحَةُ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى الْمُنَاضَلَةِ لِمَنْ نَضَلَ وَعَلَى الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ لِمَنْ سَبَقَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّهَا عُدَّةٌ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ وَفِي بَذْلِ الْجُعْلِ عَلَيْهَا تَرْغِيبٌ فِي الْجِهَادِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَيْسَ بِرِهَانِ الْخَيْلِ بَأْسٌ إِذَا أُدْخِلَ فِيهَا مُحَلِّلٌ وَالسِّبَاقُ بِالطَّيْرِ وَالرِّجْلِ وَبِالْحَمَامِ وَمَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَاهَا مِمَّا لَيْسَ مِنْ عُدَّةِ الْحَرْبِ وَلَا مِنْ بَابِ الْقُوَّةِ عَلَى الْجِهَادِ فَأَخْذُ الْمَالِ عَلَيْهِ قمار محظور وسئل بن الْمُسَيِّبِ عَنِ الدَّحْوِ بِالْحِجَارَةِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ يُقَالُ فُلَانٌ يَدْحُو بِالْحِجَارَةِ أَيْ يَرْمِي بِهَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السنن والشافعي والحاكم من طرق وصححه بن القطان وبن دَقِيقِ الْعِيدِ وَأَعَلَّ الدَّارَقُطْنِيُّ بَعْضَهَا بِالْوَقْفِ وَرَوَاهُ الطبراني وأبو الشيخ من حديث بن عَبَّاسٍ انْتَهَى 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ ينزى الْحُمُرُ عَلَى الْخَيْلِ) [1701] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَالِمٍ أَبُو جَهْضَمٍ) مَوْلَى آلِ الْعَبَّاسِ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدًا مَأْمُورًا) أَيْ بِأَوَامِرِهِ مَنْهِيًّا عَنْ نَوَاهِيهِ أَوْ مَأْمُورًا بِأَنْ يَأْمُرَ أُمَّتَهُ بِشَيْءٍ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ شَيْءٍ كَذَا قِيلَ وَقَالَ الْقَاضِي أَيْ مِطْوَاعًا غَيْرَ مُسْتَبِدٍّ فِي الْحُكْمِ وَلَا حَاكِمَ بِمُقْتَضَى مَيْلِهِ وَتَشَهِّيهِ حَتَّى يَخُصَّ مَنْ شَاءَ بِمَا شَاءَ مِنَ الْأَحْكَامِ انْتَهَى وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ عُمُومًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ ربك الْآيَةَ (مَا اخْتَصَّنَا) أَيْ أَهْلَ الْبَيْتِ يُرِيدُ بِهِ نَفْسَهُ وَسَائِرَ أَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ (دُونَ الناس) أي متجاوزا عنهم (إلا بثلاث) أَيْ مَا اخْتَصَّنَا بِحُكْمٍ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ عَلَى سَائِرِ أُمَّتِهِ وَلَمْ يَأْمُرْنَا بِشَيْءٍ لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِهِ انْتَهَى إِلَّا بِثَلَاثِ خِصَالٍ (أَمَرَنَا أَنْ نُسْبِغَ الْوُضُوءَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ نَسْتَوْعِبُ مَاءَهُ أَوْ نُكَمِّلَ

أَعْضَاءَهُ قَالَ فِي الْمُغْرِبِ أَيْ وُجُوبًا لِأَنَّ إِسْبَاغَ الْوُضُوءِ مُسْتَحَبٌّ لِلْكُلِّ (وَأَنْ لَا نُنْزِيَ حِمَارًا عَلَى فَرَسٍ) مِنْ أَنْزَى الْحُمُرَ عَلَى الْخَيْلِ حَمَلَهَا عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ كَانَ هَذَا نَهْيَ تَحْرِيمٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ وَقَالَ الْقَاضِي الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ أَمَرَنَا إِلَخْ تَفْصِيلٌ لِلْخِصَالِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ أَمْرَ إِيجَابٍ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِيهِ اخْتِصَاصٌ لِأَنَّ إِسْبَاغَ الْوُضُوءِ مَنْدُوبٌ عَلَى غَيْرِهِمْ وَإِنْزَاءُ الْحِمَارِ عَلَى الْفَرَسِ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَالسَّبَبُ فِيهِ قَطْعُ النَّسْلِ وَاسْتِبْدَالُ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَإِنَّ الْبَغْلَةَ لَا تَصْلُحُ لِلْكَرِّ وَالْفَرِّ ولذلك لا سهم لها فِي الْغَنِيمَةِ وَلَا سَبَقَ فِيهَا عَلَى وَجْهٍ وَلِأَنَّهُ عُلِّقَ بِأَنْ لَا يَأْكُلَ الصَّدَقَةَ وَهُوَ وَاجِبٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَرِينَةً أَيْضًا كَذَلِكَ وَإِلَّا لَزِمَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ فِي مَعْنَيَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُفَسَّرَ الصَّدَقَةُ بِالتَّطَوُّعِ أَوِ الْأَمْرُ بِالْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اخْتَصَّنَا بِشَيْءٍ إِلَّا بِمَزِيدِ الْحَثِّ وَالْمُبَالَغَةِ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ بَلِيغٌ عَلَى الشِّيعَةِ حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَصَّ أَهْلَ الْبَيْتِ بِعُلُومٍ مَخْصُوصَةٍ وَنَظِيرُهُ مَا صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ سُئِلَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ والذي خلق الجنة وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فَهْمًا يُعْطَى الرَّجُلُ فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ الْحَدِيثَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شرح الاثار بعد رواية حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ مَا لَفْظُهُ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى هَذَا فَكَرِهُوا إِنْزَاءَ الْحُمُرِ عَلَى الْخَيْلِ وَحَرَّمُوا ذَلِكَ وَمَنَعُوا مِنْهُ وَاحْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآثَارِ وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ آخَرُونَ فَلَمْ يَرَوْا بِذَلِكَ بَأْسًا وَكَانَ مِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا لَكَانَ رُكُوبُ الْبِغَالِ مَكْرُوهًا لِأَنَّهُ لَوْلَا رَغْبَةُ النَّاسِ فِي الْبِغَالِ وَرُكُوبُهُمْ إِيَّاهَا لَمَا أَنُزِئَتِ الْحُمُرُ عَلَى الْخَيْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا نَهَى عَنْ إِخْصَاءِ بَنِي آدَمَ كَرِهَ بِذَلِكَ الْخِصْيَانَ لِأَنَّ فِي اتِّخَاذِهِمْ مَا يَحْمِلُ مِنْ تَحْضِيضِهِمْ عَلَى إِخْصَائِهِمْ لِأَنَّ النَّاسَ إِذَا تَحَامَوُا اتِّخَاذَهُمْ لَمْ يَرْغَبْ أَهْلُ الْفِسْقِ فِي إِخْصَائِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ بِسَنَدِهِ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عِيسَى الذَّهَبِيِّ أَنَّهُ قَالَ أُتِيَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِخَصِيٍّ فَكَرِهَ أَنْ يَبْتَاعَهُ وَقَالَ مَا كُنْتُ لِأُعِينَ عَلَى الْإِخْصَاءِ فَكُلُّ شَيْءٍ فِي تَرْكِ كَسْبِهِ تَرْكٌ لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَعَاصِي لِمَعْصِيَتِهِمْ فَلَا يَنْبَغِي كَسْبُهُ فَلَمَّا أُجْمِعَ عَلَى إِبَاحَةِ اتِّخَاذِ الْبِغَالِ وَرُكُوبِهَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ الَّذِي فِي الْآثَارِ الْأُوَلِ لَمْ يُرَدْ بِهِ التَّحْرِيمُ وَلَكِنَّهُ أُرِيدَ بِهِ مَعْنًى آخَرُ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ رُكُوبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْبِغَالِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ قِيلَ لَهُ قَدْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَيْلَ قَدْ جَاءَ فِي ارْتِبَاطِهَا واكتسابها وعلفها

الْأَجْرُ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْبِغَالِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَنْزُو فَرَسٌ عَلَى فَرَسٍ حَتَّى يَكُونَ عَنْهُمَا مَا فِيهِ الْأَجْرُ وَيَحْمِلُ حِمَارًا عَلَى فَرَسٍ فَيَكُونُ عَنْهُمَا بغل لا أجر فيه الذين لَا يَعْلَمُونَ أَيْ لِأَنَّهُمْ يَتْرُكُونَ بِذَلِكَ إِنْتَاجَ مَا فِي ارْتِبَاطِهِ الْأَجْرُ وَيُنْتِجُونَ مَا لَا أَجْرَ فِي ارْتِبَاطِهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَحَادِيثَ فَضْلِ ارْتِبَاطِ الْخَيْلِ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَمَا مَعْنَى اخْتِصَاصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي هَاشِمٍ بِالنَّهْيِ عَنْ إِنْزَاءِ الْحَمِيرِ على الخيل قيل له لما حدثنا بن أَبِي دَاوُدَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ قال حدثنا المرجي هو بن رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو جَهْضَمٍ قَالَ حَدَّثَنِي عبيد الله بن عبد الله عن بن عَبَّاسٍ قَالَ مَا اخْتَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا بِثَلَاثٍ أَنْ لَا نَأْكُلَ الصَّدَقَةَ وَأَنْ نُسْبِغَ الْوُضُوءَ وَأَنْ لَا نُنْزِيَ حِمَارًا عَلَى فَرَسٍ قَالَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ صَدَقَ كَانَتِ الْخَيْلُ قَلِيلَةً فِي بَنِي هَاشِمٍ فَأَحَبَّ أَنْ تَكْثُرَ فِيهِمْ فَبَيَّنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بِتَفْسِيرِهِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ اخْتَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا تَنْزَءُوا الْحِمَارَ عَلَى فَرَسٍ وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلتَّحْرِيمِ وَإِنَّمَا كَانَتِ الْعِلَّةُ قِلَّةَ الْخَيْلِ فِيهِمْ فَإِذَا ارْتَفَعَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ وَكَثُرَتِ الْخَيْلُ فِي أَيْدِيهِمْ صَارُوا فِي ذَلِكَ كَغَيْرِهِمْ وَفِي اخْتِصَاصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ بِالنَّهْيِ عِنْدَ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَتِهِ إِيَّاهُ لِغَيْرِهِمْ وَلَمَّا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَعَلَ فِي ارْتِبَاطِ الْخَيْلِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الثَّوَابِ وَالْأَجْرِ وَسُئِلَ عَنِ ارْتِبَاطِ الْحَمِيرِ فَلَمْ يَجْعَلْ فِي ارْتِبَاطِهَا شَيْئًا وَالْبِغَالُ الَّتِي هِيَ خِلَافُ الْخَيْلِ مِثْلُهَا كَانَ مَنْ تَرَكَ أَنْ تُنْتَجَ مَا فِي ارْتِبَاطِهِ وَكَسْبِهِ ثَوَابٌ وَأَنْتَجَ مَا لَا ثَوَابَ فِي ارْتِبَاطِهِ وَكَسْبِهِ مِنَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ فَلَقَدْ ثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا إِبَاحَةُ نَتْجِ الْبِغَالِ لِبَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ وَإِنْ كَانَ إِنْتَاجُ الْخَيْلِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ انْتَهَى كَلَامُ الطَّحَاوِيِّ مُخْتَصَرًا قُلْتُ فِي كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ هَذَا أَنْظَارٌ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ قَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّ الْإِنْزَاءَ غَيْرُ جَائِزٍ وَالرُّكُوبَ وَالتَّزَيُّنَ بِهِ جَائِزٌ إِنْ كَانَ كَالصُّوَرِ فَإِنَّ عَمَلَهَا حَرَامٌ وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْفُرُشِ وَالْبُسُطِ مُبَاحٌ قُلْتُ وَكَذَا تَخْلِيلُ الْخَمْرِ حَرَامٌ وَأَكْلُ خَلِّ الْخَمْرِ جَائِزٌ عَلَى رَأْيِ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْهُ قَالَ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةٌ فَرَكِبَهَا فَقَالَ عَلِيٌّ لَوْ حَمَلْنَا الْحَمِيرَ عَلَى الْخَيْلِ فَكَانَتْ لَنَا مِثْلُ هَذِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ

باب ما جاء في الاستفتاح بصعاليك المسلمين

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ بِصَعَالِيكِ الْمُسْلِمِينَ) الصَّعَالِيكُ جَمْعُ صُعْلُوكٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالصُّعْلُوكُ كَعُصْفُورٍ الْفَقِيرُ وَتَصَعْلَكَ افْتَقَرَ وَالْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِفْتَاحِ بِهِمُ الِاسْتِنْصَارُ بِهِمْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أَسِيدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَفْتِحُ بِصَعَالِيكِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ وَهُوَ مُرْسَلٌ وَفِي رِوَايَةٍ يَسْتَنْصِرُ بِصَعَالِيكِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلُهُ يَسْتَنْصِرُ بِصَعَالِيكِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ يَطْلُبُ النَّصْرَ بِدُعَاءِ فُقَرَائِهِمْ تَيَمُّنًا بِهِمْ وَلِأَنَّهُمْ لانكسار خواطرهم دعاءهم أَقْرَبُ إِجَابَةً وَرَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بِلَفْظِ كان يستفتح بصعاليك المهاجرين قال القارىء أَيْ بِفُقَرَائِهِمْ وَبِبَرَكَةِ دُعَائِهِمْ وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ يَسْتَنْصِرُ بِهِمْ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فقد جاءكم الفتح قال القارىء وَلَعَلَّ وَجْهَ التَّقْيِيدِ بِالْمُهَاجِرِينَ لِأَنَّهُمْ فُقَرَاءُ غُرَبَاءُ مَظْلُومُونَ مُجْتَهِدُونَ مُجَاهِدُونَ فَيُرْجَى تَأْثِيرُ دُعَائِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ عَوَامِّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَغْنِيَائِهِمُ انْتَهَى [1702] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ) الْأَزْدِيُّ أَبُو عُتْبَةَ الشَّامِيُّ الدَّارَانِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْطَاةَ) الْفَزَارِيُّ الدِّمَشْقِيُّ أَخُو عَدِيٍّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (اِبْغُونِي) قَالَ الطِّيبِيُّ بِهَمْزَةِ الْقَطْعِ وَالْوَصْلِ يُقَالُ بَغَى يَبْغِي بُغَاءً إِذَا طَلَبَ وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ مُخَالَطَةِ الْأَغْنِيَاءِ وَتَعْلِيمٌ مِنْهُ انْتَهَى

باب ما جاء في الأجراس على الخيل

قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ قَالَ فِي القاموس بغيت الشيء أبغيه بغأ وَبُغَاءً وَبُغْيَةً بِضَمِّهِنَّ وَبِغْيَةً بِالْكَسْرِ طَلَبْتُهُ كَابْتَغَيْتُهُ وَتَبَغَّيْتُهُ وَاسْتَبْغَيْتُهُ انْتَهَى وَأَمَّا بِهَمْزَةِ الْقَطْعِ فَلَا يناسب ها هنا قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَبَغَاهُ الشَّيْءَ طَلَبَهُ لَهُ وَأَعَانَهُ عَلَى طَلَبِهِ (فِي ضُعَفَائِكُمْ) أَيْ فُقَرَائِكُمْ (فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (تُنْصَرُونَ) أَيْ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَهَذَا أَيْضًا بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِضُعَفَائِكُمْ) أَيْ بِسَبَبِهِمْ أَوْ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 5 - (بَاب ما جاء في الْأَجْرَاسِ عَلَى الْخَيْلِ) الْأَجْرَاسُ جَمْعُ جَرَسٍ بِالتَّحْرِيكِ وَهُوَ الَّذِي يُعَلَّقُ فِي عُنُقِ الْبَعِيرِ وَاَلَّذِي يُضْرَبُ بِهِ أَيْضًا كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ فِيهِ حَدِيثُ لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جَرَسٌ هُوَ الْجُلْجُلُ الَّذِي يُعَلَّقُ عَلَى الدَّوَابِّ قِيلَ إِنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَصْحَابِهِ بِصَوْتِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُحِبُّ أَنْ لَا يَعْلَمَ الْعَدُوُّ بِهِ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ فَجْأَةً وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ انْتَهَى [1703] قَوْلُهُ (لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ) أَيْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ لَا الْحَفَظَةُ (رُفْقَةً) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ جَمَاعَةً تَرَافَقُوا وَهِيَ مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا (فِيهَا كَلْبٌ) أَيْ لِغَيْرِ الصَّيْدِ وَالْحِرَاسَةِ (وَلَا جَرَسٌ) بِزِيَادَةِ لَا لِلتَّأْكِيدِ قَالَ الطِّيبِيُّ جَازَ عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ فِيهَا كَلْبٌ وَإِنْ كَانَ مُثْبَتًا لِأَنَّهُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فِي الْمُغْرِبِ الْجَرَسُ بِفَتْحَتَيْنِ مَا يُعَلَّقُ بِعُنُقِ الدَّابَّةِ وَغَيْرُهُ فَيُصَوِّتُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَسَبَبُ الْحِكْمَةِ فِي عَدَمِ مُصَاحَبَةِ الْمَلَائِكَةِ مَعَ الْجَرَسِ أَنَّهُ شَبِيهٌ بِالنَّوَاقِيسِ أَوْ لِأَنَّهُ مِنَ الْمَعَالِيقِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِكَرَاهَةِ صَوْتِهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُتَقَدِّمِي عُلَمَاءِ الشَّامِ يُكْرَهُ الْجَرَسُ الْكَبِيرُ دُونَ الصَّغِيرِ انْتَهَى قُلْتُ لَفْظُ الْحَدِيثِ مُطْلَقٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ جَرَسٍ كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا فالتقييد بالجرس

باب ما جاء من يستعمل على الحرب

الْكَبِيرِ يَحْتَاجُ إِلَى الدَّلِيلِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَا أَنْبَأَنَا حَجَّاجٌ عَنِ بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ أَنَّ عَامِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ سَهْلِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَوْلَاةً لَهُمْ ذَهَبَتْ بِابْنَةِ الزُّبَيْرِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفِي رِجْلِهَا أَجْرَاسٌ فَقَطَعَهَا عُمَرُ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ إِنَّ مَعَ كُلِّ جَرَسٍ شَيْطَانًا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ مَوْلَاةٌ لَهُمْ مَجْهُولَةٌ وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ انْتَهَى وَرَوَى أَيْضًا عَنْ بُنَانَةَ مَوْلَاةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَيَّانَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ بَيْنَمَا هِيَ عِنْدَهَا إِذْ دُخِلَ عَلَيْهَا بِجَارِيَةٍ وَعَلَيْهَا جَلَاجِلُ يُصَوِّتْنَ فَقَالَتْ لَا تُدْخِلْنَهَا عَلَيَّ إِلَّا أَنْ تَقْطَعُوا جَلَاجِلَهَا وَقَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَلَفْظُ حَدِيثِ عُمَرَ آنِفًا وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ 6 - (بَاب مَا جَاءَ مَنْ يُسْتَعْمَلُ عَلَى الْحَرْبِ) أَيْ مَنْ يُجْعَلُ عَامِلًا وَأَمِيرًا عَلَى الْحَرْبِ [1704] قَوْلُهُ (عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ أَبِي إِسْرَائِيلَ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ يَهِمُ قَلِيلًا مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ (بَعَثَ جَيْشَيْنِ) وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثَيْنِ إِلَى الْيَمَنِ (إِذَا كَانَ الْقِتَالُ فَعَلِيٌّ) وَفِي حَدِيث بُرَيْدَةَ إِذَا الْتَقَيْتُمْ فَعَلِيٌّ عَلَى النَّاسِ وَإِنِ افْتَرَقْتُمَا فَكُلُّ وَاحِدٍ

باب ما جاء في الامام

مِنْكُمَا عَلَى جُنْدٍ (قَالَ فَافْتَتَحَ عَلِيٌّ حِصْنًا فَأَخَذَ مِنْهُ جَارِيَةً) وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فَلَقِينَا بَنِي زَيْدٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَاقْتَتَلْنَا فَظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلْنَا الْمُقَاتِلَةِ وَسَبَيْنَا الذُّرِّيَّةَ فَاصْطَفَى عَلِيٌّ امْرَأَةً مِنَ السَّبْيِ لِنَفْسِهِ (يَشِي بِهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَشَى بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ وَشْيًا وَوِشَايَةً نَمَّ وَسَعَى انْتَهَى (فَقَرَأَ الْكِتَابَ) وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَفَعْتُ الْكِتَابَ فَقُرِئَ عليه (وإنما أنا رسول) وفي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا مَكَانُ الْعَائِذِ بَعَثْتَنِي مَعَ رَجُلٍ وَأَمَرْتَنِي أَنْ أُطِيعَهُ فَفَعَلْتُ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عُمَرَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي إِسْنَادِهِ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنِ الْبَرَاءِ مُعَنْعَنًا وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ اخْتَلَطَ بِآخِرَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ فَفِي سَنَدِهِ أَجْلَحُ الْكِنْدِيُّ وَهُوَ صَدُوقٌ شِيعِيٌّ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِمَامِ) [1705] قوله (ألا) للتنبيه (كلكم راع وكلكم مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ) الرَّاعِي هُوَ الْحَافِظُ الْمُؤْتَمَنُ الْمُلْتَزِمُ صَلَاحَ مَا اؤْتُمِنَ عَلَى حِفْظِهِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ بِالْعَدْلِ فِيهِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ وَالرَّعِيَّةُ كُلُّ مَنْ شَمِلَهُ حِفْظُ الرَّاعِي وَنَظَرُهُ (فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى الناس راع) فيمن ولي عليهم (ومسؤل عَنْ رَعِيَّتِهِ) هَلْ رَاعَى

حُقُوقَهُمْ أَوْ لَا (وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بيته وهو مسؤول عَنْهُمْ) هَلْ وَفَّاهُمْ حَقَّهُمْ مِنْ نَحْوِ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَحُسْنِ عِشْرَةٍ (وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ بَعْلِهَا) أَيْ زَوْجِهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ الْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ أَيْ بِحُسْنِ تَدْبِيرِ الْمَعِيشَةِ وَالنُّصْحِ لَهُ وَالشَّفَقَةِ وَالْأَمَانَةِ وحفظ نفسها وماله وأطفاله وأضيافه (هي مسؤولة عَنْهُ) أَيْ عَنْ بَيْتِ زَوْجِهَا هَلْ قَامَتْ بِمَا عَلَيْهَا أَوْ لَا (وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ) بِحِفْظِهِ وَالْقِيَامِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ عَلَيْهِ مِنْ حُسْنِ خِدْمَتِهِ وَنُصْحِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ اشْتَرَكُوا أَيِ الْإِمَامُ وَالرَّجُلُ وَمَنْ ذُكِرَ فِي التَّسْمِيَةِ أَيْ فِي الْوَصْفِ بِالرَّاعِي وَمَعَانِيهِمْ مُخْتَلِفَةٌ فَرِعَايَةُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ حِيَاطَةُ الشَّرِيعَةِ بِإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْعَدْلِ فِي الْحُكْمِ وَرِعَايَةُ الرَّجُلِ أَهْلَهُ سِيَاسَةٌ لِأَمْرِهِمْ وَإِيصَالِهِمْ حُقُوقَهُمْ وَرِعَايَةُ الْمَرْأَةِ تَدْبِيرُ أَمْرِ الْبَيْتِ والأولاد والخدم وَالنَّصِيحَةُ لِلزَّوْجِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَرِعَايَةُ الْخَادِمِ حِفْظُ مَا تَحْتَ يَدِهِ وَالْقِيَامُ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ خِدْمَتِهِ (أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الرَّاعِيَ لَيْسَ مَطْلُوبًا لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا أُقِيمَ لِحِفْظِ مَا اسْتَرْعَاهُ الْمَالِكُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ إِلَّا بِمَا أَذِنَ الشَّارِعُ فِيهِ وَهُوَ تَمْثِيلٌ لَيْسَ فِي الْبَابِ أَلْطَفُ وَلَا أَجْمَعُ وَلَا أَبْلَغُ مِنْهُ فَإِنَّهُ أَجْمَلَ أَوَّلًا ثُمَّ فَصَّلَ وَأَتَى بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ مُكَرَّرًا قَالَ وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ أَلَا فَكُلُّكُمْ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ وَخَتَمَ بِمَا يُشْبِهُ الْفَذْلَكَةَ إِشَارَةً إِلَى اسْتِيفَاءِ التَّفْصِيلِ وَقَالَ غَيْرُهُ دَخَلَ فِي هَذَا الْعُمُومِ الْمُنْفَرِدُ الَّذِي لَا زَوْجَ لَهُ وَلَا خَادِمَ وَلَا وَلَدَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ رَاعٍ عَلَى جَوَارِحِهِ حَتَّى يَعْمَلَ الْمَأْمُورَاتِ وَيَجْتَنِبَ الْمَنْهِيَّاتِ فِعْلًا وَنُطْقًا وَاعْتِقَادًا فَجَوَارِحُهُ وَقُوَاهُ وَحَوَاسُّهُ رَعِيَّتُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الِاتِّصَافِ بِكَوْنِهِ رَاعِيًا أَنْ لَا يَكُونَ مَرْعِيًّا بِاعْتِبَارٍ آخَرَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي مُوسَى) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَلَفْظُهُ مَا مِنْ رَاعٍ إِلَّا يُسْأَلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَقَامَ أَمْرَ اللَّهِ أَمْ أَضَاعَهُ وأما حديث أنس فأخرجه بن عدي والطبراني في الأوسط مثل حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَأَعِدُّوا لِلْمَسْأَلَةِ جَوَابًا قَالُوا وَمَا جَوَابُهَا قَالَ أَعْمَالُ الْبِرِّ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي سَنَدِهِ حَسَنٌ وَلِابْنِ عَدِيٍّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ إِنَّ اللَّهَ سَائِلٌ كُلَّ رَاعٍ عَمَّا اسْتَرْعَاهُ حَفِظَ ذَلِكَ أَوْ ضَيَّعَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ

قوله (حديث بن عُمَرَ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَرَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ الرَّمَادِيُّ) بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ وَمُهْمَلَةٍ نِسْبَةً إِلَى رَمَادَةَ قَرْيَةٌ بِالْيَمَنِ وَبِفِلَسْطِينَ أَبُو إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ حَافِظٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ يُخْطِئُ قَلِيلًا مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قِيلَ اِسْمُهُ عَامِرٌ وَقِيلَ الْحَارِثُ ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ (أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا قُلْنَا مِنْ أَنَّهُ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ الرَّمَادِيُّ إِلَخْ وَهَذَا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ (مُحَمَّدٌ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إسماعيل البخاري رحمه الله (عن إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَشَّارٍ) وَفِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَغَيْرِهَا بن إبراهيم بن بشار بلفظ بن مَكَانَ عَنْ وَهُوَ غَلَطٌ (قَالَ مُحَمَّدٌ) يَعْنِي الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا) أَيْ لَمْ يَذْكُرُوا أَبَا بُرْدَةَ وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ (وَهَذَا أَصَحُّ) لِأَنَّهُ رَوَاهُ كَذَلِكَ مُرْسَلًا غَيْرُ واحد من أصحاب بن عُيَيْنَةَ وَأَمَّا رِوَايَةُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَشَّارٍ الرَّمَادِيِّ عن بن عُيَيْنَةَ مُتَّصِلًا فَهِيَ وَهْمٌ مِنْهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ يَهِمُ فِي الشَّيْءِ بَعْدَ الشَّيْءِ وَهُوَ صَدُوقٌ وَقَالَ أَيْضًا قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ الرَّمَادِيُّ حَدَّثَنَا بن عُيَيْنَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى كُلُّكُمْ رَاعٍ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ بن عدي وهو وهم كان بن عيينة يرويه مرسلا قال بن عَدِيٍّ لَا أَعْلَمُ أُنْكِرَ عَلَيْهِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَبَاقِي حَدِيثِهِ مُسْتَقِيمٌ وَهُوَ عِنْدَنَا مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ انْتَهَى (قَالَ مُحَمَّدٌ) هُوَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَرَوَى إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الْمَعْرُوفُ بِابْنِ رَاهْوَيْهِ الْمَرْوَزِيُّ (عَنِ الْحَسَنِ هُوَ الْبَصْرِيُّ

باب ما جاء في طاعة الامام

28 - (بَاب مَا جَاءَ فِي طَاعَةِ الْإِمَامِ) [1706] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ) هُوَ الْإِمَامُ الذُّهْلِيُّ (عَنِ الْعَيْزَارِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا زَايٌ وَآخِرُهُ رَاءٌ (بْنِ حُرَيْثٍ) الْعَبْدِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أُمِّ الْحُصَيْنِ الْأَحْمَسِيَّةِ) صَحَابِيَّةٌ شَهِدَتْ حَجَّةَ الْوَدَاعِ قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ بُرْدٌ قَدِ الْتَفَعَ بِهِ) أَيِ الْتَحَفَ بِهِ (وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى عَضَلَةِ عَضُدِهِ) الْعَضَلَةُ مُحَرَّكَةً فِي الْبَدَنِ كُلُّ لَحْمَةٍ صُلْبَةٍ مُكْتَنِزَةٍ وَمِنْهُ عَضَلَةُ السَّاقِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (تَرْتَجُّ) أَيْ تَهْتَزُّ وَتَضْطَرِبُ (وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ أَيْ جُعِلَ أَمِيرًا (عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مُجَدَّعٌ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ مَقْطُوعُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ (فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا) فِيهِ حَثٌّ عَلَى الْمُدَارَاةِ وَالْمُوَافَقَةِ مَعَ الْوُلَاةِ وَعَلَى التَّحَرُّزِ عَمَّا يُثِيرُ الْفِتْنَةَ وَيُؤَدِّي إِلَى اخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ (مَا أَقَامَ لَكُمْ كِتَابَ اللَّهِ) أَيْ حُكْمَهُ الْمُشْتَمِلَ عَلَى حُكْمِ الرَّسُولِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فَإِنْ قِيلَ شَرْطُ الْإِمَامِ الْحُرِّيَّةُ وَالْقُرَشِيَّةُ وَسَلَامَةُ الْأَعْضَاءِ قُلْتُ نَعَمْ لَوِ انْعَقَدَ بِأَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ أَمَّا مَنِ اسْتَوْلَى بِالْغَلَبَةِ تَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ وَتُنَفَّذُ أَحْكَامُهُ وَلَوْ عَبْدًا أَوْ فَاسِقًا مُسْلِمًا وَأَيْضًا لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَكُونُ إِمَامًا بَلْ يَفْرِضُ إِلَيْهِ الْإِمَامُ أَمْرًا مِنَ الْأُمُورِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الْأَخْذِ بِالسُّنَّةِ وَاجْتِنَابِ الْبِدْعَةِ مِنْ أَبْوَابِ الْعِلْمِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب ما جاء لا طاعة المخلوق في معصية الخالق

29 - (باب ما جاء لا طاعة المخلوق في معصية الخالق) [1707] قوله (السمع) الأولى الْأَمْرِ بِإِجَابَةِ أَقْوَالِهِمْ (وَالطَّاعَةُ) لِأَوَامِرِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ (عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ) أَيْ حَقٌّ وَوَاجِبٌ عَلَيْهِ (فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ) أَيْ فِيمَا وَافَقَ غَرَضَهُ أَوْ خَالَفَهُ (مَا لَمْ يُؤْمَرْ) أَيِ الْمُسْلِمُ مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ (بِمَعْصِيَةٍ) أَيْ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ (فَإِنْ أُمِرَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (فَلَا سَمْعَ عَلَيْهِ وَلَا طَاعَةَ) تَجِبُ بَلْ يَحْرُمُ إِذْ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَفِيهِ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَمَرَ بِمَنْدُوبٍ أَوْ مُبَاحٍ وَجَبَ قَالَ المطهر يعني سمع كَلَامِ الْحَاكِمِ وَطَاعَتُهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَوَاءٌ أَمَرَهُ بِمَا يُوَافِقُ طَبْعَهُ أَوْ لَمْ يُوَافِقْهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَأْمُرَهُ بِمَعْصِيَةٍ فَإِنْ أَمَرَهُ بِهَا فَلَا تَجُوزُ طَاعَتُهُ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مُحَارَبَةُ الْإِمَامِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ جَمَاهِيرُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْمُتَكَلِّمِينَ لَا يَنْعَزِلُ الْإِمَامُ بِالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ وَتَعْطِيلِ الْحُقُوقِ وَلَا يُخْلَعُ وَلَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ بَلْ يَجِبُ وَعْظُهُ وَتَخْوِيفُهُ لِلْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَقَدِ ادَّعَى أَبُو بَكْرِ بْنُ مُجَاهِدٍ فِي هَذَا الْإِجْمَاعَ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ هَذَا بِقِيَامِ الحسن وبن الزُّبَيْرِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَبِقِيَامِ جَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ عَلَى الحجاج مع بن الْأَشْعَثِ وَتَأَوَّلَ هَذَا الْقَائِلُ قَوْلَهُ أَنْ لَا تُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ فِي أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ قِيَامَهُمْ عَلَى الْحَجَّاجِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِ الْفِسْقِ بَلْ لِمَا غَيَّرَ مِنَ الشَّرْعِ وَظَاهَرَ مِنَ الْكُفْرَ قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّ هَذَا الْخِلَافَ كَانَ أَوَّلًا ثُمَّ حَصَلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَعِنْدَ الْبَزَّارِ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ انْتَهَى

باب ما جاء في كراهية التحريش بين البهائم والضرب

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَالضَّرْبِ) والوسم في الوجه [1708] قوله (وعن قُطْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) بْنِ سِيَاهٍ بِكَسْرِ مُهْمَلَةٍ وَبِخِفَّةِ مُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ وَبِهَاءٍ مُنَوَّنَةٍ بِالصَّرْفِ وَتَرْكِهِ الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِي يَحْيَى) الْقَتَّاتِ الْكُوفِيِّ اسْمُهُ زَاذَانُ وَقِيلَ دِينَارٌ وَقِيلَ مُسْلِمٌ وَقِيلَ يَزِيدُ وَقِيلَ زَبَّانُ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (عَنِ التَّحْرِيشِ بَيْنَ الْبَهَائِمِ) هُوَ الْإِغْرَاءُ وَتَهْيِيجُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضِ كَمَا يُفْعَلُ بَيْنَ الْجِمَالِ وَالْكِبَاشِ وَالدُّيُوكِ وَغَيْرِهَا وَوَجْهُ النَّهْيِ أَنَّهُ إِيلَامٌ لِلْحَيَوَانَاتِ وَإِتْعَابٌ لَهَا بِدُونِ فَائِدَةٍ بَلْ مجرد عبث وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ قُطْبَةَ) أَيْ حَدِيثُ سُفْيَانَ الْمُرْسَلُ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ قُطْبَةَ الْمُتَّصِلِ لِأَنَّ سُفْيَانَ أَحْفَظُ وَأَتْقَنُ مِنْ قُطْبَةَ

باب ما جاء في حد بلوغ الرجل ومتى يفرض له

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ طَلْحَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سعيد وعكراش بن ذويب) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَيْهِ بِحِمَارٍ قَدْ وُسِمَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ أَمَا بَلَغَكُمْ أَنِّي لَعَنْتُ مَنْ وَسَمَ الْبَهِيمَةَ فِي وَجْهِهَا أَوْ ضَرَبَهَا فِي وَجْهِهَا فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ وَأَبِي سعيد وعكراش بن ذويب فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ [1710] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا رَوْحٌ) هُوَ بن عُبَادَةَ قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ) كُلُّهُ مِنَ السِّمَةِ وَهِيَ الْعَلَامَةُ بِنَحْوِ كَيٍّ فَيَحْرُمُ وَسْمُ الْآدَمِيِّ وَكَذَا غَيْرُهُ فِي وَجْهِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِ (وَالضَّرْبِ) أَيْ فِي الْوَجْهِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ فَيَحْرُمُ وَلَوْ غَيْرَ آدَمِيٍّ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ وَلَطِيفٌ يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ الضَّرْبِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا الضَّرْبُ فِي الْوَجْهِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي كُلِّ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ مِنَ الْآدَمِيِّ وَالْحَمِيرِ وَالْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَالْبِغَالِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا لَكِنَّهُ فِي الْآدَمِيِّ أَشَدُّ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ مَعَ أَنَّهُ لَطِيفٌ لِأَنَّهُ يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ الضَّرْبِ وَرُبَّمَا شَانَهُ وَرُبَّمَا آذَى بَعْضَ الْحَوَاسِّ قَالَ وَأَمَّا الْوَسْمُ فِي الْوَجْهِ فَمَنْهِيٌّ عَنْهُ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا وَسْمُ غَيْرِ الْوَجْهِ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ فِي نَعَمِ الزَّكَاةِ وَالْجِزْيَةِ وَلَا يُسْتَحَبُّ فِي غَيْرِهَا وَلَا يُنْهَى عَنْهُ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حَدِّ بُلُوغِ الرَّجُلِ وَمَتَّى يُفْرَضُ لَهُ) أَيْ مَتَى يُقَدَّرُ لَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رِزْقٌ له [1711] قوله (حدثنا محمد بن وزير الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ

باب ما جاء فيمن يستشهد وعليه دين

كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الْبَابِ وَتَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ حَدِّ بُلُوغِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ أَبْوَابِ الْأَحْكَامِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ قَوْلُهُ (ثُمَّ كَتَبَ أَنْ يُفْرَضَ لِمَنْ بَلَغَ الْخَمْسَ عَشْرَةَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الشَّهَادَاتِ وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أَنْ يَفْرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشْرَةَ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ يُقَدِّرُوا لَهُمْ رِزْقًا فِي دِيوَانِ الْجُنْدِ وَكَانُوا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمُقَاتِلَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي الْعَطَاءِ وَهُوَ الرِّزْقُ الَّذِي يُجْمَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُفَرَّقُ عَلَى مُسْتَحِقِّيهِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يُسْتَشْهَدُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ) [1712] قَوْلُهُ (أَنَّهُ قَامَ) أَيْ وَاعِظًا (فِيهِمْ) أَيْ فِي أَصْحَابِهِ (أَنَّ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْإِيمَانَ بِاَللَّهِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ) قال القارىء الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ وَلَعَلَّ فِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْجِهَادَ مَعَ الْإِيمَانِ أَفْضَلُ أَعْمَالِ الْقَلْبِ وَلَا يَشْكُلُ بِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لِاخْتِلَافِ

الْحَيْثِيَّتَيْنِ فَالصَّلَاةُ أَفْضَلُ لِمُدَاوَمَتِهَا وَالْجِهَادُ أَفْضَلُ لِمَشَقَّتِهِ لَا سِيَّمَا الْجِهَادُ يَسْتَلْزِمُ الصَّلَاةَ وَإِلَّا لَا فَضِيلَةَ لَهُ انْتَهَى (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيِ اسْتُشْهِدْتُ (يُكَفَّرُ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ وَالِاسْتِفْهَامُ مُقَدَّرٌ أَيْ أَيَمْحُو اللَّهُ عَنِّي خَطَايَايَ (وَأَنْتَ صَابِرٌ) أَيْ غَيْرُ جَزِعٍ (مُحْتَسِبٌ) أَيْ طَالِبٌ لِلْأَجْرِ وَالْمَثُوبَةِ لَا لِلرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ (مُقْبِلٌ) أَيْ عَلَى الْعَدُوِّ (غَيْرُ مُدْبِرٍ) أَيْ عَنْهُ وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ لَعَلَّهُ احْتِرَازٌ مِمَّنْ يُقْبِلُ فِي وَقْتٍ وَيُدْبِرُ فِي وَقْتٍ وَالْمُحْتَسِبُ هُوَ الْمُخْلِصُ لِلَّهِ تَعَالَى فَإِنْ قَاتَلَ لِعَصَبِيَّةٍ أَوْ لِأَخْذِ غَنِيمَةٍ أَوْ لِصِيتٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ هَذَا الثَّوَابُ وَلَا غَيْرُهُ (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ قُلْتَ) فَقَالَ (أَرَأَيْتَ) أَيْ قُلْتُ أَرَأَيْتَ أَوْ مَعْنَاهُ كَيْفَ قُلْتَ أَعِدِ الْقَوْلَ وَالسُّؤَالَ فَقَالَ أَرَأَيْتَ (أَيُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ هُنَا أَيْ يُمْحَى (نَعَمْ وَأَنْتَ صَابِرٌ) أَيْ نَعَمْ إِنْ قُلْتَ وَالْحَالُ أَنَّكَ صَابِرٌ (إِلَّا الدَّيْنَ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا أَيِ الدين الذي لا ينوي أداءه قاله القارىء وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَرَادَ بِالدَّيْنِ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إِذْ لَيْسَ الدَّائِنُ أَحَقَّ بِالْوَعِيدِ وَالْمُطَالَبَةِ مِنْهُ مِنَ الْجَانِي وَالْغَاصِبِ وَالْخَائِنِ وَالسَّارِقِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى جَمِيعِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَأَنَّ الْجِهَادَ وَالشَّهَادَةَ وَغَيْرَهُمَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ لَا يُكَفِّرُ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ وَإِنَّمَا يُكَفِّرُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى (فَإِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لِي ذَلِكَ) أَيْ إِلَّا الدَّيْنَ قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ قُلْتَ وَقَدْ أَحَاطَ بِسُؤَالِهِ عِلْمًا وَأَجَابَهُ بِذَلِكَ الْجَوَابِ قُلْتُ يَسْأَلُ ثَانِيًا وَيُجِيبُهُ بِذَلِكَ الْجَوَابِ وَيُعَلِّقُ بِهِ إِلَّا الدَّيْنَ اسْتِدْرَاكًا بَعْدَ إِعْلَامِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِيَّاهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ ثَوَابِ الشَّهِيدِ وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي التَّغْلِيظِ فِي الدَّيْنِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب ما جاء في دفن الشهداء

33 - (بَاب مَا جَاءَ فِي دَفْنِ الشُّهَدَاءِ) [1713] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ مَرْوَانَ الْبَصْرِيُّ) الرَّقَاشِيُّ بِتَخْفِيفِ الْقَافِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ النَّوَّاءُ بِنُونٍ وَوَاوٍ مُثَقَّلَةٍ لَقَبُهُ فُرَيْخٌ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عن أيوب) هو بن أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ) الْعَدَوِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو نَصْرٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ عَالِمٌ توقف فيه بن سِيرِينَ لِدُخُولِهِ عَمَلَ السُّلْطَانِ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِي الدَّهْمَاءِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَالْمَدِّ اسْمُهُ قِرْفَةُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا فاء بن بُهَيْسٍ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُصَغَّرًا الْعَدَوِيُّ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ) بْنِ أُمَيَّةَ الْأَنْصَارِيِّ النَّجَّارِيِّ صَحَابِيٌّ يُقَالُ كَانَ اسْمُهُ أَوَّلًا شِهَابًا فَغَيَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (شُكِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجِرَاحَاتُ يَوْمَ أُحُدٍ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ جَاءَتِ الْأَنْصَارُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالُوا أَصَابَنَا قَرْحٌ وَجَهْدٌ فَكَيْفَ تَأْمُرُنَا وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَفْرُ عَلَيْنَا لِكُلِّ إِنْسَانٍ شَدِيدٌ (فَقَالَ احْفِرُوا) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ مِنْ بَابِ ضَرَبَ (وَأَوْسِعُوا) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ (وَأَحْسِنُوا) أَيْ أَحْسِنُوا إِلَى الْمَيِّتِ فِي الدَّفْنِ قَالَهُ فِي الْأَزْهَارِ وَقَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ تَبَعًا لِلْمَظْهَرِ أَيِ اجْعَلُوا الْقَبْرَ حَسَنًا بِتَسْوِيَةِ قَعْرِهِ ارْتِفَاعًا وَانْخِفَاضًا وَتَنْقِيَتِهِ مِنَ التُّرَابِ وَالْقَذَاةِ وَغَيْرِهِمَا وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَأَعْمِقُوا قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَعْمَقَ الْبِئْرَ جَعَلَهَا عَمِيقَةً وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ إِعْمَاقِ الْقَبْرِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْإِعْمَاقِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ قَامَةً وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى السُّرَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا حَدَّ لِإِعْمَاقِهِ وأخرج بن أبي شيبة وبن الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ أَعْمِقُوا الْقَبْرَ إِلَى قَدْرِ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ

باب ما جاء في المشورة قال في المجمع

قَالَهُ فِي النَّيْلِ (وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ) بِالنَّصْبِ أَيْ مِنَ الْأَمْوَاتِ (فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ) فِيهِ جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ إِذَا دَعَتْ إِلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ كَمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ (وَقَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا) أَيْ إِلَى جِدَارِ اللَّحْدِ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى الْكَعْبَةِ وَفِيهِ إِرْشَادٌ إِلَى تَعْظِيمِ الْمُعَظَّمِ عِلْمًا وَعَمَلًا حَيًّا وَمَيِّتًا (فَمَاتَ أَبِي) أَيْ عَامِرٌ وَهُوَ قَوْلُ هِشَامٍ (فَقُدِّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلَيْنِ) وَلَفْظُ النَّسَائِيِّ وَكَانَ أَبِي ثَالِثَ ثَلَاثَةٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ خَبَّابٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ خَبَّابٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ تَرْكِ الصَّلَاةِ عَلَى الشَّهِيدِ وَأَخْرَجَهُ أيضا البخاري وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ قَتْلَى أُحُدٍ وَذَكَرَهُ حَمْزَةُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن ماجه 4 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمَشُورَةِ قَالَ فِي المجمع) المشورة بضم معجمة وسكون واو بسكون معجمة وَفَتْحِ وَاوٍ لُغَتَانِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ أَشَارَ إِلَيْهِ بِكَذَا أَمَرَهُ بِهِ وَهِيَ الشُّورَى وَالْمَشُورَةُ مَفْعَلَةٌ لَا مَفْعُولَةٌ وَاسْتَشَارَهُ طَلَبَ مِنْهُ الْمَشُورَةَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمَشُورَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ لُغَتَانِ وَالْأُولَى أَرْجَحُ انْتَهَى [1714] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ

وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا اِسْمَ لَهُ غَيْرُهَا وَيُقَالُ اسْمُهُ عَامِرٌ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْ أَبِيهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَجِيءَ بِالْأُسَارَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ جَمْعُ أَسْرَى وَهُوَ جَمْعُ أَسِيرٍ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى وَذَكَر قِصَّةً طَوِيلَةً) كَذَا أَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مُخْتَصَرًا بِغَيْرِ ذِكْرِ الْقِصَّةِ وَأَوْرَدَهُ الْبَغَوِيُّ مُطَوَّلًا عَنْهُ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَجِيءَ بِالْأُسَارَى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَقُولُونَ فِي هَؤُلَاءِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَوْمُكَ وَأَهْلُكَ اسْتَبْقِهِمْ وَاسْتَأْنِ بِهِمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ وَخُذْ مِنْهُمْ فِدْيَةً تَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ وَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَذَّبُوكَ وَأَخْرَجُوكَ فَدَعْهُمْ نَضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ مَكِّنْ عَلِيًّا مِنْ عَقِيلٍ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ وَمَكِّنْ حَمْزَةَ مِنَ الْعَبَّاسِ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ وَمَكِّنِّي مِنْ فُلَانٍ نَسِيبٍ لِعُمَرَ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْكُفْرِ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ انْظُرْ وَادِيًا كَثِيرَ الْحَطَبِ فَأَدْخِلْهُمْ فِيهِ ثُمَّ أَضْرِمْهُ عَلَيْهِمْ نَارًا فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ قَطَعْتَ رَحِمَكَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يجيبهم ثُمَّ دَخَلَ فَقَالَ نَاسٌ يَأْخُذُ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ نَاسٌ يَأْخُذُ بِقَوْلِ عُمَرَ وَقَالَ ناس يأخذ بقول بن رَوَاحَةَ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَيُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنَ اللِّينِ وَيَشُدُّ قُلُوبَ رِجَالٍ حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنَ الْحِجَارَةِ وَإِنَّ مَثَلَك يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فإنك غفور رحيم وَمَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ عِيسَى قَالَ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فإنك أنت العزيز الحكيم وَمَثَلَكَ يَا عُمَرُ مَثَلُ نُوحٍ قَالَ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا وَمَثَلَك يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ كَمَثَلِ مُوسَى قَالَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأليم ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمَ أَنْتُمْ عَالَةٌ فَلَا يَفْلِتَنَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا بِفِدَاءٍ أَوْ ضَرْبِ عُنُقٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ إِلَّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَمَا رَأَيْتُنِي فِي يَوْمٍ أَخْوَفَ أَنْ تَقَعَ عَلَيَّ الْحِجَارَةُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا سهيل بن بيضاء قال بن عَبَّاسٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَهَوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَلَمْ يَهْوَ مَا قُلْتُ وَأَخَذَ مِنْهُمُ الْفِدَاءَ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ قَاعِدَانِ يَبْكِيَانِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي مِنْ أَيْ شَيْءٍ تَبْكِي أَنْتَ وَصَاحِبُكَ فَإِنْ وَجَدْتُ بُكَاءً بَكَيْتُ وَإِنْ لَمْ أَجِدْ بُكَاءً تَبَاكَيْتُ لِبُكَائِكُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْكِي عَلَى أَصْحَابِكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ لَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابُهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ

الشَّجَرَةِ لِشَجَرَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حتى يثخن في الأرض الْآيَةَ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُشَاوِرُ أَصْحَابَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْت فَتَوَكَّلْ عَلَى الله وقال وأمرهم شورى بينهم وَاخْتَلَفُوا فِي أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشَاوِرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ فِي مَكَائِدِ الْحُرُوبِ وَعِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ تَطْيِيبًا لِنُفُوسِهِمْ وَتَأْلِيفًا لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَلِيَرَوْا أَنَّهُ يَسْمَعُ مِنْهُمْ وَيَسْتَعِينُ بِهِمْ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ أَغْنَاهُ عَنْ رَأْيِهِمْ بِوَحْيِهِ رُوِيَ هذا عن قتادة والربيع وبن وإسحاق وَقَالَتْ طَائِفَةٌ فِيمَا لَمْ يَأْتِهِ وَحْيٌ لِيُبَيِّنَ صَوَابَ الرَّأْيِ وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَالضِّحَاكِ قَالَا مَا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِالْمُشَاوَرَةِ لِحَاجَتِهِ إِلَى رَأْيِهِمْ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ مَا فِي الْمَشُورَةِ مِنَ الْفَضْلِ وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّمَا أَمَرَ بِهَا مَعَ غِنَاهُ عَنْهُمْ لِتَدْبِيرِهِ تَعَالَى لَهُ وَسِيَاسَتِهِ إِيَّاهُ لِيَسْتَنَّ بِهِ مَنْ بَعْدَهُ وَيَقْتَدُوا بِهِ فِيمَا يَنْزِلُ بِهِمْ مِنَ النَّوَازِلِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَقَدْ سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الاستشارة في غير موضع استشارة أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي أُسَارَى بَدْرٍ وَأَصْحَابَهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي بَابِ الْإِمْدَادِ بِالْمَلَائِكَةِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَإِبَاحَةِ الْغَنَائِمِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي بَابِ فَدَاءِ الْأَسِيرِ بِالْمَالِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ وَحَدِيثُ أَنَسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ فِي بَابِ مَعِيشَةِ أَصْحَابِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) تَحْسِينُهُ لِشَوَاهِدِهِ وَإِلَّا فَهُوَ مُنْقَطِعٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ بَعْدُ (وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ

باب ما جاء لا تفادي جيفة الأسير

35 - (باب ما جاء لا تفادى جيفة الأسير) الْجِيفَةُ جُثَّةُ الْمَيِّتِ إِذَا أَنْتَنَ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تُبَاعُ وَلَا تُبَادَلُ جُثَّةُ الْأَسِيرِ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَالِ [1715] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سفيان) هو الثوري (عن بن أَبِي لَيْلَى) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أبي ليلى (عن الحكم) هو بن عُتَيْبَةَ قَوْلُهُ (فَأَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَهُمْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ جِيفَةِ الْمُشْرِكِ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَأَخْذُ الثَّمَنِ فِيهَا لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ لَا يَجُوزُ تَمَلُّكُهَا وَلَا أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهَا وَقَدْ حَرَّمَ الشَّارِعُ ثَمَنَهَا وَثَمَنَ الْأَصْنَامِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابًا بِلَفْظِ طَرْحُ جِيَفِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْبِئْرِ وَلَا يُؤْخَذُ لَهُمْ ثَمَنٌ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَ بن مَسْعُودٍ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَغَيْرِهِ مِنْ قُرَيْشٍ وَفِيهِ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُمْ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ فَأُلْقُوا فِي بِئْرٍ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ وَلَا يُؤْخَذُ لَهُمْ ثَمَنٌ أَشَارَ بِهِ إِلَى حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرُوا جَسَدَ رَجُلٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَبَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَهُمْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وذكر بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي أَنَّ الْمُشْرِكِينَ سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَهُمْ جَسَدَ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَ اقْتَحَمَ الْخَنْدَقَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا حَاجَةَ لَنَا بِثَمَنِهِ وَلَا جَسَدِهِ فقال بن هِشَامٍ بَلَغَنَا عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُمْ بَذَلُوا فِيهِ عَشْرَةَ آلَافٍ وَأَخَذَهُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْعَادَةَ تَشْهَدُ أَنَّ أَهْلَ قَتْلَى بَدْرٍ لَوْ فَهِمُوا أَنَّهُ يَقْبَلُ مِنْهُمْ فِدَاءَ أَجْسَادِهِمْ لَبَذَلُوا فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ فَهَذَا شاهد لحديث بن عَبَّاسٍ وَإِنْ كَانَ إِسْنَادُهُ غَيْرَ قَوِيٍّ انْتَهَى قوله (بن أَبِي لَيْلَى لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَدُوقٌ سيء الْحِفْظِ جِدًّا مِنَ السَّابِعَةِ انْتَهَى

باب ما جاء في الفرار من الزحف

(قال فقهاؤنا بن أَبِي لَيْلَى) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ كان سيء الحفظ مضطرب الحديث كان فقه بن أَبِي لَيْلَى أَحَبَّ إِلَيْنَا مِنْ حَدِيثِهِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَحْمَد بْنِ يُونُسَ ذَكَرَهُ زَائِدَةُ فَقَالَ كَانَ أَفْقَهَ أَهْلِ الدُّنْيَا (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ شُبْرُمَةَ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وضم الراء بن الطُّفَيْلِ بْنِ حَسَّانَ الضَّبِّيُّ أَبُو شُبْرُمَةَ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ كَانَ الثَّوْرِيُّ إِذَا قِيلَ لَهُ مَنْ مُفْتِيكُمْ يَقُولُ بن أبي ليلى وبن شبرمة وكان بن شُبْرُمَةَ عَفِيفًا حَازِمًا عَاقِلًا فَقِيهًا يُشْبِهُ النُّسَّاكَ ثِقَةً فِي الْحَدِيثِ شَاعِرًا حَسَنَ الْخُلُقِ جَوَادًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ كَانَ بن شُبْرُمَةَ وَمُغِيرَةُ وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ وَالْقَعْقَاعُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ يَسْمُرُونَ فِي الْفِقْهِ فَرُبَّمَا لَمْ يَقُومُوا إلى الفجر وقال بن حبان كان بن شُبْرُمَةَ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْعِرَاقِ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ) أَيْ مِنَ الْجِهَادِ وَلِقَاءِ الْعَدُوِّ فِي الْحَرْبِ وَالزَّحْفُ الْجَيْشُ يَزْحَفُونَ إِلَى الْعَدُوِّ أَيْ يَمْشُونَ يُقَالُ زَحَفَ إِلَيْهِ زَحْفًا إِذَا مَشَى نَحْوَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ [1716] قَوْلُهُ (بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ السَّرِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنَ الْجَيْشِ يَبْلُغُ أَقْصَاهَا أَرْبَعَمِائَةٍ تُبْعَثُ إِلَى الْعَدُوِّ وَجَمْعُهَا السَّرَايَا سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ خُلَاصَةَ الْعَسْكَرِ وَخِيَارَهُمْ مِنَ الشَّيْءِ السَّرِيِّ النَّفِيسِ وَقِيلَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَنْفُذُونَ سِرًّا وَخُفْيَةً وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ لِأَنَّ لَامَ السِّرِّ رَاءٌ وَهَذِهِ يَاءٌ انْتَهَى (فَحَاصَ النَّاسُ) بِإِهْمَالِ الْحَاءِ وَالصَّادِ أَيْ جَالُوا جَوْلَةً يَطْلُبُونَ الْفِرَارَ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْمِرْقَاةِ لِلْقَارِيِّ أَيْ مَالُوا عَنِ الْعَدُوِّ مُلْتَجِئِينَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَمِنْهُ قوله تعالى ولا يجدون عنها محيصا أَيْ مَهْرَبًا وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الْجَوْهَرِيِّ حَاصَ عَنْهُ عَدَلَ وَحَادَ

باب ما جاء في دفن القتيل في مقتله

وَفِي الْفَائِقِ حَاصَ حَيْصَةً أَيِ انْحَرَفَ وَانْهَزَمَ انْتَهَى (فَاخْتَبَأْنَا بِهَا) أَيْ فِي الْمَدِينَةِ حَيَاءً وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَاخْتَفَيْنَا بِهَا (وَقُلْنَا) أَيْ فِي أَنْفُسِنَا أَوْ لِبَعْضِنَا (هَلَكْنَا) أَيْ عَصَيْنَا بِالْفِرَارِ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ مُطْلَقَ الْفِرَارِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَحَاصَ النَّاسُ حَيْصَةً فَكُنْتُ فِيمَنْ حَاصَ فَلَمَّا بَرَزْنَا قُلْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ وَقَدْ فَرَرْنَا مِنَ الزَّحْفِ وَبُؤْنَا بِالْغَضَبِ فَقُلْنَا نَدْخُلُ الْمَدِينَةَ فَنَثْبُتُ فِيهَا لِنَذْهَبَ وَلَا يَرَانَا أَحَدٌ قَالَ فَدَخَلْنَا فَقُلْنَا لَوْ عَرَضْنَا أَنْفُسَنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانَتْ لَنَا تَوْبَةٌ أَقَمْنَا وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ ذَهَبْنَا قَالَ فَجَلَسْنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا نَحْنُ الْفَرَّارُونَ إِلَخْ (قَالَ بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ) أَيْ أَنْتُمُ الْعَائِدُونَ إِلَى الْقِتَالِ وَالْعَاطِفُونَ يُقَالُ عَكَرْتُ عَلَى الشَّيْءِ إِذَا عَطَفْتُ عَلَيْهِ وَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ بَعْدَ الذَّهَابِ عَنْهُ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ رَأَيْتُ أَعْرَابِيًّا يُفَلِّي ثِيَابَهُ فَيَقْتُلُ الْبَرَاغِيثَ وَيَتْرُكُ الْقُمَّلَ فَقُلْتُ لِمَ تَصْنَعُ هَذَا قَالَ أَقْتُلُ الْفُرْسَانَ ثُمَّ أَعْكِرُ عَلَى الرَّجَّالَةِ (وَأَنَا فِئَتُكُمْ) فِي النِّهَايَةِ الْفِئَةُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ فِي الْأَصْلِ وَالطَّائِفَةُ الَّتِي تَقُومُ وَرَاءَ الْجَيْشِ فَإِنْ كَانَ عليهم خوف أو هزيمة التجأوا إِلَيْهِ انْتَهَى وَفِي الْفَائِقِ ذَهَبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ وَأَنَا فِئَتُكُمْ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ يُمَهِّدُ بِذَلِكَ عُذْرَهُمْ فِي الْفِرَارِ أَيْ تَحَيَّزْتُمْ إِلَيَّ فَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي دَفْنِ الْقَتِيلِ فِي مَقْتَلِهِ) [1717] قَوْلُهُ (عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ) الْعَبْدِيِّ وَيُقَالُ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيِّ يُكْنَى أَبَا قَيْسٍ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (سَمِعْتُ نُبَيْحًا الْعَنَزِيَّ) قَالَ في التقريب نبيح بمهملة مصغرا بن عَبْدِ اللَّهِ الْعَنَزِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ ثُمَّ زَايٌ أَبُو عُمَرَ الْكُوفِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انتهى

باب ما جاء في تلقي الغائب إذا قدم

قَوْلُهُ (جَاءَتْ عَمَّتِي) عَمَّةُ جَابِرٍ هَذِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيِّ كَمَا فِي الْمِرْقَاةِ (بِأَبِي) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ (لِتَدْفِنَهُ فِي مَقَابِرِنَا) أَيْ فِي الْمَدِينَةِ (رُدُّوا الْقَتْلَى) جَمْعُ الْقَتِيلِ وَهُوَ الْمَقْتُولُ أَيِ الشُّهَدَاءَ (إِلَى مَضَاجِعِهَا) أَيْ مَقَاتِلِهِمْ وَالْمَعْنَى لَا تَنْقُلُوا الشُّهَدَاءَ مِنْ مَقْتَلِهِمْ بل ادفنوهم حيث قتلوا قال القارىء وَكَذَا مَنْ مَاتَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُنْقَلُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ قَالَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا وَقَالَ فِي الْأَزْهَارِ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُدُّوا الْقَتْلَى لِلْوُجُوبِ وَذَلِكَ أَنَّ نَقْلَ الْمَيِّتِ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ التَّغَيُّرُ حَرَامٌ وَكَانَ ذَلِكَ زَجْرًا عَنِ الْقِيَامِ بِذَلِكَ وَالْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَهَذَا أَظْهَرُ دَلِيلٍ وَأَقْوَى حُجَّةٍ فِي تَحْرِيمِ النَّقْلِ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَقَلَهُ السَّيِّدُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ نَهْيَ النَّقْلِ مُخْتَصٌّ بالشهداء لأنه نقل بن أَبِي وَقَّاصٍ مِنْ قَصْرِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرُوا وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُحْمَلَ النَّهْيُ عَلَى نَقْلِهِمْ بَعْدَ دَفْنِهِمْ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَيُؤَيِّدُهُ لَفْظُ مَضَاجِعِهِمْ وَلَعَلَّ وَجْهَ تَخْصِيصِ الشُّهَدَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مضاجعهم وَفِيهِ حِكْمَةٌ أُخْرَى وَهُوَ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ حَيَاةً وَمَوْتًا وَبَعْثًا وَحَشْرًا وَيَتَبَرَّكُ النَّاسُ بِالزِّيَارَةِ إِلَى مَشَاهِدِهِمْ وَيَكُونُ وَسِيلَةً إِلَى زِيَارَةِ جَبَلِ أُحُدٍ حَيْثُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أحد جبل يحبنا ونحبه انتهى كلام القارىء وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ فَقِيلَ يُكْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَأْخِيرِ دَفْنِهِ وَتَعْرِيضِهِ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ وَالْأَوْلَى تَنْزِيلُ ذَلِكَ عَلَى حَالَتَيْنِ فَالْمَنْعُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَرَضٌ رَاجِحٌ كَالدَّفْنِ فِي الْبِقَاعِ الْفَاضِلَةِ وَتَخْتَلِفُ الْكَرَاهَةُ فِي ذَلِكَ فَقَدْ تَبْلُغُ التَّحْرِيمَ وَالِاسْتِحْبَابُ حَيْثُ يَكُونُ ذَلِكَ بِقُرْبِ مَكَانٍ فَاضِلٍ كَمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ نَقْلِ الْمَيِّتِ إِلَى الْأَرْضِ الْفَاضِلَةِ كَمَكَّةَ وَغَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَلَقِّي الْغَائِبِ إِذَا قَدِمَ) [1718] قَوْلُهُ (لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ) أَيْ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهِيَ مَكَانٌ مَعْرُوفٌ وهو نصف

باب ما جاء في الفيء

طَرِيقِ الْمَدِينَةِ إِلَى دِمَشْقَ وَيُقَالُ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَبَيْنَهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَرْحَلَةً وَالْمَشْهُورُ فِيهَا عَدَمُ الصَّرْفِ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ وَمَنْ صَرَفَهَا أَرَادَ الْمَوْضِعَ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (يَتَلَقَّوْنَهُ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ) مَوْضِعٌ بِالْمَدِينَةِ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّ مَنْ سَافَرَ كَانَ يُوَدَّعُ ثَمَّةَ وَيُشَيَّعُ إِلَيْهَا وَالثَّنِيَّةُ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ وَقِيلَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ (فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ وَأَنَا غُلَامٌ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ خَرَجْتُ مَعَ الْغِلْمَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْغُزَاةِ وَغَيْرِهِ وَأَخْرَجَهُ أبو داود في الجهاد 9 - (باب ما جاء في الفيء) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْفَيْءُ مَا حَصَلَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَمْوَالِ الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ وَلَا جِهَادٍ وَأَصْلُ الْفَيْءِ الرُّجُوعُ يُقَالُ فَاءَ يَفِيءُ فِئَةً وَفُيُوءًا كَأَنَّهُ كَانَ فِي الْأَصْلِ لَهُمْ فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ وَمِنْهُ قِيلَ لِلظِّلِّ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَيْءٌ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ جَانِبِ الْغَرْبِ إِلَى جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَقَالَ الْغَنِيمَةُ مَا أُصِيبَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَيْلِ وَالرِّكَابِ يُقَالُ غَنِمْتُ أَغْنَمُ غَنْمًا وَغَنِيمَةً وَالْغَنَائِمُ جَمْعُهَا وَالْمَغَانِمُ جَمْعُ مَغْنَمٍ وَالْغَنْمُ بِالضَّمِّ الِاسْمُ وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ وَالْغَانِمُ آخِذُ الغنيمة والجمع الغانمون انتهى [1719] قَوْلُهُ (عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ النَّصْرِيِّ بِالنُّونِ الْمَدَنِيِّ لَهُ رُؤْيَةٌ وَرَوَى عَنْ عُمَرَ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ (مِمَّا لَمْ يُوجِفِ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ) فِي النِّهَايَةِ الْإِيجَافُ سُرْعَةُ السَّيْرِ وَقَدْ أَوْجَفَ دَابَّتَهُ يُوجِفُهَا إِيجَافًا إِذَا حَثَّهَا انْتَهَى (بِخَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرِّكَابُ كَكِتَابٍ الْإِبِلُ وَاحِدَتُهَا رَاحِلَةٌ ج كَكُتُبٍ وَرِكَابَاتٌ وَرَكَائِبُ انْتَهَى (فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَالِصًا) كَذَا فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ بِالتَّذْكِيرِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ خَالِصَةً بِالتَّأْنِيثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي رِوَايَةٍ

أُخْرَى لَهُ خَاصَّةً (ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ) الْكُرَاعُ بِالضَّمِّ اسْمٌ لِجَمِيعِ الْخَيْلِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْعُدَّةُ مَا أُعِدَّ لِلْحَوَادِثِ أُهْبَةً وَجِهَازًا لِلْغَزْوِ وَقَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا لَا يُعَارِضُ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عَلَى شَعِيرٍ لِأَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ كَانَ يَدَّخِرُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ ثُمَّ فِي طُولِ السَّنَةِ يَحْتَاجُ لِمَنْ يَطْرُقُهُ إِلَى إِخْرَاجِ شَيْءٍ مِنْهُ فَيُخْرِجُهُ فَيَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُعَوِّضَ مَنْ يَأْخُذُ مِنْهَا عِوَضَهُ فَلِذَلِكَ اسْتَدَانَ انْتَهَى وَقَالَ السُّيُوطِيُّ لَا يُعَارِضُهُ خَبَرُ أَنَّهُ كَانَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ لِأَنَّ الِادِّخَارَ لِنَفْسِهِ وَهَذَا لِغَيْرِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ ادِّخَارِ قُوتِ سَنَةٍ وَجَوَازِ الِادِّخَارِ لِلْعِيَالِ وَأَنَّ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي التَّوَكُّلِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ الِادِّخَارِ فِيمَا يَسْتَغِلُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ قَرْيَتِهِ كَمَا جَرَى لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا إِذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنَ السُّوقِ وَيَدَّخِرَهُ لِقُوتِ عِيَالِهِ فَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ ضِيقِ الطَّعَامِ لَمْ يَجُزْ بَلْ يَشْتَرِي مَا لَا يَضِيقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَقُوتِ أَيَّامٍ أَوْ شَهْرٍ وَإِنْ كَانَ فِي وَقْتِ سَعَةٍ اشْتَرَى قُوتَ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ هَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ قَوْمٍ إِبَاحَتُهُ مُطْلَقًا انْتَهَى وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَصْرِفِ الْفَيْءِ فَقَالَ مَالِكٌ الْفَيْءُ وَالْخُمُسُ سَوَاءٌ يُجْعَلَانِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيُعْطِي الْإِمَامُ أَقَارِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَسْبِ اجْتِهَادِهِ وَفَرَّقَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ خُمُسِ الْغَنِيمَةِ وَبَيْنَ الْفَيْءِ فَقَالُوا الْخُمُسُ مَوْضُوعٌ فِيمَا عَيَّنَهُ اللَّهُ فِيهِ مِنْ أَصْنَافِ الْمُسْلِمِينَ فِي آيَةِ الْخُمُسِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ لَا يُتَعَدَّى بِهِ إِلَى غَيْرِهِمْ وَأَمَّا الْفَيْءُ فَهُوَ الَّذِي يَرْجِعُ النَّظَرُ فِي مَصْرِفِهِ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ بِحَسْبِ الْمَصْلَحَةِ وانفرد الشافعي كما قال بن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْفَيْءَ يُخَمَّسُ وَأَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ خُمُسُ الْخُمُسِ كَمَا فِي الْغَنِيمَةِ وَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ الْخُمُسِ لِمُسْتَحِقِّ نَظِيرِهَا مِنَ الْغَنِيمَةِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ مَصْرِفُ الْفَيْءِ كُلُّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ عُمَرَ فَكَانَتْ هَذِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً وَتَأَوَّلَ الشَّافِعِيُّ قَوْلَ عُمَرَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّهُ يُرِيدُ الْأَخْمَاسَ الْأَرْبَعَةَ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي

22 - أبواب اللباس

22 - أبواب اللباس عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَاب مَا جَاءَ في الحرير والذهب للرجال) [1720] قَوْلُهُ (حُرِّمَ لِبَاسُ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبُ) بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى لِبَاسُ الْحَرِيرِ (عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي) وَالذُّكُورُ بِعُمُومِهِ يَشْمَلُ الصِّبْيَانَ أَيْضًا لَكِنَّهُمْ حَيْثُ لَمْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ حُرِّمَ عَلَى مَنْ ألبسهم والمراد بالذهب حلية وإلا فالأولى مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَرَامٌ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَكَذَا حُلِيُّ الْفِضَّةِ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ إِلَّا مَا اسْتُثْنِيَ لِلرِّجَالِ مِنَ الْخَاتَمِ وَغَيْرِهِ (وَأُحِلَّ) أَيْ مَا ذُكِرَ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِإِنَاثِهِمْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَيْ لِإِنَاثِ أُمَّتِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأُمِّ هَانِئٍ وَأَنَسٍ وَحُذَيْفَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وجابر وأبي ريحانة وبن عمر والبراء) أما حديث عمر وأنس وبن الزُّبَيْرِ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فَفِي الْمِشْكَاةِ وَعَنْ عُمَرَ وأنس وبن الزُّبَيْرِ وَأَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ حَرِيرًا فَجَعَلَهُ فِي يَمِينِهِ وَأَخَذَ ذهبا فجعله في شماله ثم قال إن هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ وَالْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَالْبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ الْإِفْرِيقِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَيْحَانَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ أَبُو حَاتِمٍ إِنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ لَمْ يَسْمَعْ سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ مِنْ أَبِي موسى وقال بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى مَعْلُولٌ لَا يَصِحُّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ ذَكَر ذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ قَالَ وَالصَّحِيحُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي مُوسَى وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى نَافِعٍ فَرَوَاهُ أَيُّوبُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَعِيدٍ مِثْلَهُ وَرَوَاهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى كَذَا فِي النَّيْلِ [1721] قَوْلُهُ (عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ كُنْيَتُهُ أَبُو أُمَيَّةَ الْجُعْفِيُّ مُخَضْرَمٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ دُفِنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مُسْلِمًا فِي حَيَاتِهِ ثُمَّ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وَلَهُ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (بِالْجَابِيَةِ) بِالْجِيمِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مَدِينَةٌ بِالشَّامِ إِلَّا مَوْضِعَ (أُصْبُعَيْنِ) أَيْ مِقْدَارَ أُصْبُعَيْنِ (أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ) أَوْ ها هنا لِلتَّنْوِيعِ وَالتَّخْيِيرِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِبَاحَةِ الْعَلَمِ مِنَ الْحَرِيرِ فِي الثَّوْبِ إِذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ قَالَ قَاضِي خَانْ رَوَى بِشْرٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْعَلَمِ مِنَ الْحَرِيرِ فِي الثَّوْبِ إِذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ أَوْ دُونَهَا وَلَمْ يَحْكِ فِيهَا

باب ما جاء في لبس الحرير في الحرب

خلافا كذا قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِبَاحَةُ الْعَلَمِ مِنَ الْحَرِيرِ فِي الثَّوْبِ إِذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَعَنْ مَالِكٍ رواية بمنعه وعن بعض أصحابه بِإِبَاحَةِ الْعَلَمِ بِلَا تَقْدِيرٍ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ بَلْ قَالَ يَجُوزُ وَإِنْ عَظُمَ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَرْدُودَانِ بِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّرِيحِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ لُبْسَ الْعَلَمِ مِنَ الْحَرِيرِ إِذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ وَخَصَّهُ بِالْقَدْرِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ أَرْبَعُ أَصَابِعَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ أَجَازَ الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ مُطْلَقًا وَلَوْ زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ الْعَلَمَ فِي الثَّوْبِ مُطْلَقًا وهو ثابت عن الحسن وبن سِيرِينَ وَغَيْرِهِمَا وَلَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا مَنَعُوهُ وَرَعًا وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ لَمْ يَرْفَعْهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ إِلَّا قَتَادَةُ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ مِنْ قَوْلِ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَرَوَاهُ بَيَانٌ وَدَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ سُوَيْدٍ عَنْ عُمَرَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَكَذَا قَالَ شُعْبَةُ عَنِ الحكم عن خيثمة عن سويد وقاله بن عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سُوَيْدٍ وَأَبُو حُصَيْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ سُوَيْدٍ هَذَا كَلَامُ الدَّارَقُطْنِيِّ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ انْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ لَمْ يَذْكُرْهَا الْبُخَارِيُّ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الثِّقَةَ إِذَا انْفَرَدَ بِرَفْعِ مَا وَقَفَهُ الْأَكْثَرُونَ كَانَ الْحُكْمُ لِرِوَايَتِهِ وَحُكِمَ بِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَالْأُصُولِيُّونَ وَمُحَقِّقُو الْمُحَدِّثِينَ وَهَذَا مِنْ ذَاكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى قُلْتُ لَمْ يُجِبِ النَّوَوِيُّ عَنْ تَدْلِيسِ قَتَادَةَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِهِ اعْلَمْ أَنَّ مَا في الصحيحين عن المدلسين بعن ونحوهما فَمَحْمُولٌ عَلَى ثُبُوتِ السَّمَاعِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى وَقَدْ جَاءَ كَثِيرٌ مِنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالطَّرِيقَيْنِ جَمِيعًا فَيَذْكُرُ رِوَايَةَ الْمُدَلِّسِ بِعَنْ ثُمَّ يَذْكُرُهَا بِالسَّمَاعِ وَيَقْصِدُ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ انتهى (بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ) [1722] قَوْلُهُ (شَكَيَا الْقَمْلَ) قَالَ فِي الصُّرَاحِ قَمْل سبس قَمْلَة يكي انْتَهَى (فَرَخَّصَ لَهُمَا في قمص

الْحَرِيرِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالْمِيمِ جَمْعُ قَمِيصٍ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ بِهِمَا وَرَجَّحَ بن التِّينِ الرِّوَايَةَ الَّتِي فِيهَا الْحَكَّةُ وَقَالَ لَعَلَّ أَحَدَ الرُّوَاةِ تَأَوَّلَهَا فَأَخْطَأَ وَجَمَعَ الدَّاوُدِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إِحْدَى الْعِلَّتَيْنِ بِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ وَقَالَ بن العربي قد ورد أنه أرخص لكل منها فَالْإِفْرَادُ يَقْتَضِي أَنَّ لِكُلٍّ حِكْمَةً قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْحَكَّةَ حَصَلَتْ مِنَ الْقَمْلِ فَنُسِبَتِ الْعِلَّةُ تَارَةً إِلَى السَّبَبِ وَتَارَةً إِلَى سَبَبِ السَّبَبِ انْتَهَى وَقَدْ تَرْجَمَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ وَرَوَى فِيهِ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ خَمْسِ طُرُقٍ وَفِي بَعْضِهَا أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرَ شَكَيَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي الْقَمْلَ فَأَرْخَصَ لَهُمَا فِي الْحَرِيرِ فَرَأَيْتُهُ عَلَيْهِمَا فِي غَزَاةٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا تَقْيِيدُهُ بِالْحَرْبِ فَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ فَرَأَيْتُهُ عَلَيْهِمَا فِي غَزَاةٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فِي السَّفَرِ مِنْ حَكَّةٍ وَجَعَلَ الطَّبَرِيُّ جَوَازَهُ فِي الْغَزْوِ مُسْتَنْبَطًا مِنْ جَوَازِهِ لِلْحَكَّةِ فَقَالَ دَلَّتِ الرُّخْصَةُ فِي لُبْسِهِ بِسَبَبِ الْحَكَّةِ أَنَّ مَنْ قَصَدَ بِلُبْسِهِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَذَى الْحَكَّةِ كَدَفْعِ سِلَاحِ الْعَدُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَقَدْ تَبِعَ التِّرْمِذِيُّ الْبُخَارِيَّ فَتَرْجَمَ لَهُ بَابُ مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ فِي الْحَرْبِ ثُمَّ الْمَشْهُورُ عَنِ الْقَائِلِينَ بِالْجَوَازِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالسَّفَرِ وَعَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ يَخْتَصُّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ إِلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْخُصُوصِيَّةَ بِالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَا تَصِحُّ تِلْكَ الدَّعْوَى قَالَ الْحَافِظُ قَدْ جَنَحَ إِلَى ذَلِكَ عُمَرُ فروى بن عساكر من طريق بن عوف عن بن سِيرِينَ أَنَّ عُمَرَ رَأَى عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَمِيصَ حَرِيرٍ فَقَالَ مَا هَذَا فَذَكَر لَهُ خَالِدٌ قِصَّةَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فقال وأنت مثل عبد الرحمن أولك مِثْلُ مَا لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ أَمَرَ مَنْ حَضَرَهُ فَمَزَّقُوهُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي لِبَاسِهِ فَمَنَعَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ مُطْلَقًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يوسف بالجواز للضرورة وحكى بن حبيب عن بن الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْحَرْبِ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ لِبَاسُهُ فِي الْحَرْبِ لِإِرْهَابِ الْعَدُوِّ وَهُوَ مِثْلُ الرُّخْصَةِ فِي الِاحْتِيَالِ فِي الْحَرْبِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِلْحَكَّةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْبُرُودَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحَرِيرَ حَارٌّ فَالصَّوَابُ أَنَّ الْحِكْمَةَ فِيهِ لِخَاصَّةٍ فِيهِ لِدَفْعِ مَا تَنْشَأُ عَنْهُ الْحَكَّةُ كَالْقَمْلِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ

3 - باب [1723] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا وَاقِدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) الْأَنْصَارِيُّ الْأَشْهَلِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (فَبَكَى) أَيْ أَنَسٌ (وَقَالَ إِنَّكَ لَشَبِيهٌ بِسَعْدٍ) أَيْ سَعْدِ بن معاذ (وإن سعدا) أي بن مُعَاذٍ (كَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ) أَيْ رُتْبَةً (وَأَطْوَلَ) أَيْ جِسْمًا (وَإِنَّهُ بُعِثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مَنْسُوجٌ فِيهَا الذَّهَبُ) الضَّمِيرُ فِي أَنَّهُ لِلشَّأْنِ وبعث بصيغة المجهول وجبة بالرفع نائب لفاعل وَمَنْسُوجٌ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِجُبَّةٍ وَاَلَّذِي بَعَثَهَا هُوَ أُكَيْدِرُ دُومَةَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَحْمَدَ فَإِنَّهُ رَوَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أُكَيْدِرَ دُومَةَ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُبَّةَ سُنْدُسٍ أَوْ دِيبَاجٍ قَبْلَ أَنْ يَنْهَى عَنِ الْحَرِيرِ فَلَبِسَهَا فَتَعَجَّبَ النَّاسُ عنها فَقَالَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ أَحْسَنُ مِنْهَا (فَلَبِسَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَانَ هَذَا قَبْلَ النَّهْيِ عَنِ الْحَرِيرِ كَمَا فِي رِوَايَةِ أحمد المذكورة (فقام أو قعد) فشك مِنَ الرَّاوِي أَيْ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ جَلَسَ عَلَيْهِ (لَمَنَادِيلُ سَعْدٍ) جَمْعُ مِنْدِيلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَا يُحْمَلُ فِي الْيَدِ لِلْوَسَخِ وَالِامْتِهَانِ (خَيْرٌ مِمَّا تَرَوْنَ) يَعْنِي الْجُبَّةَ أَشَارَ بِهِ إِلَى عَظِيمِ رُتْبَتِهِ أَيْ أَدْنَى ثِيَابِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْأَوْسِيِّ خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ الْجُبَّةِ وَخَصَّهُ لِكَوْنِ مِنْدِيلِهِ كَانَ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الثَّوْبِ لَوْنًا أَوْ كَانَ الْحَالُ يَقْتَضِي اسْتِمَالَةَ قَلْبِهِ أَوْ كَانَ يُحِبُّ ذَلِكَ الْجِنْسَ أَوْ كَانَ اللَّامِسُونَ الْمُتَعَجِّبُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ أَنَّهَا أَخْرَجَتْ جبة طيالسة

باب ما جاء في الرخصة في الثوب الاحمر للرجال

كِسْرُوَانِيَّةٍ لَهَا لَبِنَةُ دِيبَاجٍ وَفَرْجَيْهَا مَكْفُوفَيْنِ بِالدِّيبَاجِ وَقَالَتْ هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَلَمَّا قُبِضَتْ قَبَضْتُهَا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا فَنَحْنُ نَغْسِلُهَا لِلْمَرْضَى نَسْتَشْفِي بِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ لِلرِّجَالِ) [1724] قَوْلُهُ (مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْجُمَّةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ مَا سَقَطَ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَاللِّمَّةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ دُونَ الْجُمَّةِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَلَمَّتْ بِالْمَنْكِبَيْنِ وَالْوَفْرَةُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ إِذَا وَصَلَ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ (فِي حُلَّةٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحُلَّةُ بِالضَّمِّ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ بُرْدٌ أَوْ غَيْرُهُ وَلَا يَكُونُ حُلَّةً إِلَّا مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَوْبٍ لَهُ بِطَانَةٌ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْحُلَّةُ هِيَ ثَوْبَانِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ لَا تَكُونُ إِلَّا ثَوْبَيْنِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَحِلُّ عَلَى الْآخَرِ وَقِيلَ لَا تَكُونُ الْحُلَّةُ إِلَّا الثَّوْبَ الْجَدِيدَ الَّذِي يُحَلُّ مِنْ طَيِّهِ (حَمْرَاءَ) قال بن الْهُمَامِ الْحُلَّةُ الْحَمْرَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ ثَوْبَيْنِ مِنَ الْيَمَنِ فِيهَا خُطُوطٌ حُمْرٌ وَخُضْرٌ لَا أَنَّهُ أحمر بحت وقال بن الْقَيِّمِ غَلِطَ مَنْ ظَنَّ أَنَّهَا كَانَتْ حَمْرَاءَ بَحْتًا لَا يُخَالِطُهَا غَيْرُهَا وَإِنَّمَا الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ بُرْدَانِ يَمَانِيَّانِ مَنْسُوجَانِ بِخُطُوطٍ حُمْرٍ مَعَ الْأَسْوَدِ كَسَائِرِ الْبُرُودِ الْيَمَانِيَّةِ وَهِيَ مَعْرُوفَةٌ بِهَذَا الِاسْمِ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهَا مِنَ الْخُطُوطِ وَإِنَّمَا وَقَعَتْ شُبْهَةٌ مِنْ لَفْظِ الْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ وَصَفَهَا بِأَنَّهَا حَمْرَاءُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ وَالْوَاجِبُ الْحَمْلُ عَلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْحَمْرَاءُ الْبَحْتُ وَالْمَصِيرُ إِلَى الْمَجَازِ أَعْنِي كَوْنَ بَعْضِهَا أَحْمَرَ دُونَ بَعْضٍ لَا يُحْمَلُ ذَلِكَ الْوَصْفُ عَلَيْهِ إِلَّا لِمُوجَبٍ فَإِنْ أَرَادَ يعني بن الْقَيِّمِ أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَى الْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ لُغَةً فَلَيْسَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مَا يَشْهَدُ لِذَلِكَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فِيهَا فَالْحَقَائِقُ الشَّرْعِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى وَالْوَاجِبُ حَمْلُ مَقَالَةِ ذَلِكَ الصَّحَابِيِّ عَلَى لُغَةِ الْعَرَبِ لِأَنَّهَا لِسَانُهُ وَلِسَانُ قَوْمِهِ فَإِنْ قَالَ إِنَّمَا فَسَّرَهَا بِذَلِكَ التَّفْسِيرِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ فَمَعَ كون كلامه آببا عَنْ ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِ بِتَغْلِيطِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا الحمراء البحت لا ملجىء إِلَيْهِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ بِدُونِهِ مَعَ أَنَّ

حَمْلَهُ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ عَلَى مَا ذَكَرَ يُنَافِي مَا احْتَجَّ بِهِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ مِنْ إِنْكَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ رَأَى عَلَى رَوَاحِلِهِمْ أَكْسِيَةً فِيهَا خُطُوطٌ حُمْرٌ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى كَرَاهِيَةِ مَا فِيهِ الْخُطُوطُ وَتِلْكَ الْحُلَّةُ كَذَلِكَ بِتَأْوِيلِهِ انْتَهَى (لَهُ شَعْرٌ يَضْرِبُ مَنْكِبَيْهِ) أَيْ إِذَا تَدَلَّى شَعْرُهُ الشَّرِيفُ يَبْلُغُ مَنْكِبَيْهِ (بَعِيدٌ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَرُوِيَ مُكَبَّرًا وَمُصَغَّرًا أَيْ عَرِيضُ أَعْلَى الظَّهْرِ وَوَقَعَ في حديث أبي هريرة عند بن سَعْدٍ رَحْبُ الصَّدْرِ (لَيْسَ بِالْقَصِيرِ وَلَا بِالطَّوِيلِ) أَيِ الْمَعْيُوبَيْنِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ لُبْسِ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ لِلرِّجَالِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ إِلَخْ وَحَدِيثُ هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى يَخْطُبُ عَلَى بَغْلَةٍ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ أَحْمَرُ وَعَلِيٌّ أَمَامَهُ يُعَبِّرُ عَنْهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلِلطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ نَحْوُهُ لَكِنْ قَالَ بِسُوقِ الْمَجَازِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُ كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبٌ أَحْمَرُ يَلْبَسُهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ وروى بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ نَحْوَهُ بِدُونِ ذِكْرِ الْأَحْمَرِ وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ قَالَ خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَعْثِرَانِ وَيَقُومَانِ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو داود والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَنْ قَالَ بِجَوَازِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ جَاءَ الْجَوَازُ مُطْلَقًا عَنْ عَلِيٍّ وَطَلْحَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَالْبَرَاءِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي قِلَابَةَ وأبي وائل وطائفة من التابعين وَذَهَبَتِ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى الْكَرَاهَةِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَقَالَ مَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الْحَافِظُ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ دِينَارٍ وَقِيلَ زَاذَانُ وَقِيلَ عِمْرَانُ وَقِيلَ مُسْلِمٌ وَقِيلَ زِيَادٌ وَقِيلَ يَزِيدُ وَهُوَ كُوفِيٌّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ هَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ طَرِيقًا إِلَّا هَذِهِ الطَّرِيقُ وَلَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ إِسْرَائِيلَ إِلَّا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٌ

وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى على رواحلنا وعلى إبلنا أكسية فيها خطوط عِهْنٍ حُمْرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أَرَى هَذِهِ الْحُمْرَةَ قَدْ عَلَتْكُمْ فَقُمْنَا سِرَاعًا لِقَوْلِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَفَرَ بَعْضُ إِبِلِنَا فَأَخَذْنَا الْأَكْسِيَةَ فَنَزَعْنَاهَا عَنْهَا وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلًا مَجْهُولًا وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ حَدِيثُ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بني أسد قالت قلت يَوْمًا عِنْدَ زَيْنَبَ امْرَأَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَصْبُغُ ثِيَابًا لَهَا بِمَغْرَةٍ فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذَا طَلَعَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَى الْمَغْرَةَ رَجَعَ فَلَمَّا رَأَتْ زَيْنَبُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَدْ كَرِهَ مَا فَعَلَتْ فَأَخَذَتْ فَغَسَلَتْ ثِيَابَهَا وَوَارَتْ كُلَّ حُمْرَةٍ ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَعَ فَاطَّلَعَ فَلَمَّا لَمْ يَرَ شَيْئًا دَخَلَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الْحَافِظُ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَفِيهِمَا مَقَالٌ انْتَهَى وَمِنْ أَقْوَى حُجَجِهِمْ مَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ وَكَذَلِكَ مَا في سنن أبي داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ قَالَ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن لُبْسِ الْقَسِّيِّ وَالْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ وَلَكِنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ أَخَصُّ مِنَ الدَّعْوَى وَغَايَةُ مَا فِي ذَلِكَ تَحْرِيمُ الْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِ مَا عَدَاهَا مَعَ ثُبُوتِ لُبْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ مَرَّاتٍ وَمِنْ أَصْرَحِ أَدِلَّتِهِمْ حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ بُرْدٍ أَوْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ كَمَا قال بن قَانِعٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ الْحُمْرَةَ فَإِيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ وَكُلَّ ثَوْبٍ ذِي شُهْرَةٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمَعْرِفَةِ وبن قانع وبن السكن وبن منده وبن عَدِيٍّ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِيَّاكُمْ وَالْحُمْرَةَ فَإِنَّهَا أَحَبُّ الزِّينَةِ إِلَى الشَّيْطَانِ وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَهَذَا إِنْ صَحَّ كَانَ أَنَصَّ أَدِلَّتِهِمْ عَلَى الْمَنْعِ وَلَكِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ لُبْسَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ فِي غَيْرِ مَرَّةٍ وَيَبْعُدُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَلْبَسَ مَا حَذَّرَنَا مِنْ لُبْسِهِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ يُحِبُّ الْحُمْرَةَ وَلَا يَصِحُّ أن يقال ها هنا فِعْلُهُ لَا يُعَارِضُ الْقَوْلَ الْخَاصَّ بِنَا كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ مُشْعِرَةٌ بِعَدَمِ اخْتِصَاصِ الْخِطَابِ بِنَا إِذْ تَجَنُّبُ مَا يُلَابِسُهُ الشَّيْطَانُ هُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا الرَّاجِحُ إِنْ صَحَّ ذَلِكَ الْحَدِيثُ قُلْتُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا فَعَلَ فِعْلًا لَمْ يُصَاحِبْهُ دَلِيلٌ خَاصٌّ يَدُلُّ عَلَى التَّأَسِّي بِهِ فِيهِ كَانَ مُخَصِّصًا لَهُ عَنْ عُمُومِ الْقَوْلِ الشَّامِلِ لَهُ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ فَيَكُونُ

لُبْسُ الْأَحْمَرِ مُخْتَصًّا بِهِ وَلَكِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْحَافِظُ وَجَزَمَ بِضَعْفِهِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ وَقَدْ بَالَغَ الْجَوْزَقَانِيُّ فَقَالَ بَاطِلٌ فَالْوَاجِبُ الْبَقَاءُ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ الْمُعْتَضَدَةِ بِأَفْعَالِهِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحِ لَا سِيَّمَا مَعَ ثُبُوتِ لُبْسِهِ لِذَلِكَ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَمْ يَلْبَثْ بَعْدَهَا إِلَّا أَيَّامًا يَسِيرَةً وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي تَحْرِيمِ الْمَصْبُوغِ بِالْعُصْفُرِ قَالُوا لِأَنَّ الْعُصْفُرَ يَصْبُغُ صِبَاغًا أَحْمَرَ وَهِيَ أَخَصُّ مِنَ الدَّعْوَى وَسَتَعْرِفُ أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ ذَلِكَ النَّوْعَ مِنَ الْأَحْمَرِ لَا يَحِلُّ لُبْسُهُ وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ لِلرِّجَالِ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهَا لِلِاحْتِجَاجِ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةَ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَالثَّانِي الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ يُكْرَهُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُشَبَّعِ بِالْحُمْرَةِ دُونَ مَا كَانَ صَبْغُهُ خَفِيفًا جَاءَ ذلك عن عطاء وطاؤس ومجاهد وكان الحجة فيه حديث بن عُمَرَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن المفدم أخرجه بن مَاجَهْ وَالْمُفَدَّمُ بِالْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ وَهُوَ الْمُشَبَّعُ بِالْعُصْفُرِ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ وَالرَّابِعُ يُكْرَهُ لُبْسُ الْأَحْمَرِ مُطْلَقًا لِقَصْدِ الزِّينَةِ وَالشُّهْرَةِ وَيَجُوزُ فِي البيوت والمهنة جاء ذلك عن بن عَبَّاسٍ وَالْخَامِسُ يَجُوزُ لُبْسُ مَا كَانَ صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ وَيُمْنَعُ مَا صُبِغَ بَعْدَ النَّسْجِ جَنَحَ إِلَى ذَلِكَ الْخَطَّابِيُّ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْحُلَّةَ الْوَارِدَةَ فِي الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي لُبْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحُلَّةَ الْحَمْرَاءَ إِحْدَى حُلَلِ الْيَمَنِ وَكَذَلِكَ الْبُرْدُ الْأَحْمَرُ وَبُرُودُ الْيَمَنِ يُصْبَغُ غَزْلُهَا ثُمَّ يُنْسَجُ وَالسَّادِسُ اخْتِصَاصُ النَّهْيِ بِمَا يُصْبَغُ بِالْعُصْفُرِ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْهُ وَلَا يمنع ماصبغ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَصْبَاغِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْمَغْرَةِ الْمُتَقَدِّمُ وَالسَّابِعُ تَخْصِيصُ الْمَنْعِ بِالثَّوْبِ الَّذِي يُصْبَغُ كُلُّهُ وَأَمَّا مَا فِيهِ لَوْنٌ آخَرُ غَيْرُ الْأَحْمَرِ مِنْ بَيَاضٍ وَسَوَادٍ وَغَيْرِهِمَا فَلَا وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْحُلَّةِ الْحَمْرَاءِ فَإِنَّ الْحُلَلَ الْيَمَانِيَّةَ غَالِبًا تَكُونُ ذَاتَ خُطُوطٍ حُمْرٍ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ غَالِبَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّذِي أَرَاهُ جَوَازُ لُبْسِ الثِّيَابِ الْمُصْبَغَةِ بِكُلِّ لَوْنٍ إِلَّا أَنِّي لَا أُحِبُّ لُبْسَ مَا كَانَ مُشَبَّعًا بِالْحُمْرَةِ وَلَا لُبْسَ الْأَحْمَرِ مُطْلَقًا ظَاهِرًا فَوْقَ الثِّيَابِ لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِنْ لِبَاسِ أَهْلِ الْمُرُوءَةِ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّ مُرَاعَاةَ زِيِّ الزَّمَانِ مِنَ الْمُرُوءَةِ مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا وَفِي مُخَالَفَتِهِ الزِّيَّ ضَرْبٌ مِنَ الشُّهْرَةِ وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُلَخَّصَ مِنْهُ قَوْلٌ ثَامِنٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ الرَّاجِحُ عِنْدِي مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ هُوَ الْقَوْلُ السَّادِسُ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَافِظِ وَيُعَكِّرُ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْمَغْرَةِ الْمُتَقَدِّمُ فَفِيهِ أَنَّ فِي سَنَدِهِ ضَعْفًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ نَفْسُهُ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ

باب ما جاء في كراهية المعصفر للرجال

إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَفِيهِمَا مَقَالٌ انْتَهَى هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي رِمْثَةَ وَأَبِي جُحَيْفَةَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي لُبْسِ الْحُمْرَةِ لِلرِّجَالِ مِنْ أَبْوَابِ الْأَدَبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رِمْثَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ وَفِي عِدَّةِ أَبْوَابٍ مِنْ صَحِيحِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ) [1725] قَوْلُهُ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ) الْهَاشِمِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُنَيْنٍ الْهَاشِمِيِّ مَوْلَاهُمْ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْقَسِّيِّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ هِيَ ثِيَابٌ مُضَلَّعَةٌ بِالْحَرِيرِ تُعْمَلُ بِالْقَسِّ بِفَتْحِ الْقَافِ مَوْضِعٌ مِنْ بِلَادِ مِصْرَ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ قَرِيبٌ مِنَ التِّنِّيسِ وَقِيلَ إِنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلى القز وهو ردئ الْحَرِيرِ فَأُبْدِلَتِ الزَّايُ سِينًا (وَالْمُعَصْفَرِ) هُوَ الْمَصْبُوغُ بِالْعُصْفُرِ كَمَا فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَشُرُوحِ الْحَدِيثِ وَالْعُصْفُرُ يَصْبُغُ صِبَاغًا أَحْمَرَ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّهْيِ التَّحْرِيمُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الرَّاجِحُ تَحْرِيمُ الثِّيَابِ الْمُعَصْفَرَةِ وَالْعُصْفُرُ وَإِنْ كَانَ يَصْبُغُ صبغا أحمر كما قال بن الْقَيِّمِ فَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَلْبَسُ حُلَّةً حَمْرَاءَ لِأَنَّ النَّهْيَ

باب ما جاء في لبس الفراء

فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَتَوَجَّهُ إِلَى نَوْعٍ خَاصٍّ مِنَ الْحُمْرَةِ وَهِيَ الْحُمْرَةُ الْحَاصِلَةُ عَنْ صِبَاغِ الْعُصْفُرِ انْتَهَى وَقَدْ عَقَدَ التِّرْمِذِيُّ فِي أَبْوَابِ الْآدَابِ بَابًا أَيْضًا بِلَفْظِ بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم السلام ثُمَّ قَالَ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ كَرِهَ لُبْسَ الْمُعَصْفَرِ وَرَأَوْا أَنَّ مَا صُبِغَ بِالْحُمْرَةِ بِالْمَدَرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُعَصْفَرًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَالَ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ فَقَالَ أُمُّكَ أَمَرَتْكَ بِهَذَا قُلْتُ أَغْسِلُهُمَا قَالَ بَلْ أَحْرِقْهُمَا وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ثَنِيَّةٍ فَالْتَفَتَ إِلَيَّ وَعَلَيَّ رَيْطَةٌ مُضَرَّجَةٌ بِالْعُصْفُرِ فَقَالَ مَا هَذِهِ فَعَرَفْتُ مَا كَرِهَ فَأَتَيْتُ أَهْلِي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورَهُمْ فَقَذَفْتُهَا فِيهِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا فَعَلَتِ الرَّيْطَةُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ أَلَا كَسَوْتَهَا بَعْضَ أَهْلِكَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَزَادَ فَإِنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلنِّسَاءِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيٍّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وبن مَاجَهْ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى (بَاب مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْفِرَاءِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ جَمْعُ فَرْوٍ وَهُوَ لُبْسٌ كَالْجُبَّةِ يُبَطَّنُ مِنْ جُلُودِ بَعْضِ الْحَيَوَانَاتِ كَالْأَرَانِبِ وَالسَّمُّورِ يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ بوستين [1726] قَوْلُهُ (عَنْ سَيْفِ بْنِ هَارُونَ) الْبُرْجُمِيِّ قَالَ فِي النَّيْلِ هُوَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ

التهذيب في ترجمته روى له الترمذي وبن مَاجَهْ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي السُّؤَالِ عَنِ الْفِرَاءِ وَالسَّمْنِ وَالْجُبُنِّ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (عَنِ السَّمْنِ وَالْجُبُنِّ) كَعُتُلٍّ هُوَ لَبَنٌ يُجَمَّدُ يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ بنير (والفراء) قال القارىء بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْمَدِّ جَمْعُ الْفَرَاءِ بِفَتْحِ الْفَاءِ مَدًّا وَقَصْرًا وَهُوَ حِمَارُ الْوَحْشِ قَالَ الْقَاضِي وقيل هو ها هنا جَمْعُ الْفَرْوِ الَّذِي يُلْبَسُ وَيَشْهَدُ لَهُ صَنِيعُ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ كَالتِّرْمِذِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي بَابِ لبس الفرو وذكره بن مَاجَهْ فِي بَابِ السَّمْنِ وَالْجُبُنِّ وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ عُلَمَائِنَا وَقِيلَ هَذَا غَلَطٌ بَلْ جمع الفرو الذي يلبس وإنما سألوه عنها حَذَرًا مِنْ صَنِيعِ أَهْلِ الْكُفْرِ فِي اتِّخَاذِهِمُ الْفِرَاءَ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ مِنْ غَيْرِ دِبَاغٍ وَيَشْهَدُ لَهُ أَنَّ عُلَمَاءَ الْحَدِيثِ أَوْرَدُوا هَذَا الْحَدِيثَ فِي بَابِ اللِّبَاسِ انْتَهَى (الْحَلَالُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ) أَيْ بَيَّنَ تَحْلِيلَهُ (فِي كِتَابِهِ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) أَيْ بَيَّنَ تَحْرِيمَهُ (فِي كِتَابِهِ) يَعْنِي إِمَّا مُبَيَّنًا وَإِمَّا مُجْمَلًا بِقَوْلِهِ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا لِئَلَّا يَشْكُلَ بِكَثِيرٍ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي صَحَّ تَحْرِيمُهَا بِالْحَدِيثِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الْكِتَابِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الْمُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى حَصْرِ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ عَلَى الْكِتَابِ الْعَزِيزِ هُوَ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَحْكَامِ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْعُمُومِ أَوِ الْإِشَارَةِ أَوْ بِاعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ لِحَدِيثِ إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ انْتَهَى (وَمَا سَكَتَ) أَيِ الْكِتَابُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ بَيَانِهِ أَوْ وَمَا أَعْرَضَ اللَّهُ عَنْ بَيَانِ تَحْرِيمِهِ وَتَحْلِيلِهِ رَحْمَةً مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ (فَهُوَ مِمَّا عَفَا عَنْهُ) أَيْ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ وَأَبَاحَ فِي أَكْلِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما في الأرض جميعا تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى إِبَاحَةِ أَكْلِ التُّنْبَاكِ وَشُرْبِ دُخَانِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا في الأرض جميعا وَبِالْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي إِرْشَادِ السائل إلى أدلة المسائل بعد ما أَثْبَتَ أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْأَرْضِ حَلَالٌ إِلَّا بِدَلِيلٍ مَا لَفْظُهُ إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّ هَذِهِ الشَّجَرَةَ الَّتِي سَمَّاهَا بَعْضُ النَّاسِ التُّنْبَاكَ وَبَعْضُهُمُ التُّوتُونَ لَمْ يَأْتِ فِيهَا دَلِيلٌ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا وَلَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الْمُسْكِرَاتِ وَلَا مِنَ السُّمُومِ وَلَا مِنْ جِنْسِ مَا يَضُرُّ آجِلًا أَوْ عَاجِلًا فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهَا حَرَامٌ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ وَلَا يُفِيدُ مُجَرَّدُ الْقَالِ وَالْقِيلِ انْتَهَى

باب ما جاء في جلود الميتة إذا دبغت

قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْإِبَاحَةُ لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ الْإِضْرَارِ وَأَمَّا مَا إِذَا كَانَتْ مُضِرَّةً فِي الْآجِلِ أَوِ الْعَاجِلِ فَكَلَّا ثُمَّ كَلَّا وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الشَّوْكَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ وَلَا مِنْ جِنْسِ مَا يَضُرُّ آجِلًا أَوْ عَاجِلًا وَأَكْلُ التُّنْبَاكِ وَشُرْبُ دُخَانِهِ بِلَا مِرْيَةٍ وَإِضْرَارُهُ عَاجِلًا ظَاهِرٌ غَيْرُ خَفِيٍّ وَإِنْ كَانَ لِأَحَدٍ فِيهِ شَكٌّ فَلْيَأْكُلْ مِنْهُ وَزْنَ رُبُعِ دِرْهَمٍ أَوْ سُدُسِهِ ثُمَّ لِيَنْظُرْ كَيْفَ يَدُورُ رَأْسُهُ وَتَخْتَلُّ حَوَاسُّهُ وَتَتَقَلَّبُ نَفْسُهُ حَيْثُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا أَوِ الدِّينِ بَلْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُومَ أَوْ يَمْشِيَ وَمَا هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ مُضِرٌّ بِلَا شَكٍّ فَقَوْلُ الشَّوْكَانِيِّ وَلَا مِنْ جِنْسِ مَا يَضُرُّ آجِلًا أَمْ عَاجِلًا لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا ظَهَرَ لَكَ أَنَّ إِضْرَارَهُ عَاجِلًا هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى عَدَمِ إِبَاحَةِ أَكْلِهِ وَشُرْبِ دُخَانِهِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الْمُغِيرَةِ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَفِي سَنَدِهِ سَيْفُ بْنُ هَارُونَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ (بَاب مَا جَاءَ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ) [1727] قَوْلُهُ (أَلَا نَزَعْتُمْ جِلْدَهَا ثُمَّ دَبَغْتُمُوهُ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جُلُودَ الْمَيْتَةِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا أَيَّ اسْتِمْتَاعٍ كَانَ إِلَّا بَعْدَ الدِّبَاغِ وَأَمَّا قَبْلَ الدِّبَاغِ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ ذِكْرُ الدِّبَاغِ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الرِّوَايَةِ المقيدة بالدباغ

قوله (وفي الباب عن سلمة بن المحبق) بِضَمٍّ وَفَتْحِ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَشَدَّةِ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَبِقَافٍ وَالْمُحَدِّثُونَ يَفْتَحُونَ الْبَاءَ كَذَا فِي الْمُغْنِي (وَمَيْمُونَةَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبِّقِ فأخرجه بن حِبَّانَ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِبَاغُ جُلُودِ الْمَيْتَةِ طُهُورُهَا وقد أخرج غير بن حِبَّانَ هَذَا الْحَدِيثَ بِأَلْفَاظٍ أُخْرَى ذَكَرهَا صَاحِبُ السُّبُلِ وَأَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفِيهِ فَقَالَ لَوْ أَخَذْتُمْ إِهَابَهَا فَقَالُوا إِنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَنْ يُنْتَفَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دبغت قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أن بن ماجه قال فيه عن ميمونة جعل مِنْ مُسْنَدِهَا قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ الله في موطأه بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ وَبِهَذَا نَأْخُذُ إِذَا دُبِغَ إِهَابُ الْمَيْتَةِ فَقَدْ طَهُرَ وَهُوَ ذَكَاتُهُ وَلَا بَأْسَ بِالِانْتِفَاعِ بِهِ وَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ انْتَهَى وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّهُ لَا يَطْهُرُ شَيْءٌ مِنَ الْجُلُودِ بِالدِّبَاغِ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ الْآتِي وَهُوَ حَدِيثٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ كَمَا سَتَعْرِفُ [1728] قَوْلُهُ (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الْمِصْرِيِّ صَدُوقٌ (أَيُّمَا

إِهَابٍ) كَكِتَابٍ الْجِلْدُ أَوْ مَا لَمْ يُدْبَغْ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ وَفِي الصِّحَاحِ الْإِهَابُ الْجِلْدُ مَا لَمْ يُدْبَغْ (دُبِغَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ صِفَةُ الْإِهَابِ وَالدِّبَاغُ بِكَسْرِ الدَّالِ عِبَارَةٌ عَنْ إِزَالَةِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَالرُّطُوبَاتِ النَّجِسَةِ بِاسْتِعْمَالِ الْأَدْوِيَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ كُلُّ شَيْءٍ يَمْنَعُ الْجِلْدَ مِنَ الْفَسَادِ فَهُوَ دِبَاغٌ (فَقَدْ طَهُرَ) أَيْ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الْيَابِسَةِ وَالْمَائِعَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَأْكُولِ اللَّحْمِ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وبن مَاجَهْ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيُّمَا إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ إِلَّا الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ) اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى استثناء الخنزير بقوله تعالى فإنه رجس وجعل الضمير عائذا إِلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَقَاسَ الْكَلْبَ عَلَيْهِ بِجَامِعِ النَّجَاسَةِ قَالَ لِأَنَّهُ لَا جِلْدَ لَهُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ مُتَعَقِّبًا عَلَى الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ مَا لَفْظُهُ وَاحْتِجَاجُ الشَّافِعِيِّ بِالْآيَةِ عَلَى إِخْرَاجِ الْخِنْزِيرِ وَقِيَاسِ الْكَلْبِ عَلَيْهِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بَعْدَ تَسْلِيمِ أَنَّ الضَّمِيرَ يَعُودُ إِلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ دُونَ الْمُضَافِ وَأَنَّهُ مَحَلُّ نِزَاعٍ وَلَا أَقَلَّ مِنَ الِاحْتِمَالِ إِنْ لَمْ يَكُنْ رُجُوعُهُ إِلَى الْمُضَافِ رَاجِحًا وَالْمُحْتَمَلُ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْخَصْمِ وَأَيْضًا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ رِجْسِيَّةُ الْخِنْزِيرِ عَلَى تَسْلِيمِ شُمُولِهَا لِجَمِيعِهِ لَحْمًا وَشَعْرًا وَجِلْدًا وَعَظْمًا مُخَصَّصَةٌ بِأَحَادِيثِ الدِّبَاغِ انْتَهَى (وَكَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُبْسَ جُلُودِ السِّبَاعِ وَشَدَّدُوا فِي لُبْسِهَا وَالصَّلَاةِ فِيهَا) لِحَدِيثِ أَبِي الْمَلِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ينهى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ أَنْ تُفْتَرَشَ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ أَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ عَلَى أَنَّ الدِّبَاغَ لَا يُطَهِّرُ جُلُودَ السِّبَاعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُخَصِّصَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّ الدِّبَاغَ مُطَهِّرٌ عَلَى الْعُمُومِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهَا مُجَرَّدُ النَّهْيِ عَنِ الرُّكُوبِ عَلَيْهَا وَافْتِرَاشِهَا وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ كَمَا لَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ النَّهْيِ عَنِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ وَنَجَاسَتِهِمَا فَلَا مُعَارَضَةَ بَلْ يُحْكَمُ بِالطَّهَارَةِ بِالدِّبَاغِ مَعَ مَنْعِ الرُّكُوبِ عَلَيْهَا وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ أَعَمُّ مِنْ وَجْهٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّ الدِّبَاغَ مُطَهِّرٌ عَلَى الْعُمُومِ لِشُمُولِهَا لِمَا كَانَ مَدْبُوغًا مِنْ جُلُودِ السِّبَاعِ وَمَا كَانَ غَيْرَ مَدْبُوغٍ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ (قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ إِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّمَا

إِهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ إِنَّمَا يَعْنِي بِهِ جِلْدَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ هَكَذَا فَسَّرَهُ النَّضْرُ بن شميل وقال إنما يقال إهاب الجلد مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ هَذَا يُخَالِفُ مَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ إِنَّمَا يُسَمَّى إِهَابًا مَا لَمْ يُدْبَغْ فَإِذَا دُبِغَ لَا يُقَالُ لَهُ إِهَابٌ إِنَّمَا يُسَمَّى شَنًّا وَقِرْبَةً انْتَهَى فَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ تَخْصِيصُهُ بِجِلْدِ الْمَأْكُولِ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ عَنْهُ أَرْجَحُ لِمُوَافَقَتِهَا مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ كَصَاحِبِ الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَالنِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمَبْحَثُ لُغَوِيٌّ فَيُرَجَّحُ مَا وَافَقَ اللُّغَةَ وَلَمْ نَجِدْ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ اللُّغَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْإِهَابِ بِإِهَابِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ كَمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ (وكره بن الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْحُمَيْدِيُّ الصَّلَاةَ فِي جُلُودِ السِّبَاعِ) أَيْ وَلَوْ كَانَتْ مَدْبُوغَةً لِحَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِبَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا [1729] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ مُخَضْرَمٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (أَنْ لَا تَنْتَفِعُوا مِنَ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ) بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ فِي شَرْحِ مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَعَصَبُ الْمَيْتَةِ نَجَسٌ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ فِيهِ حَيَاةً بِدَلِيلِ تَأَلُّمِهِ بِالْقَطْعِ وَقِيلَ طَاهِرٌ فَإِنَّهُ عَظْمٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ قِيلَ إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ نَاسِخٌ لِلْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي الدِّبَاغِ لِمَا فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَتَانَا كِتَابُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ لِأَنَّهُ لَا يُقَاوِمُ تِلْكَ الْأَحَادِيثَ صِحَّةً وَاشْتِهَارًا ثُمَّ إِنَّ بن عُكَيْمٍ لَمْ يَلْقَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا حَدَّثَ عَنْ حِكَايَةِ حَالٍ وَلَوْ ثَبَتَ فَحَقُّهُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى نَهْيِ الِانْتِفَاعِ قَبْلَ الدِّبَاغِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه النسائي وبن ماجه وفي كونه حسنا كلا كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ (وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ

باب ما جاء في كراهية جر الازار

الدِّبَاغَ يُطَهِّرُ فِي الْجُمْلَةِ لِصِحَّةِ النُّصُوصِ بِهِ وخبر بن عُكَيْمٍ لَا يُقَارِبُهَا فِي الصِّحَّةِ وَالْقُوَّةِ لِيَنْسَخَهَا انْتَهَى (ثُمَّ تَرَكَ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ لَمَّا اضْطَرَبُوا فِي إِسْنَادِهِ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَازِمٍ الْحَافِظُ وَقَدْ حَكَى الْخَلَّالُ فِي كِتَابِهِ أَنَّ أَحْمَدَ تَوَقَّفَ في حديث بن عُكَيْمٍ لَمَّا رَأَى تَزَلْزُلَ الرُّوَاةِ فِيهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ تَصْنِيفُهُ وحديث بن عُكَيْمٍ مُضْطَرِبٌ جِدًّا فَلَا يُقَاوِمُ الْأَوَّلَ لِأَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ يَعْنِي حَدِيثَ مَيْمُونَةَ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَنِ أَصَحُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عن بن عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ جَرِّ الْإِزَارِ) [1730] قَوْلُهُ (لَا يَنْظُرُ اللَّهُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ لَا يَرْحَمُهُ فَالنَّظَرُ إِذَا أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ كَانَ مَجَازًا وَإِذَا أُضِيفَ إِلَى الْمَخْلُوقِ كَانَ كِنَايَةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَيْهِ نَظَرَ رَحْمَةٍ وَقَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ الْعِرَاقِيَّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ عَبَّرَ عَنِ الْمَعْنَى الْكَائِنِ عِنْدَ النَّظَرِ بِالنَّظَرِ لِأَنَّ مَنْ نَظَرَ إِلَى مُتَوَاضِعٍ رَحِمَهُ وَمَنْ نَظَرَ إِلَى مُتَكَبِّرٍ مَقَتَهُ فَالرَّحْمَةُ وَالْمَقْتُ مُتَسَبِّبَانِ عَنِ النَّظَرِ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ نِسْبَةُ النَّظَرِ لِمَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ النَّظَرُ كِنَايَةٌ لِأَنَّ مَنِ اعْتَدَّ بِالشَّخْصِ الْتَفَتَ إِلَيْهِ ثُمَّ كَثُرَ حَتَّى صَارَ عِبَارَةً عَنِ الْإِحْسَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَظَرٌ وَلِمَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ حَقِيقَةُ النَّظَرِ وَهُوَ تَقْلِيبُ

الْحَدَقَةِ وَاَللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَعْنَى الْإِحْسَانِ مَجَازٌ عَمَّا وَقَعَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ كِنَايَةً وَقَوْلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ مَحَلُّ الرَّحْمَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ بِخِلَافِ رَحْمَةِ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا قَدْ تَنْقَطِعُ بِمَا يَتَجَدَّدُ مِنَ الْحَوَادِثِ وَيُؤَيِّدُ مَا ذُكِرَ مِنْ حَمْلِ النَّظَرِ عَلَى الرَّحْمَةِ أَوِ الْمَقْتِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَصْلُهُ فِي أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُرَيٍّ أَنَّ رَجُلًا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَبِسَ بُرْدَةً فَتَبَخْتَرَ فِيهَا فَنَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فَمَقَتَهُ فَأَمَرَ الْأَرْضَ فَأَخَذَتْهُ الْحَدِيثَ انْتَهَى قُلْتُ الْأَوْلَى بَلِ الْمُتَعَيِّنُ أَنْ يُحْمَلَ مَا وَرَدَ مِنَ النَّظَرِ وَنَحْوِهِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِرَارًا (إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ) هُوَ شَامِلٌ لِلْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ وَغَيْرِهِمَا وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ مِنْهَا شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (خُيَلَاءَ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالْمَدِّ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ وَالْمَخِيلَةُ وَالْبَطَرُ وَالْكِبْرُ وَالزَّهْوُ وَالتَّبَخْتُرُ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَمُرَةَ وَأَبِي ذَرٍّ وَعَائِشَةَ وَهُبَيْبِ بْنِ مغفل) أما حديث حذيفة فأخرجه بن مَاجَهْ فِي بَابِ مَوْضِعِ الْإِزَارِ أَيْنَ هُوَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَفِيهِ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مُسْبِلٍ وَأَمَّا حَدِيثُ هُبَيْبِ بْنِ مُغْفِلٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَهُبَيْبٌ بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا وَمُغْفِلٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي التَّجْرِيدِ قِيلَ لِوَالِدِ هُبَيْبٍ مُغْفِلٌ لِأَنَّهُ أَغْفَلَ سِمَةَ إِبِلِهِ قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ تَنْبِيهٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ إِسْبَالَ الْإِزَارِ لِلْخُيَلَاءِ كَبِيرَةٌ وَأَمَّا الْإِسْبَالُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ فَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ تَحْرِيمُهُ أَيْضًا لَكِنِ اسْتُدِلَّ بِالتَّقْيِيدِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِالْخُيَلَاءِ عَلَى أَنَّ الْإِطْلَاقَ فِي الزَّجْرِ الْوَارِدِ فِي ذَمِّ الْإِسْبَالِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُقَيَّدِ هُنَا فَلَا يَحْرُمُ الْجَرُّ وَالْإِسْبَالُ إِذَا سَلِمَ مِنَ الخيلاء قال بن عَبْدِ الْبَرِّ مَفْهُومُهُ أَنَّ الْجَرَّ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ لَا يَلْحَقُهُ الْوَعِيدُ إِلَّا

أَنَّ جَرَّ الْقَمِيصِ وَغَيْرِهِ مِنَ الثِّيَابِ مَذْمُومٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْإِسْبَالُ تَحْتَ الْكَعْبَيْنِ لِلْخُيَلَاءِ حَرَامٌ فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِهَا فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَهَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَرِّ لِلْخُيَلَاءِ وَلِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ قَالَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْإِزَارُ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ وَالْجَائِزُ بِلَا كَرَاهَةٍ مَا تَحْتَهُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مَمْنُوعٌ مَنْعَ تَحْرِيمٍ إِنْ كَانَ لِلْخُيَلَاءِ وَإِلَّا فَمَنْعُ تَنْزِيهٍ لِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْإِسْبَالِ مُطْلَقَةٌ فَيَجِبُ تَقْيِيدُهَا بالإسبال للخيلاء انتهى وقال بن الْعَرَبِيِّ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجَاوِزَ بِثَوْبِهِ كَعْبَهُ وَيَقُولُ لَا أَجُرُّهُ خُيَلَاءَ لِأَنَّ النَّهْيَ قَدْ تَنَاوَلَهُ لَفْظًا وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَنَاوَلَهُ اللَّفْظُ حُكْمًا أَنْ يَقُولَ لَا أَمْتَثِلُهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْعِلَّةَ لَيْسَتْ فِيَّ فَإِنَّهَا دَعْوَى غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ بَلْ إِطَالَتُهُ ذَيْلَهُ دَالَّةٌ عَلَى تَكَبُّرِهِ انْتَهَى وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْإِسْبَالَ يَسْتَلْزِمُ جَرَّ الثَّوْبِ وَجَرَّ الثَّوْبِ يَسْتَلْزِمُ الْخُيَلَاءَ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ اللَّابِسُ الْخُيَلَاءَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ منيع من وجه آخر عن بن عُمَرَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ رَفَعَهُ وَإِيَّاكَ وَجَرَّ الْإِزَارِ فَإِنَّ جَرَّ الْإِزَارِ مِنَ الْمَخِيلَةِ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا لَحِقَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيُّ فِي حُلَّةٍ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ قَدْ أَسْبَلَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بناحية ثوبه ويتواضع لله ويقول عبدك وبن عَبْدِكَ وَأَمَتِكَ حَتَّى سَمِعَهَا عَمْرٌو فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَمْشُ السَّاقَيْنِ فَقَالَ يَا عَمْرُو إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خلقه يا عمرو وإن اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُسْبِلَ الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَمْرٍو نَفْسِهِ لَكِنْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ فُلَانٍ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا فَقَالَ عَنْ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ وَفِيهِ وَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ تَحْتَ رُكْبَةِ عَمْرٍو فَقَالَ يَا عَمْرُو هَذَا مَوْضِعُ الْإِزَارِ ثُمَّ ضَرَبَ بِأَرْبَعِ أَصَابِعَ تَحْتَ الْأَرْبَعِ فَقَالَ يَا عَمْرُو هَذَا مَوْضِعُ الْإِزَارِ الْحَدِيثَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ عَمْرًا الْمَذْكُورَ لَمْ يَقْصِدْ بِإِسْبَالِهِ الْخُيَلَاءَ وَقَدْ مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مَظِنَّتَهُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الشَّرِيدِ الثَّقَفِيِّ قَالَ أَبْصَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا قَدْ أَسْبَلَ إِزَارَهُ فَقَالَ ارْفَعْ إِزَارَكَ فَقَالَ إِنِّي أَحْنَفُ تَصْطَكُّ رُكْبَتَايَ قَالَ ارْفَعْ إِزَارَكَ فَكُلُّ خَلْقِ اللَّهِ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ مُسَدَّدٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طُرُقٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ ثَقِيفٍ لَمْ يُسَمَّ وَفِي آخِرِهِ وَذَاكَ أَقْبَحُ مما بساقك وأما ما أخرجه بن أبي شيبة عن بن مَسْعُودٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ أَنَّهُ كَانَ يُسْبِلُ إِزَارَهُ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي حَمْشُ السَّاقَيْنِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَسْبَلَهُ زِيَادَةً عَلَى الْمُسْتَحَبِّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ إِلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ جَاوَزَ بِهِ الْكَعْبَيْنِ وَالتَّعْلِيلُ يُرْشِدُ إِلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ لَمْ تَبْلُغْهُ قِصَّةُ عَمْرِو بْنِ زُرَارَةَ وَاَللَّهُ أعلم وأخرجه النسائي وبن ماجه وصححه بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِرِدَاءِ سُفْيَانَ بْنِ سُهَيْلٍ وَهُوَ يَقُولُ يَا سُفْيَانُ لَا تُسْبِلْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المسبلين

باب ما جاء في جر ذيول النساء

9 - (باب ما جاء في جر ذيول النساء) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الذَّيْلُ آخِرُ كُلِّ شَيْءٍ وَمِنَ الْإِزَارِ وَالثَّوْبِ مَا جُرَّ [1731] قَوْلُهُ (يُرْخِينَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الْإِرْخَاءِ وَهُوَ الْإِرْسَالُ أَيْ يُرْسِلْنَ مِنْ ثِيَابِهِنَّ (شِبْرًا) أَيْ مِنْ نِصْفِ السَّاقَيْنِ (إِذًا) بِالتَّنْوِينِ (فَيُرْخِينَهُ) أَيِ الذَّيْلَ (لَا يزدن عليه) أي على قدر الذارع قَالَ الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ بِهِ الذِّرَاعُ الشَّرْعِيُّ إِذْ هُوَ أَقْصَرُ مِنَ الْعُرْفِيِّ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ حديث بن عُمَرَ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَلَيْسَتْ فِيهِ زِيَادَةٌ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ يَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ بَطَرًا مَا لفظه قوله ومن يَتَنَاوَلُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ فِي الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ عَلَى هَذَا الْفِعْلِ الْمَخْصُوصِ وَقَدْ فَهِمَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ فَقَالَ يُرْخِينَ شِبْرًا فَقَالَتْ إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَقَدْ عَزَا بَعْضُهُمْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لِمُسْلِمٍ فَوَهَمَ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُ وَكَأَنَّ مُسْلِمًا أَعْرَضَ عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهَا عَلَى نَافِعٍ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ نَافِعٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ نَفْسِهَا وَفِيهِ اخْتِلَافَاتٌ أُخْرَى وَمَعَ ذَلِكَ فَلَهُ شَاهِدٌ من حديث بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بكر الصديق عن بن عُمَرَ قَالَ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ شِبْرًا ثُمَّ اسْتَزَدْنَهُ فَزَادَهُنَّ شِبْرًا فَكُنَّ يُرْسِلْنَ إِلَيْنَا فَنَذْرَعُ لَهُنَّ ذِرَاعًا وَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ قَدْرَ الذِّرَاعِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَأَنَّهُ شِبْرَانِ بِشِبْرِ الْيَدِ الْمُعْتَدِلَةِ انْتَهَى

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَفِي الْحَدِيثِ رُخْصَةٌ لِلنِّسَاءِ فِي جَرِّ الْإِزَارِ لِأَنَّهُ يَكُونُ أَسْتَرُ لَهُنَّ) قَالَ الْحَافِظُ إِنَّ لِلرِّجَالِ حَالَيْنِ حَالُ اسْتِحْبَابٍ وَهُوَ أَنْ يَقْتَصِرَ بِالْإِزَارِ عَلَى نِصْفِ السَّاقِ وَحَالُ جَوَازٍ وَهُوَ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَكَذَلِكَ لِلنِّسَاءِ حَالَانِ حَالُ اسْتِحْبَابٍ وَهُوَ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا هُوَ جَائِزٌ لِلرِّجَالِ بِقَدْرِ الشِّبْرِ وَحَالُ جَوَازٍ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي حَقِّ النِّسَاءِ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ مُعْتَمِرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّرَ لِفَاطِمَةَ مِنْ عَقِبِهَا شِبْرًا وَقَالَ هَذَا ذَيْلُ الْمَرْأَةِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى بِلَفْظِ شَبَّرَ مِنْ ذَيْلِهَا شِبْرًا أَوْ شِبْرَيْنِ وَقَالَ لَا تَزِدْنَ عَلَى هَذَا وَلَمْ يُسَمِّ فَاطِمَةَ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ مُعْتَمِرٌ وأو شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَاَلَّذِي جَزَمَ بِالشِّبْرِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ يَعْنِي الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ هَذَا [1732] قوله (عن علي بن يزيد) هُوَ مَعْرُوفٌ بِعَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ضَعِيفٌ مِنَ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قُلْتُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا رَفَعَ الشَّيْءَ الَّذِي يُوقِفُهُ غَيْرُهُ يَرْوِي عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَأُمِّهِ خَيْرَةَ وَخَلْقٍ (عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ) الْحَسَنُ هَذَا هُوَ الْبَصْرِيُّ وَاسْمُ أُمِّهِ خَيْرَةُ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ خَيْرَةُ أُمُّ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ مَوْلَاةُ أُمِّ سَلَمَةَ مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (شَبَّرَ) مِنَ التَّشْبِيرِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ شَبَّرَ تَشْبِيرًا قَدَّرَ (لِفَاطِمَةَ شِبْرًا) بِكَسْرِ الشِّينِ هُوَ مَا بَيْنَ أَعْلَى الْإِبْهَامِ وَأَعْلَى الْخِنْصَرِ (مِنْ نِطَاقِهَا) بِكَسْرِ النُّونِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ النِّطَاقُ كَكِتَابٍ شُقَّةٌ تَلْبَسُهَا الْمَرْأَةُ تَشُدُّ وَسَطَهَا فَتُرْسِلُ الْأَعْلَى عَلَى الْأَسْفَلِ إِلَى الْأَرْضِ وَالْأَسْفَلُ يَنْجَرُّ عَلَى الْأَرْضِ لَيْسَ لَهَا حُجْزَةٌ وَلَا نَيْفَقٌ وَلَا سَاقَانِ انْتَهَى وَالْمَعْنَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قدر لفاطمة النبي صلى الله عليه وسلم أَنْ تُرْخِيَ قَدْرَ شِبْرٍ مِنْ نِطَاقِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ الْجَرِّ لِلنِّسَاءِ قَوْلُهُ (وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ علي بن يزد عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ

باب ما جاء في لبس الصوف

سَلَمَةَ) عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ يَرْوِي عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَنْ أُمِّهِ أَيْضًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ بِوَاسِطَةِ الْحَسَنِ وَعَنْهَا بِلَا وَسَاطَةٍ أَيْضًا وَلَمْ يَحْكُمِ التِّرْمِذِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ وفي سنده علي بن يزيد وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي لبس الصوف) قال في الصراح صوف يشم كوسيند قال بن بَطَّالٍ كَرِهَ مَالِكٌ لُبْسَ الصُّوفِ لِمَنْ يَجِدُ غيره لما فيه من الشهرة بالزهر لِأَنَّ إِخْفَاءَ الْعَمَلِ أَوْلَى قَالَ وَلَمْ يَنْحَصِرِ التَّوَاضُعُ فِي لُبْسِهِ بَلْ فِي الْقُطْنِ وَغَيْرِهِ مَا هُوَ بِدُونِ ثَمَنِهِ [1733] قَوْلُهُ (كِسَاءً) بِكَسْرِ الْكَافِ هُوَ مَا يَسْتُرُ أَعْلَى الْبَدَنِ وَالْإِزَارُ مَا يَسْتُرُ أَسْفَلَهُ (مُلَبَّدًا) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّلْبِيدِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ مُرَقَّعًا وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْمُهَلَّبُ يُقَالُ لِلرُّقْعَةِ الَّتِي يُرَقَّعُ بِهَا الْقَمِيصُ لُبْدَةٌ وَقَالَ غَيْرُهُ الَّتِي ضُرِبَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ حَتَّى تَتَرَاكَبَ وَتَجْتَمِعَ (قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَيْنِ) أَيْ فِي هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ وَكَأَنَّهُ إِجَابَةٌ لِدُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضِ عَنْ مَتَاعِهَا وَمَلَاذِّهَا فَيَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ أَنْ يَقْتَدُوا وَأَنْ يَقْتَفُوا عَلَى أَثَرِهِ فِي جَمِيعِ سَيْرِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن علي وبن مَسْعُودٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ فِي تَرْكِ التَّرَفُّعِ فِي اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا وَاقْتِدَاءً بِأَشْرَفِ الْخَلْقِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [1734] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ) بْنِ صَاعِدٍ الْأَشْجَعِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو أَحْمَدَ الْكُوفِيُّ نَزَلَ وَاسِطَ

باب ما جاء في العمامة السوداء

ثُمَّ بَغْدَادَ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ بِآخِرِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ رَأَى عَمْرَو بْنَ حُرَيْثٍ الصَّحَابِيَّ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ ذلك بن عُيَيْنَةَ وَأَحْمَدُ مِنَ الثَّامِنَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ) الْكُوفِيِّ الْقَاضِي الْمُلَائِيِّ يُقَالُ هو بن عطاء أو بن عَلِيٍّ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (وَكُمَّةُ صُوفٍ) بِضَمِّ كَافٍ وَشِدَّةِ مِيمٍ هِيَ الْقَلَنْسُوَةُ الصَّغِيرَةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ تَوَهَّمَ الْحَاكِمُ أَنَّ حُمَيْدًا الْأَعْرَجَ هَذَا هُوَ حُمَيْدُ بْنُ قَيْسٍ الْمَكِّيُّ وإنما هو حميد بن علي وقيل بن عَمَّارٍ أَحَدُ الْمَتْرُوكِينَ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعِمَامَةِ السَّوْدَاءِ) قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْعِمَامَةِ السَّوْدَاءِ [1735] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وبن عَبَّاسٍ وَرُكَانَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والترمذي وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَعَلَيْهِ

باب في سدل العمامة بين الكتفين

عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ كما في النيل وأما حديث بن عَبَّاسٍ وَحَدِيثُ رُكَانَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا قَوْلُهُ (حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ 2 - (بَاب فِي سَدْلِ الْعِمَامَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ) أَيْ إِرْسَالِهَا وَإِرْخَائِهَا بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَقَعْ هَذَا الْبَابُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ [1736] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بن محمد المديني) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِهْرَانَ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ يُقَال لَهُ الْجَارِيُّ بِجِيمٍ وَرَاءٍ خَفِيفَةٍ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (إِذَا اعْتَمَّ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ لَفَّ الْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِهِ (سَدَلَ) أَيْ أَرْسَلَ وَأَرْخَى (عِمَامَتَهُ) أَيْ طَرَفَهَا الَّذِي يُسَمَّى الْعَلَامَةَ وَالْعَذَبَةَ (بَيْنَ كَتِفَيْهِ) بِالتَّثْنِيَةِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ إِرْخَاءِ طَرَفِهَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَقَدْ وَرَدَ فِي إِرْخَاءِ الْعَذَبَةِ أَحَادِيثُ عَلَى أَنْوَاعٍ فَمِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى إِرْخَائِهَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ كَحَدِيثِ الْبَابِ وَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ هُنَاكَ وَحَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ على ما في عمدة القارىء وَحَدِيثُ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَدِيٍّ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ مِنْ رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَدِيٍّ الْبَهْرَانِيِّ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَدِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ فَعَمَّمَهُ وَأَرْخَى عَذَبَةَ الْعِمَامَةِ مِنْ خَلْفِهِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا فَاعْتَمُّوا الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلَى خَيْبَرَ فَعَمَّمَهُ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ ثُمَّ أَرْسَلَهَا مِنْ وَرَائِهِ أَوْ قَالَ عَلَى كَتِفِهِ الْيُسْرَى أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَحَسَّنَهُ السُّيُوطِيُّ وَحَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ يلبسها في العيدين ويرخيها خلفه أخرجه بن عَدِيٍّ وَقَالَ لَا أَعْلَمُ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي الزبير غير

الْعَزْرَمِيِّ وَعَنْهُ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَحَدِيثُ أَبِي موسى أن جبرائيل نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى ذُؤَابَتَهُ مِنْ وَرَائِهِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَمِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى إِرْخَائِهَا بَيْنَ يَدَيِ الْمُعْتَمِّ وَمِنْ خَلْفِهِ كَحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَمَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فسد لها مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِي إِسْنَادِهِ شَيْخٌ مَجْهُولٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ مِنْ قُطْنٍ وَأَفْضَلَ لَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مِثْلَ هَذِهِ وفي رواية عن نافع عن بن عُمَرَ قَالَ عَمَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بن عَوْفٍ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ كَرَابِيسَ وَأَرْخَاهَا مِنْ خَلْفِهِ قَدْرَ أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَقَالَ هَكَذَا فَاعْتَمَّ وَحَدِيثُ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اعْتَمَّ أَرْخَى عِمَامَتَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ رُشْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَمِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى إِرْخَائِهَا مِنَ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ كَحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يُوَلِّي وَالِيًا حَتَّى يُعَمِّمَهُ وَيُرْخِي لَهَا مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْمَنِ نَحْوَ الْأُذُنِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَفِي إِسْنَادِهِ جُمَيْعُ بْنُ ثَوْبٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَقَدِ اسْتَدَلَّ عَلَى جَوَازِ تَرْكِ الْعَذَبَةِ بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وأبي داود والترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ بِدُونِ ذِكْرِ الذُّؤَابَةِ قَالَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الذُّؤَابَةَ لَمْ يَكُنْ يُرْخِيهَا دَائِمًا بَيْنَ كَتِفَيْهِ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ الذُّؤَابَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَدَمُهَا فِي الْوَاقِعِ حَتَّى يُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يُرْخِي الذُّؤَابَةَ دَائِمًا وَأَقْوَى أَحَادِيثِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا وَأَصَحُّهَا هُوَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ فِي إِرْخَاءِ الْعَذَبَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ قَالَ شَيْخُنَا زَيْنُ الدِّينِ مَا الْمُرَادُ بِسَدْلِ عِمَامَتِهِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ هَلِ الْمُرَادُ سَدْلُ الطَّرَفِ الْأَسْفَلِ حَتَّى تَكُونَ عَذَبَةً أَوِ الْمُرَادُ سَدْلُ الطَّرَفِ الْأَعْلَى بِحَيْثُ يَغْرِزُهَا وَيُرْسِلُ مِنْهَا شَيْئًا خَلْفَهُ يَحْتَمِلُ كُلًّا مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَلَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ يَكُونُ الْمَرْخِيُّ مِنَ الْعِمَامَةِ عَذَبَةً إِلَّا فِي حَدِيثِ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَدِيٍّ وَفِيهِ وَأَرْخَى عَذَبَةَ الْعِمَامَةِ مِنْ خَلْفِهِ وَتَقَدَّمَ وَقَالَ الشَّيْخُ مَعَ أَنَّ الْعَذَبَةَ الطَّرَفُ كَعَذَبَةِ السَّوْطِ وَكَعَذَبَةِ اللِّسَانِ أَيْ طَرَفِهِ فَالطَّرَفُ الْأَعْلَى يُسَمَّى عَذَبَةً مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لِلِاصْطِلَاحِ الْعُرْفِيِّ الْآنَ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حديث بن عُمَرَ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الَّذِي كَانَ يُرْسِلُهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِنَ الطَّرَفِ الْأَعْلَى رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ السَّلَامِ

عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَمُّ قَالَ كَانَ يُدِيرُ كَوْرَ الْعِمَامَةِ عَلَى رَأْسِهِ وَيَغْرِزُهَا مِنْ وَرَائِهِ وَيُرْخِي لَهُ ذُؤَابَةً بَيْنَ كَتِفَيْهِ انْتَهَى فَائِدَةٌ قَدْ أخرج الطبراني في الأوسط عن بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَأَرْسَلَ مِنْ خَلْفِهِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ أَوْ نَحْوَهَا ثُمَّ قَالَ هَكَذَا فَاعْتَمَّ فَإِنَّهُ أَعْرَبُ وَأَحْسَنُ قَالَ السُّيُوطِيُّ وإسناده حسن وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ كَانَ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ قَدْ أَرْخَاهَا مِنْ خَلْفِهِ نَحْوًا مِنْ ذِرَاعٍ وَرَوَى سَعْدُ بْنُ سعيد عن رشدين قال رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ يَعْتَمُّ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ وَيُرْخِيهَا شِبْرًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ شِبْرٍ قَالَ فِي السُّبُلِ مِنْ آدَابِ الْعِمَامَةِ تَقْصِيرُ الْعَذَبَةِ فَلَا تَطُولُ طُولًا فَاحِشًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ إِرْسَالُ الْعَذَبَةِ إِرْسَالًا فَاحِشًا كَإِرْسَالِ الثَّوْبِ يَحْرُمُ لِلْخُيَلَاءِ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ انْتَهَى فائدة أخرى قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْحَاوِي فِي الْفَتَاوَى وَأَمَّا مِقْدَارُ الْعِمَامَةِ الشَّرِيفَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ فِي حَدِيثٍ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنِ بن سَلَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ سألت بن عُمَرَ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَمُّ قَالَ كَانَ يُدِيرُ الْعِمَامَةَ عَلَى رَأْسِهِ وَيَغْرِزُهَا مِنْ وَرَائِهِ وَيُرْسِلُ لَهَا ذُؤَابَةً بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا عِدَّةُ أَذْرُعٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ نَحْوَ الْعَشَرَةِ أَوْ فَوْقَهَا بِيَسِيرٍ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا أَدْرِي مَا هَذَا الظَّاهِرُ الَّذِي زَعَمَهُ فَإِنْ كَانَ الظُّهُورُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي سَاقَهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْإِدَارَةِ وَالْغَرْزِ إِرْسَالَ الذُّؤَابَةِ فَهَذِهِ الْأَوْصَافُ تَحْصُلُ فِي عِمَامَةٍ دُونَ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ فَمَا هُوَ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِعَدَمِ ثُبُوتِ مِقْدَارِهَا فِي حَدِيثٍ انْتَهَى وَفِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ قَدْ تَتَبَّعْتُ الْكُتُبَ وَتَطَلَّبْتُ مِنَ السِّيَرِ وَالتَّوَارِيخِ لِأَقِفَ عَلَى قَدْرِ عِمَامَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِمَامَةٌ قَصِيرَةٌ وَعِمَامَةٌ طَوِيلَةٌ وَأَنَّ الْقَصِيرَةَ كَانَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ وَالطَّوِيلَةَ اثْنَيْ عَشْرَ ذِرَاعًا ذكره القارىء وَقَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمَدْخَلِ أَنَّ عِمَامَتَهُ كَانَتْ سَبْعَةَ أَذْرُعٍ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ انْتَهَى قُلْتُ لَا بُدَّ لِمَنْ يَدَّعِي أَنَّ مِقْدَارَ عِمَامَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الذِّرَاعِ أَنْ يُثْبِتَهُ بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَأَمَّا الِادِّعَاءُ الْمَحْضُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ فائدة أخرى قَالَ فِي السُّبُلِ مِنْ آدَابِ الْعِمَامَةِ إِرْسَالُ الْعَذَبَةِ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَيَجُوزُ تَرْكُهَا بِالْأَصَالَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَجُوزُ لُبْسُ الْعِمَامَةِ بِإِرْسَالِ طَرَفِهَا وَبِغَيْرِ إِرْسَالِهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْ تَرْكِ إِرْسَالِهَا شَيْءٌ انْتَهَى

باب ما جاء في كراهية خاتم الذهب

فَائِدَةٌ أُخْرَى لَمْ أَجِدْ فِي فَضْلِ الْعِمَامَةِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا وَكُلُّ مَا جَاءَ فِيهِ فَهِيَ إِمَّا ضَعِيفَةٌ أَوْ مَوْضُوعَةٌ فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ وَالدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ وَالِاحْتِبَاءُ حِيطَانُهَا وَجُلُوسُ الْمُؤْمِنِ فِي الْمَسْجِدِ رِبَاطُهُ قَالَ فِي الْمَقَاصِدِ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مَعْنَاهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَلَيْكُمْ بِالْعَمَائِمِ فَإِنَّهَا سِيمَا الملائكة وأرخوها خلف ظهوركم أخرجه بن عَدِيٍّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ مَوْضُوعٌ وَقَالَ فِي اللَّآلِئِ لَا يَصِحُّ وَقَالَ لَهُ طَرِيقٌ آخر عن بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَمِنْهَا مَا رواه بن عساكر والديلمي عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا صَلَاةُ تَطَوُّعٍ أَوْ فَرِيضَةٍ بِعِمَامَةٍ تَعْدِلُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً بِلَا عِمَامَةٍ وَجُمُعَةٌ بِعِمَامَةٍ تَعْدِلُ سَبْعِينَ جُمُعَةً بِلَا عِمَامَةٍ قَالَ المناوي قال بن حَجَرٍ مَوْضُوعٌ وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفَوَائِدُ الْمَجْمُوعَةُ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ وَفِي الْبَابِ رِوَايَاتٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ وَغَيْرُهُ فِي مَوْضُوعَاتِهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) لَمْ يَحْكُمْ التِّرْمِذِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَسَنٌ وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ خَاتَمِ الذَّهَبِ) الْخَاتَمُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا هُمَا لُغَتَانِ وَاضِحَتَانِ وَفِيهِ لُغَاتٌ أُخْرَى

[1737] قَوْلُهُ (عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ) أَيْ عَنْ لُبْسِ خَاتَمِ الذَّهَبِ وَهَذَا النَّهْيُ لِلرِّجَالِ لَا لِلنِّسَاءِ فَإِنَّ الذَّهَبَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْهِنَّ (وَعَنْ لِبَاسِ الْقَسِّيِّ) تَقَدَّمَ ضَبْطُ الْقَسِّيِّ وَمَعْنَاهُ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ (وَعَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ) لِأَنَّ الرُّكُوعَ مَوْضِعُ التَّسْبِيحِ وَكَذَا السُّجُودُ (وَعَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ) هُوَ الْمَصْبُوغُ بِالْعُصْفُرِ وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِتَحْرِيمِ لُبْسِ الثَّوْبِ الْمَصْبُوغِ بِالْعُصْفُرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا البخاري وبن مَاجَهْ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ [1738] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ الْمَعْنِيُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ وَبِيَاءِ النِّسْبَةِ قَوْلُهُ (أَشْهَدُ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ حَدَّثَنَا) أَرَادَ حَفْصٌ بِقَوْلِهِ أَشْهَدُ عَلَى عِمْرَانَ التَّأْكِيدَ لِلرِّوَايَةِ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِبَاحَةِ خَاتَمِ الذَّهَبِ لِلنِّسَاءِ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى الرِّجَالِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ أَبَاحَهُ وَعَنْ بَعْضٍ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لَا حَرَامٌ وَهَذَانِ النَّقْلَانِ بَاطِلَانِ وَقَائِلُهُمَا مَحْجُوجٌ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ مَعَ إِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ عَلَى تَحْرِيمِهِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وفي الباب عن علي وبن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَقَدْ تَقَدَّمَ آنِفًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ عَنْهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله فِي شِمَالِهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ على ذكور أمتي وأما حديث بن عمر

باب ما جاء في خاتم الفضة

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عِمْرَانَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ 4 - (بَاب مَا جاء فِي خَاتَمِ الْفِضَّةِ) [1739] قَوْلُهُ (مِنْ وَرِقٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ فِضَّةٍ (وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِأَنَسٍ وَكَانَ فَصُّهُ مِنْهُ أَيْ مِنَ الْوَرِقِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَكَانَ فَصُّهُ حَبَشِيًّا لِأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّعَدُّدِ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى قَوْلِهِ حَبَشِيًّا أَيْ كَانَ حَجَرًا مِنْ بِلَادِ الْحَبَشَةِ أَوْ عَلَى لَوْنِ الْحَبَشَةِ أَوْ كَانَ جَزَعًا أَوْ عَقِيقًا لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يُؤْتَى مِنْ بِلَادِ الْحَبَشَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الَّذِي فَصُّهُ مِنْهُ وَنُسِبَ إِلَى الْحَبَشَةِ لِصِفَةٍ فِيهِ إِمَّا الصِّيَاغَةُ أَوِ النَّقْشُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عمر وبريدة) أما حديث بن عمر فأخرجه الشيخان وأماحديث بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَاخِرِ اللِّبَاسِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأصحاب السنن 5 - (باب ما يستحب من الخاتم) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْفَصُّ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْعَامَّةُ تَكْسِرُهَا وَأَثْبَتَهَا غَيْرُهُ لُغَةٌ وَزَادَ بَعْضُهُمُ الضَّمَّ وَعَلَيْهِ جرى بن مَالِكٍ فِي الْمُثَلَّثِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَصُّ لِلْخَاتَمِ مُثَلَّثَةٌ وَالْكَسْرُ غَيْرُ لَحْنٍ وَوَهِمَ الْجَوْهَرِيُّ انتهى [1740] حفص بن عمر بن عبيد الطَّنَافِسِيُّ) الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ أبو

باب ما جاء في لبس الخاتم في اليمين

خيثمة) هو بن مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ بِضَمِّ مُهْمَلَةٍ وَفَتْحِ دَالٍ مهملة وبجيم (عن حميد) هو بن أبي حميد الطويل قَوْلُهُ (فَصُّهُ) أَيْ فَصُّ الْخَاتَمِ (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْفِضَّةِ وَتَذْكِيرُهُ لِأَنَّهُ بِتَأْوِيلِ الْوَرِقِ وَقِيلَ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَا صُنِعَ مِنْهُ الْخَاتَمُ وَهُوَ الْفِضَّةُ وَهُوَ بَعِيدٌ وَيُمْكِنُ مِنْ فِي (مِنْهُ) لِلتَّبْعِيضِ وَالضَّمِيرُ لِلْخَاتَمِ أَيْ فَصُّهُ بَعْضٌ مِنَ الْخَاتَمِ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ حَجَرًا فَإِنَّهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ مُجَاوِرٌ لَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فِضَّةٍ كُلُّهُ قَالَ الْحَافِظُ فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُ كُلُّهُ مِنْ فِضَّةٍ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِيَاسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَيْقِيبٍ عَنْ جَدِّهِ قَالَ كَانَ خَاتَمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيًّا عَلَيْهِ فِضَّةٌ فَرُبَّمَا كَانَ فِي يَدِي قَالَ وَكَانَ مُعَيْقِيبٌ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي كَانَ أَمِينًا عَلَيْهِ فَيُحْمَلُ على التعدد وقد أخرج له بن سَعْدٍ شَاهِدًا مُرْسَلًا عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ خَاتَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيًّا عَلَيْهِ فِضَّةٌ غَيْرَ أَنَّ فَصُّهُ بَادٍ وَآخَرُ مُرْسَلًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مِثْلَهُ دُونَ مَا فِي آخِرِهِ وَثَالِثًا مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ العاص أن خالد بن سعيد يعني بن الْعَاصِ أَتَى وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما هَذَا اطْرَحْهُ فَطَرَحَهُ فَإِذَا خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٌّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ قَالَ فَمَا نَقْشُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ فَأَخَذَهُ فَلَبِسَهُ وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو وَالْمَذْكُورُ أَنَّ ذَلِكَ جَرَى لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ أَخِي خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْخَاتَمِ فِي الْيَمِينِ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ فِي التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ وَفِي التَّخَتُّمِ فِي الْيَسَارِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ فَجَنَحَتْ طَائِفَةٌ إِلَى اسْتِوَاءِ الْأَمْرَيْنِ وَجَمَعُوا بِذَلِكَ بَيْنَ

مُخْتَلَفِ الْأَحَادِيثِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ أَبُو دَاوُدَ حَيْثُ تَرْجَمَ بَابُ التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ ثُمَّ أَوْرَدَ الْأَحَادِيثَ مَعَ اخْتِلَافِهَا فِي ذَلِكَ بِغَيْرِ تَرْجِيحٍ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَدَبِ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الَّذِي لَبِسَهُ فِي يَمِينِهِ وَهُوَ خَاتَمُ الذَّهَبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ في حديث بن عُمَرَ وَاَلَّذِي لَبِسَهُ فِي يَسَارِهِ وَهُوَ خَاتَمُ الْفِضَّةِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ الَّتِي فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّهُ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِسَهُ فِي يَمِينِهِ فَكَأَنَّهَا خَطَأٌ فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الزُّهْرِيَّ وَقَعَ لَهُ وَهْمٌ فِي الْخَاتَمِ الَّذِي طَرَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ أَنَّهُ الَّذِي كَانَ مِنْ فِضَّةٍ وَأَنَّ الَّذِي فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ أَنَّهُ الَّذِي كَانَ مِنْ ذَهَبٍ فَعَلَى هَذَا فَاَلَّذِي كَانَ لَبِسَهُ فِي يَمِينِهِ هُوَ الذَّهَبُ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَبِسَ الْخَاتَمَ أَوَّلًا فِي يَمِينِهِ ثُمَّ حَوَّلَهُ إِلَى يَسَارِهِ وَاسْتَدَلَّ له بما أخرجه أبو الشيخ وبن عَدِيٍّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطَاءٍ عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخَتَّمَ فِي يَمِينِهِ ثُمَّ إِنَّهُ حَوَّلَهُ فِي يَسَارِهِ قَالَ الْحَافِظُ فَلَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ وَلَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ انْتَهَى وَأَخْرَجَ بن سَعْدٍ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ طَرَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمَهُ الذَّهَبَ ثُمَّ تَخَتَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ فَجَعَلَهُ فِي يَسَارِهِ وَهَذَا مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ وَقَدْ جَمَعَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بِذَلِكَ وَأَنَّهُ تَخَتَّمَ أَوَّلًا فِي يَمِينِهِ ثُمَّ تَخَتَّمَ فِي يَسَارِهِ وَكَانَ ذَلِكَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ وَتَعَقَّبَهُ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ ظَاهِرَهُ النَّسْخُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادَهُ بَلِ الْإِخْبَارُ بِالْوَاقِعِ اتِّفَاقًا قَالَ الْحَافِظُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَصْدِ فَإِنْ كَانَ اللُّبْسُ لِلتَّزَيُّنِ بِهِ فَالْيَمِينُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ لِلتَّخَتُّمِ بِهِ فَالْيَسَارُ أَوْلَى لِأَنَّهُ كَالْمُودَعِ فِيهَا وَيَحْصُلُ تَنَاوُلُهُ مِنْهَا بِالْيَمِينِ وَكَذَا وَضْعُهُ فِيهَا وَيَتَرَجَّحُ التَّخَتُّمُ فِي الْيَمِينِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْيَسَارَ آلَةُ الِاسْتِنْجَاءِ فَيُصَانُ الْخَاتَمُ إِذَا كَانَ فِي الْيَمِينِ عَنْ أَنْ تُصِيبَهُ النَّجَاسَةُ وَيَتَرَجَّحُ التَّخَتُّمُ فِي الْيَسَارِ بِمَا أَشَرْتُ إِلَيْهِ مِنَ التَّنَاوُلِ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ وَعَلَى جَوَازِهِ فِي الْيَسَارِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَاخْتَلَفُوا أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ فَتَخَتَّمَ كَثِيرُونَ مِنَ السَّلَفِ فِي الْيَمِينِ وَكَثِيرُونَ فِي الْيَسَارِ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ الْيَسَارَ وَكَرِهَ الْيَمِينَ وَفِي مَذْهَبِنَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا الصَّحِيحُ أَنَّ الْيَمِينَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَالْيَمِينُ أَشْرَفُ وَأَحَقُّ بِالزِّينَةِ وَالْإِكْرَامِ انْتَهَى [1741] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ وَاقِدٍ الْمُحَارِبِيُّ الْكِنْدِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (صَنَعَ خَاتَمًا) أَيْ أَمَرَ بِصُنْعِهِ فَصُنِعَ لَهُ (مِنْ ذَهَبٍ) أَيِ ابْتِدَاءً قَبْلَ تَحْرِيمِ الذَّهَبِ على

الرِّجَالِ (ثُمَّ نَبَذَهُ إِلَخْ) وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ الْمُشَارَكَةِ أَوْ لَمَّا رَأَى مِنْ زَهْوِهِمْ بِلُبْسِهِ وَيُحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِكَوْنِهِ مِنْ ذَهَبٍ وَصَادَفَ وَقْتَ تَحْرِيمِ لُبْسِ الذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا رِوَايَةُ عَبْدِ الله بن دينار عن بن عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَنَبَذَهُ فَقَالَ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا وَحَدِيثُ بن عُمَرَ هَذَا كَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا وَزَادَ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ وَقَالَ لَا أَلْبَسُهُ أَبَدًا ثُمَّ اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ فَاِتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ الْفِضَّةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي والترمذي في الشمائل وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ قَالَ الْحَافِظُ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الله بن جعفر وحديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ وَأَبُو الشَّيْخِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَاتَمَ فِضَّةٍ فِي يَمِينِهِ فِيهِ فَصٌّ حَبَشِيٌّ كَانَ يَجْعَلُ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي كَفَّهُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ بِسَنَدٍ سَاقِطٍ قَالَهُ الْحَافِظُ في الفتح قوله (وحديث بن عمر حديث حسن صحيح) وأخرجه بن سَعْدٍ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1742] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) هو بن عَبْدِ الْحَمِيدِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) هُوَ إِمَامُ الْمَغَازِي (عَنِ الصَّلْتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلِ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الهاشمي روى عن بن عباس وعنه

الزهري وبن إسحاق وغيرهما وثقه بن حِبَّانَ وَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ كَانَ فَقِيهًا عَابِدًا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَوْلُهُ (وَلَا إِخَالُهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ خَالَ الشَّيْءُ يَخَالُ خَيْلًا وَخَيْلَةً وَيُكْسَرَانِ وَخَالًا وخيلا لا مُحَرَّكَةً وَمَخِيلَةً وَمَخَالَةً وَخَيْلُولَةً ظَنَّهُ وَتَقُولُ فِي مُسْتَقْبِلِهِ إِخَالُ بِكَسْرِ الْأَلِفِ وَتُفْتَحُ فِي لُغَةٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) يَعْنِي الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الصَّلْتِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَوْفَلٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ فَقَطْ وَلَيْسَ فِيهِ صَحِيحٌ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ وَفِي سَنَدِهِ لِينٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ [1743] (حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْمَدَنِيُّ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالصَّادِقِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ علي الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (كَانَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَتَخَتَّمَانِ فِي يَسَارِهِمَا) هَذَا الْأَثَرُ لَا يُنَاسِبُ الْبَابَ وَلَوْ زَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَرْجَمَةِ الْبَابِ لَفْظَ وَالْيَسَارِ بَعْدَ قَوْلِهِ فِي الْيَمِينِ لَطَابَقَهُ هَذَا الْأَثَرُ أَيْضًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَدَبِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ) قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَتَخَتَّمُونَ فِي الْيَسَارِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ [1744] قوله (رأيت بن أَبِي رَافِعٍ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي رافع ويقال بن فُلَانِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَعَنْ عَمِّهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَعَنْ عَمَّتِهِ سَلْمَى عَنْ أَبِي رَافِعٍ وَعَنْهُ حَمَّادُ بْنُ

باب ما جاء في نقش الخاتم

سلمة قال إسحاق بن منصور عن بن مَعِينٍ صَالِحٌ لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي التَّخَتُّمِ فِي الْيَمِينِ وَآخَرُ حَدِيثٌ فِي دُعَاءِ الْكَرْبِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (فَقَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ الهاشمي أَحَدَ الْأَجْوَادِ وُلِدَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَلَهُ صُحْبَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَتَّمُ فِي يَمِينِهِ) أَيْ يَلْبَسُ الْخَاتَمَ فِي خِنْصَرِ يَدِهِ الْيُمْنَى قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدٌ) يَعْنِي الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَهَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجه 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي نَقْشِ الْخَاتَمِ) [1748] قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الذُّهْلِيُّ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيُّ (حَدَّثَنِي أَبِي) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى الأنصاري (عن ثمامة) هو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ قَوْلُهُ (كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ثلاثة أسطر) قال بن بَطَّالٍ لَيْسَ كَوْنُ نَقْشِ الْخَاتَمِ ثَلَاثَةَ أَسْطُرٍ أَوْ سَطْرَيْنِ أَفْضَلَ مِنْ كَوْنِهِ سَطْرًا وَاحِدًا قَالَ الْحَافِظُ قَدْ يَظْهَرُ أَثَرُ الْخِلَافِ مِنْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ سَطْرًا وَاحِدًا يَكُونُ الْفَصُّ مُسْتَطِيلًا لِضَرُورَةِ كَثْرَةِ الْأَحْرُفِ فَإِذَا تَعَدَّدَتِ الْأَسْطُرُ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مُرَبَّعًا أَوْ مُسْتَدِيرًا وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَوْلَى مِنَ الْمُسْتَطِيلِ انْتَهَى (مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَرَسُولُ سَطْرٌ وَاَللَّهُ سَطْرٌ) قَالَ الْحَافِظُ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ لَكِنْ أَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ عَرْعَرَةَ بن البريد عَنْ عَزْرَةَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ فَصُّ خَاتَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

حَبَشِيًّا مَكْتُوبًا عَلَيْهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وعرعرة ضعفه بن الْمَدِينِيِّ وَزِيَادَتُهُ هَذِهِ شَاذَّةٌ قَالَ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ لَكِنْ لَمْ تَكُنْ كِتَابَتُهُ عَلَى السِّيَاقِ الْعَادِيِّ فَإِنَّ ضَرُورَةَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى أَنْ يَخْتِمَ بِهِ يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الْأَحْرُفُ الْمَنْقُوشَةُ مَقْلُوبَةً لِيَخْرُجَ الْخَاتَمُ مُسْتَوِيًا وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ الشُّيُوخِ إِنَّ كِتَابَتَهُ كَانَتْ مِنْ أَسْفَلَ إِلَى فَوْقَ يَعْنِي أَنَّ الْجَلَالَةَ فِي أَعْلَى الْأَسْطُرِ الثَّلَاثَةِ وَمُحَمَّدٌ فِي أَسْفَلِهَا فَلَمْ أَرَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ بَلْ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ يُخَالِفُ ظَاهِرُهَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَالسَّطْرُ الثَّانِي رَسُولُ وَالسَّطْرُ الثَّالِثُ اللَّهِ وَلَك أَنْ تَقْرَأَ مُحَمَّدٌ بِالتَّنْوِينِ وَرَسُولُ بِالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ وَاَللَّهِ بِالرَّفْعِ والجر انتهى قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ اتَّخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ وَكَانَ فِي يَدِهِ ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُمَرَ ثُمَّ كَانَ بَعْدُ فِي يَدِ عُثْمَانَ حَتَّى وَقَعَ بَعْدُ فِي بِئْرِ أَرِيسَ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [1745] قَوْلُهُ (لَا تَنْقُشُوا عَلَيْهِ) فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَلَا يَنْقُشُ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَا يَنْقُشُ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِ خَاتَمِي هَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ سَبَبُ النَّهْيِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا اتَّخَذَ الْخَاتَمَ وَنَقَشَ فِيهِ لِيَخْتِمَ بِهِ كُتُبَهُ إِلَى مُلُوكِ الْعَجَمِ وَغَيْرِهِمْ فَلَوْ نَقَشَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ لَدَخَلَتِ الْمَفْسَدَةُ وَحَصَلَ الْخَلَلُ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ نَقْشِ الْخَاتَمِ وَجَوَازُ نَقْشِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ومالك والجمهور وعن بن سِيرِينَ وَبَعْضِهِمْ كَرَاهَةُ نَقْشِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا ضَعِيفٌ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ أَخْرَجَ بن أبي شيبة بسند صحيح عن بن سِيرِينَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَكْتُبَ الرَّجُلُ فِي خَاتَمِهِ حَسْبِي اللَّهُ وَنَحْوَهَا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ عَنْهُ لَمْ يثبت وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْكَرَاهَةَ حَيْثُ يُخَافُ عَلَيْهِ حَمْلُهُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْكَفِّ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَالْجَوَازُ حَيْثُ حَصَلَ الْأَمْنُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا تَكُونُ الْكَرَاهَةُ لِذَلِكَ بَلْ مِنْ جِهَةِ مَا يَعْرِضُ لِذَلِكَ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَهُ أَنْ يَنْقُشَ عَلَيْهِ اسْمَ نَفْسِهِ أَوْ أَنْ يَنْقُشَ عَلَيْهِ كَلِمَةً حِكْمَةً وَأَنْ يَنْقُشَ ذَلِكَ مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [1746] قوله (أخبرنا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ) الضُّبَعِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ثقة صالح وقال أبو حاتم ريما هو مِنَ التَّاسِعَةِ (وَالْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ) الْأَنْمَاطِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ السُّلَمِيُّ مَوْلَاهُمَا الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ التاسعة (حدثنا همام) هو بن يَحْيَى الْأَزْدِيُّ الْعَوْذِيُّ قَوْلُهُ (إِذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ) أَيْ أَرَادَ دُخُولَهُ قَوْلُهُ (نَزَعَ) أَيْ أَخْرَجَ من أصبعه (خاتمه) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ لِأَنَّ نَقْشَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَنْحِيَةِ الْمُسْتَنْجِي اسْمَ اللَّهِ وَاسْمَ رَسُولِهِ وَالْقُرْآنَ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ قَالَ الأبهري ويعم الرسل وقال بن حَجَرٍ اسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّهُ يُنْدَبُ لِمُرِيدِ التَّبَرُّزِ أَنْ يُنَحِّيَ كُلَّ مَا عَلَيْهِ مُعَظَّمٌ مِنَ اسم الله تعالى أو نبي أو مالك فَإِنْ خَالَفَ كُرِهَ انْتَهَى وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لمذهبنا انتهى كلام القارىء قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا دخل الخلاء وصنع خاتمه أخرجه أصحاب السنن وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ بِهِ قَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ مُنْكَرٌ وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ وَأَشَارَ إِلَى شُذُوذِهِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مَرْدُودٌ عَلَيْهِ قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ الصَّوَابُ عِنْدِي تَصْحِيحُهُ فَإِنَّ رُوَاتَهُ ثِقَاتٌ أَثَبَاتٌ وَتَبِعَهُ أَبُو الْفَتْحِ الْقُشَيْرِيُّ فِي آخِرِ الِاقْتِرَاحِ وَعِلَّتُهُ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ هَمَّامٍ عن بن جُرَيْجٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ لَكِنْ لَمْ يُخْرِّجِ الشَّيْخَانِ رِوَايَةَ هَمَّامٍ عَنِ بن جريج وبن جُرَيْجٍ قِيلَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ وَإِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِلَفْظٍ آخَرَ وَقَدْ رَوَاهُ مَعَ هَمَّامٍ مَعَ ذَلِكَ مَرْفُوعًا يَحْيَى بْنُ الضُّرَيْسِ الْبَجَلِيُّ وَيَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ وَأَخْرَجَهُمَا الْحَاكِمُ والدّارَقُطْنِيُّ وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ وَهُوَ مِنَ الثِّقَاتِ عَنْ هَمَّامٍ مَوْقُوفًا عَلَى أَنَسٍ وَأَخْرَجَ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ شَاهِدًا أَوْ أَشَارَ إِلَى ضَعْفِهِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ خَاتَمًا نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَكَانَ إِذَا

باب ما جاء في الصورة

دَخَلَ الْخَلَاءَ وَضَعَهُ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْجَوزْقَانِيُّ فِي الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَيُنْظَرُ فِي سَنَدِهِ فَإِنَّ رِجَالَهُ ثِقَاتٌ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ الرَّازِيَّ فَإِنَّهُ مَتْرُوكٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصُّورَةِ) الْمُرَادُ بَيَانُ حُكْمِهَا مِنْ جِهَةِ مُبَاشَرَةِ صَنْعَتِهَا ثُمَّ مِنْ جِهَةِ اسْتِعْمَالِهَا وَاِتِّخَاذِهَا [1749] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصُّورَةِ فِي الْبَيْتِ) أَيْ عَنِ اتِّخَاذِهَا وَإِدْخَالِهَا فِيهِ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا تَصَاوِيرُ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالْبَيْتِ الْمَكَانُ الَّذِي يَسْتَقِرُّ فِيهِ الشَّخْصُ سَوَاءٌ كَانَ بِنَاءً أَوْ خَيْمَةً أَمْ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ تَصْوِيرُ صُورَةِ الْحَيَوَانِ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَحَادِيثِ وَسَوَاءٌ صَنَعَهُ لِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَصَنْعَتُهُ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ فِيهِ مُضَاهَاةً بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَسَوَاءٌ مَا كَانَ فِي ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ دِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ فَلْسٍ أَوْ إِنَاءٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهَا وَأَمَّا تَصْوِيرُ صُورَةِ الشَّجَرِ وَرِحَالِ الْإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ هَذَا حُكْمُ نَفْسِ التَّصْوِيرِ وَأَمَّا اتِّخَاذُ الْمُصَوِّرِ فِيهِ صُورَةَ حَيَوَانٍ فَإِنْ كَانَ مُعَلَّقًا عَلَى حَائِطٍ أَوْ ثَوْبًا مَلْبُوسًا أَوْ عِمَامَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَا يُعَدُّ مُمْتَهَنًا فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ فِي بِسَاطٍ يُدَاسُ وَمِخَدَّةٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُمْتَهَنُ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ ولا فرق في هذا كله بين ماله ظل ومالا ظِلَّ لَهُ هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَبِمَعْنَاهُ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ إِنَّمَا يُنْهَى عَمَّا كَانَ لَهُ ظِلٌّ وَلَا بَأْسَ بِالصُّوَرِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا ظِلٌّ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ السِّتْرَ الَّذِي أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّورَةَ فِيهِ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ مَذْمُومٌ وَلَيْسَ لِصُورَتِهِ ظِلٌّ مَعَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي كُلِّ صُورَةٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ النَّهْيُ فِي الصُّورَةِ عَلَى الْعُمُومِ وَكَذَلِكَ اسْتِعْمَالُ ما هي فيه ودخول الْبَيْتَ الَّذِي هِيَ فِيهِ سَوَاءٌ كَانَتْ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ أَوْ غَيْرَ رَقْمٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي حَائِطٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ بِسَاطٍ مُمْتَهَنٍ أَوْ غَيْرِ مُمْتَهَنٍ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ لَا سِيَّمَا حَدِيثُ النُّمْرُقَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا مَذْهَبٌ قَوِيٌّ وَقَالَ آخَرُونَ يَجُوزُ مِنْهَا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ سَوَاءٌ امْتُهِنَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ عُلِّقَ فِي حَائِطٍ أَمْ لَا وكرهوا ما

كَانَ لَهُ ظِلٌّ أَوْ كَانَ مُصَوَّرًا فِي الْحِيطَانِ وَشَبَهِهَا سَوَاءٌ كَانَ رَقْمًا أَوْ غَيْرَهُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ أَحَادِيثِ الْبَابِ إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ وَهَذَا مَذْهَبُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى مَنْعِ مَا كَانَ لَهُ ظِلٌّ وَوُجُوبِ تَغْيِيرِهِ انْتَهَى كَلَامُ النووي قلت قال بن الْعَرَبِيِّ إِنَّ الصُّورَةَ الَّتِي لَا ظِلَّ لَهَا إِذَا بَقِيَتْ عَلَى هَيْئَتِهَا حَرُمَتْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا يُمْتَهَنُ أَمْ لَا وَإِنْ قُطِعَ رَأْسُهَا أَوْ فُرِّقَتْ هَيْئَتُهَا جَازَ انْتَهَى وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَحْوَطُ عِنْدِي وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وقواه النووي كما عرفت آنفا وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّهُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فَائِدَةٌ رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ لِي صَوَاحِبُ يَلْعَبْنَ مَعِي وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ ينقمعن منه فيسر بهن إِلَيَّ فَيَلْعَبْنَ مَعِي قَالَ الْحَافِظُ اسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ صُوَرِ الْبَنَاتِ وَاللَّعِبِ مِنْ أَجْلِ لَعِبِ الْبَنَاتِ بِهِنَّ وَخُصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ النَّهْيِ عَنِ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ وَبِهِ جَزَمَ عِيَاضٌ وَنَقَلَهُ عَنِ الْجُمْهُورِ وَأَنَّهُمْ أَجَازُوا بَيْعَ اللَّعِبِ لِلْبَنَاتِ لِتَدْرِيبِهِنَّ مِنْ صِغَرِهِنَّ عَلَى أَمْرِ بُيُوتِهِنَّ وَأَوْلَادِهِنَّ قَالَ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أنه منسوخ وإليه مال بن بطال وحكى عن بن أَبِي زَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ لِابْنَتِهِ الصُّوَرَ وَمِنْ ثَمَّ رَجَّحَ الداودي أنه منسوخ وقد ترجم بن حِبَّانَ لِصِغَارِ النِّسَاءِ اللَّعِبُ بِاللُّعَبِ وَتَرْجَمَ لَهُ النَّسَائِيُّ إِبَاحَةُ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ اللَّعِبَ بِالْبَنَاتِ فَلَمْ يُقَيِّدْ بِالصِّغَرِ وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنِ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الرُّخْصَةَ لِعَائِشَةَ فِي ذَلِكَ كَانَ قبل التحريم وبه جزم بن الْجَوْزِيِّ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ إِنْ كَانَتِ اللُّعَبُ كَالصُّورَةِ فَهُوَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ وَإِلَّا فَقَدْ يُسَمَّى مَا لَيْسَ بِصُورَةٍ لُعْبَةً وَبِهَذَا جَزَمَ الْحَلِيمِيُّ فَقَالَ إِنْ كَانَتْ صُورَةً كَالْوَثَنِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا جَازَ انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُ الْحَلِيمِيِّ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي طَلْحَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ مَرْفُوعًا لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ وَلَا كَلْبٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَحْيَى قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وعنها

فِي الْبَابِ أَحَادِيثُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا كَلْبٌ مِنْ أَبْوَابِ الِاسْتِئْذَانِ وَالْأَدَبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ [1750] قَوْلُهُ (يَعُودُهُ) أَيْ لِعِيَادَتِهِ فِي مَرَضِهِ (فَوَجَدَ عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أَبِي طَلْحَةَ (سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ) بِصِيغَةِ التَّصْغِيرِ (يَنْزِعُ نَمَطًا تَحْتَهُ) أَيْ لِيُخْرِجَ نَمَطًا كَانَ تَحْتَهُ وَالنَّمَطُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمِيمِ وَهُوَ ظِهَارَةُ الْفِرَاشِ وَقِيلَ ظَهْرُ الْفِرَاشِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى بِسَاطٍ لَطِيفٍ لَهُ خَمْلٌ يُجْعَلُ عَلَى الْهَوْدَجِ وَقَدْ يُجْعَلُ سِتْرًا (لِمَ تَنْزِعُهُ) أَيْ لِأَيِّ سَبَبٍ تُخْرِجُهُ مِنْ تَحْتِكَ (لِأَنَّ فِيهَا) وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ لِأَنَّ فِيهِ بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْ فِي ذَلِكَ النَّمَطِ (مَا قَدْ عَلِمْتَ) أَيْ مِنْ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ (إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا) بِالْفَتْحِ أَيْ نَقْشًا قَالَ النَّوَوِيُّ يَحْتَجُّ به من يقول إباحة مَا كَانَ رَقْمًا مُطْلَقًا وَجَوَابُنَا وَجَوَابُ الْجُمْهُورِ عَنْهُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى رَقْمٍ عَلَى صُورَةِ الشَّجَرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا جَائِزٌ عِنْدَنَا انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ في الفتح قال بن الْعَرَبِيِّ حَاصِلُ مَا فِي اتِّخَاذِ الصُّوَرِ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَجْسَامٍ حَرُمَ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَتْ رَقْمًا فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ يَجُوزُ مُطْلَقًا عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ الثَّانِي الْمَنْعُ مُطْلَقًا حَتَّى الرَّقْمُ الثَّالِثُ إِنْ كَانَتِ الصُّورَةُ بَاقِيَةَ الْهَيْئَةِ قَائِمَةَ الشَّكْلِ حَرُمَ وَإِنْ قُطِعَتِ الرَّأْسُ أَوْ تَفَرَّقَتِ الْأَجْزَاءُ جَازَ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ الرَّابِعُ إِنْ كَانَ مِمَّا يُمْتَهَنُ جَازَ وَإِنْ كان معلق لم يجز انتهى وقد حكم بن عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى الْقَوْلِ الثَّالِثِ بِأَنَّهُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ كَمَا فِي التَّعْلِيقِ الْمُمَجَّدِ (قَالَ بَلَى) أَيْ قَدْ قَالَ ذَلِكَ (أَطْيَبُ لِنَفْسِي) أَيْ أَطْهَرُ لِلتَّقْوَى وَاخْتِيَارُ الْأَوْلَى وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ التَّصَاوِيرَ إِذَا كَانَتْ فِي فِرَاشٍ أَوْ بِسَاطٍ أَوْ وِسَادَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي مُوَطَّئِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ وَبِهَذَا نَأْخُذُ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ تَصَاوِيرَ مِنْ بِسَاطٍ يُبْسَطُ أَوْ فِرَاشٍ يُفْرَشُ أَوْ وِسَادَةٍ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِنَّمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ فِي السِّتْرِ وَمَا يُنْصَبُ نَصْبًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْعَامَّةُ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ إِلَّا مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ تَصْوِيرُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّوَوِيُّ

باب ما جاء في المصورين

وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ التَّصَاوِيرِ سَوَاءٌ كَانَتْ لِلْحَيَوَانِ أَوْ لِغَيْرِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ اتِّخَاذُ التَّصَاوِيرِ كُلِّهَا جَائِزًا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي السِّتْرِ أَوْ فِي مَا يُنْصَبُ نَصْبًا أَوْ فِي الْبِسَاطِ وَالْوِسَادَةِ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ بِكَوْنِهَا فِي الْبِسَاطِ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ كَمَا تَرَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُصَوِّرِينَ) [1751] قَوْلُهُ (مَنْ صَوَّرَ صُورَةً) كَذَا أَطْلَقَ وَظَاهِرُهُ التَّعْمِيمُ فَيَتَنَاوَلُ صُورَةَ مَا لا روح فيه لكن الذي فهم بن عَبَّاسٍ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ التَّخْصِيصَ بِصُورَةِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ مِنْ قَوْلِهِ كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ فَاسْتَثْنَى مَا لَا رُوحَ فِيهِ كَالشَّجَرِ (عَذَّبَهُ اللَّهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ قَالَ الْحَافِظُ اسْتِعْمَالُ حَتَّى هُنَا نَظِيرُ اسْتِعْمَالِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ) وَكَذَا قَوْلُهُمْ لَا أَفْعَلُ كَذَا حَتَّى يَشِيبَ الْغُرَابُ وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَيْ لَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُعَذَّبًا دَائِمًا وَقَدِ اسْتَشْكَلَ هَذَا الْوَعِيدُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَإِنَّ وَعِيدَ الْقَاتِلِ عَمْدًا يَنْقَطِعُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَعَ وُرُودِ تَخْلِيدِهِ بِحَمْلِ التَّخْلِيدِ عَلَى مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ وَهَذَا الْوَعِيدُ أَشَدُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُغَيًّا بِمَا لَا يُمْكِنُ وَهُوَ نَفْخُ الرُّوحِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يُعَذَّبُ زَمَانًا طويلا ثم يتلخص وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الزَّجْرُ الشَّدِيدُ بِالْوَعِيدِ بِعِقَابِ الْكَافِرِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الِارْتِدَاعِ وَظَاهِرُهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَهَذَا فِي حَقِّ الْعَاصِي بِذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ فَعَلَهُ مُسْتَحِلًّا فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ صَرِيحَةٌ فِي تَحْرِيمِ تَصْوِيرِ الْحَيَوَانِ وَأَنَّهُ غَلِيظُ التَّحْرِيمِ وَأَمَّا الشَّجَرُ وَنَحْوُهُ مِمَّا لَا رُوحَ فِيهِ فَلَا يَحْرُمُ صَنْعَتُهُ وَلَا التَّكَسُّبُ بِهِ وَسَوَاءٌ الشَّجَرُ الْمُثْمِرُ أَوْ غَيْرُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مُجَاهِدًا فَإِنَّهُ جَعَلَ الشَّجَرَ الْمُثْمِرَ مِنَ الْمَكْرُوهِ قَالَ الْقَاضِي لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ غَيْرُ مُجَاهِدٍ وَاحْتَجَّ مُجَاهِدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ

باب ما جاء في الخضاب

ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ أَيِ اجْعَلُوهُ حَيَوَانًا ذَا رُوحٍ كَمَا ضَاهَيْتُمْ وَعَلَيْهِ رِوَايَةُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذهب يخلق خلقا كخلقي ويؤيده حديث بن عَبَّاسٍ إِنْ كُنْتَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَاصْنَعِ الشَّجَرَ وَمَا لَا نَفْسَ لَهُ انْتَهَى (وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ يَفِرُّونَ مِنْهُ) أَيْ يَبْتَعِدُونَ مِنْهُ وَمِنَ اسْتِمَاعِهِ كَلَامَهُمْ (صُبَّ) بِضَمِّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ سُكِبَ (فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ) بِالْمَدِّ وَضَمِّ النُّونِ وَمَعْنَاهُ الأسرب بِالْفَارِسِيَّةِ وَفِي النِّهَايَةِ هُوَ الرَّصَاصُ الْأَبْيَضُ وَقِيلَ الْأَسْوَدُ وَقِيلَ الْخَالِصُ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) الْجُمْلَةُ دُعَاءٌ كَذَا قِيلَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ إِخْبَارٌ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ السَّابِقُ وَاللَّاحِقُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي جحيفة وعائشة وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ الْمُصَوِّرُونَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ خَلْقًا كَخَلْقِي فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ شَعِيرَةً وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ مَنْ لَعَنَ الْمُصَوِّرَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لهم أحيوا ما خلقتم قوله (حديث بن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخِضَابِ) أَيْ تَغْيِيرِ لَوْنِ شَيْبِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ [1752] قَوْلُهُ (غَيِّرُوا الشَّيْبَ) أَيْ بِالْخِضَابِ (وَلَا تَشَبَّهُوا) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ (بِالْيَهُودِ) أَيْ فِي تَرْكِ خِضَابِ الشَّيْبِ وَفِي رِوَايَةِ أحمد وبن حِبَّانَ زِيَادَةُ وَالنَّصَارَى وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ إِنَّ

الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ قَالَ فِي النَّيْلِ يَدُلُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ فِي شَرْعِيَّةِ الصِّبَاغِ وَتَغْيِيرِ الشَّيْبِ هِيَ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَبِهَذَا يَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُ الْخِضَابِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَالِغُ فِي مُخَالَفَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَيَأْمُرُ بِهَا وَهَذِهِ السُّنَّةُ قَدْ كَثُرَ اشْتِغَالُ السَّلَفِ بِهَا وَلِهَذَا تَرَى الْمُؤَرِّخِينَ فِي التَّرَاجِمِ لَهُمْ يَقُولُونَ وكان يخضب وكان لا يخضب قال بن الْجَوْزِيِّ قَدِ اخْتَضَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَدْ رَأَى رَجُلًا قَدْ خَضَّبَ لِحْيَتَهُ إِنِّي لِأَرَى رَجُلًا يُحْيِي مَيْتًا مِنَ السُّنَّةِ وَفَرِحَ بِهِ حِينَ رَآهُ صَبَغَ بِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الزبير وبن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَنَسٍ وَأَبِي رِمْثَةَ وَالْجَهْدَمَةِ وَأَبِي الطُّفَيْلِ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي جحيفة وبن عمر) أما حديث الزبير وهو بن العوام فأخرجه بن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ كذا في عمدة القارىء ورواه النسائي أيضا وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ الحديث وسيأتي بتمامه وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وأما حديث جابر وهو بن عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ عَنْهُ قَالَ جِيءَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ الْحَدِيثَ وَسَيَأْتِي بِتَمَامِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَسَيَأْتِي وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رِمْثَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْضِبُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَكَانَ شَعْرُهُ يَبْلُغُ كَتِفَيْهِ أَوْ مَنْكِبَيْهِ وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي وَلَهُ لِمَّةٌ بِهَا رَدْعٌ مِنْ حِنَّاءٍ رَدْعٌ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَطْخٌ يُقَالُ بِهِ رَدْعٌ مِنْ دَمٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَالنَّيْلِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْجَهْدَمَةِ وَأَبِي الطُّفَيْلِ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي جُحَيْفَةَ فلينظر من أخرجها وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَ مَعْنَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا [1753] قَوْلُهُ (إِنَّ أَحْسَنَ مَا غُيِّرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِهِ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ (الشَّيْبُ) نَائِبُ الْفَاعِلِ (الْحِنَّاءُ

وَالْكَتَمُ) بِالرَّفْعِ وَهُوَ خَبَرُ إِنَّ وَالْكَتَمُ بِفَتْحَتَيْنِ وَتَخْفِيفِ التَّاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْكَتَمُ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَالْمَشْهُورُ التَّخْفِيفُ وَهُوَ نَبْتٌ يُخْلَطُ مَعَ الْوَسْمَةِ وَيُصْبَغُ بِهِ الشَّعْرُ أَسْوَدُ وَقِيلَ هُوَ الْوَسْمَةُ وَمِنْهُ حَدِيثُ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَصْبُغُ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَيُشْبِهُ أَنْ يُرَادَ اسْتِعْمَالُ الْكَتَمِ مُفْرَدًا عَنِ الْحِنَّاءِ فَإِنَّ الْحِنَّاءَ إِذَا خُضِبَ بِهِ مَعَ الْكَتَمِ جَاءَ أَسْوَدَ وَقَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنِ السَّوَادِ وَلَعَلَّ الْحَدِيثَ بِالْحِنَّاءِ أَوِ الْكَتَمِ عَلَى التَّخْيِيرِ وَلَكِنَّ الرِّوَايَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّعَاقُبِ وَيَحْتَمِلُ الْجَمْعَ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ اخْتَضَبَ أَبُو بَكْرٍ بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ وَاخْتَضَبَ عُمَرُ بِالْحِنَّاءِ بَحْتًا وَقَوْلُهُ بَحْتًا بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ أَيْ صِرْفًا هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا دَائِمًا وَالْكَتَمُ نَبَاتٌ بِالْيَمَنِ يُخْرِجُ الصِّبْغَ أَسْوَدَ يَمِيلُ إِلَى الْحُمْرَةِ وَصِبْغُ الْحِنَّاءِ أَحْمَرُ فَالصِّبْغُ بِهِمَا مَعًا يَخْرُجُ بَيْنَ السَّوَادِ وَالْحُمْرَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَأَبُو الْأَسْوَدِ الدِّيلِيُّ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَيُقَالُ الدُّؤَلِيُّ بِالضَّمِّ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ الْبَصْرِيُّ اسْمُهُ ظَالِمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ ظَالِمٍ وَيُقَالُ بِالتَّصْغِيرِ فِيهِمَا وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ أَوْ عُثْمَانُ بْنُ عَمْرٍو ثِقَةٌ فَاضِلٌ مُخَضْرَمٌ انْتَهَى فَائِدَةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ تَمَسَّكَ بِهِ يَعْنِي بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ مَنْ أَجَازَ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ فِي بَابِ ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مَسْأَلَةُ اسْتِثْنَاءِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ لِحَدِيثَيْ جابر وبن عَبَّاسٍ وَأَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ فِي الْجِهَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ مُطْلَقًا وَأَنَّ الْأَوْلَى كَرَاهَتُهُ وَجَنَحَ النَّوَوِيُّ إِلَى أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَقَدْ رَخَّصَ فِيهِ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَجَرِيرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ واختاره بن أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الْخِضَابِ لَهُ وَأَجَابَ عن حديث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ بِالسَّوَادِ لَا يَجِدُونَ رِيحَ الْجَنَّةِ بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى كَرَاهَةِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ بَلْ فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ قَوْمٍ هَذِهِ صِفَتُهُمْ وَعَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ جَنِّبُوهُ السَّوَادَ بِأَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ صَارَ شَيْبُ رَأْسِهِ مُسْتَبْشَعًا وَلَا يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ انْتَهَى وَمَا قَالَهُ خِلَافُ مَا يَتَبَادَرُ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثَيْنِ نَعَمْ يَشْهَدُ له ما أخرجه هو عن بن شِهَابٍ قَالَ كُنَّا نَخْضِبُ بِالسَّوَادِ إِذَا كَانَ الْوَجْهُ جَدِيدًا فَلَمَّا نَغَضَ الْوَجْهُ وَالْأَسْنَانُ تَرَكْنَاهُ وقد أخرج الطبراني وبن أَبِي عَاصِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَفَعَهُ من خضب

بِالسَّوَادِ سَوَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَسَنَدُهُ لَيِّنٌ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَأَجَازَهُ لَهَا دُونَ الرَّجُلِ وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ وَأَمَّا خَضْبُ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ فَلَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ إِلَّا فِي التَّدَاوِي انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ مَنْ أَجَازَ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ اسْتَدَلَّ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا الشَّيْبَ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ التَّغْيِيرَ بِالسَّوَادِ أَيْضًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَا يَصْبُغُونَ فخالفوهم قال الحافظ بن أَبِي عَاصِمٍ قَوْلُهُ فَخَالِفُوهُمْ إِبَاحَةٌ مِنْهُ أَنْ يُغَيِّرُوا الشَّيْبَ بِكُلِّ مَا شَاءَ الْمُغَيِّرُ لَهُ إِذْ لَمْ يَتَضَمَّنْ قَوْلُهُ خَالِفُوهُمْ أَنِ اصْبُغُوا بِكَذَا وَكَذَا دُونَ كَذَا وَكَذَا انْتَهَى وَمِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ قَالَ أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ أَوْ جَاءَ عَامَ الْفَتْحِ أَوْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَبِرَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ مِثْلُ الثَّغَامِ أَوِ الثَّغَامَةِ فَأَمَرَ أَوْ فَأُمِرَ بِهِ إِلَى نِسَائِهِ قَالَ غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ بِإِطْلَاقِهِ يَشْمَلُ التَّغْيِيرَ بِالسَّوَادِ أَيْضًا وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغْيِيرِ فِيهِمَا بِغَيْرِ السَّوَادِ فَإِنَّ حَدِيثَ جابر هذا رواه مسلم من طرق بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ وَزَادَ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّغْيِيرِ فِي الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ التَّغْيِيرُ بغير السواد وأجابا الْمُجَوِّزُونَ عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ بِأَنَّ فِي كَوْنِهَا مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم نظرا ويؤيده أن بن جُرَيْجٍ رَاوِيَ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ كَانَ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ مَخْلُوطًا بِالْكَتَمِ وَهُوَ يُسَوِّدُ الشَّعْرَ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْخَلْطَ يَخْتَلِفُ فَإِنْ غَلَبَ الْكَتَمُ اسْوَدَّ وَكَذَا إِنِ اسْتَوَيَا وَإِنْ غَلَبَ الْحِنَّاءُ احْمَرَّ وَالْمُرَادُ بِالْخَلْطِ فِي الْحَدِيثِ إِذَا كَانَ الْحِنَّاءُ غَالِبًا عَلَى الْكَتَمِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَفِيهِ أَنَّ الْحَدِيثَ مُطْلَقٌ لَيْسَ مُقَيَّدًا بِصُورَةٍ دُونَ صُورَةٍ وَوَجْهُ الْجَمْعِ لَيْسَ بِمُنْحَصِرٍ فيما ذكر ومنها حديث صهيب رواه بن مَاجَهْ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الصَّيْرَفِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ فِرَاسٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بْنِ زَكَرِيَّا الرَّاسِبِيُّ حَدَّثَنَا دَفَّاعُ بْنُ دَغْفَلٍ السَّدُوسِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ صَيْفِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ صُهَيْبِ الْخَيْرِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَحْسَنَ مَا اخْتَضَبْتُمْ بِهِ لَهَذَا السَّوَادُ أَرْغَبُ لِنِسَائِكُمْ فِيكُمْ وَأَهْيَبُ لَكُمْ فِي صُدُورِ عَدُوِّكُمْ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالْخِضَابِ بِالسَّوَادِ وَيَقُولُ هُوَ تَسْكِينٌ لِلزَّوْجَةِ وَأَهْيَبُ لِلْعَدُوِّ وَذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ

وَأَجَابَ الْمَانِعُونَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ دَفَّاعَ بْنَ دَغْفَلٍ وَعَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ صَيْفِيٍّ ضَعِيفَانِ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ صَيْفِيٍّ (وَهُوَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ زِيَادِ بْنِ صَيْفِيٍّ) عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا فِي الْمِيزَانِ وَأُجِيبَ عَنِ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ دَفَّاعَ بْنَ دَغْفَلٍ ضَعَّفَهُ أبو حاتم ووثقه بن حِبَّانَ قَالَهُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفُ الحديث وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ فَتَضْعِيفُ أَبِي حَاتِمٍ وَقَوْلُهُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ غَيْرُ قَادِحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنِ السَّبَبَ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ وَقَوْلُ أَبِي حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ غَيْرُ قَادِحٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ السَّبَبَ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مِنْهُ فِي رِجَالٍ كَثِيرِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصَّحِيحِ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ السَّبَبِ كَخَالِدٍ الْحَذَّاءِ وَغَيْرِهِ انتهى فتوثيق بن حِبَّانَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنِ صَيْفِيٍّ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ جَرْحٌ مُفَسَّرٌ وَقَالَ أَبُو حاتم هو شيخ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَأُجِيبَ عَنِ الْوَجْهِ الثَّانِي بِأَنَّ قَوْلَ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا اشْتَرَطَهُ فِي قَبُولِ الْحَدِيثِ الْمُعَنْعَنِ مِنْ بَقَاءِ بَعْضِ رُوَاتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَلَوْ مَرَّةً وَأَمَّا الْجُمْهُورُ فَلَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ مَبْسُوطَةٌ فِي مَقَامِهَا وَمِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا إِذَا خَطَبَ أحدكم المرأة وهو يخضب بالسواد فليعلم ما أَنَّهُ يَخْضِبُ رَوَاهُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَاسْتَدَلَّ الْمُجَوِّزُونَ أَيْضًا بِأَنَّ جَمْعًا مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ من الخلفاء الراشدين في غيرهم قَدِ اخْتَضَبُوا بِالسَّوَادِ وَلَمْ يُنْقَلِ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَحَدٍ فَمِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَكَانَ أَسَنَّ أَصْحَابِهِ أَبُو بكر فعلها بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا وَفِي الْقَامُوسِ قنأ لحيته سودها كفنأها انتهى وفي المنجد قنأ قنوء الشَّيْءُ اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ اللِّحْيَةُ مِنَ الْخِضَابِ اسْوَدَّتْ قَنَأَ قَنْأً وَقَنَّأَ تَقْنِئَةً وَتَقَنْيَأَ لِحْيَتَهُ سَوَّدَهَا بِالْخِضَابِ قَنَّأَ الشَّيْءَ حَمَّرَهُ شَدِيدًا انْتَهَى وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ حَتَّى قَنَأَ لَوْنُهَا اشتد حُمْرَتُهَا فَفِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْقَافِ مَعَ النُّونِ مَرَرْتُ بِأَبِي بَكْرٍ فَإِذَا لِحْيَتُهُ قَانِئَةٌ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ وَقَدْ قَنَأَ لَوْنُهَا أَيْ شَدِيدَةُ الْحُمْرَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ حَتَّى قَنَأَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالنُّونِ وَالْهَمْزَةِ أَيِ اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهَا

انتهى وقال العيني أي حتى اشتد حُمْرَتُهَا حَتَّى ضَرَبَتْ إِلَى السَّوَادِ انْتَهَى وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يَخْرُجُ إِلَيْنَا وَكَأَنَّ لِحْيَتَهُ ضِرَامُ الْعَرْفَجِ مِنَ الْحِنَّاءِ وَالْكَتَمِ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ قَالَ الْجَوْزِيُّ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْأَثَرِ الضَّرَمُ لَهَبُ النَّارِ شُبِّهَتْ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يخضبها بالحناء وقال في مادة الْعَرْفَجُ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ صَغِيرٌ سَرِيعُ الِاشْتِعَالِ بِالنَّارِ وَهُوَ مِنْ نَبَاتِ الصَّيْفِ وَمِنْهُمْ عُثْمَانُ رَضِيَ الله عنه قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ قَدْ صَحَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يخضبان بالسواد ذكر ذلك بن جَرِيرٍ عَنْهُمَا فِي كِتَابِ تَهْذِيبِ الْآثَارِ وَذَكَرَهُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَحَكَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عباس وأبو سلمة بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ وموسى بن طلحة والزهري وأيوب وإسماعيل بن معد يكرب رضي الله عنهم أجمعين وحكاه بن الجوزي عن محارب بن دثار ويزيد وبن جريج وأبي يوسف وأبي إسحاق وبن أبي ليلى وزياد بن علافة وَغَيْلَانِ بْنِ جَامِعٍ وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيِّ وَالْقَاسِمِ بْنِ سَلَّامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ انْتَهَى قُلْتُ وَكَانَ مِمَّنْ يَخْضِبُ بِالسَّوَادِ وَيَقُولُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ صَاحِبُ الْمَغَازِي وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَالْحَافِظُ بْنُ أبي عاصم وبن الْجَوْزِيِّ وَلَهُمَا رِسَالَتَانِ مُفْرَدَتَانِ فِي جَوَازِ الْخِضَابِ بالسواد وبن سِيرِينَ وَأَبُو بُرْدَةَ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ وَعَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ وَقَالَ إِنَّمَا شَعْرُكَ بِمَنْزِلَةِ ثَوْبِكَ فَاصْبُغْهُ بِأَيِّ لَوْنٍ شِئْتَ وَأَحَبُّهُ إِلَيْنَا أَحْلَكُهُ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ خَضْبَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرُهُمْ بِالسَّوَادِ يَنْفِيهِ الْأَحَادِيثُ الْمَرْفُوعَةُ فَلَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَأَمَّا عَدَمُ نَقْلِ الْإِنْكَارِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ وُقُوعِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَرْفُوعَةَ فِي هَذَا الْبَابِ مُخْتَلِفَةٌ فَبَعْضُهَا يَنْفِيهِ وَبَعْضُهَا لَا بَلْ يُثْبِتُهُ وَيُؤَيِّدُهُ فَتَفَكَّرْ وَاسْتَدَلَّ الْمَانِعُونَ عَنِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي رَوَاهُ مسلم من طريق بن جُرَيْجٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ قَالَ أُتِيَ بِأَبِي قُحَافَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى النَّهْيِ عَنِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ وأجيب عنه بأنه قَوْلَهُ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ مُدْرَجٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَيْسَ مِنْ كَلَامِ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي خَيْثَمَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ إِلَى قَوْلِهِ غَيِّرُوا هَذَا بِشَيْءٍ فَحَسْبُ وَلَمْ يزد فِيهِ قَوْلُهُ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ وَقَدْ سَأَلَ زُهَيْرٌ أَبَا الزُّبَيْرِ هَلْ قَالَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ جَنِّبُوهُ السَّوَادَ فَأَنْكَرَ وَقَالَ لَا فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا حَسَنٌ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَا حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَحْمَدُ فِي حَدِيثِهِ حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي قُحَافَةَ أَوْ جَاءَ عَامَ الْفَتْحِ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ مِثْلُ الثَّغَامِ أَوْ مِثْلُ الثَّغَامَةِ قَالَ حَسَنٌ فَأُمِرَ بِهِ إِلَى نِسَائِهِ قَالَ غَيِّرُوا هَذَا الشَّيْبَ قَالَ حَسَنٌ قَالَ زُهَيْرٌ قُلْتُ لِأَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ جَنِّبُوهُ السَّوَادَ قَالَ لَا انْتَهَى وَزُهَيْرٌ هَذَا هُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمُكَنَّى بِأَبِي خَيْثَمَةَ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ وَحَسَنٌ هَذَا هُوَ حَسَنُ بْنُ مُوسَى أَحَدُ الثِّقَاتِ وَرُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ حَدِيثَ جابر هذا رواه بن جريح وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَهُمَا ثِقَتَانِ ثَبْتَانِ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ مَعَ زِيَادَةِ قَوْلِهِ وَاجْتَنِبُوا السَّوَادَ كَمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا وَزِيَادَةُ الثِّقَاتِ الْحُفَّاظِ مَقْبُولَةٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْإِدْرَاجِ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي الزُّبَيْرِ لَا فِي جَوَابِ سُؤَالِ زُهَيْرٍ فَمَبْنِيٌّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ نَسِيَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَكَمْ مِنْ مُحَدِّثٍ قَالَ قَدْ نَسِيَ حديثه بعد ما أحدثه وخضب بن جُرَيْجٍ بِالسَّوَادِ لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ مدرجة كما لا يخفى ومنها حديث بن عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ كَحَوَاصِلِ الْحَمَامِ لَا يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ فَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي حُرْمَةِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ وَأَجَابَ الْمُجَوِّزُونَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ الْأَوَّلُ أَنَّ فِي سَنَدِهِ عَبْدَ الْكَرِيمِ بْنَ أَبِي المخارق أبا أمية كما صرح به بن الْجَوْزِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَقَدْ رُدَّ هَذَا الْجَوَابُ بِأَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ هَذَا ليس هو بن أَبِي الْمُخَارِقِ أَبَا أُمَيَّةَ بَلْ هُوَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ أَبُو سَعِيدٍ وَهُوَ مِنَ الثِّقَاتِ قَالَ الْحَافِظُ بْنُ حَجَرٍ فِي القول المسدد أخطأ بن الْجَوْزِيِّ فَإِنَّمَا فِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ الثِّقَةُ الْمُخَرَّجُ لَهُ فِي الصَّحِيحِ انْتَهَى وقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ هَذَا هو بن أَبِي الْمُخَارِقِ وَضَعَّفَ الْحَدِيثَ بِسَبَبِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى وَالثَّانِي أَنَّ الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ بَلْ عَلَى

مَعْصِيَةٍ أُخْرَى لَمْ تُذْكَرْ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ بن أَبِي عَاصِمٍ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَكُونُ قَوْمٌ يَخْضِبُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ بِالسَّوَادِ وَقَدْ عَرَفْتَ وُجُودَ طَائِفَةٍ قَدْ خَضَبُوا بِالسَّوَادِ فِي أَوَّلِ الزَّمَانِ وَبَعْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَظَهَرَ أَنَّ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ لَيْسَ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ إِذَا لَوْ كَانَ الْوَعِيدُ عَلَى الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ قَوْلِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَائِدَةٌ فَالِاسْتِدْلَالُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَضْبِ بِالسَّوَادِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْخَضْبُ بِهِ لِغَرَضِ التَّلْبِيسِ وَالْخِدَاعِ لَا مُطْلَقًا جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ وَهُوَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلَا تُقَرِّبُوهُ السَّوَادَ وَأُجِيبَ عَنْهُ بأن في سنده بن لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَجْمَعَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِ بن لَهِيعَةَ وَتَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِمَا يَنْفَرِدُ بِهِ انْتَهَى ثُمَّ هُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ بِالْعَنْعَنَةِ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا مَنْ خَضَبَ بِالسَّوَادِ سَوَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ يوم القيامة أخرجه الطبراني وبن أبي عاصم ومنها حديث بن عُمَرَ مَرْفُوعًا الصُّفْرَةُ خِضَابُ الْمُؤْمِنِ وَالْحُمْرَةُ خِضَابُ الْمُسْلِمِ وَالسَّوَادُ خِضَابُ الْكَافِرِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَمِنْهَا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَفَعَهُ مَنْ غَيَّرَ الْبَيَاضَ بِالسَّوَادِ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي لِسَانِ الْمِيزَانِ وَأُجِيبَ عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ بِأَنَّهَا ضَعِيفَةٌ لَا يَصْلُحُ وَاحِدٌ مِنْهَا لِلِاحْتِجَاجِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ ضَعَّفَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَمَا عَرَفْتَ وَأَمَّا الثَّانِي فَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي التَّيْسِيرِ إِنَّهُ مُنْكَرٌ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْعَنْبَرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي الْمِيزَانِ وَاللِّسَانِ هَذَا وَقَدْ ذَكَرْنَا دَلَائِلَ المجوزين والمانعين مع بيان مالها وَمَا عَلَيْهَا فَعَلَيْكَ أَنْ تَتَأَمَّلَ فِيهَا وَقَدْ جمع الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ بَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ وحديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَيْنِ بِوَجْهَيْنِ فَقَالَ فَإِنْ قِيلَ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ النَّهْيُ عَنِ الْخِضَابِ بِالسَّوَادِ وَالْكَتَمُ يُسَوِّدُ الشَّعْرَ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّهْيَ عَنِ التَّسْوِيدِ الْبَحْتِ فَأَمَّا إِذَا أُضِيفَ إِلَى الْحِنَّاءِ شَيْءٌ آخَرُ كَالْكَتَمِ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّ الْكَتَمَ وَالْحِنَّاءَ يَجْعَلُ الشَّعْرَ بَيْنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ بِخِلَافِ الْوَسْمَةِ فإنها

باب ما جاء في الجمة واتخاذ الشعر الجمة

تَجْعَلُهُ أَسْوَدَ فَاحِمًا وَهَذَا أَصَحُّ الْجَوَابَيْنِ الْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ الْخِضَابَ بِالسَّوَادِ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ خِضَابُ التَّدْلِيسِ كَخِضَابِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ تَغُرُّ الزَّوْجَ وَالسَّيِّدَ بِذَلِكَ وَخِضَابُ الشَّيْخِ يَغُرُّ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنَ الْغِشِّ وَالْخِدَاعِ فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ تَدْلِيسًا وَلَا خِدَاعًا فَقَدْ صَحَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا كَانَا يَخْضِبَانِ بِالسَّوَادِ إِلَخْ قُلْتُ الْجَوَابُ الْأَوَّلُ هُوَ أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ عِنْدِي وَحَاصِلُهُ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَنِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّسْوِيدِ الْبَحْتِ وَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الْخَضْبِ بِالسَّوَادِ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّسْوِيدِ الْمَخْلُوطِ بِالْحُمْرَةِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْجُمَّةِ وَاتِّخَاذِ الشَّعْرِ الْجُمَّةُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَشِدَّةِ الْمِيمِ هِيَ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ مَا سَقَطَ عَلَى الْمَنْكِبَيْنِ وَالْوَفْرَةُ هِيَ شَعْرُ الرَّأْسِ إِذَا وَصَلَ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ وَاللِّمَّةُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَشِدَّةِ الْمِيمِ هِيَ الشَّعْرُ الْمُتَجَاوِزُ شَحْمَةَ الْأُذُنِ وَيَكُونُ دُونَ الْجُمَّةِ [1754] قَوْلُهُ (رَبْعَةً) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَدْ تُفْتَحُ يُقَالُ رَجُلٌ رَبْعَةٌ وَمَرْبُوعٌ إِذَا كَانَ بَيْنَ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ (لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلَا بِالْقَصِيرِ) تَفْسِيرٌ وَبَيَانٌ لِرَبْعَةً (لَيْسَ بِجَعْدٍ وَلَا سَبْطٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِهَا وَهُوَ مِنَ السُّبُوطَةِ ضِدُّ الْجُعُودَةِ وَهُوَ الشَّعْرُ الْمُنْبَسِطُ الْمُسْتَرْسِلُ كَمَا فِي غَالِبِ شُعُورِ الْأَعَاجِمِ فَفِي الْقَامُوسِ السَّبْطُ وَيُحَرَّكُ وَكَكَتِفٍ نَقِيضُ الْجَعْدِ وَفِيهِ الْجَعْدُ مِنَ الشَّعْرِ خِلَافُ السَّبْطِ أَوِ الْقَصِيرُ مِنْهُ جَعُدَ كَكَرُمَ جُعُودَةً وَجَعَادَةً وَتَجَعَّدَ وَجَعَّدَهُ وَهُوَ جَعْدٌ وَهِيَ بِهَاءٍ انْتَهَى (إِذَا مَشَى يَتَكَفَّأُ) أَيْ يَتَمَايَلُ إِلَى قُدَّامٍ وَقِيلَ أَيْ يَرْفَعُ الْقَدَمَ مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ يَضَعُهَا وَلَا يَمْسَحُ قَدَمَهُ عَلَى الْأَرْضِ كَمَشْيِ الْمُتَبَخْتِرِ كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ أَيْ يَرْفَعُ رِجْلَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَجَلَادَةٍ وَالْأَشْبَهُ أَنَّ تَكَفَّأَ بِمَعْنَى صَبَّ الشَّيْءَ دفعة

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَالْبَرَاءِ وَأَبِي هريرة وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَوَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَجَابِرٍ وَأُمِّ هَانِئٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ قَالَتْ كُنْتُ أُرَجِّلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَائِضٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ لَهُ شَعْرٌ بَلَغَ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ كَانَ لَهُ شعر فليكرمه وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ ذِكْرُ فَرْقِ النَّاصِيَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حديث وائل فأخرجه داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ قَالَ أَتَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى رَجُلًا ثَائِرَ الرَّأْسِ فَقَالَ أَمَا يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ وَهَذَا لَفْظُ النَّسَائِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ فِي بَابٍ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ إِلَخْ) أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ [1755] قَوْلُهُ (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَفْعُولًا مَعَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ وَهُوَ مِنْ بَابِ تَغْلِيبِ الْمُتَكَلِّمِ عَلَى الْغَائِبِ لِكَوْنِهَا هِيَ السَّبَبَ فِي الِاغْتِسَالِ فَكَأَنَّهَا أَصْلٌ فِي الْبَابِ (وَكَانَ لَهُ شَعْرٌ فَوْقَ الْجُمَّةِ وَدُونَ الْوَفْرَةِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهُ رَاءٌ مَا وَصَلَ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ كَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَالنِّهَايَةِ وَشَرْحِ السُّنَّةِ وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ شَعْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَمْرًا مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الْجُمَّةِ وَالْوَفْرَةِ وَلَيْسَ بِجُمَّةٍ وَلَا وَفْرَةٍ لَكِنْ جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ جُمَّةٌ وَلَعَلَّ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا فِي الشَّمَائِلِ بِهَذَا اللَّفْظِ

باب ما جاء في النهي عن الترجل إلا غبا

تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ أَخْرَجَ هَذَا الحديث في سننه من طريق بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ كَانَ شَعْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْوَفْرَةِ وَدُونَ الْجُمَّةِ فَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ هَذَا عَكْسُ لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَوْقَ وَدُونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَحَلِّ وَتَارَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكَثْرَةِ وَالْقِلَّةِ فَقَوْلُهُ فَوْقَ الْجُمَّةِ أَيْ أَرْفَعُ فِي الْمَحَلِّ وَقَوْلُهُ دُونَ الْجُمَّةِ أَيْ فِي الْقَدْرِ وَكَذَا بِالْعَكْسِ وَهُوَ جَمْعٌ جَيِّدٌ لَوْلَا أَنَّ مَخْرَجَ الْحَدِيثِ مُتَّحِدٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ بَعْدَ ذِكْرِ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ لَفْظِ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ مَا لَفْظُهُ فَتُحْمَلُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَوْقَ وَدُونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَحَلِّ وُصُولِ الشَّعْرِ أَيْ أَنَّ شَعْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَرْفَعَ فِي الْمَحَلِّ مِنَ الْجُمَّةِ وَأَنْزَلَ فِيهِ مِنَ الْوَفْرَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طُولِ الشَّعْرِ وَقِصَرِهَا أي أطول من الوفرة وأكثر مِنَ الْجُمَّةِ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ انْتَهَى (وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ هَذَا الْحَرْفَ) أَيْ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الْحَرْفَ الْجُمْلَةُ وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ وَكَانَ لَهُ شَعْرٌ فَوْقَ الْجُمَّةِ (وَهُوَ ثقة حافظ) يعني وزيادة الثقة لحافظ مَقْبُولَةٌ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ التَّرَجُّلِ إِلَّا غِبًّا) [1756] قَوْلُهُ (عَنْ هِشَامٍ) هُوَ بن حَسَّانَ الْأَزْدِيِّ الْفِرْدَوْسِيِّ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّرَجُّلِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ التَّرَجُّلُ وَالتَّرْجِيلُ تَسْرِيحُ الشَّعْرِ وَتَنْظِيفُهُ وَتَحْسِينُهُ انْتَهَى (إِلَّا غبا) بكسر الغين المعجمة وشدة الموحدة قال الْقَاضِي الْغِبُّ أَنْ يَفْعَلَ يَوْمًا وَيَتْرُكَ يَوْمًا وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ عَنِ الْمُوَاظَبَةِ عَلَيْهِ وَالِاهْتِمَامِ بِهِ لِأَنَّهُ مُبَالَغَةٌ فِي التَّزْيِينِ وَتَهَالُكٌ فِي التحسين انتهى وقال في النهاية زرغبا تَزْدَدْ حُبًّا الْغِبُّ مِنْ أَوْرَادِ الْإِبِلِ أَنْ تَرِدَ الْمَاءَ يَوْمًا وَتَدَعَهُ يَوْمًا ثُمَّ تَعُودَ فَنَقَلَهُ إِلَى الزِّيَارَةِ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ أَيَّامٍ يُقَالُ غَبَّ الرَّجُلُ إِذَا جَاءَ زَائِرًا بَعْدَ أَيَّامٍ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي كُلِّ أُسْبُوعٍ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ أَغِبُّوا فِي عِيَادَةِ الْمَرِيضِ أَيْ لَا تَعُودُوهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ لِمَا

يَجِدُ مِنْ ثِقَلِ الْعُوَّادِ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الِاشْتِغَالِ بِالتَّرْجِيلِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ التَّرَفُّهِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَنْهَانَا عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْإِرْفَاهِ فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ حَدِيثِ الْبَابِ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ جُمَّةٌ ضَخْمَةٌ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهَا وَأَنْ يَتَرَجَّلَ كُلَّ يَوْمٍ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ كُلُّهُمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ قُلْتُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا لِلتَّرْجِيلِ كُلَّ يَوْمٍ لِغَزَارَةِ شَعْرِهِ أَوْ هُوَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدِّينِ الْعِرَاقِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن يتمشط أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ هُوَ نَهْيُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ فَيُجْتَنَبُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ قَالَ فَإِنْ قُلْتَ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ عَنْ أَنَسٌ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ دَهْنَ رَأْسِهِ وَتَسْرِيحَ لِحْيَتِهِ قُلْتُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْإِكْثَارِ التَّسْرِيحُ كُلَّ يَوْمٍ بَلِ الْإِكْثَارُ قَدْ يَصْدُقُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي يُفْعَلُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ فَإِنْ قُلْتَ نُقِلَ أَنَّهُ كَانَ يُسَرِّحُ لِحْيَتَهُ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى هَذَا بِإِسْنَادٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ إِلَّا الْغَزَالِيَّ فِي الْإِحْيَاءِ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ من الأحاديث التي لا أصل إليها قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْبَاجِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ رُوَاتُهُ ثِقَاتٍ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَأَحَادِيثُ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فِيهَا نَظَرٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْبَاجِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَفِي مَا قَالَهُ نَظَرٌ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ إِنَّ الْحَسَنَ سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَقَدْ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ عَنْهُ غَيْرَ أَنَّ الْحَدِيثَ فِي إِسْنَادِهِ اضْطِرَابٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي شَمَائِلِهِ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ دَهْنَ رَأْسِهِ وَتَسْرِيحَ لِحْيَتِهِ وَيُكْثِرُ الْقِنَاعَ حَتَّى كَأَنَّ ثَوْبَهُ ثَوْبُ زيات

باب ما جاء في الاكتحال

23 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الِاكْتِحَالِ) [1757] قَوْلُهُ (اِكْتَحِلُوا بِالْإِثْمِدِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ بَيْنَهُمَا ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ سَاكِنَةٌ وَحُكِيَ فِيهِ ضَمُّ الْهَمْزَةِ حَجَرٌ مَعْرُوفٌ أَسْوَدُ يَضْرِبُ إِلَى الْحُمْرَةِ يَكُونُ فِي بِلَادِ الْحِجَازِ وَأَجْوَدُهُ يُؤْتَى بِهِ مِنْ أَصْبَهَانَ وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ اسْمُ الْحَجَرِ الَّذِي يُتَّخَذُ مِنْهُ الكحل أو هو نفس الكحل ذكره بن سِيدَهْ وَأَشَارَ إِلَيْهِ الْجَوْهَرِيُّ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ هُوَ الْحَجَرُ الْمَعْدِنِيُّ وَقِيلَ هُوَ الْكُحْلُ الْأَصْفَهَانِيُّ يُنَشِّفُ الدَّمْعَةَ وَالْقُرُوحَ وَيَحْفَظُ صِحَّةَ الْعَيْنِ وَيُقَوِّي غُصْنَهَا لَا سِيَّمَا لِلشُّيُوخِ وَالصِّبْيَانِ وَفِي رِوَايَةٍ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ وَهُوَ الَّذِي أُضِيفَ إِلَيْهِ الْمِسْكُ الْخَالِصُ قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وَقَالَ ليقة الصَّائِمُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ) مِنَ الْجَلَاءِ أَيْ يُحَسِّنُ النَّظَرَ وَيَزِيدُ نُورَ الْعَيْنِ وَيُنَظِّفُ الْبَاصِرَةَ لِدَفْعِ الْمَوَادِّ الرَّدِيئَةِ النَّازِلَةِ إِلَيْهَا مِنَ الرَّأْسِ (وَيُنْبِتُ) مِنَ الْإِنْبَاتِ (الشَّعَرَ) بِفَتْحَتَيْنِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُ الْعَيْنِ لَكِنْ قَالَ مَيْرَكُ الرواية بفتحها قال القارىء وَلَعَلَّ وَجْهَهُ مُرَاعَاةُ لَفْظِ الْبَصَرِ وَهُوَ مِنَ الْمُحَسِّنَاتِ اللَّفْظِيَّةِ الْبَدِيعَةِ وَالْمُنَاسِبَاتِ السَّجْعِيَّةِ وَنَظِيرُهُ وُرُودُ الْمُشَاكَلَةِ فِي لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا وَرِوَايَةُ أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ بِإِبْدَالِ هَمْزَةِ الْبَاسِ وَنَحْوِهِمَا وَالْمُرَادُ بِالشَّعَرِ هُنَا الْهُدْبُ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ مره وَهُوَ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَى أَشْفَارِ الْعَيْنِ وَعِنْدَ أَبِي عَاصِمٍ وَالطَّبَرِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ بسند حسن عليكم بالإثمد فإنه منبتة الشعر مذهبة للقذى مصفاة للبصر (وزعم) أي بن عباس وهو المفهوم من رواية بن مَاجَهْ وَرِوَايَاتِ التِّرْمِذِيِّ فِي الشَّمَائِلِ أَيْضًا وَهُوَ أَقْرَبُ وَبِالِاسْتِدْلَالِ أَنْسَبُ وَقِيلَ أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ حميد شيخ الترمذي قاله القارىء قُلْتُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ الْمُعْتَمَدُ يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ فِي بَابِ السَّعُوطُ مِنْ أَبْوَابِ الطب ثم قال القارىء وَالزَّعْمُ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْقَوْلُ الْمُحَقَّقُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْمَشْكُوكِ فِيهِ أَوْ فِي الظَّنِّ الْبَاطِلِ قَالَ تَعَالَى (زَعَمَ الذين كفروا) وَفِي الْحَدِيثِ بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا عَلَى مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ حُذَيْفَةَ فَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ لِابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنَ السِّيَاقِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْقَوْلُ الْمُحَقَّقُ كَقَوْلِ أُمِّ هَانِئٍ عَنْ أَخِيهَا عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم زعم بن أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلُ فُلَانٍ وَفُلَانٍ لِاثْنَيْنِ مِنْ أَصْهَارِهَا أَجَرْتُهُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ وَإِنْ كَانَ لِمُحَمَّدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَلَى مَا زَعَمَ بَعْضُهُمْ فَالزَّعْمُ بَاقٍ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ مَعْنَاهُ الْمُتَبَادَرُ إِشَارَةً إلى

ضَعْفِ حَدِيثِهِ بِإِسْقَاطِ الْوَسَائِطِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنِ الظَّاهِرُ مِنَ العبارة أنه لو كان القائل بن عباس لقبل وَإِنَّ النَّبِيَّ وَلَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ زَعَمَ فَائِدَةٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ أَتَى بِهِ لِطُولِ الْفَصْلِ كَمَا يَقَعُ عَادَةً قَالَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْعِبَارَاتِ وَإِيمَاءً إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجُمْلَتَيْنِ بِأَنَّ الْأُولَى حَدِيثٌ قَوْلِيٌّ وَالثَّانِيَةَ حَدِيثٌ فِعْلِيٌّ هَذَا وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ السُّيُوطِيَّ جَعَلَ الْحَدِيثَ حَدِيثَيْنِ وقال روى الترمذي وبن ماجه عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَهُ مُكْحُلَةٌ يَكْتَحِلُ مِنْهَا كُلَّ لَيْلَةٍ ثَلَاثَةً فِي هَذِهِ وَثَلَاثَةً فِي هَذِهِ وَلَمَّا كَانَ زَعَمَ تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا بِمَعْنَى ظَنَّ ضُبِطَ قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (كَانَتْ لَهُ مُكْحُلَةٌ) بِضَمَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا سَاكِنَةٌ اسْمُ آلَةِ الْكُحْلِ وَهُوَ الْمِيلُ عَلَى خِلَافِ القياس والمراد ها هنا ما فيه الكحل (يكتحل بها) قال القارىء كَذَا بِالْبَاءِ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ وَفِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ الشَّمَائِلِ بِلَفْظِ مِنْهَا فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَشْرَبُ بها عباد الله وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ (كُلَّ لَيْلَةٍ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ وَعِنْدَ النَّوْمِ كَمَا فِي أُخْرَى (ثَلَاثَةً) أَيْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مُتَوَالِيَةٍ (فِي هَذِهِ) أَيِ الْيُمْنَى (وَثَلَاثَةً) أَيْ مُتَتَابِعَةً (فِي هَذِهِ) أَيِ الْيُسْرَى وَالْمُشَارُ إِلَيْهَا عَيْنُ الرَّاوِي بِطَرِيقِ التَّمْثِيلِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنِ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِي الْإِيتَارِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا مَا سَبَقَ وَعَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ الْمُتَعَدِّدَةُ وَهُوَ أَقْوَى فِي الِاعْتِبَارِ لِتَكْرَارِ تَحَقُّقِ الْإِيتَارِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ عُضْوٍ كَمَا اعْتُبِرَ التَّثْلِيثُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَثَانِيهمَا أَنْ يَكْتَحِلَ فِيهِمَا خَمْسَةً ثَلَاثَةً فِي الْيُمْنَى وَمَرَّتَيْنِ فِي الْيُسْرَى عَلَى مَا رُوِيَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الِابْتِدَاءُ وَالِانْتِهَاءُ بِالْيَمِينِ تَفْضِيلًا لَهَا عَلَى الْيَسَارِ كَمَا أَفَادَهُ الشَّيْخُ مَجْدُ الدِّينِ الفَيْرُوزْآبَادِيُّ وَجَوَّزَ اثْنَيْنِ فِي كُلِّ عَيْنٍ وَوَاحِدَةً بَيْنَهُمَا أَوْ فِي الْيُمْنَى ثَلَاثًا مُتَعَاقِبَةً وَفِي الْيُسْرَى ثِنْتَيْنِ فَيَكُونُ الْوِتْرُ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا جَمِيعًا وَأَرْجَحُهُمَا الْأَوَّلُ لِمَا ذُكِرَ مِنْ حُصُولِ الْوِتْرِ شَفْعًا مَعَ أَنَّهُ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكْتَحِلَ فِي كُلِّ عَيْنٍ واحدة وثم ويؤول أَمْرُهُ إِلَى الْوَتْرَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعُضْوَيْنِ لَكِنِ الْقِيَاسُ عَلَى بَابِ طَهَارَةِ الْأَعْضَاءِ بِجَامِعِ التَّنْظِيفِ والتزيين هو الأول فتأمل قوله (وفي الباب عن جابر وبن عُمَرَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وفِي الْبَابِ عَنْ جابر عند الترمذي في الشمائل وبن ماجه وبن عدي من ثلاث طرق عن بن الْمُنْكَدِرِ عَنْهُ بِلَفْظِ عَلَيْكُمْ

باب ما جاء في النهي عن اشتمال الصماء والإحتباء

بِالْإِثْمِدِ فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَرَ وَيُنْبِتُ الشَّعَرَ وَعَنْ علي عند بن أَبِي عَاصِمٍ وَالطَّبَرَانِيِّ وَلَفْظُهُ عَلَيْكُمْ بِالْإِثْمِدِ فَإِنَّهُ مَنْبَتَةٌ لِلشَّعَرِ مَذْهَبَةٌ لِلْقَذَى مَصْفَاةٌ لِلْبَصَرِ وَسَنَدُهُ حسن وعن بن عُمَرَ بِنَحْوِهِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي الشَّمَائِلِ وَعَنْ أَنَسٍ فِي غَرِيبِ مَالِكٍ لِلدَّارَقُطْنِيِّ بِلَفْظِ كَانَ يأمرنا بالإثمد وعن سعيد بْنِ هَوْذَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِلَفْظِ اكْتَحِلُوا بِالْإِثْمِدِ فَإِنَّهُ الْحَدِيثَ وَهُوَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِهِ بِلَفْظِ أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِثْمِدِ الْمُرَوَّحِ عِنْدَ النَّوْمِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ خَيْرُ أَكْحَالِكُمُ الْإِثْمِدُ فَإِنَّهُ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَفِي سَنَدِهِ مَقَالٌ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي سَنَدِهِ مَقَالٌ وَعَنْ عَائِشَةَ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِثْمِدٌ يَكْتَحِلُ بِهِ عِنْدَ مَنَامِهِ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثًا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ انتهى قوله (حديث بن عباس حديث حسن الخ) وأخرجه بن ماجه وصححه بن حِبَّانَ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَالِاحْتِبَاءِ) فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ [1758] قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ لِبْسَتَيْنِ) بِكَسْرِ اللَّامِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ الْهَيْئَةُ الْمَخْصُوصَةُ لَا الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ اللُّبْسِ (الصَّمَّاءِ) بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمَدِّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ أَنْ يُجَلِّلَ جَسَدَهُ بِالثَّوْبِ لَا يَرْفَعُ مِنْهُ جَانِبًا وَلَا يُبْقِي مَا يُخْرِجُ منه يده قال بن قُتَيْبَةَ سُمِّيَتْ صَمَّاءَ لِأَنَّهُ يَسُدُّ الْمَنَافِذَ كُلَّهَا فَيَصِيرُ كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا خَرْقٌ وَقَالَ الْفُقَهَاءُ هُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِالثَّوْبِ ثُمَّ يَرْفَعَهُ مِنْ أَحَدِ

باب ما جاء في مواصلة الشعر

جَانِبَيْهِ فَيَضَعَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ فَيَصِيرَ فَرْجُهُ بَادِيًا قَالَ النَّوَوِيُّ فَعَلَى تَفْسِيرِ أَهْلِ اللُّغَةِ يَكُونُ مَكْرُوهًا لِئَلَّا تَعْرِضَ لَهُ حَاجَةٌ فَيَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ يَدِهِ فَيَلْحَقَهُ الضَّرَرُ وَعَلَى تَفْسِيرِ الْفُقَهَاءِ يَحْرُمُ لِأَجْلِ انْكِشَافِ الْعَوْرَةِ قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُ سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ فِي اللِّبَاسِ أَنَّ التَّفْسِيرَ الْمَذْكُورَ فِيهَا مَرْفُوعٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي لَا يُخَالِفُ ظَاهِرَ الْخَبَرِ انْتَهَى قُلْتُ رِوَايَةُ يُونُسَ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الَّتِي فِيهَا تَفْسِيرُ الصَّمَّاءِ هَكَذَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَالصَّمَّاءُ أن يجعل ثوبه على عاتقيه فيبدوا أَحَدُ شِقَّيْهِ لَيْسَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ إِلَخْ (وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ إِلَخْ) الِاحْتِبَاءُ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَلُفَّ عَلَيْهِ ثَوْبًا وَيُقَالُ لَهُ الْحَبْوَةُ وَكَانَتْ مِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن علي وبن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي أُمَامَةَ) أما أحاديث علي وبن عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا وَأَمَّا حديث عائشة فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَ مَعْنَاهُ الشَّيْخَانِ 5 - (بَاب ما جاء في مواصلة الشعر) [1759] قوله (قَوْلُهُ لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ) أَيِ الَّتِي تَصِلُ الشَّعْرَ سَوَاءٌ كَانَ لِنَفْسِهَا أَمْ لِغَيْرِهَا (وَالْمُسْتَوْصِلَةَ) أَيِ الَّتِي تَطْلُبُ وَصْلَ شَعْرِهَا (وَالْوَاشِمَةَ) هِيَ الَّتِي تَشِمُ مِنَ الْوَشْمِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْوَشْمُ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ أَنْ يَغْرِزَ فِي الْعُضْوِ إِبْرَةً أَوْ نَحْوَهَا حَتَّى يَسِيلَ الدَّمُ ثُمَّ يُحْشَى بِنَوْرَةٍ أَوْ

باب ما جاء في ركوب المياثر

غَيْرِهَا فَيَخْضَرَّ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ الْوَاشِمَةُ الَّتِي تَجْعَلُ الْخِيلَانَ فِي وَجْهِهَا بِكُحْلٍ أَوْ مِدَادٍ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ الْمَعْمُولُ بِهَا انْتَهَى وَذِكْرُ الْوَجْهِ لِلْغَالِبِ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ فِي الشَّفَةِ وَفِي آخِرِ حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ نَافِعٌ الْوَشْمُ فِي اللِّثَةِ فَذِكْرُ الْوَجْهِ لَيْسَ قَيْدًا وَقَدْ يَكُونُ فِي الْيَدِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْجَسَدِ وَقَدْ يُفْعَلُ ذَلِكَ نَقْشًا وَيُجْعَلُ دَوَائِرَ وَقَدْ يُكْتَبُ اسْمُ الْمَحْبُوبِ وَتَعَاطِيهِ حَرَامٌ بِدَلَالَةِ اللَّعْنِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ وَيَصِيرُ الْمَوْضِعُ الْمَوْشُومُ نَجَسًا لِأَنَّ الدَّمَ النَّجِسَ فِيهِ فَيَجِبُ إِزَالَتُهُ إِنْ أَمْكَنَ وَلَوْ بِالْجَرْحِ إِلَّا إِنْ خَافَ مِنْهُ تَلَفًا أَوْ شَيْئًا أَوْ فَوَاتَ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ فَيَجُوزُ إِبْقَاؤُهُ وَتَكْفِي التَّوْبَةُ فِي سُقُوطِ الْإِثْمِ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ قَالَهُ الْحَافِظُ في الفتح (والمستوشمة) وهي الَّتِي تَطْلُبُ الْوَشْمَ (قَالَ نَافِعٌ الْوَشْمُ فِي اللِّثَةِ) ذِكْرُ اللِّثَةِ لِلْغَالِبِ كَمَا عَرَفْتَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي وبن ماجه قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَمَعْقِلِ بن يسار وبن عباس ومعاوية) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ فَأَخْرَجَهُ أحمد وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رُكُوبِ الْمَيَاثِرِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مِيثَرَةٍ بِكَسْرِ الميم وسكون التحتانية وفتح المثلثة بعدها راء ثم هاء ولا همز فيها وأصلها من الْوَثَارَةِ أَوِ الْوِثْرَةِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْوَثِيرُ هُوَ الْفِرَاشُ الْوَطِيءُ وَامْرَأَةٌ وَثِيرَةٌ كَثِيرَةُ اللَّحْمِ قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ وَالْمِيثَرَةُ كَانَتِ النِّسَاءُ تَصْنَعُهُ لِبُعُولَتِهِنَّ أَمْثَالَ الْقَطَائِفِ يصفونها قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ يَجْعَلُونَهَا كَالصُّفَّةِ وإنما قال يصفونها بلفظ

الْمُذَكَّرِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ النِّسَاءَ يَصْنَعْنَ ذَلِكَ وَالرِّجَالَ هُمُ الَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَهَا فِي ذَلِكَ قَالَ الزَّبِيدِيُّ اللُّغَوِيُّ وَالْمِيثَرَةُ مِرْفَقَةٌ كَصُفَّةِ السَّرْجِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ هُوَ وِطَاءٌ يُوضَعُ عَلَى سَرْجِ الْفَرَسِ أَوْ رَحْلِ الْبَعِيرِ كَانَتِ النِّسَاءُ تَصْنَعُهُ لِأَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْأُرْجُوَانِ الْأَحْمَرِ وَمِنَ الدِّيبَاجِ وَكَانَتْ مَرَاكِبَ الْعَجَمِ وَقِيلَ هِيَ أَغْشِيَةٌ لِلسُّرُوجِ مِنَ الْحَرِيرِ وَقِيلَ هِيَ سُرُوجٌ مِنَ الدِّيبَاجِ فَحَصَلْنَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ فِي تَفْسِيرِ الْمِيثَرَةِ هَلْ هِيَ وِطَاءٌ لِلدَّابَّةِ أَوْ لِرَاكِبِهَا أَوْ هِيَ السَّرْجُ نَفْسُهُ أَوْ غِشَاوَةٌ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْمَيَاثِرُ الْحُمْرُ كَانَتْ مِنْ مَرَاكِبِ الْعَجَمِ مِنْ حَرِيرٍ أو ديباج [1760] قوله (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رُكُوبِ الْمَيَاثِرِ) وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِلْبُخَارِيِّ نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن الْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ قَالَ الْحَافِظُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْحُمْرُ الَّتِي جَاءَ النَّهْيُ عَنْهَا كَانَتْ مِنْ مَرَاكِبِ الْعَجَمِ مِنْ دِيبَاجٍ وَحَرِيرٍ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ هِيَ وِعَاءٌ يُوضَعُ عَلَى سَرْجِ الْفَرَسِ أَوْ رجل الْبَعِيرِ مِنَ الْأُرْجُوَانِ وَحَكَى فِي الْمَشَارِقِ قَوْلًا أَنَّهَا سُرُوجٌ مِنْ دِيبَاجٍ وَقَوْلًا أَنَّهَا أَغْشِيَةٌ لِلسُّرُوجِ مِنْ حَرِيرٍ وَقَوْلًا أَنَّهَا تُشْبِهُ الْمِخَدَّةَ تُحْشَى بِقُطْنٍ أَوْ رِيشٍ يَجْعَلُهَا الرَّاكِبُ تَحْتَهُ وَهَذَا يُوَافِقُ تَفْسِيرَ الطَّبَرِيِّ وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُتَحَالِفَةً بَلِ الْمِيثَرَةُ تُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا وَتَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدٍ يَحْتَمِلُ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْمِيثَرَةُ إِنْ كَانَتْ مِنْ حَرِيرٍ فَالنَّهْيُ فِيهَا كَالنَّهْيِ عَنِ الْجُلُوسِ عَلَى الْحَرِيرِ وَلَكِنْ تَقْيِيدُهَا بِالْأَحْمَرِ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْحَرِيرِ فَيَمْتَنِعُ إِنْ كَانَتْ حَرِيرًا وَيَتَأَكَّدُ الْمَنْعُ إِنْ كَانَتْ مَعَ ذَلِكَ حَمْرَاءَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ حَرِيرٍ فَالنَّهْيُ فِيهَا لِلزَّجْرِ عن التشبه بالأعاجم قال بن بَطَّالٍ كَلَامُ الطَّبَرِيِّ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ فِي الْمَنْعِ مِنَ الرُّكُوبِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ حَرِيرٍ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ فَكَانَ النَّهْيُ عَنْهَا إِذَا لم يكن للحرير للتشبيه أَوْ لِلصَّرْفِ أَوِ التَّزَيُّنِ وَبِحَسَبِ ذَلِكَ تَفْصِيلُ الْكَرَاهَةِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالتَّنْزِيهِ وَأَمَّا تَقْيِيدُهَا بِالْحُمْرَةِ فَمَنْ يَحْمِلُ الْمُطْلَقَ عَلَى الْمُقَيَّدِ وَهُمُ الْأَكْثَرُ يَخُصُّ الْمَنْعَ بِمَا كَانَ أَحْمَرَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الْجُلُوسِ عَلَى الْمَيَاثِرِ وَالْمَيَاثِرُ قَسِّيٌّ كَانَتْ تَصْنَعُهُ النِّسَاءُ لِبُعُولَتِهِنَّ عَلَى الرَّحْلِ كَالْقَطَائِفِ مِنَ الْأُرْجُوَانِ وقد أخرج الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ

باب ما جاء في فراش النبي صلى الله عليه وسلم

قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْبَرَاءِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ نَحْوَهُ وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) لَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طُولَهُ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ حَدِيثَ الْبَابِ بِلَفْظِ نَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبْعٍ نَهَانَا عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ أَوْ قَالَ حَلْقَةِ الذَّهَبِ وَعَنِ الْحَرِيرِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَالدِّيبَاجِ وَالْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ وَالْقَسِّيِّ وَآنِيَةِ الذَّهَبِ وَأَمَرَنَا بِسَبْعٍ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَرَدِّ السَّلَامِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي وَإِبْرَارِ الْمُقْسِمِ وَنَصْرِ الْمَظْلُومِ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الكلام ها هنا فِي بَيَانِ طُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَ الْفَتْحَ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فِرَاشِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [1761] قَوْلُهُ (إِنَّمَا كَانَ فِرَاشُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِكَسْرِ الفاء وفي رواية بن مَاجَهْ كَانَ ضِجَاعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ من حَشْوُهُ لِيفٌ وَالضِّجَاعُ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مَا يُرْقَدُ عَلَيْهِ (أَدَمٌ) كَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا بِالرَّفْعِ وَوَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِعَيْنِ إِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ وَلَفْظُهُ فِيهِ أَدَمًا بِالنَّصْبِ الظَّاهِرِ وَالْأَدَمُ بِفَتْحَتَيْنِ اسْمٌ لِجَمْعِ الْأَدِيمِ وَهُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ (حَشْوُهُ لِيفٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ لِيفُ النَّخْلِ بِالْكَسْرِ مَعْرُوفٌ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ لِيفٌ بِالْكَسْرِ يوست درخت خرما وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْفِرَاشِ وَالْوِسَادَةِ وَالنَّوْمِ عَلَيْهَا وَالِارْتِفَاقِ بها قاله النووي قال القارىء الْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُقَالُ فِيهِ بِالِاسْتِحْبَابِ لِمُدَاوَمَتِهِ عَلَيْهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلِأَنَّهُ أَكْمَلُ لِلِاسْتِرَاحَةِ الَّتِي قُصِدَتْ بِالنَّوْمِ لِلْقِيَامِ عَلَى النَّشَاطِ فِي الْعِبَادَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب ما جاء في القمص جمع قميص

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ حَفْصَةَ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ بِلَفْظِ كَانَ فِرَاشُهُ مِسْحًا وَالْمِسْحُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْبِلَاسُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقُمُصِ جَمْعُ قَمِيصٍ) [1762] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بْنِ خَالِدٍ) الْمَرْوَزِيِّ الْقَاضِي لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَمِيصَ) قَالَ مَيْرَكُ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ نَصْبُ الْقَمِيصِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَة وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْقَمِيصُ مَرْفُوعًا بِالِاسْمِيَّةِ وَأَحَبُّ مَنْصُوبًا بِالْخَبَرِيَّةِ وَنَقَلَ غَيْرُهُ مِنَ الشُّرَّاحِ أَنَّهُمَا رِوَايَتَانِ قَالَ الْحَنَفِيُّ وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ تَعْيِينَ الْأَحَبِّ فَالْقَمِيصُ خَبَرُهُ وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بَيَانَ حَالِ الْقَمِيصِ عِنْدَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ اسْمُهُ وَرَجَّحَهُ الْعِصَامُ بِأَنَّ أَحَبُّ وَصْفٌ فَهُوَ أَوْلَى بِكَوْنِهِ حُكْمًا ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْمُغْرِبِ أَنَّ الثَّوْبَ مَا يَلْبَسُهُ النَّاسُ مِنَ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالْحَرِيرِ وَالصُّوفِ وَالْخَزِّ وَالْفِرَاءِ وَأَمَّا السُّتُورُ فَلَيْسَ مِنَ الثِّيَابِ وَالْقَمِيصُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ وَغَيْرُهُ ثَوْبٌ مَخِيطٌ بِكُمَّيْنِ غَيْرُ مُفْرَجٍ يُلْبَسُ تَحْتَ الثِّيَابِ وَفِي الْقَامُوسِ الْقَمِيصُ مَعْلُومٌ وَقَدْ يُؤَنَّثُ وَلَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْقُطْنِ وَأَمَّا الصُّوفُ فَلَا انْتَهَى وَلَعَلَّ حَصْرَهُ الْمَذْكُورَ لِلْغَالِبِ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَكِنِ الظَّاهِرُ أَنَّ كَوْنَهُ مِنَ الْقُطْنِ مُرَادٌ هُنَا لِأَنَّ الصُّوفَ يُؤْذِي الْبَدَنَ وَيُدِرُّ الْعَرَقَ وَرَائِحَتُهُ يُتَأَذَّى بِهَا وَقَدْ أَخْرَجَ الدِّمْيَاطِيُّ كَانَ قَمِيصُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُطْنًا قَصِيرَ الطُّولِ وَالْكُمَّيْنِ ثُمَّ قِيلَ وَجْهُ أَحَبِّيَّةِ الْقَمِيصِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَسْتَرُ لِلْأَعْضَاءِ مِنَ الْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ وَلِأَنَّهُ أَقَلُّ مُؤْنَةً وَأَخَفُّ عَلَى الْبَدَنِ وَلِأَنَّ لُبْسَهُ أَكْثَرُ تَوَاضُعًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ تَحْتَ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ لُبْسِ الْقَمِيصِ وَإِنَّمَا كَانَ أحب الثياب إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ فِي السَّتْرِ مِنَ الرِّدَاءِ وَالْإِزَارِ اللَّذَيْنِ يَحْتَاجَانِ كَثِيرًا إِلَى الرَّبْطِ والإمساك

وَغَيْرِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْقَمِيصِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ أَحَبُّ الثِّيَابِ إِلَيْهِ الْقَمِيصَ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ وَيُبَاشِرُ جِسْمَهُ فَهُوَ شِعَارُ الْجَسَدِ بخلاف فَوْقَهُ مِنَ الدِّثَارِ وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلَّ مَا قَرُبَ مِنَ الْإِنْسَانِ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ من غيره ما يلبس وَلِهَذَا شَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارَ بِالشِّعَارِ الَّذِي يَلِي الْبَدَنَ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ فَإِنَّهُ شَبَّهَهُمْ بِالدِّثَارِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْقَمِيصُ قَمِيصًا لِأَنَّ الْآدَمِيَّ يَتَقَمَّصُ فِيهِ أَيْ يَدْخُلُ فِيهِ لِيَسْتُرَهُ وَفِي حَدِيثِ الْمَرْجُومِ أَنَّهُ يَتَقَمَّصُ فِي أَنْهَارِ الجنة أي ينقمص فِيهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي (وروى بعضهم) كزياد بْنُ أَيُّوبَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ (هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي تُمَيْلَةَ) بِضَمِّ الْفَوْقَانِيَّةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُصَغَّرًا الْمَرْوَزِيِّ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ الْأَنْصَارِيُّ مَوْلَاهُمْ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) أَيْ بِزِيَادَةِ عَنْ أمه [1766] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ) بْنِ سَعِيدٍ الْعَنْبَرِيِّ مَوْلَاهُمُ التَّنُّورِيُّ أَبُو سَهْلٍ البصري صدوق ثبت في شيعة مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (بَدَأَ) بِالْهَمْزِ أَيِ ابْتَدَأَ فِي اللُّبْسِ (بِمَيَامِنِهِ) أَيْ بِجَانِبِ يَمِينِ الْقَمِيصِ ولذلك جمعه

ذكره الطِّيبِيُّ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْ جَانِبِ يَمِينِ الْقَمِيصِ يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْقَمِيصُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْجَمْعُ لِإِرَادَةِ التَّعْظِيمِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمُرَادُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ الْيَدَ الْيُمْنَى مِنَ الْكُمِّ قَبْلَ الْيُسْرَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَخْ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَسَكَتَ عَنْهُ وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ إذا توضأتم وإذا لبستم فابدأوا بميامنكم أخرجه بن حبان والبيهقي والطبراني قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ هُوَ حَقِيقٌ بِأَنْ يُصَحَّحَ وَيَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ بِلَفْظِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَامُنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطُهُورِهِ وَفِي شأنه كله [1765] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ) بْنِ أَبِي عُثْمَانَ الصَّوَّافُ أَبُو يَحْيَى الْبَصْرِيُّ وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ وَكَانَ خَتَنَ مُعَاذَ بْنَ هِشَامٍ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (عَنْ أَسْمَاء بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيَّةِ) تُكْنَى أُمَّ سَلَمَةَ وَيُقَالُ أُمَّ عَامِرٍ صَحَابِيَّةٌ لَهَا أَحَادِيثُ قَوْلُهُ (كَانَ كُمُّ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرُّسْغِ) كَذَا فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ الْمَوْجُودَةِ وَوَقَعَ فِي المشكاة بالصاد قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ إِلَى الرُّسْغِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ هَكَذَا هُوَ بِالصَّادِ فِي التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي داود وفي الجامع بالسين المهملة قال القارىء أَرَادَ بِالتِّرْمِذِيِّ فِي جَامِعِهِ وَإِلَّا فَنُسَخُ الشَّمَائِلِ بِالسِّينِ بِلَا خِلَافٍ وَأَرَادَ بِالْجَامِعِ جَامِعَ الْأُصُولِ ثُمَّ هُوَ كَذَا بِالسِّينِ فِي الْمَصَابِيحِ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالصَّادُ لُغَةٌ فِيهِ وَكَذَا فِي النِّهَايَةِ هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالصَّادُ لُغَةٌ فِيهِ وَهُوَ مَفْصِلُ مَا بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ انْتَهَى وَيُسَمَّى الْكُوعَ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ كُمُّ الْقَمِيصِ الرُّسْغَ وَأَمَّا غَيْرُ الْقَمِيصِ فَقَالُوا السنة فيه أن لا يتجاوز رؤوس الْأَصَابِعِ مِنْ جُبَّةٍ وَغَيْرِهَا انْتَهَى وَنَقَلَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَنَّ أَبَا الشَّيْخِ بْنَ حِبَّانَ أَخْرَجَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِلَفْظِ كَانَ يَدُ قَمِيصِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْفَلَ من الرسغ وأخرج بن حِبَّانَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عن

مجاهد عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُ قَمِيصًا فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ مُسْتَوِيَ الكمين بأطراف أصابعه هكذا ذكره بن الجوزي في كتاب الوفاء نقلا عن بن حبان وفي الجامع الصغير برواية بن ماجه عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يلبس قميصا فوق الكمين الْحَدِيثَ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ عَنْهُ أَيْضًا وَلَفْظُهُ كَانَ قَمِيصُهُ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ وَكَانَ كُمُّهُ مَعَ الْأَصَابِعِ فَفِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَجَاوَزَ بكم القميص إلى رؤوس الْأَصَابِعِ وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ الْكِتَابِ إِمَّا بِالْحَمْلِ عَلَى تَعَدُّدِ الْقَمِيصِ أَوْ بِحَمْلِ رِوَايَةِ الْكِتَابِ عَلَى رِوَايَةِ التَّخْمِينِ أَوْ بِحَمْلِ الرسغ على بيان الأفضل وحمل الرؤوس عَلَى نِهَايَةِ الْجَوَازِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قال بن رَسْلَانَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ نِسَاءَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ كَذَلِكَ يَعْنِي أَنَّ أَكْمَامَهُنَّ إِلَى الرُّسْغِ إِذْ لَوْ كَانَتْ أَكْمَامُهُنَّ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ لَنُقِلَ وَلَوْ نُقِلَ لَوَصَلَ إِلَيْنَا كَمَا نُقِلَ فِي الذُّيُولِ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِ أن أم سلمة لما سمعت هو جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ يَصْنَعُ النِّسَاءُ بذيولهن قال يرخيه شبرا قالت إذن ينكشف أَقْدَامُهُنَّ قَالَ يُرْخِينَهُ ذِرَاعًا وَلَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْكَفِّ إِذَا ظَهَرَ وَبَيْنَ الْقَدَمِ أَنَّ قَدَمَ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ بِخِلَافِ كَفِّهَا انْتَهَى تنبيه قال الحافظ في الفتح قال بن الْعَرَبِيِّ لَمْ أَرَ لِلْقَمِيصِ ذِكْرًا صَحِيحًا إِلَّا في آية (اذهبوا بقميصي هذا) وقصة بن أُبَيٍّ وَلَمْ أَرَ لَهُمَا ثَالِثًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا فِي كِتَابِهِ سِرَاجُ الْمُرِيدِينَ وَكَأَنَّهُ صَنَّفَهُ قَبْلَ شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فَلَمْ يَسْتَحْضِرْ حَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ وَلَا حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا لَبِسَ قَمِيصًا بَدَأَ بِمَيَامِنِهِ وَلَا حَدِيثَ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ كَانَتْ يدكم النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الرُّسْغِ وَلَا حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ الْمَدَنِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنْ مُزَيْنَةَ فَبَايَعْنَاهُ وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقٌ فَبَايَعْتُهُ ثُمَّ أَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبِ قَمِيصِهِ فَمَسِسْتُ الْخَاتَمَ وَلَا حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ بِاسْمِهِ قَمِيصًا أَوْ عِمَامَةً أَوْ رِدَاءً ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ الْحَدِيثَ وَكُلُّهَا فِي سنن وَأَكْثَرُهَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثُ عَائِشَةَ كُفِّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي قَمِيصِ الْحَرِيرِ لِحَكَّةٍ كَانَتْ بِهِ وَحَدِيثُ بن عُمَرَ رَفَعَهُ لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعَمَائِمَ الْحَدِيثَ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي إِسْنَادِهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَفِيهِ مَقَالٌ مَشْهُورٌ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أبو داود والنسائي

باب ما يقول إذا لبس ثوبا جديدا

29 - (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا) [1767] قَوْلُهُ (إِذَا اسْتَجَدَّ) أَيْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا وَأَصْلُهُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ صَيَّرَ ثَوْبَهُ جديدا وعند بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٌ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَجَدَّ ثوبا لبس يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَكَذَا رَوَاهُ الْخَطِيبُ وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فَالْمَعْنَى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا جَدِيدًا لَبِسَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (سَمَّاهُ) أَيِ الثَّوْبَ الْمُرَادَ بِهِ الْجِنْسُ (بِاسْمِهِ) أَيِ الْمُتَعَارَفِ الْمُتَعَيَّنِ الْمُشَخَّصِ الْمَوْضُوعِ لَهُ (عِمَامَةً أَوْ قَمِيصًا أَوْ رِدَاءً أَيْ أَوْ غَيْرَهَا كَالْإِزَارِ وَالسِّرْوَالِ وَالْخُفِّ وَنَحْوِهَا وَالْمَقْصُودُ التَّعْمِيمُ) فَالتَّخْصِيصُ لِلتَّمْثِيلِ بِأَنْ يَقُولَ رَزَقَنِي اللَّهُ أَوْ أَعْطَانِي أَوْ كَسَانِي هَذِهِ الْعِمَامَةَ أَوِ الْقَمِيصَ أَوِ الرِّدَاءَ وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ أَوْ يَقُولُ هَذَا قَمِيصٌ أَوْ رِدَاءٌ أَوْ عِمَامَةٌ (أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا صُنِعَ لَهُ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ) قَالَ مَيْرُكُ خَيْرُ الثَّوْبِ بَقَاؤُهُ وَنَقَاؤُهُ وَكَوْنُهُ مَلْبُوسًا لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ وَخَيْرُ مَا صُنِعَ لَهُ هُوَ الضَّرُورَاتُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا يصنع اللباس من الحر والبرد وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْمُرَادُ سُؤَالُ الْخَيْرِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ وَأَنْ يَكُون مُبَلِّغًا إِلَى الْمَطْلُوبِ الَّذِي صُنِعَ لِأَجْلِهِ الثَّوْبُ مِنَ الْعَوْنِ عَلَى الْعِبَادَةِ والطاعة لموليه وَفِي الشَّرِّ عَكْسُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَهُوَ كَوْنُهُ حَرَامًا وَنَجَسًا وَلَا يَبْقَى زَمَانًا طَوِيلًا أَوْ يَكُونُ سَبَبًا لِلْمَعَاصِي وَالشُّرُورِ وَالِافْتِخَارِ وَالْعُجْبِ وَالْغُرُورِ عدم الْقَنَاعَةِ بِثَوْبِ الدُّونِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ لُبْسِ الثَّوْبِ الْجَدِيدِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اشْتَرَى عَبْدٌ ثَوْبًا بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ فَحَمِدَ اللَّهَ إِلَّا لَمْ يَبْلُغْ رُكْبَتَيْهِ حَتَّى يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ وَقَالَ حَدِيثٌ لَا أَعْلَمُ فِي إِسْنَادِهِ أَحَدًا ذُكِرَ بِجَرْحٍ قوله (وفي الباب عن عمر وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الدعوات وبن ماجه والحاكم وصححه وأما حديث بن عمر فأخرجه النسائي وبن ماجه وبن حبان

باب ما جاء في لبس الجبة والخفين

وَصَحَّحَهُ وَأَعَلَّهُ النَّسَائِيُّ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ مَا يُدْعَى لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْجُبَّةِ وَالْخُفَّيْنِ) [1768] قَوْلُهُ (عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) الثَّقَفِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو يَعْفُورَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (لَبِسَ) أَيْ فِي السَّفَرِ (جُبَّةً) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ ثَوْبَانِ بَيْنَهُمَا قُطْنٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَا مِنْ صُوفٍ فَقَدْ تَكُونُ وَاحِدَةٌ غَيْرَ مَحْشُوَّةٍ وَقَدْ قِيلَ جُبَّةُ الْبُرْدِ جُنَّةُ الْبَرْدِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا (رُومِيَّةً) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ لَا غَيْرُ قَالَ مَيْرُكُ وَلِأَبِي دَاوُدَ جُبَّةً مِنْ صُوفٍ مِنْ جِبَابِ الرُّومِ لَكِنْ وَقَعَ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا جُبَّةً شَامِيَّةً وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الشَّامَ حِينَئِذٍ دَاخِلٌ تَحْتَ حُكْمِ قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ فَكَأَنَّهُمَا وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الْمُلْكُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نِسْبَةُ هَيْئَتِهَا الْمُعْتَادِ لُبْسُهَا إِلَى أَحَدِهِمَا وَنِسْبَةُ خِيَاطَتِهَا أَوْ إِتْيَانِهَا إِلَى الْأُخْرَى (ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ) بَيَانُ رُومِيَّةً أَوْ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ وَهَذَا كَانَ فِي سَفَرٍ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ رِوَايَةٌ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا بْنِ زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ إِلَخْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ذَكَرَهُ مَيْرُكُ ثُمَّ قَالَ وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ الِانْتِفَاعُ بِثِيَابِ الْكُفَّارِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ نَجَاسَتُهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ الْجُبَّةَ الرُّومِيَّةَ وَلَمْ يَسْتَفْصِلْ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى أَنَّ الصُّوفَ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ الْجُبَّةَ كَانَتْ شَامِيَّةً وَكَانَتِ الشَّامُ إِذْ ذَاكَ دَارَ كُفْرٍ

باب ما جاء في شد الأسنان بالذهب

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وغيرهما [1769] قوله (حدثنا بن أَبِي زَائِدَةَ) الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أَبِي زَائِدَةَ رَجُلَانِ زَكَرِيَّا وَوَلَدُهُ يَحْيَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا هُوَ الثَّانِي قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ الْهَمْدَانِيُّ أَبُو سَعِيدٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ (عَنِ الحسن بن عياش) بتحتانية ثم معجمة بن سَالِمٍ الْأَسَدِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ أَخُو أبي بكر المقرئ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ (الشَّيْبَانِيِّ) بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ فَتَحْتِيَّةٍ مُوَحَّدَةٍ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (أَهْدَى دِحْيَةَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا لُغَتَانِ وَيُقَالُ إِنَّهُ الرَّئِيسُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَهُوَ بن خَلِيفَةَ الْكَلْبِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ كَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَسْلَمَ قَدِيمًا وَبَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ سَنَةِ سِتٍّ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ بِكِتَابِهِ إِلَى هِرَقْلَ وَكَانَ وُصُولُهُ إِلَى هِرَقْلَ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ (وَقَالَ إِسْرَائِيلُ عَنْ جَابِرٍ) أي بن يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ (عَنْ عَامِرٍ) هُوَ الشَّعْبِيُّ (وَجُبَّةً) يَعْنِي زَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ خُفَّيْنِ وَجُبَّةً (حَتَّى تَخَرَّقَا) مِنَ التَّخَرُّقِ أَيْ تَمَزَّقَا وَانْخَرَقَا (أَذَكِيٌّ) بهمزة الِاسْتِفْهَامِ وَذَكِيٌّ بِوَزْنِ فَعِيلٍ (هُمَا) أَيِ الْخُفَّانِ فَاعِلٌ لِقَوْلِهِ ذَكِيٌّ (أَمْ لَا) الْمَعْنَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْرِي أَنَّ الخفين اللذين أهداهما دحية الكبي هَلْ كَانَا مِنْ جِلْدِ الْمُذَكَّاةِ أَوِ الْمَيْتَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدِّبَاغَ يُطَهِّرُ الْإِهَابَ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْمَيْتَةِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي شَدِّ الْأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ) [1770] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ الْبَرِيدِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَ الرَّاءِ تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ صَدُوقٌ

يَتَشَيَّعُ مِنْ صِغَارِ الثَّامِنَةِ (وَأَبُو سَعْدٍ الصَّنْعَانِيُّ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُيَسَّرٍ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُهْمَلَةٍ وَزْنَ مُحَمَّدٍ الْجُعْفِيُّ الصَّاغَانِيُّ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ الْبَلْخِيُّ الضَّرِيرُ نَزِيلُ بَغْدَادَ وَيُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زَكَرِيَّا ضَعِيفٌ وَرُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنَ التَّاسِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي نَسَبِهِ الصَّنْعَانِيَّ بِفَتْحِ صَادٍ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ نُونٍ وَبِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ فَأَلِفٍ فَنُونٍ أُخْرَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ الصَّاغَانِيُّ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ فَأَلِفٍ فَنُونٍ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْأَشْهَبِ) اسْمُهُ جَعْفَرُ بْنُ حَيَّانَ السَّعْدِيُّ الْعُطَارِدِيُّ الْبَصْرِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَالْفَاءِ بَعْدَهَا هَاءُ التأنيث بن عَرْفَجَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ ثم جيم بن سعد التميمي وثقه العجي من الرابعة (عن عرفجة بن أسعد) التميمي صاحبي نَزَلَ الْبَصْرَةَ قَوْلُهُ (أُصِيبَ أَنْفِي) أَيْ قُطِعَ (يَوْمَ الْكُلَابِ) بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ اسْمُ مَاءٍ كَانَ هُنَاكَ وَقْعَةٌ بَلْ وَقْعَتَانِ مَشْهُورَتَانِ يُقَالُ لَهُمَا الْكُلَابُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ مَاءٌ عَنْ يَمِينِ جَبَلَةَ وَالشَّامِ وَهُمَا جَبَلَانِ وَيَوْمُهُ يَوْمُ الْوَاقِعَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ وَلِلْعَرَبِ بِهِ يَوْمَانِ مَشْهُورَانِ فِي أَيَّامِ أَكْثَمَ بْنِ صَيْفِيٍّ وَالْحَاصِلُ أَنَّ يَوْمَ الْكُلَابِ اسْمُ حَرْبٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ حُرُوبِهِمْ (فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ) وَبِهِ أَبَاحَ الْعُلَمَاءُ اتِّخَاذَ الْأَنْفِ مِنَ الذهب وكذا اربط الْأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ بَدْرٍ) بن عمر بن جراد والتميمي السعدي البصري يلقب عليلة بمهملة مضمومة ولا مين مَتْرُوكٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وَقَدْ رَوَى سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَرَفَةَ إِلَخْ) وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ قَالَ حَدَّثَنَا حِبَّانُ

قَالَ حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ طَرَفَةَ عَنْ جَدِّهِ عَرْفَجَةَ بْنِ أَسْعَدَ أَنَّهُ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ الْحَدِيثَ وَسَلْمٌ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَأَبُوهُ زَرِيرٌ بِفَتْحِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالرَّاءَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتِيَّةٌ بِوَزْنِ عَظِيمٍ الْعُطَارِدِيُّ أَبُو بُشْرَى الْبَصْرِيُّ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ من السادسة كذا في التقريب (وقال بن مهدي سلم بن زرين وَهُوَ وَهْمٌ وَزَرِيرٌ أَصَحُّ) وَفِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ قال بن مَهْدِيٍّ سَلْمُ بْنُ رَزِينٍ يَعْنِي بِالنُّونِ وَتَقْدِيمِ الرَّاءِ قَالَ أَبُو أَحْمَدَ الْحَاكِمُ وَهُوَ وَهْمٌ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ وَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْجَامِعِ زُرَيْرٌ بِضَمِّ الزَّايِ وَهُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ انْتَهَى كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُمْ شَدُّوا أَسْنَانَهُمْ بِالذَّهَبِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لَهُمْ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ مَرْفُوعَةٌ وَمَوْقُوفَةٌ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْوَسَطِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ أَبَاهُ سَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشُدَّهَا بِذَهَبٍ انْتَهَى وَقَالَ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ إِلَّا أَبُو الرَّبِيعِ السَّمَّانُ حَدِيثٌ آخَرُ رواه بن قَانِعٍ فِي مُعْجَمِ الصَّحَابَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي بن سَلُولَ قَالَ انْدَقَّتْ ثَنِيَّتِي يَوْمَ أُحُدٍ فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَّخِذَ ثَنِيَّةً مِنْ ذَهَبٍ انْتَهَى ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِإِسْنَادِهِمَا قَالَ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَطُوفُ بِهِ بَنُوهُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ عَلَى سَوَاعِدِهِمْ وَقَدْ شَدُّوا أَسْنَانَهُ بِذَهَبٍ انْتَهَى أَثَرٌ آخَرُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيِّ عَنْ من رأى عثمان بن عَفَّانَ أَنَّهُ ضَبَّبَ أَسْنَانَهُ بِذَهَبٍ انْتَهَى وَلَيْسَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ أَثَرٌ آخَرُ رَوَى النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِ الْكُنَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبِي سُهَيْلٍ مَوْلَى مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ قَالَ رَأَيْتُ مُوسَى بْنَ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ شَدَّ أَسْنَانَهُ بِذَهَبٍ انْتَهَى أَثَرٌ آخر روى بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ بن جريج أن بن شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ سُئِلَ عَنْ شَدِّ الْأَسْنَانِ بِالذَّهَبِ فَقَالَ لَا بَأْسَ بِهِ قَدْ شَدَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ أَسْنَانَهُ بِالذَّهَبِ انْتَهَى أَثَرٌ آخر قال بن سَعْدٍ أَيْضًا أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ أَبُو قَطَنٍ قَالَ رَأَيْتُ بَعْضَ أَسْنَانِ عَبْدِ اللَّهِ بن عون مشدودة بالذهب انتهى قال بن سَعْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَرْطَبَانَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دُرَّةَ يُكْنَى أَبَا عَوْنٍ كَانَ ثِقَةً وَرِعًا عَابِدًا تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ أَبِي جَعْفَرٍ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ

باب ما جاء في النهي عن جلود السباع

32 - (باب ما جاء في النهي عن جلود السِّبَاعِ) [1770] قَوْلُهُ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَجْهُولٌ وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ) بْنُ أُسَامَةَ بْنُ عُمَيْرٍ أَوْ عَامِرِ بْنِ حُنَيْفِ بْنِ نَاجِيَةَ الْهُذَلِيُّ اِسْمُهُ عَامِرٌ وَقِيلَ زَيْدٌ وَقِيلَ زِيَادٌ ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أُسَامَةُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَامِرٍ الْأُقَيْشِرُ الْهُذَلِيُّ صَحَابِيٌّ تَفَرَّدَ وَلَدُهُ عَنْهُ (نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ أَنْ تفترش) وفي حديث المقدام بن معد يكرب نَهَى عَنْ لُبْسِ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالرُّكُوبِ عَلَيْهَا أخرجه أبو داود والنسائي وفي حديث أبي معاوية بن سُفْيَانَ نَهَى عَنْ جُلُودِ النُّمُورِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا جِلْدُ نَمِرٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنُّمُورُ جَمْعُ نَمِرٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ سُكُونُهَا مَعَ كَسْرِ النُّونِ هُوَ سَبُعٌ أَجْرَأُ وَأَخْبَثُ من الأسد وهو منقط الجلد نقط سُودٌ وَبِيضٌ وَفِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْأَسَدِ إِلَّا أَنَّهُ أَصْغَرُ مِنْهُ وَرَائِحَةُ فَمِهِ طَيِّبَةٌ بِخِلَافِ الْأَسَدِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَسَدِ عَدَاوَةٌ وَهُوَ بَعِيدُ الْوَثْبَةِ فَرُبَّمَا وَثَبَ أَرْبَعِينَ ذِرَاعًا وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ جُلُودَ السِّبَاعِ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي حِكْمَةِ النَّهْيِ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِنَّ النَّهْيَ وَقَعَ لِمَا يَبْقَى عَلَيْهَا مِنَ الشَّعْرِ لِأَنَّ الدِّبَاغَ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وَقَالَ غَيْرُهُ يَحْتَمِلُ أَنَّ النَّهْيَ عَمَّا لَمْ يُدْبَغْ مِنْهَا لِأَجْلِ النَّجَاسَةِ أَوْ أَنَّ النَّهْيَ لِأَجْلِ أَنَّهَا مَرَاكِبُ أَهْلِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّ الدِّبَاغَ لَا يُطَهِّرُ جُلُودَ السِّبَاعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مُخَصِّصَةٌ لِلْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِأَنَّ الدِّبَاغَ مُطَهِّرٌ عَلَى الْعُمُومِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهَا مُجَرَّدُ النَّهْيِ عَنِ الرُّكُوبِ عَلَيْهَا وَافْتِرَاشِهَا وَلَا مُلَازَمَةَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ النَّجَاسَةِ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ كَلَامُهُ الْبَاقِي فِي بَابِ جُلُودِ الْمَيْتَةِ إِذَا دُبِغَتْ

باب ما جاء في نعل النبي صلى الله عليه وسلم

[1771] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ الضُّبَعِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْأَزْهَرِ الْبَصْرِيُّ يُعْرَفُ بِالرِّشْكِ ثِقَةٌ عَابِدٌ وَهِمَ مَنْ لَيَّنَهُ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ) لِأَنَّ شُعْبَةَ أَحْفَظُ وَأَتْقَنُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عُرُوبَةَ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي نَعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي النِّهَايَةِ النَّعْلُ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ الَّتِي تُلْبَسُ فِي الْمَشْيِ تُسَمَّى الْآنَ تَاسُومَةً وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ النَّعْلُ لِبَاسُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّمَا اتَّخَذَ النَّاسُ غَيْرَهَا لِمَا فِي أَرْضِهِمْ مِنَ الطِّينِ وَقَدْ يُطْلَقُ النَّعْلُ عَلَى كُلِّ مَا يَقِي الْقَدَمَ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ النَّعْلُ وَالنَّعْلَةُ مَا وُقِيَتْ بِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ [1773] قَوْلُهُ (كَيْفَ كَانَ نَعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَهَا بِالْإِفْرَادِ قَوْلُهُ (كَانَ نَعْلَاهُ لَهُمَا قِبَالَانِ) بِكَسْرِ الْقَافِ تثنية قبال قال الحافظ في الفتح القبال هُوَ الزِّمَامُ وَهُوَ السَّيْرُ الَّذِي يُعْقَدُ فِيهِ الشِّسْعُ الَّذِي يَكُونُ بَيْنَ أُصْبُعَيِ الرَّجُلِ انْتَهَى وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الشِّسْعُ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ وَهُوَ الَّذِي يَدْخُلُ بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ وَيَدْخُلُ طَرَفُهُ فِي الثُّقْبِ الَّذِي فِي صَدْرِ النَّعْلِ المشدود في الزمام وقال القارىء قَالَ الْجَزَرِيُّ كَانَ لِنَعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْرَانِ يَضَعُ أَحَدَهُمَا بَيْنَ إِبْهَامِ رِجْلِهِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيَضَعُ الْآخَرَ بَيْنَ الْوُسْطَى الَّتِي تَلِيهَا وَمَجْمَعَ السَّيْرَيْنِ إِلَى السَّيْرِ الَّذِي عَلَى وَجْهِ قَدَمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الشِّرَاكُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عباس وأبي هريرة) أما حديث بن عباس فأخرجه الترمذي في الشمائل وبن مَاجَهْ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ كَمَا فِي الفتح

باب ما جاء في كراهية المشي في النعل الواحدة

[1772] قَوْلُهُ (كَيْفَ كَانَ نَعْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمَا) وَفِي بَعْضِ النسخ لها بالإفراد 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْمَشْيِ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ) [1774] قَوْلُهُ (لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ) نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ لِلتَّنْزِيهِ وَفِي الشَّمَائِلِ لَا يَمْشِيَنَّ (فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ فِي الشَّمَائِلِ وَاحِدٍ بِالتَّذْكِيرِ لِتَأْوِيلِ النَّعْلِ بِالْمَلْبُوسِ (لِيُنْعِلْهُمَا) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَبِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ مِنْ بَابِ عَلِمَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَعِلَ كَفَرِحَ وَتَنَعَّلَ وَانْتَعَلَ لَبِسَهَا وَأَنْعَلَ الدَّابَّةَ أَلْبَسَهَا النَّعْلَ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الفتح قال بن عَبْدِ الْبَرِّ أَرَادَ الْقَدَمَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ وَهَذَا مَشْهُورٌ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَوَرَدَ فِي الْقُرْآنِ أَنْ يُؤْتَى بِضَمِيرٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ وَيُنْعِلْهُمَا ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنْ أَنْعَلَ وَتَعَقَّبَهُ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بِأَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ قَالُوا نَعَلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَانْتَعَلَ أَيْ لَبِسَ النَّعْلَ لَكِنْ قَدْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَيْضًا أَنْعَلَ رِجْلَهُ أَلْبَسَهَا نَعْلًا وَنَعَلَ دَابَّتَهُ جَعَلَ لَهَا نَعْلًا وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَنْعَلَ الدَّابَّةَ وَالْبَعِيرَ وَنَعَّلَهُمَا بِالتَّشْدِيدِ وَكَذَا ضَبْطُ عِيَاضٍ فِي حَدِيثِ عُمَرَ أَنَّ غَسَّانَ تُنْعِلُ الْخَيْلَ بِالضَّمِّ أَيْ تَجْعَلُ لَهَا نِعَالًا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الضَّمِيرَ إِنْ كَانَ لِلْقَدَمَيْنِ جَازَ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ وَإِنْ كَانَ لِلنَّعْلَيْنِ تَعَيَّنَ الْفَتْحُ (أَوْ لِيُحْفِهِمَا) قَالَ الْحَافِظُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي مُصْعَبٍ فِي الْمُوَطَّأِ أَوْ لِيَخْلَعْهُمَا وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ انْتَهَى وَالْإِحْفَاءُ ضِدُّ الْإِنْعَالِ وَهُوَ جَعْلُ الرِّجْلِ حَافِيَةً بِلَا نَعْلٍ وَخُفٍّ أَيْ لِيَمْشِ حَافِيَ الرِّجْلَيْنِ قَالَ الْقَاضِي إنما نهى عن ذلك لقلة المروة وَالِاخْتِلَالِ وَالْخَبْطِ فِي الْمَشْيِ وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ رُبَّمَا مَشَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ إِنْ صَحَّ فَشَيْءٌ نَادِرٌ لَعَلَّهُ اتَّفَقَ فِي دَارِهِ بِسَبَبٍ قُلْتُ وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ بَعْدَ النَّهْيِ يُحْمَلُ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ أَوْ بَيَانِ الْجَوَازِ وأن النهي

باب ما جاء في كراهية أن ينتعل الرجل وهو قائم

لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمَشْيُ يَشُقُّ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مَعَ سَمَاجَتِهِ فِي الشَّكْلِ وَقُبْحِ مَنْظَرِهِ فِي الْعَيْنِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ بَيْنَ جَوَارِحِهِ وَرُبَّمَا نُسِبَ فَاعِلُ ذَلِكَ إِلَى اختلال الرأي وضعفه وقال بن العربي العلة فيه أَنَّهَا مِشْيَةُ الشَّيْطَانِ تَكْمِلَةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ يَدْخُلُ فِي هَذَا كُلُّ لِبَاسٍ شَفْعٍ كَالْخُفَّيْنِ وَإِخْرَاجُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْكُمِّ دُونَ الْأُخْرَى وَالتَّرَدِّي عَلَى أَحَدِ الْمَنْكِبَيْنِ دُونَ الاخر قاله الخطابي قال وقد أخرج بن مَاجَهْ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ وَلَا خُفٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ أبي سعيد وعند الطبراني من حديث بن عَبَّاسٍ وَإِلْحَاقُ إِخْرَاجِ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْكُمِّ وَتَرْكُ الْأُخْرَى بِلُبْسِ النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ أَوِ الْخُفِّ الْوَاحِدِ بَعِيدٌ إِلَّا إِنْ أُخِذَ مِنَ الْأَمْرِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْجَوَارِحِ وَتَرْكِ الشُّهْرَةِ وَكَذَا وَضْعُ طَرَفِ الرِّدَاءِ عَلَى أَحَدِ الْمَنْكِبَيْنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ وَهُوَ قَائِمٌ) [1775] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الْجَرْمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ مَتْرُوكٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ) مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْتَعِلَ) مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ أَيْ يَلْبَسَ النَّعْلَ (وَهُوَ قَائِمٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا نَهَى عَنْ لُبْسِ النَّعْلِ قَائِمًا لِأَنَّ لُبْسَهَا قَاعِدًا أَسْهَلُ عليه وأمكن لَهُ وَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِانْقِلَابِهِ إِذَا لَبِسَهَا قَائِمًا فَأَمَرَ بِالْقُعُودِ لَهُ وَالِاسْتِعَانَةِ بِالْيَدِ فِيهِ لِيَأْمَنَ غَائِلَتَهُ وَقَالَ الْمُظْهِرُ هَذَا فِيمَا يَلْحَقُهُ التَّعَبُ فِي لُبْسِهِ كَالْخُفِّ وَالنِّعَالِ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى شَدِّ شِرَاكِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَلَا نَعْرِفُ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أصلا

باب ما جاء في الرخصة في المشي في النعل الواحدة

كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الِانْتِعَالِ قَائِمًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ جَابِرٍ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ قَائِمًا وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ والمنذري وأخرجه بن ماجه عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَإِسْنَادُهُ هَكَذَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عن بن عمر الخ وهذا إسناد صحيح وأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَإِسْنَادُهُ هَكَذَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهَذَا إِسْنَادٌ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ فَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ لَا نَعْرِفُ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَصْلًا مَحَلُّ تَأَمُّلٍ [1776] قَوْلُهُ (أَبُو جَعْفَرٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ (السِّمْنَانِيُّ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَنُونَيْنِ الْقَوْسِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ) الْأَنْصَارِيُّ أَبُو أَيُّوبَ الرَّقِّيُّ قَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو) بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ الرَّقِّيُّ أَبُو وَهْبٍ الْأَسَدِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثَ أَنَسٍ الْمَذْكُورَيْنِ لَا يُطَابِقَانِ الْبَابَ وَكَانَ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنْ يَعْقِدَ لَهُمَا بَابًا آخَرَ بِلَفْظِ بَابُ مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ الِانْتِعَالِ قَائِمًا 6 - (بَاب ما جاء في الرُّخْصَةِ فِي الْمَشْيِ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ) [1777] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ اللَّامِ الْأُولَى مَوْلَاهُمْ أَبُو

باب ما جاء بأي رجل يبدأ إذا انتعل

عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَدُوقٌ تُكُلِّمَ فِيهِ لِلتَّشَيُّعِ مِنَ التاسعة (حدثنا هريم) مصغرا (وهو بن سُفْيَانَ الْبَجَلِيُّ) أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنْ كبار التاسعة (عن ليث) هو بْنِ أَبِي سَلِيمٍ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ التَّيْمِيِّ أبو محمد المدني ثقة جليل قال بن عُيَيْنَةَ كَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ثِقَةٌ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَيُّوبُ مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْهُ مِنَ كِبَار الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (رُبَّمَا) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِهَا وَهُوَ هُنَا لِلْقِلَّةِ أَيْ قَلِيلًا (مَشَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ) هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى حَالِ الضَّرُورَةِ أَوْ بَيَانِ الْجَوَازِ وَأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِلتَّحْرِيمِ كَمَا تَقَدَّمَ [1778] قَوْلُهُ (أَنَّهَا مَشَتْ بِنَعْلٍ وَاحِدَةٍ) ذَكَرَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي الرُّخْصَةِ بِالْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ أَحَادِيثُ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وبن عمر وكان بن سِيرِينَ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا كَذَا فِي المرقاة قوله (وهذا أصح) أي حديث بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ مَوْقُوفًا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ لَيْثٍ مَرْفُوعًا لِأَنَّهُ كَانَ قَدِ اخْتَلَطَ أَخِيرًا وَلَمْ يَتَمَيَّزْ حَدِيثُهُ فَتُرِكَ وأما بن عُيَيْنَةَ فَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَقَدْ تَابَعَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ 7 - (بَاب مَا جَاءَ بِأَيِّ رِجْلٍ يَبْدَأُ إِذَا انْتَعَلَ) [1779] قَوْلُهُ (إِذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ) أَيْ أَرَادَ لُبْسَ النَّعْلِ (فَلْيَبْدَأْ بِالْيَمِينِ) وَفِي رِوَايَةٍ بِالْيُمْنَى (وَإِذَا

باب ما جاء في ترقيع الثوب

نَزَعَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَإِذَا خَلَعَ (فَلْتَكُنِ الْيُمْنَى أَوَّلَهُمَا تُنْعَلُ وَآخِرَهُمَا تُنْزَعُ) قَالَ الْحَافِظُ زعم بن وضاح فيما حكاه بن التِّينِ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مُدْرَجٌ وَأَنَّ الْمَرْفُوعَ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ بِالشِّمَالِ وَضَبْطُ قَوْلِهِ أَوَّلَهُمَا وَآخِرَهُمَا بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ أَوْ على الحال والخبر تنعل وتنزع وضبط بمثاتين فَوْقَانِيَّتَيْنِ وَتَحْتَانِيَّتَيْنِ مُذَكَّرَيْنِ بِاعْتِبَارِ النَّعْلِ وَالْخَلْعِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ يُحْتَمَلُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَتُنْعَلُ خبره والجملة خبر كان قال بن الْعَرَبِيِّ الْبَدَاءَةُ بِالْيَمِينِ مَشْرُوعَةٌ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ لِفَضْلِ الْيَمِينِ حِسًّا فِي الْقُوَّةِ وَشَرْعًا فِي النَّدْبِ إِلَى تَقْدِيمِهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ يُسْتَحَبُّ الْبَدَاءَةُ بِالْيَمِينِ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ التَّكْرِيمِ أَوِ الزِّينَةِ وَالْبَدَاءَةُ بِالْيَسَارِ فِي ضِدِّ ذَلِكَ كَالدُّخُولِ فِي الْخَلَاءِ وَنَزْعِ النَّعْلِ والخف والخروج مِنَ الْمَسْجِدِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ جَمِيعِ الْمُسْتَقْذَرَاتِ وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ وَجْهُ الِابْتِدَاءِ بِالشِّمَالِ عِنْدَ الْخَلْعِ أَنَّ اللُّبْسَ كَرَامَةٌ لِأَنَّهُ وِقَايَةٌ لِلْبَدَنِ فَلَمَّا كَانَتِ الْيُمْنَى أَكْرَمَ مِنَ الْيُسْرَى بَدَأَ بِهَا فِي اللُّبْسِ وَأُخِّرَتْ فِي الْخَلْعِ لِتَكُونَ الْكَرَامَةُ لَهَا أَدُومَ وَحَظُّهَا مِنْهَا أَكْثَرَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وبن مَاجَهْ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْقِيعِ الثَّوْبِ) [1780] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى) الْبَلْخِيُّ لَقَبُهُ خَتُّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ أَصْلُهُ مِنَ الْكُوفَةِ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ) الثَّقَفِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ضَعِيفٌ مِنْ صِغَارِ الثَّامِنَةِ (وَأَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ اسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ لَقَبُهُ بَشُمَيْنٍ صَدُوقٌ يُخْطِئُ وَرُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنْ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَسَّانَ) النَّضْرِيُّ أَبُو الْحَارِثِ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ الْبَصْرَةِ مَتْرُوكٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (إِنْ أَرَدْتِ اللُّحُوقَ بِي) أَيْ مُلَازَمَتِي فِي دَرَجَتِي فِي الْجَنَّةِ كَذَا فِي التَّيْسِيرِ (فَلْيَكْفِكِ مِنَ الدُّنْيَا كَزَادِ الرَّاكِبِ) أَيْ مِثْلِهِ وَهُوَ فَاعِلُ يَكْفِ أَيِ اقْتَنِعِي بِشَيْءٍ يَسِيرٍ مِنَ الدُّنْيَا فَإِنَّك عَابِرَةُ سَبِيلٍ

إِلَى مَنْزِلِ الْعُقْبَى (وَإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الْأَغْنِيَاءِ) تَحْذِيرٌ أَيِ اتَّقِي مِنْ مُجَالَسَةِ الْأَغْنِيَاءِ (وَلَا تَسْتَخْلِقِي ثَوْبًا) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ أَيْ لَا تَعُدِّيهِ خَلَقًا مِنَ اسْتَخْلَقَ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ اسْتَجَدَّ (حَتَّى تُرَقِّعِيهِ) بِتَشْدِيدِ الْقَافِ أَيْ تَخِيطِي عَلَيْهِ رُقْعَةً ثُمَّ تَلْبَسِيهِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ أَنَسٌ رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ رَقَعَ ثَوْبَهُ بِرِقَاعٍ ثَلَاثٍ لَبَّدَ بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ وَقِيلَ خَطَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَهُوَ خَلِيفَةٌ وَعَلَيْهِ إِزَارٌ فِيهِ اثْنَا عَشْرَ رُقْعَةً انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَغَيْرِهَا كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ صَالِحِ بْنِ حَسَّانَ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَذَكَرَهُ رَزِينٌ فَزَادَ فِيهِ قَالَ عُرْوَةُ فَمَا كَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَجِدُّ ثَوْبًا حَتَّى تُرَقِّعَ ثَوْبَهَا وَتُنَكِّسَهُ وَلَقَدْ جَاءَهَا يَوْمًا مِنْ عِنْدِ مُعَاوِيَةَ ثَمَانُونَ أَلْفًا فَمَا أَمْسَى عِنْدَهَا دِرْهَمٌ قَالَتْ لَهَا جَارِيَتُهَا فَهَلَّا اشْتَرَيْتِ لَنَا مِنْهُ لَحْمًا بِدِرْهَمٍ قَالَتْ لَوْ ذَكَّرْتِنِي لَفَعَلْتُ انْتَهَى (سَمِعْتُ مُحَمَّدًا) يَعْنِي الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَصَالِحَ بْنَ أَبِي حَسَّانَ إِلَخْ) يَعْنِي أَنَّ صَالِحَ بْنَ أَبِي حَسَّانَ الَّذِي روى عنه بن أَبِي ذِئْبٍ غَيْرُ صَالِحِ بْنِ حَسَّانَ الْمَذْكُورِ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ ذَا ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ وَهَذَا ثِقَةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَالِحُ بْنُ أَبِي حَسَّانَ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (مَنْ رَأَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ) بِالْفَاءِ وَالْمُعْجَمَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (فِي الْخَلْقِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيِ الصُّورَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَدْخُلَ فِي ذَلِكَ الْأَوْلَادُ وَالْأَتْبَاعُ وَكُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِزِينَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا (فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ) وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ وَيَجُوزُ فِي أَسْفَلَ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا (مِمَّنْ هُوَ فُضِّلَ عَلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَلَّا يَزْدَرِيَ نِعْمَةَ اللَّهِ) أَيْ هُوَ حَقِيقٌ بِعَدَمِ الِازْدِرَاءِ وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ زَرَيْتَ عَلَيْهِ وَأَزْرَيْتَ بِهِ إِذَا تَنَقَّصْتَهُ فِي الْقَامُوسِ هُوَ يَتَنَقَّصُهُ يَقَعُ فِيهِ وَيَذُمُّهُ وَفِي مَعْنَاهُ مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رَفَعَهُ أَقِلُّوا الدُّخُولَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فَإِنَّهُ أَحْرَى أن لا تزدروا نعمة الله قال بن بَطَّالٍ هَذَا الْحَدِيثُ جَامِعٌ

باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم مكة

لِمَعَانِي الْخَيْرِ لِأَنَّ الْمَرْءَ لَا يَكُونُ بِحَالٍ تَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ مُجْتَهِدًا فِيهَا إِلَّا وَجَدَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ فَمَتَى طَلَبَتْ نَفْسُهُ اللَّحَاقَ بِهِ اسْتَقْصَرَ حَالَهُ فَيَكُونُ أَبَدًا فِي زِيَادَةٍ تُقَرِّبُهُ مِنْ رَبِّهِ وَلَا يَكُونُ عَلَى حَالٍ خَسِيسَةٍ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا وَجَدَ مِنْ أَهْلِهَا مَنْ هُوَ أَخَسُّ حَالًا مِنْهُ فَإِذَا تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ نِعْمَةَ اللَّهِ وَصَلَتْ إِلَيْهِ دُونَ كَثِيرٍ مِمَّنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَمْرٍ أَوْجَبَهُ فَيُلْزِمُ نَفْسَهُ الشُّكْرَ فَيَعْظُمُ اغْتِبَاطُهُ بِذَلِكَ فِي مَعَادِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَوَاءُ الدَّاءِ لِأَنَّ الشَّخْصَ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يُؤَثِّرَ ذَلِكَ فِيهِ حَسَدًا وَدَوَاؤُهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَاعِيًا إِلَى الشُّكْرِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 9 - (بَاب دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ) [1781] قَوْلُهُ (وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ) جَمْعُ غَدِيرَةٍ وَهِيَ الذُّؤَابَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَالنِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ غديره كيسوى بافته وَزَادَ فِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ تَعْنِي ضَفَائِرَ وَهُوَ تَفْسِيرُ غَدَائِرَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ قَوْلُهُ (قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ) زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ مَرَّةً وَكَانَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُدُومَاتٌ أَرْبَعَةٌ بِمَكَّةَ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ وَفَتْحُ مَكَّةَ وَعُمْرَةُ الْجِعِرَّانَةِ وَحَجَّةُ الْوَدَاعِ وَبَعْضُ الرِّوَايَاتِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْمَقْدَمَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ اغْتَسَلَ وَصَلَّى الضُّحَى فِي بيتها قاله القارىء فِي الْمِرْقَاةِ (وَلَهُ أَرْبَعُ

باب كيف كان كمام الصحابة

ضَفَائِرَ) جَمْعُ ضَفِيرَةٍ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ قَوْلُهُ ضَفَائِرُ وَهِيَ الذَّوَائِبُ الْمَضْفُورَةُ ضَفَّرَ الشَّعْرَ أَدْخَلَ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَتَرْجَمَ لَهُ بَابُ ضَفْرِ الرَّجُلِ شعره ورواه بن مَاجَهْ وَتَرْجَمَ لَهُ بَابُ اتِّخَاذِ الْجُمَّةِ وَالضَّفَائِرِ قال في إنجاح الحاجة حاشية بن مَاجَهْ قَوْلُهُ وَلَهُ أَرْبَعُ غَدَائِرَ لَعَلَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِدَفْعِ الْغُبَارِ انْتَهَى قُلْتُ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي السَّفَرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وبن ماجه كلهم من طريق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ الْحَدِيثَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ نُقِلَ عَنِ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا أَعْرِفُ لِمُجَاهِدٍ سَمَاعًا مِنْ أُمِّ هَانِئٍ قُلْتُ لَعَلَّهُ حَسَّنَهُ عَلَى مَذْهَبِ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا إِنَّ عَنْعَنَةَ غَيْرِ الْمُدَلِّسِ مَحْمُولَةٌ عَلَى السَّمَاعِ إِذَا كَانَ اللِّقَاءُ مُمْكِنًا وَإِنْ لَمْ يُعْرَفِ السَّمَاعُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 0 - (بَاب كَيْفَ كَانَ كِمَامُ الصَّحَابَةِ) [1782] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمْرَانَ) بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَيْسِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ) السَّكْسَكِيُّ الْحُبْرَانِيُّ الْحِمْصِيُّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ ضَعِيفٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (سَمِعْتُ أَبَا كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيَّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ مَنْسُوبٌ إِلَى أَنْمَارَ قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيُّ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو أَوْ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ وَقِيلَ عُمَرُ أَوْ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الشَّامَ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَرَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ انْتَهَى (وَكَانَتْ كِمَامُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِكَسْرِ الْكَافِ جَمْعُ كُمَّةٍ بِالضَّمِّ كَقِبَابٍ وَقُبَّةٍ وَهِيَ الْقَلَنْسُوَةُ الْمُدَوَّرَةُ سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهَا تُغَطِّي الرَّأْسَ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ وَفِي رِوَايَةٍ أَكِمَّتُهُ هُمَا جَمْعُ كَثْرَةٍ وَقِلَّةٍ لِلْكُمَّةِ الْقَلَنْسُوَةِ يَعْنِي أَنَّهَا كَانَتْ مُنْبَطِحَةً غَيْرَ مُنْتَصِبَةٍ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْكُمَّةُ بِالضَّمِّ الْقَلَنْسُوَةُ الْمُدَوَّرَةُ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ الْكُمَّةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْقَلَنْسُوَةُ الصَّغِيرَةُ (بُطْحًا) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ فَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ بَطْحَاءَ أَيْ كَانَتْ مَبْسُوطَةً عَلَى الرَّأْسِ غَيْرَ مُرْتَفِعَةٍ عَنْهَا وَقِيلَ هِيَ جَمْعُ كُمٍّ بِالضَّمِّ لِأَنَّهُمْ قَلَّمَا كَانُوا يَلْبَسُونَ الْقَلَنْسُوَةَ وَمَعْنَى بَطْحَاءَ حِينَئِذٍ أَنَّهَا

كَانَتْ عَرِيضَةً وَاضِحَةً وَاسِعَةً فَهُوَ جَمْعُ أَبْطَحَ مِنْ قَوْلِهِمْ لِلْأَرْضِ الْمُتَّسِعَةِ بَطْحَاءُ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا مَا كَانَتْ ضَيِّقَةً رُومِيَّةً أَوْ هِنْدِيَّةً بَلْ كَانَ وُسْعُهَا بِقَدْرِ شِبْرٍ كَمَا سَبَقَ كَذَا قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ كَمَا سَبَقَ إِلَى مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ يستحب اتساع الكم بقدر شبر وقال بن حَجَرٍ الْهَيْثَمِيُّ الْمَكِّيُّ وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنَ اتِّسَاعِ الْكُمِّ فَمَبْنِيٌّ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ الْأَكْمَامَ جَمْعُ كُمٍّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ جَمْعُ كُمَّةٍ وَهِيَ مَا يُجْعَلُ عَلَى الرَّأْسِ كَالْقَلَنْسُوَةِ فَكَأَنَّ قَائِلَ ذَلِكَ لَمْ يَسْمَعْ قَوْلَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ مِنَ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ اتِّسَاعُ الْكُمَّيْنِ انتهى قال القارىء مُتَعَقِّبًا عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يُمْكِنُ حَمْلُ هَذَا عَلَى السَّعَةِ الْمُفْرِطَةِ وَمَا نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ بَلْ مُتَعَيَّنٌ انْتَهَى قُلْتُ الْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ وَاخْتَارَ التِّرْمِذِيُّ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ حَيْثُ فَسَّرَ قَوْلَهُ بُطْحًا بِقَوْلِهِ يَعْنِي وَاسِعَةً وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إِنْ كَانَ مَعْنَى بُطْحًا وَاسِعَةً فَالْمُرَادُ السَّعَةُ الْغَيْرُ الْمُفْرِطَةِ كما قال القارىء فَإِنَّ الِاتِّسَاعَ الْمُفْرِطَ فِي الْأَكْمَامِ مَذْمُومٌ بِلَا شك قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَأَمَّا الْأَكْمَامُ الْوَاسِعَةُ الطِّوَالُ الَّتِي هِيَ كَالْأَخْرَاجِ فَلَمْ يَلْبَسْهَا هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الْبَتَّةَ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِسُنَّتِهِ وَفِي جَوَازِهَا نَظَرٌ فَإِنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْخُيَلَاءِ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدْ صَارَ أَشْهَرُ النَّاسِ بِمُخَالَفَةِ هَذِهِ السُّنَّةِ فِي زَمَانِنَا هَذَا الْعُلَمَاءُ فَيُرَى أَحَدُهُمْ وَقَدْ يَجْعَلُ لِقَمِيصِهِ كُمَّيْنِ يَصْلُحُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ جُبَّةً أَوْ قَمِيصًا لِصَغِيرٍ مِنْ أَوْلَادِهِ أَوْ يَتِيمٍ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ مِنَ الْفَائِدَةِ إِلَّا الْعَبَثُ وَتَثْقِيلُ الْمُؤْنَةِ عَلَى النَّفْسِ وَمَنْعُ الِانْتِفَاعِ بِالْيَدِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَنَافِعِ وَتَشْوِيهِ الْهَيْئَةِ وَلَا الدِّينِيَّةِ إِلَّا مُخَالَفَةُ السُّنَّةِ وَالْإِسْبَالُ وَالْخُيَلَاءُ انْتَهَى وَأَمَّا الْأَكْمَامُ الضَّيِّقَةُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ فِي السَّفَرِ كَمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ جُبَّةً رُومِيَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ وَتَرْجَمَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ هَذَا فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ بَابُ مَنْ لَبِسَ جُبَّةً ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ فِي السَّفَرِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ لُبْسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُبَّةَ الضَّيِّقَةَ إِنَّمَا كَانَ لِحَالِ السَّفَرِ لِاحْتِيَاجِ الْمُسَافِرِ إِلَى ذَلِكَ وَأَنَّ السَّفَرَ يُغْتَفَرُ فِيهِ لُبْسُ غَيْرِ الْمُعْتَادِ فِي الْحَضَرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ إِلَخْ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بسر الجبراني الْحِمْصِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ الْمَازِنِيِّ الصَّحَابِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ رأيته وليس بشيء روي عن بن بسر وأبي راشد الجبراني وقال أبو

حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ ضَعِيفٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ ثم ذكر الذهير حَدِيثَ الْبَابِ فِي مَنَاكِيرِهِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ ضعفه القطان والنسائي والدارقطني ووثقه بن حبان انتهى 1 - [1783] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ مُسْلِمِ بْنِ نُذَيْرٍ) بِالنُّونِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا ويقال بن يَزِيدَ كُوفِيٌّ يُكْنَى أَبَا عِيَاضٍ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا بَأْسَ بِهِ (بِعَضَلَةِ سَاقِي أَوْ سَاقِهِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْعَضَلَةُ مُحَرَّكَةً وَكَسَفِينَةٍ كُلُّ عَصَبَةٍ مَعَهَا لَحْمٌ غَلِيظٌ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَعَضَلَةُ السَّاقِ هُوَ الْمَحَلُّ الضَّخْمِ مِنْهُ (هَذَا مَوْضِعُ الْإِزَارِ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مَوْضِعُ الْإِزَارِ إِلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ (فَإِنْ أَبَيْتَ فَأَسْفَلُ) كَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَرَّةً واحدة ووقعت في رواية بن مَاجَهْ مَرَّتَيْنِ هَكَذَا فَإِنْ أَبَيْتَ فَأَسْفَلُ وَقَوْلُهُ فَأَسْفَلُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَقَدْ سَفُلَ كَكَرُمَ وَعَلِمَ وَنَصَرَ سِفَالًا وَسُفُولًا وَتَسَفَّلَ وَسَفُلَ فِي خُلُقِهِ وَعِلْمِهِ كَكَرُمَ سَفْلًا وَيُضَمُّ وَسِفَالًا كَكِتَابٍ وَفِي الشَّيْءِ سُفُولًا بِالضَّمِّ نَزَلَ مِنْ أَعْلَاهُ إِلَى أَسْفَلِهِ انْتَهَى (فَإِنْ أَبَيْتَ فَلَا حَقَّ لِلْإِزَارِ فِي الْكَعْبَيْنِ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَإِنْ أَبَيْتَ فَمِنْ وَرَاءِ السَّاقِ وَلَا حَقَّ لِلْكَعْبَيْنِ فِي الْإِزَارِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْضِعَ الْإِزَارِ إِلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ وَيَجُوزُ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَلَا حَقَّ لِلْإِزَارِ فِي الْكَعْبَيْنِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ غَيْرُ حَدِيثِ الْبَابِ فَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُرَيٍّ رَفَعَهُ قَالَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ وَارْفَعْ إِزَارَك إِلَى نِصْفِ السَّاقِ فَإِنْ أَبَيْتَ فَإِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِيَّاكَ وَإِسْبَالَ الْإِزَارِ فَإِنَّهُ مِنَ الْمَخِيلَةِ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمَخِيلَةَ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ في النار وللطبراني من حديث بن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ كُلُّ شَيْءٍ جَاوَزَ الْكَعْبَيْنِ مِنَ الْإِزَارِ فِي النَّارِ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَفَعَهُ أَزِرَةُ الْمُؤْمِنَ الَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ وَمَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي النَّارِ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن ماجه وصححه الحاكم كذا في الفتح

42 - [1784] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْعَسْقَلَانِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ (عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ رُكَانَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ (أَنَّ ركانة) بضم أوله وتخفيف الكاف بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْمُطَّلِبِيِّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ ثُمَّ نَزَلَ الْمَدِينَةَ وَمَاتَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ (صَارَعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ فِي الصُّرَاحِ مصارعه كشتى كرفتن يُقَالُ صَارَعْتُهُ فَصَرَعْتُهُ أَصْرَعُهُ صَرْعًا بِالْفَتْحِ لِتَمِيمٍ وَبِالْكَسْرِ لِقَيْسٍ (فَصَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ غَلَبَهُ فِي الْمُصَارَعَةِ وَطَرَحَهُ عَلَى الْأَرْضِ (إِنَّ فَرْقَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْعَمَائِمُ عَلَى الْقَلَانِسِ) جَمْعُ قَلَنْسُوَةٍ أَيِ الْفَارِقُ بَيْنَنَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ لُبْسُ الْعَمَائِمِ فَوْقَ الْقَلَانِسِ فَنَحْنُ نَتَعَمَّمُ عَلَى الْقَلَانِسِ وَهُمْ يَكْتَفُونَ بِالْعَمَائِمِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الشُّرَّاحِ وَتَبِعَهُمَا بن الْمَلَكِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْعَزِيزِيُّ فَالْمُسْلِمُونَ يَلْبَسُونَ الْقَلَنْسُوَةَ وَفَوْقَهَا الْعِمَامَةُ وَلُبْسُ الْقَلَنْسُوَةِ وَحْدَهَا زِيُّ الْمُشْرِكِينَ انْتَهَى وَكَذَا نَقَلَ الْجَزَرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ وَبِهِ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ في شرح الترمذي وقال بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَكَانَ يَلْبَسُهَا يَعْنِي الْعِمَامَةَ وَيَلْبَسُ تَحْتَهَا الْقَلَنْسُوَةَ وَكَانَ يَلْبَسُ الْقَلَنْسُوَةَ بِغَيْرِ عِمَامَةً وَيَلْبَسُ الْعِمَامَةَ بِغَيْرِ قَلَنْسُوَةٍ انْتَهَى وفي الجامع الصغير برواية الطبراني عن بن عُمَرَ قَالَ كَانَ يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً بَيْضَاءَ قَالَ العزيزي إسناده حسن وفيه برواية الروياني وبن عساكر عن بن عَبَّاسٍ كَانَ يَلْبَسُ الْقَلَانِسَ تَحْتَ الْعَمَائِمِ وَبِغَيْرِ الْعَمَائِمِ وَيَلْبَسُ الْعَمَائِمَ بِغَيْرِ قَلَانِسَ وَكَانَ يَلْبَسُ الْقَلَانِسَ الْيَمَانِيَّةَ وَهُنَّ الْبِيضُ الْمُضَرَّبَةُ وَيَلْبَسُ الْقَلَانِسَ ذَوَاتِ الْآذَانِ فِي الْحَرْبِ وَكَانَ رُبَّمَا نَزَعَ قَلَنْسُوَتَهُ فَجَعَلَهَا سُتْرَةً بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي الْحَدِيثَ قُلْتُ لَمْ أَقِفْ عَلَى إِسْنَادِ رِوَايَةِ بن عَبَّاسٍ هَذِهِ فَلَا أَدْرِي هَلْ هِيَ صَالِحَةٌ لِلِاحْتِجَاجِ أَمْ لَا

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَائِمِ إِلَخْ) فِيهِ ثَلَاثَةُ مَجَاهِيلَ كما عرفت 3 - [1785] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ) السُّلَمِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو طَيْبَةَ بِفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُوَحَّدَةٌ الْمَرْوَزِيُّ قَاضِيهَا صَدُوقٌ يهم من الثامنة (مالي أرى عليك) مقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَنَسَبَهُ إِلَى نَفْسِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُخَاطَبُ أَيْ مالك (حِلْيَةَ أَهْلِ النَّارِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ زِينَةَ بَعْضِ الْكُفَّارِ فِي الدُّنْيَا أَوْ زِينَتَهُمْ فِي النَّارِ بِمُلَابَسَةِ السَّلَاسِلِ وَالْأَغْلَالِ وَتِلْكَ فِي الْمُتَعَارَفِ بَيْنَنَا مُتَّخَذَةٌ مِنَ الْحَدِيدِ وَقِيلَ إِنَّمَا كَرِهَهُ لِأَجْلِ النَّتْنِ (وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ صُفْرٍ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ يُقَالُ لَهُ بِالْهِنْدِيَّةِ بيتل وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَعَلَيْهِ خاتم من شبه قال القارىء بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ شَيْءٌ يُشْبِهُ الصُّفْرَ وَبِالْفَارِسِيَّةِ يُقَالُ لَهُ برنج سُمِّيَ بِهِ لِشَبَهِهِ بِالذَّهَبِ لَوْنًا وَفِي الْقَامُوسِ الشَّبَهُ مُحَرَّكَةً النُّحَاسُ الأصفر ويكسر انتهى كلام القارىء (مالي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ) لِأَنَّ الْأَصْنَامَ تُتَّخَذُ من الصفر قاله الخطابي وغيره (ارم عنك حِلْيَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ) يَعْنِي أَنَّ خَاتَمَ الذَّهَبِ مِنْ حِلْيَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَخَتَّمُونَ بِهِ فِيهَا وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ (قَالَ مِنْ وَرِقٍ) أَيِ اتَّخِذْهُ مِنْ فِضَّةٍ وَالْوَرِقُ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْفِضَّةُ (وَلَا تُتِمُّهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ نَهَى عَنِ الْإِتْمَامِ أَيْ لَا نُكْمِلُهُ (مِثْقَالًا) أَيْ لَا نُكْمِلُ وزن الخاتم من الورق مثقالا قال بن الْمَلَكِ تَبَعًا لِلْمَظْهَرِ هَذَا نَهْيُ إِرْشَادٍ إِلَى الْوَرَعِ فَإِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْخَاتَمُ أَقَلَّ مِنْ مِثْقَالٍ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ السَّرَفِ وَذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى تَحْرِيمِ مَا زَادَ عَلَى الْمِثْقَالِ لَكِنْ رَجَّحَ

الْآخَرُونَ الْجَوَازَ مِنْهُمُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ فَإِنَّهُ حَمَلَ النَّهْيَ الْمَذْكُورَ عَلَى التَّنْزِيهِ قاله القارىء (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ بن حِبَّانَ وَفِي سَنَدِهِ أَبُو طَيْبَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ يكتب حديثه ولا يحتج به وقال بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ يُخْطِئُ وَيُخَالِفُ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا حُمِلَ الْمَنْعُ عَلَى مَا كَانَ حَدِيدًا صِرْفًا وَقَدْ قَالَ التِّيفَاشِيُّ فِي كِتَابِ الْأَحْجَارِ خَاتَمُ الْفُولَاذِ مَطْرَدَةٌ لِلشَّيْطَانِ إِذَا لُوِيَ عَلَيْهِ فِضَّةٌ فَهَذَا يُؤَيِّدُ الْمُغَايَرَةَ فِي الْحُكْمِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَالَ فِي عَوْنِ الْمَعْبُودِ شَرْحِ أَبِي دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ ضَعْفِهِ يُعَارِضُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بالفضة فالعبوا بها أخرجه أبو داود وإسناده صَحِيحٌ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي اسْتِعْمَالِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَأَنَّ فِي تَحْرِيمِ الْفِضَّةِ عَلَى الرِّجَالِ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ شَيْءٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ فِي تَحْرِيمِ الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ عَلَى الرِّجَالِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمُ اسْتِعْمَالُ الْفِضَّةِ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ دَلِيلٌ وَقَالَ قَدِ اسْتَدَلَّ الْعَلَّامَةُ الشَّوْكَانِيُّ فِي رِسَالَتِهِ الْوَشْيُ الْمَرْقُومُ فِي تَحْرِيمِ حِلْيَةِ الذَّهَبِ عَلَى الْعُمُومِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى إِبَاحَةِ اسْتِعْمَالِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا وَقَالَ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ حدثني أسيد بن أبي أسيد عن بن أبي موسى عن أبيه أو عن بن أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحَلِّقَ حَبِيبَتَهُ حَلْقَةً مِنْ نَارٍ فَلْيُحَلِّقْهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يُسَوِّرَ حَبِيبَتَهُ سِوَارًا مِنْ نَارٍ فَلْيُسَوِّرْهَا سِوَارًا مِنْ ذَهَبٍ وَلَكِنِ الْفِضَّةُ فَالْعَبُوا بِهَا لَعِبًا انْتَهَى وَحَسَّنَ إِسْنَادَهُ الْحَافِظُ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَوِّرَ وَلَدَهُ سِوَارًا مِنْ نَارٍ فَلْيُسَوِّرْهُ سِوَارًا مِنْ ذَهَبٍ وَلَكِنِ الْفِضَّةُ فَالْعَبُوا بِهَا كيف شئتم قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى قُلْتُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى إِبَاحَةِ اسْتِعْمَالِ الْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا عِنْدِي نَظَرٌ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِاللَّعِبِ بِالْفِضَّةِ التَّحْلِيَةُ بِهَا لِلنِّسَاءِ مِنَ التَّحْلِيقِ وَالتَّسْوِيرِ بِهَا لَهُنَّ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ اللَّعِبَ بِهَا لِلرِّجَالِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ صَدْرُ الْحَدِيثِ أَعْنِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُحَلِّقَ حَبِيبَتَهُ حَلْقَةً مِنْ نَارٍ فَلْيُحَلِّقْهَا حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يُسَوِّرَ حَبِيبَتَهُ سِوَارًا مِنْ نَارٍ فليسورها

سِوَارًا مِنْ ذَهَبٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنْ لَا تُحَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ حَلْقَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَا تُسَوِّرُوهُنَّ سِوَارًا مِنَ الذَّهَبِ وَلَكِنِ الْعَبُوا لَهُنَّ بِالْفِضَّةِ مِنَ التَّحْلِيقِ وَالتَّسْوِيرِ بِهَا لَهُنَّ أَوْ مَا شِئْتُمْ مِنَ التَّحْلِيَةِ بِهَا لَهُنَّ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 4 - [1786] قَوْلُهُ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ) بْنِ شِهَابِ بْنِ الْمَجْنُونِ الْجَرْمِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْقَسِّيِّ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْقَسِّيِّ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ (وَالْمِيثَرَةِ الْحَمْرَاءِ) هِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وسكون التحتانية وفتح المثلثة بعدها راء ثم هاء ولا همز فيها وأصلها من الوثارة أَوِ الْوِثْرَةِ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْوَثِيرُ هُوَ الْفِرَاشُ الْوَطِيءُ وَامْرَأَةٌ وَثِيرَةٌ كَثِيرَةُ اللَّحْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْمِيثَرَةِ فِي بَابِ رُكُوبِ الْمَيَاثِرِ (وَأَنْ أَلْبَسَ خَاتَمِي فِي هَذِهِ وَفِي هَذِهِ وَأَشَارَ إِلَى السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى) قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ جَعْلُ خَاتَمِ الرَّجُلِ فِي الْخِنْصَرِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تَتَّخِذُ خَوَاتِيمَ فِي أَصَابِعَ قَالُوا وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِهِ فِي الْخِنْصَرِ أَنَّهُ أَبْعَدُ مِنَ الِامْتِهَانِ فِيمَا يُتَعَاطَى بِالْيَدِ لِكَوْنِهِ طَرَفًا لِأَنَّهُ لَا يَشْغَلُ الْيَدَ عَمَّا تَنَاوَلَتْهُ مِنَ اشْتِغَالِهَا بِخِلَافِ غَيْرِ الْخِنْصَرِ وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ جَعْلُهُ فِي الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب ما جاء في أحب الثياب إلى رسول الله

45 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَحَبِّ الثِّيَابِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1787] قوله (كان أحب الثياب إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلْبَسُهَا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنْ يَلْبَسَهَا بِزِيَادَةِ أَنْ فَقَوْلُهُ يَلْبَسُهَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ صِفَةٌ لِأَحَبُّ أَوِ الثِّيَابِ وَخَرَجَ بِهِ مَا يَفْرِشُهُ وَنَحْوُهُ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلثِّيَابِ أَوْ لِأَحَبُّ وَالتَّأْنِيثُ بِاعْتِبَارِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَنْ يَلْبَسَهَا فَقِيلَ بَدَلٌ مِنَ الثِّيَابِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ مُتَعَلِّقٌ بِأَحَبُّ أَيْ كَانَ أَحَبُّ الثِّيَابِ لِأَجْلِ اللُّبْسِ (الْحِبَرَةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَأَحَبُّ اسْمُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْعَكْسِ وَالْحِبَرَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بِوَزْنِ عِنَبَةٍ نَوْعٌ مِنْ بُرُودِ الْيَمَنِ بِخُطُوطٍ حُمْرٍ وَرُبَّمَا تَكُونُ بِخُضْرٍ أَوْ زُرْقٍ فَقِيلَ هِيَ أَشْرَفُ الثِّيَابِ عِنْدَهُمْ تُصْنَعُ مِنَ الْقُطْنِ فَلِذَا كَانَ أَحَبَّ وَقِيلَ لِكَوْنِهَا خَضْرَاءَ وَهِيَ مِنْ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ كَانَ أَحَبُّ الْأَلْوَانِ إِلَيْهِ الْخُضْرَةَ عَلَى مَا رواه الطبراني في الأوسط وبن السُّنِّيِّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ سُمِّيَتْ حِبَرَةً لِأَنَّهَا تُحَبِّرُ أَيْ تُزَيِّنُ وَالتَّحْبِيرُ التَّحْسِينُ قِيلَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ وَقِيلَ إِنَّمَا كَانَتْ هِيَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ كَثِيرُ زِينَةٍ وَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ احْتِمَالًا لِلْوَسَخِ قَالَ الْجَزَرِيُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ لُبْسِ الْحِبَرَةِ وَعَلَى جَوَازِ لُبْسِ الْمُخَطَّطِ قَالَ مَيْرُكُ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي

23 - كتاب الأطعمة

23 - كِتَاب الْأَطْعِمَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (باب ما جاء عَلَى مَا كَانَ يَأْكُلُ النَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1788] قَوْلُهُ (عَنْ يُونُسَ) هُوَ الْإِسْكَافُ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَوَقَعَ في رواية بن مَاجَهْ عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ الْإِسْكَافِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ بَصْرِيٌّ وَثَّقَهُ أحمد وبن معين وغيرهما وقال بن عدي ليس بالمشهور وقال بن سعد كان معروفا وله أحاديث وقال بن حِبَّانَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْتَجَّ بِهِ كَذَا قال ومن وثقه أعرف بحاله من بن حِبَّانَ وَالرَّاوِي عَنْهُ هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ وَهُوَ مِنَ الْمُكْثِرِينَ عَنْ قَتَادَةَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ هَذَا انْتَهَى قَوْلُهُ (عَلَى خِوَانٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيُضَمُّ أَيْ مَائِدَةٍ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الْخِوَانُ الَّذِي يُؤْكَلُ عَلَيْهِ مُعَرَّبٌ وَالْأَكْلُ عَلَيْهِ لَمْ يَزَلْ مِنْ دَأْبِ الْمُتْرَفِينَ وَصَنِيعِ الْجَبَّارِينَ لِئَلَّا يَفْتَقِرُوا إِلَى التَّطَأْطُؤِ عِنْدَ الْأَكْلِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ قَوْلُهُ على الخوان بسكر الخاء المعجمة وهو المشهور ورجاء ضَمُّهَا وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ إِخْوَانٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ قَالَ الْجَوَالِقِيُّ تَكَلَّمَتْ به العرب قديما وقال بن فَارِسٍ إِنَّهُ اسْمٌ أَعْجَمِيٌّ وَعَنْ ثَعْلَبٍ سُمِّيَ بذلك لأنه يتخون ما عليه أي ينتقص وَقَالَ عِيَاضٌ إِنَّهُ الْمَائِدَةُ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ طَعَامٌ وَيُجْمَعُ عَلَى أَخْوِنَةٍ فِي الْقِلَّةِ وخوون بِالضَّمِّ فِي الْكَثْرَةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ لَيْسَ فِيمَا ذُكِرَ كُلُّهِ بَيَانُ هَيْئَةِ الْخِوَانِ وَهُوَ طَبَقٌ كَبِيرٌ مِنْ نُحَاسٍ تَحْتَهُ كُرْسِيٌّ مِنْ نُحَاسٍ مَلْزُوقٍ بِهِ طُولُهُ قَدْرُ ذِرَاعٍ يُرَصُّ فِيهِ الزباد ويوضع بين يدي

كبير مِنَ الْمُتْرَفِينَ وَلَا يَحْمِلُهُ إِلَّا اثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا انْتَهَى (وَلَا سُكُرُّجَةٍ) بِضَمِّ السِّينِ وَالْكَافِ وَالرَّاءِ وَالتَّشْدِيدِ إِنَاءٌ صَغِيرٌ يُؤْكَلُ فِيهِ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ مِنَ الْأُدْمِ وَهِيَ فَارِسِيَّةٌ وَأَكْثَرُ مَا يُوضَعُ فِيهِ الْكَوَامِخُ وَنَحْوُهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ قِيلَ وَالْعَجَمُ كَانَتْ تَسْتَعْمِلُهَا فِي الْكَوَامِيخِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ الْجَوَارِشَاتِ يَعْنِي الْمُخَلَّلَاتِ عَلَى الْمَوَائِدِ حول الأطعمة للتشهي والهضم فأخبر النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْكُلْ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ قَطُّ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ تَرْكُهُ الْأَكْلَ فِي السُّكُرُّجَةِ إِمَّا لِكَوْنِهَا لَمْ تَكُنْ تُصْنَعُ عِنْدَهُمْ إِذْ ذَاكَ أو استصغارا لها لِأَنَّ عَادَتَهُمْ لِلِاجْتِمَاعِ عَلَى الْأَكْلِ أَوْ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُعَدُّ لِوَضْعِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي تُعِينُ عَلَى الْهَضْمِ وَلَمْ يَكُونُوا غَالِبًا يَشْبَعُونَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَاجَةٌ بِالْهَضْمِ انْتَهَى (وَلَا خُبِزَ) مَاضٍ مَجْهُولٌ (لَهُ) أَيْ لِأَجْلِهِ (مُرَقَّقٌ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَيْ مُلَيَّنُ مُحَسَّنٌ كَخُبْزِ الْحُوَّارَى وَشَبَهِهِ وَالتَّرْقِيقُ التَّلْيِينُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مَنَاخِلُ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَقَّقُ الرَّقِيقُ الْمُوَسَّعُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ هذا هو المتعارف وبه جزم بن الْأَثِيرِ قَالَ الرِّقَاقُ الرَّقِيقُ مِثْلُ طِوَالٍ طَوِيلٍ وهو الرغيف الواسع الرقيق وقال بن الْجَوْزِيِّ هُوَ الْخَفِيفُ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الرِّقَاقِ وَهِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يُرَقَّقُ بِهَا انْتَهَى (فَقُلْتُ) الْقَائِلُ هُوَ يُونُسُ (فَعَلَى مَا) وَكَذَا فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَفِي بَعْضِهَا فَعَلَامَ بِمِيمٍ مُفْرَدَةٍ أَيْ فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ وَاعْلَمْ أَنَّ حَرْفَ الْجَرِّ إِذَا دَخَلَ عَلَى مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ حُذِفَ الْأَلِفُ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ لَكِنْ قَدْ تَرِدُ فِي الِاسْتِعْمَالَاتِ الْقَلِيلَةِ عَلَى الْأَصْلِ نَحْوُ قَوْلِ حَسَّانَ عَلَى مَا قَالَ يَشْتُمُنِي لَئِيمٌ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا اتَّصَلَ الْجَارُّ بِمَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ الْمَحْذُوفَةِ الْأَلِفِ نَحْوُ حَتَّامَ وَعَلَامَ كُتِبَ مَعَهَا بِالْأَلِفِ لِشِدَّةِ الِاتِّصَالِ بِالْحُرُوفِ (قَالَ) أَيْ قَتَادَةُ (عَلَى هَذِهِ السُّفَرِ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ جَمْعُ سُفْرَةٍ فِي النِّهَايَةِ السُّفْرَةُ الطَّعَامُ يَتَّخِذُهُ الْمُسَافِرُ وَأَكْثَرُ مَا يُحْمَلُ فِي جِلْدٍ مُسْتَدِيرٍ فَنَقَلَ اسْمَ الطَّعَامِ إِلَى الْجِلْدِ وَسُمِّيَ بِهِ كَمَا سُمِّيَتِ المزادة رواية وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمَنْقُولَةِ انْتَهَى ثُمَّ اشْتُهِرَتْ لِمَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ جِلْدًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ مَا عَدَا الْمَائِدَةُ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ شِعَارُ الْمُتَكَبِّرِينَ غَالِبًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَطْعِمَةِ والنسائي في الرقائق والوليمة وبن مَاجَهْ فِي الْأَطْعِمَةِ

باب ما جاء في أكل الأرنب

2 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الْأَرْنَبِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ دُوَيْبَةٌ مَعْرُوفَةٌ تُشْبِهُ الْعَنَاقَ لَكِنْ فِي رِجْلَيْهَا طُولٌ يُخِلَّانِ بِهَا والأرنب اسم جنس للذكر وَالْأَرْنَبُ اسْمُ جِنْسٍ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ أَيْضًا الْخُزَزُ وَزْنُ عُمَرَ بِمُعْجَمَاتٍ وَلِلْأُنْثَى عِكْرِشَةٌ وَلِلصَّغِيرِ خِرْنِقٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ الْجَاحِظُ لَا يُقَالُ أَرْنَبٌ إِلَّا لِلْأُنْثَى وَيُقَالُ إِنَّ الْأَرْنَبَ شَدِيدَةُ الْجُبْنِ كَثِيرَةُ الشَّبَقِ وَإِنَّهَا تَكُونُ سَنَةً ذَكَرًا وَسَنَةً أُنْثَى وَإِنَّهَا تَحِيضُ وَيُقَالُ إِنَّهَا تَنَامُ مَفْتُوحَةَ الْعَيْنِ انْتَهَى وَيُقَالُ لِلْأَرْنَبِ بِالْفَارِسِيَّةِ خركوش [1789] قَوْلُهُ (عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدِ) بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (أَنْفَجْنَا أَرْنَبًا) بِفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَجِيمٍ سَاكِنَةٍ أَيْ أَثَرْنَا يُقَالُ نَفَجَ الْأَرْنَبُ إِذَا ثَارَ وَعَدَا وَانْتَفَجَ كَذَلِكَ وَأَنْفَجْتَهُ إِذَا أَثَرْتَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ وَيُقَالُ إِنَّ الِانْتِفَاجَ الِاقْشِعْرَارُ فَكَأَنَّ الْمَعْنَى جَعَلْنَاهَا بِطَلَبِنَا لَهَا تَنْتَفِجُ وَالِانْتِفَاجُ أَيْضًا ارْتِفَاعُ الشَّعْرِ وَانْتِفَاشُهُ (بِمَرِّ الظَّهْرَانِ) مَرِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَالظَّهْرَانِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ بِلَفْظِ تَثْنِيَةِ الظَّهْرِ اسْمُ مَوْضِعٍ عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ مَكَّةَ وَقَدْ يُسَمَّى بِإِحْدَى الْكَلِمَتَيْنِ تَخْفِيفًا وَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي تُسَمِّيهِ عَوَامُّ الْمِصْرِيِّينَ بَطْنَ مَرْوٍ وَالصَّوَابُ مَرٍّ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ (فَذَبَحَهَا بِمَرْوَةٍ) بِفَتْحِ مِيمٍ وَسُكُونِ رَاءٍ حَجَرٌ أَبْيَضُ وَيُجْعَلُ مِنْهُ كَالسِّكِّينِ (فَبَعَثَ مَعِي بِفَخِذِهَا أَوْ بِوَرِكِهَا) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْوَرِكُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ مَا فَوْقَ الْفَخِذِ مُؤَنَّثَةٌ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (فَأَكَلَهُ فَقُلْتُ أَكَلَهُ قَالَ قَبِلَهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْمَبْعُوثِ أَوْ بِمَعْنَى اسْمِ الْإِشَارَةِ أَيْ ذَاكَ انْتَهَى وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْمَذْكُورِ وَهَذَا التَّرْدِيدُ لِهِشَامِ بْنِ زَيْدٍ وَقَفَ جَدَّهُ أَنَسًا عَلَى قَوْلِهِ أَكَلَهُ فَكَأَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي الْجَزْمِ بِهِ وَجَزَمَ بِالْقَبُولِ وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أُهْدِيَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْنَبٌ وَأَنَا نَائِمَةٌ فَخَبَّأَ لِي مِنْهَا الْعَجُزَ فَلَمَّا قُمْتُ أَطْعَمَنِي وَهَذَا لَوْ صَحَّ لَأَشْعَرَ بِأَنَّهُ أَكَلَ مِنْهَا لَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ وَوَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنْ أَرْنَبٍ حِينَ أُهْدِيَ إِلَيْهِ مَشْوِيًّا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْأَكْلِ مِنْهُ وَكَأَنَّهُ تَلَقَّاهُ مِنْ حَدِيثَيْنِ فَأَوَّلُهُ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ وَقَالَ ظَهَرَ مَا فِيهِ وَالْآخَرُ مِنْ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ

إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَرْنَبٍ قَدْ شَوَاهَا فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَمْسَكَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَأْكُلُوا وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَعَمَّارٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ وَيُقَالُ مُحَمَّدُ بْنُ صَيْفِيٍّ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الذبح بالمروة وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ فَأَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ أَنَّهُ صَادَ أَرْنَبَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِمَرْوَتَيْنِ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُ بِأَكْلِهِمَا كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَالنَّيْلِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ صَفْوَانَ هَذَا وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ صَيْفِيٍّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَنْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ صَيْفِيٍّ فَقَدْ وَهِمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ كَمَا فِي الْمُنْتَقَى قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَوْنَ بِأَكْلِ الْأَرْنَبِ بَأْسًا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَكْلُ الْأَرْنَبِ حَلَالٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وبن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمَا كَرِهَاهَا دَلِيلُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ مَعَ أَحَادِيثَ مِثْلِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي النَّهْيِ عَنْهَا شَيْءٌ انْتَهَى (وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَخْ) كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مِنَ الصَّحَابَةِ وَعِكْرِمَةَ مِنَ التَّابِعِينَ وَمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مِنَ الْفُقَهَاءِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَقُولُ فِي الْأَرْنَبِ قَالَ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ قُلْتُ فَإِنِّي آكُلُ مَا لَا تُحَرِّمُهُ وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نُبِّئْتُ أَنَّهَا تَدْمَى قَالَ الْحَافِظُ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِلَفْظِ جِيءَ بِهَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَأْكُلْهَا وَلَمْ يَنْهَ عَنْهَا وَزَعَمَ أَنَّهَا تَحِيضُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَلَهُ شَاهِدٌ عَنْ عُمَرَ عِنْدَ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ فِي مُسْنَدِهِ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي سَنَدِهِ خَالِدُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْهُ فَقَالَ لَا أعرفه وقال بن عَدِيٍّ إِذَا كَانَ يَحْيَى لَا يَعْرِفُهُ فَلَا يكون له شهرة ولا يعرف وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ

باب في أكل الضب

انْتَهَى وَفِي سَنَدِهِ أَيْضًا مُحَمَّدٌ ابْنُهُ وَهُوَ مَسْتُورٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي بَابِ الضَّبِّ بَعْدَ ذِكْرِهِ سَنَدُهُ حَسَنٌ (باب فِي أَكْلِ الضَّبِّ) قَالَ الْحَافِظُ هُوَ دُوَيْبَةٌ تُشْبِهُ الْجِرْذَوْنَ لَكِنَّهُ أَكْبَرُ مِنْهُ وَيُكْنَى أَبَا حَسْلٍ وَيُقَالُ لِلْأُنْثَى ضَبَّةٌ وَيُقَالُ إِنَّ لِأَصْلِ ذَكَرِ الضَّبِّ فَرَعَيْنِ وَلِهَذَا يُقَالُ لَهُ ذَكَرَانِ وذكر بن خَالَوَيْهِ أَنَّ الضَّبَّ يَعِيشُ سَبْعَمِائَةِ سَنَةٍ وَأَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْمَاءَ وَيَبُولُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَطْرَةً وَلَا يَسْقُطُ لَهُ سِنٌّ وَيُقَالُ بَلْ أَسْنَانُهُ قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّ أَكْلَ لَحْمِهِ يُذْهِبُ الْعَطَشَ وَمِنَ الْأَمْثَالِ لَا أفعل كذا حتى يرد الضب بقوله مَنْ أَرَادَ أَنْ لَا يَفْعَلَ الشَّيْءَ لِأَنَّ الضَّبَّ لَا يَرِدُ بَلْ يَكْتَفِي بِالنَّسِيمِ وَبَرْدِ الْهَوَاءِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ جُحْرِهِ فِي الشِّتَاءِ انْتَهَى وَيُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ سوسمار وَبِالْهِنْدِيَّةِ كوه [1790] قَوْلُهُ (لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ) فِيهِ جَوَازُ أَكْلِ الضَّبِّ قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ أَكْلَ الضَّبِّ حَلَالٌ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ كَرَاهَتِهِ وَإِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ حَرَامٌ وَمَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْ أَحَدٍ وَإِنْ صَحَّ عَنْ أَحَدٍ فَمَحْجُوجٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ لَمَّا لَمْ يَكُنِ الضَّبُّ حَرَامًا فَمَا سَبَبُ عَدَمِ أَكْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَ مَيْمُونَةَ فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ أَخْبِرُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ فَقَالُوا هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَفَعَ يَدَهُ فَقُلْتُ أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ قَالَ خَالِدٌ فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ أَيْ أَكْرَهُ أَكْلَهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَتَرَكَهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْمُتَقَذِّرِ لَهُنَّ وَلَوْ كُنَّ حَرَامًا لَمَا أُكِلْنَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمَا أَمَرَ بِأَكْلِهِنَّ كَذَا أَطْلَقَ الْأَمْرَ وَكَأَنَّهُ تَلَقَّاهُ مِنَ الْإِذْنِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ التَّقْرِيرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ إِلَّا فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَإِنَّ فِيهَا فَقَالَ

لَهُمْ كُلُوا فَأَكَلَ الْفَضْلُ وَخَالِدٌ وَالْمَرْأَةُ وَكَذَا في رواية الشعبي عن بن عُمَرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا وَأَطْعِمُوا فَإِنَّهُ حَلَالٌ أَوْ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ طَعَامِي وَفِي هَذَا كُلِّهِ بَيَانُ سَبَبِ تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ بِسَبَبِ أَنَّهُ مَا اعْتَادَهُ وَقَدْ وَرَدَ لِذَلِكَ سَبَبٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ مِنْ مُرْسَلِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فَذَكَرَ مَعْنَى حديث بن عَبَّاسٍ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كلا يعني لخالد وبن عَبَّاسٍ فَإِنَّنِي يَحْضُرُنِي مِنَ اللَّهِ حَاضِرَةٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ وَكَانَ لِلَحْمِ الضَّبِّ رِيحًا فَتَرَكَ أَكْلَهُ لِأَجْلِ رِيحِهِ كَمَا تَرَكَ أَكْلَ الثُّومِ مَعَ كَوْنِهِ حَلَالًا قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا إِنْ صَحَّ يُمْكِنُ ضَمُّهُ إِلَى الْأَوَّلِ وَيَكُونُ لِتَرْكِهِ الْأَكْلَ مِنَ الضَّبِّ سَبَبَانِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفي الباب عن عمر وأبي سعيد وبن عَبَّاسٍ وَثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بن حسنة) أما حديث عمر فأخرجه مسلم وبن مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ فِي الضَّبِّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَرِّمْهُ وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لَيَنْفَعُ بِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ وَإِنَّمَا طَعَامُ عَامَّةِ الرِّعَاءِ مِنْهُ وَلَوْ كَانَ عِنْدِي طَعِمْتُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أحمد ومسلم وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضٍ مُضِبَّةٍ فَمَا تَأْمُرُنَا قَالَ ذَكَرَ لِي أَنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ فلم يأمر ولم ينه وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ أَهْدَتْ خَالَتِي أُمُّ حُفَيْدٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقِطًا وَسَمْنًا وَأَضُبًّا فَأَكَلَ مِنَ الْأَقِطِ والسمن وترك الأضب تقذرا قال بن عَبَّاسٍ فَأُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ ثَابِتِ بْنِ وَدِيعَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَيْشٍ فَأَصَبْنَا ضِبَابًا قَالَ فَشَوَيْتُ مِنْهَا ضَبًّا فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ فَأَخَذَ عُودًا فَعَدَّ بِهِ أَصَابِعَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابًّا فِي الْأَرْضِ وَإِنِّي لَا أَدْرِي أَيُّ الدَّوَابِّ هِيَ قَالَ فَلَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَنْهَ قَالَ الْحَافِظُ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَقَالَ لَا أَدْرِي لعله من القرون التي مسخت وروى بن مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَرِّمِ الضَّبَّ وَلَكِنْ قَذِرَهُ وَإِنَّهُ لَطَعَامُ عَامَّةِ الرِّعَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَنْفَعُ بِهِ غَيْرَ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ عِنْدِي لأكلته وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ فَأَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود وبن حِبَّانَ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْهُ قَالَ نَزَلْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الضباب الحديث وفيه أنهم طبخوا منها فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابَّ فِي الْأَرْضِ فَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ فَأَكْفِئُوهَا قَالَ الْحَافِظُ وَسَنَدُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ إِلَّا الضَّحَاكَ فَلَمْ يُخَرِّجَا لَهُ انْتَهَى

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَكْلِ الضَّبِّ فَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُمْ) وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَحَادِيثَ تَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ أكله فمنها حديث بن عمر المذكور في الباب ومنها أحاديث بن عَبَّاسٍ وَعُمَرَ وَجَابِرٍ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا أَلْفَاظَهَا وَمِنْهَا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وقد تقدم لفظه ومنها حديث بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ سَعْدٌ فَذَهَبُوا يَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمٍ فَنَادَتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ فَأَمْسَكُوا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا وَأَطْعِمُوا فَإِنَّهُ حَلَالٌ أَوْ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي كَذَا فِي نَصْبِ الرَّايَةِ وَمِنْهَا حَدِيثُ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالطَّحَاوِيُّ عَنْهُ قَالَ دَعَانَا عَرُوسٌ بِالْمَدِينَةِ فَقَرَّبَ إِلَيْنَا ثَلَاثَةَ عَشْرَ ضَبًّا فآكل وتارك فلقيت بن عَبَّاسٍ مِنَ الْغَدِ فَأَخْبَرْتُهُ فَأَكْثَرَ الْقَوْمُ حَوْلَهُ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا آكُلُهُ وَلَا أَنْهَى عنه ولا أحرمه فقال بن عَبَّاسٍ بِئْسَمَا قُلْتُمْ مَا بُعِثَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مُحَلِّلًا وَمُحَرِّمًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَمَا هُوَ عِنْدَ مَيْمُونَةَ وَعِنْدَهُ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَامْرَأَةٌ أُخْرَى إِذْ قُرِّبَ إِلَيْهِمْ خِوَانٌ عَلَيْهِ لَحْمٌ فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْكُلَ قَالَتْ لَهُ مَيْمُونَةُ إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ فَكَفَّ يَدَهُ وَقَالَ هَذَا لَحْمٌ لَمْ آكُلْهُ قَطُّ وقال لهم كُلُوا فَأَكَلَ مِنْهُ الْفَضْلُ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْمَرْأَةُ وَقَالَتْ مَيْمُونَةُ لَا آكُلُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَيْءٌ يَأْكُلُ مِنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْهَا حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ الْمُرْسَلُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا ضِبَابٌ فَقَالَ كُلُوا فَإِنِّي عَائِفُهُ وَمِنْهَا حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بن جزء أخرجه بن ماجه عته قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُك لِأَسْأَلَكَ عَنْ أَحْنَاشِ الْأَرْضِ مَا تَقُولُ فِي الضَّبِّ قَالَ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ قَالَ قُلْتُ فَإِنِّي آكُلُ مِمَّا لَمْ تُحَرِّمْ وَلِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فُقِدَتْ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ وَرَأَيْتُ خَلْقًا رَابَنِي (وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ) قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَقَدْ كَرِهَ قَوْمٌ أَكْلَ الضَّبِّ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ

أَجْمَعِينَ وَاحْتَجَّ لَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَ لَهُ ضَبٌّ فَلَمْ يَأْكُلْهُ فَقَامَ عَلَيْهِمْ سَائِلٌ فَأَرَادَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ تُعْطِيَهُ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُعْطِينَهُ مَا لَا تَأْكُلِينَ قَالَ مُحَمَّدٌ فَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ أَكْلَ الضَّبِّ قَالَ فَبِذَلِكَ نَأْخُذُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ مَا فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَرِهَ لَهَا أَنْ تُطْعِمَهُ السَّائِلَ لِأَنَّهَا إِنَّمَا فَعَلَتْ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا عَافَتْهُ وَلَوْلَا أَنَّهَا عَافَتْهُ لَمَا أَطْعَمَتْهُ إِيَّاهُ وَكَانَ مَا تُطْعِمُهُ السَّائِلَ فَإِنَّمَا هُوَ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا يَكُونَ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا مِنْ خَيْرِ الطَّعَامِ كَمَا قَدْ نَهَى أَنْ يُتَصَدَّقَ بِالْبُسْرِ الرَّدِيءِ وَالتَّمْرِ الرَّدِيءِ قَالَ فَلِهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا الصَّدَقَةَ بِالضَّبِّ لَا لِأَنَّ أَكْلَهُ حَرَامٌ انْتَهَى وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ أيضا بحديث بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وددت أن عندي خبرة بَيْضَاءَ مِنْ بُرَّةٍ سَمْرَاءَ مُلَبَّقَةً بِسَمْنٍ وَلَبَنٍ فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَاتَّخَذَهُ فَجَاءَ بِهِ فَقَالَ فِي أَيْ شَيْءٍ كَانَ هَذَا قَالَ فِي عُكَّةِ ضَبٍّ قَالَ ارْفَعْهُ أَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ أَبَا دَاوُدَ قَالَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ أَكْلِ الضَّبِّ أَوْ عَلَى كَرَاهَتِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّمَا أَمَرَ بِرَفْعِهِ لِتَنَفُّرِ طَبْعِهِ عَنِ الضَّبِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِهِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ خَالِدٍ لَا لِنَجَاسَةِ جِلْدِهِ وَإِلَّا لَأَمَرَهُ بِطَرْحِهِ وَنَهَاهُ عَنْ تَنَاوُلِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ أيضا بحديث عبد الرحمن بن حَسَنَةَ نَزَلْنَا أَرْضًا كَثِيرَةَ الضِّبَابِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أنهم طبخوا منها فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُسِخَتْ دَوَابَّ فِي الْأَرْضِ فَأَخْشَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ فَأَكْفِئُوهَا وَبِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ عِلَّةَ الْأَمْرِ بِالْإِكْفَاءِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْأَكْلِ إِنَّمَا هِيَ خَشْيَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَكُونَ الضِّبَابُ مِنَ الْأُمَّةِ الْمَمْسُوخَةِ وَعَدَمُ عِلْمِهِ بِأَنَّ الْأُمَّةَ الْمَمْسُوخَةَ لَا يَكُونُ لَهَا نَسْلٌ وَلَا عَقِبٌ فَلَمَّا عَلِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يَمْسَخْ قَوْمًا فَيَجْعَلْ لَهُمْ نَسْلًا وَلَا عَاقِبَةً ارْتَفَعَتِ الْعِلَّةُ وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ إِذَا ارْتَفَعَتِ الْعِلَّةُ يَرْتَفِعُ الْمَعْلُولُ عَلَى أَنَّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ لَا يُقَاوِمَانِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ الَّتِي تَدُلُّ صَرَاحَةً عَلَى إِبَاحَةِ أَكْلِ الضَّبِّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَالْأَحَادِيثُ الْمَاضِيَةُ وَإِنْ دَلَّتْ عَلَى الْحِلِّ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا نَصًّا وَتَقْرِيرًا فَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ

باب ما جاء في أكل الضبع

هَذَا حَمْلُ النَّهْيِ فِيهِ عَلَى أَوَّلِ الْحَالِ عِنْدَ تَجْوِيزِ أَنْ يَكُونَ مِمَّا مُسِخَ وَحِينَئِذٍ أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ ثُمَّ تَوَقَّفَ فَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَحَمْلُ الْإِذْنِ فِيهِ عَلَى ثَانِي الْحَالِ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْمَمْسُوخَ لَا نَسْلَ لَهُ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَسْتَقْذِرُهُ فَلَا يَأْكُلُهُ وَلَا يُحَرِّمُهُ وَأُكِلَ عَلَى مَائِدَتِهِ فَدَلَّ عَلَى الْإِبَاحَةِ وَتَكُونُ الْكَرَاهَةُ لِلتَّنْزِيهِ في حق من يتقذره وَتُحْمَلُ أَحَادِيثُ الْإِبَاحَةِ عَلَى مَنْ لَا يَتَقَذَّرُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يُكْرَهُ مُطْلَقًا انتهى (ويروى عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ أُكِلَ الضَّبُّ إِلَخْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الضَّبُعِ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ كفتار وبالهندية بجو بكسر الجيم الْمُوَحَّدَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ الْمُشَدَّدَةِ كَمَا فِي نَفَائِسِ اللُّغَاتِ وَمَخْزَنِ الْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِهِمَا وَقِيلَ هُوَ بِالْهِنْدِيَّةِ هندار كَمَا فِي غِيَاثِ اللُّغَاتِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الضَّبُعَ مَعْرُوفٌ بِنَبْشِ الْقُبُورِ وَالْحَيَوَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بِالْهِنْدِيَّةِ هندار لَمْ يُعْرَفُ بِنَبْشِ الْقُبُورِ قَالَ فِي النَّيْلِ وَمِنْ عَجِيبِ أَمْرِهِ أَنَّهُ يَكُونُ سَنَةً ذَكَرًا وَسَنَةً أُنْثَى فَيُلَقِّحُ فِي حَالِ الذُّكُورَةِ وَيَلِدُ فِي حَالِ الْأُنُوثَةِ وَهُوَ مُولَعٌ بِنَبْشِ الْقُبُورِ لِشَهْوَتِهِ لِلُحُومِ بَنِي آدَمَ انْتَهَى [1791] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ عُمَيْرٍ بِالتَّصْغِيرِ أَيْضًا اللَّيْثِيِّ الْمَكِّيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ اسْتُشْهِدَ غَازِيًا سنة ثلاث عشرة ومائة (عن بن أَبِي عَمَّارٍ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكِّيُّ حَلِيفُ بَنِي جُمَحٍ الْمُلَقَّبُ بِالْقَسِّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (الضَّبُعُ أَصَيْدٌ هِيَ قَالَ نَعَمْ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إِذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ (قُلْتُ آكُلُهَا) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ (قَالَ نَعَمْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الضَّبُعَ حَلَالٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أخرجه النسائي والشعبي وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي عِلَلِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ انْتَهَى وَقَالَ الحافظ في التلخيص وصححه البخاري والترمذي وبن حبان وبن خزيمة والبيهقي وأعله بن عبد البر

بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ فَوَهِمَ لِأَنَّهُ وثقه أبو زراعة وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِ أَحَدٌ ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ انْتَهَى وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى هَذَا وَلَمْ يَرَوْا بَأْسًا بِأَكْلِ الضَّبُعِ (وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا زَالَ النَّاسُ يَأْكُلُونَهَا وَيَبِيعُونَهَا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَلِأَنَّ الْعَرَبَ تَسْتَطِيبُهُ وَتَمْدَحُهُ انْتَهَى (وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَ فِي كَرَاهِيَةِ أَكْلِ الضَّبُعِ إِلَخْ) وَهُوَ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ الْآتِي بَعْدَ هَذَا (وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَكْلَ الضَّبُعِ وَهُوَ قول بن الْمُبَارَكِ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَاسْتَدَلَّ لهم بحديث خزيمة من جَزْءٍ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُمْ أَيْضًا بِأَنَّهَا سَبُعٌ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَيُجَابُ بِأَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ خَاصٌّ فَيُقَدَّمُ عَلَى حَدِيثِ كُلِّ ذِي نَابٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَكْلِ الضَّبُعِ فَرُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ الضَّبُعَ وَرُوِيَ عَنِ بن عَبَّاسٍ إِبَاحَةُ لَحْمِ الضَّبُعِ وَأَبَاحَ أَكْلَهَا عَطَاءٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَكَرِهَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَمَالِكٌ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهَا سَبُعٌ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ يَقُومُ دَلِيلُ الْخُصُوصِ فَيُنْزَعُ الشَّيْءُ مِنَ الْجُمْلَةِ وَخَبَرُ جَابِرٍ خَاصٌّ وَخَبَرُ تَحْرِيمِ السباع عام انتهى وقال بن رَسْلَانَ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ الضَّبُعَ لَيْسَ لَهَا نَابٌ وَسَمِعْتُ مَنْ يَذْكُرُ أَنَّ جَمِيعَ أَسْنَانِهَا عَظْمٌ وَاحِدٌ كَصَفِيحَةِ نَعْلِ الْفَرَسِ فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ انْتَهَى (وَحَدِيثُ بن جُرَيْجٍ) أَيِ الْمَرْفُوعُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ (أَصَحُّ) فإن بن جُرَيْجٍ قَدْ تَابَعَهُ عَلَى رَفْعِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أمية عند بن مَاجَهْ وَأَمَّا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ فَلَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَى وَقْفِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) اسمه محمد بن خاذم الضَّرِيرُ الْكُوفِيُّ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ) هُوَ الْمَكِّيُّ أَبُو إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ (عَنْ حِبَّانَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (بْنِ جَزْءٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ بَعْدَهَا زاي

ثُمَّ هَمْزَةٌ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ أخرج له الترمذي وبن مَاجَهْ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي السُّؤَالِ عَنِ الضَّبِّ وَالْأَرْنَبِ وَالضَّبُعِ وَالذِّئْبِ وَضَعَّفَ إِسْنَادَهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى (عَنْ أَخِيهِ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ) صَحَابِيٌّ لَمْ يَصِحَّ الْإِسْنَادُ إِلَيْهِ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ أَخَوَاهُ خَالِدٌ وَحِبَّانُ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَارُودِيُّ لَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُهُ لِأَنَّهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ لَمَّا ذَكَرَ حَدِيثَهُ فِي الْحَشَرَاتِ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ وَلَا أَعْلَمُ لَهُ غَيْرَهُ وَقَالَ الْأَزْدِيُّ لا يحفظ رَوَى عَنْهُ إِلَّا حِبَّانُ وَلَا يُحْفَظُ لَهُ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الضَّبُعِ فَقَالَ وَيَأْكُلُ الضَّبُعَ أَحَدٌ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ وَفِي الْمِشْكَاةِ أَوَ يَأْكُلُ الضَّبُعَ أَحَدٌ فِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ (وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَكْلِ الذِّئْبِ) بِالْهَمْزِ وَيُبْدَلُ (وَيَأْكُلُ) وَفِي الْمِشْكَاةِ أَوَ يَأْكُلُ أَيْ أَجَهِلْتَ حُكْمَهُ وَيَأْكُلُ (الذِّئْبَ أَحَدٌ فِيهِ خَيْرٌ) أَيْ صَلَاحٌ وَتَقْوَى صِفَةُ أَحَدٌ واستدل بهذا الحديث من قال بحرمته الضَّبُعِ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي إِسْمَاعِيلَ وَعَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي نَصْبِ الرَّايَةِ بَعْدَ نَقْلِ كلام الترمذي هذا وضعفه بن حزم بأن إسماعيل بن مسلم ضعيف وبن أَبِي الْمُخَارِقِ سَاقِطٌ وَحِبَّانُ بْنُ جَزْءٍ مَجْهُولٌ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْمَكِّيُّ أَبُو إِسْحَاقَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ قَالَ أَيَأْكُلُ الضَّبُعَ أحد فضعيف لاتفاقهم عَلَى ضَعْفِ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ وَالرَّاوِي عَنْهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ انْتَهَى (وَهُوَ عَبْدُ الكريم بن قيس هو بن أَبِي الْمُخَارِقِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَبُو أُمَيَّةَ الْمُعَلِّمُ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ

مَكَّةَ وَاسْمُ أَبِيهِ قَيْسٌ وَقِيلَ طَارِقٌ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَقَدْ شَارَكَ الْجَزَرِيَّ فِي بَعْضِ المشائخ فَرُبَّمَا الْتُبِسَ بِهِ عَلَى مَنْ لَا فَهْمَ لَهُ انْتَهَى (وَعَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ ثِقَةٌ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَهُوَ الْخَضْرَمِيُّ بِالْخَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةٍ مِنَ الْيَمَامَةِ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ مِنَ السَّادِسَةِ انتهى تنبيه) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ مُعْتَرِضًا عَلَى قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ مَا لَفْظُهُ وَفِيهِ أَنَّ الْحَسَنَ أَيْضًا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ اجْتِهَادَ الْمُسْتَنَدِ إِلَيْهِ سَابِقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى إسناد واحد من المحدثين ويقويه رواية بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ ذُو نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ وَمَعَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ فَالْأَحْوَطُ حُرْمَتُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الضَّبُعُ لَسْتُ آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فَيُفِيدُ مَا اخْتَارَهُ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَكْلُهُ إِذِ الْمَكْرُوهُ عِنْدَهُ مَا أَثِمَ آكِلُهُ وَلَا يُقْطَعُ بِتَحْرِيمِهِ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ أَئِمَّتِنَا أَنَّ أَكْلَهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ لَا أَنَّهُ حَرَامٌ مَحْضٌ لِعَدَمِ دَلِيلٍ قَطْعِيٍّ مَعَ اخْتِلَافٍ فِقْهِيٍّ انتهى كلام القارىء بلفظه قلت في كلام القارىء هَذَا أَوْهَامٌ وَأَغْلَاطٌ فَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الْحَسَنَ أَيْضًا يُسْتَدَلُّ بِهِ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْحَدِيثَ الْحَسَنَ يُسْتَدَلُّ بِهِ لَكِنْ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ جَزْءٍ هَذَا لَيْسَ بِحَسَنٍ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ كَمَا عَرَفْتَ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ اجْتِهَادَ الْمُسْتَنِدِ إِلَيْهِ سَابِقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إِلَخْ فَفَاسِدٌ وَقَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ فِيمَا سَبَقَ وأما قوله ويقويه رواية بن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ وَمَنْ يَأْكُلُ الضَّبُعَ فَفِيهِ أَنَّ في رواية بن ماجه أيضا عبد الكريم فكيف تقويه وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُ ذُو نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَمَمْنُوعٌ وَسَنَدُ الْمَنْعِ حَدِيثُ جَابِرٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ وَلَوْ سَلِمَ أَنَّهُ ذُو نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَحُرْمَتُهُ مَمْنُوعَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَعَ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ فِي التَّحْرِيمِ وَالْإِبَاحَةِ فَالْأَحْوَطُ حرمته ففيه أَنَّ هَذَا إِذَا كَانَ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ وَدَلِيلُ الْإِبَاحَةِ كِلَاهُمَا صَحِيحَيْنِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ ضَعِيفًا وَدَلِيلُ الْإِبَاحَةِ صَحِيحًا كَمَا فِي مَا نَحْنُ فِيهِ فَكَوْنُ الْحُرْمَةِ أَحْوَطُ مَمْنُوعٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الضَّبُعُ لَسْتُ آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ كَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا يُفِيدُ إِلَخْ فَفِيهِ وَهْمٌ فَاحِشٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْوِ الشَّيْخَانِ وَلَا غَيْرُهُمَا الضَّبُعُ لَسْتُ آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ بَلْ رَوَوْا الضَّبُّ لَسْتُ آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَالضَّبُّ غَيْرُ الضَّبُعِ قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي الْإِعْلَامِ وَأَمَّا الضَّبُعُ فَرُوِيَ عَنْهُ فِيهَا حَدِيثٌ صَحَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فَذَهَبُوا إِلَيْهِ وَجَعَلُوهُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ أَحَادِيثِ التَّحْرِيمِ كَمَا خُصِّصَتِ الْعَرَايَا لِأَحَادِيثِ الْمُزَابَنَةِ وَطَائِفَةٌ لَمْ تُصَحِّحْهُ وَحَرَّمُوا الضَّبُعَ لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ ذَاتِ الْأَنْيَابِ وَقَالُوا وَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْ أَكْلِ كُلِّ ذِي نَابٍ

مِنَ السِّبَاعِ وَصَحَّتْ صِحَّةً لَا مَطْعَنَ فِيهَا من حديث علي وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالُوا وَأَمَّا حَدِيثُ الضَّبُعِ فَتَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بن أبي عمارة وَأَحَادِيثُ تَحْرِيمِ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ كُلُّهَا تُخَالِفُهُ قَالُوا وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ رَفَعَ الْأَكْلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَكُونَ إِنَّمَا رَفَعَ إِلَيْهِ كَوْنَهَا صَيْدًا فَقَطْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهَا صيدا جواز أكلها فظن جَابِرٌ أَنَّ كَوْنَهَا صَيْدًا يَدُلُّ عَلَى أَكْلِهَا فأفتى به من قوله ورفع النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ مَا سَمِعَهُ مِنْ كَوْنِهَا صَيْدًا فَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عُمَارَةَ قَالَ قُلْتُ لِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ آكُلُ الضَّبُعَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَصَيْدٌ هِيَ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَسَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَعَمْ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ هُوَ كَوْنُهَا صَيْدًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ جَرِيرَ بْنَ حَازِمٍ قَالَ عَنْ عُبَيْدِ بن عمير عن بن أَبِي عُمَارَةَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الضَّبُعِ فَقَالَ هِيَ صَيْدٌ وَفِيهَا كَبْشٌ قَالُوا وَكَذَلِكَ حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جابر يرفعه الضَّبُعُ صَيْدٌ إِذَا أَصَابَهُ الْمُحْرِمُ فَفِيهِ جَزَاءً كَبْشٌ مُسِنٌّ وَيُؤْكَلُ قَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ وَيُؤْكَلُ يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ وَالرَّفْعَ وَإِذَا احْتَمَلَ ذَلِكَ لَمْ يُعَارَضْ بِهِ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الصَّرِيحَةَ الَّتِي تَبْلُغُ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ فِي التَّحْرِيمِ قَالُوا وَلَوْ كَانَ حَدِيثُ جَابِرٍ صَرِيحًا فِي الْإِبَاحَةِ لَكَانَ فَرْدًا وَأَحَادِيثُ تَحْرِيمِ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ مُسْتَفِيضَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ ادَّعَى الطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُ تَوَاتُرَهَا فَلَا يُقَدَّمُ حَدِيثُ جَابِرٍ عَلَيْهَا قَالُوا وَالضَّبُعُ مِنْ أَخْبَثِ الْحَيَوَانِ وَأَشْرَهِهِ وَهُوَ مُغْرًى بِأَكْلِ لُحُومِ النَّاسِ وَنَبْشِ قُبُورِ الْأَمْوَاتِ وَإِخْرَاجِهِمْ وَأَكْلِهِمْ وَيَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَكْسِرُ بِنَابِهِ قَالُوا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْنَا الْخَبَائِثَ وَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَوَاتَ الْأَنْيَابِ وَالضَّبُعُ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا وَهَذَا قَالُوا وَغَايَةُ حَدِيثِ جَابِرٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا صَيْدٌ يُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَكْلُهَا وَقَدْ قَالَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي الْإِمَامَ أَحْمَدَ عَنْ مُحْرِمٍ قَتَلَ ثَعْلَبًا فَقَالَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ هِيَ صَيْدٌ وَلَكِنْ لَا يُؤْكَلُ وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنِ الثَّعْلَبِ فَقَالَ الثَّعْلَبُ سَبُعٌ فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ سَبُعٌ وَأَنَّهُ يُفْدَى فِي الْإِحْرَامِ وَلَمَّا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الضَّبُعِ كَبْشًا ظَنَّ جَابِرٌ أَنَّهُ يُؤْكَلُ فَأَفْتَى بِهِ

باب ما جاء في أكل لحوم الخيل

وَاَلَّذِينَ صَحَّحُوا الْحَدِيثَ جَعَلُوهُ مُخَصِّصًا لِعُمُومِ تَحْرِيمِ ذِي النَّابِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَهُمَا حَتَّى قَالُوا وَيَحْرُمُ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ إِلَّا الضَّبُعَ وَهَذَا لَا يَقَعُ مِثْلُهُ فِي الشَّرِيعَةِ أَنْ يُخَصِّصَ مَثَلًا عَلَى مَثَلٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مِنْ غَيْرِ فُرْقَانٍ بَيْنَهُمَا وَبِحَمْدِ اللَّهِ إِلَى سَاعَتِي هَذِهِ مَا رَأَيْتُ فِي الشَّرِيعَةِ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ أَعْنِي شَرِيعَةَ التَّنْزِيلِ لَا شَرِيعَةَ التَّأْوِيلِ وَمَنْ تَأَمَّلَ أَلْفَاظَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَرِيمَةَ تَبَيَّنَ لَهُ انْدِفَاعُ هَذَا السُّؤَالِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا حَرَّمَ مَا اشْتَمَلَ عَلَى الْوَصْفَيْنِ أَنْ يَكُونَ لَهُ نَابٌ وَأَنْ يَكُونَ مِنَ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ بِطَبْعِهَا كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ وَأَمَّا الضَّبُعُ فَإِنَّمَا فِيهَا أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ وَهُوَ كَوْنُهَا ذَاتَ نَابٍ وَلَيْسَتْ مِنَ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ السِّبَاعَ أَخَصُّ مِنْ ذَوَاتِ الْأَنْيَابِ وَالسَّبُعُ إِنَّمَا حُرِّمَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْقُوَّةِ السَّبُعِيَّةِ الَّتِي تُورِثُ الْمُغْتَذِيَ بِهَا شَبَهَهَا فَإِنَّ الْغَاذِيَ شَبِيهٌ بِالْمُغَذِّي وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْقُوَّةَ السَّبُعِيَّةَ الَّتِي فِي الذِّئْبِ وَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالْفَهْدِ لَيْسَتْ فِي الضَّبُعِ حَتَّى تَجِبَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي التَّحْرِيمِ وَلَا تُعَدُّ الضَّبُعُ مِنَ السِّبَاعِ لُغَةً وَعُرْفًا انْتَهَى مَا فِي الْإِعْلَامِ قُلْتُ فِي أَقْوَالِ الْمُحَرِّمِينَ التي نقلها الحافظ بن الْقَيِّمِ خَدَشَاتٌ أَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ حَدِيثَ الضَّبُعِ انْفَرَدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ فَفِيهِ أَنَّهُ ثِقَةٌ وَلَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ قَالَ الحافظ في التلخيص وأعله بن عَبْدِ الْبَرِّ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ فَوَهِمَ لِأَنَّهُ وَثَّقَهُ أَبُو زُرْعَةَ وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يتكلم فيه أحذ ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ وَرَدَ فِي حِلِّ الضَّبُعِ أَحَادِيثُ لَا بَأْسَ بِهَا انْتَهَى وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَفْظُ الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ جَابِرٌ رَفَعَ الْأَكْلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْ يَكُونَ إِنَّمَا رَفَعَ إِلَيْهِ كَوْنَهَا صَيْدًا فَقَطْ فَفِيهِ أَنَّ ظَاهِرَ لَفْظِ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ رَفَعَ الْأَكْلَ وَكَوْنَهَا صَيْدًا كِلَيْهِمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ بِلَفْظِ سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الضَّبُعِ فَقَالَ حَلَالٌ فَقُلْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال نَعَمْ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ وَالضَّبُعُ لَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا وَهَذَا فَفِيهِ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ الْمَذْكُورَ صَحِيحٌ ثَابِتٌ قَابِلٌ لِلِاحْتِجَاجِ فَخُرُوجُ الضَّبُعِ عَنْ هَذَا وَهَذَا ظَاهِرٌ وَلِلْفَرِيقَيْنِ مَقَالَاتٌ أُخْرَى فِي ذِكْرِهَا طُولٌ (بَاب مَا جَاءَ فِي أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ) [1793] قَوْلُهُ (قَالَا حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ بن عيينة

قَوْلُهُ (أَطْعَمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْخَيْلِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ رَخَّصَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَذِنَ بدل رخص وفي حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَمَرَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى كَرَاهَةِ أَكْلِ الْخَيْلِ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ وَغَيْرُهُمَا وَاحْتَجُّوا بِالْأَخْبَارِ الْمُتَوَاتِرَةِ فِي حِلِّهَا وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مَأْخُوذًا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ لَمَا كَانَ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَرْقٌ وَلَكِنِ الْآثَارُ إِذَا صَحَّتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاتَرَتْ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهَا مِنَ النَّظَرِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا قَدْ أَخْبَرَ جَابِرٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاحَ لَهُمْ لُحُومَ الْخَيْلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي مَنَعَهُمْ فِيهِ مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى اخْتِلَافِ حُكْمِهَا انْتَهَى كَلَامُ الطَّحَاوِيِّ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْقَوْلَ بِحِلِّ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ مِنْ دُونِ كَرَاهَةٍ هُوَ الْحَقُّ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ الَّتِي هِيَ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي الْحِلِّ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَدْ نَقَلَ الْحِلَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ عَنِ الصَّحَابَةِ من غير استثناء أحد فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ لَمْ يَزَلْ سَلَفُكَ يَأْكُلُونَهُ قال بن جُرَيْجٍ قُلْتُ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ نَعَمْ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إِبَاحَةِ لُحُومِ الْخَيْلِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَفَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَعَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وعطاء وشريح وسعد بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ سَلْمَانَ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُدُ وَجَمَاهِيرُ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرُهُمْ وَكَرِهَهَا طَائِفَةٌ مِنْهُمُ بن عَبَّاسٍ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْثَمُ بِأَكْلِهِ وَلَا يُسَمَّى حَرَامًا انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ وَصَحَّ الْكَرَاهَةُ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَمَالِكٍ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ التَّحْرِيمُ وَقَالَ الْفَاكِهِيُّ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الْكَرَاهَةُ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمُ التَّحْرِيمُ انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ لُحُومِ الْخَيْلِ قِيلَ الْكَرَاهَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَبُو مَعِينٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ وَأَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً خَرَجَ مَخْرَجَ الِامْتِنَانِ وَالْأَكْلُ مِنْ أَعْلَى مَنَافِعِهَا وَالْحَكِيمُ لَا يَتْرُكُ الِامْتِنَانَ بِأَعْلَى النِّعَمِ وَيَمْتَنُّ بِأَدْنَاهَا قَالَ وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِحَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَالطَّحَاوِيُّ وَلَمَّا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ سَكَتَ عَنْهُ فَسُكُوتُهُ دَلَالَةُ رِضَاهُ بِهِ وَيُعَارِضُ حَدِيثَ جَابِرٍ وَالتَّرْجِيحُ لِلْمُحَرِّمِ انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِثْلُ هَذَا وَقَالَ سَنَدُ حَدِيثِ خَالِدٍ جَيِّدٌ وَلِهَذَا لَمَّا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ انْتَهَى

قُلْتُ قَوْلُ الْعَيْنِيِّ سَنَدُ حَدِيثِ خَالِدٍ جَيِّدٌ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَلَيْسَ مِمَّا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ فَإِنَّ مَدَارَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بن المقدام بن معد يكرب وَصَالِحٌ هَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ كَمَا في تهذيب التهذيب وقال بن الْهُمَامِ فِي التَّحْرِيرِ إِذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ لِلرَّجُلِ فِيهِ نَظَرٌ فَحَدِيثُهُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَلَا يُسْتَشْهَدُ بِهِ وَلَا يَصِحُّ لِلِاعْتِبَارِ انْتَهَى فَحَدِيثُ خَالِدٍ هَذَا لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَلَا لِلِاسْتِشْهَادِ وَلَا لِلِاعْتِبَارِ وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ والدّارَقُطْنِيُّ والخطابي وبن عَبْدِ الْبَرِّ وَعَبْدُ الْحَقِّ وَآخَرُونَ فَلَا يَصْلُحُ لِمُعَارِضَةِ حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَإِنْ قُلْتَ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَصَالِحٌ هَذَا وَثَّقَهُ بن حِبَّانَ وَحَدِيثُهُ حَسَنٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَحَّتِ الْمُعَارَضَةُ فَإِذَا تَعَارَضَا يُرَجَّحُ المحرم قلت توثيق بن حِبَّانَ صَالِحًا هَذَا وَسُكُوتُ أَبِي دَاوُدَ عَلَى حَدِيثِهِ لَا يَزِنُ بِشَيْءٍ فِي جَنْبِ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ نَظَرٌ وَتَضْعِيفِ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورِينَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْكُتْ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَلْ قَالَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا مَنْسُوخٌ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ صَالِحُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ بْنِ معد يكرب الْكِنْدِيُّ الشَّامِيُّ عَنْ أَبِيهِ فِيهِ نَظَرٌ وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَأَمَّا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَفِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ وَصَالِحُ بْنُ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضِهِمْ وَقَالَ مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْحَافِظُ لَا يُعْرَفُ صَالِحُ بْنُ يَحْيَى وَلَا أَبُوهُ إِلَّا بِجَدِّهِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا هَذَا إِسْنَادٌ مُضْطَرِبٌ وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ لَا يَصِحُّ هَذَا لِأَنَّ خَالِدًا أَسْلَمَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ خَالِدٌ لَمْ يَشْهَدْ خَيْبَرَ وَكَذَلِكَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يَشْهَدْ خَيْبَرَ إِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ وَلَا يَصِحُّ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مَشْهَدٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ إِسْنَادُهُ مُضْطَرِبٌ وَمَعَ اضْطِرَابِهِ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ الثِّقَاتِ انْتَهَى (وَنَهَانَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ) أَيِ الْأَهْلِيَّةِ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَتْ ذَبَحْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ فَأَكَلْنَاهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وفي الباب أيضا عن بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ وَلَفْظُهُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَمَرَ بِلُحُومِ الْخَيْلِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ

باب ما جاء في لحوم الحمر الأهلية

قَوْلُهُ (وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ) بِإِدْخَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بَيْنَ عَمْرٍو وَجَابِرٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ الْبَاقِرُ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَخْرَجَهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهَا النَّسَائِيُّ وَقَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وافق حمادا على ذلك (ورواية بن عُيَيْنَةَ أَصَحُّ وَسَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَحْفَظُ مِنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ) لَكِنِ اقْتَصَرَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَلَى تَخْرِيجِ طَرِيقِ حَمَّادِ بن زيد وقد وافقه بن جُرَيْجٍ عَنْ عُمَرَ وَعَلَى إِدْخَالِ الْوَاسِطَةِ بَيْنَ عَمْرٍو وَجَابِرٍ لَكِنَّهُ لَمْ يُسَمِّهِ أَخْرَجَهُ أَبُو داود من طريق بن جُرَيْجٍ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ أَخْرَجَهَا مسلم من طريق بن جُرَيْجٍ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ صَحِيحًا عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا وَأَغْرَبَ الْبَيْهَقِيُّ فَجَزَمَ بِأَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ وَاسْتَغْرَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ دَعْوَى التِّرْمِذِيِّ أَنَّ رواية بن عُيَيْنَةَ أَصَحُّ مَعَ إِشَارَةِ الْبَيْهَقِيِّ إِلَى أَنَّهَا مُنْقَطِعَةٌ وَهُوَ ذُهُولٌ فَإِنَّ كَلَامَ التِّرْمِذِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَحَّ عِنْدَهُ اتِّصَالُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ دَعْوَى الْبَيْهَقِيِّ انْقِطَاعَهُ كَوْنُ التِّرْمِذِيِّ يَقُولُ بِذَلِكَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ إِنْ وُجِدَتْ رِوَايَةٌ فِيهَا تَصْرِيحُ عُمَرَ بِالسَّمَاعِ مِنْ جَابِرٍ فَتَكُونُ رِوَايَةُ حماد بن الْمَزِيدِ فِي مُتَّصِلِ الْأَسَانِيدِ وَإِلَّا فَرِوَايَةُ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ هِيَ الْمُتَّصِلَةُ وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ التَّعَارُضِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَلِلْحَدِيثِ طُرُقٌ أُخْرَى عَنْ جَابِرٍ غَيْرُ هَذِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَهُ الْحَافِظُ (بَاب مَا جَاءَ فِي لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) أَيْ غَيْرِ الْوَحْشِيَّةِ وَيُقَالُ لَهَا الْحُمُرُ الْإِنْسِيَّةُ وَالْأَنَسِيَّةُ [1794] قَوْلُهُ (عَنْ عبد الله والحسن بن محمد بن علي) أي بن أَبِي طَالِبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ هَذَا هُوَ الَّذِي يُعْرَفُ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ يكنى بأبي هاشم وثقه بن سَعْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وَالْعِجْلِيُّ وَابْنُهُ

الْحَسَنُ يُكْنَى بِأَبِي مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ فَقِيهٌ (عَنْ أَبِيهِمَا) أَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ الْهَاشِمِيِّ أَبِي الْقَاسِمِ ثِقَةٌ عَالِمٌ مِنْ كبار التابعين (عن علي) أي بن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عن مُتْعَةِ النِّسَاءِ) يَعْنِي نِكَاحَ الْمُتْعَةِ وَهُوَ تَزْوِيجَ الْمَرْأَةِ إِلَى أَجَلٍ فَإِذَا انْقَضَى وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ (زَمَنَ خَيْبَرَ) قَدْ أُبِيحَتْ مُتْعَةُ النِّكَاحِ مِرَارًا ثُمَّ حُرِّمَتْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ (وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى حُرْمَةِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَيُؤْخَذُ مِنَ التَّقْيِيدِ بِالْأَهْلِيَّةِ جَوَازُ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ صَرِيحًا فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ فِي الْحَجِّ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بَيَانُ عِلَّةِ الْحُرْمَةِ فَفِيهِ أَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْوَحْشِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ بِتَحْرِيمِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصحابة فمن بعدهم ولم نجد أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لَهُمْ إلا عن بن عَبَّاسٍ وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ ثَالِثُهَا الْكَرَاهَةُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ غالب بن الحر قَالَ أَصَابَتْنَا سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي ما أطعم أهلي إلا سمان حمر فَأَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ إِنَّك حَرَّمْتَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَقَدْ أَصَابَتْنَا سَنَةٌ قَالَ أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حمرك فإنما حرمتها من أجل حوالي الْقَرْيَةِ يَعْنِي الْجَلَّالَةَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَالْمَتْنُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أُمِّ نَصْرٍ الْمُحَارِبِيَّةِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ أَلَيْسَ تَرْعَى الْكَلَأَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فأصب من لحومها وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مَنْ طَرِيقِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُرَّةَ قَالَ سَأَلْتُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ فَفِي السَّنَدَيْنِ مَقَالٌ وَلَوْ ثَبَتَ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي بَابِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ مِنْ أَبْوَابِ النِّكَاحِ قَوْلُهُ (قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ أَرْضَاهُمَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ) وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ بِلَفْظِ وَكَانَ الْحَسَنُ أَوْثَقَهُمَا (وَقَالَ غَيْرُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ بن عُيَيْنَةَ وَكَانَ أَرْضَاهُمَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ

مُحَمَّدٍ) كَذَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَلِأَحْمَدَ عَنْ سُفْيَانَ وَكَانَ الْحَسَنُ أَرْضَاهُمَا إِلَى أَنْفُسِنَا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَتْبَعُ السَّبَئِيَّةَ انْتَهَى وَالسَّبَئِيَّةُ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ يُنْسَبُونَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَأٍ وَهُوَ مِنْ رُؤَسَاءِ الرَّوَافِضِ وكَانَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عبيد على رأيه ولما غالب عَلَى الْكُوفَةِ وَتَتَبَّعَ قَتَلَةَ الْحُسَيْنِ فَقَتَلَهُمْ أَحَبَّتْهُ الشيعة ثم فارق أَكْثَرُهُمْ لِمَا ظَهَرَ مِنْهُ مِنَ الْأَكَاذِيبِ وكَانَ مِنْ رَأْيِ السَّبَئِيَّةِ مُوَالَاةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَكَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْمَهْدِيُّ وَأَنَّهُ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَخْرُجَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ ومِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِمَوْتِهِ وَزَعَمَ أَنَّ الْأَمْرَ بَعْدَهُ صَارَ إِلَى ابْنِهِ أَبِي هَاشِمٍ هَذَا ومَاتَ أَبُو هَاشِمٍ فِي آخِرِ وِلَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ قَالَهُ الْحَافِظُ [1795] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ) بْنِ الْوَلِيدِ الْجُعْفِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ المقرئ ثقة عابد سَنَةَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ وَمِائَتَيْنِ وَلَهُ أَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً قَالَ مُوسَى بْنُ داود كنت عند بن عُيَيْنَةَ فَجَاءَ حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ فَقَامَ سُفْيَانُ فَقَبَّلَ يَدَهُ وَكَانَ زَائِدَةُ يَخْتَلِفُ إِلَيْهِ إِلَى مَنْزِلِهِ يُحَدِّثُهُ فَكَانَ أَرْوَى النَّاسِ عَنْهُ وَكَانَ الثَّوْرِيُّ إذا رآه عانقه وقال (هذا واهب الجعفي عن زائدة) هو بن قُدَامَةَ قَوْلُهُ (حَرَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَرَادَ بِكُلِّ ذِي نَابٍ مَا يَعْدُو بِنَابِهِ عَلَى النَّاسِ وَأَمْوَالِهِمْ كَالذِّئْبِ وَالْأَسَدِ وَالْكَلْبِ وَنَحْوِهَا (وَالْمُجَثَّمَةَ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هِيَ كُلُّ حَيَوَانٍ يُنْصَبُ وَيُرْمَى لِيُقْتَلَ إِلَّا أَنَّهَا تَكْثُرُ فِي الطَّيْرِ وَالْأَرَانِبِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا يَجْثُمُ فِي الْأَرْضِ أَيْ يَلْزَمُهَا وَيَلْتَصِقُ بِهَا وَجَثَمَ الطَّائِرُ جُثُومًا وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبُرُوكِ لِلْإِبِلِ انْتَهَى (وَالْحِمَارَ الْإِنْسِيَّ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْإِنْسِ وَيُقَالُ فِيهِ الْأَنَسِيُّ بِفَتْحَتَيْنِ وَقَدْ صَرَّحَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَّ الْأَنَسَ بِفَتْحَتَيْنِ ضِدُّ الْوَحْشَةِ وَالْمُرَادُ بِالْحِمَارِ الْإِنْسِيِّ الْحِمَارُ الْأَهْلِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن علي وجابر والبراء وبن أَبِي أَوْفَى وَأَنَسٍ وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ وَأَبِي ثعلبة وبن عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَشَارَ إِلَى غَيْرِ حَدِيثِهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن أبي أوفى أخرجه أَيْضًا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ

باب ما جاء في الأكل في آنية الكفار

فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ أَكْلِ الْمَصْبُورَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا ذَكَرُوا حَرْفًا وَاحِدًا) أَيْ جُمْلَةً وَاحِدَةً (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ حَرْفًا وَاحِدًا يَعْنِي اقْتَصَرُوا عَلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَلَمْ يَذْكُرُوا النَّهْيَ عَنِ الْمُجَثَّمَةِ وَالْحِمَارِ الْإِنْسِيِّ (بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَكْلِ فِي آنِيَةِ الْكُفَّارِ) [1796] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ) بِمُعْجَمَتَيْنِ (الطَّائِيُّ) النَّبْهَانِيُّ أَبُو طَالِبٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ الشَّعِيرِيُّ أَبُو قُتَيْبَةَ الخرساني نَزِيلُ الْبَصْرَةِ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ مُسْلِمُ بْنُ قُتَيْبَةَ بِالْمِيمِ وَهُوَ غَلَطٌ (عَنْ أَبِي قِلَابَةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أَبُو قِلَابَةَ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ انْتَهَى فَفِي هَذَا الْإِسْنَادِ انْقِطَاعٌ (عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ) الْخُشَنِيِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا قَوْلُهُ (سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قُدُورِ الْمَجُوسِ) الْقُدُورُ جَمْعُ قِدْرٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقِدْرُ بِالْكَسْرِ مَعْرُوفٌ وقال في الصراح قدر بالكسر ديك وَهِيَ مُؤَنَّثٌ وَتَصْغِيرُهَا قُدَيْرٌ بِغَيْرِ هَاءٍ عَلَى خِلَافِ قِيَاسٍ انْتَهَى (أَنْقُوهَا) مِنَ الْإِنْقَاءِ (غَسْلًا) أَيْ بِالْغَسْلِ (وَاطْبُخُوا) الطَّبْخُ الْإِنْضَاجُ اشْتِوَاءً وَاقْتِدَارًا طَبَخَ كَنَصَرَ وَمَنَعَ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ (فِيهَا) أَيْ فِي قُدُورِ الْمَجُوسِ

اعْلَمْ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رح عَقَدَ بَابًا بِلَفْظِ بَابُ آنِيَةِ الْمَجُوسِ وَالْمَيْتَةِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَفِيهِ أَمَّا مَا ذَكَرْتُ أَنَّكُمْ بِأَرْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا تَأْكُلُوا فِي آنِيَتِهِمْ إِلَّا أَنْ لَا تَجِدُوا بُدًّا فَإِنْ لَمْ تجدوا فاغسلوا وكلوا قال الحافظ قال بن التِّينِ كَذَا تَرْجَمَ وَأَتَى بِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَفِيهِ ذِكْرُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلَعَلَّهُ يَرَى أَنَّهُمْ أهل كتاب وقال بن الْمُنِيرِ تُرْجِمَ لِلْمَجُوسِ وَالْأَحَادِيثُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْمَحْذُورَ مِنْ ذَلِكَ وَاحِدٌ وَهُوَ عَدَمُ تَوَقِّيهِمُ النَّجَاسَاتِ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ أو حكمه على أحدها بِالْقِيَاسِ عَلَى الْآخَرِ وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَجُوسَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ قَالَ الْحَافِظُ وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مَنْصُوصًا عَلَى الْمَجُوسِ فَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قُدُورِ الْمَجُوسِ فَقَالَ أَنْقُوهَا غَسْلًا وَاطْبُخُوا فِيهَا وَفِي لَفْظٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أبي ثعلبة قلت إنا نمر بهذا اليهود وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ فَلَا نَجِدُ غَيْرَ آنِيَتِهِمُ الْحَدِيثَ وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ يُكْثِرُ مِنْهَا الْبُخَارِيُّ فَمَا كَانَ فِي سَنَدِهِ مَقَالٌ يُتَرْجِمُ بِهِ ثُمَّ يُورِدُ فِي الْبَابِ مَا يُؤْخَذُ الْحُكْمُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاقِ وَنَحْوِهِ وَالْحُكْمُ فِي آنِيَةِ الْمَجُوسِ لَا يَخْتَلِفُ مَعَ الْحُكْمِ فِي آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ إِنْ كَانَتْ لِكَوْنِهِمْ تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ كَأَهْلِ الْكِتَابِ فَلَا إِشْكَالَ أَوْ لَا تَحِلُّ فَتَكُونُ الْآنِيَةُ الَّتِي يَطْبُخُونَ فِيهَا ذَبَائِحَهُمْ وَيَغْرِفُونَ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِمُلَاقَاةِ الْمَيْتَةِ فَأَهْلُ الْكِتَابِ كَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ لَا يَتَدَيَّنُونَ بِاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَبِأَنَّهُمْ يَطْبُخُونَ فِيهَا الْخِنْزِيرَ وَيَضَعُونَ فِيهَا الْخَمْرَ وَغَيْرَهَا وَيُؤَيِّدُ الثَّانِي مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَزَّارُ عَنْ جَابِرٍ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَةِ الْمُشْرِكِينَ فَنَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْنَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ فَنَغْسِلُهَا وَنَأْكُلُ فِيهَا انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ قَدْ يُقَالُ هَذَا الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِمَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ إِذَا غُسِلَتْ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا بَعْدَ الْغَسْلِ سَوَاءٌ وُجِدَ غَيْرُهَا أَمْ لَا وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ اسْتِعْمَالِهَا إِنْ وُجِدَ غَيْرُهَا وَلَا يَكْفِي غَسْلُهَا فِي نَفْيِ الْكَرَاهَةِ وَإِنَّمَا يَغْسِلُهَا وَيَسْتَعْمِلُهَا إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنِ الْأَكْلِ فِي آنِيَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَطْبُخُونَ فِيهَا لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَيَشْرَبُونَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَإِنَّمَا نَهَى عَنِ الْأَكْلِ فِيهَا بَعْدَ الْغَسْلِ لِلِاسْتِقْذَارِ وَكَوْنِهَا مُعْتَادَةً لِلنَّجَاسَةِ كَمَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ فِي الْمُحَجَّمَةِ الْمَغْسُولَةِ وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَمُرَادُهُمْ مُطْلَقُ آنِيَةِ الْكُفَّارِ الَّتِي لَيْسَتْ مُسْتَعْمَلَةً فِي النَّجَاسَاتِ فَهَذِهِ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُهَا قَبْلَ غَسْلِهَا فَإِذَا غُسِلَ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا اسْتِقْذَارٌ وَلَمْ يُرِيدُوا نَفْيَ الْكَرَاهَةِ عَنْ آنِيَتِهِمُ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْخِنْزِيرِ وَغَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ في الفتح ومشى بن حَزْمٍ عَلَى ظَاهِرِيَّتِهِ فَقَالَ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَجِدَ غَيْرَهُ وَالثَّانِي غَسْلُهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ أَمْرَهُ بِالْغَسْلِ عِنْدَ فَقْدِ غَيْرِهَا دَالٌّ عَلَى طَهَارَتِهَا بِالْغَسْلِ وَالْأَمْرُ بِاجْتِنَابِهَا عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهَا لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهَا كَمَا فِي حَدِيثِ سَلَمَةَ الْآتِي بَعْدُ فِي الْأَمْرِ بِكَسْرِ الْقُدُورِ التي

طُبِخَتْ فِيهَا الْمَيْتَةُ فَقَالَ رَجُلٌ أَوْ نَغْسِلُهَا فَقَالَ أَوْ ذَاكَ فَأَمَرَ بِالْكَسْرِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهَا ثُمَّ أَذِنَ فِي الْغَسْلِ تَرْخِيصًا فَكَذَلِكَ يُتَّجَهُ هَذَا هُنَا انْتَهَى (وَنَهَى عَنْ كُلِّ سَبُعٍ ذِي نَابٍ) النَّابُ السِّنُّ الَّذِي خلف الرباعية جمعه أنياب قال بن سِينَا لَا يَجْتَمِعُ فِي حَيَوَانٍ وَاحِدٍ قَرْنٌ وَنَابٌ مَعًا وَذُو النَّابِ مِنَ السِّبَاعِ كَالْأَسَدِ والذئب والنمر والفيل والقرد وكل ماله نَابٌ يَتَقَوَّى بِهِ وَيَصْطَادُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ يَفْتَرِسُ الْحَيَوَانَ وَيَأْكُلُ قَسْرًا كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَنَحْوِهَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ السَّبُعُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا الْمُفْتَرِسُ مِنَ الْحَيَوَانِ انْتَهَى وَوَقَعَ الْخِلَافُ فِي جِنْسِ السِّبَاعِ الْمُحَرَّمَةِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كُلُّ مَا أَكَلَ اللَّحْمَ فَهُوَ سَبُعٌ حَتَّى الْفِيلُ وَالضَّبُّ وَالْيَرْبُوعُ وَالسِّنَّوْرُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَحْرُمُ مِنَ السِّبَاعِ مَا يَعْدُو عَلَى النَّاسِ كَالْأَسَدِ وَالذِّئْبِ وَالنَّمِرِ وَأَمَّا الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ فَيَحِلَّانِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْدُوَانِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ) أَيْ بِزِيَادَةِ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ بَيْنَ أَبِي قِلَابَةَ وَأَبِي ثَعْلَبَةَ فَهَذَا الْإِسْنَادُ مُتَّصِلٌ [1797] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَيْشِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُبَيْدُ اللَّهِ بن محمد بن عَائِشَةَ اسْمُ جَدِّهِ حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ التَّيْمِيُّ وقيل له بن عَائِشَةَ وَالْعَائِشِيُّ وَالْعَيْشِيُّ نِسْبَةً إِلَى عَائِشَةَ بِنْتِ طَلْحَةَ لِأَنَّهُ مِنْ ذُرِّيَّتِهَا ثِقَةٌ جَوَادٌ رُمِيَ بِالْقَدَرِ وَلَمْ يَثْبُتْ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ محمد القرشي بزيادة لفظ بن الْقُرَشِيِّ مَكَانَ الْعَيْشِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ قَوْلُهُ (فَارْحَضُوهَا) أَيِّ اغْسِلُوهَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَحَضَهُ كَمَنَعَهُ غَسَلَهُ كَأَرْحَضَهُ انْتَهَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا مِنْ حَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمُ الْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمُ الْخَمْرَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهَا إِلَّا بَعْدَ الْغَسْلِ وَالتَّنْظِيفِ فَأَمَّا

باب ما جاء في الفأرة تموت في السمن

ثِيَابُهُمْ وَمِيَاهُهُمْ فَإِنَّهَا عَلَى الطَّهَارَةِ كَمِيَاهِ الْمُسْلِمِينَ وَثِيَابِهِمْ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا مِنْ قَوْمٍ لَا يَتَحَاشَوْنَ النَّجَاسَاتِ أَوْ كَانَ مِنْ عَادَاتِهِمُ اسْتِعْمَالُ الْأَبْوَالِ فِي طَهُورِهِمْ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَ ثِيَابِهِمْ غَيْرُ جَائِزٍ إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهَا لَمْ يُصِبْهَا شَيْءٌ مِنَ النَّجَاسَاتِ انْتَهَى (إِنَّا بِأَرْضِ صَيْدٍ) الْإِضَافَةُ لِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ أَيْ بِأَرْضٍ يُوجَدُ فِيهَا الصَّيْدُ أَوْ يَصِيدُ أَهْلُهَا (إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُكَلَّبَ) أَيِ الْمُعَلَّمَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُكَلَّبُ الْمُسَلَّطُ عَلَى الصَّيْدِ الْمُعَوَّدُ بِالِاصْطِيَادِ الَّذِي قَدْ ضَرِيَ بِهِ انْتَهَى (فَذُكِّيَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّذْكِيَةِ أَيْ ذُبِحَ) قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (باب ما جاء في الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ) [1798] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الْمَخْزُومِيُّ (وَأَبُو عَمَّارٍ) اسْمُهُ حُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ الْخُزَاعِيُّ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هو بن عُيَيْنَةَ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَوْلُهُ (أَنَّ فَأْرَةً وَقَعَتْ فِي سَمْنٍ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكٍ فِي سَمْنٍ جَامِدٍ (فَمَاتَتْ) أَيْ فِيهِ (فَسُئِلَ عَنْهَا) أَيْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى مَوْتِهَا (فَقَالَ أَلْقُوهَا) أَيْ أَخْرِجُوا الْفَأْرَةَ وَاطْرَحُوهَا (وَمَا حَوْلَهَا) أَيْ كَذَلِكَ إِذَا كَانَ جَامِدًا (فَكُلُوهُ) أَيِ السَّمْنَ يَعْنِي بَاقِيَهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْمَاءِ مِنَ الْمَائِعَاتِ إِذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ يَنْجُسُ قَلَّ ذَلِكَ الْمَائِعُ أَوْ كَثُرَ بِخِلَافِ الْمَاءِ حَيْثُ لَا يَنْجُسُ عِنْدَ الْكَثْرَةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّجَاسَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الزَّيْتَ إِذَا مَاتَ فِيهِ فَأْرَةٌ أَوْ وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَنْجُسُ وَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَكَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ

باب ما جاء في النهي عن الأكل والشرب بالشمال

لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا تَقْرَبُوهُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِالِاسْتِصْبَاحِ وَتَدْهِينِ السُّفُنِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ (فَلَا تَقْرَبُوهُ) أَكْلًا وَطُعْمًا لَا انْتِفَاعًا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ تمسك بن الْعَرَبِيِّ بِقَوْلِهِ وَمَا حَوْلَهَا عَلَى أَنَّهُ كَانَ جَامِدًا قَالَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَائِعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَوْلٌ لِأَنَّهُ لَوْ نُقِلَ مِنْ أي جانب منها نُقِلَ لَخَلَفَهُ غَيْرُهُ فِي الْحَالِ فَيَصِيرُ مِمَّا حَوْلَهَا فَيُحْتَاجُ إِلَى إِلْقَائِهِ كُلِّهِ كَذَا قَالَ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَمَرَ أَنْ يُقَوِّرَ مَا حَوْلَهَا فَيَرْمِيَ بِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا أَظْهَرُ فِي كَوْنِهِ جَامِدًا مِنْ قَوْلِهِ وَمَا حَوْلَهَا فَيُقَوِّي مَا تَمَسَّكَ بِهِ بن الْعَرَبِيِّ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِذَا وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وأبو داود والنسائي (وحديث بن عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَصَحُّ إِلَخْ) قَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ مَا يَقَعُ مِنَ النَّجَاسَاتِ فِي السَّمْنِ وَالْمَاءِ مِنْ كِتَابِ الوضوء وجه كون حديث بن عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَصَحَّ وَكَذَا ذَكَرَ فِيهِ أَيْضًا وَجْهَ كَوْنِ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خَطَأً فَمَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالشِّمَالِ) [1799] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ) هُوَ الْهَمْدَانِيُّ أَبُو هِشَامٍ الْكُوفِيُّ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ ثِقَةٌ مِنَ الرابعة

قَوْلُهُ (لَا يَأْكُلُ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ وَلَا يَشْرَبُ بِشِمَالِهِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِيهِ النَّهْيُ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالشِّمَالِ وَالنَّهْيُ حَقِيقَةٌ فِي التَّحْرِيمِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَلَا يَكُونُ لِمُجَرَّدِ الْكَرَاهَةِ فَقَطْ إِلَّا مَجَازًا مَعَ قِيَامِ صَارِفٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَإِنْ كَانَ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ بِالْيَمِينِ مِنْ مَرَضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الشِّمَالِ وَقَالَ فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالْيَمِينِ وَكَرَاهَتُهُمَا بِالشِّمَالِ قُلْتُ بَلْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وُجُوبُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِالْيَمِينِ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَيَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ الْحَدِيثَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ كُلْ بِيَمِينِكَ فَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَمْرِ الْوُجُوبُ قَالَ الْحَافِظُ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ الْعِرَاقِيَّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ حَمَلَهُ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى النَّدْبِ وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ ثُمَّ النَّوَوِيُّ لَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الرِّسَالَةِ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ الْأُمِّ عَلَى الْوُجُوبِ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْأَكْلِ بِالْيَمِينِ وُرُودُ الْوَعِيدِ فِي الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ فَقَالَ كُلْ بِيَمِينِكَ قَالَ لَا أَسْتَطِيعُ قَالَ لَا اسْتَطَعْتَ فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ بَعْدُ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى سُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةَ تَأْكُلُ بِشِمَالِهَا فَقَالَ أَخَذَهَا دَاءُ غَزَّةَ فَقَالَ إِنَّ بِهَا قُرْحَةً قَالَ وَإِنْ فَمَرَّتْ بِغَزَّةَ فَأَصَابَهَا طَاعُونٌ فماتت وأخرج مُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ فِي مُسْنَدِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ نَزَلُوا مِصْرَ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَثَبَتَ النَّهْيُ عَنِ الْأَكْلِ بِالشِّمَالِ وَأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ من حديث بن عُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَعِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَائِشَةَ رَفَعَتْهُ مَنْ أَكَلَ بِشِمَالِهِ أَكَلَ مَعَهُ الشَّيْطَانُ الْحَدِيثَ انْتَهَى (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ إِلَخْ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَحْمِلُ أَوْلِيَاءَهُ مِنَ الْإِنْسِ عَلَى ذَلِكَ الصَّنِيعِ لِيُضَادَّ بِهِ عِبَادَ اللَّهِ الصَّالِحِينَ ثُمَّ إِنَّ مِنْ حَقِّ نِعْمَةِ اللَّهِ وَالْقِيَامِ بِشُكْرِهَا أَنْ تُكْرَمَ وَلَا يُسْتَهَانَ بِهَا وَمِنْ حق الكرامة أن تتناول باليمين ويميز بِهَا بَيْنَ مَا كَانَ مِنَ النِّعْمَةِ وَبَيْنَ مَا كَانَ مِنَ الْأَذَى قَالَ الطِّيبِيُّ وَتَحْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ لَا يَأْكُلَنَّ أَحَدُكُمْ بِشِمَالِهِ وَلَا يَشْرَبَنَّ بِهَا فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ كُنْتُمْ أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْمِلُ أَوْلِيَاءَهُ مِنَ الْإِنْسِ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ وَالْأَوْلَى حَمْلُ الْخَبَرِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُحِيلُ ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَ الْخَبَرُ بِهِ فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَأْوِيلِهِ وَقَالَ

باب ما جاء في لعق الأصابع بعد الأكل

الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَشَبَّهَ بِالشَّيْطَانِ وَأَبْعَدَ وَتَعَسَّفَ مَنْ أَعَادَ الضَّمِيرَ فِي شِمَالِهِ إِلَى الْأَكْلِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَحَفْصَةَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِالشِّمَالِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ كُنْت فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم (ورواية مالك وبن عيينة أصح) لأن مالكا وبن عُيَيْنَةَ أَجَلُّ وَأَوْثَقُ مِنْ مَعْمَرٍ وَعُقَيْلٍ وَقَدْ تابعهما عبيد الله بن عمر 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي لَعْقِ الْأَصَابِعِ بَعْدَ الْأَكْلِ) [1801] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ) الدَّبَّاغُ الْبَصْرِيُّ مَوْلَى حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْعَقْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ أَيْ فَلْيَلْحَسْ (أَصَابِعَهُ) وَقَعَ فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ صِفَةُ لَعْقِ الْأَصَابِعِ وَلَفْظُهُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأكل

باب ما جاء في اللقمة تسقط

بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ بِالْإِبْهَامِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَالْوُسْطَى ثُمَّ رَأَيْتُهُ يَلْعَقُ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا الْوُسْطَى ثُمَّ الَّتِي تَلِيهَا ثُمَّ الْإِبْهَامَ قَالَ الْحَافِظُ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ الْعِرَاقِيَّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ كَأَنَّ السِّرَّ فِيهِ أَنَّ الْوُسْطَى أَكْثَرُ تَلْوِيثًا لِأَنَّهَا أَطْوَلُ فَيَبْقَى فِيهَا مِنَ الطَّعَامِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهَا وَلِأَنَّهَا لِطُولِهَا أَوَّلُ مَا تَنْزِلُ فِي الطَّعَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الَّذِي يَلْعَقُ يَكُونُ بَطْنُ كَفِّهِ إِلَى جِهَةِ وَجْهِهِ فَإِذَا ابْتَدَأَ بِالْوُسْطَى انْتَقَلَ إِلَى السَّبَّابَةِ عَلَى جِهَةِ يَمِينِهِ وَكَذَلِكَ الْإِبْهَامُ انْتَهَى (فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيَّتِهِنَّ) أَيْ فِي أَيَّةِ أَصَابِعِهِ (الْبَرَكَةُ) أَيْ حَاصِلَةٌ أَوْ تَكُونُ الْبَرَكَةُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّهِ الْبَرَكَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الطَّعَامَ الَّذِي يَحْضُرُ الْإِنْسَانَ فِيهِ بَرَكَةٌ وَلَا يَدْرِي أَنَّ تِلْكَ الْبَرَكَةَ فِيمَا أَكَلَهُ أَوْ فِيمَا بَقِيَ عَلَى أَصَابِعِهِ أَوْ فِيمَا بَقِيَ فِي أَسْفَلِ الْقَصْعَةِ أَوْ فِي اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافَظَ عَلَى هَذَا كُلِّهِ لِتَحْصُلَ الْبَرَكَةُ وَأَصْلُ الْبَرَكَةِ الزِّيَادَةُ وَثُبُوتُ الْخَيْرِ وَالِامْتِنَاعُ بِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّغْذِيَةُ وَتَسْلَمُ عَاقِبَتُهُ مِنْ أَذًى وَيُقَوِّي عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرُ ذَلِكَ انْتَهَى وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ كَرِهَ لَعْقَ الْأَصَابِعِ اسْتِقْذَارًا نَعَمْ يَحْصُلُ ذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ فِي أَثْنَاءِ الْأَكْلِ لِأَنَّهُ يُعِيدُ أَصَابِعَهُ فِي الطَّعَامِ وَعَلَيْهَا أَثَرُ رِيقِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِلَعْقِ الْأَصَابِعِ وَالصَّحْفَةِ وَقَالَ إِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّهِ الْبَرَكَةُ وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يأكل بِثَلَاثِ أَصَابِعَ وَيَلْعَقُ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَمْسَحَهَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي اللُّقْمَةِ تَسْقُطُ) [1802] قَوْلُهُ (فَلْيُمِطْ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ مِنَ الْإِمَاطَةِ أَيْ فَلْيُزِلْ (مَا رَابَهُ مِنْهَا) أَيْ مِنَ اللُّقْمَةِ

السَّاقِطَةِ وَالْمَعْنَى فَلْيُزِلْ وَلْيُنَحِّ مَا يَكْرَهُ مِنْ غُبَارٍ وَتُرَابٍ وَقَذًى وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ رَابَنِي الشَّيْءُ وَأَرَابَنِي بِمَعْنَى شَكَّكَنِي وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا وَفِي حَدِيثِ فَاطِمَةَ يَرِيبُنِي مَا يريبها أي يسوؤني ما يسؤها وَيُزْعِجُنِي مَا يُزْعِجُهَا مِنْ رَابَنِي وَأَرَابَنِي إِذَا رَأَيْتَ مِنْهُ مَا تَكْرَهُ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلْيَأْخُذْهَا فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى (ثُمَّ لِيَطْعَمْهَا) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلْيَأْكُلْهَا (وَلَا يَدَعْهَا) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ لَا يَتْرُكُهَا (لِلشَّيْطَانِ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ إِنَّمَا صَارَ تَرْكُهَا لِلشَّيْطَانِ لِأَنَّ فِيهِ إِضَاعَةَ نِعْمَةِ اللَّهِ وَالِاسْتِحْقَارَ بِهَا مِنْ غَيْرِ مَا بَأْسٍ ثُمَّ إِنَّهُ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمَانِعُ عَنْ تَنَاوُلِ تِلْكَ اللُّقْمَةِ فِي الْغَالِبِ هُوَ الْكِبْرُ وَذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ أَكْلِ اللُّقْمَةِ السَّاقِطَةِ بَعْدَ مَسْحِ أَذًى يُصِيبُهَا هَذَا إِذَا لَمْ تَقَعْ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى مَوْضِعٍ نَجِسٍ تَنَجَّسَتْ وَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِهَا إِنْ أَمْكَنَ فَإِنْ تَعَذَّرَ أَطْعَمَهَا حَيَوَانًا وَلَا يَتْرُكُهَا لِلشَّيْطَانِ انْتَهَى وَحَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا [1803] قَوْلُهُ (لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ) وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ بِالْإِبْهَامِ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَالْوُسْطَى (وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الصَّحْفَةَ) أَيْ نَمْسَحَهَا وَنَتَتَبَّعَ مَا بَقِيَ فِيهَا مِنَ الطَّعَامِ يُقَالُ سَلَتَ الصَّحْفَةَ يَسْلُتُهَا مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ إِذَا تَتَبَّعَ مَا بَقِيَ فِيهَا مِنَ الطَّعَامِ وَمَسَحَهَا بِالْأُصْبُعِ وَنَحْوِهَا وَالصَّحْفَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ كاسه بزرا قَالَ الْكِسَائِيُّ أَعْظَمُ الْقِصَاعِ الْجَفْنَةُ ثُمَّ الْقَصْعَةُ تليها تشبع العشرة ثم الصفحة تُشْبِعُ الْخَمْسَةَ ثُمَّ الْمِيكَلَةُ تُشْبِعُ الرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ ثُمَّ الصُّحَيْفَةُ تُشْبِعُ الرَّجُلَ كَذَا فِي الصُّرَاحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ

[1804] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْمُعَلَّى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ وتشديد اللام المفتوحة (بن رَاشِدٍ) الْهُذَلِيُّ (أَبُو الْيَمَانِ) النَّبَّالُ الْبَصْرِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ يُعْرَفُ بِحَدِيثٍ حَدَّثَ بِهِ عَنْ جَدَّتِهِ عَنْ نُبَيْشَةَ الْخَيْرِ فِي لَعْقِ الصَّحْفَةِ وَقَالَ النسائي ليس به بأس وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ لَهُ فِي السُّنَنِ الْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو حَاتِمٍ انْتَهَى (حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي أُمُّ عَاصِمٍ) مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (وَكَانَتْ أم ولد لسنان بن سلمة) بن الْمُحَبَّقِ الْبَصْرِيِّ الْهُذَلِيِّ وُلِدَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَلَهُ رُؤْيَةٌ وَقَدْ أَرْسَلَ أَحَادِيثَ مَاتَ فِي آخِرِ إِمَارَةِ الْحَجَّاجِ (قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا نُبَيْشَةُ الْخَيْرِ) قال في التقريب نبيشة بمعجمة مصغرا بن عَبْدِ اللَّهِ الْهُذَلِيُّ وَيُقَالُ لَهُ نُبَيْشَةُ الْخَيْرِ صَحَابِيٌّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (مَنْ أَكَلَ) أَيْ طَعَامًا (فِي قَصْعَةٍ) أَيْ وَنَحْوِهَا (ثُمَّ لَحِسَهَا) بِكَسْرِ الْحَاءِ مِنْ بَابِ سَمِعَ أَيْ لَعِقَهَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَحِسَ مَا فِيهَا مِنْ طَعَامٍ تَوَاضُعًا وَتَعْظِيمًا لِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَزَقَهُ وَصِيَانَةً لَهُ عَنِ التَّلَفِ (اِسْتَغْفَرَتْ لَهُ الْقَصْعَةُ) وَلَعَلَّهُ أَظْهَرَ فِي مَوْضِعِ الْمُضْمَرِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أن قوله استغفرت بصيغة المتكلم قال القارىء وَلَمَّا كَانَتْ تِلْكَ الْمَغْفِرَةُ بِسَبَبِ لَحْسِ الْقَصْعَةِ وَتَوَسُّطِهَا جَعَلَتِ الْقَصْعَةُ كَأَنَّهَا تَسْتَغْفِرُ لَهُ مَعَ أنه لا مانع من الجمل عَلَى الْحَقِيقَةِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ اسْتِغْفَارُ الْقَصْعَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا تَعَوَّدَتْ فِيهِ مِنْ أَمَارَةِ التَّوَاضُعِ مِمَّنْ أَكَلَ مِنْهَا وَبَرَاءَتِهِ مِنَ الْكِبْرِ وَذَلِكَ مِمَّا يُوجِبُ لَهُ الْمَغْفِرَةَ فَأَضَافَ إِلَى الْقَصْعَةِ لِأَنَّهَا كَالسَّبَبِ لِذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَلَا حَاجَةَ إِلَى الْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ

باب ما جاء في كراهية الأكل من وسط الطعام

12 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْأَكْلِ مِنْ وَسَطِ الطَّعَامِ) [1805] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ) لَمْ يَظْهَرْ لِي أَنَّ أَبَا رَجَاءٍ هَذَا مَنْ هو وما اسمه (حدثنا جرير) هو بن عَبْدِ الْحَمِيدِ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ) بِمَضْمُومَةٍ فَمَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ يَاءٍ الْأَسَدِيِّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى وَنَحْوِهِمَا مُرْسَلَةٌ قُتِلَ بَيْنَ يَدَيِ الْحَجَّاجِ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَلَمْ يُكْمِلِ الْخَمْسِينَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (إِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ وَسْطَ الطَّعَامِ) بِسُكُونِ السِّينِ وَيُفْتَحُ وَالْوَسْطُ أَعْدَلُ الْمَوَاضِعِ فَكَانَ أَحَقَّ بِنُزُولِ الْبَرَكَةِ فِيهِ (فَكُلُوا مِنْ حَافَّتَيْهِ) أَيْ جَانِبَيْهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ حَافَّتَا الْوَادِي وَغَيْرِهِ جَانِبَاهُ وَالْجَمْعُ حَافَّاتٌ انْتَهَى وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا خُصُوصُ التَّثْنِيَةِ فَفِي الْمِشْكَاةِ أَنَّهُ أُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَقَالَ كُلُوا مِنْ جَوَانِبِهَا وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ فَكُلُوا من حافاته وفي رواية بن مَاجَهْ فَخُذُوا مِنْ حَافَّتِهِ (وَلَا تَأْكُلُوا مِنْ وَسْطِهِ) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ الْأَكْلِ مِنْ جَوَانِبِ الطَّعَامِ قَبْلَ وَسْطِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ أَعْلَى الثَّرِيدِ وَوَسْطِ الْقَصْعَةِ وَأَنْ يَأْكُلَ مِمَّا يَلِي أُكَيْلَهُ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْفَوَاكِهِ وَتَعَقَّبَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى التَّحْرِيمِ فَإِنَّ لَفْظَهُ فِي الْأُمِّ فَإِنْ أَكَلَ مِمَّا لَا يَلِيهِ أَوْ مِنْ رَأْسِ الطَّعَامِ أَثِمَ بِالْفِعْلِ الَّذِي فَعَلَهُ إِذَا كَانَ عَالِمًا وَاسْتَدَلَّ بِالنَّهْيِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَشَارَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَكَذَا لَا يَأْكُلُ مِنْ وَسْطِ الرَّغِيفِ بَلْ مِنَ اسْتِدَارَتِهِ إِلَّا إِذَا قَلَّ الْخُبْزُ فليكسر الخبر وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ مَا فِي الْحَدِيثِ مِنْ كَوْنِ الْبَرَكَةِ تَنْزِلُ فِي وَسْطِ الطَّعَامِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن ماجة والدارمي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ

باب ما جاء في كراهية أكل الثوم والبصل

قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَكْلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ) [1806] قَوْلُهُ (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ) أَيْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ قَوْلُهُ (قال أول مرة الثوم) هذا قول بن جُرَيْجٍ وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي قَالَ يَرْجِعُ إِلَى عَطَاءٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي شَرْحِ باب الثوم الني والبصل والكراث وقوله الثوم بالحربيان لِهَذِهِ (ثُمَّ قَالَ) أَيْ عَطَاءٌ مَرَّةً أُخْرَى (الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ) الثُّومِ بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّة كندنا (فَلَا يَقْرَبْنَا فِي مَسْجِدِنَا) قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ فَلَا يَقْرَبَنَّ الْمَسَاجِدَ هَذَا تَصْرِيحٌ بِنَهْيِ مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَنَحْوَهُ عَنْ دُخُولِ كُلِّ مَسْجِدٍ وَهَذَا مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةٍ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ فَلَا يَقْرَبَنَّ الْمَسَاجِدَ قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَيَكُونُ مَسْجِدُنَا لِلْجِنْسِ أَوْ لِضَرْبِ الْمِثَالِ فَإِنَّهُ مُعَلَّلٌ إِمَّا بِتَأَذِّي الْآدَمِيِّينَ أَوْ بِتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ الْحَاضِرِينَ وَذَلِكَ قَدْ يُوجَدُ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا ثُمَّ إِنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنْ حُضُورِ الْمَسْجِدِ لَا عَنْ أَكْلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَنَحْوِهِمَا فَهَذِهِ الْبُقُولُ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ تَحْرِيمَهَا لِأَنَّهَا تَمْنَعُ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ عِنْدَهُمْ فَرْضُ عَيْنٍ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَحَادِيثَ كُلْ فإني أناجي من لا تناجي قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ لِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَالَ العلماء ويلحق بالثوم والبصل والكراث كل ماله رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ مِنَ الْمَأْكُولَاتِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَيَلْحَقُ بِهِ مَنْ أَكَلَ فُجْلًا وَكَانَ يتجشى قال وقال بن المرابط ويلحق به من به بخوفي فِيهِ أَوْ بِهِ جُرْحٌ لَهُ رَائِحَةٌ قَالَ الْقَاضِي وَقَاسَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذَا مَجَامِعَ الصَّلَاةِ غَيْرَ الْمَسْجِدِ كَمُصَلَّى الْعِيدِ وَالْجَنَائِزِ وَنَحْوِهَا مِنْ مَجَامِعِ الْعِبَادَاتِ وَكَذَا مَجَامِعِ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ وَالْوَلَائِمِ وَنَحْوِهَا وَلَا يَلْتَحِقُ بِهَا الْأَسْوَاقُ وَنَحْوُهَا انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَفِيهِ أَنَّ الْعِلَّةَ إِنْ كَانَتْ هِيَ التَّأَذِّي فَلَا وَجْهَ لِإِخْرَاجِ الْأَسْوَاقِ وَإِنْ كَانَتْ مُرَكَّبَةً مِنَ التَّأَذِّي وَكَوْنُهُ حَاصِلًا لِلْمُشْتَغِلِينَ بِطَاعَةٍ صَحَّ ذَلِكَ وَلَكِنِ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ هِيَ تَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى إلحاق

باب ما جاء في الرخصة في أكل الثوم مطبوخا

الْمَوَاطِنِ الَّتِي تَحْضُرُهَا الْمَلَائِكَةُ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ لَا يُؤْذِينَا بِرِيحِ الثُّومِ وَهِيَ تَقْتَضِي التَّعْلِيلَ بِتَأَذِّي بَنِي آدَمَ قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ انْتَهَى وَعَلَى هَذَا الْأَسْوَاقُ كَغَيْرِهَا مِنْ مَجَامِعِ الْعِبَادَاتِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وجابر بن سمرة وقرة وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجة عنه أنه خطيب يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أُرَاهُمَا إِلَّا خَبِيثَتَيْنِ الْبَصَلُ وَالثُّومُ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إِلَى الْبَقِيعِ فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي بَابِ إِبَاحَةِ أَكْلِ الثُّومِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا وَلَا يُؤْذِيَنَّا بِرِيحِ الثُّومِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ وَفِيهِ مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ شَيْئًا فَلَا يَقْرَبَنَّا فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ النَّاسُ حَرُمَتْ حَرُمَتْ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ لِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لِي وَلَكِنَّهَا شَجَرَةٌ أَكْرَهُ رِيحَهَا وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيه وَأَمَّا حَدِيثُ قُرَّةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ وَقَالَ مَنْ أَكَلَهُمَا فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا وَقَالَ إِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ آكِلِيهِمَا فَأَمِيتُوهُمَا طَبْخًا وَأَمَّا حديث بن عمر فأخرجه الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرخصة في أكل الثوم مطبوخا) [1807] قَوْلُهُ (نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي أَيُّوبَ) أَيْ حِينَ قَدِمَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ مُهَاجِرًا (وَكَانَ

باب ما جاء في الرخصة في أكل الثوم مطبوخا

إِذَا أَكَلَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِفَضْلِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا إِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْآكِلِ وَالشَّارِبِ أَنْ يُفْضِلَ مِمَّا يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ فَضْلَةً ليواسي بها من بعده لاسيما إِنْ كَانَ مِمَّا يُتَبَرَّكُ بِفَضْلَتِهِ وَكَذَا إِذَا كَانَ فِي الطَّعَامِ قِلَّةٌ وَلَهُمْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ ويتأكد هذا في حق الضيف لاسيما إِنْ كَانَتْ عَادَةُ أَهْلِ الطَّعَامِ أَنْ يُخْرِجُوا كُلَّ مَا عِنْدَهُمْ وَيَنْتَظِرُ عِيَالُهُمُ الْفَضْلَةَ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَنَقَلُوا أَنَّ السَّلَفَ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ إِفْضَالَ هَذِهِ الْفَضْلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلُ ذَلِكَ كُلِّهِ (أَحَرَامٌ هُوَ قَالَ لَا وَلَكِنِّي أَكْرَهُهُ مِنْ أَجْلِ رِيحِهِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِإِبَاحَةِ الثُّومِ وَهُوَ مَجْمُوعٌ عَلَيْهِ لَكِنْ يُكْرَهُ لِمَنْ أَرَادَ حُضُورَ الْمَسْجِدِ أَوْ حُضُورَ جَمْعٍ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَوْ مُخَاطَبَةِ الْكِبَارِ ويلحق بالثوم كل ماله رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حُكْمِ الثُّومِ فِي حَقِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ الْبَصَلُ وَالْكُرَّاثُ وَنَحْوُهَا فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا هِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةٌ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا فِي جَوَابِ قَوْلِهِ أَحَرَامٌ هِيَ وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ يَقُولُ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَيْسَ بِحَرَامٍ فِي حَقِّكُمُ انْتَهَى قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي أَكْلِ الثُّومِ مَطْبُوخًا) [1808] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَدُّوَيْهِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَدُّوَيْهِ الْقُرَشِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ التِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُسَدَّدُ) بْنُ مُسَرْهَدِ بْنِ مُسَرْبَلِ بْنِ مُسْتَوْرِدٍ الْأَسَدِيُّ الْبَصْرِيُّ أَبُو الْحَسَنِ ثِقَةٌ حَافِظٌ يُقَالُ إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الْمُسْنَدَ بِالْبَصْرَةِ مِنَ الْعَاشِرَةِ وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ) بْنِ عَدِيٍّ الرُّؤَاسِيُّ وَالِدُ وَكِيعٍ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ شَرِيكِ بْنِ حَنْبَلٍ) العبسي الكوفي وقيل بن شُرَحْبِيلَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى لَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا فِي الثُّومِ انْتَهَى قَوْلُهُ (لا يصلح) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ قَوْلُهُ (عَنْ أَكْلِ الثُّومِ) وَفِي مَعْنَاهُ الْبَصَلُ وَالْكُرَّاثُ وَنَحْوُهُمَا

(إِلَّا مَطْبُوخًا) هَذَا الْحَدِيثُ يُفِيدُ تَقْيِيدَ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي النَّهْيِ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ إِلَخْ) يَعْنِي حَدِيثَ عَلِيٍّ الْمَذْكُورَ بِلَفْظِ أَنَّهُ قَالَ نُهِيَ عَنْ أَكْلِ الثُّومِ إِلَخْ مَرْفُوعٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ إِلَخْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَلِكَ الْقَوِيَّ) فِي سَنَدِهِ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدِ اخْتَلَطَ بِآخِرَةٍ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا [1810] قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بِالتَّصْغِيرِ (بن أَبِي يَزِيدَ) الْمَكِّيِّ مَوْلَى آلِ قَارِظِ بْنِ شَيْبَةَ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ مِنَ الرَّابِعَةِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مُكَبَّرًا وَهُوَ غَلَطٌ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ أَبِي يَزِيدَ الْمَكِّيِّ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ يُقَالُ لَهُ صُحْبَةٌ وثقه بن حِبَّانَ مِنَ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (عَنْ أُمِّ أَيُّوبَ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أُمُّ أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّةُ الْخَزْرَجِيَّةُ زَوْجُ أَبِي أَيُّوبَ وَهِيَ بِنْتُ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا أَنَّهُمْ تَكَلَّفُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا فِيهِ بَعْضُ هَذِهِ الْبُقُولِ فَقَرَّبُوهُ فَكَرِهَهُ الْحَدِيثَ انْتَهَى قَوْلُهُ (فَتَكَلَّفُوا لَهُ طَعَامًا) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ تَكَلَّفْتَ الشَّيْءَ تَجَشَّمْتَهُ عَلَى مَشَقَّةٍ وَعَلَى خِلَافِ عَادَتِكَ انْتَهَى (فِيهِ مِنْ بَعْضِ هَذِهِ الْبُقُولِ) مِنَ الثُّومِ وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ وَنَحْوِهَا إِنِّي أَخَافُ أَنْ أُوذِيَ صَاحِبِي أَيْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فَإِنِّي أُنَاجِي مَنْ لَا تناجي

باب ما جاء في تخمير الاناء وإطفاء السراج

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ بن خزيمة وبن حِبَّانَ كَمَا فِي الْفَتْحِ [1811] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي خَلْدَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ خَالِدُ بْنُ دِينَارٍ التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ أَبُو خَلْدَةَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ الْبَصْرِيُّ الْخَيَّاطُ صَدُوقٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ) اسْمُهُ رُفَيْعٌ بِالتَّصْغِيرِ بن مِهْرَانَ الرِّيَاحِيِّ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ مِنَ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (الثُّومُ مِنْ طَيِّبَاتِ الرِّزْقِ) يَعْنِي هُوَ حَلَالٌ وَمَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ فِيهِ فَهُوَ لِأَجْلِ رِيحِهِ لَا لِأَنَّهُ حَرَامٌ كَمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَخْمِيرِ الْإِنَاءِ وَإِطْفَاءِ السِّرَاجِ) وَالنَّارِ عِنْدَ الْمَنَامِ [1812] (أَغْلِقُوا الْبَابَ) مِنَ الْإِغْلَاقِ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ (وأوكئوا) بفتح الهمزة وضم الْكَافِ مِنَ الْإِيكَاءِ (السِّقَاءَ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ شُدُّوا وَارْبُطُوا رَأْسَ السِّقَاءِ بِالْوِكَاءِ وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ فَمُ الْقِرْبَةِ وَزَادَ مُسْلِمٌ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ (وَأَكْفِئُوا الْإِنَاءَ) أَيِ اقْلِبُوهُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ كَفَأَهُ كَمَنَعَهُ صَرَفَهُ وَكَبَّهُ وَقَلَبَهُ كَأَكْفَأَهُ انْتَهَى (أَوْ خَمِّرُوا الْإِنَاءَ) بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدِ مِيمٍ أَيْ غَطُّوهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرِضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا (وَأَطْفِئُوا) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَكَسْرِ فَاءٍ فَهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ (الْمِصْبَاحَ) أَيِ السِّرَاجَ (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ

غُلُقًا) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ أَيْ مُغْلَقًا قَالَ الْقَامُوسُ بَابٌ غُلُقٌ بِضَمَّتَيْنِ مُغْلَقٌ انْتَهَى وَاللَّامُ فِي الشَّيْطَانِ لِلْجِنْسِ إِذْ لَيْسَ الْمُرَادُ فَرْدًا بِعَيْنِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى فَتْحِ بَابٍ أُغْلِقَ مَعَ ذِكْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ مَفْتُوحًا أَوْ مُغْلَقًا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عليه قال بن الْمَلَكِ وَعَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّيْطَانِ شَيْطَانُ الْإِنْسِ لِأَنَّ غَلْقَ الْأَبْوَابِ لَا يَمْنَعُ الشياطين الْجِنِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَلْقِ الْغَلْقُ الْمَذْكُورُ فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُمْ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ مَمْنُوعًا بِبَرَكَةِ التَّسْمِيَةِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْبَابَ بِالذِّكْرِ لِسُهُولَةِ الدُّخُولِ مِنْهُ فَإِذَا مُنِعَ مِنْهُ كَانَ الْمَنْعُ مِنَ الْأَصْعَبِ بِالْأَوْلَى وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي أمامة مرفوعا أجيفوا أبوابكم وأكفئوا آنيتكم وأوكؤا أَسْقِيَتَكُمْ وَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُمْ بِالتَّسَوُّرِ عَلَيْكُمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ (وَلَا يَحُلُّ) بِضَمِّ الْحَاءِ أَيْ لَا يَنْقُضُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ حَلَّ الْعُقْدَةَ نَقَضَهَا (وِكَاءً) بِكَسْرِ الْوَاوِ (وَلَا يَكْشِفُ آنِيَةً) أَيْ بِشَرْطِ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْأَفْعَالِ جميعها وفي رواية لمسلم غطوا الاناء وأوكوا السِّقَاءَ فَإِنَّ فِي السَّنَةِ لَيْلَةً يَنْزِلُ فِيهَا وَبَاءٌ لَا يَمُرُّ بِإِنَاءٍ لَيْسَ عَلَيْهِ غِطَاءٌ أَوْ سِقَاءٌ لَيْسَ عَلَيْهِ وِكَاءٌ إِلَّا نَزَلَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ الْوَبَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ لِلْأَمْرِ بِالتَّغْطِيَةِ فَوَائِدَ مِنْهَا الْفَائِدَتَانِ اللَّتَانِ وَرَدَتَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَهُمَا صِيَانَتُهُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَكْشِفُ غِطَاءً وَلَا يَحُلُّ سِقَاءً وَصِيَانَتُهُ مِنَ الْوَبَاءِ الَّذِي يَنْزِلُ فِي لَيْلَةٍ مِنَ السَّنَةِ وَالْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ صِيَانَتُهُ مِنَ النَّجَاسَةِ وَالْمُقَذِّرَاتِ وَالرَّابِعَةُ صِيَانَتُهُ مِنَ الْحَشَرَاتِ وَالْهَوَامِّ فَرُبَّمَا وَقَعَ شَيْءٌ مِنْهَا فِيهِ فَشَرِبَهُ وَهُوَ غَافِلٌ أَوْ فِي اللَّيْلِ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ انتهى (فإن الفويسقة) قال القارىء تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَأَطْفِئُوا الْمِصْبَاحَ وَاعْتَرَضَ بَيْنَهُمَا بِالْعِلَلِ لِلْأَفْعَالِ السَّابِقَةِ وَلَوْ ثَبَتَ الرِّوَايَةُ هُنَا بِالْوَاوِ لَكَانَتِ الْعِلَلُ مُرَتَّبَةً عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ ثُمَّ رَأَيْتُ فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الْفَاءَ تَجِيءُ بِمَعْنَى الْوَاوِ انْتَهَى وَالْفُوَيْسِقَةُ تَصْغِيرُ الْفَاسِقَةِ وَالْمُرَادُ الْفَأْرَةُ لِخُرُوجِهَا مِنْ جُحْرِهَا عَلَى النَّاسِ وَإِفْسَادِهَا (تُضْرِمُ) بِضَمِّ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ أَيْ تُحْرِقُ سَرِيعًا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ ضَرِمَتِ النَّارُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَضَرَّمَتْ وَأَضْرَمَتْ أَيِ الْتَهَبَتْ وَأَضْرَمْتُهَا أَنَا وَضَرَّمْتُهَا (عَلَى النَّاسِ بَيْتَهُمْ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَطْفِئُوا الْمَصَابِيحَ فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ رُبَّمَا جَرَّتِ الْفَتِيلَةَ فَأَحْرَقَتْ أَهْلَ الْبَيْتِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عمر وأبي هريرة وبن عباس) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ بن ماجة وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عباس فأخرجه أبو داود وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ قَالَ جَاءَتْ فَأْرَةٌ تَجُرُّ الْفَتِيلَةَ فَأَلْقَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْخُمْرَةِ الَّتِي كَانَ قَاعِدًا عَلَيْهَا فَأَحْرَقَتْ مِنْهَا مِثْلَ مَوْضِعِ الدِّرْهَمِ فَقَالَ إِذَا نِمْتُمْ فَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدُلُّ مِثْلَ هَذِهِ عَلَى هَذَا فَيُحْرِقُكُمْ

باب ما جاء في كراهية القران بين التمرتين

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وأبو داود وبن مَاجَهْ [1813] قَوْلُهُ (لَا تَتْرُكُوا النَّارَ فِي بُيُوتِكُمْ حِينَ تَنَامُونَ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ نَارُ السِّرَاجِ وَغَيْرُهَا وَأَمَّا الْقَنَادِيلُ الْمُعَلَّقَةُ فِي الْمَسَاجِدِ وَغَيْرُهَا فَإِنْ خِيفَ حَرِيقٌ بِسَبَبِهَا دَخَلَتْ فِي الْأَمْرِ بِالْإِطْفَاءِ وَإِنَّ أُمِنَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهَا لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ الْأَمْرَ بِالْإِطْفَاءِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ بِأَنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ بَيْتَهُمْ فَإِذَا انْتَفَتِ الْعِلَّةُ زَالَ الْمَانِعُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان وأبو داود وبن مَاجَهْ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْقِرَانِ بين التمرتين) الْقِرَانُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ أَيْ ضَمِّ تَمْرَةٍ إِلَى تَمْرَةٍ لِمَنْ أَكَلَ مَعَ جَمَاعَةٍ [1814] قوله (وعبيد الله) هو بن مُوسَى الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ جَبَلَةَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ (بْنِ سُحَيْمٍ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرُنَ) أَيْ يَجْمَعَ وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ يُقَالُ قَرَنَ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ قَالُوا وَلَا يُقَالُ أَقْرَنَ (بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ) أَيْ بِأَنْ يَأْكُلَهُمَا دَفْعَةً (حَتَّى يَسْتَأْذِنَ صاحبه) وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ أَيِ الَّذِينَ اشْتَرَكُوا مَعَهُ فِي ذَلِكَ التَّمْرِ فَإِذَا أَذِنُوا جَازَ لَهُ الْقِرَانُ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا النَّهْيُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَهُمْ فَإِذَا أَذِنُوا فَلَا بَأْسَ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ هَذَا النَّهْيَ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوْ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَالْأَدَبِ فَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ

لِلتَّحْرِيمِ وَعَنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ لِلْكَرَاهَةِ وَالْأَدَبِ وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ فَالْقِرَانُ حَرَامٌ إِلَّا بِرِضَاهُمْ وَيَحْصُلُ الرِّضَا بِتَصْرِيحِهِمْ بِهِ أَوْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ مِنْ قَرِينَةِ حَالٍ أَوْ إِدْلَالٍ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ بِحَيْثُ يَعْلَمُ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا قَوِيًّا أَنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِهِ وَمَتَى شَكَّ فِي رِضَاهُمْ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِغَيْرِهِمْ أَوْ لِأَحَدِهِمُ اشْتَرَطَ رِضَاهُ وَحْدَهُ فَإِنْ قَرَنَ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَحَرَامٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْآكِلِينَ مَعَهُ وَلَا يَجِبُ وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِنَفْسِهِ وَقَدْ ضَيَّفَهُمْ بِهِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْقِرَانُ ثُمَّ إِنْ كَانَ فِي الطَّعَامِ قِلَّةٌ فَحَسَنٌ أَنْ لَا يَقْرُنَ لِتَسَاوِيهِمْ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يَفْضُلُ عَنْهُمْ فَلَا بَأْسَ بِقِرَانِهِ لَكِنِ الْأَدَبُ مُطْلَقًا التَّأَدُّبُ فِي الْأَكْلِ وَتَرْكُ الشَّرَهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْجِلًا وَيُرِيدُ الْإِسْرَاعَ لِشُغْلٍ آخَرَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي زَمَنِهِمْ وَحِينَ كَانَ الطَّعَامُ ضَيِّقًا فَأَمَّا الْيَوْمُ مَعَ اتِّسَاعِ الْحَالِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْإِذْنِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلِ الصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّفْصِيلِ فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ لَوْ ثَبَتَ السَّبَبُ كَيْفَ وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ انْتَهَى كَلَامُ النووي تنبيه قد أخرج بن شَاهِينَ فِي النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَهُوَ فِي مُسْنَدِ البزار من طريق بن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ وَإِنَّ اللَّهَ وَسَّعَ عَلَيْكُمْ فَاقْرِنُوا قَالَ الْحَافِظُ فِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ وَقَالَ الْحَازِمِيُّ حَدِيثُ النَّهْيِ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ إِلَّا أَنَّ الْخَطْبَ فِيهِ يَسِيرٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْعِبَادَاتِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَيُكْتَفَى فِيهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَيُعَضِّدُهُ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ مُرَادُهُ بِالْجَوَازِ فِي حَالِ كَوْنِ الشَّخْصِ مَالِكًا لِذَلِكَ الْمَأْكُولِ وَلَوْ بِطَرِيقِ الْإِذْنِ لَهُ فِيهِ كَمَا قَرَّرَهُ النَّوَوِيُّ وَإِلَّا فَلَمْ يُجِزْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَسْتَأْثِرَ أَحَدٌ بِمَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ حَتَّى لَوْ قَامَتْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي وَضَعَ الطَّعَامَ بَيْنَ الضِّيفَانِ لَا يُرْضِيهِ اسْتِئْثَارُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ حَرُمَ الِاسْتِئْثَارُ جَزْمًا وَإِنَّمَا تَقَعُ الْمُكَارَمَةُ فِي ذَلِكَ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةُ الرِّضَا وَذَكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي ذَيْلِ الْغَرِيبِينَ عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ اسْتِقْبَاحَ الْقِرَانِ لِمَا فِيهِ مِنَ الشَّرَهِ وَالطَّمَعِ الْمُزْرِي بِصَاحِبِهِ وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَ بِجَمِيلٍ أَنْ يَأْكُلَ أَكْثَرَ مِنْ رُفْقَتِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ مولى أبي بكر) أخرجه بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان وأبو داود والنسائي وبن ماجه

باب ما جاء في في استحباب التمر

17 - (باب ما جاء في فِي اسْتِحْبَابِ التَّمْرِ) [1815] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ) التِّنِّيسِيُّ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ) التَّيْمِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ أَبُو أَيُّوبَ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ) بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ جَائِعٍ (أَهْلُهُ) قِيلَ أَرَادَ بِهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَمَنْ كَانَ قُوتُهُمُ التَّمْرَ أَوِ الْمُرَادُ بِهِ تَعْظِيمُ شَأْنِ التَّمْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لِأَنَّ التَّمْرَ كَانَ قُوتَهُمْ فَإِذَا خَلَا مِنْهُ الْبَيْتُ جَاعَ أَهْلُهُ وَأَهْلُ كُلِّ بَلْدَةٍ بِالنَّظَرِ إِلَى قُوتِهِمْ يَقُولُونَ كَذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ فَضِيلَةُ التَّمْرِ وَجَوَازُ الِادِّخَارِ لِلْعِيَالِ وَالْحَثُّ عَلَيْهِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَثِّ عَلَى الْقَنَاعَةِ فِي بَلْدَةٍ يَكْثُرُ فِيهِ التَّمْرُ يَعْنِي بَيْتٌ فِيهِ تَمْرٌ وَقَنَعُوا بِهِ لَا يَجُوعُ أَهْلُهُ وَإِنَّمَا الْجَائِعُ مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ تَمْرٌ وَيَنْصُرُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ كَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا الشَّهْرُ مَا نُوقِدُ فِيهِ نَارًا إِنَّمَا هُوَ التَّمْرُ وَالْمَاءُ إِلَّا أَنْ يُؤْتَى بِاللَّحْمِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سلمى إمرأة أبي رافع) أخرجه بن مَاجَهْ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْتٌ لَا تَمْرَ فِيهِ كَالْبَيْتِ لَا طَعَامَ فِيهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَمْدِ عَلَى الطَّعَامِ إِذَا فُرِغَ مِنْهُ) [1816] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) اسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) بِمَضْمُومَةٍ فَسَاكِنَةٍ

وإهمال دال بن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَرِوَايَتُهُ عن بن عُمَرَ مُرْسَلَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ لَيَرْضَى عَنِ الْعَبْدِ أَنْ يَأْكُلَ) أَيْ بِسَبَبِ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ لِأَجْلِ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ مَفْعُولٌ بِهِ لِيَرْضَى يَعْنِي يُحِبُّ مِنْهُ أَنْ يَأْكُلَ الْأَكْلَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَكْلَةُ هُنَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهِيَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ من الأكل كالغذاء أو العشاء انتهى وقال القارىء بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيِ الْمَرَّةُ مِنَ الْأَكْلِ حَتَّى يَشْبَعَ وَيُرْوَى بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيِ اللُّقْمَةُ وَهِيَ أَبْلَغُ فِي بَيَانِ اهْتِمَامِ أَدَاءِ الْحَمْدِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْفَقُ مَعَ قَوْلِهِ أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ فَإِنَّهَا بِالْفَتْحِ لَا غَيْرُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِفِعْلِهِ (فَيَحْمَدَهُ) بِالنَّصْبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ أَيْ فَهُوَ أَيِ الْعَبْدُ يَحْمَدُهُ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْأَكْلَةِ وَالشَّرْبَةِ قال بن بَطَّالٍ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الْحَمْدِ بَعْدَ الطَّعَامِ وَوَرَدَتْ فِي ذَلِكَ أَنْوَاعٌ يَعْنِي لَا يَتَعَيَّنُ شَيْءٌ مِنْهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَقِبَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْبُخَارِيِّ صِفَةُ التَّحْمِيدِ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا وَجَاءَ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَمْدُ لِلَّهِ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بن عامر فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي أَبْوَابِ الدَّعَوَاتِ وأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن حِبَّانَ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فأخرجه النسائي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ

باب ما جاء في الأكل مع المجذوم

19 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَكْلِ مَعَ الْمَجْذُومِ) [1817] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَشْقَرُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَرْوَزِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَشْقَرُ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ) هُوَ الْجُوزْجَانِيُّ (حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ) بْنِ مُسْلِمٍ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ) بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الْبَصْرِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو مَالِكٍ أَخُو مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ وَغَيْرُهُ قال الدوري عن بْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِذَاكَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ لَهُ فِي السُّنَنِ حَدِيثُهُ عن حبيب عن بن الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ مَجْذُومٍ فَوَضَعَهَا مَعَهُ في القصعة الحديث قال بن عَدِيٍّ لَمْ أَرَ لَهُ أَنْكَرَ مِنْ هَذَا يَعْنِي حَدِيثَ جَابِرٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (أَخَذَ بِيَدِ مَجْذُومٍ) قَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ الْمَجْذُومُ الَّذِي وُضِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عُمَرُ يَدَهُ فِي الْقَصْعَةِ وَأَكَلَ مَعَهُ هُوَ مُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ الدَّوْسِيُّ (فَأَدْخَلَهُ مَعَهُ) وَفِي رواية بن مَاجَهْ فَأَدْخَلَهَا مَعَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَوَضَعَهَا مَعَهُ فَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ أَدْخَلَهُ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ بِتَأْوِيلِ الْعُضْوِ فِي (الْقَصْعَةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَفِيهِ غَايَةُ التَّوَكُّلِ مِنْ جِهَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا الْأَخْذُ بِيَدِهِ وَثَانِيهِمَا الْأَكْلُ مَعَهُ وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ كُلْ مَعَ صَاحِبِ الْبَلَاءِ تَوَاضُعًا لِرَبِّك وَإِيمَانًا (كُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثِقَةً بِاَللَّهِ) بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْوُثُوقِ كَالْعِدَةِ وَالْوَعْدِ وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ كُلْ مَعِي أَثِقُ ثِقَةً بِاَللَّهِ أَيِ اعْتِمَادًا بِهِ وَتَفْوِيضًا لِلْأَمْرِ إِلَيْهِ (وَتَوَكُّلًا) أَيْ وَأَتَوَكَّلُ تَوَكُّلًا (عَلَيْهِ) وَالْجُمْلَتَانِ حَالَانِ ثَانِيَتُهُمَا مُؤَكِّدَةٌ لِلْأُولَى قَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَخْذُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِ الْمَجْذُومِ وَوَضْعُهَا فِي الْقَصْعَةِ وَأَكْلُهُ مَعَهُ فِي حَقِّ مَنْ يَكُونُ حَالُهُ الصَّبْرَ عَلَى الْمَكْرُوهِ وَتَرْكَ الِاخْتِيَارِ فِي مَوَارِدِ الْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الْأَسَدِ وَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْذُومِ بَنِي ثَقِيفٍ بِالرُّجُوعِ فِي حَقِّ مَنْ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ الْعَجْزَ عَنِ احْتِمَالِ الْمَكْرُوهِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ فَيُحَرَّزُ بِمَا هُوَ جَائِزٌ فِي الشَّرْعِ مِنْ

باب ما جاء أن المؤمن يأكل في معى واحد

أَنْوَاعِ الِاحْتِرَازَاتِ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي قَدِ اخْتَلَفَتِ الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ الْمَجْذُومِ فَثَبَتَ عَنْهُ الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ يَعْنِي حَدِيثَ فِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ وَحَدِيثَ الْمَجْذُومِ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مَعَ الْمَجْذُومِ وَقَالَ لَهُ كُلْ ثِقَةً بِاَللَّهِ وَتَوَكُّلًا عَلَيْهِ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ لَنَا مَوْلًى مَجْذُومٌ فَكَانَ يَأْكُلُ فِي صِحَافِي وَيَشْرَبُ فِي أَقْدَاحِي وَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِي قَالَ وَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنَ السَّلَفِ إِلَى الْأَكْلِ مَعَهُ وَرَأَوْا أَنَّ الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِهِ مَنْسُوخٌ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا نَسْخَ بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَحَمْلُ الْأَمْرِ بِاجْتِنَابِهِ وَالْفِرَارِ مِنْهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ لَا الْوُجُوبِ وَأَمَّا الْأَكْلُ مَعَهُ فَفِعْلُهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (وَالْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ شَيْخٌ آخَرُ بصري إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثُمَامَةَ الْقِتْبَانِيُّ الْمِصْرِيُّ أَبُو معاوية القاضي ثقة فاضل عابد أخطأ بن سَعْدٍ فِي تَضْعِيفِهِ مِنَ الثَّامِنَةِ انْتَهَى وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ عن بن بريدة قال الحافظ في تهذيب التهذيب بن بُرَيْدَةَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُوهُ سُلَيْمَانُ قَالَ الْبَزَّارُ أَمَّا عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ وَمُحَارِبُ بْنُ دِثَارٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ فَإِنَّمَا يُحَدِّثُونَ عَنْ سليمان فحيث أبهموا بن بُرَيْدَةَ فَهُوَ سُلَيْمَانُ وَكَذَا الْأَعْمَشُ عِنْدِي وَأَمَّا من عدا هؤلاء حيث أبهموا بن بُرَيْدَةَ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ انْتَهَى (وَحَدِيثُ شُعْبَةَ أَثْبَتُ عِنْدِي وَأَصَحُّ) حَدِيثُ شُعْبَةَ هَذَا مُنْقَطِعٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عبد الله بن بريدة قال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي الْمَرَاسِيلِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ انْتَهَى 0 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ) وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ [1818] قَوْلُهُ (الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي معا وَاحِدٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مُنَوَّنًا وَيُكْتَبُ

بِالْيَاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمِعَى بِالْفَتْحِ وَكَإِلَى مِنْ أَعْفَاجِ الْبَطْنِ وَقَدْ يُؤَنَّثُ وَالْجَمْعُ أَمْعَاءٌ وَالْعِفْجُ بِالْكَسْرِ وَالتَّحْرِيكِ وَكَكَتِفٍ مَا يَنْتَقِلُ الطَّعَامُ إِلَيْهِ بَعْدَ الْمَعِدَةِ وَالْجَمْعُ أَعْفَاجٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سعيد وأبي بصرة الْغِفَارِيِّ وَأَبِي مُوسَى وَجَهْجَاهٍ الْغِفَارِيِّ وَمَيْمُونَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي نَضْرَةَ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ بِالنُّونِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ كُنْيَتُهُ أَبُو نَضْرَةَ بِالنُّونِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ نَعَمْ أَبُو بَصْرَةَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ صَحَابِيٌّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ حُمَيْلٌ مِثْلُ حُمَيْدٍ لَكِنْ آخِرُهُ لَامٌ وَقِيلَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَقِيلَ بالجيم بن بصرة بفتح الموحدة بن وَقَّاصٍ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ صَحَابِيٌّ سَكَنَ مِصْرَ وَمَاتَ بِهَا انْتَهَى وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرْتُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ فَحَلَبَ لِي شُوَيْهَةً كَانَ يَحْتَلِبُهَا فَشَرِبْتُهَا فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَسْلَمْتُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ إِلَخْ وَأَمَّا حَدِيثُ أبي موسى فأخرجه مسلم وبن ماجه وأما حديث جهجاه الغفاري فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْهُ قَالَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَةُ رِجَالٍ فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَجُلًا وَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ لَهُ مَا اسْمُكَ قَالَ أَبُو غَزْوَانَ قَالَ فَحَلَبَ لَهُ سَبْعَ شِيَاهٍ فَشَرِبَ لَبَنَهَا كُلَّهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَك يَا أَبَا غَزْوَانَ أَنْ تُسْلِمَ قَالَ نَعَمْ فَأَسْلَمَ فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدْرَهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ حَلَبَ لَهُ شَاةً وَاحِدَةً فَلَمْ يُتِمَّ لَبَنَهَا فَقَالَ مَا لَكَ يَا أَبَا غَزْوَانَ قَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ نَبِيًّا لَقَدْ رَوِيتُ قَالَ إِنَّك أَمْسِ كَانَ لَكَ سَبْعَةُ أَمْعَاءٍ وَلَيْسَ لَكَ الْيَوْمَ إِلَّا مِعًى وَاحِدٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ [1819] قَوْلُهُ (ضَافَهُ) أَيْ نَزَلَ بِهِ (فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ) أَيْ بَأَحْلَابِهَا (فَحُلِبَتْ) بِصِيغَةِ

الْمَجْهُولِ (فَشَرِبَ) أَيِ الضَّيْفُ الْكَافِرُ حِلَابَهَا (ثُمَّ أُخْرَى) أَيْ ثُمَّ حُلِبَتْ شَاةٌ أُخْرَى (حَتَّى شَرِبَ حِلَابَ سَبْعِ شِيَاهٍ) الْحِلَابُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ اللَّامِ اللَّبَنُ الَّذِي تَحْلُبُهُ وَالْإِنَاءُ الَّذِي تَحْلُبُ فِيهِ اللَّبَنَ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ (ثُمَّ أَصْبَحَ) أَيِ الضَّيْفُ الْكَافِرُ (فَلَمْ يَسْتَتِمَّهَا) أَيْ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَشْرَبَ لَبَنَ الشَّاةِ الثَّانِيَةِ عَلَى التَّمَامِ (وَالْمُؤْمِنُ يَشْرَبُ فِي مِعًى وَاحِدٍ) إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ فَقِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ظَاهِرَهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ ضُرِبَ لِلْمُؤْمِنِ وَزُهْدِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْكَافِرِ وَحِرْصِهِ عَلَيْهَا فَكَانَ الْمُؤْمِنُ لِتَقَلُّلِهِ مِنَ الدُّنْيَا يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ لِشِدَّةِ رَغْبَتِهِ فِيهَا وَاسْتِكْثَارِهِ مِنْهَا يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْأَمْعَاءِ وَلَا خُصُوصَ الْأَكْلِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ التَّقَلُّلُ مِنَ الدُّنْيَا وَالِاسْتِكْثَارُ مِنْهَا فَكَأَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ تَنَاوُلِ الدُّنْيَا بِالْأَكْلِ وَعَنْ أَسْبَابِ ذَلِكَ بِالْأَمْعَاءِ وَوَجْهُ الْعَلَاقَةِ ظَاهِرٌ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ الْحَلَالَ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ الْحَرَامَ وَالْحَلَالُ أَقَلُّ مِنَ الحرام في الوجود نقله بن التِّينِ وَنَقَلَ الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ عِمْرَانَ نَحْوَ الَّذِي قَبْلَهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ حَضُّ الْمُؤْمِنِ عَلَى قِلَّةِ الْأَكْلِ إِذَا عَلِمَ أَنَّ كَثْرَةَ الْأَكْلِ صِفَةُ الْكَافِرِ فَإِنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ تَنْفِرُ مِنَ الِاتِّصَافِ بِصِفَةِ الْكَافِرِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَثْرَةَ الْأَكْلِ مِنْ صِفَةِ الْكُفَّارِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنعام وَقِيلَ بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ وَرَدَ فِي شَخْصٍ بِعَيْنِهِ وَاللَّامُ عَهْدِيَّةٌ لَا جِنْسِيَّةٌ جزم بذلك بن عَبْدِ الْبَرِّ فَقَالَ لَا سَبِيلَ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ تَدْفَعُهُ فَكَمْ مِنْ كَافِرٍ يَكُونُ أَقَلَّ أَكْلًا مِنْ مُؤْمِنٍ وَعَكْسُهُ وَكَمْ مِنْ كَافِرٍ أَسْلَمَ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ مِقْدَارُ أَكْلِهِ قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي رَجُلٍ بِعَيْنِهِ وَلِذَلِكَ عَقَّبَ به مالك الحديث والمطلق وَكَذَا الْبُخَارِيُّ فَكَأَنَّهُ قَالَ هَذَا إِذَا كَانَ كَافِرًا كَانَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ فَلَمَّا أَسْلَمَ عُوفِيَ وَبُورِكَ لَهُ فِي نَفْسِهِ فَكَفَاهُ جُزْءٌ مِنْ سَبْعَةِ أَجْزَاءٍ مِمَّا كَانَ يَكْفِيهِ وَهُوَ كَافِرٌ انْتَهَى وَقَدْ تُعُقِّبَ هَذَا الْحَمْلُ بأن بن عُمَرَ رَاوِيَ الْحَدِيثِ فَهِمَ مِنْهُ الْعُمُومَ فَلِذَلِكَ مَنَعَ الَّذِي رَآهُ يَأْكُلُ كَثِيرًا مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ كَيْفَ يَتَأَتَّى حَمْلُهُ عَلَى شَخْصٍ بِعَيْنِهِ مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَرْجِيحِ تَعَدُّدِ الْوَاقِعَةِ وَيُورِدُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَقِبَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فِي حَقِّ الَّذِي وَقَعَ لَهُ نَحْوُ ذَلِكَ

الْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْحَدِيثَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَلَيْسَتْ حَقِيقَةُ الْعَدَدِ مُرَادَةً قَالُوا تَخْصِيصُ السَّبْعَةِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّكْثِيرِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى والبحر يمده من بعده سبعة أبحر وَالْمَعْنَى أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ التَّقَلُّلَ مِنَ الْأَكْلِ لِاشْتِغَالِهِ بِأَسْبَابِ الْعِبَادَةِ وَلِعِلْمِهِ بِأَنَّ مَقْصُودَ الشَّرْعِ مِنَ الْأَكْلِ مَا يَسُدُّ الْجُوعَ وَيُمْسِكُ الرَّمَقَ وَيُعِينُ عَلَى الْعِبَادَةِ وَلِخَشْيَتِهِ أَيْضًا مِنْ حِسَابِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَالْكَافِرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ كُلِّهِ فَإِنَّهُ لَا يَقِفُ مَعَ مَقْصُودِ الشَّرْعِ بَلْ هُوَ تَابِعٌ لِشَهْوَةِ نَفْسِهِ مُسْتَرْسِلٌ فِيهَا غَيْرُ خَائِفٍ مِنْ تَبِعَاتِ الْحَرَامِ فَصَارَ أَكْلُ الْمُؤْمِنِ لِمَا ذَكَرْتُهُ إِذَا نُسِبَ إِلَى أَكْلِ الْكَافِرِ كَأَنَّهُ بِقَدْرِ السُّبُعِ مِنْهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا اطِّرَادُهُ فِي كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ فَقَدْ يَكُونُ فِي الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَأْكُل كَثِيرًا إِمَّا بِحَسَبِ الْعَادَةِ وَإِمَّا لِعَارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ مَرَضٍ بَاطِنٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَيَكُونُ فِي الْكُفَّارِ مَنْ يَأْكُلُ قَلِيلًا إِمَّا لِمُرَاعَاةِ الصِّحَّةِ عَلَى رَأْيِ الْأَطِبَّاءِ وَإِمَّا لِلرِّيَاضَةِ عَلَى رَأْيِ الرُّهْبَانِ وَإِمَّا لِعَارِضٍ كَضَعْفِ الْمَعِدَةِ الْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤْمِنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ التَّامُّ الْإِيمَانِ لِأَنَّ مِنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ وَكَمُلَ إِيمَانُهُ اشْتَغَلَ فِكْرُهُ فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ فَيَمْنَعُهُ شِدَّةُ الْخَوْفِ وَكَثْرَةُ الْفِكْرِ وَالْإِشْفَاقُ عَلَى نَفْسِهِ مِنَ اسْتِيفَاءِ شَهْوَتِهِ كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثٍ لِأَبِي أُمَامَةَ رفعه من كثر تفكره قل طعمه ومن قل تفكره كثر طعمه وَقَسَا قَلْبُهُ وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الصَّحِيحُ إِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ فَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُؤْمِنِ مَنْ يَقْصِدُ فِي مَطْعَمِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَمِنْ شَأْنِهِ الشَّرَهُ فَيَأْكُلُ بِالنَّهَمِ كَمَا تَأْكُلُ الْبَهِيمَةُ وَلَا يَأْكُلُ بِالْمَصْلَحَةِ لِقِيَامِ الْبِنْيَةِ وَقَدْ رَدَّ هَذَا الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ قَدْ ذُكِرَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَفَاضِلِ السَّلَفِ الْأَكْلُ الْكَثِيرُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْصًا فِي إِيمَانِهِمْ الرَّابِعُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يُسَمِّي اللَّهَ تَعَالَى عِنْدَ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ فَلَا يَشْرَكُهُ الشَّيْطَانُ فَيَكْفِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَافِرُ لَا يُسَمِّي فَيَشْرَكُهُ الشَّيْطَانُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ إِنْ لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ الْخَامِسُ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ أَنَّ الْمُرَادَ أن بعض المؤمنين يأكل في معا وَاحِدٍ وَأَنَّ أَكْثَرَ الْكُفَّارِ يَأْكُلُونَ فِي سَبْعَةٍ أَمْعَاءٍ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ السَّبْعَةِ مِثْلَ مِعَى الْمُؤْمِنِ انْتَهَى وَيَدُلُّ عَلَى تَفَاوُتِ الْأَمْعَاءِ مَا ذَكَرَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَهْلِ التَّشْرِيحِ أَنَّ أَمْعَاءَ الْإِنْسَانِ سَبْعَةٌ الْمَعِدَةُ ثُمَّ ثَلَاثَةُ أَمْعَاءٍ بَعْدَهَا مُتَّصِلَةٌ بِهَا الْبَوَّابُ ثُمَّ الصَّائِمُ ثُمَّ الرَّقِيقُ وَالثَّلَاثَةُ رِقَاقٌ ثُمَّ الْأَعْوَرُ وَالْقُولُونُ وَالْمُسْتَقِيمُ وَكُلُّهَا غِلَاظٌ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ الْكَافِرَ لِكَوْنِهِ يَأْكُلُ بِشَرَهٍ لَا يُشْبِعُهُ إِلَّا مَلْءُ أَمْعَائِهِ السَّبْعَةِ وَالْمُؤْمِنُ يُشْبِعُهُ مَلْءُ معا واحد

باب ما جاء في طعام الواحد يكفي الاثنين

السَّادِسُ قَالَ النَّوَوِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالسَّبْعَةِ فِي الْكَافِرِ صِفَاتٍ هِيَ الْحِرْصُ وَالشَّرَهُ وَطُولُ الْأَمَلِ وَالطَّمَعُ وَسُوءُ الطَّبْعِ وَالْحَسَدُ وَحُبُّ السِّمَنِ وَبِالْوَاحِدِ فِي الْمُؤْمِنِ سَدُّ خَلَّتِهِ السَّابِعُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ شَهَوَاتُ الطَّعَامِ سَبْعٌ شَهْوَةُ الطَّبْعِ وَشَهْوَةُ النَّفْسِ وَشَهْوَةُ الْعَيْنِ وَشَهْوَةُ الْفَمِ وَشَهْوَةُ الْأُذُنِ وَشَهْوَةُ الْأَنْفِ وَشَهْوَةُ الْجُوعِ وَهِيَ الضَّرُورِيَّةُ الَّتِي يَأْكُلُ بِهَا الْمُؤْمِنُ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَأْكُلُ بِالْجَمِيعِ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قُلْتُ فِي أَكْثَرِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ بُعْدٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَالظَّاهِرُ عِنْدِي هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي طَعَامِ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ) [1820] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ (طَعَامُ الِاثْنَيْنِ) أَيْ مَا يشبعهما (كا في الثَّلَاثَةِ) أَيْ يَكْفِيهِمْ عَلَى وَجْهِ الْقَنَاعَةِ وَيُقَوِّيهِمْ عَلَى الطَّاعَةِ وَيُزِيلُ الضَّعْفَ عَنْهُمْ لَا أَنَّهُ يُشْبِعُهُمْ وَالْغَرَضُ مِنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْبَغِي أَنْ يَقْنَعَ بِدُونِ الشِّبَعِ وَيَصْرِفَ الزَّائِدَ إِلَى مُحْتَاجٍ آخَرَ (وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةِ) قَالَ السُّيُوطِيُّ أَيْ شِبَعُ الْأَقَلِّ قُوتُ الْأَكْثَرِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالتَّقَنُّعُ بِالْكِفَايَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عمر وجابر) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا كُلُوا جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا فَإِنَّ طَعَامَ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ

باب ما جاء في أكل الجراد

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَرَوَى جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ وَطَعَامُ الِاثْنَيْنِ يَكْفِي الْأَرْبَعَةَ إِلَخْ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ حَكَى إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ تَأْوِيلُهُ شِبَعُ الْوَاحِدِ قُوتُ الِاثْنَيْنِ وَشِبَعُ الِاثْنَيْنِ قُوتُ الْأَرْبَعَةِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُرْوَةَ تَفْسِيرُ هَذِهِ مَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَامَ الرِّفَادَةِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُنْزِلَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَيْتٍ مِثْلَ عَدَدِهِمْ فإن الرجل لا يهلك على نصف بطبه قال النووي فبه الْحَثُّ عَلَى الْمُوَاسَاةِ فِي الطَّعَامِ وَأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا حَصَلَتْ مِنْهُ الْكِفَايَةُ الْمَقْصُودَةُ وَوَقَعَتْ فِيهِ بَرَكَةٌ تَعُمُّ الْحَاضِرِينَ عَلَيْهِ انْتَهَى وَقَالَ الحافظ وعند الطبراني من حديث بن عُمَرَ (يَعْنِي الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ) مَا يُرْشِدُ إِلَى الْعِلَّةِ فِي ذَلِكَ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْكِفَايَةَ تَنْشَأُ عَنْ بَرَكَةِ الاجتماع وأن الجمع كلما كثرت ازْدَادَتِ الْبَرَكَةُ انْتَهَى قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سُفْيَانَ) اسْمُهُ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ الْوَاسِطِيُّ الْإِسْكَافُ نَزَلَ مكة صدوق مِنَ الرَّابِعَةِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الجراد) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ مَعْرُوفٌ وَالْوَاحِدُ جَرَادَةٌ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ كَالْحَمَامَةِ وَيُقَالُ إِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَرْدِ لِأَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا جَرَدَهُ وَخِلْقَةُ الْجَرَادَةِ عَجِيبَةٌ فِيهَا عَشَرَةٌ من الحيوانات ذكر بعضها بن الشهرزوري في قوله لها فخذا أبكر وَسَاقَا نَعَامَةٍ وَقَادِمَتَا نَسْرٍ وَجُؤْجُؤُ ضَيْغَمٍ جَنَتْهَا أَفَاعِي الرَّمْلِ بَطْنًا وَأَنْعَمَتْ عَلَيْهَا جِيَادُ الْخَيْلِ بالرأس والفم

قِيلَ وَفَاتَهُ عَيْنُ الْفِيلِ وَعُنُقُ الثَّوْرِ وَقَرْنُ الْأَيْلِ وَذَنَبُ الْحَيَّةِ وَهُوَ صِنْفَانِ طَيَّارٌ وَوَثَّابٌ وَيَبِيضُ فِي الصَّخْرِ فَيَتْرُكُهُ حَتَّى يَيْبَسَ وَيَنْتَشِرَ فلا يمر بزرع إلا اجتاحه وقدأجمع الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ أَكْلِهِ بِغَيْرِ تَذْكِيَةٍ إِلَّا أن المشهور عند المالكيةاشتراط تَذْكِيَتِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي صِفَتِهَا فَقِيلَ بِقَطْعِ رَأْسِهِ وَقِيلَ إِنْ وَقَعَ فِي قِدْرٍ أَوْ نَارٍ حل قال بن وَهْبٍ أَخْذُهُ ذَكَاتَهُ وَوَافَقَ مُطَرِّفٌ مِنْهُمُ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّهُ لَا يُفْتَقَرُ إِلَى ذَكَاتِهِ لِحَدِيثِ بن عُمَرَ أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا وَقَالَ إِنَّ الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ وَرَجَّحَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا الْمَوْقُوفَ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ إِنَّ لَهُ حُكْمَ الرَّفْعِ كذا في الفتح [1821] قوله (حدثنا سفيان) هو بن عُيَيْنَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ بَعْدُ (عَنْ أَبِي يَعْفُورَ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَضَمِّ الْفَاءِ وَبِالرَّاءِ اسْمُهُ وَقْدَانُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْقَافِ الْعَبْدِيُّ الْكُوفِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَهُوَ الْأَكْبَرُ وَيُقَالُ اسْمُهُ وَاقِدٌ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (نَأْكُلُ الْجَرَادَ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ مَعَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمَعِيَّةِ مُجَرَّدَ الْغَزْوِ دُونَ مَا تَبِعَهُ مِنْ أَكْلِ الْجَرَادِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَعَ أَكْلِهِ وَيَدُلُّ عَلَى الثَّانِي أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ وَيَأْكُلُ مَعَنَا وَهَذَا إِنْ صَحَّ يَرُدُّ عَلَى الصميري مِنَ الشَّافِعِيَّةِ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَافَهُ كَمَا عَافَ الضَّبَّ ثُمَّ وقفت على مستند الصميري وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ سُئِلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَرَادِ فَقَالَ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَالصَّوَابُ مُرْسَلٌ وَلِابْنِ عَلِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ ثَابِتِ بْنِ زهير عن نافع عن بن عُمَرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنِ الضَّبِّ فَقَالَ لَا آكُلُهُ وَلَا أُحَرِّمُهُ وَسُئِلَ عَنِ الْجَرَادِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ وَهَذَا لَيْسَ ثَابِتًا لِأَنَّ ثَابِتًا قَالَ فِيهِ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ الْإِجْمَاعَ عَلَى حِلِّ أكل الجراد لكن فصل بن الْعَرَبِيِّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ بَيْنَ جَرَادِ الْحِجَازِ وَجَرَادِ الْأَنْدَلُسِ فَقَالَ فِي جَرَادِ الْأَنْدَلُسِ لَا يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ مَحْضٌ وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَضُرُّ أَكْلُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِيهِ سُمِّيَّةٌ تَخُصُّهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ جَرَادِ الْبِلَادِ تَعَيَّنَ اسْتِثْنَاؤُهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِلَفْظِهِ قَوْلُهُ (هَكَذَا رَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي يَعْفُورَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ سِتَّ غَزَوَاتٍ وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي يَعْفُورَ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عِنْدَ البخاري عن أبي يعفور عن بن أَبِي أَوْفَى سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ سِتًّا بِالشَّكِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ دَلَّتْ رِوَايَةُ شُعْبَةَ عَلَى أَنَّ شَيْخَهُمْ كَانَ يَشُكُّ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ جَزَمَ مَرَّةً بِالسَّبْعِ ثُمَّ لَمَّا طَرَأَ

باب ما جاء في أكل لحوم الجلالة وألبانها

عَلَيْهِ الشَّكُّ صَارَ يَجْزِمُ بِالسِّتِّ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَمْلَ أَنَّ سَمَاعَ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ دُونَ الثَّوْرِيِّ وَمَنْ ذُكِرَ معه ولكن وقع عند بن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْوَلِيدِ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ سَبْعًا أَوْ سِتًّا يَشُكُّ شُعْبَةُ انْتَهَى قوله (وفي الباب عن بن عمر وجابر) أما حديث بن عُمَرَ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا بن مَاجَهْ وَأَبُو يَعْفُورَ الْآخَرُ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسَ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَأَبُو يَعْفُورَ هَذَا هُوَ الْأَصْغَرُ وَالْأَوَّلُ الْأَكْبَرُ [1822] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ) هُوَ الزبير (والمؤمل) هو بن إِسْمَاعِيلَ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ قَوْلُهُ (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِالسِّتِّ أَوِ السَّبْعِ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ سِتًّا بِالشَّكِّ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَكْلِ لُحُومِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ وَهِيَ الْحَيَوَانُ الَّذِي يَأْكُلُ الْعَذِرَةَ مِنَ الْجَلَّةِ بفتح

الْجِيمِ وَهِيَ الْبَعْرَةُ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْجَلَّةُ مُثَلَّثَةٌ الْبَعْرُ أَوِ الْبَعْرَةُ انْتَهَى وَتُجْمَعُ عَلَى جَلَّالَاتٍ عَلَى لَفْظِ الْوَاحِدَةِ وَجَوَالَّ كَدَابَّةٍ وَدَوَابَّ يُقَالُ جَلَّتِ الدَّابَّةُ الْجَلَّةَ وَأَجْلَتْهَا فَهِيَ جَالَّةٌ وَجَلَّالَةٌ وَسَوَاءٌ فِي الْجَلَّالَةِ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالْإِبِلُ وغيرها كالدجاج والأوز وغيرهما وادعى بن حَزْمٍ أَنَّهَا لَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى ذَاتِ الْأَرْبَعِ خَاصَّةً وَالْمَعْرُوفُ التَّعْمِيمُ ثُمَّ قِيلَ إِنْ كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ فَهِيَ جَلَّالَةٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا الطَّاهِرَ فَلَيْسَتْ جَلَّالَةً وَجَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي تَصْحِيحِ التَّنْبِيهِ وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرَّافِعِيِّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا اعْتِدَادَ بِالْكَثْرَةِ بَلْ بِالرَّائِحَةِ وَالنَّتْنِ فَإِنْ تَغَيَّرَ رِيحُ مَرَقِهَا أَوْ لَحْمِهَا أَوْ طَعْمُهَا أَوْ لَوْنُهَا فَهِيَ جَلَّالَةٌ كَذَا فِي النَّيْلِ [1824] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عبدة) هو بن سليمان الكلابي قوله (عن بن أَبِي نَجِيحٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ يَسَارٌ الْمَكِّيُّ أَبُو يَسَارٍ الثَّقَفِيُّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ رُمِيَ بِالْقَدَرِ وَرُبَّمَا دَلَّسَ مِنَ السَّادِسَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا) أَيْ وَعَنْ شُرْبِ أَلْبَانِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَكْلِ لُحُومِ الْجَلَّالَةِ وَأَلْبَانِهَا فَكَرِهَ ذَلِكَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالُوا لَا يُؤْكَلُ حَتَّى تُحْبَسَ أَيَّامًا وَتُعْلَفَ عَلَفًا غَيْرَهَا فَإِذَا طَابَ لَحْمُهَا فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ أَنَّ الْبَقَرَ تُعْلَفُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يُؤْكَلُ لَحْمُهَا وكان بن عُمَرَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَةَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ يَذْبَحُ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا بَعْدَ أَنْ يُغْسَلَ غَسْلًا جَيِّدًا وَكَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ لَا يَرَى بَأْسًا بِأَكْلِ لُحُومِ الْجَلَّالَةِ وَكَذَا قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ انتهى وقال بن رَسْلَانَ فِي شَرْحِ السُّنَنِ وَلَيْسَ لِلْحَبْسِ مُدَّةٌ مُقَدَّرَةٌ وَعَنْ بَعْضِهِمْ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَفِي الْغَنَمِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَفِي الدَّجَاجَةِ ثَلَاثَةٌ وَاخْتَارَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَالتَّحْرِيرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَلَّالَةِ فِي الْإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا أَوْ يُشْرَبَ مِنْ أَلْبَانِهَا وَعِلَّةُ النَّهْيِ عَنِ الرُّكُوبِ أَنْ تَعْرَقَ فَتُلَوِّثَ مَا عَلَيْهَا بِعَرَقِهَا وَهَذَا مَا لَمْ تُحْبَسْ فَإِذَا حُبِسَتْ جَازَ رُكُوبُهَا عِنْدَ الْجَمِيعِ كَذَا فِي شَرْحِ السُّنَنِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن ماجة والحاكم وروى الثوري عن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَقَدِ اختلف في حديث بن عمر علي بن أَبِي نَجِيحٍ فَقِيلَ عَنْهُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ بن عُمَرَ وَقِيلَ عَنْ مُجَاهِدٍ مُرْسَلًا وَقِيلَ عَنْ مجاهد عن بن عَبَّاسٍ انْتَهَى [1825] قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الْمُجَثَّمَةِ) بِالْجِيمِ وَالْمُثَلَّثَةِ الْمَفْتُوحَةِ الَّتِي تُرْبَطُ وَتُجْعَلُ غَرَضًا لِلرَّمْيِ فَإِذَا مَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا وَالْجُثُومُ لِلطَّيْرِ وَنَحْوِهَا بِمَنْزِلَةِ الْبُرُوكِ لِلْإِبِلِ فَلَوْ جَثَمَتْ بِنَفْسِهَا فَهِيَ جَاثِمَةٌ وَمُجَثِّمَةٌ بِكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ وَتِلْكَ إِذَا صِيدَتْ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ فَذُبِحَتْ جَازَ أَكْلُهَا وَإِنْ رُمِيَتْ فَمَاتَتْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهَا تَصِيرُ مَوْقُوذَةً (عَنْ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ) قَدِ اخْتُلِفَ فِي طَهَارَةِ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى الطَّهَارَةِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَسْتَحِيلُ فِي بَاطِنِهَا فَيَظْهَرُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالدَّمِ يَسْتَحِيلُ فِي أَعْضَاءِ الْحَيَوَانَاتِ لَحْمًا وَيَصِيرُ لَبَنًا وَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي الْجَلَّالَةِ فِي الْبَابِ الْآتِي (وَعَنِ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ) أَيْ مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ مِنْ أَبْوَابِ الْأَشْرِبَةِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وأحمد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَعَنِ الْجَلَّالَةِ عَنْ رُكُوبِهَا وَأَكْلِ لُحُومِهَا

باب ما جاء في أكل الدجاج

24 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الدَّجَاجِ) هُوَ اسْمُ جِنْسٍ مُثَلَّثُ الدَّالِ ذكره المنذري في الحاشية وبن مَالِكٍ وَغَيْرُهُمَا وَلَمْ يَحْكِ النَّوَوِيُّ الضَّمَّ وَالْوَاحِدَةُ دَجَاجَةٌ مُثَلَّثٌ أَيْضًا وَقِيلَ إِنَّ الضَّمَّ فِيهِ ضَعِيفٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ دَخَلَتْهَا الْهَاءُ لِلْوَحْدَةِ مِثْلُ الْحَمَامَةِ وَأَفَادَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنَّ الدَّجَاجَ بِالْكَسْرِ اسْمٌ لِلذُّكْرَانِ دُونَ الْإِنَاثِ وَالْوَاحِدُ مِنْهَا دِيكٌ وَبِالْفَتْحِ الْإِنَاثُ دُونَ الذُّكْرَانِ وَالْوَاحِدَةُ دَجَاجَةٌ بِالْفَتْحِ أَيْضًا قَالَ وَسُمِّيَ لِإِسْرَاعِهِ فِي الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ مِنْ دَجَّ يَدِجُّ إِذَا أَسْرَعَ انْتَهَى وَفِي الْقَامُوسِ الدَّجَاجَةُ مَعْرُوفٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَيُثَلَّثُ انْتَهَى [1826] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ أَخْزَمَ) هُوَ الطَّائِيُّ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ) اسْمُهُ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ (عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدَّةِ الْوَاوِ اسْمُهُ عِمْرَانُ بن داور الّقَطَّانُ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ وَرُمِيَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ مِنَ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ زَهْدَمٍ) بوزن جعفر هو بن مُضَرِّبٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ (الْجَرْمِيِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَبُو مُسْلِمٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (وَهُوَ يَأْكُلُ الدَّجَاجَةَ) أَيْ لَحْمَهَا (فَقَالَ ادْنُ) أَمْرٌ مِنْ دَنَا يَدْنُو دُنُوًّا وَدَنَاوَةً أَيْ قَرُبَ (فَكُلْ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُهُ) فِي الْحَدِيثِ دُخُولُ الْمَرْءِ عَلَى صَدِيقِهِ فِي حَالِ أَكْلِهِ وَاسْتِدْنَاءُ صَاحِبِ الطَّعَامِ الدَّاخِلَ وَعَرْضُهُ الطَّعَامَ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا لِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْجَمَاعَةِ عَلَى الطَّعَامِ سَبَبٌ لِلْبَرَكَةِ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَفِيهِ إِبَاحَةُ لَحْمِ الدَّجَاجِ وَمَلَاذِّ الْأَطْعِمَةِ [1827] قَوْلُهُ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ أَيُّوبَ) هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ

قَوْلُهُ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ لَحْمَ دَجَاجٍ) فِيهِ جَوَازُ أَكْلِ الدَّجَاجِ إِنْسِيَّةً وَوَحْشِيَّةً وَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ إِلَّا عَنْ بَعْضِ الْمُتَعَمِّقِينَ عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ إِلَّا أَنَّ بَعْضَهُمُ اسْتَثْنَى الْجَلَّالَةَ وَهِيَ مَا تَأْكُلُ الْأَقْذَارَ وَظَاهِرُ صَنِيعِ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ لَمْ يُبَالِ بذلك وقد أخرج بن أبي شيبة بسند صحيح عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَةَ الْجَلَّالَةَ ثَلَاثًا وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ الْجَلَّالَةِ مِنَ الدَّجَاجِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا جَاءَ النَّهْيُ عَنْهَا لِلتَّقَذُّرِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ مِنْ طُرُقٍ أَصَحُّهَا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْ عكرمة عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْمُجَثَّمَةِ وَعَنْ لَبَنِ الْجَلَّالَةِ وَعَنِ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ وَهُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فِي رِجَالِهِ إِلَّا أَنَّ أَيُّوبَ رَوَاهُ عَنْ عِكْرِمَةَ فَقَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَلَّالَةِ وَعَنْ شُرْبِ أَلْبَانِهَا وَأَكْلِهَا وَرُكُوبِهَا وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ جَابِرٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَلَّالَةِ أَنْ يُؤْكَلَ لَحْمُهَا أَوْ يُشْرَبَ لَبَنُهَا وَلِأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَعَنِ الْجَلَّالَةِ عَنْ رُكُوبِهَا وَأَكْلِ لَحْمِهَا وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ كَرَاهَةَ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ إِذَا تَغَيَّرَ لَحْمُهَا بِأَكْلِ النَّجَاسَةِ وَفِي وَجْهٍ إِذَا أَكْثَرَتْ مِنْ ذَلِكَ وَرَجَّحَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَهُوَ قَضِيَّةُ صَنِيعِ أَبِي مُوسَى وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَنَّ الْعَلَفَ الطَّاهِرَ إِذَا صَارَ فِي كَرِشِهَا تَنَجَّسَ فَلَا تَتَغَذَّى إِلَّا بِالنَّجَاسَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يُحْكَمُ عَلَى اللَّحْمِ وَاللَّبَنِ بِالنَّجَاسَةِ فَكَذَلِكَ هَذَا وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْعَلَفَ الطَّاهِرَ إِذَا تَنَجَّسَ بِالْمُجَاوَرَةِ جَازَ إِطْعَامُهُ لِلدَّابَّةِ لِأَنَّهَا إِذَا أَكَلَتْهُ لَا تَتَغَذَّى بِالنَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا تَتَغَذَّى بِالْعَلَفِ بِخِلَافِ الْجَلَّالَةِ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّحْرِيمِ وَبِهِ جَزَمَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَنِ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَأَلْحَقُوا بِلَحْمِهَا وَلَبَنِهَا بَيْضَهَا وَفِي مَعْنَى الْجَلَّالَةِ مَا يَتَغَذَّى بِالنَّجَسِ كَالشَّاةِ تَرْضِعُ مِنْ كَلْبَةٍ وَالْمُعْتَبَرُ فِي جَوَازِ أَكْلِ الْجَلَّالَةِ زَوَالُ رَائِحَةِ النَّجَاسَةِ بَعْدَ أَنْ تُعْلَفَ بِالشَّيْءِ الطَّاهِرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَجَاءَ عَنِ السَّلَفِ فِيهِ تَوْقِيتٌ فعند بن أبي شيبة عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْبِسُ الدَّجَاجَةَ الْجَلَّالَةَ ثَلَاثًا كَمَا تَقَدَّمَ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ فِيهِ نَظَرٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مَرْفُوعًا أَنَّهَا لَا تُؤْكَلُ حَتَّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اِعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا مُقْتَصَرًا عَلَى الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ وَسَاقَهُ فِي الشَّمَائِلِ مُطَوَّلًا إِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَفِي الْحَدِيثِ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا) وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُطَوَّلًا فِي بَابِ لَحْمِ الدَّجَاجِ وَغَيْرِهِ وَمُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ

باب ما جاء في أكل الحبارى

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَقَدْ رَوَى أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ القاسم التميمي) هو بن عَاصِمٍ التَّمِيمِيُّ وَيُقَالُ الْكُلَيْنِيُّ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ اللَّامِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ ثُمَّ نُونٌ نِسْبَةٌ إِلَى كُلَيْنَ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْعِرَاقِ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الْحُبَارَى) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مَقْصُورًا قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحُبَارَى طَائِرٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَأَلِفُهُ لِلتَّأْنِيثِ وَغَلِطَ الْجَوْهَرِيُّ إِذْ لَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ لَانْصَرَفَتْ وَالْجَمْعُ حُبَارَيَات انْتَهَى وَفِي حَيَاةِ الْحَيَوَانِ لِلدَّمِيرِيِّ الْحُبَارَى طَائِرٌ كَبِيرُ الْعُنُقِ رَمَادِيُّ اللَّوْنِ فِي مِنْقَارِهِ بَعْضُ طُولٍ وَمِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَصِيدَ وَلَا تُصَادَ انْتَهَى وَفِي الصُّرَاحِ حُبَارَى بِالضَّمِّ شوات قَالَ فِي غيات اللُّغَاتِ شوات بِفَتْحٍ وَضَمٍ أَوْلِ وَتَاءٍ فَوقَانِي سرخاب أزبرهان وجها نكيري ودر تحفة السعادة وسروري بِمَعْنَى جرزكة بعربي حباري كويند وبعضى كوبندكه فيل مرغ انْتَهَى وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الطَّيْرِ مُذَكَّرُهَا وَمُؤَنَّثُهَا وَوَاحِدُهَا وَجَمْعُهَا سَوَاءٌ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ فِي الْجَمْعِ حُبَارَيَاتٌ وَفِي الْمَثَلِ كُلُّ شَيْءٍ يُحِبُّ وَلَدَهُ حَتَّى الْحُبَارَى وَإِنَّمَا خَصُّوا الْحُبَارَى لِأَنَّهُ يُضْرَبُ بِهَا الْمَثَلُ فِي الْحُمْقِ فهي على حمقها تحب ولدهاوتعلمه الطَّيَرَانَ انْتَهَى [1828] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ) الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ لَهُ مَنَاكِيرُ قِيلَ إِنَّهَا مِنْ قِبَلِ الرَّاوِي عَنْهُ مِنَ الْعَاشِرَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَفِينَةَ) لَقَبُهُ بُرَيْهٌ وَهُوَ تَصْغِيرُ إِبْرَاهِيمَ مَسْتُورٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عُمَرَ بْنِ سَفِينَةَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ سَفِينَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان عَبْدًا لِأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَعْتَقَتْهُ وَشَرَطَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْدُمَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم

باب ما جاء في أكل الشواء

قَوْلُهُ (أَكَلْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَحْمَ حُبَارَى) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْحُبَارَى حَلَالٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْعُقَيْلِيُّ وبن حبان (روى عنه بن أَبِي فُدَيْكٍ) بِالْفَاءِ مُصَغَّرًا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ الدِّيلِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ صَدُوقٌ مِنْ صِغَارِ الثامنة قوله (ويقول) أي بن أَبِي فُدَيْكٍ فِي رِوَايَتِهِ (بُرَيْهُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ وَهَاءٌ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ تَصْغِيرُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ وَبُرَيْهُ لَقَبٌ غَلَبَ عَلَيْهِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده في أكل الحبارى وعنه بن أَبِي فُدَيْكٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ انْتَهَى 6 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الشِّوَاءِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ شَوَى اللَّحْمَ شَيًّا فَاشْتَوَى وَانْشَوَى هُوَ الشِّوَاءُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ انْتَهَى [1829] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الصيصي الأعور (أخبرني مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْكِنْدِيُّ الْمَدَنِيُّ الْأَعْرَجُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (إِنَّهَا قَرَّبَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَنْبًا مَشْوِيًّا فَأَكَلَ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْجَنْبِ الْمَشْوِيِّ فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزًا مُرَقَّقًا وَلَا شَاةً مَسْمُوطَةً حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وجل أخرجه البخاري قلت قال بن بَطَّالٍ مَا مُلَخَّصُهُ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِأَنْ يُقَالَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ

باب ما جاء في كراهية الأكل متكئا

لَمْ يَتَّفِقْ أَنْ تُسَمَّطَ لَهُ شَاةٌ بِكَمَالِهَا لِأَنَّهُ قَدِ احْتَزَّ مِنَ الْكَتِفِ مَرَّةً وَمِنَ الْجَنْبِ الْأُخْرَى وَذَلِكَ لَحْمٌ مَسْمُوطٌ أَوْ يُقَالُ إِنَّ أَنَسًا قَالَ لَا أَعْلَمُ وَلَمْ يَقْطَعْ بِهِ وَمَنْ عَلِمَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يعلم وتعقبه بن الْمُنِيرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَزِّ الْكَتِفِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ كَانَتْ مَسْمُوطَةً بَلْ إِنَّمَا حَزَّهَا لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ عَادَتُهَا غَالِبًا أَنَّهَا لَا تُنْضِجُ اللَّحْمَ فَاحْتِيجَ إِلَى الْحَزِّ قَالَ الْحَافِظُ وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا مِنْ كَوْنِهَا مَشْوِيَّةً وَاحْتَزَّ مِنْ كَتِفِهَا أَوْ جَنْبِهَا أَنْ تكون مسموطة فإن شيء المسلوخ أكثر من شيء الْمَسْمُوطِ لَكِنْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ أَكَلَ الْكُرَاعَ وَهُوَ لَا يُؤْكَلُ إِلَّا مَسْمُوطًا هَذَا لَا يَرُدُّ عَلَى أَنَسٍ فِي نَفْيِ رِوَايَةِ الشَّاةِ الْمَسْمُوطَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ وَالْمُغِيرَةِ وَأَبِي رَافِعٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ص 190 وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والترمذي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْأَكْلِ مُتَّكِئًا) [1830] قَوْلُهُ (أَمَّا أَنَا فَلَا آكُلُ مُتَّكِئًا) سَبَبُ هَذَا الْحَدِيثِ قِصَّةُ الْأَعْرَابِيِّ الْمَذْكُورِ فِي حديث عبد الله بن بسر عند بن ماجه والطبراني بسند حسن قال أهديت النبي صلى الله عليه وسلم شاة فجثى عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَأْكُلُ فَقَالَ لَهُ أَعْرَابِيٌّ مَا هَذِهِ الْجِلْسَةُ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَنِي عَبْدًا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا قال بن بَطَّالٍ إِنَّمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَلَكٌ لَمْ يَأْتِهِ قَبْلَهَا فَقَالَ إِنَّ رَبَّكَ يُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَبْدًا نَبِيًّا أَوْ مَلَكًا نَبِيًّا قَالَ فَنَظَرَ إِلَى جِبْرِيلَ كَالْمُسْتَشِيرِ لَهُ فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَنْ تَوَاضَعْ فَقَالَ بَلْ عَبْدًا نَبِيًّا قَالَ فَمَا أَكَلَ مُتَّكِئًا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا مُرْسَلٌ أَوْ مُعْضَلٌ وَقَدْ وَصَلَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزَّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله بن عباس قال كان بن عَبَّاسٍ يُحَدِّثُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ

حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قال ما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَّكِئًا إِلَّا مَرَّةً ثُمَّ نَزَعَ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَهَذَا مُرْسَلٌ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ تِلْكَ الْمَرَّةَ الَّتِي فِي أَثَرِ مُجَاهِدٍ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَقَدْ أَخْرَجَ بن شَاهِينٍ فِي نَاسِخِهِ مِنْ مُرْسَلِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ جِبْرِيلَ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ مُتَّكِئًا فَنَهَاهُ وَمِنْ حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَهَاهُ جِبْرِيلُ عَنِ الْأَكْلِ مُتَّكِئًا لَمْ يَأْكُلْ مُتَّكِئًا بَعْدَ ذَلِكَ وَاخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الِاتِّكَاءِ فَقِيلَ أَنْ يَتَمَكَّنَ فِي الْجُلُوسِ لِلْأَكْلِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ وَقِيلَ أَنْ يَمِيلَ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ وَقِيلَ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى مِنَ الْأَرْضِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ تَحْسِبُ الْعَامَّةُ أَنَّ الْمُتَّكِئَ هُوَ الْآكِلُ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ الْمُعْتَمِدُ عَلَى الْوِطَاءِ الَّذِي تَحْتَهُ قَالَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ إِنِّي لا أقعد متكئا على الوطإ عِنْدَ الْأَكْلِ فِعْلَ مَنْ يَسْتَكْثِرُ مِنَ الطَّعَامِ فَإِنِّي لَا آكُلُ إِلَّا الْبُلْغَةَ مِنَ الزَّادِ فَلِذَلِكَ أَقْعُدُ مُسْتَوْفِزًا وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ تَمْرًا وَهُوَ مُقْعٍ وَفِي رِوَايَةٍ وَهُوَ مُحْتَضِرٌ وَالْمُرَادُ الْجُلُوسُ على وركيه غير متمكن وأخرج بن عَدِيٍّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عِنْدَ الْأَكْلِ قَالَ مَالِكٌ هُوَ نَوْعٌ مِنَ الِاتِّكَاءِ قَالَ الْحَافِظُ وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ مِنْ مَالِكٍ إِلَى كَرَاهَةِ كُلِّ مَا يُعَدُّ الْأَكْلُ فِيهِ مُتَّكِئًا وَلَا يَخْتَصُّ بِصِفَةٍ بِعَيْنِهَا وجزم بن الْجَوْزِيِّ فِي تَفْسِيرِ الِاتِّكَاءِ بِأَنَّهُ الْمَيْلُ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ لِإِنْكَارِ الْخَطَّابِيِّ ذَلِكَ وحكى بن الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ مَنْ فَسَّرَ الِاتِّكَاءَ بِالْمَيْلِ عَلَى أَحَدِ الشِّقَّيْنِ تَأَوَّلَهُ عَلَى مَذْهَبِ الطِّبِّ بِأَنَّهُ لَا يَنْحَدِرُ فِي مَجَارِي الطَّعَامِ سَهْلًا وَلَا يُسِيغُهُ هَنِيئًا وَرُبَّمَا تَأَذَّى وَاخْتَلَفَ السلف في حكم الأكل متكئا فزعم بن القاص أن ذلك من الخصائص البوية وَتَعَقَّبَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ قَدْ يُكْرَهُ لِغَيْرِهِ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ فِعْلِ الْمُتَعَظِّمِينَ وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مُلُوكِ الْعَجَمِ قَالَ فَإِنْ كَانَ بِالْمَرْءِ مَانِعٌ لَا يَتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنَ الْأَكْلِ إِلَّا مُتَّكِئًا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ كَرَاهَةٌ ثُمَّ سَاقَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ أَكَلُوا كَذَلِكَ وَأَشَارَ إِلَى حَمْلِ ذَلِكَ عَنْهُمْ عَلَى الضَّرُورَةِ وفي الحمل نظر وقد أخرج بن أبي شيبة عن بن عَبَّاسٍ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَمُحَمَّدِ بن سِيرِينَ وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيِّ جَوَازَ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَإِذَا ثَبَتَ كَوْنُهُ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى فَالْمُسْتَحَبُّ فِي صِفَةِ الْجُلُوسِ لِلْأَكْلِ أَنْ يَكُونَ جَاثِيًا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَظُهُورِ قَدَمَيْهِ أَوْ يَنْصِبَ الرِّجْلَ الْيُمْنَى وَيَجْلِسَ عَلَى الْيُسْرَى وَاسْتَثْنَى الْغَزَالِيُّ مِنْ كَرَاهَةِ الْأَكْلِ مُضْطَجِعًا أَكْلَ الْبَقْلِ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ وَأَقْوَى مَا ورد في ذلك ما أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَأْكُلُوا اتِّكَاءَةً مَخَافَةَ أَنْ تَعْظُمَ بُطُونُهُمْ وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ بَقِيَّةُ مَا ورد

باب ما جاء في حب النبي صلى الله عليه وسلم

فِيهِ مِنَ الْأَخْبَارِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ فيه ظاهر وكذلك ما أشار إليه بن الْأَثِيرِ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حُبِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ الْحَلْوَاءُ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ لُغَتَانِ وَهِيَ عِنْدَ الْأَصْمَعِيِّ بِالْقَصْرِ تُكْتَبُ بِالْيَاءِ وَعِنْدَ الْفَرَّاءِ بِالْمَدِّ تُكْتَبُ بِالْأَلْفِ وَقَالَ اللَّيْثُ الْأَكْثَرُ عَلَى الْمَدِّ وَهُوَ كُلُّ حُلْوٍ يُؤْكَلُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ اسْمُ الْحَلْوَى لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى مَا دَخَلَتْهُ الصَّنْعَةُ وَفِي الْمُخَصَّصِ لِابْنِ سِيدَهْ هِيَ مَا عُولِجَ مِنَ الطعام بحلاوة وقد تطلق عَلَى الْفَاكِهَةِ [1831] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ) هُوَ النَّيْسَابُورِيُّ (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) اسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ (عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ الْأَسَدِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ رُبَّمَا دَلَّسَ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مَشْهُورٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِالْحَلْوَاءِ هُنَا كل شيء

باب ما جاء في إكثار المرقة

حُلْوٍ وَذَكَرَ الْعَسَلَ بَعْدَهَا تَنْبِيهًا عَلَى شَرَافَتَهِ وَمَزِيَّتِهِ وَهُوَ مِنْ بَابِ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ العام انتهى قال بن بَطَّالٍ الْحَلْوَى وَالْعَسَلُ مِنْ جُمْلَةِ الطَّيِّبَاتِ الْمَذْكُورَةِ في قوله تعالى (كلوا من الطيبات) وَفِيهِ تَقْوِيَةٌ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُسْتَلَذُّ مِنَ الْمُبَاحَاتِ وَدَخَلَ فِي مَعْنَى هَذَا الحديث كل مايشابه الْحَلْوَى وَالْعَسَلَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَآكِلِ اللَّذِيذَةِ وَقَالَ الخطابي وتبعه بن التِّينِ لَمْ يَكُنْ حُبُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا عَلَى مَعْنَى كَثْرَةِ التَّشَهِّي لَهَا وَشِدَّةِ نِزَاعِ النَّفْسِ إِلَيْهَا وَإِنَّمَا كَانَ يَنَالُ مِنْهَا إِذَا أُحْضِرَتْ إِلَيْهِ نَيْلًا صَالِحًا فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تُعْجِبُهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطَّلَاقِ وَالْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالطِّبِّ وَتَرْكِ الْحِيَلِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الطَّلَاقِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْأَشْرِبَةِ وَالنَّسَائِيُّ في الوليمة والطب وبن مَاجَهْ فِي الْأَطْعِمَةِ (وَفِي الْحَدِيثِ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا) يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُطَوَّلٌ وَاخْتَصَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُطَوَّلًا فِي الطَّلَاقِ وَالْحِيَلِ وَمُسْلِمٌ فِي الطَّلَاقِ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِكْثَارِ الْمَرَقَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَرَقُ بِالتَّحْرِيكِ هُوَ مِنَ الطَّعَامِ مَعْرُوفٌ وَالْمَرَقَةُ أَخَصُّ انْتَهَى وَيُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ شوربا [1832] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الْأَزْدِيُّ الْفَرَاهِيدِيُّ أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ مُكْثِرٌ عَمِيَ بِآخِرِهِ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ لِأَبِي دَاوُدَ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَضَاءٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالْمُعْجَمَةِ مَعَ الْمَدِّ الْأَزْدِيُّ أَبُو بَحْرٍ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبِي) أَيْ فَضَاءُ بْنُ خَالِدٍ الْجَهْضَمِيُّ الْبَصْرِيُّ مَجْهُولٌ قَوْلُهُ (عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ وَقِيلَ اسْمُ جَدِّهِ عُمَرُ وَالْمُزَنِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانِ بْنِ نُبَيْشَةَ بْنِ سَلَمَةَ الْمُزَنِيِّ وَقِيلَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ هِلَالٍ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وَكَانَ أَحَدُ الْبَكَّائِينَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ

قَوْلُهُ (إِذَا اشْتَرَى أَحَدُكُمْ لَحْمًا) لِيَطْبُخَهُ وَالْمُرَادُ حَصَّلَهُ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَذِكْرُ الشِّرَاءِ غَالِبِيٌّ (فَلْيُكْثِرْ) مِنَ الْإِكْثَارِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ أَحَدُكُمْ (وَهُوَ أَحَدُ اللَّحْمَيْنِ) لِأَنَّ دَسَمَ اللَّحْمِ يَتَحَلَّلُ فِيهِ فَيَقُومُ مَقَامَ اللَّحْمِ فِي التَّغَذِّي وَالنَّفْعِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (ومحمد بن فضاء هي المعبرة وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ بْنَ حَرْبٍ يُضَعِّفُهُ وَيَقُولُ كان يبيع الشراب قال بن معين ضعيف الحديث ليس بشيء وقال بن الْجُنَيْدِ قُلْتُ لِابْنِ مَعِينٍ مُحَمَّدُ بْنُ فَضَاءٍ كَانَ يُعَبِّرُ الرُّؤْيَا قَالَ نَعَمْ وَحَدِيثُهُ مِثْلُ تَعْبِيرِهِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَقَالَ مَرَّةً لَيْسَ بِثِقَةٍ انْتَهَى (وَعَلْقَمَةُ هُوَ أَخُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ وقال بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هِلَالٍ الْمُزَنِيُّ أَخُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ رَوَى عَنْهُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَذَا قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الْكَبِيرِ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَنْدَهْ وَأَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِمْ إِنَّهُ أَخُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو المزني وكذا قال بن عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ وَتَبِعَهُ الْمُؤَلِّفُ وَتَرَدَّدَ هُنَا لِمَا رَوَاهُ الْآجُرِّيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ مِنْ أَنَّهُ قِيلَ لِأَبِي دَاوُدَ عَلْقَمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ أَخُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَا انْتَهَى [1833] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْأَسْوَدِ الْبَغْدَادِيُّ) الْعِجْلِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ كَثِيرًا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَى عَنْهُ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَنْقَزِيُّ

باب ما جاء في فضل الثريد

بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ بَيْنَهَا نُونٌ سَاكِنَةٌ وَبِالزَّايِ أَبُو سَعِيدٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بن العنقزي بزيادة لفظ بن بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَالْعَنْقَزِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ) هو بن يُونُسَ (عَنْ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازُ) بِمُعْجَمَاتٍ الْمُزَنِيِّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (لَا يَحْقِرَنَّ أَحَدُكُمْ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَعْرُوفُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا عُرِفَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ وَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ أَيْ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا رَأَوْهُ لَمْ يُنْكِرُوهُ وَمِنَ الْمَعْرُوفِ النَّصَفَةُ وَحُسْنُ الصُّحْبَةِ مَعَ الْأَهْلِ وَغَيْرِهِمْ وَتَلَقِّي النَّاسِ بِوَجْهٍ طَلْقٍ (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ أَحَدُكُمْ شَيْئًا مِنَ الْمَعْرُوفِ قَوْلُهُ (فَلْيَلْقَ أَخَاهُ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) ضِدُّ الْعَبُوسِ وَهُوَ الَّذِي فِيهِ الْبَشَاشَةُ وَالسُّرُورُ فَإِنَّهُ يَصِلُ إِلَى قَلْبِهِ سُرُورٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ إِيصَالَ السُّرُورِ إِلَى قَلْبِ مُسْلِمٍ حَسَنَةٌ (وَإِذَا اشْتَرَيْتَ لَحْمًا أَوْ طَبَخْتَ قِدْرًا) الظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّنْوِيعِ وَالْمَعْنَى إِذَا طَبَخْتَ لَحْمًا أَوْ طَبَخْتَ قِدْرًا مِنْ غَيْرِ اللَّحْمِ كَالسَّلْقِ وَغَيْرِهِ (وَاغْرِفْ لِجَارِكَ مِنْهُ) أَيْ أَعْطِ غَرْفَةً مِنْهُ لِجَارِكَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ غَرَفَ الْمَاءَ يَغْرِفُهُ وَيَغْرُفُهُ أَخَذَهُ بيده كاغترافه وَالْغَرْفَةُ لِلْمَرَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ والترمذي وصححه وكذلك بن حِبَّانَ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الثَّرِيدِ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ أَنْ يُثْرَدَ الْخُبْزُ بِمَرَقِ اللَّحْمِ وَقَدْ يَكُونُ مَعَهُ اللحم

وَمِنْ أَمْثَالِهِمْ الثَّرِيدُ أَحَدُ اللَّحْمَيْنِ وَرُبَّمَا كَانَ أَنْفَعَ وَأَقْوَى مِنْ نَفْسِ اللَّحْمِ النَّضِيجِ إِذَا ثُرِدَ بِمَرَقَتِهِ [1834] قَوْلُهُ (كَمُلَ) بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ كَمَلَ كَنَصَرَ وَكَرُمَ وَعَلِمَ كَمَالًا وَكُمُولًا انْتَهَى أَيْ صَارَ كَامِلًا أَوْ بَلَغَ مَبْلَغَ الْكَمَالِ قَوْلُهُ (مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ) أَيْ كَثِيرُونَ مِنْ أَفْرَادِ هَذَا الْجِنْسِ حَتَّى صَارُوا رُسُلًا وَأَنْبِيَاءَ وَخُلَفَاءَ وَعُلَمَاءَ وَأَوْلِيَاءَ (وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ) وَالتَّقْدِيرُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُنَّ وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْقَلِيلُ مَحْصُورًا فِيهِمَا بِاعْتِبَارِ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ نَصَّ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْكُمَّلِ مِنَ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ تَعْدَادُهُمْ وَاسْتِقْصَاؤُهُمْ بِطَرِيقِ الِانْحِصَارِ سَوَاءٌ أُرِيدَ بِالْكُمَّلِ الْأَنْبِيَاءُ أَوِ الْأَوْلِيَاءُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَصْرِ عَلَى أَنَّهُمَا نَبِيَّتَانِ لِأَنَّ أَكْمَلَ الْإِنْسَانِ الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَوْلِيَاءُ وَالصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ فَلَوْ كَانَتَا غَيْرَ نَبِيَّتَيْنِ لَلَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي النِّسَاءِ وَلِيَّةٌ وَلَا صِدِّيقَةٌ وَلَا شَهِيدَةٌ وَالْوَاقِعُ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ فِي كَثِيرٍ مِنْهُنَّ مَوْجُودَةٌ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَلَمْ يُنَبَّأْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا فُلَانَةُ وَفُلَانَةُ وَلَوْ قَالَ لَمْ تَثْبُتْ صِفَةُ الصِّدِّيقِيَّةِ أَوِ الْوِلَايَةِ أَوِ الشَّهَادَةِ إِلَّا لِفُلَانَةَ وَفُلَانَةَ لَمْ يَصِحَّ لِوُجُودِ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِنَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ كَمَالُ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ فَلَا يَتِمُّ الدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ لِأَجْلِ ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَا يَلْزَمُ مِنْ لَفْظِ الْكَمَالِ ثُبُوتُ نُبُوَّتِهِمَا لِأَنَّهُ يُطْلَقُ لِتَمَامِ الشَّيْءِ وَتَنَاهِيهِ فِي بَابِهِ فَالْمُرَادُ بِبُلُوغِهِمَا إِلَيْهِ فِي جَمِيعِ الْفَضَائِلِ الَّتِي لِلنِّسَاءِ قَالَ وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ نُبُوَّةِ النِّسَاءِ كَذَا قَالَ وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الْأَشْعَرِيِّ مِنَ النِّسَاءِ مَنْ نُبِّئَ وَهُنَّ سِتٌّ حَوَّاءُ وَسَارَةُ وَأُمُّ مُوسَى وَهَاجَرُ وَآسِيَةُ وَمَرْيَمُ وَالضَّابِطُ عِنْدَهُ أَنَّ مَنْ جَاءَهُ الْمَلَكُ عَنِ اللَّهِ بِحُكْمٍ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ أَوْ بِإِعْلَامٍ مِمَّا سَيَأْتِي فَهُوَ نَبِيٌّ وَقَدْ ثَبَتَ مَجِيءُ الْمَلَكِ لِهَؤُلَاءِ بِأُمُورٍ شَتَّى مِنْ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَوَقَعَ التصريح بالإيحاء لبعضهن في القرآن وذكر بن حَزْمٍ فِي الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَمْ يَحْدُثِ التَّنَازُعُ فِيهَا إِلَّا فِي عَصْرِهِ بِقُرْطُبَةَ وَحُكِيَ عَنْهُمْ أَقْوَالًا ثَالِثُهَا الْوَاقِفُ قَالَ وَحُجَّةُ الْمَانِعِينَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قبلك إلا رجالا قَالَ وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يَدَّعِ فِيهِنَّ الرِّسَالَةَ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي النُّبُوَّةِ فَقَطْ قَالَ وَأَصْرَحُ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ قِصَّةُ مَرْيَمَ وَفِي قِصَّةِ أُمِّ مُوسَى مَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ لَهَا مِنْ مُبَادَرَتِهَا بِإِلْقَاءِ وَلَدِهَا فِي الْبَحْرِ بِمُجَرَّدِ الْوَحْيِ إِلَيْهَا بِذَلِكَ قَالَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَرْيَمَ وَالْأَنْبِيَاءَ بَعْدَهَا أُولَئِكَ الذين أنعم الله عليهم من النبيين فَدَخَلَتْ فِي عُمُومِهِ وَاَللَّهُ

باب ما جاء أنه قال انهسوا اللحم نهسا

تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ مَرْيَمَ نَبِيَّةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيْهَا بِوَاسِطَةِ الْمَلَكِ وَأَمَّا آسِيَةُ فَلَمْ يَرِدْ مَا يَدُلُّ عَلَى نُبُوَّتِهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ) أَيْ عَلَى جِنْسِهِنَّ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا جَمِيعِهِنَّ أَوْ عَلَى نِسَاءِ الْجَنَّةِ أَوْ عَلَى نِسَاءِ زَمَانِهَا أَوْ عَلَى نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ (كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ) قَالَ الْحَافِظُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَفْضَلِيَّةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا عَلَى غَيْرِهَا لِأَنَّ فَضْلَ الثَّرِيدِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الطَّعَامِ إِنَّمَا هُوَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَيْسِيرِ الْمُؤْنَةِ وَسُهُولَةِ الْإِسَاغَةِ وَكَانَ أَجَلُّ أَطْعِمَتِهِمْ يَوْمَئِذٍ وَكُلُّ هَذِهِ الْخِصَالِ لَا تَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْأَفْضَلِيَّةِ لَهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَقَدْ يَكُونُ مَفْضُولًا بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ مِنْ جِهَاتٍ أُخْرَى وَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي هَذَا فِي فَضْلِ عَائِشَةَ مِنْ أَبْوَابِ الْمَنَاقِبِ قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْأَنْبِيَاءِ وَفِي فَضْلِ عَائِشَةَ وَفِي الْأَطْعِمَةِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْفَضَائِلِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ وفي عشرة النساء وبن مَاجَهْ فِي الْأَطْعِمَةِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ قَالَ انْهَسُوا اللَّحْمَ نَهْسًا) [1835] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيِّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ أَمِيرُ الْبَصْرَةِ لَهُ رِوَايَةٌ وَلِأَبِيهِ وَجَدِّهِ صُحْبَةٌ قال بن عَبْدِ الْبَرِّ أَجْمَعُوا عَلَى تَوْثِيقِهِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (اِنْهَسُوا اللَّحْمَ نَهْسًا) بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ انْهَشُوا اللَّحْمَ نَهْشًا

بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَهَسَ اللَّحْمَ كَمَنَعَ وَسَمِعَ أَخَذَهُ بِمُقَدَّمِ أَسْنَانِهِ وَنَتَفَهُ وَقَالَ فِي بَابِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ نَهَشَهُ كَمَنَعَهُ نَهَسَهُ وَنَسَعَهُ وَعَضَّهُ أَوْ أَخَذَهُ بِأَضْرَاسِهِ وَبِالسِّينِ أَخَذَهُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ النَّهْشُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ أَوْ مُهْمَلَةٌ وَهُمَا بِمَعْنًى عِنْدَ الْأَصْمَعِيِّ وَبِهِ جَزَمَ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ الْقَبْضُ عَلَى اللَّحْمِ بِالْفَمِ وَإِزَالَتُهُ عَنِ الْعَظْمِ أَوْ غَيْرِهِ وَقِيلَ بِالْمُعْجَمَةِ هَذَا وَبِالْمُهْمَلَةِ تَنَاوُلُهُ بِمُقَدَّمِ الْفَمِ وَقِيلَ النَّهْسُ بِالْمُهْمَلَةِ الْقَبْضُ عَلَى اللَّحْمِ وَنَتْرُهُ عِنْدَ الْأَكْلِ انْتَهَى (فَإِنَّهُ) أَيِ النَّهْسَ (أَهْنَأُ) مِنَ الْهَنِيءِ وَهُوَ اللَّذِيذُ الْمُوَافِقُ لِلْغَرَضِ (وَأَمْرَأُ) مِنَ الِاسْتِمْرَاءِ وَهُوَ ذَهَابُ كِظَّةِ الطَّعَامِ وَثِقَلِهِ وَيُقَالُ هَنَأَ الطَّعَامُ وَمَرَأَ إِذَا كَانَ سَائِغًا أَوْ جَارِيًا فِي الْحَلْقِ مِنْ غَيْرِ تَعَبٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ الْعِرَاقِيَّ الْأَمْرُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِرْشَادِ فَإِنَّهُ عَلَّلَهُ بِكَوْنِهِ أَهْنَأَ وَأَمْرَأَ أَيْ أَشَدُّ هَنَأً ومراءة ويقال هنيء صار هنيئا ومرىء صَارَ مَرِيئًا وَهُوَ أَنْ لَا يَثْقُلَ عَلَى الْمَعِدَةِ وَيَنْهَضِمَ عَنْهَا قَالَ وَلَمْ يَثْبُتِ النَّهْيُ عَنْ قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ بَلْ ثَبَتَ الْحَزُّ مِنَ الْكَتِفِ فَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللَّحْمِ كَمَا إِذَا عَسُرَ نَهْشُهُ بِالسِّنِّ قُطِعَ بِالسِّكِّينِ وَكَذَا إِذَا لَمْ تُحْضَرِ السِّكِّينُ وَكَذَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْعَجَلَةِ وَالتَّأَنِّي انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ فَإِنَّهُ مِنْ صُنْعِ الْأَعَاجِمِ وَانْهَسُوهُ فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ وَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو مَعْشَرٍ السُّدِّيُّ الْمَدَنِيُّ وَاسْمُهُ نَجِيحٌ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الّقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ وَيَسْتَضْعِفُهُ جِدًّا وَيَضْحَكُ إِذَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ أَبُو مَعْشَرٍ لَهُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ مِنْهَا هَذَا وَمِنْهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْآتِي بَعْدَ بَابٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والحاكم

باب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الرخصة

32 - (بَاب مَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الرُّخْصَةِ) فِي قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى وَهِيَ السِّكِّينَةُ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ السِّكِّينُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ التَّذْكِيرُ انْتَهَى وَيُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ كارد [1836] قَوْلُهُ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ) الْمَدَنِيُّ وَهُوَ أَخُو عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ مِنَ الرَّضَاعَةِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الضَّمْرِيِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَوَّلُ مشاهده بير مَعُونَةَ مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ (اِحْتَزَّ) أَيْ قَطَعَ بِالسِّكِّينِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ افْتَعَلَ مِنَ الْحَزِّ الْقَطْعِ وَمِنْهُ الْحُزَّةُ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ وَقِيلَ الْحَزُّ الْقَطْعُ فِي الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ إِبَانَةٍ يُقَالُ حَزَزْتُ الْعُودَ أَحُزُّهُ حَزًّا انْتَهَى (مِنْ كَتِفِ شَاةٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْكَتِفُ كَفَرِحٍ وَمِثْلٍ وَجَبَلٍ انْتَهَى (ثُمَّ مَضَى إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْأَطْعِمَةِ فَدُعِيَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينُ الَّتِي يَحْتَزُّ بِهَا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ فِيهِ جَوَازُ قَطْعِ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ لِلْأَكْلِ حَسَنٌ وَلَا يُكْرَهُ أَيْضًا قَطَعَ الْخُبْزَ بِالسِّكِّينِ إِذْ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ صَرِيحٌ عَنْ قَطْعِ الْخُبْزِ وَغَيْرِهِ بِالسِّكِّينِ فَإِنْ قُلْتَ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ عن بن عَبَّاسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَا تَقْطَعُوا الْخُبْزَ بِالسِّكِّينِ كَمَا تَقْطَعُهُ الْأَعَاجِمُ وَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ اللَّحْمَ فَلَا يَقْطَعُهُ بِالسِّكِّينِ وَلَكِنْ لِيَأْخُذْهُ بِيَدِهِ فَلْيَنْهَسْهُ بِفِيهِ فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ فَإِنَّهُ مِنْ صَنِيعِ الْأَعَاجِمِ فَانْهَسُوهُ فَإِنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ قُلْتُ فِي سَنَدِ حَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ الثَّقَفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ النَّسَائِيُّ أَبُو مَعْشَرٍ لَهُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ منها هذا وقال بن عَدِيٍّ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ هُوَ ضَعِيفٌ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ بِلَفْظِهِ

باب ما جاء أي اللحم كان أحب إلى رسول الله

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْجِهَادِ وَالْأَطْعِمَةِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ في الوليمة وبن مَاجَهْ فِي الطَّهَارَةِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الثَّلَاثَةِ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِتُّ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَحُزُّ لِي مِنْ جَنْبٍ حَتَّى أَذَّنَ بِلَالٌ فَطَرَحَ السِّكِّينَ وَقَالَ ماله تربت يداه 3 - (باب ما جاء أَيِّ اللَّحْمِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1837] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا وَاصِلُ بن عبد الأعلى) الأسد الْكُوفِيُّ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفُضَيْلِ) هُوَ الضَّبِّيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ) بْنِ عَبْدُ اللَّهِ الْبَجْلِيِّ الْكُوفِيِّ قِيلَ اسْمُهُ هَرِمٌ وَقِيلَ عَمْرٌو وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ جَرِيرٌ ثِقَةٌ مِنَ الثالثة قوله (فدفع إِلَيْهِ الذِّرَاعُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الذِّرَاعُ بِالْكَسْرِ مِنْ طَرَفِ الْمِرْفَقِ إِلَى طَرَفِ الْأُصْبُعِ الْوُسْطَى وَالسَّاعِدُ وَقَدْ يُذَكَّرُ فِيهِمَا وَالْجَمْعُ أَذْرُعٌ وَذُرْعَانٌ بِالضَّمِّ وَمِنْ يَدَيِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَوْقَ الْكُرَاعِ وَمِنْ يَدِ الْبَعِيرِ فَوْقَ الْوَظِيفِ وَكَذَلِكَ مِنَ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ انْتَهَى (وَكَانَ) أَيِ الذِّرَاعُ (يُعْجِبُهُ) أَيْ يَرُوقُهُ وَهُوَ يَسْتَحْسِنُهُ وَيُحِبُّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ مَحَبَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلذِّرَاعِ لِنُضْجِهَا وَسُرْعَةِ اسْتِمْرَائِهَا مَعَ زِيَادَةِ لَذَّتِهَا وَحَلَاوَةِ مَذَاقِهَا وَبُعْدِهَا عَنْ مَوَاضِعِ الْأَذَى (فَنَهَسَ مِنْهَا) أَيْ مِنَ الذِّرَاعِ قِيلَ اسْتُحِبَّ النَّهْسُ لِلتَّوَاضُعِ وَعَدَمِ التَّكَبُّرِ وَلِأَنَّهُ أَهْنَأُ وَأَمْرَأُ كَمَا مَرَّ فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَأَبِي عبيدة) أما حديث بن

مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَحَبُّ الْعُرَاقِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرَاقَ الشَّاةِ قَالَ فِي القاموس العراق وكغراب الْعَظْمُ أُكِلَ لَحْمُهُ جَمْعُهُ كَكِتَابٍ وَغُرَابٍ نَادِرٌ أَوِ الْعَرْقُ الْعَظْمُ بِلَحْمِهِ فَإِذَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَعُرَاقٌ أَوْ كِلَاهُمَا لِكِلَيْهِمَا انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَالْقَوْمُ يُلْقُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّحْمَ يَقُولُ أَطْيَبُ اللَّحْمِ لَحْمُ الظَّهْرِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح) وأخرجه بن مَاجَهْ [1838] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ أَبُو عَبَّادٍ) الضُّبَعِيُّ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ) هُوَ الْمَدَنِيُّ (عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ يَحْيَى مِنْ وَلَدِ عَبَّادٍ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مَقْبُولٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (وَلَكِنْ كَانَ لَا يَجِدُ اللَّحْمَ إِلَّا غِبًّا) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدَّةِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ لَا يَأْكُلُونَ اللَّحْمَ إِلَّا غِبًّا أَيْ لَا يُدِيمُونَ عَلَى أَكْلِهِ وَهُوَ فِي أَوْرَادِ الْإِبِلِ أَنْ تَشْرَبَ يَوْمًا وَتَدَعَهُ يَوْمًا وَفِي غَيْرِهِ أَنْ تَفْعَلَ الشَّيْءَ يَوْمًا وَتَدَعَهُ أَيَّامًا انْتَهَى (فَكَانَ يُعَجِّلُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّعْجِيلِ أَيْ فَكَانَ يُعَجِّلُ فِي تَقْدِيمِ الذِّرَاعِ وَإِحْضَارِهِ إِلَيْهِ (إِلَيْهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ لَحْمَ الذِّرَاعِ (أَعْجَلُهَا) أَيْ أَعْجَلُ اللُّحُومِ (نُضْجًا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَضِجَ التَّمْرُ وَاللَّحْمُ كَسَمِعَ نُضْجًا وَنَضَجًا أَدْرَكَ انْتَهَى قِيلَ كَوْنُ الذِّرَاعِ أَعْجَلَ اللُّحُومِ نُضْجًا أَحَدُ وُجُوهِ الْإِعْجَابِ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ

باب ما جاء في الخل

34 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخَلِّ) [1839] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الحسن بن عروة) هُوَ الْعَبْدِيُّ الْبَغْدَادِيُّ (حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ سَعِيدٍ أَخُو سُفْيَانَ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُبَارَكُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ الثَّوْرِيُّ الْأَعْمَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأَخَوَيْهِ سُفْيَانَ وَعُمَرَ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْإِدَامُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَا يُؤْتَدَمُ بِهِ يُقَالُ أَدَمَ الْخُبْزَ يَأْدِمُهُ بِكَسْرِ الدَّالِ وَجَمْعُ الْإِدَامِ أُدُمٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ كَإِهَابٍ وَأُهُبٍ وَكِتَابٍ وَكُتُبٍ وَالْأَدْمُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ مُفْرَدٌ كَإِدَامٍ انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْإِدَامُ بِالْكَسْرِ وَالْأُدْمُ بِالضَّمِّ مَا يُؤْكَلُ مَعَ الْخُبْزِ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ انْتَهَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَدْحُ الِاقْتِصَارِ فِي الْمَأْكَلِ وَمَنْعُ النَّفْسِ عَنْ مَلَاذِّ الْأَطْعِمَةِ كَأَنْ يَقُولَ ائْتَدِمُوا بِالْخَلِّ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهُ مِمَّا تَخِفُّ مُؤْنَتُهُ وَلَا يَعِزُّ وُجُودُهُ وَلَا تَتَأَنَّقُوا فِي الشَّهَوَاتِ فَإِنَّهَا مَفْسَدَةٌ لِلدِّينِ مَسْقَمَةٌ لِلْبَدَنِ وَذَكَرَ النَّوَوِيُّ كَلَامَ الْخَطَّابِيِّ هَذَا ثُمَّ قَالَ وَالصَّوَابُ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُجْزَمَ بِهِ أَنَّهُ مَدْحٌ لِلْخَلِّ نَفْسِهِ وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ فِي الْمَطْعَمِ وَتَرْكِ الشَّهَوَاتِ فَمَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدَ أُخَرَ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخُزَاعِيُّ) الصَّفَّارُ أَبُو سَهْلٍ الْبَصْرِيُّ كُوفِيُّ الْأَصْلِ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ) الْقَصَّارُ أَبُو الْحَسَنِ الْكُوفِيُّ مَوْلَى بَنِي أَسَدٍ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَارِبٌ بضم أوله وكسر الراء بن دِثَارٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَلَّثَةِ السَّدُوسِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي ثِقَةٌ إِمَامٌ زَاهِدٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن عائشة وأم هانيء) أَخْرَجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ إِلَخْ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن ماجه

[1840] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ) هُوَ التِّنِّيسِيُّ (أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ) هُوَ التَّمِيمِيُّ قَوْلُهُ (نِعْمَ الْإِدَامُ الْخَلُّ) فِيهِ فَضِيلَةُ الْخَلِّ وَأَنَّهُ يُسَمَّى أُدْمًا وَأَنَّهُ أُدْمٌ فَاضِلٌ جَيِّدٌ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [1841] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ) هُوَ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) الثُّمَالِيِّ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ اسْمُهُ ثَابِتُ بْنُ أَبِي صَفِيَّةَ كُوفِيٌّ ضَعِيفٌ رَافِضِيٌّ مِنَ الْخَامِسَةِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ أَبِي جَعْفَرٍ قَوْلُهُ (هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ) أَيْ مِمَّا يُؤْكَلُ (فَقُلْتُ لَا) أَيْ لَا شَيْءَ عِنْدَنَا (إِلَّا كِسَرٌ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ كِسْرَةٍ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ الْمَكْسُورِ وَالْمُرَادُ هُنَا كِسَرُ الْخُبْزِ وَفِي الْمِشْكَاةِ إِلَّا خُبْزٌ يَابِسٌ (يَابِسَةٌ) صِفَةٌ (وَخَلٌّ) عُطِفَ عَلَى كِسَرٍ قِيلَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ مَحْذُوفٌ وَالْمُسْتَثْنَى بَدَلٌ مِنْهُ وَنَظِيرُهُ فِي الصِّحَاحِ قَوْلُ عَائِشَةَ إِلَّا شَيْءٌ بَعَثَتْ بِهِ أُمُّ عَطِيَّةَ قَالَ الْمَالِكِيُّ فِيهِ شَاهِدٌ عَلَى إِبْدَالِ مَا بَعْدَ إِلَّا مِنْ مَحْذُوفٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا شَيْءَ عِنْدَنَا إِلَّا شَيْءٌ بَعَثَتْ بِهِ أُمُّ عَطِيَّةَ (قَرِّبِيهِ) أَيْ أَحْضِرِي مَا عِنْدَكِ (فَمَا أَقْفَرَ) بِالْقَافِ قَبْلَ الْفَاءِ (بَيْتٌ مِنْ أُدْمٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأَقْفَرَ وَقَوْلُهُ (فِيهِ خَلٌّ) صفة

باب ما جاء في أكل البطيخ بالرطب

بَيْتٍ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ مَا خَلَا مِنَ الْإِدَامِ وَلَا عَدِمَ أَهْلُهُ الْأُدْمَ وَالْقَفَارُ الطَّعَامُ بِلَا أُدْمٍ وَأَقْفَرَ الرَّجُلُ إِذَا أَكَلَ الْخُبْزَ وَحْدَهُ مِنَ الْقَفْرِ وَالْقِفَارِ وَهِيَ الْأَرْضُ الْخَالِيَةُ الَّتِي لَا مَاءَ بِهَا انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ لَفْظُ بَيْتٍ مَوْصُوفٌ وَفِيهِ خَلٌّ صفته ووقع بينهما الفصل بقوله ن أدم وهو أَجْنَبِيٌّ عَنْهُمَا وَالْفَصْلُ بَيْنَ الْمَوْصُوفِ وَصِفَتِهِ بِالْأَجْنَبِيِّ لا يجوز قلت قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ حَالٌ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَوْصُوفِ أَيْ بَيْتٌ مِنَ الْبُيُوتِ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَفِي شَرْحِ الْمِفْتَاحِ لِلسَّيِّدِ فِي بَحْثِ الْفَصَاحَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْفَصْلُ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ وَأَنْ يَجِيءَ الْحَالُ عَنِ النَّكِرَةِ الْعَامَّةِ بِالنَّفْيِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرِ الصِّفَةِ وقال بن حَجَرٍ هُوَ صِفَةُ بَيْتٍ وَلَمْ يُفْصَلْ بَيْنَهُمَا بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ أَقْفَرَ عَامِلٌ فِي بَيْتٍ وَصِفَتُهُ وَفِيمَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الْبِطِّيخِ بِالرُّطَبِ) الْبِطِّيخُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ خربزة وَبِالْهِنْدِيَّةِ خربوزه وَالرُّطَبُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ نَضِيجُ الْبُسْرِ [1843] قَوْلُهُ (كَانَ يَأْكُلُ الْبِطِّيخَ بِالرُّطَبِ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ يَقُولُ نَكْسِرُ حَرَّ هَذَا بِبَرْدِ هَذَا وَبَرْدَ هَذَا بِحَرِّ هَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ كَيْفِيَّةُ أَكْلِهِ لَهُمَا فَأَخْرَجَ فِي الْأَوْسَطِ وَهُوَ فِي الطِّبِّ لِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ يَأْخُذُ الرُّطَبَ بِيَمِينِهِ وَالْبِطِّيخَ بِيَسَارِهِ فَيَأْكُلُ الرُّطَبَ بِالْبِطِّيخِ وَكَانَ أَحَبَّ الْفَاكِهَةِ إِلَيْهِ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْمَعُ بَيْنَ الرُّطَبِ وَالْخِرْبِزِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا زَايٌ نَوْعٌ مِنَ الْبِطِّيخِ الْأَصْفَرِ وَفِي هَذَا تَعَقُّبٌ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبِطِّيخِ فِي الْحَدِيثِ الْأَخْضَرُ وَاعْتَلَّ بِأَنَّ فِي الْأَصْفَرِ حَرَارَةً كَمَا فِي الرطب وقد وَرَدَ التَّعْلِيلُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا

باب ما جاء في أكل القثاء بالرطب

يُطْفِئُ حَرَارَةَ الْآخَرِ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ فِي الْأَصْفَرِ بِالنِّسْبَةِ لِلرُّطَبِ بُرُودَةً وَإِنْ كَانَ فِيهِ لِحَلَاوَتِهِ طَرَفُ حَرَارَةٍ انْتَهَى وَقِيلَ أَرَادَ قَبْلَ أَنْ يَنْضَجَ الْبِطِّيخُ وَيَصِيرَ حُلْوًا فَإِنَّهُ بَعْدَ نُضْجِهِ حَارٌّ وَقَبْلَهُ بَارِدٌ انْتَهَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ إِثْبَاتُ الطِّبِّ وَالْعِلَاجِ وَمُقَابَلَةُ الشَّيْءِ الضَّارِّ بِالشَّيْءِ الْمُضَادِّ لَهُ فِي طَبْعِهِ عَلَى مَذْهَبِ الطِّبِّ وَالْعِلَاجِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى قَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ جَاءَ فِي الْبِطِّيخِ عدة أحاديث لا يصح منهاشيء غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ (وَقَدْ رَوَى يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ) الْمَدَنِيُّ مَوْلَى آلِ الزُّبَيْرِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلَةٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الْقِثَّاءِ بِالرُّطَبِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْقِثَّاءُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّ الْقَافِ وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ لِمَا يَقُولُهُ النَّاسُ الْخِيَارُ وَبَعْضُ النَّاسِ يُطْلِقُ الْقِثَّاءَ عَلَى نَوْعٍ يُشْبِهُ الْخِيَارَ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِقَوْلِ الْفُقَهَاءِ لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الْفَاكِهَةَ حَنِثَ بِالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ نَوْعًا غَيْرَهُ فَتَفْسِيرُ الْقِثَّاءِ بِالْخِيَارِ تَسَامُحٌ انْتَهَى [1844] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ) هُوَ الزُّهْرِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَدَنِيُّ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الْقِثَّاءَ بِالرُّطَبِ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ صِفَةُ أَكْلِهِ لَهُمَا فَأَخْرَجَ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ رَأَيْتُ فِي يَمِينِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِثَّاءً وَفِي شِمَالِهِ رُطَبًا وَهُوَ يَأْكُلُ مِنْ ذَا مَرَّةً ومن

باب ما جاء في شرب أبوال الابل

ذَا مَرَّةً وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ جَوَازُ أَكْلِهِمَا مَعًا وَالتَّوَسُّعُ فِي الْأَطْعِمَةِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ هَذَا وَمَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ خِلَافِ هَذَا فَمَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ اعْتِيَادِ التَّوَسُّعِ وَالتَّرَفُّهِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهُ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ انْتَهَى وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ مُرَاعَاةِ صِفَاتِ الْأَطْعِمَةِ وَطَبَائِعِهَا وَاسْتِعْمَالِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَلْيَقِ بِهَا عَلَى قَاعِدَةِ الطِّبِّ لِأَنَّ فِي الرُّطَبِ حَرَارَةً وَفِي الْقِثَّاءِ بُرُودَةً فَإِذَا أُكِلَا مَعًا اعْتَدَلَا وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي الْمُرَكَّبَاتِ مِنَ الْأَدْوِيَةِ وَمِنْ فَوَائِدِ أَكْلِ هَذَا الْمُرَكَّبِ الْمُعْتَدِلِ تَعْدِيلُ الْمِزَاجِ وَتَسْمِينُ الْبَدَنِ كما أخرجه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ أَرَادَتْ أُمِّي أَنْ تُهَيِّئَنِي لِلسِّمَنِ لِتُدْخِلَنِي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا اسْتَقَامَ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى أَكَلْتُ الرُّطَبَ بِالْقِثَّاءِ فَسَمِنْتُ كَأَحْسَنِ السِّمَنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والشيخان وأبو داود وبن مَاجَهْ وَأَبُو يَعْلَى 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي شُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ) [1845] قَوْلُهُ (أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَاب مَا جَاءَ فِي بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بإسناده ومتنه وتقدم هناك شرحه

باب الوضوء قبل الطعام وبعده

38 - (باب الْوُضُوءِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ) [1846] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى) هُوَ الْبَلْخِيُّ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ) هُوَ الْهَمْدَانِيُّ أَبُو هِشَامٍ الْكُوفِيُّ (حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ) هُوَ الْأَسَدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ) بْنُ مُحَمَّدٍ الْجُرْجَانِيُّ الْقَاضِي مَقْبُولٌ مِنَ التَّاسِعَةِ مَاتَ قَدِيمًا فِي حُدُودِ الثَّمَانِينَ وَمِائَةٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ أَبِي هَاشِمٍ) الرُّمَّانِيِّ الْوَاسِطِيِّ اسْمُهُ يَحْيَى بن دينار وقيل بن الأسود وقيل بن نَافِعٍ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ زَاذَانَ) هُوَ أَبُو عُمَرَ الْكِنْدِيُّ الْبَزَّارُ (عَنْ سَلْمَانَ) أَيِ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَوْلُهُ (قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ) أَيْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ (أَنَّ بَرَكَةَ الطَّعَامِ) بِفَتْحِ أَنَّ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا (الْوُضُوءُ) أَيْ غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَالْفَمِ مِنَ الزُّهُومَةِ إِطْلَاقًا لِلْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ مَجَازًا أَوْ بِنَاءً عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالْعُرْفِيِّ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ أَكْلِ الطَّعَامِ (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ) الْمَقْرُوءَ الْمَذْكُورَ (وَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَرَأْتُ فِي التَّوْرَاةِ) هُوَ عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَذَكَرْتُ أَيْ سَأَلْتُ هَلْ بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ بَعْدَهُ وَالْحَالُ أَنِّي أَخْبَرْتُهُ بِمَا قَرَأْتُهُ فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الِاخْتِصَارِ عَلَى تَقْيِيدِ الْوُضُوءِ بِمَا بَعْدَهُ (بَرَكَةُ الطَّعَامِ الْوُضُوءُ قبله) تكريما له (والوضوء بعد) إزالة لما لصق قال القارىء وَهَذَا يَحْتَمِلُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى تَحْرِيفِ مَا فِي التَّوْرَاةِ وَأَنْ يَكُونَ إِيمَاءً إِلَى أَنَّ شَرِيعَتَهُ زَادَتِ الْوُضُوءَ قَبْلَهُ أَيْضًا اسْتِقْبَالًا لِلنِّعْمَةِ بِالطَّهَارَةِ الْمُشْعِرَةِ لِلتَّعْظِيمِ عَلَى مَا وَرَدَ بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ مِنْ أَنَّ الْجَوَابَ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ قِيلَ وَالْحِكْمَةُ فِي الْوُضُوءِ أَوَّلًا أَيْضًا أَنَّ الْأَكْلَ بَعْدَ غَسْلِ الْيَدَيْنِ يَكُونُ أَهْنَأَ وَأَمْرَأَ وَلِأَنَّ الْيَدَ لَا تَخْلُو عَنِ التَّلَوُّثِ فِي تَعَاطِي الْأَعْمَالِ فَغَسْلُهَا أَقْرَبُ إِلَى النَّظَافَةِ وَالنَّزَاهَةِ وَلِأَنَّ الْأَكْلَ يُقْصَدُ بِهِ الِاسْتِعَانَةُ عَلَى الْعِبَادَةِ فَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى الطَّهَارَةِ مِنَ الصَّلَاةِ فَيُبْدَأُ بِغَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالْمُرَادُ مِنَ الْوُضُوءِ الثَّانِي غَسْلُ الْيَدَيْنِ وَالْفَمِ مِنَ الدُّسُومَاتِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلَا يَلُومَن إِلَّا نَفْسَهُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ قِيلَ وَمَعْنَى بَرَكَةِ الطَّعَامِ مِنَ الْوُضُوءِ قَبْلَهُ النُّمُوُّ وَالزِّيَادَةُ فِيهِ نَفْسِهِ وَبَعْدَهُ النُّمُوُّ وَالزِّيَادَةُ

باب في ترك الوضوء قبل الطعام

فِي فَوَائِدِهَا وَآثَارِهَا بِأَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِسُكُونِ النَّفْسِ وَقَرَارِهَا وَسَبَبًا لِلطَّاعَاتِ وَتَقْوِيَةً لِلْعِبَادَاتِ وَجَعْلُهُ نَفْسَ الْبَرَكَةِ لِلْمُبَالَغَةِ وَإِلَّا فَالْمُرَادُ أَنَّهَا تَنْشَأُ عَنْهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ عَنْهُ بن مَاجَهْ قَالَ حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ سُلَيْمٍ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُكَثِّرَ اللَّهُ خَيْرَ بَيْتِهِ فَلْيَتَوَضَّأْ إِذَا حَضَرَ غِذَاؤُهُ وَإِذَا رُفِعَ وهو من ثلاثيات بن مَاجَهْ وَجُبَارَةُ وَكَثِيرٌ كِلَاهُمَا ضَعِيفَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الْأَطْعِمَةِ وأخرج بن مَاجَهْ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْغَائِطِ فَأُتِيَ بِطَعَامٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا آتِيكَ بِوُضُوءٍ قَالَ أَأُرِيدُ الصَّلَاةَ قَوْلُهُ (لَا نَعْرِفُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ (وَقَيْسٌ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ صَدُوقٌ وَفِيهِ كَلَامٌ لِسُوءِ حِفْظِهِ لَا يُخْرِجُ الْإِسْنَادَ عَنْ حَدِّ الْحَسَنِ انْتَهَى (وَأَبُو هَاشِمٍ الرُّمَّانِيُّ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَكَانَ نَزَلَ قَصْرَ الرُّمَّانِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ 9 - (بَاب فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الطَّعَامِ) [1847] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ (عَنْ أيوب) هو السختياني (عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) بِالتَّصْغِيرِ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ قَالَ اسْمُ أَبِي مُلَيْكَةَ زُهَيْرٌ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ أَدْرَكَ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (خَرَجَ مِنَ الْخَلَاءِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ مَمْدُودًا الْمَكَانُ الْخَالِي وَهُوَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنْ مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ (فَقَالُوا) أَيْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (أَلَا نَأْتِيكَ بِوَضُوءٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ مَاءٍ يُتَوَضَّأُ

بِهِ وَمَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ عَلَى الْعَرْضِ نَحْوُ أَلَا تَنْزِلُ عِنْدَنَا وَالْمَعْنَى أَلَا تَتَوَضَّأُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْوُضُوءَ وَاجِبٌ قَبْلَ الْأَكْلِ (قَالَ إِنَّمَا أُمِرْتُ) أَيْ وُجُوبًا (بِالْوُضُوءِ) أَيْ بَعْدَ الْحَدَثِ (إِذَا قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ) أَيْ أَرَدْتُ الْقِيَامَ لَهَا وَهَذَا بِاعْتِبَارِ الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ وَإِلَّا فَيَجِبُ الْوُضُوءُ عِنْدَ سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَالَ الطَّوَافِ وَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ مِنَ السَّائِلِ أَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ قَبْلَ الطَّعَامِ وَاجِبٌ مَأْمُورٌ بِهِ فَنَفَاهُ عَلَى طَرِيقِ الْأَبْلَغِ حَيْثُ أَتَى بِأَدَاةِ الْحَصْرِ وَأَسْنَدَ الْأَمْرَ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ لَا يُنَافِي جَوَازَهُ بَلِ اسْتِحْبَابُهُ فَضْلًا عَنِ اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ الْعُرْفِيِّ سَوَاءٌ غَسَلَ يَدَيْهِ عِنْدَ شُرُوعِهِ فِي الْأَكْلِ أَمْ لَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مَا غَسَلَهُمَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ مَعَ أَنَّهُ أَكَّدَ لِنَفْيِ الْوُجُوبِ الْمَفْهُومِ مِنْ جَوَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْجُمْلَةِ لَا يَتِمُّ اسْتِدْلَالُ مَنِ احْتَجَّ بِهِ عَلَى نَفْيِ الْوُضُوءِ مُطْلَقًا قَبْلَ الطَّعَامِ مَعَ أَنَّ فِي نَفْسِ السُّؤَالِ إِشْعَارًا بِأَنَّهُ كَانَ الْوُضُوءُ عِنْدَ الطَّعَامِ مِنْ دَأْبِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنَّمَا نَفَى الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ فَبَقِيَ الْوُضُوءُ الْعُرْفِيُّ عَلَى حَالِهِ وَيُؤَيِّدُهُ الْمَفْهُومُ أَيْضًا فَمَعَ وُجُودِ الِاحْتِمَالِ سَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ كَذَا قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ وَفِي بَعْضِ كَلَامِهِ نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وَقَدْ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ) ويقال بن أَبِي الْحُوَيْرِثِ الْمَكِّيُّ مَوْلَى السَّائِبِ ثِقَةٌ مِنَ الرابعة (عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ (وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَكْرَهُ إِلَخْ) قَالَ النووي في شرحه حديث بن عَبَّاسٍ الْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَلَى الْوُضُوءِ اللُّغَوِيِّ وَجَعَلَ الْمُرَادَ غَسْلَ الْكَفَّيْنِ وَحَكَى اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي كَرَاهَةِ غَسْلِ الْكَفَّيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَاسْتِحْبَابِهِ وَحَكَى الْكَرَاهَةَ عَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالظَّاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ الوضوء الشرعي انتهى وقال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي حَاشِيَةِ السُّنَنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ لِأَهْلِ الْعِلْمِ أَحَدُهُمَا يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الطَّعَامِ وَالثَّانِي لَا يُسْتَحَبُّ وَهُمَا فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَبِيرِ بَابُ تَرْكِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الطَّعَامِ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ حديث بن جريج عن سعيد بن الحويرث عن بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبَرَّزَ ثُمَّ خَرَجَ فَطَعِمَ وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ ثُمَّ قَالَ غَسَلَ الْجُنُبُ يَدَهُ إِذْ طَعِمَ

باب ما جاء في أكل الدباء

وَسَاقَ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ غَسَلَ يَدَيْهِ وَهَذَا التَّبْوِيبُ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمَسْأَلَةِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ الْخَلَّالُ فِي الْجَامِعِ عَنْ مُهَنَّا قَالَ سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ زَاذَانَ عَنْ سَلْمَانَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هُوَ مُنْكَرٌ فَقُلْتُ مَا حَدَّثَ هَذَا إِلَّا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ قَالَ لَا وَسَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ وَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيثَ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ لِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ مَا أَحْسَنَ الْوُضُوءَ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ فَقُلْتُ لَهُ بَلَغَنِي عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْوُضُوءَ قَبْلَ الطَّعَامِ قَالَ مُهَنَّا سَأَلْتُ أَحْمَدَ قُلْتُ بَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ سُفْيَانُ يَكْرَهُ غَسْلَ الْيَدِ عِنْدَ الطَّعَامِ قُلْتُ لِمَ كَرِهَ سُفْيَانُ ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّهُ مِنْ زِيِّ الْعَجَمِ وَضَعَّفَ أَحْمَدُ حَدِيثَ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ الْخَلَّالُ وَأَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْمَرْوَزِيُّ قَالَ رَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَغْسِلُ يَدَيْهِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى وُضُوءٍ انْتَهَى كَلَامُ بن القيم 0 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الدُّبَّاءِ) بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَدِّ وَقَدْ يُقْصَرُ الْقَرْعُ وَالْوَاحِدَةُ دُبَّاءَةٌ وَيُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ كدو وَقِيلَ هُوَ خَاصٌّ بِالْمُسْتَدِيرِ مِنَ الْقَرْعِ [1849] قَوْلُهُ (حدثنا الليث) هو بْنُ سَعْدٍ (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ) بْنِ حُدَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ (عَنْ أَبِي طَالُوتَ) الشَّامِيِّ مَجْهُولٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أَنَسٍ فِي أَكْلِ الْقَرْعِ وَعَنْهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ الذَّهَبِيُّ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهُوَ يَأْكُلُ الْقَرْعَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ (يَا لَكَ) اللَّامُ لِلتَّعَجُّبِ (شَجَرَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ (مَا أَحَبَّكِ) صِيغَةُ التَّعَجُّبِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ حَكِيمِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَعِنْدَهُ هَذَا الدُّبَّاءُ فَقُلْتُ مَا هَذَا قَالَ الْقَرْعُ وَهُوَ الدُّبَّاءُ نُكَثِّرُ بِهِ طَعَامَنَا انْتَهَى

باب ما جاء في أكل الزيت

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَفِي سَنَدِهِ أَبُو طَالُوتَ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا عَرَفْتَ [1850] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَيْمُونٍ) الْخَيَّاطُ الْبَزَّارُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَكِّيُّ أَصْلُهُ مِنْ بَغْدَادَ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (يَتَتَبَّعُ) أَيْ يَتَطَلَّبُ (فِي الصَّحْفَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيِ الْقَصْعَةِ أَيْ جَوَانِبِهَا وَالْقَصْعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَا يُشْبِعُ عَشْرَةَ أَنْفُسٍ وَالصَّحْفَةُ مَا يُشْبِعُ خَمْسَةَ أَنْفُسٍ (فَلَا أَزَالُ أُحِبُّهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ أَكْلِ الدُّبَّاءِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُحِبَّ الدُّبَّاءَ وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّهُ وَأَنَّهُ يَحْرِصُ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ وَأَمَّا تَتَبُّعُ الدُّبَّاءِ مِنْ حَوَالَيِ الصَّحْفَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا مِنْ حَوَالَيْ جَانِبِهِ وَنَاحِيَةٍ مِنَ الصَّحْفَةِ لَا مِنْ حَوَالَيْ جَمِيعِ جَوَانِبِهَا فَقَدْ أَمَرَ بِالْأَكْلِ مِمَّا يَلِي الْإِنْسَانَ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ جَمِيعِ جَوَانِبِهَا وَإِنَّمَا نَهَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَقَذَّرَهُ جَلِيسُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَتَقَذَّرُهُ أَحَدٌ بَلْ يَتَبَرَّكُونَ بِآثَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانُوا يَتَبَرَّكُونَ بِبُصَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُخَامَتِهِ وَيُدَلِّكُونَ بِذَلِكَ وُجُوهَهُمْ وَشَرِبَ بَعْضُهُمْ بَوْلَهُ وَبَعْضُهُمْ دَمَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ عَظِيمِ اعْتِنَائِهِمْ بِآثَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي يُخَالِفُهُ فِيهَا غَيْرُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَكْلِ الزَّيْتِ) [1851] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى) هُوَ الْبَلْخِيُّ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) هُوَ الْحِمْيَرِيُّ مَوْلَاهُمْ أبو بكر الصنعاني (عن معمر) هو بن راشد الأزدي

قَوْلُهُ (كُلُوا الزَّيْتَ) أَيْ مَعَ الْخُبْزِ وَاجْعَلُوهُ إِدَامًا فَلَا يَرِدُ أَنَّ الزَّيْتَ مَائِعٌ فَلَا يَكُونُ تَنَاوُلُهُ أَكْلًا (وَادَّهِنُوا بِهِ) أَمْرٌ مِنَ الِادِّهَانِ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الدُّهْنِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ (فَإِنَّهُ) أَيِ الزَّيْتَ يَحْصُلُ (مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ) يَعْنِي (زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نار نور على نور) ثم وصفتها بِالْبَرَكَةِ لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهَا وَانْتِفَاعِ أَهْلِ الشَّامِ بِهَا كَذَا قِيلَ وَالْأَظْهَرُ لِكَوْنِهَا تَنْبُتُ فِي الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا لِلْعَالَمِينَ قِيلَ بَارَكَ فِيهَا سَبْعُونَ نَبِيًّا مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَغَيْرُهُمْ وَيَلْزَمُ مِنْ بَرَكَةِ هَذِهِ الشَّجَرَةِ بَرَكَةُ ثَمَرَتِهَا وَهِيَ الزَّيْتُونُ وَبَرَكَةُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَهُوَ الزَّيْتُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرزاق عن معمر) وأخرجه بن مَاجَهْ (وَكَانَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ يَضْطَرِبُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ كَمَا قَالَ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ) بْنُ كَوْسَجَانَ الْمَرْوَزِيُّ السِّنْجِيُّ ثِقَةٌ صَاحِبُ حَدِيثٍ رَحَّالٌ أَدِيبٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ [1852] قَوْلُهُ (وَأَبُو نُعَيْمٍ) اسْمُهُ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ فِيهِ تَشَيُّعٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ عَطَاءٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَطَاءٌ الشَّامِيُّ أَنْصَارِيٌّ سَكَنَ السَّاحِلَ مَقْبُولٌ

باب ما جاء في الأكل مع المملوك والعيال

مِنَ الرَّابِعَةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أَبِي أَسِيدِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ وَعَنْهُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَمْ يَقُمْ حَدِيثُهُ وَذَكَرَهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ انْتَهَى (عَنْ أَبِي أَسِيدٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو أَسِيدِ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ صَحَابِيٌّ قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ لَهُ حَدِيثٌ وَالصَّحِيحُ فِيهِ فَتْحُ الْهَمْزَةِ قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (فَإِنَّهُ) أَيْ فَإِنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ الزَّيْتُ (شَجَرَةٌ مُبَارَكَةٌ) أَيْ كَثِيرَةُ الْمَنَافِعِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَكْلِ مَعَ الْمَمْلُوكِ وَالْعِيَالِ) [1853] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ أَبِي خَالِدٍ الْبَجْلِيِّ الْأَحْمَسِيِّ اسْمُهُ سَعْدٌ أَوْ هُرْمُزٌ أَوْ كَثِيرٌ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (ذَلِكَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِذَلِكَ وَهَذَا اللَّفْظُ لَا وَجْهَ لذكره ها هنا كما لا يخفى (إذا كفا أحدكم) بالنصب (خادمه) يَعْنِي إِذَا قَامَ خَادِمُ أَحَدِكُمْ مَقَامَهُ فِي صُنْعِ الطَّعَامِ وَتَحَمُّلِ مَشَقَّتِهِ مِنْ كَفَاهُ الْأَمْرَ إِذَا قَامَ بِهِ مَقَامَهُ (حَرَّهُ وَدُخَانَهُ) بِالنَّصْبِ بدل من طعامه (فليأخذه بِيَدِهِ) أَيْ بِيَدِ الْخَادِمِ (فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ) أَمْرٌ مِنَ الْإِقْعَادِ لِلِاسْتِحْبَابِ (فَإِنْ أَبَى) قَالَ الْحَافِظُ فَاعِلُ أَبَى يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السَّيِّدُ وَالْمَعْنَى إِذَا تَرَفَّعَ عَنْ مُؤَاكَلَةِ غُلَامِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْخَادِمُ إِذَا تَوَاضَعَ عَنْ مُؤَاكَلَةِ سَيِّدِهِ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ أَنَّ فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ أَمَرَنَا أَنْ نَدْعُوَهُ فَإِنْ كَرِهَ أَحَدُنَا أَنْ يَطْعَمَ مَعَهُ فَلْيُطْعِمْهُ فِي يَدِهِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ انْتَهَى (فَلْيَأْخُذْ لُقْمَةً فَلْيُطْعِمْهُ إِيَّاهَا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلْيُنَاوِلْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ

باب ما جاء في فضل إطعام الطعام

قَالَ الْحَافِظُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيِ اللُّقْمَةُ أَوْ لِلتَّقْسِيمِ بِحَسَبِ حَالِ الطَّعَامِ وَحَالِ الْخَادِمِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ تَقْيِيدُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ الطَّعَامُ قَلِيلًا وَلَفْظُهُ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا قَلِيلًا وَمُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الطَّعَامَ إِذَا كَانَ كَثِيرًا فَإِمَّا أَنْ يُقْعِدَهُ مَعَهُ وَإِمَّا أَنْ يَجْعَلَ حَظَّهُ مِنْهُ كَثِيرًا انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْمُوَاسَاةِ فِي الطَّعَامِ لَا سِيَّمَا فِي حَقِّ مَنْ صَنَعَهُ أَوْ حَمَلَهُ لِأَنَّهُ وَلِيَ حَرَّهُ وَدُخَانَهُ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ نَفْسُهُ وَشَمَّ رَائِحَتَهُ وَهَذَا كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان وأبو داود وبن مَاجَهْ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ إِطْعَامِ الطَّعَامِ) [1854] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ) هُوَ الْمَعْنِيُّ الْبَصْرِيُّ (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ) الْبَصْرِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ مِنَ الثَّامِنَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أفشوا السلام وعند بن مَاجَهْ حَدِيثُ أَنَسٍ صَنَعَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ خُبْزَةً انْتَهَى (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ) هُوَ الْجُمَحِيُّ أَبُو الْحَارِثِ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ (أَفْشُوا السَّلَامَ) أَيْ أَظْهِرُوهُ وَعُمُّوا بِهِ النَّاسَ وَلَا تَخُصُّوا الْمَعَارِفَ (وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ) أَرَادَ بِهِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ سَوَاءٌ فِيهِ الصَّدَاقَةُ وَالْهَدِيَّةُ والضيافة (واضربوا الهام) رؤوس الْكُفَّارِ جَمْعُ هَامَةٍ بِالتَّخْفِيفِ الرَّأْسَ (تُورَثُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (الْجِنَانَ) الَّتِي وُعِدَ بِهَا الْمُتَّقُونَ لِأَنَّ أَفْعَالَهُمْ هَذِهِ لَمَّا كَانَتْ تُخَلِّفُ عَلَيْهِمُ الْجِنَانَ فَكَأَنَّهُمْ وَرِثُوهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو وبن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَعَبْدِ الرحمن بن عَائِشٍ وَشُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ في

باب ما جاء في فضل العشاء

هذا الباب وأما حديث بن عمر فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَنْ تُشْبِعَ كَبِدًا جَائِعًا وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ قَبْلَ صِفَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ بَابِ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا حَدِيثُ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ يُوجِبُ لِيَ الْجَنَّةَ قَالَ طِيبُ الْكَلَامِ وَبَذْلُ السَّلَامِ وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا بن حِبَّانَ فِي حَدِيثٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ إِلَخْ فِي سَنَدِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ وَهُوَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ [1855] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) اسْمُهُ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمٍ الْحَنَفِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ (اُعْبُدُوا الرَّحْمَنَ) أَيْ أَفْرِدُوهُ بِالْعِبَادَةِ (تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ) أَيْ فَإِنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ وَمُتُّمْ عَلَيْهِ دَخَلْتُمُ الْجَنَّةَ آمِنِينَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَنَقَلَ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْعَشَاءِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ بِوَزْنِ سَمَاءٍ هُوَ طَعَامُ الْعَشِيِّ وَالْعَشِيُّ وَالْعَشِيَّةُ آخِرُ النَّهَارِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ [1856] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى) هُوَ الْبَلْخِيُّ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى الْكُوفِيُّ) السُّلَمِيُّ لَقَبُهُ

باب ما جاء في التسمية على الطعام

زُنْبُورٌ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَلَّاقٍ) بِمُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَلَامٍ مُثَقَّلَةٍ مَجْهُولٌ مِنَ الْخَامِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ عَلَّاقٌ بِالْقَافِ وَوَقَعَ فِي الْمُغْنِي وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بِالْفَاءِ وَوَقَعَ فِي الْمِيزَانِ بِالْقَافِ وَعَلَى هَامِشِهِ بِالْفَاءِ وَلَمْ يُصَرِّحْ وَاحِدٌ مِنْ أَصْحَابِ هَذِهِ الْكُتُبِ أَنَّهُ بِالْقَافِ أَوْ بِالْفَاءِ فَلْيُحَرَّرْ قَوْلُهُ (تَعَشَّوْا) مِنَ التَّعَشِّي وهو أكل طَعَامِ الْعَشِيِّ (وَلَوْ بِكَفٍّ) أَيْ بِمِلْءِ كَفٍّ (مِنْ حَشَفٍ) بِفَتْحَتَيْنِ أَرْدَأُ التَّمْرِ أَوِ الضَّعِيفُ لَا نَوَى لَهُ أَوِ الْيَابِسُ الْفَاسِدُ أَيْ لَا تَتْرُكُوا الْعَشَاءَ وَلَوْ بِشَيْءٍ حَقِيرٍ يَسِيرٍ (فَإِنَّ تَرْكَ الْعَشَاءِ مَهْرَمَةٌ) أَيْ مَظِنَّةٌ لِلْهَرَمِ وَهُوَ الْكِبَرُ قَالَ الْقُتَيْبِيُّ هَذِهِ الْكَلِمَةُ جَارِيَةٌ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ وَلَسْتُ أَدْرِي أَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَدَأَهَا أَمْ كَانَتْ تُقَالُ قَبْلَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ أَيْ مَظِنَّةٌ لِلضَّعْفِ وَالْهَرَمِ لِأَنَّ النَّوْمَ مَعَ خُلُوِّ الْمَعِدَةِ يُورِثُ تَحْلِيلًا لِلرُّطُوبَاتِ الْأَصْلِيَّةِ لِقُوَّةِ الْهَاضِمَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَعَنْبَسَةُ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بن علاق مجهول) وفي مُحَمَّدُ بْنُ يَعْلَى الْكُوفِيُّ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَالْحَدِيثُ تَفَرَّدَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ قَوْلُ بِسْمِ اللَّهِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَكْلِ وَأَصْرَحُ مَا وَرَدَ فِي صِفَةِ التسمية ماأخرجه أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ كُلْثُومٍ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ فَإِنْ نَسِيَ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أُمَيَّةَ بْنِ مَخْشِيٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَأَمَّا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي آدَابِ الْأَكْلِ مِنَ الْأَذْكَارِ صِفَةُ التَّسْمِيَةِ مِنْ أَهَمِّ مَا يَنْبَغِي مَعْرِفَتُهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَإِنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ كَفَاهُ

وَحَصَلَتِ السُّنَّةُ فَلَمْ أَرَ لِمَا ادَّعَاهُ مِنَ الْأَفْضَلِيَّةِ دَلِيلًا خَاصًّا وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي آدَابِ الْأَكْلِ مِنَ الْإِحْيَاءِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي كُلِّ لُقْمَةٍ بِسْمِ اللَّهِ كَانَ حَسَنًا وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ مَعَ الْأُولَى بِسْمِ اللَّهِ وَمَعَ الثَّانِيَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ وَمَعَ الثَّالِثَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَلَمْ أَرَ لِاسْتِحْبَابِ ذَلِكَ دَلِيلًا وَالتَّكْرَارُ قَدْ بَيَّنَ هُوَ وَجْهَهُ بِقَوْلِهِ حَتَّى لَا يَشْغَلَهُ الْأَكْلُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ [1857] قَوْلُهُ (حدثنا عبد الأعلى) هو بن عَبْدِ الْأَعْلَى (عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ) بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيِّ رَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ أُمُّهُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّرَهُ عَلِيٌّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ وَمَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ طَعَامٌ قَالَ ادْنُ يَا بُنَيَّ فَسَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ) أَيْ مِمَّا يَقْرَبُكَ لَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ يَقُولُ كُنْتُ غُلَامًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ الْحَدِيثَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّسْمِيَةِ فِي ابْتِدَاءِ الطَّعَامِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى فِي آخِرِهِ كَمَا سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ وَكَذَا تُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ فِي أَوَّلِ الشَّرَابِ بَلْ فِي أَوَّلِ كُلِّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّسْمِيَةِ لِيُسْمِعَ غَيْرَهُ وَيُنَبِّهَهُ عَلَيْهَا وَلَوْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ فِي أَوَّلِ الطَّعَامِ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا أَوْ عَاجِزًا لِعَارِضٍ آخَرَ ثُمَّ تَمَكَّنَ فِي أَثْنَاءِ أَكْلِهِ مِنْهَا اسْتُحِبَّ أَنْ يُسَمِّيَ وَيَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَالتَّسْمِيَةُ فِي شُرْبِ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالْعَسَلِ وَالْمَرَقِ وَالدَّوَاءِ وَسَائِرِ الْمَشْرُوبَاتِ كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ وَتَحْصُلُ التَّسْمِيَةُ بِقَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ فَإِنْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كَانَ حَسَنًا وَسَوَاءٌ فِي اسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَغَيْرُهُمَا قَالَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْأَكْلِ مما يليه لأنه أَكْلَهُ مِنْ مَوْضِعِ يَدِ صَاحِبِهِ سُوءُ عِشْرَةٍ وَتَرْكُ مُرُوءَةٍ فَقَدْ يَتَقَذَّرُهُ صَاحِبُهُ لَا سِيَّمَا فِي الْأَمْرَاقِ وَشَبَهِهَا وَهَذَا فِي الثَّرِيدِ وَالْأَمْرَاقِ وَشَبَهِهَا فَإِنْ كَانَ تَمْرًا وَأَجْنَاسًا فَقَدْ نَقَلُوا إِبَاحَةَ اخْتِلَافِ الْأَيْدِي فِي الطَّبَقِ وَنَحْوِهِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَعْمِيمُ النَّهْيِ حَمْلًا لِلنَّهْيِ عَلَى عُمُومِهِ حتى يثبت دليل مخصص انتهى قال القارىء سَيَأْتِي حَدِيثُ عِكْرَاشٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي أَكْلِ التَّمْرِ يَا عِكْرَاشُ كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ فَإِنَّهُ مِنْ غَيْرِ لَوْنٍ وَاحِدٍ قُلْتُ حَدِيثُ عِكْرَاشٍ هَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي نَقْلِ النَّوَوِيِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ فِي أَوَّلِهِ نَظَرٌ إِلَّا إِنْ أُرِيدَ بِالِاسْتِحْبَابِ أَنَّهُ رَاجِحُ الْفِعْلِ وَإِلَّا فَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى وُجُوبِ ذَلِكَ وَهُوَ قَضِيَّةُ الْقَوْلِ بِإِيجَابِ الْأَكْلِ بِالْيَمِينِ لِأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ بِالْجَمِيعِ وَاحِدَةٌ انْتَهَى

قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ فَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ عَرَّجَ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ لِذَلِكَ انْتَهَى وَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ الشيخان وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ (أَبُو وَجْزَةَ السَّعْدِيُّ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يَزِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ أَبُو وَجْزَةَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدَهَا زَايٌ السَّعْدِيُّ الْمَدَنِيُّ الشاعر ثقة من الخامسة [1858] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبْدِ الملك بن أبي السوية أبوالهذيل المنقري البصري ضعيف من صغر التَّاسِعَةِ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرَاشٍ بِكَسْرِ المهملة وسكون الكاف وآخره معجمة بن ذُؤَيْبٍ التَّمِيمِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يَثْبُتُ حَدِيثُهُ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ عَنْ أَبِيهِ عِكْرَاشِ بْنِ ذُؤَيْبٍ بِمَضْمُومَةٍ وَبِمُثَنَّاةٍ تَحْتُ وَبِمُوَحَّدَةٍ تَصْغِيرُ ذِئْبٍ السَّعْدِيُّ صَحَابِيٌّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ عَاشَ مائة سنة قوله فأتينا أي جيء لنا بِجَفْنَةٍ بِفَتْحِ جِيمٍ فَسُكُونِ فَاءٍ أَيْ قَصْعَةٍ كَثِيرَةِ الثَّرِيدِ وَالْوَذْرِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ وَذْرَةٍ وَهِيَ قِطَعٌ مِنَ اللَّحْمِ لَا عَظْمَ فِيهَا عَلَى مَا فِي الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَفِي الْقَامُوسِ الْوَذْرَةُ مِنَ اللَّحْمِ الْقِطْعَةُ الصَّغِيرَةُ لَا عَظْمَ فِيهَا وَيُحَرَّكُ فَخَبَطْتُ أَوْ ضَرَبْت بِيَدِي فِي نَوَاحِيهَا مِنْ خَبَطَ الْبَعِيرَ بِيَدِهِ إِذَا ضَرَبَهُ بِهَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ ضَرَبْتُ فِيهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِوَاءٍ مِنْ قَوْلِهِمْ خَبَطَ خَبْطَ عَشْوَاءَ وَرَاعَى الْأَدَبَ حَيْثُ قَالَ فِي جَانِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

وَجَالَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجَوَلَانِ وَالْمَعْنَى أَدْخَلْتُ يَدِي أَوْ أوقتها فِي نَوَاحِي الْقَصْعَةِ وَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَيْ مِمَّا يَلِيهِ فَقَبَضَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى يَدِي الْيُمْنَى يَجُوزُ فَتْحُ يَاءِ الْإِضَافَةِ وَسُكُونِهَا وَهَذَا مُلَاحَظَةٌ فِعْلِيَّةٌ كُلْ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ أَيْ مِمَّا يَلِيكَ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَاحِدٌ أَيْ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى جَانِبٍ آخَرَ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ التَّطَلُّعِ عَلَى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ وَالشَّرَهِ وَالْحِرْصِ وَالطَّمَعِ الزَّائِدِ ثُمَّ أُتِينَا بِطَبَقٍ بِفَتْحَتَيْنِ الَّذِي يُؤْكَلُ عَلَيْهِ فِيهِ أَلْوَانُ التَّمْرِ أَيْ أَنْوَاعٌ مِنَ التَّمْرِ فَجَعَلْتُ آكُلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ أَيْ تَأَدُّبًا وَجَالَتْ مِنَ الْجَوَلَانِ أَيْ وَدَارَتْ فِي الطَّبَقِ أَيْ فِي جَوَانِبِهِ وَحَوَالَيْهِ وَهَذَا تَعْلِيمٌ فِعْلِيٌّ لِبَيَانِ الْجَوَازِ قَالَ تأكيدا لما فيه مِنَ الْفِعْلِ كُلْ مِنْ حَيْثُ شِئْتَ أَيِ الْآنَ وَالظَّاهِرُ اسْتِثْنَاءُ الْأَوْسَطِ فَإِنَّهُ مَحَلُّ تَنَزُّلِ الرحمة ويحتمل أنه يَكُونَ مَخْصُوصًا بِلَوْنٍ وَاحِدٍ أَوْ بِالْمُخْتَلَطِ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ فَإِنَّهُ أَيِ التَّمْرَ الْمَوْجُودَ فِي الطَّبَقِ غَيْرُ لَوْنٍ وَاحِدٍ بَلْ ألوان كما سبق قال بن الْمَلَكِ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْفَاكِهَةَ إِذَا كان لونها واحدا لا يجوز أن أَنْ يَخْبِطَ بِيَدِهِ كَالطَّعَامِ وَعَلَى أَنَّ الطَّعَامَ إِذَا كَانَ ذَا أَلْوَانٍ يَجُوزُ أَنْ يَخْبِطَ وَيَأْكُلَ مِنْ أَيٍّ نَوْعٍ يُرِيدُهُ وَقَالَ يَا عِكْرَاشُ هَذَا الْوُضُوءُ أَيِ الْعُرْفِيُّ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ أَيْ مَسَّتْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ وَمِنَ ابْتِدَائِيَّةٌ أَيْ هَذَا الْوُضُوءُ لِأَجْلِ طَعَامٍ طُبِخَ بِالنَّارِ قَوْلُهُ هذا حديث غريب الخ وأخرجه بن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَقَدْ تَفَرَّدَ الْعَلَاءُ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرَاشٍ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا قَالَ السَّاجِيُّ وَحَدَّثَنِي أَبُو زَيْدٍ سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْعَظِيمِ يَقُولُ وَضَعَ الْعَلَاءُ بْنُ الْفَضْلِ هَذَا الْحَدِيثَ حَدِيثَ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ وَقَالَ بن حَزْمٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عِكْرَاشٍ ضَعِيفٌ جِدًّا انْتَهَى وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْفَضْلِ ذكر بن حِبَّانَ حَدِيثَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عِكْرَاشٍ بِطُولِهِ انتهى

[1858] قَوْلُهُ (عَنْ بُدَيْلِ) مُصَغَّرًا (بْنِ مَيْسَرَةَ) الْعُقَيْلِيِّ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ) هُوَ اللَّيْثِيُّ (عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أُمُّ كُلْثُومٍ اللَّيْثِيَّةُ الْمَكِّيَّةُ عَنْ عَائِشَةَ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَعَنْهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ الْمَذْكُورِ عن امرأة منهم يُقَالُ لَهَا أُمُّ كُلْثُومٍ وَلِهَذَا تَرْجَمَ الْمُصَنِّفُ بِكَوْنِهَا لَيْثِيَّةً لَكِنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ عَقِبَ حَدِيثِهَا أُمُّ كُلْثُومٍ هَذِهِ هِيَ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ أبي بكر الصديق فعلى هذا نقول بن عُمَيْرٍ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ قَابِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَلَعَلَّ قَوْلَهُ مِنْهُمْ أَيْ كَانَتْ مِنْهُمْ بِسَبَبٍ إِمَّا بِالْمُصَاهَرَةِ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنَ الْأَسْبَابِ وَالْعُمْدَةُ عَلَى قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ التِّرْمِذِيِّ أُمُّ كُلْثُومٍ اللَّيْثِيَّةُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ لِأَنَّ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ لَيْثِيٌّ وَمِثْلُ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ لَا يُكْنَى عَنْهَا بِامْرَأَةٍ وَلَا سِيَّمَا مَعَ قَوْلِهِ مِنْهُمْ وَقَدْ سَقَطَ هَذَا مِنْ بعض نسخ الترمذي وسقوط الصَّوَابُ وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَمُ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ فِي أَطْرَافِهِ لِأُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَائِشَةَ أَحَادِيثَ وَذَكَرَ بَعْدَهَا أُمَّ كُلْثُومٍ اللَّيْثِيَّةَ وَيُقَالُ الْمَكِّيَّةُ وَذَكَرَ لَهَا هَذَا الْحَدِيثَ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أُمَّ كُلْثُومٍ انْتَهَى قُلْتُ لَيْسَ فِي نُسَخِ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا لَفْظُ اللَّيْثِيَّةُ بَعْدَ أُمُّ كُلْثُومٍ وَكَذَا لَيْسَ فِيهَا عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ أُمُّ كُلْثُومٍ هَذِهِ هِيَ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَوْلُهُ (فَإِنْ نَسِيَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ تَرَكَ نِسْيَانًا (فِي أَوَّلِهِ) أَيْ فَإِنْ نَسِيَ حِينَ الشُّرُوعِ فِي الْأَكْلِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي أَثْنَائِهِ أَنَّهُ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ أَوَّلًا (فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ) وَالْمَعْنَى فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ الْمَعْنَى الَّذِي قَصَدَ بِهِ التَّسْمِيَةَ فَلَا يُقَالُ ذِكْرُهُمَا يُخْرِجُ الْوَسَطَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ تعالى ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا مع قوله عز وجل أكلها دائم وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِأَوَّلِهِ النِّصْفُ الْأَوَّلُ وَبِآخِرِهِ النِّصْفُ الثَّانِي فَيَحْصُلُ الِاسْتِيفَاءُ وَالِاسْتِيعَابُ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّسْمِيَةِ لِلْأَكْلِ وَأَنَّ النَّاسِيَ يَقُولُ فِي أَثْنَائِهِ بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَكَذَا التَّارِكُ لِلتَّسْمِيَةِ عَمْدًا يُشْرَعُ لَهُ التَّدَارُكُ فِي أَثْنَائِهِ قَالَ فِي الْهَدْيِ والصحيح

باب ما جاء في كراهية البيتوتة

وُجُوبُ التَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْأَكْلِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِ أَحْمَدَ وَأَحَادِيثُ الْأَمْرِ بِهَا صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا وَلَا إِجْمَاعَ يُسَوِّغُ مُخَالَفَتَهَا ويخرج عن مظاهرها انْتَهَى قَوْلُهُ (فَأَكَلَهُ بِلُقْمَتَيْنِ) أَيْ بِغَيْرِ التَّسْمِيَةِ (أَمَا) حَرْفُ التَّنْبِيهِ (إِنَّهُ لَوْ سَمَّى) وَفِي رواية بن مَاجَهْ أَمَا إِنَّهُ لَوْ كَانَ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ (لَكَفَاكُمْ) أَيِ الطَّعَامُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْبَيْتُوتَةِ) وفي يده ريح غَمَرٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْغَمَرُ بِالتَّحْرِيكِ الدَّسَمُ وَالزُّهُومَةُ مِنَ اللَّحْمِ كَالْوَضَرِ مِنَ السَّمْنِ انْتَهَى [1859] قَوْلُهُ (إِنَّ الشَّيْطَانَ حَسَّاسٌ) بِحَاءِ مُهْمَلَةٍ وَشَدَّةِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ شَدِيدُ الْحِسِّ وَالْإِدْرَاكِ (لَحَّاسٌ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يَلْحَسُ بِلِسَانِهِ الْيَدَ الْمُتَلَوِّثَةَ مِنَ الطَّعَامِ (فَاحْذَرُوهُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ) أي خَافُوهُ عَلَيْهَا فَاغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ بَعْدَ فَرَاغِ الْأَكْلِ مِنْ أَثَرِ الطَّعَامِ (وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ دَسَمٌ وَوَسَخٌ وَزُهُومَةٌ مِنَ اللَّحْمِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (فَأَصَابَهُ شَيْءٌ) عَطْفٌ عَلَى بَاتَ وَالْمَعْنَى وَصَلَهُ شَيْءٌ من إيذاء الهوام وقيل أومن الْجَانِّ لِأَنَّ الْهَوَامَّ وَذَوَاتَ السُّمُومِ رُبَّمَا تَقْصِدُهُ فِي الْمَنَامِ لِرَائِحَةِ الطَّعَامِ فِي يَدَيْهِ فَتُؤْذِيهِ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَنْ بَاتَ وَفِي يَدِهِ رِيحُ غِمْرٍ فَأَصَابَهُ وَضَحٌ أَيْ بَرَصٌ (فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ) لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ كِلَاهُمَا عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الوليد المدني عن بن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ الْوَلِيدِ الْأَزْدِيُّ هَذَا كَذِبٌ وَإِنَّهُمْ لَا يَحْتَجُّونَ بِهِ لَكِنْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أبي صالح عن أبيه أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ وَإِنْ كَانَ تُكُلِّمَ فِيهِ فَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ احْتِجَاجًا وَاسْتِشْهَادًا وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا قَالَ السُّلَمِيُّ سَأَلْتُ الدَّارَقُطْنِيَّ لِمَ تَرَكَ الْبُخَارِيُّ سُهَيْلًا فِي الصَّحِيحِ فَقَالَ لَا أَعْرِفُ لَهُ فِيهِ عُذْرًا وَبِالْجُمْلَةِ فَالْكَلَامُ فِيهِ طويل وقد روى عنه شعيبة وَمَالِكٌ وَوَثَّقَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ (وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ مُعَلَّقًا وَوَصَلَهُ أبو داود وبن مَاجَهْ [1860] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ) الصَّغَانِيُّ (أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ) ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) الْبَزَّازُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيُّ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ) اللَّيْثِيُّ الْكُوفِيُّ يُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ حَازِمٌ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (مَنْ بَاتَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مَنْ نَامَ (وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ وَلَمْ يَغْسِلْهُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ إِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي حُصُولَ السُّنَّةِ بِمُجَرَّدِ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ قال بن رَسْلَانَ وَالْأَوْلَى غَسْلُ الْيَدِ مِنْهُ بِالْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن ماجه وبن حبان في صحيحه وأخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا عَنْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنها بنحوه

24 - كتاب الأشربة

24 - كتاب الأشربة جَمْعُ شَرَابٍ وَهُوَ مَا يُشْرَبُ مِنْ مَاءٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَائِعَاتِ (بَابُ مَا جَاءَ فِي شَارِبِ الْخَمْرِ) أَيْ مِنَ الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ [1861] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ دُرُسْتَ) بِضَمِّ الدَّالِ وَالرَّاءِ المهملتين وسكون السين المهملة بن زِيَادٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ رَوَى عَنْ حَمَّادِ بْنِ زيد وإسماعيل القناد وعنه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ يُسَمَّى خَمْرًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْمَنْصُورُ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي بَابِ الْحُبُوبِ الَّتِي يُتَّخَذُ مِنْهَا الْخَمْرُ (وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِ جَمِيعِ الْأَنْبِذَةِ الْمُسْكِرَةِ وَأَنَّ كُلَّهَا تُسَمَّى خَمْرًا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْفَضِيخُ وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَالرُّطَبُ وَالْبُسْرُ وَالزَّبِيبُ وَالشَّعِيرُ وَالذُّرَةُ وَالْعَسَلُ وَغَيْرُهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجَمَاهِيرُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ انْتَهَى (فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا) أَيْ يُدَاوِمُ عَلَى شُرْبِهَا بِأَنْ لَمْ يَتُبْ عَنْهَا حَتَّى مَاتَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَدْمَنَ الشَّيْءَ أَدَامَهُ (لَمْ يُشْرِبْهَا فِي الْآخِرَةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الْآخِرَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُحْرَمُ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ دَخَلَهَا فَإِنَّهَا مِنْ فَاخِرِ شَرَابِ الْجَنَّةِ فَيُمْنَعَهَا هَذَا الْعَاصِيَ بِشُرْبِهَا فِي الدُّنْيَا قِيلَ إِنَّهُ يَنْسَى شَهْوَتَهَا لِأَنَّ الْجَنَّةَ فِيهَا كُلُّ مَا يُشْتَهَى وَقِيلَ لَا يَشْتَهِيهَا وَإِنْ

ذَكَرَهَا وَيَكُونُ هَذَا نَقْصَ نَعِيمٍ فِي حَقِّهِ تَمْيِيزًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَارِكِ شُرْبِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ تُكَفِّرُ الْمَعَاصِي الْكَبَائِرَ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ انْتَهَى وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هَذَا مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ فِي الْبَيَانِ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ لِأَنَّ الْخَمْرَ مِنْ شَرَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِذَا لَمْ يُشْرِبْهَا فِي الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ قَدْ دَخَلَ الْجَنَّةَ انْتَهَى وَكَذَلِكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْأَوْلَى عِنْدِي أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُشْرِبْهَا فِي الْآخِرَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَفِي إِحْدَى رِوَايَاتِ الْبَيْهَقِيِّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَتُبْ لَمْ يُشْرِبْهَا فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ رَوَى أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حسن عن عبد الله بن عمر ورفعه مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبَسْهُ هو أخرجه الطيالسي وصححه بن حبان قال بن الْعَرَبِيِّ ظَاهِرُ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ لَا يَشْرَبُ الْخَمْرَ فِي الْجَنَّةِ وَلَا يَلْبَسُ الْحَرِيرَ فِيهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أُمِرَ بِتَأْخِيرِهِ وَوُعِدَ بِهِ فَحُرِمَهُ عِنْدَ مِيقَاتِهِ كَالْوَارِثِ فَإِنَّهُ إِذَا قَتَلَ مُوَرِّثَهُ فَإِنَّهُ يُحْرَمُ مِيرَاثَهُ لِاسْتِعْجَالِهِ وَبِهَذَا قَالَ نَفَرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ انْتَهَى وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ تَأْيِيدُ التَّحْرِيمِ فَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ شَرِبَ مِنْ جَمِيعِ أَشْرِبَتِهَا إِلَّا الْخَمْرَ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَتَأَلَّمُ لِعَدَمِ شُرْبِهَا وَلَا يَحْسُدُ مَنْ يَشْرَبُهَا وَيَكُونُ حَالُهُ كَحَالِ أَصْحَابِ الْمَنَازِلِ فِي الْخَفْضِ وَالرِّفْعَةِ فَكَمَا لَا يَشْتَهِي مَنْزِلَةَ مَنْ هُوَ أَرْفَعُ مِنْهُ لَا يَشْتَهِيهَا أَيْضًا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعُقُوبَةٍ لَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعُبَادَةَ وَأَبِي مَالِكٍ الأشعري وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْهُ فِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ وَعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ شُرْبَهَا فِي الْجَنَّةِ وَمَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي وَهُوَ يَتَحَلَّى الذَّهَبَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ لِبَاسَهُ فِي الْجَنَّةِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رُوَاةُ أَحْمَدَ ثِقَاتٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زِيَادَاتِهِ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيَبِيتَنَّ أُنَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى أَشَرٍ وَبَطَرٍ وَلَعِبٍ وَلَهْوٍ فَيُصْبِحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ بِاسْتِحْلَالِهِمُ الْمَحَارِمَ وَاِتِّخَاذِهِمُ الْقَيْنَاتِ وَشُرْبِهِمُ الْخَمْرَ وَبِأَكْلِهِمُ الرِّبَا وَلُبْسِهِمُ الْحَرِيرَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ فَأَخْرَجَهُ بن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ تَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يضرب على رؤوسهم بِالْمَعَازِفِ وَالْقَيْنَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ

وَيَجْعَلُ اللَّهُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عباس فأخرجه أحمد عن بن المنكدر قال حدثت عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ إِنْ مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ كَعَابِدِ وَثَنٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رَوَاهُ أَحْمَدُ هَكَذَا وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عن بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ مُدْمِنَ خَمْرٍ لَقِيَهُ كَعَابِدِ وَثَنٍ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ التِّرْمِذِيُّ إِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَارْجِعْ إِلَى الترغيب والترهيب للمنذري قوله (حديث بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ [1862] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ) بْنِ عُمَيْرٍ بِالتَّصْغِيرِ أَيْضًا اللَّيْثِيِّ الْجُنْدَعِيِّ الْمَكِّيِّ رَوَى عن أبيه وعن بن عُمَرَ وَعَنْهُ بُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَغَيْرُهُ وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِمٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ اللَّيْثِيُّ أَبُو عَاصِمٍ الْمَكِّيُّ وُلِدَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ مُسْلِمٌ وَعَدَّهُ غَيْرُهُ في كبار التابعين وكان قاض أَهْلِ مَكَّةَ مُجْمَعٌ عَلَى ثِقَتِهِ قَوْلُهُ (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ) أَيْ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ (لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ) بِالتَّنْوِينِ (أَرْبَعِينَ صَبَاحًا) ظَرْفٌ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالْإِضَافَةِ يَعْنِي بِإِضَافَةِ صَلَاةُ إِلَى أَرْبَعِينَ وَالْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوَابٌ وَإِنْ بَرِئَ الذِّمَّةُ وسفط الْقَضَاءُ بِأَدَاءِ أَرْكَانِهِ مَعَ شَرَائِطِهِ كَذَا قَالُوا وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّ لِكُلِّ طَاعَةٍ اعْتِبَارَيْنِ أَحَدُهُمَا سُقُوطُ الْقَضَاءِ عَنِ الْمُؤَدِّي وَثَانِيهِمَا تَرْتِيبُ حُصُولِ الثَّوَابِ فَعَبَّرَ عَنْ عَدَمِ تَرْتِيبِ الثَّوَابِ بِعَدَمِ قَبُولِ الصَّلَاةِ انْتَهَى وَخَصَّ الصَّلَاةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا سَبَبُ حُرْمَتِهَا أَوْ لِأَنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ عَلَى ما رواه الدارقطني عن بن عُمَرَ كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ أُمُّ الْعِبَادَاتِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَقِيلَ إِنَّمَا خَصَّ الصَّلَاةَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهَا فَلِأَنْ لَا يُقْبَلُ مِنْهَا عِبَادَةٌ أَصْلًا كَانَ أَوْلَى

باب ما جاء كل مسكر حرام

وَالْمُتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ مِنْ قَوْلِهِ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا أَنَّ الْمُرَادَ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَهِيَ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْيَوْمُ أَيْ صَلَاةُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا (فَإِنْ تَابَ) أَيْ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ بِالْإِقْلَاعِ وَالنَّدَامَةِ (تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ) أَيْ قَبِلَ تَوْبَتَهُ (فَإِنْ عَادَ) أَيْ إِلَى شُرْبِهَا (فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ) أَيْ رَجَعَ الرَّجْعَةَ الرَّابِعَةَ (فَإِنْ تَابَ لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ) هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي الْوَعِيدِ وَالزَّجْرِ الشَّدِيدِ وَإِلَّا فَقَدْ وَرَدَ مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَسَقَاهُ مِنْ نَهَرِ الْخَبَالِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ صَدِيدَ أَهْلِ النَّارِ لِكَثْرَتِهِ يَصِيرُ جَارِيًا كَالْأَنْهَارِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ موقوفا على بن عُمَرَ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَلَمْ يَنْتَشِ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ مَا دَامَ فِي جَوْفِهِ أَوْ عُرُوقِهِ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ مَاتَ مَاتَ كَافِرًا وَإِنِ انْتَشَى لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَإِنْ مَاتَ فِيهَا مَاتَ كَافِرًا قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَجَعَلَهَا فِي بَطْنِهِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ صَلَاةٌ سَبْعًا وَإِنْ مَاتَ فِيهَا مَاتَ كَافِرًا فَإِنْ أَذْهَبَتْ عَقْلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْفَرَائِضِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الْقُرْآنِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَإِنْ مات فيها مات كافرا (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (بَاب مَا جَاءَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) [1863] قَوْلُهُ (سُئِلَ عَنِ الْبِتْعِ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ وَقَدْ يُحَرَّكُ وَهُوَ نَبِيذُ الْعَسَلِ كَذَا

وَقَعَ تَفْسِيرُهُ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبِتْعُ بِالْكَسْرِ وَكَعِنَبٍ نَبِيذُ الْعَسَلِ الْمُشْتَدِّ أَوْ سُلَالَةُ الْعِنَبِ أَوْ بِالْكَسْرِ الْخَمْرُ (فَقَالَ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ) وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجَمَاهِيرِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ الْحَقُّ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِهِمْ عَنِ الْبِتْعِ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ كُلِّ مَا أَسْكَرَ وَعَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ بِاطِّرَادِ الْعِلَّةِ انْتَهَى فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْكُوفَةِ إِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ يَعْنِي بِهِ الْجُزْءَ الَّذِي يَحْدُثُ عَقِبَهُ السُّكْرُ فَهُوَ حَرَامٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّرَابَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقْتَضِي أَنْ يَرْجِعَ التَّحْرِيمُ إِلَى الْجِنْسِ كُلِّهِ كما يقال هذا الطعام مشبع والماء مر ويريد بِهِ الْجِنْسَ وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْفِعْلَ فَاللُّقْمَةُ تُشْبِعُ الْعُصْفُورَ وَمَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا يُشْبِعُ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنَ الْعُصْفُورِ وَكَذَلِكَ جِنْسُ الْمَاءِ يَرْوِي الْحَيَوَانَ عَلَى هَذَا الْحَدِّ فَكَذَلِكَ النَّبِيذُ قَالَ الطَّبَرِيُّ يُقَالُ لَهُمْ أَخْبِرُونَا عَنِ الشَّرْبَةِ الَّتِي يَعْقُبُهَا السُّكْرُ أَهِيَ الَّتِي أَسْكَرَتْ صَاحِبَهَا دُونَ مَا تَقَدَّمَهَا مِنَ الشَّرَابِ أَمْ أَسْكَرَتْ بِاجْتِمَاعِهَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ وَأَخَذَتْ كُلُّ شَرْبَةٍ بِحَظِّهَا مِنَ الْإِسْكَارِ فَإِنْ قَالُوا إِنَّمَا أَحْدَثَ لَهُ السُّكْرَ الشَّرْبَةُ الْآخِرَةُ الَّتِي وَجَدَ خَبَلَ الْعَقْلِ عَقِبَهَا قِيلَ لَهُمْ وَهَلْ هَذِهِ الَّتِي أَحْدَثَتْ لَهُ ذَلِكَ إِلَّا كَبَعْضِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الشَّرَبَاتِ قَبْلَهَا فِي أَنَّهَا لَوِ انْفَرَدَتْ دُونَ مَا قَبْلَهَا كَانَتْ غَيْرَ مُسْكِرَةٍ وَحْدَهَا وَأَنَّهَا إِنَّمَا أَسْكَرَتْ بِاجْتِمَاعِهَا وَاجْتِمَاعِ عَمَلِهَا فَحَدَثَ عَنْ جَمِيعِهَا السُّكْرُ كَذَا فِي النَّيْلِ وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ هَذَا أخرجه أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ لَكِنَّ التِّرْمِذِيَّ لَمْ يَقُلْ بَعْدَ رِوَايَتِهِ بِأَنَّهُ حَسَنٌ أَوْ صَحِيحٌ وَرَوَى بَعْدَ هَذَا حديث بن عُمَرَ وَقَالَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ إِلَخْ ثُمَّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ فَإِنْ كَانَتِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ إِلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فَفِيهِ بُعْدٌ كَمَا لَا يخفى وإن كانت الاشارة إلى حديث بن عُمَرَ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ قَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ هذا حديث حسن بعد رواية حديث بن عُمَرَ [1864] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ أَسْبَاطَ) بِمَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ مُهْمَلَةٍ وَبِمُوَحَّدَةٍ وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَتَرْكِ صَرْفٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي (بْنِ مُحَمَّدِ الْقُرَشِيُّ) الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ وَعَنْهُ زت ق وَثَّقَهُ مُطَيَّنٌ وَقَالَ مَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ

قَوْلُهُ (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ قوله (هذا حديث حسن صحيح) حديث بن عُمَرَ هَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُطَوَّلًا فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ إِلَخْ) حَدِيثُ عُمَرَ بِلَفْظِ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ عند أبي يعلى وفيه الْإِفْرِيقِيِّ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ بِلَفْظِ اجْتَنِبُوا مَا أَسْكَرَ عند أحمد وهو حسن وحديث بن مسعود عند بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقٍ لَيِّنٍ بِلَفْظِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَيِّنٍ أَيْضًا بِلَفْظِ عَلِيٍّ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ عُمَرَ وَحَدِيثُ الْأَشَجِّ الْعَصْرِيِّ أَخْرَجَهُ أبو يعلى كذلك بسند جيد وصححه بن حِبَّانَ وَحَدِيثُ دَيْلَمَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ فِيهِ قَالَ هَلْ يُسْكِرُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاجْتَنِبُوهُ وَحَدِيثُ مَيْمُونَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ وَكُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ وحديث بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقٍ جَيِّدٍ بِلَفْظِ عُمَرَ وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقٍ لَيِّنٍ بِلَفْظِ وَاجْتَنِبُوا كُلَّ مُسْكِرٍ وَحَدِيثُ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ حَدِيثِ عُمَرَ وَحَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ وَإِنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَحَدِيثُ معاوية أخرجه بن مَاجَهْ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ عُمَرَ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ اجْتَنِبُوا الْمُسْكِرَ وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ نَهَى عَنْ كُلِّ مُسْكِرٍ وَمُفْتِرٍ وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ وَلَفْظُهُ مِثْلُ لَفْظِ عُمَرَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَحَدِيثُ وَائِلِ بن حجر أخرجه بن أَبِي عَاصِمٍ وَحَدِيثُ قُرَّةَ الْمُزَنِيِّ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ عُمَرَ بِسَنَدٍ لَيِّنٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْتُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْآتِي وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى عَنْ غَيْرِ هَؤُلَاءِ

باب ما أسكر كثيره فقليله حرام

الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ الْخَمْرِ مِنَ الْعَسَلِ وَهُوَ الْبِتْعُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ (بَاب مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) [1865] قَوْلُهُ (عَنْ دَاوُدَ بْنِ بَكْرِ بْنِ أَبِي الْفُرَاتِ) الْأَشْجَعِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّ الْخَمْرَ يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُسْكِرَاتِ يَحْرُمُ قَدْرُ الْمُسْكِرِ مِنْهُ دُونَ الْقَلِيلِ وَهُوَ بَاطِلٌ يُبْطِلُهُ الْأَحَادِيثُ الْكَثِيرَةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وعائشة وعبد الله بن عمرو وبن عُمَرَ وَخَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ) أَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ وهو بن أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى عن قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهَا مَرْفُوعًا مَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرَقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِيهِ حَرَامٌ قَلِيلُ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أحمد والنسائي وبن ماجه وأما حديث بن عمر فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلَفْظُهُ مِثْلُ لَفْظِ حَدِيثِ الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ خَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ مَا نَصُّهُ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَحَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَجْوَدُهَا إِسْنَادًا فَإِنَّ النَّسَائِيَّ رَوَاهُ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمَّارٍ الْمُوصِلِيِّ وَهُوَ أَحَدُ الثِّقَاتِ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ

وَمُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَشَجِّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَقَدِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ) وأخرجه أبو داود والنسائي وبن ماجه وبن حبان وصححه وقال الحافظ بن حَجَرٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ [1866] قَوْلُهُ (عَنْ مَهْدِيِّ بْنِ مَيْمُونٍ) الْأَزْدِيِّ الْمَغُولِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ الْأَنْصَارِيِّ) الْمَدَنِيِّ قَاضِي مَرْوَ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَهُوَ مِكْيَالٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا وَقِيلَ هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ كَذَلِكَ فَإِذَا سُكِّنَتْ فَهُوَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ رَطْلًا (مِنْهُ) أَيْ مِنْ كُلِّ مُسْكِرٍ (فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَرَقُ وَمِلْءُ الْكَفِّ عِبَارَتَانِ عَنِ التَّكْثِيرِ وَالتَّقْلِيلِ لَا التَّحْدِيدِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ السَّابِقُ قَوْلُهُ (قَالَ أَحَدُهُمَا) أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ (فِي حَدِيثِهِ الْحُسْوَةُ مِنْهُ حَرَامٌ) أَيْ مَكَانُ مِلْءِ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ وَالْحُسْوَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْجَرْعَةُ مِنَ الشَّرَابِ بِقَدْرِ مَا يُحْسَى مَرَّةً وَبِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَرُوَاتُهُ كُلُّهُمْ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ سِوَى أَبِي عُثْمَانَ عَمْرٍو وَيُقَالُ عُمَرُ بْنُ سَالِمٍ الأنصاري مولاهم المدني ثم الخرساني وَهُوَ مَشْهُورٌ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِمَرْوَ وَرَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ وَسَمِعَ مِنَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَرَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَمْ أَرَ أَحَدًا قَالَ

باب ما جاء في نبيذ الجر

فِيهِ كَلَامًا وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ مَعْرُوفٌ بِكُنْيَتِهِ وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ وَأَعَلَّهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِالْوَقْفِ كَذَا فِي النَّيْلِ (بَاب مَا جَاءَ فِي نَبِيذِ الْجَرِّ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ النَّبِيذُ هُوَ مَا يُعْمَلُ مِنَ الْأَشْرِبَةِ مِنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ يَقُولُ نَبَذْتُ التَّمْرَ وَالْعِنَبَ إِذَا تَرَكْتُ عَلَيْهِ الْمَاءَ لِيَصِيرَ نَبِيذًا فَصُرِفَ مِنْ مَفْعُولٍ إِلَى فَعِيلٍ وَانْتَبَذْتَهُ اتَّخَذْتَهُ نَبِيذًا وَسَوَاءٌ كَانَ مُسْكِرًا أَوْ غَيْرَ مُسْكِرٍ انْتَهَى وَالنَّبِيذُ حَلَالٌ اتِّفَاقًا مَا دَامَ حُلْوًا وَلَمْ يَنْتَهِ إِلَى حَدِّ الْإِسْكَارِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَالْجَرُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ جَمْعُ جَرَّةٍ كَتَمْرٍ جَمْعِ تَمْرَةٍ وَهُوَ بِمَعْنَى الْجِرَارِ الْوَاحِدَةُ جَرَّةٌ وَهِيَ كُلُّ مَا يُصْنَعُ مِنْ مَدَرٍ [1867] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بن عُلَيَّةَ) هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنُ مِقْسَمٍ (حدثنا سليمان التيمي) هو بن طرخان (عن طاؤس) هو بن كَيْسَانَ قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَنَهَى بِذِكْرِ الْهَمْزَةِ (فَقَالَ نَعَمْ) أَيْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَبِيذِ الْجَرِّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْجَرُّ وَالْجِرَارُ جَمْعُ جَرَّةٍ وَهُوَ الْإِنَاءُ الْمَعْرُوفُ مِنَ الْفَخَّارِ وَأَرَادَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْجِرَارِ الْمَدْهُونَةَ لِأَنَّهَا أَسْرَعُ فِي الشِّدَّةِ وَالتَّخْمِيرِ انْتَهَى وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْجِرَارِ مِنَ الْحَنْتَمِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَنْسُوخٌ كَمَا سَيَأْتِي وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا الْجَرُّ فَقَالَ كُلُّ شَيْءٍ يُصْنَعُ مِنَ المدر قال النووي هذا تصريح من بن عَبَّاسٍ بِأَنَّ الْجَرَّ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْجِرَارِ الْمُتَّخَذَةِ مِنَ الْمَدَرِ الَّذِي هُوَ التُّرَابُ انتهى (فقال طاؤس إِلَخْ) هَذَا قَوْلُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ

باب ما جاء في كراهية أن ينبذ في الدباء والحنتم

قوله (وفي الباب عن بن أبي أوفى وأبي سعيد وسويد وعائشة وبن الزبير وبن عباس) أما حديث بن أَبِي أَوْفَى فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الْجَرِّ الْأَخْضَرِ قُلْتُ أَيُشْرَبُ فِي الْأَبْيَضِ قَالَ لَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ سويد وهو بن مُقَرِّنٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَبِيذٍ فِي جَرَّةٍ فَسَأَلْتُهُ فَنَهَانِي عَنْهَا فَكَسَرْتُهَا وَأَمَّا حَدِيثُ عائشة فأخرجه بن مَاجَهْ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُنْبَذَ فِي الْجَرِّ وَفِي كَذَا وَفِي كَذَا إِلَّا الْخَلَّ وأما حديث بن الزبير فأخرجه النسائي وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يُنْبَذَ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ) وَالنَّقِيرِ الدُّبَّاءُ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَهُوَ الْقَرْعُ الْيَابِسُ وَهُوَ مِنَ الْآنِيَةِ الَّتِي يُسْرِعُ الشَّرَابُ فِي الشِّدَّةِ إِذَا وُضِعَ فِيهَا وَأَمَّا النَّقِيرُ فَبِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْقَافِ وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنْ نَقَرَ يَنْقُرُ وَكَانُوا يَأْخُذُونَ أَصْلَ النَّخْلَةِ فَيَنْقُرُونَهُ فِي جَوْفِهِ وَيَجْعَلُونَهُ إِنَاءً يَنْتَبِذُونَ فِيهِ لِأَنَّ لَهُ تَأْثِيرًا فِي شِدَّةِ الشَّرَابِ وَأَمَّا الْحَنْتَمُ فَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ فَوْقُ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ الْوَاحِدَةُ حَنْتَمَةٌ [1868] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) هُوَ الْجَمَلِيُّ الْمُرَادِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ قوله (سألت بن عُمَرَ عَنْ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَوْعِيَةِ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ حَدِّثْنِي بِمَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَشْرِبَةِ بِلُغَتِكَ وَفَسِّرْهُ لِي بِلُغَتِنَا فَإِنَّ لَكُمْ لُغَةً سِوَى لُغَتِنَا (وَأَخْبِرْنَاهُ بِلُغَتِكُمْ) أَيْ وَقُلْتُ لَهُ أَخْبِرْنَاهُ أَيْ حَدِّثْنَا بِمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بلغتكم (وهي

الْجَرَّةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتُلِفَ فِي الْحَنْتَمِ وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا أَنَّهَا جِرَارٌ خُضْرٌ وَهَذَا التَّفْسِيرُ ثَابِتٌ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الصَّحَابِيِّ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ أَوْ كَثِيرُونَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالثَّانِي أَنَّهَا الْجِرَارُ كُلُّهَا قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو سَلَمَةَ وَالثَّالِثُ أَنَّهَا جِرَارٌ يُؤْتَى بِهَا مِنْ مِصْرَ مُقَيَّرَاتُ الْأَجْوَافِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَحْوُهُ عَنِ بن أَبِي لَيْلَى وَزَادَ أَنَّهَا حُمْرٌ وَالرَّابِعُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا جِرَارٌ حُمْرٌ أَعْنَاقُهَا فِي جُنُوبِهَا يُجْلَبُ فِيهَا الْخَمْرُ مِنْ مصر والخامس عن بن أَبِي لَيْلَى أَيْضًا أَفْوَاهُهَا فِي جُنُوبِهَا يُجْلَبُ لَهَا الْخَمْرُ مِنَ الطَّائِفِ وَكَانَ نَاسٌ يَنْتَبِذُونَ فِيهَا يُضَاهُونَ بِهِ الْخَمْرَ وَالسَّادِسُ عَنْ عَطَاءٍ جِرَارٌ كَانَتْ تُعْمَلُ مِنْ طِينٍ وَشَعْرٍ وَدَمٍ انْتَهَى (وَهِيَ الْقَرْعَةُ) أَيِ الْيَابِسَةُ (وَنَهَى عَنِ النَّقِيرِ وَهِيَ أَصْلُ النَّخْلِ يُنْقَرُ نَقْرًا أَيْ يُنْسَجُ نَسْجًا) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِالْجِيمِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هِيَ النَّخْلَةُ تُنْسَجُ نَسْجًا هَكَذَا جَاءَ فِي مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ هُوَ وَهْمٌ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ وَمَعْنَاهُ أَنْ يُنَحَّى قِشْرُهَا عَنْهَا وَتُمْلَسَ وَتُحْفَرَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ النَّسْجُ مَا تَحَاتَّ عَنِ التَّمْرِ مِنْ قِشْرِهِ وَأَقْمَاعِهِ مِمَّا يَبْقَى فِي أَسْفَلِ الْوِعَاءِ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ تُنْسَحُ نَسْحًا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ وَالنَّسْحُ بِسِينٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ أَيْ تُقْشَرُ ثُمَّ تُنْقَرُ فَتَصِيرُ نَقِيرًا وَوَقَعَ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ فِي بَعْضِ النُّسَخِ تُنْسَجُ بِالْجِيمِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هُوَ تَصْحِيفٌ وَادَّعَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي التِّرْمِذِيِّ بِالْجِيمِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ مُعْظَمُ نُسَخِ مُسْلِمٍ بِالْحَاءِ انْتَهَى (وَنَهَى عَنِ الْمُزَفَّتِ) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَهُوَ الْإِنَاءُ الْمَطْلِيُّ بِالزِّفْتِ وَهُوَ الْقِيرُ (وَهُوَ الْمُقَيَّرُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَالْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى النَّهْيِ عَنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ هُوَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الِانْتِبَاذِ فِيهَا وَهُوَ أَنْ يُجْعَلَ فِي الْمَاءِ حَبَّاتٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا لِيَحْلُوَ وَيُشْرَبَ وَإِنَّمَا خُصَّتْ هَذِهِ بِالنَّهْيِ لِأَنَّهُ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْإِسْكَارُ فِيهَا فَيَصِيرُ حَرَامًا نَجَسًا وَتَبْطُلُ مَالِيَّتُهُ فَنَهَى عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إِتْلَافِ الْمَالِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا شَرِبَهُ بَعْدَ إِسْكَارِهِ مَنْ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ انْتَهَى (وَأَمَرَ أَنْ يُنْتَبَذَ فِي الْأَسْقِيَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ لَمْ يَنْهَ عَنِ الِانْتِبَاذِ فِي أَسْقِيَةِ الْأُدْمِ بَلْ أَذِنَ فِيهَا لِأَنَّهَا لِرِقَّتِهَا لَا يَخْفَى فِيهَا الْمُسْكِرُ بَلْ إِذَا صَارَ مُسْكِرًا شقها غالبا انتهى وقال القارىء الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ لَيْسَ اسْتِعْمَالَهَا مُطْلَقًا بَلِ النَّقِيعَ فِيهَا وَالشُّرْبَ

مِنْهَا مَا يُسْكِرُ وَإِضَافَةُ الْحُكْمِ إِلَيْهَا خُصُوصًا إِمَّا لِاعْتِيَادِهِمُ اسْتِعْمَالَهَا فِي الْمُسْكِرَاتِ أَوْ لِأَنَّهَا أَوْعِيَةٌ تُسْرِعُ بِالِاشْتِدَادِ فِيمَا يُسْتَنْقَعُ لِأَنَّهَا غَلِيظَةٌ لَا يَتَرَشَّحُ مِنْهَا الْمَاءُ وَلَا يَنْفُذُ فِيهَا الْهَوَاءُ فَلَعَلَّهَا تُغَيِّرُ النَّقِيعَ فِي زَمَانٍ قَلِيلٍ وَيَتَنَاوَلُهُ صَاحِبُهُ عَلَى غَفْلَةٍ بِخِلَافِ السِّقَاءِ فَإِنَّ التَّغَيُّرَ فِيهِ يَحْدُثُ عَلَى مَهْلٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ نَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا وَقِيلَ هَذِهِ الظُّرُوفُ كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِالْخَمْرِ فَلَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ حَرَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِعْمَالَ هَذِهِ الظُّرُوفِ إِمَّا لِأَنَّ فِي اسْتِعْمَالِهَا تَشْبِيهًا بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَإِمَّا لِأَنَّ هَذِهِ الظُّرُوفَ كَانَ فِيهَا أَثَرُ الْخَمْرِ فَلَمَّا أَمْضَتْ مُدَّةً أَبَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِعْمَالَ هَذِهِ الظُّرُوفِ فَإِنَّ أَثَرَ الْخَمْرِ زَالَ عَنْهَا وَأَيْضًا فِي ابْتِدَاءِ تَحْرِيمِ شَيْءٍ يُبَالَغُ وَيُشَدَّدُ لِيَتْرُكَهُ النَّاسُ مَرَّةً فَإِذَا تَرَكَهُ النَّاسُ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ يَزُولُ التشديد بعد حصول المقصود انتهى كلام القارىء قَالَ النَّوَوِيُّ ثُمَّ إِنَّ هَذَا النَّهْيَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ بِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَعْنِي الَّذِي يَأْتِي فِي الباب الذي يليه قوله (وفي الباب عن عمر وعلي وبن عَبَّاسٍ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو داود والنسائي وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وفتح الميم فأخرجه بن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو وَحَدِيثُ الْحَكَمِ الْغِفَارِيِّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ مَيْمُونَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لا تَنْبِذُوا فِي الدُّبَّاءِ وَلَا فِي الْمُزَفَّتِ وَلَا فِي النَّقِيرِ وَلَا فِي الْجِرَارِ وَقَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ

باب ما جاء في الرخصة

6 - (باب ما جاء في الرخصة) أن ينبذوا فِي الظُّرُوفِ [1869] قَوْلُهُ (وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ) هُوَ الْخَلَّالُ الْحُلْوَانِيُّ (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ) اسْمُهُ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ النَّبِيلُ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ قَوْلُهُ (إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنِ الظُّرُوفِ) أَيْ عَنِ الِانْتِبَاذِ فِي ظَرْفٍ مِنْ هَذِهِ الظُّرُوفِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ (وَإِنَّ ظَرْفًا لَا يُحِلُّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يُبِيحُ (وَلَا يُحَرِّمُهُ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ نَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ فَاشْرَبُوا فِي الْأَسْقِيَةِ كُلِّهَا وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا قَالَ النَّوَوِيُّ كَانَ الِانْتِبَاذُ فِي الْحَنْتَمِ وَالدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَصِيرَ مُسْكِرًا فِيهَا وَلَا نَعْلَمُ بِهِ لِكَثَافَتِهَا فَيُتْلِفُ مَالِيَّتَهُ وَرُبَّمَا شَرِبَهُ الْإِنْسَانُ ظَانًّا أَنْ لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا فَيَصِيرُ شَارِبًا لِلْمُسْكِرِ وَكَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا بِإِبَاحَةِ الْمُسْكِرِ فَلَمَّا طَالَ الزَّمَانُ وَاشْتَهَرَ تَحْرِيمُ الْمُسْكِرَاتِ وَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي نُفُوسِهِمْ نُسِخَ ذَلِكَ وَأُبِيحَ لَهُمْ الِانْتِبَاذُ فِي كُلِّ وِعَاءٍ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا وَهَذَا صَرِيحُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ إِلَّا فِي سِقَاءٍ الْحَدِيثَ قَالَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ مَنْسُوخًا هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْقَوْلُ بِالنَّسْخِ هُوَ أَصَحُّ الْأَقَاوِيلِ قَالَ وَقَالَ قَوْمٌ التَّحْرِيمُ بَاقٍ وَكَرِهُوا الِانْتِبَاذَ فِي هَذِهِ الْأَوْعِيَةِ ذَهَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عمر وبن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ وَأَبَا دَاوُدَ [1870] قَوْلُهُ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ مَنْصُورٍ) هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ (عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ) هُوَ الأشجعي الكوفي

باب ما جاء في السقاء أي في الانتباذ في السقاء

قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الظُّرُوفِ) جَمْعُ ظَرْفٍ وَهُوَ الْوِعَاءُ أَيْ عَنْ الِانْتِبَاذِ فِيهَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ (فَقَالُوا لَيْسَ لَنَا وِعَاءٌ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَتِ الْأَنْصَارُ إِنَّهُ لَا بُدَّ لَنَا مِنْهَا (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَا إِذًا) قَالَ الْحَافِظُ جَوَابٌ وَجَزَاءٌ أَيْ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنْهَا فَلَا تَدَعُوهَا وَحَاصِلُهُ أَنَّ النَّهْيَ كَانَ وَرَدَ عَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ أَوْ وَقَعَ وَحْيٌّ فِي الْحَالِ بِسُرْعَةٍ أَوْ كَانَ الْحُكْمُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مُفَوَّضًا لِرَأْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذِهِ الِاحْتِمَالَاتُ تَرُدُّ عَلَى مَنْ جَزَمَ بِأَنَّ الْحَدِيثَ حُجَّةٌ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يحكم بالاجتهاد انتهى وفي عمدة القارىء قال بن بَطَّالٍ النَّهْيُ عَنِ الْأَوْعِيَةِ إِنَّمَا كَانَ قَطْعًا لِلذَّرِيعَةِ فَلَمَّا قَالُوا لَا بُدَّ لَنَا قَالَ انْتَبِذُوا فِيهَا وَكَذَلِكَ كُلُّ نَهْيٍ كَانَ لِمَعْنَى النَّظَرِ إِلَى غَيْرِهِ كَنَهْيِهِ عَنِ الجُّلُوسِ فِي الطُّرُقَاتِ فَلَمَّا ذَكَرُوا أَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ بُدًّا مِنْ ذَلِكَ قَالَ إِذَا أَبَيْتُمْ فَأَعْطُوا الطَّرَيقَ حَقَّهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الِانْتِبَاذُ فِي جَمِيعِ الْأَوْعِيَةِ كُلِّهَا مُبَاحٌ وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنْ الِانْتِبَاذِ مَنْسُوخَةٌ بِحَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَطْلَقَ لَهُمْ جَمِيعَ الْأَوْعِيَةِ وَالظُّرُوفِ حِينَ قَالَ لَهُ الْأَنْصَارُ لَا بُدَّ لَنَا مِنْهَا فَقَالَ فَلَا إِذًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ مِنْهَا شَيْئًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عمرو) أما حديث بن مسعود فأخرجه بن مَاجَهْ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ نَبِيذِ الْأَوْعِيَةِ أَلَا وَإِنَّ وِعَاءً لَا يُحَرِّمُ شَيْئًا كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ لَمَّا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّبِيذِ فِي الْأَوْعِيَةِ قَالُوا لَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَجِدُ فَأَرْخَصَ لَهُمْ فِي الْجَرِّ غَيْرِ الْمُزَفَّتِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (بَاب مَا جَاءَ فِي السِّقَاءِ أَيْ فِي الِانْتِبَاذِ فِي السِّقَاءِ)

قَوْلُهُ (عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ) بْنِ دِينَارٍ الْعَبْدِيِّ (عَنْ أُمِّهِ) اسْمُهَا خَيْرَةُ مَوْلَاةُ أُمِّ سَلَمَةَ مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (كُنَّا نَنْبِذُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّ النُّونِ الْأُولَى مَعَ تَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِهَا وَفِي الْقَامُوسِ النَّبْذُ الطَّرْحُ وَالْفِعْلُ كَضَرَبَ وَالنَّبِيذُ الْمُلْقَى وَمَا نُبِذَ مِنْ عَصِيرٍ وَنَحْوِهِ وَقَدْ نَبَذَهُ وَأَنْبَذَهُ وَانْتَبَذَهُ وَنَبَّذَهُ انْتَهَى أَيْ نَطْرَحُ الزَّبِيبَ وَنَحْوَهُ (فِي سِقَاءٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ مَمْدُودًا (يُوكَأُ أَعْلَاهُ) أَيْ يُشَدُّ رَأْسُهُ بِالْوِكَاءِ وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ رَأْسُ الْقِرْبَةِ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ يُوكَأُ بِالْهَمْزِ وَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهَا فِي سِقَاءٍ يُوكَأُ هَذَا مِمَّا رَأَيْتُهُ يُكْتَبُ وَيُضْبَطُ فَاسِدًا وصوابه يوكي بالياء غير مهموز انتهى وذكر صَاحِبُ الْقَامُوسِ فِي الْمُعْتَلِّ وَقَالَ الْوِكَاءُ كِكِسَاءٍ رباط القرية وَغَيْرِهَا وَقَدْ وَكَاهَا وَأَوْكَاهَا وَعَلَيْهَا انْتَهَى وَكَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي الْمُعْتَلِّ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُعْتَلٌّ لَا مَهْمُوزٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أوكوا السِّقَاءَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ بِضَمِّ الْكَافِ (لَهُ) أَيْ لِلسِّقَاءِ (عَزْلَاءَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ الثُّقْبُ الَّذِي يَكُونُ فِي أسفل المزادة والقربة قال بن الْمَلَكِ أَيْ لَهُ ثُقْبَةٌ فِي أَسْفَلِهِ يُشْرَبُ مِنْهُ الْمَاءُ (نَنْبِذُهُ) أَيْ نَطْرَحُ التَّمْرَ وَنَحْوَهُ فِي السِّقَاءِ (غُدْوَةً) بِالضَّمِّ مَا بَيْنَ الصَّلَاةِ الْغُدْوَةِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ (وَيَشْرَبُهُ) أَيْ هُوَ يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَنْبُوذِ (عِشَاءً) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الشِّينِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ إِلَى الْمَغْرِبِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا لَا يخالف حديث بن عَبَّاسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْبَذُ لَهُ الزَّبِيبُ فِي السِّقَاءِ فَيَشْرَبُهُ يَوْمَهُ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ فَإِذَا كَانَ مَسَاءَ الثَّالِثَةِ شَرِبَهُ وَسَقَاهُ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَهْرَاقَهُ أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ فَإِنَّ الشُّرْبَ فِي يَوْمٍ لَا يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَعَلَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ كَانَ زَمَنَ الْحَرِّ وَحَيْثُ يُخْشَى فَسَادُهُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى يَوْمٍ وَحَدِيثُ أَبِي عَبَّاسٍ فِي زَمَنٍ يُؤْمَنُ فِيهِ التَّغَيُّرُ قَبْلَ الثَّلَاثِ وَقِيلَ حَدِيثُ عَائِشَةَ مَحْمُولٌ عَلَى نَبِيذٍ قَلِيلٍ يَفْرَغُ فِي يومه وحديث بن عَبَّاسٍ فِي كَثِيرٍ لَا يَفْرَغُ فِيهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ كَانَ يُنْتَبَذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ فَإِذَا لَمْ يَجِدُوا سِقَاءً نُبِذَ لَهُ فِي تَوْرٍ مِنْ حِجَارَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ وَلَفْظُهُ آنِفًا

باب ما جاء في الحبوب التي يتخذ منها الخمر

قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحُبُوبِ الَّتِي يُتَّخَذُ مِنْهَا الْخَمْرُ) [1872] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) الظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ الذُّهْلِيُّ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) هُوَ الضَّبِّيُّ مَوْلَاهُمُ الْفِرْيَابِيُّ (حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ) هو بن يُونُسَ (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ) هُوَ الْبَجْلِيُّ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ (إِنَّ مِنَ الْحِنْطَةِ خَمْرًا) قَالَ بن الْمَلَكِ تَسْمِيَتُهُ خَمْرًا مَجَازٌ لِإِزَالَتِهِ الْعَقْلَ قُلْتُ قول بن الْمَلَكِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ بَلْ هَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ تَسْمِيَتَهُ خَمْرًا عَلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَسَلِ وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ تَصْرِيحٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَهُ عُمَرُ مِنْ كَوْنِ الْخَمْرِ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْخَمْرَ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْخَمْسَةِ بِأَعْيَانِهَا وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْرُهَا خُصُوصًا لِكَوْنِهَا مَعْهُودَةً فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَكُلَّمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ ذُرَةٍ أَوْ سَلْتٍ أَوْ لُبِّ ثَمَرَةٍ وَعُصَارَةِ شَجَرَةٍ فَحُكْمُهَا حُكْمُهَا كَمَا قُلْنَا فِي الرِّبَا وَرَدَدْنَا إِلَى الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْخَبَرِ كُلَّمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ غَيْرِ الْمَذْكُورِ فِيهِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي قَوْلَ عُمَرَ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ إِلَخْ أَوْرَدَهُ أَصْحَابُ الْمَسَانِيدِ وَالْأَبْوَابِ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ لِأَنَّ لَهُ عِنْدَهُمْ حُكْمُ الرَّفْعِ لِأَنَّهُ خَبَرُ صَحَابِيٍّ شَهِدَ التَّنْزِيلَ أَخْبَرَ عَنْ سَبَبِ نُزُولِهَا وَقَدْ خَطَبَ بِهِ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ بِحَضْرَةِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِنْكَارُهُ وَأَرَادَ عُمَرُ بِنُزُولِ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ نُزُولُ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ الْآيَةَ فَأَرَادَ عُمَرُ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَمْرِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ خَاصًّا بِالْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ بَلْ يَتَنَاوَلُ الْمُتَّخَذَ مِنْ غَيْرِهَا قال قوله

وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ أَيْ غَطَّاهُ أَوْ خَالَطَهُ فَلَمْ يَتْرُكْهُ عَلَى حَالِهِ وَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ وَالْعَقْلُ هُوَ آلَةُ التَّمْيِيزِ فَلِذَلِكَ حُرِّمَ مَا غَطَّاهُ أَوْ غَيَّرَهُ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَزُولُ الْإِدْرَاكُ الَّذِي طَلَبَهُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ لِيَقُومُوا بِحُقُوقِهِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ هَذَا تَعْرِيفٌ بِحَسَبِ اللُّغَةِ وَأَمَّا بِحَسَبِ الْعُرْفِ فَهُوَ مَا يُخَامِرُ الْعَقْلَ مِنْ عَصِيرِ الْعِنَبِ خَاصَّةً قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ عُمَرَ لَيْسَ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ اللُّغَةِ بَلْ هُوَ فِي مَقَامِ تَعْرِيفِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْخَمْرُ الَّذِي وَقَعَ تَحْرِيمُهُ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ هُوَ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ عَلَى أَنَّ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ اخْتِلَافًا فِي ذَلِكَ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْخَمْرَ فِي اللُّغَةِ يَخْتَصُّ بِالْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ فَالِاعْتِبَارُ بِالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَقَدْ تَوَارَدَتِ الْأَحَادِيثُ عَلَى أَنَّ الْمُسْكِرَ مِنَ الْمُتَّخَذِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ يُسَمَّى خَمْرًا وَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى اللُّغَوِيَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَيْسَ الْمُرَادُ الْحَصْرُ فِيهِمَا لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الْخَمْرَ تُتَّخَذُ مِنْ غَيْرِهِمَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ الْخَمْرَ شَرْعًا لَا تَخْتَصُّ بِالْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ وَقَالَ الْحَافِظُ يُحْمَلُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الْغَالِبِ أَيْ أَكْثَرِ مَا يُتَّخَذُ الْخَمْرُ مِنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَيُحْمَلُ حَدِيثُ عُمَرَ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى إِرَادَةِ اسْتِيعَابِ ذِكْرِ مَا عُهِدَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ يُتَّخَذُ مِنْهُ الْخَمْرُ قَالَ الرَّاغِبُ فِي مُفْرَدَاتِ الْقُرْآنِ سُمِّيَ الْخَمْرُ لِكَوْنِهِ خَامِرًا لِلْعَقْلِ أَيْ سَاتِرًا لَهُ وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لِلْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ خَاصَّةً وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لِلْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ لِغَيْرِ الْمَطْبُوخِ فَرُجِّحَ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَسْتُرُ الْعَقْلَ يُسَمَّى خَمْرًا حَقِيقَةً وَكَذَا قَالَ أَبُو نَصْرِ بْنُ الْقُشَيْرِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ سُمِّيَتِ الْخَمْرُ خَمْرًا لِسَتْرِهَا الْعَقْلَ أَوْ لِاخْتِمَارِهَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ وأبو نصر الجوهري ونقل عن بن الْأَعْرَابِيِّ قَالَ سُمِّيَتِ الْخَمْرُ لِأَنَّهَا تُرِكَتْ حَتَّى اخْتَمَرَتْ وَاخْتِمَارُهَا يُغَيِّرُ رَائِحَتَهَا وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لمخامرتها العقل نعم جزم بن سِيدَهْ فِي الْمُحْكَمِ بِأَنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةً إِنَّمَا هِيَ لِلْعِنَبِ وَغَيْرُهَا مِنَ الْمُسْكِرَاتِ يُسَمَّى خَمْرًا مَجَازًا وَقَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ فِي حَدِيثِ إِيَّاكُمْ وَالْغُبَيْرَاءَ فَإِنَّهَا خَمْرُ الْعَالَمِ هِيَ نَبِيذُ الْحَبَشَةِ مُتَّخَذَةٌ مِنَ الذُّرَةِ سُمِّيَتِ الْغُبَيْرَاءَ لِمَا فِيهَا مِنَ الْغُبَيْرَةِ وَقَوْلُهُ خَمْرُ الْعَالَمِ أَيْ هِيَ مِثْلُ خَمْرِ الْعَالَمِ لَا فَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّهَا مُعْظَمُ خَمْرِ الْعَالَمِ وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ الْخَمْرُ عِنْدَنَا مَا اعْتُصِرَ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إِذَا اشْتَدَّ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَقِيلَ هُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْكِرٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَلِأَنَّهُ مِنْ مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي كُلِّ مُسْكِرٍ قَالَ وَلَنَا إِطْبَاقُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى تَخْصِيصِ الْخَمْرِ بِالْعِنَبِ وَلِهَذَا اشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُهَا فِيهِ وَلِأَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ قَطْعِيٌّ وَتَحْرِيمَ مَا عَدَا المتخذ

مِنَ الْعِنَبِ ظَنِّيٌّ قَالَ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْخَمْرُ خَمْرًا لِتَخَمُّرِهِ لَا لِمُخَامَرَةِ الْعَقْلِ قَالَ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ كَوْنُ الِاسْمِ خَاصًّا فِيهِ كَمَا فِي النَّجْمِ فَإِنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الظُّهُورِ ثُمَّ هُوَ خَاصٌّ بِالثُّرَيَّا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَوَابُ عَنِ الْحُجَّةِ الْأُولَى ثُبُوتُ النَّقْلِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ بِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ يُسَمَّى خَمْرًا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يَزْعُمُ قَوْمٌ أَنَّ الْعَرَبَ لَا تَعْرِفُ الْخَمْرَ إِلَّا مِنَ الْعِنَبِ فَيُقَالُ لَهُمْ إِنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ سَمَّوْا غَيْرَ الْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ خَمْرًا عَرَبٌ فُصَحَاءُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الِاسْمُ صَحِيحًا لَمَا أَطْلَقُوهُ وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ الْكُوفِيُّونَ إِنَّ الْخَمْرَ مِنَ العنب لقوله تعالى أعصر خمرا قَالَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَمْرَ هُوَ مَا يُعْتَصَرُ لَا يُنْتَبَذُ قَالَ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْحَصْرِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَسَائِرُ الْحِجَازِيِّينَ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا اتُّخِذَ مِنَ الْعِنَبِ وَمِنَ الْحُجَّةِ لَهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ لَمَّا نَزَلَ بِتَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَهِمَ الصَّحَابَةُ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يُسَمَّى خَمْرًا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ فَأَرَاقُوا الْمُتَّخَذَ مِنَ التَّمْرِ وَالرُّطَبِ وَلَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِالْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ وَعَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ فَإِذَا ثَبَتَ تَسْمِيَةُ كُلِّ مُسْكِرٍ خَمْرًا مِنَ الشَّرْعِ كَانَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً وَهِيَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَعَنِ الثَّانِيَةِ أَنَّ اخْتِلَافَ مُشْتَرَكَيْنِ فِي الْحُكْمِ فِي الْغِلَظِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ افْتِرَاقُهُمَا وَفِي التَّسْمِيَةِ كَالزِّنَا مَثَلًا فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى من وطىء أَجْنَبِيَّةً وَعَلَى وَطْءِ امْرَأَةِ جَارِهِ وَالثَّانِي أَغْلَظُ من الأول وعلى من وطىء محرما له وهو أغلظ واسم الزنى مَعَ ذَلِكَ شَامِلٌ لِلثَّلَاثَةِ وَأَيْضًا فَالْأَحْكَامُ الْفَرْعِيَّةُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْأَدِلَّةُ الْقَطْعِيَّةُ فَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْقَطْعِ بِتَحْرِيمِ الْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ وَعَدَمِ الْقَطْعِ بِتَحْرِيمِ الْمُتَّخَذِ مِنْ غَيْرِهِ أَنْ لَا يَكُونَ حَرَامًا بَلْ يُحْكَمُ بِتَحْرِيمِهِ إِذَا ثَبَتَ بِطَرِيقٍ ظَنِّيٍّ تَحْرِيمُهُ وَكَذَا تَسْمِيَتُهُ خَمْرًا وَعَنِ الثَّالِثَةِ ثُبُوتُ النَّقْلِ عَنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ بِمَا نَفَاهُ هُوَ وَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ أَنْ يَقُولَ لَا لِمُخَامَرَةِ الْعَقْلِ مَعَ قَوْلِ عُمَرَ بِمَحْضَرِ الصَّحَابَةِ الْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ وَكَانَ مُسْتَنَدُهُ مَا ادَّعَاهُ مِنِ اتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَيُحْمَلُ قَوْلُ عُمَرَ عَلَى الْمَجَازِ لَكِنِ اخْتَلَفَ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي سَبَبِ تَسْمِيَةِ الْخَمْرِ خَمْرًا فَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَنْبَارِيِّ سُمِّيَتِ الْخَمْرُ خَمْرًا لِأَنَّهَا تُخَامِرُ الْعَقْلَ أَيْ تُخَالِطُهُ قَالَ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ خَامَرَهُ الدَّاءُ أَيْ خَالَطَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهَا تُخَمِّرُ الْعَقْلَ أَيْ تَسْتُرُهُ وَمِنْهُ خِمَارُ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ وَجْهَهَا وَهَذَا أَخَصُّ مِنَ التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْمُخَالَطَةِ التَّغْطِيَةُ وَقِيلَ سُمِّيَتْ خَمْرًا لِأَنَّهَا تُخَمَّرُ حَتَّى تُدْرِكَ كَمَا يُقَالُ خَمَّرْتُ الْعَجِينَ فَتَخَمَّرَ أَيْ تَرَكْتُهُ حَتَّى أَدْرَكَ وَمِنْهُ خَمَّرْتُ الرَّأْيَ أَيْ تَرَكْتُهُ حَتَّى ظَهَرَ وَتَحَرَّرَ وَقِيلَ سُمِّيَتْ خَمْرًا لِأَنَّهَا تُغَطَّى حَتَّى تَغْلِيَ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ قُلْتُ لِأَنَسٍ الْخَمْرُ مِنَ الْعِنَبِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا قَالَ مَا خُمِّرَتْ من ذلك فهو الخمر أخرجه بن أبي شيبة

بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَلَا مَانِعَ مِنْ صِحَّةِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا لِثُبُوتِهَا عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَهْلِ المعرفة باللسان قال بن عَبْدِ الْبَرِّ الْأَوْجُهُ كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي الْخَمْرِ لِأَنَّهَا تُرِكَتْ حَتَّى أَدْرَكَتْ وَسَكَنَتْ فَإِذَا شُرِبَتْ خَالَطَتِ الْعَقْلَ حَتَّى تَغْلِبَ عَلَيْهِ وَتُغَطِّيَهُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ عَنْ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ عَلَى صِحَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا تُبْطِلُ مَذْهَبَ الْكُوفِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْخَمْرَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْعِنَبِ وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يُسَمَّى خَمْرًا وَلَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْخَمْرِ وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِلُغَةِ الْعَرَبِ وَلِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَلِلصَّحَابَةِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فَهِمُوا مِنَ الْأَمْرِ بِاجْتِنَابِ الْخَمْرِ تَحْرِيمَ كُلِّ مُسْكِرٍ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا يُتَّخَذُ مِنَ الْعِنَبِ وَبَيْنَ مَا يُتَّخَذُ مِنْ غَيْرِهِ بَلْ سَوَّوْا بَيْنَهُمَا وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا يُسْكِرُ نَوْعُهُ وَلَمْ يَتَوَقَّفُوا وَلَا اسْتَفْصَلُوا وَلَمْ يَشْكُلْ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بَلْ بَادَرُوا إِلَى إِتْلَافِ مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ عَصِيرِ الْعِنَبِ وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ وَبِلُغَتِهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ فِيهِ تَرَدُّدٌ لَتَوَقَّفُوا عَنِ الْإِرَاقَةِ حَتَّى يَسْتَكْشِفُوا وَيَسْتَفْصِلُوا وَيَتَحَقَّقُوا التَّحْرِيمَ لَمَّا كَانَ تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِنَ النَّهْيِ عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَبَادَرُوا إِلَى الْإِتْلَافِ عَلِمْنَا أَنَّهُمْ فَهِمُوا التَّحْرِيمَ نَصًّا فَصَارَ الْقَائِلُ بِالتَّفْرِيقِ سَالِكًا غَيْرَ سَبِيلِهِمْ ثُمَّ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ خُطْبَةُ عُمَرَ بِمَا يُوَافِقُ ذَلِكَ وَسَمِعَهُ الصَّحَابَةُ وَغَيْرُهُمْ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِنْكَارُ ذَلِكَ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى التَّعْمِيمِ عمر وعلي وسعد وبن عمر وأبو موسى وأبو هريرة وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَمِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعُرْوَةُ وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَآخَرُونَ وَهُوَ قول مالك الأوزاعي والثوري وبن الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَعَامَّةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ مَنْ أَطْلَقَ عَلَى غَيْرِ الْمُتَّخَذِ مِنَ الْعِنَبِ حَقِيقَةً يَكُونُ أَرَادَ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ وَمَنْ نَفَى أَرَادَ الْحَقِيقَةَ اللغوية وقد أجاب بهذا بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ إِنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْمِ الشَّرْعِيِّ دُونَ اللُّغَوِيِّ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنَ الْبُسْرِ إِذْ ذَاكَ فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةٌ فِي مَاءِ الْعِنَبِ مَجَازٌ فِي غَيْرِهِ أَنْ يُجَوِّزَ إِطْلَاقَ اللَّفْظِ الْوَاحِدِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا بَلَغَهُمْ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ أَرَاقُوا كُلَّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ الْخَمْرِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا وَهُوَ لَا يُجَوِّزُ ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّ الْكُلَّ خَمْرٌ حَقِيقَةً وَلَا انْفِكَاكَ عَنْ ذَلِكَ وَعَلَى تَقْدِيرِ إِرْخَاءِ الْعِنَانِ وَالتَّسْلِيمِ بِأَنَّ الْخَمْرَ حَقِيقَةً مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ خَاصَّةً فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ فَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ فَالْكُلُّ خَمْرٌ حَقِيقَةً لِحَدِيثِ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ فَكُلُّ مَا اشْتَدَّ كَانَ خَمْرًا وَكُلُّ خَمْرٍ يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَهَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُمْ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا النَّسَائِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي إِسْنَادِهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُهَاجِرِ الْبَجْلِيُّ الْكُوفِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ انْتَهَى قال بن الْمَدِينِيِّ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ نَحْوَ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا وَقَالَ أَحْمَدُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَالْقَطَّانُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ انْتَهَى قُلْتُ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَيِّنُ الْحِفْظِ [1875] قَوْلُهُ (الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَإِنَّمَا وَجْهُهُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ مُعْظَمَ مَا يُتَّخَذْ مِنْهُ الْخَمْرُ إِنَّمَا هُوَ مِنَ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ وَإِنْ كَانَتِ الْخَمْرُ قَدْ تُتَّخَذْ أَيْضًا مِنْ غَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ التَّوْكِيدِ لِتَحْرِيمِ مَا يُتَّخَذُ مِنْ هَاتَيْنِ الشجرتين لضرواته وَشِدَّةِ سَوْرَتِهِ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ الشِّبَعُ فِي اللَّحْمِ وَالدِّفْءُ فِي الْوَبَرِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ الشِّبَعِ مِنْ غَيِرِ اللَّحْمِ وَلَا نَفْيُ الدِّفْءِ عَنْ غَيْرِ الْوَبَرِ وَلَكِنْ فِيهِ التَّوْكِيدُ لِأَمْرِهِمَا وَالتَّقْدِيمُ لَهُمَا عَلَى غَيْرِهِمَا فِي نَفْسِ ذَلِكَ الْمَعْنَى انْتَهَى قُلْتُ الأمر كان قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَايَةُ مَا هُنَاكَ أَنَّ مَفْهُومَ الْخَمْرِ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِاللَّامِ مُعَارَضٌ بِالْمَنْطُوقَاتِ وَهِيَ أَرْجَحُ بِلَا خِلَافٍ

باب ما جاء في خليط البسر والتمر

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا الْبُخَارِيَّ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى (وَأَبُو كَثِيرٍ السُّحَيْمِيُّ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا (هُوَ الْغُبَرِيُّ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُفَيْلَةَ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مُصَغَّرًا الْيَمَامِيُّ الأعمى ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ (بَاب مَا جَاءَ فِي خَلِيطِ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ) أَصْلُ الْخَلْطِ تَدَاخُلُ أَجْزَاءِ الْأَشْيَاءِ بَعْضِهَا فِي بَعْضٍ وَالْبُسْرُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ نَوْعٌ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ مَعْرُوفٌ وَالْمُرَادُ هُنَا التَّمْرُ قَبْلَ إِرْطَابِهِ كَمَا فِي الْقَامُوسِ [1876] قَوْلُهُ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَاسْمُ أَبِي رَبَاحٍ أَسْلَمَ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ لَكِنَّهُ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقِيلَ إِنَّهُ تَغَيَّرَ بِآخِرِهِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ قَوْلُهُ (نَهَى أَنْ يُنْتَبَذَ الْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ نَهَى أَنْ يُخْلَطَ الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَالْبُسْرُ وَالتَّمْرُ وَفِي أُخْرَى لَهُ لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ وَبَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ نَبِيذًا قَالَ النَّوَوِيُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَرِيحَةٌ فِي النَّهْيِ عَنِ انْتِبَاذِ الْخَلِيطَيْنِ وَشُرْبِهِمَا وَهُمَا تَمْرٌ وَزَبِيبٌ أَوْ تَمْرٌ وَرُطَبٌ أَوْ تَمْرٌ وَبُسْرٌ أَوْ رُطَبٌ وَبُسْرٌ أَوْ زَهْوٌ وَوَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ سَبَبُ الْكَرَاهَةِ فِيهِ أَنَّ الْإِسْكَارَ يُسْرِعُ إِلَيْهِ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْكِرًا وَيَكُونُ مُسْكِرًا وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ هُوَ حَرَامٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّ مَا حَلَّ مُفْرَدًا حَلَّ مَخْلُوطًا وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالُوا مُنَابَذَةٌ لِصَاحِبِ الشَّرْعِ فَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا كَانَ مَكْرُوهًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي أَنَّ النَّهْيَ هَلْ يَخْتَصُّ بِالشُّرْبِ أَمْ يَعُمُّهُ وَغَيْرَهُ وَالْأَصَحُّ التَّعْمِيمُ أَمَّا خَلْطُهُمَا لَا فِي الِانْتِبَاذِ بَلْ فِي مَعْجُونٍ وغيره

فَلَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ هَذِهِ جُرْأَةٌ شَنِيعَةٌ عَلَى إِمَامٍ أَجَلِّ مِنْ ذَلِكَ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَمْ يَكُنْ قَالَ ذَلِكَ بِرَأْيِهِ وَإِنَّمَا مُسْتَنَدُهُ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو داود عن عبد الله الجربي عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُنْبَذُ لَهُ زَبِيبٌ فَيُلْقَى فِيهِ تَمْرٌ أَوْ تَمْرٌ فَيُلْقَى فِيهِ زَبِيبٌ وَرَوَى أَيْضًا عَنْ زِيَادٍ الْحَسَّانِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو بَحْرٍ حَدَّثَنَا عَتَّابُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَتْنِي صَفِيَّةُ بِنْتُ عَطِيَّةَ قَالَتْ دَخَلْتُ مَعَ نِسْوَةٍ مِنْ عَبْدِ الْقِيسِ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَسَأَلْنَا عَنِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَقَالَتْ كُنْتُ آخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ فَأُلْقِيهِ فِي الْإِنَاءِ فَأَمْرُسُهُ ثُمَّ أَسْقِيهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي كِتَابِ الْآثَارِ أَخْبَرَنَا أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ أبي إسحاق وسليمان الشيباني عن بن زِيَادٍ أَنَّهُ أَفْطَرَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَسَقَاهُ شَرَابًا فَكَأَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَا هَذَا الشَّرَابُ مَا كِدْتُ أَهْتَدِي إلى منزلي فقال بن عُمَرَ مَا زِدْنَاكَ عَلَى عَجْوَةٍ وَزَبِيبٍ فَإِنْ قلت قال بن حَزْمٍ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لِأَبِي دَاوُدَ امْرَأَةٌ لا تُسَمَّ وَفِي الثَّانِي أَبُو بَحْرٍ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ عَتَّابٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ عَنْ صَفِيَّةَ وَلَا يُدْرَى مَنْ هِيَ قُلْتُ هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ قُلْتُ فِي سَنَدِ حَدِيثِ عَائِشَةَ الْأَوَّلِ امْرَأَةٌ مَجْهُولَةٌ وَفِي سَنَدِ حَدِيثِهَا الثَّانِي صَفِيَّةُ بِنْتُ عَطِيَّةَ وَهِيَ أَيْضًا مَجْهُولَةٌ وَفِيهِ أَبُو بَحْرٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ فَلَيْسَ بِمَرْفُوعٍ فَكَيْفَ يُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ بَعْضَهَا يَشُدُّ بَعْضًا فَغَايَةُ مَا فِيهَا أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى مُطْلَقِ الْجَوَازِ فَهِيَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الأحاديث الصحيحة المرفوعة محمول كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَلِذَلِكَ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ وَلِذَلِكَ أَنْكَرُوا عَلَى الْإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ بِالْجَوَازِ بِلَا كَرَاهَةٍ فَاعْتِرَاضُ الْعَيْنِيِّ عَلَى النَّوَوِيِّ بِقَوْلِهِ هَذِهِ جُرْأَةٌ شَنِيعَةٌ إِلَخْ لَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه بزيادة [1877] قوله (حدثنا جرير) هو بن عبد الحميد (عن سليمان التيمي) هو بن طرخان (عن أبي نضرة) هو العبدي

باب ما جاء في كراهية الشرب في آنية الذهب والفضة

قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ أَنْ يُخْلَطَ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي فِي الِانْتِبَاذِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَنْ شَرِبَ النَّبِيذَ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا أَوْ تَمْرًا فَرْدًا أَوْ بُسْرًا فَرْدًا قَوْلُهُ (وفي الباب عن أنس وجابر وقتادة وبن عَبَّاسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَمَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أُمِّهِ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَجْمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ نَبِيذًا يَبْغِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ بِلَفْظِ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ وَالْبُسْرُ جَمِيعًا قَالَ فِي الْمُنْتَقَى بَعْدَ ذِكْرِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا التِّرْمِذِيَّ فَإِنَّ لَهُ مِنْهُ فَصْلَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ أَبِي مَرْيَمَ قَالَتْ سَأَلْتُ أُمَّ سَلَمَةَ رَضِيَ الله تعالى عنها مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْهُ قَالَتْ كَانَ يَنْهَانَا أَنْ نَعْجُمَ النَّوَى طَبْخًا أَوْ نَخْلِطَ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أُمِّهِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) [1878] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بُنْدَارٌ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ (سَمِعْتُ بن أَبِي لَيْلَى) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (أَنَّ حُذَيْفَةَ اسْتَسْقَى) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَانَ حُذَيْفَةُ بِالْمَدَائِنِ فَاسْتَسْقَى وَالْمَدَائِنُ

اسْمٌ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهُوَ بَلَدٌ عَظِيمٌ عَلَى دِجْلَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَغْدَادَ سَبْعَةُ فَرَاسِخَ وَكَانَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَامِلًا عَلَيْهَا فِي خِلَافَةِ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ إِلَى أَنْ مَاتَ بعد قتل عثمان (فأتاه إنسان) وفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَأَتَاهُ دِهْقَانٌ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فَسَقَاهُ مَجُوسِيٌّ قَالَ الْحَافِظُ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ بَعْدَ الْبَحْثِ (فَرَمَاهُ بِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ فَرَمَى بِهِ فِي وَجْهِهِ (وَقَالَ إِنِّي كُنْتُ قَدْ نَهَيْتُهُ فَأَبَى أَنْ يَنْتَهِيَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَقَالَ إِنِّي لَمْ أَرْمِهِ إِلَّا أَنِّي نَهَيْتُهُ فَلَمْ يَنْتَهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) كَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ عَنْ حُذَيْفَةَ الِاقْتِصَارُ عَلَى الشُّرْبِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ بن أَبِي لَيْلَى بِلَفْظِ نَهَى أَنْ يُشْرَبَ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَنْ يُؤْكَلَ فِيهَا (وَلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الدِّيبَاجُ هُوَ الثِّيَابُ الْمُتَّخَذَةُ مِنَ الْإِبْرَيْسَمِ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَقَدْ تُفْتَحُ دَالُهُ وَيُجْمَعُ عَلَى دِيبَاجٍ وَدَبَابِيجَ بِالْيَاءِ وَالْبَاءِ لِأَنَّ أَصْلَهُ دَبَّاجٌ انْتَهَى قِيلَ الدِّيبَاجُ نَوْعٌ مِنَ الْحَرِيرِ مُخْتَصٌّ بِهَذَا الِاسْمِ فَتَخْصِيصُهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ دُخُولِهِ فِيهِ (وَقَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هِيَ لَهُمْ) أَيْ لِلْكُفَّارِ (فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ) لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ هِيَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا إِبَاحَةُ اسْتِعْمَالِهِمْ إِيَّاهَا وَإِنَّمَا الْمَعْنَى هُمُ الَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَهَا مُخَالَفَةً لِزِيِّ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا قَوْلُهُ وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ أَيْ تَسْتَعْمِلُونَهَا مُكَافَأَةً لَكُمْ عَلَى تَرْكِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُمْنَعُ أُولَئِكَ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ بِاسْتِعْمَالِهَا قَالَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَالَ الْحَافِظُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الَّذِي يَتَعَاطَى ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا لَا يَتَعَاطَاهُ فِي الْآخِرَةِ كَمَا فِي شُرْبِ الْخَمْرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَالْبَرَاءِ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ وأما حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا عَنْهُ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَنَهَانَا عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ وَعَنِ الشُّرْبِ فِي الْفِضَّةِ إِلَخْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ بِنَحْوِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَفِي الْبَابِ أيضا عن أبي هريرة وبن عُمَرَ ذَكَرَ حَدِيثَيْهِمَا الْمُنْذِرِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ أَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً وَلَا يَلْتَحِقُ ذَلِكَ بِالْحُلِيِّ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ

التَّزَيُّنِ الَّذِي أُبِيحَ لَهَا فِي شَيْءٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَيَلْحَقُ بِهِمَا مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِثْلُ التَّطَيُّبِ وَالتَّكَحُّلِ وَسَائِرِ وجود الِاسْتِعْمَالَاتِ وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ وَقَدْ أَجَازَ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ وَالْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ اسْتِعْمَالَ الْأَوَانِي مِنَ الْفِضَّةِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ كَالتَّطَيُّبِ وَالتَّكَحُّلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الْأَمِيرُ فِي السُّبُلِ الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَصِحَافِهِمَا سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِنَاءُ خَالِصًا ذَهَبًا أَوْ مَخْلُوطًا بِالْفِضَّةِ إِذْ هُوَ مِمَّا يَشْمَلُهُ أَنَّهُ إِنَاءُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ قَالَ وَهَذَا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيمَا ذُكِرَ لَا خِلَافَ فِيهِ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَفِيهَا الْخِلَافُ مِنْ سَائِرِ الِاسْتِعْمَالَاتِ قِيلَ لَا تَحْرُمُ لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَرِدْ إِلَّا فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَقِيلَ تَحْرُمُ سَائِرُ الِاسْتِعْمَالَاتُ إِجْمَاعًا وَنَازَعَ فِي الْأَخِيرِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ النَّصُّ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لَا غَيْرُ وَإِلْحَاقُ سَائِرِ الِاسْتِعْمَالَاتِ بِهِمَا قِيَاسًا لَا يَتِمُّ فِيهِ شَرَائِطُ الْقِيَاسِ وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْقَائِلُ بِعَدَمِ تَحْرِيمِ غَيْرِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهِمَا إِذْ هُوَ الثَّابِتُ بِالنَّصِّ وَدَعْوَى الْإِجْمَاعِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ انْتَهَى كَلَامُ صَاحِبِ السُّبُلِ مُخْتَصَرًا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَأَمَّا سَائِرُ الِاسْتِعْمَالَاتِ فَلَا وَالْقِيَاسُ عَلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ فَإِنَّ عِلَّةَ النَّهْيِ عَنِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ هِيَ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ حَيْثُ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَّةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَذَلِكَ مَنَاطٌ مُعْتَبَرٌ لِلشَّارِعِ كَمَا ثَبَتَ عَنْهُ لَمَّا رَأَى رَجُلًا مُتَخَتِّمًا بِخَاتَمٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ مَالِي أَرَى عَلَيْكَ حِلْيَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَخْرَجَهُ الثَّلَاثَةُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَكَذَلِكَ فِي الْحَرِيرِ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا لَزِمَ تَحْرِيمُ التَّحَلِّي بِالْحُلِيِّ وَالِافْتِرَاشِ لِلْحَرِيرِ لِأَنَّ ذَلِكَ اسْتِعْمَالٌ وَقَدْ جَوَّزَهُ الْبَعْضُ مِنَ الْقَائِلِينَ بِتَحْرِيمِ الِاسْتِعْمَالِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَصْلَ الْحِلُّ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ إِلَّا بِدَلِيلٍ يُسَلِّمُهُ الْخَصْمُ وَلَا دَلِيلَ في المقام بهذ الصِّفَةِ فَالْوُقُوفُ عَلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ الْمُعْتَضِدِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ هُوَ وَظِيفَةُ الْمُنْصِفِ الَّذِي لَمْ يُخْبَطْ بِسَوْطِ هَيْبَةِ الْجُمْهُورِ لَا سِيَّمَا وَقَدْ أَيَّدَ هَذَا الْأَصْلَ حَدِيثُ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا لَعِبًا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا سَلَفَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ جَاءَتْ بِجُلْجُلٍ مِنْ فِضَّةٍ فِيهِ شَعْرٌ مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللَّه فَخَضْخَضَتِ الْحَدِيثَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ بِاخْتِصَارٍ قُلْتُ أَثَرُ أُمِّ سَلَمَةَ فِي اسْتِعْمَالِهَا الْجُلْجُلَ مِنَ الْفِضَّةِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ أَرْسَلَنِي أَهْلِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ فَجَاءَتْ بِجُلْجُلٍ مِنْ فِضَّةٍ فِيهِ شَعْرٌ مِنْ شعر رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ إِذَا أَصَابَ الْإِنْسَانَ عَيْنٌ أَوْ شَيْءٌ بَعَثَ إِلَيْهَا بِإِنَاءٍ فَخَضْخَضَتْ لَهُ فَشَرِبَ مِنْهُ فَاضْطَلَعْتُ فِي الْجُلْجُلِ فَرَأَيْتُ شَعَرَاتٍ حُمْرًا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ

باب ما جاء في النهي عن الشرب قائما

مُمَوَّهًا بِفِضَّةٍ لَا أَنَّهُ كَانَ كُلُّهُ فِضَّةً قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا يُنْبِئُ عَلَى أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ لَا تُجِيزُ اسْتِعْمَالَ آنِيَّةِ الْفِضَّةِ فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَمِنْ أَيْنَ لَهُ ذَلِكَ فَقَدْ أَجَازَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ قال الشوكاني والحق الجواز فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ لَمْ تَدُلَّ عَلَى غَيْرِهَا بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ انْتَهَى قُلْتُ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّوْكَانِيِّ بِأَنَّهُ قَدْ أَيَّدَ هَذَا الْأَصْلَ حَدِيثُ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِالْفِضَّةِ فَالْعَبُوا بِهَا لَعِبًا فَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ اللِّبَاسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا) [1879] قَوْلُهُ (عَنْ سعيد) هو بن أَبِي عَرُوبَةَ قَوْلُهُ (فَقِيلَ الْأَكْلُ قَالَ ذَاكَ أَشَدُّ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ قَتَادَةُ فَقُلْنَا فَالْأَكْلُ فَقَالَ ذَاكَ أَشَرُّ أَوْ أَخْبَثُ وَسَيَأْتِي الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا يُخَالِفُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ [1881] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ) هُوَ الْهُجَيْمِيُّ أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ (عَنْ سَعِيدٍ) هو بن أَبِي عَرُوبَةَ (عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ الْجَذْمِيِّ) بِالْجِيمِ الْمُعْجَمَةِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنِ الْجَارُودِ بْنِ الْعَلَاءِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْجَارُودُ الْعَبْدِيُّ اسْمُهُ بِشْرٌ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ أَبِيهِ فَقِيلَ الْمُعَلَّى أَوِ الْعَلَاءُ وَقِيلَ عَمْرٌو صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ اسْتُشْهِدَ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا) أَيْ نَهْيَ تَنْزِيهٍ كَمَا سَيَتَّضِحُ ذَلِكَ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ نَهَى عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا فَمَنْ نسي فليستق وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ زَجَرَ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مَعَانِي الْآثَارِ (وَهَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عن سعيد عن قتادة عن أبي سليم عَنْ جَارُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَعْنِي بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَ قَتَادَةَ وَبَيْنَ أَبِي مُسْلِمٍ (وَرُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ عَنِ الْجَارُودِ) يَعْنِي بِذِكْرِ وَاسِطَةِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بَيْنَ قَتَادَةَ وَبَيْنَ أَبِي مُسْلِمٍ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا انْقِطَاعُ حَدِيثِ الْجَارُودِ فِي النَّهْيِ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قَتَادَةَ سَمِعَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنِ الشُّرْبِ قَائِمًا مِنْ أَبِي مُسْلِمٍ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَرَوَى حَدِيثَ الضَّالَّةِ عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ بِوَاسِطَةِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَتَادَةَ كَمَا يَرْوِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ كَذَلِكَ يَرْوِي عَنْ أَبِي مُسْلِمٍ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي مُسْلِمٍ الْجَذْمِيِّ رَوَى عَنِ الْجَارُودِ الْعَبْدِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ مُطَرِّفٌ وَأَبُو الْعَلَاءِ يَزِيدُ ابْنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ رَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ) فِي النِّهَايَةِ هِيَ الضَّائِعَةُ مِنْ كُلِّ مَا يُقْتَنَى مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ يُقَالُ ضَلَّ الشَّيْءُ إِذَا ضَاعَ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ فَاعِلَةٌ ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهَا فَصَارَتْ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ وَتَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَيُجْمَعُ عَلَى ضَوَالَّ وَالْمُرَادُ بِهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الضالة من الإبل والبقر مما يَحْمِي نَفْسَهُ وَيَقْدِرُ عَلَى الْإِبْعَادِ فِي طَلَبِ الْمَرْعَى وَالْمَاءِ بِخِلَافِ الْغَنَمِ (حَرَقُ النَّارِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالرَّاءِ وَقَدْ يُسَكَّنُ لَهَبُهَا أَيْ أَنَّ ضَالَّةَ الْمُؤْمِنِ اذَا أَخَذَهَا إِنْسَانٌ لِيَتَمَلَّكَهَا أَدَّتْهُ إِلَى النَّارِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَحَدِيثُ الْجَارُودِ هذا أخرجه أحمد والنسائي وبن حبان والدارمى

باب ما جاء في الرخصة في الشرب قائما

2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الشُّرْبِ قَائِمًا) قَوْلُهُ [1880] (كُنَّا نَأْكُلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ فِي زَمَانِهِ (وَنَحْنُ نَمْشِي) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (وَنَشْرَبُ) عَطْفٌ عَلَى نَأْكُلُ (وَنَحْنُ قِيَامٌ) قَيْدٌ لِلْأَخِيرِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْأَكْلِ مَاشِيًا وَحَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ فَيُحْمَلُ حَدِيثُ أَنَسٍ عَلَى كَرَاهَةِ التنزيه وحديث بن عُمَرَ عَلَى الْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُدَيْرٍ) بِمُهْمَلَاتٍ مُصَغَّرًا السَّدُوسِيُّ أَبُو عُبَيْدَةَ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (وَأَبُو الْبَزْرِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا رَاءٌ (اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عُطَارِدٍ) مَقْبُولٌ من الرابعة قوله [1882] (حدثنا هشيم) هو بن بَشِيرِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ السُّلَمِيُّ (وَمُغِيرَةُ) هو بن مقسم

الضَّبِّيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو هِشَامٍ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرِبَ مِنْ زَمْزَمَ وَهُوَ قَائِمٌ) قَالَ السُّيُوطِيُّ هَذَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَقَدْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا لِلْقُعُودِ لِازْدِحَامِ النَّاسِ عَلَى مَاءِ زَمْزَمَ أَوِ ابْتِلَالِ الْمَكَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ فِي رَحَبَةِ الْكُوفَةِ شَرِبَ وَهُوَ قَائِمٌ إِنَّ نَاسًا يَكْرَهُونَ الشُّرْبَ قَائِمًا وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى وَأَمَّا حَدِيثُ سعد وهو بن أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَبُو عَلِيٍّ الطُّوسِيُّ فِي الْأَحْكَامِ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ [1883] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) هُوَ الْمَدَنِيُّ الْبَصْرِيُّ المعروف بغندر (عن حسين المعلم) هو بن ذَكْوَانَ الْعَوْذِيُّ قَوْلُهُ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ أَبْصَرْتُهُ حَالَ كَوْنِهِ (يَشْرَبُ قَائِمًا) أَيْ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ أَوْ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ (وَقَاعِدًا) أَيْ فِي سَائِرِ أَوْقَاتِهِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ قَائِمًا وَأَحَادِيثُ الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ تَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَسَلَكَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ مَسَالِكَ أَحَدُهَا التَّرْجِيحُ وَأَنَّ أَحَادِيثَ الْجَوَازِ أَثْبَتُ مِنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي بَكْرٍ الْأَثْرَمِ فَقَالَ حَدِيثُ أَنَسٍ يَعْنِي فِي النَّهْيِ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَلَكِنْ قَدْ جَاءَ عَنْهُ خِلَافُهُ يَعْنِي فِي الْجَوَازِ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الطَّرِيقِ إِلَيْهِ فِي النَّهْيِ أَثْبَتُ مِنَ الطَّرِيقِ إِلَيْهِ فِي الْجَوَازِ أَنْ لَا يَكُونَ الَّذِي يُقَابِلُهُ أَقْوَى لأن التثبت قَدْ يَرْوِي هُوَ وَمَنْ دُونَهُ الشَّيْءَ فَيُرَجَّحُ عَلَيْهِ فَقَدْ رُجِّحَ نَافِعٌ عَلَى سَالِمٍ فِي بعض الأحاديث عن بن عُمَرَ وَسَالِمٌ مُقَدَّمٌ عَلَى

نَافِعٍ فِي التَّثَبُّتِ وَقُدِّمَ شَرِيكٌ عَلَى الثَّوْرِيِّ فِي حَدِيثَيْنِ وَسُفْيَانُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي جُمْلَةِ أَحَادِيثَ ثُمَّ أَسْنَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لابأس بِالشُّرْبِ قَائِمًا قَالَ الْأَثْرَمُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ فِي النَّهْيِ لَيْسَتْ ثَابِتَةً وَإِلَّا لما قال لابأس به قال ويدل علي وهذه أَحَادِيثُ النَّهْيِ أَيْضًا اتِّفَاقُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ شَرِبَ قَائِمًا أَنْ يَسْتَقِيءَ الْمَسْلَكُ الثاني دعوى النسخ وإليها جنح الأثرم وبن شَاهِينٍ فَقَرَّرَا عَلَى أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا مَنْسُوخَةٌ بِأَحَادِيثِ الْجَوَازِ بِقَرِينَةِ عَمَلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَمُعْظَمِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِالْجَوَازِ وَقَدْ عكس ذلك بن حَزْمٍ فَادَّعَى نَسْخَ أَحَادِيثِ الْجَوَازِ بِأَحَادِيثِ النَّهْيِ مُتَمَسِّكًا بِأَنَّ الْجَوَازَ عَلَى وَفْقِ الْأَصْلِ وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ مُقَرِّرَةٌ لِحُكْمِ الشَّرْعِ فَمَنِ ادَّعَى الْجَوَازَ بَعْدَ النَّهْيِ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ فَإِنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ أَحَادِيثَ الْجَوَازِ مُتَأَخِّرَةٌ لِمَا وَقَعَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ في حديث الباب عن بن عَبَّاسٍ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْأَخِيرَ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَّ عَلَى الْجَوَازِ وَيَتَأَيَّدُ بِفِعْلِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ بَعْدَهُ الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ بِضَرْبٍ مِنَ التَّأْوِيلِ فَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ الثَّقَفِيُّ الْمُرَادُ بِالْقِيَامِ هُنَا الْمَشْيُ يُقَالُ قَامَ فِي الْأَمْرِ إِذَا مَشَى فِيهِ وَقُمْتُ فِي حَاجَتِي إِذَا سَعَيْتُ فِيهَا وَقَضَيْتُهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِلَّا مَا دُمْتُ عَلَيْهِ قائما أَوْ مُوَاظِبًا بِالْمَشْيِ عَلَيْهِ وَجَنَحَ الطَّحَاوِيُّ إِلَى تَأْوِيلٍ آخَرَ وَهُوَ حَمْلُ النَّهْيِ عَلَى مَنْ لَمْ يُسَمِّ عِنْدَ شُرْبِهِ وَهَذَا إِنْ سُلِّمَ لَهُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْأَحَادِيثِ لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ فِي بَقِيَّتِهَا وَسَلَكَ آخَرُونَ فِي الْجَمْعِ حَمْلَ أَحَادِيثِ النَّهْيِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَأَحَادِيثَ الْجَوَازِ عَلَى بَيَانِهِ وهي طريقة الخطابي وبن بَطَّالٍ فِي آخَرِينَ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا أَحْسَنُ الْمَسَالِكِ وَأَسْلَمُهَا وَأَبْعَدُهَا مِنَ الِاعْتِرَاضِ وَقَدْ أَشَارَ الْأَثْرَمُ إِلَى ذَلِكَ أَخِيرًا فَقَالَ إِنْ ثَبَتَتِ الْكَرَاهَةُ حُمِلَتْ عَلَى الْإِرْشَادِ وَالتَّأْدِيبِ لَا عَلَى التَّحْرِيمِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الطَّبَرِيُّ وَأَيَّدَهُ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جَائِزًا ثُمَّ حَرَّمَهُ أَوْ كَانَ حَرَامًا ثُمَّ جَوَّزَهُ لَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ بَيَانًا وَاضِحًا فَلَمَّا تَعَارَضَتِ الْأَخْبَارُ بِذَلِكَ جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِهَذَا وَقِيلَ إِنَّ النَّهْيَ عَنْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الطِّبِّ مَخَافَةَ وُقُوعِ ضَرَرٍ بِهِ فَإِنَّ الشُّرْبَ قَاعِدًا أَمْكَنُ وَأَبْعَدُ مِنَ الشَّرَقِ وَحُصُولِ الْوَجَعِ فِي الكبد أو الحلق وكل ذلك قد لايأمن مِنْهُ مَنْ شَرِبَ قَائِمًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ أَنَّ النَّهْيَ فِيهَا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَأَمَّا شُرْبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا فَبَيَانٌ لِلْجَوَازِ فَلَا إِشْكَالَ وَلَا تَعَارُضَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ نَسْخًا أَوْ غَيْرَهُ فَقَدْ غَلِطَ غَلَطًا فَاحِشًا وَكَيْفَ يُصَارُ إِلَى النَّسْخِ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ لَوْ ثبت

باب ما جاء في التنفس في الاناء

التَّارِيخُ وَأَنَّى لَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ الشُّرْبُ قَائِمًا مَكْرُوهًا وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَالْجَوَابُ أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ لَا يَكُونُ مَكْرُوهًا بَلِ الْبَيَانُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَطَافَ عَلَى بَعِيرٍ مَعَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَالطَّوَافَ مَاشِيًا أَكْمَلُ وَنَظَائِرُ هَذَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَبِّهُ عَلَى جَوَازِ الشَّيْءِ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ وَيُوَاظِبُ عَلَى الْأَفْضَلِ مِنْهُ وَهَكَذَا كَانَ أَكْثَرُ وُضُوئِهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَأَكْثَرُ طَوَافِهِ مَاشِيًا وَأَكْثَرُ شُرْبِهِ جَالِسًا وَهَذَا وَاضِحٌ لَا يَتَشَكَّكُ فِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى نِسْبَةٍ إِلَى عِلْمٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فمن نسي فليستقيء فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّدْبِ فَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ شَرِبَ قَائِمًا أَنْ يَتَقَيَّأَهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ فَإِنَّ الْأَمْرَ إِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَاضِي عِيَاضٍ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ مَنْ شَرِبَ نَاسِيًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَقَيَّأَ فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى تَضْعِيفِ الْحَدِيثِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى إِشَارَتِهِ وَكَوْنُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يُوجِبُوا الِاسْتِقَاءَ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا مُسْتَحَبَّةً فَإِنِ ادَّعَى مُدَّعٍ مَنْعَ الِاسْتِحْبَابِ فَهُوَ مُجَازِفٌ لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ فَمِنْ أَيْنَ لَهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الِاسْتِحْبَابِ وَكَيْفَ تُتْرَكُ هَذِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ بِالتَّوَهُّمَاتِ وَالدَّعَاوَى وَالتُّرَّهَاتِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ تُسْتَحَبُّ الِاسْتِقَاءَةُ لِمَنْ شَرِبَ قَائِمًا نَاسِيًا وَمُتَعَمِّدًا وَذِكْرُ النَّاسِي فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الْقَاصِدَ يُخَالِفُهُ بَلْ لِلتَّنْبِيهِ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ إِذَا أَمَرَ بِالنَّاسِي وَهُوَ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فَالْعَامِدُ الْمُخَاطَبُ الْمُكَلَّفُ الْأَوْلَى وَهَذَا وَاضِحٌ لَا شَكَّ فِيهِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ) قَوْلُهُ [1884] (عَنْ أَبِي عِصَامٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أَبُو عِصَامٍ الْمُزَنِيُّ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ أَنَسٍ فِي التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَهِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ وَعَبْدُ الوارث بن سعيد ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ أَبُو عِصَامٍ هَذَا لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ وَانْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي كِتَابِهِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى (كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَتَنَفَّسُ فِي الشَّرَابِ ثَلَاثًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ مِثْلَ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ فِي أَثْنَاءِ شُرْبِهِ مِنَ الْإِنَاءِ أَوْ في اثناء شربه الشراب (ويقول) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هُوَ) أَيْ تعدد

التَّنَفُّسِ أَوِ التَّثْلِيثِ أَمْرَأُ مِنْ مَرَأَ الطَّعَامُ إِذَا وَافَقَ الْمَعِدَةَ أَيْ أَكْثَرُ انْصِيَاغًا وَأَقْوَى هَضْمًا وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ كواراتر (وَأَرْوَى) مِنَ الرِّيِّ بِكَسْرِ الرَّاءِ غَيْرُ مَهْمُوزٍ أَيْ أَكْثَرُ رِيًّا وَأَدْفَعُ لِلْعَطَشِ وَمَعْنَاهُ بِالْفَارِسِيَّةِ سيراب كننده تر وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ أَرْوَى وَأَبْرَأُ وَأَمْرَأُ بِزِيَادَةِ أَبْرَأُ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى أَبْرَأُ أَيْ أَبْرَأُ مِنْ أَلَمِ الْعَطَشِ وَقِيلَ أَبْرَأُ أَيْ أَسْلَمَ مِنْ مَرَضٍ أَوْ أَذًى يَحْصُلُ بِسَبَبِ الشُّرْبِ فِي نَفْسٍ وَاحِدٍ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَبْرَأُ بِالْهَمْزِ مِنَ الْبَرَاءَةِ أو من البرء أي يبرىء مِنَ الْأَذَى وَالْعَطَشِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَهْنَأُ بَدَلَ قَوْلِهِ أَرْوَى مِنَ الْهَنَأِ قال والمعنى أنه يصير هنيا مريا بريا أَيْ سَالِمًا أَوْ مَبْرِيًّا مِنْ مَرَضٍ أَوْ عَطَشٍ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَقْمَعُ لِلْعَطَشِ وَأَقْوَى عَلَى الْهَضْمِ وَأَقَلُّ أَثَرًا فِي ضَعْفِ الْأَعْضَاءِ وَبَرْدِ الْمَعِدَةِ وَاسْتِعْمَالُ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ فِي هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِلْمَرَّتَيْنِ فِي ذَلِكَ مدخلا في العضل الْمَذْكُورِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشُّرْبِ فِي نَفَسٍ وَاحِدٍ لِلتَّنْزِيهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (وَرَوَاهُ هِشَامُ الدَّسْتَوَائِيُّ عَنْ أَبِي عِصَامٍ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَرَوَى عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ [1884] قَوْلُهُ كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ أَيْ فِي أَثْنَاءِ شُرْبِهِ مِنَ الْإِنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ انفا قَوْلُهُ [1885] (عَنْ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ الْجَزَرِيِّ) بِفَتْحِ جِيمٍ وَزَايٍ وَبِرَاءٍ مَنْسُوبٌ إِلَى جَزِيرَةٍ وَهِيَ بِلَادٌ بَيْنَ الْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ كَذَا فِي الْمُغْنِي ضعيف من كبار السابعة (عن بن لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسمه

باب ما ذكر في الشرب بنفسين

قَوْلُهُ (لَا تَشْرَبُوا وَاحِدًا) أَيْ شُرْبًا وَاحِدًا (كَشُرْبِ الْبَعِيرِ) أَيْ كَمَا يَشْرَبُ الْبَعِيرُ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ (وَلَكِنِ اشْرَبُوا مَثْنَى وَثُلَاثَ) أَيْ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً ثَلَاثَةً (وَسَمُّوا) أَيْ قُولُوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ) أَيْ أَرَدْتُمُ الشُّرْبَ (وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ) أَيِ الْإِنَاءَ عَنِ الْفَمِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ أَوْ فِي الْآخِرِ قاله القارىء قلت قاله الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشْرَبُ فِي ثَلَاثَةِ أَنْفَاسٍ إِذَا أَدْنَى الْإِنَاءَ إِلَى فِيهِ يسمي الله فإذا أخره حمد الله بفعل ذلك ثلاثا وأصله في بن ماجة وله شاهد من حديث بن مسعودعند البزار والطبراني وأخرج الترمذي من حديث بن عَبَّاسٍ وَسَمُّوا إِذَا أَنْتُمْ شَرِبْتُمْ وَاحْمَدُوا إِذَا أَنْتُمْ رَفَعْتُمْ وَهَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ فَقَطْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ انتهى 4 - (باب ما ذكر في الشُّرْبِ بِنَفَسَيْنِ) قَوْلُهُ [1886] (عَنْ رِشْدِينَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ (بْنِ كُرَيْبٍ) بِالتَّصْغِيرِ قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا شَرِبَ يَتَنَفَّسُ مَرَّتَيْنِ) فِيهِ ثُبُوتُ الشُّرْبِ بِنَفَسَيْنِ لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا لَيْسَ نَصًّا فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمَرَّتَيْنِ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّنَفُّسُ فِي أَثْنَاءِ الشُّرْبِ فَيَكُونُ قَدْ شَرِبَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَسَكَتَ عَنِ التَّنَفُّسِ الْأَخِيرِ لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَةِ الْوَاقِعِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي

باب ما جاء في كراهية النفخ في الشراب

الفتح سنده ضعيف والحديث أخرجه أيضا بن مَاجَهْ (قَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ (وَسَأَلْتُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ الْحَافِظُ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ (مَا أَقْرَبَهُمَا) بِصِيغَةِ التَّعَجُّبِ (ورشدين بن كريب أرجحهماعندي) إعلم أن رشدينا وَمُحَمَّدًا هُمَا أَخَوَانِ ابْنَانِ لِكُرَيْبٍ وَكِلَاهُمَا ضَعِيفَانِ لَكِنَّهُمَا لَيْسَا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الضَّعْفِ فَعِنْدَ الدَّارِمِيِّ رِشْدِينُ أَرْجَحُ مِنْ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِالْعَكْسِ وَوَافَقَهُ أَبُو حَاتِمٍ فَقَالَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَخِيهِ رِشْدِينَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ ربما قَالَ الدَّارِمِيُّ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ) قَوْلُهُ [1887] (عَنْ أَيُّوبَ وَهُوَ بن حَبِيبٍ) الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (سَمِعَ أَبَا الْمُثَنَّى الْجُهَنِيَّ) الْمَدَنِيَّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (نَهَى عَنِ النَّفْخِ فِي الشَّرَابِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ مِنْ أَجْلِ مَا يُخَافُ أَنْ يَبْدُرَ مِنْ رِيقِهِ فَيَقَعَ فِيهِ فَرُبَّمَا شَرِبَ بَعْدَهُ غَيْرُهُ فَيَتَأَذَّى بِهِ (الْقَذَاةَ أَرَاهَا) أَيْ أُبْصِرُهَا وَالْقَذَاةَ مَنْصُوبٌ عَلَى شَرِيطَةِ التَّفْسِيرِ (فِي الْإِنَاءِ) أَيِ الَّذِي فِيهِ الشراب فلا بدلي أَنْ أَنْفُخَ فِي الشَّرَابِ لِتَذْهَبَ تِلْكَ الْقَذَاةُ (فَقَالَ أَهْرِقْهَا) بِسُكُونِ الْهَاءِ مِنَ الْإِرَاقَةِ بِزِيَادَةِ الْهَاءِ أَيْ فَأَرِقْ تِلْكَ الْقَذَاةَ عَنِ الشَّرَابِ ولا تنفخ فيه قال القارىء أَيْ بَعْضَ الْمَاءِ لِتَخْرُجَ تِلْكَ الْقَذَاةُ مِنْهَا وَالْمَاءُ قَدْ يُؤَنَّثُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُظْهِرُ فِي حَاشِيَةِ الْبَيْضَاوِيِّ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بقدرها وَأَشَارَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْقَامُوسِ بِقَوْلِهِ مُوَيْهٌ وَمُوَيْهَةٌ (فَقَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (فَإِنِّي لَا أَرْوَى) بِفَتْحِ الْوَاوِ (مِنْ نَفَسٍ

وَاحِدٍ) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ بِتَنَفُّسٍ وَاحِدٍ أَيْ لَا يَحْصُلُ لِيَ الرِّيُّ مِنَ الْمَاءِ فِي تنفس وَاحِدٍ فَلَا بُدَّ لِي أَنْ أَتَنَفَّسَ فِي الشَّرَابِ (قَالَ فَأَبِنِ الْقَدَحَ) أَيْ أَبْعِدْهُ أَمْرٌ مِنَ الْإِبَانَةِ (عَنْ فِيكَ) أَيْ عَنْ فَمِكَ زَادَ فِي رِوَايَةٍ ثُمَّ تَنَفَّسْ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الشُّرْبِ مِنْ نَفَسٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْهَ الرَّجُلَ عَنْهُ بَلْ قَالَ مَا مَعْنَاهُ إِنْ كُنْتَ لَا تَرْوَى مِنْ وَاحِدٍ فَأَبِنِ الْقَدَحَ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا عَرَفْتَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَمُجَرَّدُ الْجَوَازِ لَا يُنَافِي الْكَرَاهَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي مُوَطَّئِهِ قَوْلُهُ [1888] (نَهَى أَنْ يُتَنَفَّسَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لِخَوْفِ بُرُوزِ شَيْءٍ مِنْ رِيقِهِ فَيَقَعُ فِي الْمَاءِ وَقَدْ يَكُونُ مُتَغَيِّرَ الْفَمِ فَتَعْلَقَ الرَّائِحَةُ بِالْمَاءِ لِرِقَّتِهِ وَلَطَافَتِهِ فَيَكُونُ الْأَحْسَنُ فِي الْأَدَبِ أَنْ يَتَنَفَّسَ بَعْدَ إِبَانَةِ الْإِنَاءِ عَنْ فَمِهِ وَأَنْ لَا يَتَنَفَّسَ فِيهِ (أَوْ يُنْفَخَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّفْخَ إِنَّمَا يَكُونُ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ فَإِنْ كَانَ مِنْ حَرَارَةِ الشَّرَابِ فَلْيَصْبِرْ حَتَّى يَبْرُدَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْلِ قَذًى يُبْصِرُهُ فَلْيُمِطْهُ بِأُصْبُعٍ أَوْ بِخِلَالٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَا حَاجَةَ إِلَى النَّفْخِ فِيهِ بِحَالٍ (فِيهِ) أَيْ فِي الْإِنَاءِ الَّذِي يَشْرَبُ مِنْهُ وَالْإِنَاءُ يَشْمَلُ إِنَاءَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَا يَنْفُخُ فِي الْإِنَاءِ لِيَذْهَبَ مَا فِي الْإِنَاءِ مِنْ قَذَاةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو النفخ غالبا من بذاق يُسْتَقْذَرُ مِنْهُ وَكَذَا لَا يَنْفُخُ فِي الْإِنَاءِ لِتَبْرِيدِ الطَّعَامِ الْحَارِّ بَلْ يَصْبِرُ إِلَى أَنْ يَبْرُدَ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ وَمَحِلُّ هَذَا الْحُكْمِ إِذَا أَكَلَ وَشَرِبَ مَعَ غَيْرِهِ وَأَمَّا لَوْ أَكَلَ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ أَهْلِهِ أَوْ مَنْ يَعْلَمُ أنه لا يتقذر شيئا مما يتناوله فلابأس قال الحافظ والأولى تعميم المنع لأن لَا يُؤْمَنُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ تَفْضُلَ فَضْلَةٌ أَوْ يَحْصُلَ التَّقَذُّرُ مِنَ الْإِنَاءِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح) وأخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ

باب ما جاء في النهي عن اختناث الأسقية

(بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ التَّنَفُّسِ فِي الْإِنَاءِ) قَوْلُهُ [1889] إِذَا شَرِبَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَفَّسْ فِي الْإِنَاءِ هَذَا بِظَاهِرِهِ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْحَدِيثَانِ صَحِيحَانِ وَهُمَا بِاخْتِلَافِ تَقْدِيرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَشْرَبَ وَهُوَ يَتَنَفَّسُ فِي الْإِنَاءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبِينَهُ عَنْ فِيهِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَالْآخَرُ أَنْ يَشْرَبَ مِنَ الْإِنَاءِ ثَلَاثَةَ أَنْفَاسٍ يَفْصِلُ فِيهَا فَاهُ عَنِ الْإِنَاءِ يُقَالُ أَكْرَعَ فِي الْإِنَاءِ نَفَسًا أَوْ نَفَسَيْنِ أَيْ جَرْعَةً أَوْ جَرْعَتَيْنِ انْتَهَى كَلَامُ الْجَزَرِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 7 - (باب ما جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ) جَمْعُ السِّقَاءِ وَهُوَ الْقِرْبَةُ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ خَنَثْتُ السِّقَاءَ إِذَا أَثْنَيْتُ فَمَهُ إِلَى خَارِجٍ وَشَرِبْتُ مِنْهُ وَقَبَعْتُهُ إِذَا أَثْنَيْتُهُ إِلَى دَاخِلٍ قَوْلُهُ [1890] (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رِوَايَةً) أَيْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَهَى عَنْ اخْتِنَاثِ الْأَسْقِيَةِ) إِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ يُنْتِنُهَا فَإِنَّ إِدَامَةَ الشُّرْبِ هَكَذَا مِمَّا يُغَيِّرُ رِيحَهَا وَقِيلَ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا هَامَّةٌ وَقِيلَ لِئَلَّا يَتَرَشَّشَ الْمَاءُ عَلَى الشَّارِبِ لِسَعَةِ فَمِ السِّقَاءِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ إِبَاحَتُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ خَاصًّا بِالسِّقَاءِ الْكَبِيرِ دُونَ الْإِدَاوَةِ أَوْ ذَا لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ وَالنَّهْيُ عَنِ الِاعْتِيَادِ أَوِ الثَّانِي نَاسِخٌ لِلْأَوَّلِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا

باب ما جاء في الرخصة

قوله (وفي الباب عن جابر وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا مُسْلِمًا عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشُّرْبِ مِنْ فِي السِّقَاءِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ) فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ [1891] (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) هُوَ الْعُمَرِيُّ (عَنْ عِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ) بِالتَّصْغِيرِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ أَبُو عِيسَى هَذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ وَهُوَ غَيْرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيِّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيَّاطٍ شَبَابٌ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَجَعَلَهُمَا وَاحِدًا أَبُو عَلِيِّ بْنُ السَّكَنِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَإِنَّ كَوْنَهُ أَنْصَارِيًّا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ جُهَنِيًّا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ انْتَهَى (فَخَنَثَهَا) أَيْ أَثْنَى فِيهَا إِلَى الْخَارِجِ (ثُمَّ شَرِبَ مِنْ فِيهَا) أَيْ مِنْ فَمِهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَيْتِ قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَشَرِبَ مِنْهَا فَقَطَعْتُ فَاهَا فَإِنَّهُ لَعِنْدِي وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ فِي مَعَانِي الاثار وبن شَاهِينٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

قَوْلُهُ عَنْ [1892] (يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ) الْأَزْدِيِّ الدِّمَشْقِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ) الْأَنْصَارِيِّ الْبُخَارِيِّ الْقَاصِّ قَالَ بن سَعْدٍ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ (عَنْ جَدَّتِهِ كَبْشَةَ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ كَبْشَةُ يُقَالُ كُبَيْشَةُ بِالتَّصْغِيرِ بِنْتُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيَّةُ أُخْتُ حَسَّانَ يُقَالُ لَهَا الْبَرْصَاءُ رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشُّرْبِ قَائِمًا مِنْ فَمِ الْقِرْبَةِ وَعَنْهَا عبد الرحمن بن أبو عمرة وهي جدة انْتَهَى قَوْلُهُ (فَشَرِبَ مِنْ قِرْبَةٍ) أَيْ مِنْ فَمِهَا (فَقُمْتُ إِلَى فِيهَا) أَيْ إِلَى فَمِهَا (فَقَطَعْتُهُ) لَعَلَّهُ لِلتَّبَرُّكِ بِهِ لِوُصُولِ فَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الشُّرْبِ مِنْ فِي الْقِرْبَةِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِهَا قَالَ الْحَافِظُ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ الْعِرَاقِيَّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَوْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا يَكُونُ لِعُذْرٍ كَأَنْ تَكُونَ الْقِرْبَةُ مُعَلَّقَةً وَلَمْ يَجِدِ الْمُحْتَاجُ إلى الشرب إناء متيسر وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ التَّنَاوُلِ بِكَفِّهِ فَلَا كَرَاهَةَ حِينَئِذٍ وَعَلَى ذَلِكَ تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ يَعْنِي أَحَادِيثَ الْإِبَاحَةِ وَبَيْنَ مَا يَكُونُ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَتُحْمَلُ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ النَّهْيِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ بن حَجَرٍ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَوَازِ كُلَّهَا فِيهَا أَنَّ الْقِرْبَةَ كَانَتْ مُعَلَّقَةً وَالشُّرْبُ مِنَ الْقِرْبَةِ الْمُعَلَّقَةِ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْقِرْبَةِ وَلَا دَلَالَةَ فِي أَحَادِيثِ الْجَوَازِ عَلَى الرُّخْصَةِ مُطْلَقًا بَلْ على تلك الصورة وجدها وَحَمْلُهَا عَلَى الضَّرُورَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهَا عَلَى النَّسْخِ وَقَدْ سَبَقَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ إِلَى نَحْوِ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ شَيْخُنَا فَقَالَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ شُرْبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَالِ ضَرُورَةٍ إِمَّا عِنْدَ الْحَرْبِ وَإِمَّا عِنْدَ عَدَمِ الْإِنَاءِ أَوْ مَعَ وُجُودِهِ لَكِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِشُغْلِهِ مِنَ التَّفْرِيغِ مِنَ السِّقَاءِ فِي الْإِنَاءِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ قَدْ رَدَّ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ عَلَى مَا جَمَعَ بِهِ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ بِمَا فِيهِ كَلَامٌ ثُمَّ قَالَ فَالْأَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِحَمْلِ الْكَرَاهَةِ عَلَى التَّنْزِيهِ وَيَكُونُ شُرْبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن ماجة

باب ما جاء أن الأيمنين أحق بالشرب

19 - (باب ما جاء أن الأيمنين أحق بالشرب) قَوْلُهُ [1893] (قَدْ شِيبَ بِمَاءٍ) أَيْ مُزِجَ بِالْمَاءِ وَإِنَّمَا كَانُوا يَمْزُجُونَهُ بِالْمَاءِ لِأَنَّ اللَّبَنَ يَكُونُ عِنْدَ حَلْبِهِ حَارًّا وَتِلْكَ الْبِلَادُ فِي الْغَالِبِ حَارَّةٌ فَكَانُوا يَمْزُجُونَهُ بِالْمَاءِ لِذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ شِيبَ أَيْ خُلِطَ وَفِيهِ جَوَازُ ذَلِكَ وإنما ينهي عن شربه إِذَا أَرَادَ بَيْعَهُ لِأَنَّهُ غِشٌّ قَالَ الْعُلَمَاءُ والحكمة في شربه أَنْ يَبْرُدَ أَوْ يَكْثُرَ أَوْ لِلْمَجْمُوعِ انْتَهَى (ثُمَّ أَعْطَى الْأَعْرَابِيَّ وَقَالَ الْأَيْمَنُ فَالْأَيْمَنُ) يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الْأَيْمَنُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيِ الْأَيْمَنُ مُقَدَّمٌ أَوْ أَحَقُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى تَقْدِيرِ قَدِّمُوا الْأَيْمَنَ أَوْ أَعْطُوا وَقَالَ النَّوَوِيُّ ضُبِطَ الْأَيْمَنُ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَهُمَا صَحِيحَانِ النَّصْبُ عَلَى تَقْدِيرِ أُعْطِي الْأَيْمَنَ وَالرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ الْأَيْمَنُ أَحَقُّ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الْأَيْمَنُونَ وَهُوَ يُرَجِّحُ الرَّفْعَ انْتَهَى وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقَدِّمُ مَنْ عَلَى يَمِينِ الشَّارِبِ فِي الشُّرْبِ هَلُمَّ جرا وهو مستحب عند الجمهور وقال بن حَزْمٍ يَجِبُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ شَرَابِ اللَّبَنِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ بَيَانُ اسْتِحْبَابِ التَّيَامُنِ فِي كُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْإِكْرَامِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَيْمَنَ فِي الشَّرَابِ وَنَحْوِهِ يُقَدَّمُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ مَفْضُولًا لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّمَ الْأَعْرَابِيَّ وَالْغُلَامَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْأَفَاضِلِ وَالْكِبَارِ فَهُوَ عِنْدَ التَّسَاوِي فِي بَاقِي الْأَوْصَافِ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ الْأَعْلَمُ وَالْأَقْرَأُ عَلَى الْأَسَنِّ الشَّيِّبِ فِي الْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ سُنَّةَ الشُّرْبِ الْعَامَّةَ تَقْدِيمُ الْأَيْمَنِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَإِنَّ تَقْدِيمَ الَّذِي عَلَى الْيَمِينِ لَيْسَ لِمَعْنًى فِيهِ بَلِ الْمَعْنَى فِي جِهَةِ الْيَمِينِ وَهُوَ فَضْلُهَا عَلَى جِهَةِ الْيَسَارِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ تَرْجِيحًا لِمَنْ هُوَ عَلَى الْيَمِينِ بَلْ هُوَ تَرْجِيحٌ لِجِهَتِهِ وَقَدْ يُعَارَضُ حَدِيثُ أَنَسٍ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ وَحَدِيثُ سَهْلٍ يَعْنِي الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ الْآتِي فِي الْقَسَامَةِ كَبِّرْ كَبِّرْ وَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ حَدِيثُ بن عُمَرَ فِي الْأَمْرِ بِمُنَاوَلَةِ السِّوَاكَ الْأَكْبَرَ وَأَخَصُّ من ذلك حديث بن عَبَّاسٍ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى بِسَنَدٍ قَوِيٍّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا سقي قال ابدأوا بالكبير

باب ما جاء أن ساقي القوم اخرهم شربا

وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي يَجْلِسُونَ فِيهَا مُتَسَاوِينَ إِمَّا بَيْنَ يَدَيِ الْكَبِيرِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ كُلُّهُمْ أَوْ خَلْفَهُ أَوْ حَيْثُ لَا يَكُونُ فِيهِمْ فَتُخَصُّ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ عُمُومِ تَقْدِيمِ الْأَيْمَنِ أَوْ يُخَصُّ مِنْ عُمُومِ هذه الْأَمْرِ بِالْبُدَاءَةِ بِالْكَبِيرِ أَمَّا إِذَا جَلَسَ بَعْضٌ عَنْ يَمِينِ الرَّئِيسِ وَبَعْضٌ عَنْ يَسَارِهِ فَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُقَدَّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْمَفْضُولُ عَلَى الْفَاضِلِ وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأَيْمَنَ مَا امْتَازَ لِمُجَرَّدِ الْجُلُوسِ فِي الْجِهَةِ الْيُمْنَى بَلْ بِخُصُوصِ كَوْنِهَا يَمِينَ الرَّئِيسِ فَالْفَضْلُ إِنَّمَا فَاضَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَفْضَلِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بن عباس وسهل بن سعد وبن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ) أَمَّا حَدِيثُ بن عباس فأخرجه أحمد والترمذي في الدعوات وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِشَرَابٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ وَعَنْ يَسَارِهِ الْأَشْيَاخُ فَقَالَ لِلْغُلَامِ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ هَؤُلَاءِ فَقَالَ الْغُلَامُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أُوثِرُ بِنَصِيبِي منك احدا قال فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يده وأما حديث بن عُمَرَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ 0 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا) قَوْلُهُ [1894] (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبَاحٍ) هُوَ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو خَالِدٍ الْمَدَنِيُّ قَوْلُهُ (سَاقِي الْقَوْمِ آخِرُهُمْ شُرْبًا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُشْرَعُ لِمَنْ تَوَلَّى سِقَايَةَ قَوْمٍ أَنْ يَتَأَخَّرَ فِي الشُّرْبِ حَتَّى يَفْرُغُوا عَنْ آخِرِهِمْ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْدِيمُ إِصْلَاحِهِمْ عَلَى مَا يَخُصُّ نَفْسَهُ وَأَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ إِصْلَاحَ حَالِهِمْ وَجَرَّ الْمَنْفَعَةِ إِلَيْهِمْ وَدَفْعَ الْمَضَارِّ عَنْهُمْ وَالنَّظَرَ لَهُمْ فِي دِقِّ أُمُورِهِمْ وَجُلِّهَا وَتَقْدِيمَ مَصْلَحَتِهِمْ عَلَى مَصْلَحَتِهِ وَكَذَا مَنْ يُفَرِّقُ عَلَى الْقَوْمِ فَاكِهَةً فَيَبْدَأُ بِسَقْيِ كَبِيرِ الْقَوْمِ أَوْ بِمَنْ عَنْ يَمِينِهِ إِلَى آخِرِهِمْ وَمَا بَقِيَ شُرْبُهُ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ ابْدَأْ بِنَفْسِكَ لِأَنَّ ذَاكَ عَامٌّ وَهَذَا خَاصٌّ فَيُبْنَى الْعَامُّ عَلَى

باب ما جاء أي الشراب كان أحب إلى رسول الله

الخاص قوله (وفي الباب عن بن أَبِي أَوْفَى) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رِجَالُ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح) وأخرجه بن مَاجَهْ هَكَذَا مُخْتَصَرًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وَفِيهِ فَقُلْتُ لَا أَشْرَبُ حَتَّى يَشْرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ سَاقِيَ الْقَوْمِ آخِرُهُمْ 1 - (بَاب مَا جَاءَ أَيُّ الشَّرَابِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ [1895] (كَانَ أَحَبُّ الشَّرَابِ) بِالرَّفْعِ وَنَصْبُهُ أَحَبُّ (الْحُلْوَ الْبَارِدَ) بِالنَّصْبِ وَرَفْعُهُ أَرْفَعُ قال القارىء وَمَعْنَى أَحَبُّ أَلَذُّ لِأَنَّ مَاءَ زَمْزَمَ أَفْضَلُ وَكَذَا اللَّبَنُ عِنْدَهُ أَحَبُّ كَمَا سَيَأْتِي اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُرَادَ هَذَا الْوَصْفُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَعَمِّ فَيَشْمَلَ الْمَاءَ الْقَرَاحَ وَاللَّبَنَ وَالْمَاءَ الْمَخْلُوطَ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ كَالْعَسَلِ أَوِ الْمَنْقُوعِ فِيهِ تَمْرٌ أَوْ زَبِيبٌ وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ عن بن عَبَّاسٍ كَانَ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ اللَّبَنُ وَمَا أخرجه بن السُّنِّيِّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا كَانَ أَحَبَّ الشَّرَابِ إليه العسل انتهى كلام القارىء قُلْتُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ أَحَبُّ الشَّرَابِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَيْ مِنْ أَحَبِّ الشَّرَابِ أَوْ كَوْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَحَبَّ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مِنْ جِهَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ

قَوْلُهُ [1896] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ أَبُو العباس السمسار المعروف بمردويه (ويونس) هو بن يَزِيدَ بْنِ أَبِي النِّجَادِ الْأَيْلِيُّ قَوْلُهُ (الْحُلْوُ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ ضِدُّ الْمُرِّ (الْبَارِدُ) لِأَنَّهُ أَطْفَأُ لِلْحَرَارَةِ وَأَبْعَثُ عَلَى الشُّكْرِ وأنفع للبدن

25 - كتاب البر والصلة

25 - كتاب البر والصلة (بَاب مَا جَاءَ فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْبِرُّ بِالْكَسْرِ الْإِحْسَانُ وَهُوَ فِي حَقِّ الْوَالِدَيْنِ وَحَقِّ الْأَقْرَبِينَ مِنَ الْأَهْلِ ضِدُّ الْعُقُوقِ وَهُوَ الْإِسَاءَةُ إِلَيْهِمْ وَالتَّضْيِيعُ لِحَقِّهِمْ يُقَالُ بَرَّ يَبَرُّ فَهُوَ بَارٌّ وَجَمْعُهُ بَرَرَةٌ قَالَ وَالْبِرُّ وَالْبَارُّ بِمَعْنًى وَجَمْعُ الْبَرِّ أَبْرَارٌ وَهُوَ كَثِيرًا مَا يُخَصُّ بِالْأَوْلِيَاءِ وَالزُّهَّادِ وَالْعُبَّادِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبِرُّ ضِدُّ الْعُقُوقِ بَرَرْتُهُ وَأَبَرُّهُ كَعَلِمْتُهُ وَضَرَبْتُهُ وَصِلَةُ الرَّحِمِ كِنَايَةٌ عَنِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْأَقْرَبِينَ مِنْ ذَوِي النَّسَبِ وَالْأَصْهَارِ وَالتَّعَطُّفِ عَلَيْهِمْ وَالرِّفْقِ بِهِمْ وَقَطْعُ الرَّحِمِ ضِدُّ ذَلِكَ يُقَالُ وَصَلَ رَحِمَهُ يَصِلُهَا وَصْلًا وَصِلَةً قَوْلُهُ [1897] (أَخْبَرَنَا بَهْزٌ) بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَسُكُونِ هَاءٍ فزاي (بن حكيم) أي بن مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ الْبَصْرِيِّ (حَدَّثَنِي أَبِي) أَيْ حَكِيمٌ (عَنْ جَدِّي) أَيْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَيْدَةَ وَهُوَ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وَمَاتَ بِخُرَاسَانَ (مَنْ أَبَرُّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ عَلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ مَنْ أُحْسِنُ إِلَيْهِ وَمَنْ أَصِلُهُ (قَالَ أُمَّكَ) بِالنَّصْبِ أَيْ بِرَّ أُمَّكَ وَصِلْهَا أَوَّلًا (قُلْتُ ثُمَّ مَنْ) أَيْ ثُمَّ مَنْ أَبَرُّ (ثُمَّ

الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ) أَيْ إِلَى آخِرِ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى بِرِّ الْأَقَارِبِ وَأَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّهُمْ بِذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَهَا الْأَبُ ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ قَالُوا وَسَبَبُ تَقْدِيمِ الْأُمِّ كَثْرَةُ تَعَبِهَا عَلَيْهِ وَشَفَقَتِهَا وَخِدْمَتِهَا انْتَهَى وَفِي التَّنْزِيلِ إِشَارَةٌ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا فَالتَّثْلِيثُ فِي مُقَابَلَةِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ مُخْتَصَّةٍ بِالْأُمِّ وَهِيَ تَعَبُ الْحَمْلِ وَمَشَقَّةُ الْوَضْعِ وَمِحْنَةُ الرَّضَاعِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ مَرْفُوعًا لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ وَلَا عَاقٌّ وَلَا مُدْمِنُ خَمْرٍ وَلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ (وَأَبِي الدَّرْدَاءِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الْفَضْلِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (قَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) قَالَ الذَّهَبِيُّ في الميزان وثقة بن الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ صَالِحٌ وَقَالَ البخاري يختلفون فيه وقال بن عَدِيٍّ لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنَ الثِّقَاتِ يَخْتَلِفُ فِي الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَقَالَ صَالِحٌ جَزَرَةٌ بَهْزٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ إِسْنَادُ أَعْرَابِيٍّ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ أَتَيْتُ بَهْزًا فَوَجَدْتُهُ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَقَالَ الْحَاكِمُ ثِقَةٌ إِنَّمَا أُسْقِطَ مِنَ الصَّحِيحِ لِأَنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ شَاذَّةٌ لَا مُتَابِعَ لَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ هُوَ حجة عندي

2 - بَاب مِنْهُ قَوْلُهُ [1898] (عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ) بْنِ حُرَيْثٍ الْعَبْدِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ) قَالَ الْحَافِظُ مُحَصَّلُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأَجْوِبَةُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ أَنَّ الْجَوَابَ اخْتَلَفَ لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ السَّائِلِينَ بِأَنْ أَعْلَمَ كُلَّ قَوْمٍ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ أَوْ بِمَا لَهُمْ فِيهِ رَغْبَةٌ أَوْ بِمَا هُوَ لَائِقٌ بِهِمْ أَوْ كَانَ الِاخْتِلَافُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ بِأَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ مِنْهُ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ كَانَ الْجِهَادُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَفْضَلَ الْأَعْمَالِ لِأَنَّهُ الْوَسِيلَةُ إِلَى الْقِيَامِ بِهَا وَالتَّمَكُّنِ مِنْ أَدَائِهَا وَقَدْ تَضَافَرَتِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَفِي وَقْتِ مُوَاسَاةِ الْمُضْطَرِّ تَكُونُ الصَّدَقَةُ أَفْضَلَ أَوْ أَنَّ أَفْضَلَ لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا بَلِ الْمُرَادُ بِهَا الْفَضْلُ الْمُطْلَقُ أَوِ الْمُرَادُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ فَحُذِفَتْ مِنْ وَهِيَ مُرَادَةٌ انْتَهَى (قَالَ الصَّلَاةُ لِمِيقَاتِهَا) وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ لِوَقْتِهَا وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَلَى وَقْتِهَا وَفِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ والدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ رِوَايَةَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ضَعِيفَةٌ انْتَهَى (قُلْتُ ثُمَّ مَاذَا) قَالَ الطِّيبِيُّ ثُمَّ لِتَرَاخِي الرُّتْبَةِ لَا لِتَرَاخِي الزَّمَانِ أَيْ ثُمَّ بَعْدَ الصَّلَاةِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ (قَالَ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ) أَيْ أَوْ أَحَدِهِمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثُ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى أَنِ اشْكُرْ لِي ولوالديك وكأنه أخذه من تفسير بن عُيَيْنَةَ حَيْثُ قَالَ مَنْ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَقَدْ شَكَرَ اللَّهَ وَمَنْ دَعَا لِوَالِدَيْهِ عَقِبَهُمَا فَقَدْ شَكَرَ لَهُمَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (الْجِهَادُ في سبيل الله) قال بن بَزْبَزَةَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ تَقْدِيمُ الْجِهَادِ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ الْبَدَنِ لِأَنَّ فِيهِ بَذْلَ النَّفْسِ إِلَّا أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَأَدَائِهَا فِي أَوْقَاتِهَا وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ أَمْرٌ لَازِمٌ مُتَكَرِّرٌ دَائِمٌ لَا يَصْبِرُ عَلَى مُرَاقَبَةِ أَمْرِ اللَّهِ فِيهِ إِلَّا الصِّدِّيقُونَ (ثُمَّ سَكَتَ عَنِّي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هُوَ مَقُولُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ (وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي لَوْ سَأَلْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا (لَزَادَنِي) فِي الْجَوَابِ

باب ما جاء من الفضل في رضا الوالدين

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي الْمِرْقَاةِ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ والحاكم وبن خزيمة وبن حبان والبيهقي عن بن مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ قَالَ الصَّلَاةُ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا قَالَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي خِلَافِيَّاتِهِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ الشَّيْبَانِيُّ) هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِشَرْحِهِ فِي بَاب مَا جَاءَ فِي الْوَقْتِ الْأَوَّلِ مِنْ الْفَضْلِ (بَاب مَا جَاءَ مِنْ الْفَضْلِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ) وَسَخَطُهُ فِي سَخَطِهِمَا وَسَخَطُ الرَّبِّ بِفَتْحَتَيْنِ ضِدُّ الرِّضَا فِي سَخَطِ الْوَالِدِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ يُطَاعَ الْأَبُ وَيُكْرَمَ فَمَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ أَغْضَبَهُ فَقَدْ أَغْضَبَ اللَّهَ وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ يُفِيدُ أَنَّ الْعُقُوقَ كَبِيرَةٌ قَوْلُهُ وَهَذَا أَصَحُّ أَيِ الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ من المرفوع وأخرجه بن حِبَّانَ مَرْفُوعًا فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ بن مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ عَنْهُ يُطَابِقُ الْبَابَ نَصًّا وَصَرَاحَةً قَوْلُهُ [1900] (الْوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ) قَالَ الْقَاضِي أَيْ خَيْرُ الْأَبْوَابِ وَأَعْلَاهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحْسَنَ مَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى دُخُولِ الْجَنَّةِ وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى وُصُولِ دَرَجَتِهَا الْعَالِيَةِ مُطَاوَعَةُ الْوَالِدِ وَمُرَاعَاةُ جَانِبِهِ وَقَالَ غَيْرُهُ إِنَّ لِلْجَنَّةِ أَبْوَابًا وَأَحْسَنُهَا دُخُولًا أَوْسَطُهَا وَإِنَّ سَبَبَ دُخُولِ ذَلِكَ الْبَابِ الْأَوْسَطِ هُوَ مُحَافَظَةُ حُقُوقِ الْوَالِدِ انْتَهَى فَالْمُرَادُ بِالْوَالِدِ الْجِنْسُ أَوْ إِذَا كَانَ حُكْمُ الْوَالِدِ هَذَا فَحُكْمُ الْوَالِدَةِ أَقْوَى وَبِالِاعْتِبَارِ أَوْلَى (فَأَضِعْ) فِعْلُ أَمْرٍ مِنَ الْإِضَاعَةِ (ذَلِكَ الْبَابَ) بِتَرْكِ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ (أَوِ احْفَظْهُ) أَيْ دَاوِمْ عَلَى تَحْصِيلِهِ

قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه بن ماجة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَالْحَاكِمُ في مستدركه وصححه وأقره الذهبي قَوْلُهُ [1899] (رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدِ) وَكَذَا حُكْمُ الْوَالِدَةِ بَلْ هُوَ أَوْلَى وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ وَسَخَطُهُ فِي سَخَطِهِمَا (وَسَخَطُ الرَّبِّ) بِفَتْحَتَيْنِ ضِدُّ الرِّضَا (فِي سَخَطِ الْوَالِدِ) لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ يُطَاعَ الْأَبُ وَيُكْرَمَ فَمَنْ أَطَاعَهُ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ أَغْضَبَهُ فَقَدْ أَغْضَبَ اللَّهَ وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ يُفِيدُ أَنَّ الْعُقُوقَ كَبِيرَةٌ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ) أَيِ الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ مِنِ الْمَرْفُوعِ وأخرجه بن حِبَّانَ مَرْفُوعًا فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ عَنْهُ يُطَابِقُ الْبَابَ نَصًّا وصراحة

باب ما جاء في عقوق الوالدين

4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ) يُقَالُ عَقَّ وَالِدَهُ يَعُقُّهُ عُقُوقًا إِذَا آذَاهُ وَعَصَاهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ وَأَصْلُهُ مِنَ الْعَقِّ وَهُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ قَوْلُهُ [1901] (أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ) الْكَبَائِرُ جَمْعُ الْكَبِيرَةِ وَهِيَ السَّيِّئَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي خَطِيئَتُهَا فِي نَفْسِهَا كَبِيرَةٌ وَعُقُوبَةُ فَاعِلِهَا عَظِيمَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَعْصِيَةٍ لَيْسَتْ بِكَبِيرَةٍ وَقِيلَ الْكَبِيرَةُ مَا أَوْعَدَ عَلَيْهِ الشَّارِعُ بِخُصُوصِهِ وَقِيلَ مَا عُيِّنَ لَهُ حَدٌّ وَقِيلَ النِّسْبَةُ إِضَافِيَّةٌ فَقَدْ يَكُونُ الذَّنْبُ كَبِيرَةً بِالنِّسْبَةِ لِمَا دُونَهُ صَغِيرَةً بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا فَوْقَهُ وَقَدْ يَتَفَاوَتُ بِاعْتِبَارِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ فِي تَفْسِيرِ الْكَبِيرَةِ وَالصَّغِيرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْكَبَائِرِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ وَالنَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ الْكَبَائِرِ وَأَكْبَرِهَا مِنْ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَقَوْلُهُ (أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ) لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ مِنَ الْحَصْرِ بَلْ مَنْ فِيهِ مُقَدَّرَةٌ فَقَدْ ثَبَتَ فِي أَشْيَاءَ أُخَرَ أَنَّهَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ فِي قَتْلِ النَّفْسِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والترمذي والنسائي وحديث بن مسعود أي الذنب أعظم فذكر فيه الزنى بِحَلِيلَةِ الْجَارِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ الْجُهَنِيِّ مَرْفُوعًا قَالَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ فَذَكَرَ مِنْهَا الْيَمِينَ الْغَمُوسَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ اسْتِطَالَةُ المرء في عرض رجل مسلم أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَفَعَهُ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ فَذَكَرَ مِنْهَا مَنْعَ فَضْلِ الْمَاءِ وَمَنْعَ الْفَحْلِ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وحديث بن عمررفعه أكبر الكبائر سوء الظن بالله أخرجه بن مَرْدَوَيْهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْعَقِّ وَهُوَ الْقَطْعُ وَالْمُرَادُ بِهِ صُدُورُ مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْوَالِدُ مِنْ وَلَدِهِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ إِلَّا فِي شِرْكٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ ما لم يتعنت الوالد وضبطه بن عَطِيَّةَ بِوُجُوبِ طَاعَتِهِمَا فِي الْمُبَاحَاتِ فِعْلًا وَتَرْكًا وَاسْتِحْبَابُهَا فِي الْمَنْدُوبَاتِ وَفُرُوضِ الْكِفَايَةِ كَذَلِكَ وَمِنْهُ تَقْدِيمُهُمَا عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ كَمَنْ دَعَتْهُ أُمُّهُ لِيُمَرِّضَهَا مَثَلًا بِحَيْثُ يَفُوتُ عَلَيْهِ فِعْلُ وَاجِبٍ إِنِ اسْتَمَرَّ عِنْدَهَا وَيَفُوتُ مَا قَصَدَتْهُ مِنْ تَأْنِيسِهِ لَهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ أَنْ لَوْ تركها

وَفَعَلَهُ وَكَانَ مِمَّا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ مَعَ فَوَاتِ الْفَضِيلَةِ كَالصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ أَوْ فِي الْجَمَاعَةِ (قَالَ وَجَلَسَ) أَيْ لِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْأَمْرِ وَهُوَ يُفِيدُ تَأْكِيدَ تَحْرِيمِهِ وَعِظَمَ قُبْحِهِ (وَكَانَ مُتَّكِئًا) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَسَبَبُ الِاهْتِمَامِ بِذَلِكَ كَوْنُ قَوْلِ الزُّورِ أَوْ شَهَادَةُ الزُّورِ أَسْهَلُ وُقُوعًا عَلَى النَّاسِ وَالتَّهَاوُنُ بِهَا أَكْثَرُ فَإِنَّ الْإِشْرَاكَ يَنْبُو عَنْهُ قَلْبُ الْمُسْلِمِ وَالْعُقُوقُ يَصْرِفُ عَنْهُ الطَّبْعُ وَأَمَّا الزُّورُ فَالْحَوَامِلُ عَلَيْهِ كَثِيرَةٌ كَالْعَدَاوَةِ وَالْحَسَدِ وَغَيْرِهِمَا فَاحْتِيجَ إِلَى الِاهْتِمَامِ بِتَعْظِيمِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِعِظَمِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ذُكِرَ مَعَهَا مِنَ الْإِشْرَاكِ قَطْعًا بَلْ لِكَوْنِ مَفْسَدَةِ الزُّورِ مُتَعَدِّيَةً إِلَى غَيْرِ الشَّاهِدِ بِخِلَافِ الشِّرْكِ فَإِنَّ مَفْسَدَتَهُ قَاصِرَةٌ غَالِبًا وَهَذَا الْحَدِيثُ يَأْتِي أَيْضًا بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي الشَّهَادَاتِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ [1902] (مِنَ الْكَبَائِرِ أَنْ يَشْتُمَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ سَبَّ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ تَقْتَضِي أَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَبَيْنَهُمَا فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْكَبَائِرَ مُتَفَاوِتَةٌ وَبَعْضُهَا أَكْبَرُ مِنْ بَعْضٍ (وَهَلْ يَشْتِمُ) بِكَسْرِ عَيْنِهِ وَيُضَمُّ أَيْ يَسُبُّ (الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ) أَيْ هَلْ يَقَعُ ذَلِكَ وَهُوَ اسْتِبْعَادٌ مِنَ السَّائِلِ لِأَنَّ الطَّبْعَ الْمُسْتَقِيمَ يَأْبَى ذَلِكَ فَبَيَّنَ فِي الْجَوَابِ أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَاطَ السَّبَّ بِنَفْسِهِ فِي الْأَغْلَبِ الْأَكْثَرِ لَكِنْ قَدْ يَقَعُ التَّسَبُّبُ فِيهِ وَهُوَ مِمَّا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ كَثِيرًا (قَالَ نَعَمْ) أَيْ يَقَعُ حَقِيقَةً تَارَةً وَهُوَ نَادِرٌ وَمَجَازٌ أُخْرَى وَهُوَ كَثِيرٌ لَكِنْ مَا تَعْرِفُونَهُ ثُمَّ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ) أَيِ الرَّجُلَ (أَبَاهُ) أَيْ أَبَا مَنْ سَبَّهُ (وَيَشْتُمُ) أَيْ تَارَةً أُخْرَى وَقَدْ يَجْمَعُ وَيَشْتُمُ أَيْضًا (أُمَّهُ) أَيْ أُمَّ الرَّجُلِ (فَيَشْتُمُ) أَيِ الرَّجُلَ (أُمَّهُ) أَيْ أُمَّ سَابِّهِ وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الشَّتْمِ وَالسَّبِّ تَفَنُّنٌ فَفِي الْقَامُوسِ شَتَمَهُ يَشْتُمُهُ وَيَشْتِمُهُ سَبَّهُ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ السَّبُّ أَعَمُّ فَإِنَّهُ شَامِلٌ لِلَّعْنِ أَيْضًا بخلاف الشتم

باب ما جاء في إكرام صديق الوالد

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَمُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْأَدَبِ (بَاب مَا جَاءَ فِي إِكْرَامِ صَدِيقِ الْوَالِدِ) قَوْلُهُ [1903] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِمَرْدَوَيْهِ (حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ عثمان وقيل بن الوليد مولى عثمان أو بن عُمَرَ الْمَدَنِيُّ أَبُو عُثْمَانَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ) أَيْ أَفْضَلَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَالِدِهِ وَكَذَا الْوَالِدَةُ أَوْ هِيَ بِالْأَوْلَى (أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ) بِضَمِّ الْوَاوِ بِمَعْنَى الْمَوَدَّةِ أَيْ أَصْحَابَ مَوَدَّتِهِ وَمَحَبَّتِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْوُدُّ هُنَا مَضْمُومُ الْوَاوِ وَفِي هَذَا فَضْلُ صِلَةِ أَصْدِقَاءِ الْأَبِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ بِإِكْرَامِهِمْ وَهُوَ مُتَضَمَّنٌ لِبِرِّ الْأَبِ وَإِكْرَامِهِ لِكَوْنِهِ بِسَبَبِهِ وَتَلْتَحِقُ بِهِ أَصْدِقَاءُ الْأُمِّ وَالْأَجْدَادِ والمشائخ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْأَحَادِيثُ فِي إِكْرَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَائِلَ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ) أخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ وَهُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم وأبو داود

باب في بر الخالة

6 - (باب فِي بِرِّ الْخَالَةِ) قَوْلُهُ [1904] (الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ) فِي الْحَضَانَةِ عِنْدَ فَقْدِ الْأُمِّ وَأُمَّاتِهَا لِأَنَّهَا تَقْرُبُ مِنْهَا فِي الْحُنُوِّ وَالِاهْتِدَاءِ إِلَى مَا يُصْلِحُ الْوَلَدَ قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِقِصَّتِهِ الطَّوِيلَةِ وَلَفْظُهُمَا هَكَذَا عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ صَالَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَتَاهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ رَدَّهُ إِلَيْهِمْ وَمَنْ أَتَاهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرُدُّوهُ وَعَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ قَابِلٍ وَيُقِيمَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الْأَجَلُ خَرَجَ فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي يَا عَمِّ يَا عَمِّ فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ قَالَ عَلِيٌّ أَنَا أَخَذْتهَا وَهِيَ بِنْتُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ بِنْتُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي وَقَالَ زَيْدٌ بِنْتُ أَخِي فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا وَقَالَ الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَقَالَ لِعَلِيٍّ أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ وَقَالَ لِجَعْفَرٍ أَشْبَهْتَ خَلْقِي وَخُلُقِي وَقَالَ لِزَيْدٍ أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا انْتَهَى قَوْلُهُ (إِنِّي أَصَبْتُ ذَنْبًا عَظِيمًا) يَجُوزُ أَنَّهُ أَرَادَ عَظِيمًا عِنْدِي لِأَنَّ عِصْيَانَ اللَّهِ تَعَالَى عَظِيمٌ وَإِنْ كَانَ الذَّنْبُ صَغِيرًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَنْبُهُ كَانَ عَظِيمًا مِنَ الْكَبَائِرِ وَإِنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنَ الْبِرِّ يَكُونُ مُكَفِّرًا لَهُ وَكَانَ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ الرَّجُلِ عَلِمَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقِ الْوَحْيِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (هَلْ لَكَ مِنْ أُمٍّ) أَيْ أَلَكَ أُمٌّ فَمِنْ زَائِدَةٌ أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ قَالَ (فَبِرَّهَا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مِنْ بَرِرْتُ فُلَانًا بِالْكَسْرِ أَبَرُّهُ بِالْفَتْحِ أَيْ أَحْسَنْتُ إِلَيْهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مِنْ جُمْلَةِ الْحَسَنَاتِ التي يذهبن السيئات وحديث بن عمر هذا

باب ما جاء في دعوة الوالدين

أخرجه أيضا بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا هَلْ لَكَ وَالِدَانِ بِالتَّثْنِيَةِ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ الْخَالَةُ أُمٌّ قَوْلُهُ (أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ هو بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ أَبُو بَكْرٍ الْمَدَنِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ مِنَ الْخَامِسَةِ (بَاب مَا جَاءَ فِي دَعْوَةِ الْوَالِدَيْنِ) قَوْلُهُ [1905] (ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ) مُبْتَدَأٌ (مُسْتَجَابَاتٌ) خَبَرٌ (لَا شَكَّ فِيهِنَّ) أَيْ فِي اسْتِجَابَتِهِنَّ (وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ) أَيْ لِضَرَرِهِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَوْرَدَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ (وَأَبُو جَعْفَرٍ الَّذِي رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُقَالُ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْمُؤَذِّنُ وَلَا نَعْرِفُ اسْمَهُ) فِي التَّقْرِيبِ أَبُو جَعْفَرٍ الْمُؤَذِّنُ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَقَدْ وَهِمَ

باب ما جاء في حق الوالدين

8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حَقِّ الْوَالِدَيْنِ) قَوْلُهُ [1906] (لا يجزئ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْيَاءِ فِي آخِرِهِ أَيْ لا يكافىء (وَلَدٌ وَالِدًا) أَيْ إِحْسَانَ وَالِدٍ (إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا) مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي يَجِدَهُ (فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ) بِالنَّصْبِ فِيهِمَا قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ لَيْسَ مَعْنَاهُ اسْتِئْنَافَ الْعِتْقِ فِيهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْأَبَ يَعْتِقُ عَلَى الِابْنِ إِذَا مَلَكَهُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا اشْتَرَاهُ فَدَخَلَ فِي مِلْكِهِ عَتَقَ عَلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ الشِّرَاءُ سَبَبًا لِعِتْقِهِ أُضِيفَ الْعِتْقُ إِلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا جَزَاءً لَهُ لِأَنَّ الْعِتْقَ أَفْضَلُ مَا يُنْعِمُ بِهِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ إِذَا خَلَّصَهُ بِذَلِكَ مِنَ الرِّقِّ وَجَبَرَ بِهِ النَّقْصَ الَّذِي فِيهِ وَتَكْمُلُ لَهُ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ فِي جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ انْتَهَى قُلْتُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ الْأَبَ يَعْتِقُ عَلَى الِابْنِ إِذَا مَلَكَهُ فِي الْحَالِ نَظَرٌ فَإِنَّ بَعْضَ أَهْلِ الظَّاهِرِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الْأَبَ لَا يَعْتِقُ عَلَى الِابْنِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إِنْشَاءِ الْعِتْقِ وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود وبن مَاجَهْ (بَاب مَا جَاءَ فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ) قوله [1907] (عن أبي سلمة) هو بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ

قَوْلُهُ (فَقَالَ) أَيْ أَبُو الدَّرْدَاءِ (خَيْرُهُمْ) مُبْتَدَأٌ (وَأَوْصَلُهُمْ) عَطْفٌ عَلَى الْمُبْتَدَأِ (أَبُو مُحَمَّدٍ) خَبَرٌ وَهُوَ كُنْيَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالْمَعْنَى خَيْرُ النَّاسِ وَأَوْصَلُهُمْ فِي عِلْمِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ (أَنَا اللَّهُ) كَانَ هَذَا تَوْطِئَةً لِلْكَلَامِ حَيْثُ ذَكَرَ الْعَلَمَ الْخَاصَّ ثُمَّ ذَكَرَ الْوَصْفَ الْمُشْتَقَّ مِنْ مَادَّةِ الرَّحِمِ فَقَالَ (وَأَنَا الرَّحْمَنُ) أَيِ الْمُتَّصِفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (خَلَقْتُ الرَّحِمَ) أَيْ قَدَّرْتُهَا أَوْ صَوَّرْتُهَا مُجَسَّدَةً (وَشَقَقْتُ) أَيْ أَخْرَجْتُ وَأَخَذْتُ اسْمًا (لَهَا) أَيْ لِلرَّحِمِ (مِنِ اسْمِي) أَيِ الرَّحْمَنَ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْمُنَاسَبَةَ الِاسْمِيَّةَ وَاجِبَةُ الرِّعَايَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّهَا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ رَحْمَةِ الرَّحْمَنِ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُؤْمِنِ التَّخَلُّقُ بِأَخْلَاقِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّعَلُّقُ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَلِذَا قَالَ (فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ) أَيْ إِلَى رَحْمَتِي أَوْ مَحِلِّ كَرَامَتِي (وَمَنْ قَطَعَهَا بَتَّتُهُ) بِتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَيْ قَطَعْتُهُ مِنْ رَحْمَتِي الْخَاصَّةِ مِنَ الْبَتِّ وَهُوَ الْقَطْعُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي في الأحكام كما في الفتح (وبن أَبِي أَوْفَى) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى الْجُهَنِيُّ الْأَنْصَارِيُّ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ مَرْفُوعًا لَا تَنْزِلُ الرَّحْمَةُ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ قَاطِعُ رَحِمٍ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ (وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أخرجه (وأبي هريرة) أخرجه الشَّيْخَانِ (وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْآتِي قَوْلُهُ (حَدِيثُ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِي تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ لَهُ نَظَرٌ فَإِنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا قَالَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَرَوَاهُ أبو داود وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ رَدَّادٍ اللَّيْثِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ أَشَارَ التِّرْمِذِيُّ إِلَى هَذَا ثُمَّ حَكَى عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ وَحَدِيثُ مَعْمَرٍ خَطَأٌ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبُخَارِيُّ فِي الأدب المفرد والحاكم (ع 4 ن رَدَّادٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا

باب ما جاء في صلة الرحم

أَلِفٌ ثُمَّ دَالٌ مُهْمَلَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَبُو الرَّدَّادِ وَهُوَ أَصْوَبُ حِجَازِيٌّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (وَمَعْمَرٍ كَذَا يَقُولُ) أَيْ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ رَدَّادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (قَالَ مُحَمَّدٌ) يَعْنِي الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ (وَحَدِيثُ مَعْمَرٍ خَطَأٌ) وَقَالَ بن حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ وَمَا أَحْسَبُ مَعْمَرًا حَفِظَهُ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أبي سلمة عن بن عَوْفٍ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِلَةِ الرَّحِمِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْأَقَارِبِ وَهُمْ مَنْ بينه وَبَيْنَ الْآخَرِ نَسَبٌ سَوَاءٌ كَانَ يَرِثُهُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ ذَا مَحْرَمٍ أَمْ لَا وَقِيلَ هُمُ الْمَحَارِمُ فَقَطْ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَجَّحُ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَسْتَلْزِمُ خُرُوجَ أَوْلَادِ الْأَعْمَامِ وَأَوْلَادِ الْأَخْوَالِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ يُقَالُ وَصَلَ رَحِمَهُ يَصِلُهَا وَصْلًا وَصِلَةً وَالْهَاءُ فِيهَا عِوَضٌ عَنِ الْوَاوِ الْمَحْذُوفَةِ فَكَأَنَّهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ قَدْ وَصَلَ مَا بَيْنَهُ مِنْ عَلَاقَةِ الْقَرَابَةِ والصهر قال بن أَبِي جَمْرَةَ تَكُونُ صِلَةُ الرَّحِمِ بِالْمَالِ وَبِالْعَوْنِ عَلَى الْحَاجَةِ وَبِدَفْعِ الضَّرَرِ وَبِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَبِالدُّعَاءِ وَالْمَعْنَى الْجَامِعُ إِيصَالُ مَا أَمْكَنَ مِنَ الْخَيْرِ وَدَفْعُ مَا أَمْكَنَ مِنَ الشَّرِّ بِحَسَبِ الطَّاقَةِ وَهَذَا إِنَّمَا يَسْتَمِرُّ إِذَا كَانَ أَهْلُ الرَّحِمِ أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ فَإِنْ كَانُوا كُفَّارًا أَوْ فُجَّارًا فَمُقَاطَعَتُهُمْ فِي اللَّهِ هِيَ صِلَتُهُمْ بِشَرْطِ بَذْلِ الْجَهْدِ فِي وَعْظِهِمْ ثُمَّ إِعْلَامِهِمْ إِذَا أَصَرُّوا أَنَّ ذَلِكَ بِسَبَبِ تَخَلُّفِهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يُسْقِطُ مَعَ ذَلِكَ صِلَتَهُمْ بِالدُّعَاءِ لَهُمْ بِظُهْرِ الْغَيْبِ أَنْ يَعُودُوا إِلَى الطَّرِيقِ الْمُثْلَى قَوْلُهُ [1908] (وَفِطْرُ بْنُ خَلِيفَةَ) الْمَخْزُومِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْحَنَّاطُ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (ليس الواصل) أي بالرحم (بالمكافىء) بِكَسْرِ فَاءٍ وَهَمْزٍ أَيِ الْمُجَازِي لِأَقَارِبِهِ إِنْ صِلَةً فَصِلَةٌ وَإِنْ قَطْعًا فَقَطْعٌ وَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْكَمَالِ (وَلَكِنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (الْوَاصِلَ) بِالنَّصْبِ أَيِ الْوَاصِلَ الْكَامِلَ (الَّذِي إِذَا انْقَطَعَتْ رَحِمُهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ (وَصَلَهَا

باب ما جاء في حب الوالد ولده

هَذَا مِنْ بَابِ الْحَثِّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِلْ مَنْ قَطَعَكَ وَأَحْسِنْ إِلَى مَنْ أَسَاءَكَ الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ التَّعْرِيفُ فِي الْوَاصِلِ لِلْجِنْسِ أَيْ لَيْسَ حَقِيقَةُ الْوَاصِلِ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِوَصْلِهِ مَنْ يكافىء صَاحِبَهُ بِمِثْلِ فِعْلِهِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُكَ هُوَ لَيْسَ بِالرَّجُلِ بَلِ الرَّجُلُ مَنْ يَصْدُرُ مِنْهُ الْمَكَارِمُ وَالْفَضَائِلُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سليمان) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَعَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ [1909] لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ أَيْ لِلرَّحِمِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَقَالَ فِيهِ قَاطِعُ رَحِمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ يُحْمَلُ تَارَةً عَلَى مَنْ يَسْتَحِلُّ الْقَطِيعَةَ وَأُخْرَى عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَهَا مَعَ السَّابِقِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حب الوالد ولده) قوله [1910] (سمعت بن أَبِي سُوَيْدٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سُوَيْدٍ الثَّقَفِيُّ الطَّائِفِيُّ مَجْهُولٌ من الرابعة وليس هو بن سويد راوي قصة غيلان انتهى قلت بن سُوَيْدٍ الَّذِي رَوَى قِصَّةَ غَيْلَانَ اسْمُهُ أَيْضًا مُحَمَّدٌ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ قِصَّةَ

أبواب النكاح

غَيْلَانَ فِي بَابِ الرَّجُلِ يُسْلِمُ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ مِنْ (أَبْوَابِ النِّكَاحِ) وَمُحَمَّدُ بْنُ سُوَيْدٍ الَّذِي رَوَى قِصَّتَهُ ثِقَةٌ كَمَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ) بَدَلٌ مِنَ الْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ وَهِيَ ابْنَةُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ السُّلَمِيَّةُ يُقَالُ لَهَا خُوَيْلَةُ أَيْضًا بِالتَّصْغِيرِ صَحَابِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ يُقَالُ إِنَّهَا الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ قَبْلُ تَحْتَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (وَهُوَ مُحْتَضَنٌ) مِنَ الِاحْتِضَانِ أَيْ جَاعِلٌ فِي حِضْنِهِ وَالْحِضْنُ مَا دُونَ الْإِبْطِ إِلَى الْكَشْحِ أَوِ الصَّدْرِ وَالْعَضُدَانِ وَمَا بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْقَامُوسِ (أَحَدَ ابْنَيِ ابْنَتِهِ) فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهُوَ إِمَّا الْحَسَنُ أَوِ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (إِنَّكُمْ لَتُبَخِّلُونَ وَتُجَبِّنُونَ وَتُجَهِّلُونَ) الصِّيَغُ الثَّلَاثُ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ أَيْ تَحْمِلُونَ عَلَى الْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَالْجَهْلِ فَإِنَّ مَنْ وُلِدَ لَهُ جَبُنَ عَنِ الْقِتَالِ لِتَرْبِيَةِ الْوَلَدِ وَبَخِلَ لَهُ وَجَهِلَ حِفْظًا لِقَلْبِهِ وَالْجُبْنُ وَالْجَبَانُ ضِدُّ الشُّجَاعَةِ وَالشُّجَاعِ (وَإِنَّكُمْ لَمِنْ رَيْحَانِ اللَّهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرَّيْحَانُ يُطْلَقُ عَلَى الرَّحْمَةِ وَالرِّزْقِ وَالرَّاحَةِ بِالرِّزْقِ سُمِّيَ الْوَلَدُ رَيْحَانًا انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَيَجُوزُ إِرَادَةُ الرَّيْحَانِ الْمَشْمُومِ لِأَنَّهُمْ يُشَمُّونَ وَيُقَبَّلُونَ وَهُوَ مِنْ بَابِ الرُّجُوعِ ذَمَّهُمْ أَوَّلًا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدْحِ أَيْ مَعَ كَوْنِهِمْ مَظِنَّةً أَنْ يَحْمِلُوا الْآبَاءَ عَلَى الْبُخْلِ وَالْجُبْنِ عَنِ الْغَزْوِ مِنْ رَيْحَانِ اللَّهِ أَيْ رِزْقِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ وَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ الْوَلَدَ يُشَمُّ وَيُقَبَّلُ فَكَأَنَّهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الرَّيَاحِينِ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ الرَّيْحَانُ الرِّزْقُ أَوِ الْمَشْمُومُ قَالَ الْعَيْنِيُّ لَا وَجْهَ هُنَا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الرِّزْقِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَيَشُمُّهُمَا وَيَضُمُّهُمَا إِلَيْهِ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَلْعَبَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ أَتُحِبُّهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَكَيْفَ لَا وَهُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا أَشُمُّهُمَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي مَنَاقِبِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (وَالْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 211 ج 5 قَوْلُهُ (وَلَا نَعْرِفُ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ سَمَاعًا مِنْ خَوْلَةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي

باب ما جاء في رحمة الولد

تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ مُرْسَلًا انْتَهَى فَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا عَنْ خَوْلَةَ مُنْقَطِعٌ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رَحْمَةِ الْوَلَدِ) قَوْلُهُ [1911] (أَبْصَرَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ) هُوَ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ وَمِمَّنْ حَسُنَ إِسْلَامُهُ (وَهُوَ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ رَأَى الْأَقْرَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَ كَوْنِهِ يُقَبِّلُ الْحَسَنَ فَقَالَ أَيِ الْأَقْرَعَ (مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا) إِمَّا لِلِاسْتِكْبَارِ أَوْ لِلِاسْتِحْقَارِ (إِنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ) الْأَوَّلُ بِصِيغَةِ الْمَعْرُوفِ وَالثَّانِي بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ قَالَ الْحَافِظُ هُوَ بِالرَّفْعِ فِيهِمَا عَلَى الْخَبَرِ وَقَالَ عِيَاضٌ هُوَ لِلْأَكْثَرِ وَقَالَ أَبُو الْبَقَاءِ مَنْ مَوْصُولَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً فَيُقْرَأَ بِالْجَزْمِ فِيهِمَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجَنَائِزِ وَمُسْلِمٌ فِي الْفَضَائِلِ (وَعَائِشَةَ) أخرجه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَمُسْلِمٌ فِي الْفَضَائِلِ

باب ما جاء في النفقة على البنات

13 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّفَقَةِ عَلَى الْبَنَاتِ) قَوْلُهُ [1916] (عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرِ) بْنِ سَعْدِ بْنِ النُّعْمَانِ كُنْيَتُهُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْمَدَنِيُّ لَهُ رُؤْيَةٌ وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ (عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْشَى) هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُكْمِلٍ الْأَعْشَى الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ وَثَّقَهُ بن حِبَّانَ قَوْلُهُ (مَنْ كَانَتْ لَهُ ثَلَاثَةُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ أَوِ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ قَوْلُهُ (فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ) أَيْ في أداء حقوقهن قَوْلُهُ [1912] (عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ سَعِيدٌ الْأَعْشَى الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ السَّابِقِ قَوْلُهُ (فَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ) وَقَعَ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ وَكَذَا وقع في بن مَاجَهْ زَادَ وَأَطْعَمَهُنَّ وَسَقَاهُنَّ وَكَسَاهُنَّ وَفِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِنَّ وَزَوَّجَهُنَّ وَأَحْسَنَ أَدَبَهُنَّ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَفِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ يُؤَدِّبُهُنَّ وَيَرْحَمُهُنَّ وَيَكْفُلُهُنَّ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِيهِ وَيُزَوِّجُهُنَّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ يَجْمَعُهَا لَفْظُ الْإِحْسَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) لَهَا حَدِيثَانِ فِي الْبَابِ أَخْرَجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الباب (وعقبة بن عامر) أخرجه بن مَاجَهْ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا

الباب (وجابر) أخرجه أحمد والبخار في اللأدب المفرد والبزار والطبراني في الأوسط (وبن عباس) أخرجه بن ماجه بإسناد صحيح وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ شُرَحْبِيلَ عَنْهُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ) اشْتُهِرَ بِكُنْيَتِهِ لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ اسْتُصْغِرَ بِأُحُدٍ ثُمَّ شَهِدَ مَا بَعْدَهَا وَكَانَ مِنَ الْحُفَّاظِ الْمُكْثِرِينَ مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ (وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ هُوَ سَعْدُ بْنُ مَالِكِ بْنِ وُهَيْبٍ) هُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهُوَ بن سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَالَ كُنْتُ ثَالِثَ الْإِسْلَامِ وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ رَمَى السَّهْمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ فِي قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ فَحُمِلَ عَلَى رِقَابِ الرِّجَالِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وإنما ذكر الترمذي ها هنا سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ لِأَنَّهُ كَانَ مُشَارِكًا فِي اسْمِ أَبِي سَعِيدٍ وَاسْمِ أَبِيهِ فَذَكَرَ تَرْجَمَتَهُ لِيَتَمَيَّزَ عَنْهُ قَوْلُهُ (وَقَدْ زَادُوا فِي هَذَا الْإِسْنَادِ) أَيِ الْإِسْنَادَ الثَّانِي بَيْنَ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ (رَجُلًا) هُوَ أَيُّوبُ بْنُ بَشِيرٍ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ أخبرنا سهيل يعني بن أَبِي صَالِحٍ عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْشَى عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ عَالَ ثَلَاثَ بَنَاتٍ فَأَدَّبَهُنَّ الْحَدِيثُ ثُمَّ قَالَ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ بِمَعْنَاهُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ وَقَدْ زَادُوا فِي هَذَا الْإِسْنَادِ رَجُلًا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وقال بن عُيَيْنَةَ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدٍ الْأَعْشَى وَلَا يَصِحُّ انْتَهَى قَوْلُهُ [1913] (حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ مَسْلَمَةَ) بْنِ عُثْمَانَ الرَّوَّاسُ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ بَغْدَادِيٌّ يُكَنَّى أَبَا سَالِمٍ مَتْرُوكٌ وَرَمَاهُ بن حِبَّانَ بِالْوَضْعِ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بن عبد العزيز) هو بن أبي رداد

قَوْلُهُ (مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَنَاتِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيِ امْتُحِنَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِالِابْتِلَاءِ هَلْ هُوَ نَفْسُ وَجُودِهِنَّ أَوِ ابْتُلِيَ بِمَا يَصْدُرُ مِنْهُنَّ وَكَذَلِكَ هَلْ هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي الْبَنَاتِ أَوِ الْمُرَادُ مَنِ اتَّصَفَ مِنْهُنَّ بِالْحَاجَةِ إِلَى مَا يُفْعَلُ بِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ إِنَّمَا سَمَّاهُ ابْتِلَاءً لِأَنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَ الْبَنَاتِ فَجَاءَ الشَّرْعُ بِزَجْرِهِمْ عَنْ ذَلِكَ وَرَغَّبَ فِي إِبْقَائِهِنَّ وَتَرْكِ قَتْلِهِنَّ بِمَا ذَكَرَ مِنَ الثَّوَابِ الْمَوْعُودِ بِهِ مَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ وَجَاهَدَ نَفْسَهُ فِي الصَّبْرِ عَلَيْهِنَّ وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ هُنَا الِاخْتِبَارَ أَيْ مَنِ اخْتُبِرَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَنَاتِ لِيُنْظَرَ مَا يَفْعَلُ أَيُحْسِنُ إِلَيْهِنَّ أَوْ يُسِيءُ وَلِهَذَا قَيَّدَهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بالتقوى فإن من لم يتق الله لايأمن أَنْ يَتَضَجَّرَ بِمَنْ وَكَّلَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ أَوْ يقصر عما أمر بفعله أَوْ لَا يَقْصِدُ بِفِعْلِهِ امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ وَتَحْصِيلِ ثَوَابِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ) أَيْ يَكُونُ جَزَاؤُهُ عَلَى ذَلِكَ وِقَايَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَارِ جَهَنَّمَ حَائِلًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَفِيهِ تَأْكِيدُ حَقِّ الْبَنَاتِ لِمَا فِيهِنَّ مِنَ الضَّعْفِ غَالِبًا عَنِ الْقِيَامِ بِمَصَالِحِ أَنْفُسِهِنَّ بِخِلَافِ الذُّكُورِ لِمَا فِيهِمْ مِنْ قُوَّةِ الْبَدَنِ وَجَزَالَةِ الرَّأْيِ وَإِمْكَانِ التَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) فِي سَنَدِهِ الْعَلَاءُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَهُوَ متروك فتحسين الترمذي له لشواهده قَوْلُهُ [1915] (فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي شَيْئًا غَيْرَ تَمْرَةٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ الْعَيْنِيُّ فَإِنْ قُلْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عَائِشَةَ جَاءَتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا فَأَطْعَمْتُهَا ثَلَاثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً وَرَفَعَتْ تَمْرَةً إِلَى فِيهَا لِتَأْكُلَهَا فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قُلْتُ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهَا فِي أَوَّلِ الْحَالِ سِوَى تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَتْهَا ثُمَّ وَجَدَتْ ثِنْتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ تَعَدُّدَ الْقِصَّةِ انْتَهَى (فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا) أَيِ التَّمْرَةَ وَلَمْ تَسْتَحْقِرْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ يَعْمَلْ مثقال ذرة خيرا يره

وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ (وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا) أَيْ مَعَ جُوعِهَا إِذْ يُسْتَبْعَدُ أَنْ تَكُونَ شَبْعَانَةً مَعَ جُوعِ ابْنَتَيْهَا (فَأَخْبَرْتُهُ) أَيْ بِمَا جَرَى (مَنِ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ (كُنَّ لَهُ) أَيْ لِلْمُبْتَلَى (سِتْرًا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ حِجَابًا دَافِعًا (مِنَ النار) أي دخولها واختلف في المراد با حسان هَلْ يَقْتَصِرُ بِهِ عَلَى قَدْرِ الْوَاجِبِ أَوْ بِمَا زَادَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ الثَّانِي وَشَرْطُ الْإِحْسَانِ أَنْ يُوَافِقَ الشَّرْعَ لَا مَا خَالَفَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الثَّوَابَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا يَحْصُلُ لِفَاعِلِهِ إِذَا اسْتَمَرَّ إِلَى أَنْ يَحْصُلَ اسْتِغْنَاؤُهُنَّ بِزَوْجٍ أَوْ غيره قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان والنسائي قَوْلُهُ [1914] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ) هُوَ الطَّنَافِسِيُّ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرَّاسِبِيُّ) أَبُو رَوْحٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ) بْنِ مَالِكٍ مَجْهُولُ الْحَالِ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَتَّى تَبْلُغَا قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى عَالَهُمَا قَامَ عَلَيْهِمَا بِالْمُؤْنَةِ وَالتَّرْبِيَةِ وَنَحْوِهِمَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَوْلِ وَهُوَ الْقُرْب مِنْهُ ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ (دَخَلْتُ أَنَا وَهُوَ) أَيِ الَّذِي عَالَهُمَا (الْجَنَّةَ) بِالنَّصْبِ (كَهَاتَيْنِ وَأَشَارَ بِإِصْبَعَيْهِ) أَيِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُ قَوْلِهِ كَهَاتَيْنِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (غَيْرَ حَدِيثٍ) أَيْ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ الْحَدِيثِ (وَالصَّحِيحُ هُوَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ) وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عبد العزيز عن

باب ما جاء في رحمة اليتيم وكفالته

عبيد بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ إِلَخْ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ هَذَا كُنْيَتُهُ أَبُو مُعَاذٍ قال في التقريب ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رَحْمَةِ الْيَتِيمِ وَكَفَالَتِهِ) أَيِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ صَغِيرٌ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ قِيلَ الْيَتِيمُ مِنَ النَّاسِ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ وَمِنَ الدَّوَابِّ مَنْ مَاتَ أُمُّهُ قَوْلُهُ [1917] (مَنْ قَبَضَ يَتِيمًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ تَسَلَّمَ وَأَخَذَ وَفِي رِوَايَةِ شَرْحِ السُّنَّةِ مَنْ آوَى يَتِيمًا كَمَا فِي الْمِشْكَاةِ (إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ) الضَّمِيرَانِ لِمَنْ وَالْمَعْنَى مَنْ يَضُمُّ الْيَتِيمَ إِلَيْهِ وَيُطْعِمُهُ (أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ ألْبَتَّةَ) أَيْ إِدْخَالًا قَاطِعًا بِلَا شَكٍّ وَشُبْهَةٍ (إِلَّا أَنْ يَعْمَلَ ذَنْبًا لَا يُغْفَرُ) الْمُرَادُ مِنْهُ الشِّرْكُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ كذا ذكره الطيبي وقال بن الْمَلَكِ أَيِ الشِّرْكَ وَقِيلَ مَظَالِمُ الْخَلْقِ قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَالْجَمْعُ هُوَ الْأَظْهَرُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ حَقَّ الْعِبَادِ لَا يُغْفَرُ بِمُجَرَّدِ ضَمِّ الْيَتِيمِ ألْبَتَّةَ مَعَ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ حُقُوقِ الْعِبَادِ أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ نَعَمْ يَكُونُ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ فَالتَّقْدِيرُ إِلَّا أَنْ يَعْمَلَ ذَنْبًا لَا يُغْفَرُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ أَوْ بِالِاسْتِحْلَالِ وَنَحْوِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ سَائِرَ الذُّنُوبِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تُغْفَرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُرَّةَ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالطَّبَرَانِيُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ خَيْرُ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُحْسَنُ إِلَيْهِ وَشَرُّ بَيْتٍ فِي الْمُسْلِمِينَ بَيْتٌ فِيهِ يَتِيمٌ يُسَاءُ إِلَيْهِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ (وَأَبِي أُمَامَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ (وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الباب

قَوْلُهُ (وَحَنَشٌ هُوَ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ وَهُوَ أَبُو عَلِيٍّ الرَّحْبِيُّ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ الرَّحَبِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ لَقَبُهُ حَنَشٌ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ ثُمَّ مُعْجَمَةٌ مَتْرُوكٌ مِنَ السَّادِسَةِ انْتَهَى (وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ يَقُولُ حَنَشٌ) يَعْنِي يَذْكُرُهُ بِلَقَبِهِ حَنَشٌ (وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) قَالَ أحمد متروك وقال أبو زرعة وبن مَعِينٍ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَقَالَ السَّعْدِيُّ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ جِدًّا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ كَذَا فِي الْمِيزَانِ قَوْلُهُ [1918] (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عِمْرَانَ) بْنِ رَزِينِ بْنِ وَهْبٍ الْمَخْزُومِيُّ الْعَابِدِيُّ (أَبُو الْقَاسِمِ الْمَكِّيُّ الْقُرَشِيُّ) صَدُوقٌ مُعَمَّرٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ) أَيْ مُرَبِّيهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْكَافِلُ هُوَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْيَتِيمِ الْمُرَبِّي لَهُ (فِي الْجَنَّةِ) خبر أنا ومعطوفة (كهاتين) قال بن بَطَّالٍ حَقٌّ عَلَى مَنْ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ لِيَكُونَ رَفِيقَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّةِ وَلَا مَنْزِلَةَ فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي اللِّعَانِ وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا أَيْ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ بَيْنَ دَرَجَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَافِلِ الْيَتِيمِ قَدْرَ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَهُوَ نَظِيرُ الْحَدِيثِ الْآخَرِ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ الْحَدِيثُ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ ذَلِكَ اسْتَوَتْ إِصْبَعَاهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ ثُمَّ عَادَتَا عَلَى حَالِهِمَا الطَّبِيعِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ تَأْكِيدًا لِأَمْرِ كَفَالَةِ الْيَتِيمِ قَالَ الْحَافِظُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَيَكْفِي فِي إِثْبَاتِ قُرْبِ الْمَنْزِلَةِ مِنَ الْمَنْزِلَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْوُسْطَى وَالسَّبَّابَةِ أُصْبُعٌ أُخْرَى وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِأُمِّ سَعِيدٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مَعِي فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ يَعْنِي الْمُسَبِّحَةَ وَالْوُسْطَى إِذَا اتَّقَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ قُرْبَ الْمَنْزِلَةِ حَالَةَ دُخُولِ الْجَنَّةِ لِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَفْتَحُ بَابَ الْجَنَّةِ فَإِذَا امْرَأَةٌ تُبَادِرُنِي فَأَقُولُ مَنْ أَنْتِ فَتَقُولُ أَنَا امرأة تأيمت على أيتام لي ورواته لابأس بِهِمْ وَقَوْلُهُ تُبَادِرُنِي أَيْ لِتَدْخُلَ مَعِي أَوْ تَدْخُلَ فِي إِثْرِي وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَجْمُوعَ الْأَمْرَيْنِ سُرْعَةَ الدُّخُولِ وَعُلُوَّ الْمَنْزِلَةِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي كَوْنِ كَافِلِ الْيَتِيمِ يُشْبِهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ أَوْ شُبِّهَتْ مَنْزِلَتُهُ فِي الْجَنَّةِ بِالْقُرْبِ مِنَ النَّبِيِّ أَوْ مَنْزِلَةِ النَّبِيِّ لِكَوْنِ النَّبِيِّ شَأْنُهُ أَنْ يُبْعَثَ إِلَى قَوْمٍ لَا يَعْقِلُونَ أَمْرَ دِينِهِمْ فَيَكُونُ كَافِلًا لَهُمْ وَمُعَلِّمًا وَمُرْشِدًا وَكَذَلِكَ كافل

باب ما جاء في رحمة الصبيان

الْيَتِيمِ يَقُومُ بِكَفَالَةِ مَنْ لَا يَعْقِلُ أَمْرَ دِينِهِ بَلْ وَلَا دُنْيَاهُ وَيُرْشِدُهُ وَيُعَلِّمُهُ وَيُحْسِنُ أَدَبَهُ فَظَهَرَتْ مُنَاسَبَةُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ 5 - (بَاب مَا جَاءَ في رحمة الصبيان) جمع الصبي قَوْلُهُ [1919] (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ) الْقَيْسِيُّ أَوِ اللَّيْثِيُّ أَبُو عَبَّادٍ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ زَرْبِيٍّ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ ثم تحتانية مشددة بن عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبِي يَحْيَى الْبَصْرِيِّ ضَعِيفٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (لَيْسَ مِنَّا) قِيلَ أَيْ لَيْسَ عَلَى طَرِيقَتِنَا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّبْرِئَةِ وَيَأْتِي تَفْسِيرُهُ مِنَ التِّرْمِذِيِّ فِي آخِرِ الْبَابِ (مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا) أَيْ مَنْ لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الرَّحْمَةِ لِأَطْفَالِنَا (وَلَمْ يُوَقِّرْ) مِنَ التَّوْقِيرِ أَيْ لَمْ يُعَظِّمْ (كَبِيرَنَا) هُوَ شَامِلٌ لِلشَّابِّ وَالشَّيْخِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ في باب رحمة الولد (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَأَبِي أُمَامَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 752 ج 5 قَوْلُهُ (وَزَرْبِيٌّ لَهُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ) وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ نَظَرٌ قَوْلُهُ [1920] (وَيَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا) عُطِفَ عَلَى يَرْحَمْ أَيْ لَمْ يَعْرِفْ شَرَفَ كَبِيرِنَا سِنًّا أَوْ عِلْمًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يَعْرِفْ قَوْلُهُ [1921] (وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَيَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) بِالْجَزْمِ فِي الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ عَطْفٌ عَلَى يَرْحَمْ أَيْ وَلَمْ يُوَقِّرْ كَبِيرَنَا وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَمْ يَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ

باب ما جاء في رحمة الناس

وَقَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) فَإِنْ قُلْتَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِالْعَنْعَنَةِ فَكَيْفَ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ لِهَذَا قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ صَحَّحَهُ بِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ وَشَوَاهِدِهِ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالْحَاكِمُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو عن غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ من طريق بن أبي شيبة وبن السَّرْحِ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عن بن عَامِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا إِلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ مُفَصَّلًا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ مِنَّا فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْخُدُودِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَائِزِ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رحمة الناس) قَوْلُهُ [1922] (مَنْ لَمْ يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ وَوَقَعَ

عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مَنْ لَا يَرْحَمُ مَنْ فِي الْأَرْضِ لَا يَرْحَمُهُ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَفِي حَدِيثِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ مَنْ لَمْ يَرْحَمِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَرْحَمْهُ الله قال بن بَطَّالٍ فِيهِ الْحَضُّ عَلَى اسْتِعْمَالِ الرَّحْمَةِ لِجَمِيعِ الْخَلْقِ فَيَدْخُلُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ وَالْبَهَائِمُ وَالْمَمْلُوكُ مِنْهَا وَغَيْرُ الْمَمْلُوكِ وَيَدْخُلُ فِي الرَّحْمَةِ التَّعَاهُدُ بِالْإِطْعَامِ وَالسَّقْيِ وَالتَّخْفِيفِ فِي الْحَمْلِ وَتَرْكِ التَّعَدِّي بِالضَّرْبِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ (وَأَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي باب الرياء والسمعة من أبواب الزهد (وبن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ [1923] (كَتَبَ بِهِ) أَيْ بِالْحَدِيثِ (إِلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ) أَيْ قَرَأْتُ الْحَدِيثَ عَلَى مَنْصُورٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْصُورًا كَتَبَ الْحَدِيثَ إِلَى شُعْبَةَ أَوَّلًا ثُمَّ لَقِيَهُ شُعْبَةُ وَقَرَأَ الْحَدِيثَ عَلَيْهِ (سَمِعَ) أَيْ مَنْصُورٌ قَوْلُهُ (لَا تُنْزَعُ الرَّحْمَةُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَا تُسْلَبُ الشَّفَقَةُ عَلَى خَلْقِ اللَّهِ وَمِنْهُمْ نَفْسُهُ الَّتِي هِيَ أَوْلَى بِالشَّفَقَةِ وَالْمَرْحَمَةِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا بَلْ فَائِدَةُ شَفَقَتِهِ عَلَى غَيْرِهِ رَاجِعَةٌ إِلَيْهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم (إِلَّا مِنْ شَقِيٍّ) قَالَ الطِّيبِيُّ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ فِي الْخَلْقِ رِقَّةُ الْقَلْبِ وَالرِّقَّةُ فِي الْقَلْبِ عَلَامَةُ الْإِيمَانِ فَمَنْ لَا رِقَّةَ لَهُ لَا إِيمَانَ لَهُ وَمَنْ لَا إِيمَانَ لَهُ شَقِيٌّ فَمَنْ لَا يُرْزَقُ الرِّقَّةَ شَقِيٌّ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الأدب المفردوأبو داود وبن حبان

فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَأَبُو عُثْمَانَ الَّذِي رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا نَعْرِفُ اسْمَهُ يُقَالُ هُوَ وَالِدُ مُوسَى بْنِ أَبِي عُثْمَانَ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو عُثْمَانَ التَّبَّانُ مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قِيلَ اسْمُهُ سَعِيدٌ وَقِيلَ عِمْرَانُ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ [1924] (عَنْ أَبِي قَابُوسَ) غَيْرُ مُنْصَرِفٍ لِلْعُجْمَةِ وَالْعلَمِيَّةِ قَطَعَ بِهَذَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ وَأَبُو قَابُوسَ هَذَا هُوَ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (الرَّاحِمُونَ) لِمَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ آدَمِيٍّ وَحَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ بِنَحْوِ شَفَقَةٍ وَإِحْسَانٍ وَمُوَاسَاةٍ (يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ) أَيْ يُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيَتَفَضَّلُ عَلَيْهِمْ وَالرَّحْمَةُ مُقَيَّدَةٌ بِاتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَإِقَامَةُ الْحُدُودِ وَالِانْتِقَامِ لِحُرْمَةِ اللَّهِ لَا يُنَافِي كُلٌّ مِنْهُمَا الرَّحْمَةَ (ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَتَى بِصِيغَةِ الْعُمُومِ لِيَشْمَلَ جَمِيعَ أَصْنَافِ الْخَلْقِ فَيَرْحَمُ الْبَرَّ وَالْفَاجِرَ وَالنَّاطِقَ وَالْبُهْمَ وَالْوُحُوشَ وَالطَّيْرَ انْتَهَى وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِيرَادَ مَنْ لِتَغْلِيبِ ذَوِي الْعُقُولِ لِشَرَفِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ أَوْ لِلْمُشَاكَلَةِ الْمُقَابِلَةِ بِقَوْلِهِ (يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) وَهُوَ مَجْزُومٌ عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ أَيِ اللَّهُ تَعَالَى وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ سَكَنَ فِيهَا وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ فَإِنَّهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ وَفِي السِّرَاجِ الْمُنِيرِ وَقَدْ رُوِيَ بِلَفْظِ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ السَّمَاءِ الْمَلَائِكَةُ وَمَعْنَى رَحْمَتِهِمْ لِأَهْلِ الْأَرْضِ دُعَاؤُهُمْ لَهُمْ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَيَسْتَغْفِرُونَ لمن امن الرَّحِمُ شِجْنَةٌ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدَهَا نُونٌ وَجَاءَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِهِ رِوَايَةً وَلُغَةً وَأَصْلُ الشِّجْنَةِ عُرُوقُ الشَّجَرِ الْمُشْتَبِكَةُ وَالشَّجَنُ بِالتَّحْرِيكِ وَاحِدُ الشُّجُونِ وَهِيَ طُرُقُ

باب ما جاء في النصيحة

الْأَوْدِيَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ الْحَدِيثُ ذُو شُجُونٍ أَيْ يَدْخُلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ (مِنَ الرَّحْمَنِ) أَيْ أُخِذَ اسْمُهَا مِنْ هَذَا الِاسْمِ كَمَا فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي السُّنَنِ مَرْفُوعًا أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي وَالْمَعْنَى أَنَّهَا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الرَّحْمَةِ مُشْتَبِكَةٌ بِهَا فَالْقَاطِعُ لَهَا مُنْقَطِعٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الرَّحِمَ اشْتُقَّ اسْمُهَا مِنَ اسْمِ الرَّحْمَنِ فَلَهَا بِهِ عُلْقَةٌ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مِنْ ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ أَيْضًا وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ هو الحديث المسلسل بالأولية قال بن الصَّلَاحِ فِي مُقَدِّمَتِهِ قَلَّمَا تَسْلَمُ الْمُسَلْسَلَاتُ مِنْ ضَعْفٍ أَعْنِي فِي وَصْفِ التَّسَلْسُلِ لَا فِي أَصْلِ الْمَتْنِ وَمِنَ الْمُسَلْسَلِ مَا يَنْقَطِعُ تَسَلْسُلُهُ فِي وَسَطِ إِسْنَادِهِ وَذَلِكَ نَقْصٌ فِيهِ وَهُوَ كَالْمُسَلْسَلِ بِأَوَّلِ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النصيحة) قَوْلُهُ [1926] (الدِّينُ النَّصِيحَةُ) أَيْ عِمَادُ الدِّينِ وَقِوَامُهُ هُوَ النَّصِيحَةُ (ثَلَاثَ مِرَارٍ) أَيْ ذَكَرَهَا ثَلَاثًا لِلتَّأْكِيدِ بِهَا وَالِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهَا (قَالُوا) أَيِ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (لِمَنْ) أَيِ النَّصِيحَةَ لِمَنْ (قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ النَّصِيحَةُ كَلِمَةٌ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جُمْلَةٍ هِيَ إِرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ وَلَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَبَّرَ هَذَا الْمَعْنَى بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ تَجْمَعُ مَعْنَاهُ غَيْرَهَا وَأَصْلُ النُّصْحِ فِي اللُّغَةِ الْخُلُوصُ وَيُقَالُ نَصَحْتُهُ وَنَصَحْتُ لَهُ وَمَعْنَى نَصِيحَةِ اللَّهِ صِحَّةُ الِاعْتِقَادِ فِي وَحْدَانِيِّتِهِ وَإِخْلَاصُ النِّيَّةِ فِي عِبَادَتِهِ وَالنَّصِيحَةُ لِكِتَابِ اللَّهِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِهِ وَالْعَمَلُ بِمَا فِيهِ وَنَصِيحَةُ رَسُولِهِ التَّصْدِيقُ بِنُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ وَالِانْقِيَادُ لِمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ وَنَصِيحَةُ الْأَئِمَّةِ أَنْ يُطِيعَهُمْ

فِي الْحَقِّ وَلَا يَرَى الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ إِذَا جَارُوا وَنَصِيحَةُ عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ إِرْشَادُهُمْ إِلَى مَصَالِحِهِمِ انْتَهَى وَقَدْ بَسَطَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَسْطًا حَسَنًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ تميم الداري قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَجَرِيرٍ وَحَكِيمِ بْنِ أَبِي يزيد عن أبيه وثوبان) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَأَمَّا حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فَأَخْرِجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ جَرِيرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ حَكِيمِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ فَلِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوَبَانَ فَأَخْرَجَهُ الطبراني في الأوسط قَوْلُهُ [1925] (عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ) أَيْ إِقَامَتِهَا وَإِدَامَتِهَا وَحَذَفَ تَاءَ الْإِقَامَةِ عِنْدَ الْإِضَافَةِ لِلْإِطَالَةِ (وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) أَيْ إِعْطَائِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِكَوْنِهِمَا أُمَّيِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ وَهُمَا أَهَمُّ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ وأظهرها انْتَهَى لَا يُقَالُ لَعَلَّ غَيْرَهُمَا مِنَ الصَّوْمِ وَالْحَجِّ لَمْ يَكُونَا وَاجِبَيْنِ حِينَئِذٍ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ عَامَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالنُّصْحِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ وَبِالنَّصِيحَةِ (لِكُلِّ مُسْلِمٍ) أَيْ مِنْ خَاصَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ جَرِيرٍ مَنْقَبَةٌ وَمَكْرَمَةٌ لِجَرِيرٍ رَوَاهَا الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ اخْتِصَارُهَا أَنَّ جَرِيرًا أَمَرَ مَوْلَاهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ فَرَسًا بِثَلَثِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَاءَ بِهِ وَبِصَاحِبِهِ لِيَنْقُدَهُ الثَّمَنَ فَقَالَ جَرِيرٌ لِصَاحِبِ الْفَرَسِ فَرَسُكَ خَيْرٌ مِنْ ثَلاثمِائَةِ دِرْهَمٍ أتبيعه بأربعمائة قال ذلك إليك يا أباعبد اللَّهِ فَقَالَ فَرَسُكَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ أَتَبِيعُهُ بِخَمْسِمِائَةٍ ثُمَّ لَمْ يَزَلْ يَزِيدُهُ مِائَةً فَمِائَةً وَصَاحِبُهُ يَرْضَى وَجَرِيرٌ يَقُولُ فَرَسُكُ خَيْرٌ إِلَى أن بلغ ثمان مائة دِرْهَمٍ فَاشْتَرَاهُ بِهَا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي بَايَعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ انْتَهَى قوله (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب ما جاء في شفقة المسلم على المسلم

18 - (بَاب مَا جَاءَ فِي شَفَقَةِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ) قَوْلُهُ [1927] (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ) أَيْ فَلْيَتَعَامَلِ الْمُسْلِمُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَلْيَتَعَاشَرُوا مُعَامَلَةَ الْإِخْوَةِ وَمُعَاشَرَتُهُمْ فِي الْمَوَدَّةِ وَالرِّفْقِ وَالشَّفَقَةِ وَالْمُلَاطَفَةِ وَالتَّعَاوُنِ فِي الْخَيْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَعَ صَفَاءِ الْقُلُوبِ وَالنَّصِيحَةِ بكل حال (لا يخونه) من الخيانة خبر فِي مَعْنَى الْأَمْرِ (وَلَا يَخْذُلُهُ) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الْخِذْلَانِ وَهُوَ تَرْكُ النُّصْرَةِ وَالْإِعَانَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ إِذَا اسْتَعَانَ بِهِ فِي دَفْعِ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ إِعَانَتُهُ إِذَا أَمْكَنَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ عِرْضُهُ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْعِرْضُ مَوْضِعُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنَ الْإِنْسَانِ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي سَلَفِهِ أَوْ مَنْ يَلْزَمُهُ أَمْرُهُ وَقِيلَ هُوَ جَانِبُهُ الَّذِي يَصُونُهُ مِنْ نَفْسِهِ وَحَسَبِهِ وَيُحَامِي عَنْهُ أَنْ يُنْتَقَصَ ويثلب وقال بن قُتَيْبَةَ عِرْضُ الرَّجُلِ نَفْسُهُ وَبَدَنُهُ لَا غَيْرَ انتهى (التقوى ها هنا) زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ أَيْ لَا يَجُوزُ تَحْقِيرُ الْمُتَّقِي مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي وَالتَّقْوَى مَحَلُّهُ الْقَلْبُ يَكُونُ مُخْفِيًا عَنِ الْأَعْيُنِ فَلَا يُحْكَمُ بِعَدَمِهِ لِأَحَدٍ حَتَّى يَحْقِرَهُ أَوْ يُقَالُ مَحَلُّ التَّقْوَى هُوَ الْقَلْبُ فَمَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ التَّقْوَى لَا يَحْقِرُ مُسْلِمًا لِأَنَّ الْمُتَّقِيَ لَا يُحَقِّرُ مُسْلِمًا انْتَهَى (بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْتَقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ) أَيْ حَسْبُهُ وَكَافِيهِ مِنْ خِلَالِ الشَّرِّ وَرَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ احْتِقَارُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فَقَوْلُهُ بِحَسْبِ امْرِئٍ مُبْتَدَأٌ وَالْبَاءُ فِيهِ زائدة وقولهأن يَحْتَقِرَ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

قَوْلُهُ [1928] (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ) التَّعْرِيفُ لِلْجِنْسِ وَالْمُرَادُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِ لِلْبَعْضِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (كَالْبُنْيَانِ) أَيِ الْبَيْتِ الْمَبْنِيِّ (يَشُدُّ بَعْضُهُ) أَيْ بَعْضُ الْبُنْيَانِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَوْ صِفَةٌ أَوِ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِوَجْهِ الشَّبَهِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (بَعْضًا) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ نَصْبُ بعضابنزع الْخَافِضِ وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ هُوَ مَفْعُولُ يَشُدُّ قال الحافظ ولكل وجه قال بن بَطَّالٍ وَالْمُعَاوَنَةُ فِي أُمُورِ الْآخِرَةِ وَكَذَا فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ مِنَ الدُّنْيَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا وَقْد ثَبَتَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَالْحَدِيثُ هَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مُخْتَصَرًا وَزَادَ الْبُخَارِيُّ ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ هُوَ بَيَانٌ لِوَجْهِ التَّشْبِيهِ أَيْضًا أَيْ يَشُدُّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِثْلَ هَذَا الشَّدِّ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي تَعْظِيمِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَحَثِّهِمْ عَلَى التَّرَاحُمِ والملاطفة والتعاضد فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَفِيهِ جَوَازُ التَّشْبِيهِ وَضَرْبُ الْأَمْثَالِ لِتَقْرِيبِ الْمَعَانِي إِلَى الْأَفْهَامِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي أَيُّوبَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حديث أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ قَوْلُهُ [1928] (إِنَّ أَحَدَكُمْ مِرْآةُ أَخِيهِ) بِكَسْرِ مِيمٍ وَمَدِّ هَمْزٍ أَيْ آلَةٌ لِإِرَاءَةِ مَحَاسِنِ أَخِيهِ وَمَعَايِبِهِ لَكِنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَإِنَّ النَّصِيحَةَ فِي الْمَلَأِ فَضِيحَةٌ وَأَيْضًا هُوَ يَرَى مِنْ أَخِيهِ مَا لَا يَرَاهُ مِنْ نَفْسِهِ كَمَا يُرْسَمُ فِي الْمِرْآةِ مَا هُوَ مُخْتَفٍ عَنْ صَاحِبِهِ فَيَرَاهُ فِيهَا أَيْ إِنَّمَا يَعْلَمُ الشَّخْصُ عَيْبَ نَفْسِهِ بِإِعْلَامِ أَخِيهِ كَمَا يَعْلَمُ خَلَلَ وَجْهِهِ بِالنَّظَرِ فِي الْمِرْآةِ (فَإِنْ رَأَى) أَيْ أَحَدُكُمْ (بِهِ) أَيْ بِأَخِيهِ (أَذًى) أَيْ عَيْبًا مِمَّا يُؤْذِيهِ أَوْ يُؤْذِي غَيْرَهُ (فَلْيُمِطْهُ) مِنَ الْإِمَاطَةِ وَالْمَعْنَى فَلْيُزِلْ ذَلِكَ الْأَذَى (عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَخِيهِ إِمَّا بِإِعْلَامِهِ حَتَّى يَتْرُكَهُ أَوْ بِالدُّعَاءِ لَهُ حَتَّى يُرْفَعَ عَنْهُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا ضَعِيفٌ لِضَعْفِ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَخْرَجَ

باب ما جاء في السترة على المسلم

نَحْوَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِيهِ كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ أَبُو مُحَمَّدٍ المدني مولى الاسلمتين قال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِذَلِكَ الْقَوِيِّ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَقَالَ النَّسَائِيُّ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَيَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ مَتْرُوكُ وَأَفْحَشَ الْحَاكِمُ فَرَمَاهُ بِالْوَضْعِ انْتَهَى وقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ شُعْبَةُ رَأَيْتُهُ يُصَلِّي صَلَاةً لَا يُقِيمُهَا فَتَرَكْتُ حَدِيثَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالضِّيَاءِ بِلَفْظِ الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ 9 - (باب ما جاء في السترة عَلَى الْمُسْلِمِ) قَوْلُهُ [1930] (حُدِّثْتُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَيْنَ الْأَعْمَشِ وَأَبِي صَالِحٍ وَاسِطَةً وَلَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ حَدَّثَهُ عَنْهُ وَقَدْ رَوَى أَبُو عَوَانَةَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَعْمَشَ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي صَالِحٍ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ فَالتَّوْفِيقُ أَنَّ الْأَعْمَشَ رَوَاهُ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ ثُمَّ لَقِيَهُ فَسَمِعَهُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (مَنْ نَفَّسَ إِلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ السَّتْرِ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ أَبْوَابِ الْحُدُودِ وَفِي عَقْدِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْبَابَ هُنَاكَ وَإِيرَادِهِ هَذَا الحديث فيه ثم عقده ها هنا وَإِيرَادِهِ فِيهِ تَكْرَارٌ

باب ما جاء في الذب عن المسلم

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الذَّبِّ عَنْ الْمُسْلِمِ) فِي الْقَامُوسِ ذَبَّ عَنْهُ أَيْ دَفَعَ عَنْهُ وَمَنَعَ قَوْلُهُ [1931] (عَنْ أَبِي بَكْرٍ النَّهْشَلِيِّ) الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ مَرْزُوقٍ أَبِي بَكْرٍ التَّيْمِيِّ) مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ) أَيْ مَنَعَ غِيبَةً عَنْ أَخِيهِ (رَدَّ اللَّهُ عَنْ وَجْهِهِ النَّارَ) أَيْ صَرَفَ اللَّهُ عَنْ وَجْهِ الرَّادِّ نَارَ جَهَنَّمَ قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ عَنْ ذَاتِهِ الْعَذَابَ وَخَصَّ الْوَجْهَ لِأَنَّ تَعْذِيبَهُ أَنْكَى فِي الْإِيلَامِ وَأَشَدُّ فِي الْهَوَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ) أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ ذَبَّ عَنْ لَحْمِ أَخِيهِ بِالْغِيبَةِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُعْتِقَهُ مِنَ النَّارِ كَذَا عَزَاهُ صاحب المشكاة إلى البيهقي قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي التَّصْحِيحِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مُحْيِي السُّنَّةِ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ في الترغيب رواه أحمد بسند حسن وبن أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ نَقَلَهُ مَيْرَكُ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) ورواه أحمد وبن أَبِي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ التَّوْبِيخِ وَلَفْظُهُ مَنْ ذَبَّ عَنْ أَخِيهِ رَدَّ اللَّهُ عَنْهُ عَذَابَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَلَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّ حَقًّا علينا نصر المؤمنين

باب ما جاء في كراهية الهجرة

21 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كراهية الهجرة) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَهِيَ مُفَارَقَةُ كَلَامِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ مَعَ تَلَاقِيهِمَا وَإِعْرَاضِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْهَجْرِ هُنَا مُفَارَقَةَ الْوَطَنِ إِلَى غَيْرِهِ فَإِنَّ هَذِهِ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا قَوْلُهُ [1932] (لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ) بِضَمِّ الْجِيمِ (أَخَاهُ) أَيِ الْمُسْلِمَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أُخُوَّةِ الْقَرَابَةِ وَالصَّحَابَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَتَخْصِيصُهُ بِالذِّكْرِ إِشْعَارٌ بِالْعِلِّيَّةِ وَالْمُرَادُ بِهِ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ إِنْ خَالَفَ هَذِهِ الشَّرِيطَةَ وَقَطَعَ هَذِهِ الرَّابِطَةَ جَازَ هِجْرَانُهُ فوق ثلاثة انْتَهَى قِيلَ وَفِيهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَجِبُ هِجْرَانُهُمْ (فَوْقَ ثَلَاثٍ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَالْمُرَادُ بِأَيَّامِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ الْهَجْرِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَإِبَاحَتُهَا فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَالثَّانِي بِمَفْهُومِهِ قَالُوا وَإِنَّمَا عَفَا عَنْهَا فِي الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَجْبُولٌ مِنَ الْغَضَبِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعَفَا عَنِ الْهَجْرِ الثَّلَاثَ لِيَذْهَبَ ذَلِكَ الْعَارِضُ وَقِيلَ إِنَّ الْحَدِيثَ لَا يَقْتَضِي إِبَاحَةَ الْهَجْرِ الثَّلَاثَةَ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ لَا يُحْتَجُّ بِالْمَفْهُومِ وَدَلِيلِ الْخِطَابِ انْتَهَى فإن قلت لم هجرت عائشة بن الزُّبَيْرِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قُلْتُ قَدْ أَجَابَ الطَّبَرِيُّ بِأَنَّ الْمُحَرَّمَ إِنَّمَا هُوَ تَرْكُ السَّلَامِ فَقَطْ وَأَنَّ الَّذِي صَدَرَ مِنْ عَائِشَةَ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا امْتَنَعَتْ مِنَ السَّلَامِ عَلَى بن الزُّبَيْرِ وَلَا مِنْ رَدِّ السَّلَامِ عَلَيْهِ لَمَّا بَدَأَهَا بِالسَّلَامِ قَالَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ لَا تَأْذَنُ لِأَحَدٍ مِنَ الرِّجَالِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنٍ وَمَنْ دَخَلَ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حِجَابٌ إِلَّا إِنْ كَانَ ذَا مَحْرَمٍ مِنْهَا وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا حِجَابَهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا فكانت في تلك المدة منعت بن الزُّبَيْرِ مِنَ الدُّخُولِ عَلَيْهَا كَذَا قَالَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُ الْمَأْخَذِ الَّذِي سَلَكَهُ مِنْ أَوْجُهٍ لَا فَائِدَةَ لِلْإِطَالَةِ بِهَا وَالصَّوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ غَيْرُهُ أَنَّ عائشة رأت أن بن الزُّبَيْرِ ارْتَكَبَ بِمَا قَالَ أَمْرًا عَظِيمًا وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا فَإِنَّ فِيهِ تَنْقِيصًا لِقَدْرِهَا وَنِسْبَةً لَهَا إِلَى

ارْتِكَابِ مَا لَا يَجُوزُ مِنَ التَّبْذِيرِ الْمُوجِبِ لِمَنْعِهَا مِنَ التَّصَرُّفِ فِيمَا رَزَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى مع اتصاف إِلَى ذَلِكَ مِنْ كَوْنِهَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَخَالَتَهُ أُخْتَ أُمِّهِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ عِنْدَهَا فِي مَنْزِلَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي أَوَائِلِ مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ فَكَأَنَّهَا رَأَتْ أَنَّ فِي ذَلِكَ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُ نَوْعَ عُقُوقٍ وَالشَّخْصُ يَسْتَعْظِمُ مِمَّنْ يَلُوذُ بِهِ مَا لَا يَسْتَعْظِمُهُ مِنَ الْغَرِيبِ فَرَأَتْ أَنَّ مُجَازَاتَهُ عَلَى ذَلِكَ بِتَرْكِ مُكَالَمَتِهِ كَمَا نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ عُقُوبَةً لَهُمْ لِتَخَلُّفِهِمْ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ كَلَامِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ مُؤَاخَذَةً لِلثَّلَاثَةِ لِعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِمْ وَازْدِرَاءً بِالْمُنَافِقِينَ لِحَقَارَتِهِمْ فَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا صَدَرَ مِنْ عَائِشَةَ وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ أَنَّ هَجْرَ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَالزَّوْجِ زَوْجَتَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَا يَتَضَيَّقُ بِالثَّلَاثِ وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَجَرَ نِسَاءَهُ شَهْرًا وَكَذَلِكَ مَا صَدَرَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ فِي اسْتِجَازَتِهِمْ تَرْكَ مُكَالَمَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا مَعَ عِلْمِهِمْ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُهَاجَرَةِ اه مَا فِي الْفَتْحِ (يَلْتَقِيَانِ) أَيْ يَتَلَاقَيَانِ (فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى يَصُدُّ يُعْرِضُ أَيْ يُوَلِّيهِ عُرْضَهُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَهُوَ جَانِبُهُ وَالصُّدُّ بِضَمِّ الصَّادِ وَهُوَ أَيْضًا الْجَانِبُ وَالنَّاحِيَةُ اه (وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) أَيْ هُوَ أَفْضَلُهُمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُمَا أَنَّ السَّلَامَ يَقْطَعُ الْهَجْرَ وَيَرْفَعُ الْإِثْمَ فِيهَا ويزيله وقال أحمد وبن الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ تَرْكُ الْكَلَامِ إِنْ كَانَ يُؤْذِيهِ لَمْ يَقْطَعِ السَّلَامُ هَجْرَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ عَنْهُ هَلْ يَزُولُ إِثْمُ الْهَجْرِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَزُولُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ وَأَصَحُّهُمَا يَزُولُ لِزَوَالِ الْوَحْشَةِ اه قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصحيح قال الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الْحَسَدِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ (وَهِشَامِ بْنِ عَامِرٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَرُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ في الصحيح وأبو يعلى والطبراني وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ (وَأَبِي هِنْدٍ الدَّارِيُّ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ

باب ما جاء في مواساة الأخ

22 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مُوَاسَاةِ الْأَخِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ آسَاهُ بِمَالِهِ مُوَاسَاةً أَنَالَهُ مِنْهُ وَجَعَلَهُ فِيهِ أُسْوَةً أَوْ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا مِنْ كَفَافٍ فَإِنْ كَانَ مِنْ فَضْلَهِ فليس بمواساة 1 هـ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ مُوَاسَاةٌ بِمَالٍ وتن باكسى غموار كي كردن يُقَالُ آسَيْتُهُ بِمَالِي وَوَاسَيْتُهُ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ فِيهِ قَوْلُهُ [1933] (آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ) أَيْ جَعَلَ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةً (فَقَالَ) أَيْ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ (لَهُ) أَيْ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ (هَلُمَّ) أَيْ تَعَالَ قَالَ الْخَلِيلُ أَصْلُهُ لُمَّ مِنْ قَوْلِهِمْ لَمَّ اللَّهُ شَعَثَهُ أَيْ جَمَعَهُ أَرَادَ لُمَّ نَفْسَكَ إِلَيْنَا أَيْ أَقْرِبْ وَهَا لِلتَّنْبِيهِ وَحُذِفَتْ أَلِفُهَا وَجُعِلَا اسْمًا وَاحِدًا يَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ وَالتَّأْنِيثُ فِي لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلُ نَجْدٍ يُعَرِّفُونَهَا فَيَقُولُونَ لِلِاثْنَيْنِ هَلُمَّا وَلِلْجَمْعِ هَلُمُّوا وَلِلْمَرْأَةِ هَلُمِّي وللنساء هلممن وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ كَذَا فِي الصُّرَاحِ (أُقَاسِمْكَ) بِالْجَزْمِ جَوَابُ هَلُمَّ (قَدِ اسْتَفْضَلَهُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَفْضَلْتُ مِنْهُ الشَّيْءَ وَاسْتَفْضَلْتُ بِمَعْنًى (وَعَلَيْهِ وَضَرُ صُفْرَةٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ رَاءٌ هو في الأصل الأثر والمراد بالصفر صُفْرَةُ الْخَلُوقِ وَالْخَلُوقُ طِيبٌ يُصْنَعُ مِنْ زَعْفَرَانٍ وَغَيْرِهِ (فَقَالَ مَهْيَمْ) أَيْ مَا شَأْنُكَ أَوْ مَا هَذَا وَهِيَ كَلِمَةُ اسْتِفْهَامٍ مَبْنِيَّةٌ عَلَى السُّكُونِ (قَالَ نَوَاةً) بِالنَّصْبِ بِتَقْدِيرِ الْفِعْلِ أَيْ أَصْدَقْتُهَا نَوَاةً وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ مُبْتَدَأٍ أَيِ الَّذِي أَصْدَقَهَا نَوَاةٌ (قَالَ حُمَيْدٌ أَوْ قَالَ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ) هَذَا شَكٌّ من حميد (فقال أو لم وَلَوْ بِشَاةٍ) قَالَ الْحَافِظُ لَيْسَتْ لَوْ هَذِهِ الِامْتِنَاعِيَّةَ وَإِنَّمَا هِيَ الَّتِي لِلتَّقْلِيلِ

باب ما جاء في الغيبة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ [1933] (وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَثُلُثٍ وَقَالَ إِسْحَاقُ وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ وَزْنُ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ إِلَخْ) اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ نَوَاةٍ فَقِيلَ الْمُرَادُ وَاحِدَةُ نَوَى التَّمْرِ كَمَا يُوزَنُ بِنَوَى الْخَرُّوبِ وإِنَّ الْقِيمَةَ عَنْهَا يَوْمَئِذٍ كَانَتْ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَقِيلَ كَانَ قَدْرُهَا يَوْمَئِذٍ رُبُعَ دِينَارٍ وَرُدَّ بِأَنَّ نَوَى التَّمْرِ يَخْتَلِفُ فِي الْوَزْنِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ مِعْيَارًا لِمَا يُوزَنُ بِهِ وقِيلَ لَفْظِ النَّوَاةِ مِنْ ذَهَبٍ عِبَارَةٌ عَمَّا قِيمَتُهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ مِنَ الْوَرِقِ وجَزَمَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ واخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ ونَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ قَتَادَةَ وَزْنُ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ قُوِّمَتْ خَمْسَ دَرَاهِمَ وَقِيلَ وزنها من الذهب خمسة دراهم حكام بن قتيبة وجزم به بن فَارِسٍ وَجَعَلَهُ الْبَيْضَاوِيُّ الظَّاهِرَ وَاسْتُبْعِدَ لِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةَ مَثَاقِيلَ وَنِصْفًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ قَتَادَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ قُوِّمَتْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ وَثُلُثًا وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ جَزَمَ بِهِ أَحْمَدُ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ النَّوَاةُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ رُبُعُ دِينَارٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ فِي آخِرِ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ جَاءَ وَزْنُهَا رُبُعَ دِينَارٍ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ النَّوَاةُ رُبُعُ النَّشِّ وَالنَّشُّ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ وَالْأُوقِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا فَيَكُونُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ دَفَعَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَهِيَ تُسَمَّى نَوَاةً كَمَا تُسَمَّى الْأَرْبَعُونَ أُوقِيَّةً وَبِهِ جَزَمَ أَبُو عَوَانَةَ وَآخَرُونَ كَذَا فِي الْفَتْحِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْغِيبَةِ) قَوْلُهُ [1934] (قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْغِيبَةُ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (قَالَ ذِكْرُكَ) أَيْ أيها

باب ما جاء في الحسد

الْمُخَاطَبُ خِطَابًا عَامًّا (أَخَاكَ) أَيِ الْمُسْلِمَ (بِمَا يَكْرَهُ) أَيْ بِمَا لَوْ سَمِعَهُ لَكَرِهَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْغِيبَةَ مِنْ أَقْبَحِ الْقَبَائِحِ وَأَكْثَرِهَا انْتِشَارًا فِي النَّاسِ حَتَّى لَا يَسْلَمُ مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيلُ مِنَ النَّاسِ وَذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ عَامٌّ سَوَاءً كَانَ فِي بَدَنِهِ أَوْ دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ نَفْسِهِ أَوْ خُلُقِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ وَالِدِهِ أَوْ زَوْجِهِ أَوْ خَادِمِهِ أَوْ ثَوْبِهِ أَوْ مَشْيِهِ وَحَرَكَتِهِ وَبَشَاشَتِهِ وَعُبُوسَتِهِ وَطَلَاقَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ سَوَاءٌ ذَكَرْتَهُ بِلَفْظِكَ أَوْ كِتَابِكَ أَوْ رَمَزْتَ أَوْ أَشَرْتَ إِلَيْهِ بِعَيْنِكَ أَوْ يَدِكَ أَوْ رَأْسِكَ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَضَابِطُهُ أَنَّ كُلَّ مَا أَفْهَمْتَ بِهِ غَيْرَكَ نُقْصَانَ مُسْلِمٍ فَهُوَ غِيبَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَمِنْ ذَلِكَ الْمُحَاكَاةُ بِأَنْ يَمْشِيَ مُتَعَرِّجًا أَوْ مُطَأْطَأً أَوْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْهَيْئَاتِ مُرِيدًا حِكَايَةَ هَيْئَةِ مَنْ يُنَقِّصُهُ بِذَلِكَ (قَالَ أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (إِنْ كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي الْأَخِ (مَا أَقُولُ) مِنَ الْمَنْقَصَةِ وَالْمَعْنَى أَيَكُونُ حِينَئِذٍ ذِكْرُهُ بِهَا أَيْضًا غِيبَةً كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ عُمُومِ ذِكْرِهِ بِمَا يَكْرَهُ (قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ) أَيْ مِنَ الْعَيْبِ (فَقَدِ اغْتَبْتَهُ) أَيْ لَا مَعْنَى لِلْغِيبَةِ إِلَّا هَذَا وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْمَنْقَصَةُ فِيهِ (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ بَهَتَّهُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَتَشْدِيدِ التَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ أَيْ قُلْتَ عَلَيْهِ الْبُهْتَانَ وَهُوَ كَذِبٌ عَظِيمٌ يُبْهَتُ فِيهِ مَنْ يُقَالُ فِي حَقِّهِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن أبي برزة وبن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 124 ج 4 وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الْأَصْبَهَانِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالُوا لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُطْعَمَ وَلَا يَرْحَلُ حَتَّى يُرْحَلَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَبْتُمُوهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا حَدَّثَنَا بِمَا فِيهِ قَالَ حَسْبُكَ إِذَا ذَكَرْتَ أَخَاكَ بِمَا فِيهِ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَسَدِ) وَهُوَ تَمَنِّي الشَّخْصِ زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْ مُسْتَحِقٍّ لَهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يسعى في ذلك أولا فإن

سَعَى كَانَ بَاغِيًا وَإِنْ لَمْ يَسْعَ فِي ذَلِكَ وَلَا أَظْهَرَهُ وَلَا تَسَبَّبَ فِي تَأْكِيدِ أَسْبَابِ الْكَرَاهَةِ الَّتِي نُهِيَ الْمُسْلِمُ عَنْهَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ نَظَرٌ فَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْعَجْزُ بِحَيْثُ لَوْ تَمَكَّنَ لَفَعَلَ فَهَذَا مَأْزُورٌ وَإِنْ كَانَ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ التَّقْوَى فَقَدْ يُعْذَرُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَ الْخَوَاطِرِ النَّفْسَانِيَّةِ فَيَكْفِيهِ فِي مُجَاهَدَاتِهَا أَنْ لَا يَعْمَلَ بِهَا وَلَا يَعْزِمَ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عن إسماعيل بن عُلَيَّةَ رَفَعَهُ ثَلَاثٌ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ الطِّيَرَةُ وَالظَّنُّ وَالْحَسَدُ قِيلَ فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِذَا تَطَيَّرْتَ فَلَا تَرْجِعْ وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ وَإِذَا حَسَدْتَ فَلَا تَبْغِ وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا وَفِيهِ الْحَسَدُ فَمَنْ لَمْ يُجَاوِزْ ذَلِكَ إِلَى الْبَغْيِ وَالظُّلْمِ لَمْ يَتْبَعْهُ مِنْهُ شَيْءٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ [1935] (لَا تَقَاطَعُوا) أَيْ لَا يُقَاطِعُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَالتَّقَاطُعُ ضِدُّ التَّوَاصُلِ (وَلَا تَدَابَرُوا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا تَتَهَاجَرُوا فَيَهْجُرَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مَأْخُوذٌ مِنْ تَوْلِيَةِ الرَّجُلِ الْآخَرَ دُبُرَهُ إِذَا أَعْرَضَ عَنْهُ حين يراه وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ قِيلَ لِلْإِعْرَاضِ مُدَابَرَةٌ لِأَنَّ مَنْ أَبْغَضَ أَعْرَضَ وَمَنْ أَعْرَضَ وَلَّى دُبُرَهُ وَالْمُحِبُّ بِالْعَكْسِ انْتَهَى (وَلَا تَبَاغَضُوا) أَيْ لَا تَتَعَاطَوْا أَسْبَابَ الْبُغْضِ لِأَنَّ الْبُغْضَ لَا يُكْتَسَبُ ابْتِدَاءً (وَلَا تَحَاسَدُوا) أَيْ لَا يَتَمَنَّى بَعْضُكُمْ زَوَالَ نِعْمَةِ بَعْضٍ سَوَاءٌ أَرَادَهَا لِنَفْسِهِ أَوْ لَا (وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا) أَيْ يَا عِبَادَ اللَّهِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أنكم عبيد الله فحقكم أن تتواخوا بِذَلِكَ وَقِيلَ قَوْلُهُ عِبَادَ اللَّهِ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ كُونُوا وَإِخْوَانًا خَبَرٌ ثَانٍ لَهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمَعْنَى كُونُوا كَإِخْوَانِ النَّسَبِ فِي الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْمُوَاسَاةِ وَالْمُعَاوَنَةِ وَالنَّصِيحَةِ (وَلَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَخْصَرَ مِنْهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ والزبير بن العوام وبن عمر وبن مسعود وأبي

هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 3 ج 1 وَأَمَّا حَدِيثُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَزَّارُ بإسناد جيد والبيهقي وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا فِي بَابِ ظَنِّ السَّوْءِ قَوْلُهُ [1936] (لَا حَسَدَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحَسَدُ قِسْمَانِ حَقِيقِيٌّ وَمَجَازِيٌّ فَالْحَقِيقِيُّ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا وَهَذَا حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ مَعَ النُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا الْمَجَازِيُّ فَهُوَ الْغِبْطَةُ وَهُوَ أَنْ يَتَمَنَّى مِثْلَ النِّعْمَةِ الَّتِي عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ زَوَالِهَا عَنْ صَاحِبِهَا فَإِنْ كَانَتْ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا كَانَتْ مُبَاحَةً وَإِنْ كَانَتْ طَاعَةً فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَالْمُرَادُ بِالْحَسَدِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ أَيْ لَا غِبْطَةَ مَحْبُوبَةً إِلَّا فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا (إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ) بِتَاءِ التَّأْنِيثِ أَيْ لَا حَسَدَ مَحْمُودًا فِي شَيْءٍ إِلَّا فِي خَصْلَتَيْنِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ (رَجُلٌ) بِالرَّفْعِ وَالتَّقْدِيرُ خَصْلَةُ رَجُلٍ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ مَقَامَهُ (آتَاهُ اللَّهُ) بِالْمَدِّ فِي أَوَّلِهِ أَيْ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْإِيتَاءِ وَهُوَ الْإِعْطَاءُ (مَالًا) نَكِرَةً لِيَشْمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ (فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النهار) قال النووي أي ساعاته وواحدة إنا وأنا وَإِنْيٌ وَإِنْوٌ أَرْبَعُ لُغَاتٍ انْتَهَى وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ آنَاءُ اللَّيْلِ سَاعَاتُهُ وَاحِدُهَا إِنًى مِثْلُ مِعًى وَأَمْعَاءٌ وَإِنْيٌ وأَنْوٌ أَيْضًا يُقَالُ مَضَى إِنْوَانِ وَإِنْيَانِ مِنَ اللَّيْلِ انْتَهَى (فَهُوَ يَقُومُ بِهِ) الْمُرَادُ بِالْقِيَامِ بِهِ الْعَمَلُ مُطْلَقًا أَعَمُّ مِنْ تِلَاوَتِهِ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا مِنْ تَعْلِيمِهِ وَالْحُكْمِ وَالْفَتْوَى بِمُقْتَضَاهُ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْأَخْنَسِ السُّلَمِيِّ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ وَيَتَّبِعُ مَا فِيهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عن بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَ رِوَايَتَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِلْمِ وَفِي الزَّكَاةِ وَفِي الْأَحْكَامِ وَفِي الِاعْتِصَامِ وَمُسْلِمٌ فِي الصلاة والنسائي في العلم وبن مَاجَهْ فِي الزُّهْدِ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ إِلَخْ) أَخْرَجَ رِوَايَتَهُ الْبُخَارِيُّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَالنَّسَائِيُّ

باب ما جاء في التباغض

25 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّبَاغُضِ) قَوْلُهُ [1937] (إِنَّ الشَّيْطَانَ) يَحْتَمِلُ الْجِنْسَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ إِبْلِيسُ رَئِيسُهُمْ (قَدْ أَيِسَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَيِسَ مِنْهُ كَسَمِعَ إِيَاسًا قَنِطَ انْتَهَى أَيْ يَئِسَ وَصَارَ مَحْرُومًا (أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ) أَيْ مِنْ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُؤْمِنُونَ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مسلم في جزيرة العرب قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ اخْتَصَرَ الْقَاضِي كَلَامَ الشُّرَّاحِ وَقَالَ عِبَادَةُ الشَّيْطَانِ عِبَادَةُ الصَّنَمِ لِأَنَّهُ الْآمِرُ بِهِ وَالدَّاعِي إِلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ يَا أَبَتِ لَا تعبد الشيطان وَالْمُرَادُ بِالْمُصَلِّينَ الْمُؤْمِنُونَ كَمَا فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أَشْرَفُ الْأَعْمَالِ وَأَظْهَرُ الْأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَيِسَ مِنْ أَنْ يَعُودَ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عِبَادَةِ الصَّنَمِ وَيَرْتَدَّ إِلَى شِرْكِهِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ ارْتِدَادُ أَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنِ ارْتَدُّوا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا الصنم انتهى قال القارىء وَفِيهِ أَنَّ دَعْوَةَ الشَّيْطَانِ عَامَّةٌ إِلَى أَنْوَاعِ الْكُفْرِ غَيْرُ مُخْتَصٍّ بِعِبَادَةِ الصَّنَمِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُصَلِّينَ لَا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ كَمَا فَعَلَتْهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى انْتَهَى (وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ) خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ فِي التَّحْرِيشِ أَوْ ظَرْفٌ لِمُقَدَّرٍ أَيْ يَسْعَى فِي التَّحْرِيشِ (بَيْنَهُمْ) أَيْ فِي إِغْرَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَالتَّحْرِيضِ بِالشَّرِّ بَيْنَ النَّاسِ مِنْ قَتْلٍ وَخُصُومَةٍ وَالْمَعْنَى لَكِنَّ الشَّيْطَانَ غَيْرُ آيِسٍ مِنْ إِغْرَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَحَمْلِهِمْ عَلَى الْفِتَنِ بَلْ لَهُ هُوَ مَطْمَعٌ فِي ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ النَّبَوِيَّةِ وَمَعْنَاهُ آيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ أَهْلُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنَّهُ يَسْعَى فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ بِالْخُصُومَاتِ وَالشَّحْنَاءِ وَالْحُرُوبِ وَالْفِتَنِ وَنَحْوِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ (وَسُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ

باب ما جاء في إصلاح ذات البين

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ ذَاتُ الشَّيْءِ نَفْسُهُ وَحَقِيقَتُهُ وَالْمُرَادُ مَا أُضِيفَ إِلَيْهِ وَمِنْهُ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ أَيْ إِصْلَاحَ أَحْوَالِ بَيْنِكُمْ حَتَّى يَكُونَ أحوال ألفة ومحبة واتفاق كعليم بذات الصدور أَيْ بِمُضْمَرَاتِهَا لَمَّا كَانَتِ الْأَحْوَالُ مُلَابِسَةً لِلْبَيْنِ قِيلَ لَهَا ذَاتُ الْبَيْنِ وَإِصْلَاحُهَا سَبَبُ الِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ وَعَدَمِ التَّفَرُّقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ دَرَجَةٌ فَوْقَ دَرَجَةِ مَنِ اشْتَغَلَ بِخُوَيْصَةِ نَفْسِهِ بِالصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ فَرْضًا وَنَفْلًا انْتَهَى قَوْلُهُ [1939] (عَنْ بْنِ خُثَيْمٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ مُصَغَّرًا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ قَوْلُهُ (يُحَدِّثُ الرجل امرأته ليرضيها) قال القارىء حَذَفَ قَرِينَتَهُ لِلِاكْتِفَاءِ أَوْ لِلْمُقَايَسَةِ أَوْ وَقَعَ اخْتِصَارًا مِنَ الرَّاوِي انْتَهَى قُلْتُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَتْ وَلَمْ أَسْمَعْهُ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ الْحَرْبِ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَحَدِيثِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْكَذِبِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْكَذِبِ الْمُبَاحِ فِيهَا مَا هُوَ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَأَجَازُوا قَوْلَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَالُوا الْكَذِبُ الْمَذْمُومُ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ إِبْرَاهِيمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل فعله كبيرهم وَإِنِّي سَقِيمٌ وَقَوْلُهُ إِنَّهَا أُخْتِي وَقَوْلِ مُنَادِي يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إنكم لسارقون قَالُوا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ ظَالِمٌ قَتْلَ رَجُلٍ هُوَ عِنْدَهُ مُخْتَفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَذِبُ فِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيْنَ

هُوَ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمُ الطَّبَرِيُّ لَا يَجُوزُ الْكَذِبُ فِي شَيْءٍ أَصْلًا قَالُوا وَمَا جَاءَ مِنَ الْإِبَاحَةِ فِي هَذَا الْمُرَادُ بِهِ التَّوْرِيَةُ وَاسْتِعْمَالُ الْمَعَارِيضِ لَا صَرِيحُ الْكَذِبِ مِثْلُ أَنْ يَعِدَ زَوْجَتَهُ أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهَا أَوْ يَكْسُوَهَا كَذَا وَيَنْوِيَ إِنْ قَدَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِكَلِمَاتٍ مُحْتَمَلَةٍ يَفْهَمُ الْمُخَاطَبُ مِنْهَا مَا يَطِيبُ قَلْبُهُ وَإِذَا سَعَى فِي الْإِصْلَاحِ نَقَلَ عَنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَلَامًا جَمِيلًا وَمِنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَذَلِكَ وَوَرَّى وَكَذَا فِي الْحَرْبِ بِأَنْ يَقُولَ لِعَدُوِّهِ مَاتَ إِمَامُكُمُ الْأَعْظَمُ وَيَنْوِي إِمَامَهُمْ فِي الْأَزْمَانِ الْمَاضِيَةِ أَوْ غَدًا يَأْتِينَا مَدَدٌ أَيْ طَعَامٌ أَوْ نَحْوُ هَذَا مِنَ الْمَعَارِيضِ الْمُبَاحَةِ فَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ وَتَأَوَّلُوا قِصَّةَ إِبْرَاهِيمَ وَيُوسُفَ وَمَا جَاءَ مِنْ هَذَا عَلَى الْمَعَارِيضِ وَأَمَّا كَذِبُهُ لِزَوْجَتِهِ وَكَذِبُهَا لَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ فِي إِظْهَارِ الْوُدِّ وَالْوَعْدِ بِمَا لَا يَلْزَمُ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَأَمَّا الْمُخَادَعَةُ فِي مَنْعِ حَقٍّ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهَا أَوْ أَخْذِ مَا لَيْسَ لَهُ أَوْ لَهَا فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) لينظر من أخرجه قَوْلُهُ [1938] (عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عوف الزهوي الْمَدَنِيِّ (عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومِ بِنْتِ عُقْبَةَ) بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ الْأُمَوِيَّةِ أَسْلَمَتْ قَدِيمًا وَهِيَ أُخْتُ عُثْمَانَ لِأُمِّهِ صَحَابِيَّةٌ لَهَا أَحَادِيثُ مَاتَتْ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ قَوْلُهُ (لَيْسَ بِالْكَاذِبِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ) أَيْ لَيْسَ بِالْكَاذِبِ الْمَذْمُومِ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ بَلْ هَذَا مُحْسِنٌ (فَقَالَ خَيْرًا) أَيْ قَوْلًا مُتَضَمِّنًا لِلْخَيْرِ دُونَ الشر بأن يقول ل صلاح مَثَلًا بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو يَا عَمْرُو يُسَلِّمُ عَلَيْكَ زَيْدٌ وَيَمْدَحُكَ وَيَقُولُ أَنَا أُحِبُّهُ وَكَذَلِكَ يَجِيءُ إِلَى زَيْدٍ وَيُبَلِّغُ مِنْ

باب ما جاء في الخيانة والغش

عَمْرٍو مِثْلَ مَا سَبَقَ (أَوْ نَمَّى خَيْرًا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ نَمَيْتُ الْحَدِيثَ أَنْمِيهِ إِذَا بَلَّغْتُهُ عَلَى وَجْهِ الْإِصْلَاحِ وَطَلَبِ الْخَيْرِ فَإِذَا بَلَّغْتُهُ عَلَى وَجْهِ الْإِفْسَادِ وَالنَّمِيمَةِ قُلْتُ نَمَّيْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ هَكَذَا قال أبو عبيد وبن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ نَمَّى مُشَدَّدَةٌ وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَهَا مُخَفَّفَةً وَهَذَا لَا يَجُوزُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَلْحَنُ وَمَنْ خَفَّفَ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ خَيْرٌ بِالرَّفْعِ قَالَ الْجَزَرِيُّ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ يَنْتَصِبُ بِنَمَى كَمَا انْتَصَبَ بِقَالَ وَكِلَاهُمَا عَلَى زَعْمِهِ لَازِمَانِ وَإِنَّمَا نَمَى مُتَعَدٍّ يُقَالُ نَمَيْتُ الْحَدِيثَ أَيْ رَفَعْتُهُ وَأَبْلَغْتُهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخِيَانَةِ وَالْغِشِّ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ غَشَّهُ لم يمحضه النصح أو أظهر له خلاف ما أضمر كغششه والغش بالكسر الاسم منه وَالْغِلُّ وَالْحِقْدُ انْتَهَى قَوْلُهُ [1940] (عَنْ لُؤْلُؤَةَ) مَوْلَاةِ الْأَنْصَارِ مَقْبُولَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي صِرْمَةَ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمَازِنِيِّ الْأَنْصَارِيِّ صَحَابِيٌّ اسْمُهُ مَالِكُ بْنُ قَيْسٍ وَقِيلَ قَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ وَكَانَ شَاعِرًا قَوْلُهُ (مَنْ ضَارَّ) بِشَدِّ الرَّاءِ أَيْ أَوْصَلَ ضَرَرًا إِلَى مُسْلِمٍ (ضَارَّ اللَّهُ بِهِ) أَيْ أَوْقَعَ بِهِ الضَّرَرَ الْبَالِغَ (وَمَنْ شَاقَّ) بِشَدِّ الْقَافِ أَيْ أَوْصَلَ مشقة إلى أحد بمحاربة وغيرها (شق اللَّهُ عَلَيْهِ) أَيْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ مَا يَشُقُّ عَلَيْهِ قِيلَ إِنَّ الضَّرَرَ وَالْمَشَقَّةَ مُتَقَارِبَانِ لَكِنَّ الضَّرَرَ يُسْتَعْمَلُ فِي إِتْلَافِ الْمَالِ وَالْمَشَقَّةَ فِي إِيصَالِ الْأَذِيَّةِ إِلَى الْبَدَنِ كَتَكْلِيفِ عَمَلٍ شَاقٍّ

باب ما جاء في حق الجوار

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ [1941] (حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ الْكِنْدِيُّ) مَجْهُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ مُرَّةَ بْنِ شَرَاحِيلَ الْهَمْدَانِيِّ وَهُوَ الطَّيِّبُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُرَّةُ بْنُ شَرَاحِيلَ الْهَمْدَانِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْكُوفِيُّ هُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مُرَّةُ الطَّيِّبُ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (مَلْعُونٌ) أَيْ مُبْعَدٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ (مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا) أَيْ ضَرَرًا ظَاهِرًا (أَوْ مَكَرَ بِهِ) أَيْ بِإِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَيْهِ خُفْيَةً قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ أَبُو سَلَمَةَ الْكِنْدِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حَقِّ الْجِوَارِ) قَالَ فِي الصُّرَاحِ جِوَارٌ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَالْكَسْرُ أفصح همسا بكى كردن قوله [1943] (حدثنا سفيان) هو بن عُيَيْنَةَ (عَنْ دَاوُدَ بْنِ شَابُورَ) بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْمَكِّيِّ وَقِيلَ إِنَّ اسْمَ أَبِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَشَابُورُ جَدُّهُ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ رَوَى عَنْ سُوَيْدِ بْنِ حُجَيْرٍ وَطَاوُسٍ وَغَيْرِهِمَا وعنه شعبة وبن عيينة وثقه أبو زرعة الرازي وبن معين (وبشير أبي إسماعيل) هو بن سُلَيْمَانَ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ وَالِدُ الْحَكَمِ ثِقَةٌ يَغْرُبُ مِنَ السادسة

قَوْلُهُ (أَهْدَيْتُمْ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (مَا زَالَ جِبْرَائِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ) أَيْ يَأْمُرُ عَنِ اللَّهِ بِتَوْرِيثِ الْجَارِ مِنْ جَارِهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهَذَا التَّوْرِيثِ فَقِيلَ يُجْعَلُ لَهُ مُشَارَكَةٌ فِي الْمَالِ بِفَرْضِ سَهْمٍ يُعْطَاهُ مَعَ الْأَقَارِبِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنْ يُنَزَّلَ مَنْزِلَةَ مَنْ يَرِثُ بِالْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَإِنَّ الثَّانِيَ اسْتَمَرَّ وَالْخَبَرُ مُشْعِرٌ بِأَنَّ التَّوْرِيثَ لَمْ يَقَعْ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ بِلَفْظِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَجْعَلُ لَهُ مِيرَاثًا وَاسْمُ الْجَارِ يَشْمَلُ الْمُسْلِمَ وَالْكَافِرَ وَالْعَابِدَ وَالْفَاسِقَ وَالصَّدِيقَ وَالْعَدُوَّ وَالْغَرِيبَ وَالْبَلَدِيَّ وَالنَّافِعَ وَالضَّارَّ وَالْقَرِيبَ وَالْأَجْنَبِيَّ وَالْأَقْرَبَ دارا والأبعد وله مراتب بعضه أَعْلَى مِنْ بَعْضٍ فَأَعْلَاهَا مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْأُوَلُ كُلُّهَا ثُمَّ أَكْثَرُهَا وَهَلُمَّ جَرَّا إِلَى الْوَاحِدِ وَعَكْسِهِ مَنِ اجْتَمَعَتْ فِيهِ الصِّفَاتُ الْأُخْرَى كَذَلِكَ فَيُعْطَى كُلٌّ حَقَّهُ بِحَسَبِ حَالِهِ وَقَدْ تَتَعَارَضُ صِفَتَانِ فَأَكْثَرُ فَيَرْجَحُ أَوْ يُسَاوِي وَقَدْ حَمَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّاوِي عَلَى الْعُمُومِ فَإِنَّهُ أَمَرَ لَمَّا ذُبِحَتْ لَهُ شَاةٌ أَنْ يُهْدِيَ مِنْهَا لِجَارِهِ الْيَهُودِيِّ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا الْجِيرَانُ ثَلَاثَةٌ جَارٌ لَهُ حَقٌّ وَهُوَ الْمُشْرِكُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَجَارٌ لَهُ حَقَّانِ وَهُوَ الْمُسْلِمُ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الْإِسْلَامِ وَجَارٌ لَهُ ثَلَاثَةُ حُقُوقٍ مُسْلِمٌ لَهُ رَحِمٌ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَالْإِسْلَامِ وَالرَّحِمِ هَذَا تَلْخِيصُ مَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وبن عَبَّاسٍ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم عنها وعن بن عُمَرَ قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا زَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ وَأَخْرَجَهُ الترمذي عن عائشة وحدها وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى عَنْهُ مَرْفُوعًا لَيْسَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يَشْبَعُ وَجَارُهُ جَائِعٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ أَوَّلُ خَصْمَيْنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جَارَانِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ أَحَدُهُمَا جَيِّدٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ الْحَدِيثُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِجَارِهِ أَوْ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمِقْدَادِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ لِأَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِعَشَرَةِ نِسْوَةٍ أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزْنِيَ بِامْرَأَةِ جَارِهِ الْحَدِيثُ قَالَ

الْمُنْذِرِيُّ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ قِيلَ وَمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْجَدْعَاءِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ يَقُولُ أُوصِيكُمْ بِالْجَارِ حَتَّى أَكْثَرَ فَقُلْتُ إِنَّهُ يُوَرِّثُهُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَرُوَاتُهُ رُوَاةُ الصَّحِيحِ انْتَهَى وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَدْ رُوِيَ هَذَا الْمَتْنُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَوْلُهُ [1942] (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) هُوَ الْأَنْصَارِيُّ (عن أبي بكر بن محمد وهو بن عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) الْأَنْصَارِيُّ الْبُخَارِيُّ الْمَدَنِيُّ الْقَاضِي اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ وَاحِدٌ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنْ رِجَالِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ (عَنْ عَمْرَةَ) بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ أَكْثَرَتْ عَنْ عَائِشَةَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا) ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ رَاجِعٌ إِلَى رَسُولِ الله وإِلَى جِبْرَائِيلَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا وَالسَّلَامُ (يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ [1944] (خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ) أَيْ أَكْثَرُهُمْ ثَوَابًا عِنْدَهُ (خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ) أَيْ أَكْثَرُهُمْ إِحْسَانًا إِلَيْهِ وَلَوْ بِالنَّصِيحَةِ (وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ) أَيْ وَلَوْ بِرَفْعِ الْأَذَى عَنْهُ

باب ما جاء في الاحسان إلى الخادم

قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن خزيمة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الاحسان إلى الخادم) قَوْلُهُ [1945] (إِخْوَانُكُمْ) أَيْ خَوَلُكُمْ كَمَا فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ هُمْ إِخْوَانُكُمْ وَالْمَعْنَى هُمْ مَمَالِيكُكُمْ قاله القارىء وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ الْمُعْجَمِ وَالْوَاوِ أَيْ خَدَمُكُمْ أَوْ عَبِيدُكُمُ الَّذِينَ يَتَخَوَّلُونَ الْأُمُورَ أَيْ يُصْلِحُونَهَا انْتَهَى (جَعَلَهُمُ اللَّهُ فِتْيَةً) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْفَوْقِيَّةِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ مَفْتُوحَةٌ جَمْعُ فَتًى أَيْ غِلْمَةً وَفِي النُّسْخَةِ الْمِصْرِيَّةِ قِنْيَةً بِالْقَافِ وَالنُّونِ أَيْ مِلْكًا لَكُمْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقِنْيَةُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ مَا اكْتُسِبَ (تَحْتَ أَيْدِيكُمْ) مَجَازٌ عَنِ الْقُدْرَةِ أَوِ الْمِلْكِ (فَلْيُطْعِمْهُ مِنْ طَعَامِهِ وَلْيُلْبِسْهُ مِنْ لِبَاسِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَمْرُ بِإِطْعَامِهِمْ مِنْ طَعَامِهِ وَإِلْبَاسِهِمْ مِنْ لِبَاسِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ نَفَقَةُ الْمَمْلُوكِ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ الْبُلْدَانِ وَالْأَشْخَاصِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ نَفَقَةِ السَّيِّدِ وَلِبَاسِهِ أَوْ دُونَهُ أَوْ فَوْقَهُ حَتَّى لَوْ قَتَّرَ السَّيِّدُ عَلَى نَفْسِهِ تَقْتِيرًا خَارِجًا عَنْ عَادَةِ أَمْثَالِهِ إِمَّا زُهْدًا أَوْ شُحًّا لَا يَحِلُّ تَقْتِيرُهُ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَإِلْزَامُهُ بِمُوَافَقَتِهِ إِلَّا بِرِضَاهُ انْتَهَى قلت الأمر كما قال النَّوَوِيُّ فَفِي الْمُوَطَّأِ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ وَهُوَ يَقْتَضِي الرَّدَّ إِلَى الْعُرْفِ فَمَنْ زَادَ عَلَيْهِ كَانَ مُتَطَوِّعًا (وَلَا يُكَلِّفُهُ) مِنَ الْعَمَلِ (مَا يَغْلِبُهُ) أَيْ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ لِصُعُوبَتِهِ (فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ) مِنَ الْإِعَانَةِ أَيْ بِنَفْسِهِ أو بغيره

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأُمِّ سَلَمَةَ وبن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ وَفِيهِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عن علي نحوه وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِنَحْوِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ حم ن حب عَنْ أَنَسٍ حم هـ عَنْ أُمِّ سلمة طب عن بن عُمَرَ انْتَهَى يَعْنِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ والنسائي وبن ماجة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَنَسٍ وَأَحْمَدُ فِي مسنده وبن ماجة عن أم سلمة والطبراني عن بن عُمَرَ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي التَّيْسِيرِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ آنِفًا وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَقَوْلُهُ [1946] (عَنْ فَرْقَدُ) بْنُ يَعْقُوبَ السَّبَخِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَبِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ عَابِدٌ لَكِنَّهُ لِينُ الْحَدِيثِ كَثِيرُ الْخَطَأِ قوله لا يدخل الجنة سيء الْمَلَكَةِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ بِمَعْنَى الْمِلْكِ يُقَالُ مَلَكَهُ يَمْلِكُهُ مِلْكًا مُثَلَّثَةٌ وَمَلَكَةٌ مُحَرَّكَةٌ وَمَمْلُكَةً بِضَمِّ اللَّامِ أَوْ يُثَلَّثُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ فُلَانٌ حَسَنُ الْمَلَكَةِ إِذَا كَانَ حَسَنَ الصَّنِيعِ إِلَى مَمَالِيكِهِ وسيء الْمَلَكَةِ أَيِ الَّذِي يُسِيءُ صُحْبَةَ الْمَمَالِيكِ قَوْلُهُ (هذا حديث غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ (وَقَدْ تَكَلَّمَ غَيْرُ وَاحِدٍ فِي فَرْقَدَ السبخي من

باب النهي عن ضرب الخدام وشتمهم

قِبَلِ حِفْظِهِ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بقوي وقال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ وقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَقَالَ أَيْضًا هُوَ والدّارَقُطْنِيُّ ضَعِيفٌ وقَالَ يَحْيَى الْقَطَّانُ مَا يُعْجِبُنِي الرِّوَايَةُ عَنْ فَرْقَدٍ انْتَهَى 0 - (بَاب النَّهْيِ عَنْ ضرب الخدام وَشَتْمِهِمْ) قَوْلُهُ [1947] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ مُوسَى الْمَرْوَزِيِّ أَبُو الْعَبَّاسِ السمسمار مردوية الحافظ (أخبرنا عبد الله) هو بن الْمُبَارَكِ (عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ) بْنِ جَرِيرٍ الضبي الكوفي وثقه بن معين (عن بن أَبِي نُعْمٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ بَيَّنَ التِّرْمِذِيُّ اسْمَهُ فِيمَا بَعْدُ وَهُوَ صَدُوقٌ عَابِدٌ قَوْلُهُ (نَبِيُّ التَّوْبَةِ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ أَبُو الْقَاسِمِ قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ نَبِيُّ التَّوْبَةِ لِأَنَّهُ تَوَّابٌ يَسْتَغْفِرُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ أَوْ مِائَةً وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا نَبِيُّ التوبة والرحم أَيْ جَاءَ بِقَبُولِهَا بِالْقَوْلِ وَالِاعْتِقَادِ لَا يَقْتُلُ الأنفس وجاء بالتراحم نحو رحماء بينهم انتهى (من قذف مملوكه) أي رماه بالزنى (بَرِيئًا مِمَّا قَالَ لَهُ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّ مَمْلُوكَهُ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ سَيِّدُهُ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ (أَقَامَ اللَّهُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى السَّيِّدِ الْقَاذِفِ (الْحَدَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ) أَيْ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ كَمَا قَالَ السَّيِّدُ فِي الْوَاقِعِ وَلَمْ يَكُنْ بَرِيئًا فَإِنَّهُ لَا يُقِيمُ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحَدَّ لِكَوْنِهِ صَادِقًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِ الْعَبْدِ فِي الدُّنْيَا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يُعَزَّرُ قَاذِفُهُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ بِمُحْصَنٍ سَوَاءٌ فِيهِ مَنْ هُوَ كَامِلُ الرِّقِّ أَوْ فِيهِ شَائِبَةُ الْحُرِّيَّةِ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) وَأَمَّا حَدِيثُ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ ضَرَبَ غُلَامًا لَهُ حَدًّا لَمْ يَأْتِهِ أَوْ لَطَمَهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ قَوْلُهُ [1948] (حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ) بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْعَدَوِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ شُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَجَمَاعَةٍ وَعَنْهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وطائفة وثقه بن مَعِينٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي الخلاصة وقال الحافظ صدوق سيء الْحِفْظِ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ قَوْلُهُ (أَبَا مَسْعُودٍ) أَيْ يَا أَبَا مَسْعُودٍ (لَلَّهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ (أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ) أَيْ أَتَمُّ وَأَبْلَغُ مِنْ قُدْرَتِكَ عَلَى عَبْدِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ لَلَّهُ مُبْتَدَأٌ وَأَقْدَرُ خَبَرُهُ وَعَلَيْكَ صِلَةُ أَقْدَرُ وَمِنْكَ مُتَعَلِّقُ أَفْعَلَ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ أَقْدَرُ لِأَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ وَلَا بِمَصْدَرٍ مُقَدَّرٍ عِنْدَ قَوْلِهِ مِنْكَ أَيْ مِنْ قُدْرَتِكَ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُظْهِرُ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَأْبَاهُ بَلْ هُوَ حَالٌ مِنَ الْكَافِ أَيْ أَقْدَرُ مِنْكَ حَالَ كَوْنِكَ قَادِرًا عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ فَمَا ضَرَبْتُ مَمْلُوكًا لِي بَعْدَ ذَلِكَ) وَلَفْظُ مُسْلِمٍ هَكَذَا كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا احْلُمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ فَالْتَفَتَ فَإِذَا هُوَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرُّ لِوَجْهِ اللَّهِ فَقَالَ أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ آنِفًا

باب ما جاء في العفو عن الخادم

31 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَدَبِ الْخَادِمِ) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ مُوسَى الْمَرْوَزِيُّ (حدثنا عبد الله) أي بن الْمُبَارَكِ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ) اسْمُهُ عِمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ بِضَمِّ الْجِيمِ مُصَغَّرًا مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ مَتْرُوكٌ وَمِنْهُمْ مَنْ كَذَّبَهُ شِيعِيٌّ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ خَادِمَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ) أَيِ اسْتَغَاثَ بِهِ وَاسْتَشْفَعَ بِاسْمِهِ تَعَالَى (فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ) أَيِ امنعوها عن ضربه تعظما لِذِكْرِهِ تَعَالَى قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا إِذَا كَانَ الضَّرْبُ لِتَأْدِيبِهِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ حَدًّا فَلَا وَكَذَا إِذَا اسْتَغَاثَ مَكْرًا انْتَهَى وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ لَكِنْ عِنْدَهُ فَلْيُمْسِكْ بَدَلَ فَارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ قَوْلُهُ (وَقَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) الْقَطَّانُ (ضَعَّفَ شُعْبَةُ أَبَا هَارُونَ الْعَبْدِيَّ) قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ تَابِعِيٌّ لَيِّنٌ بِمَرَّةٍ كَذَّبَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَقَالَ شُعْبَةُ لَأَنْ أَقْدُمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ أَبِي هَارُونَ وَقَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ بن مَعِينٍ لَا يُصَدَّقُ فِي حَدِيثِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ يَتَلَوَّنُ خَارِجِيٌّ وَشِيعِيٌّ فيعتبر بما روى عنه الثوري وقال بن حِبَّانَ يَرْوِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ وَقَالَ الْجَوْزَجَانِيُّ أَبُو هَارُونَ كَذَّابٌ مفتر (قال يحيى) وهو بن سعيد القطان 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَفْوِ عَنْ الْخَادِمِ) قَوْلُهُ [1949] (عَنْ أَبِي هَانِئٍ الْخَوْلَانِيِّ) اسْمُهُ حُمَيْدُ بْنُ هَانِئٍ الْمِصْرِيُّ لابأس بِهِ وَهُوَ أَكْبَرُ شَيْخٍ

لِابْنِ وَهْبٍ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ عَبَّاسِ بْنِ جُلَيْدٍ) بِضَمِّ جِيمٍ مُصَغَّرًا (الْحَجْرِيِّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ مِصْرِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) بِلَا وَاوٍ قَوْلُهُ (فَصَمَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ سَكَتَ وَلَمْ يُجِبْهُ وَلَعَلَّ السُّكُوتَ لِانْتِظَارِ الْوَحْيِ وَقِيلَ لِكَرَاهَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّ الْعَفْوَ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ مُطْلَقًا دَائِمًا لَا حَاجَةَ فِيهِ إِلَى تَعْيِينِ عَدَدٍ مَخْصُوصٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَالَ كُلُّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً) أَيْ أَعْفُ عَنْهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ عَفْوَةً فَنَصَبَ سَبْعِينَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَثْرَةُ دُونَ التَّحْدِيدِ كَذَا قِيلَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غريب) وأخرجه أبو داود قال القارىء قَالَ مَيْرَكُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَعْنِي نُسَخَ التِّرْمِذِيِّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَيْ بِالْوَاوِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بن سعيد الهمداني عن بن وَهْبٍ عَنْ أَبِي هَانِئٍ الْخَوْلَانِيِّ عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ جُلَيْدٍ الْحَجْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَكَذَا وَقَعَ فِي سَمَاعِنَا وَفِي غَيْرِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَلِكَ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ قَالَ وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

باب ما جاء في أدب الولد

عمرو العباس بْنُ جُلَيْدٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْيَاءِ آخِرَ الْحُرُوفِ وَبَعْدَهَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ مِصْرِيٌّ ثقة ذكره بن يُونُسَ فِي تَارِيخِ الْمِصْرِيِّينَ وَذَكَرَ أَنَّهُ يَرْوِي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ وَذَكَرَ بن أبي حاتم أنه يروي عن بن عُمَرَ وَذَكَرَ الْأَمِيرُ أَبُو نَصْرٍ أَنَّهُ يَرْوِي عن بن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَزْءٍ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا فِي تَارِيخِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبَّاسِ بْنِ جُلَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ومن حديث عباس بن جليد عن بن عُمَرَ وَقَالَ وَهُوَ حَدِيثٌ فِيهِ نَظْرَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَدَبِ الْوَلَدِ) قَوْلُهُ [1951] (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى) الْأَسْلَمِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَطْرَانِيُّ قَالَ الْحَافِظُ شِيعِيٌّ ضَعِيفٌ (عَنْ ناصح) هو بن عبد الله أو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيمِيُّ الْمُحَلِّمِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَائِكُ صَاحِبُ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ضَعِيفٌ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَزَعَمَ التِّرْمِذِيُّ بِأَنَّ نَاصِحًا هَذَا هُوَ بن الْعَلَاءِ الْكُوفِيُّ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ) أَيْ وَاللَّهِ تَأْدِيبُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ تَأْدِيبًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ تَصَدُّقِهِ بِصَاعٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا تَأْدِيبًا وَاحِدًا لِيُلَائِمَ قَوْلَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ وَإِنَّمَا يَكُونُ خَيْرًا لَهُ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَاقِعٌ فِي مَحَلِّهِ لَا مَحَالَةَ بِخِلَافِ الثَّانِي فَإِنَّهُ تَحْتَ الِاحْتِمَالِ أَوْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ إِفَادَةٌ عِلْمِيَّةٌ حَالِيَّةٌ وَالثَّانِي عَمَلِيَّةٌ مَالِيَّةٌ أَوْ لِأَنَّ أَثَرَ الثَّانِي سَرِيعُ الْفِنَاءِ وَنَتِيجَةَ الْأَوَّلِ طَوِيلَةُ الْبَقَاءِ أَوْ لِأَنَّ الرَّجُلَ بِتَرْكِ الْأَوَّلِ قَدْ يُعَاقَبُ وَبِتَرْكِ الثاني لم يعاتب ذكره القارىء وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ لِأَنَّهُ إِذَا أَدَّبَهُ صَارَتْ أَفْعَالُهُ مِنْ صَدَقَاتِهِ الْجَارِيَةِ وَصَدَقَةُ الصَّاعِ يَنْقَطِعُ ثَوَابُهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ نَاصِحًا الرَّاوِي عَنْ سِمَاكٍ لَيْسَ بقوي

(وناصح بن علاء الْكُوفِيُّ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِالْقَوِيِّ إِلَخْ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ إِنَّ نَاصِحًا هَذَا هُوَ بن الْعَلَاءِ الْكُوفِيُّ وَهَذَا وَهْمٌ مِنَ التِّرْمِذِيِّ فَإِنَّ ناصحا هذا هو بن عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ نَاصِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ الْمُحَلِّمِيُّ الْحَائِكُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ضَعَّفَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الحديث وقال الفلاس متروك وقال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ مَرَّةً لَيْسَ بِثِقَةٍ قَالَ الذَّهَبِيُّ وَكَانَ مِنَ الْعَابِدِينَ ذَكَرَهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ فَقَالَ رَجُلٌ صَالِحٌ نِعْمَ الرَّجُلُ ثُمَّ ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ وَذَكَرَ إِسْنَادَهُ هَكَذَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْأَسْلَمِيُّ عَنْ نَاصِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ نَاصِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَلِّمِيِّ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ جَابِرٍ لَأَنْ يُؤَدِّبَ الرَّجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ وَقَالَ نَاصِحٌ هُوَ بن الْعَلَاءِ الْكُوفِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَنَاصِحٌ شَيْخٌ آخَرُ بَصْرِيٌّ هُوَ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا قَالَ الْمِزِّيُّ هَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ وهم وإنما بن الْعَلَاءِ هُوَ الْبَصْرِيُّ لَا الْكُوفِيُّ وَسَنَذْكُرُهُ قُلْتُ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ نَاصِحُ بْنُ الْعَلَاءِ هُوَ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ وَإِنَّمَا الْمَطْعُونُ عَلَيْهِ نَاصِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَلِّمِيُّ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ الْمَنَاكِيرُ وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ نَاصِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ذَاهِبُ الحديث وقال الدارقطني ضعيف وقال بن حِبَّانَ تَفَرَّدَ بِالْمَنَاكِيرِ عَنِ الْمَشَاهِيرِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ [1952] (حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْخَزَّازُ) بِمُعْجَمَاتٍ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عَامِرُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ الْخَزَّازُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدَةَ وَغَيْرِهِ قَالَ أَبُو حاتم ليس بالقوي وقال بن عَدِيٍّ فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ النُّكْرَةِ ثُمَّ ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ حَدِيثَهُ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ وَقَالَ الْحَافِظُ في التقريب صدوق سيء الحفظ أفرط فيه بن حِبَّانَ فَقَالَ يَضَعُ انْتَهَى (حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنِ مُوسَى) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ أَبُو مُوسَى الْمَكِّيُّ الْأُمَوِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ مُوسَى بْنِ عَمْرٍو قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مستور وقال الخزرجي وثقه بن حِبَّانَ (عَنْ جَدِّهِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ عَلَى أَيُّوبَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى مُوسَى وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ

باب ما جاء في قبول الهدية والمكافأة

قَوْلُهُ (مَا نَحَلَ) أَيْ مَا أَعْطَى وَالِدٌ وَلَدًا (مِنْ نُحْلٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَيُفْتَحُ أَيْ عَطِيَّةٍ أَوْ إِعْطَاءٍ فَفِي النِّهَايَةِ النُّحْلُ الْعَطِيَّةُ وَالْهِبَةُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ وَلَا اسْتِحْقَاقٍ يُقَالُ نَحَلَهُ يُنْحِلُهُ نُحْلًا بِالضَّمِّ وَالنِّحْلَةُ بِالْكَسْرِ الْعَطِيَّةُ (أَفْضَلَ مِنْ أَدَبٍ حَسَنٍ) أَيْ مِنْ تَعْلِيمِهِ ذَلِكَ وَمِنْ تَأْدِيبِهِ بِنَحْوِ تَوْبِيخٍ وَتَهْدِيدٍ وَضَرْبٍ عَلَى فِعْلِ الْحَسَنِ وَتَجَنُّبِ الْقَبِيحِ فَإِنَّ حُسْنَ الْأَدَبِ يَرْفَعُ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ إِلَى رُتْبَةِ الْمُلُوكِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ (وَهَذَا عِنْدِي حَسَنٌ مُرْسَلٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ مُوسَى بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الضَّمِيرُ فِي جَدِّهِ يَعُودُ عَلَى مُوسَى فَالْحَدِيثُ عَنْ رِوَايَةِ سَعِيدٍ وَقَدْ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ رُؤْيَةً وَأَمَّا عَمْرٌو وَهُوَ الْأَشْدَقُ فَلَا صُحْبَةَ لَهُ بَلْ وَلَمْ يُولَدْ إِلَّا فِي زَمَانِ عُثْمَانَ وَالْحَدِيثُ عَلَى كُلِّ حَالٍ مُرْسَلٌ وَقَالَ فِي ترجمة سعيد بن العاص قال بن سَعْدٍ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِسَعِيدٍ تِسْعُ سِنِينَ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ الْجَدِّ عَلَى أَيُّوبَ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى مُوسَى فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مِنْ مُسْنَدِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ أَخْرَجَ لِسَعِيدٍ أَيْضًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُرْسَلٌ إِذْ لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُ سَعِيدٍ انْتَهَى 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قبول الهدية والمكافأة) قَالَ فِي الْقَامُوسِ كَافَأَهُ مُكَافَأَةً جَازَاهُ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ مُكَافَأَةً باداش دادن قَوْلُهُ [1953] (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَكْثَمَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وبالمثلثة) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَطَنٍ التَّمِيمِيُّ الْمَرْوَزِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاضِي فَقِيهٌ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ رُمِيَ بِسَرِقَةِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَرَى الرِّوَايَةَ بِالْإِجَازَةِ وَالْوِجَادَةِ رَوَى عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ صَحِيحِهِ وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ وَهُوَ مِنْ أَقْرَانِهِ وَغَيْرُهُمْ وَكَانَ قَدْ غَلَبَ عَلَى الْمَأْمُونِ حَتَّى لَمْ يَتَقَدَّمْهُ أَحَدٌ عِنْدَهُ مِنَ النَّاسِ جَمِيعًا فَكَانَتِ الْوُزَرَاءُ لَا

تَعْمَلُ فِي تَدْبِيرِ الْمُلْكِ إِلَّا شَيْئًا بَعْدَ مُطَالَعَتِهِ (حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ) بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ الْكُوفِيُّ نَزَلَ الشَّامَ مُرَابِطًا ثِقَةٌ مَأْمُونٌ قَوْلُهُ (كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيْهَا) مِنْ أَثَابَ يُثِيبُ أَيْ يُعْطِي الَّذِي يُهْدِي لَهُ بَدَلَهَا وَالْمُرَادُ بِالثَّوَابِ الْمُجَازَاةُ وَأَقَلُّهُ مَا يُسَاوِي قِيمَةَ الْهَدِيَّةِ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى وُجُوبِ الثَّوَابِ عَلَى الْهَدِيَّةِ إِذَا أَطْلَقَ الْوَاهِبُ وَكَانَ مِمَّنْ يَطْلُبُ مِثْلُهُ الثَّوَابَ كَالْفَقِيرِ لِلْغَنِيِّ بِخِلَافِ مَا يَهَبُهُ الْأَعْلَى لِلْأَدْنَى وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ مُوَاظَبَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي أَهْدَى قَصَدَ أَنْ يُعْطَى أَكْثَرَ مِمَّا أَهْدَى فَلَا أَقَلَّ أَنْ يُعَوَّضَ بِنَظِيرِ هَدِيَّتِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ كَالْحَنَفِيَّةِ الْهِبَةُ لِلثَّوَابِ بَاطِلَةٌ لَا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهَا بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَلِأَنَّ مَوْضُوعَ الْهِبَةِ التَّبَرُّعُ فَلَوْ أَبْطَلْنَاهُ لَكَانَ فِي مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ وَقَدْ فَرَّقَ الشَّرْعُ وَالْعُرْفُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ فَمَا اسْتَحَقَّ الْعِوَضَ أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الْبَيْعِ بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَأَجَابَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ الْهِبَةَ لَوْ لَمْ تَقْتَضِ الثَّوَابَ أَصْلًا لَكَانَتْ بِمَعْنَى الصَّدَقَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْأَغْلَبَ مِنْ حَالِ الَّذِي يُهْدِي أَنَّهُ يَطْلُبُ الثَّوَابَ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ فَقِيرًا كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هريرة وأنس وبن عُمَرَ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَكْرَةً فَعَوَّضَهُ مِنْهَا سِتَّ بَكَرَاتٍ الْحَدِيثُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ قَالَ قَالَ الْمُهَاجِرُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ الْأَنْصَارُ بِالْأَجْرِ كُلِّهِ مَا رَأَيْنَا قَوْمًا أَحْسَنَ بَذْلًا لِكَثِيرٍ وَلَا أَحْسَنَ مُوَاسَاةً فِي قَلِيلٍ مِنْهُمْ وَلَقَدْ كَفَوْنَا الْمُؤْنَةَ قَالَ أَلَيْسَ تُثْنُونَ عَلَيْهِمْ بِهِ وَتَدْعُونَ لَهُمْ قَالُوا بَلَى قَالَ فذاك بذاك وأما حديث بن عمر فأخرجه أبو داود والنسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا كَذَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَذَكَرَ لَفْظَهُ وَفِيهِ وَمَنْ أَتَى إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَادْعُوا لَهُ حَتَّى تَعْلَمُوا أَنْ قَدْ كَافَأْتُمُوهُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الْمُتَشَبِّعِ بِمَا لَمْ يُعْطَهُ

باب ما جاء في الشكر لمن أحسن إليك

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْهِبَةِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْبُيُوعِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشُّكْرِ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْكَ) قَوْلُهُ [1954] (حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ) الْجُمَحِيُّ أَبُو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ) الْجُمَحِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيِّ نَزِيلِ الْبَصْرَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ رُبَّمَا أَرْسَلَ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ) قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا إِمَّا لِأَنَّ شُكْرَهُ تَعَالَى إِنَّمَا يَتِمُّ بِمُطَاوَعَتِهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَأَنَّ مِمَّا أُمِرَ بِهِ شُكْرُ النَّاسِ الَّذِينَ هُمْ وَسَائِطُ فِي إِيصَالِ نِعَمِ اللَّهِ إِلَيْهِ فَمَنْ لَمْ يُطَاوِعْهُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُؤَدِّيًا شُكْرَ نِعَمِهِ أَوْ لِأَنَّ مَنْ أَخَلَّ بِشُكْرِ مَنْ أَسْدَى نِعْمَةً مِنَ النَّاسِ مَعَ مَا يَرَى مِنْ حِرْصِهِ عَلَى حُبِّ الثَّنَاءِ وَالشُّكْرِ عَلَى النَّعْمَاءِ وَتَأَذِّيهِ بِالْإِعْرَاضِ وَالْكُفْرَانِ كَانَ أَوْلَى بِأَنْ يَتَهَاوَنَ فِي شُكْرِ مَنْ يَسْتَوِي عِنْدَهُ الشُّكْرُ وَالْكُفْرَانُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِرَفْعِ اللَّهِ وَبِرَفْعِ النَّاسِ وَرُوِيَ أَيْضًا بِنَصَبِهِمَا وَبِرَفْعِ اللَّهِ وَنَصْبِ النَّاسِ وَعَكْسِهِ أربع روايات انتهى قوله [1955] (عن بن أَبِي لَيْلَى) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى رَوَى عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعُوفِيِّ الْجَدَلِيِّ (عَنْ عَطِيَّةَ) بْنِ سَعْدِ بن جنادة العوفي الجدلي الكوفي صدوق يخطىء كثيرا

باب ما جاء في صنائع المعروف

قَوْلُهُ (مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ إِلَخْ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا يُتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ طَبْعِهِ وَعَادَتِهِ كُفْرَانُ نِعْمَةِ النَّاسِ وَتَرْكُ الشُّكْرِ لِمَعْرُوفِهِمْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ كُفْرَانُ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَرْكُ الشُّكْرِ لَهُ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَقْبَلُ شُكْرَ الْعَبْدِ عَلَى إِحْسَانِهِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ الْعَبْدُ لَا يَشْكُرُ إِحْسَانَ النَّاسِ وَيَكْفُرُ مَعْرُوفَهُمْ لِاتِّصَالِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ بِالْآخَرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثٍ آخَرَ لَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أن أَشْكَرَ النَّاسِ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَشْكَرُهُمْ لِلنَّاسِ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ قَالَ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بنحو الأولى وَأَمَّا حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِهِ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ الحديث قال المنذري بإسناد لابأس به قال ورواه بن أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ اصْطِنَاعِ الْمَعْرُوفِ بِاخْتِصَارٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالضِّيَاءُ 6 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي صَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الصَّنِيعُ الْإِحْسَانُ كَالصَّنِيعَةِ وَالْجَمْعُ الصَّنَائِعُ قَوْلُهُ [1956] (عَنْ مَالِكِ بْنِ مَرْثَدٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ والمثلثة بينهما راء ساكنة بن عَبْدِ اللَّهِ الزَّمَانِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ مَرْثَدٍ وَهُوَ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ) فِي الدِّينِ (لَكَ صَدَقَةٌ) يَعْنِي إِظْهَارُكَ الْبَشَاشَةَ وَالْبِشْرَ إِذَا

باب ما جاء في المنحة

لَقِيتَهُ تُؤْجَرُ عَلَيْهِ كَمَا تُؤْجَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ (وَأَمْرُكَ بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ بِمَا عَرَفَهُ الشَّرْعُ بِالْحَسَنِ (وَنَهْيُكَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أَيْ مَا أَنْكَرَهُ وَقَبَّحَهُ (صَدَقَةٌ) كَذَلِكَ (وَإِرْشَادُكَ الرَّجُلَ فِي أَرْضِ الضَّلَالِ) أُضِيفَتْ إِلَى الضَّلَالِ كَأَنَّهَا خُلِقَتْ لَهُ وَهِيَ الَّتِي لَا عَلَامَةَ فِيهَا لِلطَّرِيقِ فَيَضِلُّ فِيهَا الرجل (لك صدقة) بالمعنى الْمُقَرَّرُ (وَبَصَرُكَ لِلرَّجُلِ الرَّدِيءِ الْبَصَرِ) بِالْهَمْزِ وَيُدْغَمُ أَيِ الَّذِي لَا يُبْصِرُ أَصْلًا أَوْ يُبْصِرُ قَلِيلًا وَالْبَصَرُ مُحَرَّكَةٌ حِسُّ الْعَيْنِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمَعْنَى إِذَا أَبْصَرْتَ رَجُلًا رَدِيءَ الْبَصَرِ فَإِعَانَتُكَ إِيَّاهُ صَدَقَةٌ لَكَ وَفِي الْمِشْكَاةِ نَصْرُكَ بالنون قال القارىء وَضْعُ النَّصْرِ مَوْضِعَ الْقِيَادِ مُبَالَغَةٌ فِي الْإِعَانَةِ كَأَنَّهُ يَنْصُرُهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيهِ (وَإِمَاطَتُكَ) أَيْ إِزَالَتُكَ (الْحَجَرَ وَالشَّوْكَ وَالْعَظْمَ) أَيْ وَنَحْوَهَا (عَنِ الطَّرِيقِ) أَيِ الْمَسْلُوكِ أَوِ الْمُتَوَقَّعِ السُّلُوكِ (وَإِفْرَاغُكَ) أَيْ صَبُّكَ (مِنْ دَلْوِكَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونِ وَاحِدُ الدِّلَاءِ الَّتِي يُسْتَقَى بِهَا (فِي دَلْوِ أَخِيكَ) فِي الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَحُذَيْفَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حديث بْنِ مَسْعُودٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ وَحُذَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُمَا قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ المفرد وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمِنْحَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَنَحَهُ كَمَنَعَهُ وَضَرَبَهُ أَعْطَاهُ وَالِاسْمُ الْمِنْحَةُ بِالْكَسْرِ وَمَنَحَهُ النَّاقَةَ جَعَلَ له

وَبَرَهَا وَلَبَنَهَا وَوَلَدَهَا وَهِيَ الْمِنْحَةُ وَالْمَنِيحَةُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمَنِيحَةُ بِالنُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ وَزْنُ عَظِيمَةٍ هِيَ فِي الْأَصْلِ الْعَطِيَّةُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْمَنِيحَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ صِلَةً فَتَكُونَ لَهُ وَالْآخَرُ أَنْ يُعْطِيَهُ نَاقَةً أَوْ شَاةً يَنْتَفِعُ بِحَلْبِهَا وَوَبَرِهَا زَمَنًا ثُمَّ يَرُدَّهَا وَقَالَ الْقَزَّازُ قِيلَ لَا تَكُونُ الْمَنِيحَةُ إِلَّا نَاقَةً أَوْ شَاةً وَالْأَوَّلُ أَعْرَفُ انْتَهَى قَوْلُهُ [1957] (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ وَقَدْ يُنْسَبُ لِجَدِّهِ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْسَجَةَ) الْهَمْدَانِيَّ الْكُوفِيَّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَنْ مَنَحَ أَيْ أَعْطَى (مَنِيحَةَ لَبَنٍ أَوْ وَرِقٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا أَيْ فِضَّةٍ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ مِنْحَةُ الْوَرِقِ الْقَرْضُ وَمِنْحَةُ اللَّبَنِ أَنْ يُعْطِيَهُ نَاقَةً أَوْ شَاةً يُنْتَفَعُ بِلَبَنِهَا وَيُعِيدُهَا وَكَذَلِكَ إِذَا أَعْطَاهُ لِيَنْتَفِعَ بِوَبَرِهَا وَصُوفِهَا زَمَانًا ثُمَّ يَرُدَّهَا وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْمِنْحَةُ مَرْدُودَةٌ انْتَهَى (أَوْ هَدَى زُقَاقًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الزُّقَاقُ بِالضَّمِّ الطَّرِيقُ يُرِيدُ مَنْ دَلَّ الضَّالَّ أَوِ الْأَعْمَى عَلَى طَرِيقِهِ وَقِيلَ أَرَادَ مَنْ تَصَدَّقَ بِزُقَاقٍ مِنَ النَّخْلِ وَهِيَ السِّكَّةُ مِنْهَا وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِأَنَّ هَدَى مِنَ الْهِدَايَةِ لَا مِنَ الْهَدِيَّةِ انْتَهَى قُلْتُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ أَهْدَى زُقَاقًا مِنَ الْإِهْدَاءِ فَالْمُرَادُ بِالزُّقَاقِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ السِّكَّةُ مِنَ النَّخْلِ وَبِالْإِهْدَاءِ التَّصَدُّقُ (كَانَ لَهُ) أَيْ ثَبَتَ لَهُ (مِثْلُ عِتْقِ رَقَبَةٍ) أَيْ كَانَ مَا ذُكِرَ لَهُ مِثْلُ عَتَاقِ رَقَبَةٍ وَوَجْهُ الشَّبَهِ نَفْعُ الْخَلْقِ وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ

باب ما جاء في إماطة الأذى عن الطريق

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ مَنَحَ مَنِيحَةً وَرِقًا أَوْ ذَهَبًا أَوْ سَقَى لبنا أو أهدى زقاقا فهو كعدل رَقَبَةٍ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِمَاطَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) أَيْ إِزَالَةِ مَا يُؤْذِي النَّاسَ عَنِ الطَّرِيقِ قَوْلُهُ [1958] (فَأَخَّرَهُ) بِتَشْدِيدِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ أَيْ عَزَلَهُ عَنِ الطَّرِيقِ (فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الشَّكُورُ هُوَ الَّذِي يَزْكُو عِنْدَهُ الْقَلِيلُ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ فَيُضَاعِفُ لَهُمُ الْجَزَاءَ فَشُكْرُهُ لِعِبَادِهِ مَغْفِرَتُهُ لَهُمْ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ) أَخْرَجَهُ مسلم وبن ماجة (وبن عباس) أخرجه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ (وَأَبِي ذَرٍّ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وبن مَاجَهْ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ فِي بَابِ إِمَاطَةِ الْأَذَى مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَبْوَابِ الْمَظَالِمِ وَالْقِصَاصِ وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ

باب ما جاء أن المجالس أمانة

39 - (بَابُ مَا جَاءَ أَنَّ الْمَجَالِسَ أَمَانَةٌ) هَذَا لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ إِلَّا ثَلَاثَةَ مَجَالِسَ سَفْكُ دَمٍ حَرَامٍ أَوْ فَرَحٌ حَرَامٌ أَوِ اقْتِطَاعُ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ تَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ تَحْسُنُ الْمَجَالِسُ أَوْ حُسْنُ الْمَجَالِسِ وَشَرَفُهَا بِأَمَانَةِ حَاضِرِيهَا عَلَى مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ فَكَأَنَّ الْمَعْنَى لِيَكُنْ صَاحِبُ الْمَجْلِسِ أَمِينًا لِمَا يَسْمَعُهُ أَوْ يَرَاهُ قَوْلُهُ [1959] (أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَطَاءٍ) الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ أبو محمد المديني ويقال له بن أَبِي لَبِيبٍ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ) الَأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ) أَيْ عِنْدَ أَحَدٍ (الْحَدِيثَ) أَيِ الَّذِي يُرِيدُ إِخْفَاءَهُ (ثُمَّ الْتَفَتَ) أَيْ يَمِينًا وَشِمَالًا احْتِيَاطًا (فَهِيَ) أَيْ ذَلِكَ الْحَدِيثُ وَأَنْتَ بِاعْتِبَارِ خَبَرِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ الْحَدِيثَ بِمَعْنَى الْحِكَايَةِ وَقِيلَ أَيِ الْكَلِمَةُ الَّتِي حَدَّثَ بِهَا (أَمَانَةٌ) أَيْ عِنْدَ مَنْ حَدَّثَهُ أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ الأمانة فيجب عليه كتمه قال بن رَسْلَانَ لِأَنَّ الْتِفَاتَهُ إِعْلَامٌ لِمَنْ يُحَدِّثُهُ أَنَّهُ يَخَافُ أَنْ يَسْمَعَ حَدِيثَهُ أَحَدٌ وَأَنَّهُ قَدْ خَصَّهُ سِرَّهُ فَكَانَ الِالْتِفَاتُ قَائِمًا مَقَامَ اكْتُمْ هَذَا عَنِّي أَيْ خُذْهُ عَنِّي وَاكْتُمْهُ وَهُوَ عِنْدَكَ أَمَانَةٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَطَاءٍ الْمَدَنِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَهُ مَنَاكِيرُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ شَيْخٌ قِيلَ لَهُ أَدْخَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ قَالَ يحول من ها هنا وَقَالَ الْمَوْصِلِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَطَاءٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جَابِرٍ لَا يَصِحُّ انْتَهَى

باب ما جاء في السخاء

40 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّخَاءِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ إِعْطَاءُ مَا يَنْبَغِي لِمَنْ يَنْبَغِي وَبَذْلُ مَا يُقْتَنَى بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ بَلْ هُوَ مِنْ أَعْظَمِهَا وَالْبُخْلُ ضِدُّهُ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ قَوْلُهُ [1960] (حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ) بْنِ مَرْوَانَ السَّعْدِيُّ أَبُو صَالِحٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (حَدَّثَنَا أَيُّوبُ) هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ قَوْلُهُ (إِنَّهُ لَيْسَ لِي مِنْ شَيْءٍ) وَفِي رواية للبخاري مالي مَالٌ (إِلَّا مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (الزبير) هو بن الْعَوَّامِ كَانَ زَوْجَهَا (أَفَأُعْطِي) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَفَأَتَصَدَّقُ (لَا تُوكِي) مِنْ أَوْكَى يُوكِي إِيكَاءً يُقَالُ أَوْكَى مَا فِي سِقَائِهِ إِذَا شَدَّهُ بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به رأس الْقِرْبَةِ وَأَوْكَى عَلَيْنَا أَوْ بَخَلَ (فَيُوكَى عَلَيْكَ) بِفَتْحِ الْكَافِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَيُوكِي اللَّهُ عَلَيْكَ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ لَا تَدَّخِرِي وَتَشُدِّي مَا عِنْدَكِ وَتَمْنَعِي مَا فِي يَدِكِ فَتَنْقَطِعَ مَادَّةُ الرِّزْقِ عَنْكِ انْتَهَى فَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ تُنَمِّي الْمَالَ وَتَكُونُ سَبَبًا إِلَى الْبَرَكَةِ وَالزِّيَادَةِ فِيهِ وَأَنَّ مَنْ شَحَّ وَلَمْ يَتَصَدَّقْ فَإِنَّ اللَّهَ يُوكِي عَلَيْهِ وَيَمْنَعُهُ مِنَ الْبَرَكَةِ فِي مَالِهِ وَالنَّمَاءِ فِيهِ (يَقُولُ لَا تُحْصِي فَيُحْصَى عَلَيْكَ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ لَا تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَضَمِيرُ يَقُولُ رَاجِعٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنْفِقِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِي اللَّهُ عَلَيْكِ وَلَا تُوعِي فَيُوعِي اللَّهُ عَلَيْكِ قَالَ الْحَافِظُ الْإِحْصَاءُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الشَّيْءِ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ وَالْمَعْنَى النَّهْيُ عَنْ مَنْعِ الصَّدَقَةِ خَشْيَةَ النَّفَادِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَعْظَمُ الْأَسْبَابِ لِقَطْعِ مَادَّةِ الْبَرَكَةِ لِأَنَّ اللَّهَ يُثِيبُ عَلَى الْعَطَاءِ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْإِحْصَاءِ عَدُّ الشَّيْءِ لِأَنْ يُدَّخَرَ وَلَا يُنْفِقُ مِنْهُ وَإِحْصَاءُ اللَّهِ قَطْعُ الْبَرَكَةِ عَنْهُ أَوْ حَبْسُ بِمَادَّةِ الرِّزْقِ أَوِ الْمُحَاسِبَةُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ

بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الزَّكَاةِ وَفِي الْهِبَةِ وَمُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الاسناد عن بن أبي مليكة عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ) رواه الشيخان في صحيحيهما من طريق بن جريج عن بن أبي مليكة عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ (وَرَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا عَنْ أَيُّوبَ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ رَوَى أَيُّوبُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ وَصَرَّحَ أَيُّوبُ عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ بِتَحْدِيثِ أَسْمَاءَ لَهُ بِذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ عَبَّادٍ عَنْهَا ثُمَّ حَدَّثَتْهُ بِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ [1961] (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ الْقَاضِي قَوْلُهُ (السَّخِيُّ) هُوَ الَّذِي اخْتَارَ رِضَا الْمَوْلَى فِي بَذْلِهِ عَلَى الْغَنِيِّ (قَرِيبٌ مِنَ اللَّهِ) أَيْ مِنْ رَحْمَتِهِ (قَرِيبٌ مِنَ الْجَنَّةِ) بِصَرْفِ الْمَالِ وَإِنْفَاقِهِ فِيمَا يَنْبَغِي (قَرِيبٌ مِنَ النَّاسِ) لِأَنَّ السَّخِيَّ يُحِبُّهُ جَمِيعُ النَّاسِ وَلَوْ لَمْ يَحْصُلْ لِبَعْضِهِمْ نَفْعٌ مِنْ سَخَاوَتِهِ كَحُبِّهِ الْعَادِلَ (وَالْبَخِيلُ) هُوَ الَّذِي لَا يُؤَدِّي الْوَاجِبَ عَلَيْهِ (بَعِيدٌ مِنَ اللَّهِ بَعِيدٌ مِنَ الْجَنَّةِ بَعِيدٌ مِنَ النَّاسِ قَرِيبٌ مِنَ النَّارِ) مَعْنَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ ظَاهِرٌ من ماقبلها والأشياء تتبين بأضدادها (والجاهل السخي) قال القارىء أَرَادَ بِهِ ضِدَّ الْعَابِدِ وَهُوَ مَنْ يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ دُونَ النَّوَافِلِ لِأَنَّ تَرْكَ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ عِبَادَةٍ وَإِنَّمَا عُبِّرَ عَنْهُ بِالْجَاهِلِ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ مَعَ

كَوْنِهِ جَاهِلًا غَيْرَ عَالِمٍ بِمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وُجُوبَ عَيْنٍ (أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ عَابِدٍ) أَيْ كَثِيرِ النَّوَافِلِ سَوَاءً يَكُونُ عَالِمًا أَمْ لَا (بَخِيلٍ) لِأَنَّ حُبَّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَأَيْضًا الْبَخِيلُ الشَّرْعِيُّ هُوَ مَنْ تَرَكَ الْوَاجِبَ الشَّرْعِيَّ الْمَالِيَّ وَالسَّخِيُّ ضِدُّهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ قَامَ بِالْفَرَائِضِ وَتَرَكَ النَّوَافِلَ أَفْضَلُ مِمَّنْ قَامَ بِالنَّوَافِلِ وَتَرَكَ الْفَرَائِضَ قَالَ وَهَذَا الَّذِي قَرَرْنَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الطِّيبِيِّ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ جَاهِلًا غَيْرَ عَابِدٍ أَحَبُّ مِنْ عَالِمٍ عَابِدٍ رِعَايَةً لِلْمُطَابَقَةِ فَيَا لَهَا مِنْ حَسَنَةٍ غَطَّتْ خَصْلَتَيْنِ ذَمِيمَتَيْنِ وَيَا لَهَا مِنْ سَيِّئَةٍ غَطَّتْ حَسَنَتَيْنِ كَرِيمَتَيْنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ الْمُنَاوِيُّ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا (لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ مُحَمَّدٍ) الْوَرَّاقِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ خُولِفَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ إِلَخْ) أَيْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ فَرَوَاهُ هُوَ عَنْ يَحْيَى عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُتَّصِلًا وَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلًا يَعْنِي مُنْقَطِعًا وَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ عَائِشَةَ تَنْبِيهٌ قَدْ أَوْرَدَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَقْلًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ وَلَجَاهِلٌ سَخِيٌّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ عَالِمٍ بَخِيلٍ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ سَرِيعُ الِانْقِيَادِ إِلَى مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ نَحْوِ تَعَلُّمٍ وَإِلَى مَا يُنْهَى عَنْهُ بِخِلَافِ الثَّانِي انْتَهَى قُلْتُ فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا كُلِّهَا مِنْ عَابِدٍ بَخِيلٍ وَكَذَلِكَ فِي الْمِشْكَاةِ وَكَذَلِكَ فِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ وَلَيْسَ فِي وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ عَالِمٍ بَخِيلٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ وَهْمِ النَّاسِخِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في البخيل النجل

41 - (باب ما جاء في البخيل (النجل)) قَوْلُهُ [1962] (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَالِبٍ الْحُدَّانِيِّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْبَصْرِيِّ الْعَابِدِ صَدُوقٌ قَلِيلُ الْحَدِيثِ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ قِيلَ أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَجْتَمِعَا فِيهِ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ تَأْوِيلُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ نَقُولَ الْمُرَادُ بِهِ اجْتِمَاعُ الْخَصْلَتَيْنِ فِيهِ مَعَ بُلُوغِ النِّهَايَةِ بِحَيْثُ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُمَا وَيُوجَدُ مِنْهُ الرِّضَاءُ بِهِمَا فَأَمَّا الَّذِي يَبْخَلُ حِينًا وَيَسُوءُ خُلُقُهُ فِي وَقْتٍ أَوْ فِي أَمْرٍ دُونَ أَمْرٍ وَيَنْدُرُ مِنْهُ فَيَنْدَمُ وَيَلُومُ نَفْسَهُ أَوْ تَدْعُوهُ النَّفْسُ إِلَى ذَلِكَ فَيُنَازِعُهَا فَإِنَّهُ بِمَعْزِلٍ عَنْ ذَلِكَ انْتَهَى وقَوْلُهُ خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ خَبَرٌ مَوْصُوفٌ وَالْمُبْتَدَأُ الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ قاله بن الملك وقال بن حَجَرٍ خَصْلَتَانِ مُبْتَدَأٌ سَوَّغَهُ إِبْدَالُ الْمَعْرِفَةِ مِنْهُ فِي قَوْلِهِ الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ وَالْخَبَرُ لَا تجتمعان وقال القارىء الظَّاهِرُ أَنْ لَا تَجْتَمِعَانِ صِفَةٌ مُخَصِّصَةٌ مُسَوِّغَةٌ لِكَوْنِ الْمُبْتَدَأِ نَكِرَةً وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ قَوْلُهُ [1963] (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) أَيْ دُخُولًا أَوَّلِيًّا (خِبٌّ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَيُكْسَرُ أَيْ خَدَّاعٌ يُفْسِدُ بين

باب ما جاء في النفقة على الأهل

النَّاسِ بِالْخِدَاعِ (وَلَا بَخِيلٌ) يَمْنَعُ الْوَاجِبَ مِنَ الْمَالِ (وَلَا مَنَّانٌ مِنَ الْمِنَّةِ أَيْ يَمُنُّ عَلَى الْفُقَرَاءِ بَعْدَ الْعَطَاءِ أَوْ مِنَ الْمَنِّ بِمَعْنَى الْقَطْعِ لِمَا يَجِبُ أَنْ يُوصَلَ وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَعَ هَذِهِ الصِّفَةِ حَتَّى يُجْعَلَ طَاهِرًا مِنْهَا إِمَّا بِالتَّوْبَةِ عَنْهَا فِي الدُّنْيَا أَوْ بِالْعُقُوبَةِ بِقَدْرِهَا تَمْحِيصًا فِي الْعُقْبَى أَوْ بِالْعَفْوِ عَنْهُ تَفَضُّلًا وَإِحْسَانًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ [1964] (عَنْ بِشْرِ بْنِ رَافِعٍ) الْحَارِثِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْأَسْبَاطِ النَّجْرَانِيُّ فَقِيهٌ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (الْمُؤْمِنُ غِرٌّ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (كَرِيمٌ) أَيْ مَوْصُوفٌ بِالْوَصْفَيْنِ أَيْ لَهُ الِاغْتِرَارُ بِكَرَمِهِ وَلَهُ الْمُسَامَحَةُ فِي حُظُوظِ الدُّنْيَا لَا لِجَهْلِهِ (وَالْفَاجِرُ خب لئيم) أي بخيل لجوج سيء الْخُلُقِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْوَصْفُ الثَّانِي سَبَبٌ لِلْأَوَّلِ وَهُوَ نَتِيجَةُ الثَّانِي فَتَأَمَّلْ فَكِلَاهُمَا مِنْ بَابِ التَّذْيِيلِ وَالتَّكْمِيلِ وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ لَيْسَ بِذِي مَكْرٍ فَهُوَ يَنْخَدِعُ لِانْقِيَادِهِ وَلِينِهِ وَهُوَ ضِدُّ الْخِبِّ يُرِيدُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْمَحْمُودَ مِنْ طَبْعِهِ الْغِرَارَةُ وَقِلَّةُ الْفِطْنَةِ لِلشَّرِّ وَتَرْكُ الْبَحْثِ عَنْهُ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْهُ جَهْلًا وَلَكِنَّهُ كَرَمٌ وَحُسْنُ خُلُقٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ يَغُرُّهُ كُلُّ أَحَدٍ وَيُغَيِّرُهُ كُلُّ شَيْءٍ وَلَا يَعْرِفُ الشَّرَّ وَلَيْسَ بِذِي مَكْرٍ فَهُوَ يَنْخَدِعُ لِسَلَامَةِ صَدْرِهِ وَحُسْنِ ظَنِّهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ 2 - (بَاب مَا جاء في النفقة على الْأَهْلِ) قَوْلُهُ [1965] (نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى أَهْلِهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ إِذَا أَنْفَقَ الْمُسْلِمُ نَفَقَةً عَلَى أهله وهو

يَحْتَسِبُهَا قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِالِاحْتِسَابِ الْقَصْدُ إِلَى طَلَبِ الْأَجْرِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي قَوْلِهِ يَحْتَسِبُهَا أَفَادَ بِمَنْطُوقِهِ أَنَّ الْأَجْرَ فِي الْإِنْفَاقِ إِنَّمَا يَحْصُلُ بِقَصْدِ الْقُرْبَةِ وَاجِبَةً أَوْ مُبَاحَةً وَأَفَادَ بِمَفْهُومِهِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْصِدِ الْقُرْبَةَ لَمْ يُؤْجَرْ لَكِنْ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنَ الْوَاجِبَةِ لِأَنَّهَا مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى (صَدَقَةٌ) قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الثَّوَابُ وَإِطْلَاقُهَا عَلَيْهِ مَجَازِيٌّ وَقَرِينَتُهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الْإِنْفَاقِ عَلَى الزَّوْجَةِ الْهَاشِمِيَّةِ مَثَلًا وَهُوَ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ وَالْمُرَادُ بِهِ أَصْلُ الثَّوَابِ لَا فِي كَمِّيَّتِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ قَالَ وَقَوْلُهُ عَلَى أَهْلِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَشْمَلَ الزَّوْجَةَ وَالْأَقَارِبَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ بِالزَّوْجَةِ وَيُلْحَقُ بِهِ مَنْ عَدَاهَا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الثَّوَابَ إِذَا ثَبَتَ فِيمَا هُوَ وَاجِبٌ فَثُبُوتُهُ فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَوْلَى وَقَالَ الطَّبَرِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْأَهْلِ وَاجِبٌ وَالَّذِي يُعْطِيهِ يُؤْجَرُ عَلَى ذَلِكَ بِحَسَبِ قَصْدِهِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِهَا وَاجِبَةً وَبَيْنَ تَسْمِيَتِهَا صَدَقَةً بَلْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ النَّفَقَةُ عَلَى الْأَهْلِ وَاجِبَةٌ وَإِنَّمَا سَمَّاهَا الشَّارِعُ صَدَقَةً خَشْيَةَ أَنْ يَظُنُّوا أَنَّ قِيَامَهُمْ بِالْوَاجِبِ لَا أَجْرَ لَهُمْ فِيهِ وَقَدْ عَرَفُوا مَا فِي الصَّدَقَةِ مِنَ الْأَجْرِ فَعَرَّفَهُمْ أَنَّهَا لَهُمْ صَدَقَةٌ حَتَّى لَا يُخْرِجُوهَا إِلَى غَيْرِ الْأَهْلِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَكْفُوهُمْ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ قَبْلَ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي بَابِ فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى الْعِيَالِ وَالْمَمْلُوكِ مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ فِي بَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ وَالْعِيَالِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْإِيمَانِ وَفِي الْمَغَازِي وَفِي النَّفَقَاتِ وَمُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الزَّكَاةِ وَفِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ قَوْلُهُ [1966] (أَفْضَلُ الدِّينَارِ) يُرَادُ بِهِ الْعُمُومُ (وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى دَابَّتِهِ) أَيْ دَابَّةٍ مَرْبُوطَةٍ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) مِنْ نَحْوِ الْجِهَادِ وَدِينَارٌ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ عَلَى أَصْحَابِهِ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِمْ مُجَاهِدِينَ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) يَعْنِي الْإِنْفَاقَ عَلَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ أَفْضَلُ مِنَ الْإِنْفَاقِ على غيرهم ذكره بن الملك

باب ما جاء في الضيافة وغاية الضيافة إلى كم هي

قِيلَ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى التَّرْتِيبِ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ إِلَّا أَنْ يُقَالَ التَّرْتِيبُ الذِّكْرِيُّ الصَّادِرُ مِنَ الْحَكِيمِ لَا يَخْلُو عَنْ حِكْمَةٍ (قَالَ أَبُو قِلَابَةَ بَدَأَ) أَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ قَالَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ (وَأَيُّ رَجُلٍ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَأَيُّ رَجُلٍ (يُعِفُّهُمُ اللَّهُ بِهِ) مِنَ الْإِعْفَافِ أَيْ يَكُفُّهُمْ بِهِ عَمَّا لَا يَحِلُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 - (باب ما جاء في الضيافة وغاية الضيافة إلى كم هي) قَوْلُهُ [1967] (أَبْصَرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَمِعَتْهُ أُذُنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ) فَائِدَةُ ذِكْرِهِ التَّوْكِيدُ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يُؤْمِنُ الْإِيمَانَ الْكَامِلَ وَخَصَّهُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ إِشَارَةً إِلَى الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ أَيْ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَآمَنَ بِأَنَّهُ سَيُجَازِيهِ بِعَمَلِهِ (فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) قَالُوا إِكْرَامُ الضَّيْفِ بِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَطِيبِ الْكَلَامِ وَالْإِطْعَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْأَوَّلِ بِمَقْدُورِهِ وَمَيْسُورِهِ وَالْبَاقِي بِمَا حَضَرَهُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ وَلِئَلَّا يَثْقُلَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَفْسِهِ وَبَعْدَ الثَّلَاثَةِ يُعَدُّ مِنَ الصَّدَقَاتِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِلَّا فَلَا (جَائِزَتَهُ) هِيَ الْعَطَاءُ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجَوَازِ لِأَنَّهُ حَقُّ جَوَازِهِ عَلَيْهِمْ وَانْتِصَابُهُ بِأَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِلْإِكْرَامِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْإِعْطَاءِ أَوْ هُوَ كَالظَّرْفِ أَوْ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِجَائِزَتِهِ (قَالَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ) أَيْ جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَجَوَازُ وُقُوعِ الزَّمَانِ خَبَرًا عَنِ الْجَنَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الظَّرْفِ وَإِمَّا فِيهِ مُضَافٌ مُقَدَّرٌ تَقْدِيرُهُ أَيْ زَمَانُ جَائِزَتِهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ (وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صدقة) قال بن بَطَّالٍ سُئِلَ عَنْهُ مَالِكٌ فَقَالَ يُكْرِمُهُ وَيُتْحِفُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ضِيَافَةً قَالَ الْحَافِظُ اخْتَلَفُوا هَلِ الثَّلَاثُ غَيْرُ الْأُوَلِ أَوْ يُعَدُّ مِنْهَا فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يَتَكَلَّفُ لَهُ فِي

الْيَوْمِ الْأَوَّلِ بِالْبِرِّ وَالْإِلْطَافِ وَفِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ يُقَدِّمُ لَهُ مَا حَضَرَهُ وَلَا يَزِيدُهُ عَلَى عَادَتِهِ ثُمَّ يُعْطِيهِ مَا يَجُوزُ بِهِ مَسَافَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَتُسَمَّى الْجِيزَةُ وَهِيَ قَدْرُ مَا يَجُوزُ بِهِ الْمُسَافِرُ مِنْ مَنْهَلٍ إِلَى مَنْهَلٍ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ أُجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا نَزَلَ بِهِ الضَّيْفُ أَنْ يُتْحِفَهُ وَيَزِيدَهُ فِي الْبِرِّ عَلَى مَا بِحَضْرَتِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَفِي الْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ يُقَدِّمُ لَهُ مَا يَحْضُرُهُ فَإِذَا مَضَى الثَّلَاثُ فَقَدْ قَضَى حَقَّهُ فَمَا زَادَ عَلَيْهَا مِمَّا يُقَدِّمُهُ لَهُ يَكُونُ لَهُ صَدَقَةً وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ بِلَفْظِ الضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَجَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى الْمُغَايَرَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَجَابَ الطِّيبِيُّ بِأَنَّهَا جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى كَأَنَّهُ قِيلَ كَيْفَ يُكْرِمُهُ قَالَ جَائِزَتُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ زَمَانُ جَائِزَتِهِ أَيْ بِرُّهُ وَالضِّيَافَةُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَرِوَايَةُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَلَى الْيَوْمِ الْأَخِيرِ أَيْ قَدْرَ مَا يَجُوزُ بِهِ الْمُسَافِرُ مَا يَكْفِيهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَا عَمَلًا بِالرِّوَايَتَيْنِ انْتَهَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَجَائِزَتَهُ بَيَانًا لِحَالَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْمُسَافِرَ تَارَةً يُقِيمُ عِنْدَ مَنْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فَهَذَا لَا يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثِ بِتَفَاصِيلِهَا أَوْ تَارَةً لَا يُقِيمُ فَهَذَا يُعْطَى مَا يَجُوزُ بِهِ قَدْرَ كِفَايَتِهِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَعَلَّ هَذَا أَعْدَلَ الْأَوْجُهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الضِّيَافَةِ وَأَنَّهَا مِنْ مُتَأَكِّدَاتِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجُمْهُورُ وَهِيَ سُنَّةٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ هِيَ وَاجِبَةٌ يَوْمًا وَلَيْلَةً عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَأَهْلِ الْقُرَى دُونَ أَهْلِ الْمُدُنِ وَتَأَوَّلَ الْجُمْهُورُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَأَشْبَاهَهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَتَأَكُّدِ حَقِّ الضَّيْفِ كَحَدِيثِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ واجب على كل محتلم أَيْ مُتَأَكِّدُ الِاسْتِحْبَابِ وَتَأَوَّلَهَا الْخَطَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمُضْطَرِّ انْتَهَى قُلْتُ قَدِ اخْتَارَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ وُجُوبَ الضِّيَافَةِ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِدَلَائِلَ عَدِيدَةٍ فَقَالَ فِي النَّيْلِ وَالْحَقُّ وُجُوبُ الضِّيَافَةِ لِأُمُورٍ ثُمَّ ذَكَرَهَا فَمِنْهَا إِبَاحَةُ الْعُقُوبَةِ بِأَخْذِ الْمَالِ لِمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي غَيْرِ وَاجِبٍ وَمِنْهَا قَوْلُهُ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ فَإِنَّهُ صَرِيحٌ أَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ غَيْرُ صَدَقَةٍ بَلْ وَاجِبٌ شَرْعًا وَمِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةُ الضَّيْفِ حَقٌّ وَاجِبٌ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالْوُجُوبِ لَمْ يَأْتِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَأْوِيلِهِ قُلْتُ وُجُوبُ الضِّيَافَةِ هُوَ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ

باب ما جاء في السعي على الأرملة واليتيم

قَوْلُهُ [1968] (وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ) هُوَ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِفَتْحِهَا فِي الْمَاضِي وَبِكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ مِنَ الثَّوَاءِ وَهُوَ الْإِقَامَةُ بِمَكَانٍ مُعَيَّنٍ (حَتَّى يُحْرِجَهُ) مِنَ الْإِحْرَاجِ أَوْ مِنَ التَّحْرِيجِ أَيْ لَا يَضِيقُ صَدْرُهُ بِالْإِقَامَةِ عِنْدَهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حَتَّى يُؤْثِمَهُ أَيْ يُوقِعَهُ فِي الْإِثْمِ لِأَنَّهُ قَدْ يَغْتَابُهُ لِطُولِ مُقَامِهِ أَوْ يَعْرِضُ لَهُ بِمَا يُؤْذِيهِ أَوْ يَظُنُّ بِهِ ظَنًّا سَيِّئًا وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُؤْثِمُهُ قَالَ يُقِيمُ عِنْدَهُ لَا يَجِدُ شَيْئًا يُقَدِّمُهُ (حَتَّى يَشْتَدَّ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ) أَيْ يَثْقُلُ عَلَيْهِ (حَتَّى يُضَيِّقَ عَلَيْهِ) مِنَ التَّضْيِيقِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَاسْمُهُ خُوَيْلِدُ بْنُ عَمْرٍو) صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْمَدِينَةَ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ عَلَى الصَّحِيحِ 4 - (بَاب ما جاء في السعي على الأرملة واليتيم) الْأَرْمَلَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ امْرَأَةٌ أَرْمَلَةٌ مُحْتَاجَةٌ أَوْ مِسْكِينَةٌ وَالْجَمْعُ أَرَامِلُ وَأَرَامِلَةٌ وَالْأَرْمَلُ الْعَزَبُ وَهِيَ بهاء ولا يُقَالُ لِلْعَزَبَةِ الْمُوسِرَةِ أَرَمْلَةٌ انْتَهَى قَوْلُهُ [1969] (السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِالسَّاعِي الْكَاسِبُ لَهُمَا الْعَامِلُ لِمُؤْنَتِهِمَا

وَالْأَرْمَلَةُ مَنْ لَا زَوْجَ لَهَا سَوَاءٌ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَا وَقِيلَ الَّتِي فَارَقَهَا زوجها قال بن قتيبة سمعت أَرَمْلَةً لِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنَ الْإِرْمَالِ وَهُوَ الْفَقْرُ وَذَهَابُ الزَّادِ بِتَفَقُّدِ الزَّوْجِ يُقَالُ أَرْمَلَ الرجل إذا فني زاده قال القارىء وَهَذَا مَأْخَذٌ لَطِيفٌ فِي إِخْرَاجِ الْغَنِيَّةِ مِنْ عموم الأرملة وإن كَانَ ظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْحَدِيثِ يَعُمُّ الْغَنِيَّةَ وَالْفَقِيرَةَ قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ مَعْنَى السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَدَّاهُ بِعَلَى مُضَمِّنًا فِيهِ مَعْنَى الْإِنْفَاقِ (وَالْمِسْكِينِ) هُوَ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَقِيلَ مَنْ لَهُ بَعْضُ الشَّيْءِ وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الضَّعِيفِ وَفِي مَعْنَاهُ الْفَقِيرُ بَلْ بِالْأَوْلَى عِنْدَ بَعْضِهِمْ (كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ ثَوَابُ الْقَائِمِ بِأَمْرِهِمَا وَإِصْلَاحُ شَأْنِهِمَا وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِمَا كَثَوَابِ الْغَازِي فِي جِهَادِهِ فَإِنَّ الْمَالَ شَقِيقُ الرُّوحِ وَفِي بَذْلِهِ مُخَالَفَةُ النَّفْسِ وَمُطَالَبَةُ رِضَا الرَّبِّ (أَوْ كَالَّذِي يَصُومُ النَّهَارَ وَيَقُومُ اللَّيْلَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَوِ الْقَائِمِ اللَّيْلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ قَالَ الْعَيْنِيُّ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَفِي رواية معن بن عيسى وبن وهب وبن بُكَيْرٍ وَآخَرِينَ عَنْ مَالِكٍ بِلَفْظِ أَوْ كَالَّذِي يصوم النهار ويقوم بالليل وفي رواية بن ماجة من رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ ثَوْرٍ مِثْلُهُ وَلَكِنْ بِالْوَاوِ لا بِأَوِ انْتَهَى قَوْلُهُ (عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ) بِاسْمِ الْحَيَوَانِ الْمَعْرُوفِ الدِّيلِيِّ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي الغيث) إسمه سالم المدني مولى بن مُطِيعٍ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا اعْلَمْ أَنَّ الْإِسْنَادَ الْأَوَّلَ مُرْسَلٌ وَالثَّانِيَ مَوْصُولٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَكْثَرُهُمْ سَاقَهُ عَلَى لَفْظِ رِوَايَةِ مَالِكٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ بِهِ مُرْسَلًا ثُمَّ قَالَ وَعَنْ ثَوْرٍ بِسَنَدِهِ مِثْلُهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ شَامِيٌّ وَثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ مَدَنِيٌّ) يَعْنِي أَنَّ هَذَيْنِ رَجُلَانِ الْأَوَّلُ شَامِيٌّ وَالثَّانِي مَدَنِيٌّ وَقَدْ عَرَفْتَ تَرْجَمَةَ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ آنِفًا وَأَمَّا تَرْجَمَةُ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ فَقَالَ الْحَافِظُ ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ بِزِيَادَةِ تَحْتَانِيَّةٍ فِي أَوَّلِ اسْمِ أَبِيهِ أَبُو خَالِدٍ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِلَّا أَنَّهُ يَرَى الْقَدَرَ مِنَ السَّابِعَةِ

باب ما جاء في طلاقة الوجه وحسن البشر

45 - (باب ما جاء في طلاقة الوجه وحسن الْبِشْرِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبِشْرُ بِالْكَسْرِ الطَّلَاقَةُ وَقَالَ فِيهِ طَلُقَ كَكَرُمَ وَهُوَ طَلْقُ الْوَجْهِ مثلثة وكنيف وَأَمِيرٍ أَيْ ضَاحِكُهُ وَمَشْرِقُهُ قَوْلُهُ [1970] (كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ) قَالَ الرَّاغِبُ الْمَعْرُوفُ اسْمُ كُلِّ فِعْلٍ يُعْرَفُ حُسْنُهُ بِالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ مَعًا وَيُطْلَقُ عَلَى الاقتصاد لثبوت النهي عن السرف وقال بن أَبِي جَمْرَةَ يُطْلَقُ اسْمُ الْمَعْرُوفِ عَلَى مَا عُرِفَ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ أَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ سَوَاءٌ جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَمْ لَا قَالَ وَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الثَّوَابُ فَإِنْ قَارَنَتْهُ النِّيَّةُ أُجِرَ صَاحِبُهُ جَزْمًا وَإِلَّا فَفِيهِ احْتِمَالٌ قَالَ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَنْحَصِرُ فِي الْأَمْرِ الْمَحْسُوسِ مِنْهُ فَلَا تَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْيَسَارِ مَثَلًا بَلْ كُلِّ وَاحِدٍ قَادِرٍ عَلَى أَنْ يَفْعَلَهَا فِي أَكْثَرِ الْأَحْوَالِ بِغَيْرِ مَشَقَّةٍ (وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ أَفْرَادِهِ (أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ) أَيِ الْمُسْلِمَ (بِوَجْهٍ) بِالتَّنْوِينِ (طَلْقٍ) يَعْنِي تَلْقَاهُ مُنْبَسِطَ الْوَجْهِ مُتَهَلِّلَهُ (وَأَنْ تُفْرِغَ) مِنَ الْإِفْرَاغِ أَيْ تَصُبَّ (مِنْ دَلْوِكَ) أَيِ اسْتِقَاءَكَ (فِي إِنَاءِ أَخِيكَ) لِئَلَّا يَحْتَاجَ إِلَى الِاسْتِقَاءِ أَوْ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى الدَّلْوِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ صَنَائِعِ الْمَعْرُوفِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ حَسَنٌ فَقَطْ وَلَيْسَ فِي سَنَدِهِ غَيْرُ الْمُنْكَدِرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِيهِ لِينٌ وَقَدْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ كَذَا ذَكَرَهُ مَيْرَكُ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ الْمُنْكَدِرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ الثَّامِنَةِ

باب ما جاء في الصدق والكذب

46 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ) قَوْلُهُ [1971] (عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ) أَيِ الْزَمُوا الصِّدْقَ وَهُوَ الْإِخْبَارُ عَلَى وَفْقِ مَا فِي الْوَاقِعِ (فَإِنَّ الصِّدْقَ) أَيْ عَلَى وَجْهِ مُلَازَمَتِهِ وَمُدَاوَمَتِهِ (يَهْدِي) أَيْ صَاحِبَهُ (إِلَى الْبِرِّ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَصْلُهُ التَّوَسُّعُ فِي فِعْلِ الْخَيْرِ وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرَاتِ مِنِ اكْتِسَابِ الْحَسَنَاتِ وَاجْتِنَابِ السَّيِّئَاتِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْعَمَلِ الْخَالِصِ الدَّائِمِ الْمُسْتَمِرِّ مَعَهُ إِلَى الْمَوْتِ وإن البر يهدي إلى الجنة قال بن بَطَّالٍ مِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الأبرار لفي نعيم (وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ (وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ) أَيْ يُبَالِغُ وَيَجْتَهِدُ فِيهِ (حَتَّى يُكْتَبَ) أَيْ يَثْبُتَ (عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا) بِكَسْرِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ مُبَالِغًا فِي الصِّدْقِ فَفِي الْقَامُوسِ الصِّدِّيقُ مَنْ يَتَكَرَّرُ مِنْهُ الصِّدْقُ حَتَّى يَسْتَحِقَّ اسْمَ الْمُبَالَغَةِ فِي الصِّدْقِ وَفِي الْحَدِيثِ إِشْعَارٌ بِحُسْنِ خَاتِمَتِهِ وَإِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الصِّدِّيقَ يَكُونُ مَأْمُونَ الْعَاقِبَةِ (فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ) قَالَ الرَّاغِبُ أَصْلُ الْفَجْرِ الشَّقُّ فَالْفُجُورُ شَقُّ سِتْرِ الدِّيَانَةِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَيْلِ إِلَى الْفَسَادِ وَعَلَى الِانْبِعَاثِ فِي الْمَعَاصِي وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلشَّرِّ انْتَهَى وَفِي الْقَامُوسِ فجر فسق وَكَذَبَ وَعَصَى وَخَالَفَ (حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِالْكِتَابَةِ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَإِظْهَارُهُ لِلْمَخْلُوقِينَ مِنَ الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَإِلْقَاءِ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ أَهْلِ الْأَرْضِ وقد ذكره مالك بلاغا عن بن مَسْعُودٍ وَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً مُفِيدَةً وَلَفْظُهُ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ فَيُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ فَيُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْكَاذِبِينَ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَثٌّ عَلَى تَحَرِّي الصِّدْقِ وَالِاعْتِنَاءِ بِهِ وَعَلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْكَذِبِ وَالتَّسَاهُلِ فِيهِ فَإِنَّهُ إِذَا تَسَاهَلَ فِيهِ كَثُرَ مِنْهُ فَيُعْرَفُ بِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشخير وبن عمر) أما حديث أبي بكر

فأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مَرْفُوعًا عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّهُ مَعَ الْبِرِّ وَهُمَا فِي الْجَنَّةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ مَعَ الْفُجُورِ وَهُمَا فِي النَّارِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ فلينظر من أخرجهما وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ [1972] (قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ هَارُونَ الْغَسَّانِيِّ) هُوَ أَبُو هِشَامٍ الْوَاسِطِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ضَعِيفٌ كَذَّبَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَكُمْ) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَيَأْتِي جَوَابُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ (عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ صَدُوقٌ عَابِدٌ رُبَّمَا وَهَمَ وَرُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (إِذَا كَذَبَ الْعَبْدُ تَبَاعَدَ عَنْهُ الْمَلَكُ) يُحْتَمَلُ أَنَّ حَرْفَ التَّعْرِيفِ جِنْسِيَّةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا عَهْدِيَّةٌ وَالْمَعْهُودُ الْحَافِظُ (مَيْلًا) وَهُوَ ثُلُثُ الْفَرْسَخِ أَوْ قِطْعَةٌ مِنَ الْأَرْضِ أَوْ مَدَّ البصر ذكره بن الْمَلَكِ (مِنْ نَتْنِ مَا جَاءَ بِهِ) أَيْ عُفُونَتِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ التَّاءِ فِي الْقَامُوسِ هُوَ ضِدُّ الْفَوْحِ وَالْمَعْنَى مِنْ نَتْنِ شَيْءٍ جَاءَ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِالنَّتْنِ أَيْ مِنْ نَتْنِ الْكَذِبِ أَوْ جَاءَ الْعَبْدُ بِهِ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ قَوْلُهُ (فَأَقَرَّ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ هَارُونَ وَقَالَ نَعَمْ) هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ هَارُونَ الْغَسَّانِيِّ حَدَّثَكُمْ إِلَخْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ جَيِّدٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو نعيم في الحلية وبن أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الصَّمْتِ (تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ هَارُونَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بَعْدَ نَقْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ

باب ما جاء في الفحش والتفحش

ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ إِذَا حَدَّثَ عَنِ الثِّقَاتِ مِنْ كِتَابِهِ فَإِنَّ فِيمَا حَدَّثَ مِنْ حِفْظِهِ بَعْضُ الْمَنَاكِيرِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ متروك الحديث يكذب انتهى 7 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْفُحْشِ وَالتَّفَحُّشِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْفُحْشُ هُوَ كُلُّ مَا يَشْتَدُّ قُبْحُهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي وَكَثِيرًا مَا تَرِدُ الفاحشة بمعنى الزنى وَكُلُّ خَصْلَةٍ قَبِيحَةٍ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَقَالَ في القاموس الفاحشة الزنى وَمَا يَشْتَدُّ قُبْحُهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَكُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُ وَقَدْ فَحُشَ كَكَرُمَ فُحْشًا وَالْفُحْشُ عُدْوَانُ الْجَوَابِ وَمِنْهُ لَا تَكُونِي فَاحِشَةً لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَوْلُهُ [1974] (مَا كَانَ الْفُحْشُ) أَيْ مَا اشْتَدَّ قُبْحُهُ مِنَ الْكَلَامِ (إِلَّا شَانَهُ) أَيْ عَيَّبَهُ الْفُحْشُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْفُحْشِ الْعُنْفُ لِمَا فِي رِوَايَةِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَالضِّيَاءِ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ (وَمَا كَانَ الْحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ) أَيْ زَيَّنَهُ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ فِي شَيْءٍ فِيهِ مُبَالَغَةٌ أَيْ لَوْ قُدِّرَ أَنْ يَكُونَ الْفُحْشُ أَوِ الْحَيَاءُ فِي جَمَادٍ لَزَانَهُ أَوْ شَانَهُ فَكَيْفَ بِالْإِنْسَانِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبُخَارِيُّ فِي الأدب المفرد وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (خِيَارُكُمْ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ خَيْرِهِمْ ضِدُّ الْأَشْرَارِ (أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا) أَيْ

باب ما جاء في اللعنة

شَمَائِلَ مَرْضِيَّةً (فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا) الْفَاحِشُ ذُو الْفُحْشِ فِي كَلَامِهِ وَأَفْعَالِهِ وَالْمُتَفَحِّشُ مَنْ يَتَكَلَّفُهُ وَيَتَعَمَّدُهُ أَيْ لَمْ يَكُنِ الْفُحْشُ لَهُ جِبِلِّيًّا وَلَا كَسْبِيًّا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي اللَّعْنَةِ) قَوْلُهُ [1976] (لَا تَلَاعَنُوا) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ (بِلَعْنَةِ اللَّهِ) أَيْ لَا يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلَا يَقُلْ أَحَدٌ لِمُسْلِمٍ مُعَيَّنٍ عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ مَثَلًا (وَلَا بِغَضَبِهِ) بِأَنْ يَقُولَ غَضَبُ اللَّهِ عَلَيْكَ (وَلَا بِالنَّارِ) بِأَنْ يَقُولَ أَدْخَلَكَ اللَّهُ النَّارَ أَوِ النَّارُ مَثْوَاكَ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا تَدْعُوا عَلَى النَّاسِ بِمَا يُبْعِدُهُمُ اللَّهُ مِنْ رَحْمَتِهِ إِمَّا صَرِيحًا كَمَا تَقُولُونَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَوْ كِنَايَةً كَمَا تَقُولُونَ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ أَوْ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ فَقَوْلُهُ لَا تَلَاعَنُوا مِنْ بَابِ عُمُومِ الْمَجَازِ لِأَنَّهُ فِي بَعْضِ أَفْرَادِهِ حَقِيقَةٌ وَفِي بَعْضِهِ مَجَازٌ وَهَذَا مُخْتَصٌّ بِمُعَيَّنٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ اللَّعْنُ بِالْوَصْفِ الْأَعَمِّ كَقَوْلِهِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ أَوْ بِالْأَخَصِّ كَقَوْلِهِ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ أَوْ عَلَى كَافِرٍ مُعَيَّنٍ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ كَفِرْعَوْنَ وَأَبِي جَهْلٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عباس وأبي هريرة وبن عمر وعمران بن حصين) أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ اللَّعْنِ وَالطَّعْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ نَافِعٍ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ [1977] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ) التَّمِيمِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ أَوْ أَبُو سَعِيدٍ الْبَزَّارُ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ) أَيِ الْكَامِلُ (بِالطَّعَّانِ) أَيْ عَيَّابًا النَّاسَ (وَلَا اللَّعَّانُ) وَلَعَلَّ اخْتِيَارَ صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ فِيهَا لِأَنَّ الْكَامِلَ قَلَّ أَنْ يَخْلُوَ عَنِ الْمَنْقَصَةِ بِالْكُلِّيَّةِ (وَلَا الْفَاحِشِ) أَيْ فَاعِلِ الْفُحْشِ أَوْ قَائِلِهِ وَفِي النِّهَايَةِ أَيْ مَنْ لَهُ الْفُحْشُ فِي كَلَامِهِ وفعاله قيل أي الشاتم والظاهران الْمُرَادَ بِهِ الشَّتْمُ الْقَبِيحُ الَّذِي يَقْبُحُ ذِكْرُهُ (ولا البذي) قال القارىء بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَكَسْرِ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِسُكُونِهَا وَهَمْزَةٍ بَعْدَهَا وَهُوَ الَّذِي لَا حَيَاءَ لَهُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الشُّرَّاحِ وَفِي النِّهَايَةِ الْبَذَاءُ بِالْمَدِّ الْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ وَهُوَ بَذِيُّ اللِّسَانِ وَقَدْ يقال بالهمز وليس بكثير انتهى قال القارىء فَعَلَى هَذَا يَخُصُّ الْفَاحِشَ بِالْفِعْلِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ أَوْ يُحْمَلَ عَلَى الْعُمُومِ وَالثَّانِي يَكُونُ تَخْصِيصًا بَعْدَ تَعْمِيمٍ لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَقَدْ يُقَالُ عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَلَا زَائِدَةٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والبخاري في تاريخه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ قَالَ مَيْرَكُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ سِوَى مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى شَيْخِ التِّرْمِذِيِّ وثقة بن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ قَوْلُهُ [1978] (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ) بْنِ الْحَكَمِ الزَّهْرَانِيُّ بِفَتْحِ الزَّايِ الْأَزْدِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ) الْعَطَّارُ الْبَصْرِيُّ أَبُو يَزِيدَ ثِقَةٌ لَهُ أَفْرَادٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا لَعَنَ الرِّيحَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَجُلًا نازعته الريح رداءه فلعنها (لاتلعن الرِّيحَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ) أَيْ بِأَمْرٍ مَا وَالْمُنَازَعَةُ مِنْ خَاصِّيَّتِهَا وَلَوَازِمِ وُجُودِهَا عَادَةً

باب ما جاء في تعليم النسب

أَوْ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ حَتَّى بِهَذِهِ الْمُنَازَعَةِ أَيْضًا ابْتِلَاءً لِعِبَادِهِ (وَإِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنَ (مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ) أَيْ ذَلِكَ الشَّأْنَ (لَهُ) أَيِ اللَّعْنَ (بِأَهْلٍ) أَيْ بِمُسْتَحِقٍّ (رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى اللَّاعِنِ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ وَكَذَا الرَّحْمَةَ تَعْرِفُ طَرِيقَ صَاحِبِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (لَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ غَيْرَ بِشْرِ بْنِ عُمَرَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَبِشْرُ بْنُ عُمَرَ هَذَا هُوَ الزَّهْرَانِيُّ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْلِيمِ النَّسَبِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ النَّسَبُ مُحَرَّكَةٌ وَالنِّسْبَةُ بِالْكَسْرِ وَبِالضَّمِّ الْقَرَابَةُ أَوْ فِي الْآبَاءِ خَاصَّةً انْتَهَى قَوْلُهُ [1979] (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عِيسَى الثقفي) بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَارِيَةَ بِالْجِيمِ التَّحْتَانِيَّةِ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ مَدَنِيٌّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ) أَيْ مِنْ أَسْمَاءِ آبَائِكُمْ وَأَجْدَادِكُمْ وَأَعْمَامِكُمْ وَأَخْوَالِكُمْ وَسَائِرِ أَقَارِبِكُمْ (مَا) أَيْ قَدْرَ مَا (تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الصِّلَةَ تَتَعَلَّقُ بِذَوِي الْأَرْحَامِ كُلِّهَا لَا بِالْوَالِدَيْنِ فَقَطْ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَعْضُ وَالْمَعْنَى تَعَرَّفُوا أَقَارِبَكُمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ لِيُمْكِنَكُمْ صِلَةُ الرَّحِمِ وَهِيَ التَّقَرُّبُ لَدَيْهِمْ وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَالْإِحْسَانُ إِلَيْهِمْ فَتَعَلُّمُ النَّسَبِ مَنْدُوبٌ (فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ) بِفَتَحَاتٍ وَتَشْدِيدِ مُوَحَّدَةٍ مَفْعَلَةٌ مِنَ الحب مصدر المبني للمفعول قال القارىء وفي

باب ما جاء في دعوة الأخ لأخيه بظهر الغيب

نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ مَظِنَّةٌ لِلْحُبِّ وَسَبَبٌ لِلْوُدِّ (فِي الْأَهْلِ) أَيْ فِي أَهْلِ الرَّحِمِ (مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَفِي النِّهَايَةِ هِيَ مُفْتَعَلَةٌ مِنَ الثَّرَى وَهُوَ الْكَثْرَةُ أَيْ سَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْمَالِ وَهُوَ خَبَرٌ ثَانٍ (مَنْسَأَةٌ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَفْعَلَةٌ مِنَ النَّسَاءِ وَهُوَ التَّأْخِيرُ (فِي الْأَثَرِ) بفتحتين أي لأجل وَالْمَعْنَى أَنَّهَا سَبَبٌ لِتَأْخِيرِ الْأَجَلِ وَمُوجِبٌ لِزِيَادَةِ الْعُمُرِ وَقِيلَ بَاعِثُ دَوَامٍ وَاسْتِمْرَارٍ فِي النَّسْلِ وَالْمَعْنَى أَنَّ يُمْنَ الصِّلَةِ يُفْضِي إِلَى ذَلِكَ وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ وَالْمُرَادُ بِتَأْخِيرِ الْأَجَلِ بِالصِّلَةِ إِمَّا حُصُولُ الْبَرَكَةِ وَالتَّوْفِيقُ فِي الْعَمَلِ وَعَدَمِ ضَيَاعِ الْعُمُرِ فَكَأَنَّهُ زَادَ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّهُ سَبَبٌ لِبَقَاءِ ذِكْرِهِ الْجَمِيلِ بَعْدَهُ أَوْ وُجُودِ الذُّرِّيَّةِ الصَّالِحَةِ وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهَا سَبَبٌ لِزِيَادَةِ الْعُمُرِ كَسَائِرِ أَسْبَابِ الْعَالَمِ فَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى زِيَادَةَ عُمُرِهِ وَفَّقَهُ لِصِلَةِ الْأَرْحَامِ وَالزِّيَادَةُ إِنَّمَا هُوَ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْخَلْقِ وَأَمَّا فِي عِلْمِ اللَّهِ فَلَا زِيَادَةَ وَلَا نُقْصَانَ وَهُوَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ وَقَوْلُهُ تَعَالَى يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي دَعْوَةِ الْأَخِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ) لَفْظُ الظَّهْرِ مَقْحَمٌ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ فِي غِيبَةِ الْمَدْعُوِّ له عنه وإن كَانَ حَاضِرًا مَعَهُ بِأَنْ دَعَا لَهُ بِقَلْبِهِ حِينَئِذٍ أَوْ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ قَوْلُهُ [1980] (مَا دَعْوَةٌ أَسْرَعَ إِجَابَةً) تَمْيِيزٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِنَّ أَسْرَعَ الدُّعَاءِ إِجَابَةً دَعْوَةُ غَائِبٍ لِغَائِبٍ (مِنْ دَعْوَةِ غَائِبٍ لِغَائِبٍ) لِخُلُوصِهِ وَصِدْقِ النِّيَّةِ وَبُعْدِهِ عَنِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

باب ما جاء في الشتم

51 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشَّتْمِ) قَوْلُهُ [1981] (الْمُسْتَبَّانِ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ تَثْنِيَةُ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ أَيِ الْمُتَشَاتِمَانِ وَهُمَا اللَّذَانِ سَبَّ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ لَكِنَّ الْآخَرَ أَرَادَ رَدَّ الْآخَرِ أَوْ قَالَ شَيْئًا مِنْ مَعَائِبِهِ الْمَوْجُودَةِ فِيهِ هُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ (مَا قَالَا) أَيْ إثم قولهما (فعلى البادىء) أي على المبتدىء فَقَطْ وَالْفَاءُ إِمَّا لِكَوْنِ مَا شَرْطِيَّةً أَوْ لأنها موصولة متضمنة للشرط ثم البادىء بِالْهَمْزِ وَإِنَّمَا كَانَ الْإِثْمُ كُلُّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لِتِلْكَ الْمُخَاصَمَةِ وَقِيلَ إِثْمُ مَا قالا للبادىء أكبر مِمَّا يَحْصُلُ لِلْمَظْلُومِ (مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ) فَإِنْ جَاوَزَ الْحَدَّ بِأَنْ أَكْثَرَ الْمَظْلُومُ شَتْمَ البادىء وَإِيذَاءَهُ صَارَ إِثْمُ الْمَظْلُومِ أَكْثَرَ مِنْ إِثْمِ البادىء وَقِيلَ إِذَا تَجَاوَزَ فَلَا يَكُونُ الْإِثْمُ عَلَى البادىء فَقَطْ بَلْ يَكُونُ الْآخَرُ آثِمًا أَيْضًا بِاعْتِدَائِهِ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ يَرْجِعُ إِلَى خِلَافِ الِاعْتِدَاءِ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا مَنْ يَسُبُّ سَبَّتَيْنِ بِسَبَّةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ عَنْ عِيَاضِ بْنِ حَمَّادٍ الْمُسْتَبَّانِ شَيْطَانَانِ يَتَهَاتَرَانِ وَيَتَكَاذَبَانِ وَالتَّهَاتُرُ التَّعَالُجُ فِي الْقَوْلِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن سعد وبن مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ) أَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فأخرجه بن ماجة وأما حديث بن مسعود فأخرجه الترمذي في هذا الباب وأماحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا فَعَلَى البادىء مِنْهُمَا حَتَّى يَعْتَدِيَ الْمَظْلُومُ

قوله [1982] (حدثنا أبو داود الْحَفَرِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ نِسْبَةً إِلَى مَوْضِعٍ بِالْكُوفَةِ اسْمُهُ عُمَرُ بن سعد بن عبيد ثقة عابد من التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ) الْمُسْلِمِينَ (فَتُؤْذُوا) أَيْ بِسَبِّكُمْ (الْأَحْيَاءَ) أَيْ مِنْ أَقَارِبِهِمْ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَإِنَّهُمْ قَدْ أَفْضَوْا إِلَى مَا قَدَّمُوا قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ قَوْلُهُ الْأَمْوَاتَ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ أَمْوَاتَ الْمُسْلِمِينَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رواه الترمذي من حديث بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ سُنَنِهِ وَلَا حَرَجَ فِي ذِكْرِ مساوىء الْكُفَّارِ وَلَا يُؤْمَرُ بِذِكْرِ مَحَاسِنِ مَوْتَاهُمْ إِنْ كَانَتْ لَهُمْ مِنْ صَدَقَةٍ وَإِعْتَاقٍ وَإِطْعَامِ طَعَامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ مُسْلِمٌ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ فَيَجْتَنِبَ ذَلِكَ حِينَئِذٍ كَمَا ورد في حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَقَعَ فِي أَبِي الْعَبَّاسِ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَطَمَهُ الْعَبَّاسُ فَجَاءَ قَوْمُهُ فَقَالُوا وَاللَّهِ لَنَلْطِمَنَّهُ كَمَا لَطَمَهُ فَلَبِسُوا السِّلَاحَ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ أَهْلِ الْأَرْضِ أَكْرَمُ عِنْدَ اللَّهِ قَالُوا أَنْتَ قَالَ فَإِنَّ الْعَبَّاسَ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ فَلَا تَسُبُّوا أَمْوَاتَنَا فَتُؤْذُوا أَحْيَاءَنَا فَجَاءَ الْقَوْمُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِكَ وَفِي كِتَابِ الصَّمْتِ لِابْنِ أَبِي الدُّنْيَا فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ صَحِيحِ الْإِسْنَادِ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَبَّ قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ لَا تَسُبُّوا هَؤُلَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُصُ إِلَيْهِمْ شَيْءٌ مِمَّا تَقُولُونَ وَتُؤْذُونَ الْأَحْيَاءَ ألا إن البذاء لؤم وقال بن بَطَّالٍ ذِكْرُ شِرَارِ الْمَوْتَى مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ خَاصَّةً جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ وَقَالَ سَبُّ الْأَمْوَاتِ يَجْرِي مَجْرَى الْغِيبَةِ فَإِنْ كَانَ أَغْلَبُ أَحْوَالِ الْمَرْءِ الْخَيْرَ وَقَدْ تَكُونُ مِنْهُ الْفِتْنَةُ فَالِاغْتِيَابُ لَهُ مَمْنُوعٌ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا مُعْلِنًا فَلَا غِيبَةَ لَهُ فَكَذَلِكَ الْمَيِّتُ انْتَهَى قَوْلُهُ (فَرَوَى بَعْضُهُمْ) كَوَكِيعٍ وَأَبِي نُعَيْمٍ (مِثْلَ رِوَايَةِ الْحَفَرِيِّ) يَعْنِي عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبِّ الْأَمْوَاتِ وَفِيهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لاتسبوا الْأَمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ (وَرَوَى بَعْضُهُمْ) كعَبْدُ

الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ (عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُ عِنْدَ الْمُغِيرَةِ بْنَ شُعْبَةَ إِلَخْ) فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَجُلًا عِنْدَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا الْأَمْوَاتَ فَتُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ زِيَادَ بْنَ عِلَاقَةَ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ أولا مِنْ رَجُلٍ يُحَدِّثُهُ عِنْدَ الْمُغِيرَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ سَمِعَ الْمُغِيرَةُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَ بِهِ زِيَادَ بْنَ عِلَاقَةَ فَرَوَى زِيَادٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 2 - قَوْلُهُ [1983] (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ قَوْلُهُ (سِبَابُ الْمُسْلِمِ) بِكَسْرِ السِّينِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ سَبُّهُ وَشَتْمُهُ وَهُوَ مَصْدَرٌ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ السِّبَابُ أَشَدُّ مِنَ السَّبِّ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ فِي الرَّجُلِ مَا فِيهِ وَمَا لَيْسَ فِيهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ عَيْبَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ السِّبَابُ هُنَا مِثْلُ الْقِتَالِ فَيَقْتَضِي الْمُفَاعَلَةَ (فُسُوقٌ) الْفِسْقُ فِي اللُّغَةِ الْخُرُوجُ وَفِي الشَّرْعِ الْخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَهُوَ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ أَشَدُّ مِنَ الْعِصْيَانِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَرَّهَ إليكم الكفر والفسوق والعصيان فَفِي الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ حَقِّ الْمُسْلِمِ وَالْحُكْمُ عَلَى مَنْ سَبَّهُ بِغَيْرِ حَقٍّ بِالْفِسْقِ (وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ لِمَا يَعْنِي مُجَادَلَتَهُ وَمُحَارَبَتَهُ بِالْبَاطِلِ (كُفْرٌ) بِمَعْنَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ وَالْإِحْسَانِ فِي أُخُوَّةِ الاسلام أو أنه ربما يؤول هَذَا الْفِعْلُ بِشُؤْمِهِ إِلَى الْكُفْرِ أَوْ أَنَّهُ فِعْلُ الْكَفَرَةِ أَوْ أَرَادَ بِهِ التَّغْلِيظَ وَالتَّهْدِيدَ وَالتَّشْدِيدَ فِي الْوَعِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ نَعَمْ قَتْلُهُ مَعَ اسْتِحْلَالِ قَتْلِهِ كُفْرٌ صَرِيحٌ فَفِي النِّهَايَةِ السَّبُّ الشَّتْمُ يُقَالُ سَبَّهُ يَسُبُّهُ سَبًّا وَسِبَابًا قِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ سَبَّ أَوْ قَاتَلَ مُسْلِمًا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَقِيلَ إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّغْلِيظِ لَا أَنَّهُ يُخْرِجُهُ إِلَى الْفِسْقِ وَالْكُفْرِ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ إِذَا اسْتَبَاحَ دَمَهُ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَلَمْ يَرَ الْإِسْلَامَ عَاصِمًا لَهُ فَهُوَ رِدَّةٌ وَكُفْرٌ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْكُفْرِ الَّتِي هِيَ الْخُرُوجُ عَنِ الْمِلَّةِ بَلْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْكُفْرَ مُبَالَغَةً فِي التَّحْذِيرِ مُعْتَمِدًا عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنَ الْقَوَاعِدِ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُخْرِجُ عَنِ الْمِلَّةِ مِثْلُ حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ وَمِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى

باب ما جاء في قول المعروف

إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والشيخان والنسائي والحاكم وبن مَاجَهْ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ الْمَعْرُوفِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَعْرُوفُ هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا عُرِفَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ وَكُلُّ مَا نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّرْعُ وَنَهَى عَنْهُ مِنَ الْمُحَسِّنَاتِ وَالْمُقَبِّحَاتِ وَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ أَيْ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا رَأَوْهُ لَا يُنْكِرُونَهُ وَالْمَعْرُوفُ النَّصَفَةُ وَحُسْنُ الصُّحْبَةِ مَعَ الْأَهْلِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ وَالْمُنْكَرُ ضِدُّ ذَلِكَ جَمِيعِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ [1984] (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ) بْنِ الْحَارِثِ الواسطي يقال الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا) جَمْعُ غُرْفَةٍ أَيْ عَلَالِيَّ فِي غَايَةٍ مِنَ اللَّطَافَةِ وَنِهَايَةٍ مِنَ الصَّفَاءِ وَالنَّظَافَةِ (ترى) بالبناء للمفعول (ظهورها من بطونها وبطونهامن ظُهُورِهَا) لِكَوْنِهَا شَفَّافَةً لَا تَحْجُبُ مَا وَرَاءَهَا وفي رواية أحمد وبن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيِّ يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا (لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ) وَرُوِيَ أَلَانَ وَرُوِيَ أَلْيَنَ كَأَجْوَدَ عَلَى الْأَصْلِ وَرُوِيَ لَيَّنَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَالْمَعْنَى لِمَنْ لَهُ خُلُقٌ حَسَنٌ مَعَ الْأَنَامِ قَالَ تَعَالَى وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قالوا سلاما فَيَكُونُ مِنْ عِبَادِ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا الْمَوْصُوفِينَ بِقَوْلِهِ (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بما صبروا) (وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ) لِلْعِيَالِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْأَضْيَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَأَدَامَ الصِّيَامَ) أَيْ أَكْثَرَ مِنْهُ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِحَيْثُ تَابَعَ بَعْضَهَا بَعْضًا وَلَا يَقْطَعُهَا رَأْسًا قاله بن الْمَلَكِ وَقِيلَ أَقَلُّهُ أَنْ يَصُومَ مِنْ

باب ما جاء في فضل المملوك الصالح

كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَفِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قواما مع أن قوله تعالى (بما صبروا) صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الصَّوْمِ (وَصَلَّى بِاللَّيْلِ) لِلَّهِ (وَالنَّاسُ) أَيْ غَالِبُهُمْ (نِيَامٌ) جَمْعُ نَائِمٍ أَوْ غَافِلُونَ عَنْهُ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ لَا رِيَاءَ يَشُوبُ عَمَلَهُ وَلَا شُهُودَ غَيْرُ اللَّهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وقياما المنبىء وَصْفُهُمْ بِذَلِكَ عَنْ أَنَّهُمْ فِي غَايَةٍ مِنَ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْمَمْلُوكِ الصَّالِحِ) قَوْلُهُ [1985] (نِعْمَ مَا) مَا نَكِرَةٌ غَيْرُ مَوْصُولَةٍ وَلَا مَوْصُوفَةٍ بِمَعْنَى شَيْءٍ أَيْ نِعْمَ شَيْئًا (لِأَحَدِهِمْ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ نِعِمَّا الْمَمْلُوكُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِدْغَامِ الْمِيمِ فِي الْأُخْرَى وَيَجُوزُ كَسْرُ النُّونِ وَتُكْسَرُ النُّونُ وَتُفْتَحُ أَيْضًا مَعَ إِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَحْرِيكِ الْمِيمِ فَتِلْكَ أَرْبَعُ لُغَاتٍ (أَنْ يُطِيعَ رَبَّهُ وَيُؤَدِّيَ حَقَّ سَيِّدِهِ) مَخْصُوصٌ بِالْمَدْحِ وَالْمَعْنَى نِعْمَ شَيْئًا لَهُ إِطَاعَةُ اللَّهِ وَأَدَاءُ حَقِّ سَيِّدِهِ (يَعْنِي الْمَمْلُوكَ) هَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ لِقَوْلِهِ لِأَحَدِهِمْ (وَقَالَ كَعْبٌ صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) كَعْبٌ هَذَا هُوَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ كَعْبُ بْنُ مَانِعٍ الْحِمْيَرِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَعْرُوفُ بِكَعْبِ الْأَحْبَارِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مُخَضْرَمٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَسَكَنَ الشَّامَ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَقَدْ زَادَ عَلَى الْمِائَةِ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ رِوَايَةٌ وَفِي مُسْلِمٍ رِوَايَةٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ وَقَدْ وَقَعَ ذِكْرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ فِي مَوَاضِعَ فِي مُسْلِمٍ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِذَا أَدَّى الْعَبْدُ حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ كَانَ لَهُ أَجْرَانِ قَالَ فَحَدَّثْتُ بِهِ كَعْبًا فَقَالَ كَعْبٌ لَيْسَ عَلَيْهِ حِسَابٌ لَا عَلَى مُؤْمِنٍ مُزَهِّدٍ انْتَهَى

قوله (وفي الباب عن أبي موسى وبن عمر) أما حديث أبو مُوسَى فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا الْمَمْلُوكُ الَّذِي يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَيُؤَدِّي إِلَى سَيِّدِهِ الَّذِي عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَالنَّصِيحَةِ وَالطَّاعَةِ لَهُ أَجْرَانِ وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا نَصَحَ لِسَيِّدِهِ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ اللَّهِ فَلَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِهِمَا الْمَمْلُوكُ أَنْ يَتَوَفَّاهُ اللَّهُ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَطَاعَةَ سَيِّدِهِ نِعِمَّا لَهُ وَقَوْلُهُ (عَنْ زَاذَانَ) هُوَ أَبُو عُمَرَ الْكِنْدِيُّ الْبَزَّارُ وَيُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا صَدُوقٌ يُرْسِلُ وَفِيهِ شِيعِيَّةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (ثَلَاثَةٌ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ) جَمْعُ كَثِيبٍ بِمُثَلَّثَةٍ رَمْلٌ مُسْتَطِيلٌ مُحْدَوْدِبٌ (أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ يَعْنِي أَظُنُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَنْصُوبَ رَاجِعٌ إلى بن عُمَرَ وَقَائِلُهُ هُوَ زَاذَانُ وَالْمَعْنَى إِنِّي أَظُنُّ أن بن عُمَرَ قَالَ بَعْدَ لَفْظِ عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ لَفْظَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (عَبْدٌ) قِنٌّ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى (أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ) أَيْ قَامَ بِالْحَقَّيْنِ مَعًا فَلَمْ يَشْغَلْهُ أَحَدُهُمَا عَنِ الاخر (ورجل ينادي) أي يؤذن محتسبا كماجاء فِي رِوَايَةٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالصَّغِيرِ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ لَا يَهُولُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَلَا يَنَالُهُمُ الْحِسَابُ هُمْ عَلَى كَثِيبٍ مِنْ مِسْكٍ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ حِسَابِ الْخَلَائِقِ رَجُلٌ قَرَأَ الْقُرْآنَ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَأَمَّ بِهِ قَوْمًا وَهُمْ بِهِ رَاضُونَ وَدَاعٍ يَدْعُو إِلَى الصَّلَوَاتِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَعَبْدٌ أَحْسَنَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَوَالِيهِ وَرَوَاهُ فِي الْكَبِيرِ بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ وَمَمْلُوكٌ لَمْ يَمْنَعْهُ رِقُّ الدُّنْيَا مِنْ طَاعَةِ رَبِّهِ

باب ما جاء في معاشرة الناس

قَوْلُهُ (وَأَبُو الْيَقْظَانَ اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ قَيْسٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ بِالتَّصْغِيرِ ويقال بن قَيْسٍ وَالصَّوَابُ أَنَّ قَيْسًا جَدُّ أَبِيهِ وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ أَيْضًا الْبَجَلِيُّ أَبُو الْيَقْظَانِ الْكُوفِيُّ الْأَعْمَى ضَعِيفٌ وَاخْتَلَطَ وَكَانَ يُدَلِّسُ وَيَغْلُو فِي التَّشَيُّعِ مِنَ السَّادِسَةِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مُعَاشَرَةِ النَّاسِ) قَوْلُهُ [1987] (عَنْ مَيْمُونِ بْنِ أَبِي شَبِيبٍ) الرِّبْعِيُّ أَبُو نَصْرٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (اتَّقِ الله) أي بِالْإِتْيَانِ بِجَمِيعِ الْوَاجِبَاتِ وَالِانْتِهَاءِ عَنْ سَائِرِ الْمُنْكَرَاتِ فَإِنَّ التَّقْوَى أَسَاسُ الدِّينِ وَبِهِ يَرْتَقِي إِلَى مَرَاتِبِ الْيَقِينِ (حَيْثُ مَا كُنْتَ) أَيْ فِي الْخَلَاءِ وَفِي النَّعْمَاءِ وَالْبَلَاءِ فَإِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِسِرِّ أَمْرِكَ كَمَا أَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَى ظَوَاهِرِكَ فَعَلَيْكَ بِرِعَايَةِ دَقَائِقِ الْأَدَبِ فِي حِفْظِ أَوَامِرِهِ وَمَرَاضِيهِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ مَسَاخِطِهِ وَمَسَاوِيهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (وَأَتْبِعْ) أَمْرٌ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ (السيئة) الصادرة منك صَغِيرَةٍ وَكَذَا كَبِيرَةٍ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ عُمُومُ الْخَبَرِ وَجَرَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ لَكِنْ خَصَّهُ الْجُمْهُورُ بِالصَّغَائِرِ (الْحَسَنَةَ) صَلَاةً أَوْ صَدَقَةً أَوِ اسْتِغْفَارًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ (تَمْحُهَا) أَيْ تَدْفَعُ الْحَسَنَةُ السَّيِّئَةَ وَتَرْفَعُهَا وَالْإِسْنَادُ مَجَازِيٌّ وَالْمُرَادُ يَمْحُو اللَّهُ بِهَا آثَارَهَا مِنَ الْقَلْبِ أَوْ مِنْ دِيوَانِ الْحَفَظَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرَضَ يُعَالَجُ بِضِدِّهِ فَالْحَسَنَاتُ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ (وَخَالِقِ النَّاسَ) أَمْرٌ مِنَ الْمُخَالَقَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْخُلُقِ مَعَ الْخَلْقِ أَيْ خَالِطْهُمْ وَعَامِلْهُمْ (بِخُلُقٍ حَسَنٍ) أَيْ تَكَلَّفْ مُعَاشَرَتَهُمْ بِالْمُجَامَلَةِ فِي الْمُعَامَلَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ نَحْوِ طَلَاقَةِ وَجْهٍ وَخَفْضِ جَانِبٍ وَتَلَطُّفٍ وَإِينَاسٍ وَبَذْلِ نَدًى وَتَحَمُّلِ أَذًى فَإِنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ يُرْجَى لَهُ فِي الدُّنْيَا الْفَلَاحُ وَفِي الْآخِرَةِ الْفَوْزُ بِالنَّجَاةِ والنجاح

باب ما جاء في ظن السوء

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْإِيمَانِ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا وَنُوزِعَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ (عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم نحوه) أخرجه أحمد والبيهقي في شعب الايمان قَوْلُهُ 6 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي ظَنِّ السُّوءِ) قَالَ فِي الصُّرَاحِ سوء مساءة مسائية الذوهلين كردن سوء بالضم اسم فيه وقرىء قوله تعالى عليهم دائرة السوء يَعْنِي الْهَزِيمَةَ وَالشَّرَّ وَيُقَالُ هَذَا رَجُلُ سَوْءٍ عَلَى الْإِضَافَةِ ثُمَّ تُدْخِلُ عَلَيْهِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فَتَقُولُ هَذَا رَجُلُ السَّوْءِ قَالَ الْأَخْفَشُ لَا يُقَالُ الرَّجُلُ السَّوْءُ وَيُقَالُ الْحَقُّ الْيَقِينُ وَحَقُّ الْيَقِينِ جَمِيعًا لِأَنَّ السَّوْءَ لَيْسَ بِالرَّجُلِ وَالْيَقِينُ هُوَ الْحَقُّ قَالَ وَلَا يُقَالُ هَذَا رَجُلُ السُّوءِ بِضَمِّ السِّينِ انْتَهَى قَوْلُهُ [1988] (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ) أَيِ اتَّقُوا سُوءَ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِينَ قَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظن وَهُوَ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ دُونَ مَا يَخْطُرُ بِقَلْبِهِ (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ) وَهُوَ أَنْ يَظُنَّ وَيَتَكَلَّمَ (إِثْمٌ) فَلَا تَجَسَّسُوا أَوِ احْذَرُوا اتِّبَاعَ الظَّنِّ فِي أَمْرِ الدِّينِ الَّذِي مَبْنَاهُ عَلَى الْيَقِينِ قَالَ تَعَالَى وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الحق شيئا قَالَ الْقَاضِي هُوَ تَحْذِيرٌ عَنْ

باب ما جاء في المزاح

الظَّنِّ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْقَطْعُ أَوِ التَّحَدُّثُ بِهِ عِنْدَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ أَوْ عَمَّا يَظُنُّ كَذِبَهُ انْتَهَى أَوِ اجْتَنِبُوا الظَّنَّ فِي التَّحْدِيثِ وَالْإِخْبَارِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّحْذِيرُ عَنِ الظَّنِّ بِسُوءٍ فِي الْمُسْلِمِينَ وَفِيمَا يجب فيه الْقَطْعِ مِنَ الِاعْتِقَادِيَّاتِ (فَإِنَّ الظَّنَّ) أَقَامَ الْمُظْهَرَ مَقَامَ الْمُضْمَرِ حَثًّا عَلَى تَجَنُّبِهِ (أَكْذَبُ الْحَدِيثِ) أَيْ حَدِيثُ النَّفْسِ لِأَنَّهُ بِإِلْقَاءِ الشَّيْطَانِ فِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ مَعْنَى كَوْنِ الظَّنِّ أَكْذَبَ الْحَدِيثِ مَعَ أَنَّ الْكَذِبَ خِلَافُ الْوَاقِعِ فَلَا يَقْبَلُ النَّقْصَ وَضِدَّهُ إِنَّ الظَّنَّ أَكْثَرُ كَذِبًا أَوْ إِنَّ إِثْمَ هَذَا الْكَذِبِ أَزْيَدُ مِنْ إِثْمِ الْحَدِيثِ الْكَاذِبِ أَوْ إِنَّ الْمَظْنُونَاتِ يَقَعُ الْكَذِبُ فِيهَا أَكْثَرَ مِنَ الْمَجْزُومَاتِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَقَدِ اسْتُشْكِلَتْ تَسْمِيَةُ الظَّنِّ حَدِيثًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ عَدَمُ مُطَابَقَةِ الْوَاقِعِ سَوَاءٌ كَانَ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا يَنْشَأُ عَنِ الظَّنِّ فَوُصِفَ الظَّنُّ بِهِ مَجَازًا انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مُطَوَّلًا 7 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمِزَاحِ) فِي الْقَامُوسِ مَزَحَ كَمَنَعَ مَزْحًا مُزَاحًا وَمُزَاحَةً بِضَمِّهِمَا دَاعَبَ وَمَازَحَهُ مُمَازَحَةً وَمِزَاحًا بِالْكَسْرِ وَتَمَازَحَا انْتَهَى وَفِي الصُّرَاحِ مَزَحَ لاغ كردن قَالَ النَّوَوِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الْمِزَاحَ الْمَنْهِيَّ هُوَ الَّذِي فِيهِ إِفْرَاطٌ وَيُدَاوِمُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُورِثُ الضَّحِكَ وَقَسْوَةَ الْقَلْبِ وَيَشْغَلُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْكُفْرَ فِي مُهِمَّاتِ الدين ويؤول فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ إِلَى الْإِيذَاءِ وَيُورِثُ الْأَحْقَادَ وَيُسْقِطُ الْمَهَابَةَ وَالْوَقَارَ فَأَمَّا مَا سَلِمَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَهُوَ الْمُبَاحُ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ عَلَى النُّدْرَةِ لِمَصْلَحَةِ تَطْيِيبِ نَفْسِ الْمُخَاطَبِ وَمُؤَانَسَتِهِ وَهُوَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ فَاعْلَمْ هَذَا فَإِنَّهُ مِمَّا يَعْظُمُ الِاحْتِيَاجُ إِلَيْهِ انْتَهَى قَوْلُهُ [1989] (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَضَّاحِ الْكُوفِيُّ) أَبُو مُحَمَّدٍ اللُّؤْلُؤِيُّ مَقْبُولٌ مِنْ كِبَارِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ

(عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ) بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ حُمَيْدٍ الضُّبَعِيُّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بَصْرِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (إِنْ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ أَيْ إِنَّهُ (لَيُخَالِطُنَا) بِفَتْحِ اللَّامِ وَتُسَمَّى لَامَ الْفَارِقَةِ وَفِي نُسْخَةٍ لِلشَّمَائِلِ لَيُخَاطِبُنَا وَالْمَعْنَى لَيُخَالِطُنَا غَايَةَ الْمُخَالَطَةِ وَيُعَاشِرُنَا نِهَايَةَ الْمُعَاشَرَةِ وَيُجَالِسُنَا وَيُمَازِحُنَا (حَتَّى إِنْ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ (كَانَ لَيَقُولُ لِأَخٍ لِي) أَيْ مِنْ أُمِّي وَأَبُوهُ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ (يَا أَبَا عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ (مَا فَعَلَ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَيْ مَا صَنَعَ (النُّغَيْرُ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ تَصْغِيرُ نُغَرٍ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ طَائِرٌ يُشْبِهُ الْعُصْفُورَ أَحْمَرُ المنقار وقيل هو العصفور وقيل هو الصعفور صَغِيرُ الْمِنْقَارِ أَحْمَرُ الرَّأْسِ وَقِيلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يُسَمُّونَهُ الْبُلْبُلَ وَالْمَعْنَى مَا جَرَى لَهُ حَيْثُ لَمْ أَرَهُ مَعَكَ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَكَانَ لَهُ نُغَيْرٌ يَلْعَبُ بِهِ فَمَاتَ فَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيَةٌ لَهُ عَلَى فَقْدِهِ بِمَوْتِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ حَتَّى غَايَةُ قَوْلِهِ يُخَالِطُنَا وَضَمِيرُ الْجَمْعِ لِأَنَسٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ أَيِ انْتَهَتْ مُخَالَطَتُهُ لِأَهْلِنَا كُلِّهِمْ حَتَّى الصَّبِيِّ وَحَتَّى الْمُلَاعَبَةِ مَعَهُ وَحَتَّى السُّؤَالِ عَنْ فِعْلِ النُّغَيْرِ وَقَالَ الرَّاغِبُ الْفِعْلُ التَّأْثِيرُ مِنْ جِهَةٍ مُؤَثِّرَةٍ وَالْعَمَلُ كُلُّ فِعْلٍ يَكُونُ مِنَ الْحَيَوَانِ بِقَصْدٍ وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ الْفِعْلِ لِأَنَّ الْفِعْلَ قَدْ يُنْسَبُ إِلَى الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي يَقَعُ مِنْهَا بِغَيْرِ قَصْدٍ وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى الْجَمَادَاتِ انْتَهَى كَلَامُهُ فَالْمَعْنَى مَا حَالُهُ وَشَأْنُهُ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ تَنْبِيهٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ الطَّبَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بابن القاص الْفَقِيهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِهِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ عَابَ عَلَى أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ يَرْوُونَ أشياء لا فائدة فيها أو مثل ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي عُمَيْرٍ هَذَا قَالَ وَمَا دَرَى أَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وُجُوهِ الْفِقْهِ وَفُنُونِ الْأَدَبِ وَالْفَائِدَةِ سِتِّينَ وَجْهًا ثُمَّ سَاقَهَا مَبْسُوطَةً فَلَخَّصْتُهَا مُسْتَوْفِيًا بِمَقَاصِدِهِ ثُمَّ أَتْبَعْتُهُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنَ الزَّوَائِدِ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ مَا لَخَّصَهُ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ فَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَرَاجِعِ الْفَتْحَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي بَابِ الْكُنْيَةِ لِلصَّبِيِّ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

قَوْلُهُ [1990] (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) اللَّيْثِيِّ مَوْلَاهُمْ كُنْيَتُهُ أَبُو زَيْدٍ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا) مِنَ الدُّعَابَةِ أَيْ تُمَازِحُنَا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ لِعَجُوزٍ لَا تَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَجُوزٌ أَيْ لَا تَبْقَى عَجُوزًا عِنْدَ دُخُولِهَا وَكَأَنَّهُمُ اسْتَبْعَدُوهُ مِنْهُ فَلِذَلِكَ أَكَّدُوا الْكَلَامَ بِإِنَّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَنْشَأَ سُؤَالِهِمْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُمْ عَنِ الْمِزَاحِ كَمَا سيجيء في باب المراء عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا) أَيْ عَدْلًا وَصِدْقًا لِعِصْمَتِي عَنِ الزَّلَلِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَلَا كُلُّ أَحَدٍ مِنْكُمْ قَادِرٌ عَلَى هَذَا الْحَصْرِ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ فِيكُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مسنده قَوْلُهُ [1992] (يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ) مَعْنَاهُ الْحَضُّ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى حُسْنِ الِاسْتِمَاعِ لِمَا يُقَالُ لَهُ لِأَنَّ السَّمْعَ بِحَاسَّةِ الْأُذُنِ وَمَنْ خَلَقَ اللَّهُ لَهُ الْأُذُنَيْنِ وَغَفَلَ وَلَمْ يُحْسِنِ الْوَعْيَ لَمْ يُعْذَرْ وَقِيلَ إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ جُمْلَةِ مُدَاعَبَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَطِيفِ أَخْلَاقِهِ قَالَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ مَا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ التِّرْمِذِيُّ وَشَيْخُ شَيْخِهِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ قَوْلُهُ [1991] (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ) الطَّحَّانُ الْمُزَنِيُّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فِي الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا) قِيلَ وَكَانَ بِهِ بَلَهٌ (اسْتَحْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ سَأَلَهُ الْحَمَلَانَ وَالْمُرَادُ بِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ حَمُولَةً يَرْكَبُهَا (إِنِّي حَامِلُكَ عَلَى وَلَدِ نَاقَةٍ) قَالَهُ مُبَاسِطًا لَهُ بِمَا عَسَاهُ أَنْ يَكُونَ شِفَاءً لِبَلَهِهِ بَعْدَ ذَلِكَ (مَا أَصْنَعُ بِوَلَدِ النَّاقَةِ) حَيْثُ تَوَهَّمَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُطْلَقُ إِلَّا عَلَى الصَّغِيرِ وَهُوَ غَيْرُ قَابِلٍ لِلرُّكُوبِ

باب ما جاء في المراء

(هَلْ تَلِدُ الْإِبِلَ) أَيْ جِنْسَهَا مِنَ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ (إِلَّا النُّوقُ) بِضَمِّ النُّونِ جَمْعُ النَّاقَةِ وَهِيَ أُنْثَى الْإِبِلِ وَالْمَعْنَى أَنَّكَ لَوْ تَدَبَّرْتَ لَمْ تَقُلْ ذَلِكَ فَفِيهِ مَعَ الْمُبَاسَطَةِ لَهُ الْإِشَارَةُ إِلَى إِرْشَادِهِ وَإِرْشَادِ غَيْرِهِ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَ قَوْلًا أَنْ يَتَأَمَّلَهُ وَلَا يُبَادِرَ إِلَى رَدِّهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يُدْرِكَ غَوْرَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود 8 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمِرَاءِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ الْجِدَالِ قَوْلُهُ [1993] (أَخْبَرَنِي سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ اللَّيْثِيُّ) أَبُو يَعْلَى الْمَدَنِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ) أَيْ وَقْتَ مِرَائِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْقَرِينَةُ الْآتِيَةُ وَيُحْتَمَلُ الْإِطْلَاقُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَهُوَ بَاطِلٌ) جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لِلتَّنْفِيرِ عَنِ الْكَذِبِ فَإِنَّ الْأَصْلَ فيه أنه باطل أو جملة خالية مِنَ الْمَفْعُولِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ مِنْ مُرَخِّصَاتِ الْكَذِبِ كَمَا فِي الْحَرْبِ أَوْ إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَالْمَعَارِيضِ أَوْ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَيْ وَهُوَ ذُو بَاطِلٍ بِمَعْنَى صَاحِبِ بُطْلَانٍ (بُنِيَ لَهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَلَهُ نَائِبُهُ أَيْ بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا (فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ مَا حَوْلَهَا خَارِجًا عَنْهَا تَشْبِيهًا بِالْأَبْنِيَةِ الَّتِي تَكُونُ حَوْلَ الْمُدُنِ وَتَحْتَ الْقِلَاعِ انتهى وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ نَوَاحِيهَا وَجَوَانِبِهَا مِنْ دَاخِلِهَا وَلَا مِنْ خَارِجِهَا وَأَمَّا قَوْلُ الشَّارِحِ هُوَ مَا حَوْلَهَا خَارِجًا عَنْهَا تَشْبِيهًا بِالْأَبْنِيَةِ الَّتِي حَوْلَ الْمُدُنِ وَتَحْتَ الْقِلَاعِ فَهُوَ صَرِيحُ اللُّغَةِ لَكِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحِ الْمَعْنَى فَإِنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ وَيُؤَدِّي إِلَى الْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ حِسًّا كَمَا قَالَهُ الْمُعْتَزِلَةُ مَعْنًى فَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَدْنَاهَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيِ الْجِدَالَ (وَهُوَ مُحِقٌّ) أَيْ صَادِقٌ وَمُتَكَلِّمٌ بِالْحَقِّ (فِي وَسَطِهَا) بِفَتْحِ السِّينِ وَيُسَكَّنُ أَيْ فِي أَوْسَطِهَا لِتَرْكِهِ كَسْرَ قَلْبِ مَنْ يُجَادِلُهُ وَدَفْعِهِ رِفْعَةَ نَفْسِهِ وَإِظْهَارَ نَفَاسَةِ فَضْلِهِ وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ مَعْنَى صَدْرِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ

الْمِرَاءَ وَهُوَ مُبْطِلٌ فَوَضَعَ الْكَذِبَ مَوْضِعَ الْمِرَاءِ لِأَنَّهُ الْغَالِبَ فِيهِ أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَلَوْ لَمْ يَتْرُكِ الْمِرَاءَ بُنِيَ لَهُ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِأَنَّهُ حَفِظَ نَفْسَهُ عَنِ الْكَذِبِ لَكِنْ مَا صَانَهَا عَنْ مُطْلَقِ الْمِرَاءِ فَلِهَذَا يَكُونُ أَحَطَّ مَرْتَبَةً مِنْهُ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَمَنْ حَسَّنَ) بِتَشْدِيدِ السِّينِ أَيْ أَحْسَنَ بِالرِّيَاضَةِ (خُلُقَهُ) بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ اللَّامُ أَيْ جَمِيعَ أَخْلَاقِهِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا تَرْكُ الْمِرَاءِ وَتَرْكُ الْكَذِبِ (بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا) أَيْ حِسًّا وَمَعْنًى وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخُلُقَ مُكْتَسَبٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ غَرِيزِيًّا وَمِنْهُ خَبَرٌ صَحِيحٌ اللَّهُمَّ حَسِّنْ خُلُقِي كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي وَكَذَا خَبَرُ مُسْلِمٍ اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ قَالَ الْإِمَامُ حُجَّةُ الْإِسْلَامِ حَدُّ الْمِرَاءِ الِاعْتِرَاضُ عَلَى كَلَامِ الْغَيْرِ بِإِظْهَارِ خَلَلٍ فِيهِ إِمَّا لَفْظًا أَوْ مَعْنًى أَوْ فِي قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ وَتَرْكُ الْمِرَاءِ بِتَرْكِ الِاعْتِرَاضِ وَالْإِنْكَارِ فَكُلُّ كَلَامٍ سَمِعْتُهُ فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَصَدِّقْ بِهِ وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا وَلَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِأُمُورِ الدِّينِ فَاسْكُتْ عَنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ مَيْرَكُ نَقْلًا عَنِ التَّصْحِيحِ وَسَلَمَةُ تُكُلِّمَ فِيهِ لَكِنْ حَسَّنَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلِلْحَدِيثِ شَوَاهِدُ انْتَهَى قُلْتُ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَاللَّفْظُ له وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَمِنْ عَادَاتِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ يُحَسِّنُ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ لِلشَّوَاهِدِ وَقَدْ بَيَّنْتُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ قَوْلُهُ [1994] (حَدَّثَنَا فَضَالَةُ بْنُ الْفَضْلِ) بْنِ فَضَالَةَ التَّمِيمِيُّ أَبُو الْفَضْلِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنِ بن وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ) مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَكَانَ لِوَهْبٍ ثَلَاثَةُ أَوْلَادٍ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَيُّوبُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ بن وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِيهِ لَا يُعْرَفُ وَعَنْهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ فَبَنُو وَهْبٍ عبد الله وعبد الرحمن وأيوب وليسوا بِالْمَشْهُورِينَ انْتَهَى (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهِ بْنِ كَامِلٍ الْيَمَانِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْأَبْنَاوِيِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا نُونٌ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (كَفَى بِكَ إِثْمًا أَنْ لَا تَزَالَ مُخَاصِمًا) لِأَنَّ كَثْرَةَ الْمُخَاصَمَةِ تَقْضِي إِلَى مَا يُذَمُّ صَاحِبُهُ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ [1995] (حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ (عَنْ ليث) هو بن أَبِي سُلَيْمٍ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ) بْنِ أَبِي بَشِيرٍ الْبَصْرِيِّ نَزِيلِ الْمَدَايِنِ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (لَا تُمَارِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الْمُمَارَاةِ أَيْ لَا تُجَادِلْ وَلَا تُخَاصِمْ (أَخَاكَ) أَيِ الْمُسْلِمَ (وَلَا تُمَازِحْهُ) أَيْ مُزَاحًا يُفْضِي إِلَى إِيذَائِهِ مِنْ هَتْكِ الْعِرْضِ وَنَحْوِهِ (وَلَا تَعِدْهُ مَوْعِدًا) أَيْ وَعْدًا أَوْ زَمَانَ وَعْدٍ أَوْ مَكَانَهُ (فَتُخْلِفَهُ) مِنَ الْإِخْلَافِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ قَالَ الطِّيبِيُّ إِنْ رُوِيَ مَنْصُوبًا كَانَ جَوَابًا لِلنَّهْيِ عَلَى تَقْدِيرِ إِنْ فَيَكُونُ مُسَبَّبًا عَمَّا قَبْلَهُ فَعَلَى هَذَا التَّنْكِيرُ فِي مَوْعِدٍ لِلنَّوْعِ مِنَ الْمَوْعِدِ وَهُوَ مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ يَعْزِمَ عَلَيْهِ قَطْعًا وَلَا يُسْتَثْنَى فَيَجْعَلُ اللَّهُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْإِخْلَافِ أَوْ يَنْوِي فِي الْوَعْدِ كَالْمُنَافِقِ فَإِنَّ آيَةَ النِّفَاقِ الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ كَمَا وَرَدَ إِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْ مُطْلَقِ الْوَعْدِ لِأَنَّهُ كَثِيرًا مَا يُفْضِي إِلَى الْخُلْفِ وَلَوْ رُوِيَ مَرْفُوعًا كَانَ النَّهْيُ الْوَعْدُ الْمُسْتَعْقِبُ لِلْإِخْلَافِ أَيْ لَا تَعِدْهُ مَوْعِدًا فَأَنْتَ تُخْلِفُهُ عَلَى أَنَّهُ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى إِنْشَائِيَّةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ وَعَدَ إِنْسَانًا شَيْئًا لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ بِوَعْدِهِ وَهَلْ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ خِلَافٌ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَلَوْ تَرَكَهُ فَاتَهُ الْفَضْلُ وَارْتَكَبَ الْمَكْرُوهَ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَلَا يَأْثَمُ يَعْنِي مِنْ حَيْثُ هُوَ خُلْفٌ وَإِنْ كَانَ يَأْثَمُ إِنْ قَصَدَ بِهِ الْأَذَى قَالَ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ مِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَبَعْضُهُمْ إِلَى التَّفْصِيلِ وَيُؤَيِّدُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ مَا أَوْرَدَهُ فِي الْإِحْيَاءِ حَيْثُ قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا وَعَدَ وَعْدًا قَالَ عَسَى وكان بن مَسْعُودٍ لَا يَعِدُ وَعْدًا إِلَّا وَيَقُولُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْأَوْلَى ثُمَّ إِذَا فُهِمَ مَعَ ذَلِكَ الْجَزْمُ فِي الْوَعْدِ فَلَا بُدَّ مِنَ الْوَفَاءِ إِلَّا أَنْ يَتَعَذَّرَ فَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْوَعْدِ عَازِمًا عَلَى أَنْ لَا يَفِيَ بِهِ فَهَذَا هُوَ النِّفَاقُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ اِخْتَلَطَ أَخِيرًا وَلَمْ يَتَمَيَّزْ حَدِيثُهُ فَتُرِكَ

باب ما جاء في المداراة

59 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْمُدَارَاةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُدَارَاةُ بِلَا هَمْزٍ مُلَايَنَةُ النَّاسِ وَحُسْنُ صُحْبَتِهِمْ وَاحْتِمَالِهِمْ لِئَلَّا يَنْفِرُوا عَنْكَ وَقَدْ يُهْمَزُ قَوْلُهُ [1996] (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهُدَيْرِ بِالتَّصْغِيرِ التَّيْمِيِّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ مَحْمُودُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ مُحَمَّدُ بن المنكدر قوله (بئس بن العشيرة وأخو الْعَشِيرَةِ) أَوْ لِلشَّكِّ فَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشَّكُّ مِنْ سُفْيَانَ فَإِنَّ جَمِيعَ أَصْحَابِ الْمُنْكَدِرِ رَوَوْهُ عَنْهُ بِدُونِ الشَّكِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بئس أخو العشيرة وبن الْعَشِيرَةِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ قَالَ الطِّيبِيُّ الْعَشِيرَةُ الْقَبِيلَةُ أَيْ بِئْسَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْ هَذِهِ الْعَشِيرَةِ كَمَا يُقَالُ يَا أَخَا الْعَرَبِ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَاسْمُ هَذَا الرَّجُلِ عُيَيْنَةُ بن حصن وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ حَالَهُ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ وَلَا يَغْتَرَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ بِحَالِهِ وَكَانَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ مَا دَلَّ عَلَى ضَعْفِ إِيمَانِهِ وَوَصْفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ بِئْسَ بن الْعَشِيرَةِ أَوْ أَخُو الْعَشِيرَةِ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ ارْتَدَّ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجِيءَ بِهِ أَسِيرًا إِلَى الصِّدِّيقِ (أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ) وَفِي الْمِشْكَاةِ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ أَيْ أَظْهَرَ لَهُ طَلَاقَةَ الْوَجْهِ وَبَشَاشَةِ الْبَشَرَةِ وَتَبَسَّمَ لَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَإِنَّمَا أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ تَأَلُّفًا لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَفِيهِ مُدَارَاةُ مَنْ يَتَّقِي فُحْشَهُ وَجَوَازُ غِيبَةِ الْفَاسِقِ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الْفَاسِقِ بِمَا فِيهِ لِيَعْرِفَ أَمْرُهُ فَيُتَّقَى لَا يَكُونُ مِنَ الْغِيبَةِ وَلَعَلَّ الرَّجُلَ كَانَ مُجَاهِرًا بِسُوءِ أَفْعَالِهِ وَلَا غِيبَةَ لِمُجَاهِرٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمِنَ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمُ الْغِيبَةُ الْمُجَاهِرُ بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا يَجْهَرُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ (إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ (مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ) أَيْ تَرَكَ النَّاسُ التَّعَرُّضَ لَهُ (أَوْ وَدَعَهُ) أَوْ لِلشَّكِّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ (اتِّقَاءَ فُحْشِهِ) وَفِي رواية اتقاء شره أي

باب ما جاء في الاقتصاد في الحب والبغض

كيلا يُؤْذِيَهُمْ بِلِسَانِهِ وَفِيهِ رُخْصَةُ الْمُدَارَاةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ وَقَدْ جَمَعَ هَذَا الْحَدِيثُ كَمَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ عِلْمًا وَأَدَبًا وَلَيْسَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي أُمَّتِهِ بِالْأُمُورِ الَّتِي يُسْهِمُ بِهَا وَيُضِيفُهَا إِلَيْهِمْ مِنَ الْمَكْرُوهِ غِيبَةً وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ بَلِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ وَيُفْصِحَ بِهِ وَيُعَرِّفَ النَّاسَ أُمُورَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ النَّصِيحَةِ وَالشَّفَقَةِ عَلَى الْأُمَّةِ وَلَكِنَّهُ لِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ مِنْ الْكَرَمِ وَأُعْطِيَهُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ أَظْهَرَ لَهُ الْبَشَاشَةَ وَلَمْ يُجِبْهُ بِالْمَكْرُوهِ وَلِيَقْتَدِيَ بِهِ أُمَّتُهُ فِي اتِّقَاءِ شَرِّ مَنْ هَذَا سَبِيلُهُ وَفِي مُدَارَاتِهِ لِيَسْلَمُوا مِنْ شَرِّهِ وَغَائِلَتِهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ جَوَازُ غِيبَةِ الْمُعْلِنِ بِالْفِسْقِ أَوِ الْفُحْشِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَعَ جَوَازِ مُدَارَاتِهِمِ اتِّقَاءَ شَرِّهِمْ مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى الْمُدَاهَنَةِ ثُمَّ قَالَ تَبَعًا لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَارَاةِ وَالْمُدَاهَنَةِ أَنَّ الْمُدَارَاةَ بَذْلُ الدُّنْيَا لِصَلَاحِ الدُّنْيَا أَوِ الدِّينِ أَوْ هُمَا مَعًا وَهِيَ مُبَاحَةٌ وَرُبَّمَا اسْتُحْسِنَتْ وَالْمُدَاهَنَةُ بَذْلُ الدِّينِ لِصَلَاحِ الدُّنْيَا انْتَهَى وَهَذِهِ فَائِدَةٌ جَلِيلَةٌ يَنْبَغِي حِفْظُهَا وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ عَنْهَا غَافِلُونَ وَبِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا جَاهِلُونَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الِاقْتِصَادِ فِي الْحُبِّ وَالْبُغْضِ) قال في الصراح قصد ميانه رفتن دهر جيز واقتصاد مثله يقال فلان مقتصد في النفقة لا إسراف ولا تقتير انتهى قَوْلُهُ [1997] (حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ عَمْرٍو الْكَلْبِيُّ) أَبُو الْوَلِيدِ الْكُوفِيُّ الْعَابِدُ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ ثِقَةٌ وأفحش بن حِبَّانَ الْقَوْلَ فِيهِ وَلَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ (عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ) بْنِ دِينَارٍ الْبَصْرِيِّ أَبِي سَلَمَةَ ثِقَةٌ عَابِدٌ أَثْبَتُ النَّاسِ فِي ثَابِتٍ وَتَغَيَّرَ حِفْظُهُ بِآخِرِهِ مِنْ كِبَارِ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهُ (أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا) مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ أَيْ أَحْبِبْهُ حُبًّا قَلِيلًا فَهَوْنًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ صِفَةٌ لِمَا اشْتُقَّ مِنْهُ أَحْبِبْ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ حُبًّا مُقْتَصِدًا لَا إِفْرَاطَ فِيهِ وَلَفْظُ مَا لِلتَّقْلِيلِ (عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا إِلَخْ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إِذْ رُبَّمَا انْقَلَبَ ذَلِكَ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ والأحوال بغضافلا تَكُونُ قَدْ أَسْرَفْتَ فِي حُبِّهِ فَتَنْدَمَ عَلَيْهِ إِذَا أَبْغَضْتَهُ أَوْ حُبًّا فَلَا تَكُونُ قَدْ أسرفت في بغضه فتستحي مِنْهُ إِذَا أَحْبَبْتَهُ وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّاعِرُ

باب ما جاء في الكبر

فَهَوْنُكَ فِي حُبٍّ وَبُغْضٍ فَرُبَّمَا بَدَا صَاحِبٌ مِنْ جَانِبٍ بَعْدَ جَانِبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَخْ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنِ بن عمر بن الخطاب وعن بن عمرو بن العاص والدارقطني في الأفراد وبن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْكِبْرِ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ رَاءٌ قَالَ الرَّاغِبُ الْكِبْرُ وَالتَّكَبُّرُ وَالِاسْتِكْبَارُ مُتَقَارِبٌ فَالْكِبْرُ الْحَالَةُ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا الْإِنْسَانُ مِنْ إِعْجَابِهِ بِنَفْسِهِ وَذَلِكَ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ أَكْبَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَعْظَمُ ذَلِكَ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَى رَبِّهِ بِأَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَالْإِذْعَانِ لَهُ بِالتَّوْحِيدِ وَالطَّاعَةِ وَالتَّكَبُّرُ يَأْتِي عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ الْأَفْعَالُ الْحَسَنَةُ زَائِدَةً عَلَى مَحَاسِنِ الْغَيْرِ وَمِنْ ثَمَّ وُصِفَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْمُتَكَبِّرِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُتَكَلِّفًا لِذَلِكَ مُتَشَبِّعًا بِمَا لَيْسَ فِيهِ وَهُوَ وَصْفُ عَامَّةِ النَّاسِ نَحْوَ قَوْلِهِ (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قلب متكبر جبار) وَالْمُسْتَكْبِرُ مِثْلُهُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ الْكِبْرُ عَلَى قِسْمَيْنِ فَإِذَا ظَهَرَ عَلَى الْجَوَارِحِ يُقَالُ تَكَبَّرَ وَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ يُقَالُ فِي نَفْسِهِ كِبْرٌ فَالْأَصْلُ هُوَ الْخُلُقُ فِي النَّفْسِ وَهُوَ الِاسْتِرْوَاحُ وَالرُّكُونُ إِلَى رُؤْيَةِ النَّفْسِ فَوْقَ الْمُتَكَبَّرِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكِبْرَ يَسْتَدْعِي مُتَكَبَّرًا عَلَيْهِ لِيَرَى نَفْسَهُ فَوْقَهُ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ وَمُتَكَبِّرًا بِهِ وَبِهِ يُفْصَلُ الْكِبْرُ عَنِ الْعُجْبِ فَإِنَّ الْعُجْبَ لَا يَسْتَدْعِي غَيْرَ الْمُعْجَبِ بِهِ بَلْ لَوْ لَمْ يُخْلَقْ إِلَّا وَحْدَهُ تُصُوِّرَ أَنْ يَكُونَ مُعْجَبًا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مُتَكَبِّرًا قَوْلُهُ [1998] (حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْعِجْلِيُّ الْكُوفِيُّ قَاضِي الْمَدَائِنِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ مِنْ صِغَارِ العاشرة وذكره بن عَدِيٍّ فِي شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ وَجَزَمَ الْخَطِيبُ بِأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَى عَنْهُ لَكِنْ قَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ رَأَيْتُهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى ضَعْفِهِ كَذَا فِي

التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ) أَيْ مِقْدَارَ وَزْنِ حَبَّةٍ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْمِثْقَالُ فِي الْأَصْلِ مِقْدَارٌ مِنَ الْوَزْنِ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَالنَّاسُ يُطْلِقُونَهُ فِي الْعُرْفِ عَلَى الدِّينَارِ خَاصَّةً وَلَيْسَ كَذَلِكَ انْتَهَى (مِنْ خَرْدَلٍ) قِيلَ إِنَّهُ الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ وَهُوَ تَمْثِيلٌ لِلْقِلَّةِ كَمَا جَاءَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ كِبْرٍ فَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ التَّكَبُّرُ عَنِ الْإِيمَانِ فَصَاحِبُهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَصْلًا إِذَا مَاتَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِي قَلْبِهِ كِبْرٌ حَالَ دُخُولِهِ الْجَنَّةَ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ من غل وَهَذَانِ التَّأْوِيلَانِ فِيهِمَا بُعْدٌ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَرَدَ فِي سِيَاقِ النَّهْيِ عَنِ الْكِبْرِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ عَلَى النَّاسِ وَاحْتِقَارِهِمْ وَدَفْعِ الْحَقِّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ الْمُخَرِّجَيْنِ لَهُ عَنِ الْمَطْلُوبِ بَلِ الظَّاهِرُ مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا دُونَ مُجَازَاةٍ إِنْ جَازَاهُ وَقِيلَ هَذَا جَزَاؤُهُ لَوْ جَازَاهُ وَقَدْ تَكَرَّمَ بِأَنَّهُ لَا يُجَازِيهِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ كُلُّ الْمُوَحِّدِينَ الْجَنَّةَ إِمَّا أَوَّلًا وَإِمَّا ثَانِيًا بَعْدَ تَعْذِيبِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ الَّذِينَ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَيْهَا وَقِيلَ لَا يَدْخُلُهَا مَعَ الْمُتَّقِينَ أَوَّلَ وهلة انتهى (لايدخل النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ إِلَخْ) الْمُرَادُ بِهِ دُخُولُ الْكُفَّارِ وَهُوَ دُخُولُ الْخُلُودِ وَالتَّأْبِيدِ قَالَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْقَالُ حَبَّةٍ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْإِيمَانَ قَابِلٌ لِلزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الطِّيبِيُّ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن أبي هريرة وبن عَبَّاسٍ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَذَا في الترغيب وله حديث اخر عند بن ماجة وبن حِبَّانَ وَأَمَّا حَدِيثُ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا سَيَأْتِي وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ احْتَجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ فِيَّ الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ وَقَالَتِ الْجَنَّةُ فِيَّ ضُعَفَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاكِينُهُمْ فَقَضَى اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّكِ الْجَنَّةُ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ وَإِنَّكِ النَّارُ عَذَابِي أعذب بك من أشاء ولكليهما على ملؤها

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ [1999] (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادِ) بْنِ أَبِي زِيَادٍ الشَّيْبَانِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ خَتْنُ أَبِي عِمْرَانَةَ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبَانَ بْنِ تَغْلِبَ) قَالَ النَّوَوِيُّ يَجُوزُ صَرْفُ أَبَانَ وَتَرْكُ صَرْفِهِ وَإِنَّ الصَّرْفَ أَفْصَحُ وَتَغْلِبُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَبِي سَعْدٍ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ تُكُلِّمَ فِيهِ لِلتَّشَيُّعِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ فَضِيلِ بْنِ عَمْرٍو) الْفُقُيْمِيِّ بِالْفَاءِ وَالْقَافِ مُصَغَّرًا أَبِي النَّصْرِ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنْ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (فَقَالَ رَجُلٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هُوَ مَالِكُ بْنُ مُزَارَةَ الرَّهَاوِيُّ قَالَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَأَشَارَ إِلَيْهِ أَبُو عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ وَقَدْ جَمَعَ أَبُو الْقَاسِمِ خَلَفُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ بَشْكُوَالَ الْحَافِظُ فِي اسْمِهِ أَقْوَالًا مِنْ جِهَاتٍ ثُمَّ سَرَدَهَا النَّوَوِيُّ (إِنَّهُ يُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي حَسَنًا ونعلي حسنا) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ أُرَاعِيَ نَظَرَ الْخَلْقِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ ثُمَّ النَّعْلُ مَا وُقِيَتْ بِهِ الْقَدَمُ وهي مؤنثة سماعية ذكرها بن الْحَاجِبِ فِي رِسَالَتِهِ فِيمَا يَجِبُ تَأْنِيثُهُ فَالتَّذْكِيرُ هُنَا بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهَا وَهُوَ مَا وُقِيَتْ بِهِ الْقَدَمُ وَلَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ السُّؤَالِ مَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى الرَّجُلُ الْعَادَةَ فِي الْمُتَكَبِّرِينَ لِبْسَ الثِّيَابِ الْفَاخِرَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ سَأَلَ مَا سَأَلَ (قَالَ) مُجِيبًا لَهُ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْجَمَالَ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ أَيْ حَسَنَ الْأَفْعَالِ كَامِلَ الْأَوْصَافِ وَقِيلَ أَيْ مُجَمِّلٌ وَقِيلَ جَلِيلٌ وَقِيلَ مَالِكُ النُّورِ وَالْبَهْجَةِ وَقِيلَ جَمِيلُ الْأَفْعَالِ بِكُمْ وَالنظْرِ إِلَيْكُمْ يُكَلِّفُكُمُ الْيَسِيرَ وَيُعِينُ عَلَيْهِ وَيُثِيبُ عَلَيْهِ الْجَزِيلَ وَيَشْكُرُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ أَيْ لَهُ الْجَمَالُ الْمُطْلَقُ جَمَالُ الذَّاتِ وَجَمَالُ الصِّفَاتِ وَجَمَالُ الْأَفْعَالِ يُحِبُّ الْجَمَالَ أَيِ التَّجَمُّلَ مِنْكُمْ فِي الْهَيْئَةِ أَوْ فِي قِلَّةِ إِظْهَارِ الْحَاجَةِ لِغَيْرِهِ وَالْعَفَافَ عَنْ سِوَاهُ انْتَهَى (وَلَكِنَّ الْكِبْرَ) أَيْ ذَا الْكِبْرِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ كقوله تعالى ولكن البر من امن

(مَنْ بَطَرَ الْحَقَّ) أَيْ دَفَعَهُ وَرَدَّهُ (وَغَمَصَ النَّاسَ) أَيِ احْتَقَرَهُمْ وَلَمْ يَرَهُمْ شَيْئًا مِنْ غَمَصْتُهُ غَمْصًا وَفِي رِوَايَةٍ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْغَمْطُ الِاسْتِهَانَةُ وَالِاسْتِحْقَارُ وَهُوَ كَالْغَمْصِ وَأَصْلُ الْبَطَرِ شِدَّةُ الْفَرَحِ وَالنَّشَاطِ وَالْمُرَادُ هُنَا قِيلَ سُوءُ احْتِمَالِ الْغِنَى وَقِيلَ الطُّغْيَانُ عِنْدَ النِّعْمَةِ وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ وَفِي النِّهَايَةِ بَطَرُ الْحَقِّ هُوَ أَنْ يَجْعَلَ مَا يَجْعَلُهُ اللَّهُ حَقًّا مِنْ تَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ بَاطِلًا وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَتَجَبَّرَ عِنْدَ الْحَقِّ فَلَا يَرَاهُ حَقًّا وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَنِ الحق فلا يقبله وقال التوربشتي وتفسير عَلَى الْبَاطِلِ أَشْبَهُ لِمَا وَرَدَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِنَّمَا ذَلِكَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ وَغَمَصَ النَّاسَ أَيْ رَأَى الْحَقَّ سَفَهًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ [2000] (عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ) وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عَمْرُو بْنُ رَاشِدٍ بِالْوَاوِ وَالصَّوَابُ بِغَيْرِ الْوَاوِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عُمَرُ بْنُ رَاشِدِ بْنِ شَجَرَةَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ الْيَمَامِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ وَوَهَمَ مَنْ قَالَ إِنَّ اسْمَهُ عَمْرٌو وَكَذَا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ بن أَبِي خَثْعَمَ انْتَهَى (عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ) الْأَسْلَمِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو سَلَمَةَ وَيُقَالُ أَبُو بَكْرٍ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ) قَالَ الْمُظْهِرُ وَغَيْرُهُ الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ يُعْلِي نَفْسَهُ وَيَرْفَعُهَا وَيُبْعِدُهَا عَنِ النَّاسِ فِي الْمَرْتَبَةِ وَيَعْتَقِدُهَا عَظِيمَةَ الْقَدْرِ أَوْ لِلْمُصَاحَبَةِ أَيْ يُرَافِقُ نَفْسَهُ فِي ذَهَابِهَا إِلَى الْكِبْرِ وَيُعَزِّزُهَا وَيُكْرِمُهَا كَمَا يُكْرِمُ الْخَلِيلُ الْخَلِيلَ حَتَّى تَصِيرَ مُتَكَبِّرَةً وَفِي أَسَاسِ البلاغة يقال ذهب به مربه مع نفسه قال القارىء وَمِنْ قَبِيلِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى ذَهَبَ اللَّهُ بنورهم أَيْ أَذْهَبَ نُورَهُمْ وَخُلَاصَةُ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُذْهِبُهَا عَنْ دَرَجَتِهَا وَمَرْتَبَتِهَا إِلَى مَرْتَبَةٍ أَعْلَى وَهَكَذَا (حَتَّى يُكْتَبَ) أَيِ اسْمُهُ أَوْ يُثْبَتَ رَسْمُهُ (فِي الْجَبَّارِينَ) أَيْ فِي دِيوَانِ الظَّالِمِينَ وَالْمُتَكَبِّرِينَ أَوْ مَعَهُمْ فِي أَسْفَلِ السَّافِلِينَ (فَيُصِيبَهُ) بِالنَّصْبِ وَقِيلَ بِالرَّفْعِ أَيْ فَيَنَالُ الرَّجُلُ مِنْ بَلِيَّاتِ الدُّنْيَا وَعُقُوبَاتِ الْعُقْبَى (مَا أَصَابَهُمْ) أَيِ الْجَبَّارِينَ كَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَنَقَلَ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَوْلُهُ [2001] (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عِيسَى بْنِ يَزِيدَ الْبَغْدَادِيُّ) الْكَرَاجِكِيُّ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْجِيمِ

باب ما جاء في حسن الخلق

الَّتِي بَعْدَ الْأَلِفِ وَقَدْ تَبَدَّلَ شَيْئًا مَقْبُولٌ من الحادية عشرة (أخبرنا بن أَبِي ذِئْبٍ) سَقَطَ هَذَا مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ وَالصَّوَابُ ثُبُوتُهُ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ مُعْتِبِ بْنِ أَبِي لَهَبٍ الْهَاشِمِيِّ أَبِي الْعَبَّاسِ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (يَقُولُونَ لِي فِيَّ التِّيهُ) بِالْكَسْرِ الْكِبْرُ أَيْ فِي نَفْسِي الْكِبْرُ (وَقَدْ رَكِبْتُ الْحِمَارَ) الْوَاوُ حَالِيَّةٌ (وَلَبِسْتُ الشَّمْلَةَ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ كِسَاءٌ يَتَغَطَّى بِهِ وَيَتَلَفَّفُ فِيهِ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ شمله كليم خردكه بخود دركشند (مَنْ فَعَلَ هَذَا) أَيِ الْمَذْكُورَ مِنْ رُكُوبِ الْحِمَارِ وَلِبْسِ الشَّمْلَةِ وَحَلْبِ الشَّاةِ (فَلَيْسَ فِيهِ مِنَ الْكِبْرِ شَيْءٌ) فَإِنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ لَا يَأْنَفُ مِنْهَا إِلَّا الْمُتَكَبِّرُونَ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ) قَوْلُهُ [2002] (عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ الْمَكِّيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ) زَوْجُ أَبِي الدَّرْدَاءِ اسْمُهَا هُجَيْمَةُ وَقِيلَ حُمَيْمَةُ الْأَوْصَابِيَّةُ الدِّمَشْقِيَّةُ وَهِيَ الصُّغْرَى جُهَيْمَةُ وَأَمَّا الْكُبْرَى فَاسْمُهَا خَيْرَةُ وَلَا رِوَايَةَ لَهَا فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ وَالصُّغْرَى ثِقَةٌ فَقِيهَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التقريب قوله (ماشيء) أَيْ ثَوَابُهُ أَوْ صَحِيفَتُهُ أَوْ عَيْنُهُ الْمُجَسَّدُ (مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ) فَإِنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّهُ وَيَرْضَى عَنْ صَاحِبِهِ (فَإِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ) وَفِي نُسْخَةٍ لَيُبْغِضُ (الْفَاحِشَ) الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِمَا يُكْرَهُ سَمَاعُهُ أَوْ مَنْ يُرْسِلُ لِسَانَهُ بِمَا لَا يَنْبَغِي (الْبَذِيءُ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ الْبَذِيُّ بِالذَّالِ المعجمة مَمْدُودًا هُوَ الْمُتَكَلِّمُ بِالْفُحْشِ وَرُوِيَ الْكَلَامُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْبَذَاءُ بِالْمَدِّ الْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ بِذَا يَبْذُو وَأَبْذَى يُبْذِي فَهُوَ بَذِيُّ اللِّسَانِ وَقَدْ يُقَالُ بِالْهَمْزِ وَلَيْسَ بِالْكَثِيرِ انْتَهَى قَالَ

القارىء وَمِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ مَبْغُوضًا لِلَّهِ لَيْسَ لَهُ وَزْنٌ وَقَدْرٌ كَمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَكُونُ مَحْبُوبًا لَهُ يَكُونُ عِنْدَهُ عَظِيمًا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ الْكُفَّارِ فَلَا نقيم لهم يوم القيامة وزنا وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ الله وبحمده سبحان الله العظي وَبِهَذَا تَمَّتِ الْمُقَابَلَةُ بَيْنَ الْقَرِينَتَيْنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وفي الباب عن عائشةوأبي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَأُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ) أَمَّا حَدِيثُ عائشة فأخرجه أبو داود وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَفْظُهُ إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أنس فأخرجه بن أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ وَأَبِي يَعْلَى بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَلَفْظُ أَبِي يَعْلَى قَالَ لَقِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا ذَرٍّ فَقَالَ يَا أَبَا ذَرٍّ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى خَصْلَتَيْنِ هُمَا أَخَفُّ عَلَى الظَّهْرِ وَأَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ غَيْرِهِمَا قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَلَيْكَ بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَطُولِ الصَّمْتِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا عَمِلَ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهِمَا وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ فأخرجه الطبراني وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رُوَاةُ الطَّبَرَانِيِّ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ لَكِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الْجُمْلَةِ الْأُولَى كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ [2003] (حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ اللَّيْثِ) بْنِ قَبِيصَةَ بْنِ بُرْمَةَ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عن عطاء) بن نافع الكيخاراني قال بن أبي خيثمة عن بن مَعِينٍ عَطَاءٌ الْكَيْخَارَانِيُّ ثِقَةٌ وَكَذَا قَالَ النَّسَائِيُّ لَهُ عِنْدَهُمْ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثقة من الرابعة قوله (وإن صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ إِلَخْ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ

لَيُدْرِكُ بِحَسَنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ قَائِمِ اللَّيْلِ وَصَائِمِ النَّهَارِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ [2004] (حَدَّثَنِي أَبِي) أَيْ إِدْرِيسَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ جَدِّي) أَيْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ الزَّعَافِرِيِّ أَبِي دَاوُدَ الْأَوْدِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (عَنْ أَكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ) أَيْ عَنْ أَكْثَرِ أَسْبَابِ إِدْخَالِهِمِ الْجَنَّةَ مَعَ الْفَائِزِينَ (تَقْوَى اللَّهِ) وَلَهُ مَرَاتِبُ أَدْنَاهَا التَّقْوَى عَنِ الشِّرْكِ (وَحُسْنُ الْخُلُقِ) أَيْ مَعَ الْخَلْقِ وَأَدْنَاهُ تَرْكُ أَذَاهُمْ وَأَعْلَاهُ الْإِحْسَانُ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ (الْفَمُ وَالْفَرْجُ) لِأَنَّ الْمَرْءَ غَالِبًا بِسَبَبِهِمَا يَقَعُ فِي مُخَالَفَةِ الْخَالِقِ وَتَرْكِ الْمُخَالَفَةِ مَعَ الْمَخْلُوقِ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ تَقْوَى اللَّهِ إِشَارَةٌ إِلَى حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْخَالِقِ بِأَنْ يَأْتِيَ جَمِيعَ مَا أَمَرَهُ بِهِ وَيَنْتَهِيَ عَنْ مَا نَهَى عَنْهُ وَحُسْنُ الْخَلْقِ إِشَارَةٌ إِلَى حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْخَلْقِ وَهَاتَانِ الْخَصْلَتَانِ مُوجِبَتَانِ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَنَقِيضُهُمَا لِدُخُولِ النَّارِ فَأَوْقَعَ الْفَمَ وَالْفَرْجَ مُقَابِلًا لَهُمَا أَمَّا الْفَمُ فَمُشْتَمِلٌ عَلَى اللِّسَانِ وَحِفْظُهُ مِلَاكُ أَمْرِ الدِّينِ كُلِّهِ وَأَكْلُ الْحَلَالِ رَأْسُ التَّقْوَى كُلِّهِ وَأَمَّا الْفَرْجُ فَصَوْنُهُ مِنْ أَعْظَمِ مَرَاتِبِ الدِّينِ قَالَ تَعَالَى والذين هم لفروجهم حافظون لِأَنَّ هَذِهِ الشَّهْوَةَ أَغْلِبُ الشَّهَوَاتِ عَلَى الْإِنْسَانِ وَأَعْصَاهَا عَلَى الْعَقْلِ عِنْدَ الْهَيَجَانِ وَمَنْ تَرَكَ الزنى خَوْفًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الْقُدْرَةِ وَارْتِفَاعِ الْمَوَانِعِ وَتَيَسُّرِ الْأَسْبَابِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ صِدْقِ الشَّهْوَةِ وَصَلَ إِلَى دَرَجَةِ الصِّدِّيقِينَ قَالَ تَعَالَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى وَمَعْنَى الْأَكْثَرِيَّةِ فِي الْجُمْلَتَيْنِ أَنَّ أَكْثَرَ أَسْبَابِ السَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْخَصْلَتَيْنِ وَأَنَّ أَكْثَرَ أَسْبَابِ الشَّقَاوَةِ السَّرْمَدِيَّةِ الْجَمْعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صحيح غريب) وأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الزُّهْدِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا فِي التَّرْغِيبِ

باب ما جاء في الاحسان والعفو

قوله [2005] (هو بسط الوجه إلخ) قال بن رَجَبٍ فِي كِتَابِهِ جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ قَدْ رُوِيَ عَنِ السَّلَفِ تَفْسِيرُ حُسْنِ الْخُلُقِ فَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ حُسْنُ الْخُلُقِ الْكَرَمُ وَالْبِذْلَةُ وَالِاحْتِمَالُ وَعَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ حُسْنُ الْخُلُقِ الْبَلَهُ وَالْعَطِيَّةُ وَالْبِشْرُ الْحَسَنِ وَكَانَ الشَّعْبِيُّ كَذَلِكَ وَسُئِلَ سَلَامُ بْنُ أَبِي مُطِيعٍ عَنْ حُسْنِ الْخُلُقِ فَأَنْشَدَ شِعْرًا فَقَالَ تَرَاهُ إِذَا مَا جِئْتَهُ مُتَهَلِّلًا كَأَنَّكَ تُعْطِيهِ الَّذِي أَنْتَ سَائِلُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي كَفِّهِ غَيْرُ رُوحِهِ لَجَادَ بِهَا فَلْيَتَّقِ اللَّهَ سَائِلُهُ هُوَ الْبَحْرُ مِنْ أَيِّ النَّوَاحِي أَتَيْتَهُ فَلُجَّتُهُ الْمَعْرُوفُ وَالْجُودُ سَاحِلُهُ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حُسْنُ الْخُلُقِ أَنْ لَا تَغْضَبَ وَلَا تَحْقِدَ وَعَنْهُ أَنَّهُ قَالَ حُسْنُ الْخُلُقِ أَنْ تَحْتَمِلَ مَا يَكُونُ مِنَ النَّاسِ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ هُوَ بَسْطُ الْوَجْهِ وَأَنْ لا تغضب ونحو ذلك قال مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِحْسَانِ وَالْعَفْوِ) الْإِحْسَانُ ضِدُّ الْإِسَاءَةِ قَالَ فِي الصُّرَاحِ إحسان نكوثي كردن يُقَالُ أَحْسَنَ إِلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَأَحْسَنَ بِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَقَدْ أَحْسَنَ بِي وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْعَفْوُ التَّجَاوُزُ عَنِ الذَّنْبِ وَتَرْكُ الْعِقَابِ وَأَصْلُهُ الْمَحْوُ وَالطَّمْسُ عَفَا يَعْفُو انْتَهَى قَوْلُهُ [2006] (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ مَالِكُ بْنُ نَضْلَةَ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَيُقَالُ مَالِكُ بْنُ عَوْفِ بْنِ نَضْلَةَ الْجُثَمِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ صَحَابِيٌّ قَلِيلُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (فَلَا يَقْرِينِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ تَفْسِيرُهُ قَوْلُهُ (وَلَا يُضِيفُنِي) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (أَفَأَجْزِيهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَسُكُونِ الْيَاءِ أَيْ أُكَافِئُهُ بِتَرْكِ الْقِرَى وَمَنْعِ الطَّعَامِ كَمَا فَعَلَ بِي أَمْ أَقْرِيهِ وَأُضِيفُهُ (قَالَ لَا) أَيْ لاتجزه وَتُكَافِئْهُ (أَقْرِهِ) أَيْ أَضِفْهُ وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الْقِرَى الَّذِي هُوَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَمِنْهَا دَفْعُ السَّيِّئَةِ بِالْحَسَنَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى

ادفع بالتي هي أحسن السيئة (رَثَّ الثِّيَابِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ مَتَاعٌ رَثٌّ وَمَنَالٌ رَثٌّ خَلْقٌ بَالٍ وَفِي الْقَامُوسِ الرَّثَاثَةُ وَالرُّثُوثَةُ الْبَذَاذَةُ وَفِي رِوَايَةٍ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيَّ ثَوْبٌ دُونٌ (قُلْتُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ) مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَالْمَعْنَى بَعْضِ كُلِّ الْمَالِ (مِنَ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ) بَيَانٌ لِمِنْ الْمُرَادُ مِنْهُ الْبَعْضُ وَفِي رِوَايَةٍ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ (قَالَ فَلْيُرَ عَلَيْكَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ فَلْيُبْصَرْ وَلْيَظْهَرْ وَفِي رِوَايَةٍ فَإِذَا أَتَاكَ اللَّهُ مَالًا فَلْيُرَ أَثَرُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ وَكَرَامَتُهُ وَالْمَعْنَى الْبَسْ ثَوْبًا جَيِّدًا لِيَعْرِفَ النَّاسُ أَنَّكَ غَنِيٌّ وَأَنَّ اللَّهَ أَنْعَمَ عَلَيْكَ بِأَنْوَاعِ النِّعَمِ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ هَذَا فِي تَحْسِينِ الثِّيَابِ بِالتَّنْظِيفِ وَالتَّجْدِيدِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُبَالِغَ فِي النَّعَامَةِ وَالدِّقَّةِ وَمُظَاهَرَةِ الْمُلْبِسِ عَلَى اللُّبْسِ عَلَى مَا هو عادة العجم قال القارىء الْيَوْمُ زَادَ الْعَرَبُ عَلَى الْعَجَمِ قُلْتُ الْأَمْرُ في هذا الزمان أيضا كما قال القارىء وَقَالَ الْبَغَوِيُّ وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْإِرْفَاهِ انْتَهَى وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الشُّهْرَتَيْنِ رِقَّةِ الثِّيَابِ وَغِلَظِهَا وَلِينِهَا وَخُشُونَتِهَا وَطُولِهَا وَقِصَرِهَا وَلَكِنْ سَدَادٌ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَاقْتِصَادٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ لِنَفْسِهِ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ اللَّهُ بِهَا وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَفِيهِ قِصَّةُ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي اخْتَرَطَ سَيْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نَائِمٌ وَعَفْوُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ [2007] (عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُصَغَّرًا الزُّهْرِيِّ الْمَكِّيِّ نَزِيلِ الْكُوفَةِ صَدُوقٌ يَهِمُ وَرُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ الْخَامِسَةِ

قَوْلُهُ (لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ وَهَمْزَتُهُ أَصْلِيَّةٌ وَلَا يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ فَلَا يُقَالُ امْرَأَةٌ إِمَّعَةٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ هُوَ الَّذِي يُتَابِعُ كُلَّ نَاعِقٍ وَيَقُولُ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنَا مَعَكَ لِأَنَّهُ لَا رَأْيَ لَهُ يَرْجِعُ إِلَيْهِ وَمَعْنَاهُ الْمُقَلِّدُ الَّذِي يَجْعَلُ دِينَهُ تَابِعًا لِدِينِ غَيْرِهِ بِلَا رُؤْيَةٍ وَلَا تَحْصِيلِ بُرْهَانٍ انتهى كلامه قال القارىء بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الْكَلَامِ عَنِ الْفَائِقِ مَا لَفْظُهُ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِالنَّهْيِ عَنِ التَّقْلِيدِ الْمُجَرَّدِ حَتَّى فِي الْأَخْلَاقِ فَضْلًا عَنِ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَفِي الْقَامُوسِ الْإِمَّعُ كَهِلَّعٍ وَهِلَّعَةٍ وَيُفْتَحَانِ الرَّجُلُ يُتَابِعُ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى رَأْيِهِ لَا يَثْبُتُ عَلَى شَيْءٍ وَمُتَّبِعُ النَّاسِ إِلَى الطَّعَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْعَى وَالْمُحْقِبُ النَّاسَ دِينَهُ وَالْمُتَرَدِّدُ فِي غَيْرِ صَنْعَةٍ وَمَنْ يَقُولُ أَنَا مَعَ النَّاسِ وَلَا يُقَالُ امْرَأَةٌ إِمَّعَةٌ أَوْ قَدْ يقال وأتأمع وَاسْتَأْمَعَ صَارَ إِمَّعَةً وَقِيلَ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَكُونُ لِضَعْفِ رَأْيِهِ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ يَكُونُ مَعَ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ وَيُلَائِمُ إِرْبَ نَفْسِهِ وَمَا يَتَمَنَّاهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ هُنَا الَّذِي يَقُولُ أَنَا مَعَ النَّاسِ كَمَا يَكُونُونَ مَعِي إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فشر قال القارىء وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُتَعَيَّنُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ) أَيْ إِلَيْنَا أَوْ إِلَى غَيْرِنَا (أَحْسَنَّا) أَيْ جَزَاءً أَوْ تَبَعًا لَهُمْ (وَإِنْ ظَلَمُوا) أَيْ ظَلَمُونَا أَوْ ظَلَمُوا غَيْرَنَا فَكَذَلِكَ نَحْنُ (ظَلَمْنَا) عَلَى وَفْقِ أَعْمَالِهِمْ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ تَقُولُونَ إِلَخْ بَيَانٌ وَتَفْسِيرٌ لِلْإِمَّعَةِ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ إِنْ أَحْسَنَ الناس وإن ظلموا أنا مقلد الناس في إحسانهم وظلمهم ومقتفي أَثَرَهُمْ (وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَخْ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ تَوْطِينُ النَّفْسِ تَمْهِيدُهَا وَتَوَطُّنُهَا تَمَهُّدُهَا انْتَهَى وَفِي الْمُنْجِدِ وَطَّنَ نَفْسَهُ عَلَى الْأَمْرِ وَلِلْأَمْرِ هَيَّأَهَا لِفِعْلِهِ وَحَمَلَهَا عَلَيْهِ انْتَهَى وَفِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ أَوْطَنَ الْأَرْضَ وَوَطَّنَهَا وَاسْتَوْطَنَهَا وَمِنَ الْمَجَازِ وَطَّنْتُ نَفْسِي عَلَى كَذَا فَتَوَطَّنَتْ قَالَ الشَّاعِرُ وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يُوَطِّنُ نَفْسَهُ عَلَى نَائِبَاتِ الدَّهْرِ حِينَ تَنُوبُ قَالَ الطِّيبِيُّ إِنْ تُحْسِنُوا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَطِّنُوا وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ إِنْ تُحْسِنُوا وَالتَّقْدِيرُ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى الْإِحْسَانِ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسَنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا لِأَنَّ عَدَمَ الظُّلْمِ إِحْسَانٌ

باب ما جاء في زيارة الاخوان

64 - (بَاب مَا جَاءَ فِي زِيَارَةِ الْإِخْوَانِ) قَوْلُهُ [2008] (وَالْحُسَيْنُ بْنُ) سَلَمَةَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ (أَبِي كَبْشَةَ) بِمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ الْأَزْدِيُّ الطَّحَّانُ (الْبَصْرِيُّ) صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ السَّدُوسِيُّ) موَلَّاهُمْ أَبُو يَعْقُوبَ السِّلَمِيُّ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَقِيلَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ ثُمَّ سُكُونٍ الْبَصْرِيُّ الضُّبَعِيُّ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا أَبُو سِنَانٍ الْقَسْمَلِيُّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ هُوَ عِيسَى بْنُ سِنَانٍ الْحَنَفِيُّ الْفِلَسْطِينِيُّ نَزِيلُ الْبَصْرَةِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَوْدَةَ) الْمَقْدِسِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَنْ عَادَ مَرِيضًا) أَيْ مُحْتَسِبًا (أَوْ زَارَ أَخًا لَهُ) أَيْ فِي الدِّينِ (فِي اللَّهِ) أَيْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا لِلدُّنْيَا (مُنَادٍ) أَيْ مَلَكٌ (أَنْ طِبْتَ) دُعَاءٌ لَهُ بِطِيبِ عَيْشِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى (وَطَابَ مَمْشَاكَ) مَصْدَرٌ أَوْ مَكَانٌ أَوْ زَمَانٌ مُبَالَغَةً قَالَ الطِّيبِيُّ كِنَايَةٌ عَنْ سَيْرِهِ وَسُلُوكِهِ طَرِيقَ الْآخِرَةِ بِالتَّعَرِّي عَنْ رَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ وَالتَّحَلِّي بِمَكَارِمِهَا (وَتَبَوَّأْتَ) أَيْ تَهَيَّأْتَ (مِنَ الْجَنَّةِ) أَيْ مِنْ مَنَازِلِهَا الْعَالِيَةِ (مَنْزِلًا) أَيْ مَنْزِلَةً عَظِيمَةً وَمَرْتَبَةً جَسِيمَةً بِمَا فَعَلْتَ وَقَالَ الطِّيبِيُّ دُعَاءٌ لَهُ بِطِيبِ الْعَيْشِ فِي الْأُخْرَى كَمَا أَنَّ طِبْتَ دُعَاءٌ لَهُ بِطِيبِ الْعَيْشِ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّمَا أُخْرِجَتِ الْأَدْعِيَةُ فِي صُورَةِ الْأَخْبَارِ إظهار لِلْحِرْصِ عَلَى عِيَادَةِ الْأَخْيَارِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رواه بن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ

باب ما جاء في الحياء

قُلْتُ لَيْسَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا لَفْظُ حَسَنٌ بَلْ فِيهَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ (شَيْئًا مِنْ هَذَا) أَيْ شَيْئًا مُخْتَصَرًا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ 5 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحَيَاءِ) هُوَ بِالْمَدِّ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ تَغَيُّرٌ وَانْكِسَارٌ يَعْتَرِي الْإِنْسَانَ مِنْ خَوْفِ مَا يُعَابُ بِهِ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مُجَرَّدِ تَرْكِ الشَّيْءِ بِسَبَبٍ وَالتَّرْكُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِهِ وَفِي الشَّرْعِ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى اجْتِنَابِ الْقَبِيحِ وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ قَوْلُهُ [2009] (حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ) الْكِلَابِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثَبْتٌ ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ الثَّامِنَةِ (وَعَبْدُ الرَّحِيمِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ الْكِنَانِيُّ أَوِ الطَّائِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْأَشَلُّ الْمَرْوَزِيُّ نَزِيلُ الْكُوفَةِ ثِقَةٌ لَهُ تَصَانِيفُ مِنْ صِغَارِ الثَّامِنَةِ (وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْفُرَافِصَةِ بْنِ الْمُخْتَارِ الْحَافِظُ الْعَبْدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ أَبُو كُرَيْبٍ وَغَيْرُهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ) أَيْ بَعْضُهُ أَوْ مِنْ شُعَبِهِ (وَالْإِيمَانُ) أَيْ أَهْلُهُ قَالَ الطِّيبِيُّ جَعْلُ أَهْلِ الْإِيمَانِ عَيْنَ الْإِيمَانِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ تَمَحَّضُوا مِنْهُ وَتَمَكَّنُوا مِنْ بَعْضِ شُعَبِهِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى الفرع منه كما جعل الايمان مقرى ومبوأ لأهله في قوله تعالى والذين تبؤوا الدار والإيمان لِتَمَكُّنِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَاسْتِقَامَتِهِمْ عَلَيْهِ (وَالْبَذَاءُ) بِفَتْحِ الباء خلاف الحياء والناشىء مِنْهُ الْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ وَالسُّوءُ فِي الْخُلُقِ (مِنْ الْجَفَاءِ) وَهُوَ خِلَافُ الْبِرِّ الصَّادِرِ مِنْهُ الْوَفَاءُ (وَالْجَفَاءُ) أَيْ أَهْلُهُ التَّارِكُونَ

لِلْوَفَاءِ الثَّابِتُونَ عَلَى غِلَاظَةِ الطَّبْعِ وَقَسَاوَةِ الْقَلْبِ (فِي النَّارِ) إِمَّا مُدَّةً أَوْ أَبَدًا لِأَنَّهُ فِي مُقَابِلِ الْإِيمَانِ الْكَامِلِ أَوْ مُطْلَقُهُ فَصَاحِبُهُ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرَانِ أَوِ الْكُفْرِ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عُمَرَ وَأَبِي بَكْرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حصين) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَلَهُ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَأَخْرَجَهُ البخاري في الأدب وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ تَنْبِيهٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شرح مسلم حديث كون الحياء كله خير أو لا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ يُشْكِلُ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ من حيث أن صاحب الحياء قد يستحي أَنْ يُوَاجِهَ بِالْحَقِّ مَنْ يُجِلُّهُ وَيُعَظِّمُهُ فَيَتْرُكَ أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهْيَهُ عَنِ الْمُنْكَرِ وَقَدْ يَحْمِلُهُ الْحَيَاءُ عَلَى الْإِخْلَالِ بِبَعْضِ الْحُقُوقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَادَةِ وَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ إِنَّ هَذَا الْمَانِعَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ بِحَيَاءٍ حَقِيقَةً بَلْ هُوَ عَجْزٌ وَخَوَرٌ وَإِنَّمَا تَسْمِيَتُهُ حَيَاءً مِنْ إِطْلَاقِ بَعْضِ أَهْلِ الْعُرْفِ أَطْلَقُوهُ مَجَازًا لِمُشَابَهَتِهِ الْحَيَاءَ الْحَقِيقِيَّ وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْحَيَاءِ خُلُقٌ يَبْعَثُ عَلَى تَرْكِ الْقَبِيحِ وَيَمْنَعُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ ذِي الْحَقِّ وَنَحْوِ هَذَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا فِي رِسَالَةِ الْإِمَامِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ عَنِ السَّيِّدِ الْجَلِيلِ أَبِي الْقَاسِمِ الْجُنَيْدِ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْحَيَاءُ رُؤْيَةُ الْآلَاءِ أَيِ النِّعَمِ وَرُؤْيَةُ التَّقْصِيرِ فَيَتَوَلَّدُ بَيْنَهُمَا حَالَةٌ تُسَمَّى الحياة وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ إِنَّمَا جُعِلَ الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ تَخَلُّقًا وَاكْتِسَابًا كَسَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَقَدْ يَكُونُ غَرِيزَةً وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَهُ عَلَى قَانُونِ الشَّرْعِ يَحْتَاجُ إِلَى اكْتِسَابٍ وَنِيَّةٍ وَعِلْمٍ فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ لِهَذَا وَلِكَوْنِهِ بَاعِثًا عَلَى أَفْعَالِ الْبِرِّ وَمَانِعًا مِنَ الْمَعَاصِي انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ التَّعْرِيفُ عَلَى الْعَهْدِ وَيَكُونُ إِشَارَةً إِلَى مَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِحْيَاءُ من الله أن يحفظ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى الْحَدِيثَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد ورجاله رجال الصحيح وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي الترغيب والمرقاة

باب ما جاء في التأني والعجلة

66 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّأَنِّي وَالْعَجَلَةِ) الْعَجَلَةُ وَالْعَجَلُ مُحَرَّكَتَيْنِ السُّرْعَةُ وَالتَّأَنِّي تَرْكُ الِاسْتِعْجَالِ مِنْ تأنى في الأمر إذا توقف فيه قَوْلُهُ [2010] (حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسِ) بْنِ رَبَاحٍ الْأَزْدِيُّ أَبُو رَوْحٍ الْبَصْرِيُّ أَخُو خَالِدٍ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ) التَّيْمِيِّ الطَّلْحِيِّ الْبَصْرِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي فَضْلِ السَّمْتِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الجيم بعدها مهملة المزني حنيف بَنِي مَخْزُومٍ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ قَوْلُهُ (السَّمْتُ الْحَسَنُ) أَيِ السِّيرَةُ الْمُرْضِيَةُ وَالطَّرِيقَةُ الْمُسْتَحْسَنَةُ قِيلَ السَّمْتُ الطَّرِيقُ وَيُسْتَعَارُ لِهَيْئَةِ أَهْلِ الْخَيْرِ وَفِي الْفَائِقِ السَّمْتُ أَخْذُ الْمَنْهَجِ وَلُزُومُ الْمَحَجَّةِ (وَالتُّؤَدَةُ) بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيِ التَّأَنِّي فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ (وَالِاقْتِصَادُ) أَيِ التَّوَسُّطُ فِي الْأَحْوَالِ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ طَرَفَيِ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الِاقْتِصَادُ عَلَى ضَرْبَيْنِ أَحَدُهُمْ مَا كَانَ مُتَوَسِّطًا بَيْنَ مَحْمُودٍ وَمَذْمُومٍ كَالْمُتَوَسِّطِ بَيْنَ الْجَوْرِ وَالْعَدْلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُودِ وَهَذَا الضَّرْبُ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ومنهم مقتصد وَالثَّانِي مَحْمُودٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَذَلِكَ فِيمَا لَهُ طَرَفَانِ إِفْرَاطٌ وَتَفْرِيطٌ كَالْجُودِ فَإِنَّهُ بَيْنَ الْإِسْرَافِ وَالْبُخْلِ وَالشُّجَاعَةِ فَإِنَّهَا بَيْنَ التَّهَوُّرِ وَالْجُبْنِ وَهَذَا الَّذِي فِي الْحَدِيثِ هُوَ الِاقْتِصَادُ الْمَحْمُودُ عَلَى الْإِطْلَاقِ (جُزْءٌ) أَيْ كُلُّهَا أَوْ كُلٌّ مِنْهَا (مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا) وَيُؤَيِّدُ الْأَخِيرَ مَا رَوَاهُ الضِّيَاءُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا السَّمْتُ الْحَسَنُ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَسَبْعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ مَعَ زِيَادَةِ إِفَادَةٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدَدِ الْمَذْكُورِ التكثير لا التحديد وينصره حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْهَدْيَ الصَّالِحَ وَالسَّمْتَ الصَّالِحَ وَالِاقْتِصَادَ جُزْءٌ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ الِاخْتِلَافُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ الْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي الْمُتَّصِفِ بِهِ (مِنَ النُّبُوَّةِ) أَيْ مِنْ أَجْزَائِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْهَدْيُ وَالسَّمْتُ حَالَةُ الرَّجُلِ وَمَذْهَبُهُ وَالِاقْتِصَادُ سُلُوكُ الْقَصْدِ فِي الْأُمُورِ وَالدُّخُولِ فِيهَا بِرِفْقٍ عَلَى سَبِيلِ تَمَكُّنِ الدَّوَامِ عَلَيْهَا يُرِيدُ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ مِنْ شَمَائِلِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ فَضَائِلِهِمْ فَاقْتَدُوا بِهِمْ فِيهَا وَتَابِعُوهُمْ عَلَيْهَا وَلَيْسَ مَعْنَاهَا أَنَّ النبوة

تَتَجَزَّأُ وَلَا أَنَّ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْخِصَالَ كان نبيا فإن النبوة غير مكتسبة وإنما هِيَ كَرَامَةٌ يَخُصُّ اللَّهُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ الْخِلَالَ مِمَّا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّةُ وَدَعَا إِلَيْهَا الْأَنْبِيَاءُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ جَمَعَ هَذِهِ الْخِصَالَ لَقِيَهُ النَّاسُ بِالتَّوْقِيرِ وَالتَّعْظِيمِ وَأَلْبَسَهُ اللَّهُ لِبَاسَ التَّقْوَى الَّذِي أَلْبَسَ أَنْبِيَاءَهُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَكَأَنَّهَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَالطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الْعَدَدِ وَوَجْهِهِ بِالِاخْتِصَاصِ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ وَالِاسْتِنْبَاطِ مَسْدُودٌ فَإِنَّهُ مِنْ عُلُومِ النبوة قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ (وَالصَّحِيحُ حَدِيثُ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ وَقِيلَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيعٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنْ الْعَاشِرَةِ (عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ) السَّدُوسِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ ضَابِطٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) اسْمُهُ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ قَوْلُهُ [2011] (لِأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ) بِالْإِضَافَةِ وَاسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَائِذٍ كَانَ وَافِدَ عَبْدِ الْقَيْسِ وَقَائِدَهُمْ وَرَئِيسَهُمْ وَعَبْدُ الْقَيْسِ قَبِيلَةٌ (إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ) وَيَجُوزُ فِيهِ وَجْهَانِ النَّصْبُ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ وَالرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُمَا الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ قَالَ النَّوَوِيُّ الْحِلْمُ هُوَ الْعَقْلُ وَالْأَنَاةُ هِيَ التَّثَبُّتُ وَتَرْكُ الْعَجَلَةِ وَهِيَ مَقْصُورَةٌ يَعْنِي بِوَزْنِ نَوَاةٍ وَسَبَبُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لَهُ مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الْوَفْدِ أَنَّهُمْ لَمَّا وَصَلُوا إِلَى الْمَدِينَةِ بَادَرُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقَامَ الْأَشَجُّ عِنْدَ رِحَالِهِمْ فَجَمَعَهَا وَعَقَلَ نَاقَتَهُ وَلَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ ثُمَّ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَّبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْلَسَهُ إِلَى جَانِبِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُبَايِعُونَ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَقَوْمِكُمْ فَقَالَ الْقَوْمُ نَعَمْ فَقَالَ

الْأَشَجُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَمْ تُزَاوِدِ الرَّجُلَ عَنْ شَيْءٍ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ دِينِهِ نُبَايِعُكَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَنُرْسِلُ إِلَيْهِمْ مَنْ يَدْعُوهُمْ فَمَنِ اتَّبَعَنَا كَانَ مِنَّا وَمَنْ أَبَى قَاتَلْنَاهُ قَالَ صَدَقْتَ إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ الْحَدِيثُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فَالْأَنَاءَةُ تَرَبُّصُهُ حَتَّى نَظَرَ فِي مَصَالِحِهِ وَلَمْ يَعْجَلْ وَالْحِلْمُ هَذَا الْقَوْلُ الَّذِي قَالَهُ الدَّالُّ عَلَى صِحَّةِ عَقْلِهِ وَجَوْدَةِ نَظَرِهِ للعواقب انتهى وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الْأَشَجِّ الْعَصْرِيِّ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْعَصْرِيُّ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ أَشُجُّ عَبْدُ الْقَيْسِ الْمَذْكُورُ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ الْأَشَجُّ العصري اسمه المنذر بن عائد بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ زِيَادِ بْنِ عَصْرٍ الْعَصْرِيُّ أَشُجُّ عَبْدِ الْقَيْسِ كَانَ سَيِّدَ قَوْمِهِ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ تَعَالَى الْحَدِيثَ انْتَهَى قَوْلُهُ [2012] (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ) الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَوْلُهُ (الْأَنَاةُ مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَيْ هُوَ الْحَامِلُ عَلَيْهَا بِوَسْوَسَتِهِ لِأَنَّ الْعَجَلَةَ تَمْنَعُ مِنَ التَّثَبُّتِ وَالنَّظَرِ فِي الْعَوَاقِبِ وَذَلِكَ مُوقِعٌ فِي الْمَعَاطِبِ وَذَلِكَ مِنْ كَيْدِ الشَّيْطَانِ وَوَسْوَسَتِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُرَقَّشُ يَا صَاحِبَيَّ تَلَوَّمَا لَا تَعْجَلَا إِنَّ النَّجَاحَ رَهِينُ أَنْ لَا تَعْجَلَا وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ لَا يَزَالُ الْمَرْءُ يَجْتَنِي مِنْ ثَمَرَةِ الْعَجَلَةِ النَّدَامَةَ ثُمَّ الْعَجَلَةُ الْمَذْمُومَةُ مَا كَانَ فِي غَيْرِ طَاعَةٍ وَمَعَ عَدَمِ التَّثَبُّتِ وَعَدَمِ خَوْفِ الْفَوْتِ وَلِهَذَا قِيلَ لِأَبِي الْعَيْنَاءِ لَا تَعْجَلْ فَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَانِ فَقَالَ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا قَالَ مُوسَى وَعَجِلْتُ إليك رب لترضى والحزم ما قال بعضهم لاتعجل عَجَلَةَ الْأَخْرَقِ وَلَا تُحْجِمْ إِحْجَامَ الْوَانِي الْفَرِقِ انْتَهَى قِيلَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا لَا شُبْهَةَ فِي خَيْرِيَّتِهِ قَالَ تَعَالَى إِنَّهُمْ كَانُوا يسارعون في الخيرات قال القارىء بَوْنٌ بَيْنَ الْمُسَارَعَةِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى الطَّاعَاتِ وَبَيْنَ الْعَجَلَةِ فِي نَفْسِ الْعِبَادَاتِ فَالْأَوَّلُ مَحْمُودٌ وَالثَّانِي مذموم انتهى

باب ما جاء في الرفق

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) كَذَا فِي النُّسَخِ الموجودة وكذا في المشكاة وقال القارىء قَالَ مَيْرَكُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ غَرِيبٌ (وقد تكلم بعض أهل العلم فِي عَبْدِ الْمُهَيْمِنِ بْنِ عَبَّاسٍ وَضَعَّفَهُ مِنْ قبل حفظه) قال القارىء أَيْ وَقَعَ طَعْنُ الْبَعْضِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ حِفْظِهِ فَإِنَّهُ عَدْلٌ ثِقَةٌ فَأَمْرُهُ سَهْلٌ انْتَهَى قلت في قول القارىء فإنه عدل ثقة نظرا لظاهر فَقَدْ عَرَفْتُ آنِفًا أَنَّ الْحَافِظَ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِنَّهُ ضَعِيفٌ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وقال بن حِبَّانَ لَمَّا فَحُشَ الْوَهْمُ فِي رِوَايَتِهِ بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِيهِ أَقْوَالَ غَيْرِ هَؤُلَاءِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بثقة 7 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الرِّفْقِ) بِالْكَسْرِ ضِدُّ الْعُنْفِ وَهُوَ الْمُدَارَاةُ مَعَ الرُّفَقَاءِ وَلِينُ الْجَانِبِ وَاللُّطْفُ فِي أَخْذِ الْأَمْرِ بِأَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَيْسَرِهَا قَوْلُهُ [2013] (مَنْ أُعْطِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (حَظَّهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ أَيْ نَصِيبَهُ (مِنَ الرِّفْقِ) أَيِ اللُّطْفِ (وَمَنْ حُرِمَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (حَظَّهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ (فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ) إِذْ بِهِ تُنَالُ الْمَطَالِبُ الدُّنْيَوِيَّةُ وَالْأُخْرَوِيَّةُ وَبِفَوْتِهِ تَفُوتَانِ فَفِيهِ فَضْلُ الرِّفْقِ وَالْحَثُّ عَلَى التَّخَلُّقِ بِهِ وَذَمُّ الْعُنْفِ وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ يَعْنِي أَنَّ نَصِيبَ الرَّجُلِ مِنَ الْخَيْرِ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ مِنَ الرِّفْقِ وَحِرْمَانَهُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ حِرْمَانِهِ مِنْهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ

باب ما جاء في دعوة المظلوم

الشَّيْخَانِ عَنْهَا مَرْفُوعًا إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ وَلَهَا أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي هَذَا الْبَابِ أَمَّا حَدِيثُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ [2014] (عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ) اسْمُهُ نَافِذٌ بِفَاءٍ ومعجمة مولى بن عباس المكي ثقة من الرابعة قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ) قَوْلُهُ (بَعَثَ مُعَاذًا) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيْ أَرْسَلَهُ أَمِيرًا وَقَاضِيًا (اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ) أَيِ اجْتَنِبْ دَعْوَةَ مَنْ تَظْلِمُهُ وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِتَجَنُّبِ سَائِرِ أَنْوَاعِ الظلم (فإنه) أَيِ الشَّأْنُ (لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ) أَيْ قبولها لَهَا (حِجَابٌ) أَيْ مَانِعٌ بَلْ هِيَ مَعْرُوضَةٌ عَلَيْهِ تَعَالَى وَقِيلَ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ سُرْعَةِ القبول قال الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا تَعْلِيلٌ لِلِاتِّقَاءِ وَتَمْثِيلٌ لِلدَّعْوَةِ لِمَنْ يَقْصِدُ إِلَى السُّلْطَانِ مُتَظَلِّمًا فَلَا يَحْجُبُ عَنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو يَعْلَى وَالضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَيْسَ دُونَهَا حِجَابٌ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي التَّيْسِيرِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ دُعَاءِ الْوَالِدَيْنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا

باب ما جاء في خلق النبي صلى الله عليه وسلم

69 - (بَاب مَا جَاءَ فِي خُلُقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَوْلُهُ [2015] (خَدَمْتُ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ (عَشْرَ سِنِينَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ تِسْعَ سِنِينَ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تِسْعُ سِنِينَ وَأَشْهُرٌ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ تَحْدِيدًا لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ وَخَدَمَهُ أَنَسٌ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ الْأُولَى فَفِي رِوَايَةِ التِّسْعِ لَمْ يَحْسِبِ الْكَسْرَ بَلِ اعْتَبَرَ السِّنِينَ الْكَوَامِلَ وَفِي رِوَايَةِ الْعَشْرِ حَسَبَهَا سَنَةً كَامِلَةً وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ انْتَهَى (فَمَا قَالَ لِي أُفِّ) بِضَمِّ الْهَمْزِ وَكَسْرِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ مُنَوَّنَةً وَغَيْرَ مُنَوَّنَةٍ وَفِيهَا لُغَاتٌ كَثِيرَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ذَكَرَ الْقَاضِيَ وَغَيْرُهُ فِيهَا عَشْرَ لُغَاتٍ أُفِّ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا بِلَا تَنْوِينٍ وَبِالتَّنْوِينِ فَهَذِهِ سِتٌّ وَأُفْ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَإِفَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَأُفِّي وَأُفِّهِ بِضَمِّ هَمْزَتِهِمَا قَالُوا وَأَصْلُ الْأُفِّ وَالتُّفِّ وَسَخُ الْأَظْفَارِ وَتُسْتَعْمَلُ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي كُلِّ مَا يُسْتَقْذَرُ وَهِيَ اسْمُ فِعْلٍ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْمُذَكَّرِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ قَالَ اللَّهُ تعالى ولا تقل لهما أف قَالَ الْهَرَوِيُّ يُقَالُ لِكُلِّ مَا يُضْجَرُ مِنْهُ وَيُسْتَثْقَلُ أُفٍّ لَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الِاحْتِقَارُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْأَنْفِ وَهُوَ الْقَلِيلُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ أُفِّ كَلِمَةُ تَكَرُّهٍ وَأَفَّفَ تَأْفِيفًا وَتَأَفَّفَ قَالَهَا وَلُغَاتُهَا أَرْبَعُونَ ثُمَّ ذَكَرَهَا (وَمَا قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ صَنَعْتَهُ وَلَا لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ لِمَ تَرَكْتَهُ) يَعْنِي لَمْ يَقُلْ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لم أصنعته وَلَا لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ وَكُنْتُ مَأْمُورًا بِهِ لِمَ لَا صَنَعْتَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ تَرْكَ اعْتِرَاضِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِيمَا خَالَفَ أَمْرَهُ إِنَّمَا يُفْرَضُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخِدْمَةِ وَالْآدَابِ لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكَالِيفِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ الِاعْتِرَاضِ فِيهِ وَفِيهِ أَيْضًا مَدْحُ أَنَسٍ فَإِنَّهُ لَمْ يَرْتَكِبْ أَمْرًا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتِرَاضٌ مَا (وَمَا مَسِسْتُ) بِكَسْرِ السِّينِ الْأُولَى وَيُفْتَحُ (خَزًّا) قال في النهاية الخز المعروف أولا ثِيَابٌ تُنْسَجُ مِنْ صُوفٍ وَإِبْرَيْسَمَ وَهِيَ مُبَاحَةٌ وَقَدْ لَبِسَهَا الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنْهَا لِأَجْلِ التَّشَبُّهِ بِالْعَجَمِ وَزِيِّ الْمُتْرَفِينَ وَإِنْ أُرِيدَ بِالْخَزِّ النَّوْعُ الْآخَرُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ الْآنَ فَهُوَ حَرَامٌ لِأَنَّ جَمِيعَهُ مَعْمُولٌ مِنَ الْإِبْرَيْسَمِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ قَوْمٌ يَسْتَحِلُّونَ الْخَزَّ وَالْحَرِيرَ

انْتَهَى (وَلَا حَرِيرًا) أَيْ مُطْلَقًا (وَلَا شَمِمْتُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَيُفْتَحُ قَالَ الْحَافِظُ مَسِسْتُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ الْأُولَى عَلَى الْأَفْصَحِ وَكَذَا شَمِمْتُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحُهَا لُغَةٌ وَيُقَالُ فِي الْمُضَارِعِ أَمَسَّهُ وَأَشَمَّهُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا عَلَى الْأَفْصَحِ وَبِالضَّمِّ عَلَى اللُّغَةِ الْمَذْكُورَةِ وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ كَمَالِ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُسْنِ عِشْرَتِهِ وَحِلْمِهِ وَصَفْحِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَالْبَرَاءِ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا بِأَلْفَاظٍ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صِفَةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ [2016] (لَمْ يَكُنْ فَاحِشًا) أَيْ ذَا فُحْشٍ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ (وَلَا مُتَفَحِّشًا) أَيْ مُتَكَلِّفًا فِيهِ وَمُتَعَمِّدًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَالَ الْقَاضِي نَفَتْ عَنْهُ تَوَلِّي الْفُحْشِ وَالتَّفَوُّهَ بِهِ طَبْعًا وَتَكَلُّفًا (وَلَا صَخَّابًا) أَيْ صَيَّاحًا (وَلَا يجزئ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ) بَلْ بِالْحَسَنَةِ (وَلَكِنْ يَعْفُو) أَيْ فِي الْبَاطِنِ (وَيَصْفَحُ) أَيْ يُعْرِضُ فِي الظَّاهِرِ عن صاحب السيئة لقوله تعالى واعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَوْلُهُ (وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ اسْمُهُ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجَدَلِيُّ اسْمُهُ عَبْدٌ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدٍ ثِقَةٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ

باب ما جاء في حسن العهد

70 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي حُسْنِ الْعَهْدِ) وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ بَابُ حُسْنِ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعَهْدُ هُنَا رِعَايَةُ الْحُرْمَةِ وَقَالَ عِيَاضٌ هُوَ الِاحْتِفَاظُ بِالشَّيْءِ وَالْمُلَازَمَةُ لَهُ وَقَالَ الرَّاغِبُ حِفْظُ الشَّيْءِ وَمُرَاعَاتُهُ حَالًا بَعْدَ حَالٍ قَوْلُهُ [2017] (مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ غَارَ يَغَارُ نَحْوُ خَافَ يَخَافُ (مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ) مَا الْأُولَى نَافِيَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَوْصُولَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ مَا غِرْتُ مِثْلَ الَّتِي غِرْتُهَا أَوْ مِثْلَ غَيْرَتِي عَلَيْهَا وَالْغَيْرَةُ الْحَمِيَّةُ وَالْأُنُفُ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ عَلَى خَدِيجَةَ يُرِيدُ مِنْ خَدِيجَةَ فَأَقَامَ عَلَى مُقَامَ مِنْ وَحُرُوفُ الْجَرِّ تَتَنَاوَبُ فِي رَأْيٍ أو على سببية أوبسبب خَدِيجَةَ وَفِيهِ ثُبُوتُ الْغَيْرَةِ وَأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ وُقُوعُهَا مِنْ فَاضِلَاتِ النِّسَاءِ فَضْلًا عَمَّنْ دُونَهُنَّ وَأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَغَارُ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ كَانَتْ تَغَارُ مِنْ خَدِيجَةَ أَكْثَرَ وَقَدْ بَيَّنَتْ سَبَبَ ذَلِكَ وَإِنَّهُ لِكَثْرَةِ ذِكْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا وَأَصْلُ غَيْرَةِ الْمَرْأَةِ مِنْ تَخَيُّلِ مَحَبَّةِ غَيْرِهَا أَكْثَرَ مِنْهَا وَكَثْرَةُ الذِّكْرِ تَدُلُّ عَلَى كَثْرَةِ الْمَحَبَّةِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ مُرَادُهَا بِالذِّكْرِ لَهَا مَدْحُهَا وَالثَّنَاءُ عَلَيْهَا (وَمَا بِي أَنْ أَكُونَ أَدْرَكْتُهَا) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَمَا نَافِيَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ وَمَا رَأَيْتُهَا وَهِيَ تَقْتَضِي عَدَمَ الْغَيْرَةِ لِعَدَمِ الْبَاعِثِ عَلَيْهَا غَالِبًا وَلِذَا قَالَتْ (وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِكَثْرَةِ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ مِنْ كَثْرَةِ ذِكْرِهِ إِيَّاهَا وَثَنَائِهِ عَلَيْهَا (وإن) من مخففة الْمُثَقَّلَةِ (لَيَذْبَحُ الشَّاةَ) أَيَّ شَاةٍ مِنَ الشِّيَاهِ (فَيَتَتَبَّعُ) أَيْ يَتَطلَّبُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ تَتَبَّعَهُ تَطَلَّبَهُ وَقَالَ فِيهِ طَلَبَهُ وَتَطَلَّبَهُ وَاطَّلَبَهُ كَافْتَعَلَهُ حَاوَلَ وُجُودَهُ وَأَخْذَهُ (بِهَا) أَيْ بِالشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ يَعْنِي بِأَعْضَائِهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صدائق خديجة (صدائق خديجة) أي أصدقائها جَمْعُ صَدِيقَةٍ وَهِيَ الْمَحْبُوبَةُ (فَيُهْدِيهَا لَهُنَّ) مِنَ الْإِهْدَاءِ أَيْ يُتْحِفُهُنَّ إِيَّاهَا وَمُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ لِلْبَابِ فِي إِهْدَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّحْمَ لِأَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ وَخَلَائِلِهَا رَعْيًا مِنْهُ لِذِمَامِهَا وَحِفْظًا لِعَهْدِهَا وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ رُسْتُمَ عَنِ بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنها قالت جاءت عجوز إلى

باب ما جاء في معالي الأخلاق

النبي الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ كَيْفَ حَالُكُمْ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا قَالَتْ بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَانَ خَدِيجَةَ وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مَعَالِي الْأَخْلَاقِ) جَمْعُ الْمَعْلَاةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَعْلَاةُ كَسْبُ الشَّرَفِ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ علاء بالفتح والمد بلندي درقدر وَنَزَلْتُ عُلَى بِالضَّمِّ وَالْقَصْرِ مَعْلَاةٌ بِالْفَتْحِ كَذَلِكَ وَالْجَمْعُ الْمَعَالِي قَوْلُهُ [2018] (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ الْبَغْدَادِيُّ) أَبُو جَعْفَرٍ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (حَدَّثَنَا حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَبُو حَبِيبٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الْمُعْجَمَةِ أَبُو فَضَالَةَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يُدَلِّسُ وَيُسَوِّي مِنَ السَّادِسَةِ (حَدَّثَنِي عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو يَحْيَى الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ) أَيْ فِي الدُّنْيَا (أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا) نَصَبَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ وَجَمَعَهُ لِإِرَادَةِ الْأَنْوَاعِ أَوْ لِمُقَابَلَةِ الْجَمْعِ بِالْجَمْعِ (وَإِنَّ مِنْ أَبْغَضِكُمْ إِلَيَّ) أَيْ فِي الدُّنْيَا وَأَبْعَدِكُمْ مِنِّي يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَأَبْعَدِكُمْ مِنِّي مَسَاوِيكُمْ أَخْلَاقًا الثرثارون الحديث قال القارىء وَيُرْوَى أَسَاوِيكُمْ جَمْعُ أَسُوءَ كَأَحَاسِنَ جَمْعُ أَحْسَنَ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِمَا فِي أَصْلِ الْمَصَابِيحِ وَقَالَ الْقَاضِي أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ إِذَا أُضِيفَ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ زَائِدٌ عَلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِمْ في الخصلة التي هودهم مُشْتَرِكُونَ فِيهَا جَازَ الْإِفْرَادُ وَالتَّذْكِيرُ فِي الْحَالَاتِ كلها وتطبقه لِمَا هُوَ وَصْفٌ لَهُ لَفْظًا وَمَعْنًى وَقَدْ جُمِعَ الْوَجْهَانِ فِي الْحَدِيثِ فَأَفْرَدَ أَحَبَّ وَبَغَضَ وجمع أحاسن وأساويء

فِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَسَاوِيكُمْ بَدَلَ مَسَاوِيكُمْ وهو جمع مسوىء كَمَحَاسِنَ فِي جَمْعِ مُحْسِنٍ وَهُوَ إِمَّا مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ نُعِتَ بِهِ ثُمَّ جُمِعَ أَوِ اسْمُ مَكَانٍ بِمَعْنَى الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ السُّوءُ فَأُطْلِقَ عَلَى الْمَنْعُوتِ بِهِ مَجَازًا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ أَرَادَ بِأَبْغَضِكُمْ بَغِيضَكُمْ وَبِأَحَبِّكُمُ التَّفْضِيلَ فَلَا يَكُونُ الْمُخَاطَبُونَ بِأَجْمَعِهِمْ مُشْتَرَكِينَ فِي الْبُغْضِ وَالْمَحَبَّةِ وَقَالَ الْحَاجِبِيُّ تَقْدِيرُهُ أُحِبُّ الْمَحْبُوبِينَ مِنْكُمْ وَأَبْغَضُ الْمَبْغُوضِينَ مِنْكُمْ وَيَجُوزُ إِطْلَاقُ الْعَامِّ وَإِرَادَةُ الْخَاصِّ لِلْقَرِينَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ إِذَا جَعَلَ الْخِطَابَ خَاصًّا بِالْمُؤْمِنِينَ فَكَمَا لَا يَجُوزُ أَبْغَضُكُمْ لَا يَجُوزُ بَغِيضُكُمْ لِاشْتِرَاكِهِمْ في المحبة فالقول ما ذهب إليه بن الْحَاجِبِ لِأَنَّ الْخِطَابَ عَامٌّ يَدْخُلُ فِيهِ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ وَالْمُوَافِقُ وَالْمُنَافِقُ فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْمُنَافِقُ الْحَقِيقِيُّ فَالْكَلَامُ ظَاهِرٌ وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ الْحَقِيقِيِّ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ عَلَامَاتِ النِّفَاقِ فَمُسْتَقِيمٌ أَيْضًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الثَّرْثَارُونَ وفي النهاية الثرثارون هم الذي يُكْثِرُونَ الْكَلَامَ تَكَلُّفًا وَخُرُوجًا عَنِ الْحَقِّ وَالثَّرْثَرَةُ كَثْرَةُ الْكَلَامِ وَتَرْدِيدُهُ (وَالْمُتَشَدِّقُونَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُتَشَدِّقُونَ هُمُ الْمُتَوَسِّعُونَ فِي الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ احتياط واحتراز وقيل أراد بالمتشدق المستهزىء بِالنَّاسِ يَلْوِي شَدْقَهُ بِهِمْ وَعَلَيْهِمُ انْتَهَى وَالشَّدْقُ جَانِبُ الْفَمِ (وَالْمُتَفَيْهِقُونَ) هُمُ الَّذِينَ يَتَوَسَّعُونَ فِي الْكَلَامِ وَيَفْتَحُونَ بِهِ أَفْوَاهَهُمْ مَأْخُوذٌ مِنَ الْفَهْقِ وَهُوَ الِامْتِلَاءُ وَالِاتِّسَاعُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قِيلَ وَهَذَا مِنَ الْكِبْرِ وَالرُّعُونَةِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي الترغيب الثرثار بثائين مثلثين مَفْتُوحَتَيْنِ هُوَ الْكَثِيرُ الْكَلَامِ تَكَلُّفًا وَالْمُتَشَدِّقُ هُوَ المتكلم بملىء شَدْقِهِ تَفَاصُحًا وَتَعْظِيمًا لِكَلَامِهِ وَالْمُتَفَيْهِقُ أَصْلُهُ مِنَ الْفَهْقِ وَهُوَ الِامْتِلَاءُ وَهُوَ بِمَعْنَى الْمُتَشَدِّقِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَمْلَأُ فَمَهُ بِالْكَلَامِ وَيَتَوَسَّعُ فِيهِ إِظْهَارًا لِفَصَاحَتِهِ وَفَضْلِهِ وَاسْتِعْلَاءً عَلَى غَيْرِهِ وَلِهَذَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُتَكَبِّرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِنَّ أَحَبَّكُمْ إِلَيَّ أَحَاسِنُكُمْ أَخْلَاقًا الْمُوَطَّئُونَ أَكْنَافًا الَّذِينَ يألفون ويؤلفون وإن أبغضكم إلى المشاؤن بالنميمة المفرقون بين الأحبة الملتمسون للبراء الْعَيْبَ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والطبراني وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ

باب ما جاء في اللعن والطعن

قَوْلُهُ (وَالْمُتَشَدِّقُ هُوَ الَّذِي يَتَطَاوَلُ عَلَى النَّاسِ فِي الْكَلَامِ وَيَبْذُو عَلَيْهِمْ) كَذَا فَسَّرَهُ التِّرْمِذِيُّ وَتَفْسِيرُهُ الْمَشْهُورُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَصَاحِبُ النِّهَايَةِ (وَهَذَا أَصَحُّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ رَوَى عن بن الْمُنْكَدِرِ وَعَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَى فَالظَّاهِرُ أَنَّ مُبَارَكَ بْنَ فَضَالَةَ رَوَى هَذَا الحديث أولا عن بن الْمُنْكَدِرِ بِوَاسِطَةِ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ ثُمَّ لَقِيَهُ فَرَوَاهُ عَنْهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي اللَّعْنِ وَالطَّعْنِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ لَعَنَهُ كَمَنَعَهُ طَرَدَهُ وَأَبْعَدَهُ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ اللَّعْنَةُ هِيَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ وَلَعْنُ الْكَافِرِ إِبْعَادُهُ عَنِ الرَّحْمَةِ كُلَّ الْإِبْعَادِ وَلَعْنُ الْفَاسِقِ إِبْعَادُهُ عَنْ رَحْمَةٍ تَخُصُّ الْمُطِيعِينَ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ كَمَنَعَهُ وَنَصَرَهُ طَعْنًا ضَرَبَهُ وَوَخَزَهُ فَهُوَ مَطْعُونٌ وَطَعِينٌ وَفِيهِ بِالْقَوْلِ طَعْنًا وَطَعَنَانًا انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ طَعَّانًا أَيْ وَقَّاعًا فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ بِالذَّمِّ وَالْغِيبَةِ وَنَحْوِهِمَا وَهُوَ فِعَالٌ مِنْ طَعَنَ فِيهِ وَعَلَيْهِ بِالْقَوْلِ يَطْعَنُ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ إِذَا عَابَهُ وَمِنْهُ الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ انْتَهَى قَوْلُهُ [2019] (عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ) الْأَسْلَمِيِّ ثُمَّ السَّهْمِيِّ مولاهم المدني يقال له بن صَافِنَةَ وَهِيَ أُمُّهُ رَوَى عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ أَبُو عامر العقدي وغيره صدوق يخطىء مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ لَعَّانًا) أَيْ كَثِيرَ اللَّعْنِ وَهُوَ الطَّرْدُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الدُّعَاءُ بِالْبُعْدِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا أُتِيَ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ قليله نادر الوقوع في المؤمنين قال بن الْمَلَكِ وَفِي صِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ إِيذَانٌ بِأَنَّ هَذَا الذَّمَّ لَا يَكُونُ لِمَنْ يَصْدُرُ مِنْهُ اللَّعْنُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا لَا يَنْبَغِي تَصْدِيقُ أَنْ يكون لعانا

باب ما جاء في كثرة الغضب

قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي اللَّعْنَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَرْغِيبِهِ وَنَقَلَ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَسَكَتَ عَنْهُ قَوْلُهُ (لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ وَقَدْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لَا يَنْبَغِي بِمَعْنَى لَا يَجُوزُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ هَذَا وَهَذَا الْحَدِيثُ مُفَسِّرٌ يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ مُفَسِّرَةٌ لِلرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ بِلَفْظِ لَا يَكُونُ الْمُؤْمِنُ لَعَّانًا يَعْنِي أَنَّ النَّفْيَ فِيهَا بِمَعْنَى النَّهْيِ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ عَقَدَ فِيمَا تَقَدَّمَ بَابًا بِلَفْظِ بَابُ مَا جَاءَ في اللعنة ثم عقد ها هنا هَذَا الْبَابَ فَفِيهِ تَكْرَارٌ فَلَوْ أَدْخَلَ حَدِيثَ هَذَا الْبَابِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَسْقَطَ هَذَا الْبَابَ لَكَانَ أَوْلَى 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَثْرَةِ الْغَضَبِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْغَضَبُ بِالتَّحْرِيكِ ضِدُّ الرِّضَا كَالْمَغْضَبَةِ غَضِبَ كَسَمِعَ عَلَيْهِ وَلَهُ إِذَا كَانَ حَيًّا وَغَضِبَ بِهِ إِذَا كَانَ مَيِّتًا وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ الْغَضَبُ فَوَرَانُ دَمِ الْقَلْبِ أَوْ عَرَضٌ يَتْبَعُهُ ذَلِكَ لِدَفْعِ الْمُؤْذِيَاتِ وَلِلِانْتِقَامِ بَعْدَ وُقُوعِهَا قَوْلُهُ [2020] (عَلِّمْنِي شَيْئًا) أَيْ أَرْشِدْنِي بِخُصُوصِي إِلَى عُمُومِ مَا يَنْفَعُنِي دِينًا وَدُنْيَا وَيُقَرِّبُنِي إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (وَلَا تُكْثِرْ على) من الاكثار وعلي صِلَةٌ لَهُ وَالْمَعْنَى لَا تُعَلِّمْنِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةً (لعلي أعيه) أي أحفظه قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَعَاهُ يَعِيَهُ حَفِظَهُ وَجَمَعَهُ (لَا تَغْضَبْ) قِيلَ لَعَلَّ السَّائِلَ كَانَ غَضُوبًا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ كُلَّ أَحَدٍ بِمَا هُوَ أَوْلَى بِهِ فَلِهَذَا اقْتَصَرَ فِي وَصِيَّتِهِ لَهُ عَلَى تَرْكِ الْغَضَبِ وقال الخطابي

باب ما جاء في كظم الغيظ

مُعْنَى قَوْلِهِ لَا تَغْضَبْ اجْتَنِبْ أَسْبَابَ الْغَضَبِ وَلَا تَتَعَرَّضْ لِمَا يَجْلِبُهُ وَأَمَّا نَفْسُ الْغَضَبِ فَلَا يَتَأَتَّى النَّهْيُ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَمْرٌ طَبْعِيٌّ لَا يَزُولُ مِنَ الْجِبِلَّةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَغْضَبْ لِأَنَّ أَعْظَمَ مَا يَنْشَأُ عَنْهُ الْغَضَبُ الْكِبْرُ لِكَوْنِهِ يَقَعُ عِنْدَ مُخَالَفَةِ أَمْرٍ يُرِيدُهُ فَيَحْمِلُهُ الْكِبْرُ عَلَى الْغَضَبِ فَالَّذِي يَتَوَاضَعُ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ يَسْلَمُ مِنْ شَرِّ الْغَضَبِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَفْعَلْ مَا يَأْمُرُكَ به الغضب وقال بن التِّينِ جَمَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ لَا تَغْضَبْ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِأَنَّ الْغَضَبَ يُؤَوِّلُ إِلَى التَّقَاطُعِ وَمَنْعِ الرِّفْقِ وَرُبَّمَا آلَ إِلَى أَنْ يُؤْذِيَ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِ فَيَنْتَقِصُ ذَلِكَ مِنَ الدِّينِ (فَرَدَّدَ ذَلِكَ) أَيِ الرَّجُلُ السُّؤَالَ يَلْتَمِسُ أَنْفَعَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَبْلَغَ أَوْ أَعَمَّ فَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ (مِرَارًا) أَيْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا تَغْضَبْ) فِي رِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شيبة قال لاتغضب ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِيهَا بَيَانُ عَدَدِ الْمِرَارِ قَالَهُ الْحَافِظُ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُطَابِقُ الْبَابَ فَإِنَّ قَوْلَهُ لَا تَغْضَبْ يَدُلُّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ مُطْلَقِ الْغَضَبِ لَا عَنْ كَثْرَةِ الْغَضَبِ قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَا تَغْضَبِ النَّهْيُ عَنْ كَثْرَةِ الْغَضَبِ لِأَنَّ مُطْلَقَ الْغَضَبِ غَرِيزَةٌ لَا يُمْكِنُ الِاجْتِنَابُ عَنْهُ فَالْمُطَابَقَةُ ظَاهِرَةٌ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ خَبَرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ أَبْوَابِ الْفِتَنِ وَأَمَّا حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ (وَأَبُو حَصِينٍ اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَسَدِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ حَصِينٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو حَصِينٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ سُنِّيٌّ وَرُبَّمَا دَلَّسَ مِنَ الرَّابِعَةِ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَظْمِ الْغَيْظِ) قَدْ سَقَطَ هذا الباب من بعض النسخ قوله [2021] (أخبرنا سَعِيدِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ) الْخُزَاعِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمِصْرِيُّ أَبُو يَحْيَى بْنُ مِقْلَاصٍ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ) نزيل مصر لابأس بِهِ إِلَّا فِي رِوَايَاتِ زَبَّانَ عَنْهُ مِنَ

باب ما جاء في إجلال الكبير

الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ الْأَنْصَارِيِّ صَحَابِيٌّ نَزَلَ مِصْرَ وَبَقِيَ إِلَى خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ قَوْلُهُ (مَنْ كَظَمَ غَيْظًا) أَيِ اجْتَرَعَ غَضَبًا كَامِنًا فِيهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ كَظْمُ الْغَيْظِ تَجَرُّعُهُ وَاحْتِمَالُ سَبَبِهِ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِ انْتَهَى (وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ يُمْضِيَهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عند بن أَبِي الدُّنْيَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إِنْفَاذِهِ فَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْفَاءِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَجَوَابُ الشَّرْطِ (دَعَاهُ الله يوم القيامة على رؤوس الْخَلَائِقِ) أَيْ شَهَرَهُ بَيْنَ النَّاسِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَتَبَاهَى بِهِ وَيُقَالُ فِي حَقِّهِ هَذَا الَّذِي صَدَرَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْخَصْلَةُ الْعَظِيمَةُ (حَتَّى يُخَيِّرَهُ) أَيْ يَجْعَلَهُ مُخَيَّرًا (فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ) أَيْ فِي أَخْذِ أَيِّهِنَّ شَاءَ وَهُوَ كِنَايَةٌ عن إدخاله الجنة المنيعة وإيصاله الدرجة الرفعية قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا حُمِدَ الْكَظْمُ لِأَنَّهُ قَهْرٌ لِلنَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وَلِذَلِكَ مَدَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بقوله والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس وَمَنْ نَهَى النَّفْسَ عَنْ هَوَاهُ فَإِنَّ الْجَنَّةَ مأواه والحور العين جزاه قال القارىء وَهَذَا الثَّنَاءُ الْجَمِيلُ وَالْجَزَاءُ الْجَزِيلُ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى مُجَرَّدِ كَظْمِ الْغَيْظِ فَكَيْفَ إِذَا انْضَمَّ الْعَفْوُ إِلَيْهِ أَوْ زَادَ بِالْإِحْسَانِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مسنده وأبو داود وبن مَاجَهْ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِجْلَالِ الْكَبِيرِ) أَيْ تَعْظِيمِهِ وَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ قَوْلُهُ [2022] (حدثنا يَزِيدُ بْنُ بَيَانٍ الْعُقَيْلِيُّ) بِالضَّمِّ أَبُو خَالِدٍ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ يَزِيدُ بْنُ بَيَانٍ الْعُقَيْلِيُّ أَبُو خَالِدٍ الْبَصْرِيُّ الْمُعَلِّمُ الضَّرِيرُ الْمُؤَذِّنُ رَوَى عَنْ أَبِي الرَّحَّالِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ حَدِيثَ مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ الْحَدِيثَ (حَدَّثَنِي أَبُو الرَّحَّالِ الْأَنْصَارِيُّ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْبَصْرِيُّ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ وَقِيلَ خَالِدُ بْنُ محمد

اعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ أَبِي الرَّحَّالِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الصَّوَابُ فِي هَذَا السَّنَدِ وَأَمَّا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَأَبُو الرِّجَالِ الْأَنْصَارِيُّ آخَرُ فَهُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ فَاحْفَظْ هَذَا وَقَدْ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ فِي هَذَا السَّنَدِ أَبُو الرِّجَالِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ قَالَ فِي هَامِشِهَا قَوْلُهُ أَبُو الرِّجَالِ بِالْجِيمِ وَفِي آخِرِ الْبَابِ بِالْحَاءِ هَذَا مَا وَجَدْتُهُ فِي الْكُتُبِ الدِّهْلَوِيَّةِ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مَنْقُولَةٍ مِنَ الْعَرَبِ عَكْسُهُ وَعَلَيْهِمَا فِيهَا عَلَامَةُ الصِّحَّةِ انْتَهَى قُلْتُ مَا فِي النُّسْخَةِ الصَّحِيحَةِ الْمَنْقُولَةِ مِنَ الْعَرَبِ مِنْ كَوْنِ أَبِي الرَّحَّالِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فِي هَذَا السَّنَدِ وَكَوْنِ أَبِي الرِّجَالِ بِالْجِيمِ فِي آخِرِ الْبَابِ هُوَ الصَّوَابُ لِمَا عَرَفْتَ آنِفًا فِي عِبَارَةِ تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ مِنْ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ بَيَانٍ الْعُقَيْلِيَّ رَوَى حَدِيثَ الْبَابِ عَنْ أَبِي الرَّحَّالِ وَلِأَنَّ الْحَافِظَ رَمَزَ عَلَى أَبِي الرَّحَّالِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بِحَرْفِ ت وَرَمَزَ عَلَى أَبِي الرِّجَالِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وتخفيف الْجِيمِ بِحُرُوفِ خ م س ق وَلِأَنَّ الْحَافِظَ قَالَ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي الرَّحَّالِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يَزِيدُ بْنُ بَيَانٍ الْعُقَيْلِيُّ وَغَيْرُهُ فَهَذِهِ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ تَدُلُّ بِمَجْمُوعِهَا عَلَى أَنَّ فِي هَذَا السَّنَدِ أَبَا الرَّحَّالِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ دُونَ أَبِي الرِّجَالِ بِالْجِيمِ وَأَبُو الرَّحَّالِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْأَنْصَارِيُّ الْبَصْرِيُّ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ وَقِيلَ خَالِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ضَعِيفٌ مِنَ الْخَامِسَةِ وَأَمَّا أَبُو الرِّجَالِ فَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَارِثَةَ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو الرِّجَالِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ مَشْهُورٌ بِهَذِهِ الْكُنْيَةِ وَهِيَ لَقَبُهُ وَكُنْيَتُهُ فِي الْأَصْلِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَا أَكْرَمَ) أَيْ مَا أَعْظَمَ وَوَقَّرَ (لِسِنِّهِ) أَيْ لِأَجْلِ سِنِّهِ لَا لِأَمْرٍ آخَرَ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وقال القارىء أَيْ كِبَرِ عُمُرِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَعَمَلٍ مَعَ سَبْقِ إِيمَانِهِ انْتَهَى (إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شيطانا فهو له قرين أَيْ سَلَّطَ وَوَكَّلَ (لَهُ) أَيْ لِلشَّابِّ (مَنْ يُكْرِمُهُ) أَيْ قَرِينًا يُعَظِّمُهُ وَيَخْدُمُهُ لِأَنَّ مَنْ خَدَمَ خُدِمَ (عِنْدَ سِنِّهِ) أَيْ حَالَ كِبَرِهِ مُجَازَاةً لَهُ عَلَى فِعْلِهِ بِأَنْ يُقَدِّرَ لَهُ عُمُرًا يَبْلُغُ بِهِ إِلَى الشَّيْخُوخَةِ وَيُقَدِّرَ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ ضَعِيفَانِ كَمَا عَرَفْتَ فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ

باب ما جاء في المتهاجرين

76 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُتَهَاجِرَيْنِ) قَوْلُهُ [2023] (عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ) ذَكْوَانَ السَّمَّانِ أَبِي يَزِيدَ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ بِآخِرِهِ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا وَتَعْلِيقًا مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (تُفْتَحُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ) أَيْ حَقِيقَةً لِأَنَّ الْجَنَّةَ مَخْلُوقَةٌ الْآنَ وَفَتْحُ أَبْوَابِهَا مُمْكِنٌ أَوْ هُوَ بِمَعْنَى إِزَالَةِ الْمَانِعِ وَرَفْعِ الْحُجُبِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْبَاجِيُّ مَعْنَى فَتْحِهَا كَثْرَةُ الصَّفْحِ وَالْغُفْرَانِ وَرَفْعُ الْمَنَازِلِ وَإِعْطَاءُ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ قَالَ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ فَتْحَ أَبْوَابِهَا عَلَامَةٌ لِذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الِاحْتِمَالُ هُوَ الظَّاهِرُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ (يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ) أَيْ لِكَثْرَةِ الرَّحْمَةِ النَّازِلَةِ فِيهِمَا الْبَاعِثَةِ عَلَى الغفران (إلا المهتجرين) أَيِ الْمُتَقَاطِعَيْنِ (يَقُولُ رُدُّوا) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أنْظِرُوا أَيْ أَمْهِلُوا أَيْ لَا تُعْطُوا مِنْهَا أَنْصِبَاءَ هَذَيْنِ الْمُتَهَاجِرَيْنِ الْمُتَعَادِيَيْنِ وَأَخِّرُوا مَغْفِرَتَهُمَا مِنْ ذُنُوبِهِمَا مُطْلَقًا زَجْرًا لَهُمَا أَوْ مِنْ ذَنْبِ الْهِجْرَانِ فَقَطْ (حَتَّى يَصْطَلِحَا) أَيْ يَتَصَالَحَا وَيَزُولَ عَنْهُمَا الشَّحْنَاءُ فَلَا يُفِيدُ التَّصَالُحُ لِلسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَغْفِرَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى صفائه وَزَوَالِ عَدَاوَتِهِ سَوَاءٌ صَفَا لِصَاحِبِهِ أَمْ لَا قَالَ الطِّيبِيُّ وَأَتَى بِاسْمِ الْإِشَارَةِ بَدَلَ الضَّمِيرِ لِمَزِيدِ التَّمْيِيزِ وَالتَّعْيِينِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وأبو داود قوله (ذروا هَذَيْنِ) أَيِ ادْعُوهُمَا (وَمَعْنَى قَوْلِهِ الْمُتَهَاجِرَيْنِ يَعْنِي الْمُتَصَارِمَيْنِ) أَيِ الْمُتَقَاطِعَيْنِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ صَرَمَهُ يَصْرِمُهُ صَرْمًا وَيُضَمُّ قَطَعَهُ قَطْعًا بَائِنًا وَفُلَانًا قَطَعَ كَلَامَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهَذَا مِثْلُ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم) قَالَ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ

باب ما جاء في الصبر

رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ الْهِجْرَةِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّبْرِ) قَوْلُهُ [2024] (سَأَلُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ شَيْئًا (فَأَعْطَاهُمْ) أَيْ إِيَّاهُ (ثُمَّ سَأَلُوا فَأَعْطَاهُمْ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ حَتَّى نَفَذَ مَا عِنْدَهُ (فَقَالَ مَا يَكُونُ عِنْدِي مِنْ خَيْرٍ) أَيْ مَالٍ وَمِنْ بَيَانٌ لِمَا وَمَا خَبَرِيَّةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِلشَّرْطِ أَيْ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ مَوْجُودٌ عِنْدِي أُعْطِيكُمْ (فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ) أَيْ أَحْبِسُهُ وَأَخْبَؤُهُ وَأَمْنَعُكُمْ إِيَّاهُ مُنْفَرِدًا بِهِ عَنْكُمْ (وَمَنْ يَسْتَغْنِ) أَيْ يُظْهِرِ الْغِنَى بِالِاسْتِغْنَاءِ عَنْ أَمْوَالِ النَّاسِ وَالتَّعَفُّفِ عَنِ السُّؤَالِ حَتَّى يَحْسِبُهُ الْجَاهِلُ غَنِيًّا مِنَ التَّعَفُّفِ (يُغْنِهِ اللَّهُ) أَيْ يَجْعَلُهُ غَنِيًّا أَيْ بِالْقَلْبِ فَفِي الْحَدِيثِ لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ أَوْ يُعْطِيهِ مَا يُغْنِيهِ عَنِ الْخَلْقِ (وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الِاسْتِعْفَافُ طَلَبُ الْعَفَافِ وَالتَّعَفُّفُ وَهُوَ الْكَفُّ عَنِ الْحَرَامِ وَالسُّؤَالِ مِنَ النَّاسِ أَيْ مِنْ طَلَبِ الْعِفَّةِ وَتَكَلُّفِهَا أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا وَقِيلَ الِاسْتِعْفَافُ الصَّبْرُ وَالنَّزَاهَةُ عَنِ الشَّيْءِ يُقَالُ عَفَّ يَعِفُّ عِفَّةً فَهُوَ عَفِيفٌ انْتَهَى (يُعِفَّهُ اللَّهُ) أَيْ يَجْعَلُهُ عَفِيفًا مِنَ الْإِعْفَافِ وَهُوَ إِعْطَاءُ الْعِفَّةِ وَهِيَ الْحِفْظُ عَنِ الْمَنَاهِي يَعْنِي مَنْ قَنَعَ بِأَدْنَى قُوتٍ وَتَرَكَ السُّؤَالَ تَسْهُلُ عَلَيْهِ الْقَنَاعَةُ وَهِيَ كَنْزٌ لَا يَفْنَى وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ يُعِفُّهُ مِنَ الْإِعْفَافِ وَبِفَتْحِ فَاءٍ مُشَدَّدَةٍ وَضَمَّهُ بَعْضٌ إِتْبَاعًا بِضَمِّ الْهَاءِ انْتَهَى (وَمَنْ يَتَصَبَّرْ) أَيْ يَطْلُبْ تَوْفِيقَ الصَّبْرِ مِنَ اللَّهِ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إلا بالله أَوْ يَأْمُرُ نَفْسَهُ بِالصَّبْرِ وَيَتَكَلَّفُ فِي التَّحَمُّلِ عَنْ مَشَاقِّهِ وَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ لِأَنَّ الصَّبْرَ يَشْتَمِلُ عَلَى صَبْرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَالْبَلِيَّةِ أَوْ مَنْ يَتَصَبَّرْ عَنِ السُّؤَالِ وَالتَّطَلُّعِ إِلَى مَا فِي أَيْدِي النَّاسِ بِأَنْ يَتَجَرَّعَ مَرَارَةَ ذلك ولا يشكو الْجُمَلُ مُؤَكِّدَاتٌ وَيُؤَيِّدُ إِرَادَةَ مَعْنَى الْعُمُومِ قَوْلُهُ (وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ شَيْئًا هُوَ خَيْرٌ) أَيْ أفضل (وأوسع من الصبر) قال القارىء وَذَلِكَ لِأَنَّ مَقَامَ الصَّبْرِ أَعْلَى الْمَقَامَاتِ لِأَنَّهُ جَامِعٌ لِمَكَارِمِ الصِّفَاتِ وَالْحَالَاتِ وَلِذَا قُدِّمَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ

باب ما جاء في ذي الوجهين

يسهل عليه الصبر فتكون وَمَعْنَى كَوْنِهِ أَوْسَعَ أَنَّهُ تَتَّسِعُ بِهِ الْمَعَارِفُ وَالْمَشَاهِدُ وَالْأَعْمَالُ وَالْمَقَاصِدُ انْتَهَى قَوْلُهُ (فِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ في الزكاة وفي الرقاق وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الزَّكَاةِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الزَّكَاةِ وَفِي الرَّقَائِقِ قَوْلُهُ (وَيُرْوَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَدْ رُوِيَ (فَلَنْ أَدَّخِرَهُ عَنْكُمْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ذِي الْوَجْهَيْنِ) قَوْلُهُ [2025] (إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ذَا الْوَجْهَيْنِ) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ تَجِدُ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّمَا كَانَ ذُو الْوَجْهَيْنِ شَرَّ النَّاسِ لِأَنَّ حَالَهُ حَالُ الْمُنَافِقِ إِذْ هُوَ مُتَمَلِّقٌ بِالْبَاطِلِ وَبِالْكَذِبِ مُدْخِلٌ لِلْفَسَادِ بَيْنَ النَّاسِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الَّذِي يَأْتِي كُلَّ طَائِفَةٍ بِمَا يُرْضِيهَا فَيُظْهِرُ لَهَا أَنَّهُ مِنْهَا وَمُخَالِفٌ لِضِدِّهَا وَصَنِيعُهُ نِفَاقٌ وَمَحْضُ كَذِبٍ وَخِدَاعٍ وَتَحَيُّلٍ عَلَى الِاطِّلَاعِ عَلَى أَسْرَارِ الطَّائِفَتَيْنِ وَهِيَ مُدَاهَنَةٌ مُحَرَّمَةٌ قَالَ فَأَمَّا مَنْ يَقْصِدُ بِذَلِكَ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ الطائفتين فهو محمود وقال غيره الفرق بينهماأن الْمَذْمُومَ مَنْ يُزَيِّنُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَمَلَهَا وَيُقَبِّحُهُ عِنْدَ الْأُخْرَى وَيَذُمُّ كُلَّ طَائِفَةٍ عِنْدَ الْأُخْرَى والمحمود أن

باب ما جاء في النمام

يَأْتِيَ لِكُلِّ طَائِفَةٍ بِكَلَامٍ فِيهِ صَلَاحُ الْأُخْرَى وَيُعْتَذَرُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ عَنِ الْأُخْرَى وَيَنْقُلَ إِلَيْهِ مَا أَمْكَنَهُ مِنَ الْجَمِيلِ وَيَسْتُرَ الْقَبِيحَ وَيُؤَيِّدُ هذه التفرقة رواية الأسماعيلي من طريق بن عُمَيْرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ هَؤُلَاءِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمَّارٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ بن أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِ الصَّمْتِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْأَصْبَهَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّمَّامِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ النَّمِيمَةُ نَقْلُ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْمٍ إِلَى قَوْمٍ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ وَالشَّرِّ وَقَدْ نَمَّ الْحَدِيثَ يَنِمُّهُ وَيَنِمُّهُ فَهُوَ نَمَّامٌ وَالِاسْمُ النَّمِيمَةُ وَنَمَّ الْحَدِيثُ إِذَا ظَهَرَ فَهُوَ مُتَعَدٍّ وَلَازِمٌ انْتَهَى قَوْلُهُ [2026] (فَقِيلَ لَهُ هَذَا يُبَلِّغُ الْأُمَرَاءَ الْحَدِيثَ عَنِ النَّاسِ) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَجُلًا يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى عُثْمَانَ (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) أَيْ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ كَمَا فِي نظائره (قتات) بقاف ومثناة ثَقِيلَةٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مُثَنَّاةٌ أُخْرَى وَوَقَعَ بِلَفْظِ نَمَّامٍ فِي رِوَايَةِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْقَتَّاتُ هُوَ النَّمَّامُ يُقَالُ قَتَّ الْحَدِيثَ يَقُتُّهُ إِذَا زَوَّرَهُ وَهَيَّأَهُ وَسَوَّاهُ وَقِيلَ النَّمَّامُ الَّذِي يَكُونُ مَعَ الْقَوْمِ يَتَحَدَّثُونَ فَيَنِمُّ عَلَيْهِمْ وَالْقَتَّاتُ الَّذِي يَتَسَمَّعُ عَلَى الْقَوْمِ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ثُمَّ يَنِمُّ وَالْقَسَّاسُ الَّذِي يَسْأَلُ عَنِ الْأَخْبَارِ ثُمَّ يَنِمُّهَا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْغَزَالِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ يَنْبَغِي لِمَنْ حُمِلَتْ إِلَيْهِ نَمِيمَةٌ أَنْ لَا يُصَدِّقَ مَنْ نَمَّ لَهُ وَلَا يَظُنُّ بِمَنْ نَمَّ عَنْهُ مَا نُقِلَ عَنْهُ ولا

باب ما جاء في العي

يَبْحَثُ عَنْ تَحْقِيقِ مَا ذُكِرَ لَهُ وَأَنْ يَنْهَاهُ وَيُقَبِّحَ لَهُ فِعْلَهُ وَأَنْ يُبْغِضَهُ إِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ وَأَنْ لَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ مَا نَهَى النَّمَّامَ عَنْهُ فَيَنِمَّ هُوَ عَلَى النَّمَّامِ فَيَصِيرُ نَمَّامًا قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي النَّقْلِ مَصْلَحَةٌ شَرْعِيَّةٌ وَإِلَّا فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ كَمَنِ اطَّلَعَ مِنْ شَخْصٍ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُؤْذِيَ شَخْصًا ظُلْمًا فَحَذَّرَهُ مِنْهُ وَكَذَا مَنْ أَخْبَرَ الْإِمَامَ أَوْ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ يَسِيرَةٌ نَائِبَةً مَثَلًا فَلَا مَنْعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ النَّمِيمَةُ فِي الْأَصْلِ نَقْلُ الْقَوْلِ إِلَى الْقَوْلِ فِيهِ وَلَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِذَلِكَ بَلْ ضَابِطُهَا كَشْفُ مَا يَكْرَهُ كَشْفَهُ سَوَاءٌ كَرِهَهُ الْمَنْقُولُ عَنْهُ أَوِ الْمَنْقُولُ إِلَيْهِ أَوْ غَيْرُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ الْمَنْقُولُ قَوْلًا أَمْ فِعْلًا وَسَوَاءٌ كَانَ عَيْبًا أَمْ لَا حَتَّى لَوْ رَأَى شَخْصًا يُخْفِي مَالَهُ فَأَفْشَى كَانَ نَمِيمَةً وَاخْتُلِفَ فِي الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ هَلْ هُمَا مُتَغَايِرَتَانِ أَوْ مُتَّحِدَتَانِ وَالرَّاجِحُ التَّغَايُرُ وَأَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا وَجْهِيًّا وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّمِيمَةَ نَقْلُ حَالِ الشَّخْصِ لِغَيْرِهِ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ بِغَيْرِ رِضَاهُ سَوَاءٌ كَانَ بِعِلْمِهِ أَمْ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَالْغِيبَةُ ذِكْرُهُ فِي غِيبَتِهِ بِمَا لَا يُرْضِيهِ فَامْتَازَتِ النَّمِيمَةُ بِقَصْدِ الْإِفْسَادِ وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْغِيبَةِ وَامْتَازَتِ الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه واشتركنا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَشْتَرِطُ فِي الْغِيبَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَقُولُ فِيهِ غَائِبًا انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعِيِّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَيِيَ فِي المنطق كرضى عيايا بكسر حصر انتهى وقال في الصراح عي بِالْكَسْرِ درما ندكي به سخن وَهُوَ خِلَافُ الْبَيَانِ يُقَالُ عَيَّ فِي مَنْطِقِهِ وَعَيِيَ أَيْضًا فَهُوَ عَيِيٌّ عَلَى فَعِيلٍ وَعَيَّ أَيْضًا عَلَى فَعَلَ وَهُمْ أَعَيَاءٌ وَأَعْيِيَاءُ انْتَهَى قَوْلُهُ [2027] (عَنْ أَبِي غَسَّانَ مُحَمَّدِ بْنِ مُطَرِّفٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفِ بْنِ دَاوُدَ بْنِ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَارِيَةَ التَّيْمِيُّ اللَّيْثِيُّ أَبُو غَسَّانَ الْمَدَنِيُّ يُقَالُ إِنَّهُ مِنْ مَوَالِي عُمَرَ نَزَلَ عَسْقَلَانَ أَحَدُ علماء الْأَثْبَاتِ رَوَى عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَغَيْرُهُ (عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ) الْمُحَارِبِيِّ مَوْلَاهُمُ الدِّمَشْقِيِّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ عَابِدٌ مِنَ الرَّابِعَةِ

قَوْلُهُ (الْحَيَاءُ وَالْعِيُّ) أَيِ الْعَجْزُ فِي الْكَلَامِ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ هُوَ السُّكُوتُ عَمَّا فِيهِ إِثْمٌ مِنَ النَّثْرِ وَالشِّعْرِ لَا ما يكون للخلل في اللسان قاله القارىء وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْعِيُّ التَّحَيُّرُ فِي الْكَلَامِ وَأَرَادَ بِهِ مَا كَانَ بِسَبَبِ التَّأَمُّلِ فِي الْمَقَالِ وَالتَّحَرُّزِ عَنِ الْوَبَالِ انْتَهَى قُلْتُ وَفَسَّرَ التِّرْمِذِيُّ الْعِيَّ فِيمَا بَعْدُ بِقِلَّةِ الْكَلَامِ يَعْنِي حَذَرًا عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْإِثْمِ أَوْ فِي مَا لَا يَعْنِي (شُعْبَتَانِ مِنَ الْإِيمَانِ) أَيْ أَثَرَانِ مِنْ آثَارِهِ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ يَحْمِلُهُ الْإِيمَانُ عَلَى الْحَيَاءِ فَيَتْرُكُ الْقَبَائِحَ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَمْنَعُهُ عَنِ الِاجْتِرَاءِ عَلَى الْكَلَامِ شَفَقَةً عَنْ عَثْرَةِ اللِّسَانِ فَهُمَا شُعْبَتَانِ مِنْ شُعَبِ الْإِيمَانِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِيمَانَ مُنْشَأَهُمَا وَمُنْشَأُ كُلِّ مَعْرُوفٍ وَإِحْسَانٍ (وَالْبَذَاءُ) بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ فَذَالٌ مُعْجَمَةٌ فُحْشُ الْكَلَامِ أَوْ خِلَافُ الْحَيَاءِ (وَالْبَيَانُ) أَيِ الْفَصَاحَةُ الزَّائِدَةُ عَنْ مِقْدَارِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ مِنَ التَّعَمُّقِ فِي النُّطْقِ وَإِظْهَارِ التَّفَاصُحِ لِلتَّقَدُّمِ عَلَى الْأَعْيَانِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَرَادَ بِالْبَيَانِ مَا يَكُونُ سَبَبُهُ الِاجْتِرَاءَ وَعَدَم الْمُبَالَاةِ بِالطُّغْيَانِ وَالتَّحَرُّزِ عَنِ الزُّورِ وَالْبُهْتَانِ انْتَهَى (شُعْبَتَانِ مِنَ النِّفَاقِ) قَالَ فِي التَّيْسِيرِ أَيْ هُمَا خَصْلَتَانِ مُنْشَأَهُمَا النِّفَاقُ أَوْ مُؤَدِّيَانِ إِلَيْهِ وَأَرَادَ بِالْبَيَانِ هُنَا كَثْرَةَ الْكَلَامِ وَالتَّكَلُّفَ لِلنَّاسِ بِكَثْرَةِ التَّمَلُّقِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَإِظْهَارِ التَّفَصُّحِ وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْ شَأْنِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَقَدْ يَتَمَلَّقُ الْإِنْسَانُ إِلَى حَدٍّ يُخْرِجُهُ إِلَى صَرِيحِ النِّفَاقِ وَحَقِيقَتِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هذا حديث حسن غريب) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ كَذَا نَقَلَهُ مَيْرَكُ عَنِ التَّصْحِيحِ وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ وَقَالَ غَيْرُهُ صَحِيحٌ انْتَهَى (قَالَ وَالْعِيُّ قِلَّةُ الْكَلَامِ إِلَخْ) أَيْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ الْعِيُّ قِلَّةُ الْكَلَامِ أَيْ تَحَرُّزًا عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْإِثْمِ أَوْ فِي مَا لَا يَنْبَغِي

باب ما جاء في إن من البيان سحرا

81 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا) قَوْلُهُ [2028] (أَنَّ رَجُلَيْنِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَتِهِمَا صَرِيحًا وَقَدْ زَعَمَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُمَا الزِّبْرِقَانُ بِكَسْرِ الزَّايِ وَالرَّاءِ بَيْنَهُمَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ وَبِالْقَافِ وَاسْمُهُ الْحُصَيْنُ وَلُقِّبَ الزِّبْرِقَانَ لِحُسْنِهِ وَالزِّبْرِقَانُ مِنْ أَسْمَاءِ الْقَمَرِ وَهُوَ بن بَدْرِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ خَلَفٍ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْيَمِ وَاسْمُ الْأَهْيَمِ سِنَانُ بْنُ سُمَيٍّ يَجْتَمِعُ مَعَ الزِّبْرِقَانِ فِي كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةِ بْنِ تَمِيمٍ فَهُمَا تَمِيمِيَّانِ قَدِمَا فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَاسْتَنَدُوا فِي تَعْيِينِهِمَا إِلَى مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وَغَيْرِهِ مِنْ طَرِيقِ مِقْسَمٍ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ جَلَسَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْيَمِ وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ فَفَخَرَ الزِّبْرِقَانُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا سَيِّدُ بَنِي تَمِيمٍ وَالْمُطَاعُ فِيهِمْ وَالْمُجَابُ أَمْنَعُهُمْ مِنَ الظُّلْمِ وَآخُذُ مِنْهُمْ بِحُقُوقِهِمْ وَهَذَا يَعْلَمُ ذَلِكَ يَعْنِي عَمْرَو بْنَ الْأَهْيَمِ فَقَالَ عَمْرٌو إِنَّهُ لَشَدِيدُ الْمُعَارَضَةِ مَانِعٌ لِجَانِبِهِ مُطَاعٌ فِي إِذْنِهِ فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ عَلِمَ من غَيْرَ مَا قَالَ وَمَا مَنَعَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ إِلَّا الْحَسَدُ فَقَالَ عَمْرٌو أَنَا أَحْسُدُكَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَئِيمُ الْخَالِ حَدِيثُ الْمَالِ أَحْمَقُ الْوَالِدِ مُضَيَّعٌ فِي الْعَشِيرَةِ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ صَدَقْتُ فِي الْأُولَى وَمَا كَذَبْتُ فِي الْآخِرَةِ وَلَكِنِّي رَجُلٌ إِذَا رَضِيتُ قُلْتُ أَحْسَنَ مَا عَمِلْتُ وَإِذَا غَضِبْتُ قُلْتُ أَقْبَحَ مَا وَجَدْتُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ عَلَيْهِمْ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ وَالزِّبْرِقَانُ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْيَمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرٍو مَا تَقُولُ فِي الزِّبْرِقَانِ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَهَذَا لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الزِّبْرِقَانُ وَعَمْرٌو هُمَا المراد بحديث بن عُمَرَ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ إِنَّمَا هُوَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْيَمِ وَحْدَهُ وَكَانَ كَلَامُهُ فِي مُرَاجَعَتِهِ الزِّبْرِقَانَ فَلَا يَصِحُّ نِسْبَةُ الْخُطْبَةِ إِلَيْهِمَا إِلَّا عَلَى طَرِيقِ التَّجَوُّزِ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ (فَخَطَبَا) أَيْ كَلِمَاتٍ مُحْسِنَاتٍ جَامِعَةٍ لِلْبَلَاغَةِ وَالْفَصَاحَةِ (إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا أَوْ إِنَّ بَعْضَ الْبَيَانِ سحرا) أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْبَيَانُ اثْنَانِ أَحَدُهُمَا مَا تَقَعُ بِهِ الْإِبَانَةُ عَنِ الْمُرَادِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَالْآخَرُ مَا دَخَلَتْهُ الصَّنْعَةُ بِحَيْثُ يَرُوقُ لِلسَّامِعِينَ وَيَسْتَمِيلُ قُلُوبَهُمْ وَهُوَ الَّذِي يُشَبَّهُ بِالسِّحْرِ إِذَا خَلَبَ الْقَلْبَ وَغَلَبَ عَلَى النَّفْسِ حَتَّى يُحَوِّلَ الشَّيْءَ عَنْ حَقِيقَتِهِ وَيَصْرِفَهُ عَنْ جِهَتِهِ فَيَلُوحُ لِلنَّاظِرِ فِي مَعْرِضِ غيره

باب ما جاء في التواضع

وَهَذَا إِذَا صُرِفَ إِلَى الْحَقِّ يُمْدَحُ وَإِذَا صُرِفَ إِلَى الْبَاطِلِ يُذَمُّ قَالَ فَعَلَى هَذَا فَالَّذِي يُشَبَّهُ بِالسِّحْرِ مِنْهُ هُوَ الْمَذْمُومُ وَيُعَقَّبُ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ تَسْمِيَةِ الْآخَرِ سِحْرًا لِأَنَّ السِّحْرَ يُطْلَقُ عَلَى الِاسْتِمَالَةِ وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ عَلَى الْمَدْحِ وَالْحَثِّ عَلَى تَحْسِينِ الْكَلَامِ وَتَحْبِيرِ الْأَلْفَاظِ وَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الذَّمِّ لِمَنْ تَصَنَّعَ فِي الْكَلَامِ وَتَكَلَّفَ لِتَحْسِينِهِ وَصَرَفَ الشَّيْءَ عَنْ ظَاهِرِهِ فَشُبِّهَ بِالسِّحْرِ الَّذِي هُوَ تخييل الغير حقيقة وإلى هَذَا أَشَارَ مَالِكٌ حَيْثُ أَدْخَلَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمُوَطَّأِ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ مِنَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ وَحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يَمْنَعُ حَمْلَهُ عَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ إِذَا كَانَ فِي تَزْيِينِ الْحَقِّ وبهذا جزم بن الْعَرَبِيِّ وَغَيْرُهُ مِنْ فُضَلَاءِ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن عمار وبن مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ) أَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَمُسْلِمٌ فِي صحيحه وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ قَالَهَا ثَلَاثًا وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عند أحمد وأبي داود عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا قَالَ الْمُنَاوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَعَنْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ مَرْفُوعًا إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلًا وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا وَإِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عَيْبًا قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُجْهَلُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّوَاضُعِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ تَوَاضَعَ تَذَلَّلَ وَتَخَاشَعَ قَوْلُهُ [2029] (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ) مَا نَافِيَةٌ وَمِنْ فِي قَوْلِهِ (مِنْ مَالٍ) زَائِدَةٌ أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ أَوْ بَيَانِيَّةٌ أَيْ مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مَالًا أَوْ بَعْضَ مَالٍ أَوْ شَيْئًا مِنْ مَالٍ بَلْ تَزِيدُ أَضْعَافَ مَا يُعْطَى مِنْهُ بِأَنْ يَنْجَبِرَ بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّةِ أَوْ بِالْعَطِيَّةِ الْجَلِيَّةِ أَوْ بِالْمَثُوبَةِ الْعَلِيَّةِ (وَمَا زَادَ اللَّهُ رَجُلًا بِعَفْوٍ) أَيْ بِسَبَبِ عَفْوِهِ عَنْ شيء مع

باب ما جاء في الظلم

قُدْرَتِهِ عَلَى الِانْتِقَامِ (إِلَّا عِزًّا) فِي الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْ عُرِفَ بِالْعَفْوِ عَظُمَ فِي الْقُلُوبِ أَوْ فِي الْآخِرَةِ بِأَنْ يَعْظُمَ ثَوَابُهُ أَوْ فِيهِمَا (وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ) بِأَنْ أَنْزَلَ نَفْسَهُ عَنْ مَرْتَبَةٍ يَسْتَحِقُّهَا لِرَجَاءِ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ دُونَ غَرَضِ غَيْرِهِ (إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عوف وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَحَدِيثُ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ فلينظر من أخرجهما وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا فِي رَأْسِهِ حِكْمَةٌ بِيَدِ مَلَكٍ فَإِذَا تَوَاضَعَ قِيلَ لِلْمَلَكِ ارْفَعْ حِكْمَتَهُ وَإِذَا تَكَبَّرَ قِيلَ لِلْمَلَكِ ضَعْ حِكْمَتَهُ قَوْلُهُ (وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ جَزَمَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ بِأَنَّ اسْمَهُ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ وَحَكَى الْبُخَارِيُّ الْخِلَافَ فِيمَنِ اسْمُهُ عُمَرُ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيُّ هُوَ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو أَوْ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ وَقِيلَ عُمَرُ أَوْ عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الشَّامَ لَهُ حَدِيثٌ وَرَوَى عَنْ أَبِي بَكْرٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ومسلم 3 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الظُّلْمِ) قَالَ الرَّاغِبُ الظُّلْمُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الْمُخْتَصِّ بِهِ إِمَّا بِنُقْصَانٍ أَوْ بِزِيَادَةٍ وَإِمَّا بِعُدُولٍ عَنْ وَقْتِهِ أَوْ مَكَانِهِ قَوْلُهُ [2030] (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ) الْمَاجِشُونِ الْمَدَنِيِّ نَزِيلُ بَغْدَادَ مَوْلَى آلِ الْهُدَيْرِ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مُصَنِّفٌ مِنَ السَّابِعَةِ (الظُّلْمُ) أَيْ جِنْسُهُ الشَّامِلُ لِلْمُعْتَدِي وَالْقَاصِرُ الصَّادِرُ مِنَ الْكَافِرِ وَالْفَاجِرِ (ظُلُمَاتٌ) أَيْ أَسْبَابُ ظُلْمَةٍ لِمُرْتَكِبِهِ أَوْ مُوجِبَاتُ شِدَّةٍ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ القيامة

باب ما جاء في ترك العيب للنعمة

وَمَفْهُومُهُ أَنَّ الْعَدْلَ بِأَنْوَاعِهِ أَنْوَارٌ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) لِأَنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَةُ الْآخِرَةِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْقَاضِي هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ ظُلُمَاتٍ عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَهْتَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِسَبَبِ ظُلْمِهِ فِي الدُّنْيَا كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَسْعَى بِنُورٍ هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْ إِيمَانِهِ فِي الدُّنْيَا قَالَ تَعَالَى يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وبأيمانهم وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالظُّلُمَاتِ هُنَا الشَّدَائِدُ وَبِهِ فَسَّرُوا قَوْلَهُ تَعَالَى قُلْ مَنْ يُنْجِيكُمْ مِنْ ظلمات البر والبحر أَيْ شَدَائِدِهِمَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْأَنْكَالِ والعقوبات وقال بن الْجَوْزِيِّ الظُّلْمُ يَشْتَمِلُ عَلَى مَعْصِيَتَيْنِ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَمُبَارَزَةُ الرَّبِّ بِالْمُخَالَفَةِ وَالْمَعْصِيَةُ فِيهِ أَشَدُّ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ لَا يَقَعُ غَالِبًا إِلَّا بِالضَّعِيفِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الِانْتِصَارِ وَإِنَّمَا يَنْشَأُ الظُّلْمُ عَنْ ظُلْمَةِ الْقَلْبِ لِأَنَّهُ لَوِ اسْتَنَارَ بِنُورِ الْهُدَى لَاعْتَبَرَ فَإِذَا سَعَى الْمُتَّقُونَ بِنُورِهِمِ الَّذِي حَصَلَ لَهُمْ بِسَبَبِ التَّقْوَى اكْتَنَفَتْ ظُلُمَاتُ الظُّلْمِ الظَّالِمَ حَيْثُ لَا يُغْنِي عَنْهُ ظُلْمُهُ شَيْئًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ وَغَيْرُهُ وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ هُودٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ شَأْنِ الْحِسَابِ وَالْقِصَاصِ مِنْ أَبْوَابِ صِفَةِ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ بن عُمَرَ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الْعَيْبِ لِلنِّعْمَةِ) قَوْلُهُ [2031] (مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامًا قَطُّ) قَالَ الْحَافِظُ أَيْ مُبَاحًا أَمَّا الْحَرَامُ فَكَانَ يَعِيبُهُ وَيَذُمُّهُ وَيَنْهَى عَنْهُ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْعَيْبَ إِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الْخِلْقَةِ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَةِ الصَّنْعَةِ لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّ صَنْعَةَ اللَّهِ لَا تُعَابُ وَصَنْعَةَ الْآدَمِيِّينَ تُعَابُ قَالَ الْحَافِظُ وَالَّذِي يَظْهَرُ التَّعْمِيمُ فَإِنَّ فِيهِ كَسْرَ قَلْبِ الصَّانِعِ قَالَ النَّوَوِيُّ مِنْ آدَابِ الطَّعَامِ الْمُتَأَكِّدَةِ أَنْ لَا يُعَابَ كقوله

باب ما جاء في تعظيم المؤمن

مَالِحٌ حَامِضٌ قَلِيلُ الْمِلْحِ غَلِيظٌ رَقِيقٌ غَيْرُ نَاضِجٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِهِ (تَرَكَهُ) يَعْنِي مِثْلُ مَا وَقَعَ لَهُ في الضب قال بن بَطَّالٍ هَذَا مِنْ حُسْنِ الْأَدَبِ لِأَنَّ الْمَرْءَ قَدْ لَا يَشْتَهِي الشَّيْءَ وَيَشْتَهِيهِ غَيْرُهُ وَكُلُّ مَأْذُونٍ فِي أَكْلِهِ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ لَيْسَ فِيهِ عَيْبٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ الْأَشْجَعِيُّ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ سَلْمَانُ أَبُو حَازِمٍ الْأَشْجَعِيُّ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ مَوْلَاتِهِ غزة الْأَشْجَعِيَّةِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ الْأَعْمَشُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ثِقَةٌ مِنْ الثَّالِثَةِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تعظيم المؤمن) وقوله [2032] (عن أَوْفَى بْنِ دَلْهَمَ) الْبَصْرِيِّ الْعَدَوِيِّ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (صَعِدَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ طَلَعَ (فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ) أَيْ عَالٍ (قَالَ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فَنَادَى (يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ) يَشْتَرِكُ فِيهِ الْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ (وَلَمْ يُفِضْ) مِنَ الْإِفْضَاءِ أَيْ لَمْ يَصِلْ الْإِيمَانُ أَيْ أَصْلُهُ وَكَمَالُهُ (إِلَى قَلْبِهِ) فَيَشْمَلُ الْفَاسِقَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِهِ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَلَا أُخُوَّةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْمُنَافِقِ فَمَا اخْتَارَهُ الطِّيبِيُّ مِنْ حَصْرِ حُكْمِ الْحَدِيثِ عَلَى الْمُنَافِقِ خِلَافُ الظَّاهِرِ الْمُوَافِقِ وَالْحُكْمُ بِالْأَعَمِّ هُوَ الوجه الأتم قاله القارىء وَفِيهِ مَا فِيهِ فَتَأَمَّلْ (لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ) أَيِ الْكَامِلِينَ فِي الْإِسْلَامِ وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بلسانهم وامنو بِقُلُوبِهِمْ (وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ) مِنَ التَّعْيِيرِ وَهُوَ التَّوْبِيخُ وَالتَّعْيِيبُ عَلَى ذَنْبٍ سَبَقَ لَهُمْ مِنْ قَدِيمِ الْعَهْدِ سَوَاءٌ عُلِمَ تَوْبَتُهُمْ مِنْهُ أَمْ لَا وَأَمَّا التَّعْيِيرُ فِي حَالِ الْمُبَاشَرَةِ أَوْ بُعَيْدَهُ قَبْلَ ظُهُورِ التَّوْبَةِ فَوَاجِبٌ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا يَجِبُ الْحَدُّ أَوِ التَّعْزِيرُ فَهُوَ مِنْ بَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ (وَلَا تَتَّبِعُوا) مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ أَيْ لَا

باب ما جاء في التجارب

تَجَسَّسُوا (عَوْرَاتِهِمْ) فِيمَا تَجْهَلُونَهَا وَلَا تَكْشِفُوهَا فِيمَا تَعْرِفُونَهَا (فَإِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (مَنْ تَتَبَّعَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَعْلُومِ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ أَيْ مَنْ طَلَبَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَتَّبِعْ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمَعْلُومِ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ هُنَا وَفِيمَا بَعْدُ مِنَ الْمَوْضِعَيْنِ (عَوْرَةَ أَخِيهِ) أَيْ ظُهُورَ عَيْبِ أَخِيهِ (الْمُسْلِمِ) أَيِ الْكَامِلِ بِخِلَافِ الْفَاسِقِ فَإِنَّهُ يجب الحذر والتحذير عنه (يتبع اللَّهُ عَوْرَتَهُ) ذَكَرَهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ أَيْ كَشَفَ عُيُوبَهُ وَمِنْ أَقْبَحِهَا تَتَبُّعُ عَوْرَةِ الْأَخِ الْمُسْلِمِ وَهَذَا فِي الْآخِرَةِ (وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ) مِنْ فَضَحَ كَمَنَعَ أَيْ يَكْشِفُ مَسَاوِيهِ (وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ فِي وَسَطِ مَنْزِلِهِ مُخْفِيًا مِنَ النَّاسِ قَالَ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تعلمون (مَا أَعْظَمَكَ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكَ) هُمَا صِيغَتَا التَّعَجُّبِ وَالْحُرْمَةُ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ وَكَهُمَزَةٍ مَا لَا يَحِلُّ انْتِهَاكُهُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (وَالْمُؤْمِنُ) أَيِ الْكَامِلُ قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ أَوْفَى بْنِ دَلْهَمَ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِقَلْبِهِ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ غَيْرُهُ انْتَهَى (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ إِلَخْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ في مسنده 124 ج 4 وَأَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ كَمَا فِي التَّرْغِيبِ 6 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّجَارِبِ) جَمْعُ التَّجْرِبَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ جَرَّبَهُ تَجْرِبَةً اخْتَبَرَهُ قَوْلُهُ [2033] (لَا حَلِيمَ إِلَّا ذُو عَثْرَةٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وسكون المثلثة قال القارىء أَيْ صَاحِبُ زَلَّةِ

باب ما جاء في المتشبع بما لم يعطه

قَدَمٍ أَوْ لَغْزَةِ قَلَمٍ فِي تَقْرِيرِهِ أَوْ تَحْرِيرِهِ وَقِيلَ أَيْ لَا حَلِيمَ كَامِلًا إِلَّا مَنْ وَقَعَ فِي زَلَّةٍ وَحَصَلَ مِنْهُ الْخَطَأُ وَالتَّخَجُّلُ فَعُفِيَ عَنْهُ فَعَرَفَ بِهِ رُتْبَةَ الْعَفْوِ فَيَحْلُمُ عِنْدَ عَثْرَةِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ عِنْدَ ذَلِكَ يَصِيرُ ثَابِتَ الْقَدَمِ انْتَهَى (وَلَا حَكِيمَ إِلَّا ذُو تَجْرِبَةٍ) أَيْ صَاحِبَ امْتِحَانٍ فِي نَفْسِهِ وفي غيره قال القارىء قَالَ الشَّارِحُ أَيْ لَا حَكِيمَ كَامِلًا إِلَّا مَنْ جَرَّبَ الْأُمُورَ وَعَلِمَ الْمَصَالِحَ وَالْمَفَاسِدَ فَإِنَّهُ لَا يَفْعَلُ فِعْلًا إِلَّا عَنْ حِكْمَةٍ إِذِ الْحِكْمَةُ إِحْكَامُ الشَّيْءِ وَإِصْلَاحُهُ عَنِ الْخَلَلِ انْتَهَى قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمَعْنَى لَا حَلِيمَ إِلَّا وَقَدْ يَعْثِرُ كَمَا قِيلَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ غَضَبِ الْحَلِيمِ وَلَا حَكِيمَ مِنَ الْحُكَمَاءِ الطِّبِّيَّةِ إِلَّا صَاحِبُ التَّجْرِبَةِ فِي الْأُمُورِ الدَّائِبَةِ وَالذَّاتِيَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ في مسنده وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ 7 - (باب ما جاء في المتشبع بما لم يُعْطَهُ) قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ الْمُتَشَبِّعُ أَيِ الْمُتَشَبِّهُ بِالشَّبْعَانِ وَلَيْسَ بِهِ وَاسْتُعِيرَ لِلتَّحَلِّي بِفَضِيلَةٍ لَمْ يُرْزَقْهَا قَوْلُهُ [2034] (مَنْ أُعْطِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَطَاءً) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَوْ عَطِيَّةً وَفِي رِوَايَةٍ شَيْئًا فَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ (فَوَجَدَ) أَيْ سَعَةً مالية (فليجز) بسكون الجيم أي فليكافىء (بِهِ) أَيْ بِالْعَطَاءِ (وَمَنْ لَمْ يَجِدْ) أَيْ سَعَةً مِنَ الْمَالِ (فَلْيُثْنِ) بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ بِهِ أَيْ فَلْيَمْدَحْهُ أَوْ فَلْيَدْعُ لَهُ (فَإِنَّ مَنْ أَثْنَى) وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنْ أَثْنَى بِهِ (فَقَدْ شَكَرَ) وَفِي رِوَايَةٍ شَكَرَهُ أَيْ جَازَاهُ فِي الْجُمْلَةِ (وَمَنْ كَتَمَ) أَيِ النِّعْمَةَ بِعَدَمِ الْمُكَافَأَةِ بِالْعَطَاءِ أَوِ الْمُجَازَاةِ بِالثَّنَاءِ (فَقَدْ كَفَرَ) أَيِ النِّعْمَةَ مِنَ الْكُفْرَانِ أَيْ تَرَكَ أَدَاءَ حَقِّهِ وَفِي رِوَايَةٍ وَإِنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ (وَمَنْ تَحَلَّى) أَيْ تَزَيَّنَ وَتَلَبَّسَ (بِمَا لَمْ يُعْطَهُ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ يَرْجِعُ إِلَى مَنْ وَالْمَنْصُوبُ إِلَى مَا (كَانَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّهُ كلابس

ثوبي زور أي كمن كذب كاذبين أَوْ أَظْهَرَ شَيْئَيْنِ كَاذِبَيْنِ قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي ضَرَّةً فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ أَتَشَبَّعَ بِمَا لَمْ يُعْطِنِي زَوْجِي أَيْ أُظْهِرُ الشِّبَعَ فَأَحَدُ الْكَذِبَيْنِ قَوْلُهَا أَعْطَانِي زَوْجِي وَالثَّانِي إِظْهَارُهَا أَنَّ زَوْجِي يُحِبُّنِي أَشَدَّ مِنْ ضَرَّتِي قَالَ الْخَطَّابِيُّ كَانَ رَجُلٌ فِي الْعَرَبِ يَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ مِنْ ثِيَابِ الْمَعَارِيفِ لِيَظُنَّهُ النَّاسُ أَنَّهُ رَجُلٌ مَعْرُوفٌ مُحْتَرَمٌ لِأَنَّ الْمَعَارِيفَ لَا يَكْذِبُونَ فَإِذَا رَآهُ النَّاسُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ يَعْتَمِدُونَ عَلَى قَوْلِهِ وَشَهَادَتِهِ عَلَى الزُّورِ لِأَجْلِ تَشْبِيهِهِ نَفْسَهُ بِالصَّادِقِينَ وَكَانَ ثَوْبَاهُ سَبَبَ زُورِهِ فَسُمِّيَا ثوبي زور أو لأنهما ليسا لِأَجْلِهِ وَثُنِّيَ بِاعْتِبَارِ الرِّدَاءِ وَالْإِزَارِ فَشَبَّهَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي الْفَائِقِ شَبَّهَ الْمُتَشَبِّعَ بِلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ أَيْ ذِي زُورٍ وَهُوَ الَّذِي يَتَزَيَّا بِزِيِّ أَهْلِ الصَّلَاحِ رِيَاءً وَأَضَافَ الثَّوْبَيْنِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُمَا كَالْمَلْبُوسَيْنِ وَأَرَادَ بِالتَّثْنِيَةِ أَنَّ الْمُتَحَلِّيَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ كَمَنْ ليس ثَوْبَيِ الزُّورِ ارْتَدَى بِأَحَدِهِمَا وَاتَّزَرَ بِالْآخَرِ كَمَا قيل قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ إِذَا هُوَ بِالْمَجْدِ ارْتَدَى وَتَأَزَّرَا فَالْإِشَارَةُ بِالْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ إِلَى أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِالزُّورِ مِنْ رَأْسِهِ إِلَى قَدَمِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّثْنِيَةُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ حَصَلَ بِالتَّشَبُّعِ حَالَتَانِ مَذْمُومَتَانِ فِقْدَانُ مَا تَتَشَبَّعُ بِهِ وَإِظْهَارُ الْبَاطِلِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ هُوَ الْمُرَائِي يَلْبَسُ ثِيَابَ الزُّهَّادِ وَيَرَى أَنَّهُ زَاهِدٌ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ أَنْ يَلْبَسَ قَمِيصًا يَصِلُ بِكُمَّيْهِ كُمَّيْنِ آخَرَيْنِ يُرَى أَنَّهُ لَابِسُ قَمِيصَيْنِ فَكَأَنَّهُ يَسْخَرُ مِنْ نَفْسِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْكَاذِبِ الْقَائِلِ مَا لَمْ يَكُنْ وَقِيلَ إِنَّمَا شَبَّهَ بِالثَّوْبَيْنِ لِأَنَّ الْمُتَحَلِّيَ كَذِبَ كَذِبَيْنِ فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِصِفَةٍ لَيْسَتْ فِيهِ وَوَصَفَ غَيْرَهُ بِأَنَّهُ خَصَّهُ بِصِلَةٍ فَجَمَعَ بِهَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ كَذِبَيْنِ قال القارىء وَبِهَذَا تَظْهَرُ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ فِي الْحَدِيثِ مَعَ مُوَافَقَتِهِ لِسَبَبِ وُرُودِهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ وَمَنْ لَمْ يُعْطَ وَأَظْهَرَ أَنَّهُ قَدْ أُعْطِيَ كَانَ مُزَوِّرًا مَرَّتَيْنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الْمُتَشَبِّعِ بِمَا لَمْ يَنَلْ وَمَا يَنْهَى مِنِ افْتِخَارِ الضَّرَّةِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ في الأدب المفرد وأبو داود وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي التَّيْسِيرِ إسناده صحيح

باب ما جاء في الثناء بالمعروف

88 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الثَّنَاءِ بِالْمَعْرُوفِ) قَوْلُهُ [2035] (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ) أَبُو إِسْحَاقَ الطَّبَرِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ حَافِظٌ تُكُلِّمَ فِيهِ بِلَا حُجَّةٍ مِنَ الْعَاشِرَةِ (وَالْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ حَرْبٍ السُّلَمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْوَزِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (بِمَكَّةَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَكَانَ سَكَنَ بِمَكَّةَ (حَدَّثَنَا الْأَحْوَصُ بْنُ جَوَّابٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ الضَّبِّيُّ يُكَنَّى أَبَا الْجَوَّابِ كُوفِيٌّ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ من التاسعة (عن سعير بْنِ الْخِمْسِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سُعَيْرٌ آخِرُهُ راء مصغر بن الْخِمْسِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ التَّمِيمِيُّ أَبُو مَالِكٍ وَأَبُو الْأَحْوَصِ صَدُوقٌ مِنَ السابعة 9 - باب قَوْلُهُ (مَنْ صُنِعَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (مَعْرُوفًا) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِالنَّصْبِ وَوَقَعَ فِي المشكاة والجامع الصغير معروف بالرفع قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ مَعْرُوفًا بِالنَّصْبِ أَيْ أُعْطَى عَطَاءً (فَقَالَ لِفَاعِلِهِ) أَيْ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْ إِثَابَتِهِ أَوْ مُطْلَقًا (جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا) أَيْ خَيْرَ الْجَزَاءِ أَوْ أَعْطَاكَ خَيْرًا مِنْ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ) أَيْ بَالَغَ فِي أَدَاءِ شُكْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ اعْتَرَفَ بِالتَّقْصِيرِ وَأَنَّهُ مِمَّنْ عَجَزَ عَنْ جَزَائِهِ وَثَنَائِهِ فَفَوَّضَ جَزَاءَهُ إِلَى اللَّهِ لِيَجْزِيَهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى قَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا قَصُرَتْ يَدَاكَ بِالْمُكَافَأَةِ فَلْيَطُلْ لِسَانُكَ بِالشُّكْرِ وَالدُّعَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ جَيِّدٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النسائي وبن حِبَّانَ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مثله) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَا

26 - كتاب الطب

رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمِثْلِ حَدِيثِ الْبَابِ نَعَمْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم من لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ 26 - كِتَاب الطب (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْحِمْيَةِ بِالْكَسْرِ) بِالْفَارِسِيَّةِ برهيز كردن حمي المريض ما يَضُرُّهُ مَنَعَهُ إِيَّاهُ فَاحْتَمَى وَتَحَمَّى امْتَنَعَ وَقَالَ فِيهِ الْحِمْيَةُ بِالْكَسْرِ مَا حُمِيَ مِنْ شَيْءٍ قَوْلُهُ [2037] (عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ) الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (وَلَنَا دَوَالٍ مُعَلَّقَةٌ) جَمْعُ دَالِيَةٍ وَهِيَ الْعِذْقُ مِنَ الْبُسْرِ يُعَلَّقُ فَإِذَا أَرْطَبَ أُكِلَ (مَهْ مَهْ) أَيِ اكْفُفْ وَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ (فَإِنَّكَ نَاقِهٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَقِهَ كَفَرِحَ وَمَنَعَ نَقَهًا وَنُقُوهًا صَحَّ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَأَفَاقَ فَهُوَ نَاقِهٌ (فَجَعَلْتُ لَهُمْ سِلْقًا وَشَعِيرًا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَصَنَعْتُ شَعِيرًا وَسِلْقًا فَجِئْتُ بِهِ وَالْمَعْنَى طَبَخْتُ لَهُمْ سِلْقًا وَشَعِيرًا وَالسِّلْقُ بِالْكَسْرِ بِالْفَارِسِيَّةِ جقندر يَعْنِي مِنْ هَذَا فَأَصِبْ مِنَ الْإِصَابَةِ أَيْ أَدْرِكْ مِنْ هَذَا أَوْ كُلْ مِنْهُ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا نَظَرٌ فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ فُلَيْحٍ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الدِّمَشْقِيُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَأَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَقِيلَ أَيُّوبُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أُمِّ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيَّةِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أُمُّ الْمُنْذِرِ الْأَنْصَارِيَّةُ إِحْدَى خَالَاتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّتْ مَعَهُ الْقِبْلَتَيْنِ وَهِيَ الَّتِي دَخَلَ عَلَيْهَا وَمَعَهُ عَلِيٌّ فِي قِصَّةِ الدَّوَالِي وَالسِّلْقِ وَالشَّعِيرِ رَوَى عَنْهَا يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الْمَدَنِيُّ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ اسْمُهَا سَلْمَى بِنْتُ قَيْسٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هِيَ أُمُّ الْمُنْذِرِ بِنْتُ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غُنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَيُقَالُ هِيَ سَلْمَى بِنْتُ قَيْسٍ أُخْتُ سَلِيطٍ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النَّجَّارِ انْتَهَى (وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِ حَدَّثَنِيهِ أَيُّوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) فِي كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا نَظَرٌ فَتَفَكَّرْ وَتَأَمَّلْ قَوْلُهُ [2036] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الإِمَامُ الذُّهْلِيُّ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ الْفَرْوِيُّ الْمَدَنِيُّ الأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ صَدُوقٌ عف نساء حِفْظُهُ مِنَ الْعَاشِرَةِ انْتَهَى

باب ما جاء في الدواء والحث عليه

قَوْلُهُ (إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا حَمَاهُ الدُّنْيَا) أي حفظه من متاع الدنيا ومناصبه أَيْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ بِأَنْ يُبْعِدَهُ عَنْهُ وَيُعْسِرَ عَلَيْهِ (حُصُولُهُ كَمَا يَظَلُّ أَحَدُكُمْ يحمي سقية الْمَاءَ) أَيْ شُرْبَهُ إِذَا كَانَ يَضُرُّهُ وَالأَطِبَّاءُ تَحْمِي شُرْبَ الْمَاءِ فِي أَمْرَاضٍ مَعْرُوفَةٍ قَوْلُهُ (وفي الباب عن صهيب) أخرجه بن ماجة في باب الحمية قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شعب الايمان والحاكم وقال صحيح ووهم بن الْجَوْزِيِّ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ قَوْلُهُ (وَقَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ الظُّفْرِيُّ) بِمُعْجَمَةٍ وَفَاءٍ مَفْتُوحَيْنِ صَحَابِيٌّ شَهِدَ بَدْرًا (بَاب مَا جَاءَ فِي الدَّوَاءِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ) قَوْلُهُ [2038] (قَالَ قَالَتِ الْأَعْرَابُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَدَاوَى) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ كأنما على رؤوسهم الطَّيْرُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ فَجَاءَ الْأَعْرَابُ مِنْ ها هنا وههنا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَتَدَاوَى (قَالَ نَعَمْ يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا) فِيهِ إِثْبَاتُ الطِّبِّ وَالْعِلَاجِ وَأَنَّ التَّدَاوِي مُبَاحٌ غَيْرُ مَكْرُوهٍ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ النَّاسِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِيهِ إِبَاحَةُ التَّدَاوِي وَجَوَازُ الطِّبِّ وَهُوَ رَدٌّ عَلَى الصُّوفِيَّةِ أَنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا إِذَا رَضِيَ بِجَمِيعِ مَا نَزَلَ بِهِ مِنَ الْبَلَاءِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ مُدَاوَاتُهُ وَهُوَ خِلَافُ مَا أَبَاحَهُ الشَّارِعُ انْتَهَى (فَإِنَّهُ لَمْ يَضَعْ) أَيْ لَمْ يَخْلُقْ (دَاءً إِلَّا وَضَعَ له شفاء

باب ما جاء ما يطعم المريض

أو دواء) شك في الرَّاوِي (قَالَ الْهَرَمُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالرَّاءِ أَيْ هُوَ الْهَرَمُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ جَعَلَ الْهَرَمَ دَاءً وَإِنَّمَا هُوَ ضَعْفُ الْكِبَرِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْأَدْوَاءِ الَّتِي هِيَ أَسَقَامٌ عَارِضَةٌ لَلْأَبَدَانِ مِنْ قِبَلِ اخْتِلَافِ الطَّبَائِعِ وَتَغَيُّرِ الْأَمْزِجَةِ وَإِنَّمَا شَبَّهَهُ بِالدَّاءِ لِأَنَّهُ جَالِبُ التَّلَفِ وَالْأَدْوَاءُ الَّتِي قَدْ يَتَعَقَّبُهَا الْمَوْتُ وَالْهَلَاكُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ وبن عباس) أما حديث بن مسعود فأخرجه النسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَالطَّحَاوِيُّ ص 883 ج 2 وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي بَابِ لَا يَرُدُّ الرَّقْيُ وَالدَّوَاءُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ 683 ج 2 وَأَبُو نُعَيْمٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ (بَاب مَا جَاءَ مَا يُطْعَمُ الْمَرِيضُ) قَوْلُهُ [2039] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ بَرَكَةَ) الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أُمِّهِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أُمُّ مُحَمَّدٍ وَالِدَةُ مُحَمَّدِ بْنِ السَّائِبِ بْنِ بَرَكَةَ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِذَا أَخَذَ أَهْلَهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (الْوَعْكُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْوَعْكُ الْحُمَّى وَقِيلَ أَلَمُهَا (أَمَرَ بِالْحَسَاءِ) بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ وَهُوَ طَبِيخٌ يُتَّخَذُ مِنْ دَقِيقٍ وَمَاءٍ وَدُهْنٍ وقد يحلى ويكون رقيقا يحسى قال القارىء وَذَكَرَ بَعْضُهُمُ السَّمْنَ بَدَلَ الدُّهْنِ وَأَهْلُ مَكَّةَ يسمونه

باب ما جاء لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب

بِالْحَرِيرَةِ (فَحَسَوْا مِنْهُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ حَسَا زَيْدٌ الْمَرَقَ شَرِبَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ (إِنَّهُ لَيَرْتُو فُؤَادَ الْحَزِينِ) أَيْ يَشُدُّ قَلْبَهُ وَيُقَوِّيهِ (وَيَسْرُو عَنْ فُؤَادِ السَّقِيمِ) أَيْ يَكْشِفُ عَنْ قَلْبِهِ الْأَلَمَ وَيُزِيلُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ (وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا مِنْ هَذَا) وَلَفْظُهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ التَّلْبِينَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحَزَنِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْحُسَيْنُ الْجُرَيْرِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الطالقاني عن بن الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَخْ) قَالَ الْمِزِّيُّ كَذَا فِي النُّسَخِ يَعْنِي نُسَخَ التِّرْمِذِيِّ ليس فيه عقيل قال الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الله بن سنان كلاهما عن بن الْمُبَارَكِ لَيْسَ فِيهِ عُقَيْلٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ عَنِ بن الْمُبَارَكِ بِإِثْبَاتِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ وَكَانَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عُقَيْلًا جَرَى عَلَى الْجَادَّةِ لِأَنَّ يُونُسَ مُكْثِرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ عُقَيْلٍ أَيْضًا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُهُ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَبُو إِسْحَاقَ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ وُقُوعِ هَذَا اللَّفْظِ ها هنا فَتَفَكَّرْ (بَاب مَا جَاءَ لَا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) قَوْلُهُ [2040] (حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ يُونُسَ بْنِ بُكَيْرٍ) الشَّيْبَانِيُّ الْكُوفِيُّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ وَقَالَ فِي

باب ما جاء في الحبة السوداء

الْخُلَاصَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ (عَنْ مُوسَى بن علي) بالتصغير رَبَاحِ بْنِ اللَّخْمِيِّ الْبَصْرِيِّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ قاله الحافظ ووثقه النسائي وأبو حاتم وبن مَعِينٍ وَغَيْرُهُمْ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عُلَيُّ بْنُ رَبَاحٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُلَيُّ بْنُ رَبَاحِ بْنِ قَصِيرٍ اللَّخْمِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ عُلَيٌّ بِالتَّصْغِيرِ وَكَانَ يَغْضَبُ مِنْهَا انْتَهَى وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ عُمَرَ الْحَافِظُ لقبه علي بالضم قوله (لاتكرهوا) نَهْيٌ مِنَ الْإِكْرَاهِ (مَرَضَاكُمْ) جَمْعُ مَرِيضٍ (عَلَى الطَّعَامِ) أَيْ عَلَى تَنَاوُلِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ (فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ) أَيْ يَمُدُّهُمْ بِمَا يَقَعُ مَوْقِعَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَيَرْزُقُهُمْ صَبْرًا عَلَى أَلَمِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ فَإِنَّ الْحَيَاةَ وَالْقُوَّةَ مِنَ اللَّهِ حَقِيقَةً لَا مِنَ الطَّعَامِ وَلَا الشَّرَابِ وَلَا مِنْ جِهَةِ الصِّحَّةِ قَالَ الْقَاضِي أَيْ يَحْفَظُ قُوَاهُمْ وَيَمُدُّهُمْ بِمَا يُفِيدُ فَائِدَةَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فِي حِفْظِ الرُّوحِ وَتَقْوِيمِ الْبَدَنِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي وَإِنْ كَانَ مَا بَيْنَ الْإِطْعَامَيْنِ وَالطَّعَامَيْنِ بَوْنًا بَعِيدًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ فِي سَنَدِهِ بَكْرَ بْنَ يُونُسَ وَهُوَ ضَعِيفٌ (بَاب مَا جاء في الحبة السوداء) أي الشوفين قَوْلُهُ [2041] (عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ) أَيِ الْزَمُوا اسْتِعْمَالَهَا بِأَكْلٍ وَغَيْرِهِ (فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ) يَحْدُثُ مِنَ الرُّطُوبَةِ لَكِنْ لَا تَسْتَعْمِلُ فِي دَاءٍ صِرْفًا بَلْ تَارَةً تُسْتَعْمَلُ مُفْرَدَةً وَتَارَةً مُرَكَّبَةً بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الْمَرَضُ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ (إِلَّا السَّامُ) بِمُهْمَلَةٍ غَيْرِ مَهْمُوزَةٍ (والسام الموت) وفي رواية البخاري قال بن شِهَابٍ السَّامُ الْمَوْتُ وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الشُّونِيزُ

(قوله وفي الباب عن بريدة وبن عُمَرَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الطِّبِّ وَأَخْرَجَ الْمُسْتَغْفِرِيُّ فِي كِتَابِ الطِّبِّ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ هَذِهِ الْحَبَّةَ السَّوْدَاءَ فِيهَا شِفَاءٌ قَالَ وَفِي لَفْظٍ قِيلَ وَمَا الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ قال الشونين قَالَ وَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَا قَالَ تَأْخُذُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ حَبَّةً فَتَصُرُّهَا فِي خِرْقَةٍ ثُمَّ تَضَعُهَا فِي مَاءٍ لَيْلَةً فَإِذَا أَصْبَحْتَ قَطَرْتَ فِي الْمَنْخِرِ الْأَيْمَنِ وَاحِدَةً وَفِي الْأَيْسَرِ اثْنَتَيْنِ فَإِذَا كَانَ مِنَ الْغَدِ قَطَرْتَ فِي الْمَنْخِرِ الْأَيْمَنِ اثْنَتَيْنِ وَفِي الْأَيْسَرِ وَاحِدَةً فَإِذَا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ قَطَرْتَ فِي الْأَيْمَنِ وَاحِدَةً وَفِي الْأَيْسَرِ اثْنَتَيْنِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَأَمَّا حديث بن عمر فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ تَنْبِيهٌ أَحَادِيثُ الْبَابِ هَلْ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى عُمُومِهَا أَوْ أُرِيدَ مِنْهَا الْخُصُوصُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا مِنْ عُمُومِ اللَّفْظِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْخُصُوصُ وَلَيْسَ يُجْمَعُ فِي طَبْعِ شَيْءٍ مِنَ النَّبَاتِ وَالشَّجَرِ جَمِيعُ الْقُوَى الَّتِي تُقَابِلُ الطَّبَائِعَ كُلَّهَا فِي مُعَالَجَةِ الْأَدْوَاءِ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَتَبَايُنِ طَبْعِهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ يَحْدُثُ مِنَ الرُّطُوبَةِ وَالْبُرُودَةِ وَالْبَلْغَمِ وَذَلِكَ أَنَّهُ حَارٌّ يَابِسٌ فَهُوَ شِفَاءٌ بِإِذْنِ اللَّهِ لِلدَّاءِ الْمُقَابِلِ لَهُ فِي الرُّطُوبَةِ والبرودة وذلك أن الدواء أبذأ بِالْمُضَادِّ وَالْغِذَاءُ بِالْمُشَاكِلِ انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي حَقِّ بِلْقِيسَ وَأُوتِيَتْ مِنْ كل شيء وقوله تعالى تدمر كل شيء فِي إِطْلَاقِ الْعُمُومِ وَإِرَادَةِ الْخُصُوصِ انْتَهَى وَقِيلَ هِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى عُمُومِهَا وَأُجِيبَ عَنْ قَوْلِ الْخَطَّابِيِّ لَيْسَ يُجْمَعُ فِي طَبْعِ شَيْءٍ إِلَخْ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ اللَّهِ بِمُسْتَنْكَرٍ أَنْ يَجْمَعَ الْعَالَمَ فِي وَاحِدٍ وَأَمَّا قَوْلُ الطِّيبِيِّ وَنَظِيرُهُ إِلَخْ فَفِيهِ أَنَّ الْآيَتَيْنِ يُمْنَعُ حَمْلُهُمَا عَلَى الْعُمُومِ عَلَى مَا هُوَ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ مَعْلُومٍ وَأَمَّا أَحَادِيثُ الْبَابِ فَحَمْلُهَا عَلَى الْعُمُومِ مُتَعَيِّنٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا إِلَّا السَّامُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خسر إلا الذين امنوا وعملوا الصالحات الْآيَةَ قُلْتَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ الْمَذْكُورِ مَا لَفْظُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى كَوْنِ الْحَبَّةِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ دَاءٍ صِرْفًا بَلْ رُبَّمَا اسْتُعْمِلَتْ مُفْرَدَةً وَرُبَّمَا اسْتُعْمِلَتْ مُرَكَّبَةً وَرُبَّمَا اسْتُعْمِلَتْ مَسْحُوقَةً وَغَيْرَ مَسْحُوقَةٍ وَرُبَّمَا اسْتُعْمِلَتْ أَكْلًا وَشُرْبًا وَسَعُوطًا وَضِمَادًا وَغَيْرَ ذَلِكَ قَالَ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي جَمْرَةَ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَخَصُّوا عُمُومَهُ وَرَدُّوهُ إِلَى

باب ما جاء في شرب أبوال الابل

قَوْلِ أَهْلِ الطِّبِّ وَالتَّجْرِبَةِ وَلَا خَفَاءَ بِغَلَطِ قَائِلِ ذَلِكَ لِأَنَّا إِذَا صَدَّقْنَا أَهْلَ الطِّبِّ وَمَدَارُ عِلْمِهِمْ غَالِبًا إِنَّمَا هُوَ عَلَى التَّجْرِبَةِ الَّتِي بِنَاؤُهَا عَلَى ظَنٍّ غَالِبٍ فَتَصْدِيقُ مَنْ لَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى أَوْلَى بِالْقَبُولِ مِنْ كَلَامِهِمِ انْتَهَى قَالَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَوْجِيهُ حَمْلِهِ عَلَى عُمُومِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الْإِفْرَادِ وَالتَّرْكِيبِ وَلَا مَحْذُورَ فِي ذَلِكَ وَلَا خُرُوجَ عَنْ ظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي شُرْبِ أَبْوَالِ الْإِبِلِ) أَيْ لِلتَّدَاوِي قَوْلُهُ [2042] (أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا فِي بَابِ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عباس) أخرجه بن الْمُنْذِرِ عَنْهُ مَرْفُوعًا عَلَيْكُمْ بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا نافعة لذربة بُطُونِهِمْ وَالذَّرِبَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ ذَرِبٍ وَالذَّرَبُ بِفَتْحَتَيْنِ فَسَادُ الْمَعِدَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بسم أو غيره) قوله [2043] (حدثنا عَبِيدَةُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (بْنُ حُمَيْدٍ) هُوَ الْكُوفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْحَذَّاءِ قَوْلُهُ (أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهُ (رَفَعَهُ) أَيْ رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ قَتَلَ

نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ) أَيْ بِآلَةٍ مِنْ حَدِيدٍ (وَحَدِيدَتُهُ) أَيْ تِلْكَ بِعَيْنِهَا أَوْ مِثْلُهَا (يَتَوَجَّأُ) بِهَمْزَةٍ فِي آخِرِهِ تَفَعُّلٌ مِنَ الْوَجَأِ وَهُوَ الطَّعْنُ بِالسِّكِّينِ وَنَحْوُهُ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ (بِهَا) لِلْحَدِيدَةِ أَيْ يَطْعَنُ بِهَا (بَطْنَهُ) أَيْ فِي بَطْنِهِ (فِي نَارِ جَهَنَّمَ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ (وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمَنْ شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ وَالسُّمُّ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ أَفْصَحُهُنَّ الْفَتْحُ وَجَمْعُهُ سِمَامٌ قَالَ فِي الْقَامُوسِ السُّمُّ هَذَا الْقَاتِلُ الْمَعْرُوفُ (فَسُمُّهُ) مُبْتَدَأٌ (فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ) بِمُهْمَلَتَيْنِ بِوَزْنِ يَتَغَذَّى أَيْ يَشْرَبُهُ فِي تَمَهُّلٍ وَيَتَجَرَّعُهُ (فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا) قَالَ الْحَافِظُ قَدْ تَمَسَّكَ بِهِ الْمُعْتَزِلَةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ قَالَ بِتَخْلِيدِ أَصْحَابِ الْمَعَاصِي فِي النَّارِ وَأَجَابَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَنْ ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا تَوْهِيمُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَمْ يَذْكُرْ خَالِدًا مُخَلَّدًا وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ يُشِيرُ إِلَى رِوَايَةِ الْبَابِ يَعْنِي رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّتِي رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي أَوَاخِرِ الْجَنَائِزِ بِلَفْظِ الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا فِي النَّارِ وَالَّذِي يَطْعَنُهَا يَطْعَنُهَا فِي النَّارِ قَالَ وَهُوَ أَصَحُّ لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ قَدْ صَحَّتْ أَنَّ أَهْلَ التَّوْحِيدِ يُعَذَّبُونَ ثُمَّ يخرج مِنْهَا وَلَا يُخَلَّدُونَ وَأَجَابَ غَيْرُهُ بِحَمْلِ ذَلِكَ عَلَى مَنِ اسْتَحَلَّهُ فَإِنَّهُ يَصِيرُ بِاسْتِحْلَالِهِ كَافِرًا وَالْكَافِرُ مُخَلَّدٌ بِلَا رَيْبٍ وَقِيلَ وَرَدَ مَوْرِدَ الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ وَحَقِيقَتُهُ غَيْرُ مُرَادَةٍ وَقِيلَ الْمَعْنَى إن هذا جزاءه لَكِنْ قَدْ تَكَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْمُوَحِّدِينَ فَأَخْرَجَهُمْ مِنَ النَّارِ بِتَوْحِيدِهِمْ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ مُخَلَّدًا فِيهَا إِلَى أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْخُلُودِ طُولُ الْمُدَّةِ لَا حَقِيقَةُ الدَّوَامِ كَأَنَّهُ يَقُولُ يُخَلَّدُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَهَذَا أَبْعَدُهَا انْتَهَى كَلَامُ الحافظ

قوله (حدثنا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ) اسْمُهُ ذَكْوَانُ قَوْلُهُ [2044] (يَجَأُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَبِالْهَمْزِ أَيْ يَطْعَنُ وَقَدْ تُسَهَّلُ الْهَمْزَةُ وَالْأَصْلُ فِي يَجَأُ يَوْجَأُ (وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ) أَيْ أَسْقَطَ نَفْسَهُ مِنْهُ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فَقَتَلَ نَفْسَهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ قَوْلِهِ تَرَدَّى لَا يَدُلُّ عَلَى التَّعَمُّدِ (خَالِدًا) حَالٌ مُقَدَّرَةٌ (مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا) تَأْكِيدٌ بَعْدَ تَأْكِيدٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ تَمَسُّكِ الْمُعْتَزِلَةِ بِهَذَا وَالْجَوَابُ عَنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ بِتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ وَالنَّسَائِيُّ وَلِأَبِي دَاوُدَ مَنْ حَسَا سُمًّا فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ انْتَهَى (وَهُوَ) أَيْ حَدِيثُ شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ (أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ عَبِيدَةَ بْنِ حُمَيْدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَرَاهُ رَفَعَهُ إِلَخْ لِأَنَّ عَبِيدَةَ لَمْ يُتَابِعْهُ أَحَدٌ عَلَى رِوَايَتِهِ وَأَمَّا شُعْبَةُ فَقَدْ تَابَعَهُ عَلَى رِوَايَتِهِ وَكِيعٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ (هَكَذَا رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الْأَعْمَشِ إِلَخْ) أَيْ بِزِيَادَةِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا (وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو الزِّنَادِ إِلَخْ) أَيْ بِغَيْرِ ذِكْرِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَرِوَايَةُ أَبِي الزِّنَادِ هَذِهِ وَصَلَهَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ كَمَا ذَكَرْنَا (وَهَذَا) أَيْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا (أَصَحُّ) أَيْ مِنْ حَدِيثِهِ الَّذِي ذُكِرَتْ فِيهَا زِيَادَةُ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا (لِأَنَّ الرِّوَايَاتِ إِنَّمَا تَجِيءُ بِأَنَّ أَهْلَ التَّوْحِيدِ يُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا وَلَا يَذْكُرُ أَنَّهُمْ يُخَلَّدُونَ فِيهَا) مَقْصُودُ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهْمٌ فَإِنَّهَا تُخَالِفُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي تَجِيءُ بِأَنَّ أَهْلَ التَّوْحِيدِ يُعَذَّبُونَ فِي النَّارِ ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا

باب ما جاء في كراهية التداوي بالمسكر

قُلْتُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ زَادَهَا الْأَعْمَشُ وَهُوَ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ فَتَأْوِيلُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ أَوْلَى مِنْ تَوْهِيمِهَا قَوْلُهُ [2045] (نَهَى عَنِ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ) قِيلَ هُوَ النَّجِسُ أَوِ الْحَرَامُ أَوْ مَا يَتَنَفَّرُ عَنْهُ الطَّبْعُ (يَعْنِي السُّمَّ) هَذَا تَفْسِيرُ الْخَبِيثِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَوْلَى وَقَدْ وَرَدَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مُتَّصِلًا بِهِ يَعْنِي السُّمَّ انْتَهَى وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ خُبْثُ الدَّوَاءِ يَكُونُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا خُبْثُ النَّجَاسَةِ وَهُوَ أَنْ يَدْخُلَهُ الْمُحَرَّمُ كَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا مِنْ لُحُومِ الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْمَأْكُولِ اللَّحْمِ وَقَدْ يَصِفُ الْأَطِبَّاءُ بَعْضَ الْأَبْوَالِ وَعَذِرَةَ بَعْضِ الْحَيَوَانِ لِبَعْضِ الْعِلَلِ وَهِيَ كُلُّهَا خَبِيثَةٌ نَجِسَةٌ وَتَنَاوُلُهَا مُحَرَّمٌ إِلَّا مَا خَصَّتِ السُّنَّةُ مِنْ أَبْوَالِ الْإِبِلِ وَقَدْ رَخَّصَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفَرٍ عُرَيْنَةَ وَعُكْلٍ وَسَبِيلُ السُّنَنِ أَنْ يُقَرَّ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهَا فِي مَوْضِعِهِ وَأَنْ لَا يُضْرَبَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ وَقَدْ يَكُونُ خُبْثُ الدَّوَاءِ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الطَّعْمِ وَالْمَذَاقِ وَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ كَرِهَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَى الطِّبَاعِ وَلِتَكَرُّهِ النَّفْسِ إِيَّاهُ وَالْغَالِبُ أَنَّ طُعُومَ الْأَدْوِيَةِ كَرِيهَةٌ وَلَكِنَّ بَعْضَهَا أَيْسَرُ احْتِمَالًا وَأَقَلُّ كَرَاهَةً انْتَهَى قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ السَّمُومُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ مِنْهَا مَا يَقْتُلُ كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ لِلتَّدَاوِي وَلِغَيْرِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَمِنْهَا مَا يَقْتُلُ كَثِيرُهُ دُونَ قَلِيلِهِ فَأَكْلُ كَثِيرِهِ الَّذِي يَقْتُلُ حَرَامٌ لِلتَّدَاوِي وَغَيْرِهِ وَالْقَلِيلُ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِمَّا يَنْفَعُ فِي التَّدَاوِي جَازَ أَكْلُهُ تَدَاوِيًا وَمِنْهَا مَا يَقْتُلُ فِي الْأَغْلَبِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ لَا يَقْتُلَ فَحُكْمُهُ كَمَا قَبْلَهُ وَمِنْهَا مَا لَا يَقْتُلُ فِي الْأَغْلَبِ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَقْتُلَ فَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ إِبَاحَةَ أَكْلِهِ وَفِي مَوْضِعٍ تَحْرِيمَ أَكْلِهِ فَجَعَلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ عَلَى حَالَيْنِ فَحَيْثُ أَبَاحَ أَكْلَهُ فَهُوَ إِذَا كَانَ لِلتَّدَاوِي وَحَيْثُ حَرَّمَ أَكْلَهُ فَهُوَ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُنْتَفَعٍ بِهِ فِي التَّدَاوِي وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ التَّدَاوِي بِالْمُسْكِرِ) قَوْلُهُ [2046] (أَنَّهُ شَهِدَ) أَيْ حَضَرَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ شَهِدَهُ كَسَمِعَهُ شُهُودًا حَضَرَهُ انتهى (وسأله

سُوَيْدُ بْنُ طَارِقٍ أَوْ طَارِقُ بْنُ سُوَيْدٍ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ طَارِقُ بْنُ سُوَيْدٍ وَيُقَالُ سُوَيْدُ بْنُ طَارِقٍ الْحَضْرَمِيُّ وَيُقَالُ الْجُعْفِيُّ لَهُ صُحْبَةٌ حَدِيثُهُ عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَشْرِبَةِ (عَنِ الْخَمْرِ) أَيْ عَنْ شُرْبِهَا أَوْ صُنْعِهَا (فَنَهَاهُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا (فَقَالَ إِنَّا لَنَتَدَاوَى بِهَا) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ (إِنَّهَا ليست بدواء ولكنها داء) وفي رواية بن مَاجَهْ إِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِشِفَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ فَيَحْرُمُ التَّدَاوِي بِهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِدَوَاءٍ فَكَأَنَّهُ يَتَنَاوَلُهَا بِلَا سَبَبٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّدَاوِي بِهَا وَكَذَا يَحْرُمُ شُرْبُهَا وَأَمَّا إِذَا غَصَّ بِلُقْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسِيغُهَا بِهِ إِلَّا خَمْرًا فَيَلْزَمُهُ الْإِسَاغَةُ بِهَا لِأَنَّ حُصُولَ الشِّفَاءِ بِهَا حِينَئِذٍ مَقْطُوعٌ بِهِ بِخِلَافِ التَّدَاوِي انْتَهَى وَقَدْ أَبَاحَ التَّدَاوِي بِهَا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بَعْضُهُمْ وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِإِبَاحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُرَيْنَةَ التَّدَاوِي بِأَبْوَالِ الْإِبِلِ وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ إِلَّا أَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ مِمَّا يُسْتَشْفَى بِهَا فِي بَعْضِ الْعِلَلِ رَخَّصَ لَهُمْ فِي تَنَاوُلِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ جَمَعَهُمَا هَذَا الْقَائِلُ فَنَصَّ عَلَى أَحَدِهِمَا بِالْحَظْرِ وَعَلَى الْآخَرِ بِالْإِبَاحَةِ وَهُوَ بَوْلُ الْإِبِلِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ مَا فرقه النص غير جائزا وَأَيْضًا فَإِنَّ النَّاسَ كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا وَيُشْفَوْنَ بِهَا وَيَتَّبِعُونَ لَذَّتَهَا فَلَمَّا حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ صَعُبَ عَلَيْهِمْ تَرْكُهَا وَالنُّزُوعُ عَنْهَا فَغُلِّظَ الْأَمْرُ فِيهَا بِإِيجَابِ الْعُقُوبَةِ عَلَى مُتَنَاوِلِيهَا لِيَرْتَدِعُوا وَلِيَكُفُّوا عَنْ شُرْبِهَا وَحُسِمَ الْبَابُ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَى الْوُجُوهِ كُلِّهَا شُرْبًا وَتَدَاوِيًا لِئَلَّا يَسْتَبِيحُوهَا بِعِلَّةِ التَّسَاقُمِ وَالتَّمَارُضِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَأْمُونٌ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ لِانْحِسَامِ الدَّوَاعِي وَلِمَا عَلَى الطِّبَاعِ مِنَ الْمُؤْنَةِ فِي تَنَاوُلِهَا وَلِمَا فِي النُّفُوسِ مِنَ اسْتِقْذَارِهَا وَالنُّكْرَةِ لَهَا فَقِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ لَا يَصِحُّ وَلَا يَسْتَقِيمُ انْتَهَى قَالَ الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ الْمُعَالَجَةُ بِالْمُحَرَّمَاتِ قَبِيحَةٌ عَقْلًا وَشَرْعًا أَمَّا الشَّرْعُ فَمَا ذَكَرْنَا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ (يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ وَحَدِيثَ أَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مَرْفُوعًا إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا ولا تداووا بالمحرم وحديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شفائكم فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنِ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) وَأَمَّا الْعَقْلُ فَهُوَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا حَرَّمَهُ لِخُبْثِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ طَيِّبًا عُقُوبَةً لَهَا كَمَا حَرَّمَهُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِقَوْلِهِ فَبِظُلْمٍ

باب ما جاء في السعوط وغيره

مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لهم وَإِنَّمَا حَرَّمَ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ مَا حَرَّمَ لِخُبْثِهِ وَتَحْرِيمِهِ لَهُمْ حَمْيَةً لَهُمْ وَصِيَانَةً عَنْ تَنَاوُلِهِ فَلَا يُنَاسَبُ أَنْ يُطْلَبَ بِهِ الشِّفَاءُ مِنَ الْأَسْقَامِ وَالْعِلَلِ فَإِنَّهُ وَإِنْ أَثَّرَ فِي إِزَالَتِهَا لَكِنَّهُ يُعْقِبُ سَقَمًا أَعْظَمَ مِنْهُ فِي الْقَلْبِ بِقُوَّةِ الْخُبْثِ الَّذِي فِيهِ فَيَكُونُ الْمُدَاوَى بِهِ قَدْ سَعَى فِي إِزَالَةِ سَقَمِ الْبَدَنِ بسقم القلب وقد بسط بن القيم الكلام ها هنا بَسْطًا حَسَنًا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجِعِ الهدى تنبيه قال العنبي فِي الْعُمْدَةِ الِاسْتِشْفَاءُ بِالْحَرَامِ جَائِزٌ عِنْدَ التَّيَقُّنِ بِحُصُولِ الشِّفَاءِ كَتَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ فِي الْمَخْمَصَةِ وَالْخَمْرِ عِنْدَ الْعَطَشِ وَإِسَاغَةِ اللُّقْمَةِ وَإِنَّمَا لَا يُبَاحُ مَا لَا يُسْتَيْقَنُ حُصُولُ الشِّفَاءِ بِهِ وَقَالَ إِذَا فَرَضْنَا أَنَّ أَحَدًا عَرَفَ مَرَضَ شَخْصٍ بِقُوَّةِ الْعِلْمِ وَعَرَفَ أَنَّهُ لَا يُزِيلُهُ إِلَّا تَنَاوُلُ الْمُحَرَّمِ يُبَاحُ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ كَمَا يُبَاحُ شُرْبُ الْخَمْرِ عِنْدَ الْعَطَشِ الشَّدِيدِ وَتَنَاوُلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ قُلْتُ دَفْعُ الْعَطَشِ وَانْحِدَارُ اللُّقْمَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مُتَيَقَّنٌ وَأَمَّا حُصُولُ الشِّفَاءِ بِالتَّدَاوِي وَلَوْ بِالْحَلَالِ فَلَيْسَ بِمُتَيَقَّنٍ فَقِيَاسُ التَّدَاوِي بِالْحَرَامِ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ عِنْدَ الْعَطَشِ الشَّدِيدِ وَانْحِدَارِ اللُّقْمَةِ فَاسِدُ الِاعْتِبَارِ قَالَ الشَّيْخُ بن الْعَابِدِينَ فِي رَدِّ الْمُحْتَارِ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّ إِسَاغَةَ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ وَدَفْعَ الْعَطَشِ بِهِ مُتَحَقَّقُ النَّفْعِ وَلِذَلِكَ مَنْ لَمْ يُسِغِ اللُّقْمَةَ وَلَمْ يَدْفَعِ الْعَطَشَ عِنْدَ وُجُودِ الْخَمْرِ وَمَاتَ يَأْثَمُ بِخِلَافِ التَّدَاوِي وَإِنْ كَانَ بِالْحَلَالِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَحَقَّقِ النَّفْعِ بَلْ مَظْنُونُ النَّفْعِ وَلِذَلِكَ مَنْ تَرَكَ التَّدَاوِي وَمَاتَ لَا يَأْثَمُ انْتَهَى وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ فِي عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ فَإِنْ قِيلَ التَّدَاوِي حَالُ ضَرُورَةٍ وَالضَّرُورَةُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَ فَالتَّدَاوِي بِالْحَرَامِ مُبَاحٌ قُلْنَا التَّدَاوِي لَيْسَ حَالَ ضَرُورَةٍ وَإِنَّمَا الضَّرُورَةُ مَا يُخَافُ مَعَهُ الْمَوْتُ مِنَ الْجُوعِ فَأَمَّا التَّطَبُّبُ فِي أَصْلِهِ فَلَا يَجِبُ فَكَيْفَ يُبَاحُ فِيهِ الْحَرَامُ انْتَهَى مُحَصَّلًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ (بَاب مَا جَاءَ فِي السَّعُوطِ وَغَيْرِهِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مَا يُجْعَلُ فِي الْأَنْفِ مِمَّا يُتَدَاوَى بِهِ قَوْلُهُ [2047] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَدُّوَيْهِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَدُّوَيْهِ بِمِيمٍ وَتَثْقِيلٍ الْقُرَشِيُّ

(أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَمَّادِ) بْنِ شُعَيْبٍ الشعيئي أَبُو سَلَمَةَ الْعَنْبَرِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ) النَّاجِي أَبُو سَلَمَةَ الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي صَدُوقٌ رُمِيَ بِالْقَدَرِ وَكَانَ يُدَلِّسُ وَتَغَيَّرَ بِآخِرِهِ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ خَيْرَ مَا تَدَاوَيْتُمْ بِهِ السَّعُوطُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتَعَطَ أَيِ اسْتَعْمَلَ السَّعُوطَ هُوَ أَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَى ظَهْرِهِ وَيُجْعَلَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ مَا يَرْفَعُهُمَا لِيَنْحَدِرَ بِرَأْسِهِ وَيُقْطَرَ فِي أَنْفِهِ مَاءٌ أَوْ دُهْنٌ فِيهِ دَوَاءٌ مُفْرَدٌ أَوْ مُرَكَّبٌ لِيَتَمَكَّنَ بِذَلِكَ مِنَ الْوُصُولِ إِلَى دِمَاغِهِ لِاسْتِخْرَاجِ مَا فِيهِ مِنَ الدَّاءِ بِالْعُطَاسِ انْتَهَى (وَاللَّدُودُ) بِفَتْحِ اللَّامِ هُوَ الدَّوَاءُ الَّذِي يُصَبُّ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ فَمِ الْمَرِيضِ وَيُسْقَاهُ أَوْ يُدْخَلَ هُنَاكَ بِأُصْبُعٍ وَغَيْرِهَا وَيُحَنَّكَ به قال النووي (الحجامة) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ بِمَعْنَى الِاحْتِجَامِ (وَالْمَشِيُّ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ فَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ فَعِيلٌ مِنَ الْمَشْيِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ بِضَمٍّ فَبِكَسْرٍ وَجَوَّزَهُ فِي الْمُغْرِبِ وَقَالَ وَهُوَ مَا يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ لِإِطْلَاقِ الْبَطْنِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الدَّوَاءُ الْمُسَهِّلُ مَشِيًّا لِأَنَّهُ يَحْمِلُ شَارِبَهُ عَلَى الْمَشْيِ وَالتَّرَدُّدِ إِلَى الْخَلَاءِ (لَدَّهُ أَصْحَابُهُ) أَيْ جَعَلُوا فِي جَانِبِ فَمِهِ دَوَاءً بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَهَذَا هُوَ اللَّدُودُ فَأَمَّا مَا يُصَبُّ فِي الْحَلْقِ فَيُقَالُ لَهُ الْوَجُودُ وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْعَبَّاسِ أَنَّهُمْ أَذَابُوا قِسْطًا أَيْ بِزَيْتٍ فَلَدُّوهُ بِهِ (فَلَمَّا فَرَغُوا قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لُدُّوهُمْ) بِصِيغَةِ الأمر (قال) أي بن عَبَّاسٍ (فَلُدُّوا) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَجْهُولِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لَدِدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ فَأَشَارَ أَنْ لَا تَلُدُّونِي فَقُلْنَا كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ لَا يَبْقَى مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا لُدَّ غَيْرَ الْعَبَّاسِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ اللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّمَا أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَدِّهِمْ عُقُوبَةً لَهُمْ حِينَ خَالَفُوهُ فِي إِشَارَتِهِ إِلَيْهِمْ لَا تَلُدُّونِي فَفِيهِ أَنَّ الْإِشَارَةَ الْمُفْهِمَةَ كَصَرِيحِ الْعِبَارَةِ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهِ تَعْزِيرُ الْمُتَعَدِّي بِنَحْوٍ مِنْ فِعْلِهِ الَّذِي تَعَدَّى بِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِعْلًا مُحَرَّمًا انْتَهَى قِيلَ وَإِنَّمَا كُرِهَ اللَّدُّ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَتَدَاوَى لِأَنَّهُ تَحَقَّقَ أَنَّهُ يَمُوتُ فِي مَرَضِهِ وَمَنْ حُقِّقَ ذَلِكَ كُرِهَ لَهُ التَّدَاوِي قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ التَّخْيِيرِ وَالتَّحَقُّقِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ التَّدَاوِي لِأَنَّهُ كَانَ غَيْرَ مُلَائِمٍ لِدَائِهِ لِأَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ بِهِ ذَاتَ الْجَنْبِ فَدَاوَوْهُ بِمَا يُلَائِمُهُ وَلَمْ يَكُنْ بِهِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ كَمَا تَرَى

باب ما جاء في كراهية التداوي الكي

قَوْلُهُ [2048] (وَخَيْرَ مَا اكْتَحَلْتُمْ بِهِ) بِالنَّصْبِ وَجُوِّزَ رَفْعُهُ (الْإِثْمِدُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ بَيْنَهُمَا ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ سَاكِنَةٌ وَحُكِيَ فِيهِ ضَمُّ الْهَمْزَةِ حَجَرٌ معروف أسود يضرب إلى الهمزة يَكُونُ فِي بِلَادِ الْحِجَازِ وَأَجْوَدُهُ يُؤْتَى مِنْ أَصْبَهَانَ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ هُوَ الْحَجَرُ الْمَعْدِنِيُّ وَقِيلَ هُوَ الْكُحْلُ الْأَصْفَهَانِيُّ يُنَشِّفُ الدَّمْعَةَ وَالْقُرُوحَ وَيَحْفَظُ صِحَّةَ الْعَيْنِ وَيُقَوِّي غُصْنَهَا لَا سِيَّمَا لِلشُّيُوخِ وَالصِّبْيَانِ (فَإِنَّهُ) أَيِ الْإِثْمِدُ أَوِ الِاكْتِحَالُ بِهِ (يَجْلُو الْبَصَرَ) مِنَ الْجَلَاءِ أَيْ يُحَسِّنُ النَّظَرَ وَيَزِيدُ نُورَ الْعَيْنِ وَيُنَظِّفُ الْبَاصِرَةَ لِدَفْعِ الرَّدِيَّةِ النَّازِلَةِ إِلَيْهَا مِنَ الرَّأْسِ (يُنْبِتُ) مِنَ الْإِنْبَاتِ (الشَّعْرَ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا الْهُدْبُ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ شره وَهُوَ الَّذِي يَنْبُتُ عَلَى أَشْفَارِ الْعَيْنِ (مُكْحُلَةٌ) بِضَمَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا سَاكِنَةٌ اسْمُ آلَةِ الْكُحْلِ وَهُوَ الْمِيلُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْمُرَادُ منها ها هنا مَا فِيهِ الْكُحْلُ (يَكْتَحِلُ بِهَا) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِهَا وَفِي جَمِيعِ رِوَايَاتِ الشَّمَائِلِ مِنْهَا فَالْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ كَمَا قِيلَ فِي قوله تعالى يشرب بها عباد الله قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الْحِجَامَةِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كراهية التداوي الْكَيِّ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ كَوَاهُ يَكْوِيهِ كَيًّا أَحْرَقَ جِلْدَهُ بِحَدِيدَةٍ وَنَحْوِهَا وَهِيَ الْمِكْوَاةُ وَالْكَيَّةُ مَوْضِعُ الْكَيِّ وَالْكَاوِيَاءُ مِيسَمٌ وَاكْتَوَى اسْتَعْمَلَ الْكَيَّ فِي بَدَنِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ [2049] (نَهَى عَنِ الْكَيِّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ النَّهْيُ فِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ أَوْ عَلَى خِلَافِ الْأَوْلَى لِمَا يَقْتَضِيهِ مَجْمُوعُ الْأَحَادِيثِ وَقِيلَ إِنَّهُ خَاصٌّ بِعِمْرَانَ لِأَنَّهُ كَانَ بِهِ الْبَاسُورُ وَكَانَ مَوْضِعُهُ

خَطَرًا فَنَهَاهُ عَنْ كَيِّهِ فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِ كواه فلم ينجح وقال بن قُتَيْبَةَ الْكَيُّ نَوْعَانِ كَيُّ الصَّحِيحِ لِئَلَّا يَعْتَلَّ فَهَذَا الَّذِي قِيلَ فِيهِ لَمْ يَتَوَكَّلْ مَنِ اكْتَوَى لِأَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَدْفَعَ الْقَدَرَ وَالْقَدَرُ لَا يُدَافَعُ وَالثَّانِي كَيُّ الْجُرْحِ إِذَا نَغِلَ أَيْ فَسَدَ وَالْعُضْوُ إِذَا قُطِعَ فَهُوَ الَّذِي يُشْرَعُ التَّدَاوِي بِهِ فَإِنْ كَانَ الْكَيُّ لِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْجِيلِ التَّعْذِيبِ بِالنَّارِ لِأَمْرٍ غَيْرِ مُحَقَّقٍ وَحَاصِلُ الْجَمْعِ أَنَّ الْفِعْلَ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَعَدَمَ الْفِعْلِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ بَلْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَهُ أَرْجَحُ مِنْ فِعْلِهِ وَكَذَا الثَّنَاءُ عَلَى تَارِكِهِ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْهُ فَإِمَّا عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِيَارِ وَالتَّنْزِيهِ وَإِمَّا عَمَّا لَا يَتَعَيَّنُ طَرِيقًا إِلَى الشِّفَاءِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ (فَمَا أَفْلَحْنَا وَلَا أَنْجَحْنَا) مِنَ الْإِنْجَاحِ أَيْ فما فزنا ولا صرنا ذانجح وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَمَا أَفْلَحْنَ وَلَا أَنْجَحْنَ بِنُونِ الْإِنَاثِ فِيهِمَا يَعْنِي تِلْكَ الْكَيَّاتِ الَّتِي اكْتَوَيْنَا بِهِنَّ وَخَالَفْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِعْلِهِنَّ وَكَيْفَ يُفْلِحُ وَيُنْجِحُ شَيْءٌ خُولِفَ فِيهِ صَاحِبُ الشَّرِيعَةِ وَعَلَى هَذَا فَالتَّقْدِيرُ فَاكْتَوَيْنَا كَيَّاتِ الْأَوْجَاعِ فَمَا أَفْلَحْنَ وَلَا أَنْجَحْنَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ سَنَدُهُ قَوِيٌّ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْقُدُّوسِ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ عَبْدِ الْكَبِيرِ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ الْحِجَابِ الْعَطَّارُ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عشر (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ) هُوَ الْكِلَابِيُّ الْقَيْسِيُّ أبو عثمان البصري (أخبرنا همام) هو بن يَحْيَى الْأَزْدِيُّ الْعَوْذِيُّ قَوْلُهُ (نُهِينَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ أَيْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله (وفي الباب عن بن مسعود وعقبة بن عامر وبن عباس) أما حديث بن مسعود وحديث عقبة بن عامر فأخر جهما الطحاوي في معاني الاثار وأما حديث بن عباس فأخرجه أحمد والبخاري وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشِّفَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي شَرْطَةِ مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةِ عَسَلٍ أَوْ كَيَّةٍ بِنَارٍ وَأَنَا أَنْهَى أُمَّتِي عَنِ الْكَيِّ

باب ما جاء في الرخصة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مَعَانِي الْآثَارِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ) فِي ذَلِكَ أَيْ فِي الْكَيِّ قَوْلُهُ [2050] (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَى) أَيْ بِيَدِهِ أَوْ أَمَرَ بِأَنْ يَكْوِي أَحَدٌ (أسعد) بفتح الهمزة والعين بينهما مهملة (بن زُرَارَةَ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ وَفِي آخِرِهِ تَاءٌ (مِنَ الشَّوْكَةِ) أَيْ مِنْ أَجْلِهَا وَهِيَ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ حُمْرَةٌ تَعْلُو الْوَجْهَ وَالْجَسَدَ وَالْحَدِيثُ عَلَى الرُّخْصَةِ فِي الْكَيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ وَأَحَادِيثِ الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنِ الْكَيِّ وَجَاءَتِ الرُّخْصَةُ فِيهِ وَالرُّخْصَةُ لِسَعْدٍ لِبَيَانِ جَوَازِهِ حَيْثُ لَا يَقْدِرُ الرَّجُلُ أَنْ يُدَاوِيَ الْعِلَّةَ بِدَوَاءٍ آخَرَ وَإِنَّمَا وَرَدَ النَّهْيُ حَيْثُ يَقْدِرُ الرَّجُلُ عَلَى أَنْ يُدَاوِيَ الْعِلَّةَ بِدَوَاءٍ آخَرَ لِأَنَّ الْكَيَّ فِيهِ تَعْذِيبٌ بِالنَّارِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِأَنَّ الْكَيَّ يَبْقَى مِنْهُ أَثَرٌ فَاحِشٌ وَهَذَانِ نَوْعَانِ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَيِّ الْأَرْبَعَةِ وَهُمَا النَّهْيُ عَنِ الْفِعْلِ وَجَوَازِهِ وَالثَّالِثُ الثَّنَاءُ عَلَى مَنْ تَرَكَهُ كَحَدِيثِ السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَالرَّابِعُ عَدَمُ مَحَبَّتِهِ كَحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ وَمَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ فَعَدَمُ مَحَبَّتِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى عَدَمُ فِعْلِهِ وَالثَّنَاءُ عَلَى تَرْكِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَرْكَهُ أَوْلَى فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْأَرْبَعَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيٍّ وَجَابِرٍ) أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيبًا فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا ثُمَّ كَوَاهُ وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَوَى سَعْدَ بن معاذ في أكحله مرتين رواه بن مَاجَهْ وَرَوَى مُسْلِمٌ مَعْنَاهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فِي مَعَانِي الْآثَارِ

باب ما جاء في الحجامة في المصباح

12 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحِجَامَةِ فِي الْمِصْبَاحِ) حَجَمَهُ الْحَاجِمُ حَجْمًا مِنْ بَابِ قَتَلَ شَرَطَهُ وَاسْمُ الصِّنَاعَةِ حِجَامَةٌ بِالْكَسْرِ انْتَهَى وَالشَّرْطُ بِالْفَارِسِيَّةِ نشترزون قَوْلُهُ [2051] (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ فِي الْأَخْدَعِينَ وَالْكَاهِلِ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْأَخْدَعَانِ عِرْقَانِ فِي جَانِبَيِ الْعُنُقِ يُحْجَمُ مِنْهُ وَالْكَاهِلُ مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَهُوَ مُقَدَّمُ الظهر قال بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ الْحِجَامَةُ عَلَى الْأَخْدَعِينَ تَنْفَعُ مِنْ أَمْرَاضِ الرَّأْسِ وَأَجْزَائِهِ كَالْوَجْهِ وَالْأَسْنَانِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْأَنْفِ إِذَا كَانَ حُدُوثُ ذَلِكَ مِنْ كَثْرَةِ الدَّمِ أَوْ فَسَادِهِ أَوْ مِنْهُمَا جَمِيعًا قَالَ وَالْحِجَامَةُ لِأَهْلِ الْحِجَازِ وَالْبِلَادِ الْحَارَّةِ لِأَنَّ دِمَاءَهُمْ رَقِيقَةٌ وَهِيَ أَمْيَلُ إِلَى ظَاهِرِ أَبْدَانِهِمْ لِجَذْبِ الْحَرَارَةِ الْخَارِجَةِ إِلَى سَطْحِ الْجَسَدِ وَاجْتِمَاعِهِمَا فِي نَوَاحِي الْجِلْدِ وَلِأَنَّ مَسَامَّ أَبْدَانِهِمْ وَاسِعَةٌ ففي القصد لَهُمْ خَطَرٌ انْتَهَى وَقَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالطِّبِّ فَصْدُ الباسليق يَنْفَعُ حَرَارَةَ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالرِّئَةِ وَمِنَ الشَّوْصَةِ وَذَاتِ الْجَنْبِ وَسَائِرِ الْأَمْرَاضِ الدَّمَوِيَّةِ الْعَارِضَةِ مِنْ أَسْفَلِ الرُّكْبَةِ إِلَى الْوَرِكِ وَفَصْدُ الْأَكْحَلِ يَنْفَعُ الِامْتِلَاءَ الْعَارِضَ فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ إِذَا كَانَ دَمَوِيًّا وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ فَسَدَ وَفَصْدُ الْقِيفَالِ يَنْفَعُ مِنْ عِلَلِ الرَّأْسِ والرقبة إذا كثر الدم أو فسد وقصد الْوَدَجَيْنِ لِوَجَعِ الطُّحَالِ وَالرَّبْوِ وَوَجَعِ الْجَبِينِ وَالْحِجَامَةُ عَلَى الْكَاهِلِ تَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الْمَنْكَبِ وَالْحَلْقِ وَتَنُوبُ عَنْ فَصْدِ الباسليق وَالْحِجَامَةُ عَلَى الْأَخْدَعِينَ تَنْفَعُ مِنْ أَمْرَاضِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ كَالْأُذُنَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالْأَسْنَانِ وَالْأَنْفِ وَالْحَلْقِ وَتَنُوبُ عَنْ فَصْدِ الْقِيفَالِ وَالْحِجَامَةُ تَحْتَ الذَّقْنِ تَنْفَعُ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ وَالْوَجْهِ وَالْحُلْقُومِ وَتُنَقِّي الرَّأْسَ وَالْحِجَامَةُ عَلَى ظَهْرِ الْقَدَمِ تَنُوبُ عَنْ فَصْدِ الصَّافِنِ وَهُوَ عِرْقٌ عند الكعب وتنفع من قروح الفخدين وَالسَّاقَيْنِ وَانْقِطَاعِ الطَّمْثِ وَالْحَكَّةِ الْعَارِضَةِ فِي الْأُنْثَيَيْنِ وَالْحِجَامَةُ عَلَى أَسْفَلِ الصَّدْرِ نَافِعَةٌ مِنْ دَمَامِيلِ الفخد وَجَرَبِهِ وَبُثُورِهِ وَمِنَ النِّقْرِسِ وَالْبَوَاسِيرِ وَدَاءِ الْفِيلِ وَحَكَّةِ الظَّهْرِ وَمَحَلُّ ذَلِكَ كُلُّهُ إِذَا كَانَ عَنْ دَمٍ هَائِجٍ وَصَادَفَ وَقْتَ الِاحْتِيَاجِ إِلَيْهِ وَالْحِجَامَةُ عَلَى الْمَقْعَدَةِ تَنْفَعُ الْأَمْعَاءَ وَفَسَادَ الْحَيْضِ (وَكَانَ يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ) قَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ بَابًا فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ بَابُ أَيِّ سَاعَةٍ يَحْتَجِمُ وَذَكَرَ فِيهِ أَثَرَ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ احْتَجَمَ لَيْلًا

وحديث بن عَبَّاسٍ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ قَالَ الْحَافِظُ وَرَدَ فِي الْأَوْقَاتِ اللَّائِقَةِ بِالْحِجَامَةِ أَحَادِيثُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ عَلَى شَرْطِهِ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّهَا تُصْنَعُ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ وَلَا تَتَقَيَّدُ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ لِأَنَّهُ ذكر الاحتجام ليلا وذكر حديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ وَهُوَ يَقْتَضِي كَوْنَ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ نَهَارًا وَعِنْد الْأَطِبَّاءَ أَنَّ أَنْفَعَ الْحِجَامَةِ مَا يَقَعُ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ وَأَنْ لَا يَقَعَ عَقِبَ اسْتِفْرَاغٍ عَنْ جِمَاعٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَا عَقِبَ شِبَعٍ وَلَا جُوعٍ وَقَدْ وَرَدَ فِي تَعْيِينِ الأيام للحجامة حديث لابن عمر عند بن مَاجَهْ رَفَعَهُ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ وَفِيهِ فَاحْتَجِمُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَاحْتَجِمُوا يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَاجْتَنِبُوا الْحِجَامَةَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ وَالْجُمُعَةِ وَالسَّبْتِ وَالْأَحَدِ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ ضَعِيفَيْنِ وَلَهُ طَرِيقٌ ثَالِثَةٌ ضَعِيفَةٌ أَيْضًا عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ فِي الأفراد وأخرجه بسند جيد عن بن عُمَرَ مَوْقُوفًا وَنَقَلَ الْخَلَّالُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَرِهَ الْحِجَامَةَ فِي الْأَيَّامِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ لَمْ يَثْبُتْ وَحَكَى أَنَّ رَجُلًا احْتَجَمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَأَصَابَهُ بَرَصٌ لِكَوْنِهِ تَهَاوَنَ بِالْحَدِيثِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْحِجَامَةَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قَالَ يَوْمُ الثُّلَاثَاءِ يَوْمُ الدَّمِ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يَرْقَأُ فِيهَا وَوَرَدَ فِي عَدَدٍ مِنَ الشَّهْرِ أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنِ احْتَجَمَ لِسَبْعَ عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ كَانَ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيِّ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَسَعِيدٌ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُ وَلَيَّنَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ وَلَهُ شَاهِدٌ آخِرُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عند بن مَاجَهْ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ لَكِنْ مِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِكَوْنِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ قَالَ حَنْبَلُ بْنُ إِسْحَاقَ كَانَ أَحْمَدُ يَحْتَجِمُ أَيَّ وَقْتٍ هَاجَ بِهِ الدَّمُ وَأَيَّ سَاعَةٍ كَانَتْ وَقَدِ اتَّفَقَ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنَ الشَّهْرِ ثُمَّ فِي الرُّبْعِ الثَّالِثِ مِنْ أَرْبَاعِهِ أَنْفَعُ مِنَ الْحِجَامَةِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ قَالَ الْمُوَفَّقُ الْبَغْدَادِيُّ وَذَلِكَ أَنَّ الْأَخْلَاطَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ تُهَيِّجُ وَفِي آخِرِهِ تُسَكِّنُ فَأَوْلَى مَا يَكُونُ الِاسْتِفْرَاغُ فِي أَثْنَائِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عباس ومعقل بن يسار) أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْهُ قَالَ احْتَجَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ فِي رَأْسِهِ مِنْ شَقِيقَةٍ كَانَتْ بِهِ وَلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ فَأَخْرَجَهُ حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْكَرْمَانِيُّ صَاحِبُ أَحْمَدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا الْحِجَامَةُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ مِنَ الشَّهْرِ دَوَاءٌ لِدَاءِ السَّنَةِ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَفِي النَّيْلِ قَالَ النَّوَوِيُّ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَلَكِنْ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الْمَذْكُورِ الزِّيَادَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ وَكَانَ يَحْتَجِمُ لِسَبْعَ عَشْرَةَ إِلَخِ انْتَهَى قَوْلُهُ [2052] (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ) هُوَ الضَّبِّيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ) هُوَ أَبُو شَيْبَةَ الْوَاسِطِيُّ (عَنِ الْقَاسِمِ بن عبد الرحمن هو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْقَاسِمُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْمَسْعُودِيُّ أَبُو عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ الثَّانِيَةِ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لَيْلَةٍ) بِالْجَرِّ مُنَوَّنَةً وَيَجُوزُ فَتْحُهَا مُضَافَةً إِلَى قَوْلِهِ (أُسْرِيَ بِهِ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (أَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ عَلَى مَلَإٍ) أَيْ جَمَاعَةٍ عَظِيمَةٍ تَمْلَأُ الْعَيْنَ (أَنْ) تَفْسِيرِيَّةٌ (مُرْ) أَمْرُ مُخَاطَبٍ مِنْ أَمَرَ يأمر قال القارىء بَيَانٌ لِلْأَمْرِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمَلَأُ الْأَعْلَى وَالْأَمْرُ لِلنَّدْبِ وَيَدُلُّ عَلَى تَأْكِيدِهِ أَمْرُهُمْ جَمِيعًا وَتَقْرِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَقْلُهُ عَنْهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ لَهُمْ أَيْضًا (أُمَّتَكَ بِالْحِجَامَةِ) قَالَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ إِنَّ الْمُخَاطَبَ بِأَحَادِيثِ الْحِجَامَةِ غَيْرُ الشُّيُوخِ لِقِلَّةِ الْحَرَارَةِ فِي أَبْدَانِهِمْ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ بن سِيرِينَ قَالَ إِذَا بَلَغَ الرَّجُلُ أَرْبَعِينَ سَنَةً لَمْ يَحْتَجِمْ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مِنْ حِينَئِذٍ فِي انْتِقَاصٍ مِنْ عُمُرِهِ وَانْحِلَالٍ مِنْ قُوَّةِ جَسَدِهِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَهُ وَهْنًا بِإِخْرَاجِ الدَّمِ انْتَهَى وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ حَاجَتُهُ إِلَيْهِ وَعَلَى مَنْ لم يعتده وقد قال بن سِينَا فِي أُرْجُوزَتِهِ وَمِنْ يَكُونُ تَعَوَّدَ الْفَصَادَهْ فَلَا يَكُنْ يَقْطَعُ تِلْكَ الْعَادَةُ ثُمَّ أَشَارَ إِلَى أَنَّهُ يُقَلِّلُ ذَلِكَ بِالتَّدْرِيجِ إِلَى أَنْ ينقطع جملة في عشر الثمانين وقال بن سِينَا فِي أَبْيَاتٍ أُخْرَى

وَوَفِّرْ عَلَى الْجِسْمِ الدِّمَاءَ فَإِنَّهَا لِصِحَّةِ جِسْمٍ مِنْ أَجَلِّ الدَّعَائِمِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَوْلُهُ [2053] (فَكَانَ اثْنَانِ يُغِلَّانِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الْإِغْلَالِ أَيْ يُعْطِيَانِ الْغَلَّةَ وَهِيَ مَا يُحَصَّلُ مِنْ أُجْرَةِ الْعَبْدِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْغَلَّةُ الدَّخْلَةُ مِنْ كِرَاءِ دَارٍ وَأُجْرَةِ غُلَامٍ وَفَائِدَةِ أَرْضٍ انْتَهَى (وَيُخِفُّ) مِنَ الْإِخْفَافِ (الصُّلْبَ) أَيِ الظَّهْرَ (وَيَجْلُو عَنِ الْبَصَرِ) الْقَذَى والرمص ونحو ذلك (وقال) أي بْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ عُرِجَ بِهِ) أَيْ حِينَ أُسْرِيَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ (مَا مَرَّ) أَيْ هُوَ (عَلَيْكَ بِالْحِجَامَةِ) أَيِ الْزَمْهَا لُزُومًا مُؤَكَّدًا (إِنَّ خَيْرَ مَا تَحْتَجِمُونَ فِيهِ) أَيْ مِنَ الْأَيَّامِ (يَوْمُ سَبْعَ عَشْرَةَ) لَفْظُ يَوْمُ مُضَافٌ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ إِنَّ (وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَدَّهُ الْعَبَّاسُ) هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إِلَّا لُدَّ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَّا الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ فَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَصَحُّ وَأَرْجَحُ (فَكُلُّهُمْ أَمْسَكُوا) أَيْ أُسْكِتُوا فَفِي الْقَامُوسِ أَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ سَكَتَ (غَيْرَ عَمِّهِ الْعَبَّاسِ) قِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ صَائِمًا أَوْ لِتَكْرِيمِهِ قُلْتُ عِلَّةُ عَدَمِ لُدُودِ الْعَبَّاسِ مُصَرَّحَةٌ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ فَهِيَ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهَا (قَالَ النَّضْرُ اللَّدُودُ الْوَجُودُ) جَعَلَ النَّضْرُ اللَّدُودَ وَالْوَجُودَ وَاحِدًا وفرق بينهما الحافظ كماعرفت وَهُوَ الصَّحِيحُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ

باب ما جاء في التداوي بالحناء

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِتَمَامِهِ مُفَرَّقًا فِي ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ وَقَالَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا صَحِيحُ الْإِسْنَادِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّدَاوِي بِالْحِنَّاءِ) قَوْلُهُ [2054] (أَخْبَرَنَا فَائِدٌ مَوْلًى لِآلِ أَبِي رَافِعٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ فَائِدٌ مَوْلَى عَبَادِلَ بِاللَّامِ صَدُوقٌ انْتَهَى وَقَالَ فِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ الْمَدَنِيُّ يُعْرَفُ بِعَبَادِلَ وَيُقَالُ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فَائِدٌ مَوْلَى عَبَادِلَ وَهُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ رَوَى عَنْهُ وَعَنْهُ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ وثقه بن مَعِينٍ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) اعْلَمْ أَنَّ عَبَادِلَ وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَلِيٍّ وَعَلِيَّ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ ثَلَاثَتُهُمْ وَاحِدٌ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا مِنْ عِبَارَةِ التَّقْرِيبِ فَهُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ وَعَبَادِلُ لَقَبُهُ وَيُقَالُ فِيهِ عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَالصَّوَابُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ رَوَى عَنْ جَدَّتِهِ أم رافع وعنه مولاه فائد وثقه بن حِبَّانَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وليس بمنكر الحديث وقال بن معين لابأس بِهِ (عَنْ جَدَّتِهِ) سَلْمَى أُمِّ رَافِعٍ زَوْجِ أَبِي رَافِعٍ لَهَا صُحْبَةٌ قَوْلُهُ (مَا كَانَ) أَيِ الشَّأْنُ (يَكُونُ) أَيْ يُوجَدُ وَيَقَعُ (بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْحَةٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي زَائِدًا وَأَنْ يَكُونَ غَيْرَ زَائِدٍ بِالتَّأْوِيلِ أَيْ مَا كَانَ قُرْحَةٌ تَكُونُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَالْقُرْحَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَيُضَمُّ جِرَاحَةٌ مِنْ سَيْفٍ وَسِكِّينٍ وَنَحْوِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى إن يمسسكم قرح وَقَدْ قُرِئَ فِيهِ بِالْوَجْهَيْنِ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْفَتْحِ (وَلَا نَكْبَةٌ) بِفَتْحِ النُّونِ جِرَاحَةٌ مِنْ حَجَرٍ أَوْ شَوْكٍ وَلَا زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ (أَنْ أَضَعَ عَلَيْهِ الْحِنَّاءَ) لِأَنَّهُ بِبُرُودَتِهِ يُخَفِّفُ حَرَارَةَ الْجِرَاحَةِ وَأَلَمَ الدَّمِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ أَوِ الحسن أو

باب ما جاء في كراهية الرقية

الضَّعْفِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أعلم والحديث أخرجه بن مَاجَهْ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ أَصَحُّ) مِنْ عَلِيِّ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ الصَّوَابُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الرُّقْيَةِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْقَافِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الرُّقْيَةُ الْعَوْذَةُ الَّتِي يُرْقَى بِهَا صَاحِبُ الْآفَةِ كَالْحُمَّى وَالصَّرَعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ قَوْلُهُ [2055] (عَنْ عَقَّارِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَقَّارٌ بفتح أوله وتشديد القاف واخره راء بن الْمُغِيرَةِ بْنُ شُعْبَةَ الثَّقَفِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثالثة قوله (من اكتوى أو استرقى فهو بريء مِنَ التَّوَكُّلِ) لِفِعْلِهِ مَا الْأَوْلَى التَّنَزُّهُ عَنْهُ وَهَذَا فِيمَنْ فَعَلَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا لَا عَلَى اللَّهِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن مسعود وبن عباس وعمران بن حصين) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِطُولِهِ وَفِيهِ إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ الْحَدِيثُ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي صِفَةِ الْقِيَامَةِ بَعْدَ بَابِ صِفَةِ أَوَانِي الْحَوْضِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ قِيلَ يَا رَسُولُ مَنْ هُمْ قَالَ هُمُ الَّذِينَ لَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ

باب ما جاء في الرخصة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي وبن ماجة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الرُّقْيَةِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى وَسَيَأْتِي فِي الْبَابِ الْآتِي وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الرُّقْيَةِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ) فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ [2056] (رَخَّصَ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ الْحُمَّةِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ الْحُمَّةُ بِالتَّخْفِيفِ السُّمُّ وَقَدْ يُشَدَّدُ وَأَنْكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَيُطْلَقُ عَلَى إِبْرَةِ الْعَقْرَبِ لِلْمُجَاوَرَةِ لِأَنَّ السُّمَّ مِنْهَا يَخْرُجُ وَأَصْلُهَا حَمْوٌ أَوْ حُمَى بِوَزْنِ صُرَدٍ وَالْهَاءُ فِيهَا عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ الْمَحْذُوفَةِ أَوِ الْيَاءِ انْتَهَى (وَالْعَيْنِ) أَيْ وَمِنْ إِصَابَةِ عَيْنِ الْجِنِّ أَوِ الْإِنْسِ (وَالنَّمْلَةِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمِيمِ قَالَ الْجَزَرِيُّ النَّمْلَةُ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَنْبِ انْتَهَى قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الرُّخْصَةُ إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ النَّهْيِ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنْ الرُّقَى لِمَا عَسَى أَنْ يَكُونَ فِيهَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الْجَاهِلِيَّةِ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنِ الرُّقَى فَرَخَّصَ لَهُمْ فِيهَا إِذَا عَرِيَتْ عَنِ الْأَلْفَاظِ الْجَاهِلِيَّةِ انْتَهَى وَحَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ ومسلم وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ) الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَاهُمْ كُنْيَتُهُ أَبُو الْوَلِيد الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ وَغَيْرُهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ آدَمَ وَأَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَنَسٍ (أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ عَنْ سُفْيَانَ) أَيْ عَنْ عَاصِمٍ

الْأَحْوَلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ إِلَخْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَجَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَطَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَأَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ) أَمَّا حديث بريدة فأخرجه مسلم وبن مَاجَهْ بِلَفْظِ لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَّةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرُّقَى فَجَاءَ آلُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَتْ عِنْدَنَا رُقْيَةٌ نَرْقِي بِهَا مِنَ الْعَقْرَبِ وَأَنْتَ نَهَيْتَ عَنِ الرُّقَى فَعَرَضُوهَا عَلَيْهِ فَقَالَ مَا أَرَى بِهَا بَأْسًا مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهَا قَالَتْ أُمِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسْتَرْقَى مِنَ الْعَيْنِ وَلَهَا حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا قَالَتْ رَخَّصَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقْيَةِ مِنْ كُلِّ ذِي حُمَّةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَدَغَتْنِي عَقْرَبٌ فَجَعَلَ يَمْسَحُهَا وَيَرْقِيهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ عَرَضْتُ أَوْ أَعْرَضْتُ النَّهْشَةَ مِنَ الْحَيَّةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِهَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ لَا تَرُدُّ الرُّقَى وَالدَّوَاءُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا قَوْلُهُ [2057] (لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَّةٍ) لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الرُّقْيَةُ مِنْ غَيْرِهِمَا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ الرُّقْيَةُ مِنْ غَيْرِهِمَا إِنَّمَا مَعْنَاهُ لَا رُقْيَةَ أَوْلَى وَأَنْفَعَ مِنْهُمَا وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ بُرَيْدَةَ) وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ مَنِ اكْتَوَى حدثنا عمران بن ميسرة حدثنا بن فُضَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَّةٍ فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جبير فقال حدثنا بن عَبَّاسٍ فَقَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ الْحَدِيثُ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَّةٍ كَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ مَوْقُوفًا وَوَافَقَهُ هُشَيْمٌ وَشُعْبَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَلَى

باب ما جاء في الرقية بالمعوذتين

وَقْفِهِ وَرِوَايَةُ هُشَيْمٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَرِوَايَةُ شعبة عند الترمذي تعليقا ووصلها بن أَبِي شَيْبَةَ وَلَكِنْ قَالَا عَنْ بُرَيْدَةَ بَدَلَ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَخَالَفَ الْجَمِيعَ مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ عَنْ حُصَيْنٍ فَرَوَاهُ مَرْفُوعًا وَقَالَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وكذا قال بن عُيَيْنَةَ عَنْ حُصَيْنٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَكَذَا قَالَ إسحاق بن سليمان عن حصين أخرجه بن مَاجَهْ انْتَهَى وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الرُّقْيَةِ فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِأَحَادِيثِ النَّهْيِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الباب المتقدم قال الحافظ بن الْأَثِيرِ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرُّقَى يُكْرَهُ مِنْهَا مَا كَانَ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَبِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَكَلَامِهِ فِي كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ وَأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ الرقيا نَافِعَةٌ لَا مَحَالَةَ فَيَتَّكِلَ عَلَيْهَا وَإِيَّاهَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَا تَوَكَّلَ مَنِ اسْتَرْقَى وَلَا يُكْرَهُ مِنْهَا مَا كَانَ فِي خِلَافِ ذَلِكَ كَالتَّعَوُّذِ بِالْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالرُّقَى الْمَرْوِيَّةِ وَلِذَلِكَ قَالَ لِلَّذِي رَقَى بِالْقُرْآنِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَجْرًا مَنْ أَخَذَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ فَقَدْ أَخَذْتُ بِرُقْيَةِ حَقٍّ وَكَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ إِنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ اعْرِضُوهَا عَلَيَّ فَعَرَضْنَاهَا فَقَالَ لابأس بِهَا إِنَّمَا هِيَ مَوَاثِيقُ كَأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَقَعَ فِيهَا شَيْءٌ مِمَّا كَانُوا يَتَلَفَّظُونَ بِهِ وَيَعْتَقِدُونَهُ مِنَ الشِّرْكِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا كَانَ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ مِمَّا لَا يُعْرَفُ لَهُ تَرْجَمَةٌ وَلَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَّةٍ فَمَعْنَاهُ لَا رُقْيَةَ أَوْلَى وَأَنْفَعَ وَهَذَا كَمَا قِيلَ لَا فَتَى إِلَّا عَلِيٌّ وَقَدْ أَمَرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالرُّقْيَةِ وَسَمِعَ بِجَمَاعَةٍ يَرْقُونَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ هُمُ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَهَذِهِ مِنْ صِفَةِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُعْرِضِينَ عَنْ أَسْبَابِ الدُّنْيَا الَّذِينَ لَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ عَلَائِقِهَا وَتِلْكَ دَرَجَةُ الْخَوَاصِّ لَا يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ فَأَمَّا الْعَوَامُّ فَمُرَخَّصٌ لَهُمْ فِي التَّدَاوِي وَالْمُعَالَجَاتِ وَمَنْ صَبَرَ عَلَى الْبَلَاءِ وَانْتَظَرَ الْفَرَجَ مِنَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْخَوَاصِّ وَمَنْ لَمْ يَصْبِرْ رُخِّصَ لَهُ فِي الرُّقْيَةِ وَالْعِلَاجِ وَالدَّوَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّ الصِّدِّيقَ لَمَّا تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ عِلْمًا مِنْهُ بِيَقِينِهِ وَصَبْرِهِ وَلَمَّا أَتَاهُ الرَّجُلُ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الْحَمَامِ مِنَ الذَّهَبِ وَقَالَ لَا أَمْلِكُ غَيْرَهُ ضَرَبَهُ بِهِ بِحَيْثُ لَوْ أَصَابَهُ لَعَقَرَهُ وَقَالَ فِيهِ مَا قَالَ انْتَهَى مَا قَالَهُ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّقْيَةِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ) قَوْلُهُ [2058] (يَتَعَوَّذُ مِنَ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ) أَيْ يَقُولُ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ (حَتَّى

باب ما جاء في الرقية من العين

نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ أَيْ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقل أعوذ برب الناس (أَخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا) مِمَّا كَانَ يَتَعَوَّذُ بِهِ مِنَ الْكَلَامِ غَيْرِ الْقُرْآنِ لِمَا تَضَمَّنَتَاهُ مِنَ الِاسْتِعَاذَةِ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ قوله (وفي الباب عن أنس) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَالضِّيَاءُ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ الْعَيْنِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ أَصَابَتْ فُلَانًا عَيْنٌ إِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ عَدُوٌّ أَوْ حَسُودٌ فَأَثَّرَتْ فِيهِ فَمَرِضَ بِسَبَبِهَا يُقَالُ عَانَهُ يَعِينُهُ عَيْنًا فَهُوَ عَائِنٌ إِذَا أَصَابَهُ بِالْعَيْنِ وَالْمُصَابُ مَعِينٌ انْتَهَى قَوْلُهُ [2059] (عَنْ عُرْوَةَ وَهُوَ أبو حاتم بن عَامِرٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُرْوَةُ بْنُ عَامِرٍ الْمَكِّيُّ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ لَهُ حَدِيثٌ فِي الطيرة وذكره بن حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ رِفَاعَةَ الزُّرَقِيِّ) وَيُقَالُ فِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ قَوْلُهُ (أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ) بالتصغير (إن ولد جعفر) قال القارىء بِضَمِّ وَاوٍ فَسُكُونِ لَامٍ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِفَتْحِهِمَا أَيْ أَوْلَادَ جَعْفَرٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (تُسْرِعُ) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَيُفْتَحُ أَيْ تَعْجَلُ (إِلَيْهِمُ الْعَيْنُ) أَيْ تُؤَثِّرُ فِيهِمْ سَرِيعًا لِكَمَالِ حُسْنِهِمِ الصُّورِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ وَالْعَيْنُ نَظَرٌ بِاسْتِحْسَانٍ مَشُوبٍ بِحَسَدٍ مِنْ خَبِيثِ الطَّبْعِ يَحْصُلُ لِلْمَنْظُورِ مِنْهُ ضَرَرٌ قَالَهُ الْحَافِظُ (أَفَأَسْتَرْقِي لَهُمْ) أَيْ أَطْلُبُ الرُّقْيَةَ أَوْ مَنْ يَرْقِي لَهُمْ (فَإِنَّهُ) تَعْلِيلٌ لِلْجَوَابِ وَمَعْنَاهُ نَعَمْ

اسْتَرْقِي عَنِ الْعَيْنِ فَإِنَّهَا أَوْلَى وَأَحْرَى بِأَنْ تَسْتَرْقِيَ (لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقُ الْقَدَرِ) أَيْ غالبه في السبق (لسبقته العين) أي لغلته الْعَيْنُ قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَعْنَى إِنْ فُرِضَ شَيْءٌ لَهُ قُوَّةٌ وَتَأْثِيرٌ عَظِيمٌ سَبَقَ الْقَدْرَ لَكَانَ عَيْنًا وَالْعَيْنُ لَا يُسْبَقُ فَكَيْفَ بِغَيْرِهَا انْتَهَى وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَيْنَ يَفْسُدُ وَيَهْلَكُ عِنْدَ نَظَرِ الْعَائِنِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ أَنْ يَخْلُقَ الضَّرَرَ عِنْدَ مُقَابَلَةِ هَذَا الشَّخْصِ لِشَخْصٍ آخَرَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي الرُّقْيَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي وبن مَاجَهْ وَالطَّحَاوِيُّ 8 - قَوْلُهُ [2060] (يَقُولُ أُعِيذُكُمَا) هَذَا بَيَانٌ وَتَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يُعَوِّذُ (بِكَلِمَاتِ اللَّهِ) قِيلَ هِيَ الْقُرْآنُ وَقِيلَ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ (التَّامَّةِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ إنما وصف كلام بِالتَّمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي شَيْءٍ مِنْ كَلَامِهِ نَقْصٌ أَوْ عَيْبٌ كَمَا يَكُونُ فِي كَلَامِ النَّاسِ وَقِيلَ مَعْنَى التَّمَامِ ها هنا أَنَّهَا تَنْفَعُ الْمُتَعَوِّذَ بِهَا وَتَحْفَظُهُ مِنَ الْآفَاتِ وَتَكْفِيهِ انْتَهَى (مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ) الْهَامَّةُ كُلُّ ذَاتِ سُمٍّ يَقْتُلُ وَالْجَمْعُ الْهَوَامُّ فَأَمَّا مَا يَسُمُّ وَلَا يَقْتُلُ فَهُوَ السَّامَّةُ كَالْعَقْرَبِ وَالزُّنْبُورِ وَقَدْ يَقَعُ الْهَوَامُّ عَلَى مَا يَدِبُّ مِنَ الْحَيَوَانِ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ كَالْحَشَرَاتِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ) أَيْ مِنْ عَيْنٍ تُصِيبُ بِسُوءٍ

باب ما جاء أن العين حق

قال في النهاية اللهم طَرَفٌ مِنَ الْجُنُونِ يُلِمُّ بِالْإِنْسَانِ أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ وَيَعْتَرِيهِ وَمِنْهُ حَدِيثُ الدُّعَاءِ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ كُلِّ سَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ أَيْ ذَاتِ لَمَمٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ مُلِمَّةٍ وَأَصْلُهَا مِنْ أَلْمَمْتُ بِالشَّيْءِ لِيُزَاوِجَ قَوْلَهُ مِنْ شَرِّ كُلِّ سَامَّةٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ 9 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ) أَيِ الْإِصَابَةُ بِالْعَيْنِ شَيْءٌ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ أَوْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَحَقَّقَ كَوْنُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ أَخَذَ الْجُمْهُورُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَأَنْكَرَهُ طَوَائِفُ الْمُبْتَدِعَةِ لِغَيْرِ مَعْنًى لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ لَيْسَ مُحَالًا فِي نَفْسِهِ وَلَا يُؤَدِّي إِلَى قَلْبِ حَقِيقَةٍ وَلَا إِفْسَادِ دَلِيلٍ فَهُوَ مِنْ مُتَجَاوِزَاتِ الْعُقُولِ فَإِذَا أَخْبَرَ الشَّرْعُ بِوُقُوعِهِ لَمْ يَكُنْ لِإِنْكَارِهِ مَعْنًى وَهَلْ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ إِنْكَارِهِمْ هَذَا وَإِنْكَارِهِمْ مَا يُخْبِرُ بِهِ مِنْ أُمُورُ الْآخِرَةِ قَوْلُهُ [2061] (أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ) هُوَ الْفَلَّاسُ الصَّيْرَفِيُّ الْبَاهِلِيُّ الْبَصْرِيُّ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرِ) بْنُ دِرْهَمٍ (أَبُو غَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ) مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرْنَا أَبُو غَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ بِزِيَادَةِ لَفْظِ نا بَيْنَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو غَسَّانَ الْعَنْبَرِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ) هُوَ الْهُنَائِيُّ (عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ) هُوَ الطَّائِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو نَصْرٍ الْيَمَامِيُّ (حَدَّثَنِي حَيَّةُ بْنُ حَابِسٍ) بِمُهْمَلَتَيْنِ وَقَبْلَ السِّينِ مُوَحَّدَةٌ التَّمِيمِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (حَدَّثَنِي أَبِي) أَيْ حَابِسٌ التَّمِيمِيُّ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم روى عنه إبنه حية حديث لاشيء فِي الْهَامِّ صَرَّحَ الْبُخَارِيُّ بِسَمَاعِهِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبِعَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيُّ فِي الصَّحَابَةِ وَقَالَ لَا أَعْلَمُ

لَهُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى قَوْلُهُ (لَا شَيْءَ فِي الْهَامِّ) أَيْ لَا شَيْءَ مِمَّا يَعْتَقِدُونَ فِي الْهَامِّ قَالَ النَّوَوِيُّ الْهَامَةُ هِيَ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي لَمْ يَذْكُرِ الْجُمْهُورُ غَيْرَهُ وَقِيلَ بِتَشْدِيدِهَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ الْإِمَامِ فِي اللُّغَةِ قَالَ وَفِيهَا تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَتَشَاءَمُ بِهَا وَهِيَ الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ وَقِيلَ هِيَ الْبُومَةُ قَالُوا كَانَتْ إِذَا سَقَطَتْ عَلَى دَارِ أَحَدِهِمْ فَرَآهَا نَاعِيَةً لَهُ نَفْسَهُ أَوْ بَعْضَ أَهْلِهِ وَهَذَا تَفْسِيرُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالثَّانِي أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ عِظَامَ الْمَيِّتِ وَقِيلَ رُوحُهُ يَنْقَلِبُ هَامَةً تَطِيرُ وَهَذَا تَفْسِيرُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ النَّوْعَيْنِ فَإِنَّهُمَا جَمِيعًا بَاطِلَانِ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْطَالَ ذَلِكَ وَضَلَالَةَ الْجَاهِلِيَّةِ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ ذَلِكَ (وَالْعَيْنُ) أَيْ أَثَرُهَا (حَقٌّ) لَا بِمَعْنَى أَنَّ لَهَا تَأْثِيرًا بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهَا سَبَبٌ عَادِيٌّ كَسَائِرِ الْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ نَظَرِ الْعَائِنِ إِلَى شَيْءٍ وَإِعْجَابِهِ مَا شَاءَ مِنْ أَلَمٍ أَوْ هَلَكَةٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ الطَّبَائِعِيِّينَ الْمُثْبِتِينَ لِلْعَيْنِ أَنَّ الْعَائِنَ تَنْبَعِثُ مِنْ عَيْنِهِ قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ تَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ فَيَهْلِكُ أَوْ يَفْسُدُ قَالُوا وَلَا يَمْتَنِعُ هَذَا كَمَا لَا يَمْتَنِعُ انْبِعَاثُ قُوَّةٍ سُمِّيَّةٍ مِنَ الْأَفْعَى وَالْعَقْرَبِ تَتَّصِلُ بِاللَّدِيغِ فَيَهْلِكُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْسُوسٍ لَنَا فَكَذَا الْعَيْنُ قَالَ وَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّا بَيَّنَّا فِي كُتُبِ عِلْمِ الْكَلَامِ أَنْ لَا فَاعِلَ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَبَيَّنَّا فَسَادَ الْقَوْلِ بِالطَّبَائِعِ وَبَيَّنَّا أَنَّ الْمُحْدَثَ لَا يَفْعَلُ فِي غَيْرِهِ شَيْئًا وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا بَطَلَ مَا قَالُوهُ ثُمَّ تَقُولُ هَذَا الْمُنْبَعِثُ مِنَ الْعَيْنِ إِمَّا جَوْهَرٌ وَإِمَّا عَرَضٌ فَبَاطِلٌ أَنْ يَكُونَ عَرَضًا لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ وَبَاطِلٌ أَنْ يَكُونَ جَوْهَرًا لِأَنَّ الْجَوَاهِرَ مُتَجَانِسَةٌ فَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا لِبَعْضِهَا بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ فَبَطَلَ مَا قالوه قال أو قرب طَرِيقَةٍ قَالَهَا مَنْ يَنْتَحِلُ الْإِسْلَامَ مِنْهُمْ أَنْ قالوا لا يبعد أن تنبعث جواهرلطيفة غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ مِنَ الْعَيْنِ فَتَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ وَتَتَخَلَّلُ مَسَامَّ جِسْمِهِ فَيَخْلُقُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْهَلَاكَ عِنْدَهَا كَمَا يَخْلُقُ الْهَلَاكَ عِنْدَ شُرْبِ السُّمِّ عَادَةٌ أَجْرَاهَا اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَتْ ضَرُورَةً وَلَا طبيعة إلجاء الْعَقْلُ إِلَيْهَا وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْعَيْنَ إِنَّمَا تُفْسِدُ وَتُهْلِكُ عِنْدَ نَظَرِ الْعَائِنِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَادَةَ أَنْ يَخْلُقَ الضَّرَرَ عِنْدَ مُقَابَلَةِ هَذَا الشَّخْصِ لِشَخْصٍ آخَرَ وَهَلْ ثَمَّ جَوَاهِرُ خَفِيَّةٌ أَمْ لَا هَذَا مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْعُقُولِ لَا يُقْطَعُ فِيهِ بِوَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَإِنَّمَا يُقْطَعُ بِنَفْيِ الْفِعْلِ عَنْهَا وَبِإِضَافَتِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ قَطَعَ مِنْ أَطِبَّاءِ الْإِسْلَامِ بِانْبِعَاثِ الْجَوَاهِرِ فَقَدْ أَخْطَأَ فِي قَطْعِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الْجَائِزَاتِ

قَوْلُهُ [2062] (أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ) بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ كَانَ يَحْفَظُ مِنَ التاسعة (أخبرنا وهيب) بالتصغير بن خَالِدِ بْنِ عَجْلَانَ الْبَاهِلِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ لَكِنَّهُ تَغَيَّرَ قَلِيلًا بِأَخَرَةٍ من السابعة كذا في التقريب (عن بن طَاوُسٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُسِ بْنِ كَيْسَانَ الْيَمَانِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ فَاضِلٌ عَابِدٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ) بِالتَّحْرِيكِ أَيْ لَوْ أَمْكَنَ أَنْ يَسْبِقَ شَيْءٌ الْقَدَرَ فِي إِفْنَاءِ شَيْءٍ وَزَوَالِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ الْمُقَدَّرِ لَهُ (لَسَبَقَتْهُ) أَيِ الْقَدَرَ (الْعَيْنُ) لَكِنَّهَا لَا تَسْبِقُ الْقَدَرَ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدَّرَ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ الْخَلْقِ قَالَ الْحَافِظُ جَرَى الْحَدِيثُ مَجْرَى الْمُبَالَغَةِ فِي إِثْبَاتِ الْعَيْنِ لَا أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَرُدَّ الْقَدَرَ شَيْءٌ إِذِ الْقَدَرُ عبارة عن سابق علم الله وهو لاراد لِأَمْرِهِ وَحَاصِلُهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ شَيْئًا لَهُ قُوَّةٌ بِحَيْثُ يَسْبِقُ الْقَدَرَ لَكَانَ الْعَيْنَ لَكِنَّهَا لَا تَسْبِقُ فَكَيْفَ غَيْرُهَا انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ إِثْبَاتُ الْقَدَرِ وَهُوَ حَقٌّ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى حَسَبِ ما قدرها الله تعالى وسبق بها عمله فَلَا يَقَعُ ضَرَرُ الْعَيْنِ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ إِلَّا بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ صِحَّةُ أَمْرِ الْعَيْنِ وَأَنَّهَا قَوِيَّةُ الضَّرَرِ انْتَهَى (وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ إِذَا طُلِبْتُمْ لِلِاغْتِسَالِ (فَاغْسِلُوا) أَطْرَافَكُمْ عِنْدَ طَلَبِ الْمَعْيُونِ ذَلِكَ مِنَ الْعَائِنِ وَهَذَا كَانَ أَمْرًا مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَمْتَنِعُوا مِنْهُ إِذَا أُرِيدَ مِنْهُمْ وَأَدْنَى مَا فِي ذَلِكَ رَفْعُ الْوَهْمِ الْحَاصِلِ فِي ذَلِكَ وَظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ فِيهِ خِلَافًا وَصَحَّحَ الْوُجُوبَ وَقَالَ مَتَى خُشِيَ الْهَلَاكُ وَكَانَ اغْتِسَالُ الْعَائِنِ مِمَّا جَرَتِ الْعَادَةُ بِالشِّفَاءِ بِهِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَذْلِ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ وَهَذَا أَوْلَى وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ صِفَةَ الِاغْتِسَالِ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حنيف عند أحمد والنسائي وصححه بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ وَسَارُوا مَعَهُ نَحْوَ مَاءٍ حَتَّى إِذَا كَانُوا بشعب الخرار من الحجفة اغْتَسَلَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَكَانَ أَبْيَضَ حَسَنَ الْجِسْمِ وَالْجِلْدِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ فليط أَيْ صُرِعَ وَزْنًا وَمَعْنًى أَيْ سَهْلٌ فَأَتَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هَلْ تَتَّهِمُونَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ قَالُوا عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ فَدَعَا عَامِرًا فَتَغَيَّظَ عَلَيْهِ فَقَالَ علام يقتل أحدكم أخاه هلا إذ رَأَيْتَ مَا يُعْجِبُكَ بَرَّكْتَ ثُمَّ قَالَ اغْتَسِلْ لَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ فِي قَدَحٍ ثُمَّ يَصُبُّ ذَلِكَ الْمَاءَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ ثُمَّ يُكْفَأُ الْقَدَحُ فَفَعَلَ بِهِ

ذَلِكَ فَرَاحَ سَهْلٌ مَعَ النَّاسِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ لَفْظُ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ عن الزهري ولفظ النسائي من رواية بن أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا السَّنَدِ أَنَّهُ يَصُبُّ صَبَّةً عَلَى وَجْهِهِ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَكَذَلِكَ سَائِرَ أَعْضَائِهِ صَبَّةً صَبَّةً فِي الْقَدَحِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ ثُمَّ يَكْفَأُ الْقَدَحَ وَرَاءَهُ عَلَى الأرض ووقع في رواية بن ماجة من طريق بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ مَرَّ بِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَلْيَدْعُ بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ قَالَ سُفْيَانُ قَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَمَرَ أَنْ يَكْفَأَ الْإِنَاءَ مِنْ خَلْفِهِ قَالَ الْمَازِرِيُّ الْمُرَادُ بِدَاخِلَةِ الْإِزَارِ الطَّرَفُ الْمُتَدَلِّي الَّذِي يَلِي حِقْوَهُ الْأَيْمَنَ وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ دَاخِلَةَ الْإِزَارِ كِنَايَةٌ عَنِ الْفَرْجِ انْتَهَى وَزَادَ عِيَاضٌ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَلِي جَسَدَهُ مِنَ الْإِزَارِ وَقِيلَ أَرَادَ مَوْضِعَ الْإِزَارِ مِنَ الْجَسَدِ وَقِيلَ أَرَادَ وِرْكَهُ لِأَنَّهُ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَالْحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ وَفِيهِ عَنْ مَالِكٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ يَقُولُ اغْتَسَلَ سَهْلٌ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَفِيهِ فَنَزَعَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ يَنْظُرُ فَقَالَ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ وَلَا جِلْدَ عَذْرَاءَ فَوُعِكَ سَهْلٌ مَكَانَهُ وَاشْتَدَّ وَعْكُهُ وَفِيهِ أَلَا بَرَّكْتَ إِنَّ الْعَيْنَ حَقٌّ تَوَضَّأْ لَهُ فَتَوَضَّأَ لَهُ عَامِرٌ فَرَاحَ سَهْلٌ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ تَنْبِيهٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَعْلِيلُهُ وَمَعْرِفَةُ وَجْهِهِ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ فَلَا يُرَدُّ لكونه لا يعقل معناه وقال بن الْعَرَبِيِّ إِنْ تَوَقَّفَ مُتَشَرِّعٌ قُلْنَا لَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَقَدْ عَضَّدَتْهُ التَّجْرِبَةُ وَصَدَّقَتْهُ الْمُعَايَنَةُ أَوْ مُتَفَلْسِفٌ فَالرَّدُّ عَلَيْهِ أَظْهَرُ لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ الْأَدْوِيَةَ تَفْعَلُ بِقُوَاهَا وَقَدْ تَفْعَلُ بِمَعْنًى لَا يُدْرَكُ وَيُسَمُّونَ مَا هَذَا سَبِيلُهُ الْخَوَاصَّ وقال بن الْقَيِّمِ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا مَنْ أَنْكَرَهَا وَلَا مَنْ سَخِرَ مِنْهَا وَلَا مَنْ شَكَّ فِيهَا أَوْ فَعَلَهَا مُجَرِّبًا غَيْرَ مُعْتَقِدٍ وَإِذَا كَانَ فِي الطَّبِيعَةِ خَوَاصُّ لَا يَعْرِفُ الْأَطِبَّاءُ عِلَلَهَا بَلْ هِيَ عِنْدَهُمْ خَارِجَةٌ عَنِ الْقِيَاسِ وَإِنَّمَا تَفْعَلُ بِالْخَاصِّيَّةِ فَمَا الَّذِي تُنْكِرُ جَهَلَتُهُمْ مِنَ الْخَوَاصِّ الشَّرْعِيَّةِ هَذَا مَعَ أَنَّ فِي الْمُعَالَجَةِ بِالِاغْتِسَالِ مُنَاسَبَةً لَا تَأْبَاهَا الْعُقُولُ الصَّحِيحَةُ فَهَذَا تِرْيَاقُ سُمِّ الْحَيَّةِ يُؤْخَذُ مِنْ لَحْمِهَا وَهَذَا عِلَاجُ النَّفْسِ الْغَضَبِيَّةِ تُوضَعُ الْيَدُ عَلَى بَدَنِ الْغَضْبَانِ فَيَسْكُنُ فَكَأَنَّ أَثَرَ تِلْكَ الْعَيْنِ كَشُعْلَةِ نَارٍ وَقَعَتْ عَلَى جَسَدٍ فَفِي الِاغْتِسَالِ إِطْفَاءٌ لِتِلْكَ الشُّعْلَةِ ثُمَّ لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ الْخَبِيثَةُ تَظْهَرُ فِي الْمَوَاضِعِ الرَّقِيقَةِ مِنَ الْجَسَدِ لِشِدَّةِ النُّفُوذِ فِيهَا وَلَا شَيْءَ أَرَقُّ مِنَ الْمَغَابِنِ فَكَانَ فِي غَسْلِهَا إِبْطَالٌ لِعَمَلِهَا وَلَا سِيَّمَا أَنَّ لِلْأَرْوَاحِ الشَّيْطَانِيَّةِ فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ اخْتِصَاصًا وَفِيهِ أَيْضًا وُصُولُ أَثَرِ الْغَسْلِ إِلَى الْقَلْبِ مِنْ أَرَقِّ الْمَوَاضِعِ وَأَسْرَعِهَا نفاذا فتنطفىء تِلْكَ النَّارُ الَّتِي أَثَارَتْهَا الْعَيْنُ بِهَذَا الْمَاءِ وَهَذَا الْغَسْلُ الْمَأْمُورُ بِهِ يَنْفَعُ بَعْدَ اسْتِحْكَامِ النَّظْرَةِ فَأَمَّا عِنْدَ الْإِصَابَةِ وَقَبْلَ الِاسْتِحْكَامِ فَقَدْ أَرْشَدَ الشَّارِعُ إِلَى مَا يَدْفَعُهُ بِقَوْلِهِ فِي قِصَّةِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الْمَذْكُورَةِ كَمَا مَضَى ألا بركت عليه وفي رواية بن ماجة فليدع بالبركة ومثله عند بن

باب ما جاء في أخذ الأجر على التعويذ

السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَأَخْرَجَهُ البزار وبن السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ مَنْ رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ لَمْ يَضُرَّهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ (وَحَدِيثُ حَيَّةَ بْنِ حَابِسٍ حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ (وَرَوَى شيبان) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيُّ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَخْذِ الْأَجْرِ عَلَى التَّعْوِيذِ) قَوْلُهُ [2063] (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ) كُنْيَتُهُ أَبُو بِشْرِ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَثْقِيلِ التَّحْتَانِيَّةِ ثِقَةٌ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَضَعَّفَهُ شُعْبَةُ فِي حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ وَفِي مُجَاهِدٍ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي نَضِرَةَ) هُوَ الْعَبْدِيُّ قَوْلُهُ (بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ فَنَزَلْنَا بِقَوْمٍ) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ بَعَثَ سَرِيَّةً عَلَيْهَا أَبُو سَعِيدٍ وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عِنْدَ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا فَنَزَلْنَا بِقَوْمٍ لَيْلًا فَأَفَادَتْ عَدَدَ السَّرِيَّةِ وَوَقْتَ النُّزُولِ كَمَا أَفَادَتْ رِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ تَعْيِينَ أَمِيرِ السَّرِيَّةِ (فَسَأَلْنَاهُمُ الْقِرَى) بِكَسْرِ الْقَافِ مَقْصُورًا الضِّيَافَةَ (فَلَمْ يَقْرُونَا) أَيْ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ قَرَى الضَّيْفَ قِرًى بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَالْمَدِّ أَضَافَهُ كَاقْتَرَاهُ (فَلُدِغَ سَيِّدُهُمْ) بِضَمِّ اللَّامِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَاللَّدْغُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ اللَّسْعُ وَزْنًا وَمَعْنًى وَأَمَّا اللَّذْعُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ الْإِحْرَاقُ الْخَفِيفُ وَاللَّدْغُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ ضَرْبُ ذَاتِ

الْحُمَّةِ مِنْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ وَغَيْرِهِمَا وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْعَقْرَبِ وَقَدْ أَفَادَتْ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ تَعْيِينَ الْعَقْرَبِ فَإِنْ قُلْتَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ هُشَيْمٍ أَنَّهُ مُصَابٌ فِي عَقْلِهِ أَوْ لَدِيغٌ قُلْتُ هَذَا شَكٌّ مِنْ هُشَيْمٍ وَرَوَاهُ الْبَاقُونَ أَنَّهُ لَدِيغٌ وَلَمْ يَشُكُّوا خُصُوصًا تَصْرِيحَ الْأَعْمَشِ بِالْعَقْرَبِ فَإِنْ قُلْتَ جَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ وَعِنْدَهُمْ رَجُلٌ مَجْنُونٌ مُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ فَقَالُوا إِنَّكَ جِئْتَ مِنْ عِنْدِ هَذَا الرَّجُلِ بِخَيْرٍ فَارْقِ لَنَا هَذَا الرَّجُلَ وَفِي لَفْظٍ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ عَمِّهِ يَعْنِي عِلَاقَةَ بْنَ صَحَّارٍ أَنَّهُ رَقَى مَجْنُونًا مُوثَقًا بِالْحَدِيدِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ فَبَرَأَ فَأَعْطَوْنِي مِائَتَيْ شَاةً فَأَخْبَرْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خُذْهُمَا وَلَعَمْرِي مَنْ أَكَلَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ فَقَدْ أَكَلْتَ بِرُقْيَةِ حَقٍّ قُلْتُ هُمَا قَضِيَّتَانِ لِأَنَّ الرَّاقِيَ هُنَاكَ أَبُو سَعِيدٍ وَهُنَا عِلَاقَةُ بْنُ صَحَّارٍ وَبَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ (فَأَتَوْنَا) أَيْ فَجَاءُونَا (فَقَالُوا هَلْ فِيكُمْ مَنْ يَرْقِي مِنَ الْعَقْرَبِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَقَاهُ رَقْيًا وَرَقِيًّا نَفَثَ فِي عُوذَتِهِ وَقَالَ فِيهِ الْعُوذَةُ الرُّقْيَةُ كَالْمَعَاذَةِ وَالتَّعْوِيذِ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ (فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ الْحَمْدَ سَبْعَ مَرَّاتٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَانْطَلَقَ يَتْفُلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رب العالمين قَالَ الْحَافِظُ يَتْفُلُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَبِكَسْرِهَا وَهُوَ نفخ معه قليل بزاق قال بن أَبِي حَمْزَةَ مَحَلُّ التَّفْلِ فِي الرُّقْيَةِ يَكُونُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ لِتَحْصِيلِ بَرَكَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الْجَوَارِحِ الَّتِي يَمُرُّ عَلَيْهَا الرِّيقُ فَتَحْصُلُ الْبَرَكَةُ فِي الرِّيقِ الَّذِي يَتْفُلُهُ (فَبَرَأَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَكَأَنَّمَا نَشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قُلْبَةٌ (وَمَا عَلِمْتَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ) أَيْ كَيْفَ عَلِمْتَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمَا يُدْرِيَكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ (وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ) أَيِ اجْعَلُوا لِي مِنْهُ نَصِيبًا وَكَأَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي تَأْنِيسِهِمْ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي قِصَّةِ الْحِمَارِ الْوَحْشِيِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الرقية بشيء

مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَلْحَقُ بِهِ مَا كَانَ مِنَ الدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ أَوْ مِمَّا يُشَابِهُهَا وَلَا يَجُوزُ بِأَلْفَاظٍ مِمَّا لَا يُعْلَمُ مَعْنَاهَا من الألفاظ الغير العربية قال بن الْقَيِّمِ إِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِبَعْضِ الْكَلَامِ خَوَاصَّ وَمَنَافِعَ فَمَا الظَّنُّ بِكَلَامِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ثُمَّ بِالْفَاتِحَةِ الَّتِي لَمْ يَنْزِلْ فِي الْقُرْآنِ وَلَا غَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ مِثْلُهَا لِتَضَمُّنِهَا جَمِيعَ مَعَانِي الْكِتَابِ فَقَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى ذِكْرِ أُصُولِ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَمَجَامِعِهَا وَإِثْبَاتِ الْمَعَادِ وَذِكْرِ التَّوْحِيدِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى الرَّبِّ فِي طَلَبِ الْإِعَانَةِ بِهِ وَالْهِدَايَةِ مِنْهُ وَذِكْرِ أَفْضَلِ الدُّعَاءِ وَهُوَ طَلَبُ الْهِدَايَةِ إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُتَضَمِّنِ كَمَالَ مَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ وَعِبَادَتِهِ بِفِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ وَاجْتِنَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ وَالِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ وَلِتَضَمُّنِهَا ذِكْرَ أَصْنَافِ الْخَلَائِقِ وَقِسْمَتَهُمْ إِلَى مُنْعَمٍ عَلَيْهِ لِمَعْرِفَتِهِ بِالْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ وَمَغْضُوبٍ عَلَيْهِ لِعُدُولِهِ عَنِ الْحَقِّ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ وَخَالٍ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ لَهُ مَعَ مَا تَضَمَّنَهُ مِنْ إِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَالشَّرْعِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَالْمَعَادِ وَالتَّوْبَةِ وَتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَإِصْلَاحِ الْقَلْبِ وَالرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَحَقِيقٌ بِسُورَةٍ هَذَا بَعْضُ شَأْنِهَا أَنْ يُسْتَشْفَى بِهَا مِنْ كُلِّ دَاءٍ انْتَهَى مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ (وَرَخَّصَ الشَّافِعِيُّ لِلْمُعَلِّمِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ أَجْرًا) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَآخَرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَجَازَهُ فِي الرُّقْيَةِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَقَالَ الْحَافِظُ قَدْ نَقَلَ عِيَاضٌ جَوَازَ الِاسْتِئْجَارِ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ عَنِ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا الْحَنَفِيَّةَ انْتَهَى قُلْتُ وَقَدْ أَجَازَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْضًا أَخْذَ الأجرة على تعليم القران ويرى أن يعتد الشَّافِعِيُّ (لَهُ) أَيْ يَجُوزُ لِلْمُعَلِّمِ (أَنْ يَشْتَرِطَ) أَيْ أَخْذَ الْأُجْرَةِ (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى تَعَلُّمِ الْقُرْآنِ وَقَوْلُهُ (وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ) الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الرُّقْيَةِ وَاضِحٌ وَأَمَّا الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيُّ حَيْثُ قَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ جَوَازَ أَخْذِ الْأَجْرِ فِي الرُّقَى يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّعْلِيمِ بِالْأَجْرِ انْتَهَى لَمْ يَذْكُرِ الْقُرْطُبِيُّ سَنَدَ للمنع وَلَا يَظْهَرُ وَجْهٌ صَحِيحٌ لِعَدَمِ التَّسْلِيمِ وَاللَّهُ تعالى أعلم وقد استدل للجمهور بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اذْهَبْ فَقَدْ أنكحتكها بما معك من القران في حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَهَذَا لفظ

الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ اذْهَبْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فعلمها من القران واستدل للجمهور أيضا بحديث بن عَبَّاسٍ إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْحَافِظُ اسْتَدَلَّ به للجمهور فِي جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَخَالَفَ الْحَنَفِيَّةُ فَمَنَعُوهُ فِي التَّعْلِيمِ وَأَجَازُوهُ فِي الرُّقَى كَالدَّوَاءِ قَالُوا لِأَنَّ تَعْلِيمَ الْقُرْآنِ عِبَادَةٌ وَالْأَجْرُ فِيهِ عَلَى اللَّهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الرُّقَى إِلَّا أَنَّهُمْ أَجَازُوهُ فِيهَا لِهَذَا الْخَبَرِ وَحَمَلَ بَعْضُهُمُ الْأَجْرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الثواب وسياق للقصة الَّتِي فِي الْحَدِيثِ يَأْبَى هَذَا التَّأْوِيلَ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ نَسْخَهُ بِالْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْوَعِيدِ عَلَى أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَقَدْ رَوَاهَا أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ إِثْبَاتٌ لِلنَّسْخِ بِالِاحْتِمَالِ وَهُوَ مَرْدُودٌ وَبِأَنَّ الْأَحَادِيثَ لَيْسَ فِيهَا تَصْرِيحٌ بِالْمَنْعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ هِيَ وَقَائِعُ أَحْوَالٍ مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ لِتُوَافِقَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ كَحَدِيثَيِ الباب (يعني حديث بن عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمَ آنِفًا وَحَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ) وَبِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ أَيْضًا لَيْسَ فِيهَا مَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَلَا تُعَارِضُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ استدل الجمهور بحديث بن عَبَّاسٍ عَلَى جَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْرِ هُنَا الثَّوَابُ وَيُرَدُّ بِأَنَّ سِيَاقَ الْقِصَّةِ يَأْبَى ذَلِكَ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ نَسْخَهُ بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ وَبِأَنَّ الْأَحَادِيثَ الْقَاضِيَةَ بِالْمَنْعِ وَقَائِعُ أَعْيَانٍ مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ لِتُوَافِقَ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ كَحَدِيثَيِ الْبَابِ وَبِأَنَّهَا مِمَّا لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ فَلَا تَقْوَى عَلَى مُعَارَضَةِ مَا فِي الصَّحِيحِ وَقَدْ عَرَفْتَ مِمَّا سَلَفَ أَنَّهَا تَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا عَلَى الْمَطْلُوبِ وَالْجَمْعُ مُمْكِنٌ إِمَّا بِحَمْلِ الْأَجْرِ الْمَذْكُورِ هُنَا عَلَى الثَّوَابِ كَمَا سَلَفَ وَفِيهِ مَا تَقَدَّمَ أَوِ الْمُرَادُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَى الرُّقْيَةِ فَقَطْ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ السِّيَاقُ فَيَكُونُ مُخَصِّصًا لِلْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالْمَنْعِ أَوْ يُحْمَلُ الْأَجْرُ هُنَا عَلَى عُمُومِهِ فَيَشْمَلُ الْأَجْرَ عَلَى الرُّقْيَةِ وَالتِّلَاوَةِ وَالتَّعْلِيمِ وَيَخُصُّ أَخْذَهَا عَلَى التَّعْلِيمِ بِالْأَحَادِيثِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَيَجُوزُ مَا عَدَاهُ وَهَذَا أَظْهَرُ وُجُوهِ الْجَمْعِ فَيَنْبَغِي الْمَصِيرُ إِلَيْهِ انْتَهَى قُلْتُ الرِّوَايَاتُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى مَنْعِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ ضِعَافٌ لَا تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهَا بِمَجْمُوعِهَا تَنْتَهِضُ لِلِاحْتِجَاجِ فَالْأَحَادِيثُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الجواز أصح

مِنْهَا وَأَقْوَى ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَقَائِعُ أَحْوَالٍ مُحْتَمِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ فَلَا حَاجَةَ إِلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّوْكَانِيُّ مِنْ وُجُوهِ الْجَمْعِ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ [2064] (مَرُّوا بِحَيٍّ مِنَ الْعَرَبِ) اعْلَمْ أَنَّ طَبَقَاتِ أَنْسَابِ الْعَرَبِ سِتٌّ الشَّعْبُ بِفَتْحِ الشِّينِ وَهُوَ النَّسَبُ الْأَبْعَدُ كَعَدْنَانَ مَثَلًا وَهُوَ أَبُو الْقَبَائِلِ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إِلَيْهِ وَيُجْمَعُ عَلَى شُعُوبٍ وَالْقَبِيلَةُ وَهِيَ مَا انْقَسَمَ بِهِ الشَّعْبُ كَرَبِيعَةَ وَمُضَرَ وَالْعِمَارَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهِيَ مَا انْقَسَمَ فِيهِ أَنْسَابُ الْقَبِيلَةِ كَقُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ وَيُجْمَعُ عَلَى عِمَارَاتٍ وَعَمَائِرَ وَالْبَطْنُ وَهِيَ مَا انْقَسَمَ فِيهِ أَنْسَابُ الْعِمَارَةِ كَبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِي مَخْزُومٍ ويجمع على بطون وأبطن والفخد وَهِيَ مَا انْقَسَمَ فِيهِ أَنْسَابُ الْبَطْنِ كَبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي أُمَيَّةَ وَيُجْمَعُ عَلَى أَفْخَاذٍ وَالْفَصِيلَةُ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ مَا انْقَسَمَ فِيهِ أَنْسَابُ الفخد كَبَنِي الْعَبَّاسِ وَأَكْثَرُ مَا يَدُورُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ مِنَ الطَّبَقَاتِ الْقَبِيلَةُ ثُمَّ الْبَطْنُ وَرُبَّمَا عَبَّرَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّبَقَاتِ السِّتِّ بِالْحَيِّ إِمَّا عَلَى الْعُمُومِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ وَإِمَّا عَلَى الْخُصُوصِ مِثْلَ أَنْ يُقَالَ حَيٌّ مِنْ بَنِي فُلَانٍ وَقَالَ الْهَمْدَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ الشَّعْبُ وَالْحَيُّ بِمَعْنًى (حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ مَا يُعْطَى عَلَى عَمَلٍ (فَجَعَلُوا عَلَى ذَلِكَ قَطِيعًا من غنم) قال بن التِّينِ الْقَطِيعُ الطَّائِفَةُ مِنَ الْغَنَمِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْقَطِيعَ هُوَ الشَّيْءُ الْمُتَقَطِّعُ مِنْ غَنَمٍ كَانَ أَوْ غَيْرِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ الْغَالِبَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ وَالْأَرْبَعِينَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ فَإِنَّا نُعْطِيكُمْ ثَلَاثِينَ شَاةً وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِعَدَدِ السَّرِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ وَكَأَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا عَدَدَهُمْ فَجَعَلُوا الْجُعْلَ بِإِزَائِهِ (وَمَا يُدْرِيكَ) هِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ التَّعَجُّبِ مِنَ الشَّيْءِ وَتُسْتَعْمَلُ فِي تَعْظِيمِ الشَّيْءِ أَيْضًا وَهُوَ لَائِقٌ هُنَا قَالَهُ الْحَافِظُ وَفِي رِوَايَةٍ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَا يُدْرِيكَ أنها رقية قلت ألقي في روعي والدارقطني فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ شَيْءٌ أُلْقِيَ فِي رَوْعِي (وَلَمْ يَذْكُرْ نَهْيًا مِنْهُ) أَيْ مِنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ حَدِيثُ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ (أصح من

باب ما جاء في الرقى والأدوية

حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هذا وقال بن مَاجَهْ إِنَّهَا يَعْنِي طَرِيقَ شُعْبَةَ الصَّوَابُ وَرَجَّحَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَلَمْ يُرَجِّحْ فِي السُّنَنِ شَيْئًا وَكَذَا النَّسَائِيُّ وَالَّذِي يَتَرَجَّحُ فِي نَقْدِي أَنَّ الطَّرِيقَيْنِ مَحْفُوظَانِ لِاشْتِمَالِ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَلَى زِيَادَاتٍ فِي الْمَتْنِ لَيْسَتْ فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ وَمَنْ تَابَعَهُ فَكَأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ أَبِي بِشْرٍ عَنْ شَيْخَيْنِ فَحَدَّثَ بِهِ تَارَةً عَنْ هَذَا وتارة عن هذا ولم يصب بن الْعَرَبِيِّ فِي دَعْوَاهُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُضْطَرِبٌ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا مَعْبَدُ بْنُ سِيرِينَ كَمَا سَيَأْتِي فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ قَتَّةَ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ انْتَهَى 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّقَى وَالْأَدْوِيَةِ) قَوْلُهُ [2065] (عَنْ أَبِي خِزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ) اسْمُهُ يَعْمُرُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَجْرِيدِ أَسْمَاءِ الصَّحَابَةِ يَعْمُرُ السَّعْدِيُّ سَعْدُ هُذَيْمٍ وَالِدُ أَبِي خِزَامَةَ أَنَّهُ قَالَ أَرَأَيْتُ دَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ أَوْ رُقًى نَسْتَرْقِي بِهَا هَلْ يَرُدُّ ذَلِكَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا إِلَخْ) يَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ لَا تَرُدُّ الرُّقَى وَالدَّوَاءُ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا مِنْ أَبْوَابِ الْقَدَرِ وَيَأْتِي هُنَاكَ شَرْحُهُ قَوْلُهُ (عن بن أَبِي خِزَامَةَ) مَجْهُولٌ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ وَغَيْرِهِ (وقد روى عن بن عُيَيْنَةَ كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ) يَعْنِي عَنْ أَبِي خِزَامَةَ عن أبيه وبن أَبِي خِزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ

باب ما جاء في الكمأة والعجوة

22 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْكَمْأَةِ وَالْعَجْوَةِ) الْكَمْأَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهُمَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِي الْعَامَّةِ مَنْ لَا يَهْمِزُهُ وَاحِدَةُ الْكَمْأَةِ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مثل تمرة وتمر وعكس بن الْأَعْرَابِيِّ فَقَالَ الْكَمْأَةُ الْجَمْعُ وَالْكَمَأُ الْوَاحِدُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَالَ وَلَمْ يَقَعْ فِي كَلَامِهِمْ نَظِيرُ هَذَا سِوَى خَبْأَةٌ وَخَبْءٌ وَقِيلَ الْكَمْأَةُ قَدْ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَعَلَى الْجَمْعِ وَقَدْ جَمَعُوهَا عَلَى أَكْمُؤٍ قَالَ الشَّاعِرُ وَلَقَدْ جَنَيْتُكِ أَكْمُؤًا وَعَسَاقِلَا وَالْعَسَاقِلُ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَقَافٍ وَلَامٍ الشَّرَابُ وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَكْمُؤَ مَحَلُّ وُجْدَانِهَا الْفَلَوَاتُ وَالْكَمْأَةُ نَبَاتٌ لَا وَرَقَ لَهَا وَلَا سَاقَ تُوجَدُ فِي الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُزْرَعَ وَالْعَرَبُ تُسَمَّى الْكَمْأَةَ أَيْضًا نَبَاتُ الرَّعْدِ لِأَنَّهَا تَكْثُرُ بِكَثْرَتِهِ ثُمَّ تَنْفَطِرُ عَنْهَا الْأَرْضُ وَهِيَ كَثِيرَةٌ بِأَرْضِ الْعَرَبِ وَتُوجَدُ بِالشَّامِ وَمِصْرَ فَأَجْوَدُهَا مَا كَانَتْ أَرْضُهُ رَمْلَةً قَلِيلَةَ الْمَاءِ وَمِنْهَا صِنْفٌ قَتَّالٌ يَضْرِبُ لَوْنُهُ إِلَى الْحُمْرَةِ وَهِيَ بَارِدَةٌ رَطْبَةٌ فِي الثَّانِيَةِ رَدِيئَةٌ لِلْمَعِدَةِ بَطِيئَةُ الْهَضْمِ وَإِدْمَانُ أَكْلِهَا يُورِثُ الْقُولَنْجَ وَالسِّكْتَةَ وَالْفَالِجَ وَعُسْرَ الْبَوْلِ وَالرَّطْبُ مِنْهَا أَقَلُّ ضَرَرًا مِنَ الْيَابِسِ وَإِذَا دُفِنَتْ فِي الطِّينِ الرَّطْبِ ثُمَّ سُلِقَتْ بِالْمَاءِ وَالْمِلْحِ وَالسَّعْتَرِ وَأُكِلَتْ بِالزَّيْتِ وَالتَّوَابِلِ الْحَارَّةِ قَلَّ ضَرَرُهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَفِيهَا جَوْهَرٌ مَائِيٌّ لَطِيفٌ بِدَلِيلِ خِفَّتِهَا فَلِذَلِكَ كَانَ مَاؤُهَا شِفَاءً لِلْعَيْنِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَيُقَالُ لِلْكَمْأَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ سماروغ وَبِالْهِنْدِيَّةِ كهمبي وَالْعَجْوَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ الْجِيَادِ بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ قَوْلُهُ [2066] (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ) هُوَ الضُّبَعِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ (الْعَجْوَةُ) هِيَ نَوْعٌ مِنْ تَمْرِ الْمَدِينَةِ يَضْرِبُ إِلَى السواد من غرس للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي

النِّهَايَةِ (مِنَ الْجَنَّةِ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ يَعْنِي هَذِهِ الْعَجْوَةَ تُشْبِهُ عَجْوَةَ الْجَنَّةِ فِي الشَّكْلِ وَالِاسْمِ لَا فِي اللَّذَّةِ وَالطَّعْمِ انْتَهَى وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ فَضْلِ الْعَجْوَةِ عَلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ التَّمْرِ لِأَنَّهَا مِنْ أَنْفَعْ تَمْرِ الْحِجَازِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ صِنْفٌ كَرِيمٌ مُلَذَّذٌ مَتِينٌ لِلْجِسْمِ وَالْقُوَّةِ مِنْ أَلْيَنِ التَّمْرِ وَأَطْيَبِهِ وَأَلَذِّهِ (وَفِيهَا شِفَاءٌ مِنَ السُّمِّ) إِمَّا لِخَاصِّيَّةِ هَذَا النَّوْعِ أَوْ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ) قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَكَثِيرُونَ شَبَّهَهَا بِالْمَنِّ الَّذِي كَانَ يَنْزِلُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ لَهُمْ بِلَا كُلْفَةٍ وَلَا عِلَاجٍ وَالْكَمْأَةُ تَحْصُلُ بِلَا عِلَاجٍ وَلَا كُلْفَةٍ وَلَا زَرْعِ بِزْرٍ وَلَا سَقْيٍ وَلَا غَيْرِهِ وَقِيلَ هِيَ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَقِيقَةً عَمَلًا بِظَاهِرِ اللَّفْظِ انْتَهَى (وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ) أَيْ شِفَاءٌ لِدَاءِ الْعَيْنِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قِيلَ هُوَ نَفْسُ الْمَاءِ مُجَرَّدًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يُخْلَطَ مَاؤُهَا بِدَوَاءٍ وَيُعَالِجَ بِهِ الْعَيْنَ وَقِيلَ إِنْ كَانَ لِتَبْرِيدِ مَا فِي الْعَيْنِ مِنْ حَرَارَةٍ فَمَاؤُهَا مُجَرَّدًا شِفَاءٌ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَمُرَكَّبٌ مَعَ غَيْرِهِ وَالصَّحِيحُ بَلِ الصَّوَابُ أَنَّ مَاءَهَا مُجَرَّدًا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ مُطْلَقًا فَيُعْصَرُ مَاؤُهَا وَيُجْعَلُ فِي الْعَيْنِ مِنْهُ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا وَغَيْرِي فِي زَمَنِنَا مَنْ كَانَ عَمِيَ وَذَهَبَ بَصَرُهُ حَقِيقَةً فَكَحَّلَ عَيْنَهُ بِمَاءِ الْكَمْأَةِ مُجَرَّدًا فَشُفِيَ وَعَادَ إِلَيْهِ بَصَرُهُ وَهُوَ الشَّيْخُ الْعَدْلُ الْأَمِينُ الْكَمَالُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدِّمَشْقِيُّ صَاحِبُ صَلَاحٍ وَرِوَايَةٍ لِلْحَدِيثِ وَكَانَ اسْتِعْمَالُهُ لِمَاءِ الْكَمْأَةِ اعْتِقَادًا فِي الْحَدِيثِ وَتَبَرُّكًا بِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وحديث جابر فأخرجهما أحمد والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ [2067] (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ) هُوَ اللَّخْمِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ) بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ الْقُرَشِيِّ الْمَخْزُومِيِّ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ سَعِيدُ بْنُ زيد بن عمرو بن نفيل العدوي أحد العشرة

الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلَّهَا بَعْدَ بَدْرٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا فِي الصَّحِيحِ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ لَمْ يَشْهَدْهَا لَهُ ثَمَانِيَةٌ وَثَلَاثُونَ حَدِيثًا اتَّفَقَا عَلَى حَدِيثَيْنِ وَانْفَرَدَ الْبُخَارِيُّ بِآخَرَ وَعَنْهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ وَعُرْوَةُ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ فَضَرَبَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَهْمٍ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ طُرُقٍ قَالَ خَلِيفَةُ مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ قَالَ الْوَاقِدِيُّ بِالْعَقِيقِ فَحُمِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ وَالطِّبِّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْأَطْعِمَةِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الطِّبِّ والوليمة والتفسير وبن مَاجَهْ فِي الطِّبِّ قَوْلُهُ [2068] (قَالُوا الْكَمْأَةُ جُدَرِيُّ الْأَرْضِ) بِضَمِّ جِيمٍ وَفَتْحِ دَالٍ وَكَسْرِ رَاءٍ وَتَشْدِيدِ يَاءٍ هُوَ حَبٌّ يَظْهَرُ فِي جَسَدِ الصَّبِيِّ مِنْ فَضَلَاتٍ تَتَضَمَّنُ الْمَضَرَّةَ تَدْفَعُهَا الطَّبِيعَةُ وَيُقَالُ لَهُ بِالْهِنْدِيَّةِ جيجك قَالَ الطِّيبِيُّ شَبَّهُوهَا بِهِ فِي كَوْنِهَا فَضَلَاتٍ تَدْفَعُهَا الْأَرْضُ إِلَى ظَاهِرِهَا ذَمًّا لَهَا (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَمْأَةُ مِنَ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ) قَالَ الطِّيبِيُّ كَأَنَّهُمْ لَمَّا ذَمُّوهَا وَجَعَلُوهَا مِنَ الْفَضَلَاتِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الْمَضَرَّةَ وَتَدْفَعُهَا الْأَرْضُ إِلَى ظَاهِرِهَا كَمَا تَدْفَعُ الطَّبِيعَةُ الْفَضَلَاتِ بِالْجُدَرِيِّ قَابَلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدْحِ بِأَنَّهُ مِنَ الْمَنِّ أَيْ مِمَّا مَنَّ اللَّهُ به عِبَادِهُ أَوْ شَبَّهَهَا بِالْمَنِّ وَهُوَ الْعَسَلُ الَّذِي يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِذْ يَحْصُلُ بِلَا عِلَاجٍ وَاحْتِيَاجٍ إِلَى بَذْرٍ وَسَقْيٍ أَيْ لَيْسَتْ بِفَضَلَاتٍ بَلْ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَمَنِّهِ أَوْ لَيْسَتْ مَضَرَّةً بَلْ شِفَاءً كَالْمَنِّ النَّازِلِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هذا حديث حسن) وأخرجه بن ماجة والطبري من طريق بن الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَثُرَتِ الْكَمْأَةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَامْتَنَعَ قَوْمٌ مِنْ أَكْلِهَا وَقَالُوا هِيَ جُدَرِيُّ الْأَرْضِ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ الْكَمْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ جُدَرِيِّ الْأَرْضِ لَا إِنَّ الْكَمْأَةَ مِنَ الْمَنِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ

قَوْلُهُ [2069] (حُدِّثْتُ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْحَدِيثِ فِيهِ انْقِطَاعٌ (أَخَذْتُ ثَلَاثَةَ أَكْمُؤٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَضَمِّ مِيمٍ فَهَمْزٍ أَيْ ثَلَاثَةَ أَشْخُصٍ مِنْهَا (أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْأَلِفِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ أَوْ خَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ بِغَيْرِ الْأَلِفِ وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ إِلَّا بِالتَّكَلُّفِ فَتَفَكَّرْ (فَعَصَرْتُهُنَّ) أَيْ فِي وِعَاءٍ (فَبَرَأَتْ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَيُكْسَرُ أَيْ شُفِيَتْ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مَوْقُوفٌ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ [2070] (الشُّونِيزُ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا زَايٌ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَيَّدَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا الشِّينَ بِالْفَتْحِ وحكى عياض عن بن الْأَعْرَابِيِّ أَنَّهُ كَسَرَهَا فَأَبْدَلَ الْوَاوَ يَاءً فَقَالَ الشَّيْنِيزُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الشينيز والشونوز والشونيز وَالشَّهْنِيزُ الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ أَوْ فَارِسِيُّ الْأَصْلِ انْتَهَى وَيُقَالُ لَهُ بِالْهِنْدِيَّةِ كلونحي (دَوَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ) قِيلَ أَيْ مِنْ كُلِّ دَاءٍ مِنَ الرُّطُوبَةِ وَالْبَلْغَمِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ حَارٌّ يَابِسٌ فَيَنْفَعُ فِي الْأَمْرَاضِ الَّتِي تُقَابِلُهُ فَهُوَ مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى عُمُومِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِي كُلِّ دَاءٍ بِالتَّرْكِيبِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَعْيِينِ الْعُمُومِ الِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ (إِلَّا السَّامَ) بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ وَمِيمٍ مُخَفَّفَةٍ أَيِ الْمَوْتَ فَإِنَّهُ لَا دَوَاءَ لَهُ وَهَذَا أَيْضًا مَوْقُوفٌ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ (قَالَ قَتَادَةُ) أَيْ فِي كَيْفِيَّةِ اسْتِعْمَالِ الشُّونِيزِ (فَيَنْقَعُهُ) أَيْ فَيُلْقِيهِ فِي الْمَاءِ لِيَبْتَلَّ (فَيَسْتَعِطُ بِهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ سَعَطَهُ الدَّوَاءَ كَمَنَعَهُ وَنَصَرَهُ وَأَسْعَطَهُ إِيَّاهُ سَعْطَةً وَاحِدَةً وَإِسْعَاطَةً وَاحِدَةً أَدْخَلَهُ فِي أَنْفِهِ فَاسْتَعَطَ انْتَهَى (فِي مَنْخَرِهِ الْأَيْمَنِ) فِي الْقَامُوسِ الْمَنْخَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْخَاءِ وَبِكَسْرِهِمَا وَضَمِّهِمَا وَكَمَجْلِسٍ ثُقْبُ الْأَنْفِ (وَالثَّانِي) أَيْ وَالْيَوْمُ الثَّانِي (وَالثَّالِثُ) أَيِ الْيَوْمُ الثَّالِثُ وَقَوْلُ قَتَادَةَ هَذَا لَيْسَ مِنْ مُجَرَّدِ رَأْيِهِ بَلْ وَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ هُنَاكَ

أبواب البيوع

23 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَجْرِ الْكَاهِنِ) قَوْلُهُ [2071] (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ إِلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ مَهْرِ الْبَغْيِ مِنْ أَبْوَابِ النِّكَاحِ وَفِي بَابِ ثَمَنِ الْكَلْبِ مِنْ أَبْوَابِ الْبُيُوعِ 4 - (بَاب ما جاء في كراهية التعليق) قوله [2072] (حدثنا عبيد الله) هو بن موسى العبسي مولاهم الكوفي (عن بن أَبِي لَيْلَى) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ أَخُو عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى (عَنْ عِيسَى وهو بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى) الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَكِيمٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ أَخُوهُ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ (أَبِي مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ) الْكُوفِيِّ مُخَضْرَمٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَقَدْ سَمِعَ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جُهَيْنَةَ مَاتَ فِي إِمْرَةِ الْحَجَّاجِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (وَبِهِ) أَيْ بِعَبْدِ اللَّهِ وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ (حُمْرَةٌ) أَيْ مِمَّا يَعْلُو الْوَجْهَ وَالْجَسَدَ قاله القارىء وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحُمْرَةُ وَرَمٌ مِنْ جِنْسِ الطَّوَاعِينِ (أَلَا تُعَلِّقُ شَيْئًا) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ أَلَا تَتَعَلَّقُ شَيْئًا قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَلَّقَهُ تَعْلِيقًا جَعَلَهُ مُعَلَّقًا لِتَعَلُّقِهِ انْتَهَى وَفِي الْمِشْكَاةِ أَلَا تُعَلِّقُ تَمِيمَةً (قَالَ الْمَوْتُ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ) وَفِي الْمِشْكَاةِ فَقَالَ نَعُوذُ بِاللَّهِ من ذلك قال القارىء وَسَبَبُهُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الشِّرْكِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا عَاذَ بِاللَّهِ مِنْ تَعْلِيقِ

الْعُوذَةِ لِأَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُتَوَكِّلِينَ وَإِنْ جَازَ لِغَيْرِهِ انْتَهَى (مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا) أَيْ مَنْ عَلَّقَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا مِنَ التَّعَاوِيذِ وَالتَّمَائِمِ وَأَشْبَاهِهَا مُعْتَقِدًا أَنَّهَا تَجْلُبُ إِلَيْهِ نَفْعًا أَوْ تَدْفَعُ عَنْهُ ضَرًّا قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ (وُكِلَ إِلَيْهِ) بِضَمِّ وَاوٍ وَتَخْفِيفِ كَافٍ مَكْسُورَةٍ أَيْ خُلِّيَ إِلَى ذَلِكَ الشَّيْءِ وَتُرِكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَالْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِكَرَاهِيَةِ تَعْلِيقِ التَّمَائِمِ وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ الْعِلْمِ قَالَ السَّيِّدُ الشَّيْخُ أَبُو الطَّيِّبِ صِدِّيقُ بْنُ حَسَنٍ الْقَنُوجِيُّ فِي كِتَابِهِ الدِّينِ الْخَالِصِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي جَوَازِ تَعْلِيقِ التَّمَائِمِ الَّتِي مِنَ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجُوزُ ذَلِكَ وهو قول بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَبِهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ (يَعْنِي حَدِيثَ بن مَسْعُودٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول إن الرقى والتمائم اللتولة شرك) رواه أحمد وبن ماجة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ عَلَى التَّمَائِمِ الَّتِي فِيهَا شِرْكٌ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يجوز ذلك وبه قال بن مسعود وبن عَبَّاسٍ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ حُذَيْفَةَ وَعُقْبَةَ بْنِ عامر وبن عُكَيْمٍ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ أصحاب بن مَسْعُودٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ اخْتَارَهَا كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ تَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ الْأَوَّلُ عُمُومُ النَّهْيِ وَلَا مُخَصِّصَ لِلْعُمُومِ الثَّانِي سَدُّ الذريعة فإن يُفْضِي إِلَى تَعْلِيقِ مَنْ لَيْسَ كَذَلِكَ الثَّالِثُ أَنَّهُ إِذَا عُلِّقَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَمْتَهِنَهُ الْمُعَلِّقُ بِحَمْلِهِ مَعَهُ فِي حَالِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالِاسْتِنْجَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ وَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ السَّلَفُ يَتَبَيَّنُ لَكَ بِذَلِكَ غُرْبَةُ الْإِسْلَامِ خُصُوصًا إِنْ عَرَفْتَ عَظِيمَ مَا وَقَعَ فِيهِ الْكَثِيرُ بَعْدَ الْقُرُونِ الْمُفَضَّلَةِ مِنْ تَعْظِيمِ الْقُبُورِ وَاتِّخَاذِهَا الْمَسَاجِدَ وَالْإِقْبَالِ إِلَيْهَا بِالْقَلْبِ وَالْوَجْهِ وَصَرْفِ الدَّعَوَاتِ وَالرَّغَبَاتِ وَالرَّهَبَاتِ وَأَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ الَّتِي هِيَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهَا مِنْ دُونِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ وَنَظَائِرُهَا فِي الْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ انْتَهَى قُلْتُ غُرْبَةُ الْإِسْلَامِ شَيْءٌ وَحُكْمُ الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ آخَرُ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ الْمُتَقَدِّمُ لِمَنْعِ التَّعْلِيقِ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ نَزْعِ التَّمَائِمِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَنَحْوِهَا لِسَاعَةٍ ثُمَّ يُعَلِّقُهَا وَالرَّاجِحُ فِي الْبَابِ أَنَّ تَرْكَ التَّعْلِيقِ أَفْضَلُ فِي كُلِّ حَالٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى التَّعْلِيقِ الَّذِي جَوَّزَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِنَاءً عَلَى أَنْ يَكُونَ بِمَا ثَبَتَ لَا بِمَا لَمْ يَثْبُتْ لِأَنَّ التَّقْوَى لَهَا مَرَاتِبُ وَكَذَا فِي الْإِخْلَاصِ وَفَوْقَ كُلِّ رُتْبَةٍ فِي الدِّينِ رُتْبَةٌ أُخْرَى وَالْمُحَصِّلُونَ لَهَا أَقَلُّ وَلِهَذَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فِي حَقِّ السَّبْعِينَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ

باب ما جاء في تبريد الحمى بالماء

بِغَيْرِ حِسَابٍ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ مَعَ أَنَّ الرُّقَى جَائِزَةٌ وَرَدَتْ بِهَا الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَالْمُتَّقِي مَنْ يَتْرُكُ مَا لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ خَوْفًا مِمَّا فِيهِ بَأْسٌ انْتَهَى كَلَامُهُ بِلَفْظِهِ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ من حديث بن أَبِي لَيْلَى) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ مَنْ تَعَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ وَمَنْ تَعَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ قَال فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُهُمْ ثِقَاتٌ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَبْرِيدِ الْحُمَّى بِالْمَاءِ) قَوْلُهُ [2073] (أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) اسْمُهُ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمٍ الْحَنَفِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ) هُوَ وَالِدُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ (هُوَ عَبَايَةُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ تَحْتَانِيَّةٌ خَفِيفَةٌ (بْنُ رِفَاعَةَ) بِكَسْرِ رَاءٍ وَخِفَّةِ فَاءٍ وإهمال عين بن رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو رِفَاعَةَ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ وَكَسْرِ دَالٍ مهملة وبجيم بن رَافِعِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَوْسِيُّ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ أُحُدٌ ثُمَّ الْخَنْدَقُ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَابْنُهُ رِفَاعَةُ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَحَفِيدُهُ عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ وَغَيْرُهُمْ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَوْلُهُ (الْحُمَّى فَوْرٌ مِنَ النَّارِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبِالرَّاءِ وَفِي رِوَايَةٍ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ وَفِي أُخْرَى مِنْ فَوْحِ بِالْوَاوِ بَدَلِ التَّحْتَانِيَّةِ

قَالَ الْحَافِظُ كُلُّهَا بِمَعْنًى وَالْمُرَادُ سُطُوعُ حَرِّهَا وَوَهَجِهِ وَاخْتُلِفَ فِي نِسْبَةِ الْحُمَّى إِلَى جَهَنَّمَ فَقِيلَ حَقِيقَةٌ وَاللَّهَبُ الْحَاصِلُ فِي جِسْمِ الْمَحْمُومِ قِطْعَةٌ مِنْ جَهَنَّمَ وَقَدَّرَ اللَّهُ ظُهُورَهَا بِأَسْبَابٍ تَقْتَضِيهَا لِيَعْتَبِرَ الْعِبَادُ بِذَلِكَ كَمَا أَنَّ أَنْوَاعَ الْفَرَحِ وَاللَّذَّةِ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ أَظْهَرَهَا فِي هَذِهِ الدَّارِ عِبْرَةً وَدَلَالَةً وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِسَنَدٍ حَسَنٍ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَعَنِ بن مَسْعُودٍ فِي مُسْنَدِ الشِّهَابِ الْحُمَّى حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الْأَمْرِ بِالْإِبْرَادِ أَنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ وَأَنَّ اللَّهَ أَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ وَقِيلَ بَلِ الْخَبَرُ وَرَدَ مَوْرِدَ التَّشْبِيهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ حَرَّ الْحُمَّى شَبِيهٌ بِحَرِّ جَهَنَّمَ تَنْبِيهًا لِلنُّفُوسِ عَلَى شِدَّةِ حَرِّ النَّارِ وَأَنَّ هَذِهِ الْحَرَارَةَ الشَّدِيدَةَ شَبِيهَةٌ بِفَيْحِهَا وَهُوَ مَا يُصِيبُ مَنْ قَرُبَ مِنْهَا مِنْ حَرِّهَا كَمَا قِيلَ بِذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْإِبْرَادِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى انْتَهَى قَوْلُهُ (فَابْرُدُوهَا) قَالَ الْحَافِظُ الْمَشْهُورُ فِي ضَبْطِهَا بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَالرَّاءُ مَضْمُومَةٌ وَحُكِيَ كَسْرُهَا يُقَالُ بَرَدْتُ الْحُمَّى أَبْرُدُهَا بَرْدًا بِوَزْنِ قَتَلْتُهَا أَقْتُلُهَا قَتْلًا أَيْ أَسْكَنْتُ حَرَارَتَهَا قَالَ شَاعِرُ الْحَمَاسَةِ إِذَا وَجَدْتُ لَهِيبَ الْحُبِّ فِي كَبِدِي أَقْبَلْتُ نَحْوَ سِقَاءِ الْقَوْمِ أَبْتَرِدُ هَبْنِي بَرَدْتُ بِبَرْدِ الْمَاءِ ظاهره فمن لنار عَلَى الْأَحْشَاءِ تَتَّقِدُ وَحَكَى عِيَاضٌ رِوَايَةً بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مَفْتُوحَةٍ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنْ أَبْرَدَ الشَّيْءَ إِذَا عَالَجَهُ فَصَيَّرَهُ بَارِدًا مِثْلَ أَسْخَنَهُ إِذَا صَيَّرَهُ سُخْنًا وَقَدْ أَشَارَ إِلَيْهَا الْخَطَّابِيُّ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ إِنَّهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي حديث بن عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ فَأَطْفِئُوهَا بِهَمْزَةِ قَطْعٍ ثُمَّ طَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَفَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ أَمْرٌ مِنَ الْإِطْفَاءِ (بِالْمَاءِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ اعْتَرَضَ بَعْضُ سُخَفَاءِ الْأَطِبَّاءِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنْ قَالَ اغْتِسَالُ الْمَحْمُومِ بِالْمَاءِ خَطَرٌ يُقَرِّبُهُ مِنَ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْمَسَامَّ وَيَحْقِنُ الْبُخَارَ وَيَعْكِسُ الْحَرَارَةَ إِلَى دَاخِلِ الْجِسْمِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلتَّلَفِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ غَلِطَ بَعْضُ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الْعِلْمِ فَانْغَمَسَ فِي الْمَاءِ لَمَّا أَصَابَتْهُ الْحُمَّى فَاحْتَقَنَتِ الْحَرَارَةُ فِي بَاطِنِ بَدَنِهِ فَأَصَابَتْهُ عِلَّةٌ صَعْبَةٌ كَادَتْ تُهْلِكُهُ فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ عِلَّتِهِ قَالَ قَوْلًا سَيِّئًا لَا يَحْسُنُ ذِكْرُهُ وَإِنَّمَا أَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ جَهْلُهُ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْإِشْكَالَ صَدَرَ عَنْ صَدْرٍ مُرْتَابٍ فِي صِدْقِ الْخَبَرِ فَيُقَالُ لَهُ أَوَّلًا مِنْ أَيْنَ حَمَلْتَ الْأَمْرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بَيَانُ الْكَيْفِيَّةِ فَضْلًا عَنِ اخْتِصَاصِهَا بِالْغُسْلِ وَإِنَّمَا فِي الْحَدِيثِ الْإِرْشَادُ إِلَى تَبْرِيدِ الْحُمَّى بِالْمَاءِ فَإِنْ أَظْهَرَ الْوُجُودَ أَوِ اقْتَضَتْ صِنَاعَةُ الطِّبِّ أَنَّ انْغِمَاسَ كُلِّ مَحْمُومٍ فِي الْمَاءِ أَوْ صَبَّهُ إِيَّاهُ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ يَضُرُّهُ فَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ وَإِنَّمَا قَصَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ على وجه

يَنْفَعُ فَلْيَبْحَثْ عَنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ لِيَحْصُلَ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَهُوَ كَمَا وَقَعَ فِي أَمْرِهِ الْعَائِنَ بِالِاغْتِسَالِ وَأَطْلَقَ وَقَدْ ظَهَرَ مِنَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ مُطْلَقَ الِاغْتِسَالِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الِاغْتِسَالَ عَلَى كَيْفِيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ وَأَوْلَى مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَيْفِيَّةُ تَبْرِيدِ الْحُمَّى مَا صَنَعَتْهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَرُشُّ عَلَى بَدَنِ الْمَحْمُومِ شَيْئًا مِنَ الْمَاءِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَثَوْبِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ النَّشْرَةِ الْمَأْذُونِ فِيهَا وَالصَّحَابِيُّ وَلَا سِيَّمَا مِثْلُ أَسْمَاءَ الَّتِي هِيَ مِمَّنْ كَانَ يُلَازِمُ بَيْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ مِنْ غَيْرِهَا قُلْتُ يَأْتِي لَفْظُ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا فِي هَذَا الْبَابِ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ لَا شَكَّ أَنَّ عِلْمَ الطِّبِّ مِنْ أَكْثَرِ الْعُلُومِ احْتِيَاجًا إِلَى التَّفْصِيلِ حَتَّى إِنَّ الْمَرِيضَ يَكُونُ الشَّيْءُ دَوَاءَهُ فِي سَاعَةٍ ثُمَّ يَصِيرُ دَاءً لَهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تَلِيهَا لِعَارِضٍ يَعْرِضُ لَهُ مِنْ غَضَبٍ يُحْمِي مِزَاجَهُ مَثَلًا فَيَتَغَيَّرُ عِلَاجُهُ وَمِثْلُ ذَلِكَ كَثِيرٌ فَإِذَا فُرِضَ وُجُودُ الشِّفَاءِ لِشَخْصٍ بِشَيْءٍ فِي حَالَةٍ مَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ وُجُودُ الشِّفَاءِ بِهِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَالْأَطِبَّاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ عِلَاجُهُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ وَالزَّمَانِ وَالْعَادَةِ وَالْغِذَاءِ الْمُتَقَدِّمِ وَالتَّأْثِيرِ الْمَأْلُوفِ وَقُوَّةِ الطِّبَاعِ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ قَالُوا وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَرِدَ التَّصْرِيحُ بِالِاغْتِسَالِ فِي جَمِيعِ الْجَسَدِ فَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّهُ يَقَعُ بَعْدَ إِقْلَاعِ الْحُمَّى وَهُوَ بَعِيدٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ بِعَدَدٍ مَخْصُوصٍ فَيَكُونُ مِنَ الْخَوَاصِّ الَّتِي اطَّلَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا بِالْوَحْيِ وَيَضْمَحِلُّ عِنْدَ ذَلِكَ جَمِيعُ كَلَامِ أَهْلِ الطِّبِّ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمُ الْحُمَّى فَإِنَّ الْحُمَّى قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ فَلْيُطْفِئْهَا عَنْهُ بِالْمَاءِ فَلْيَسْتَنْقِعْ فِي نَهْرٍ جَارٍ فَلْيَسْتَقْبِلْ جِرْيَتَهُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَلْيَغْمِسْ فِيهِ ثَلَاثَ غَمَسَاتٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فِي ثَلَاثٍ فَخَمْسٌ فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فِي خَمْسٍ فَسَبْعٌ فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فِي سَبْعٍ فَتِسْعٌ فَإِنَّهَا لَا تَكَادُ تُجَاوِزُ تِسْعًا بِإِذْنِ اللَّهِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِبَعْضِ الْحُمَّيَاتِ دُونَ بَعْضٍ فِي بَعْضِ الْأَمَاكِنِ دُونَ بَعْضٍ لِبَعْضِ الْأَشْخَاصِ دُونَ بَعْضٍ وَهَذَا أَوْجَهُ فَإِنَّ خِطَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ يَكُونُ عَامًّا وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَقَدْ يَكُونُ خَاصًّا كَمَا قَالَ لَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا فَقَوْلُهُ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا لَيْسَ عَامًّا لِجَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ بَلْ هُوَ خَاصٌّ لِمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ وَعَلَى سَمْتِهَا فَكَذَلِكَ هَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِأَهْلِ الْحِجَازِ وَمَا وَالَاهُمْ إِذْ كَانَ أَكْثَرُ الْحُمَّيَاتِ الَّتِي تَعْرِضُ لَهُمْ مِنَ الْعَرَضِيَّةِ الْحَادِثَةِ عَنْ شِدَّةِ الْحَرَارَةِ وَهَذِهِ يَنْفَعُهَا الْمَاءُ الْبَارِدُ شُرْبًا وَاغْتِسَالًا لِأَنَّ الْحُمَّى حَرَارَةٌ غَرِيبَةٌ تَشْتَعِلُ فِي الْقَلْبِ وَتَنْتَشِرُ مِنْهُ بِتَوَسُّطِ الرُّوحِ وَالدَّمِ فِي الْعُرُوقِ إِلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ وَهِيَ قِسْمَانِ عَرَضِيَّةٌ وَهِيَ الْحَادِثَةُ عَنْ وَرَمٍ أَوْ حَرَكَةٍ أَوْ إِصَابَةِ حَرَارَةِ الشَّمْسِ أَوِ الْقَيْظِ الشَّدِيدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَرَضِيَّةٌ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ وَتَكُونُ عَنْ مَادَّةٍ ثُمَّ مِنْهَا مَا يُسْخِنُ جَمِيعَ الْبَدَنِ فَإِنْ كَانَ مَبْدَأُ تَعَلُّقِهَا بِالرُّوحِ فَهِيَ حُمَّى يَوْمٍ لِأَنَّهَا تَقَعُ غَالِبًا فِي يَوْمٍ وَنِهَايَتُهَا إِلَى ثَلَاثٍ وَإِنْ

كَانَ تَعَلُّقُهَا بِالْأَعْضَاءِ الْأَصْلِيَّةِ فَهِيَ حُمَّى دَقٍّ وَهِيَ أَخْطَرُهَا وَإِنْ كَانَ تَعَلُّقُهَا بِالْأَخْلَاطِ سُمِّيَتْ عَفَنِيَّةً وَهِيَ بِعَدَدِ الْأَخْلَاطِ الْأَرْبَعَةِ وَتَحْتَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ بِسَبَبِ الْإِفْرَادِ وَالتَّرْكِيبِ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ النَّوْعَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهَا تَسْكُنُ بِالِانْغِمَاسِ فِي الْمَاءِ الْبَارِدِ وَشُرْبِ الْمَاءِ الْمُبَرَّدِ بِالثَّلْجِ وَبِغَيْرِهِ وَلَا يَحْتَاجُ صَاحِبُهَا إِلَى عِلَاجٍ آخَرَ وَقَدْ قَالَ جَالِينُوسُ فِي كِتَابِ حِيلَةِ الْبُرْءِ لَوْ أَنَّ شَابًّا حَسَنَ اللَّحْمِ خِصْبَ الْبَدَنِ لَيْسَ فِي أَحْشَائِهِ وَرَمٌ اسْتَحَمَّ بِمَاءٍ بَارِدٍ أَوْ سَبَحَ فِيهِ وَقْتَ الْقَيْظِ عِنْدَ مُنْتَهَى الْحُمَّى لَانْتَفَعَ بِذَلِكَ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ إِذَا كَانَتِ القوى قوية والحمى حادة والنضج بين وَلَا وَرَمَ فِي الْجَوْفِ وَلَا فَتْقَ فَإِنَّ الْمَاءَ الْبَارِدَ يَنْفَعُ شُرْبُهُ فَإِنْ كَانَ الْعَلِيلُ خصب البدن والزمان حار أَوْ كَانَ مُعْتَادًا بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْبَارِدِ اغْتِسَالًا فليؤذن له فيه وقد نزل بن الْقَيِّمِ حَدِيثَ ثَوْبَانَ عَلَى هَذِهِ الْقُيُودِ فَقَالَ هَذِهِ الصِّفَةُ تَنْفَعُ فِي فَصْلِ الصَّيْفِ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ فِي الْحُمَّى الْعَرَضِيَّةِ أَوِ الْغِبِّ الْخَالِصَةِ الَّتِي لَا وَرَمَ مَعَهَا وَلَا شَيْءَ مِنَ الْأَعْرَاضِ الرَّدِيئَةِ وَالْمَوَادِّ الْفَاسِدَةِ فَيُطْفِئُهَا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِنَّ الْمَاءَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَبْرَدُ مَا يَكُونُ لِبُعْدِهِ عَنْ مُلَاقَاةِ الشَّمْسِ وَوُفُورِ الْقُوَى فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِكَوْنِهِ عَقِبَ النَّوْمِ وَالسُّكُونِ وَبَرْدِ الْهَوَاءِ قَالَ وَالْأَيَّامُ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا هِيَ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا بُحْرَانُ الْأَمْرَاضُ الْحَادَّةُ غَالِبًا وَلَا سِيَّمَا فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ تنبيه قال بن الْقَيِّمِ قَوْلُهُ بِالْمَاءِ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كُلُّ مَاءٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَاءُ زَمْزَمَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ نَضْرِ بن عمران الضبعي قال كنت أجالس بن عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ فَأَخَذَتْنِي الْحُمَّى فَقَالَ ابْرُدْهَا عَنْكَ بِمَاءِ زَمْزَمَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ أَوْ قَالَ بِمَاءِ زَمْزَمَ رَاوِي هَذَا قَدْ شَكَّ فِيهِ وَلَوْ جَزَمَ بِهِ لَكَانَ أَمْرًا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِمَاءِ زَمْزَمَ إِذْ هُوَ مُتَيَسِّرٌ عِنْدَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْمَاءِ ثُمَّ اخْتَلَفَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ عَلَى عُمُومِهِ هَلِ الْمُرَادُ بِهِ الصَّدَقَةُ بِالْمَاءِ أَوِ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ اسْتِعْمَالُهُ وَأَظُنُّ أَنَّ الَّذِي حَمَلَ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ الصَّدَقَةُ بِهِ أَنَّهُ أُشْكِلَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ الْبَارِدِ فِي الْحُمَّى وَلَمْ يَفْهَمْ وَجْهَهُ مَعَ أَنَّ لِقَوْلِهِ وَجْهًا حَسَنًا وَهُوَ أَنَّ الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ فَكَمَا أُخْمِدَ لَهِيبُ الْعَطَشِ عَنِ الظَّمْآنِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ أَخْمَدَ اللَّهُ لَهِيبَ الْحُمَّى عَنْهُ جَزَاءً وِفَاقًا وَلَكِنْ يُؤْخَذُ هَذَا مِنْ فِقْهِ الْحَدِيثِ وَإِشَارَتِهِ وَأَمَّا الْمُرَادُ بِهِ فَاسْتِعْمَالُهُ انْتَهَى وَحَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ هَذَا أخرجه أيضا أحمد والشيخان والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بكر وبن عمر وبن عَبَّاسٍ وَامْرَأَةِ الزُّبَيْرِ وَعَائِشَةَ) أَمَّا

حَدِيثُ أَسْمَاءَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عمر فأخرجه أحمد والشيخان والنسائي وبن ماجة وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ امْرَأَةِ الزُّبَيْرِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ) هُوَ الْكِلَابِيُّ قَوْلُهُ [2074] (إِنَّ الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) الْفَيْحُ سُطُوعُ الْحَرِّ وَفَوَرَانُهُ وَيُقَالُ بِالْوَاوِ وَفَاحَتِ الْقِدْرُ تَفِيحُ وَتَفُوحُ إِذَا غَلَتْ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ (عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ) بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ الْأَسَدِيَّةِ زَوْجَةِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ رَوَتْ عَنْ جَدَّتِهَا أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهَا وَعَنْهَا زَوْجُهَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَغَيْرُهُ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيقِ زَوْجِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ وَكَانَتْ تُسَمَّى ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ قَوْلُهُ (وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا) رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ هَذَا الْحَدِيثَ مُطَوَّلًا وَلَفْظُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْتَى بِالْمَرْأَةِ الْمَوْعُوكَةِ فَتَدْعُو بِالْمَاءِ فَتَصُبُّهُ فِي جَيْبِهَا وَتَقُولُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ وَقَالَ إِنَّهَا مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَشَارَ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا إِلَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الزِّيَادَةِ (وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُمَا الشَّيْخَانِ 6 - قَوْلُهُ [2075] (حَدَّثَنَا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة) الأنصاري الْأَشْهَلِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ) الْأُمَوِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبُو سُلَيْمَانَ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ إِلَّا فِي

باب ما جاء في الغيلة

عِكْرِمَةَ وَرُمِيَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (كَانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنَ الْحُمَّى) أَيْ مِنْ أَجْلِهَا (أَنْ يَقُولَ) أَيِ الْمَرِيضُ أَوْ عَائِدُهُ (مِنْ شَرِّ كُلِّ عِرْقٍ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مُنَوَّنًا (نَعَّارٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ فَوَّارِ الدَّمِ يُقَالُ نَعَرَ الْعِرْقُ يَنْعَرُ بِالْفَتْحِ فِيهِمَا إِذَا فَارَ مِنْهُ الدَّمُ اسْتَعَاذَ مِنْهُ لِأَنَّهُ إِذَا غَلَبَ لَمْ يُمْهِلْ وَقَالَ الطِّيبِيُّ نَعَرَ الْعِرْقُ بِالدَّمِ إِذَا ارْتَفَعَ وَعَلَا وَجُرْحٌ نَعَّارٌ وَنَعُورُ إِذَا صَوَّتَ دَمُهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن أبي شيبة وبن ماجة وبن أبي الدنيا وبن السُّنِّيِّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَيُرْوَى عرق يعار) رواه بن مَاجَهْ ضَبْطُ يَعَّارٍ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ بِفَتْحِ التحتية وتشديدالعين الْمُهْمَلَةِ وَمَعْنَاهُ صَوَّاتٌ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يقال يعرت العنز يتعر بِالْكَسْرِ يُعَارًا بِالضَّمِّ أَيْ صَاحَتْ انْتَهَى وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ يُعَارُّ بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مِنَ الْعَرَارَةِ وَهِيَ الشِّدَّةُ وَسُوءُ الْخُلُقِ وَمِنْهُ إِذَا اسْتَعَرَ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْغَنَمِ أَيْ نَدَّ وَاسْتَعْصَى وَأَمَّا يَعَّارٍ فَلَمْ تَجِدْ لَهُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ مَعْنًى يُنَاسِبُ هَذَا الْمَقَامَ انْتَهَى فَمِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْغِيلَةِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْغِيلَةُ بِالْكَسْرِ الِاسْمُ مِنَ الْغَيْلِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ أَنْ يُجَامِعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَهِيَ مُرْضِعٌ وَكَذَلِكَ إِذَا حَمَلَتْ وَهِيَ مُرْضِعٌ وَقِيلَ يُقَالُ فِيهِ الْغِيلَةُ وَالْغَيْلَةُ بِمَعْنًى وَقِيلَ الْكَسْرُ لِلِاسْمِ وَالْفَتْحُ لِلْمَرَّةِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ الْفَتْحُ إِلَّا مَعَ حَذْفِ الْهَاءِ وَقَدْ أَغَالَ الرَّجُلُ وَأُغِيلَ وَالْوَلَدُ مُغَالٌ وَمُغِيلٌ وَاللَّبَنُ الذي يشر به الولد يقال له الغيل أيضا انتهى قوله [2076] (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ) هُوَ الْبَجَلِيُّ أَبُو زكريا السيلحيني (حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ)

هُوَ الْغَافِقِيُّ الْمِصْرِيُّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ) الأَسَدِيِّ الْمَدَنِيِّ يَتِيمُ عُرْوَةَ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَائِشَةَ) أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا (عَنْ بِنْتِ وَهْبٍ وَهِيَ جُدَامَةُ) بِمَضْمُومَةٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ جُدَامَةُ بِنْتُ وَهْبٍ وَيُقَالُ جُنْدُلُ الأَسَدِيَّةُ أُخْتُ عُكَاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ لِأُمِّهِ صَحَابِيَّةٌ لَهَا سَابِقَةٌ وَهِجْرَةٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَنْ قَالَهَا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ صَحَّفَ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهَا رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْغِيلَةِ رَوَتْ عَنْهَا عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى قَوْلُهُ (أَرَدْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيَالِ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ الْغَيْلَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغِيلَةُ ها هنا بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَيُقَالُ لَهَا الْغَيْلُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ مَعَ حَذْفِ الْهَاءِ وَالْغِيَالُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْغَيْلَةُ بِالْفَتْحِ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَأَمَّا بِالْكَسْرِ فَهِيَ الِاسْمُ مِنَ الْغَيْلِ وَقِيلَ إِنْ أُرِيدَ بِهَا وَطْءَ الْمُرْضِعِ جَاءَ الْغَيْلَةُ وَالْغَيْلَةُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ بِالْغَيْلَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ الْغَيْلُ فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ هِيَ أَنْ يُجَامِعَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ مُرْضِعٌ يُقَالُ مِنْهُ أَغَالَ الرَّجُلُ وَأُغِيلَ إِذَا فعل ذلك وقال بن السِّكِّيتِ هُوَ أَنْ تُرْضِعَ الْمَرْأَةُ وَهِيَ حَامِلٌ يقال منه غالت وأغليت قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ هَمِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّهْيِ عَنْهَا أَنَّهُ يُخَافُ مِنْهُ ضَرَرُ الْوَلَدِ الرَّضِيعِ قَالُوا وَالأَطِبَّاءُ يَقُولُونَ إِنَّ ذَلِكَ اللَّبَنَ دَاءٌ وَالْعَرَبُ تَكْرَهُهُ وَتَتَّقِيهِ (فَإِذَا فَارِسُ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَعَدَمِ الصَّرْفِ (يَفْعَلُونَ) أَيِ الْغِيَالَ (وَلَا يَقْتُلُونَ أَوْلَادَهُمْ) وَفِي الرِّوَايَةِ الآتِيَةِ وَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ قَالَ الْقَاضِي كَانَ الْعَرَبُ يَحْتَرِزُونَ عَنِ الْغَيْلَةِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَضُرُّ الْوَلَدَ وَكَانَ ذَلِكَ مِنَ الْمَشْهُورَاتِ الذَّائِعَةِ عِنْدَهُمْ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْهى عَنْهَا لِذَلِكَ فَرَأَى أَنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ وَلَا يُبَالُونَ بِهِ ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَعُودُ عَلَى أَوْلَادِهِمْ بِضَرَرٍ فَلَمْ يَنْهَ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْغَيْلَةِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهَا وَبَيَّنَ سبب ترك النهي قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ سِرًّا فَإِنَّ الْغَيْلَ يُدْرِكُ الْفَارِسَ فيدعثره عن فرسه وسكت عنه هو المنذري وأخرجه أيضا بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وأحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وبن ماجة

(وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ قَوْلُهُ [2077] (حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ أَحْمَدَ) بْنِ عِيسَى بْنِ وَرْدَانَ الْعَسْقَلَانِيُّ مِنْ عَسْقَلَانَ بَلَخَ ثِقَةٌ يَقْرُبُ من الحادية عشرة (حدثنا بن وَهْبٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيُّ الْفَقِيهُ ثِقَةٌ حَافِظٌ عَابِدٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ) وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ بَيْنَ أَبِي الْأَسْوَدِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ غَلَطٌ قَوْلُهُ (لَقَدْ هَمَمْتُ) أَيْ قَصَدْتُ (حَتَّى ذُكِّرْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (يَصْنَعُونَ ذَلِكَ) أَيِ الْغِيلَةَ (وَلَا يَضُرُّ أَوْلَادَهُمْ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَفِي حَدِيثِ جُدَامَةَ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْغِيلَةِ وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْمَذْكُورُ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ الطِّيبِيُّ نَفْيُهُ لِأَثَرِ الْغَيْلِ فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ يَعْنِي حَدِيثَ جُدَامَةَ كَانَ إِبْطَالًا لِاعْتِقَادِ الْجَاهِلِيَّةِ كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا وَإِثْبَاتُهُ لَهُ هنايعني فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي الْجُمْلَةِ مَعَ كَوْنِ الْمُؤَثِّرِ الْحَقِيقِيِّ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى انْتَهَى وَقِيلَ النَّهْيُ فِي قَوْلِهِ لَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ سِرًّا فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ لِلتَّنْزِيهِ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى فِي حَدِيثِ جُدَامَةَ عَلَى التَّحْرِيمِ فَلَا مُنَافَاةَ وَقَالَ السِّنْدِيُّ حَدِيثُ أَسْمَاءَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ عَلَى زَعْمِ الْعَرَبِ قَبْلَ حَدِيثِ جُدَامَةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ فَأَذِنَ بِهِ كَمَا فِي رِوَايَةِ جُدَامَةَ وَهَذَا بَعِيدٌ لِأَنَّ مُفَادَ حَدِيثِ جُدَامَةَ أَنَّهُ أَرَادَ النَّهْيَ وَلَمْ يَنْهَ وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ فِيهِ نَهْيٌ فَكَيْفَ يَكُونُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ قَبْلَ حَدِيثِ جُدَامَةَ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ عَلَى زَعْمِ الْعَرَبِ لَمَا اسْتُحْسِنَ الْقَسَمُ بِاللَّهِ كَمَا عِنْدَ بن مَاجَهْ فَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ بَعْدَ حَدِيثِ جُدَامَةَ حَيْثُ حُقِّقَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا أَنَّ الضَّرَرَ قَدْ يَخْفَى إِلَى الْكِبَرِ انْتَهَى

باب ما جاء في دواء ذات الجنب

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى) بْنِ نَجِيحٍ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو يَعْقُوبَ بْنُ الطَّبَّاعِ سَكَنَ أَذَنَةَ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي دَوَاءِ ذَاتِ الْجَنْبِ) قَوْلُهُ [2078] (كَانَ يَنْعَتُ الزَّيْتَ وَالْوَرْسَ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ) أَيْ يَمْدَحُ التَّدَاوِي بِهِمَا لِذَاتِ الْجَنْبِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ اللُّغَوِيُّ الْوَرْسُ يُزْرَعُ زَرْعًا وَلَيْسَ بِبَرِّيٍّ وَلَسْتُ أَعْرِفُهُ بِغَيْرِ أَرْضِ الْعَرَبِ لَا مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ بِغَيْرِ بِلَادِ الْيَمَنِ وَقُوَّتُهُ فِي الْحَرَارَةِ وَالْيُبُوسَةِ فِي أَوَّلِ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ وَأَجْوَدُهُ الْأَحْمَرُ اللَّيِّنُ الْقَلِيلُ النُّخَالَةُ يَنْفَعُ مِنَ الْكَلَفِ وَالْحَكَّةِ وَالْبُثُورِ الْكَائِنَةِ مِنْ سَطْحِ الْبَدَنِ إِذَا طُلِيَ بِهِ وَلَهُ قُوَّةٌ قَابِضَةٌ صَابِغَةٌ وَإِذَا شُرِبَ نَفَعَ مِنَ الْوَضَحِ وَمِقْدَارُ الشَّرْبَةِ مِنْهُ وَزْنُ دِرْهَمٍ وَهُوَ فِي مِزَاجِهِ وَمَنَافِعِهِ قَرِيبٌ مِنْ مَنَافِعِ الْقِسْطِ الْبَحْرِيِّ وَإِذَا لَطَّخَ بِهِ عَلَى الْبَهَقِ وَالْحَكَّةِ وَالْبُثُورِ وَالسَّفْعَةِ نَفَعَ مِنْهَا وَالثَّوْبُ الْمَصْبُوغُ بِالْوَرْدِ يُقَوِّي عَلَى الْبَاهِ انْتَهَى (وَيُلَدُّ) أَيْ يُلْقَى فِي الْفَمِ (مِنَ الْجَانِبِ الَّذِي يَشْتَكِيهِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ اللَّدُودُ مَا يُسْقَى الْإِنْسَانُ فِي أَحَدِ شِقَّيِ الْفَمِ أُخِذَ مِنْ لَدِيدَيِ الْوَادِي وَهُمَا جَانِبَاهُ وَأَمَّا الْوَجُودُ فَهُوَ فِي وَسَطِ الْفَمِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ بِلَفْظِ نَعَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ وَرْسًا وَقِسْطًا وَزَيْتًا يُلَدُّ بِهِ (وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ اسْمُهُ مَيْمُونٌ هُوَ شَيْخٌ بَصْرِيٌّ) قَالَ فِي

التَّقْرِيبِ مَيْمُونٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ مَوْلَى بن سمرة ضعيف وقيل اسم أبيه استاد وفرق بينهما بن أَبِي حَاتِمٍ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ [2079] (حَدَّثَنَا رَجَاءُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ رَجَاءٍ (الْعُذْرِيُّ) بِضَمِّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ الْبَصْرِيُّ السَّقْطِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ الْعَدَوِيُّ بِفَتْحِ عَيْنٍ وَدَالٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ غَلَطٌ (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي رَزِينٍ) بِفَتْحِ رَاءٍ وَكَسْرِ زَايٍ وَسُكُونِ يَاءٍ وَبِنُونٍ الْخُزَاعِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَدَاوَى مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ بِالْقُسْطِ الْبَحْرِيِّ والزيت) قال الحافظ بن الْقَيِّمِ ذَاتُ الْجَنْبِ عِنْدَ الْأَطِبَّاءِ نَوْعَانِ حَقِيقِيٌّ وَغَيْرُ حَقِيقِيٍّ فَالْحَقِيقِيُّ وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ فِي نَوَاحِي الْجَنْبِ فِي الْغِشَاءِ الْمُسْتَبْطِنِ لِلْأَضْلَاعِ وَغَيْرُ الْحَقِيقِيِّ أَلَمٌ يُشْبِهُهُ يَعْرِضُ فِي نَوَاحِي الْجَنْبِ عَنْ رِيَاحٍ غَلِيظَةٍ مُؤْذِيَةٍ تَحْتَقِنُ بَيْنَ الصَّفَاقَاتِ فَتُحْدِثُ وَجَعًا قَرِيبًا مِنْ وَجَعِ ذَاتِ الْجَنْبِ الْحَقِيقِيِّ إِلَّا أَنَّ الْوَجَعَ فِي هَذَا الْقِسْمِ مَمْدُودٌ وَفِي الْحَقِيقِيِّ نَاخِسٌ قَالَ وَيَلْزَمُ ذَاتِ الْجَنْبِ الْحَقِيقِيِّ خَمْسَةُ أَعْرَاضٍ وَهِيَ الْحُمَّى وَالسُّعَالُ وَالْوَجَعُ النَّاخِسُ وَضِيقُ النَّفَسِ وَالنَّبْضُ الْمِنْشَارِيُّ وَالْعِلَاجُ الْمَوْجُودُ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ هُوَ لِهَذَا الْقِسْمِ لَكِنْ لِلْقِسْمِ الثَّانِي الْكَائِنِ عَنِ الرِّيحِ الْغَلِيظَةِ فَإِنَّ الْقُسْطَ الْبَحْرِيَّ وَهُوَ الْعُودُ الْهِنْدِيُّ عَلَى مَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي أَحَادِيثَ أُخَرِ صِنْفٍ مِنَ الْقُسْطِ إِذَا دُقَّ دَقًّا نَاعِمًا وَخُلِطَ بِالزَّيْتِ الْمُسَخَّنِ وَدُلِّكَ بِهِ مَكَانَ الرِّيحِ الْمَذْكُورِ أَوْ لُعِقَ كَانَ دَوَاءً مُوَافِقًا لِذَلِكَ نَافِعًا لَهُ مُحَلِّلًا لِمَادَّتِهِ مُذْهِبًا لَهَا مُقَوِّيًا لِلْأَعْضَاءِ الْبَاطِنَةِ مُفَتِّحًا لِلسُّدَدِ وَالْعُودُ الْمَذْكُورَةُ فِي مَنَافِعِهِ كَذَلِكَ قَالَ الْمَسِيحِيُّ الْعُودُ حَارٌّ يَابِسٌ قَابِضٌ يَحْبِسُ الْبَطْنَ وَيُقَوِّي الْأَعْضَاءَ الْبَاطِنَةَ وَيَطْرُدُ الرِّيحَ وَيَفْتَحُ السُّدُدَ نَافِعٌ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ وَيُذْهِبُ فَضْلَ الرُّطُوبَةِ وَالْعُودُ الْمَذْكُورُ جَيِّدٌ لِلدِّمَاغِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْفَعَ الْقُسْطَ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ الْحَقِيقِيَّةِ أَيْضًا إِذَا كَانَ حُدُوثُهَا عَنْ مَادَّةٍ بَلْغَمِيَّةٍ لَا سِيَّمَا فِي وَقْتِ انْحِطَاطِ الْعِلَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ بِلَفْظِ تَدَاوَوْا مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ

بِالْقِسْطِ الْبَحْرِيِّ وَالزَّيْتِ الْمُسَخَّنِ (وَذَاتُ الْجَنْبِ يَعْنِي السِّلَّ) كَذَا فَسَّرَ التِّرْمِذِيُّ ذَاتَ الْجَنْبِ بِالسِّلِّ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ ذَاتُ الْجَنْبِ هِيَ الدُّبَيْلَةُ وَالدُّمَّلُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي تَظْهَرُ فِي بَاطِنِ الجنب وتنفجر إِلَى دَاخِلٍ وَقَلَّمَا يَسْلَمُ صَاحِبُهَا وَذُو الْجَنْبِ الَّذِي يَشْتَكِي جَنْبَهُ بِسَبَبِ الدُّبَيْلَةِ إِلَّا أَنَّ ذُو لِلْمُذَكَّرِ وَذَاتِ لِلْمُؤَنَّثِ وَصَارَتْ ذَاتُ الْجَنْبِ عَلَمًا لَهَا وَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ صِفَةً مُضَافَةً وَالْمَجْنُوبُ الَّذِي أَخَذَتْهُ ذَاتُ الْجَنْبِ وَقِيلَ أَرَادَ بِالْمَجْنُوبِ الَّذِي يَشْتَكِي جَنْبَهُ مُطْلَقًا انْتَهَى وقد عرفت ما ذكره بن الْقَيِّمِ فِي تَفْسِيرِ ذَاتِ الْجَنْبِ وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا بِالسِّلِّ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا فَسَّرَهَا بِهِ غَيْرَ التِّرْمِذِيِّ وَالسِّلُّ بِكَسْرِ السِّينِ وَشِدَّةِ اللَّامِ فِي اللُّغَةِ الْهُزَالُ وَفِي الطِّبِّ قُرْحَةٌ فِي الرِّئَةِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمَرَضُ بِهِ لِأَنَّ مِنْ لَوَازِمِهِ هُزَالَ الْبَدَنِ وَلَمَّا كَانَتِ الْحُمَّى الدَّقِّيَّةُ لَازِمَةٌ لِهَذِهِ الْقُرْحَةِ ذَكَرَ الْقُرَشِيُّ أَنَّ السِّلَّ قُرْحَةُ الرِّئَةِ مَعَ الدَّقِّ وَعَدَّهُ مِنَ الْأَمْرَاضِ الْمُرَكَّبَةِ كَذَا قَالَ النَّفِيسُ وَقَالَ الْقُرَشِيُّ فِي شَرْحِ الْفُصُولِ يُقَالُ السِّلُّ لِحُمَّى الدَّقِّ وَلِدَقِّ الشَّيْخُوخَةِ وَلِقُرْحَةِ الرِّئَةِ 9 - قَوْلُهُ [2080] (عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ) هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُصَيْفَةَ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُصَيْفَةَ بِضَمِّ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ صَادٍ مُهْمَلَةٍ وبفاء مصغرا بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْكِنْدِيُّ الْمَدَنِيُّ وَقَدْ يُنْسَبُ لِجَدِّهِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ) بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ السُّلَمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ وَعَنْهُ يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ رَوَى لَهُ الْأَرْبَعَةُ حَدِيثًا وَاحِدًا وَهُوَ حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فِي الدُّعَاءِ انْتَهَى (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ) الثَّقَفِيِّ الطَّائِفِيِّ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ اسْتَعْمَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الطَّائِفِ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ بِالْبَصْرَةِ قَوْلُهُ (قَالَ أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُهْلِكُنِي) وَلِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ

باب ما جاء في السنا

عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنْذُ أَسْلَمَ (امْسَحْ) أَيْ مَوْضِعَ الْوَجَعِ (بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَ لَهُ ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي يَأْلَمُ مِنْ جَسَدِكَ وَلِلطَّبَرَانِيِّ وَالْحَاكِمِ ضَعْ يَمِينَكَ عَلَى الْمَكَانِ الَّذِي تَشْتَكِي فَامْسَحْ بِهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ (وَقُلْ أَعُوذَ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ وَلِلتِّرْمِذِيِّ فِي الدَّعَوَاتِ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمِ وَصَحَّحَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ قَالَ قَالَ لِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ يَا مُحَمَّدُ إِذَا اشْتَكَيْتَ فَضَعْ يَدَكَ حَيْثُ تَشْتَكِي ثُمَّ قُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ مِنْ وَجَعِي ثُمَّ ارْفَعْ يَدَكَ ثُمَّ أَعِدْ ذَلِكَ وِتْرًا قَالَ فَإِنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ (قَالَ) أَيْ عُثْمَانُ (فَفَعَلْتُ) أَيْ مَا قَالَ لِي (فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ بِي) أَيْ مِنَ الْوَجَعِ (فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهِ أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ) لِأَنَّهُ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالطِّبِّ النَّبَوِيِّ لِمَا فِيهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالتَّفْوِيضِ إِلَيْهِ وَالِاسْتِعَاذَةِ بِعِزَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَتَكْرَارُهُ يَكُونُ أَنْجَحَ وَأَبْلَغَ كَتَكْرَارِ الدَّوَاءِ الطَّبِيعِيِّ لِاسْتِقْصَاءِ إِخْرَاجِ الْمَادَّةِ وَفِي السَّبْعِ خَاصِّيَّةٌ لَا توجد في غيرها قوله (هذا حديث صحيح) وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وبن ماجة 0 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي السَّنَا) سَقَطَ هَذَا الْبَابُ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلُهُ [2081] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرِ) بْنِ عُثْمَانَ الْبُرْسَانِيُّ أَبُو عُثْمَانَ البصري صدوق يخطىء مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ رَافِعٍ الْأَنْصَارِيُّ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالْقَدَرِ وَرُبَّمَا وَهِمَ مِنَ السَّادِسَةِ (حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) أَوِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ وَيُقَالُ اسْمُهُ زُرْعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ

قَوْلُهُ (بِمَا تَسْتَمْشِينَ) أَيْ بِأَيِّ دَوَاءٍ تَسْتَطْلِقِينَ بَطْنَكِ حَتَّى يَمْشِيَ وَلَا يَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِفِ فَيُؤْذِي بِاحْتِبَاسِ النَّجْوِ وَلِهَذَا سُمِّيَ الدَّوَاءُ الْمُسَهِّلُ مَشِيًّا عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ وَقِيلَ لِأَنَّ الْمَسْهُولَ يُكْثِرُ الْمَشْيَ وَالِاخْتِلَافَ لِلْحَاجَةِ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ بِمَا تُسَهِّلِينَ بَطْنَكِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الْمَشْيَ الَّذِي يَعْرِضُ عِنْدَ شُرْبِ الدَّوَاءِ إِلَى الْمَخْرَجِ انْتَهَى (قَالَتْ بِالشُّبْرُمِ) بِضَمِّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ فَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ وَرَاءٍ مَضْمُومَةٍ وَهُوَ من جملة الأدوية اليتوعية وَهُوَ قِشْرُ عِرْقِ شَجَرَةٍ وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ وَأَجْوَدُهُ الْمَائِلُ إِلَى الْحُمْرَةِ الْخَفِيفُ الرَّقِيقُ الَّذِي يُشْبِهُ الْجِلْدَ الْمَلْفُوفَ وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي أَوْصَى الْأَطِبَّاءُ بِتَرْكِ اسْتِعْمَالِهَا لِخَطَرِهَا وَفَرْطِ إِسْهَالِهَا وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الشُّبْرُمُ حَبٌّ يُشْبِهُ الْحِمَّصَ يُطْبَخُ وَيُشْرَبُ ماؤه للتداوي وقيل إنه نوع من الشبح انْتَهَى (قَالَ حَارٌّ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَتَشْدِيدِ رَاءٍ بينهما ألف (جار) بالجيم قال الحافظ بن الْقَيِّمِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَارٌّ جَارٌّ وَيُرْوَى حَارٌّ يَارٌّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَكْثَرُ كَلَامِهِمْ بِالْيَاءِ قَالَ وَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْحَارَّ الْجَارَّ بِالْجِيمِ الشَّدِيدُ الْإِسْهَالُ فَوَصَفَهُ بِالْحَرَارَةِ وَشِدَّةِ الْإِسْهَالِ وَكَذَلِكَ هُوَ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّوَابُ أَنَّ هَذَا مِنَ الْإِتْبَاعِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ تَأْكِيدُ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ بَيْنَ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ وَلِهَذَا يُرَاعُونَ فِيهِ إِتْبَاعَهُ فِي أَكْثَرِ حُرُوفِهِ كَقَوْلِهِمْ حَسَنٌ بَسَنٌ أَيْ كَامِلُ الْحُسْنِ وَقَوْلُهُمْ حَسَنٌ قَسَنٌ بِالْقَافِ وَمِنْهُ شَيْطَانٌ لَيْطَانٌ وَحَارٌّ جَارٌّ مَعَ أَنَّ الْجَارَّ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ الَّذِي يَجُرُّ الشَّيْءَ الَّذِي يُصِيبُهُ مِنْ شِدَّةِ حَرَارَتِهِ وَجَذْبِهِ لَهُ كَأَنَّهُ يَنْزِعُهُ وَيَسْلُخُهُ وَيَارٌّ إِمَّا لُغَةٌ فِي جَارٍّ كَقَوْلِهِمْ صِهْرِي وَصِهْرِيجُ وَالصَّهَارِي وَالصَّهَارِيجُ وَإِمَّا إِتْبَاعٌ مُسْتَقِلٌّ انْتَهَى (ثُمَّ اسْتَمْشَيْتُ بِالسَّنَا) فِيهِ لُغَتَانِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَهُوَ نَبْتٌ حِجَازِيٌّ أَفْضَلُهُ الْمَكِّيُّ وَهُوَ دَوَاءٌ شَرِيفٌ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ قَرِيبٌ مِنَ الِاعْتِدَالِ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الدَّرَجَةِ الْأُولَى يُسَهِّلُ الصَّفْرَاءَ وَالسَّوْدَاءَ وَيُقَوِّي جُرْمَ الْقَلْبِ وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ شَرِيفَةٌ فِيهِ وخَاصِّيَّتُهُ النَّفْعُ مِنَ الْوَسْوَاسِ السَّوْدَاوِيِّ وَمِنَ الشِّقَاقِ الْعَارِضِ فِي البدن ويفتح الْعَضَلَ وَانْتِشَارَ الشَّعْرِ وَمِنَ الْقَمْلِ وَالصُّدَاعِ الْعَتِيقِ وَالْجَرَبِ وَالْبُثُورِ وَالْحَكَّةِ وَالصَّرَعِ وَشُرْبُ مَائِهِ مَطْبُوخًا أَصْلَحُ مِنْ شُرْبِهِ مَدْقُوقًا وَمِقْدَارُ الشَّرْبَةِ مِنْهُ إِلَى ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَمِنْ مَائِهِ إِلَى خَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَإِنْ طُبِخَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ زَهْرِ الْبَنَفْسَجِ وَالزَّبِيبِ الْأَحْمَرِ الْمَنْزُوعِ الْعَجَمِ كَانَ أَصْلَحَ (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ بعد ما سَأَلَنِي ثَانِيًا أَوْ حِينَ ذَكَرْتُ لَهُ مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ اسْتِعْلَامًا وَاسْتِكْشَافًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ

باب ما جاء في التداوي بالعسل

التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّاوِي عَنْ أَسْمَاءَ مَا لَفْظُهُ عُتْبَةُ بْنُ عبد الله ويقال بن عُبَيْدِ اللَّهِ حِجَازِيٌّ رَوَى عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ حَدِيثًا فِي الِاسْتِمْشَاءِ بِالسَّنَا وَعَنْهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الحديث الواحد وقد رواه بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ زُرْعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَوْلَى لِمَعْمَرٍ التَّيْمِيِّ عَنْ أَسْمَاءَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمُبْهَمُ هُوَ عُتْبَةُ هَذَا قَالَ لَيْسَ هُوَ الْمُبْهَمَ فَإِنَّ كَلَامَ الْبُخَارِيِّ فِي تَارِيخِهِ فِي تَرْجَمَةِ زُرْعَةَ يَقْتَضِي أَنَّ زُرْعَةَ هُوَ عُتْبَةُ الْمَذْكُورُ اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ عَلَى عَبْدِ الْحَمِيدِ وَعَلَى هَذَا فَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ مُنْقَطِعَةٌ لِسُقُوطِ الْمَوْلَى مِنْهَا انْتَهَى 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّدَاوِي بِالْعَسَلِ) قَوْلُهُ [2082] (عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ) اسْمُهُ عَلِيُّ بْنُ دَاوُدَ النَّاجِيُّ قَوْلُهُ (إِنَّ أَخِي اسْتُطْلِقَ بَطْنُهُ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ بَعْدَهَا قَافٌ أَيْ كَثُرَ خُرُوجُ مَا فِيهِ يُرِيدُ الْإِسْهَالَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إِنَّ أَخِي عَرِبَ بَطْنُهُ وَهِيَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ فَسَدَ هَضْمُهُ لِاعْتِلَالِ الْمَعِدَةِ وَمِثْلُهُ ذَرِبَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَدَلَ الْعَيْنِ وَزْنًا وَمَعْنًى (فَقَالَ اسْقِهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (عَسَلًا) ظَاهِرُهُ الْأَمْرُ بِسَقْيِهِ صِرْفًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَمْزُوجًا (صَدَقَ اللَّهُ) أَيْ فِيمَا قَالَ فِيهِ شفاء للناس كذا قيل وقال بن الْمَلَكِ أَيْ كَوْنَ شِفَاءَ ذَلِكَ الْبَطْنِ فِي شُرْبِهِ الْعَسَلَ قَدْ أَوْحَى إِلَيَّ وَاللَّهُ تَعَالَى صَادِقٌ فِيهِ وَهَذَا التَّوْجِيهُ أَوْلَى مِمَّا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِيهِ شفاء للناس لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ شِفَاءٌ من كل داء قال القارىء ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَإِثْبَاتُ الْوَحْيِ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ (وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ أَهْلُ الْحِجَازِ يُطْلِقُونَ الْكَذِبَ فِي مَوْضِعِ الْخَطَأِ يُقَالُ كَذَبَ سَمْعُكَ أَيْ زَلَّ فَلَمْ يُدْرِكْ حَقِيقَةَ مَا قِيلَ لَهُ فَمَعْنَى كَذَبَ بَطْنُهُ أَيْ لَمْ يَصْلُحْ لِقَبُولِ الشِّفَاءِ بَلْ زَلَّ عَنْهُ

وقد اعترض بعد الْمَلَاحِدَةِ فَقَالَ الْعَسَلُ مُسَهِّلٌ فَكَيْفَ يُوصَفُ لِمَنْ وَقَعَ بِهِ الْإِسْهَالُ وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ جَهْلٌ مِنْ قَائِلِهِ بَلْ هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى بَلْ كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه فَقَدِ اتَّفَقَ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّ الْمَرَضَ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ عِلَاجُهُ بِاخْتِلَافِ السِّنِّ وَالْعَادَةِ وَالزَّمَانِ وَالْغِذَاءِ الْمَأْلُوفِ وَالتَّدْبِيرِ وَقُوَّةِ الطَّبِيعَةِ وَعَلَى أَنَّ الْإِسْهَالَ يَحْدُثُ مِنْ أَنْوَاعٍ مِنْهَا الْهَيْضَةُ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْ تُخَمَةٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ عِلَاجَهَا بِتَرْكِ الطَّبِيعَةِ وَفِعْلِهَا فَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى مُسَهِّلٍ مُعَيَّنٍ أُعِينَتْ مَا دَامَ بِالْعَلِيلِ قُوَّةٌ فَكَأَنَّ هَذَا الرَّجُلَ كَانَ اسْتِطْلَاقُ بَطْنِهِ عَنْ تُخَمَةٍ أَصَابَتْهُ فَوَصَفَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَسَلَ لِدَفْعِ الْفُضُولِ الْمُجْتَمِعَةِ فِي نَوَاحِي الْمَعِدَةِ وَالْأَمْعَاءِ لِمَا فِي الْعَسَلِ مِنَ الْجَلَاءِ وَدَفْعِ الْفُضُولِ الَّتِي تُصِيبُ الْمَعِدَةَ مِنْ أَخْلَاطٍ لَزِجَةٍ تَمْنَعُ اسْتِقْرَارَ الْغِذَاءِ فِيهَا وَلِلْمَعِدَةِ خَمْلٌ كَخَمْلِ الْمِنْشَفَةِ فَإِنْ عَلِقَتْ بِهَا الْأَخْلَاطُ اللَّزِجَةُ أَفْسَدَتْهَا وَأَفْسَدَتِ الْغِذَاءَ الْوَاصِلَ إِلَيْهَا فَكَانَ دَوَاؤُهَا بِاسْتِعْمَالِ مَا يَجْلُو تِلْكَ الْأَخْلَاطَ وَلَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ مِثْلُ الْعَسَلِ لَا سِيَّمَا إِنْ مُزِجَ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَإِنَّمَا لَمْ يُفِدْهُ فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ لِأَنَّ الدَّوَاءَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِقْدَارٌ وَكَمِّيَّةٌ بِحَسَبِ الدَّاءِ إِنْ قَصُرَ عَنْهُ لَمْ يَدْفَعْهُ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِنْ جَاوَزَهُ أَوْهَى الْقُوَّةَ وَأَحْدَثَ ضَرَرًا آخَرَ فَكَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْهُ أَوَّلًا مِقْدَارًا لَا يَفِي بِمُقَاوَمَةِ الدَّاءِ فَأَمَرَ بِمُعَاوَدَةِ سَقْيِهِ فَلَمَّا تَكَرَّرَتِ الشَّرَبَاتُ بِحَسَبِ مَادَّةِ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هَذَا الدَّوَاءَ نَافِعٌ وَأَنَّ بَقَاءَ الدَّاءِ لَيْسَ لِقُصُورِ الدَّوَاءِ فِي نَفْسِهِ وَلَكِنْ لِكَثْرَةِ الْمَادَّةِ الْفَاسِدَةِ فَمِنْ ثَمَّ أَمَرَهُ بِمُعَاوَدَةِ شُرْبِ الْعَسَلِ لِاسْتِفْرَاغِهَا فَكَانَ كَذَلِكَ وَبَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالطِّبُّ نَوْعَانِ طِبُّ الْيُونَانِ وَهُوَ قِيَاسِيٌّ وَطِبُّ الْعَرَبِ وَالْهِنْدِ وَهُوَ تَجَارُبِيٌّ وَكَانَ أَكْثَرُ مَا يَصِفُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنْ يَكُونُ عَلِيلًا عَلَى طَرِيقَةِ طِبِّ الْعَرَبِ وَمِنْهُ مَا يَكُونُ مِمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ كِتَابِ الْمِائَةِ فِي الطِّبِّ إِنَّ الْعَسَلَ تَارَةً يَجْرِي سَرِيعًا إِلَى الْعُرُوقِ وَيَنْفُذُ مَعَهُ جُلُّ الْغِذَاءِ وَيُدِرُّ الْبَوْلَ فَيَكُونُ قَابِضًا وَتَارَةً يَبْقَى فِي الْمَعِدَةِ فيهيجها لذعها حَتَّى يَدْفَعَ الطَّعَامَ وَيُسَهِّلَ الْبَطْنَ فَيَكُونَ مُسَهِّلًا فَإِنْكَارُ وَصْفِهِ الْمُسَهِّلِ مُطْلَقًا قُصُورٌ مِنَ الْمُنْكِرِ وَقَالَ غَيْرُهُ طِبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَيَقَّنُ الْبُرْءِ لِصُدُورِهِ عَنِ الْوَحْيِ وَطِبُّ غَيْرِهِ أَكْثَرُهُ حَدْسٌ أَوْ تَجْرِبَةٌ وَقَدْ يَتَخَلَّفُ الشِّفَاءُ عَنْ بَعْضِ مَا يَسْتَعْمِلُ طِبَّ النُّبُوَّةِ وَذَلِكَ لِمَانِعٍ قَامَ بِالْمُسْتَعْمَلِ مِنْ ضَعْفِ اعْتِقَادِ الشِّفَاءِ بِهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ وَأَظْهَرُ الْأَمْثِلَةِ فِي ذلك القران الذي هو سفاء لِمَا فِي الصُّدُورِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ لَا يَحْصُلُ لِبَعْضِ النَّاسِ شِفَاءُ صَدْرِهِ لِقُصُورِهِ فِي الِاعْتِقَادِ وَالتَّلَقِّي بِالْقَبُولِ بَلْ لَا يَزِيدُ الْمُنَافِقَ إِلَّا رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِ وَمَرَضًا إِلَى مَرَضِهِ فَطِبُّ النُّبُوَّةِ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا الْأَبْدَانَ الطَّيِّبَةَ كَمَا أَنَّ شِفَاءَ الْقُرْآنِ لَا يُنَاسِبُ إِلَّا الْقُلُوبَ الطَّيِّبَةَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَسَقَاهُ فَبَرَأَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْهَمْزِ بِوَزْنِ قَرَأَ وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُهَا بِكَسْرِ الرَّاءِ بِوَزْنِ عَلِمَ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الصِّدِّيقِ الناجي فِي آخِرِهِ فَسَقَاهُ فَعَافَاهُ اللَّهُ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا 2 - قَوْلُهُ [2083] (عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ اسمه يزيد بن عبد الرحمن صدوق يخطىء كَثِيرًا وَكَانَ يُدَلِّسُ مِنَ السَّابِعَةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عن الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ يَزِيدُ بْنُ خَالِدٍ وَهُوَ غَلَطٌ (سَمِعْتُ الْمِنْهَالَ بْنَ عَمْرٍو) الْأَسَدِيَّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ) مَا لِلنَّفْيِ وَمِنْ زَائِدَةٌ (يَعُودُ مَرِيضًا) وَفِي الْمِشْكَاةِ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا أَيْ يَزُورُهُ فِي مَرَضِهِ (لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ) صِفَةُ مَرِيضٍ (فَيَقُولُ) أَيِ الْعَائِدُ (أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ) أَيْ فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ (أَنْ يَشْفِيَكَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مَفْعُولٌ ثَانٍ (إِلَّا عُوفِيَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِلَّا عَافَاهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَالْحَصْرُ غَالِبِيٌّ أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى شُرُوطٍ لَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ

33 - قَوْلُهُ [2084] (حَدَّثَنَا مَرْزُوقٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَرْزُوقٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الحمصي تزل البصرة لابأس به من السادسة (حدثناسعيد رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ سَعِيدُ بْنُ زُرْعَةَ الْحِمْصِيُّ الْجَرَّارُ بِالْجِيمِ وَمُهْمَلَتَيْنِ الْخَزَّافُ بِمُعْجَمَةٍ وَزَايٍ مَسْتُورٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ مَرْزُوقٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ هَمَّامٍ قَالَ أَبُو حاتم مجهول وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ لَهُ فِي التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي اسْتِقْبَالِ الْجِرْيَةِ لِلْحُمَّى انْتَهَى قَوْلُهُ (إِذَا أَصَابَ أَحَدَكُمُ الْحُمَّى) أَيْ أَخَذَتْهُ (فَإِنَّ الْحُمَّى قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ) أَيْ لِشِدَّةِ مَا يَلْقَى الْمَرِيضُ فِيهَا مِنَ الْحَرَارَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ جَوَابُ إِذَا فَلْيَعْلَمْ أَنَّهَا كَذَلِكَ (فَلْيُطْفِهَا) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ فَلْيُطْفِئْهَا بِإِثْبَاتِ الْهَمْزَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْمِشْكَاةِ وَكَذَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ (عَنْهُ بِالْمَاءِ) أَيِ الْبَارِدِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فَلْيُطْفِئْهَا وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْحُمَّى مُعْتَرِضَةٌ (فَلْيَسْتَنْقِعْ فِي نَهْرٍ جَارٍ) بَيَانٌ لِلْإِطْفَاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ اسْتَنْقَعَ فِي الْغَدِيرِ نَزَلَ وَاغْتَسَلَ كَأَنَّهُ ثَبَتَ فِيهِ لِيَتَبَرَّدَ انْتَهَى (فَلْيَسْتَقْبِلْ جِرْيَتَهُ) بِكَسْرِ الْجِيمِ قَالَ الطِّيبِيُّ يُقَالُ مَا أَشَدَّ جِرْيَةِ هَذَا الْمَاءِ بِالْكَسْرِ (فَيَقُولُ) أَيْ حَالَ الِاسْتِقْبَالِ (وَصَدَقَ رَسُولُكَ) أَيِ اجْعَلْ قَوْلَهُ هَذَا صَادِقًا بِأَنْ تَشْفِيَنِي ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ) ظَرْفٌ لِيَسْتَنْقِعَ وَكَذَا قَوْلُهُ (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلْيَغْمِسْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ (فِيهِ) أَيْ فِي النَّهْرِ أَوْ فِي مَائِهِ (ثَلَاثَ غَمَسَاتٍ) بِفَتْحَتَيْنِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ وَلْيَغْمِسْ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فَلْيَسْتَنْقِعْ جِيءَ بِهِ لِتَعَلُّقِ الْمَرَّاتِ (فَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ) بِفَتْحِ الرَّاءِ (فِي ثَلَاثٍ) أَيْ ثَلَاثِ غَمَسَاتٍ أَوْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ (فَخَمْسٌ) بِالرَّفْعِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ

باب التداوي بالرماد

فَالْأَيَّامُ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَنْغَمِسَ فِيهَا خَمْسٌ أَوْ فَالْمَرَّاتُ انْتَهَى (فَسَبْعٌ) بِالرَّفْعِ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا (فَتِسْعٌ) كَذَلِكَ (فَإِنَّهَا) أَيِ الْحُمَّى (لَا تَكَادُ) أَيْ تَقْرُبُ (تُجَاوِزُ تِسْعًا) أَيْ بَعْدَ هَذَا الْعَمَلِ (بِإِذْنِ اللَّهِ) أَيْ إِرَادَتِهِ أَوْ بِأَمْرِهِ لَهَا بِالذَّهَابِ وَعَدَمِ الْعَوْدِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِعِلَاجِ الْحُمَّى بِالْمَاءِ الْبَارِدِ فِي بَابِ تَبْرِيدِ الْحُمَّى بِالْمَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حديث غريب) وأخرجه أحمد وبن أبي الدنيا وبن السُّنِّيِّ وَأَبُو نُعَيْمٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ 4 - (بَاب التَّدَاوِي بِالرَّمَادِ) سَقَطَ هَذَا الْبَابُ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلُهُ [2085] (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) اسْمُهُ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ قَوْلُهُ (دُووِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ المداوة (فَحُشِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنْ بَابِ نَصَرَ (بِهِ جُرْحُهُ) أَيْ أُدْخِلَ فِي جُرْحِهِ وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا مُخْتَصَرًا وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ وَهُوَ يَسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ يَسْكُبُ الْمَاءَ وَبِمَا دُووِيَ قَالَ كَانَتْ فاطمة بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَغْسِلُهُ وَعَلِيٌّ يَسْكُبُ الْمَاءَ بِالْمِجَنِّ فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ لَا يَزِيدُ الدَّمَ إِلَّا كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً مِنْ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا فَأَلْصَقَتْهَا فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ يَوْمَئِذٍ وَجُرِحَ وجهه وكسرت البيضة على رأسه قال بن بَطَّالٍ قَدْ زَعَمَ أَهْلُ الطِّبِّ أَنَّ الْحَصِيرَ كُلَّهَا إِذَا أُحْرِقَتْ تُبْطِلُ زِيَادَةَ الدَّمِ بَلِ الرَّمَادُ كُلُّهُ كَذَلِكَ لِأَنَّ الرَّمَادَ مِنْ شَأْنِهِ الْقَبْضُ وَلِهَذَا تَرْجَمَ التِّرْمِذِيُّ لِهَذَا الْحَدِيثِ التَّدَاوِي بِالرَّمَادِ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ فِيهِ أَنَّ قَطْعَ الدَّمِ بِالرَّمَادِ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ لَا سِيَّمَا إِنْ

باب سقط لفظ الباب من بعض النسخ

كَانَ الْحَصِيرُ مِنْ دِبْسِ السَّعْدِ فَهِيَ معلومة بالقبض وطيب الرائحة فالقبض يسد أَفْوَاهِ الْجُرْحِ وَطِيبُ الرَّائِحَةِ يَذْهَبُ بِزَهْمِ الدَّمِ وَأَمَّا غَسْلُ الدَّمِ أَوَّلًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ إِذَا كَانَ الْجُرْحُ غَيْرَ غَائِرٍ وَأَمَّا لَوْ كَانَ غَائِرًا فَلَا يُؤْمَنُ مَعَهُ ضَرَرُ الْمَاءِ إِذَا صُبَّ فِيهِ وَقَالَ الْمُوَفَّقُ عَبْدُ اللَّطِيفِ الرَّمَادُ فِيهِ تَجْفِيفٌ وَقِلَّةُ لَذْعٍ وَالْمُجَفِّفُ إِذَا كَانَ فِيهِ قُوَّةُ لَذْعٍ رُبَّمَا هَيَّجَ الدَّمَ وجلب الورم ووقع عند بن مَاجَهْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَحْرَقَتْ لَهُ حِينَ لَمْ يُرْقَأْ قِطْعَةَ حصير خلق فوضعت رماده عليه فرقىء الْكَلْمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وغيرهما 5 - (باب سقط لفظ الباب من بعض النسخ) قَوْلُهُ [2087] (عَنْ مُوسَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ الْحَارِثِ التَّمِيمِيِّ الْمَدَنِيِّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (إِذَا دَخَلْتُمْ عَلَى الْمَرِيضِ) أَيْ لِعِيَادَتِهِ (فَنَفِّسُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ) أَيْ أَذْهِبُوا لحزنه فيما يتعلق بأجله بأن تقولوا لابأس طَهُورٌ أَوْ يُطَوِّلُ اللَّهُ عُمُرَكَ وَيَشْفِيكَ وَيُعَافِيكَ أَوْ وَسِّعُوا لَهُ فِي أَجَلِهِ فَيَتَنَفَّسُ عَنْهُ الْكَرْبُ وَالتَّنْفِيسُ التَّفْرِيجُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ طَمِّعُوهُ فِي طُولِ عُمُرِهِ وَاللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ التَّنْفِيسُ التَّفْرِيجُ أَيْ فَرِّجُوا لَهُ وَأَذْهِبُوا كَرْبَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَجَلِهِ بِأَنْ تَدْعُوا لَهُ بطول العمر وذهاب المرض وأن تقولوا لابأس وَلَا تَخَفْ سَيَشْفِيكَ اللَّهُ وَلَيْسَ مَرَضُكَ صَعْبًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ شَيْئًا مِنَ الْمَوْتِ الْمُقَدَّرِ وَلَا يُطَوِّلُ عُمُرَهُ لَكِنْ يُطَيِّبُ نَفْسَهُ وَيُفَرِّجُهُ وَيَصِيرُ ذَلِكَ سَبَبًا لِانْتِعَاشِ طَبِيعَتِهِ وَتَقْوِيَتِهَا وَيُضْعِفُ الْمَرَضَ انْتَهَى (فَإِنَّ ذلك) أي

تَنْفِيسَكُمْ لَهُ (لَا يَرُدُّ شَيْئًا) أَيْ مِنَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ (وَيُطَيِّبُ) بِالتَّشْدِيدِ (نَفْسَهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى المفعولية يعني لابأس عَلَيْكُمْ بِتَنْفِيسِكُمْ لَهُ فَإِنَّ ذَلِكَ التَّنْفِيسَ لَا أَثَرَ لَهُ إِلَّا فِي تَطْيِيبِ نَفْسِهِ فَلَا يَضُرُّكُمْ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ عَدُّوا مِنْ آدَابِ الْعِيَادَةِ تَشْجِيعَ الْعَلِيلِ بِلَطِيفِ الْمَقَالِ وَحُسْنِ الْحَالِ قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَفِي سَنَدِهِ مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إبراهيم وهو منكر الحديث كما عرفت

27 - كتاب الفرائض

27 - كتاب الْفَرَائِضِ بِالْهَمْزِ جَمْعُ فَرِيضَةٍ أَيِ الْمُقَدَّرَاتُ الشَّرْعِيَّةُ فِي الْمَتْرُوكَاتِ الْمَالِيَّةِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْفَرْضُ أَصْلُهُ الْقَطْعُ يُقَالُ فَرَضْتُ لِفُلَانٍ إِذَا قَطَعْتُ لَهُ مِنَ الْمَالِ شَيْئًا وَفِي الْمُغْرِبِ الْفَرِيضَةُ اسْمُ مَا يُفْرَضُ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَقَدْ يُسَمَّى بِهَا كُلُّ مُقَدَّرٍ فَقِيلَ الْأَنْصِبَاءُ الْمَوَارِيثُ فَرَائِضُ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ لِأَصْحَابِهَا ثُمَّ قِيلَ لِلْعِلْمِ بِمَسَائِلِ الْمِيرَاثِ عِلْمُ الْفَرَائِضِ وَلِلْعَالِمِ بِهَا فَرْضِيٌّ وَفَارِضٌ (باب ما جا في من ترك مالا فلورثته) قَوْلُهُ [2090] (مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلِوَرَثَتِهِ (وَمَنْ تَرَكَ ضِيَاعًا) بِفَتْحِ الضَّادِ وَيُكْسَرُ أَيْ عِيَالًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ الضَّيَاعُ هُنَا وَصْفٌ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ بِالْمَصْدَرِ أَيْ تَرَكَ أَوْلَادًا أَوْ عِيَالًا ذَوِي ضَيَاعٍ أَيْ لَا شَيْءَ لَهُمْ وَالضَّيَاعُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ ضَاعَ ثُمَّ جُعِلَ اسْمًا لِكُلِّ مَا يُعَرَّضُ لِلضَّيَاعِ (فَإِلَيَّ) أَيْ مَرْجِعُهُ وَمَأْوَاهُ أَوْ فَلْيَأْتِ إِلَيَّ أَيْ أَنَا أَتَوَلَّى أُمُورَهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ وَأَنْصُرُهُمْ فَوْقَ مَا كَانَ مِنْهُمْ لَوْ عَاشُوا فَأَذُبُّ الْمُسْتَأْكِلَةِ مِنَ الظَّلَمَةِ أَنْ يَحُومُوا حَوْلَهُ فَيَخْلُصُ لِوَرَثَتِهِ

باب ما جاء في تعليم الفرائض

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأحمد والنسائي وبن مَاجَهْ (وَقَدْ رَوَاهُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْوَلَ مِنْ هَذَا وَأَتَمَّ) رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنِ بن شِهَابٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً فَعَلَيْنَا قَضَاؤُهُ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود والنسائي وبن حِبَّانَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ) قَوْلُهُ [2091] (تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَالْقُرْآنَ) قِيلَ الْمُرَادُ بِالْفَرَائِضِ هُنَا عِلْمُ الْمِيرَاثِ وَقِيلَ مَا افْتَرَضَ الله تعالى على عباده بقرينة ذكر القرا ن (وَعَلِّمُوا النَّاسَ) الْمَذْكُورَ (فَإِنِّي مَقْبُوضٌ) يَقْبِضُنِي اللَّهُ تَعَالَى وَيُمِيتُنِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ فِيهِ اضْطِرَابٌ) وَقَدْ بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ (وَرَوَى أَبُو أُسَامَةَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ وَرَدَ فِي الْحَثِّ عَلَى تَعَلُّمِ الْفَرَائِضِ حَدِيثٌ لَيْسَ عَلَى شَرْطِ الْمُصَنِّفِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وصححه الحاكم من حديث بن مَسْعُودٍ رَفَعَهُ تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ فَإِنِّي امْرُؤٌ مَقْبُوضٌ وَإِنَّ الْعِلْمَ سَيُقْبَضُ حَتَّى يَخْتَلِفَ الاثنان في الفريضة فلا يحدان من يفصل بينها وَرُوَاتُهُ مُوثَقُونَ إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ إِنَّهُ

باب ما جاء في ميراث البنات

مُضْطَرِبٌ وَالِاخْتِلَافُ عَلَيْهِ أَنَّهُ جَاءَ عَنْهُ مِنْ طريق بن مَسْعُودٍ وَجَاءَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي أَسَانِيدِهَا عَنْهُ أَيْضًا اخْتِلَافٌ وَلَفْظُهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ فَإِنَّهَا نِصْفُ الْعِلْمِ وَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا يُنْزَعُ مِنْ أُمَّتِي وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ رَاشِدٍ الْحِمَّانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَالْفَرَائِضَ وَرَاشِدٌ مَقْبُولٌ لَكِنَّ الرَّاوِيَ عَنْهُ مَجْهُولٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ بِلَفْظِ تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ وَعَلِّمُوهَا النَّاسَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَطِيَّةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ قال بن الصَّلَاحِ لَفْظُ النِّصْفِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِمَعْنَى أحد القسمين وإن لم يتساويا وقال بن عُيَيْنَةَ إِذَا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ إِنَّهُ يُبْتَلَى بِهِ كُلُّ النَّاسِ وَقَالَ غَيْرُهُ لِأَنَّ لَهُمْ حَالَتَيْنِ حَالَةَ حَيَاةٍ وَحَالَةَ مَوْتٍ وَالْفَرَائِضُ تَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْمَوْتِ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ مُلَخَّصًا قُلْتُ قَوْلُهُ وَلَفْظُهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَعَلَّمُوا الْفَرَائِضَ إِلَخْ فِيهِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ لَفْظَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةِ الْمَذْكُورِ في الباب نعم رواه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْهُ بِنَحْوِ هَذَا اللَّفْظِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ (بَاب مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الْبَنَاتِ) قَوْلُهُ [2092] (جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيِ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ وَكَانَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَدُفِنَ هُوَ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ (قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ) أَيْ مُصَاحِبًا لَكَ قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ مَعَكَ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ أَيْ كَانَا مَعَكَ لَا ظَرْفُ لَغْوٍ مُتَعَلِّقٌ بِقُتِلَ (شَهِيدًا) تَمْيِيزٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مُؤَكِّدَةً لِأَنَّ السَّابِقَ فِي مَعْنَى الشَّهَادَةِ (وَأَنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا) أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي حِرْمَانِ النِّسَاءِ مِنَ الْمِيرَاثِ (فَلَمْ

باب ما جاء في ميراث ابنة الابن مع ابنة الصلب

يَدَعْ لَهُمَا مَالًا) أَيْ وَلَمْ يَتْرُكْ عَمُّهُمَا لَهُمَا مَالًا يُنْفَقُ عَلَيْهِمَا أَوْ تُجَهَّزَانِ بِهِ لِلزَّوَاجِ (وَلَا تُنْكَحَانِ) أَيْ لَا تُزَوَّجَانِ عَادَةً أَوْ غَالِبًا أَوْ مَعَ الْعِزَّةِ (قَالَ يَقْضِي اللَّهُ فِي ذَلِكَ) أَيْ يَحْكُمُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ (فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ) أَيْ قَوْلُهُ تَعَالَى يوصيكم الله في أولادكم وَأَعْطِ أُمَّهُمَا الثُّمُنَ وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ) (وَمَا بَقِيَ فَهُوَ لَكَ) أَيْ بِالْعُصُوبَةِ وَهَذَا أَوَّلُ مِيرَاثٍ فِي الْإِسْلَامِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ رَحِمَهُ الله واختلف في البنتين فقال بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْوَاحِدَةِ أَيْ لَا حُكْمُ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الثُّلُثَيْنِ لِمَا فَوْقَهُمَا وَقَالَ الْبَاقُونَ حُكْمُهُمَا حُكْمُ مَا فَوْقَهُمَا لِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ حَظَّ الذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ إِذَا كَانَ مَعَهُ أُنْثَى وَهُوَ الثُّلُثَانِ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ فَرْضَهُمَا الثُّلُثَانِ ثُمَّ لِمَا أَوْهَمَ ذَلِكَ أن يزاد النصيب بزيادة العددرد ذَلِكَ الْوَهْمَ بِقَوْلِهِ (فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثنتين) وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْبِنْتَ الْوَاحِدَةَ لَمَّا اسْتَحَقَّتِ الثُّلُثَ مَعَ أَخِيهَا فَبِالْحَرِيِّ أَنْ تَسْتَحِقَّهُ مَعَ أُخْتٍ مِثْلِهَا وَأَنَّ الْبِنْتَيْنِ أَمَسُّ رَحِمًا مِنَ الْأُخْتَيْنِ وَقَدْ فَرَضَ لَهُمَا الثُّلُثَيْنِ بِقَوْلِهِ (فَلَهُمَا الثلثان مما ترك) انْتَهَى وَالْحَدِيثُ يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغِ بن عَبَّاسٍ أَوْ مَا صَحَّ عِنْدَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ (بَاب مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ ابْنَةِ الِابْنِ مَعَ ابْنَةِ الصُّلْبِ) قَوْلُهُ [2093] (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي مُوسَى وَسُلَيْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ) فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ الْأَمِيرُ وَإِلَى سُلَيْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ الْحَافِظُ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَمَّرَ أَبَا مُوسَى عَلَى الْكُوفَةِ وكان بن مَسْعُودٍ قَبْلَ ذَلِكَ أَمِيرَهَا ثُمَّ عُزِلَ قَبْلَ وِلَايَةِ أَبِي مُوسَى عَلَيْهَا بِمُدَّةٍ قَالَ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ سُلَيْمَانَ الْمَذْكُورَ كَانَ عَلَى قَضَاءِ الْكُوفَةِ (فَقَالَا لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ مَا بَقِيَ) يَعْنِي النِّصْفَ الْبَاقِيَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أخت فلها نصف ما ترك وفيه أن قَالَ الْحَافِظُ كَانَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ فِي زَمَنِ

عثمان رضي الله تعالى عنه لأنه الْوَلَدَ يَشْمَلُ الْبِنْتَ فَكَأَنَّهُ غَفَلَ عَنْ هَذَا أَوْ أَرَادَ أَنَّ الْوَلَدَ مُخْتَصٌّ بِالذَّكَرِ أَوْ قَالَ لِلْأُخْتِ النِّصْفُ عَلَى جِهَةِ التَّعْصِيبِ كَذَا في المرقاة (إلى عبد الله) أي بن مَسْعُودٍ (فَإِنَّهُ سَيُتَابِعُنَا) أَيْ يُوَافِقُنَا (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا) أَيْ إِنْ وَافَقْتهمَا فِي هَذَا الْجَوَابِ (وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) أَيْ حِينَئِذٍ إِلَى الصَّوَابِ (وَلَكِنِّي أَقْضِي فِيهَا) أَيْ فِي الْمَسْأَلَةِ (تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ بِالْإِضَافَةِ وَنَصْبُهُ عَلَى الْمَفْعُولِ لَهُ أَيْ لِتَكْمِيلِ الثُّلُثَيْنِ) وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (إِمَّا مَصْدَرٌ مُؤَكَّدٌ لِأَنَّكَ إِذَا أَضَفْتَ السُّدُسَ إِلَى النِّصْفِ فَقَدْ كَمَّلْتَهُ ثُلُثَيْنِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مُؤَكِّدَةً (وَلِلْأُخْتِ مَا بَقِيَ) أَيْ لِكَوْنِهَا عَصَبَةً مَعَ الْبَنَاتِ وَبَيَانُهُ أَنَّ حَقَّ الْبَنَاتِ الثُّلُثَانِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَخَذَتِ الصَّبِيَّةُ الْوَاحِدَةُ النِّصْفَ لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ فَبَقِيَ سُدُسٌ مِنْ حَقِّ الْبَنَاتِ فَتَأْخُذُهُ بَنَاتُ الِابْنِ وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ مُتَعَدِّدَةً وَمَا بَقِيَ مِنَ التَّرِكَةِ فَلِأَوْلَى عَصَبَةٍ فَبَنَاتُ الِابْنِ مِنْ ذَوَاتِ الْفُرُوضِ مَعَ الْوَاحِدَةِ مِنَ الصُّلْبِيَّاتِ كَذَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ فِي شَرْحِ الْفَرَائِضِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ (وَأَبُو قَيْسٍ الْأَوْدِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ) بِمُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءٍ سَاكِنَةٍ صَدُوقٌ رُبَّمَا خَالَفَ مِنَ السَّادِسَةِ مَاتَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ

باب ما جاء في ميراث الاخوة من الأب والأم

5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ) قَوْلُهُ [2094] (وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) بِكَسْرِ إِنَّ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (وَأَنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ) بِفَتْحِ أَنَّ وَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ أَيْ وَقَضَى بِأَنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ وَالْمُرَادُ مِنْ أَعْيَانِ بَنِي الْأُمِّ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ وَاحِدَةٍ مِنْ عَيْنِ الشَّيْءِ وَهُوَ النَّفِيسُ مِنْهُ (يَرِثُونَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَتَوَارَثُونَ (دُونَ بَنِي الْعِلَّاتِ) وَهُمُ الْإِخْوَةُ لِأَبٍ وَأُمَّهَاتٍ شَتَّى وَالْمَعْنَى أَنَّ بَنِي الْأَعْيَانِ إِذَا اجْتَمَعُوا مَعَ بَنِي الْعِلَّاتِ فَالْمِيرَاثُ لِبَنِي الْأَعْيَانِ لِقُوَّةِ الْقَرَابَةِ وَازْدِوَاجِ الْوَصْلَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ قوله إنكم تقرأون إخبار فيه معنى الاستفهام يعني إنكم أتقرأون هَذِهِ الْآيَةَ هَلْ تَدْرُونَ مَعْنَاهَا فَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ فِي الْقَضَاءِ وَالْآخِرَةُ فِيهَا مُطْلَقٌ يُوهِمُ التَّسْوِيَةَ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَقْدِيمِ الدَّيْنِ عَلَيْهَا وَقَضَى فِي الْإِخْوَةِ بِالْفَرْقِ انْتَهَى (الرَّجُلُ يَرِثُ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ) اسْتِئْنَافٌ كَالتَّفْسِيرِ لِمَا قَبْلَهُ وَذَكَرَ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي التَّلْخِيصِ وَفِيهِ يَرِثُ الرَّجُلُ أخوه لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ دُونَ أَخِيهِ لِأَبِيهِ وَعَزَّاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ فَإِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ مُقَدَّمًا عَلَى الْوَصِيَّةِ فَلِمَ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ فِي التَّنْزِيلِ قُلْتُ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهَا الْكَشَّافُ لَمَّا كَانَتِ الْوَصِيَّةُ مُشَبَّهَةً بِالْمِيرَاثِ فِي كَوْنِهَا مَأْخُوذَةً مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ كَانَ إِخْرَاجُهَا مِمَّا يَشُقُّ عَلَى الْوَرَثَةِ وَيَتَعَاظَمُ وَلَا تَطِيبُ أَنْفُسُهُمْ بِهَا كَانَ أَدَاؤُهَا مَظِنَّةً لِلتَّفْرِيطِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّ نُفُوسَهُمْ مُطْمَئِنَّةٌ إِلَى أَدَائِهِ فَلِذَلِكَ قُدِّمَتْ عَلَى الدَّيْنِ بَعْثًا عَلَى وُجُوبِهَا وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى إِخْرَاجِهَا مَعَ الدَّيْنِ وَلِذَلِكَ جِيءَ بِكَلِمَةِ أَوْ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا في الوجوب قاله القارىء قُلْتُ وَسَيَأْتِي وَجْهُ تَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ مُفَصَّلًا فِي بَابٍ يُبْدَأُ بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ قَوْلُهُ [2095] (أَنَّ أَعْيَانَ بَنِي الْأُمِّ يَتَوَارَثُونَ دُونَ بَنِي الْعِلَّاتِ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ آنِفًا

باب ميراث البنين مع البينات

قَوْلُهُ (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْحَارِثِ) ذَكَرَ الْحَافِظُ كَلَامَهُمْ فِيهِ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْوَرُ الْهَمْدَانِيُّ الْحُوتِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو زُهَيْرٍ صَاحِبُ عَلِيٍّ كَذَّبَهُ الشَّعْبِيُّ فِي رائه وَرُمِيَ بِالرَّفْضِ وَفِي حَدِيثِهِ ضَعْفٌ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ سِوَى حَدِيثَيْنِ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ وَالْحَارِثُ فِيهِ ضَعْفٌ وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إِنَّهُ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ لَكِنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ وَكَانَ عَالِمًا بِالْفَرَائِضِ وَقَدْ قَالَ النَّسَائِيُّ لابأس بِهِ انْتَهَى (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عِنْدَ عَامَّةِ أهل العلم (باب ميراث البنين مع البينات) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَابٌ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا بَابُ مِيرَاثِ الْبَنِينَ مَعَ الْبَنَاتِ قَوْلُهُ [2096] (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُثْمَانَ الدَّشْتَكِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّازِيُّ المقرئ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ) الرَّازِيُّ الْأَزْرَقُ كُوفِيٌّ نَزَلَ الرَّيَّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (وَأَنَا مَرِيضٌ فِي بَنِي سَلِمَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ هُمْ قَوْمُ جَابِرٍ وَهُمْ بَطْنٌ مِنَ الْخَزْرَجِ (بَيْنَ وَلَدِي) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ بِزِيَادَةِ لَفْظِ بَيْنَ وَلَدِي وَلَمْ يَقَعْ هَذَا اللَّفْظُ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ وَلَا فِي رِوَايَةٍ وَاحِدٍ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ بَلْ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِنَّمَا لِي أَخَوَاتٌ فَبَيْنَ

باب ميراث الأخوات

رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتِ مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي الصَّحِيحِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ (فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ شَيْئًا فَنَزَلَتْ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مثل حظ الأنثيين الْآيَةَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ فَلَمْ يُجِبْنِي شَيْئًا وَكَانَ لَهُ تِسْعُ أَخَوَاتٍ حَتَّى نَزَلَتْ آيَةُ الميراث يستفتونك قل الله يفتيكم الخ قال بن الْعَرَبِيِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي إِحْدَاهُمَا فنزلت (يستفتونك) وَفِي أُخْرَى آيَةُ الْمَوَارِيثِ هَذَا تَعَارُضٌ لَمْ يَتَّفِقْ بَيَانُهُ إِلَى الْآنِ ثُمَّ أَشَارَ إِلَى تَرْجِيحِ آيَةِ الْمَوَارِيثِ وَتَوْهِيمِ يَسْتَفْتُونَكَ قَالَ الْحَافِظُ وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ كُلًّا مِنَ الْآيَتَيْنِ لِمَا كَانَ فِيهَا ذِكْرُ الْكَلَالَةِ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ لَكِنَّ الْآيَةَ الْأُولَى لَمَّا كَانَتِ الْكَلَالَةُ فِيهَا خَاصَّةً بِمِيرَاثِ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ كَمَا كان بن مَسْعُودٍ يَقْرَأُ (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ) وَكَذَا قَرَأَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ اسْتَفْتَوْا عَنْ مِيرَاثِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْإِخْوَةِ فَنَزَلَتِ الْأَخِيرَةُ فَيُصْبِحُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْآيَتَيْنِ نَزَلَ فِي قِصَّةِ جَابِرٍ لَكِنَّ الْمُتَعَلِّقَ بِهِ مِنَ الْآيَةِ الْأُولَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكَلَالَةِ وَأَمَّا سَبَبُ نُزُولِ أَوَّلِهَا فَوَرَدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا فِي قِصَّةِ ابْنَتَيْ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَمَنَعَ عَمُّهُمَا أَنْ تَرِثَا من أبيهما فنزلت يوصيكم الله الاية انتهى (بَابُ مِيرَاثِ الْأَخَوَاتِ) سَقَطَ هَذَا الْبَابُ مِنْ بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلُهُ [2097] (قَدْ أُغْمِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أُغْمِيَ عَلَى الْمَرِيضِ غُشِيَ عَلَيْهِ كَأَنَّ الْمَرَضَ سَتَرَ عَقْلَهُ وَغَطَّاهُ انْتَهَى وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ الْإِغْمَاءُ وَالْغَشْيُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ الْغَشْيَ مَرَضٌ يَحْصُلُ مِنْ طُولِ التَّعَبِ وَهُوَ أَخَفُّ مِنَ الْإِغْمَاءِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُنُونِ وَالنَّوْمِ أَنَّ الْعَقْلَ يَكُونُ فِي الْإِغْمَاءِ مَغْلُوبًا وَفِي الْجُنُونِ يَكُونُ مَسْلُوبًا وَفِي النَّوْمِ

باب في ميراث العصبة

يكون مستورا انتهى (فصب علي من وضوءه) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَقَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ صَبَّ عَلَيَّ بَعْضَ الْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَ بِهِ أَوْ مِمَّا بَقِيَ مِنْهُ وَالْأَوَّلُ الْمُرَادُ فَلِلْمُصَنِّفِ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ فِي الِاعْتِصَامِ ثُمَّ صَبَّ وضوئه عَلَيَّ وَلِأَبِي دَاوُدَ فَتَوَضَّأَ وَصَبَّهُ عَلَيَّ انْتَهَى (فأفقت) أي من إغمائي (يستفتونك) أَيْ يَسْتَخْبِرُونَكَ فِي الْكَلَالَةِ وَالِاسْتِفْتَاءُ طَلَبُ الْفَتْوَى (قل الله يفتيكم في الكلالة) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ قَدْ تَكَرَّرَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْكَلَالَةِ وَهُوَ أَنْ يَمُوتَ الرَّجُلُ وَلَا يَدَعُ وَالِدًا وَلَا وَلَدًا يَرِثَانِهِ وَأَصْلُهُ مَنْ تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ إِذَا أَحَاطَ بِهِ وَقِيلَ الْكَلَالَةُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ لَيْسَ فِيهِمْ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ فَهُوَ وَاقِعٌ عَلَى الْمَيِّتِ وَعَلَى الْوَارِثِ بِهَذَا الشَّرْطِ وَقِيلَ الْأَبُ وَالِابْنُ طَرَفَانِ لِلرَّجُلِ فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَخْلُفْهُمَا فَقَدْ مَاتَ عَنْ ذَهَابِ طَرَفَيْهِ فَسُمِّيَ ذَهَابُ الطَّرَفَيْنِ كَلَالَةً وَقِيلَ كُلُّ مَا احْتَفَّ بِالشَّيْءِ مِنْ جَوَانِبِهِ فَهُوَ إِكْلِيلٌ وَبِهِ سُمِّيَتْ لِأَنَّ الْوُرَّاثَ يُحِيطُونَ بِهِ مِنْ جَوَانِبِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ الْكَلَالَةُ الْمَيِّتُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ وَهُوَ قول جمهور اللغويين وقال به علي وبن مَسْعُودٍ أَوِ الَّذِي لَا وَالِدَ لَهُ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ أَوِ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِهِمْ أَوْ مَنْ لَا يَرِثُهُ أَبٌ وَلَا أُمٌّ وَعَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ فَالْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْمَيِّتِ وَقِيلَ الْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْوَرَثَةِ مَا عَدَا الْأَبَوَيْنِ وَالْوَلَدِ قَالَهُ قُطْرُبٌ وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَسُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَيِّتَ بِذَهَابِ طَرَفَيْهِ تَكَلَّلَهُ الْوَرَثَةُ أَيْ أَحَاطُوا بِهِ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطَّهَارَةِ وَفِي التَّفْسِيرِ وَفِي الطِّبِّ وَفِي الْفَرَائِضِ وَفِي الِاعْتِصَامِ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّسَائِيُّ فِيهِ وَفِي الطَّهَارَةِ وَفِي التَّفْسِيرِ وَفِي الطِّبِّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي التَّفْسِيرِ (بَاب فِي مِيرَاثِ الْعَصَبَةِ) قَوْلُهُ [2098] (أَلْحِقُوا) بِفَتْحِ هَمْزَةٍ وَكَسْرِ حَاءٍ أَيْ أَوْصِلُوا (الْفَرَائِضَ) أَيِ الْحِصَصَ الْمُقَدَّرَةَ فِي كِتَابِ

اللَّهِ تَعَالَى مِنْ تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَهِيَ النِّصْفُ وَالرُّبُعُ وَالثُّمُنُ وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ (بِأَهْلِهَا) أَيِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (فَمَا بَقِيَ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ فَمَا فَضَلَ بَيْنَهُمْ مِنَ الْمَالِ (فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ) أَيْ لِأَقْرَبِ رَجُلٍ مِنَ الْمَيِّتِ (ذَكَرٍ) تَأْكِيدٌ أَوِ احْتِرَازٌ مِنَ الْخُنْثَى وَقِيلَ أَيْ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِالْأَوْلَى الْأَقْرَبُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَلْيِ بِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى وَزْنِ الرَّمْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِأَوْلَى هُنَا أَحَقَّ بِخِلَافِ قَوْلِهِمِ الرَّجُلُ أَوْلَى بِمَالِهِ لِأَنَّهُ لَوْ حُمِلَ هُنَا عَلَى أَحَقَّ لَخَلَا عَنِ الْفَائِدَةِ لِأَنَّا لَا نَدْرِي مَنْ هُوَ الْأَحَقُّ وَوَصَفَ الرَّجُلَ بِالذَّكَرِ تَنْبِيهًا عَلَى سَبَبِ اسْتِحْقَاقِهِ وَهِيَ الذُّكُورَةُ الَّتِي هِيَ سَبَبُ الْعُصُوبَةِ وَسَبَبُ الترجيح في الأرث ولهذا جعل لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَحِكْمَتُهُ أَنَّ الرِّجَالَ تَلْحَقُهُمْ مُؤَنٌ كَثِيرَةٌ بِالْقِيَامِ بِالْعِيَالِ وَالضِّيفَانِ وَإِرْفَادِ الْقَاصِدِينَ وَمُوَاسَاةِ السَّائِلِينَ وَتَحَمُّلِ الْغَرَامَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَا بَقِيَ بَعْدَ الْفُرُوضِ فَهُوَ لِلْعَصَبَاتِ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَلَا يَرِثُ عَاصِبٌ بَعِيدٌ مَعَ وُجُودِ قَرِيبٍ فَإِذَا خَلَفَ بِنْتًا وَأَخًا وَعَمًّا فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ فَرْضًا وَالْبَاقِي لِلْأَخِ وَلَا شَيْءَ لِلْعَمِّ وَجُمْلَةُ عَصَبَاتِ النَّسَبِ الِابْنُ وَالْأَبُ وَمَنْ يُدْلَى بِهِمَا وَيُقَدَّمُ مِنْهُمُ الْأَبْنَاءُ ثُمَّ بَنُوهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الْإِخْوَةُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَهُمْ فِي دَرَجَةٍ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَحْجُبُ الْبَعْضَ وَالْحَجْبُ نَوْعَانِ حَجْبُ نُقْصَانٍ وَحَجْبُ حِرْمَانٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) بَلْ هُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهُ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ عَنِ بن طاؤس عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قِيلَ تفرد وهيب بوصله ورواه النوري عن بن طاؤس لم يذكر بن عَبَّاسٍ بَلْ أَرْسَلَهُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَأَشَارَ النَّسَائِيُّ إِلَى تَرْجِيحِ الْإِرْسَالِ وَرَجَّحَ عِنْدَ صَاحِبَيِ الصَّحِيحِ الْمَوْصُولَ لِمُتَابَعَةِ رَوْحِ بْنِ الْقَاسِمِ وُهَيْبًا عِنْدَهُمَا وَيَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَزِيَادِ بْنِ سَعْدٍ وَصَالِحٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَاخْتُلِفَ عَلَى مَعْمَرٍ فَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ مَوْصُولًا أَخْرَجَهُ مسلم وأبو داود والترمذي وبن مَاجَهْ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ مَعْمَرٍ وَالثَّوْرِيِّ جَمِيعًا مُرْسَلًا أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَمَلَ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ عَلَى رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ وَإِنَّمَا صَحَّحَاهُ لِأَنَّ الثَّوْرِيَّ وَإِنْ كَانَ أَحْفَظَ مِنْهُمْ لَكِنَّ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ يُقَاوِمُهُ وَإِذَا تَعَارَضَ الْوَصْلُ وَالْإِرْسَالُ وَلَمْ يُرَجَّحْ أَحَدُ الطَّرِيقَيْنِ قُدِّمَ الْوَصْلُ انْتَهَى

باب ما جاء في ميراث الجد

9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الْجَدِّ) قَوْلُهُ [2099] (فقال إن بن ابني مات فمالي مِنْ مِيرَاثِهِ) أَيْ وَلَهُ بِنْتَانِ وَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَكَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ (قَالَ لَكَ السُّدُسُ) أَيْ بِالْفَرْضِيَّةِ (يُقَالُ لَكَ سُدُسٌ آخَرُ) أَيْ بِالْعُصُوبَةِ (قال إن السدس الأخر) قال القارىء فِي شَرْحِ الْمِشْكَاةِ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالْفَتْحِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْآخِرُ بِالْكَسْرِ (لَكَ طُعْمَةٌ) يَعْنِي رِزْقٌ لَكَ بِسَبَبِ عَدَمِ كَثْرَةِ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ لَكَ فَإِنَّهُمْ إِنْ كَثُرُوا لَمْ يَبْقَ هَذَا السُّدُسُ الْأَخِيرُ لَكَ قَالَ الطِّيبِيُّ صُورَةُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمَيِّتَ تَرَكَ بِنْتَيْنِ وَهَذَا السَّائِلُ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ فَبَقِيَ الثُّلُثُ فَدَفَعَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى السَّائِلِ سُدُسًا بِالْفَرْضِ لِأَنَّهُ جَدُّ الْمَيِّتِ وَتَرَكَهُ حَتَّى ذَهَبَ فَدَعَاهُ وَدَفَعَ إِلَيْهِ السُّدُسَ الأخير كيلا يَظُنَّ أَنَّ فَرْضَهُ لِلثُّلُثِ وَمَعْنَى الطُّعْمَةِ هُنَا التَّعْصِيبُ أَيْ رِزْقٌ لَكَ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَإِنَّمَا قَالَ فِي السُّدُسِ الْآخِرِ طُعْمَةٌ دُونَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ فَرْضٌ وَالْفَرْضُ لَا يَتَغَيَّرُ بِخِلَافِ التَّعْصِيبِ فَلَمَّا لَمْ يَكُنِ التَّعْصِيبُ شَيْئًا مُسْتَقِرًّا ثَابِتًا أَسْمَاهُ طُعْمَةً انْتَهَى اعْلَمْ أَنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي الْجَدِّ اخْتِلَافًا طَوِيلًا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى هذه الكتب قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ وَغَيْرُهُمَا إِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عِمْرَانَ بن حصين انتهى قلت قد أسند بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ الْمَرَاسِيلِ عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ شَيْئًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ معقل بن يسار) أخرجه أحمد عن الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ عَنْ فَرِيضَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَدِّ فَقَامَ مَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ الْمُزَنِيُّ فَقَالَ قَضَى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَاذَا قَالَ السُّدُسُ قَالَ مَعَ مَنْ قال لا أدري قال لادريت فَمَا تُغْنِي إِذَنْ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ

باب ما جاء في ميراث الجدة

وبن مَاجَهْ وَلَكِنَّهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ لَمْ يُدْرِكِ السَّمَاعَ مِنْ عُمَرَ فَإِنَّهُ وُلِدَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَقُتِلَ عُمَرُ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ وَقِيلَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ لِلْحَسَنِ سَمَاعٌ مِنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الْجَدَّةِ) قَوْلُهُ [2100] (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هو بن عيينة (قال قبيصة بن ذويب) قال في التقريب قبيصة بن ذويب بالمعجمة مصغر بن حلحة الخزاعي أبو سعيد أو أبي إِسْحَاقَ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ دِمَشْقَ مِنْ أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ وَلَهُ رُؤْيَةٌ مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَثَمَانِينَ قَوْلُهُ (جاء الْجَدَّةُ أُمُّ الْأُمِّ أَوْ أُمُّ الْأَبِ) شَكٌّ من الراوي وقد ذكر القاضي حسين أم الْجَدَّةَ الَّتِي جَاءَتْ إِلَى الصِّدِّيقِ أُمُّ الْأُمِّ وَأَنَّ الَّتِي جَاءَتْ إِلَى عُمَرَ أُمُّ الْأَبِ وفي رواية بن مَاجَهْ مَا يَدُلُّ لَهُ كَذَا فِي التَّلْخِيصِ (مَا أَجِدُ لَكِ فِي الْكِتَابِ) أَيْ فِي كِتَابِ اللَّهِ (ثُمَّ جَاءَتِ الَّتِي تُخَالِفُهَا) وَفِي نسخة الجدة الأخرى وفي رواية بن مَاجَهْ ثُمَّ جَاءَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى مِنْ قِبَلِ الْأَبِ إِلَى عُمَرَ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا (وَأَيَّتُكُمَا انْفَرَدَتْ بِهِ) أَيِ انْفَرَدَتْ بِالسُّدُسِ وَكَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا إِلَخْ بَيَانٌ لِلْمَسْأَلَةِ وَالْخِطَابُ فِي فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا وَأَيَّتُكُمَا لِلْجِنْسِ لَا يَخْتَصُّ بِهَاتَيْنِ الْجَدَّتَيْنِ فَالصِّدِّيقُ إِنَّمَا حَكَمَ بِالسُّدُسِ لَهَا لِأَنَّهُ مَا وَقَفَ عَلَى الشَّرِكَةِ وَالْفَارُوقُ لَمَّا وَقَفَ عَلَى الِاجْتِمَاعِ حَكَمَ بِالِاشْتِرَاكِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ

قَوْلُهُ [2101] (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خَرَشَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُثْمَانُ بْنُ إِسْحَاقِ بْنِ خَرَشَةَ بِمُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ مَفْتُوحَاتٌ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ المدني وثقه الدوري في رواية بن معين من الخامسة قوله (مالك في كتاب الله) أي في كلامه (ومالك فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ فِي حَدِيثِهِ (فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (فَأَنْفَذَهُ لَهَا) أَيْ فَأَنْفَذَ الْحُكْمَ بِالسُّدُسِ لِلْجَدَّةِ وَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا (ثُمَّ جَاءَتِ الْجَدَّةُ الْأُخْرَى) أَيْ مِنْ قبل الأب كما في رواية بن ماجة (ولكن هو ذلك) قال القارىء بِكَسْرِ الْكَافِ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالْفَتْحِ عَلَى خِطَابِ الْعَامِّ (السُّدُسَ) صِفَةُ ذَلِكَ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ لَهُ أَيْ مِيرَاثُكِ ذَلِكَ السُّدُسُ بِعَيْنِهِ تَقْسِمَانِهِ بَيْنَكُمَا (فَإِنِ اجْتَمَعْتُمَا) وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا وَتَوْضِيحٌ لِمَنْطُوقِ مَا فُهِمَ مَفْهُومًا وَالْخِطَابُ لِلْجَدَّةِ مِنْ طَرَفِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ مِنْ طَرَفِ الْأَبِ (وَأَيَّتُكُمَا خَلَتْ بِهِ) أَيِ انْفَرَدَتْ بِالسُّدُسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وبن حبان والحاكم من هذا الوجه وإسناد صَحِيحٌ لِثِقَةِ رِجَالِهِ إِلَّا أَنَّ صُورَتَهُ مُرْسَلٌ فَإِنَّ قَبِيصَةَ لَا يَصِحُّ لَهُ سَمَاعٌ مِنَ الصديق ولا يمكن شهوده للقصة قاله بن عَبْدِ الْبَرِّ بِمَعْنَاهُ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَوْلِدِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ وُلِدَ عَامَ الْفَتْحِ فَيَبْعُدُ شُهُودُهُ الْقِصَّةَ وَقَدْ أَعَلَّهُ عَبْدُ الْحَقِّ تَبَعًا لِابْنِ حَزْمٍ بِالِانْقِطَاعِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الصَّوَابُ قَوْلَ مَالِكٍ وَمَنْ تَابَعَهُ انتهى (وهو أصح من حديث بن عُيَيْنَةَ) لِأَنَّ مَالِكًا أَتْقَنُ وَأَثْبَتُ مِنْ سُفْيَانَ بن عيينة

باب ما جاء في ميراث الجدة مع ابنها

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ لِلْجَدَّةِ السُّدُسَ إِذَا لَمْ تَكُنْ دُونَهَا أُمٌّ وَفِي إِسْنَادِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ العتكي مختلف فيه وصححه بن السَّكَنِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الْجَدَّةِ مَعَ ابْنِهَا) قَوْلُهُ [2102] (أَطْعَمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُدُسًا) أَيْ أَعْطَاهَا تَبَرُّعًا قَالَهُ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ إِنَّهَا أَوَّلُ جَدَّةٍ مَقُولُ الْقَوْلِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْجَدَّةِ المذكورة في المسألة أي قال بن مَسْعُودٍ فِي مَسْأَلَةِ الْجَدَّةِ مَعَ الِابْنِ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ أَبِي الْمَيِّتِ سُدُسًا مَعَ وُجُودِ أَبِي الْمَيِّتِ مَعَ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهَا مَعَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) فِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ الْهَمْدَانِيُّ أَبُو سَهْلٍ الْكُوفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (وَقَدْ وَرَّثَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَدَّةَ مَعَ ابْنِهَا وَلَمْ يُوَرِّثْهَا بَعْضُهُمْ) قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ اعْلَمْ أَنَّ الْجَدَّاتِ سَوَاءٌ كَانَتْ أَبَوِيَّاتٍ أَوْ أُمِّيَّاتٍ يَسْقُطْنَ بِالْأُمِّ أَمَّا الْأُمِّيَّاتُ فَلِوُجُودِ إِدْلَائِهَا بِالْأُمِّ وَاتِّحَادِ السَّبَبِ الَّذِي هُوَ الْأُمُومَةُ وَأَمَّا الْأَبَوِيَّاتُ فَلِاتِّحَادِ السَّبَبِ مَعَ زِيَادَةِ الْقُرْبَى وَتَسْقُطُ الْأَبَوِيَّاتُ دُونَ الْأُمِّيَّاتِ بِالْأَبِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ وَنُقِلَ عَنْ عمر وبن مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ أُمَّ الْأَبِ ترث مع الأب واختاره شريح والحسن وبن سِيرِينَ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقِيلَ الْجَدَّةُ لَيْسَ لَهَا مِيرَاثٌ وَالَّذِي أَعْطَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُعْمَةً أَطْعَمَهَا وَلَمْ يَكُنْ مِيرَاثًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ لَفْظُ الْحَدِيثِ وَأَقْرَبُهُنَّ وَأَبْعَدُهُنَّ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ انْتَهَى

باب ما جاء في ميراث الخال

12 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الْخَالِ) قَوْلُهُ [2103] (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ حُنَيْفٍ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْيَاءِ وَبِالْفَاءِ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ صَدُوقٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (قَالَ كَتَبَ مَعِي) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ إِلَّا خَالٌ فَكَتَبَ فِي ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ إِلَى عُمَرَ فَكَتَبَ عُمَرُ أَيْ فِي جَوَابِهِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ) وَفِي حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ معد يكرب الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ أَنَا مَوْلَى مَنْ لا مولى له أرث ماله وأفك عانه (وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ) أَيْ إن مات بن أُخْتِهِ وَلَمْ يَخْلِطْ غَيْرُ خَالِهِ فَهُوَ يَرِثُهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَالْمِقْدَامِ بْنِ معد يكرب) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ الْمِقْدَامِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ فَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيْعَةً فَإِلَيَّ وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ وَأَنَا مَوْلَى مَنْ لَا مولى له أرث ماله وأفك عانه وَالْخَالُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ يَرِثُ مَالَهُ وَيَفُكُّ عَانِيَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أَنَا وارث من لا وارث له أفك عنيه وَأَرِثُ مَالَهُ وَالْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ له يفك عنيه وَيَرِثُ مَالَهُ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ أيضا أحمد والنسائي وبن ماجة والحاكم وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَاهُ وَحَسَّنَهُ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ وَأَعَلَّهُ البيهقي بالاضطراب قوله (هذا حديث حسن) وأخرحه أحمد وبن مَاجَهْ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ

قَوْلُهُ [2104] (أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ) اسْمُهُ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُسْلِمٍ الشَّيْبَانِيُّ أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عن بن جُرَيْجٍ) هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جُرَيْجٍ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ فَاضِلٌ وَكَانَ يُدَلِّسُ وَيُرْسِلُ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ) الْجُنْدِيِّ الْيَمَانِيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (الْخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ بِتَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ وَقَدْ تَعَسَّفَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ الْمُرَادُ بِالْخَالِ السُّلْطَانُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَأَعَلَّهُ النَّسَائِيُّ بِالِاضْطِرَابِ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقْفَهُ قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَرَّثَ بَعْضُهُمُ الْخَالَ وَالْخَالَةَ وَالْعَمَّةَ وَإِلَى هَذَا الْحَدِيثِ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ إِلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ ذَا الرَّحِمِ هُوَ كُلُّ قَرِيبٍ لَيْسَ بِذِي فَرْضٍ وَلَا عَصَبَةٍ فَأَكْثَرُ الصَّحَابَةِ كعمر وعلي وبن مَسْعُودٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ وَمُعَاذِ بْنِ جبل وأبي الدرداء وبن عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ مَشْهُورَةٍ وَغَيْرِهِمْ يَرَوْنَ تَوْرِيثَ ذَوِي الْأَرْحَامِ وَتَابَعَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ التابعين علقمة والنخعي وشريح والحسن وبن سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَزُفَرُ وَمَنْ تَابَعَهُمْ وَقَالَ زَيْدُ بن ثابت وبن عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ شَاذَّةٍ لَا مِيرَاثَ لِذَوِي الْأَرْحَامِ وَيُوضَعُ الْمَالُ عِنْدَ عَدَمِ صَاحِبِ الْفَرْضِ وَالْعَصَبَةِ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَتَابَعَهُمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ بأحاديث الباب وبعموم قوله تعالى وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض وَقَوْلِهِ تَعَالَى لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ

باب ما جاء في الذي يموت وليس له وارث

الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْأَقْرَبِينَ يَشْمَلُهُمْ وَالدَّلِيلُ عَلَى مُدَّعِي التَّخْصِيصِ وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالُوا عُمُومَاتُ الْكِتَابِ مُحْتَمَلَةٌ وَبَعْضُهَا مَنْسُوخٌ وَالْأَحَادِيثُ فِيهَا مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَقَالِ وَيُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ دَعْوَى الِاحْتِمَالِ إِنْ كَانَتْ لِأَجْلِ الْعُمُومِ فَلَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَقْدَحُ فِي الدَّلِيلِ وَإِلَّا اسْتَلْزَمَ إِبْطَالَ الِاسْتِدْلَالِ بِكُلِّ دَلِيلٍ عَامٍّ وَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَتْ لِأَمْرٍ آخَرَ فَمَا هُوَ وَأَمَّا الِاعْتِذَارُ عَنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ بِمَا فِيهَا مِنَ الْمَقَالِ فَقَدْ عَرَفْتَ مَنْ صَحَّحَهَا مِنَ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ حَسَّنَهَا وَلَا شَكَّ فِي انْتِهَاضِ مَجْمُوعِهَا لِلِاسْتِدْلَالِ إِنْ لَمْ يَنْتَهِضِ الْإِفْرَادُ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى إِبْطَالِ مِيرَاثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَأَلْتُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ مِيرَاثِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فَسَارَّنِي أَنْ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ مُرْسَلًا وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ مُرْسَلِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمُرْسَلَ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ وَلَهَا طُرُقٌ مَوْصُولَةٌ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَالشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَكُلُّ هَذِهِ الطُّرُقِ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ وَعَلَى فَرْضِ صَلَاحِيَتِهَا لِلِاحْتِجَاجِ فَهِيَ وَارِدَةٌ فِي الْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ فَغَايَتُهُ أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لَهُمَا وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ إِبْطَالَ مِيرَاثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ انْتَهَى 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الَّذِي يَمُوتُ وَلَيْسَ لَهُ وَارِثٌ) قَوْلُهُ [2105] (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيُّ الْكُوفِيُّ الْجُهَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ مَاتَ فِي إِمَارَةِ خَالِدٍ الْقُشَيْرِيِّ عَلَى الْعِرَاقِ (عَنْ مُجَاهِدِ بْنِ وَرْدَانَ) الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ قَوْلُهُ (وَقَعَ مِنْ عَذْقِ نَخْلَةٍ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْعَذْقُ بِالْفَتْحِ النَّخْلَةُ وَبِالْكَسْرِ الْعُرْجُونُ بِمَا فِيهِ مِنَ الشَّمَارِيخِ وَيُجْمَعُ عَلَى عِذَاقٍ (فَادْفَعُوهُ إِلَى بَعْضِ أَهْلِ الْقَرْيَةِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ اعْطُوا مِيرَاثَهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ قال القارىء أَيْ فَإِنَّهُ أَوْلَى مِنْ آحَادِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ القاضي رحمه

باب في ميراث المولى لأسفل

اللَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ أَنْ يُعْطِيَ رَجُلًا مِنْ قَرْيَتِهِ تَصَدُّقًا مِنْهُ أَوْ تَرَفُّقًا أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَمَصْرِفُهُ مَصَالِحُ الْمُسْلِمِينَ وَسَدُّ حَاجَاتِهِمْ فَوَضَعَهُ فِيهِمْ لِمَا رَأَى مِنَ الْمَصْلَحَةِ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَمَا لَا يُورَثُ عَنْهُمْ لَا يَرِثُونَ عَنْ غَيْرِهِمْ وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ لَا يَرِثُونَ وَلَا يورث عنهم عَنِ التَّلَبُّسِ بِالدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ وَانْقِطَاعِ أَسْبَابِهِمْ عَنْهَا وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْمِقْدَامِ وَأَنَا مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ أَرِثُ مَالَهُ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْمِيرَاثِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ إِلَيَّ فِي التَّصَدُّقِ بِهِ أَوْ صَرْفِهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ تَمْلِيكِ غَيْرِهِ انْتَهَى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ مَاتَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِيرَاثِهِ فَقَالَ الْتَمِسُوا لَهُ وَارِثًا أَوْ ذَا رَحِمٍ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ وَارِثًا وَلَا ذَا رَحِمٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطُوهُ الْكَبِيرَ مِنْ خُزَاعَةَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مسندا ومرسلا وقال جبريل بن أحمر لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَالْحَدِيثُ مُنْكَرٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَالَ الْمَوْصِلِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ شَيْخٌ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ الترمذي فأقره 4 - (باب في ميراث المولى لأسفل) قوله [2106] (عن عوسجة) المكي مولى بن عَبَّاسٍ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ مِنَ الرَّابِعَةِ (وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا) أَيْ لَمْ يَتْرُكْ أَحَدًا يَرِثُهُ (إِلَّا عَبْدًا) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ تَرَكَ عَبْدًا (فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيرَاثَهُ) هَذَا الْإِعْطَاءُ مِثْلُ مَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَعْطُوا مِيرَاثَهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ لِأَنَّهُ صَارَ مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ قَالَ الْمُظْهِرُ قَالَ شُرَيْحٌ وطاؤس يَرِثُ الْعَتِيقُ مِنَ الْمُعْتِقِ كَمَا يَرِثُ الْمُعْتِقُ من العتيق

باب ما جاء في إبطال الميراث بين المسلم والكافر

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ قَالَ البخاري عوسجة مولى بن عَبَّاسٍ الْهَاشِمِيُّ رَوَى عَنْهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَلَمْ يَصِحَّ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ عَوْسَجَةُ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا يَرْوِي عَنْهُ غَيْرُ عَمْرٍو وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْبَابِ إِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَمْ يَتْرُكْ عَصَبَةً) أَيْ وَارِثًا (أَنَّ مِيرَاثَهُ يُجْعَلُ فِي بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ) هَذَا إِذَا كَانَ بَيْتُ الْمَالِ مُنْتَظِمًا وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُنْتَظِمًا فَيُجْعَلُ فِي الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ كَالْمَدَارِسِ الدِّينِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِبْطَالِ الْمِيرَاثِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ) قَوْلُهُ [2107] (عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ زَيْنِ الْعَابِدِينَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ فَقِيهٌ فاضل مشهور قال بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَا رَأَيْتُ قُرَشِيًّا أَفْضَلَ مِنْهُ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ عَنْهُ مَرْفُوعًا لَا يَتَوَارَثُ

أهل ملتين شيئا وأخرجه أيضا الدارقطني وبن السَّكَنِ وَسَنَدُ أَبِي دَاوُدَ فِيهِ إِلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ هُوَ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ أَيْضًا وَأَغْرَبَ بن تَيْمِيَّةَ فِي الْمُنْتَقَى فَادَّعَى أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يخرجه وكذا بن الْأَثِيرِ فِي الْجَامِعِ ادَّعَى أَنَّ النَّسَائِيَّ لَمْ يُخْرِجْهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوَ هَذَا) أَيْ رَوَوْا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بِالْوَاوِ (وَرَوَى مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ) أَيْ بِغَيْرِ الْوَاوِ (وَحَدِيثُ مَالِكٍ وَهْمٌ) أَيْ خَطَأٌ (وَهِمَ فِيهِ مَالِكٌ) أَيْ أَخْطَأَ فِيهِ (وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ مَالِكٍ فَقَالَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ) أَيْ بِالْوَاوِ (وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالُوا عَنْ مَالِكٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ) أَيْ بِغَيْرِ الْوَاوِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ صَوَابُهُ عَمْرٌو تَفَرَّدَ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ عُمَرَ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الْمَدَنِيُّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ بِحَدِيثِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ قَالَهُ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْهُ وَقَالَ عَامَّةُ الرُّوَاةِ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ وَهُوَ الْمَحْفُوظُ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ اتَّفَقَ الرُّوَاةُ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمِيمِ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا وَحْدَهُ قَالَ عُمَرَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَشَذَّتْ رِوَايَاتٌ عَنْ غَيْرِ مَالِكٍ عَلَى وَفْقِهِ وَرِوَايَاتٌ عَنْ مَالِكٍ عَلَى وَفْقِ الْجُمْهُورِ (وَعَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ هُوَ مَشْهُورٌ مِنْ وَلَدِ عُثْمَانَ وَلَا نَعْرِفُ عُمَرَ بْنَ عُثْمَانَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ إِنَّ لِعُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ وُجُودًا فِي الْجُمْلَةِ كَمَا قال بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّ أَهْلَ النَّسَبِ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ لِعُثْمَانَ ابْنًا يُسَمَّى عُمَرَ وَآخَرَ يُسَمَّى عمرا وقد ذكر بن سَعْدٍ عُمَرَ بْنَ عُثْمَانَ وَقَالَ كَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ وَقَالَ كَانَ ثِقَةً وَلَهُ أَحَادِيثُ وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا مَاتَ وَرِثَهُ بَنُوهُ عَمْرٌو وَأَبَانُ وَعُمَرُ وَخَالِدٌ وَالْوَلِيدُ وَسَعِيدٌ وَبَنَاتُهُ وَزَوْجَتَاهُ لَكِنْ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ انْتَهَى

باب لا يتوارث أهل ملتين

قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا يَرِثُ الْكَافِرَ أَيْضًا عِنْدَ جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى تَوْرِيثِ الْمُسْلِمِ مِنَ الْكَافِرِ وَهُوَ مَذْهَبُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَمُعَاوِيَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَسْرُوقٍ وَغَيْرِهِمْ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ نَحْوَهُ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ عَنْ هَؤُلَاءِ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ وَلَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ الْإِسْلَامُ يَعْلُو وَلَا يُعْلَى عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ فَضْلُ الاسلام على غيره ولم يتعرض فيه الميراث فَكَيْفَ يُتْرَكُ بِهِ نَصُّ حَدِيثِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَعَلَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ لَمْ يَبْلُغْهَا هَذَا الْحَدِيثُ انْتَهَى (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مِيرَاثِ الْمُرْتَدِّ فَجَعَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وغيرهم الْمَالَ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَرَبِيعَةَ وبن أَبِي لَيْلَى وَغَيْرِهِمْ بَلْ يَكُونُ مَالُهُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيُّونَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ علي وبن مَسْعُودٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ لَكِنْ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ مَا كَسَبَهُ فِي رِدَّتِهِ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ وَمَا كَسَبَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الْآخَرُونَ الْجَمِيعُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى 6 - (بَاب لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ) قَوْلُهُ [2108] (أَخْبَرَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ) بِالنُّونِ مُصَغَّرًا الْوَاسِطِيُّ أبو محصن الضرير كوفي الأصل لابأس بِهِ رُمِيَ بِالنَّصْبِ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (لَا يتوارث أهل ملتين) قال بن الْمَلَكِ يَدُلُّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْمِلَلِ فِي الْكُفْرِ يَمْنَعُ التَّوَارُثَ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ قُلْنَا الْمُرَادُ هنا

باب ما جاء في إبطال ميراث القاتل

الْإِسْلَامُ وَالْكُفْرُ فَإِنَّ الْكَفَرَةَ كُلَّهُمْ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ مُقَابَلَتِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانُوا أَهْلَ مِلَلٍ فِيمَا يَعْتَقِدُونَ انْتَهَى وقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مُوَطَّئِهِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ وَالْكُفْرُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ يَتَوَارَثُونَ بِهِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ فَيَرِثُ الْيَهُودِيُّ مِنَ النَّصْرَانِيِّ وَالنَّصْرَانِيُّ مِنَ الْيَهُودِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَامَّةِ مِنْ فُقَهَائِنَا انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ تَوْرِيثُ الْكُفَّارِ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَالْيَهُودِيِّ مِنَ النَّصْرَانِيِّ وَعَكْسِهِ وَالْمَجُوسِيِّ مِنْهُمَا وَهُمَا مِنْهُ قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ رحمه اللهوأبو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَآخَرُونَ وَمَنَعَهُ مَالِكٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَكِنْ لَا يَرِثُ حَرْبِيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ وَلَا ذِمِّيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَوْ كَانَا حَرْبِيَّيْنِ فِي بَلَدَيْنِ مُتَحَارِبَيْنِ لَمْ يَتَوَارَثَا انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ أَنَّهُ لَا يَرِثُ مِلَّةٌ كُفْرِيَّةٌ مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ كُفْرِيَّةٍ أُخْرَى وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْهَادَوِيَّةُ وَحَمَلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِإِحْدَى الْمِلَّتَيْنِ الْإِسْلَامُ وَبِالْأُخْرَى الْكُفْرُ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ جابر إلا من حديث بن أَبِي لَيْلَى) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ سيء الحفظ جدا وأخرجه أحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ فِي النَّيْلِ سَنَدُ أَبِي دَاوُدَ فِيهِ إِلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ صَحِيحٌ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِبْطَالِ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ) قَوْلُهُ [2109] (عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي فَرْوَةَ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ مَتْرُوكٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (الْقَاتِلُ لَا يَرِثُ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ مِنَ الْمَقْتُولِ سَوَاءٌ كَانَ قَتَلَ خَطَأً أَوْ عَمْدًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى وَقَالَ إِسْحَاقُ

باب ما جاء في ميراث المرأة من دية زوجها

مَتْرُوكٌ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً أَوْ عَمْدًا إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ تَحْتَ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ بِأَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا وَلَا يَرِثُ مِنَ الْمَالِ وَلَا مِنَ الدِّيَةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالْهَادَوِيَّةُ إِنَّ قَاتِلَ الْخَطَأِ يَرِثُ مِنَ الْمَالِ دُونَ الدِّيَةِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّخْصِيصَ لَا يُقْبَلُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ شَيْبَةَ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْأَشْجَعِيِّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ نَصٌّ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ اعْقِلْهَا وَلَا تَرِثْهَا وَقَدْ كَانَ قَتَلَ امْرَأَتَهُ خَطَأً وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَدِيٍّ الْجُذَامِيِّ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي سُنَنِهِ بِلَفْظِ أَنَّ عَدِيًّا كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ اقْتَتَلَتَا فَرَمَى إِحْدَاهُمَا فَمَاتَتْ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ اعْقِلْهَا وَلَا تَرِثْهَا وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا أَنَّ رَجُلًا رَمَى بِحَجَرٍ فَأَصَابَ أُمَّهُ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ فَأَرَادَ نَصِيبَهُ مِنْ مِيرَاثِهَا فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ لَا حَقَّ لَكَ فَارْتَفَعُوا إِلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ حَقُّكَ مِنْ مِيرَاثِهَا الْحَجَرُ وَغُرْمُهُ الدِّيَةُ وَلَمْ يُعْطِهِ مِنْ مِيرَاثِهَا شَيْئًا وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ أَيُّمَا رَجُلٍ قَتَلَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا مِيرَاثَ لَهُ مِنْهُمَا وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ قَتَلَتْ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا مِيرَاثَ لَهَا مِنْهُمَا وَقَالَ قَضَى بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيٌّ وَشُرَيْحٌ وَغَيْرُهُمْ مِنْ قُضَاةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ سَاقَ البيهقي في الباب اثارا عن عمر وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا تُفِيدُ كُلُّهَا أَنَّهُ لَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ مُطْلَقًا انْتَهَى 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا) قَوْلُهُ [2110] (كَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ وَرِّثِ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضِّبَابِيِّ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ

باب ما جاء أن الميراث الأموال للورثة

الْأُولَى مَنْسُوبٌ إِلَى ضِبَابِ بْنِ كِلَابٍ قُتِلَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَأً قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَةَ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا كَمَا تَرِثُ مِنْ مَالِهِ وَكَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ لِعُمُومِ قَوْلِهِ فِيهِ بَيْنَ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ وَالزَّوْجَةُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ قُرَّةَ بْنِ دُعْمُوصٍ هَلْ لِأُمِّي فِيهَا حَقٌّ قَالَ نَعَمْ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّوْكَانِيُّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ عَنْهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه وسلم قضى أن الْعَقْلَ مِيرَاثٌ بَيْنَ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ عَلَى فَرَائِضِهِمْ وَحَدِيثُ قُرَّةَ بْنِ دُعْمُوصٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْهُ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَعَمِّي قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ عِنْدَ هَذَا دِيَةُ أَبِي فَمُرْهُ يُعْطِنِيهَا وَكَانَ قُتِلَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَقَالَ أَعْطِهِ دِيَةَ أَبِيهِ فَقُلْتُ هَلْ لِأُمِّي فِيهَا حَقٌّ قَالَ نَعَمْ وَكَانَتْ دِيَتُهُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَحَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي بَابِ الْمَرْأَةُ تَرِثُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا مِنْ أَبْوَابِ الدِّيَّاتِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شرحه 9 - (باب ما جاء أن الميراث (الْأَمْوَالَ) لِلْوَرَثَةِ) وَالْعَقْلَ عَلَى الْعَصَبَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَلَى الْعَصَبَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ قَوْلُهُ [2111] (قَضَى) أَيْ حَكَمَ (فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْمَشْهُورُ كَسْرُ اللَّامِ فِي لِحْيَانَ وَرُوِيَ فَتْحُهَا وَلِحْيَانُ بَطْنٌ مِنْ هُذَيْلٍ (بِغُرَّةِ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشِدَّةِ الرَّاءِ مُنَوَّنًا (عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ) بَدَلٌ مِنْ غُرَّةٍ وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْغُرَّةِ فِي بَابِ دِيَةِ الْجَنِينِ مِنْ أَبْوَابِ الدِّيَّاتِ (ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ حُكِمَ عَلَيْهَا وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْجَانِيَةُ (تُوُفِّيَتْ) أَيْ مَاتَتْ قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ فِي شَرْحِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهَا بِغُرَّةِ الْمَرْأَةِ الْجَانِيَةِ فَيَكُونُ الضَّمَائِرُ فِي بَنِيهَا وَزَوْجِهَا لَهَا وَكَذَا فِي قَوْلِهِ وَالْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا وَتَخْصِيصُ التَّوْرِيثِ لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا لِأَنَّهُمْ هُمْ كَانُوا مِنْ وَرَثَتِهَا وَإِلَّا فَالظَّاهِرُ أَنَّ مِيرَاثَهَا لِوَرَثَتِهَا أَيًّا مَا كَانَ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ بَيَانَ وَفَاةِ الْجَانِيَةِ لَيْسَ بِكَثِيرِ الْمُنَاسَبَةِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَلِ الْمُرَادُ مَوْتُ الْجَنِينِ مَعَ أُمِّهَا كَمَا وَرَدَ فِي رِوَايَةِ فَقَتَلَهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَقَالَ الطِّيبِيُّ فِي تَوْجِيهِهِ إِنَّ عَلَى فِي قَوْلِهِ قُضِيَ عَلَيْهَا وُضِعَ مَوْضِعَ اللَّامِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تعالى ولتكونوا شهداء على الناس

فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْمَرْأَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهَا وَالضَّمَائِرِ لَهَا إِلَّا فِي قَوْلِهِ عَلَى عَصَبَتِهَا فَإِنَّهُ لِلْجَانِي وَهَذَا إِذَا كَانَتِ الْقَضِيَّةُ وَاحِدَةً قَالَ الطِّيبِيُّ وَهُوَ الظَّاهِرُ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْكَلَامُ (يَعْنِي قَوْلَهُ ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ إِلَخْ) قَدْ يُوهِمُ خِلَافَ مُرَادِهِ فَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي مَاتَتْ هِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهَا أُمُّ الْجَنِينِ لَا الْجَانِيَةُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِ فَقَتَلَهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ هِيَ الَّتِي قُضِيَ لَهَا بِالْغُرَّةِ فَعَبَّرَ بِعَلَيْهَا عَنْ لَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَى عَصَبَتِهَا فَالْمُرَادُ الْقَاتِلَةُ أَيْ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ انْتَهَى وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْبَابِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْفَرَائِضِ وَفِي الدِّيَّاتِ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي الدِّيَّاتِ قَوْلُهُ (وَرَوَى يُونُسُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ونحوه) رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن صالح حدثنا بن وهب حدثنا يونس عن بن شهاب عن بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ قَتَلَهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةُ عَبْدٍ أو وليدة وقضى دِيَةَ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ قَالَ أَخْبَرَنَا بن وَهْبٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ وَأَخْبَرَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يحيى التجيبي قال أنبأنا بن وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ) قَالَ فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تُوجَدُ فِي النُّسَخِ الدَّهْلَوِيَّةِ وَلَكِنْ وَجَدْتُهَا فِي النُّسْخَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي جِئْتُ بِهَا مِنَ الْعَرَبِ انْتَهَى قُلْتُ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ النُّسْخَةِ أَنَّ مَالِكًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مَوْصُولًا وَمُرْسَلًا فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْكِهَانَةِ مِنْ كِتَابِ الطِّبِّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أن امرأتين رمت إحداهما الأخرى فطرحت فَقَضَى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغرة عبد

باب ما جاء في ميراث الذي يسلم على يدي الرجل

أو وليدة وعن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي الْجَنِينِ يُقْتَلُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ وَلِيدَةٍ الْحَدِيثَ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مِيرَاثِ الَّذِي يُسْلِمُ عَلَى يَدَيْ الرَّجُلِ) قَوْلُهُ [2112] (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) بْنِ مَرْوَانَ الْأُمَوِيِّ الْمَدَنِيِّ نَزِيلُ الْكُوفَةِ صدوق يخطىء مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهِبٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَوْهِبٍ الشَّامِيُّ أَبُو خَالِدٍ قَاضِي فِلَسْطِينَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثِقَةٌ لَكِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ مِنَ الثَّالِثَةِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ صَوَابُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَوْهِبٍ قَوْلُهُ (مَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ) أَيْ مَا حُكْمُ الشَّرْعِ فِي شَأْنِ الرَّجُلِ (مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ) أَيِ الْكُفْرِ (يُسْلِمُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ) وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى يَدَيِ الرَّجُلِ أَيْ هَلْ يَصِيرُ مَوْلًى لَهُ أَمْ لَا (هُوَ) أَيِ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ الْكَافِرُ (أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ) أَيْ بِمَنْ أَسْلَمَ فِي حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ يَعْنِي يَصِيرُ مَوْلًى لَهُ قَالَ الْمُظْهِرُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَا يَصِيرُ مَوْلًى وَيَصِيرُ مَوْلًى عِنْدَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَمْرِو بْنِ اللَّيْثِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَدَلِيلُ الشَّافِعِيِّ وَأَتْبَاعِهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَحَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالْإِسْلَامِ وَالنُّصْرَةِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ يَعْنِي بِالنُّصْرَةِ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَبِالصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً انْتَهَى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى تَوْرِيثَ الرَّجُلِ مِمَّنْ يُسْلِمُ عَلَى يَدِهِ مِنَ الْكُفَّارِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَّا أَنَّهُمْ قَدْ زَادُوا فِي ذَلِكَ شَرْطًا وَهُوَ أَنْ يُعَاقِدَهُ وَيُوَالِيَهُ فَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِهِ وَلَمْ يُعَاقِدْهُ وَلَمْ يُوَالِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَقَالَ

إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ كَقَوْلِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْمُوَالَاةَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَدَلَالَةُ الْحَدِيثِ مُهِمَّةٌ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ يَرِثُهُ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ فَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي الْمِيرَاثِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي رَعْيِ الذِّمَامِ وَالْإِيثَارِ وَالْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا مِنَ الْأُمُورِ وَقَدْ عَارَضَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَقَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يَرِثُهُ وَضَعَّفَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ حَدِيثَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ هَذَا وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ رَاوِيهِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الله بن وهب الخ) وأخرجه أحمد والدارمي والنسائي وبن مَاجَهْ (وَقَدْ أَدْخَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَبَيْنَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَبِيصَةَ بْنَ ذويب وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ وَزَادَ فِيهِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذويب قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ مِنْ كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَيَذْكُرُ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَفْعَهُ قَالَ هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ وَصَلَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَبُو دَاوُدَ وبن أَبِي عَاصِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَاغَنْدِيُّ فِي مُسْنَدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِالْعَنْعَنَةِ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَوْهِبٍ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذويب عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ الْحَدِيثَ (وَهُوَ عِنْدِي لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ) قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ انْتَهَى وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْفَتْحِ وَالْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ) كَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرِهِ (وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُجْعَلُ مِيرَاثُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ حَدِيثَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا يُقَاوِمُ حَدِيثَ عَائِشَةَ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَتَرَدَّدَ فِي الْجَمْعِ هَلْ يَخُصُّ عُمُومَ الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ بِهَذَا فَيَسْتَثْنِي مِنْهُ مَنْ أَسْلَمَ أَوْ تُؤَوَّلُ الْأَوْلَوِيَّةُ فِي قَوْلِهِ أَوْلَى النَّاسِ بِمَعْنَى النُّصْرَةِ

باب ما جاء في إبطال ميراث ولد الزنى

وَالْمُعَاوَنَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَا بِالْمِيرَاثِ وَيَبْقَى الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ عَلَى عُمُومِهِ جَنَحَ الْجُمْهُورُ إِلَى الثَّانِي وَرُجْحَانُهُ ظَاهِرٌ وَبِهِ جَزَمَ بن القصار في ما حكاه بن بَطَّالٍ فَقَالَ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَكَانَ تَأْوِيلُهُ أَنَّهُ أَحَقُّ بِمُوَالَاتِهِ فِي النَّصْرِ وَالْإِعَانَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ إِذَا مَاتَ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ جَاءَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ أَحَقُّ بِمِيرَاثِهِ لَوَجَبَ تَخْصِيصُ الْأَوَّلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِبْطَالِ ميراث ولد الزنى) قَوْلُهُ [2113] (أَيُّمَا رَجُلٍ عَاهَرَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي مِنْ باب المفاعلة أي زنا قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْعَاهِرُ الزَّانِي وَقَدْ عَهَرَ يَعْهَرُ عَهْرًا وَعُهُورًا إِذَا أَتَى الْمَرْأَةَ ليلا للفجور بها ثم غلب على الزنى مُطْلَقًا (فَالْوَلَدُ وَلَدُ زِنًا لَا يَرِثُ) أَيْ مِنَ الْأَبِ (وَلَا يُورَثُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَقِيلَ بكسرها قال بن الْمَلَكِ أَيْ لَا يَرِثُ ذَلِكَ الْوَلَدُ مِنَ الواطىء وَلَا مِنْ أَقَارِبِهِ إِذِ الْوِرَاثَةُ بِالنَّسَبِ وَلَا نسب بينه وبين الزاني ولا يرث الواطىء وَلَا أَقَارِبُهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَلَدِ وَالْحَدِيثُ فِي سنده بن لَهِيعَةَ وَفِيهِ مَقَالٌ مَعْرُوفٌ وَلَكِنْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ رَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده 2 - (باب فِيمَنْ يَرِثُ الْوَلَاءَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ يَعْنِي وَلَاءَ الْعِتْقِ وَهُوَ إِذَا مَاتَ الْمُعْتَقُ وَرِثَهُ مُعْتَقُهُ أَوْ وَرَثَةُ مُعْتَقِهِ قَوْلُهُ [2114] (يَرِثُ الْوَلَاءَ) أَيْ مَالَ الْعَتِيقِ (مَنْ يَرِثُ الْمَالَ) أَيْ مِنَ الْعَصَبَاتِ الذُّكُورِ وَالْمُرَادُ الْعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ قَالَ الْمُظْهِرُ هَذَا مَخْصُوصٌ أَيْ يَرِثُ الْوَلَاءَ كُلُّ عَصَبَةٍ يَرِثُ مَالَ الْمَيِّتِ وَالْمَرْأَةُ وَإِنْ كَانَتْ تَرِثُ إِلَّا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِعَصَبَةٍ بَلِ الْعَصَبَةُ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ وَلَا يَنْتَقِلُ الْوَلَاءُ إِلَى بَيْتِ المال

باب ما جاء ما يرث النساء من الولاء

وَلَا تَرِثُ النِّسَاءُ بِالْوَلَاءِ إِلَّا إِذَا أُعْتِقْنَ أَوْ أَعْتَقَ عَتِيقُهُنَّ أَحَدًا انْتَهَى وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ أَيْ إِذَا مَاتَ عَتِيقُ الْأَبِ أَوْ عَتِيقُ عَتِيقِهِ يَرِثُ الِابْنُ ذَلِكَ الْوَلَاءَ وَهَذَا مَخْصُوصٌ بِالْعَصَبَةِ وَلَا تَرِثُ النِّسَاءُ الْوَلَاءَ إِلَّا مِمَّنْ أَعْتَقَتْهُ أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقَتْهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) لِأَنَّ فيه بن لَهِيعَةَ 3 - (بَاب مَا جَاءَ مَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنْ الْوَلَاءِ) قَوْلُهُ [2115] (حَدَّثَنَا هَارُونُ أَبُو مُوسَى الْمُسْتَمْلِيُّ الْبَغْدَادِيُّ) هُوَ هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَزَّازُ الْحَافِظُ الْمَعْرُوفُ بِالْحَمَّالِ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ) الْخَوْلَانِيُّ الْحِمْصِيُّ الْأَبْرَشُ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أخبرنا عمر بن روية) بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ (التَّغْلِبِيُّ) بِمُثَنَّاةٍ الْحِمْصِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ النَّصْرِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ النَّصْرِيُّ بِالنُّونِ أَوْ بُسْرٌ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الدِّمَشْقِيُّ وَيُقَالُ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ وَيُعْرَفُ أَبُوهُ بِابْنِ بُسْرٍ أَيْ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ بِالْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ (الْمَرْأَةُ تَحُوزُ) أَيْ تَجْمَعُ وَتُحِيطُ (ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ) جَمْعُ مِيرَاثٍ (عَتِيقَهَا) أَيْ مِيرَاثَ عَتِيقِهَا فَإِنَّهُ إِذَا أَعْتَقَتْ عَبْدًا وَمَاتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ ترث ماله بالولاء (لقيطها) أَيْ مَلْقُوطَهَا فَإِنَّ الْمُلْتَقِطَ يَرِثُ مِنَ اللَّقِيطِ عَلَى مَذْهَبِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِلْمُلْتَقِطِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ خَصَّهُ بِالْمُعْتَقِ بِقَوْلِهِ لَا وَلَاءَ إِلَّا وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَمَّا اللَّقِيطُ فَإِنَّهُ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ حُرٌّ فَإِذَا كَانَ حُرًّا فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ وَالْمِيرَاثُ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ وَلَيْسَ بَيْنَ اللَّقِيطِ وَمُلْتَقِطِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَكَانَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ يَقُولُ وَلَاءُ اللَّقِيطِ لِمُلْتَقِطِهِ وَيَحْتَجُّ بِحَدِيثِ وَاثِلَةَ وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتِ الْحَدِيثُ لَمْ يَلْزَمِ الْقَوْلُ بِهِ فَكَانَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عَامَّةُ العلماء أولى انتهى (وولدها الذي لا عنت عَنْهُ) أَيْ عَنْ قِبَلِهِ وَمِنْ أَجْلِهِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا تَأْخُذُ مِيرَاثَ عَتِيقِهَا وَأَمَّا الْوَلَدُ الَّذِي نَفَاهُ الرَّجُلُ بِاللِّعَانِ فَلَا خِلَافَ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَرِثُ الْآخَرَ لِأَنَّ التَّوَارُثَ بِسَبَبِ النَّسَبِ انْتَفَى بِاللِّعَانِ وَأَمَّا نَسَبُهُ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فَثَابِتٌ وَيَتَوَارَثَانِ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ وَحِيَازَةُ الْمُلْتَقِطَةِ مِيرَاثَ لَقِيطِهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى أَنَّهَا أَوْلَى بِأَنْ يُصْرَفَ إِلَيْهَا مَا خَلَّفَهُ مِنْ غَيْرِهَا صَرْفَ مال

بَيْتِ الْمَالِ إِلَى آحَادِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ تَرَكَتْهُ لَهُمْ لَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وِرَاثَةُ الْمُعْتَقَةِ مِنْ معتقها وأما حكم ولد الزنى فَحُكْمُ الْمَنْفِيِّ بِلَا فَرْقٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَلَيْسَ فِيهِ سِوَى عُمَرَ بْنِ رُوبَةَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَوَثَّقَهُ جَمَاعَةٌ انْتَهَى وَحَدِيثُ وَاثِلَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أبو داود والنسائي وبن ماجة

28 - كتاب الوصايا

28 - كتاب الْوَصَايَا قَالَ فِي الْفَتْحِ الْوَصَايَا جَمْعُ وَصِيَّةٍ كَالْهَدَايَا وَتُطْلَقُ عَلَى فِعْلِ الْمُوصِي وَعَلَى مَا يُوصِي بِهِ مِنْ مَالٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ عَهْدٍ وَنَحْوِهِ فَتَكُونُ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ الْإِيصَاءُ وَتَكُونُ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَهُوَ الِاسْمُ وَفِي الشَّرْعِ عَهْدٌ خَاصٌّ مُضَافٌ إِلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَدْ يَصْحَبُهُ التَّبَرُّعُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ وَصَيْتُ الشَّيْءَ بِالتَّخْفِيفِ أَصِيهِ إِذَا وَصَلْتُهُ سُمِّيَتْ وَصِيَّةً لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَصِلُ بِهَا مَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَيُقَالُ وَصِيَّةٌ بِالتَّشْدِيدِ وَوَصَاةٌ بِالتَّخْفِيفِ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَتُطْلَقُ شَرْعًا أَيْضًا عَلَى مَا يَقَعُ بِهِ الزَّجْرُ عَنِ الْمَنْهِيَّاتِ والحث على المأمورات انتهى (باب ما جاء في الوصية بالثلث) قَوْلُهُ [2116] (مَرِضْتُ عَامَ الْفَتْحِ) صَوَابُهُ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي اتَّفَقَ أَصْحَابُ الزُّهْرِيِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي حجة الوداع إلا بن عُيَيْنَةَ فَقَالَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِهِ وَاتَّفَقَ الْحَافِظُ عَلَى أَنَّهُ وَهِمَ فِيهِ قَالَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وَقَعَ لَهُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عَامَ الْفَتْحِ وَمَرَّةً عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَفِي الْأُولَى لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مِنَ الْأَوْلَادِ أَصْلًا وَفِي الثَّانِيَةِ كَانَتْ لَهُ ابْنَةٌ فَقَطْ انْتَهَى (أَشْفَيْتُ مِنْهُ) أَيْ أَشْرَفْتُ يُقَالُ أَشْفَى عَلَى كَذَا أَيْ قَارَبَهُ وَصَارَ عَلَى شَفَاهُ وَلَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الشَّرِّ (يَعُودُنِي) حَالٌ (وَلَيْسَ يَرِثُنِي) أَيْ مِنْ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ (إلا ابنتي) لأنه كان له عصبة كثيرة ذكره المظهر

قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ وَرَثَتَكَ وَلَعَلَّ تَخْصِيصَ الْبِنْتِ بِالذِّكْرِ لِعَجْزِهَا وَالْمَعْنَى لَيْسَ يَرِثُنِي مِمَّنْ أَخَافُ عَلَيْهِ إِلَّا ابْنَتِي (فَأُوصِي) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ (بِمَالِي كُلِّهِ) أَيْ بِتَصَدُّقِهِ لِلْفُقَرَاءِ (فالشطر) بالجر أي فبالنصف قال بن الْمَلَكِ يَجُوزُ نَصْبُهُ عَطْفًا عَلَى الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ وَرَفْعُهُ أَيْ فَالشَّطْرُ كَافٍ وَجَرُّهُ عَطْفًا عَلَى مَجْرُورِ الْبَاءِ (قُلْتُ فَالثُّلُثِ) بِالْجَرِّ وَجَوَّزَ النَّصْبَ وَالرَّفْعَ عَلَى مَا سَبَقَ (قَالَ الثُّلُثَ) بِالنَّصْبِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجُوزُ نَصْبُ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ وَرَفْعُهُ بِالنَّصْبِ عَلَى الْإِغْرَاءِ أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ أَعْطِ الثُّلُثَ وَأَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ أَيْ يَكْفِيكَ الثُّلُثُ أَوْ أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ أَوْ عَكْسُهُ (وَالثُّلُثُ) بِالرَّفْعِ لَا غَيْرُ عَلَى الِابْتِدَاءِ خَبَرُهُ (كَثِيرٌ) قَالَ السُّيُوطِيُّ روي بالمثلثة والموحدة وكلاهما صحيح قال بن الْمَلَكِ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ الْإِيصَاءَ بِالثُّلُثِ جَائِزٌ لَهُ وَأَنَّ النَّقْصَ مِنْهُ أَوْلَى (إِنَّكَ) اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ (أَنْ تَذَرَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ تَتْرُكَ (وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ) أَيْ مُسْتَغْنِينَ عَنِ النَّاسِ (عَالَةً) أَيْ فُقَرَاءَ (يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ) أَيْ يَسْأَلُونَهُمْ بِالْأَكُفِّ وَمَدِّهَا إِلَيْهِمْ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ وَرَثَتَهُ كَانُوا فُقَرَاءَ وَهُمْ أَوْلَى بِالْخَيْرِ مِنْ غَيْرِهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ تَذَرَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا رِوَايَتَانِ صَحِيحَتَانِ وَفِي الْفَائِقِ إِنْ تَذَرُ مَرْفُوعُ الْمَحَلِّ عَلَى الِابْتِدَاءِ أَيْ تَرْكُكَ أَوْلَادَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ وَالْجُمْلَةُ بِأَسْرِهَا خَبَرُ إِنَّكَ (لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً) مَفْعُولٌ بِهِ أَوْ مُطْلَقٌ (إِلَّا أُجِرْتَ فِيهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ صِرْتَ مَأْجُورًا بِسَبَبِ تِلْكَ النَّفَقَةِ (حَتَّى اللُّقْمَةَ) بِالنَّصْبِ وَبِالْجَرِّ وَحُكِيَ بِالرَّفْعِ (تَرْفَعُهَا إِلَى فِيِّ امْرَأَتِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى مَا تَجْعَلَ فِي فِيِّ امْرَأَتِكَ أَيْ فِي فَمِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمُنْفِقَ لِابْتِغَاءِ رِضَائِهِ تَعَالَى يُؤْجَرُ وَإِنْ كَانَ مَحَلُّ الْإِنْفَاقِ مَحَلَّ الشَّهْوَةِ وَحَظَّ النَّفْسِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَنِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (أُخَلَّفُ عَنْ هِجْرَتِي) أَيْ أَبْقَى بِسَبَبِ الْمَرَضِ خَلْفًا بِمَكَّةَ قَالَهُ تَحَسُّرًا وَكَانُوا يَكْرَهُونَ الْمُقَامَ بمكة بعد ما هَاجَرُوا مِنْهَا (وَتَرَكُوهَا لِلَّهِ) إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ بَعْدِي فَتَعْمَلَ عَمَلًا إِلَخْ يَعْنِي أَنَّ كَوْنَكَ مُخَلَّفًا لَا يَضُرُّكَ مَعَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ (لَعَلَّكَ إِنْ تَخَلَّفَ) أَيْ بِأَنْ يَطُولَ عُمُرُكَ (حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ) أَيْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بِالْغَنَائِمِ

مِمَّا سَيَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْكَ مِنْ بِلَادِ الشِّرْكِ (وَيُضَرُّ) مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (بِكَ آخَرُونَ) مِنَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يُهْلَكُونَ عَلَى يَدَيْكَ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ الَّذِي تَرَجَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُفِيَ سَعْدٌ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَطَالَ عُمُرُهُ حَتَّى انْتَفَعَ بِهِ أَقْوَامٌ مِنَ المسلمين واستضربه آخَرُونَ مِنَ الْكُفَّارِ حَتَّى مَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ فَإِنَّ سَعْدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَاشَ حَتَّى فَتْحِ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهِ وَانْتَفَعَ بِهِ أَقْوَامٌ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ وَتَضَرَّرَ بِهِ الْكُفَّارُ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ فَإِنَّهُمْ قَتَلُوا رجالهم وسبيت نساءهم وَأَوْلَادُهُمْ وَغُنِمَتْ أَمْوَالُهُمْ وَدِيَارُهُمْ وَوَلِيَ الْعِرَاقَ فَاهْتَدَى عَلَى يَدَيْهِ خَلَائِقُ وَتَضَرَّرَ بِهِ خَلَائِقُ بِإِقَامَتِهِ الْحَقَّ فِيهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَنَحْوِهِمْ انْتَهَى (اللَّهُمَّ امْضِ لِأَصْحَابِي هِجْرَتَهُمْ) أَيْ تَمِّمْهَا لَهُمْ وَلَا تُنْقِصْهَا (لَكِنَّ الْبَائِسَ سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ) الْبَائِسُ مَنْ أَصَابَهُ بُؤْسٌ أَيْ ضَرَرٌ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلذَّمِّ وَالتَّرَحُّمِ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يُهَاجِرْ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى مَاتَ بِهَا فَهُوَ ذَمٌّ وَالْأَكْثَرُ أَنَّهُ هَاجَرَ وَمَاتَ بِهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَهُوَ تَرَحُّمٌ (يَرْثِي لَهُ) مِنْ رَثَيْتُ الْمَيِّتَ مَرْثِيَةٌ إِذَا عَدَّدَتْ مَحَاسِنَهُ وَرَثَأَتْ بِالْهَمْزِ لُغَةٌ فِيهِ فَإِنْ قِيلَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمَرَاثِي كَمَا رَوَاهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فَإِذَا نَهَى عَنْهُ كَيْفَ يَفْعَلُهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَرْثِيَةَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا مَا فِيهِ مَدْحُ الْمَيِّتِ وَذِكْرُ مَحَاسِنِهِ الْبَاعِثُ عَلَى تَهْيِيجِ الْحُزْنِ وَتَجْدِيدِ اللَّوْعَةِ أَوْ فِعْلِهَا مَعَ الِاجْتِمَاعِ لَهَا أَوْ عَلَى الْإِكْثَارِ مِنْهَا دُونَ مَا عَدَا ذَلِكَ وَالْمُرَادُ هُنَا تَوَجُّعُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَحَزُّنُهُ عَلَى سَعْدٍ لِكَوْنِهِ مَاتَ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ مِنْهَا لَا مَدْحَ الْمَيِّتِ لِتَهْيِيجِ الْحُزْنِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (أَنْ مَاتَ بِمَكَّةَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ لِأَجْلِ مَوْتِهِ بِأَرْضٍ هَاجَرَ مِنْهَا وَكَانَ يَكْرَهُ مَوْتَهُ بِهَا فَلَمْ يُعْطَ ما تمنى قال بن بَطَّالٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ يَرْثِي لَهُ فَهُوَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ الْبَائِسَ إِلَخْ أَيْ رَثِيَ لَهُ حِينَ مَاتَ بِمَكَّةَ وَكَانَ يَهْوَى أَنْ يَمُوتَ بغيرها قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ لَيْسَ لِلرَّجُلِ أَنْ يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ) قَالَ

باب ما جاء في الضرار في الوصية

الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اسْتَقَرَّ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَنْعِ الْوَصِيَّةِ بِأَزْيَدَ مِنَ الثُّلُثِ لَكِنِ اخْتُلِفَ فِيمَنْ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ خَاصٌّ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى مَنْعِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَجَوَّزَ لَهُ الزِّيَادَةَ الْحَنَفِيَّةُ وَإِسْحَاقُ وَشَرِيكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وهو قول علي وبن مَسْعُودٍ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مُطْلَقَةٌ فِي الْآيَةِ فَقَيَّدَتْهَا السُّنَّةُ لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ فَبَقِيَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ (وَقَدِ اسْتَحَبَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يُنْقِصَ مِنَ الثُّلُثِ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابُ النَّقْصِ عَنِ الثُّلُثِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ إِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ اسْتُحِبَّ أَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ اسْتُحِبَّ أَنْ يُوصِيَ بِالثُّلُثِ تَبَرُّعًا (بَاب مَا جَاءَ فِي الضِّرَارِ فِي الْوَصِيَّةِ) قَوْلُهُ [2117] (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ) بْنِ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ حَفِيدُ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْآتِي فِي هَذَا السَّنَدِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ طُلِبَ لِلْقَضَاءِ فَامْتَنَعَ مِنْ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ) بْنِ صُهْبَانَ الْأَزْدِيُّ الْجَهْضَمِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (حدثنا الْأَشْعَثُ بْنُ جَابِرٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَشْعَثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ الْحُدَّانِيُّ الْأَزْدِيُّ بَصْرِيٌّ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ وَهُوَ الْحَمْلِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (قَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلَ) أَيْ لَيَعْبُدَ (وَالْمَرْأَةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى اسْمِ إِنَّ وَخَبَرُ الْمَعْطُوفِ مَحْذُوفٌ بِدَلَالَةِ خَبَرِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَخَبَرُهُ كَذَلِكَ وَقَدْ تَنَازَعَ فِي قَوْلِهِ (بِطَاعَةِ اللَّهِ) الْمَحْذُوفُ وَالْمَذْكُورُ (سِتِّينَ سَنَةً) أَيْ مَثَلًا أَوِ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّكْثِيرُ (ثُمَّ يَحْضُرُهُمُ الْمَوْتُ) وَفِي رِوَايَةٍ يَحْضُرُهُمَا بِضَمِيرِ التَّثْنِيَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْ عَلَامَتُهُ (فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ) مِنَ الْمُضَارَّةِ أَيْ يُوَصِّلَانِ الضَّرَرَ إِلَى الْوَارِثِ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِأَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ أَوْ بِأَنْ يَهَبَ جميع ماله لواحد من الورثة كيلا يورث وارث اخرون مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فَهَذَا مَكْرُوهٌ وَفِرَارٌ عَنْ حكم الله تعالى ذكره بن الْمَلَكِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَأَنْ يُوصِيَ لِغَيْرِ أَهْلِ الْوَصِيَّةِ أَوْ يُوصِيَ بِعَدَمِ إِمْضَاءِ مَا أَوْصَى بِهِ حَقًّا بِأَنْ نَدِمَ مِنْ وَصِيَّتِهِ أَوْ يَنْقُضَ بَعْضَ الْوَصِيَّةِ (فَيَجِبُ لَهُمَا النَّارُ) أَيْ فَتَثْبُتُ وَالْمَعْنَى يَسْتَحِقَّانِ الْعُقُوبَةَ وَلَكِنَّهُمَا تَحْتَ الْمَشِيئَةِ (ثُمَّ قَرَأَ عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ قَائِلُهُ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ أَيْ قَرَأَ عَلَيَّ أَبُو هُرَيْرَةَ استشهادا وإعتضادا (من بعد وصية) مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ (يُوصَى بها أو دين) ببناء المجهول

باب ما جاء في الحث على الوصية

(غير مضار) حَالٌ عَنْ يُوصِي مُقَدَّرٌ لِأَنَّهُ لَمَّا قِيلَ يُوصِي عُلِمَ أَنَّ ثَمَّ مُوصِيًا أَيْ غَيْرَ مُوَصِّلٍ الضَّرَرَ إِلَى وَرَثَتِهِ بِسَبَبِ الْوَصِيَّةِ (إِلَى قوله ذلك الفوز العظيم) يَعْنِي (وَصِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا) إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَالشَّاهِدُ إِنَّمَا هُوَ الْآيَةُ الْأُولَى وَإِنَّمَا قَرَأَ الْآيَةَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّهَا تُؤَكِّدُ الْأُولَى وَكَذَا مَا بَعْدَهَا مِنَ الثَّالِثَةِ وَكَأَنَّهُ أكتفى بالثانية عن الثالثة قاله القارىء قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَثِّ عَلَى الْوَصِيَّةِ) قَوْلُهُ [2118] (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) كَلِمَةُ مَا بِمَعْنَى لَيْسَ (يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ) جملة فعلية وقعت صفة أخرى لامرىء (وَلَهُ مَا يُوصِي فِيهِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ وَلَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ (إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) مُسْتَثْنًى خَبَرُ لَيْسَ وَالْوَاوُ فِيهِ لِلْحَالِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ تَبَعًا لِلطِّيبِيِّ وَقَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ يَبِيتُ كَأَنَّ فِيهِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ أَنْ يَبِيتَ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمْ الْبَرْقَ الْآيَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يَبِيتُ صِفَةً لِمُسْلِمٍ وَبِهِ جَزَمَ الطِّيبِيُّ قَالَ هِيَ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ انْتَهَى قَالَ الْعَيْنِيُّ مُعْتَرِضًا عَلَيْهِ هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ وَفِيهِ تَغْيِيرُ الْمَعْنَى أَيْضًا وَإِنَّمَا قَدَّرَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ يُرِيكُمْ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الِابْتِدَاءِ لِأَنَّ قَوْلَهُ (وَمِنْ آيَاتِهِ) فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ وَالْفِعْلُ لَا يَقَعُ مُبْتَدَأً فَيُقَدَّرُ أَنَّ فِيهِ حَتَّى يَكُونَ فِي مَعْنَى الْمَصْدَرِ فَيَصِحُّ حِينَئِذٍ وُقُوعُهُ مُبْتَدَأً فَمَنْ لَهُ ذَوْقٌ مِنَ الْعَرَبِيَّةِ يَفْهَمُ هَذَا وَيَعْلَمُ تَغْيِيرَ الْمَعْنَى فِيمَا قَالَ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ لَمْ يُجِبِ الْحَافِظُ عَنْ ذَلِكَ فِي انْتِقَاضِ الِاعْتِرَاضِ بِشَيْءٍ بَلْ بَيَّضَ لَهُ كَكَثِيرٍ مِنَ الِاعْتِرَاضَاتِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْعَيْنِيُّ عَلَيْهِ لَكِنْ يَدُلُّ لِمَا قَالَهُ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ

فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ حَيْثُ قَالَ فِيهَا أَنْ يَبِيتَ فَصَرَّحَ بِأَنْ الْمَصْدَرِيَّةِ انْتَهَى قُلْتُ وَيَدُلُّ لَهُ أَيْضًا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَيُّوبَ بِلَفْظِ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ لَا يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ وَلَهُ مَا يُوصِي فِيهِ الْحَدِيثُ وَمَا رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ الْغَازِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ لَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ الْحَدِيثُ فَقَوْلُ الْعَيْنِيِّ هَذَا قِيَاسٌ فَاسِدٌ وَفِيهِ تَغْيِيرُ الْمَعْنَى إِلَخْ لَيْسَ مِمَّا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَقَدْ قَالَ بِمَا قَالَ الْحَافِظُ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ فِي الْعُدَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ يَبِيتُ بِتَأْوِيلِهِ بِالْمَصْدَرِ تَقْدِيرَهُ مَا حَقُّهُ بَيْتُوتَتُهُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَهُوَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ فِي الْمَصَابِيحِ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ ارْتَفَعَ بَعْدَ حَذْفِ أَنْ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْ اياته يريكم البرق ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ لَيْلَتَيْنِ كَذَا لِأَكْثَرِ الرُّوَاةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي عَوَانَةَ وَالْبَيْهَقِيِّ يَبِيتُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَكَأَنَّ ذِكْرَ اللَّيْلَتَيْنِ وَالثَّلَاثِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ لِتَزَاحُمِ أَشْغَالِ الْمَرْءِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِهَا فَفَسَحَ لَهُ هَذَا الْقَدْرَ لِيَتَذَكَّرَ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِيهِ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ لِلتَّقْرِيبِ لَا التَّحْدِيدِ وَالْمَعْنَى لَا يَمْضِي عَلَيْهِ زَمَانٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى اغْتِفَارِ الزَّمَنِ الْيَسِيرِ وَكَأَنَّ الثَّلَاثَ غَايَةٌ لِلتَّأْخِيرِ وَلِذَلِكَ قال بن عُمَرَ فِي رِوَايَةِ سَالِمٍ لَمْ أَبِتْ لَيْلَةً مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ إِلَّا وَوَصِيَّتِي عِنْدِي انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى الْوَصِيَّةِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْأَمْرِ بِهَا لَكِنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ الْجَمَاهِيرِ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ لَا وَاجِبَةٌ وقَالَ دَاوُدُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ هِيَ وَاجِبَةٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا دَلَالَةَ لَهُمْ فِيهِ فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِإِيجَابِهَا لَكِنْ إِنْ كَانَ عَلَى الْإِنْسَانِ دَيْنٌ أَوْ حَقٌّ أَوْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ وَنَحْوُهَا لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا الْحَزْمُ وَالِاحْتِيَاطُ لِلْمُسْلِمِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ وَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهَا وَأَنْ يَكْتُبَهَا فِي صَحِيفَةٍ وَيُشْهِدَ عَلَيْهِ فِيهَا وَيَكْتُبَ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ أَمْرٌ يَحْتَاجُ إِلَى الْوَصِيَّةِ بِهِ أَلْحَقَهُ بِهَا وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ مَعْنَاهُ مَكْتُوبَةٌ وَقَدْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهَا لَا أَنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى الْكِتَابَةِ بَلْ لَا يُعْمَلُ بِهَا وَلَا يَنْفَعُ إِلَّا إِذَا كَانَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ بِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا يَكْفِي الْكِتَابُ مِنْ غَيْرِ إِشْهَادٍ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وأحمد والشيخان وبن ماجه

باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص

4 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوصِ) قَوْلُهُ [2119] (عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ) بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَفَتْحِ صَادٍ وَكَسْرِ رَاءٍ مُشَدَّدَةٍ عَلَى الصَّوَابِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَبِفَاءٍ كَذَا فِي الْمُغْنِي وَطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ هَذَا هو بن عَمْرِو بْنِ كَعْبٍ الْيَامِيُّ بِالتَّحْتَانِيَّةِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ قَارِئٌ فَاضِلٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (قُلْتُ لِابْنِ أَبِي أَوْفَى) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيُّ صحابي شهد الحديبية وعمر بعد النبي صلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَهْرًا مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْكُوفَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ (قَالَ لَا) هَكَذَا أَطْلَقَ الْجَوَابَ وَكَأَنَّهُ فَهِمَ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنْ وَصِيَّةٍ خَاصَّةٍ فَلِذَلِكَ سَاغَ نَفْيَهَا لَا أَنَّهُ أَرَادَ نَفْيَ الْوَصِيَّةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ بِكِتَابِ اللَّهِ (وَكَيْفَ كُتِبَتِ الْوَصِيَّةُ وَكَيْفَ أَمَرَ النَّاسَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ كَيْفَ كَتَبَ عَلَى النَّاسِ الْوَصِيَّةَ أُمِرُوا بِهَا وَلَمْ يُوصِ وَبِذَلِكَ يَتِمُّ الِاعْتِرَاضُ أَيْ كَيْفَ يُؤْمَرُ الْمُسْلِمُونَ بِشَيْءٍ وَلَا يَفْعَلُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ لَعَلَّ بن أَبِي أَوْفَى أَرَادَ لَمْ يُوصِ بِثُلُثِ مَالِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ بَعْدَهُ مَالًا وَأَمَّا الْأَرْضُ فَقَدْ سَلَبَهَا فِي حَيَاتِهِ وَأَمَّا السِّلَاحُ وَالْبَغْلَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّهَا لَا تُورَثُ عَنْهُ بَلْ جَمِيعُ مَا يَخْلُفُهُ صَدَقَةٌ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُوصِي بِهِ مِنَ الْجِهَةِ الْمَالِيَّةِ وَأَمَّا الْوَصَايَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يرد بن أَبِي أَوْفَى نَفْيَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَنْفِيُّ وَصِيَّتَهُ إِلَى عَلِيٍّ بِالْخِلَافَةِ كَمَا وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِهِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ ذَكَرُوا عِنْدَهَا أَنَّ عَلِيًّا كَانَ وَصِيًّا فَقَالَتْ متى أوصى إليه الحديث وقد أخرج بن حبان حديث الباب من طريق بن عُيَيْنَةَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ بِلَفْظٍ يُزِيلُ الاشكال فقال سئل بن أَبِي أَوْفَى هَلْ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا تَرَكَ شَيْئًا يُوصِي فِيهِ قِيلَ فَكَيْفَ أَمَرَ النَّاسَ بِالْوَصِيَّةِ ولم يوص قال أوصى بكتاب وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ اسْتِبْعَادُ طَلْحَةَ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ فَلَوْ أَرَادَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ لَخَصَّهُ بِهِ فَاعْتَرَضَهُ بِأَنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْوَصِيَّةَ وَأُمِرُوا بِهَا فَكَيْفَ لَمْ يَفْعَلْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَابَهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَطْلَقَ فِي مَوْضِعِ التَّقْيِيدِ (أَوْصَى بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ بِالتَّمَسُّكِ بِهِ

باب ما جاء لاوصية لوارث

وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَمْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللَّهِ وَأَمَّا مَا صَحَّ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ بِثَلَاثٍ لَا يَبْقَيْنَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ وَفِي لَفْظٍ أَخْرِجُوا الْيَهُودَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَقَوْلُهُ أَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ أُجِيزُهُمْ بِهِ وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّاوِي الثَّالِثَةَ وَكَذَا مَا ثَبَتَ فِي النَّسَائِيِّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ آخِرُ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الصَّلَاةُ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُمْكِنُ حَصْرُهَا بالتتبع فالظاهر أن بن أَبِي أَوْفَى لَمْ يُرِدْ نَفْيَهُ وَلَعَلَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِكِتَابِ اللَّهِ لِكَوْنِهِ أَعْظَمَ وَأَهَمَّ وَلِأَنَّ فِيهِ تِبْيَانَ كُلِّ شَيْءٍ إِمَّا بِطَرِيقِ النصر وَإِمَّا بِطَرِيقِ الِاسْتِنْبَاطِ فَإِذَا اتَّبَعَ النَّاسُ مَا فِي الْكِتَابِ عَمِلُوا بِكُلِّ مَا أَمَرَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وما اتاكم الرسول فخذوه الْآيَةَ أَوْ يَكُونُ لَمْ يَحْضُرْ شَيْئًا مِنْ الْوَصَايَا الْمَذْكُورَةِ أَوْ لَمْ يَسْتَحْضِرْهَا حَالَ قَوْلِهِ وَالْأَوْلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِالنَّفْيِ الْوَصِيَّةَ بِالْخِلَافَةِ أَوْ بِالْمَالِ وَسَاغَ إِطْلَاقُ النَّفْيِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَبِقَرِينَةِ الْحَالِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ المتبادر عرفا وقد صح عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يوص أخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَرْقَمَ بْنِ شُرَحْبِيلَ عنه مع أن بن عَبَّاسٍ هُوَ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْصَى بِثَلَاثٍ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْوَصَايَا وَفِي الْمَغَازِي وفي فضائل القران وأخرجه مسلم والنسائي وبن ماجه في الوصايا (باب ما جاء لاوصية لِوَارِثٍ) قَوْلُهُ [2120] (أَخْبَرَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ) الشَّامِيُّ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ) أَيْ بَيَّنَ لَهُ حَظَّهُ وَنَصِيبَهُ الَّذِي فُرِضَ لَهُ (فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ) قَالَ الْأَمِيرُ الْيَمَانِيُّ فِي السُّبُلِ الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ وَهُوَ قَوْلُ الْجَمَاهِيرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَذَهَبَ الْهَادِي وَجَمَاعَةٌ إِلَى جَوَازِهَا مُسْتَدِلِّينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى كُتِبَ عليكم إذا حضر أحدكم الموت الْآيَةَ قَالُوا وَنَسْخُ الْوُجُوبِ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ قُلْنَا نَعَمْ لَوْ لَمْ يُرِدْ هَذَا الْحَدِيثَ فإنه ينافي

جَوَازَهَا إِذْ وُجُوبُهَا قَدْ عُلِمَ نَسْخُهُ مِنْ آية المواريث كما قال بن عَبَّاسٍ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسَ وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ وللزوج الشطر والربع انتهى قلت حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي الْوَصَايَا وَغَيْرِهِ قَالَ الْحَافِظُ هُوَ مَوْقُوفٌ لَفْظًا إِلَّا أَنَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ إِخْبَارٌ بِمَا كَانَ مِنَ الْحُكْمِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ بِهَذَا التَّقْرِيرِ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ حديث الباب أخرجه الدارقطني من حديث بن عَبَّاسٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَرَثَةُ قَالَ الْحَافِظُ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مَعْلُولٌ فَقَدْ قِيلَ إِنَّ عَطَاءً الَّذِي رَوَاهُ عن بن عباس هو الخرساني وهو لم يسمع من بن عَبَّاسٍ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ إِلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِسْنَادُهُ وَاهٍ وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا تَصِحُّ وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ إِنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ إِنَّمَا يُبْطِلُ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَجْلِ حُقُوقِ سَائِرِ الْوَرَثَةِ فَإِنْ أَجَازُوهَا جَازَتْ كَمَا إِذَا أَجَازُوا الزِّيَادَةَ عَلَى الثُّلُثِ وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا لَا تَجُوزُ وَإِنْ أَجَازُوهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّ الشَّرْعِ فَلَوْ جَوَّزْنَاهَا كُنَّا قَدِ اسْتَعْمَلْنَا الْحُكْمَ الْمَنْسُوخَ وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الظَّاهِرِ انْتَهَى (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ) أَيْ لِلْأُمِّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَتُسَمَّى الْمَرْأَةُ فِرَاشًا لِأَنَّ الرَّجُلَ يَفْتَرِشُهَا أَيِ الْوَلَدُ مَنْسُوبٌ إِلَى صَاحِبِ الْفِرَاشِ سَوَاءٌ كَانَ زَوْجًا أَوْ سيدا أو واطىء شُبْهَةٍ وَلَيْسَ لِلزَّانِي فِي نَسَبِهِ حَظٌّ إِنَّمَا الَّذِي جُعِلَ لَهُ مِنْ فِعْلِهِ اسْتِحْقَاقُ الْحَدِّ وَهُوَ قَوْلُهُ (وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ يُرِيدُ أَنَّ لَهُ الْخَيْبَةَ وَهُوَ كَقَوْلِكَ لَهُ التُّرَابُ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَى الرَّجْمِ فَقَدْ أَخْطَأَ لِأَنَّ الرَّجْمَ لَا يُشْرَعُ فِي سَائِرِهِ (وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى) قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي نَحْنُ نُقِيمُ الْحَدَّ عَلَى الزُّنَاةِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُمْ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُمْ هَذَا مَفْهُومُ الْحَدِيثِ وَقَدْ جَاءَ مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي الدُّنْيَا لَا يُعَذَّبُ بِذَلِكَ الذَّنْبِ فِي الْقِيَامَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُثْنِيَ الْعُقُوبَةَ عَلَى مَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مَنْ زَنَى أَوْ أَذْنَبَ ذَنْبًا آخَرَ وَلَمْ يُقَمْ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عاقبه قال القارىء وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ وَنَحْنُ نُجْرِي أَحْكَامَ الشَّرْعِ بِالظَّاهِرِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالسَّرَائِرِ فَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ وَجَزَاؤُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَوْ بَقِيَّةُ مُحَاسَبَتِهِمْ وَمُجَازَاتِهِمْ مِنَ الْإِصْرَارِ عَلَى ذَلِكَ الذَّنْبِ وَمُبَاشَرَةِ سَائِرِ الذُّنُوبِ تَحْتَ مَشِيئَةِ اللَّهِ (وَمَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيِ انْتَسَبَ إلى غير

أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ (أَوِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ) أَيِ انْتَسَبَ إِلَيْهِمْ وَصَارَ مَعْرُوفًا بِهِمْ مِنْ نَمَّيْتُهُ إِلَى أَبِيهِ نَمْيًا نَسَبْتُهُ إِلَيْهِ وَانْتَمَى هُوَ (فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ التَّابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَنَسٍ الْمُتَتَابِعَةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (لَا تُنْفِقِ) نَفْيٌ وَقِيلَ نَهْيٌ (امْرَأَةٌ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا) أَيْ صَرِيحًا أَوْ دَلَالَةً (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا الطَّعَامَ قَالَ ذَاكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا) يَعْنِي فَإِذَا لَمْ تَجُزِ الصَّدَقَةُ بِمَا هُوَ أَقَلُّ قَدْرًا مِنَ الطَّعَامِ بِغَيْرِ إِذْنِ الزَّوْجِ فَكَيْفَ تَجُوزُ بِالطَّعَامِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ (الْعَارِيَّةُ) بِالتَّشْدِيدِ وَيُخَفَّفُ (مُؤَدَّاةٌ) بِالْهَمْزَةِ وَيُبَدَّلُ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَيْ تُؤَدَّى إِلَى صَاحِبِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الضَّمَانِ فَالْقَائِلُ بِالضَّمَانِ يَقُولُ تُؤَدَّى عَيْنًا حَالَ الْقِيَامِ وَقِيمَةً عِنْدَ التَّلَفِ وفائدة التأدية عند من يرى خلافه إلزام الْمُسْتَعِيرِ مُؤْنَةَ رَدِّهَا إِلَى مَالِكِهَا (وَالْمِنْحَةُ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ مَا يَمْنَحُهُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ أَيْ يُعْطِيهِ مِنْ ذَاتِ دَرٍّ لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا أَوْ شَجَرَةً لِيَأْكُلَ ثَمَرَهَا أَوْ أَرْضًا لِيَزْرَعَهَا وَفِي رِوَايَةٍ الْمَنِيحَةُ (مَرْدُودَةٌ) إِعْلَامٌ بِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَ الْمَنْفَعَةِ لَا تَمْلِيكَ الرَّقَبَةِ (وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ) أَيْ يَجِبُ قَضَاؤُهُ (وَالزَّعِيمُ) أَيِ الْكَفِيلُ (غَارِمٌ) أَيْ يُلْزِمُ نَفْسَهُ مَا ضَمِنَهُ وَالْغُرْمُ أَدَاءُ شَيْءٍ يَلْزَمُهُ وَالْمَعْنَى ضَامِنٌ وَمَنْ ضَمِنَ دَيْنًا لَزِمَهُ أَدَاؤُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فأخرجه بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ وَحَسَّنَهُ الْحَافِظُ أَيْضًا فِي التَّلْخِيصِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ فِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَقَدْ قَوَّى حَدِيثَهُ إِذَا رَوَى عَنِ الشَّامِيِّينَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَهَذَا مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ الشَّامِيِّينَ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ شَامِيٌّ ثِقَةٌ وَصَرَّحَ فِي رِوَايَتِهِ بِالتَّحْدِيثِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ بْنِ خَارِجَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَعَنْ أَنَسٍ عِنْدَ بن مَاجَهْ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَعَنْ جَابِرٍ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَيْضًا وَقَالَ الصَّوَابُ إِرْسَالُهُ

وعن علي عند بن أَبِي شَيْبَةَ وَلَا يَخْلُو إِسْنَادُ كُلٍّ مِنْهَا عَنْ مَقَالٍ لَكِنَّ مَجْمُوعَهَا يَقْتَضِي أَنَّ لِلْحَدِيثِ أَصْلًا بَلْ جَنَحَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إِلَى أَنَّ هَذَا الْمَتْنَ مُتَوَاتِرٌ فَقَالَ وَجَدْنَا أَهْلَ الْفُتْيَا وَمَنْ حَفِظْنَا عَنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عَامَ الْفَتْحِ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ وَيُؤْثِرُونَ عَمَّنْ حَفِظُوهُ عَنْهُ مِمَّنْ لَقُوهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَكَانَ نَقْلَ كَافَّةٍ عَنْ كَافَّةٍ فَهُوَ أَقْوَى مِنْ نَقْلِ وَاحِدٍ وَقَدْ نَازَعَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ فِي كَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ مُتَوَاتِرًا وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ ذَلِكَ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُنْسَخُ بِالسُّنَّةِ لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي هَذَا الْإِجْمَاعِ عَلَى مُقْتَضَاهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَى (قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ أَصْلَحُ بَدَنًا مِنْ بَقِيَّةَ) أَيْ أَصْلَحُ حَالًا مِنْهُ (وَسَمِعْتُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ (وَلَا تَأْخُذُوا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ مَا حَدَّثَ عَنِ الثِّقَاتِ وَلَا غَيْرِ الثِّقَاتِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُقَدِّمَةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ فِي إِسْمَاعِيلَ خِلَافُ قَوْلِ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ قَالَ عَبَّاسٌ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ثِقَةٌ وَكَانَ أَحَبَّ إِلَى أَهْلِ الشَّامِ مِنْ بَقِيَّةَ وَقَالَ بن أَبِي خَيْثَمَةَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ هُوَ ثِقَةٌ وَالْعِرَاقِيُّونَ يَكْرَهُونَ حَدِيثَهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مَا رَوَى عَنِ الشَّامِيِّينَ أَصَحُّ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ إِذَا حَدَّثَ عَنْ أَهْلِ بِلَادِهِ فَصَحِيحٌ وَإِذَا حَدَّثَ عَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِثْلُ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ كُنْتُ أَسْمَعُ أَصْحَابَنَا يَقُولُونَ عِلْمُ الشام عند إسماعيل بن عياش والوليدة بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ يَعْقُوبُ وَتَكَلَّمَ قَوْمٌ فِي إِسْمَاعِيلَ وَهُوَ ثِقَةٌ عَدْلٌ أَعْلَمُ النَّاسِ بِحَدِيثِ الشَّامِ وَلَا يَدْفَعُهُ دَافِعٌ وَأَكْثَرُ مَا تَكَلَّمُوا قَالُوا يَغْرُبُ عَنْ ثِقَاتِ الْمَكِّيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ إِسْمَاعِيلُ ثِقَةٌ فِيمَا رَوَى عَنِ الشَّامِيِّينَ وَأَمَّا رِوَايَتُهُ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ فَإِنَّ كِتَابَهُ ضَاعَ فَخَلَطَ فِي حِفْظِهِ عَنْهُمْ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ لَيِّنٌ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَفَّ عَنْهُ إِلَّا أَبَا إِسْحَاقَ الْفَزَارِيَّ انْتَهَى

باب ما جاء يبدأ بالدين قبل الوصية

قَوْلُهُ [2121] (وَأَنَا تَحْتَ جِرَانِهَا) بِكَسْرِ الْجِيمِ قَالَ في القاموس جران البعير بالكسر مقدم عنفه مِنْ مَذْبَحِهِ إِلَى مَنْحَرِهِ (وَهِيَ تَقْصَعُ بِجِرَّتِهَا) الْجِرَّةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْجِرَّةُ بِالْكَسْرِ هَيْئَةُ الْجَرِّ وَمَا يُفِيضُ بِهِ الْبَعِيرُ فَيَأْكُلُهُ ثَانِيَةً وَقَدِ اجْتَرَّ وَأَجَرَّ وَاللُّقْمَةُ يَتَعَلَّلُ بِهَا الْبَعِيرُ إِلَى وَقْتِ عَلَفِهِ وَالْقَصْعُ الْبَلْعُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ قَصَعَ كَمَنَعَ ابْتَلَعَ جَرْعَ الْمَاءِ وَالنَّاقَةُ بِجِرَّتِهَا رَدَّتْهَا إِلَى جَوْفِهَا أَوْ مَضَغَتْهَا أَوْ هُوَ بَعْدَ الدَّسْعِ وَقَبْلَ الْمَضْغِ أَوْ هُوَ أَنْ تَمْلَأَ بِهَا فَاهَا أَوْ شِدَّةُ الْمَضْغِ (وَإِنَّ لُعَابَهَا يَسِيلُ بَيْنَ كَتِفَيَّ) وَفِي رِوَايَةٍ وَإِنَّ لُغَامَهَا بِضَمِّ اللَّامِ بَعْدَهَا غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ مِيمٌ هُوَ اللُّعَابُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ لَغَمَ الْجَمَلُ كَمَنَعَ رَمَى بِلُعَابِهِ لِزَبَدِهِ قَالَ وَالْمَلَاغِمُ مَا حول الفم قوله (هذاحديث حسن صحيح) وأخرجه أحمد والنسائي وبن مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي سَنَدِهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبَ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ (بَاب مَا جَاءَ يبدأ بالدين قبل الوصية) قوله [2122] (وأنتم تقرون الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى من بعد وصية يوصي بها أو دين وَقَوْلِهِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دين وَقَوْلِهِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دين وَقَوْلِهِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دين قال الطيبي رحمه الله قوله أنتم تقرأون إخبار فيه معنى الاستفهام يعني أنتم أتقرأون هَذِهِ الْآيَةَ هَلْ تَدْرُونَ مَعْنَاهَا فَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْهُ فِي الْقَضَاءِ انْتَهَى وَتَقَدَّمَ وَجْهُ تَقْدِيمِ الْوَصِيَّةِ عَلَى الدَّيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ مَعَ كَوْنِهَا مُتَأَخِّرَةً عَنْهُ فِي الْقَضَاءِ فِي بَابِ مِيرَاثِ الْإِخْوَةِ مِنَ الأب والأم وسيأتي مفصلا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الدَّيْنَ يُقَدَّمُ عَلَى الْوَصِيَّةِ إِلَّا فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ مَا لَوْ أَوْصَى الشَّخْصُ بِأَلْفٍ مَثَلًا وَصَدَّقَهُ الْوَارِثُ وَحَكَمَ بِهِ ثُمَّ ادَّعَى آخَرُ أَنَّ لَهُ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ دَيْنًا يَسْتَغْرِقُ مَوْجُودَهُ وَصَدَّقَهُ الْوَارِثُ فَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّهَا تُقَدَّمُ الْوَصِيَّةُ عَلَى الدَّيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْخَاصَّةِ وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْوَصِيَّةِ عَلَى الدَّيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ بَعْدِ وصية

قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ العلم أنه يبدأ بالدين قبل الوصية) يوصي بها أو دين فَقَدْ قِيلَ فِي ذَلِكَ إِنَّ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا صِيغَةُ تَرْتِيبٍ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ الْمَوَارِيثَ إِنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَإِنْفَاذِ الْوَصِيَّةِ وَأُتِيَ بِأَوْ لِلْإِبَاحَةِ وَهِيَ كَقَوْلِكَ جَالِسْ زَيْدًا أو عمرا أي لك مجالسة فكل وَاحِدٍ مِنْهُمَا اجْتَمَعَا أَوِ افْتَرَقَا وَإِنَّمَا قُدِّمَتْ لِمَعْنًى اقْتَضَى الِاهْتِمَامَ بِتَقْدِيمِهَا وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ التَّقْدِيمِ سِتَّةُ أُمُورٍ أَحَدُهَا الْخِفَّةُ وَالثِّقَلُ كَرَبِيعَةَ وَمُضَرَ فَمُضَرُ أَشْرَفُ مِنْ رَبِيعَةَ لَكِنْ لَفْظُ رَبِيعَةَ لَمَّا كَانَ أَخَفَّ قُدِّمَ فِي الذِّكْرِ وَهَذَا يَرْجِعُ إِلَى اللَّفْظِ ثَانِيهَا بِحَسَبِ الزَّمَانِ كَعَادٍ وَثَمُودَ ثَالِثُهَا بِحَسَبِ الطَّبْعِ كَثُلَاثَ وَرُبَاعَ رَابِعُهَا بِحَسَبِ الرُّتْبَةِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ حَقُّ الْبَدَنِ وَالزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ فَالْبَدَنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَالِ خَامِسُهَا تَقْدِيمُ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ عَزَّ فَلَمَّا عَزَّ حَكَمَ سَادِسُهَا بِالشَّرَفِ وَالْفَضْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ تَقْدِيمَ الْوَصِيَّةِ فِي الذِّكْرِ عَلَى الدَّيْنِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إِنَّمَا تَقَعُ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَقَعُ غَالِبًا بَعْدَ الْمَيِّتِ بِنَوْعِ تَفْرِيطٍ فَوَقَعَتِ الْبُدَاءَةُ بِالْوَصِيَّةِ لِكَوْنِهَا أَفْضَلَ وَقَالَ غَيْرُهُ قُدِّمَتِ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا شَيْءٌ يُؤْخَذُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَالدَّيْنُ يُؤْخَذُ بِعِوَضٍ فَكَانَ إِخْرَاجُ الْوَصِيَّةِ أُشَقَّ عَلَى الْوَارِثِ مِنْ إِخْرَاجِ الدَّيْنِ وَكَانَ أَدَاؤُهَا مَظِنَّةً لِلتَّفْرِيطِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ فَإِنَّ الْوَارِثَ مُطْمَئِنٌّ بِإِخْرَاجِهِ فَقُدِّمَتِ الْوَصِيَّةُ لِذَلِكَ وَأَيْضًا فَهِيَ حَظُّ فَقِيرٍ وَمِسْكِينٍ غَالِبًا وَالدَّيْنُ حَظُّ غَرِيمٍ يَطْلُبُ بِقُوَّةٍ وَلَهُ مَقَالٌ كَمَا صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ مَقَالًا وَأَيْضًا فَالْوَصِيَّةُ يُنْشِئُهَا الْمُوصِي مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ فَقُدِّمَتْ تَحْرِيضًا عَلَى الْعَمَلِ بِهَا بِخِلَافِ الدَّيْنِ انْتَهَى وَحَدِيثُ عَلِيٍّ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ قَالَ فِي النَّيْلِ قَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ سَلَامُ اللَّهِ وَرِضْوَانُهُ قَالَ قَضَى مُحَمَّدٌ أَنَّ الدَّيْنَ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ وأنتم تقرأون الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ وَالْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ إِسْنَادُهُ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ مُعْتَضِدٌ بِالِاتِّفَاقِ الَّذِي سَلَفَ انْتَهَى

باب ما جاء في الرجل يتصدق أو يعتق عند الموت

7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ أَوْ يَعْتِقُ عِنْدَ الْمَوْتِ) قَوْلُهُ [2123] (عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ الطَّائِيِّ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ حَدِيثَ مَثَلُ الَّذِي يُهْدِي وَيُعْتِقُ عِنْدَ الْمَوْتِ إِلَخْ وَعَنْهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ غَيْرُهُ وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَمَّا أَنَا فَلَوْ كُنْتُ لَمْ أَعْدِلْ بِالْمُجَاهِدِينَ) أَيْ لَمْ أُسَاوِ بِهِمُ الْفُقَرَاءَ أَوِ الْمَسَاكِينَ وَغَيْرَهُمْ وَالْمَعْنَى لَوْ كُنْتُ أَنَا مُوصِيًا لَمْ أُوصِ إِلَّا لِلْمُجَاهِدِينَ (مَثَلُ الَّذِي يُعْتِقُ) وَفِي رِوَايَةٍ يَتَصَدَّقُ (عِنْدَ الْمَوْتِ) أَيْ عِنْدَ احْتِضَارِهِ وَفِي الْمِشْكَاةِ مَثَلُ الَّذِي يَتَصَدَّقُ عِنْدَ مَوْتِهِ يُعْتِقُ (كَمَثَلِ الَّذِي يُهْدِي إِذَا شَبِعَ) قَالَ الطِّيبِيُّ فِي هَذَا الْإِهْدَاءِ نَوْعُ اسْتِخْفَافٍ بِالْمُهْدَى إِلَيْهِ انْتَهَى وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ مَرْتَبَةٌ نَاقِصَةٌ لِأَنَّ التَّصَدُّقَ وَالْإِعْتَاقَ حَالَ الصِّحَّةِ أَفْضَلُ كَمَا أَنَّ السَّخَاوَةَ عند المجاعة أكمل قاله القارىء قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا لَأَنْ يَتَصَدَّقَ الْمَرْءُ فِي حَيَاتِهِ بِدِرْهَمٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمِائَةٍ عِنْدَ مَوْتِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِي سَنَدِهِ شُرَحْبِيلُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَا يُحْتَجُّ بحديثه

8 - قَوْلُهُ [2124] (أَنَّ بَرِيرَةَ) بِوَزْنِ عَظِيمَةٍ هِيَ مَوْلَاةٌ لِعَائِشَةَ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهَا فِي بَابِ اشْتِرَاطِ الْوَلَاءِ وَالزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْبُيُوعِ (تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ) أَيْ أَدَّتْ (مِنْ كِتَابَتِهَا) أَيْ مِنْ بَدَلِ كِتَابَتِهَا (ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ) الْمُرَادُ بِهِ مَوَالِيهَا (فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ عَائِشَةَ طَلَبَتْ أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهَا إِذَا بَذَلَتْ جَمِيعَ مَالِ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ إِذْ لَوْ وَقَعَ لَكَانَ اللَّوْمُ بِطَلَبِهَا وَلَاءَ مَنْ أَعْتَقَهَا غَيْرُهَا وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ بِلَفْظٍ يُزِيلُ الْإِشْكَالَ فَقَالَ إِنْ أَعَدَّهَا لَهُمْ عُدَّةً وَاحِدَةً وَأَعْتَقَكِ وَيَكُونُ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ وُهَيْبٌ عَنْ هِشَامٍ فَعُرِفَ بِذَلِكَ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَهَا شِرَاءً صَحِيحًا ثُمَّ تُعْتِقَهَا إِذِ الْعِتْقُ فَرْعُ ثُبُوتِ الْمِلْكِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي كَذَا فِي النَّيْلِ (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ) أَيِ الَّذِي قَالَتْهُ عَائِشَةُ (فَأَبَوْا) أَيِ امْتَنَعُوا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لِعَائِشَةَ (إِنْ شَاءَتْ) أَيْ عَائِشَةُ (أَنْ تحتسب) هو مِنَ الْحِسْبَةِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ تَحْتَسِبَ الْأَجْرَ عِنْدَ اللَّهِ (وَيَكُونَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى تَحْتَسِبَ (لَنَا وَلَاؤُكِ) لَا لَهَا (فَذَكَرَتْ) أَيْ عَائِشَةُ (ابتاعي فأعتقي) هو كقوله في حديث بن عُمَرَ لَا يَمْنَعُكِ ذَلِكَ (فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) فِيهِ إِثْبَاتُ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ وَنَفْيُهُ عَمَّا عَدَاهُ كَمَا تَقْضِيهِ إِنَّمَا الْحَصْرِيَّةُ وَاسْتُدِلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ أَوْ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُخَالَفَةٌ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ وَلَا لِلْمُلْتَقِطِ خِلَافًا لِإِسْحَاقَ (ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ (مَا بَالُ أَقْوَامٍ) أَيْ مَا حَالُهُمْ (لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ) أَيْ فِي حُكْمِ اللَّهِ الَّذِي كتبه على عباده وشرعه لهم قال بن خُزَيْمَةَ أَيْ لَيْسَ فِي حُكْمِ اللَّهِ

جَوَازُهَا أَوْ وُجُوبُهَا لَا أَنَّ كُلَّ مَنْ شَرَطَ شَرْطًا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ الْكِتَابُ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قَدْ يُشْتَرَطُ فِي الْبَيْعِ الْكَفِيلُ فَلَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّمَنِ شُرُوطٌ مِنْ أَوْصَافِهِ أَوْ نُجُومِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَبْطُلُ فَالشُّرُوطُ الْمَشْرُوعَةُ صَحِيحَةٌ وَغَيْرُهَا بَاطِلٌ (فَلَيْسَ لَهُ) أَيْ ذَلِكَ الشَّرْطُ أَيْ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مَنْ شَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ (وَإِنِ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ) ذَكَرَ الْمِائَةَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْكَثْرَةِ لَا أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ بِعَيْنِهِ هُوَ الْمُرَادُ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدِ اسْتَنْبَطَ أَهْلُ العلم منه فوائد كثيرة قال بن بَطَّالٍ أَكْثَرَ النَّاسُ فِي تَخْرِيجِ الْوُجُوهِ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ حَتَّى بَلَغُوهَا نَحْوَ مِائَةِ وَجْهٍ وقال النووي صنف فيه بن خزيمة وبن جَرِيرٍ تَصْنِيفَيْنِ كَبِيرَيْنِ أَكْثَرَ فِيهِمَا مِنَ اسْتِنْبَاطِ الْفَوَائِدِ مِنْهَا فَذَكَرَ أَشْيَاءَ قَالَ الْحَافِظُ وَلَمْ أقف على تصنيف بن خزيمة ووقفت على كلام بن جَرِيرٍ مِنْ كِتَابِهِ تَهْذِيبِ الْآثَارِ وَلَخَّصْتُ مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ بَلَّغَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْفَوَائِدَ مِنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ إِلَى أَرْبَعِمِائَةٍ أَكْثَرُهَا مُسْتَبْعَدٌ مُتَكَلَّفٌ كَمَا وَقَعَ نَظِيرُ ذَلِكَ لِلَّذِي صَنَّفَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ فَبَلَغَ بِهِ أَلْفَ فَائِدَةٍ وَفَائِدَةٍ انْتَهَى وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَثِيرًا مِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْمُكَاتَبِ وَفِي كِتَابِ النِّكَاحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ ذِكْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْمَسْجِدِ وَفِي الزَّكَاةِ فِي بَابِ الصَّدَقَةِ عَلَى مَوَالِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْعِتْقِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْهِبَةِ وَالْبُيُوعِ وَالْفَرَائِضِ وَالطَّلَاقِ وَالشُّرُوطِ وَالْأَطْعِمَةِ وَكَفَّارَةِ الْأَيْمَانِ وَأَخْرَجَهُ فِي الطَّلَاقِ مِنْ حَدِيثِ بن عباس وفي الفرائض من حديث بن عُمَرَ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ طَرَفًا مِنْهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي بَابِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعَ النِّسَاءِ مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَفِي بَابِ إِذَا اشْتَرَطَ فِي الْبَيْعِ شُرُوطًا مِنْ حَدِيثِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْهَا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْعِتْقِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْبُيُوعِ وفي العتق والفرائض وفي الشروط وبن ماجه في العتق

29 - كتاب الولاء والهبة

29 - كتاب الولاء والهبة الخ الْوَلَاءُ بِالْفَتْحِ وَالْمَدِّ حَقُّ مِيرَاثِ الْمُعْتِقِ بِالْكَسْرِ من المعتق بالفتح (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ) قَوْلُهُ [2125] (الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْطَى الثَّمَنَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ أَعْطَى الثَّمَنَ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالْوَرِقِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ (أَوْ لِمَنْ وَلِيَ النِّعْمَةَ) أَيْ نِعْمَةَ الْعِتْقِ قَالَ الْحَافِظُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلِيَ النِّعْمَةَ أَعْتَقَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَوَلِيَ النِّعْمَةَ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَلَفْظَةُ أَوْ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنِ اشترى العبد وأعتقه فولاؤه له قال بن بَطَّالٍ هَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي أَنَّ الْوَلَاءَ لِكُلِّ مُعْتَقٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُجْمَعٌ عليه قوله (وفي الباب عن بن عمر وأبي هريرة) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي

باب ما جاء في النهي عن بيع الولاء وهبته

قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ) قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ثُبُوتِ الْوَلَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَرِثُ بِهِ وَأَمَّا الْعَتِيقُ فَلَا يَرِثُ سَيِّدَهُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ يَرِثُهُ كَعَكْسِهِ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وهبته) قوله [2126] (نهى عن بيع الولاء وهبته) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ مِنْ أَبْوَابِ الْبُيُوعِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ قَوْلُهُ (وَيُرْوَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ لَوَدِدْتُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ حِينَ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَذِنَ لِي إِلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ سَبَبَ وُدِّهِ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدِ اشْتَهَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ حَتَّى قَالَ مُسْلِمٌ لَمَّا أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ النَّاسُ كُلُّهُمْ عِيَالٌ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى وَقَدِ اعْتَنَى أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ بِجَمِيعِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ فَأَوْرَدَهُ عَنْ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ نَفْسًا مِمَّنْ حَدَّثَ بِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ (وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ بن عمر) وصله بن مَاجَهْ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ فَقَدْ تَابَعَهُ أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صحيحه من

باب ما جاء في من تولى غير مواليه أو ادعى

طَرِيقِهِمَا لَكِنْ قَرَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَافِعًا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ (بَاب مَا جَاءَ فِي من تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ أَوْ ادَّعَى) إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ قَوْلُهُ [2127] (مَنْ زَعَمَ أَنَّ عِنْدَنَا شَيْئًا نَقْرَؤُهُ إِلَّا كِتَابَ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ) أَيْ غَيْرَهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِبْطَالِ مَا تَزْعُمُهُ الرَّافِضَةُ وَالشِّيعَةُ وَيَخْتَرِعُونَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْصَى إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَسْرَارِ الْعِلْمِ وَقَوَاعِدِ الدِّينِ وَكُنُوزِ الشَّرِيعَةِ وَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ أَهْلَ الْبَيْتِ بِمَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ وَهَذِهِ دَعَاوَى بَاطِلَةٌ وَاخْتِرَاعَاتٌ فَاسِدَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا وَيَكْفِي فِي إِبْطَالِهَا قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا انْتَهَى (صَحِيفَةٌ) بَدَلٌ مِنْ هَذِهِ الصَّحِيفَةِ (فِيهَا أَسْنَانُ الْإِبِلِ) أَيْ بَيَانُ أَسْنَانِهَا (وَأَشْيَاءُ مِنَ الْجِرَاحَاتِ) أَيْ مِنْ أَحْكَامِهَا (فَقَدْ كَذَبَ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ مَنْ زَعَمَ (وَقَالَ) أَيْ عَلِيٌّ (فِيهَا) أَيْ فِي الصَّحِيفَةِ (الْمَدِينَةُ حَرَمٌ) بِفَتْحَتَيْنِ (مَا بَيْنَ عَيْرٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ بِالْمَدِينَةِ (إِلَى ثَوْرٍ) بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ ثَوْرٌ جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ وَأَمَّا قَوْلُ عُبَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَكَابِرِ الْأَعْلَامِ إِنَّ هَذَا تَصْحِيفٌ وَالصَّوَابُ إِلَى أُحُدٍ لأن ثورا إنما هو بمكة تغير جَيِّدٍ لِمَا أَخْبَرَنِي الشُّجَاعُ الْبَعْلِيُّ الشَّيْخُ الزَّاهِدُ عَنِ الْحَافِظِ أَبِي مُحَمَّدٍ عَبْدِ السَّلَامِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ حِذَاءَ أُحُدٍ جَانِحًا إِلَى وَرَائِهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ وَتَكَرَّرَ سُؤَالِي عَنْهُ طَوَائِفَ مِنَ الْعَرَبِ الْعَارِفِينَ بِتِلْكَ الْأَرْضِ فَكُلٌّ أَخْبَرَ أَنَّ اسْمَهُ ثَوْرٌ وَلَمَّا كَتَبَ إِلَى الشَّيْخِ عَفِيفِ الدِّينِ الْمَطَرِيِّ عَنْ وَالِدِهِ الْحَافِظِ الثِّقَةِ قَالَ إِنَّ خَلْفَ أُحُدٍ عَنْ شِمَالَيْهِ جَبَلًا صَغِيرًا مُدَوَّرًا يُسَمَّى ثَوْرًا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ انْتَهَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ فِي الْأَحْكَامِ بَعْدَ حِكَايَةِ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدٍ وَمَنْ تَبِعَهُ قَدْ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ الْعَالِمُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ السَّلَامِ الْبَصْرِيُّ أَنَّ حِذَاءَ أُحُدٍ عَنْ يَسَارِهِ جَانِحًا إِلَى وَرَائِهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ فَذَكَرَ مِثْلَ مَا فِي الْقَامُوسِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَدِينَةَ حَرَمٌ كَحَرَمِ مَكَّةَ وَفِي هَذَا أَحَادِيثُ عَدِيدَةٌ مَرْوِيَّةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَذَكَرَهَا صَاحِبُ الْمُنْتَقَى قَالَ

الشَّوْكَانِيُّ اسْتَدَلَّ بِمَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ تَحْرِيمِ شَجَرِ الْمَدِينَةِ وَخَبْطِهِ وَعَضُدِهِ وَتَحْرِيمِ صَيْدِهَا وَتَنْفِيرِهِ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْهَادِي وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ لِلْمَدِينَةِ حَرَمًا كَحَرَمِ مَكَّةَ يَحْرُمُ صَيْدُهُ وَشَجَرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فَإِنْ قَتَلَ صَيْدًا أَوْ قَطَعَ شَجَرًا فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلنُّسُكِ فَأَشْبَهَ الْحِمَى وَقَالَ بن أبي ذئب وبن أَبِي لَيْلَى يَجِبُ فِيهِ الْجَزَاءُ كَحَرَمِ مَكَّةَ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالنَّاصِرُ إِلَى أَنَّ حَرَمَ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِحَرَمٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَا تَثْبُتُ لَهُ الْأَحْكَامُ مِنْ تَحْرِيمِ قَتْلِ الصَّيْدِ وَقَطْعِ الشَّجَرِ وَالْأَحَادِيثُ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ أَوْ أَنَّهُ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ انْتَهَى (فَمَنْ أَحْدَثَ) أَيْ أَظْهَرَ فِي الْمَدِينَةِ (حَدَثًا) بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ الْأَمْرُ الْحَادِثُ الْمُنْكَرُ الَّذِي لَيْسَ بِمَعْنَاهُ وَلَا مَعْرُوفٌ فِي السُّنَّةِ (أَوْ آوَى) بِالْمَدِّ وَيُقْصَرُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَوَى فَآوَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُمَا لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ يُقَالُ أَوَيْتُ إِلَى الْمَنْزِلِ وَآوَيْتُ غَيْرِي وَأَوَيْتُهُ وأنكر بعضهم المقصوري الْمُتَعَدِّيَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ لُغَةٌ فَصِيحَةٌ وَمُحْدِثًا بكسر الذال وَفَتْحِهَا عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ فَمَعْنَى الْكَسْرِ مَنْ نَصَرَ جَانِبًا وَآوَاهُ وَأَجَارَهُ مِنْ خَصْمِهِ وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْهُ وَمَعْنَى الْفَتْحِ هُوَ الْأَمْرُ الْمُبْتَدَعُ نَفْسُهُ وَيَكُونُ مَعْنَى الْإِيوَاءِ فِيهِ الْمَرْضِيَّ بِهِ وَالصَّبْرَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ إِذَا رَضِيَ بِبِدْعَتِهِ وَأَقَرَّ فَاعِلَهُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُنْكِرْهَا فقد آواه قاله العيني وقال القارىء بِكَسْرِ الدَّالِ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَيْ مُبْتَدِعًا وَقِيلَ أَيْ جَانِبًا إِلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (فَعَلَيْهِ) أَيْ فَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا (لَعْنَةُ اللَّهِ) أَيْ طَرْدُهُ وَإِبْعَادُهُ قَالَ عِيَاضٌ اسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْحَدَثَ فِي الْمَدِينَةِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَالْمُرَادُ بِلَعْنَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ الْمُبَالَغَةُ فِي الْإِبْعَادِ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ قَالَ وَالْمُرَادُ بِاللَّعْنِ هُنَا الْعَذَابُ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ عَلَى ذَنْبِهِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَلَيْسَ هُوَ كَلَعْنِ الْكَافِرِ (وَالْمَلَائِكَةِ) أَيْ دُعَاؤُهُمْ عَلَيْهِ بِالْبُعْدِ عَنْ رَحْمَتِهِ (وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) أَيْ مِنْ هَذَا الْحَدَثِ وَالْمُؤَدِّي أَوْ هُمَا دَاخِلَانِ أَيْضًا لِأَنَّهُمَا مِمَّنْ يَقُولَ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَالظُّلْمُ هُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا) بِفَتْحِ أَوَّلِهِمَا وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِهِمَا فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ الصَّرْفُ الفريضة والعدل النافلة ورواه بن خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ بِالْعَكْسِ وَعَنِ الْأَصْمَعِيِّ الصَّرْفُ التَّوْبَةُ وَالْعَدْلُ الْفِدْيَةُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ عِيَاضٌ مَعْنَاهُ لَا يُقْبَلُ قَبُولَ رِضًا وَإِنْ قُبِلَ قَبُولَ جَزَاءٍ وَقِيلَ يَكُونُ الْقَبُولُ هُنَا بِمَعْنَى تَكْفِيرِ الذَّنْبِ بِهِمَا وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَى الْفِدْيَةِ أَنَّهُ لَا يَجِدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِدًى يَفْتَدِي بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنَ الْمُذْنِبِينَ بِأَنْ يَفْدِيَهُ مِنَ النَّارِ بِيَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ (وَمَنِ ادَّعَى) أَيِ انْتَسَبَ (أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ) بِأَنْ يَقُولَ عَتِيقٌ لِغَيْرِ مُعْتِقِهِ

باب ما جاء في الرجل ينتفي من ولده

أَنْتَ مَوْلَايَ وَلَكَ وَلَائِي قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ وَلَاءَ الْعِتْقِ لِعَطْفِهِ عَلَى قَوْلِهِ مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِالْوَعِيدِ فَإِنَّ الْعِتْقَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ فَإِذَا نُسِبَ إِلَى غَيْرِ مَنْ هُوَ لَهُ كَانَ كَالدَّعِيِّ الَّذِي تَبَرَّأَ عَمَّنْ هُوَ مِنْهُ وَأَلْحَقَ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ فَيَسْتَحِقُّ بِهِ الدُّعَاءَ عَلَيْهِ بِالطَّرْدِ وَالْإِبْعَادِ عَنِ الرَّحْمَةِ انْتَهَى وَهَذَا صَرِيحٌ فِي غِلَظِ تَحْرِيمِ انْتِمَاءِ الْإِنْسَانِ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوِ انْتِمَاءِ الْعَتِيقِ إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرِ النِّعْمَةِ وَتَضْيِيعِ حُقُوقِ الْإِرْثِ وَالْوَلَاءِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَالْعُقُوقِ (وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ عَهْدُهُمْ وَأَمَانُهُمْ (وَاحِدَةٌ) أَيْ أَنَّهَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَرَاتِبِ وَلَا يَجُوزُ نَقْضُهَا لِتَفَرُّدِ الْعَاقِدِ بِهَا (يَسْعَى بِهَا) أَيْ يَتَوَلَّاهَا وَيَلِي أَمْرَهَا (أَدْنَاهُمْ) أَيْ أَدْنَى الْمُسْلِمِينَ مَرْتَبَةً والْمَعْنَى أَنَّ ذِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ صَدَرَتْ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ شَرِيفٍ أَوْ وَضِيعٍ فَإِذَا أَمَّنَ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَافِرًا وَأَعْطَاهُ ذِمَّةً لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ فَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْحُرُّ وَالْعَبْدُ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ وَفِي الْجِزْيَةِ وَفِي الْفَرَائِضِ وَفِي الِاعْتِصَامِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الْحَجِّ (وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَهُ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْحَافِظُ هَذِهِ رِوَايَةُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ عَنْهُ وَخَالَفَهُمْ شُعْبَةُ فَرَوَاهُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ سُوَيْدٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَالصَّوَابُ رِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي الرَّجُلِ يَنْتَفِي مِنْ وَلَدِهِ) أَيْ بِالتَّعْرِيضِ وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي الطَّلَاقِ عَلَى حديث الباب إذا عرض بنفي الولد

قَوْلُهُ [2128] (جَاءَ رَجُلٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ قَالَ الْحَافِظُ وَاسْمُ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ ضَمْضَمُ بْنُ قَتَادَةَ (إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ وَإِنِّي أَنْكَرْتُهُ أَيِ اسْتَنْكَرْتُهُ بِقَلْبِي وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ أَنْكَرَ كَوْنَهُ ابْنَهُ بِلِسَانِهِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِمُسْلِمٍ وَهُوَ حِينَئِذٍ يَعْرِضُ بِأَنْ يَنْفِيَهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ لَيْسَ قَذْفًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِذَلِكَ وَعَنِ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ إِذَا كَانَ مَفْهُومًا وَأَجَابُوا عَنِ الْحَدِيثِ أَنَّ التَّعْرِيضَ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْقَذْفُ عِنْدَهُمْ هُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْقَذْفُ كَمَا يُفْهَمُ مِنَ التَّصْرِيحِ وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِدَفْعِ ذَلِكَ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُرِدْ قَذْفًا بَلْ جَاءَ سَائِلًا مُسْتَفْتِيًا عَنِ الْحُكْمِ لِمَا وَقَعَ لَهُ مِنَ الرِّيبَةِ فَلَمَّا ضَرَبَ لَهُ الْمَثَلَ أَذْعَنَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَالَ حُمْرٌ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ جَمْعُ أَحْمَرَ (فَهَلْ فِيهَا أَوْرَقُ) قَالَ الْحَافِظُ الْأَوْرَقُ الَّذِي فِيهِ سَوَادٌ لَيْسَ بِحَالِكٍ بَلْ يَمِيلُ إِلَى الْغَبَرَةِ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْحَمَامَةِ وَرْقَاءُ (إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ جَمْعُ أَوْرَقَ (أَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَيْنَ أَتَاهَا اللَّوْنُ الَّذِي خَالَفَهَا هَلْ هُوَ بِسَبَبِ فَحْلٍ مِنْ غَيْرِ لَوْنِهَا طَرَأَ عَلَيْهَا أَوْ لِأَمْرٍ آخَرَ (لَعَلَّ عِرْقًا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ (نَزَعَهَا) الْمَعْنَى يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي أُصُولِهَا مَنْ هُوَ بِاللَّوْنِ الْمَذْكُورِ فَاجْتَذَبَهُ إِلَيْهِ فَجَاءَ عَلَى لَوْنِهِ وَالْمُرَادُ بِالْعِرْقِ الْأَصْلُ مِنَ النَّسَبِ شَبَّهَهُ بِعِرْقِ الشَّجَرَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ فُلَانٌ عَرِيقٌ فِي الْأَصَالَةِ أَيْ إِنَّ أَصْلَهُ مُتَنَاسِبٌ وَكَذَا مُعْرِقٌ فِي الْكَرَمِ أَوِ اللُّؤْمِ وَأَصْلُ النَّزْعِ الْجَذْبُ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمَيْلِ (قَالَ فَهَذَا) أَيِ الْغُلَامُ الْأَسْوَدُ (لَعَلَّ عِرْقًا نَزَعَهُ) أَيْ لَعَلَّهُ فِي أُصُولِكَ أَوْ فِي أُصُولِ امْرَأَتِكَ مَنْ يَكُونُ فِي لَوْنِهِ أَسْوَدُ فَأَشْبَهَهُ وَاجْتَذَبَهُ إِلَيْهِ وَأَظْهَرَ لَوْنَهُ عَلَيْهِ زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَمْ يُرَخِّصْ لَهُ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ الزَّوْجَ وَإِنْ خَالَفَ لَوْنُهُ لَوْنَهُ حَتَّى لَوْ كَانَ الْأَبُ أَبْيَضَ وَالْوَلَدُ أَسْوَدَ أَوْ عَكْسَهُ لَحِقَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ نَفْيُهُ بِمُجَرَّدِ الْمُخَالَفَةِ فِي اللَّوْنِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الزَّوْجَانِ أَبْيَضَيْنِ فَجَاءَ الْوَلَدُ أَسْوَدَا وَعَكْسُهُ الِاحْتِمَالُ أَنَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ مِنْ أَسْلَافِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وبن ماجه

باب ما جاء في القافة

5 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَافَةِ) الْقَافَةُ جَمْعُ قَائِفٍ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْقَائِفُ الَّذِي يَتَتَبَّعُ الْآثَارَ وَيَعْرِفُهَا وَيَعْرِفُ شَبَهَ الرَّجُلِ بِأَخِيهِ وَأَبِيهِ وَالْجَمْعُ الْقَافَةُ يُقَالُ فُلَانٌ يَقُوفُ الْأَثَرَ وَيَقْتَافُهُ قِيَافَةً مِثْلُ قَفَا الْأَثَرَ وَاقْتَفَاهُ انْتَهَى قَوْلُهُ [2129] (دَخَلَ عَلَيْهَا مَسْرُورًا) أَيْ فَرْحَانًا (تَبْرُقُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ أَيْ تُضِيءُ وَتَسْتَنِيرُ مِنَ السُّرُورِ وَالْفَرَحِ (أَسَارِيرُ وَجْهِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأَسَارِيرُ الْخُطُوطُ الَّتِي تَجْتَمِعُ فِي الْجَبْهَةِ وَتَتَكَسَّرُ وَاحِدُهَا سُرٌّ أَوْ سُرَرٌ وَجَمْعُهَا أَسْرَارٌ وَأَسِرَّةٌ وَجَمْعُ الْجَمْعِ أَسَارِيرُ انْتَهَى (أَلَمْ تَرَيْ) بِحَذْفِ النُّونِ أَيْ أَلَمْ تَعْلَمِي يَعْنِي هَذَا مِمَّا يَتَعَيَّنُ أَنْ تَعْلَمِي فَاعْلَمِي (مُجَزِّزًا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ الثَّقِيلَةِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا وَبَعْدَهَا زَايٌ أُخْرَى هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ زاي وهو بن الْأَعْوَرِ بْنُ جَعْدَةَ الْمُدْلِجِيُّ نِسْبَةً إِلَى مُدْلِجِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ كِنَانَةَ وَكَانَتِ الْقِيَافَةُ فِيهِمْ وَفِي بَنِي أَسَدٍ وَالْعَرَبُ تَعْتَرِفُ لَهُمْ بِذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ خَاصًّا بِهِمْ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَدْ أَخْرَجَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ فِي الْفَرَائِضِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ إِلَى سَعِيدِ بْنِ المسيب أن عمر كان فائقا أَوْرَدَهُ فِي قِصَّتِهِ وَعُمَرُ قُرَشِيٌّ لَيْسَ مُدْلِجِيًّا وَلَا أَسَدِيًّا لَا أَسَدَ قُرَيْشٍ وَلَا أَسَدَ خزيمة وكان مجززا عارفا بالقيافة وذكره بن يُونُسَ فِيمَنْ شَهِدَ فَتْحَ مِصْرَ وَقَالَ لَا أَعْلَمُ لَهُ رِوَايَةً كَذَا فِي الْفَتْحِ (نَظَرَ آنِفًا) بِالْمَدِّ وَيَجُوزُ الْقَصْرُ أَيْ قَرِيبًا أَوْ أَقْرَبَ وَقْتٍ (فَقَالَ) أَيْ مُجَزِّزٌ الْمُدْلِجِيُّ (هَذِهِ الْأَقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَقْدَحُ فِي نَسَبِ أُسَامَةَ لِكَوْنِهِ أَسْوَدَ شَدِيدَ السَّوَادِ وَكَانَ زَيْدٌ أَبْيَضَ كَذَا قَالَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ فَلَمَّا قَضَى هَذَا الْقَائِفُ بِإِلْحَاقِ نَسَبِهِ مَعَ اخْتِلَافِ اللَّوْنِ وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَعْتَمِدُ قَوْلَ الْقَائِفِ فَرِحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ زَاجِرًا لَهُمْ عَنِ الطَّعْنِ فِي النَّسَبِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ غَيْرُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ كَانَ زَيْدٌ أَزْهَرَ اللَّوْنِ وَأُمُّ أُسَامَةَ هِيَ أُمُّ أَيْمَنَ وَاسْمُهَا بَرَكَةٌ وَكَانَتْ حَبَشِيَّةً سَوْدَاءَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ عِيَاضٌ لَوْ صَحَّ أَنَّ أُمَّ أَيْمَنَ كَانَتْ سَوْدَاءَ لَمْ يُنْكِرُوا سَوَادَ ابْنِهَا أُسَامَةَ لِأَنَّ السَّوْدَاءَ قَدْ تَلِدُ مِنَ الْأَبْيَضِ أَسْوَدَ قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ صَافِيَةً فَجَاءَ أُسَامَةُ شَدِيدَ السَّوَادِ فَوَقَعَ الْإِنْكَارُ لِذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَنَاقِبِ

وَالْفَرَائِضِ وَمُسْلِمٌ فِي النِّكَاحِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي الطَّلَاقِ قَوْلُهُ (وَقَدْ غَطَّيَا) مِنَ التَّغْطِيَةِ أي سترا (رؤوسهما) أَيْ بِقَطِيفَةٍ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (وَبَدَتْ) أَيْ ظَهَرَتْ قَالَ الْحَافِظُ وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ دَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ يَقُولُ لَعَلَّهُ حَابَاهُمَا بِذَلِكَ لِمَا عَرَفَ مِنْ كَوْنِهِمْ كَانُوا يَطْعَنُونَ فِي أُسَامَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدِ احْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي إِقَامَةِ أَمْرِ الْقَافَةِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ فِي الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ بِالْقَافَةِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ عُمَرَ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ الْحُكْمُ بِهَا بَاطِلٌ لِأَنَّهَا حَدْسٌ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الشَّرِيعَةِ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ حُجَّةٌ فِي إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِهَا لِأَنَّ أُسَامَةَ قَدْ كَانَ ثَبَتَ نَسَبُهُ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَحْتَجِ الشَّارِعُ فِي إِثْبَاتِ ذَلِكَ إِلَى قَوْلِ أَحَدٍ وَإِنَّمَا تَعَجَّبَ مِنْ إِصَابَةِ مُجَزِّزٍ كَمَا يَتَعَجَّبُ مِنْ ظَنِّ الرَّجُلِ الَّذِي يُصِيبُ ظَنُّهُ حَقِيقَةَ الشَّيْءِ الَّذِي ظَنَّهُ وَلَا يَجِبُ الْحُكْمُ بِذَلِكَ وَتَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَاطَ بِذَلِكَ إِثْبَاتَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علم انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ص 412 ج 6 وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ حَدِيثَ مُجَزِّزٍ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَعْرِفُ الْقَائِفُ بِزَعْمِهِ أَنَّ هَذَا الشَّخْصَ مِنْ مَاءِ ذَاكَ لَا أَنَّهُ طَرِيقٌ شَرْعِيٌّ فَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِالشَّرْعِ فَيُجَابُ بِأَنَّ فِي اسْتِبْشَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّقْرِيرِ مَا لَا يُخَالِفُ فِيهِ مُخَالِفٌ وَلَوْ كَانَ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ لَقَالَ لَهُ إِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لَا يُقَالُ إِنَّ أُسَامَةَ قَدْ ثَبَتَ فِرَاشُ أَبِيهِ شَرْعًا وَإِنَّمَا لَمَّا وَقَعَتِ الْقَالَةُ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ اللَّوْنِ وَكَانَ قَوْلُ الْمُدْلِجِيَّ الْمَذْكُورُ دَافِعًا لَهَا لِاعْتِقَادِهِمْ فِيهِ الْإِصَابَةُ وَصِدْقُ الْمَعْرِفَةِ اسْتَبْشَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ التَّعَلُّقُ بِمِثْلِ هَذَا التَّقْرِيرِ عَلَى إِثْبَاتِ أَصْلِ النَّسَبِ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ كَانَتِ الْقَافَةُ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهَا إِلَّا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ مَعَ مِثْلِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَالُوا مَقَالَةَ السُّوءِ لَمَا قَرَّرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْلِهِ هَذِهِ الْأَقْدَامُ بَعْضُهَا مِنْ بعض وهو في قوة هذا بن هَذَا فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ تَقْرِيرٌ لِلْإِلْحَاقِ بِالْقَافَةِ مُطْلَقًا لَا إِلْزَامٌ لِلْخَصْمِ بِمَا يَعْتَقِدُهُ وَلَا سِيَّمَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ إِنْكَارُ كَوْنِهَا طَرِيقًا يَثْبُتُ بِهَا النَّسَبُ حَتَّى يَكُونَ تَقْرِيرُهُ لِذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّقْرِيرِ عَلَى مَعْنَى كَافِرٍ إِلَى كُنْيَةٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا عُرِفَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب في حث النبي صلى الله عليه وسلم على التهادي

إِنْكَارُهُ قَبْلَ السُّكُوتِ عَنْهُ وَقَدْ أَطَالَ الْحَافِظُ بن القيم الكلام في إثبات الْحُكْمِ بِالْقَافَةِ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَقَالَ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُمَرَ فِي امْرَأَةٍ وَطِئَهَا رَجُلَانِ فِي طُهْرٍ فَقَالَ الْقَائِفُ قَدِ اشْتَرَكَا فِيهِ جَمِيعًا فَجَعَلَهُ بَيْنَهُمَا قَالَ الشَّعْبِيُّ وَعَلِيٌّ يَقُولُ هُوَ ابْنُهُمَا وَهُمَا أَبَوَاهُ يَرِثَانِهِ ذَكَرَهُ سَعِيدٌ أَيْضًا وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي رَجُلَيْنِ اشْتَرَكَا فِي طُهْرِ امْرَأَةٍ فَحَمَلَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا يُشْبِهُهُمَا فَرَفَعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَدَعَا الْقَافَةَ فَنَظَرُوا فَقَالُوا نَرَاهُ يُشْبِهُهُمَا فَأَلْحَقَهُ بِهِمَا وَجَعَلَهُ يَرِثُهُمَا وَيَرِثَانِهِ وَلَا يُعْرَفُ قَطُّ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ خَالَفَ عُمَرَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي ذَلِكَ بَلْ حَكَمَ عُمَرُ بِهَذَا فِي الْمَدِينَةِ وَبِحَضْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فَلَمْ يُنْكِرْ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ (بَاب فِي حَثِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى التهادي) الْهَدِيَّةِ كَغَنِيَّةِ مَا أُتْحِفَ بِهِ قَوْلُهُ [2130] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَالِدُ السُّدُوسِيِّ الْعَنْبَرِيُّ أَبُو الْخَطَّابِ الْبَصْرِيُّ الْمَكْفُوفُ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالْقَدَرِ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ سَعِيدٍ) هو بن أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ قَوْلُهُ (تَهَادَوْا) بِفَتْحِ الدَّالِ أَمْرٌ مِنَ التَّهَادِي بِمَعْنَى الْمُهَادَاةِ أَيْ لِيُعْطِ الْهَدِيَّةَ وَيُرْسِلُهَا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ (فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصَّدْرِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ غِشَّهُ وَوَسَاوِسَهُ وَقِيلَ الْحِقْدُ وَالْغَيْظُ وَقِيلَ الْعَدَاوَةُ وَقِيلَ أَشَدُّ الْغَضَبِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَلَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ لِجَارَتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ هَدِيَّةً مُهْدَاةً لِجَارَتِهَا (وَلَوْ شِقَّ فِرْسِنِ شَاةٍ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ نَصِيفَهُ أَوْ بَعْضَهُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ وَالْفِرْسِنُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ نُونٌ هُوَ عَظْمٌ قَلِيلُ اللَّحْمِ وَهُوَ لِلْبَعِيرِ مَوْضِعُ الْحَافِرِ لِلْفَرَسِ وَيُطْلَقُ عَلَى الشَّاةِ مَجَازًا وَنُونُهُ زَائِدَةٌ وَقِيلَ أَصْلِيَّةٌ وَأُشِيرَ بِذَلِكَ إِلَى الْمُبَالَغَةِ فِي إِهْدَاءِ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ وَقَبُولِهِ لَا إِلَى حَقِيقَةِ الْفِرْسِنِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ الْعَادَةُ بِإِهْدَائِهِ أَيْ لَا تَمْنَعُ جَارَةٌ مِنَ الْهَدِيَّةِ

باب ما جاء في كراهية الرجوع في الهبة

لِجَارَتِهَا الْمَوْجُودَ عِنْدَهَا لِاسْتِقْلَالِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَجُودَ لَهَا بِمَا تَيَسَّرَ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَهُوَ خَيْرٌ مِنَ الْعَدَمِ وَذَكَرَ الْفِرْسِنَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ إِنَّمَا وَقَعَ لِلْمُهْدَى إِلَيْهَا وَأَنَّهَا لَا تَحْتَقِرُ مَا يُهْدَى إِلَيْهَا وَلَوْ كَانَ قَلِيلًا وَحَمْلُهُ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى وَفِي الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى التَّهَادِي وَلَوْ بِالْيَسِيرِ لِمَا فِيهِ مِنَ اسْتِجْلَابِ الْمَوَدَّةِ وَإِذْهَابِ الشَّحْنَاءِ وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى أَمْرِ الْمَعِيشَةِ وَالْهَدِيَّةُ إِذَا كَانَتْ يَسِيرَةً فَهِيَ أَدَلُّ عَلَى الْمَوَدَّةِ وَأَسْقَطُ لِلْمُؤْنَةِ وَأَسْهَلُ عَلَى الْمُهْدِي لِإِطْرَاحِ التَّكَلُّفِ وَالْكَثِيرُ قَدْ لَا يَتَيَسَّرُ كُلَّ وَقْتٍ وَالْمُوَاصَلَةُ بِالْيَسِيرِ تَكُونُ كَالْكَثِيرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (أَبُو مَعْشَرٍ اسْمُهُ نَجِيحٌ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ نَجِيحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السِّنْدِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو مَعْشَرٍ وَهُوَ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ أَسَنَّ وَاخْتَلَطَ مَاتَ سَنَةَ سَبْعِينَ وَمِائَةٍ وَيُقَالُ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْوَلِيدِ بْنِ الْهِلَالِ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ الْبَابِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ في أول الهبة من طريق بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يَقُلْ عَنْ أَبِيهِ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ تَهَادَوْا فَإِنَّ الْهَدِيَّةَ تُذْهِبُ وَحَرَ الصدر الحديث وقال غريب وأبو معشر يضعف وَقَالَ الطَّرْقِيُّ إِنَّهُ أَخْطَأَ فِيهِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ كَذَا قَالَ وَقَدْ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ سَعِيدٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ نَعَمْ مَنْ زَادَ فِيهِ عَنْ أَبِيهِ أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ فَرِوَايَتُهُمْ أَوْلَى انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ) قَوْلُهُ [2131] (مَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا إِلَخْ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ الرُّجُوعِ في الهبة

وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ بَابَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ وَصَدَقَتِهِ وَقَدِ اسْتَثْنَى الْجُمْهُورُ مَا يَأْتِي عَنِ الْهِبَةِ لِلْوَلَدِ وَنَحْوِهِ وَذَهَبَتِ الْهَادَوِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إلى حل الرجوع في الهبة دون الصَّدَقَةِ إِلَّا الْهِبَةَ لِذِي رَحِمٍ قَالُوا وَالْحَدِيثُ الْمُرَادُ بِهِ التَّغْلِيظُ فِي الْكَرَاهَةِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلُهُ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ وَإِنِ اقْتَضَى التَّحْرِيمَ لَكِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ كَالْكَلْبِ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّحْرِيمِ لِأَنَّ الْكَلْبَ غَيْرُ مُتَعَبِّدٍ فَالْقَيْءُ لَيْسَ حَرَامًا عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ التَّنَزُّهُ عَنْ فِعْلٍ يُشْبِهُ فِعْلَ الْكَلْبِ وتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ التَّأْوِيلِ وَمُنَافَرَةِ سِيَاقِ الْحَدِيثِ لَهُ وَعُرْفُ الشَّرْعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الزَّجْرُ الشَّدِيدُ كَمَا وَرَدَ النَّهْيُ فِي الصَّلَاةِ عَنْ إِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَنَقْرِ الْغُرَابِ وَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُفْهَمُ مِنَ الْمَقَامِ إِلَّا التَّحْرِيمُ وَالتَّأْوِيلُ الْبَعِيدُ لا يلتفت إليه وحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه عن بن عَبَّاسٍ وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عَبَّاسٍ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ آنِفًا (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو) أخرجه النسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ [2132] (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ إِلَخْ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي تَحْرِيمِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ الْكَرَاهَةِ الشَّدِيدَةِ صَرْفٌ لَهُ عَنْ ظَاهِرِهِ (ثُمَّ يَرْجِعَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى يُعْطِي (فِيهَا) أَيْ فِي عَطِيَّتِهِ (إِلَّا الْوَالِدَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ (فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ) اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ وَكَذَلِكَ الْأُمُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ إِلَّا أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ فَرَّقُوا بَيْنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ فَقَالُوا لِلْأُمِّ أَنْ تَرْجِعَ إِنْ كَانَ الْأَبُ حَيًّا دُونَ مَا إِذَا مَاتَ وَقَيَّدُوا رُجُوعَ الْأَبِ بِمَا إِذَا كَانَ الِابْنُ الْمَوْهُوبُ لَهُ لَمْ يَسْتَحْدِثْ دَيْنًا أَوْ يَنْكِحَ وَبِذَلِكَ قَالَ إِسْحَاقُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يَحِلُّ لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ مُطْلَقًا وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ إِنْ كَانَ الْمَوْهُوبُ صَغِيرًا لَمْ يَكُنْ لِلْأَبِ الرُّجُوعُ وَكَذَا إِنْ كَانَ كَبِيرًا وَقَبَضَهَا قَالُوا وَإِنْ كَانَتِ الْهِبَةُ لِزَوْجٍ مِنْ زَوْجَتِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ لِذِي رَحِمٍ لَمْ يَجُزِ الرُّجُوعُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَوَافَقَهُمْ إِسْحَاقُ فِي ذِي الرَّحِمِ وَقَالَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَرْجِعَ بِخِلَافِ الزَّوْجِ وَالِاحْتِجَاجُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ يَطُولُ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْوَلَدَ وَمَالَهُ لِأَبِيهِ

فَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ رُجُوعًا وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ رُجُوعًا فَرُبَّمَا اقْتَضَتْهُ مَصْلَحَةُ التَّأْدِيبِ وَنَحْوُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ) أَيْ لِغَيْرِ وَلَدِهِ (أَكَلَ) أَيِ اسْتَمَرَّ عَلَى الْمُوكَلِ كُلَّ شَيْءٍ (حَتَّى إِذَا شَبِعَ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ قَوْلُهُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَحِلُّ لِمَنْ وَهَبَ هِبَةً أَنْ يَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ إِلَخْ) هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ أعلم

30 - كتاب القدر

30 - كتاب القدر الْقَدَرُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ عِبَارَةٌ عَمَّا قَضَاهُ اللَّهُ وَحَكَمَ بِهِ مِنَ الْأُمُورِ وَهُوَ مَصْدَرُ قَدَرَ يَقْدِرُ قَدَرًا وَقَدْ تُسَكَّنُ دَالُهُ (باب ما جاء من التَّشْدِيدِ فِي الْخَوْضِ فِي الْقَدَرِ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْإِيمَانُ بِالْقَدَرِ فَرْضٌ لَازِمٌ وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ أَعْمَالِ الْعِبَادِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا وَكَتَبَهَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ وَالْكُلُّ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَرْضَى الْإِيمَانَ وَالطَّاعَةَ وَوَعَدَ عَلَيْهِمَا الثَّوَابَ وَلَا يَرْضَى الْكُفْرَ وَالْمَعْصِيَةَ وَأَوْعَدَ عَلَيْهِمَا الْعِقَابَ وَالْقَدَرُ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ مَلَكًا مُقَرَّبًا وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا وَلَا يَجُوزُ الْخَوْضُ فِيهِ وَالْبَحْثُ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْعَقْلِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً خَلَقَهُمْ لِلنَّعِيمِ فَضْلًا وَفِرْقَةً لِلْجَحِيمِ عَدْلًا وَسَأَلَ رَجُلٌ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ أَخْبِرْنِي عَنِ الْقَدَرِ قَالَ طَرِيقٌ مُظْلِمٌ لَا تَسْلُكْهُ وَأَعَادَ السُّؤَالَ فَقَالَ بَحْرٌ عَمِيقٌ لَا تَلِجْهُ وَأَعَادَ السُّؤَالَ فَقَالَ سِرُّ اللَّهِ قَدْ خَفِيَ عَلَيْكَ فَلَا تَفْتِشْهُ وَلِلَّهِ دَرُّ مَنْ قَالَ تَبَارَكَ مَنْ أَجْرَى الْأُمُورَ بِحُكْمِهِ كَمَا شَاءَ لَا ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا فَمَا لَكَ شَيْءٌ غَيْرُ مَا اللَّهُ شَاءَهُ فَإِنْ شِئْتَ طِبْ نَفْسًا وَإِنْ شِئْتَ مت كظما

قَوْلُهُ [2133] (وَنَحْنُ نَتَنَازَعُ) أَيْ حَالَ كَوْنِنَا نَتَبَاحَثُ (فِي الْقَدَرِ) أَيْ فِي شَأْنِهِ فَيَقُولُ بَعْضُنَا إِذَا كَانَ الْكُلُّ بِالْقَدَرِ فَلِمَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ كَمَا قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَالْآخَرُ يَقُولُ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيرِ بَعْضٍ لِلْجَنَّةِ وَبَعْضٍ لِلنَّارِ فَيَقُولُ الْآخَرُ لِأَنَّ لَهُمْ فِيهِ نَوْعَ اخْتِيَارٍ كَسَبِيٍّ فَيَقُولُ الْآخَرُ مَنْ أَوْجَدَ ذَلِكَ الِاخْتِيَارَ وَالْكَسْبَ وَأَقْدَرَهُمْ عَلَيْهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ (فَغَضِبَ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ) أَيْ نِهَايَةَ الِاحْمِرَارِ (حَتَّى) أَيْ حتى صار من شدة حمرته (كأنما فقىء) بصيغة المجهول أي شق أوعصر (فِي وَجْنَتَيْهِ) أَيْ خَدَّيْهِ (الرُّمَّانُ) أَيْ حَبُّهُ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ مَزِيدِ حُمْرَةِ وَجْهِهِ الْمُنْبِئَةِ عَنْ مَزِيدِ غَضَبِهِ وَإِنَّمَا غَضِبَ لِأَنَّ الْقَدَرَ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَلَبُ سِرِّهِ مَنْهِيٌّ وَلِأَنَّ مَنْ يَبْحَثُ فِيهِ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَصِيرَ قَدَرِيًّا أَوْ جَبْرِيًّا وَالْعِبَادُ مَأْمُورُونَ بِقَبُولِ مَا أَمَرَهُمُ الشَّرْعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْلُبُوا سِرَّ مَا لَا يَجُوزُ طَلَبُ سِرِّهِ (أَبِهَذَا) أَيْ بِالتَّنَازُلِ فِي الْقَدَرِ وَهَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ لِلْإِنْكَارِ وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ لِمَزِيدِ الِاهْتِمَامِ (أَمْ بِهَذَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ) أَمْ مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنَى بَلْ وَالْهَمْزَةُ وَهِيَ لِلْإِنْكَارِ أَيْضًا تَرَقِّيًا مِنَ الْأَهْوَنِ إلى الأغلظ وإنكارا غب إنكار قاله القارىء (إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) أَيْ مِنَ الْأُمَمِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ جَوَابًا عَمَّا اتُّجِهَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لِمَ تُنْكِرْ هَذَا الْإِنْكَارَ الْبَلِيغَ (حِينَ تَنَازَعُوا فِي هَذَا الْأَمْرِ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ وَإِهْلَاكَهُمْ كَانَ مِنْ غَيْرِ إِمْهَالٍ فَفِيهِ زِيَادَةُ وَعِيدٍ (عَزَمْتُ) أَيْ أَقْسَمْتُ أَوْ أَوْجَبْتُ (عَلَيْكُمْ) قِيلَ أَصْلُهُ عَزَمْتُ بِإِلْقَاءِ الْيَمِينِ وَإِلْزَامِهَا عَلَيْكُمْ (أَلَّا تَنَازَعُوا) بِحَذْفِ إحدى التائين (فِيهِ) أَيْ فِي الْقَدَرِ لَا تَبْحَثُوا فِيهِ بعد هذا قال بن الملك إن هذه يمتنع كَوْنَهَا مَصْدَرِيَّةً وَزَائِدَةً لِأَنَّ جَوَابَ الْقَسَمِ لَا يَكُونُ إِلَّا جُمْلَةً وَأَنْ لَا تُزَادَ مَعَ لَا فَهِيَ إِذًا مُفَسِّرَةٌ كأَقْسَمْتُ أَنْ لَا ضَرَبْتُ وَتَنَازَعُوا جُزِمَ بِلَا النَّاهِيَةِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ لِأَنَّهَا مَعَ اسْمِهَا وَخَبَرِهَا سَدَّتْ مَسَدَّ الْجُمْلَةِ كَذَا قَالَهُ زَيْنُ العرب قوله (وفي الباب عن عمرو وعائشة وأنس) أما حديث عمرو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْقَدَرِ وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ وَكَذَا أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَأَمَّا حديث عائشة فأخرجه بن ماجه وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي وبن ماجه

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ صَالِحُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ وَادِعٍ الْمُرِّيُّ أَبُو بِشْرٍ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ ضَعَّفُوهُ وَلَمْ يُخْرِجْ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ فيها سوى الترمذي وروى بن ماجه نحوه عن بن عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ويؤيده حديث بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ بِلَفْظِ إِذَا ذُكِرَ الْقَدَرُ فَأَمْسِكُوا وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا حَدِيثُ ثَوْبَانَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ اجْتَمَعَ أَرْبَعُونَ مِنَ الصَّحَابَةِ يَنْظُرُونَ فِي الْقَدَرِ الْحَدِيثَ وفي الباب عن بن عباس عند بن جَرِيرٍ بِلَفْظِ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَمِعَ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَذْكُرُونَ الْقَدَرَ الْحَدِيثُ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَوَاثِلَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَنَسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْكَبِيرِ (وَصَالِحٌ الْمُرِّيُّ لَهُ غَرَائِبُ يَتَفَرَّدُ بِهَا) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَالِحُ بْنُ بَشِيرِ بْنِ وَادِعٍ الْمُرِّيُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَبُو الْبِشْرِ الْبَصْرِيُّ الْقَاصُّ الزاهد ضعيف من السابعة قَوْلُهُ [2134] (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ) الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا أَبِي) أَيْ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ التَّيْمِيُّ أَبُو الْمُعْتَمِرِ الْبَصْرِيُّ نَزَلَ فِي التَّيْمِ فَنُسِبَ إِلَيْهِمْ ثِقَةٌ عَابِدٌ قَوْلُهُ (احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى) أَيْ تَحَاجَّا وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قَالَ قَالَ مُوسَى يَا رَبِّ أَرِنَا آدَمَ الَّذِي أَخْرَجَنَا وَنَفْسَهُ مِنَ الْجَنَّةِ فَأَرَاهُ اللَّهُ آدَمَ فَقَالَ أَنْتَ أَبُونَا الْحَدِيثُ قِيلَ هَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الدُّنْيَا قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ نَظَرٌ فَلَيْسَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ عِنْدَ اللَّهِ صَرِيحًا فِي أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ الْعِنْدِيَّةَ عندية اختصاص وتشريف لا عندية مكان فيحتمل وُقُوعُ ذَلِكَ فِي كُلٍّ مِنَ الدَّارَيْنِ وَقَدْ وَرَدَتِ الْعِنْدِيَّةُ فِي الْقِيَامَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ وَفِي الدُّنْيَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي انْتَهَى وَقَدْ بَوَّبَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابٌ تَحَاجَّ آدَمُ وَمُوسَى عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْحَافِظُ الَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمَحَ فِي التَّرْجَمَةِ بِمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ احْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عِنْدَ رَبِّهِمَا الْحَدِيثَ (فَقَالَ مُوسَى) جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِمَعْنَى مَا قَبْلَهَا (يَا آدَمُ أَنْتَ الَّذِي خلقك الله بيده) قال القارىء أَيْ بِقُدْرَتِهِ قُلْتُ لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقَدْ

تَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا فِي مَوَاضِعَ عَدِيدَةٍ قَالَ وَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ إِكْرَامًا وَتَشْرِيفًا وَأَنَّهُ خَلَقَهُ إِبْدَاعًا مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةِ أَبٍ وَأُمٍّ (وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ) الْإِضَافَةُ لِلتَّشْرِيفِ وَالتَّخْصِيصِ أَيْ مِنَ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ مَخْلُوقٌ وَلَا يَدَ لِأَحَدٍ فِيهِ (أَغْوَيْتَ النَّاسَ) قَالَ الْحَافِظُ مَعْنَى أَغْوَيْتَ كُنْتَ سَبَبًا لِغَوَايَةِ مَنْ غَوَى مِنْهُمْ وَهُوَ سَبَبٌ بَعِيدٌ إِذْ لَوْ لَمْ يَقَعِ الْأَكْلُ مِنَ الشَّجَرَةِ لَمْ يَقَعِ الْإِخْرَاجُ مِنَ الْجَنَّةِ وَلَوْ لَمْ يَقَعِ الْإِخْرَاجُ مَا تَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الشَّهَوَاتُ وَالشَّيْطَانُ الْمُسَبَّبُ عَنْهُمَا الْإِغْوَاءُ وَالْغَيُّ ضِدُّ الرُّشْدِ وَهُوَ الِانْهِمَاكُ فِي غَيْرِ الطَّاعَةِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مُجَرَّدِ الْخَطَأِ يُقَالُ غَوَى أَيْ أَخْطَأَ صَوَابَ مَا أُمِرَ بِهِ (وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ) أَيْ خَطِيئَتُكَ الَّتِي صَدَرَتْ مِنْكَ (فَقَالَ آدَمُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِكَلَامِهِ) أَيِ اخْتَارَكَ بِتَكْلِيمِهِ إِيَّاكَ (كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) أَيْ قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَدَّرَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي بِأَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ (يَعْنِي الرِّوَايَةَ الَّتِي لَيْسَتْ مُقَيَّدَةً بِأَرْبَعِينَ سَنَةً) وَبَيْنَ الرِّوَايَةِ الْمُقَيَّدَةِ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً حَمْلُهَا عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْكِتَابَةِ وَحَمْلُ الْأُخْرَى عَلَى مَا يتعلق بالعلم وقال بن التِّينِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَرْبَعِينَ سَنَةً مَا بَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خليفة إِلَى نَفْخِ الرُّوحِ فِي آدَمَ وَأَجَابَ غَيْرُهُ أَنَّ ابْتِدَاءَ الْمُدَّةِ وَقْتُ الْكِتَابَةِ فِي الْأَلْوَاحِ وَآخِرُهَا ابْتِدَاءُ خَلْقِ آدَمَ (فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى) بِرَفْعِ آدَمَ عَلَى أَنَّهُ الْفَاعِلُ أَيْ غَلَبَهُ بِالْحُجَّةِ يُقَالُ حَاجَجْتُ فُلَانًا فَحَجَجْتُهُ مِثْلُ خَاصَمْتُهُ فخصمته قال بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ جَسِيمٌ لِأَهْلِ الْحَقِّ فِي إِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَأَنَّ اللَّهَ قَضَى أَعْمَالَ الْعِبَادِ فَكُلُّ أَحَدٍ يَصِيرُ لِمَا قُدِّرَ لَهُ بِمَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ فَإِنْ قِيلَ فَالْعَاصِي مِنَّا لَوْ قَالَ هَذِهِ الْمَعْصِيَةَ قَدَّرَهَا اللَّهُ عَلَيَّ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ اللَّوْمُ وَالْعُقُوبَةُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْعَاصِيَ بَاقٍ فِي دَارِ التَّكْلِيفِ جَارٍ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَاللَّوْمِ وَالتَّوْبِيخِ وَغَيْرِهَا وَفِي لَوْمِهِ وَعُقُوبَتِهِ زَجْرٌ لَهُ وَلِغَيْرِهِ عَنْ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى الزَّجْرِ مَا لَمْ يَمُتْ فَأَمَّا آدَمُ فَمَيِّتٌ خَارِجٌ عَنْ دَارِ التَّكْلِيفِ وَعَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الزَّجْرِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ لَهُ فَائِدَةٌ بَلْ فِيهِ إِيذَاءٌ وَتَخْجِيلٌ كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَجُنْدُبٍ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ جُنْدُبٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ

باب ما جاء في الشقاء والسعادة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا (بَاب مَا جَاءَ فِي الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ) قَوْلُهُ [2135] (أَمْرٌ مُبْتَدَعٌ أَوْ مُبْتَدَأٌ) لَفَظَّةُ أَوْ للشك من الراوي والمعنى أن ما نعمل هَلْ هُوَ أَمْرٌ مُسْتَأْنَفٌ لَمْ يَسْبِقْ بِهِ قَدَرٌ وَلَا عِلْمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَعْلَمُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ (أَوْ فِيمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِيمَا قَدْ فُرِغَ مِنْهُ) أَيْ قَدْ فَرَغَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ (وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ) أَيْ كُلٌّ مُوَفَّقٌ وَمُهَيَّأٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ يَعْنِي لِأَمْرٍ قُدِّرَ ذَلِكَ الْأَمْرُ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ (أَمَّا مَنْ كَانَ) أَيْ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَوْ كِتَابِهِ أَوْ آخِرِ أَمْرِهِ وَخَاتِمَةِ عَمَلِهِ (مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ) أَيِ الْإِيمَانِ فِي الدُّنْيَا وَالْجَنَّةِ فِي الْعُقْبَى (فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلسَّعَادَةِ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ السَّعَادَةِ (وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ) وَهُوَ ضِدُّ السَّعَادَةِ (فَإِنَّهُ يَعْمَلُ لِلشَّقَاءِ) وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ فَسَيُيَسَّرُ لِعَمَلِ الشَّقَاوَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَأَنَسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالْفِرْيَابِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ [2136] (بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةٍ كُنَّا فِي جِنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ (وَهُوَ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ قَالَ الْحَافِظُ وَفِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ عَصًا أَوْ قَضِيبٌ يُمْسِكُهُ الرَّئِيسُ لِيَتَوَكَّأَ عَلَيْهِ وَيَدْفَعُ بِهِ عَنْهُ وَيُشِيرُ بِهِ لِمَا يُرِيدُ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُحْمَلُ تَحْتَ الْخَصْرِ غَالِبًا لِلِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا انْتَهَى قَالَ فِي الْمَجْمَعِ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِقَضِيبٍ أَيْ يَضْرِبُ الْأَرْضَ بِطَرَفِهِ وَهُوَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِيهَا بِطَرَفِهِ فِعْلَ الْمُفَكِّرِ الْمَهْمُومِ (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ عُلِمَ قَالَ وَكِيعٌ إِلَّا قَدْ كُتِبَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فِيهِمَا (مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْجَنَّةِ قَالَ الْحَافِظُ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ مَا قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ وَلَفْظُهُ إِلَّا وَقَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ وَكَأَنَّهُ يُشِيرُ إِلَى مَا تقدم من حديث بن عُمَرَ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مَقْعَدَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ مَنْصُورٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانَهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ (أَفَلَا نَتَّكِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) الْفَاءُ مُعَقِّبَةٌ لِشَيْءٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ أَفَلَا نَتَّكِلُ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ أَفَلَا نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ أَيْ نَعْتَمِدُ عَلَى مَا قُدِّرَ عَلَيْنَا (قَالَ لَا) أَيْ لَا تَتَّكِلُوا وَحَاصِلُ السُّؤَالِ أَلَّا نَتْرُكَ مَشَقَّةَ الْعَمَلِ فَإِنَّا سَنَصِيرُ إِلَى مَا قُدِّرَ عَلَيْنَا وَحَاصِلُ الْجَوَابِ لَا مَشَقَّةَ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ وَهُوَ يَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْجَوَابُ مِنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ مَنَعَهُمْ عَنْ تَرْكِ الْعَمَلِ وَأَمَرَهُمْ بِالْتِزَامِ مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ مِنَ الْعُبُودِيَّةِ وَزَجَرَهُمْ عَنِ التَّصَرُّفِ فِي الْأُمُورِ الْمُغَيَّبَةِ فَلَا يَجْعَلُوا الْعِبَادَةَ وَتَرْكَهَا سَبَبًا مُسْتَقِلًّا لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ بَلْ هِيَ عَلَامَاتٌ فَقَطْ

باب ما جاء أن الأعمال بالخواتيم

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْأَعْمَالَ بِالْخَوَاتِيمِ) [2137] (وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ) الْأَوْلَى أَنْ تُجْعَلَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ اعْتِرَاضِيَّةً لَا حَالِيَّةً لِتَعُمَّ الْأَحْوَالَ كُلَّهَا وَأَنْ يَكُونَ مِنْ عَادَتِهِ ذَلِكَ فَمَا أَحْسَنَ موقعه ها هنا وَمَعْنَاهُ الصَّادِقُ فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِ حَتَّى قَبْلَ النُّبُوَّةِ لِمَا كَانَ مَشْهُورًا فِيمَا بَيْنَهُمْ بِمُحَمَّدٍ الْأَمِينِ الْمَصْدُوقِ فِي جَمِيعِ مَا أَتَاهُ مِنَ الوحي الكريم صدقه زيد راست كفت ياوزيد قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ فَصَدَّقَنِي وَقَالَ فِي حَدِيثِ أبي هُرَيْرَةَ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ سَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقَكَ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ كَذَا قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا قِيلَ إِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدٌ إِذْ يَلْزَمُ مِنْ أَحَدِهِمَا الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَخُصَّ بِهِ (إِنَّ أَحَدَكُمْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فَتَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ التَّحْدِيثِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ خَلْقَ أَحَدِكُمْ أَيْ مَادَّةَ خَلْقِ أَحَدِكُمْ وَمَا يُخْلَقُ مِنْهُ أَحَدُكُمْ (يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ) أَيْ يُقَرَّرُ وَيُحْرَزُ فِي رَحِمِهَا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْجَمْعِ مُكْثَ النُّطْفَةِ في الرحم (في أربعين يوما) يتخمر فِيهَا حَتَّى يَتَهَيَّأَ لِلْخَلْقِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَقَدْ روي عن بن مَسْعُودٍ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النُّطْفَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي الرَّحِمِ فَأَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَ مِنْهَا بَشَرًا طَارَتْ فِي بَشَرَةِ الْمَرْأَةِ تَحْتَ كُلِّ ظُفْرٍ وَشَعْرٍ ثُمَّ تَمْكُثُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ تَنْزِلُ دَمًا فِي الرَّحِمِ فَذَلِكَ جَمْعُهَا وَالصَّحَابَةُ أَعْلَمُ النَّاسِ بِتَفْسِيرِ مَا سَمِعُوهُ وَأَحَقُّهُمْ بِتَأْوِيلِهِ وَأَكْثَرُهُمُ احْتِيَاطًا فَلَيْسَ لِمَنْ بَعْدَهُمْ أن يرد عليهم قال بن حجر والحديث رواه بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَصَحَّ تَفْسِيرُ الْجَمْعِ بِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ خَلْقَ عَبْدٍ فَجَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ طَارَ مَاؤُهُ فِي كُلِّ عِرْقٍ وَعُضْوٍ مِنْهَا فَإِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِعِ جَمَعَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَحْضَرَهُ كُلُّ عِرْقٍ لَهُ دُونَ آدَمَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شاء ركبك وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِمَنْ قَالَ لَهُ وَلَدَتِ امْرَأَتِي غُلَامًا أَسْوَدَ لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ وَأَصْلُ النُّطْفَةِ الْمَاءُ الْقَلِيلُ سُمِّيَ بِهَا الْمَنِيُّ لِقِلَّتِهِ وَقِيلَ لِنُطَافَتِهِ

أَيْ سَيَلَانِهِ لِأَنَّهُ يَنْطِفُ نَطْفًا أَيْ يَسِيلُ (ثُمَّ يَكُونُ) أَيْ خَلْقُ أَحَدِكُمْ (عَلَقَةً) أَيْ دَمًا غَلِيظًا جَامِدًا (مِثْلَ ذَلِكَ) إِشَارَةٌ إِلَى مَحْذُوفٍ أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الزَّمَانِ يَعْنِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا (ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً) أَيْ قِطْعَةَ لَحْمٍ قَدْرَ مَا يُمْضَغُ (مِثْلَ ذَلِكَ) يَعْنِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَيَظْهَرُ التَّصْوِيرُ فِي هَذِهِ الْأَرْبَعِينَ (ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ إِلَيْهِ الْمَلَكَ) أَيْ إِلَى خَلْقِ أَحَدِكُمْ أَوْ إِلَى أَحَدِكُمْ يَعْنِي فِي الطَّوْرِ الرَّابِعِ حِينَ مَا يَتَكَامَلُ بُنْيَانُهُ وَيَتَشَكَّلُ أَعْضَاؤُهُ وَالْمُرَادُ بِالْإِرْسَالِ أَمْرُهُ بِهَا وَالتَّصَرُّفُ فِيهَا لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ إِنَّهُ مُوَكَّلٌ بِالرَّحِمِ حِينَ كَانَ نُطْفَةً أَوْ ذَاكَ مَلَكٌ آخَرُ غَيْرُ مَلَكِ الْحِفْظِ (وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعٍ) وَفِي الصَّحِيحَيْنِ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ أَيْ بِكِتَابَتِهَا وَكُلُّ قَضِيَّةٍ تُسَمَّى كَلِمَةً قَوْلًا كَانَ أَوْ فِعْلًا (يَكْتُبُ رِزْقَهُ) يَعْنِي أَنَّهُ قَلِيلٌ أَوْ كَثِيرٌ (وَأَجَلَهُ) أَيْ مُدَّةَ حَيَاتِهِ أَوِ انْتِهَاءِ عُمُرِهِ (وَعَمَلَهُ) أَيْ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ (وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ يَكْتُبُ هُوَ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ (حَتَّى مَا يَكُونَ) فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالرَّفْعِ لَا لِأَنَّ مَا النَّافِيَةَ كَافَّةٌ عَنِ الْعَمَلِ بَلْ لِأَنَّ الْمَعْنَى عَلَى حِكَايَةِ حَالِ الرَّجُلِ لَا الْإِخْبَارِ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ كَذَا قَالَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ وَقَالَ الْمُظْهِرُ حَتَّى هِيَ النَّاصِبَةُ وَمَا نَافِيَةٌ وَلَفْظَةُ يَكُونُ مَنْصُوبَةٌ بِحَتَّى وَمَا غَيْرُ مانعة لها عن العمل وقال بن الْمَلَكِ الْأَوْجَهُ أَنَّهَا عَاطِفَةٌ وَيَكُونُ بِالرَّفْعِ عَلَى مَا قَبْلَهُ (بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا) أَيْ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْجَنَّةِ (إِلَّا ذِرَاعٌ) تَمْثِيلٌ لِغَايَةِ قُرْبِهَا (ثُمَّ يَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ) ضُمِّنَ مَعْنَى يَغْلِبُ وَلِذَا عُدِّيَ بِعَلَى وَإِلَّا فَهُوَ مُتَعَدٍّ بِنَفْسِهِ أَيْ يَغْلِبُ عَلَيْهِ كِتَابُ الشَّقَاوَةِ وَالتَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ وَالْكِتَابُ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ أَيِ الْمُقَدَّرُ أَوِ التَّقْدِيرُ أَيِ التَّقْدِيرُ الْأَزَلِيُّ (حَتَّى مَا يَكُونَ) بِالْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ

باب ما جاء كل مولود يولد على الفطرة

5 - (بَاب مَا جَاءَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفطرة) قوله [2138] (كل مولود) قال القارىء أَيْ مِنَ الثَّقَلَيْنِ وَقَالَ الْحَافِظُ أَيْ مِنْ بَنِي آدَمَ وَصَرَّحَ بِهِ جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ كُلُّ بَنِي آدَمَ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَكَذَا رَوَاهُ خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ عن أبي الزناد عن الأعرج ذكرها بن عَبْدِ الْبَرِّ (يُولَدُ عَلَى الْمِلَّةِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ عَلَى الْفِطْرَةِ وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمُرَادِ بِالْفِطْرَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَأَلَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ صَاحِبَ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ وَقَبْلَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كَأَنَّهُ عَنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ يولد عن الْإِسْلَامِ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُهَوِّدَهُ أَبَوَاهُ مَثَلًا لَمْ يَرِثَاهُ وَالْوَاقِعُ فِي الْحُكْمِ أَنَّهُمَا يَرِثَانِهِ فدل على تغير الحكم وقد تعقبه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ وَسَبَبُ الِاشْتِبَاهِ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَلِذَلِكَ ادَّعَى فِيهِ النَّسْخَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ إِخْبَارٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ إِثْبَاتَ أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَأَشْهَرُ الأقوال أن المراد بالفطرة الاسلام قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ عَامَّةِ السَّلَفِ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالتَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عليها الْإِسْلَامُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي آخِرِ حديث الباب اقرأوا إِنْ شِئْتُمْ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عليها وَبِحَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ فَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ دِينِهِمْ الْحَدِيثُ وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ فَزَادَ فِيهِ حُنَفَاءَ مُسْلِمِينَ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمِلَّةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ هِيَ مِلَّةُ الْإِسْلَامِ (فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ يُعَلِّمَانِهِ الْيَهُودِيَّةَ وَيَجْعَلَانِهِ يَهُودِيًّا وَالْفَاءُ إِمَّا لِلتَّعْقِيبِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِمَّا لِلتَّسَبُّبِ أَيْ إِذَا كَانَ كَذَا فَمَنْ تَغَيَّرَ كَانَ بِسَبَبِ أَبَوَيْهِ غَالِبًا (وَيُنَصِّرَانِهِ) بِتَشْدِيدِ الصَّادِ أَيْ يُعَلِّمَانِهِ النَّصْرَانِيَّةَ وَيَجْعَلَانِهِ نَصْرَانِيًّا (وَيُشَرِّكَانِهِ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يُعَلِّمَانِهِ الشِّرْكَ وَيَجْعَلَانِهِ مُشْرِكًا (فَمَنْ هَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ قبل أن

يُهَوِّدَهُ أَبَوَاهُ وَيُنَصِّرَاهُ وَيُشَرِّكَاهُ (قَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بما كانوا عاملين به) قال بن قُتَيْبَةَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ أَيْ لَوْ أَبْقَاهُمْ فَلَا تَحْكُمُوا عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ وَقَالَ غَيْرُهُ أَيْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَعْمَلُونَ شَيْئًا وَلَا يَرْجِعُونَ فَيَعْمَلُونَ أَوْ أَخْبَرَ بِعِلْمِ شَيْءٍ لَوْ وُجِدَ كَيْفَ يَكُونُ مِثْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ ردوا لعادوا وَلَكِنْ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُمْ يُجَازَوْنَ بِذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُجَازَى بِمَا لَمْ يَعْمَلْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَأَمَّا أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فَفِيهِمْ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ قَالَ الْأَكْثَرُونَ هُمْ فِي النَّارِ تَبَعًا لِآبَائِهِمْ وَتَوَقَّفَتْ طَائِفَةٌ فِيهِمْ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِأَشْيَاءَ مِنْهَا حَدِيثُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَآهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّةِ وَحَوْلَهُ أَوْلَادُ النَّاسِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ قَالَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَمِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رسولا وَلَا يَتَوَجَّهُ عَلَى الْمَوْلُودِ التَّكْلِيفُ حَتَّى يَبْلُغَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَذْهَبَ الثَّالِثَ مَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا سَأَلْتُ رَبِّي اللَّاهِينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْبَشَرِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ فَأَعْطَانِيهِمْ قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ قَالَ وَوَرَدَ تفسير اللاهين بأنهم الأطفال من حديث بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا رَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ خَنْسَاءَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صُرَيْمٍ عَنْ عَمَّتِهَا قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ فِي الْجَنَّةِ قَالَ النَّبِيُّ فِي الْجَنَّةِ وَالشَّهِيدُ فِي الْجَنَّةِ وَالْمَوْلُودُ فِي الْجَنَّةِ قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاذٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ سَأَلَتْ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ هُمْ مَعَ آبَائِهِمْ ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ ثُمَّ سَأَلَتْهُ بَعْدَ مَا اسْتَحْكَمَ الْإِسْلَامُ فَنَزَلَ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وزر أخرى قَالَ هُمْ عَلَى الْفِطْرَةِ أَوْ قَالَ هُمْ في الجنة

باب ما جاء لا يرد القدر إلا الدعاء

قَالَ الْحَافِظُ وَأَبُو مُعَاذٍ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أرقم وهو ضعيف ولو صح هذا لكن قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ وَرَافِعًا لِكَثِيرٍ مِنَ الْإِشْكَالِ انْتَهَى وَقَدِ اخْتَارَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْمَذْهَبَ الثَّالِثَ قَالَ الْحَافِظُ تَحْتَ قَوْلِهِ بَابُ مَا قِيلَ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ تُشْعِرُ بِأَنَّهُ كَانَ مُتَوَقِّفًا فِي ذَلِكَ وَقَدْ جَزَمَ بَعْدَ هَذَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الرُّومِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِيَارِ الْقَوْلِ الصَّائِرِ إِلَى أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ وَقَدْ رَتَّبَ أَحَادِيثَ هَذَا الْبَابِ تَرْتِيبًا يُشِيرُ إِلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ فَإِنَّهُ صَدَّرَهُ بِالْحَدِيثِ الدَّالِّ عَلَى التَّوَقُّفِ ثُمَّ ثَنَّى بِالْحَدِيثِ الْمُرَجِّحِ لِكَوْنِهِمْ فِي الْجَنَّةِ يَعْنِي حَدِيثَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ ثَلَّثَ بِالْحَدِيثِ الْمُصَرِّحِ بِذَلِكَ يَعْنِي حَدِيثَ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ فِي سِيَاقِهِ وَأَمَّا الصِّبْيَانُ حَوْلَهُ فَأَوْلَادُ النَّاسِ قَدْ أَخْرَجَهُ فِي التَّعْبِيرِ بِلَفْظِ وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (بَاب مَا جَاءَ لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ) قَوْلُهُ [2139] (لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ) الْقَضَاءُ هُوَ الْأَمْرُ الْمُقَدَّرُ وَتَأْوِيلُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالْقَضَاءِ مَا يَخَافُهُ الْعَبْدُ مِنْ نُزُولِ الْمَكْرُوهِ بِهِ وَيَتَوَقَّاهُ فَإِذَا وُفِّقَ لِلدُّعَاءِ دَفَعَهُ اللَّهُ عَنْهُ فَتَسْمِيَتُهُ قَضَاءً مَجَازٌ عَلَى حَسَبِ مَا يَعْتَقِدُهُ المتوقى عنه يوضحه قول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرُّقَى هُوَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ وَقَدْ أَمَرَ بِالتَّدَاوِي وَالدُّعَاءِ مع أن المقدور كائن لخفائه عَلَى النَّاسِ وُجُودًا وَعَدَمًا وَلَمَّا بَلَغَ عُمَرُ الشَّامَ وَقِيلَ لَهُ إِنَّ بِهَا طَاعُونًا رَجَعَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَتَفِرُّ مِنَ الْقَضَاءِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَعَمْ نَفِرُّ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ إِلَى قَضَاءِ اللَّهِ أَوْ أَرَادَ بِرَدِّ الْقَضَاءِ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ حَقِيقَتَهُ تَهْوِينَهُ وَتَيْسِيرَ الْأَمْرِ حَتَّى كَأَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ يُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الترمذي من حديث بن عُمَرَ إنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ وَقِيلَ الدُّعَاءُ كَالتُّرْسِ وَالْبَلَاءُ كَالسَّهْمِ وَالْقَضَاءُ أَمْرٌ مُبْهَمٌ مُقَدَّرٌ فِي الْأَزَلِ (وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتُسَكَّنُ (إِلَّا الْبِرُّ) بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ الْإِحْسَانُ وَالطَّاعَةُ قِيلَ يُزَادُ حَقِيقَةً قَالَ

تَعَالَى وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ من عمره إلا في كتاب وَقَالَ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أم الكتاب وَذَكَرَ فِي الْكَشَّافِ أَنَّهُ لَا يَطُولُ عُمُرُ الْإِنْسَانِ وَلَا يَقْصُرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ وَصُورَتُهُ أَنْ يَكْتُبَ فِي اللَّوْحِ إِنْ لَمْ يَحُجَّ فُلَانٌ أَوْ يَغْزُ فَعُمُرُهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَإِنْ حَجَّ وَغَزَا فَعُمُرُهُ سِتُّونَ سَنَةً فَإِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَبَلَغَ السِّتِّينَ فَقَدْ عَمَّرَ وَإِذَا أَفْرَدَ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يَتَجَاوَزْ بِهِ الْأَرْبَعِينَ فَقَدْ نَقَصَ مِنْ عُمُرِهِ الَّذِي هُوَ الْغَايَةُ وَهُوَ السِّتُّونَ وَذُكِرَ نَحْوُهُ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أنَّهُ إِذَا بَرَّ لَا يَضِيعُ عُمُرُهُ فَكَأَنَّهُ زَادَ وَقِيلَ قَدَّرَ أَعْمَالَ الْبِرِّ سَبَبًا لِطُولِ الْعُمُرِ كَمَا قَدَّرَ الدُّعَاءَ سَبَبًا لِرَدِّ الْبَلَاءِ فَالدُّعَاءُ لِلْوَالِدَيْنِ وَبَقِيَّةِ الْأَرْحَامِ يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِمَّا بِمَعْنَى أَنَّهُ يُبَارَكُ لَهُ فِي عُمُرِهِ فَيُيَسِّرُ لَهُ فِي الزَّمَنِ الْقَلِيلِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مَا لَا يَتَيَسَّرُ لِغَيْرِهِ مِنَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ فَالزِّيَادَةُ مَجَازِيَّةٌ لِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ فِي الْآجَالِ الزِّيَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ قَالَ الطِّيبِيُّ اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا عَلِمَ أَنَّ زَيْدًا يَمُوتُ سَنَةَ خمس مائة اسْتَحَالَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا فَاسْتَحَالَ أَنْ تَكُونَ الْآجَالُ الَّتِي عَلَيْهَا عِلْمُ اللَّهِ تَزِيدُ أَوْ تَنْقُصُ فَتَعَيَّنَ تَأْوِيلُ الزِّيَادَةِ أَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَلَكِ الْمَوْتِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ وُكِّلَ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ وَأَمَرَهُ بِالْقَبْضِ بَعْدَ آجَالٍ مَحْدُودَةٍ فَإِنَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِذَلِكَ أَوْ يُثْبِتَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ يَنْقُصُ مِنْهُ أَوْ يَزِيدُ عَلَى مَا سَبَقَ عِلْمُهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ وَعَلَى مَا ذُكِرَ يُحْمَلُ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده فَالْإِشَارَةُ بِالْأَجَلِ الْأَوَّلِ إِلَى مَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَمَا عِنْدَ مَلَكِ الْمَوْتِ وَأَعْوَانِهِ وَبِالْأَجَلِ الثَّانِي إِلَى مَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَعِنْدَهُ أم الكتاب وَقَوْلُهُ تَعَالَى إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ ساعة ولا يستقدمون وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَضَاءَ الْمُعَلَّقَ يَتَغَيَّرُ وَأَمَّا الْقَضَاءُ الْمُبْرَمُ فَلَا يُبَدَّلُ وَلَا يُغَيَّرُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ مُصَغَّرًا السَّاعِدِيِّ وَأَمَّا أَبُو أَسِيدٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ فَلَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَهُوَ كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ أَبِي أُسَيْدٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (هَذَا حَدِيثٌ حسن غريب) وأخرجه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَنْ ثَوْبَانَ وَفِي رِوَايَتِهِمَا لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمَ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُذْنِبُهُ كَذَا فِي المرقاة

باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن

قَوْلُهُ (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ الضُّرَيْسِ) بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ مُصَغَّرًا الْبَجَلِيِّ الرَّازِيِّ الْقَاضِي صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (وَأَبُو مَوْدُودٍ اثْنَانِ) أَيْ رَجُلَانِ (أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ فِضَّةُ) قَالَ الْحَافِظُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمُعْجَمَةِ أَبُو مَوْدُودٍ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ خُرَاسَانَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ فِيهِ لِينٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (وَالْآخَرُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ) الْهُذَلِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو مَوْدُودٍ الْمَدَنِيُّ الْقَاصُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (وَكَانَا فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَذَكَرَ أَبُو حَاتِمٍ آخَرَ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَوْدُودٍ اسْمُهُ بَحْرُ بْنُ مُوسَى رَوَى عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَبُو مَوْدُودٍ الْمَدَنِيُّ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَبِي مَوْدُودٍ بَحْرٍ وَمِنْ أَبِي مَوْدُودٍ فِضَّةٍ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْ الرَّحْمَنِ) قَوْلُهُ [2140] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ) مِنَ الْإِكْثَارِ (أَنْ يَقُولَ) أَيْ هَذَا الْقَوْلَ (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ) أَيْ مُصَرِّفَهَا تَارَةً إِلَى الطَّاعَةِ وَتَارَةً إِلَى الْمَعْصِيَةِ وَتَارَةً إِلَى الْحَضْرَةِ وَتَارَةً إِلَى الْغَفْلَةِ (ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) أَيِ اجْعَلْهُ ثَابِتًا عَلَى دِينِكَ غَيْرَ مَائِلٍ عَنِ الدِّينِ الْقَوِيمِ وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ (فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ) أَيْ بِنُبُوَّتِكَ وَرِسَالَتِكَ (وَبِمَا جِئْتَ بِهِ) مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا) يَعْنِي أَنَّ قَوْلَكَ هَذَا لَيْسَ لِنَفْسِكَ لِأَنَّكَ فِي عِصْمَةٍ مِنَ الْخَطَأِ وَالزِّلَّةِ خُصُوصًا مِنْ تَقَلُّبِ الْقَلْبِ عَنِ الدِّينِ وَالْمِلَّةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَعْلِيمُ الْأُمَّةِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا مِنْ زَوَالِ نِعْمَةِ الْإِيمَانِ أَوِ الِانْتِقَالِ مِنَ الْكَمَالِ إِلَى النُّقْصَانِ (قَالَ نَعَمْ) يَعْنِي أَخَافُ عليكم (يقلبها) أي القلوب (كيف شاء) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ تَقْلِيبًا يُرِيدُهُ أَوْ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ أَيْ يُقَلِّبُهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَهَا (وَفِي الْبَابِ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي ذَرٍّ) أَمَّا حَدِيثُ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْمِيمِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فأخرجه بن جرير

باب ما جاء أن الله كتب كتابا لأهل الجنة وأهل النار

قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه بن مَاجَهْ (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ) قَوْلُهُ [2141] (عَنْ أَبِي قُبَيْلٍ) اسْمُهُ حُيَيٌّ بِضَمِّ الْحَاءِ مُهْمَلَةً وبيائين مُصَغَّرًا قَالَ فِي التَّقْرِيبِ حُيَيُّ بْنُ هَانِئِ بْنِ نَاضِرٍ بِنُونٍ وَمُعْجَمَةٍ أَبُو قَبِيلٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ الْمَعَافِرِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ شُفَيِّ بْنِ مَاتِعٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ شُفَيٌّ بِضَمِّ الشين المعجمة وبالفاء مصغرا بن مَاتِعٍ بِمُثَنَّاةٍ الْأَصْبَحِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ أَرْسَلَ حَدِيثًا فَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الصَّحَابَةِ خَطَأً مَاتَ فِي خِلَافَةِ هِشَامٍ قَالَهُ خَلِيفَةُ قَوْلُهُ (وَفِي يَدِهِ) بِالْإِفْرَادِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ وَفِي الْمِشْكَاةِ يَدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (أَتَدْرُونَ مَا هَذَانِ الْكِتَابَانِ) الظَّاهِرُ مِنَ الْإِشَارَةِ أَنَّهُمَا حِسِّيَّانِ وَقِيلَ تَمْثِيلٌ وَاسْتِحْضَارٌ لِلْمَعْنَى الدَّقِيقِ الْخَفِيِّ فِي مُشَاهَدَةِ السَّامِعِ حَتَّى كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ رَأْيَ الْعَيْنِ فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كُوشِفَ لَهُ بِحَقِيقَةِ هَذَا الْأَمْرِ وَأَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ اطِّلَاعًا لَمْ يَبْقَ مَعَهُ خَفَاءُ صُوَرِ الشَّيْءِ الْحَاصِلِ فِي قَلْبِهِ بِصُورَةِ الشَّيْءِ الْحَاصِلِ فِي يَدِهِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ إِشَارَةً إِلَى الْمَحْسُوسِ (فَقُلْنَا لَا) أَيْ لَا نَدْرِي (يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا أَنْ تُخْبِرَنَا) اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ أَيْ لَا نَعْلَمُ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ إِلَّا إِخْبَارُكَ إِيَّانَا وَقِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ إِنْ أَخْبَرْتَنَا عَلِمْنَا وَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا بِهَذَا الِاسْتِدْرَاكِ إِخْبَارَهُ إِيَّاهُمْ (فَقَالَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْيُمْنَى) أَيْ لِأَهْلِهِ وَفِي شَأْنِهِ أَوْ عَنْهُ وَقِيلَ قَالَ بِمَعْنَى أَشَارَ فَاللَّامُ بِمَعْنَى إِلَى (هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مَالِكُهُمْ وَهُمْ لَهُ مَمْلُوكُونَ يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ كَيْفَ يَشَاءُ فَيُسْعِدُ مَنْ يَشَاءُ وَيُشْقِي مَنْ يَشَاءُ وَكُلُّ ذَلِكَ عَدْلٌ وَصَوَابٌ فَلَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وَقِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا كَلَامٌ

صَادِرٌ عَلَى طَرِيقِ التَّصْوِيرِ وَالتَّمْثِيلِ مِثْلُ الثَّابِتِ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوِ الْمُثْبَتِ فِي اللَّوْحِ بِالْمُثْبَتِ بِالْكِتَابِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِهِ وَلَا يُسْتَبْعَدُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَعِدٌّ لِإِدْرَاكِ الْمَعَانِي الْغَيْبِيَّةِ وَمُشَاهَدَةِ الصُّوَرِ الْمَصُوغَةِ لَهَا (فِيهِ أَسْمَاءُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ) الظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ يُكْتَبُ أَسْمَاؤُهُمْ وَأَسْمَاءُ آبَائِهِمْ وَقَبَائِلِهِمْ سَوَاءٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ لِلتَّمْيِيزِ التَّامِّ كَمَا يُكْتَبُ فِي الصُّكُوكِ (ثُمَّ أَجْمَلَ عَلَى آخِرِهِمْ) مِنْ قَوْلِهِمْ أَجْمَلَ الْحِسَابَ إِذَا تَمَّمَ وَرَدَّ التَّفْصِيلَ إِلَى الْإِجْمَالِ وَأَثْبَتَ فِي آخِرِ الْوَرَقَةِ مَجْمُوعَ ذَلِكَ وَجُمْلَتُهُ كَمَا هُوَ عَادَةُ الْمُحَاسِبِينَ أَنْ يَكْتُبُوا الْأَشْيَاءَ مُفَصَّلَةً ثُمَّ يُوَقِّعُوا فِي آخِرِهَا فَذْلَكَةً تَرُدُّ التَّفْصِيلَ إِلَى الْإِجْمَالِ وَضَمَّنَ أَجْمَلَ مَعْنَى أَوْقَعَ فَعُدِّيَ بِعَلَى أَيْ أَوْقَعَ الْإِجْمَالَ عَلَى مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ التَّفْصِيلُ وَقِيلَ ضَرَبَ بِالْإِجْمَالِ عَلَى آخِرِ التَّفْصِيلِ أَيْ كَتَبَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا أَيْ أَجْمَلَ فِي حَالِ انْتِهَاءِ التَّفْصِيلِ إِلَى آخِرِهِمْ فَعَلَى بِمَعْنَى إِلَى (فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ) جَزَاءُ شَرْطٍ أَيْ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنَ التَّفْصِيلِ وَالتَّعْيِينِ وَالْإِجْمَالِ بَعْدَ التَّفْصِيلِ فِي الصَّكِّ فَلَا يُزَادُ فِيهِمْ (وَلَا يُنْقَصُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (مِنْهُمْ أَبَدًا) لِأَنَّ حُكْمَ اللَّهِ لَا يَتَغَيَّرُ وأما قوله تعالى ولكل أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ فَمَعْنَاهُ لِكُلِّ انْتِهَاءِ مُدَّةٍ وَقْتٌ مَضْرُوبٌ فَمَنِ انْتَهَى أَجَلُهُ يَمْحُوهُ وَمَنْ بَقِيَ مِنْ أَجَلِهِ يُبْقِيهِ عَلَى مَا هُوَ مُثْبَتٌ فِيهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مُثْبَتٌ عِنْدَ اللَّهِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَهُوَ الْقَدَرُ كَمَا يَمْحُو وَيُثْبِتُ هُوَ الْقَضَاءُ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَيْنَ مَا قُدِّرَ وَجَرَى فِي الْأَجَلِ فَلَا يَكُونُ تَغْيِيرًا أَوِ الْمُرَادُ مِنْهُ مَحْوُ الْمَنْسُوخِ مِنَ الْأَحْكَامِ وَإِثْبَاتُ النَّاسِخِ أَوْ مَحْوُ السَّيِّئَاتِ مِنَ التَّائِبِ وَإِثْبَاتُ الْحَسَنَاتِ بِمُكَافَأَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ يَتَعَلَّقَانِ بِالْأُمُورِ الْمُعَلَّقَةِ دُونَ الْأَشْيَاءِ الْمُحْكَمَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَ أَمْرٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ يَعْنِي إِذَا كَانَ الْمَدَارُ عَلَى كِتَابَةِ الْأَزَلِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي اكْتِسَابِ الْعَمَلِ (فَقَالَ سَدِّدُوا) أَيِ اطْلُبُوا بِأَعْمَالِكُمُ السَّدَادَ وَالِاسْتِقَامَةَ وَهُوَ الْقَصْدُ فِي الْأَمْرِ وَالْعَدْلُ فِيهِ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ (وَقَارِبُوا) أَيِ اقْتَصِدُوا فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا وَاتْرُكُوا الْغُلُوَّ فِيهَا وَالتَّقْصِيرَ يُقَالُ قَارَبَ فُلَانٌ فِي أُمُورِهِ إِذَا اقْتَصَدَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْجَوَابُ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ أَيْ فِيمَ أَنْتُمْ مِنْ ذِكْرِ الْقَدَرِ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ وَإِنَّمَا خُلِقْتُمْ لِلْعِبَادَةِ فَاعْمَلُوا وَسَدِّدُوا قَالَهُ الطِّيبِيُّ (فَإِنَّ صَاحِبَ الْجَنَّةِ يُخْتَمُ لَهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِعَمَلِ أَهْلِ الجنة) أي بعمل مشعر بإيمانه ومشير بإبقائه

(وَإِنْ عَمِلَ) أَيْ وَلَوْ عَمِلَ قَبْلَ ذَلِكَ (أَيَّ عَمَلٍ) مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ النَّارِ (وَإِنَّ صَاحِبَ النَّارِ يُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ) أَعَمُّ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي (وَإِنْ عَمِلَ أَيَّ عَمَلٍ) أَيْ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيْهِ) أَيْ أَشَارَ بِهِمَا وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الْقَوْلَ عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ فَتُطْلِقُهُ عَلَى غَيْرِ الْكَلَامِ وَاللِّسَانِ فَتَقُولُ قَالَ بِيَدِهِ أَيْ أَخَذَ وَقَالَ بِرِجْلِهِ أَيْ مَشَى (فَنَبَذَهُمَا) أَيْ طَرَحَ مَا فِيهِمَا مِنَ الْكِتَابَيْنِ وَفِي الْأَزْهَارِ الضَّمِيرُ فِي نَبَذَهُمَا لِلْيَدَيْنِ لِأَنَّ نَبْذَ الكتابين بعيد من دأبه انتهى قال القارىء وَفِيهِ أَنَّ نَبْذَهُمَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْإِهَانَةِ بَلْ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ نَبَذَهُمَا إِلَى عَالَمِ الْغَيْبِ ثُمَّ هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ هُنَاكَ كِتَابٌ حَقِيقِيٌّ وَأَمَّا عَلَى التَّمْثِيلِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى نَبَذَهُمَا أي اليدين قلت ولا ملجىء لِحَمْلِ لَفْظِ الْكِتَابِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ وَلَا مَانِعَ مِنْ إِرَادَةِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَالظَّاهِرُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْحَقِيقَةِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَكِيمٍ الْمِصْرِيِّ أَبُو مُحَمَّدٍ أَوْ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ [2142] (يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الْمَوْتِ) ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ أَيْ يُمِيتُهُ وَهُوَ مُتَلَبِّسٌ بِهِ

باب لا عدوى ولا هامة ولا صفر

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن حبان والحاكم (باب لَا عَدْوَى وَلَا هَامَةَ وَلَا صَفَرَ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْهَامَةُ الرَّأْسُ وَاسْمُ طَائِرٍ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي الْحَدِيثِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَشَاءَمُونَ بِهَا وَهِيَ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ وَقِيلَ هِيَ الْبُومَةُ وَقِيلَ كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ رُوحَ الْقَتِيلِ الَّذِي لَا يُدْرَكُ بِثَأْرِهِ تَصِيرُ هَامَةً فَتَقُولُ اسْقُونِي فَإِذَا أُدْرِكَ بِثَأْرِهِ طَارَتْ وَقِيلَ كَانُوا يَزْعُمُونَ أَنَّ عِظَامَ الْمَيِّتِ وَقِيلَ رُوحُهُ تَصِيرُ هَامَةً فَتَطِيرُ وَيُسَمُّونَهُ الصَّدَى فَنَفَاهُ الْإِسْلَامُ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ انْتَهَى [2143] قَوْلُهُ (عَنْ عِمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ) بْنِ شُبْرُمَةَ الضَّبِّيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ أرسل عن بن مَسْعُودٍ وَهُوَ مِنْ السَّادِسَةِ (أَخْبَرَنَا أَبُو زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ) بْنِ عَبْدُ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِي اسْمِهِ أَقْوَالًا (قَالَ أَخْبَرَنَا صَاحِبٌ لَنَا) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ صَاحِبِهِ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْحَافِظُ فِي مُبْهَمَاتِ التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَوْلُهُ (فَقَالَ لَا يُعْدِي شَيْءٌ شَيْئًا) مِنَ الْإِعْدَاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَدْوَى مَا يُعْدِي مِنْ جَرَبٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ مُجَاوَزَتُهُ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَى غَيْرِهِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْعَدْوَى اسْمٌ مِنَ الْإِعْدَاءِ كَالدَّعْوَى وَالْبَقْوَى مِنَ الِادِّعَاءِ وَالْإِبْقَاءِ يُقَالُ أَعْدَاهُ الدَّاءَ يُعْدِيهِ إِعْدَاءً وَهُوَ أَنْ يُصِيبَهُ مِثْلُ مَا يُصَاحِبُ الدَّاءِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِبَعِيرٍ جَرَبٌ مَثَلًا فَتَتَّقِي مُخَالَطَتُهُ بِإِبِلٍ أُخْرَى حَذَرًا أَنْ يَتَعَدَّى مَا بِهِ مِنَ الْجَرَبِ إِلَيْهَا فَيُصِيبَهَا مَا أَصَابَهُ فَقَدْ أَبْطَلَهُ الْإِسْلَامُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَظُنُّونَ أَنَّ الْمَرَضَ بِنَفْسِهِ يَتَعَدَّى فَأَعْلَمَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا اللَّهُ هُوَ الَّذِي يُمْرِضُ وَيُنْزِلُ الدَّاءَ انْتَهَى (الْبَعِيرُ أَجْرَبُ الْحَشَفَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحَشَفَةُ مُحَرَّكَةٌ مَا فَوْقَ الْخِتَانِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ هِيَ رَأْسُ الذَّكَرِ (نُدْبِنُهُ) قَدْ ضُبِطَ هَذَا اللَّفْظُ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ بِضَمِّ نُونٍ وَسُكُونِ دَالٍ مُهْمَلَةٍ وَكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُتَكَلِّمِ مِنَ الْإِدْبَانِ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الدِّبْنِ قَالَ

فِي الْقَامُوسِ الدِّبْنُ بِالْكَسْرِ حَظِيرَةُ الْغَنَمِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الدِّبْنُ حَظِيرَةُ الْغَنَمِ إِذَا كَانَتْ مِنَ الْقَصَبِ وَهِيَ مِنَ الْخَشَبِ زَرِيبَةٌ وَمِنَ الْحِجَارَةِ صِيرَةٌ انْتَهَى ثُمَّ يُقَالُ إِنَّ الْمُرَادَ بِالدِّبْنِ هُنَا مَعَاطِنُ الْإِبِلِ وَالْمَعْنَى نُدْخِلُ الْبَعِيرَ أَجْرَبَ الْحَشَفَةِ فِي الْمَعَاطِنِ فَيُجْرِبُ الْإِبِلَ كُلَّهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِذَنَبِهِ بِالْبَاءِ حَرْفُ الْجَرِّ وَبِذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَنُونٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَمُوَحَّدَةٍ وَبِالضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ الرَّاجِعِ إِلَى الْبَعِيرِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْبَعِيرَ يُجْرِبُ أَوَّلًا حَشَفَتَهُ بِذَنَبِهِ ثُمَّ يُجْرِبُ الْإِبِلَ كُلَّهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فَمَنْ أَجْرَبَ الْأَوَّلَ) أَيْ إِنْ كَانَ جَرَبُهَا حَصَلَ بِالْإِعْدَاءِ فَمَنْ أَجْرَبَ الْبَعِيرَ الْأَوَّلَ وَالْمَعْنَى مَنْ أَوْصَلَ الْجَرَبَ إِلَيْهِ لِيَبْنِيَ بِنَاءَ الْإِعْدَاءِ عَلَيْهِ بَلِ الْكُلُّ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ وَآخِرِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا أَتَى بِمَنْ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ فَمَا أَعْدَى الْأَوَّلَ لِيُجَابَ بِقَوْلِهِ اللَّهُ تَعَالَى أَيِ الله أعدى لاغيره (لَا عَدْوَى) قَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا مَبْسُوطًا فِي بَابِ الطِّيَرَةِ مِنْ أَبْوَابِ السِّيَرِ (وَلَا صَفَرَ) قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ هُوَ دَاءٌ يَأْخُذُ الْبَطْنَ قَالَ الْحَافِظُ كَذَا جَزَمَ بِتَفْسِيرِ الصَّفَرِ وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ وَقَدْ نَقَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لَهُ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ الْجَرْمِيِّ أَنَّهُ سَأَلَ رُؤْبَةَ بْنَ الْعَجَّاجِ فَقَالَ هِيَ حَيَّةٌ تَكُونُ فِي الْبَطْنِ تُصِيبُ الْمَاشِيَةَ وَالنَّاسَ وَهِيَ أَعْدَى مِنَ الْجَرَبِ عِنْدَ الْعَرَبِ فَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِنَفْيِ الصَّفَرِ مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ فِيهِ مِنَ الْعَدْوَى وَرَجَحَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ هَذَا الْقَوْلُ لِكَوْنِهِ قُرِنَ فِي الْحَدِيثِ بِالْعَدْوَى وَكَذَا رَجَّحَ الطَّبَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ وَاسْتَشْهَدَ لَهُ بِقَوْلِ الْأَعْشَى وَلَا يَعَضُّ على شرسوفوفه الصَّفَرُ وَالشُّرْسُوفُ الضِّلْعُ وَالصَّفَرُ دُودٌ يَكُونُ فِي الْجَوْفِ فَرُبَّمَا عَضَّ الضِّلْعَ أَوِ الْكَبِدَ فَقَتَلَ صَاحِبَهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالصَّفَرِ الْحَيَّةُ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْيِ نَفْيُ مَا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ أَصَابَهُ قَتَلَهُ فَرَدَّ ذَلِكَ الشَّارِعُ بِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَكُونُ إِلَّا إِذَا فَرَغَ الْأَجَلُ وَقَدْ جَاءَ هَذَا التَّفْسِيرُ عَنْ جَابِرٍ وَهُوَ أَحَدُ رُوَاةِ حَدِيثِ لَا صَفَرَ قَالَهُ الطَّبَرِيُّ وَقِيلَ فِي الصَّفَرِ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ شَهْرُ صَفَرَ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُحَرِّمُ صَفَرَ وَتَسْتَحِلُّ الْمُحَرَّمَ فَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِرَدِّ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَهُ مِنْ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ قَالَ صَلَّى الله عليه وسلم لا صفر قال بن بَطَّالٍ وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ انْتَهَى وحديث بن مسعود المذكور في الباب أخرجه أيضا بن خُزَيْمَةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هريرة وبن عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ

باب ما جاء أن الايمان بالقدر خيره وشره

البخاري وغيره وأما حديث بن عباس فأخرجه بن مَاجَهْ فِي الطِّبِّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ صَفْوَانَ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَبْهَانَ بْنِ صَفْوَانَ الثَّقَفِيُّ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرِهِ وَرَوَى عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا نَسَبَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي عَامَّةِ رِوَايَتِهِ عَنْهُ وَقَالَ مَرَّةً حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي صَفْوَانَ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ 0 - (بَاب ما جاء أن الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) [2144] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو الْخَطَّابِ زِيَادُ بْنُ يَحْيَى الْبَصْرِيُّ) النُّكْرِيُّ بِضَمِّ النُّونِ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَيْمُونِ) بْنِ دَاوُدَ الْقَدَّاحُ الْمَخْزُومِيُّ الْمَكِّيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مَتْرُوكٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) أَيْ بِأَنَّ جَمِيعَ الْأُمُورِ الْكَائِنَةِ خَيْرَهَا وَشَرَّهَا حُلْوَهَا وَمُرَّهَا بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَإِرَادَتِهِ وَأَمْرِهِ وَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لَهُمْ إِلَّا مُجَرَّدُ الْكَسْبِ وَمُبَاشَرَةُ الْفِعْلِ (حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ) مِنَ النِّعْمَةِ وَالْبَلِيَّةِ وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ مِمَّا قَدَّرَهُ اللَّهُ لَهُ وَعَلَيْهِ (لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ) أَيْ يُجَاوِزَهُ (وَأَنَّ مَا أَخْطَأَهُ) مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ (لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ) وَهَذَا وُضِعَ مَوْضِعَ الْمُحَالِ كَأَنَّهُ قِيلَ مُحَالٌ أَنْ يُخْطِئَهُ وَفِيهِ ثَلَاثُ مُبَالَغَاتٍ دُخُولُ أَنَّ وَلُحُوقُ اللَّامِ المؤكدة للنفي وتسليط النفي على الكينونة وسراينه فِي الْخَبَرِ وَهُوَ مَضْمُونُ قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى التَّوَكُّلِ وَالرِّضَاءِ وَنَفْيِ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ وَمُلَازَمَةِ الْقَنَاعَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَصَائِبِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُبَادَةَ وَجَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بن عمرو) أما حديث عبادة وهو بن الصَّامِتِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلْيُنْظَرْ من أخرجهما

قَوْلُهُ (لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ) هَذَا نَفْيُ أَصْلِ الْإِيمَانِ أَيْ لَا يُعْتَبَرُ مَا عِنْدَهُ مِنَ التَّصْدِيقِ الْقَلْبِيِّ (حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ يَشْهَدَ) مَنْصُوبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ قَوْلِهِ يُؤْمِنَ وَقِيلَ مَرْفُوعٌ تَفْصِيلٌ لِمَا سَبَقَهُ أَيْ يَعْلَمُ وَيَتَيَقَّنُ (أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ) أَيْ يُؤْمِنَ بِالتَّوْحِيدِ وَالرِّسَالَةِ وَعَدَلَ إِلَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ أَمْنًا مِنَ الْإِلْبَاسِ بِأَنْ يَشْهَدَ وَلَمْ يُؤْمِنْ أَوْ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ النُّطْقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ أَيْضًا مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْكَانِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ يَشْهَدَ بِاللِّسَانِ بَعْدَ تَصْدِيقِهِ بِالْجِنَانِ أَوْ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْحُكْمَ بِالظَّوَاهِرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالسَّرَائِرِ (بَعَثَنِي بِالْحَقِّ) اسْتِئْنَافٌ كَأَنَّهُ قِيلَ لِمَ يَشْهَدُ فَقَالَ بَعَثَنِي بِالْحَقِّ أَيْ إِلَى كَافَّةِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مُؤَكِّدَةً أَوْ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ فَيَدْخُلُ عَلَى هَذَا فِي حَيِّزِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ حَكَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَلَامَ الْمُشَاهِدِ بِالْمَعْنَى إِذْ عِبَارَتُهُ أَنَّ مُحَمَّدًا وَبَعَثَهُ (وَيُؤْمِنَ بِالْمَوْتِ) بِالْوَجْهَيْنِ (وَيُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ) أَيْ يُؤْمِنَ بِوُقُوعِ الْبَعْثِ (بَعْدَ الْمَوْتِ) تَكْرِيرُ الْمَوْتِ إِيذَانٌ لِلِاهْتِمَامِ بِشَأْنِهِ (وَيُؤْمِنَ) بِالْوَجْهَيْنِ (بالقدر) قال القارىء نَقْلًا عَنِ الْمُظْهِرِ الْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ نَفْيُ أَصْلِ الْإِيمَانِ لَا نَفْيُ الْكَمَالِ فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ لَمْ يَكُنْ مُؤْمِنًا الْأَوَّلُ الْإِقْرَارُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَأَنَّهُ مَبْعُوثٌ إِلَى كَافَّةِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالثَّانِي أَنْ يُؤْمِنَ بِالْمَوْتِ أَيْ يَعْتَقِدَ فَنَاءَ الدُّنْيَا وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ مَذْهَبِ الدَّهْرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَبَقَائِهِ أَبَدًا قال القارىء وَفِي مَعْنَاهُ التَّنَاسُخِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ اعْتِقَادُ أَنَّ الْمَوْتَ يَحْصُلُ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا بِفَسَادِ الْمِزَاجِ كَمَا يَقُولُهُ الطَّبِيعِيُّ وَالثَّالِثُ أَنْ يُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ وَالرَّابِعُ أَنْ يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ يَعْنِي بِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَجْرِي فِي الْعَالَمِ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ انْتَهَى وَحَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا رِجَالُهُ رِجَالُ الصحيح وأخرجه أيضا أحمد وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ (إِلَّا أَنَّهُ) أَيِ النَّضْرَ بْنَ شُمَيْلٍ (قَالَ رِبْعِيٌّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ عَلِيٍّ) أَيْ زَادَ بَيْنَ رِبْعِيٍّ وَعَلِيٍّ رَجُلًا (حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ) أَيْ بِلَا زِيَادَةِ رَجُلٍ بَيْنَ رِبْعِيٍّ وَعَلِيٍّ (أَصَحُّ مِنْ حديث النضر

باب ما جاء إن النفس تموت حيث ما كتب لها

أَيِ الَّذِي فِيهِ زِيَادَةُ رَجُلٍ (وَهَكَذَا) أَيْ بِلَا زِيَادَةِ رَجُلٍ (رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ) أَيْ مِنْ أَصْحَابِ مَنْصُورٍ قَوْلُهُ (بَلَغَنِي أَنَّ رِبْعِيَّ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ (بْنِ حِرَاشٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ الْعَبْسِيَّ الْكُوفِيَّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مُخَضْرَمٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مَاتَ سَنَةَ مِائَةٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (لَمْ يَكْذِبْ فِي الْإِسْلَامِ كِذْبَةً) قَالَ الْعِجْلِيُّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ لَمْ يَكْذِبْ كِذْبَةً قَطُّ 1 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ النَّفْسَ تَمُوتُ حَيْثُ مَا كُتِبَ لَهَا) [2146] قوله (حدثنا مؤمل) بوزن محمد بهمزة بن إِسْمَاعِيلَ الْبَصْرِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَزِيلُ مَكَّةَ صدوق سيء الْحِفْظِ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (إِذَا قَضَى اللَّهُ) أَيْ أَرَادَ أَوْ قَدَّرَ أَوْ حَكَمَ (جَعَلَ) أَيْ أَظْهَرَ اللَّهُ (لَهُ إِلَيْهَا حَاجَةً) أَيْ فَيَأْتِيهَا وَيَمُوتُ فِيهَا إِشَارَةً إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي عَزَّةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ (وَلَا نَعْرِفُ لِمَطَرِ) بِفَتْحَتَيْنِ (بْنِ عُكَامِسٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ السُّلَمِيِّ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ

باب ما جاء لا ترد الرقى ولا الدواء من قدر

قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ (عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ) بْنِ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ الْهُذَلِيُّ اِسْمُهُ عَامِرٌ وَقِيلَ زَيْدٌ وَقِيلَ زِيَادٌ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ بِلَفْظِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ قَبْضَ عَبْدٍ بِأَرْضٍ جَعَلَ لَهُ بِهَا حَاجَةً (وَأَبُو عَزَّةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ (اسْمُهُ يَسَارُ بْنُ عَبْدٍ) الْهُذَلِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَصَرَّحَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بِأَنَّهُ رَوَى حَدِيثَ الْبَابِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ لَا تَرُدُّ الرُّقَى وَلَا الدَّوَاءُ مِنْ قَدَرِ) اللَّهِ شَيْئًا [2148] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَخْزُومِيُّ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَّانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْزُومِيُّ رَوَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ النَّسَائِيُّ ثِقَةٌ وَقَالَ مَرَّةً لَا بَأْسَ بِهِ وذكره بن حبان في الثقات (عن بن أَبِي خِزَامَةَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الزَّايِ مَجْهُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أَبُو خِزَامَةَ بْنِ يَعْمُرَ السَّعْدِيُّ أَحَدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْمٍ يُقَالُ اسْمُهُ زَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ وَيُقَالُ الْحَارِثُ وَكِلَاهُمَا وَهْمٌ وَهُوَ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ فِي الرُّقَى كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا) جَمْعُ رُقْيَةٍ كَظُلَمٍ جَمْعُ ظُلْمَةٍ وَهِيَ مَا يُقْرَأُ لِطَلَبِ الشِّفَاءِ وَالِاسْتِرْقَاءُ طَلَبُ الرُّقْيَةِ (وَدَوَاءً) مَنْصُوبٌ (نَتَدَاوَى بِهِ) أَيْ نَسْتَعْمِلُهُ (وَتُقَاةً) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (نَتَّقِيهَا) أَيْ نلتجىء بِهَا أَوْ نَحْذَرُ بِسَبَبِهَا وَأَصْلُ تُقَاةً وُقَاةً من وقى وهي اسم ما يلتجىء بِهِ النَّاسُ مِنْ خَوْفِ

باب ما جاء في القدرية

الأعداء كالترس وهو ما يقي من العدد أَيْ يَحْفَظُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا بِمَعْنَى الِاتِّقَاءِ فَالضَّمِيرُ فِي نَتَّقِيهَا لِلْمَصْدَرِ قِيلَ وَهَذِهِ المنصوبات أعني وقي وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا مَوْصُوفَاتٌ بِالْأَفْعَالِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَهَا وَمُتَعَلِّقَةٌ بِمَعْنَى أَرَأَيْتَ أَيْ أَخْبِرْنِي عَنْ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا فَنُصِبَتْ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِلَفْظِ أَرَأَيْتَ وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ الْمَوْصُوفُ مَعَ الصِّفَةِ وَالثَّانِي الِاسْتِفْهَامُ بِتَأْوِيلِ مَقُولًا فِي حَقِّهَا (هَلْ تَرُدُّ) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ (قَالَ هِيَ) أَيِ الْمَذْكُورَاتُ الثَّلَاثُ (مِنْ قَدَرِ اللَّهِ) أَيْضًا يَعْنِي كَمَا أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ الدَّاءَ وَقَدَّرَ زَوَالَهُ بِالدَّوَاءِ وَمَنِ اسْتَعْمَلَهُ وَلَمْ يَنْفَعْهُ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا قَدَّرَهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ جَوَازُ الرُّقْيَةِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ اسْتَرْقُوا لَهَا فَإِنَّ بِهَا النَّظْرَةَ أَيِ اطْلُبُوا لَهَا مَنْ يَرْقِيهَا وَفِي بَعْضِهَا النَّهْيُ عَنْهَا كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي بَابِ التَّوَكُّلِ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْقِسْمَيْنِ كَثِيرَةٌ وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّ مَا كَانَ مِنَ الرُّقْيَةِ بِغَيْرِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ وَكَلَامِهِ فِي كُتُبِهِ الْمُنَزَّلَةِ أَوْ بِغَيْرِ اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ وَمَا يُعْتَقَدُ مِنْهَا أَنَّهَا نَافِعَةٌ لَا مَحَالَةَ فَيَتَّكِلُ عَلَيْهَا فَإِنَّهَا مَنْهِيَّةٌ وَإِيَّاهَا أَرَادَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِقَوْلِهِ مَا تَوَكَّلَ مَنِ اسْتَرْقَى وَمَا كَانَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ كَالتَّعَوُّذِ بِالْقُرْآنِ وَأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالرُّقَى الْمَرْوِيَّةِ فَلَيْسَتْ بِمَنْهِيَّةٍ وَلِذَلِكَ قال عليه الصلاة والسلام الذي رَقَى بِالْقُرْآنِ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَجْرًا مَنْ أَخَذَ بِرُقْيَةِ بَاطِلٍ فَقَدْ أَخَذْتُ بِرُقْيَةِ حَقٍّ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَّةٍ فَمَعْنَاهُ لَا رُقْيَةَ أَوْلَى وَأَنْفَعَ مِنْهُمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ (وَهَذَا أَصَحُّ) أَيْ رِوَايَةُ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي خِزَامَةَ بحذف لفظ بن أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المخزومي أخبرنا سفيان عن بن أبي خزامة بزيادة لفظ بن (هكذا) أي بحذف لفظ بن 3 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَدَرِيَّةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ والدال

[2149] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى) بْنِ هِلَالٍ الْأَسَدِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ أَوْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حبيب) التمار الكوفي لِينٌ مِنَ السَّادِسَةِ (وَعَلِيُّ بْنُ نِزَارِ) بِكَسْرِ نون وبزاي وراء بن حَيَّانَ بِفَتْحِ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَشِدَّةِ تَحْتِيَّةٍ وَبِنُونٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ نِزَارٍ) هو بن حَيَّانَ الْأَسَدِيُّ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (صِنْفَانِ) أَيْ نَوْعَانِ (مِنْ أُمَّتِي) أَيْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ (لَيْسَ لَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ نَصِيبٌ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رُبَّمَا يَتَمَسَّكُ بِهِ مَنْ يُكَفِّرُ الْفَرِيقَيْنِ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا يُسَارِعَ إِلَى تفكير أَهْلِ الْبِدَعِ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْجَاهِلِ أَوِ الْمُجْتَهِدِ المخطىء وَهَذَا قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ احْتِيَاطًا فَيُحْمَلُ قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُمَا نَصِيبٌ عَلَى سُوءِ الْحَظِّ وَقِلَّةِ النَّصِيبِ كَمَا يُقَالُ لَيْسَ لِلْبَخِيلِ مِنْ مَالِهِ نَصِيبٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَكُونُ فِي أُمَّتِي خَسْفٌ وَقَوْلُهُ سِتَّةٌ لَعَنْتُهُمْ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُكَذِّبِ بِهِ أَيْ بِالْقَدَرِ إِذَا أَتَاهُ مِنَ الْبَيَانِ مَا يَنْقَطِعُ بِهِ الْعُذْرُ أَوْ عَلَى مَنْ تُفْضِي بِهِ الْعَصَبِيَّةُ إِلَى تَكْذِيبِ مَا وَرَدَ فِيهِ مِنَ النُّصُوصِ أَوْ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ خَالَفَهُ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَارِدَةٌ تَغْلِيظًا وَزَجْرًا انْتَهَى وقال القارىء قال بن حجر يعني المكي فمن أطبق تكفير الفريقين أخذ بِظَاهِرِ هَذَا الْخَبَرِ فَقَدِ اسْتَرْوَحَ بَلِ الصَّوَابُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّا لَا نُكَفِّرُ أَهْلَ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ إِلَّا إِنْ أَتَوْا بِمُكَفِّرٍ صَرِيحٍ لَا اسْتِلْزَامِيٍّ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ لَازِمَ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَزَلِ الْعُلَمَاءُ يُعَامِلُونَهُمْ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي نِكَاحِهِمْ وَإِنْكَاحِهِمْ وَالصَّلَاةِ عَلَى مَوْتَاهُمْ وَدَفْنِهِمْ فِي مَقَابِرِهِمْ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا مُخْطِئِينَ غَيْرَ مَعْذُورِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْفِسْقِ وَالضَّلَالِ إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا بِمَا قَالُوهُ اخْتِيَارَ الْكُفْرِ وَإِنَّمَا بَذَلُوا وُسْعَهُمْ فِي إِصَابَةِ الْحَقِّ فَلَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ لَكِنْ لِتَقْصِيرِهِمْ بِتَحْكِيمِ عُقُولِهِمْ وَأَهْوِيَتِهِمْ وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ صَرِيحِ السُّنَّةِ وَالْآيَاتِ مِنْ تَأْوِيلٍ سَائِغٍ وَبِهَذَا فَارَقُوا مُجْتَهِدِي الْفُرُوعِ فَإِنَّ خَطَأَهُمْ إِنَّمَا هُوَ لِعُذْرِهِمْ بِقِيَامِ دَلِيلٍ آخَرَ عِنْدَهُمْ مُقَاوِمٍ لِدَلِيلِ غَيْرِهِمْ مِنْ جِنْسِهِ فَلَمْ يُقَصِّرُوا وَمِنْ ثم أثيبوا على اجتهادهم انتهى كلام القارىء (الْمُرْجِئَةُ) يُهْمَزُ وَلَا يُهْمَزُ مِنَ الْإِرْجَاءِ مَهْمُوزًا وَمُعْتَلًّا وَهُوَ التَّأْخِيرُ يَقُولُونَ الْأَفْعَالُ كُلُّهَا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ لِلْعِبَادِ فِيهَا اخْتِيَارٌ وَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ مَعْصِيَةٌ كَمَا لَا ينفع مع الكفر طاعة كذا قاله بن الْمَلَكِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ قِيلَ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ الْإِيمَانُ قَوْلٌ بِلَا عَمَلٍ فَيُؤَخِّرُونَ الْعَمَلَ عَنِ الْقَوْلِ وَهَذَا غَلَطٌ بَلِ الْحَقُّ أَنَّ الْمُرْجِئَةَ هُمُ الْجَبْرِيَّةُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ إِضَافَةَ الْفِعْلِ إِلَى الْعَبْدِ كَإِضَافَتِهِ إِلَى الْجَمَادَاتِ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ

يُؤَخِّرُونَ أَمْرَ اللَّهِ وَنَهْيَهُ عَنِ الِاعْتِدَادِ بِهِمَا وَيَرْتَكِبُونَ الْكَبَائِرَ فَهُمْ عَلَى الْإِفْرَاطِ وَالْقَدَرِيَّةُ عَلَى التَّفْرِيطِ وَالْحَقُّ مَا بَيْنَهُمَا انْتَهَى (وَالْقَدَرِيَّةُ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَتُسَكَّنُ وَهُمُ الْمُنْكِرُونَ لِلْقَدَرِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ بِقُدْرَتِهِمْ وَدَوَاعِيهِمْ لَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ إِنَّمَا نُسِبَتْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ إِلَى الْقَدَرِ لِأَنَّهُمْ يَبْحَثُونَ فِي الْقَدَرِ كَثِيرًا قَوْلُهُ (وفي الباب عن عمر وبن عُمَرَ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ لَا تُجَالِسُوا أَهْلَ الْقَدَرِ وَلَا تُفَاتِحُوهُمْ وَأَخْرَجَهُ أيضا أحمد والحاكم وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ بَابَيْنِ وأَمَّا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هذا حديث غريب حسن) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَفِي سَنَدِهِ عَلِيُّ بْنُ نِزَارٍ وَأَبُوهُ نِزَارٌ وَهُمَا ضَعِيفَانِ كَمَا عَرَفْتَ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ وَلَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ حَسَنٍ فَظَهَرَ أَنَّ نُسَخَ التِّرْمِذِيِّ مُخْتَلِفَةٌ فِي ذِكْرِ لَفْظِ حَسَنٍ وَقَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ عَدَّهُ فِي الْخُلَاصَةِ مِنَ الْمَوْضُوعَاتِ لَكِنْ قَالَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْأَزْهَارِ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَكَتَبَ مَوْلَانَا زَادَهْ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي زَمَانِنَا إِنَّهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَيْضًا أَنَّ رُوَاتَهُ مَجْهُولُونَ كَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَقَالَ الْفَيْرُوزَابَادِيُّ لَا يَصِحُّ فِي ذَمِّ الْمُرْجِئَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ حَدِيثٌ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ والترمذي وبن ماجه عن بن عباس وبن ماجه عن جابر والخطيب عن بن عُمَرَ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ورواه أبي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَنَسٍ وَلَفْظُهُ صِنْفَانِ مِنْ أُمَّتِي لَا تَنَالُهُمْ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُرْجِئَةُ وَالْقَدَرِيَّةُ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا سلام بن أبي عمرة) بتشديد اللام الخرساني أبو علي ضعيف ومن السَّادِسَةِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ

التَّهْذِيبِ لَهُ فِي التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ في المرجئة والقدرية وقال بن حِبَّانَ يَرْوِي عَنِ الثِّقَاتِ الْمَقْلُوبَاتِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهِ قَالَ الْأَزْدِيُّ وَاهِي الْحَدِيثِ [2150] 14 قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ مُحَمَّدُ بْنُ فِرَاسٍ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ الصَّيْرَفِيُّ صَدُوقٌ مِنْ الْحَادِيَةَ عشر (أَخْبَرَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ) الشُّعَيْرِيُّ الخرساني نَزِيلُ الْبَصْرَةِ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (مُثِّلَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ مُثَلَّثَةٍ أَيْ صُوِّرَ وَخُلِقَ (بن ادم) بالرفع نائب الفاعل وقيل مثل بن آدَمَ بِفَتْحَتَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَلَّثَةِ وَيُرِيدُ بِهِ صِفَتَهُ وَحَالَهُ الْعَجِيبَةَ الشَّأْنِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الْجُمْلَةُ الَّتِي بَعْدَهُ أَيِ الظَّرْفَ وَتِسْعٌ وَتِسْعُونَ مُرْتَفِعٌ به أي حال بن آدَمَ أَنَّ تِسْعًا وَتِسْعِينَ مَنِيَّةً مُتَوَجِّهَةٌ إِلَى نَحْوِهِ مُنْتَهِيَةٌ إِلَى جَانِبِهِ وَقِيلَ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ والتقدير مثل بن آدَمَ مَثَلُ الَّذِي يَكُونُ إِلَى جَنْبِهِ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ مَنِيَّةً وَلَعَلَّ الْحَذْفَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ (وَإِلَى جَنْبِهِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ بِقُرْبِهِ (تِسْعٌ وَتِسْعُونَ) أَرَادَ بِهِ الْكَثْرَةَ دُونَ الْحَصْرِ (مَنِيَّةً) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ بَلِيَّةً مُهْلِكَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَيْ سَبَبُ مَوْتٍ (إِنْ أَخْطَأَتْهُ الْمَنَايَا) قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَنَايَا جَمْعُ مَنِيَّةٍ وَهِيَ الْمَوْتُ لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ مِنَ الْمِنَى وَهُوَ التَّقْدِيرُ وَسَمَّى كُلَّ بَلِيَّةٍ مِنَ الْبَلَايَا مَنِيَّةً لِأَنَّهَا طَلَائِعُهَا وَمُقَدِّمَاتُهَا انْتَهَى أَيْ إِنْ جَاوَزَتْهُ فَرْضًا أَسْبَابُ الْمَنِيَّةِ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَالْجُوعِ وَالْغَرَقِ وَالْحَرْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى (وَقَعَ فِي الْهَرَمِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْهَرَمُ مُحَرَّكَةٌ أَقْصَى الْكِبَرِ (حَتَّى يَمُوتَ) قَالَ بَعْضُهُمْ يُرِيدُ أَنَّ أَصْلَ خِلْقَةِ الْإِنْسَانِ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا تُفَارِقَهُ الْمَصَائِبُ وَالْبَلَايَا وَالْأَمْرَاضُ وَالْأَدْوَاءُ كَمَا قِيلَ الْبَرَايَا أَهْدَافُ الْبَلَايَا وَكَمَا قَالَ صَاحِبُ الْحِكَمِ بن عَطَاءٍ مَا دُمْتَ فِي هَذِهِ الدَّارِ لَا تَسْتَغْرِبْ وُقُوعَ الْأَكْدَارِ فَإِنْ أَخْطَأَتْهُ تِلْكَ النَّوَائِبُ عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ أَدْرَكَهُ مِنَ الْأَدْوَاءِ الدَّاءُ الَّذِي لَا دَوَاءَ لَهُ وَهُوَ الْهَرَمُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ صَابِرًا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ رَاضِيًا بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَضَاهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

باب ما جاء في الرضا بالقضاء

قوله (وأبو العوام هو عمران وهو بن داود الْقَطَّانُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عِمْرَانُ بْنُ دَاوَرَ بِفَتْحِ الْوَاوِ بَعْدَهَا رَاءٌ أَبُو الْعَوَّامِ الّقَطَّانُ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ وَرُمِيَ بِرَأْيِ الْخَوَارِجِ مِنَ السَّابِعَةِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرِّضَا بِالْقَضَاءِ) [2151] قَوْلُهُ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ حُجَّةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ الْكُوفَةِ كَانَ يُلَقَّبُ ظِلَّ الشَّيْطَانِ لِقِصَرِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ (عَنْ سَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَحَدُ الْعَشَرَةِ وَأَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ رَضِيَ الله عنه قوله (من سعادة بن آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ لَهُ) أَيْ من سعادة بن ادم تركه اسْتِخَارَةَ اللَّهِ ثُمَّ رِضَاهُ بِمَا حَكَمَ بِهِ وَقَدَّرَهُ وَقَضَاهُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِ (ومن شقاوة بن آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ اللَّهِ) أَيْ طَلَبَ الْخِيرَةِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَخْتَارُ لَهُ مَا هُوَ خَيْرٌ له (ومن شقاوة بن آدَمَ سَخَطُهُ) أَيْ غَضَبُهُ وَعَدَمُ رِضَاهُ (بِمَا قَضَى اللَّهُ لَهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَهُوَ تَرْكُ السَّخَطِ عَلَامَةُ سَعَادَتِهِ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ عَلَامَةَ سَعَادَةِ الْعَبْدِ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا لِيَتَفَرَّغَ لِلْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَرْضَ بِالْقَضَاءِ يَكُونُ مَهْمُومًا أَبَدًا مَشْغُولَ الْقَلْبِ بِحُدُوثِ الْحَوَادِثِ وَيَقُولُ لِمَ كَانَ كَذَا وَلِمَ لَا يَكُونُ كَذَا وَالثَّانِي لِئَلَّا يَتَعَرَّضَ لِغَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى لِسَخَطِهِ وَسَخَطُ الْعَبْدِ أَنْ يَذْكُرَ غَيْرَ مَا قَضَى اللَّهُ لَهُ وَقَالَ إِنَّهُ أَصْلَحُ وَأَوْلَى فِيمَا لَا يُسْتَيْقَنُ فَسَادُهُ وَصَلَاحُهُ فَإِنْ قُلْتَ مَا مَوْقِعُ قَوْلِهِ وَمِنْ شَقَاوَةِ بن آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ اللَّهِ بَيْنَ الْمُتَقَابِلَيْنِ قُلْتُ مَوْقِعُهُ بَيْنَ الْقَرِينَتَيْنِ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ مَنْ يَتْرُكُ الِاسْتِخَارَةَ وَيُفَوِّضُ أَمْرَهُ بِالْكُلِّيَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي

حُمَيْدٍ) الْأَنْصَارِيِّ الزُّرَقِيِّ الْمَدَنِيِّ لَقَبُهُ حَمَّادٌ ضَعِيفٌ من السابعة 6 - باب [2152] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التحتانية وفتح الواو (بن شريح) مصغرا بن صفوان النجيبي أَبُو زُرْعَةَ الْمُضَرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ زَاهِدٌ مِنَ السَّابِعَةِ (أَخْبَرَنِي أَبُو صَخْرٍ) اسْمُهُ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْمُخَارِقِ الْخَرَّاطُ صَاحِبُ الْعَبَاءِ مَدَنِيٌّ سَكَنَ مِصْرَ وَيُقَالُ هُوَ حُمَيْدُ بْنُ صَخْرٍ أَبُو مَرْدُودٍ الْخَرَّاطُ وَقِيلَ إِنَّهُمَا اثْنَانِ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ فلانا يقريء عَلَيْكَ السَّلَامَ) ضُبِطَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ قَرَأَ عَلَيْهِ السَّلَامَ أَبْلَغَهُ كَأَقْرَأَهُ وَلَاْ يُقَالُ أَقْرَأَهُ إِلَّا إِذَا كَانَ السَّلَامُ مَكْتُوبًا (فَقَالَ) أي بن عُمَرَ (إِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ وَتَفْسِيرُهُ الْخَبَرُ وَهُوَ قَوْلُهُ (بَلَغَنِي أَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ) أَيِ ابْتَدَعَ فِي الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ مِنَ التَّكْذِيبِ بِالْقَدَرِ (فَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْدَثَ) أَيْ مَا ذُكِرَ (فَلَا تُقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ) كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ قَبُولِ سَلَامِهِ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ قَالَ القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنْ لَا تُبَلِّغْهُ مِنِّي السلام أورده فَإِنَّهُ بِبِدْعَتِهِ لَا يَسْتَحِقُّ جَوَابَ السَّلَامِ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ (فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ) (وفي أُمَّتِي) يَحْتَمِلُ الدَّعْوَةَ وَالْإِجَابَةَ (الشَّكُّ مِنْهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ قَائِلَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ يَرْجِعُ إِلَى شَيْخِهِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ وَيُحْتَمَلُ غَيْرُ ذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (خَسْفٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ خسف المكان يخسف خسوفا ذهب في الأرض (أَوْ مَسْخٌ) أَيْ تَغْيِيرٌ فِي الصُّورَةِ (أَوْ قَذْفٌ) أَيْ رَمْيٌ بِالْحِجَارَةِ كَقَوْمِ لُوطٍ قَالَ مَيْرَكُ شَاهْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَقَالَ الطِّيبِيُّ يُحْتَمَلُ التَّنْوِيعُ أَيْضًا

قلت الظاهر عندي أن أو ها هنا لِلتَّنْوِيعِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فِي أَهْلِ الْقَدَرِ) بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ قَوْلِهِ فِي أُمَّتِي بِإِعَادَةِ الْجَارِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن ماجه [2155] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُلَيْمٍ) الْمَالِكِيُّ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (يَا أَبَا مُحَمَّدٍ) هُوَ كُنْيَةُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ (يَقُولُونَ فِي الْقَدَرِ) أَيْ بِنَفْيِ الْقَدَرِ (فَاقْرَأِ الزُّخْرُفَ) أَيْ أَوَّلَ هَذِهِ السُّورَةِ (قَالَ فَقَرَأْتُ) حم والكتاب أَيِ الْقُرْآنِ الْمُبِينِ أَيِ الْمُظْهِرِ طَرِيقَ الْهُدَى وَمَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الشَّرِيعَةِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ أي الكتاب قرانا عربيا بِلُغَةِ الْعَرَبِ لَعَلَّكُمْ يَا أَهْلَ مَكَّةَ تَعْقِلُونَ تَفْهَمُونَ مَعَانِيَهُ وَإِنَّهُ مُثْبَتٌ فِي أُمِّ الْكِتَابِ أَصْلِ الْكِتَابِ أَيِ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ لَدَيْنَا بَدَلَ عِنْدِنَا لَعَلِيٌّ أَيِ الْكُتُبَ قَبْلَهُ حَكِيمٌ ذُو حِكْمَةٍ بَالِغَةٍ (قَالَ فَإِنَّهُ) أَيْ أُمَّ الْكِتَابِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ اللَّهُ (فَإِنْ مُتَّ) بِضَمِّ الْمِيمِ مِنْ مَاتَ يَمُوتُ وَبِكَسْرِهَا مِنْ مَاتَ يُمِيتُ (عَلَى غَيْرِ هَذَا) أَيْ عَلَى اعْتِقَادٍ غَيْرِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ مِنَ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ (دَخَلْتَ النَّارَ) يَحْتَمِلُ الوعيد ويحتمل التهديد قاله القارىء قُلْتُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ (إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ) بِالرَّفْعِ خَبَرُ إِنَّ قَالَ فِي الْأَزْهَارِ أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ يعني بعد العرش والماء والريح السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ قَالَ وَعَرْشُهُ على الماء رواه مسلم وعن بن عَبَّاسٍ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَكَانَ عَرْشُهُ على الماء

وَالسَّلَامُ كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يخلق عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كَانَ الْمَاءُ قَالَ عَلَى مَتْنِ الرِّيحِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ فَالْأَوَّلِيَّةُ إضافية (فقال) أي الله (قَالَ مَا أَكْتُبُ) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ (قَالَ اكْتُبِ الْقَدَرَ) أَيِ الْمُقَدَّرَ الْمَقْضِيَّ (مَا كَانَ وَمَا هُوَ كَائِنٌ) بَدَلٌ مِنَ الْمُقَدَّرِ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ وَفِي الْمِشْكَاةِ قَالَ اكْتُبِ الْقَدَرَ فَكَتَبَ مَا كَانَ وَمَا هو كائن قال القارىء في المرقاة المضي بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ الطِّيبِيُّ لَيْسَ حِكَايَةً عَمَّا أَمَرَ بِهِ الْقَلَمَ وَإِلَّا لَقِيلَ فَكَتَبَ مَا يَكُونُ وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ بِاعْتِبَارِ حَالِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَيْ قَبْلَ تَكَلُّمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ لَا قَبْلَ الْقَلَمِ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَخْلُوقٍ نَعَمْ إِذَا كَانَتِ الْأَوَّلِيَّةُ نِسْبِيَّةً صَحَّ أَنْ يُرَادَ مَا كَانَ قَبْلَ الْقَلَمِ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ مَا كَانَ يَعْنِي الْعَرْشَ وَالْمَاءَ وَالرِّيحَ وَذَاتَ اللَّهِ وَصِفَاتَهُ انْتَهَى (إِلَى الْأَبَدِ) قِيلَ الْأَبَدُ هُوَ الزَّمَانُ الْمُسْتَمِرُّ غَيْرُ الْمُنْقَطِعِ لَكِنَّ المراد منه ها هنا الزَّمَانُ الطَّوِيلُ قُلْتُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ بن عَبَّاسٍ فَفِيهَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَلَيْهِ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ 7 - [2156] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن المنذر الصغائي) مَسْتُورٌ مِنَ الْحَادِيَةِ عَشْرَةِ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ) الْمَكِّيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ أَوِ الْأَهْوَازِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ نَيِّفًا وَسَبْعِينَ سَنَةً مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيِّ) اسْمُهُ حُمَيْدُ بْنُ هَانِئٍ الْمِصْرِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ الْخَامِسَةِ (أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمَعَافِرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو) بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هاشم بن سعيد بالتصغير بن سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ السَّهْمِيِّ أَحَدِ السَّابِقِينَ الْمُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَحَدِ الْعَبَادِلَةِ الْفُقَهَاءِ قَوْلُهُ (قَدَّرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ) جَمْعُ مِقْدَارٍ وَهُوَ الشَّيْءُ الَّذِي يُعْرَفُ بِهِ قَدْرُ الشَّيْءِ وَكَمِّيَّتُهُ

كَالْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى الْقَدْرِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْكَمِّيَّةُ وَالْكَيْفِيَّةُ (قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِينَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَيْ أَمَرَ اللَّهُ الْقَلَمَ أَنْ يُثْبِتَ فِي اللَّوْحِ مَا سَيُوجَدُ مِنَ الْخَلَائِقِ ذَاتًا وَصِفَةً وَفِعْلًا وَخَيْرًا وَشَرًّا عَلَى مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ إِرَادَتُهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ تَحْدِيدُ وَقْتِ الْكِتَابَةِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ أَوْ غَيْرِهِ لَا أَصْلُ التَّقْدِيرِ فَإِنَّ ذَلِكَ أَزَلِيٌّ لَا أَوَّلَ لَهُ انْتَهَى (بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) زَادَ مُسْلِمٌ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2157] قَوْلُهُ (عَنْ زِيَادِ بْنِ إسماعيل) المخزومي أو السهمي المكي صدوق سيء الْحِفْظِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ الْمَخْزُومِيِّ) الْمَكِّيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (يُخَاصِمُونَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَوْمَ يسحبون أي يجرون ذوقوا من سقر أَيْ إِصَابَةَ جَهَنَّمَ لَكُمْ وَالتَّقْدِيرُ يُقَالُ لَهُمْ ذوقوا إلخ إنا كل شيء منصوب بفعل يفسره خلقناه بقدر بِتَقْدِيرٍ حَالٍ مِنْ كُلِّ أَيْ مُقَدَّرًا قَالَ النووي المراد بالقدر ها هنا الْقَدَرُ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ مَا قَدَّرَ اللَّهُ وَقَضَاهُ وَسَبَقَ بِهِ عِلْمُهُ وَإِرَادَتُهُ وَأَشَارَ الْبَاجِيُّ إِلَى خِلَافِ هَذَا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِإِثْبَاتِ الْقَدَرِ وَأَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَكُلُّ ذَلِكَ مُقَدَّرٌ فِي الْأَزَلِ مَعْلُومٌ لِلَّهِ مُرَادٌ لَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم وبن ماجة الذَّهَبِ فِي النَّارِ لِتَظْهَرَ جَوْدَتُهُ مِنْ رَدَاءَتِهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي إِدْخَالِ الْإِنْسَانِ النَّارَ وَيُطْلَقُ عَلَى العذاب كقوله تعالى ذوقوا

31 - كتاب الفتن

31 - كتاب الْفِتَنِ إِلَخْ الْفِتَنُ جَمْعُ فِتْنَةٍ قَالَ الرَّاغِبُ في أصل الفتن إدخال فتنتكم عَلَى مَا يَحْصُلُ عِنْدَ الْعَذَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ألا في الفتنة سقطوا وعلى الاختبار كقوله تعالى وفتناك فتونا وَفِيمَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ الْإِنْسَانُ مِنْ شِدَّةٍ وَرَخَاءٍ وَفِي الشِّدَّةِ أَظْهَرُ مَعْنًى وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا قَالَ تعالى ونبلوكم بالشر والخير فتنة وَقَالَ أَيْضًا الْفِتْنَةُ تَكُونُ مِنَ الْأَفْعَالِ الصَّادِرَةِ مِنَ اللَّهِ وَمِنَ الْعَبْدِ كَالْبَلِيَّةِ وَالْمُصِيبَةِ وَالْقَتْلِ وَالْعَذَابِ وَالْمَعْصِيَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَكْرُوهَاتِ فَإِنْ كَانَتْ مِنَ اللَّهِ فَهِيَ عَلَى وَجْهِ الْحِكْمَةِ وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الْإِنْسَانِ بِغَيْرِ أَمْرِ اللَّهِ فَهِيَ مَذْمُومَةٌ فَقَدْ ذَمَّ الْإِنْسَانَ بِإِيقَاعِ الْفِتْنَةِ كَقَوْلِهِ تعالى الفتنة اشد من القتل وَقَالَ غَيْرُهُ أَصْلُ الْفِتْنَةِ الِاخْتِبَارُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَتْ فِيمَا أَخْرَجَتْهُ الْمِحْنَةُ وَالِاخْتِبَارُ إِلَى الْمَكْرُوهِ ثُمَّ أطلقت على كل مكروه أوائل إِلَيْهِ كَالْكُفْرِ وَالْإِثْمِ وَالتَّحْرِيقِ وَالْفَضِيحَةِ وَالْفُجُورِ وَغَيْرِ ذلك (بَاب مَا جَاءَ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مسلم) إلا بإحدى ثلاث [2158] قَوْلُهُ (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ الْقَاضِي ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ) بِالتَّصْغِيرِ وَاسْمُهُ أَسْعَدُ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَسْعَدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو أُمَامَةَ مَعْرُوفٌ بِكُنْيَتِهِ مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ لَهُ رُؤْيَةٌ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى

قَوْلُهُ (أَشْرَفَ) أَيِ اطَّلَعَ عَلَى النَّاسِ مِنْ فَوْقٍ يُقَالُ أَشْرَفَ عَلَيْهِ إِذَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقٍ (يَوْمَ الدَّارِ) أَيْ وَقْتَ الْحِصَارِ أَيْ فِي الْأَيَّامِ الَّتِي جَلَسَ فِيهَا فِي دَارِهِ لِأَجْلِ أَهْلِ الْفِتْنَةِ (فَقَالَ أَنْشُدُكُمْ) بِضَمِّ الشِّينِ أَيْ أُقْسِمُكُمْ (أَتَعْلَمُونَ) الْهَمْزَةُ لِلتَّقْرِيرِ أَيْ قَدْ تَعْلَمُونَ (لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) هو صفة مقيدة لامرىء أَيْ لَا يَحِلُّ إِرَاقَةُ دَمِهِ كُلِّهِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ قَتْلِهِ وَلَوْ لَمْ يُرِقْ دَمَهُ (إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ) أَيْ مِنَ الْخِصَالِ (زِنًى بَعْدَ إِحْصَانٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَصْلُ الْإِحْصَانِ الْمَنْعُ وَالْمَرْأَةُ تَكُونُ مُحْصَنَةً بِالْإِسْلَامِ وَبِالْعَفَافِ وَالْحُرِّيَّةِ وَبِالتَّزْوِيجِ يُقَالُ أَحْصَنَتِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ مُحْصَنَةٌ وَمُحْصِنَةٌ وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ انْتَهَى (فَقُتِلَ بِهِ) تَقْرِيرٌ وَمَزِيدُ تَوْضِيحٍ لِلْمَعْنَى (مُنْذُ بَايَعْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ بَيْعَةَ الْإِسْلَامِ (وَلَا قَتَلْتُ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ) أَيْ قَتْلَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ (فَبِمَ تَقْتُلُونِّي) بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَفِي المشكاة تقتلونني قال القارىء بِنُونَيْنِ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنْهَا بِنُونٍ مُشَدَّدَةٍ وَفِي نُسْخَةٍ بِتَخْفِيفِهَا أَيْ فَبِأَيِّ سَبَبٍ تُرِيدُونَ قَتْلِي وَالْخِطَابُ لِلتَّغْلِيبِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ الْعِرَاقِيَّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ مِنَ الثَّلَاثَةِ قَتْلَ الصَّائِلِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهُ لِلدَّفْعِ وَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى قَوْلِ النَّوَوِيِّ يُخَصُّ مِنْ عُمُومِ الثَّلَاثَةِ الصَّائِلُ وَنَحْوُهُ فَيُبَاحُ قَتْلُهُ فِي الدَّفْعِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ لَا يَحِلُّ تَعَمُّدُ قَتْلِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ إِلَّا مُدَافَعَةً بِخِلَافِ الثَّلَاثَةِ قَالَ الحافظ والجواب الثاني هو المعتمد وحكى بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْمُحَارَبَةِ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الأرض قَالَ فَأَبَاحَ الْقَتْلَ بِمُجَرَّدِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ قَالَ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْقَتْلِ بِغَيْرِ الثَّلَاثِ أَشْيَاءَ مِنْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي وَحَدِيثُ مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوهُ وَحَدِيثُ مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَحَدِيثُ مَنْ خَرَجَ وَأَمْرُ النَّاسِ جَمْعٌ يُرِيدُ تَفَرُّقَهُمْ فَاقْتُلُوهُ وَقَوْلُ جَمَاعَةِ الْأَئِمَّةِ إِنْ تَابَ أَهْلُ الْقَدَرِ وَإِلَّا قُتِلُوا وَقَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ يُضْرَبُ الْمُبْتَدِعُ حَتَّى يَرْجِعَ أَوْ يَمُوتَ وَقَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ يُقْتَلُ تَارِكُ الصَّلَاةِ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ زَائِدٌ عَلَى الثَّلَاثِ قَالَ الْحَافِظُ وَزَادَ غَيْرُهُ قَتْلَ مَنْ طَلَبَ أَخْذَ مَالِ إنسان

أَوْ حَرِيمِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَمَنِ ارْتَدَّ وَلَمْ يُفَارِقِ الْجَمَاعَةَ وَمَنْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَأَظْهَرَ الشِّقَاقَ وَالْخِلَافَ وَالزِّنْدِيقِ إِذَا تَابَ عَلَى رَأْيٍ وَالسَّاحِرِ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ الْأَكْثَرَ فِي الْمُحَارَبَةِ أَنَّهُ إِنْ قَتَلَ قُتِلَ وَبِأَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ فِي الْبَاغِي أَنْ يُقَاتَلَ لَا أَنْ يُقْصَدَ إِلَى قَتْلِهِ وَبِأَنَّ الْخَبَرَيْنِ فِي اللِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ لَمْ يَصِحَّا وَعَلَى تَقْدِيرِ الصِّحَّةِ فهما داخلان في الزنى وَحَدِيثُ الْخَارِجِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ تَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَتْلِهِ حَبْسُهُ وَمَنْعُهُ مِنَ الْخُرُوجِ وَالْقَوْلُ فِي الْقَدَرِيَّةِ وَسَائِرِ الْمُبْتَدِعَةِ مُفَرَّعٌ عَلَى الْقَوْلِ بِتَكْفِيرِهِمْ وَبِأَنَّ قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ عِنْدَ مَنْ لَا يُكَفِّرُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا مَنْ طَلَبَ الْمَالَ أَوِ الْحَرِيمَ فَمِنْ حُكْمِ دَفْعِ الصَّائِلِ وَمُخَالِفُ الْإِجْمَاعِ دَاخِلٌ فِي مُفَارِقِ الْجَمَاعَةِ وَقَتْلُ الزِّنْدِيقِ لِاسْتِصْحَابِ حُكْمِ كُفْرِهِ وَكَذَا الساحر وقد حكى بن الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِ أَنَّ أَسْبَابَ الْقَتْلِ عشرة قال بن الْعَرَبِيِّ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِحَالٍ فَإِنَّ مَنْ سَحَرَ أَوْ سَبَّ نَبِيَّ اللَّهِ كَفَرَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّارِكِ لِدِينِهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِاخْتِصَارٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن مسعود وعائشة وبن عباس) أما حديث بن مسعود فأخرجه الأئمة الستة إلا بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وغيرهما وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه والدارمي

باب ما جاء تحريم الدماء والأموال

2 - (باب ما جاء تحريم الدماء والأموال) [2159] قَوْلُهُ (عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ) بِمُعْجَمَةٍ وَقَافٍ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأحْوَصِ) الْجُشَمِيِّ الْكُوفِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ قَالَ الْحَافِظُ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَوْلُهُ (يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ) أَيْ يَوْمَ النَّحْرِ وَالْوَدَاعِ بِفَتْحِ الْوَاوِ مَصْدَرُ وَدَّعَ تَوْدِيعًا كَسَلَّمَ سَلَامًا وَكَلَّمَ كَلَامًا وَقِيلَ بِكَسْرِ الْوَاوِ فَيَكُونُ مَصْدَرُ الْمُوَادَعَةِ وَهُوَ إِمَّا لِوَدَاعِهِ النَّاسَ أَوِ الْحَرَمَ فِي تِلْكَ الْحِجَّةِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا قَالَ الشُّمُنِّيُّ لَمْ يُسْمَعْ فِي حَاءِ ذِي الْحِجَّةِ إِلَّا الْكَسْرُ قَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ الْحِجَّةُ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ وَهُوَ مِنَ الشَّوَاذِّ لِأَنَّ الْقِيَاسَ الْفَتْحُ (أَيُّ يَوْمٍ هَذَا قَالُوا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) قَالَ تَعَالَى وَأَذَانٌ من الله ورسوله إلى الناس أَيْ إِعْلَامٌ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بريء من المشركين ورسوله قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ أَيْ يَوْمَ الْعِيدِ لِأَنَّ فِيهِ تَمَامَ الْحَجِّ وَمُعْظَمَ أَفْعَالِهِ وَلِأَنَّ الْإِعْلَامَ كَانَ فِيهِ وَلِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ عِنْدَ الْجَمَرَاتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَقِيلَ يَوْمُ عَرَفَةَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الْحَجُّ عَرَفَةُ وَوُصِفَ الْحَجُّ بِالْأَكْبَرِ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ الْحَجُّ الْأَصْغَرُ أَوْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَجِّ مَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ أَعْمَالِهِ فَإِنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ بَاقِي الْأَعْمَالِ أَوْ لِأَنَّ ذَلِكَ الْحَجَّ اجْتَمَعَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَوَافَقَ عِيدُهُ أَعْيَادَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ لِأَنَّهُ ظَهَرَ فِيهِ عِزُّ المسلمين وذل المشركين انتهى وقال بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ إِذْ مَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ ثُمَّ قَوْلُهُمْ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ بِظَاهِرِهِ يُنَافِي جَوَابَهُمُ السَّابِقَ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ يَعْنِي فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَلَعَلَّ هَذَا فِي يَوْمٍ آخَرَ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ أَحَدُ الْجَوَابَيْنِ صَدَرَ عَنْ بَعْضِهِمْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (قَالَ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ) أَيْ تَعَرُّضَكُمْ لِبَعْضِكُمْ فِي دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ وَالْعِرْضُ بِالْكَسْرِ مَوْضِعُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنَ الْإِنْسَانِ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِهِ أَوْ سَلَفِهِ (بَيْنَكُمْ) احْتِرَازٌ عَنِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ (حَرَامٌ) أَيْ مُحَرَّمٌ مَمْنُوعٌ (كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا) يَعْنِي تَعَرُّضَ بَعْضِكُمْ دِمَاءَ بَعْضٍ وَأَمْوَالِهِ وَأَعْرَاضِهِ فِي غَيْرِ

هَذِهِ الْأَيَّامِ كَحُرْمَةِ التَّعَرُّضِ لَهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ (فِي بَلَدِكُمْ) أَيْ مَكَّةَ أَوِ الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ (هَذَا) وَلَعَلَّ تَرْكَ الشَّهْرِ اقْتِصَارٌ مِنَ الرَّاوِي وَإِنَّمَا شَبَّهَهَا فِي الْحُرْمَةِ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ اسْتِبَاحَةَ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ وَانْتِهَاكَ حُرْمَتِهَا بِحَالٍ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْجِنَايَةُ الذَّنْبُ وَالْجُرْمُ وَمَا يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ مِمَّا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعَذَابَ أَوِ الْقِصَاصَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ وَأَبَاعِدِهِ فَإِذَا جَنَى أَحَدُهُمَا جِنَايَةً لَا يُعَاقَبُ بِهَا الْآخَرُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تزر وازرة وزر أخرى انْتَهَى (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (لَا يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ النَّهْيَ عَنِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِ لِاخْتِصَاصِهَا بِمَزِيدِ قُبْحٍ وَأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ تَأْكِيدَ لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّ عَادَتَهُمْ جَرَتْ بِأَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ أَقَارِبَ الشَّخْصِ بِجِنَايَتِهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا ظُلْمٌ يُؤَدِّي إِلَى ظُلْمٍ آخَرَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا نَفْيٌ فَيُوَافِقُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنَّمَا خَصَّ الْوَلَدَ وَالْوَالِدَ لِأَنَّهُمَا أَقْرَبُ الْأَقَارِبِ فإذا لم يؤاخذا بفعله فَغَيْرُهُمَا أَوْلَى وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُؤْخَذُ الرَّجُلُ بِجَرِيمَةِ أَبِيهِ وَضُبِطَ بِالْوَجْهَيْنِ (أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ) وَهُوَ إِبْلِيسُ الرَّئِيسُ أَوِ الْجِنْسُ الْخَسِيسُ (قَدْ أيس) أي قنط (أن يعبد) قال القارىء أَيْ مِنْ أَنْ يُطَاعَ فِي عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ أَنَّهُ عَبَدَهُ أَحَدٌ مِنَ الْكُفَّارِ انْتَهَى وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّ الشَّيْطَانَ أَيِسَ أَنْ يَعُودَ أَحَدٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى عِبَادَةِ الصَّنَمِ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مِثْلُ أَصْحَابِ مَسْلَمَةَ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنِ ارْتَدَّ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا الصَّنَمَ وَيُحْتَمَلُ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّينَ مِنْ أُمَّتِي لَا يَجْمَعُونَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَعِبَادَةِ الشَّيْطَانِ كَمَا فَعَلَتْهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَلَكَ أَنْ تَقُولَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الشَّيْطَانَ أَيِسَ مِنْ أَنْ يَتَبَدَّلَ دِينُ الْإِسْلَامِ وَيَظْهَرَ الْإِشْرَاكُ وَيَسْتَمِرَّ وَيَصِيرَ الْأَمْرُ كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ وَلَا يُنَافِيهِ ارْتِدَادُ مَنِ ارتدد بَلْ لَوْ عَبَدَ الْأَصْنَامَ أَيْضًا لَمْ يَضُرَّ فِي الْمَقْصُودِ فَافْهَمْ كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ مَعَ زِيَادَةٍ (فِي بِلَادِكُمْ هَذِهِ) أَيْ مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ (وَلَكِنْ سَتَكُونُ لَهُ طاعة) أي القياد أَوْ طَاعَةٌ (فِيمَا تُحَقِّرُونَ) بِتَشْدِيدِ الْقَافِ مِنَ التَّحْقِيرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَحْتَقِرُونَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحَقْرُ الذِّلَّةُ كَالْحُقْرِيَّةِ بِالضَّمِّ الْحَقَارَةُ مُثَلَّثَةٌ وَالْمَحْقَرَةُ وَالْفِعْلُ كَضَرَبَ وَكَرُمَ وَالْإِذْلَالُ كَالتَّحْقِيرِ وَالِاحْتِقَارِ وَالِاسْتِحْقَارِ وَالْفِعْلُ كَضَرَبَ انْتَهَى (مِنْ أَعْمَالِكُمْ) أَيْ دُونَ الْكُفْرِ مِنَ الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَنَحْوِهِمَا مِنَ الْكَبَائِرِ وَتَحْقِيرِ الصَّغَائِرِ (فَسَيَرْضَى) بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ أَيِ الشَّيْطَانُ (بِهِ) أَيْ بِالْمُحْتَقِرِ حَيْثُ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الذَّنْبُ الْأَكْبَرُ وَلِهَذَا تَرَى الْمَعَاصِيَ مِنَ الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَنَحْوِهِمَا تُوجَدُ كَثِيرًا فِي الْمُسْلِمِينَ وقليلا في

باب ما جاء لا يحل لمسلم أن يروع مسلما

الْكَافِرِينَ لِأَنَّهُ قَدْ رَضِيَ مِنَ الْكُفَّارِ بِالْكُفْرِ فَلَا يُوَسْوِسُ لَهُمْ فِي الْجُزْئِيَّاتِ وَحَيْثُ لَا يَرْضَى عَنِ الْمُسْلِمِينَ بِالْكُفْرِ فَيَرْمِيهِمْ فِي الْمَعَاصِي وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي لَيْسَ لَهَا وَسْوَسَةٌ إِنَّمَا هِيَ صَلَاةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمِنَ الْأَمْثَالِ لَا يَدْخُلُ اللِّصُّ فِي بَيْتٍ إِلَّا فِيهِ مَتَاعٌ نَفِيسٌ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ أَيْ مِمَّا يَتَهَجَّسُ فِي خَوَاطِرِكُمْ وَتَتَفَوَّهُونَ عَنْ هَنَاتِكُمْ وَصَغَائِرِ ذُنُوبِكُمْ فَيُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى هَيْجِ الْفِتَنِ وَالْحُرُوبِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ مِنْ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ قوله (وفي الباب عن أبي بكرة وبن عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَحُذَيْمِ بْنِ عَمْرٍو السَّعْدِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْمِ بْنِ عَمْرٍو السَّعْدِيِّ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَهُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالِدُ زِيَادٍ مَعْدُودٌ فِي الصَّحَابَةِ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ الْحَدِيثَ حَدِيثًا وَاحِدًا وَعَنْهُ ابْنُهُ زِيَادٌ وَرَقَمَ عَلَيْهِ الْحَافِظُ عَلَامَةَ س قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن صحيح وأخرجه بن مَاجَهْ (بَاب مَا جَاءَ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ مِنَ التَّرْوِيعِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَاعَ أَفْزَعَ كَرَوَّعَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ [2160] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ الْكِنْدِيُّ أَبُو محمد المدني بن أُخْتِ نِمْرٍ رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ حَدِيثَ لَا يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ عَصَا أَخِيهِ قَالَ الترمذي حسن غريب روى عنه بن أَبِي ذِئْبٍ قَالَ أَحْمَدُ لَا أَعْرِفُ لَهُ غير حديث بن أَبِي ذِئْبٍ وَأَمَّا السَّائِبُ فَقَدْ رَأَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ النَّسَائِيُّ عَبْدُ الله بن السائب ثقة

وذكره بن حبان في الثقات وقال بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً قَلِيلَ الْحَدِيثِ انْتَهَى (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ ثُمَامَةَ الْكِنْدِيِّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ وَيُعْرَفُ بِابْنِ أُخْتِ النَّمِرِ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ لَهُ أَحَادِيثُ قَلِيلَةٌ وَحُجَّ بِهِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ بن سَبْعِ سِنِينَ وَوَلَّاهُ عُمَرُ سُوقَ الْمَدِينَةِ (عَنْ جَدِّهِ) هُوَ يَزِيدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ثُمَامَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ وَالِدُ السَّائِبِ صَحَابِيٌّ شَهِدَ الْفَتْحَ وَاسْتَقْضَاهُ عُمَرُ قَوْلُهُ (لَا يَأْخُذْ) بِصِيغَةِ النَّهْيِ وَقِيلَ بِالنَّفْيِ (عَصَا أَخِيهِ) يَعْنِي مَثَلًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لَا يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَتَاعَ أَخِيهِ (لَاعِبًا جَادًّا) حَالَانِ مِنْ فَاعِلِ يَأْخُذْ وَإِنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَتَانِ تَنَاقَضَتَا وَإِنْ ذَهَبَ إِلَى التَّدَاخُلِ صَحَّ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ الله قال القارىء يَعْنِي وَيَكُونُ حَالًا مِنَ الْأَوَّلِ لَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْحَالَ الثَّانِيَةَ مُقَدَّرَةٌ حَتَّى لَا يَلْزَمَ التَّنَاقُضُ سَوَاءٌ كَانَتَا مُتَرَادِفَتَيْنِ أَوْ مُتَدَاخِلَتَيْنِ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ الْأَوَّلُ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَالثَّانِي عَلَى بَاطِنِهِ أَيْ لَاعِبًا ظَاهِرًا جَادًّا بَاطِنًا أَيْ يَأْخُذُ عَلَى سَبِيلِ الْمُلَاعَبَةِ وَقَصْدُهُ فِي ذَلِكَ إِمْسَاكُهُ لِنَفْسِهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ اللَّعِبُ وَالْجَدُّ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ وَلِذَا قَالَ الْمُظْهِرُ مَعْنَاهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى وَجْهِ الدَّلِّ وَسَبِيلِ الْمِزَاحِ ثُمَّ يَحْبِسُهَا عَنْهُ وَلَا يَرُدُّهُ فَيَصِيرَ ذَلِكَ جِدًّا وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ هُوَ أَنْ يَأْخُذَ مَتَاعَهُ لَا يُرِيدُ سَرِقَتَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ إِدْخَالَ الْغَيْظِ عَلَيْهِ فَهُوَ لَاعِبٌ فِي السَّرِقَةِ جَادٌّ فِي إِدْخَالِ الْغَيْظِ وَالرَّوْعِ وَالْأَذَى عَلَيْهِ انْتَهَى وَيَنْصُرُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ (فَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا إِلَيْهِ) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنَّمَا ضَرَبَ الْمَثَلَ بِالْعَصَا لِأَنَّهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ التَّافِهَةِ الَّتِي لَا يَكُونُ لَهَا كَبِيرُ خَطَرٍ عِنْدَ صَاحِبِهَا لِيُعْلَمَ أَنَّ مَا كَانَ فَوْقَهُ فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى أَحَقُّ وَأَجْدَرُ قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَجَعْدَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَوْ مُؤْمِنٍ أَنْ يُرَوِّعَ مُسْلِمًا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَأَمَّا حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ وَحَدِيثُ جَعْدَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي بَابِ التَّرْهِيبِ عَنْ تَرْوِيعِ الْمُسْلِمِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَلَيْهِ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ

باب ما جاء في إشارة الرجل على أخيه بالسلاح

قَوْلُهُ (وَأَبُوهُ يَزِيدُ بْنُ السَّائِبِ إِلَخْ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ يَزِيدُ بْنُ السَّائِبِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ يَزِيدَ هَذَا هُوَ يَزِيدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ثُمَامَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ فَلَعَلَّهُ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ السَّائِبِ أَيْضًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (باب ما جاء في إشارة الرجل على أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ) بِالْكَسْرِ السِّلَاحُ وَالسِّلَحُ كَعِنَبٍ وَالسُّلْحَانُ بِالضَّمِّ آلَةُ الْحَرْبِ أَوْ حَدِيدَتُهَا وَيُؤَنَّثُ وَالسَّيْفُ وَالْقَوْسُ بِلَا وَتَرٍ وَالْعَصَا انْتَهَى [2162] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (الْهَاشِمِيُّ) الْعَطَّارُ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا مَحْبُوبُ بْنُ الْحَسَنِ) اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَمَحْبُوبٌ لَقَبُهُ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ فَيْرُوزُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْحَسَنِ لَقَبُهُ مَحْبُوبٌ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ رُمِيَ بِالْقَدَرِ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ) فِي الدِّينِ (بِحَدِيدَةٍ) أَيْ بِسِلَاحٍ كَسِكِّينٍ وَخِنْجَرٍ وَسَيْفٍ وَرُمْحٍ (لَعَنَتْهُ الْمَلَائِكَةُ) أَيْ دَعَتْ عَلَيْهِ بِالطَّرْدِ وَالْبُعْدِ عَنِ الرَّحْمَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْهَا مَرْفُوعًا مَنْ أَشَارَ بِحَدِيدَةٍ إِلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَقَدْ وَجَبَ دَمُهُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِيهِ مَجْهُولٌ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب ما جاء في النهي عن تعاطي السيف مسلولا

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَزَادَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ) أَيِ الْمُشِيرُ (أَخَاهُ) أَيْ أَخَا الْمُشَارِ إِلَيْهِ (لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ) أَيْ مَعًا وَإِنْ وَصْلِيَّةٌ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ تَتْمِيمٌ لِمَعْنَى الْمُلَاعَبَةِ وَعَدَمِ الْقَصْدِ فِي الْإِشَارَةِ فَبَدَأَ بِمُطْلَقِ الْأُخُوَّةِ ثُمَّ قَيَّدَهُ بِالْأُخُوَّةِ بِالْأَبِ وَالْأُمِّ لِيُؤْذِنَ بِأَنَّ اللَّعِبَ الْمَحْضَ الْمُغْرِيَ عَنْ شَائِبَةِ الْقَصْدِ إِذَا كَانَ حُكْمُهُ كَذَا فَمَا ظَنُّكَ بِغَيْرِهِ (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ تَعَاطِي السَّيْفِ مَسْلُولًا) التَّعَاطِي التَّنَاوُلُ وَالْأَخْذُ وَالْإِعْطَاءُ [2163] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُتَعَاطَى السَّيْفُ مسلولا) فيكره مناولته كذلك لأنه قد يخطىء فِي تَنَاوُلِهِ فَيَجْرَحُ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ أَوْ يَسْقُطُ عَلَى أَحَدٍ فَيُؤْذِيهِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَوْلُهُ (عَنْ بَنَّةَ الْجُهَنِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَحَابِيٌّ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ حديثه تعليقا عن بن لهيعة

باب ما جاء من صلى الصبح فهو في ذمة الله

بِسَنَدِهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَثْقِيلِ النُّونِ وَقِيلَ أوله تحتانية ورجح بن مَعِينٍ أَنَّهُ بِنُونٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا انْتَهَى وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي ضَبْطِهِ فذكره البغوي في الباء الموحدة وذكره بن السَّكَنِ فِي الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ وَذَكَرَهُ عَبَّاسٌ الدَّوْرِيُّ عن بن مَعِينٍ فِي النُّونِ قَالَ أَبُو عُمَرَ هِيَ رواية بن وهب عن بن لَهِيعَةَ وَهِيَ أَرْجَحُ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ) عز وجل [2164] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مَعْدِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ) صَاحِبُ الطَّعَامِ ضَعِيفٌ وَكَانَ عَابِدًا مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ) فِي جَمَاعَةٍ (فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ عَهْدِهِ أَوْ أَمَانِهِ أَوْ ضَمَانِهِ فَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهُ بِالْأَذَى وَهَذَا غَيْرُ الْأَمَانِ الَّذِي ثَبَتَ بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ (فَلَا يُتْبِعَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذِمَّتِهِ) ظَاهِرُهُ النَّهْيُ عَنْ مُطَالَبَتِهِ إِيَّاهُمْ بِشَيْءٍ مِنْ عَهْدِهِ لَكِنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا وَقَعَ عَلَى مَا يُوجِبُ الْمُطَالَبَةَ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ وَإِخْفَارِ الذِّمَّةِ لَا عَلَى نَفْسِ الْمُطَالَبَةِ وَفِي حَدِيثِ جُنْدُبٍ الْقَسْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمُ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ قَالَ القارىء أَيْ لَا يُؤَاخِذُكُمْ مِنْ بَابِ لَا أَرَيْنَكَ الْمُرَادُ نَهْيُهُمْ عَنِ التَّعَرُّضِ لِمَا يُوجِبُ مُطَالَبَةَ إِيَّاهُمْ وَمِنْ بِمَعْنَى لِأَجْلِ وَالضَّمِيرُ فِي ذِمَّتِهِ إِمَّا لِلَّهِ وَإِمَّا لِمِنْ وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ أَيْ لِأَجْلِ تَرْكِ ذِمَّتِهِ أَوْ بَيَانِيَّةٌ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ حَالٌ مِنْ شَيْءٍ وَفِي الْمَصَابِيحِ بِشَيْءٍ مِنْ ذِمَّتِهِ قِيلَ أَيْ بِنَقْضِ عَهْدِهِ وَإِخْفَارِ ذِمَّتِهِ بِالتَّعَرُّضِ لِمَنْ لَهُ ذِمَّةٌ أَوِ الْمُرَادُ بِالذِّمَّةِ الصَّلَاةُ الْمُوجِبَةُ لِلْأَمَانِ أَيْ لَا تَتْرُكُوا صَلَاةَ الصُّبْحِ فَيُنْتَقَضُ بِهِ الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ فَيَطْلُبُكُمْ بِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن جندب وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ جُنْدُبٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِنَحْوِهِ وَفِي أَوَّلِهِ قِصَّةٌ ثُمَّ ذَكَرَهَا بِطُولِهَا

باب ما جاء في لزوم الجماعة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ مَعْدِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ لَكِنْ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي لُزُومِ الْجَمَاعَةِ) [2165] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَبُو الْمُغِيرَةِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ النَّضْرُ بالمعجمة بن إِسْمَاعِيلَ بْنِ حَازِمٍ الْبَجَلِيُّ أَبُو الْمُغِيرَةِ الْكُوفِيُّ الْقَاصُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ مِنْ صِغَارِ الثَّامِنَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْغَنَوِيِّ أَبِي بَكْرٍ الْكُوفِيُّ الْعَابِدُ ثِقَةٌ مَرْضِيٌّ عَابِدٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ) خُطْبَةُ عُمَرَ هَذِهِ مَشْهُورَةٌ خَطَبَهَا بِالْجَابِيَةِ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِدِمَشْقَ (فَقَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) أَيِ التابعين (ثم الذين يلونهم) أي أتباع للتابعين وقوله بأصحابي وليس مراده به ولاة الأمور (ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ) أَيْ يَظْهَرُ وَيَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ بِغَيْرِ نَكِيرٍ (حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلَا يُسْتَحْلَفُ) أَيْ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ الْحَلِفُ لِجُرْأَتِهِ عَلَى اللَّهِ (وَيَشْهَدُ الشَّاهِدُ وَلَا يُسْتَشْهَدُ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَاخِرِ الشَّهَادَاتِ الْمُرَادُ بِهِ شَهَادَةُ الزُّورِ (أَلَا) بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ تَنْبِيهٍ (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ) أَيْ أَجْنَبِيَّةٍ (إِلَّا كَانَ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ) بِرَفْعِ الْأَوَّلِ وَنَصْبِ الثَّانِي وَيَجُوزُ الْعَكْسُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ والْمَعْنَى يَكُونُ الشَّيْطَانُ مَعَهُمَا يُهَيِّجُ شَهْوَةَ كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يلقيهما في الزنى (عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ) أَيِ الْمُنْتَظِمَةِ بِنَصْبِ الْإِمَامَةِ (وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ) أَيِ احْذَرُوا مُفَارَقَتَهَا مَا أَمْكَنَ وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً الْحَدِيثُ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ حُذَيْفَةَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثِ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ

كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ أَيْ أَمِيرَهُمْ زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ تَسْمَعُ وَتُطِيعُ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ خَالِدِ بْنِ سُبَيْعٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فَإِنْ رَأَيْتَ خَلِيفَةً فَالْزَمْهُ وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً فَالْهَرَبَ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَفِي الْجَمَاعَةِ فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ لِلْوُجُوبِ وَالْجَمَاعَةُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ ثُمَّ سَاقَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَصَّى مَنْ سَأَلَهُ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ عَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ وَقَالَ قَوْمٌ الْمُرَادُ بِالْجَمَاعَةِ الصَّحَابَةُ دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ قَوْمٌ الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ الْعِلْمِ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُمْ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ وَالنَّاسُ تَبَعٌ لَهُمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَبَرِ لُزُومُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ فِي طَاعَةِ مَنِ اجْتَمَعُوا عَلَى تَأْمِيرِهِ فَمَنْ نَكَثَ بَيْعَتَهُ خَرَجَ عَنِ الْجَمَاعَةِ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ إِمَامٌ فَافْتَرَقَ النَّاسُ أَحْزَابًا فَلَا يَتْبَعُ أَحَدًا فِي الْفُرْقَةِ وَيَعْتَزِلُ الْجَمِيعَ إِنِ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ خَشْيَةً مِنَ الْوُقُوعِ فِي الشَّرِّ وَعَلَى ذَلِكَ يَتَنَزَّلُ مَا جَاءَ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ مَا ظَاهِرُهُ الِاخْتِلَافُ مِنْهَا انْتَهَى (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ) أَيِ الْخَارِجِ عَنْ طَاعَةِ الْأَمِيرِ الْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ (وَهُوَ) أَيِ الشَّيْطَانُ (مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ) أَيْ بَعِيدٌ قَالَ الطِّيبِيُّ أَفْعَلُ هُنَا لِمُجَرَّدِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الثَّلَاثَةِ لَكَانَ بِمَعْنَى التَّفْضِيلِ إِذِ الْبُعْدُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَالِاثْنَيْنِ دُونَ الِاثْنَيْنِ وَالْفَذِّ عَلَى مَا لَا يَخْفَى (مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَتَيْنِ أَيْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْكُنَ وَسَطَهَا وَخِيَارَهَا (مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ) أَيْ إِذَا وَقَعَتْ مِنْهُ (وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ) أَيْ أَحْزَنَتْهُ إِذَا صَدَرَتْ عَنْهُ (فَذَلِكُمُ الْمُؤْمِنُ) أَيِ الْكَامِلُ لِأَنَّ الْمُنَافِقَ حَيْثُ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والحاكم وذكره صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَنَاقِبِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يَعْزُهُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ بل ترك بياضا قال القارىء هُنَا بَيَاضٌ فِي أَصْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَلْحَقَ بِهِ النَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ إِلَّا إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْحَسَنِ الْخَثْعَمِيَّ فَإِنَّهُ لَمْ يُخَرِّجْ لَهُ الشَّيْخَانِ وَهُوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ فَالْحَدِيثُ بِكَمَالِهِ إِمَّا صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ انْتَهَى [2167] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ) بْنُ سُفْيَانَ التَّيْمِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو سُفْيَانَ الْمَدَنِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ

قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أَوْ قَالَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قال القارىء في المرقاة قال بن الْمَلَكِ الْمُرَادُ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ أَيْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ غَيْرِ الْكُفْرِ وَلِذَا ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ اجْتِمَاعَ الْأُمَّةِ عَلَى الْكُفْرِ مُمْكِنٌ بَلْ وَاقِعٌ إِلَّا أَنَّهَا لَا تَبْقَى بَعْدَ الْكُفْرِ أُمَّةً لَهُ وَالْمَنْفِيُّ اجْتِمَاعُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَى الضَّلَالَةِ وَإِنَّمَا حَمَلَ الْأُمَّةَ عَلَى أُمَّةِ الْإِجَابَةِ لِمَا وَرَدَ أَنَّ السَّاعَةَ لَا تَقُومُ إِلَّا عَلَى الْكُفَّارِ فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اجْتِمَاعَ الْمُسْلِمِينَ حَقٌّ وَالْمُرَادُ إِجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ وَلَا عِبْرَةَ بِإِجْمَاعِ الْعَوَامِّ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَنْ عِلْمٍ (يَدُ اللَّهِ عَلَى الْجَمَاعَةِ) أَيْ حِفْظُهُ وَكَلَاءَتُهُ عَلَيْهِمْ يَعْنِي أَنَّ جَمَاعَةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي كَنَفِ اللَّهِ فَأَقِيمُوا فِي كَنَفِ اللَّهِ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ وَلَا تُفَارِقُوهُمْ (وَمَنْ شَذَّ) أَيِ انْفَرَدَ عَنِ الْجَمَاعَةِ بِاعْتِقَادٍ أَوْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ لَمْ يَكُونُوا عَلَيْهِ (شَذَّ إِلَى النَّارِ) أَيِ انْفَرَدَ فِيهَا وَمَعْنَاهُ انْفَرَدَ عَنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَأُلْقِيَ فِي النَّارِ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي تَرْجَمَةِ الْمِشْكَاةِ مَا لَفْظُهُ وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ وكسى كه تنها افتداز جماعت وبيرون ايداز سواد أعظم انداخته ميشود دراتش دوزخ شذاول برصيغه معلوم ست ودوم مجهول وبمعلوم نيزامده انْتَهَى وَالْحَدِيثُ قَدِ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى حُجِّيَّةِ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ وَأُمَّتُهُ مَعْصُومَةٌ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى الضَّلَالَةِ هَذَا فِي حَدِيثٍ مَشْهُورٍ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا مِنْ مَقَالٍ مِنْهَا لِأَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ مَرْفُوعًا إِنَّ اللَّهَ أَجَارَكُمْ مِنْ ثَلَاثِ خِلَالٍ أَنْ لَا يَدْعُوَ عَلَيْكُمْ نَبِيُّكُمْ لِتَهْلَكُوا جَمِيعًا وَأَنْ لَا يَظْهَرَ أَهْلُ الْبَاطِلِ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ وَأَنْ لَا يَجْتَمِعُوا عَلَى ضَلَالَةٍ وَفِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ وَلِلتِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا لَا تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْأُمَّةُ عَلَى ضَلَالٍ أَبَدًا وَفِيهِ سُلَيْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ الْمَدَنِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ لَهُ شَوَاهِدَ وَيُمْكِنُ الِاسْتِدْلَالُ لَهُ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا لَا يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْهُ أَنَّ بِوُجُودِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْقَائِمَةِ بِالْحَقِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَحْصُلُ الِاجْتِمَاعُ عَلَى الضلالة وقال بن أَبِي شَيْبَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ يَسِيرِ بْنِ عمرو قال شيعنا بن مَسْعُودٍ حِينَ خَرَجَ فَنَزَلَ فِي طَرِيقِ الْقَادِسِيَّةِ فَدَخَلَ بُسْتَانًا فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ وَإِنَّ لِحْيَتَهُ لَيَقْطُرُ منها الماء فقلنا له عهد إِلَيْنَا فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ وَقَعُوا فِي الْفِتَنِ ولا

نَدْرِي هَلْ نَلْقَاكَ أَمْ لَا قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ وَاصْبِرُوا حَتَّى يَسْتَرِيحَ بَرٌّ أَوْ يُسْتَرَاحَ مِنْ فَاجِرٍ وَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَجْمَعُ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى عِنْدَهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنِ التَّيْمِيِّ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ أَنَّ أَبَا مَسْعُودٍ خَرَجَ مِنَ الْكُوفَةِ فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالٍ انْتَهَى وَرَوَى الدَّارِمِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ مَرْفُوعًا نَحْنُ الْآخِرُونَ وَنَحْنُ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَدِيثُ وَفِي آخِرِهِ وَإِنَّ اللَّهَ وَعَدَنِي فِي أُمَّتِي وَأَجَارَهُمْ مِنْ ثَلَاثٍ لَا يَعُمُّهُمْ بِسَنَةٍ وَلَا يَسْتَأْصِلُهُمْ عَدُوٌّ وَلَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ اثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ وَثَلَاثٌ خَيْرٌ مِنَ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَنْ يَجْمَعَ أُمَّتِي إِلَّا عَلَى هُدًى قَوْلُهُ (وَسُلَيْمَانُ الْمَدِينِيُّ هُوَ عِنْدِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُفْيَانَ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ الْمُفْرَدِ عَنِ الْبُخَارِيِّ إنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عن بن عباس أخرجه الترمذي بعد هذا قَوْلُهُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى الْبَلْخِيُّ لَقَبُهُ خَتٌّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامِ بْنِ نَافِعٍ الْحِمْيَرِيُّ الصَّنْعَانِيُّ أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْمُونٍ الصَّنْعَانِيُّ أَوِ الزَّبِيدِيُّ بِفَتْحِ الزَّايِ ثِقَةٌ مِنَ الثامنة عن بن طاؤس اسمه عبد الله بن طاؤس بْنِ كَيْسَانَ الْيَمَانِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ فاضل عن أبيه هو طاؤس بْنُ كَيْسَانَ الْيَمَانِيُّ قَوْلُهُ يَدُ اللَّهِ مَعَ الجماعة وفي رواية بن عُمَرَ الْمُتَقَدِّمَةِ عَلَى الْجَمَاعَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ أَنَّ الْجَمَاعَةَ الْمُتَّفِقَةَ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي كَنَفِ اللَّهِ وَوِقَايَتُهُ فَوْقَهُمْ وَهُمْ بَعِيدٌ من الأذى والخوف وَالْأَذَى وَالِاضْطِرَابِ فَإِذَا تَفَرَّقُوا زَالَتِ السَّكِينَةُ وَأُوقِعَ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ وَفَسَدَتِ الْأَحْوَالُ انْتَهَى قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ بن عمر المتقدم

باب ما جاء في نزول العذاب إذا لم يغير المنكر

8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي نُزُولِ الْعَذَابِ إِذَا لم يغير المنكر) [2168] قوله (حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ) الْأَحْمَسِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَجَلِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (قَالَ يَا أيها الناس إنكم تقرأون هَذِهِ الْآيَةَ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ أَيِ الْزَمُوا حِفْظَ أَنْفُسِكُمْ عَنِ الْمَعَاصِي فَإِذَا حَفِظْتُمْ أَنْفُسَكُمْ لَمْ يَضُرَّكُمْ إِذَا عَجَزْتُمْ عَنِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ضَلَالُ مَنْ ضَلَّ بِارْتِكَابِ الْمَنَاهِي إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اجْتِنَابِهَا (وإني) أي أنكم تقرأون هَذِهِ الْآيَةَ وَتَجْرُونَ عَلَى عُمُومِهَا وَتَمْتَنِعُونَ عَنِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنِّي (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ النَّاسَ) أَيِ الْمُطِيقِينَ لِإِزَالَةِ الْمُنْكَرِ مَعَ سَلَامَةِ الْعَافِيَةِ (إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ) أَيْ عَلِمُوا ظُلْمَهُ وَفِسْقَهُ وَعِصْيَانَهُ (فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ) أَيْ لَمْ يَكُفُّوهُ عَنِ الظُّلْمِ بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ (أَوْشَكَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالشِّينِ أَيْ قَارَبَ أَوْ أَسْرَعَ (أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ) إِمَّا فِي الدُّنْيَا أَوِ الْآخِرَةِ أَوْ فِيهِمَا لِتَضْيِيعِ فَرْضِ اللَّهِ بِلَا عُذْرٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ خَافَ الصِّدِّيقُ أَنْ يَتَأَوَّلَ النَّاسُ الْآيَةَ غَيْرَ تَأْوِيلِهَا فَيَدْعُوهُمْ إِلَى تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فَأَعْلَمَهُمْ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَأَنَّ الَّذِي أُذِنَ فِي الْإِمْسَاكِ عَنْ تَغْيِيرِهِ عَنِ الْمُنْكَرِ هُوَ الشِّرْكُ الَّذِي يَنْطِقُ بِهِ الْمُعَاهِدُونَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِهِ وَقَدْ صُولِحُوا عَلَيْهِ فَأَمَّا الْفُسُوقُ وَالْعِصْيَانُ وَالرَّيْبُ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أنفسكم الْآيَةَ فَلَيْسَتْ مُخَالِفَةً لِوُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ أَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ مَا كُلِّفْتُمْ بِهِ فَلَا يَضُرُّكُمْ تَقْصِيرُ غَيْرِكُمْ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمِمَّا كُلِّفَ بِهِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا فَعَلَهُ وَلَمْ يَمْتَثِلِ الْمُخَاطَبُ فَلَا عَتْبَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَيَأْتِي بَاقِي الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ هَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ

باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وحذيفة) أما حديث عائشة فأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْأَصْبَهَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ (بَاب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن الْمُنْكَرِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْمَعْرُوفُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا عُرِفَ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ وَكُلُّ مَا نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّرْعُ وَنَهَى عَنْهُ مِنَ الْمُحَسِّنَاتِ وَالْمُقَبِّحَاتِ وَهُوَ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ أَيْ أَمْرٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ إِذَا رَأَوْهُ لَا يُنْكِرُونَهُ وَالْمَعْرُوفُ النَّصَفَةُ وَحُسْنُ الصُّحْبَةِ مَعَ الْأَهْلِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ وَالْمُنْكَرُ ضِدُّ ذَلِكَ جَمِيعِهِ انْتَهَى [2169] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو) اسْمُهُ مَيْسَرَةُ مَوْلَى الْمُطَّلِبِ الْمَدَنِيِّ أَبُو عُثْمَانَ ثِقَةٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْهَلِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ الْأَشْهَلِيُّ حِجَازِيٌّ رَوَى عَنْ حُذَيْفَةَ وَعَنْهُ عَمْرُو بْنُ أَبِي عمر وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ اثْنَانِ فِي أُمُورٍ تَقَعُ قَبْلَ السَّاعَةِ وافقه بن مَاجَهْ فِي أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ قَالَ فِي سُؤَالَاتِ عُثْمَانَ الدَّارِمِيِّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ قَالَ لَا أَعْرِفُهُ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ) وَاسْمُ الْيَمَانِ حُسَيْلٌ مُصَغَّرًا وَيُقَالُ حَسْلٌ الْعَبْسِيُّ بِالْمُوَحَّدَةِ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ مِنَ السَّابِقِينَ صَحَّ فِي مُسْلِمٌ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ وَأَبُوهُ صَحَابِيٌّ أَيْضًا اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ

قَوْلُهُ (أَوْ لَيُوشِكَنَّ) أَيْ لَيُسْرِعَنَّ (عَذَابًا مِنْهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عِقَابًا مِنْهُ (فَتَدْعُونَهُ) أَيْ تَسْأَلُونَهُ (فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ) وَالْمَعْنَى وَاللَّهِ أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَاقِعٌ إِمَّا الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ مِنْكُمْ وَإِمَّا إِنْزَالُ الْعَذَابِ مِنْ رَبِّكُمْ ثُمَّ عَدَمُ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ لَهُ فِي دَفْعِهِ عَنْكُمْ بِحَيْثُ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَمْ يَكُنْ عَذَابٌ وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَانَ عَذَابٌ عَظِيمٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) ذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي التَّرْغِيبِ وَنَقَلَ تحسين الترمذي وأقره ورواه البزار وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ [2170] قَوْلُهُ (حَتَّى تَقْتُلُوا إِمَامَكُمْ) يَعْنِي السُّلْطَانَ (وَتَجْتَلِدُوا بِأَسْيَافِكُمْ) أَيْ تَضْرِبُوا بِهَا يَعْنِي مُقَاتَلَةَ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَهُمْ (وَيَرِثَ دُنْيَاكُمْ شِرَارُكُمْ) أَيْ يَأْخُذُ الظَّلَمَةُ الْمُلْكَ وَالْمَالَ وَإِيرَادُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذَا الْبَابِ إِمَّا لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّ هَذِهِ الْفِتْنَةَ تَقَعُ مِنْ أَجْلِ تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ مَنْ أَمَرَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَى عَنِ الْمُنْكَرِ فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِخَيْرِ الْأُمَّةِ فَالشِّرَارُ الَّذِينَ يَرِثُونَ الدُّنْيَا لَا يَكُونُونَ عَلَى هَذَا الْوَصْفِ وَكَذَا إِيرَادُ الْحَدِيثِ الْآتِي كَذَا فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن) وأخرجه بن ماجه

باب ما جاء في تغيير المنكر باليد أو باللسان

10 - [2171] قَوْلُهُ (ذَكَرَ الْجَيْشَ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِمْ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْقِبْطِيَّةِ قَالَ دَخَلَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَفْوَانَ وَأَنَا مَعَهُمَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلَاهَا عَنِ الْجَيْشِ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ بن الزُّبَيْرِ فَقَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُوذُ عَائِذٌ بِالْبَيْتِ فَيُبْعَثُ إِلَيْهِ بَعْثٌ فَإِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ خُسِفَ بِهِمْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا قَالَ يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ (إِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ) مَعْنَاهُ إِنَّ الْأُمَمَ الَّتِي تُعَذَّبُ وَمَعَهُمْ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ يُصَابُ جَمِيعُهُمْ بِآجَالِهِمْ ثُمَّ يُبْعَثُونَ عَلَى نِيَّاتِهِمْ وَأَعْمَالِهِمْ فَالطَّائِعُ يُجَازَى بِنِيَّتِهِ وَعَمَلِهِ وَالْعَاصِي تَحْتَ الْمَشِيئَةِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم وبن مَاجَهْ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِالْيَدِ أَوْ بِاللِّسَانِ) أَوْ بِالْقَلْبِ [2172] قَوْلُهُ (خَالَفْتَ السُّنَّةَ) لِأَنَّ الَّذِي ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وعلي رضي الله تعالى عنهم أجمعين تقديم الصلاة وعليه جماعة فقهاء الأمصار وقد عده بَعْضِهِمْ إِجْمَاعًا قَالَ النَّوَوِيُّ يَعْنِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ بَعْدَ الْخِلَافِ أَوْ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى خِلَافِ بَنِي أُمَيَّةَ بَعْدَ إِجْمَاعِ الْخُلَفَاءِ وَالصَّدْرِ الْأَوَّلِ انْتَهَى (أَمَّا هَذَا فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ) مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ (مَنْ رَأَى) أَيْ عَلِمَ (مُنْكَرًا) أَيْ شَيْئًا قَبَّحَهُ الشَّرْعُ فِعْلًا أَوْ قَوْلًا أَيْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (فَلْيُنْكِرْهُ بِيَدِهِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَلْيُغَيِّرْهُ أَيْ بِأَنْ يَمْنَعَهُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَكْسِرَ الْآلَاتِ وَيُرِيقَ الْخَمْرَ وَيَرُدَّ الْمَغْصُوبَ إِلَى مَالِكِهِ (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَيِ التَّغْيِيرَ بِالْيَدِ وَإِزَالَتَهُ بِالْفِعْلِ لِكَوْنِ فَاعِلِهِ أَقْوَى مِنْهُ (فَبِلِسَانِهِ) أَيْ فَلْيُغَيِّرْهُ بِالْقَوْلِ وَتِلَاوَةِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَيْهِ وَذِكْرَ الْوَعْظِ وَالتَّخْوِيفِ وَالنَّصِيحَةِ (فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ) أَيِ التَّغْيِيرَ بِاللِّسَانِ أَيْضًا (فَبِقَلْبِهِ) بِأَنْ لَا يَرْضَى بِهِ وَيُنْكِرَ فِي بَاطِنِهِ عَلَى مُتَعَاطِيهِ فَيَكُونُ تَغْيِيرًا

مَعْنَوِيًّا إِذْ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ إِلَّا هَذَا الْقَدْرُ مِنَ التَّغْيِيرِ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ فَلْيُنْكِرْهُ بِقَلْبِهِ لِأَنَّ التَّغْيِيرَ لَا يُتَصَوَّرُ بِالْقَلْبِ فَيَكُونُ التَّرْكِيبُ مِنْ بَابِ عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا وَمِنْهُ قوله تعالى والذين تبوؤا الدار والإيمان (وَذَلِكَ) أَيِ الْإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ وَهُوَ الْكَرَاهِيَةُ (أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) أَيْ شُعَبِهِ أَوْ خِصَالِ أَهْلِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَقَلُّهَا ثَمَرَةً فَمَنْ غَيَّرَ الْمَرَاتِبَ مَعَ الْقُدْرَةِ كَانَ عَاصِيًا وَمَنْ تَرَكَهَا بِلَا قُدْرَةٍ أَوْ يَرَى الْمَفْسَدَةَ أَكْثَرَ وَيَكُونُ مُنْكِرًا بِقَلْبِهِ فَهُوَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَذَلِكَ أَضْعَفُ زَمَنِ الْإِيمَانِ إِذْ لَوْ كَانَ إِيمَانُ أَهْلِ زَمَانِهِ قَوِيًّا لَقَدَرَ عَلَى الْإِنْكَارِ الْقَوْلِيِّ أَوِ الْفِعْلِيِّ وَلَمَا احْتَاجَ إِلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْإِنْكَارِ الْقَلْبِيِّ إِذْ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُنْكِرُ بِالْقَلْبِ فَقَطْ أَضْعَفُ أَهْلِ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَوِيًّا صُلْبًا فِي الدِّينِ لَمَا اكْتَفَى بِهِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَلَا يَخَافُونَ لومة لائم كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَاقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ عَلَى قَوْلِهِ مَعْنَاهُ أَقَلُّهُ ثَمَرَةً وَقَالَ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْبَابَ أَعْنِي الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ قَدْ ضُيِّعَ أَكْثَرُهُ مِنْ أَزْمَانٍ مُتَطَاوِلَةٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ إِلَّا رُسُومٌ قَلِيلَةٌ جِدًّا وَهُوَ بَابٌ عَظِيمٌ بِهِ قِوَامُ الْأَمْرِ وَمَلَاكُهُ وَإِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ عَمَّ الْعِقَابُ لِلصَّالِحِ وَالطَّالِحِ وَإِذَا لَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدِ الظَّالِمِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يصيبهم عذاب أليم فَيَنْبَغِي لِطَالِبِ الْآخِرَةِ وَالسَّاعِي فِي تَحْصِيلِ رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعْتَنِيَ بِهَذَا الْبَابِ فَإِنَّ نَفْعَهُ عَظِيمٌ لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذَهَبَ مُعْظَمُهُ وَيُخْلِصَ نِيَّتَهُ وَلَا يَهَابَنَّ مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ مَرْتَبَتِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ولينصرن الله من ينصره ثُمَّ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ كَلَامًا طَوِيلًا حَسَنًا نَافِعًا فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ 2 - بَاب مِنْهُ [2173] قَوْلُهُ (مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ) أَيِ الْآمِرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنِ الْمُنْكَرِ (وَالْمُدْهِنِ فِيهَا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَبِالنُّونِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ يُرَائِي وَيُضَيِّعُ الْحُقُوقَ وَلَا يُغَيِّرُ

باب ما جاء أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر

الْمُنْكَرَ وَالْمُدْهِنُ وَالْمُدَاهِنُ وَاحِدٌ (كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ) أَيِ اقْتَسَمُوا مَحَالَّهَا وَمَنَازِلَهَا بِالْقُرْعَةِ (فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا) أَيْ أَعْلَى السَّفِينَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلَاهَا (أَسْفَلَهَا) أَيْ فِي أَسْفَلِ السَّفِينَةِ بَيَانٌ لِلْبَحْرِ (لَا نَدَعُكُمْ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ لَا نَتْرُكُكُمْ (فَإِنَّا نَنْقُبُهَا) أَيْ نَثْقُبُهَا (فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ) أَيِ أَمْسَكُوا أَيْدِيَهُمْ (نَجَوْا جَمِيعًا إِلَخْ) الْمَعْنَى أَنَّهُ كَذَلِكَ إِنْ مَنَعَ النَّاسُ الْفَاسِقَ عَنِ الْفِسْقِ نَجَا وَنَجَوْا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ تَرَكُوهُ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ حَلَّ بِهِمُ الْعَذَابُ وَهَلَكُوا بِشُؤْمِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا منكم خاصة أَيْ بَلْ تُصِيبُكُمْ عَامَّةً بِسَبَبِ مُدَاهَنَتِكُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُدَاهَنَةِ الْمَنْهِيَّةِ وَالْمُدَارَاةِ الْمَأْمُورَةِ أَنَّ الْمُدَاهَنَةَ فِي الشَّرِيعَةِ أَنْ يَرَى مُنْكَرًا وَيَقْدِرَ عَلَى دَفْعِهِ وَلَمْ يَدْفَعْهُ حِفْظًا لِجَانِبِ مُرْتَكِبِهِ أَوْ جَانِبِ غَيْرِهِ لِخَوْفٍ أَوْ طَمَعٍ أَوْ لِاسْتِحْيَاءٍ مِنْهُ أَوْ قِلَّةِ مُبَالَاةٍ فِي الدِّينِ وَالْمُدَارَاةُ مُوَافَقَتُهُ بِتَرْكِ حَظِّ نَفْسِهِ وَحَقٍّ يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ وَعِرْضِهِ فَيَسْكُتُ عَنْهُ دَفْعًا لِلشَّرِّ وَوُقُوعِ الضَّرَرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الشَّرِكَةِ وَفِي الشَّهَادَاتِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ) [2174] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ دِينَارٍ الْكُوفِيُّ) هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنُ دِينَارٍ الْقُرَشِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ الطَّحَّانُ وَرُبَّمَا نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُصْعَبٍ أَبُو يَزِيدَ) الْأَزْدِيُّ ثُمَّ الْمَعْنِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ ثُمَّ يَاءِ النِّسْبَةِ الْقَطَّانُ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الرَّيِّ مَقْبُولٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمُهْمَلَةِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ

باب ما جاء سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا

(عَنْ عَطِيَّةَ) بْنِ سَعْدِ بْنِ جُنَادَةَ الْعَوْفِيِّ الجدلي الكوفي أبو الحسن صدوق يخطىء كَثِيرًا كَانَ شِيعِيًّا مُدَلِّسًا مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ) وَفِي رِوَايَةٍ أَفْضَلِ الْجِهَادِ (كَلِمَةُ عَدْلٍ) أَيْ كَلِمَةُ حَقٍّ كَمَا فِي رِوَايَةٍ وَالْمُرَادُ بِالْكَلِمَةِ مَا أَفَادَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْيًا عَنْ مُنْكَرٍ مِنْ لَفْظٍ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَكِتَابَةٍ وَنَحْوِهَا (عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ) أَيْ صَاحِبِ جَوْرٍ وَظُلْمٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِنَّمَا صَارَ ذَلِكَ أَفْضَلَ الْجِهَادِ لِأَنَّ مَنْ جَاهَدَ الْعَدُوَّ كَانَ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ لَا يَدْرِي هَلْ يَغْلِبُ أَوْ يُغْلَبُ وَصَاحِبُ السُّلْطَانِ مَقْهُورٌ فِي يَدِهِ فَهُوَ إِذَا قَالَ الْحَقَّ وَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلتَّلَفِ وَأَهْدَفَ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ فَصَارَ ذَلِكَ أَفْضَلَ أَنْوَاعِ الْجِهَادِ مِنْ أَجْلِ غَلَبَةِ الْخَوْفِ وَقَالَ الْمُظْهِرُ وَإِنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ لِأَنَّ ظُلْمَ السُّلْطَانِ يَسْرِي فِي جَمِيعِ مَنْ تَحْتَ سِيَاسَتِهِ وَهُوَ جَمٌّ غَفِيرٌ فَإِذَا نَهَاهُ عَنِ الظُّلْمِ فَقَدْ أَوْصَلَ النَّفْعَ إِلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ بِخِلَافِ قَتْلِ كَافِرٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ) أَخْرَجَهُ أحمد في مسنده وبن مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وعزاه المنذري في الترغيب إلى بن مَاجَهْ وَقَالَ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ الْبَجَلِيِّ الْأَحْمَسِيِّ إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ قَالَ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَعْدَ نَقْلِ تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ قُلْتُ وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ وَحَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ الْمَذْكُورَانِ 4 - (بَاب مَا جاء سُؤَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا) فِي أُمَّتِهِ [2175] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ رَاشِدٍ) الْجَزَرِيَّ أَبَا إِسْحَاقَ الرَّقِّيَّ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ صدوق سيء

الْحِفْظِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى (بْنِ الْأَرَتِّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ الْمَدَنِيِّ حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ يُقَالُ لَهُ رُؤْبَةٌ وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ فَقَالَ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ قَتَلَهُ الْحَرُورِيَّةُ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا أَنَّهُ صَلَّى لَيْلَةً وَقَالَ سَأَلْتُ رَبِّي ثَلَاثَ خِصَالٍ انْتَهَى (عَنْ أبيه) هو خباب بن الأرت التميمي أبو عبد الله بن السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ وَشَهِدَ بَدْرًا ثُمَّ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ بِهَا وقوله (فَأَطَالَهَا) أَيْ جَعَلَهَا طَوِيلَةً بِاعْتِبَارِ أَرْكَانِهَا أَوْ بِالدُّعَاءِ فِيهَا (صَلَّيْتُ صَلَاةً) أَيْ عَظِيمَةً (لَمْ تَكُنْ تُصَلِّيهَا) أَيْ عَادَةً (قَالَ أَجَلْ) أَيْ نَعَمْ (إِنَّهَا صَلَاةُ رَغْبَةٍ) أَيْ رَجَاءٍ (وَرَهْبَةٍ) أَيْ خَوْفٍ قِيلَ أَيُّ صَلَاةٍ فِيهَا رَجَاءٌ لِلثَّوَابِ وَرَغْبَةٌ إِلَى اللَّهِ وَخَوْفٌ مِنْهُ تَعَالَى قال القارىء الْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِهِ أنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ قَصْدِ رَجَاءِ الثَّوَابِ وَخَوْفِ الْعِقَابِ بِخِلَافِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إِذْ قَدْ يَغْلِبُ فِيهَا أَحَدُ الْبَاعِثَيْنِ عَلَى أَدَائِهَا قَالُوا وَفِي قوله تعالى يدعون ربهم خوفا وطمعا بِمَعْنَى أَوْ لِمَانِعَةِ الْخُلُوِّ ثُمَّ لَمَّا كَانَ سَبَبُ صَلَاتِهِ الدُّعَاءَ لِأُمَّتِهِ وَهُوَ كَانَ بَيْنَ رَجَاءِ الْإِجَابَةِ وَخَوْفِ الرَّدِّ طَوَّلَهَا وَلِذَا قَالَ (وَإِنِّي سَأَلْتُ اللَّهَ فِيهَا ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَ مَسَائِلَ (وَمَنَعَنِي وَاحِدَةً) تَصْرِيحٌ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا (بِسَنَةٍ) أَيْ بِقَحْطِ عَامٍ (عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ) وَهُمُ الْكُفَّارُ لِأَنَّ الْعَدُوَّ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَهْوَنُ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْهَلَاكُ الْكُلِّيُّ وَلَا إِعْلَاءُ كَلِمَتِهِ السُّفْلَى (أَنْ لَا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) أَيْ حَرْبَهُمْ وَقَتْلَهُمْ وَعَذَابَهُمْ (فَمَنَعَنِيهَا) أَيِ الْمَسْأَلَةَ الثَّالِثَةَ وَلَمْ يُعْطِنِيهَا قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى أَوْ يُلْبِسَكُمْ شيعا أَيْ يَجْعَلُ كُلَّ فِرْقَةٍ مِنْكُمْ مُتَابِعَةً لِإِمَامٍ وَيَنْشَبُ الْقِتَالُ بَيْنَكُمْ وَتَخْتَلِطُوا وَتَشْتَبِكُوا فِي مَلَاحِمِ الْقِتَالِ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ وَيُذِيقُ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ الْمَعْنَى يَخْلِطُكُمْ فِرَقًا مُخْتَلِفِينَ عَلَى أَهْوَاءٍ شَتَّى انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سعد وبن عمر) أما حديث سعد وهو بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ أَحَدُ الْعَشَرَةِ

الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ سَأَلْتُ رَبِّي أن لا يهلك أمتي بالسنة فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِالْغَرَقِ فَأَعْطَانِيهَا وَسَأَلْتُهُ أَنْ لَا يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ فمنعنيها وأما حديث بن عُمَرَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ [2176] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ) الرَّحَبِيِّ اسْمُهُ عُمَرُ بْنُ مَرْثَدٍ الدِّمَشْقِيُّ وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ ثَوْبَانَ) الْهَاشِمِيِّ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِبَهُ وَلَازَمَهُ وَنَزَلَ بَعْدَهُ الشَّامَ وَمَاتَ بِحِمْصٍ قَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْضَ أَيْ جَمَعَهَا لِأَجْلِي قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ زَوَيْتُ الشَّيْءَ جَمَعْتُهُ وَقَبَضْتُهُ يُرِيدُ بِهِ تَقْرِيبَ الْبَعِيدِ مِنْهَا حَتَّى اطَّلَعَ عَلَيْهِ اطِّلَاعَهُ عَلَى الْقَرِيبِ مِنْهَا (فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا) أَيْ جَمِيعَهَا وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زَوَى لِي مِنْهَا قال الخطابي توهم بعض الناس أَنَّ مِنْ فِي مِنْهَا لِلتَّبْعِيضِ وَلَيْسَ ذَلِكَ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَلْ هِيَ لِلتَّفْصِيلِ لِلْجُمْلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَالتَّفْصِيلُ لَا يُنَاقِضُ الْجُمْلَةَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَرْضَ زُوِيَتْ لِي جُمْلَتُهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا ومغاربها ثم هي تفتح لأمتي جزأ فجزأ حَتَّى يَصِلَ مُلْكُ أُمَّتِي إِلَى كُلِّ أَجْزَائِهَا قال القارىء وَلَعَلَّ وَجْهَ مَنْ قَالَ بِالتَّبْعِيضِ هُوَ أَنَّ مُلْكَ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَا بَلَغَ جَمِيعَ الْأَرْضِ فَالْمُرَادُ بِالْأَرْضِ أَرْضُ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ ضَمِيرَ مِنْهَا رَاجِعٌ إِلَيْهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِخْدَامِ (وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ) بَدَلَانِ مِمَّا قَبْلَهُمَا أَيْ كَنْزَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ يُرِيدُ بِالْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ خَزَائِنَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَذَلِكَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَى نقود ممالك كسرى الدنانير والغالب على نقود مَمَالِكِ قَيْصَرَ الدَّرَاهِمُ (بِسَنَةٍ عَامَّةٍ) أَيْ بِقَحْطٍ شائع لجميع بلا المسلمين قال الطيبي السنة القحط والجدب وهي مِنَ الْأَسْمَاءِ الْغَالِبَةِ (وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا) وَهُمُ الْكُفَّارُ وَقَوْلُهُ مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ صِفَةٌ عَدُوًّا أَيْ كَائِنًا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحُ أَيِ الْعَدُوُّ وَهُوَ مِمَّا يَسْتَوِي فِيهِ الْجَمْعُ وَالْمُفْرَدُ أَيْ يَسْتَأْصِلُ (بَيْضَتَهُمْ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ مُجْتَمَعَهُمْ وَمَوْضِعَ سُلْطَانِهِمْ وَمُسْتَقَرَّ دَعْوَتِهِمْ وَبَيْضَةُ الدَّارِ وَسَطُهَا

وَمُعْظَمُهَا أَرَادَ عَدُوًّا يَسْتَأْصِلُهُمْ وَيُهْلِكُهُمْ جَمِيعَهُمْ قِيلَ أَرَادَ إِذَا أُهْلِكَ أَصْلُ الْبَيْضَةِ كَانَ هَلَاكُ كُلِّ مَا فِيهَا مِنْ طَعْمٍ أَوْ فَرْخٍ وَإِذَا لَمْ يُهْلِكْ أَصْلَ الْبَيْضَةِ بِمَا سَلِمَ بَعْضُ فِرَاخِهَا وَقِيلَ أَرَادَ بِالْبَيْضَةِ الْخُوذَةَ فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ مَكَانَ اجْتِمَاعِهِمْ وَالْتِآمِهِمْ بِبَيْضَةِ الْحَدِيدِ انْتَهَى مَا فِي النِّهَايَةِ (إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً) أَيْ حَكَمْتُ حُكْمًا مُبْرَمًا (فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ) أَيْ بِشَيْءٍ لِخِلَافِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطِ وُجُودِ شَيْءٍ أَوْ عَدَمِهِ (وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ) أَيْ عَهْدِي وَمِيثَاقِي (لِأُمَّتِكَ) أَيْ لِأَجْلِ أُمَّةِ إِجَابَتِكَ (أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ) أَيْ بِحَيْثُ يَعُمُّهُمُ الْقَحْطُ وَيُهْلِكُهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ قَالَ الطِّيبِيُّ اللَّامُ فِي لِأُمَّتِكَ هِيَ الَّتِي فِي قَوْلِهِ سَابِقًا سَأَلْتُ رَبِّي لأمتي أي أعطيت سؤالك لدعائك لأمنك وَالْكَافُ هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ الْمَفْعُولُ الثَّانِي كَمَا هُوَ فِي قَوْلِهِ سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي (وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ) أَيِ الَّذِينَ هُمْ (بِأَقْطَارِهَا) أَيْ بِأَطْرَافِهَا جَمْعُ قُطْرٍ وَهُوَ الْجَانِبُ وَالنَّاحِيَةُ وَالْمَعْنَى فَلَا يَسْتَبِيحُ عَدُوٌّ مِنَ الْكُفَّارِ بَيْضَتَهُمْ وَلَوِ اجْتَمَعَ عَلَى مُحَارَبَتِهِمْ مِنْ أَطْرَافِ بَيْضَتِهِمْ وَجَوَابُ لَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ (أَوْ قَالَ مِنْ بَيْنِ أَقْطَارِهَا) أَوِ الشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي (وَيَسْبِي) كَيَرْمِي بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى يُهْلِكُ أَيْ وَيَأْسِرُ (بَعْضَهُمْ) بِوَضْعِ الظَّاهِرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ (بَعْضًا) أَيْ بَعْضًا آخَرَ قَالَ الطِّيبِيُّ حَتَّى بِمَعْنَى كَيْ أَيْ لِكَيْ يَكُونَ بَعْضُ أُمَّتِكَ يُهْلِكُ بَعْضًا فَقَوْلُهُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَلَا يُرَدُّ تَوْطِئَةً لِهَذَا الْمَعْنَى وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ يَعْنِي حَدِيثَهُ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الباب قال المظهر اعلم أن الله تَعَالَى فِي خَلْقِهِ قَضَاءَيْنِ مُبْرَمًا وَمُعَلَّقًا بِفِعْلٍ كَمَا قَالَ إِنَّ الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَلَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا مِنْ قَبِيلِ مَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ يمحو الله ما يشاء ويثبت وَأَمَّا الْقَضَاءُ الْمُبْرَمُ فَهُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا قَدَّرَهُ سُبْحَانَهُ فِي الْأَزَلِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَلِّقَهُ بِفِعْلٍ فَهُوَ فِي الْوُقُوعِ نَافِذٌ غَايَةَ النَّفَاذِ بحيث لا يتغير بحال وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمُقْضَى عَلَيْهِ وَلَا الْمَقْضِيِّ لَهُ لِأَنَّهُ مِنْ عِلْمِهِ بِمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَخِلَافُ مَعْلُومِهِ مُسْتَحِيلٌ قَطْعًا وَهَذَا مِنْ قَبِيلِ مَا لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ الْمَحْوُ وَالْإِثْبَاتُ قال تعالى لا معقب لحكمه وَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا مَرَدَّ لِقَضَائِهِ وَلَا مَرَدَّ لِحُكْمِهِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَلَا يُرَدُّ مِنَ الْقَبِيلِ الثَّانِي وَلِذَلِكَ لَمْ يُجَبْ إِلَيْهِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ مُسْتَجَابُو الدَّعْوَةِ إِلَّا فِي مِثْلِ هَذَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب ما جاء كيف يكون الرجل في الفتنة

15 - (بَاب مَا جَاءَ كَيْفَ يَكُونُ الرَّجُلُ فِي الْفِتْنَةِ) [2177] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى) بْنِ حِبَّانَ (الْقَزَّازُ) اللَّيْثِيُّ أَبُو عَمْرٍو (الْبَصْرِيُّ) صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدِ) بْنِ ذَكْوَانَ الْعَنْبَرِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ التَّنُّورِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ رُمِيَ بِالْقَدَرِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أُمِّ مَالِكٍ الْبَهْزِيَّةِّ) صَحَابِيَّةٌ لَهَا حَدِيثُ الْبَابِ كَمَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَوْلُهُ (ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِتْنَةً فَقَرَّبَهَا) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ فَعَدَّهَا قَرِيبَةَ الْوُقُوعِ قَالَ الْأَشْرَفُ مَعْنَاهُ وَصَفَهَا لِلصَّحَابَةِ وَصْفًا بَلِيغًا فَإِنَّ مَنْ وَصَفَ عِنْدَ أَحَدٍ وَصْفًا بَلِيغًا فَكَأَنَّهُ قَرَّبَ ذَلِكَ الشَّيْءَ إِلَيْهِ (قَالَ رَجُلٌ فِي مَاشِيَتِهِ) أَيْ مِنَ الْغَنَمِ وَنَحْوِهَا قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْمَاشِيَةُ تَقَعُ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْأَخِيرُ أَكْثَرُ (يُؤَدِّي حَقَّهَا) أَيْ مِنْ زَكَاةٍ وَغَيْرِهَا (وَرَجُلٌ آخِذٌ) الصِّيغَةُ اسْمُ الْفَاعِلِ أَيْ مَاسِكٌ (يُخِيفُ الْعَدُوَّ) مِنَ الْإِخَافَةِ بِمَعْنَى التَّخْوِيفِ أَيْ يَرْتَبِطُ فِي بَعْضِ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ يُخَوِّفُ الْكُفَّارَ وَيُخَوِّفُونَهُ قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي رَجُلٌ هَرَبَ مِنَ الْفِتَنِ وَقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَقَصَدَ الْكُفَّارَ يُحَارِبُهُمْ وَيُحَارِبُونَهُ يَعْنِي فَيَبْقَى سَالِمًا مِنَ الْفِتْنَةِ وَغَانِمًا لِلْأَجْرِ وَالْمَثُوبَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ مُبَشِّرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الخدري وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أُمِّ مُبَشِّرٍ وَهِيَ الْأَنْصَارِيَّةُ فأخرجه بن أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ يفر بدينه من الفتن وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ مِنْ أَبْوَابِ فَضَائِلِ الْجِهَادِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ

[2178] قوله (عن الليث) هو بن أَبِي سَلِيمٍ (عَنْ زِيَادِ بْنِ سِيمِينَ كُوشَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ زِيَادُ بْنُ سَلِيمٍ الْعَبْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو أُمَامَةَ الْمَعْرُوفُ بِالْأَعْجَمِ الشَّاعِرِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ وَهُوَ زِيَادٌ سِيمِينَ كُوشَ مَوْلَى عَبْدِ الْقَيْسِ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ طَاوُسٌ وَغَيْرُهُ رَوَى لَهُ الثَّلَاثَةُ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي الْفِتَنِ وَسِيمِينَ كُوشَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ بَيْنَهُمَا مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتَ بَعْدَ الْمِيمِ أُخْرَى ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ وَكَافٍ مَضْمُومَةٍ وَوَاوٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ قِيلَ هُوَ اسْمُ وَالِدِهِ وَقِيلَ بَلْ لَقَبُهُ انْتَهَى 6 - قَوْلُهُ تَكُونُ الْفِتْنَةُ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ أَيْ تَسْتَوْعِبُهُمْ هَلَاكًا يُقَالُ اسْتَنْظَفْتُ الشَّيْءَ إِذَا أَخَذْتُهُ كُلَّهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمُ اسْتَنْظَفْتُ الْخُرَاجَ وَلَا يُقَالُ نظفته كذا في النهاية قال القارىء وَقِيلَ أَيْ تُطَهِّرُهُمْ مِنَ الْأَرْذَالِ وَأَهْلِ الْفِتَنِ (قَتْلَاهَا) جَمْعُ قَتِيلٍ بِمَعْنَى مَقْتُولٍ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ (فِي النَّارِ) أَيْ سَيَكُونُونَ فِي النَّارِ أَوْ هُمْ حِينَئِذٍ فِي النَّارِ لِأَنَّهُمْ يُبَاشِرُونَ مَا يُوجِبُ دُخُولَهُمْ فِي النَّارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إن الأبرار لفي نعيم قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُرَادُ بِقَتْلَاهَا مَنْ قُتِلَ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ وَإِنَّمَا هُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لِأَنَّهُمْ مَا قَصَدُوا بِتِلْكَ الْمُقَاتَلَةِ وَالْخُرُوجِ إِلَيْهَا إِعْلَاءَ دِينٍ أَوْ دَفْعَ ظَالِمٍ أَوْ إِعَانَةَ مُحِقٍّ وَإِنَّمَا كَانَ قَصْدُهُمُ التَّبَاغِي وَالتَّشَاجُرَ طَمَعًا فِي الْمَالِ وَالْمُلْكِ (اللِّسَانُ فِيهَا) أَيْ وَقْعُهُ وَطَعْنُهُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ إِشْرَافِ اللِّسَانِ أَيْ إِطْلَاقُهُ وَإِطَالَتُهُ (أَشَدُّ مِنَ السَّيْفِ) أَيْ وَقْعُ السَّيْفِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ السَّيْفَ إِذَا ضُرِبَ بِهِ أَثَّرَ فِي وَاحِدٍ وَاللِّسَانُ تَضْرِبُ بِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَلْفَ نَسَمَةٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي بَابِ كَفِّ اللسان من كتاب الفتن والنسائي وبن مَاجَهْ (سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ لَا نَعْرِفُ لِزِيَادِ بْنِ سِيمِينَ كُوشَ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ أَنَّ حَمَّادَ بْنَ سَلَمَةَ رَوَاهُ عَنْ ليث ورفعه

باب ما جاء في رفع الأمانة

وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَوْلُهُ قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا قَالَ فِيهِ زِيَادُ بْنُ سِيمِينَ كُوشَ وَقَالَ غَيْرُهُ زِيَادُ سِيمِينَ كُوشَ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَكَانَ مِنَ الْعُبَّادِ وَلَكِنَّهُ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ حَتَّى كَانَ لَا يَدْرِي مَا يُحَدِّثُ بِهِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رَفْعِ الْأَمَانَةِ) [2179] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَيْنِ) أَيْ فِي أَمْرِ الْأَمَانَةِ الْحَادِثَةِ فِي زَمَنِ الْفِتْنَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْأَوَّلُ حَدَّثَنَا أَنَّ الْأَمَانَةَ نَزَلَتْ إِلَى آخِرِهِ وَالثَّانِي حَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَدْ رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَهُوَ نُزُولُ الْأَمَانَةِ (وَأَنَا أَنْتَظِرُ الْآخَرَ) وَهُوَ رَفْعُ الْأَمَانَةِ (حَدَّثَنَا) وَهُوَ الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ (أَنَّ الْأَمَانَةَ) الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ تعالى إنا عرضنا الأمانة وَهِيَ عَيْنُ الْإِيمَانِ أَوْ كُلُّ مَا يَخْفَى وَلَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ مِنَ الْمُكَلَّفِ أَوِ الْمُرَادُ بِهَا التَّكْلِيفُ الَّذِي كَلَّفَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عِبَادَهُ أَوِ الْعَهْدُ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَيْهِمْ (نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَيُكْسَرُ وَسُكُونُ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا رَاءٌ أَيْ فِي أَصْلِ قُلُوبِهِمْ وَجَذْرُ كُلِّ شَيْءٍ أَصْلُهُ أَيْ أَنَّ الْأَمَانَةَ أَوَّلَ مَا نَزَلَتْ فِي قُلُوبِ الرِّجَالِ وَاسْتَوْلَتْ عَلَيْهَا فَكَانَتْ هِيَ الْبَاعِثَةُ عَلَى الْأَخْذِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَهَذَا هُوَ الْمُعْنَى بقوله (ثُمَّ نَزَلَ الْقُرْآنُ فَعَلِمُوا) أَيْ بِنُورِ الْإِيمَانِ (مِنَ الْقُرْآنِ) أَيْ مِمَّا يَتَلَقَّوْنَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبًا كَانَ أَوْ نَفْلًا حَرَامًا أَوْ مُبَاحًا مَأْخُوذًا مِنَ الْكِتَابِ أَوِ الْحَدِيثِ (وَعَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ بِإِعَادَةِ ثُمَّ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا السُّنَّةَ (ثُمَّ حَدَّثَنَا) وَهُوَ الْحَدِيثُ الثَّانِي (عَنْ رَفْعِ الْأَمَانَةِ) أَيْ عَنْ ذَهَابِهَا أَصْلًا حَتَّى لَا يَبْقَى مَنْ يُوصَفُ بِالْأَمَانَةِ إِلَّا النَّادِرُ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ مَا ذَكَرَهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ مَنْ يُنْسَبُ لِلْأَمَانَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِ الْأَوَّلِينَ فَالَّذِينَ أَشَارَ إِلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ مَا كُنْتُ أُبَايِعُ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا هُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَصْرِ الْأَخِيرِ الَّذِي أَدْرَكَهُ وَالْأَمَانَةُ فِيهِمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَصْرِ الْأَوَّلِ أَقَلُّ وَأَمَّا الَّذِي يَنْتَظِرُهُ فَإِنَّهُ حَيْثُ تُفْقَدُ الْأَمَانَةُ مِنَ الْجَمِيعِ إِلَّا النَّادِرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَيَظَلُّ أَثَرُهَا) بفَتَحَاتٍ بِتَشْدِيدِ لَامٍ أَيْ فَيَصِيرُ وَأَصْلُ ظَلَّ مَا عُمِلَ بِالنَّهَارِ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ وَقْتٍ وَهِيَ هُنَا عَلَى بَابِهَا لِأَنَّهُ ذكر

الْحَالَةَ الَّتِي تَكُونُ بَعْدَ النَّوْمِ وَهِيَ غَالِبًا تَقَعُ عِنْدَ الصُّبْحِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْأَمَانَةَ تَذْهَبُ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهَا إِلَّا الْأَثَرُ الْمَوْصُوفُ فِي الْحَدِيثِ (مِثْلُ الْوَكْتِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِثْلُ أَثَرِ الْوَكْتِ وَهِيَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْكَافِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ فَوْقِيَّةٌ الْأَثَرُ فِي الشَّيْءِ كَالنُّقْطَةِ مِنْ غَيْرِ لَوْنِهِ يُقَالُ وَكَتَ الْبُسْرُ إِذْ بَدَتْ فِيهِ نُقْطَةُ الْإِرْطَابِ (ثُمَّ يَنَامُ نَوْمَةً) أَيْ أُخْرَى (فَتُقْبَضُ الْأَمَانَةُ) أَيْ مَا بَقِيَ مِنْهَا مِنْ قَلْبِهِ (فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلُ أَثَرِ الْمَجْلِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَقَدْ تُفْتَحُ بَعْدَهَا لَامٌ هُوَ أَثَرُ الْعَمَلِ فِي الْكَفِّ قَالَ فِي الْفَائِقِ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَكْتِ وَالْمَجْلِ أَنَّ الْوَكْتَ النُّقْطَةُ فِي الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ لَوْنِهِ وَالْمَجْلَ غِلَظُ الْجِلْدِ مِنَ الْعَمَلِ لا غير (كجمر) بالجيم الْمَفْتُوحَةُ وَالْمِيمُ السَّاكِنَةُ أَيْ تَأْثِيرٌ كَتَأْثِيرِ جَمْرٍ وَقِيلَ أُبْدِلَ مِنْ مِثْلِ أَثَرِ الْمَجْلِ أَيْ يَكُونُ أَثَرُهَا فِي الْقَلْبِ كَأَثَرِ جَمْرٍ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ يَعْنِي أَثَرَ الْمَجْلِ كَجَمْرٍ (دَحْرَجْتُهُ) أَيْ قَلَّبْتُهُ وَدَوَّرْتُهُ (عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَتْ) بِكَسْرِ الْفَاءِ بَعْدَ النُّونِ الْمَفْتُوحَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَفِطَتْ كَفَرِحَتْ نَفْطًا وَنَفَطًا ونفيطا قرحت عملا أو مجلث (فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا) بِنُونٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ أَيْ مُنْتَفِخًا وَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ عَلَى إِرَادَةِ الْمَوْضِعِ الْمُدَحْرَجِ عَلَيْهِ الْجَمْرُ قِيلَ الْمَعْنَى يُخَيَّلُ إِلَيْكَ أَنَّ الرَّجُلَ ذُو أَمَانَةٍ وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَثَابَةِ نَفِطَةً تَرَاهَا مُنْتَفِطَةً مُرْتَفِعَةً كَبِيرَةً لَا طَائِلَ تَحْتَهَا (وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ) أَيْ صَالِحٌ بَلْ مَاءٌ فَاسِدٌ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْأَمَانَةَ تَزُولُ عَنِ الْقُلُوبِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا زَالَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْهَا زَالَ نُورُهَا وَخَلَفَتْهُ ظلمة كالموكت وَهُوَ اعْتِرَاضُ لَوْنٍ مُخَالِفٍ لِلَّوْنِ الَّذِي قَبْلَهُ فَإِذَا زَالَ شَيْءٌ آخَرُ صَارَ كَالْمَجْلِ وَهُوَ أَثَرٌ مُحْكِمٌ لَا يَكَادُ يَزُولُ إِلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ وَهَذِهِ الظُّلْمَةُ فَوْقَ الَّتِي قَبْلَهَا ثُمَّ شَبَّهَ زَوَالَ ذَلِكَ النُّورِ بَعْدَ وُقُوعِهِ فِي الْقَلْبِ وَخُرُوجِهِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهِ فِيهِ وَاعْتِقَابِ الظُّلْمَةِ إِيَّاهُ بِجَمْرٍ يُدَحْرِجُهُ عَلَى رِجْلِهِ حَتَّى يُؤَثِّرَ فِيهَا ثُمَّ يَزُولُ الْجَمْرُ وَيَبْقَى النَّفْطُ انْتَهَى (قَالَ فَيُصْبِحُ النَّاسُ) أَيْ يَدْخُلُونَ فِي الصَّبَاحِ (يَتَبَايَعُونَ) أَيِ السِّلَعَ وَنَحْوَهَا بِأَنْ يَشْتَرِيَهَا أَحَدُهُمْ مِنَ الْآخَرِ (لَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ) لِأَنَّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِالْأَمَانَةِ سَلَبَهَا حَتَّى صَارَ خَائِنًا (وَحَتَّى يُقَالَ لِلرَّجُلِ) أَيْ مِنْ أَرْبَابِ الدُّنْيَا مِمَّنْ لَهُ عَقْلٌ فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَطَبْعٍ فِي الشِّعْرِ وَالنَّثْرِ وَفَصَاحَةٍ وَبَلَاغَةٍ وَصَبَاحَةٍ وَقُوَّةٍ بَدَنِيَّةٍ وَشَجَاعَةٍ وَشَوْكَةٍ (مَا أَجْلَدَهُ) بِالْجِيمِ (وَأَظْرَفَهُ) بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ (وَأَعْقَلَهُ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ تَعَجُّبًا مِنْ كَمَالِهِ وَاسْتِغْرَابًا مِنْ مَقَالِهِ وَاسْتِبْعَادًا مِنْ جَمَالِهِ

وَحَاصِلُهُ أَنَّهُمْ يَمْدَحُونَهُ بِكَثْرَةِ الْعَقْلِ وَالظَّرَافَةِ وَالْجَلَادَةِ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَلَا يَمْدَحُونَ أَحَدًا بِكَثْرَةِ الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ (وَمَا فِي قَلْبِهِ) حَالٌ مِنَ الرَّجُلِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي قَلْبِهِ (مِثْقَالُ حَبَّةٍ) أَيْ مِقْدَارُ شَيْءٍ قَلِيلٍ (مِنْ خَرْدَلٍ) مِنْ بَيَانِيَّةٌ لِحَبَّةٍ أَيْ هِيَ خَرْدَلٌ (مِنْ إِيمَانٍ) أَيْ كَائِنًا مِنْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّهُ إِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَى تَفْسِيرِ الْأَمَانَةِ في قوله إن الأمانة نزلت با يمان لقوله اخر وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَهَلَّا حَمَلُوهَا عَلَى حَقِيقَتِهَا لِقَوْلِهِ وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الْأَمَانَةَ فَيَكُونُ وَضْعُ الْإِيمَانِ آخِرًا مَوْضِعَهَا تَفْخِيمًا لِشَأْنِهَا وَحَثًّا عَلَى أَدَائِهَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا دِينَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ له قال القارىء إِنَّمَا حَمَلَهُمْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ آخِرًا وَمَا صَدَّرَ أَوَّلًا مِنْ قَوْلِهِ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ فَإِنَّ نُزُولَ الْأَمَانَةِ بِمَعْنَى الْإِيمَانِ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَصْلِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ يَعْلَمُونَ إِيقَانَهُ وَإِيقَانَهُمْ بِتَتَبُّعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَمَّا الْأَمَانَةُ فَهِيَ جُزْئِيَّةٌ مِنْ كُلِّيَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ انْتَهَى (قَالَ) أَيْ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَلَقَدْ أَتَى عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (زَمَانٌ) كُنْتُ أَعْلَمُ فِيهِ أَنَّ الْأَمَانَةَ مَوْجُودَةٌ فِي النَّاسِ (وَمَا أُبَالِي أَيَّكُمْ بَايَعْتُ فِيهِ) أَيْ بِعْتُ أَوِ اشْتَرَيْتُ غَيْرَ مُبَالٍ بِحَالِهِ (لَئِنْ) بفتح اللَّامِ وَكَسْرُ الْهَمْزَةِ (لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ (دينه) بالرفع على الفاعيلة أَيْ فَلَا يَخُونُنِي بَلْ يَحْمِلُهُ إِسْلَامُهُ عَلَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ فَأَنَا وَاثِقٌ بِأَمَانَتِهِ (لَيَرُدَّنَّهُ عَلَيَّ سَاعِيهِ) أَيِ الَّذِي أُقِيمُ عَلَيْهِ فَهُوَ يَقُومُ بِوِلَايَتِهِ وَيَسْتَخْرِجُ مِنْهُ حَقِّي وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ رَئِيسُهُمُ الَّذِي يَصْدُرُونَ عَنْ رَأْيِهِ وَقِيلَ أَيِ الْوَالِي الَّذِي عَلَيْهِ أَيْ يُنْصِفُنِي مِثْلُهُ وَكُلُّ مَنْ وَلِيَ أَمْرَ قَوْمٍ فَهُوَ سَاعٍ عَلَيْهِمْ يَعْنِي أَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا مُهْتَمِّينَ بِالْإِسْلَامِ فَيَحْفَظُونَ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَالْمُلُوكُ ذَوُو عَدْلٍ فَمَا كُنْتُ أُبَالِي مَنْ أُعَامِلُ إِنْ كَانَ مُسْلِمًا رَدَّهُ إِلَى الْخُرُوجِ عَنِ الْحَقِّ عَمَلُهُ بِمُقْتَضَى الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْلِمٍ أَنْصَفَنِي مِنْهُ عَامِلُهُ عَلَى الصَّدَقَةِ انْتَهَى (فَأَمَّا الْيَوْمَ) فَقَدْ ذَهَبَتِ الْأَمَانَةُ وَظَهَرَتِ الْخِيَانَةُ فَلَسْتُ أَثِقُ بِأَحَدٍ فِي بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ (فَمَا كُنْتُ أُبَايِعُ مِنْكُمْ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا) أَيْ أَفْرَادًا مِنَ النَّاسِ قَلَائِلَ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِمْ فَكَانَ يَثِقُ بِالْمُسْلِمِ لِذَاتِهِ وَبِالْكَافِرِ لِوُجُودِ سَاعِيهِ وَهُوَ الْحَاكِمُ الَّذِي يَحْكُمُ عَلَيْهِ وَكَانُوا لَا يَسْتَعْمِلُونَ فِي كُلِّ عَمَلٍ قَلَّ أَوْ جَلَّ إِلَّا الْمُسْلِمَ فَكَانَ وَاثِقًا بِإِنْصَافِهِ وَتَخْلِيصِهِ حَقَّهُ مِنَ الْكَافِرِ إِنْ خَانَهُ بِخِلَافِ الْوَقْتِ الْأَخِيرِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فَإِنَّهُ صَارَ لَا يُبَايِعُ إِلَّا أَفْرَادًا مِنَ النَّاسِ يَثِقُ بِهِمْ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حَالَ الْأَمَانَةِ أَخَذَ فِي النَّقْصِ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَكَانَتْ وَفَاةُ حُذَيْفَةَ أَوَّلَ سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِقَلِيلٍ

باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم

فَأَدْرَكَ بَعْضَ الزَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ التَّغَيُّرُ وقال بن الْعَرَبِيِّ قَالَ حُذَيْفَةُ هَذَا الْقَوْلُ لَمَّا تَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ الَّتِي كَانَ يَعْرِفُهَا عَلَى عَهْدِ النُّبُوَّةِ وَالْخَلِيفَتَيْنِ فَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِالْمُبَايَعَةِ وَكَنَّى عَنِ الْإِيمَانِ بِالْأَمَانَةِ وَعَمَّا يُخَالِفُ أَحْكَامَهُ بِالْخِيَانَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ لَتَرْكَبُنَّ سُنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) [2180] قَوْلُهُ (عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ) الدِّيلِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ) صَحَابِيٌّ قِيلَ اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ وقيل بن عَوْفٍ وَقِيلَ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ قَوْلُهُ (لَمَّا خَرَجَ) أَيْ عَنْ مَكَّةَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ (إِلَى حُنَيْنٍ) كَزُبَيْرٍ مَوْضِعٌ بَيْنَ الطَّائِفِ وَمَكَّةَ (يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هِيَ اسْمُ شَجَرَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ لِلْمُشْرِكِينَ يَنُوطُونَ بِهَا سِلَاحَهُمْ أَيْ يُعَلِّقُونَهُ بِهَا وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا فَسَأَلُوهُ أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ مِثْلَهَا فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَأَنْوَاطُ جَمْعِ نَوْطٍ وَهُوَ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ الْمَنُوطُ انْتَهَى (سُبْحَانَ اللَّهِ) تَنْزِيهًا وَتَعَجُّبًا (هَذَا) أَيْ هَذَا الْقَوْلُ مِنْكُمْ (كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كما لهم الهة) لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّفَاوُتِ الْمُسْتَفَادُ مِنَ التَّشْبِيهِ حَيْثُ يَكُونُ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى (لَتَرْكَبُنَّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَعْنَى لَتَتَّبِعُنَّ (سُنَّةَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا وَذِرَاعًا ذِرَاعًا حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ والنصاري قال فمن ورواه الحاكم عن بن عباس وفي اخره وحتى لو أن أحدكم جَامَعَ امْرَأَتَهُ فِي الطَّرِيقِ لَفَعَلْتُمُوهُ قَالَ

باب ما جاء في كلام السباع

الْمُنَاوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَالسَّنَّةُ لُغَةً الطَّرِيقَةُ حَسَنَةً كَانَتْ أَوْ سَيِّئَةً وَالْمُرَادُ هُنَا طَرِيقَةُ أَهْلِ الْهَوَاءِ وَالْبِدَعِ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمْ بَعْدَ أَنْبِيَائِهِمْ مِنْ تَغْيِيرِ دِينِهِمْ وَتَحْرِيفِ كِتَابِهِمْ كَمَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ لَا فِي الْكُفْرِ وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَأْخُذَ أُمَّتِي بِأَخْذِ الْقُرُونِ قَبْلَهَا شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَفَارِسَ وَالرُّومِ قَالَ وَمَنِ النَّاسُ إِلَّا أُولَئِكَ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَلَامِ السِّبَاعِ) جَمْعُ السَّبُعِ وَهُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِهَا الْمُفْتَرِسُ مِنَ الْحَيَوَانِ [2181] قَوْلُهُ (حَتَّى تُكَلَّمَ السِّبَاعُ) أَيْ سِبَاعُ الْوَحْشِ كَالْأَسَدِ أَوْ سِبَاعُ الطَّيْرِ كَالْبَازِي وَلَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ (الْإِنْسَ) أَيْ جِنْسَ الْإِنْسَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ (وَحَتَّى يُكَلِّمَ الرَّجُلَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (عَذَبَةُ سَوْطِهِ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ وَالْعَذَبَةُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ طَرَفُهُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ هُوَ قَدٌّ فِي طَرَفِ السَّوْطِ (وَشِرَاكُ نَعْلِهِ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ تَكُونُ عَلَى وَجْهِهَا

باب ما جاء في انشقاق القمر

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) لِيُنْظَرَ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) فِي سَنَدِهِ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ وَهُوَ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ ابْتُلِيَ بِوَرَّاقِهِ فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ فَنُصِحَ فَلَمْ يَقْبَلْ فَسَقَطَ حَدِيثُهُ قَالَهُ الْحَافِظُ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَوْلُهُ (وَالْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ ثِقَةٌ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مَعْدَانَ الْحُدَّانِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّشْدِيدِ أَبُو الْمُغِيرَةِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي انْشِقَاقِ الْقَمَرِ) أَيْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيلِ الْمُعْجِزَةِ لَهُ [2182] قَوْلُهُ (انْفَلَقَ الْقَمَرُ) أَيِ انْشَقَّ وَفِي حديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً فَوْقَ الْجَبْلِ وَفِرْقَةً دُونَهُ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَتَيْنِ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ شِقَتَيْنِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ نِصْفَيْنِ وَقَوْلُهُ حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً أَيْ جَبَلَ حِرَاءٍ بَيْنَهُمَا أَيْ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ وَجَبَلُ حِرَاءٍ عَلَى يَسَارِ السَّائِرِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى مِنًى وَقَالَ وَجَدْتُ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ بَيَانُ صُورَةِ السُّؤَالِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُدْرِكِ الْقِصَّةَ لَكِنْ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ ما يشعر بأنه حمل الحديث عن بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ مِنْ وجه ضعيف عن بن عَبَّاسٍ قَالَ اجْتَمَعَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمُ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَالْعَاصُ بْنُ وَائِلٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ وَالنَّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَنُظَرَاؤُهُمْ فَقَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ كُنْتَ

صَادِقًا فَشُقَّ لَنَا الْقَمَرَ فِرْقَتَيْنِ فَسَأَلَ رَبَّهُ فَانْشَقَّ (اشْهَدُوا) أَيْ عَلَى نُبُوَّتِي أَوْ مُعْجِزَتِي مِنَ الشَّهَادَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ احْضُرُوا وَانْظُرُوا مِنَ الشُّهُودِ قوله (وفي الباب عن بن مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَمَرِ قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ وَرَدَ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وحذيفة وجبير بن مطعم وبن عمر وغيرهم فأما أنس وبن عَبَّاسٍ فَلَمْ يَحْضُرَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ بِمَكَّةَ قبل الهجرة بنحو خمس سنين وكان بن عَبَّاسٍ إِذْ ذَاكَ لَمْ يُولَدْ وَأَمَّا أَنَسٌ فكان أَرْبَعٍ أَوْ خَمْسٍ بِالْمَدِينَةِ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَاهَدَ ذَلِكَ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِرُؤْيَتِهِ ذلك بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ اعْلَمْ أَنَّ أَحَادِيثَ الْبَابِ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ في ثبوت معجزة انشقاق القمر قال بن عَبْدِ الْبَرِّ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَرَوَى ذَلِكَ عَنْهُمْ أَمْثَالُهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ ثُمَّ نَقَلَهُ عَنْهُمُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ إِلَى أَنِ انْتَهَى إِلَيْنَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَلَمْ يَبْقَ لِاسْتِبْعَادِ مَنِ اسْتَبْعَدَ وُقُوعَهُ عُذْرٌ وَقَدْ يَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ قَبْلَ طُلُوعِهِ عَلَى آخَرِينَ وَأَيْضًا فَإِنَّ زَمَنَ الِانْشِقَاقِ لَمْ يَطُلْ وَلَمْ تَتَوَفَّرِ الدَّوَاعِي عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ بَعَثَ أَهْلُ مَكَّةَ إِلَى آفَاقِ مَكَّةَ يَسْأَلُونَ عَنْ ذَلِكَ فَجَاءَتِ السُّفَّارُ وَأَخْبَرُوا بِأَنَّهُمْ عَايَنُوا ذَلِكَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسَافِرِينَ فِي اللَّيْلِ غَالِبًا يَكُونُونَ سَائِرِينَ فِي ضَوْءِ الْقَمَرِ وَلَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ أَنْكَرَ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ الْمُوَافِقِينَ لِمُخَالِفِي الْمِلَّةِ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ وَلَا إِنْكَارَ لِلْعَقْلِ فِيهِ لِأَنَّ الْقَمَرَ مَخْلُوقٌ لِلَّهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا يَشَاءُ كَمَا يُكَوِّرُهُ يَوْمَ الْبَعْثِ وَيُفْنِيهِ وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِمْ لَوْ وَقَعَ لَجَاءَ مُتَوَاتِرًا وَاشْتَرَكَ أَهْلُ الْأَرْضِ فِي مَعْرِفَتِهِ وَلَمَا اخْتَصَّ بِهَا أَهْلُ مَكَّةَ فَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لَيْلًا وَأَكْثَرُ النَّاسِ نِيَامٌ وَالْأَبْوَابُ مُغْلَقَةٌ وَقَلَّ مَنْ يُرَاصِدُ السَّمَاءَ إِلَّا النَّادِرَ وَقَدْ يَقَعُ بِالْمُشَاهَدَةِ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَنْكَشِفَ الْقَمَرُ وَتَبْدُوَ الْكَوَاكِبُ الْعِظَامُ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي اللَّيْلِ وَلَا يُشَاهِدُهَا إِلَّا الْآحَادُ فَكَذَلِكَ الِانْشِقَاقُ كَانَ آيَةً وَقَعَتْ فِي اللَّيْلِ لِقَوْمٍ سَأَلُوا وَاقْتَرَحُوا فَلَمْ يَتَأَهَّبْ غَيْرُهُمْ لَهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَمَرُ لَيْلَتَئِذٍ كَانَ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ الَّتِي تَظْهَرُ لِبَعْضِ أَهْلِ الْآفَاقِ دُونَ بَعْضٍ كَمَا يَظْهَرُ الْكُسُوفُ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ آيَةٌ عَظِيمَةٌ لَا يَكَادُ يَعْدِلُهَا شَيْءٌ مِنْ آيَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَذَلِكَ أَنَّهُ ظَهَرَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاءِ خَارِجًا مِنْ جُمْلَةِ طِبَاعِ مَا فِي هَذَا الْعَالَمِ الْمُرَكَّبِ مِنَ الطَّبَائِعِ فَلَيْسَ مِمَّا يُطْمَعُ فِي

باب ما جاء في الخسف

الْوُصُولِ إِلَيْهِ بِحِيلَةٍ فَلِذَلِكَ صَارَ الْبُرْهَانُ بِهِ أَظْهَرَ وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ لَوْ وَقَعَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْفَى أَمْرُهُ عَلَى عَوَامِّ النَّاسِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ صَدَرَ عَنْ حِسٍّ وَمُشَاهَدَةٍ فَالنَّاسُ فِيهِ شُرَكَاءُ وَالدَّوَاعِي مُتَوَفِّرَةٌ عَلَى رُؤْيَةِ كُلِّ غَرِيبٍ وَنَقْلِ مَا لَمْ يُعْهَدْ فَلَوْ كَانَ لِذَلِكَ أَصْلٌ لَخُلِّدَ فِي كُتُبِ أَهْلِ التَّسْيِيرِ وَالتَّنْجِيمِ إِذْ لَا يَجُوزُ إِطْبَاقُهُمْ عَلَى تَرْكِهِ وَإِغْفَالِهِ مَعَ جَلَالَةِ شَأْنِهِ وَوُضُوحِ أَمْرِهِ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ خَرَجَتْ عَنْ بَقِيَّةِ الْأُمُورِ الَّتِي ذَكَرُوهَا لِأَنَّهُ شَيْءٌ طَلَبَهُ خَاصٌّ مِنَ النَّاسِ فَوَقَعَ لَيْلًا لِأَنَّ الْقَمَرَ لَا سُلْطَانَ لَهُ بِالنَّهَارِ وَمِنْ شَأْنِ اللَّيْلِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ النَّاسِ فِيهِ نِيَامًا وَمُسْتَكِنِّينَ بِالْأَبْنِيَةِ وَالْبَارِزُ بِالصَّحْرَاءِ مِنْهُمْ إِذَا كَانَ يَقْظَانَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِي ذلك الوقت مشغولا بما يُلْهِيهِ مِنْ سَمَرٍ وَغَيْرِهِ وَمِنَ الْمُسْتَبْعَدِ أَنْ يَقْصِدُوا إِلَى مَرَاصِدِ مَرْكَزِ الْقَمَرِ نَاظِرِينَ إِلَيْهِ لَا يَغْفُلُونَ عَنْهُ فَقَدْ يَجُوزُ أَنَّهُ وَقَعَ وَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ أَكْثَرُ النَّاسِ وَإِنَّمَا رَآهُ مَنْ تَصَدَّى لِرُؤْيَتِهِ مِمَّنِ اقْتَرَحَ وُقُوعَهُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ فِي قَدْرِ اللَّحْظَةِ الَّتِي هِيَ مُدْرَكُ الْبَصَرِ وَقَالَ الْحَافِظُ ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْقُدَمَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ انشق القمر أَيْ سَيَنْشَقُّ كَمَا قَالَ تَعَالَى أَتَى أمر الله أَيْ سَيَأْتِي وَالنُّكْتَةُ فِي ذَلِكَ إِرَادَةُ الْمُبَالَغَةِ فِي تَحَقُّقِ وُقُوعِ ذَلِكَ فَنَزَلَ مَنْزِلَةَ الْوَاقِعِ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَصَحُّ كَمَا جَزَمَ به بن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ وَغَيْرُهُمَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مستمر فَإِنَّ ذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ (وانشق القمر) وُقُوعُ انْشِقَاقِهِ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يَقُولُونَ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ فِي الدُّنْيَا تَبَيَّنَ وُقُوعُ الِانْشِقَاقِ وَأَنَّهُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الَّتِي زَعَمُوا أنَّهَا سِحْرٌ انْتَهَى وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْكَبِيرِ بَعْدَ مَا أَثْبَتَ هَذِهِ الْمُعْجِزَةَ مَا لَفْظُهُ وَأَمَّا الْمُؤَرِّخُونَ تَرَكُوهُ لِأَنَّ التَّوَارِيخَ فِي أَكْثَرِ الْأَمْرِ يَسْتَعْمِلُهَا الْمُنَجِّمُ وَهُوَ لَمَّا وَقَعَ الْأَمْرُ قَالُوا بِأَنَّهُ مِثْلُ خُسُوفِ الْقَمَرِ وَظُهُورِ شَيْءٍ فِي الْجَوِّ عَلَى شَكْلِ نِصْفِ الْقَمَرِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَتَرَكُوا حِكَايَتَهُ فِي تَوَارِيخِهِمْ وَالْقُرْآنُ أَدَلُّ دَلِيلٍ وَأَقْوَى مُثْبِتٍ لَهُ وَإِمْكَانُهُ لَا يُشَكُّ فِيهِ وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْهُ الصَّادِقُ فَيَجِبُ اعْتِقَادُ وُقُوعِهِ وَحَدِيثُ امْتِنَاعِ الْخَرْقِ وَالِالْتِئَامِ حَدِيثُ اللِّئَامِ وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُ الْخَرْقِ وَالتَّخْرِيبِ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَذَكَرْنَاهُ مِرَارًا فَلَا نُعِيدُهُ انْتَهَى 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخَسْفِ) [2183] قَوْلُهُ (عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ) هُوَ فُرَاتُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَزَّازُ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ الْغِفَارِيِّ صَحَابِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ وَكُنْيَتُهُ

أَبُو سَرِيحَةَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ (أَشْرَفَ عَلَيْنَا) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ اطَّلَعَ عَلَيْنَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَشْرَفَ عَلَيْهِ اطَّلَعَ مِنْ فَوْقَ (مِنْ غُرْفَةٍ) بِالضَّمِّ الْعَلِيَّةُ وَهِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ بالأخانة وحجره بالاى حجره (وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ) أَيْ فِيمَا بَيْنَنَا (السَّاعَةَ) أَيْ أَمْرَ الْقِيَامَةِ وَاحْتِمَالَ قِيَامِهَا فِي كُلِّ سَاعَةٍ (عَشْرَ آيَاتٍ) أَيْ عَلَامَاتٍ (وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) بِأَلِفٍ فِيهِمَا وَيُهْمَزُ أَيْ خُرُوجَهُمَا وَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِمَا فِي بَابِ خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ (وَالدَّابَّةَ) وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ الْآيَةَ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ هِيَ دَابَّةٌ عَظِيمَةٌ تَخْرُجُ من صدع في الصفا وعن بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أنَّهَا الْجَسَّاسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ الدَّجَّالِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ دَابَّةُ الْأَرْضِ قِيلَ طُولُهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا ذَاتُ قَوَائِمَ وَوَبَرٍ وَقِيلَ هِيَ مُخْتَلِفَةُ الْخِلْقَةِ تُشْبِهُ عِدَّةً مِنَ الْحَيَوَانَاتِ يَنْصَدِعُ جَبَلُ الصَّفَا فَتَخْرُجُ مِنْهُ لَيْلَةَ جَمْعٍ وَالنَّاسُ سَائِرُونَ إِلَى مِنًى وَقِيلَ مِنْ أَرْضِ الطَّائِفِ وَمَعَهَا عَصَا مُوسَى وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَا يُدْرِكُهَا طَالِبٌ وَلَا يُعْجِزُهَا هَارِبٌ تَضْرِبُ الْمُؤْمِنَ بِالْعَصَا وَتَكْتُبُ فِي وَجْهِهِ مُؤْمِنٌ وَتَطْبَعُ الْكَافِرَ بِالْخَاتَمِ وَتَكْتُبُ فِي وَجْهِهِ كَافِرٌ انْتَهَى اعْلَمْ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ قَدْ ذَكَرُوا لِدَابَّةِ الْأَرْضِ أَوْصَافًا كَثِيرَةً مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهَا فَكُلُّ مَا ثَبَتَ بِالْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ فهو المعتمد ومالا فلا اعتماد عليه (وثلاث خسوف) قال بن الْمَلَكِ قَدْ وُجِدَ الْخَسْفُ فِي مَوَاضِعَ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْخُسُوفِ الثَّلَاثَةِ قَدْرًا زَائِدًا عَلَى مَا وُجِدَ كَأَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ مكانا وقدرا (خسف) بالجر على أنه يدل مِمَّا قَبْلَهُ وَبِالرَّفْعِ عَلَى تَقْدِيرِ أَحَدِهَا أَوْ مِنْهَا (مِنْ قَعْرِ عَدَنَ) أَيْ أَقْصَى أَرْضِهَا وَهُوَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ وَقِيلَ مُنْصَرِفٌ بِاعْتِبَارِ الْبُقْعَةِ وَالْمَوْضِعِ فَفِي الْمَشَارِقِ عَدَنُ مَدِينَةٌ مَشْهُورَةٌ بِالْيَمَنِ وَفِي الْقَامُوسِ عَدَنُ مُحَرَّكَةٌ جَزِيرَةٌ بِالْيَمَنِ وَفِي رِوَايَةٍ تَخْرُجُ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ لَعَلَّهَا نَارَانِ تَجْتَمِعَانِ تَحْشُرَانِ النَّاسَ أَوْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ خُرُوجِهِمَا مِنَ الْيَمَنِ وَظُهُورُهَا مِنَ الْحِجَازِ ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (تَسُوقُ) أَيْ تَطْرُدُ النَّارُ (أَوْ تَحْشُرُ) أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ تَسُوقُ النَّاسَ إلى

الْمَحْشَرِ أَيْ إِلَى الْمَجْمَعِ وَالْمَوْقِفِ قِيلَ الْمُرَادُ مِنَ الْمَحْشَرِ أَرْضُ الشَّامِ إِذْ صَحَّ فِي الْخَبَرِ أَنَّ الْحَشْرَ يَكُونُ فِي أَرْضِ الشَّامِ وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَكُونَ مُبْتَدَؤُهُ مِنْهَا أَوْ تُجْعَلَ وَاسِعَةً تَسَعُ خَلْقَ الْعَالَمِ فيها قاله القارىء (وَتَقِيلُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ قَالَ قِيلًا وَقَائِلَةً وَقَيْلُولَةً وَمَقَالًا وَمَقِيلًا وَتُقِيلُ نَامَ فِي نِصْفِ النَّهَارِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَزَادَ فِيهِ وَالدُّخَانَ) قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ الَّذِي ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يوم تاتي السماء بدخان مبين وَذَلِكَ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شرح هذا الحديث إنه يؤيد قول مَنْ قَالَ أنَّ الدُّخَانَ دُخَانٌ يَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ الْكُفَّارِ وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنُ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ وَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ وَإِنَّمَا يَكُونُ قَرِيبًا مِنْ قيام الساعة وقال بن مَسْعُودٍ إِنَّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَمَّا نَالَ قُرَيْشًا مِنَ الْقَحْطِ حَتَّى كَانُوا يَرَوْنَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السماء كهيئة الدخان وقد وافق بن مسعود جماعة وقال بالقول الاخر حذيفة وبن عُمَرَ وَالْحَسَنُ وَرَوَاهُ حُذَيْفَةُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ يَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أربعين يوما ويحتمل أنها دُخَانَانِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآثَارِ انْتَهَى وَقَالَ القرطبي في التذكرة قال بن دِحْيَةَ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ الصَّحِيحُ حَمْلُ ذَلِكَ عَلَى قَضِيَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا وَقَعَتْ وَكَانَتِ الْأُخْرَى سَتَقَعُ وَتَكُونُ فَأَمَّا الَّتِي كَانَتْ فَهِيَ الَّتِي كَانُوا يَرَوْنَ فِيهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ غَيْرَ الدُّخَانِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي يَكُونُ عِنْدَ ظُهُورِ الْآيَاتِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْأَشْرَاطِ وَالْعَلَامَاتِ وَلَا يَمْتَنِعُ إِذَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْعَلَامَةُ أَنْ يَقُولُوا رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العذاب إنا مؤمنون فَيُكْشَفُ عَنْهُمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِقُرْبِ السَّاعَةِ وَقَوْلُ بن مَسْعُودٍ لَمْ يُسْنِدْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ تَفْسِيرِهِ وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَقَدْ رُوِيَ عن بن مسعود إنهما دخانان قال مجاهد كان بن مَسْعُودٍ يَقُولُ هُمَا دُخَانَانِ قَدْ مَضَى أَحَدُهُمَا وَالَّذِي بَقِيَ يَمْلَأُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ انْتَهَى

قوله (حدثنا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو النُّعْمَانِ الْبَصْرِيُّ قِيلَ إِنَّهُ قَيْسِيٌّ أَوْ أَنْصَارِيٌّ أَوْ عِجْلِيٌّ ثِقَةٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (إِمَّا رِيحٌ تَطْرَحُهُمْ فِي الْبَحْرِ) أَيْ تُلْقِيهِمْ فِيهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَصْفِيَّةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ بَابِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ وَأَمَّا حَدِيثُ صَفِيَّةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ اعْلَمْ أَنَّ الرِّوَايَاتِ قَدِ اختلفت في ترتيب الايات العشر ولذ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَرْتِيبِهَا فَقَدْ قِيلَ إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ الدُّخَانُ ثُمَّ خُرُوجُ الدَّجَّالِ ثُمَّ نُزُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ خُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ثُمَّ خُرُوجُ الدَّابَّةِ ثُمَّ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فَإِنَّ الْكُفَّارَ يُسْلِمُونَ فِي زَمَنِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ حَتَّى تَكُونَ الدَّعْوَةُ وَاحِدَةً وَلَوْ كَانَتِ الشَّمْسُ طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَنُزُولِهِ لَمْ يَكُنِ الْإِيمَانُ مَقْبُولًا مِنَ الْكُفَّارِ فَالْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَلَا يَرِدُ أَنَّ نُزُولَهُ قَبْلَ طُلُوعِهَا وَلَا مَا وَرَدَ أَنَّ طُلُوعَ الشَّمْسِ أَوَّلُ الْآيَاتِ وَقَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ قِيلَ أَوَّلُ الْآيَاتِ الْخَسُوفَاتُ ثُمَّ خُرُوجُ الدَّجَّالِ ثُمَّ نُزُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ثُمَّ خُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ثُمَّ الرِّيحُ الَّتِي تُقْبَضُ عِنْدَهَا أَرْوَاحُ أَهْلِ الْإِيمَانِ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَخْرُجُ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا ثُمَّ تَخْرُجُ دَابَّةُ الْأَرْضِ ثُمَّ يَأْتِي الدُّخَانُ قَالَ صَاحِبُ فَتْحِ الْوَدُودِ وَالْأَقْرَبُ فِي مِثْلِهِ التَّوَقُّفُ وَالتَّفْوِيضُ إِلَى عَالِمِهِ انْتَهَى قُلْتُ ذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ فِي تَذْكِرَتِهِ مِثْلَ هَذَا التَّرْتِيبِ إِلَّا أَنَّهُ جَعَلَ الدَّجَّالَ مَكَانَ الدُّخَانِ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الْحَاكِمِ مِثْلَ تَرْتِيبِ الْقُرْطُبِيِّ وَجَعَلَ خُرُوجَ الدَّابَّةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فَالظَّاهِرُ بَلِ الْمُتَعَيِّنُ هُوَ مَا قَالَ صَاحِبُ فَتْحِ الْوَدُودِ مِنْ أَنَّ الْأَقْرَبَ فِي مِثْلِهِ هُوَ التَّوَقُّفُ وَالتَّفْوِيضُ إِلَى عَالِمِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ [2184] قَوْلُهُ (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ) الْحَضْرَمِيِّ أَبِي يَحْيَى الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أبي إدريس

الْمُرْهِبِيِّ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْهَاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ الْكُوفِيُّ اسْمُهُ سَوَّارٌ أَوْ مُسَاوِرٌ صَدُوقٌ يَتَشَيَّعُ مِنْ الرَّابِعَةِ (عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صَفْوَانَ) مَجْهُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي هامش الخلاصة نقلا عن التهذيب وثقه بن حِبَّانَ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ (أَوْ بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَفِي حَدِيثِ حَفْصَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِبَيْدَاءَ مِنَ الْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبَيْدَاءُ كُلُّ أَرْضٍ مَلْسَاءُ لَا شَيْءَ بِهَا (خُسِفَ بِأَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ وَلَمْ يَنْجُ أَوْسَطُهُمْ) أَيْ يَقَعُ الْهَلَاكُ فِي الدُّنْيَا عَلَى جَمِيعِهِمْ (فَمَنْ كَرِهَ مِنْهُمْ قَالَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى مَا فِي أَنْفُسِهِمْ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَكَيْفَ بِمَنْ كَانَ كَارِهًا قَالَ يُخْسَفُ بِهِ مَعَهُمْ وَلَكِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نِيَّتِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ يُبْعَثُونَ مُخْتَلِفِينَ عَلَى قَدْرِ نِيَّاتِهِمْ فَيُجَازَوْنَ بِحَسَبِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ التَّبَاعُدُ مِنْ أَهْلِ الظُّلْمِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ مُجَالَسَتِهِمْ وَمُجَالَسَةِ الْبُغَاةِ وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْمُبْطِلِينَ لِئَلَّا يَنَالُهُ مَا يُعَاقَبُونَ بِهِ وَفِيهِ أنَّ مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ جَرَى عَلَيْهِمْ حُكْمُهُمْ فِي ظَاهِرِ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ مُسْلِمِ بْنِ صَفْوَانَ رَوَى عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْتَهِي النَّاسُ عَنْ غَزْوِ هَذَا الْبَيْتِ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو إِدْرِيسَ الْمُرْهِبِيُّ صَحَّحَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ مَعْلُولٌ انْتَهَى قُلْتُ لَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ كَوْنِهِ مَعْلُولًا فَإِنْ كَانَ وَجْهُهُ جَهَالَةَ مُسْلِمِ بْنِ صَفْوَانَ فَقَدْ عرفت أن بن حِبَّانَ وَثَّقَهُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [2185] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا صَيْفِيُّ بْنُ رِبْعِيٍّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو هِشَامٍ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنْ

باب ما جاء في طلوع الشمس من مغربها

التاسعة (عن عبد الله بن عُمَرَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو عُثْمَانَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ قَدَّمَهُ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ على مالك في نافع وقدمه بن مَعِينٍ فِي الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ عَلَى الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْهَا مِنَ الْخَامِسَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التهذيب في تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ وَغَيْرُهُ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ التَّيْمِيِّ ثِقَةٌ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ بِالْمَدِينَةِ قَالَ أَيُّوبُ مَا رَأَيْتُ أَفْضَلَ مِنْهُ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ) قَالَ في القاموس خسف المكان يخسف خسوفا ذهب فِي الْأَرْضِ وَقَالَ مَسَخَهُ كَمَنَعَهُ حَوَّلَ صُورَتَهُ إِلَى أُخْرَى أَقْبَحَ وَقَالَ قَذَفَ بِالْحِجَارَةِ يَقْذِفُ رَمَى بِهَا (أَنَهْلَكُ) بِفَتْحِ اللَّامِ مِنَ الْإِهْلَاكِ أَوْ بِكَسْرِ اللَّامِ مِنَ الْهَلَاكِ (وَفِينَا الصَّالِحُونَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (إِذَا ظَهَرَ الْخَبَثُ) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالْبَاءِ وَفَسَّرَهُ الْجُمْهُورُ بِالْفُسُوقِ وَالْفُجُورِ وَقِيلَ المراد الزنى خاصة وقيل اولاد الزنى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الْمَعَاصِي مُطْلَقًا وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْخَبَثَ إِذَا كَثُرَ فَقَدْ يَحْصُلُ الْهَلَاكُ الْعَامُّ وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ صَالِحُونَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ تَكَلَّمَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) اعْلَمْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْعُمَرِيَّ مُكَبَّرًا وَعُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ الْعُمَرِيَّ مُصَغَّرًا أَخَوَانِ فَالْمُكَبَّرُ ضَعِيفٌ وَالْمُصَغَّرُ ثِقَةٌ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا) [2186] قَوْلُهُ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ التيمي) هو بن يَزِيدَ بْنُ شَرِيكٍ يُكَنَّى أَبَا أَسْمَاءَ الْكُوفِيَّ الْعَابِدَ ثِقَةٌ إِلَّا أَنَّهُ يُرْسِلُ وَيُدَلِّسُ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكِ بْنِ طَارِقٍ التَّيْمِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ يُقَالُ إِنَّهُ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ مِنَ الثَّانِيَةِ

قَوْلُهُ (أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ) أَيِ الشَّمْسُ وَالْإِشَارَةُ لِلتَّعْظِيمِ (فَإِنَّهَا تَذْهَبُ لِتَسْتَأْذِنَ فِي السُّجُودِ فَيُؤْذَنُ لها) أي في السجود قال بن بَطَّالٍ اسْتِئْذَانُ الشَّمْسِ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِيهَا حَيَاةً يُوجَدُ الْقَوْلُ عِنْدَهَا لِأَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى إِحْيَاءِ الْجَمَادِ وَالْمَوَاتِ وَقَالَ غَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِئْذَانُ أُسْنِدَ إِلَيْهَا مَجَازًا وَالْمُرَادُ مَنْ هُوَ مُوَكَّلٌ بِهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ فَتَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنُ لَهَا قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ أَيْ فِي الطُّلُوعِ مِنَ الْمَشْرِقِ عَلَى عَادَاتِهَا فَيُؤْذَنُ لَهَا فَتَبْدُو مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ قَالَ الْحَافِظُ أَمَّا قَوْلُهُ تَحْتَ الْعَرْشِ فَقِيلَ هُوَ حِينَ مُحَاذَاتِهَا وَلَا يُخَالِفُ هَذَا قَوْلَهُ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا نِهَايَةُ مُدْرَكِ الْبَصَرِ إِلَيْهَا حَالَ الْغُرُوبِ وَسُجُودُهَا تَحْتَ الْعَرْشِ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ الْغُرُوبِ (وَكَأَنَّهَا قَدْ قِيلَ لَهَا اطْلُعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورَةِ وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا وَتَسْتَأْذِنُ فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا يُقَالُ لَهَا ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا (قَالَ ثُمَّ قَرَأَ) عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (وَذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا وَقَالَ) أَيْ أَبُو ذَرٍّ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ (ذَلِكَ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَالتَّفْسِيرِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَالشَّمْسُ تَجْرِي لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ هِيَ الْمُتَوَاتِرَةُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ قَالَ مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِمُسْتَقَرِّهَا غَايَةُ مَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ فِي الِارْتِفَاعِ وَذَلِكَ أَطْوَلُ يَوْمٍ فِي السَّنَةِ وَقِيلَ إِلَى مُنْتَهَى أَمْرِهَا عِنْدَ انْتِهَاءِ الدُّنْيَا قَالَ الْحَافِظُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِقْرَارِ وُقُوعُهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَ سُجُودِهَا وَمُقَابِلُ الِاسْتِقْرَارِ الْمَسِيرُ الدَّائِمُ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْجَرْيِ انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ التَّأْوِيلَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ مَا لَفْظُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ فَلَا يُنْكَرُ أَنْ يَكُونَ لَهَا اسْتِقْرَارٌ تَحْتَ الْعَرْشِ مِنْ حَيْثُ لَا نُدْرِكُهُ وَلَا نُشَاهِدُهُ وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ غَيْبٍ فَلَا نُكَذِّبُهُ وَلَا نُكَيِّفُهُ لِأَنَّ عِلْمَنَا لَا يُحِيطُ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ الطِّيبِيِّ وَقَالَ الشَّيْخُ فِي اللُّمَعَاتِ قَوْلُهُ (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) قَدْ ذُكِرَ فِي التَّفَاسِيرِ وُجُوهٌ غَيْرُ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ وَالْمُعْتَمَدُ وَالْعَجَبُ مِنَ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ وُجُوهًا فِي تَفْسِيرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْوَجْهَ وَلَعَلَّهُ أَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ تَفَلْسُفُهُ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَفِي كَلَامِ الطِّيبِيِّ أَيْضًا مَا يُشْعِرُ بِضِيقِ الصَّدْرِ نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ انْتَهَى

باب ما جاء في خروج ياجوج وماجوج

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَأَنَسِ بْنِ أَبِي مُوسَى) أما حديث صفوان بن عسال فأخرجه بن مَاجَهْ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِنَّ مِنْ قِبَلِ مَغْرِبِ الشَّمْسِ بَابًا مَفْتُوحًا عَرْضُهُ سَبْعُونَ سَنَةً فَلَا يَزَالُ ذَلِكَ الْبَابُ مَفْتُوحًا لِلتَّوْبَةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ نَحْوِهِ فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ نَحْوِهِ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبْتِ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ فِي بَابِ الْآيَاتِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ وَالتَّفْسِيرِ وَالتَّوْحِيدِ وَمُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْحُرُوفِ وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ يس 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي خُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) بِغَيْرِ هَمْزٍ لِأَكْثَرِ الْقُرَّاءِ وَقَرَأَ عَاصِمٌ بِالْهَمْزَةِ السَّاكِنَةِ فِيهِمَا وَفِي لُغَةِ بَنِي أَسَدٍ وَهُمَا اسْمَانِ أَعْجَمِيَّانِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ مُنِعَا مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ وَقِيلَ بَلْ عَرَبِيَّانِ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِقَاقِهِمَا فَقِيلَ مِنْ أَجِيجِ النَّارِ وَهُوَ الْتِهَابُهَا وَقِيلَ مِنَ الْأَجَّةِ بِالتَّشْدِيدِ وَهِيَ الِاخْتِلَاطُ أَوْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَجَاءَ فِي صِفَتِهِمْ ما أخرجه بن عدي وبن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وبن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ رَفَعَهُ قَالَ يَأْجُوجُ أمة ومأجوج أمة كل أمة أربع مائة أَلْفٍ لَا يَمُوتُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى أَلْفِ ذَكَرٍ مِنْ صُلْبِهِ كُلُّهُمْ قَدْ حَمَلَ السِّلَاحَ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْعَطَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الْأَعْمَشِ وَالْعَطَّارُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ قال بن عَدِيٍّ لَيْسَ هُوَ صَاحِبُ الْمَغَازِي بَلْ هُوَ العكاشي قال والحديث موضوع وقال بن أَبِي حَاتِمٍ مُنْكَرٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لكن لبعضه شاهد صحيح أخرجه بن حبان من حديث بن مَسْعُودٍ رَفَعَهُ أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَقَلُّ مَا يَتْرُكُ أَحَدُهُمْ لِصُلْبِهِ أَلْفًا مِنَ الذُّرِّيَّةِ وَلِلنَّسَائِيِّ من رواية عمرو بن أوس عن أبيه رَفْعُهُ إنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ يُجَامِعُونَ مَا شَاءُوا وَلَا يَمُوتُ رَجُلٌ مِنْهُمْ إِلَّا تَرَكَ مِنْ ذريته ألفا فصاعدا

وأخرج الحاكم وبن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَوَرَاءَهُمْ ثَلَاثُ أُمَمٍ وَلَنْ يَمُوتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلَّا تَرَكَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَلْفًا فَصَاعِدًا وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن سلام مثله وأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ الْجِنُّ وَالْإِنْسُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ فَتِسْعَةُ أَجْزَاءٍ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَجُزْءٌ سَائِرُ النَّاسِ وَمِنْ طَرِيقِ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ كَعْبٍ قَالَ هُمْ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ صِنْفٌ أَجْسَادُهُمْ كَالْأَرْزِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثُمَّ زَايٍ هُوَ شَجَرٌ كِبَارٌ جِدًّا وَصِنْفٌ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ فِي أَرْبَعَةِ أذرع وصنف يفترشون اذانهم ويلتحفون بِالْأُخْرَى وَوَقَعَ نَحْوُ هَذَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَأَخْرَجَ أَيْضًا هُوَ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الجوزاء عن بن عَبَّاسٍ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ شِبْرًا شِبْرًا وَشِبْرَيْنِ شِبْرَيْنِ وَأَطْوَلُهُمْ ثَلَاثَةُ أَشْبَارٍ وَهُمْ مِنْ وَلَدِ آدَمَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ وُلِدَ لِنُوحٍ سَامُ وِحَامُ وَيَافِثُ فَوُلِدَ لِسَامَ الْعَرَبُ وَفَارِسُ وَالرُّومُ وَوُلِدَ لِحَامَ الْقِبْطُ وَالْبَرْبَرُ وَالسُّودَانُ وَوُلِدَ لِيَافِثَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَالتُّرْكُ وَالصَّقَالِبَةُ وَفِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ وَمِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قتادة قال ياجوج وماجوج اثنتان وَعِشْرُونَ قَبِيلَةً بَنَى ذُو الْقَرْنَيْنِ السَّدَّ عَلَى إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَكَانَتْ مِنْهُمْ قَبِيلَةٌ غَائِبَةً فِي الْغَزْوِ وَهُمُ الْأَتْرَاكُ فَبَقُوا دُونَ السَّدِّ وَأَخْرَجَ بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ قَالَ التُّرْكُ سَرِيَّةٌ مِنْ سَرَايَا يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ خَرَجَتْ تُغِيرُ فَجَاءَ ذُو الْقَرْنَيْنِ فَبَنَى السَّدَّ فَبَقُوا خَارِجًا وَوَقَعَ في فتاوي الشيخ محي الدِّينِ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ مِنْ أَوْلَادِ آدَمَ لَا مِنْ حَوَّاءَ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ فَيَكُونُونَ إِخْوَانَنَا لِأَبٍ كَذَا قَالَ وَلَمْ نَرَ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ إِلَّا عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَيَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ إِنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ نُوحٍ وَنُوحٌ مِنْ ذُرِّيَّةِ حَوَّاءَ قَطْعًا انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ [2187] قَوْلُهُ (عَنْ حَبِيبَةَ) بِنْتِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيَّةِ أُمُّهَا أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ لَهَا صُحْبَةٌ وَهَاجَرَتْ مَعَ أَبَوَيْهَا إِلَى الْحَبَشَةِ وَيُقَالُ إِنَّهَا وَلَدَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ (عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشِ) بْنِ رَبَابِ يَعْمُرَ الْأَسَدِيَّةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أُمُّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ عبد المطلب يقال ماتت سنة عشرون فِي خِلَافَةِ عُمَرَ قَوْلُهُ (اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَوْمٍ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمًا فَزِعًا فَيُجْمَعُ عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا بَعْدَ أَنِ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَزِعًا وَكَانَتْ حُمْرَةُ وَجْهِهِ مِنْ ذَلِكَ الْفَزَعِ وَجُمِعَ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ فَقَالَ فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهُهُ (وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ) فِي الْقَامُوسِ الْوَيْلُ حُلُولُ الشَّرِّ وَهُوَ تَفْجِيعٌ انْتَهَى وَخُصَّ بِذَلِكَ الْعَرَبُ

لِأَنَّهُمْ كَانُوا حِينَئِذٍ مُعْظَمَ مَنْ أَسْلَمَ وَالْمُرَادُ بِالشَّرِّ مَا وَقَعَ بَعْدَهُ مِنْ قَتْلِ عُثْمَانَ ثُمَّ تَوَالَتِ الْفِتَنُ حَتَّى صَارَتِ الْعَرَبُ بَيْنَ الْأُمَمِ كَالْقَصْعَةِ بَيْنَ الْأَكَلَةِ كَمَا وَقَعَ فِي الْحَدِيثِ الْآخِرِ يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا وَإِنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ الْعَرَبُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالشَّرِّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتَنِ وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الْفُتُوحِ الَّتِي فُتِحَتْ بَعْدَهُ فَكَثُرَتِ الْأَمْوَالُ فِي أَيْدِيهِمْ فَوَقَعَ التَّنَافُسُ الَّذِي جَرَّ الْفِتَنَ وَكَذَلِكَ التَّنَافُسُ عَلَى الْإِمْرَةِ فَإِنَّ مُعْظَمَ مَا أَنْكَرُوهُ عَلَى عُثْمَانَ تَوْلِيَةُ أَقَارِبِهِ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَغَيْرِهِمْ حَتَّى أَفْضَى ذَلِكَ إِلَى قَتْلِهِ وَتَرَتَّبَ عَلَى قَتْلِهِ مِنَ الْقِتَالِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَا اشْتُهِرَ وَاسْتَمَرَّ (قَدِ اقْتَرَبَ) أَيْ قَرُبَ ذَلِكَ الشَّرُّ فِي غَايَةِ الْقُرْبِ بَيَانُهُ قَوْلُهُ (فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ) الْمُرَادُ بِالرَّدْمِ السَّدُّ الَّذِي بَنَاهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ بِزُبَرِ الْحَدِيدِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنْهُ (مِثْلُ هَذِهِ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ لِقَوْلِهِ فُتِحَ وَالْإِشَارَةُ إِلَى الْحَلَقَةِ الْمُبَيَّنَةِ بِقَوْلِهِ (وَعَقَدَ عَشْرًا) وَعَقْدُ الْعَشَرَةِ أَنْ يُجْعَلَ طَرَفُ السَّبَّابَةِ الْيُمْنَى فِي بَاطِنِ طَيِّ عُقْدَةِ الْإِبْهَامِ الْعُلْيَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الرَّدْمِ ثُقْبَةٌ إِلَى الْيَوْمِ وَقَدِ انْفَتَحَتْ فِيهِ إِذِ انْفِتَاحُهَا مِنْ عَلَامَاتِ قُرْبِ السَّاعَةِ فَإِذَا اتَّسَعَتْ خَرَجُوا وَذَلِكَ بَعْدَ خروج الدجال كما تقدم (أفنهلك) بضم النُّونِ وَفَتْحُ اللَّامِ مِنَ الْإِهْلَاكِ أَوْ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ اللَّامِ مِنَ الْهَلَاكِ (وَفِينَا الصَّالِحُونَ) قال القارىء أَيْ أَنُعَذَّبُ فَنَهْلِكُ نَحْنُ مَعْشَرَ الْأُمَّةِ وَالْحَالُ أَنَّ بَعْضَنَا مُؤْمِنُونَ وَفِينَا الطَّيِّبُونَ الطَّاهِرُونَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِغْنَاءِ أَيْ وَفِينَا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ انْتَهَى (قَالَ نَعَمْ) أَيْ يَهْلِكُ الطَّيِّبُ أَيْضًا (إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ مثلثة فسروه بالزنى وبأولاد الزنى وَبِالْفِسْقِ وَالْفُجُورِ وَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِالصَّلَاحِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ النَّارَ إِذَا وَقَعَتْ فِي مَوْضِعٍ وَاشْتَدَّتْ أَكَلَتِ الرَّطْبَ وَالْيَابِسَ وَغَلَبَتْ عَلَى الطَّاهِرِ وَالنَّجِسِ وَلَا تُفَرِّقُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُنَافِقِ وَالْمُخَالِفِ وَالْمُوَافِقِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (جَوَّدَ سُفْيَانُ هَذَا الْحَدِيثَ) أَيْ بِذِكْرِ النِّسْوَةِ الْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْإِسْنَادِ وَقَدْ أَطَالَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فِي الْفَتْحِ فِي بَابٌ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقترب من

باب ما جاء في صفة المارقة أي الخوارج

كتاب الفتن فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْمَارِقَةِ أَيِ الخوارج) [2188] قوله (عن عاصم) هو بن بهدلة (عن زر) هو بن حبيش (عن عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا قَدْ يُخَالِفُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ مَنْ تَرَكَ قِتَالَ الْخَوَارِجِ لِلتَّأَلُّفِ وإِلَّا يُنَفِّرُ النَّاسَ عَنْهُ فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ وَكَذَا أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ الواردة في أمرهم وأجاب بن التِّينِ بِأَنَّ الْمُرَادَ زَمَانُ الصَّحَابَةِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ آخِرَ زَمَانِ الصَّحَابَةِ كَانَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ وَقَدْ خَرَجُوا قَبْلَ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ سَنَةً وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِآخِرِ الزَّمَانِ زَمَانُ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ فَإِنَّ فِي حَدِيثِ سفينة المخرج في السنن وصحيح بن حِبَّانَ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا وَكَانَتْ قِصَّةُ الْخَوَارِجِ وَقَتْلِهِمْ بِالنَّهْرَوَانِ فِي أَوَاخِرِ خِلَافَةِ عَلِيٍّ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُونِ الثَّلَاثِينَ بِنَحْوِ سَنَتَيْنِ انْتَهَى (أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ) قَالَ الْحَافِظُ أَحْدَاثُ بِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ جَمْعُ حَدَثٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَالْحَدَثُ هُوَ الصَّغِيرُ السِّنِّ وَالْأَسْنَانُ جَمْعُ سِنٍّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعُمُرُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ شَبَابٌ انْتَهَى (سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ) جَمْعُ حِلْمٍ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَقْلُ وَالْمَعْنَى أَنَّ عُقُولَهُمْ رَدِيئَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ التَّثَبُّتَ وَقُوَّةَ الْبَصِيرَةِ تَكُونُ عِنْدَ كَمَالِ السِّنِّ وَكَثْرَةِ التَّجَارِبِ وَقُوَّةِ الْعَقْلِ قَالَ الْحَافِظُ وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الْأَخْذِ مِنْهُ فَإِنَّ هَذَا مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ لَا مِنْ خُصُوصِ كَوْنِ هَؤُلَاءِ كَانُوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ (لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ التَّرَاقِي جَمْعُ تَرْقُوَةٍ وَهِيَ الْعَظْمُ الَّذِي بَيْنَ ثُغْرَةِ النَّحْرِ وَالْعَاتِقِ وَهُمَا تَرْقُوَتَانِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَزْنُهَا فَعْلُوَةٌ بِالْفَتْحِ وَالْمَعْنَى أَنَّ قراءتهم

لَا يَرْفَعُهَا اللَّهُ وَلَا يَقْبَلُهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ تَتَجَاوَزْ حُلُوقَهُمْ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَا يَعْمَلُونَ بِالْقُرْآنِ وَلَا يُثَابُونَ عَلَى قِرَاءَتِهِ فَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ غَيْرُ الْقِرَاءَةِ انْتَهَى (يَقُولُونَ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ) قَالَ الْحَافِظُ أَيْ مِنَ الْقُرْآنِ وَكَانَتْ أَوَّلُ كَلِمَةٍ خَرَجُوا بِهَا قَوْلَهُمْ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ وَانْتَزَعُوهَا مِنَ الْقُرْآنِ وَحَمَلُوهَا غَيْرَ مَحْمَلِهَا (يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ) إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِسْلَامُ فَهُوَ حُجَّةٌ لِمَنْ يُكَفِّرُ الْخَوَارِجَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالدِّينِ الطَّاعَةَ فَلَا يَكُونُ فِيهِ حُجَّةٌ وَإِلَيْهِ جَنَحَ الْخَطَّابِيُّ (كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) بِوَزْنِ فَعِيلَةٍ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَهُوَ الصَّيْدُ الْمَرْمِيُّ شَبَّهَ مُرُوقَهُمْ مِنَ الدِّينِ بِالسَّهْمِ الَّذِي يُصِيبُ الصَّيْدَ فَيَدْخُلُ فِيهِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ وَمِنْ شِدَّةِ سُرْعَةِ خُرُوجِهِ لِقُوَّةِ الرَّامِي لَا يَعْلَقُ مِنْ جَسَدِ الصَّيْدِ شَيْءٌ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ يَجُوزُونَهُ وَيَخْرِقُونَهُ وَيَتَعَدَّوْنَهُ كَمَا يَخْرِقُ السَّهْمُ الشَّيْءَ الْمَرْمِيَّ بِهِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي ذَرٍّ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَغَيْرِهِ وَمُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ وَأَبُو دَاوُدَ في السنة والنسائي في فضائل القران وبن مَاجَهْ فِي السُّنَّةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَغَيْرِهِ وَمُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَّةِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْمُحَارَبَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَمُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ (وَقَدْ رُوِيَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ) كَحَدِيثِ عَلِيٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمَا (إِنَّمَا هُمُ الْخَوَارِجُ) جَمْعُ خَارِجَةٍ وَهُمْ قَوْمٌ مُبْتَدِعُونَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِخُرُوجِهِمْ عَنِ الدِّينِ وَخُرُوجِهِمْ عَلَى خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ أَطَالَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ مُعْتَقَدِهِمْ وَحَالِهِمْ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ (الْحَرُورِيَّةُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ قَوْلِ عَائِشَةَ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ مَا لَفْظُهُ الْحَرُورِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى حَرُورَاءَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبَعْدَ الْوَاوِ السَّاكِنَةِ رَاءٌ أَيْضًا بَلْدَةٌ عَلَى مِيلَيْنِ مِنَ الكوفة والأشهر أيها بِالْمَدِّ قَالَ الْمُبَرِّدُ النِّسْبَةُ إِلَيْهَا حَرُورَاوِيٌّ وَكَذَا كُلُّ مَا كَانَ فِي آخِرِهِ أَلْفُ تَأْنِيثٍ مَمْدُودَةٍ وَلَكِنْ قِيلَ الْحَرُورِيُّ بِحَذْفِ الزَّوَائِدِ وَيُقَالُ لِمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ الْخَوَارِجِ حَرُورِيٌّ لِأَنَّ أَوَّلَ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ بِالْبَلْدَةِ الْمَذْكُورَةِ فَاشْتُهِرُوا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا وَهُمْ فِرَقٌ كَثِيرَةٌ لَكِنْ مِنْ أُصُولِهِمِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَهُمِ الْأَخْذُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَرَدُّ مَا زَادَ عَلَيْهِ من الحديث مطلقا

باب الأثرة

25 - (باب الأثرة) وما جاء فيه [2189] قَوْلُهُ (اسْتَعْمَلْتُ فُلَانًا) أَيْ جَعَلْتُهُ عَامِلًا (فَقَالَ) أَيْ لِلْأَنْصَارِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ (إِنَّكُمْ) أَيُّهَا الْأَنْصَارُ (سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِفَتْحَتَيْنِ وَيَجُوزُ كَسْرُ أَوَّلِهِ مَعَ الْإِسْكَانِ أَيِ الِانْفِرَادُ بِالشَّيْءِ الْمُشْتَرَكِ دُونَ مَنْ يُشْرِكُهُ فِيهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَسْتَأْثِرُ عَلَيْهِمْ بِمَا لَهُمْ فِيهِ اشْتِرَاكٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ يُفَضِّلُ نَفْسَهُ عَلَيْكُمْ فِي الْفَيْءِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيِ اصْبِرُوا حَتَّى تَمُوتُوا فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَنِي عِنْدَ الْحَوْضِ فَيَحْصُلُ لَكُمُ الِانْتِصَافُ مِمَّنْ ظَلَمَكُمْ وَالثَّوَابُ الْجَزِيلُ عَلَى الصَّبْرِ قَالَ الْحَافِظُ وَالسِّرُّ فِي جَوَابِهِ عَلَى طَلَبِ الْوِلَايَةِ بِقَوْلِهِ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُثْرَةً إِرَادَةُ نَفْيِ ظَنِّهِ أَنَّهُ آثَرَ الَّذِي وَلَّاهُ عَلَيْهِ فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ فِي زَمَانِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّهُ بِذَلِكَ لِذَاتِهِ بَلْ لِعُمُومِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ الِاسْتِئْثَارَ لِلْحَظِّ الدُّنْيَوِيِّ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدِي وَأَمَرَهُمْ عِنْدَ وُقُوعِ ذَلِكَ بِالصَّبْرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ [2190] قَوْلُهُ (إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأَثَرَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالثَّاءِ الِاسْمُ مِنْ آثَرَ يُؤْثِرُ إِيثَارًا إِذَا أَعْطَى أَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَأْثِرُ عَلَيْكُمْ فَيُفَضِّلُ غَيْرَكُمْ فِي نَصِيبِهِ مِنَ الْفَيْءِ وَالِاسْتِئْثَارُ الِانْفِرَادُ

باب ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه

بِالشَّيْءِ (وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا) يَعْنِي مِنْ أُمُورِ الدِّينِ (قَالُوا فَمَا تَأْمُرنَا) أَيْ أَنْ نَفْعَلَ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ (أَدُّوا إِلَيْهِمْ) أَيْ إِلَى الْأُمَرَاءِ (حَقَّهُمْ) أَيِ الَّذِي وَجَبَ لَهُمُ الْمُطَالَبَةُ بِهِ وَقَبْضُهُ سَوَاءٌ كَانَ يَخْتَصُّ بِهِمْ أَوْ يَعُمُّ (وَاسْأَلُوا اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ) أَيْ بِأَنْ يُلْهِمَهُمْ إِنْصَافَكُمْ أَوْ يُبْدِلَكُمْ خَيْرًا مِنْهُمْ كَذَا فِي والفتح قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا تُقَاتِلُوهُمْ بِاسْتِيفَاءِ حَقِّكُمْ وَلَا تُكَافِئُوا اسْتِئْثَارَهُمْ بِاسْتِئْثَارِكُمْ بَلْ وَفِّرُوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَحُقُوقِ الدِّينِ وَسَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أَنْ يُوصِلَ إِلَيْكُمْ حَقَّكُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَيْءِ وَنَحْوِهِمَا وُكِّلُوا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَمْرَكُمْ وَاللَّهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 6 - (باب مَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ) بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [2191] قَوْلُهُ (بِنَهَارٍ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجَّلَ الْعَصْرَ فِي ذَلِكَ اليوم (ثم قام خطيبا) أي وَاعِظًا (فَلَمْ يَدَعْ) أَيْ لَمْ يَتْرُكْ (شَيْئًا) أَيْ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الدِّينِ مِمَّا لَا بد منه (يَكُونُ) أَيْ يَقَعُ ذَلِكَ الشَّيْءُ (إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ) أَيْ سَاعَةَ الْقِيَامَةِ (حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ) أَيْ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ وَحَفِظَهُ (وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ أَيْ مَنْ أَنْسَاهُ اللَّهُ وَتَرَكَ نَصْرَهُ (فَكَانَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَكَانَ (فِيمَا قَالَ) أَيْ مِنْ خُطْبَتِهِ وَمَوْعِظَتِهِ (إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ نَاعِمَةٌ طَرِيَّةٌ مَحْبُوبَةٌ (حُلْوَةٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ لَذِيذَةٌ حَسَنَةٌ وَإِنَّمَا وَصَفَهَا بِالْخَضِرَةِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الشَّيْءَ النَّاعِمَ خَضِرًا أَوْ لِشَبَهِهَا بِالْخَضْرَوَاتِ فِي ظُهُورِ كَمَالِهَا وَسُرْعَةِ زَوَالِهَا وَفِيهِ بَيَانُ أَنَّهَا تَفْتِنُ النَّاسَ بِلَوْنِهَا وَطَعْمِهَا (وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) أَيْ جَاعِلُكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ قَرْنٍ خَلَوْا قَبْلَكُمْ فَيَنْظُرَ تُطِيعُونَهُ أَوْ لَا (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (فَاتَّقُوا الدُّنْيَا) أَيِ احْذَرُوا زِيَادَتَهَا عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ الْمُعِينَةِ لِلدِّينِ النَّافِعَةِ فِي الْأُخْرَى (وَاتَّقُوا النِّسَاءَ) أَيْ كَيْدَهُنَّ وَمَكْرَهُنَّ (وَكَانَ فِيمَا قَالَ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُطْبَتِهِ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (هَيْبَةُ النَّاسِ) أَيْ عَظَمَتُهُمْ وَشَوْكَتُهُمْ

وَمَخَافَتُهُمْ وَمَهَابَتُهُمْ (أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ) أَيْ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ أَوْ يَأْمُرَ بِهِ (قَدْ وَاللَّهِ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا) أَيْ خِفْنَا مِنْ هَابَهُ يَهَابُهُ أَيْ يَخَافُهُ وَالْمَعْنَى مَنَعَتْنَا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهَا (يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ) مِنَ الْغَدْرِ وَهُوَ تَرْكُ الْوَفَاءِ (لِوَاءٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَيْ عَلِمَ إِعْلَامًا بِسُوءِ حَالِهِ وَقُبْحِ مَآلِهِ (بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْغَدْرِ (وَلَا غَدْرَةَ أَعْظَمَ مِنْ غَدْرَةِ إِمَامٍ عَامَّةٍ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَرَادَ بِهِ الْمُتَغَلِّبَ الَّذِي يَسْتَوْلِي عَلَى أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَبِلَادِهِمْ بِتَأْمِيرِ الْعَامَّةِ وَمُعَاضَدَتِهِمْ إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ مُؤَامَرَةٍ مِنَ الْخَاصَّةِ وَأَهْلِ الْعَقْدِ مِنْ أُولِي الْعِلْمِ وَمَنْ يَنْضَمُّ إِلَيْهِمْ مِنْ ذَوِي السَّابِقَةِ وَوُجُوهِ النَّاسِ (يُرْكَزُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُغْرَزُ كَمَا فِي رواية (لواءه عِنْدَ اسْتِهِ) بِهَمْزَةِ الْوَصْلِ مَكْسُورَةٍ الْعَجُزُ أَوْ حلقة الدبر أي ينصب لواءه عِنْدَ اسْتِهِ تَحْقِيرًا لَهُ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (خُلِقُوا) أَيْ جُبِلُوا عَلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ فِيهِمْ مِنِ اخْتِيَارِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ (عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى) أَيْ مَرَاتِبَ مُخْتَلِفَةٍ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَأَوْقَاتِهِمَا (فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا) أَيْ مِنْ أَبَوَيْهِ الْمُؤْمِنَيْنِ أَوْ فِي بِلَادِ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ حِينَ يُولَدُ قَبْلَ التَّمْيِيزِ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ إِلَّا بِاعْتِبَارِ مَا عَلِمَ اللَّهُ فيه من الأزل أو باعتبار ما يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ (يَحْيَى) أَيْ يَعِيشُ فِي جَمِيعِ عُمْرِهِ مِنْ حِينِ تَمْيِيزِهِ إِلَى انْتِهَاءِ عُمْرِهِ (مُؤْمِنًا) أَيْ كَامِلًا أَوْ نَاقِصًا (وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا) أَيْ وَكَذَلِكَ جَعَلَنَا اللَّهُ مِنْهُمْ (وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا) أَيْ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ وَهُوَ لَا يُنَافِي مَا وَرَدَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا قَابِلِيَّةُ قَبُولِ الْهِدَايَةِ لَوْلَا مَانِعٌ مِنْ بَوَاعِثِ الضَّلَالَةِ كَمَا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ الْحَدِيثُ (وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَى كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا) فَالْعِبْرَةُ بِالْخَوَاتِيمِ وَكَأَنَّ التَّقْسِيمَ غَالِبِيٌّ وَإِلَّا فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَى كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَى مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا وَلَعَلَّ عَدَمَ ذِكْرِهِمَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْخَاتِمَةِ وَقَدْ عَلِمْتَ مِمَّا ذُكِرَ إِجْمَالًا

(أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ (وَإِنَّ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ بَنِي آدَمَ (الْبَطِيءَ الْغَضَبِ) فَعِيلَ مِنَ الْبُطْءِ مَهْمُوزٌ وَقَدْ يُبْدَلُ وَيُدْغَمُ وَهُوَ ضِدُّ السَّرِيعِ (سَرِيعَ الْفَيْءِ) أَيْ سَرِيعَ الرُّجُوعِ مِنَ الْغَضَبِ (وَمِنْهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ فَتِلْكَ بِتِلْكَ) وَفِي الْمِشْكَاةِ فَإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى قَالَ القارىء أَيْ إِحْدَى الْخَصْلَتَيْنِ مُقَابَلَةٌ بِالْأُخْرَى وَلَا يَسْتَحِقُّ الْمَدْحَ وَالذَّمَّ فَاعِلُهُمَا لِاسْتِوَاءِ الْحَالَتَيْنِ فِيهِ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ فَلَا يُقَالُ فِي حَقِّهِ إِنَّهُ خَيْرُ الناس ولا شرهم انتهى وههنا قِسْمٌ رَابِعٌ لَمْ يَذْكُرْهُ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ فَفِي الْمِشْكَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ بَطِيءَ الْغَضَبِ بطيء الفيء فإحداهما بالأخرى قال القارىء وَالتَّقْسِيمُ بِمُقْتَضَى الْعَقْلِ رُبَاعِيٌّ لَا خَامِسَ لَهُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ فِيهِ جَمِيعِ الْأَخْلَاقِ الْمَرْضِيَّةِ وَالدَّنِيَّةِ وَأَنَّ كَمَالَهُ أَنْ تَغْلِبَ لَهُ الصِّفَاتُ الْحَمِيدَةُ عَلَى الذَّمِيمَةِ لَا أَنَّهَا تَكُونُ مَعْدُومَةً فِيهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بقوله تعالى والكاظمين الغيظ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَالْعَادِمِينَ إِذْ أَصْلُ الْخَلْقِ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَتَبَدَّلُ وَلِذَا وَرَدَ وَلَوْ سَمِعْتُمْ أَنَّ جَبَلًا زَالَ عَنْ مَكَانِهِ فَصَدِّقُوهُ وَإِنْ سَمِعْتُمْ أَنَّ رَجُلًا تَغَيَّرَ عَنْ خَلْقِهِ أَيِ الْأَصْلِيِّ فَلَا تُصَدِّقُوهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَبْدِيلِ الْأَخْلَاقِ فِي الْجُمْلَةِ دُعَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِصَالِحِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِصَالِحِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ انْتَهَى (أَلَا وَإِنَّ مِنْهُمْ حَسَنَ الْقَضَاءِ) أَيْ مُسْتَحْسَنَ الْأَدَاءِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ (حَسَنَ الطَّلَبِ) أَيْ إِذَا كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى أحد (ومنهم سيء الْقَضَاءِ حَسَنُ الطَّلَبِ) أَيْ فَإِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى كَمَا في رواية (ومنهم حسن القضاء سيء الطَّلَبِ فَتِلْكَ بِتِلْكَ) وَفِي الْمِشْكَاةِ مِنْكُمْ مَنْ يَكُونُ حَسَنَ الْقَضَاءِ وَإِذَا كَانَ لَهُ أَفْحَشَ في الطلب قال القارىء بِأَنْ لَمْ يُرَاعِ الْأَدَبَ وَآذَى فِي تَقَاضِيهِ وَعَسُرَ عَلَى صَاحِبِهِ فِي الطَّلَبِ (أَلَا وَإِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ) أَيْ حَرَارَةٌ غَرِيزِيَّةٌ وَحِدَةٌ جِبِلِّيَّةٌ مُشْعِلَةٌ جَمْرَةَ نَارٍ مَكْمُونَةٍ فِي كَانُونِ النَّفْسِ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ كَمَا يُوجَدُ مِثْلُ هَذَا عِنْدَ حَرَارَةِ الطَّبِيعَةِ فِي أَثَرِ الْحُمَّى

باب ما جاء في الشام

وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأَوْدَاجُ مَا أَحَاطَ بِالْعُنُقِ مِنَ الْعُرُوقِ الَّتِي يَقْطَعُهَا الذَّابِحُ وَاحِدُهَا وَدَجٌ بِالتَّحْرِيكِ وَقِيلَ الْوَدَجَانِ هُمَا عِرْقَانِ غَلِيظَانِ عَنْ جَانِبَيْ ثُغْرَةِ النَّحْرِ انْتَهَى فَمَنْ أَحَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَيْ أَدْرَكَ ظُهُورَ أَثَرٍ مِنْهُ أَوْ مَنْ عَلِمَ فِي بَاطِنِهِ شَيْئًا مِنْهُ فَلْيَلْصَقْ بِالْأَرْضِ مِنْ بَابِ عَلِمَ يَعْلَمُ أَيْ فَلْيَلْتَزِقْ بِهَا حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُهُ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّعَةِ عَنِ الِاسْتِعْلَاءِ وَتَذْكَارِ أَنَّ مَنْ كَانَ أَصْلُهُ مِنَ التُّرَابِ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يَتَكَبَّرَ وَلَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا أَيْ فِي جُمْلَةِ مَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ يَعْنِي نِسْبَةُ مَا بَقِيَ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا إِلَى جُمْلَةِ مَا مَضَى كَنِسْبَةِ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا إِلَى مَا مَضَى مِنْهُ وَقَوْلُهُ إِلَّا كَمَا بَقِيَ مُسْتَثْنًى مِنْ فَاعِلِ لَمْ يَبْقَ أَيْ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مِثْلُ مَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هذا قوله (هذا حديث حسن) في مسنده عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ صَدُوقٌ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ ضَعِيفٌ عِنْدَ غَيْرِهِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَأَبِي زَيْدِ بْنِ أَخْطَبَ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مَرْيَمَ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي زَيْدِ بْنِ أَخْطَبَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ فِي الْفِتَنِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ وَأَبِي مَرْيَمَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشَّامِ) [2192] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسِ بْنِ هِلَالٍ الْمُزَنِيِّ أَبِي مُعَاوِيَةَ صَحَابِيٌّ نَزِيلُ الْبَصْرَةِ قَوْلُهُ إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ أَيْ لِلْقُعُودِ فِيهَا أَوِ التوجه إليها (لا تزال) بالمثناة

الْفَوْقِيَّةُ أَوَّلُهُ (طَائِفَةٌ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الطَّائِفَةُ الْجَمَاعَةُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الطَّائِفَةُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ وَتَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ نَفْسًا طَائِفَةً (مَنْصُورِينَ) أَيْ غَالِبِينَ عَلَى أَعْدَاءِ الدِّينِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَيْ تَرَكَ نُصْرَتَهُمْ وَمُعَاوَنَتَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَيْ تَقْرَبَ السَّاعَةُ وَهُوَ خُرُوجُ الرِّيحِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَاسْتُشْكِلَ بِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ الْحَدِيثَ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ الَّذِينَ تَقُومُ عَلَيْهِمُ السَّاعَةُ قَوْمٌ يَكُونُونَ بِمَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ وَبِمَوْضِعٍ آخَرَ تَكُونُ طَائِفَةٌ يُقَاتِلُونَ عَنِ الْحَقِّ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْمُرَادُ بِهِمُ الَّذِينَ يَحْصُرُهُمُ الدَّجَّالُ إِذَا خَرَجَ فَيَنْزِلُ عِيسَى إِلَيْهِمْ فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِنْدَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ الَّتِي تَهُبُّ بَعْدَهُ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ وَهُنَاكَ يَتَحَقَّقُ خُلُوُّ الْأَرْضِ عَنْ مُسْلِمٍ فَضْلًا عَنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الْكَرِيمَةِ وَهَذَا كَمَا فِي الْفَتْحِ أَوْلَى مَا يُتَمَسَّكُ بِهِ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ انْتَهَى (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) يَعْنِي الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (قَالَ عَلِيُّ بْنُ المديني) هُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ السَّعْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِمَامٌ أَعْلَمُ أَهْلِ عَصْرِهِ بِالْحَدِيثِ وَعِلَلِهِ حَتَّى قَالَ الْبُخَارِيُّ مَا اسْتَصْغَرْتُ نَفْسِي إِلَّا عِنْدَهُ وقال فيه شيخه بن عُيَيْنَةَ كُنْتُ أَتَعَلَّمُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَعَلَّمُهُ مِنِّي وَقَالَ النَّسَائِيُّ كَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ لِلْحَدِيثِ (هُمْ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ) وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَهُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وأخرج الحاكم فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَحْمَدَ إِنْ لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ الْحَدِيثِ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ وَمِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ مِثْلُهُ انْتَهَى قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ إِنَّمَا أَرَادَ أَحْمَدُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ مُتَفَرِّقَةٌ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ شُجْعَانٌ مُقَاتِلُونَ وَمِنْهُمْ فُقَهَاءُ وَمِنْهُمْ مُحَدِّثُونَ وَمِنْهُمْ زُهَّادٌ وَآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَنَاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَمِنْهُمْ أَهْلُ أَنْوَاعٍ أُخْرَى مِنَ الْخَيْرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا مُجْتَمِعِينَ بَلْ قَدْ يَكُونُونَ مُتَفَرِّقِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حوالة وبن عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو

باب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض

أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وأما حديث بن عُمَرَ وَحَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ فَضْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْمَنَاقِبِ وَلِابْنِ عُمَرَ حَدِيثٌ آخَرُ يَأْتِي فِي بَابِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ قِبَلِ الْحِجَازِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا بَهْزٌ) بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَسُكُونِ هَاءٍ فَزَايٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بَهْزُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيُّ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التهذيب ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَذَكَرَهُ أَبُو الْفَضَائِلِ الصَّغَانِيُّ فِيمَنِ اخْتُلِفَ فِي صُحْبَتِهِ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْهُ فَإِنَّهُ تَابِعِيٌّ قَطْعًا انْتَهَى (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا تَحْتَانِيَّةٌ ساكنة بن مُعَاوِيَةَ بْنِ كَعْبٍ الْقُشَيْرِيِّ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ قَوْلُهُ (وَنَحَا بِيَدِهِ) أَيْ أَشَارَ بِهَا (نَحْوَ الشَّامِ) أَيْ إِلَى جِهَةِ الشَّامِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَحَاهُ يَنْحُوهُ وَيَنْحَاهُ قَصَدَهُ كَانْتَحَاهُ وَالنَّحْوُ الطَّرِيقُ وَالْجِهَةُ وَرَوَى أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ بِلَفْظِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَأْمُرُنِي خِرْ لِي فَقَالَ بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ وَقَالَ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ رِجَالًا وَرُكْبَانًا وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِلَفْظِ عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيِ الْزَمُوا سُكْنَاهُ لِكَوْنِهَا أَرْضَ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ أَوِ الْمُرَادُ آخِرَ الزَّمَانِ لِأَنَّ جُيُوشَ الْمُسْلِمِينَ تَنْزَوِي إِلَيْهَا عِنْدَ غَلَبَةِ الْفَسَادِ قَالَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ كَمَا عَرَفْتَ 8 - (باب لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) [2193] قَوْلُهُ (لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي) أَيْ لَا تَصِيرُوا بَعْدَ مَوْتِي (كُفَّارًا) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ مُشَبَّهِينَ بِهِمْ فِي

باب ما جاء تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم

الْأَعْمَالِ (يَضْرِبْ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ) قَالَ الْحَافِظُ بِجَزْمِ يَضْرِبْ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ النَّهْيِ وَبِرَفْعِهِ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ أَوْ يُجْعَلُ حَالًا انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ لَا تَصِيرُوا بَعْدَ مَوْقِفِي هذا أي بعد موتي مستحلين القتال أولا لَا تَتَشَبَّهُوا بِالْكُفَّارِ فِي الْقِتَالِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وجرير وبن عُمَرَ وَكُرْزِ بْنِ عَلْقَمَةَ وَوَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَالصُّنَابِحِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ جَرِيرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ والنسائي وبن ماجة وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ كُرْزِ بْنِ عَلْقَمَةَ وَحَدِيثُ الصُّنَابِحِيِّ فَأَخْرَجَهُمَا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَحَدِيثُ الصُّنَابِحِيِّ أخرجه أيضا بن ماجة وأما حديث بن مَسْعُودٍ وَحَدِيثُ وَاثِلَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الفتن 9 - (باب ما جاء تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ) [2194] قوله (حدثنا الليث) هو بن سَعْدٍ (عَنْ عَيَّاشِ بْنِ عَبَّاسٍ) الْقِتْبَانِيِّ الْمِصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ) أَيْ عَظِيمَةٌ (الْقَاعِدُ فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ (خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ) لِأَنَّهُ يَرَى وَيَسْمَعُ مَا لَا يَرَاهُ وَلَا يَسْمَعُهُ الْقَاعِدُ فَيَكُونُ أَقْرَبَ مِنْ عَذَابِ تِلْكَ الْفِتْنَةِ بِمُشَاهَدَتِهِ مَا لَا يُشَاهِدُهُ الْقَاعِدُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقَاعِدِ هُوَ الثَّابِتُ فِي مَكَانِهِ غَيْرُ مُتَحَرِّكٍ لِمَا يَقَعُ مِنَ الْفِتْنَةِ فِي زَمَانِهِ وَالْمُرَادُ بِالْقَائِمِ مَا يَكُونُ فِيهِ نَوْعُ بَاعِثٍ وَدَاعِيَّةٍ لَكِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ فِي إِثَارَةِ الْفِتْنَةِ (وَالْقَائِمُ) فِي الْفِتْنَةِ أَيْ مِنْ بَعِيدٍ مُشْرِفٌ عَلَيْهَا أَوِ الْقَائِمُ بِمَكَانِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ (خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي) أَيْ مِنَ الذَّاهِبِ عَلَى رِجْلِهِ إِلَيْهَا (وَالْمَاشِي خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي) أَيِ الْمُسْرِعِ إِلَيْهَا مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا قَالَ الْحَافِظُ قَالَ بَعْضُ

الشُّرَّاحِ فِي قَوْلِهِ وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ أَيِ الْقَاعِدُ فِي زَمَانِهَا عَنْهَا قَالَ الْمُرَادُ بِالْقَائِمِ الَّذِي لَا يَسْتَشْرِفُهَا وَبِالْمَاشِي مَنْ يَمْشِي فِي أَسْبَابِهِ لِأَمْرٍ سِوَاهَا فَرُبَّمَا يَقَعُ بسبب مشيه في أمر يكرهه وحكى بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ يَكُونُ مُبَاشِرًا لَهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يَعْنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ فِي ذَلِكَ أَشَدُّ مِنْ بَعْضٍ فَأَعْلَاهُمْ فِي ذَلِكَ السَّاعِي فِيهَا بِحَيْثُ يَكُونُ سَبَبًا لِإِثَارَتِهَا ثُمَّ مَنْ يَكُونُ قَائِمًا بِأَسْبَابِهَا وَهُوَ الْمَاشِي ثُمَّ مَنْ يَكُونُ مُبَاشِرًا لَهَا وَهُوَ الْقَائِمُ ثُمَّ مَنْ يَكُونُ مَعَ النِّظَارَةِ وَلَا يُقَاتِلُ وَهُوَ الْقَاعِدُ ثُمَّ مَنْ يَكُونُ مُجْتَنِبًا لَهَا وَلَا يُبَاشِرُ وَلَا يَنْظُرُ وَهُوَ الْمُضْطَجِعُ الْيَقْظَانُ ثُمَّ مَنْ لَا يَقَعُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ رَاضٍ وَهُوَ النَّائِمُ وَالْمُرَادُ بِالْأَفْضَلِيَّةِ فِي هَذِهِ الْخَيْرِيَّةِ مَنْ يَكُونُ أَقَلَّ شَرًّا مِمَّنْ فَوْقَهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى (قَالَ) أَيْ سَعْدٌ (أَفَرَأَيْتَ) أَيْ فَأَخْبِرْنِي (إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (وَبَسَطَ يَدَهُ) أَيْ مَدَّهَا (كُنْ كَابْنِ آدَمَ) الْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْكَامِلِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ لَطِيفَةٌ أي أن هابيل المقتول المظلوم هو بن آدَمَ لَا قَابِيلُ الْقَاتِلُ الظَّالِمُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ وَلَدِ نُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غير صالح كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَا يَرَى الْقِتَالَ فِي الْفِتْنَةِ بِكُلِّ حَالٍ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي قِتَالِ الْفِتْنَةِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُقَاتَلُ فِي فِتَنِ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ دَخَلُوا عَلَيْهِ بَيْتَهُ وَطَلَبُوا قَتْلَهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمُدَافَعَةُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ الطَّالِبَ مُتَأَوِّلٌ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وغيره وقال بن عُمَرَ وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَيْرُهُمَا لَا يَدْخُلُ فِيهَا لَكِنْ إِنْ قَصَدَ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِهِ فَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى تَرْكِ الدُّخُولِ فِي جَمِيعِ فِتَنِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ مُعْظَمُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَعَامَّةُ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ يَجِبُ نَصْرُ الْمُحِقِّ فِي الْفِتَنِ وَالْقِيَامُ مَعَهُ بِمُقَاتَلَةِ الْبَاغِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي الْآيَةَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَتُتَأَوَّلُ الْأَحَادِيثُ عَلَى مَنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الْمُحِقُّ أَوْ عَلَى طَائِفَتَيْنِ ظَالِمَتَيْنِ لَا تَأْوِيلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُونَ لَظَهَرَ الْفَسَادُ وَاسْتَطَالَ أَهْلُ الْبَغْيِ وَالْمُبْطِلُونَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَخَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ وَأَبِي بكرة وبن مَسْعُودٍ وَأَبِي وَاقِدٍ وَأَبِي مُوسَى وَخَرْشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أبو موسى فأخرجه أحمد وأبو داود وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ خَرَشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يعلى

باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْفِتَنِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ 0 - (بَاب مَا جَاءَ سَتَكُونُ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ) [2195] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيِّ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى الْحُرَقَةِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (بَادِرُوا) أَيْ سَابِقُوا وَسَارِعُوا (بِالْأَعْمَالِ) أَيْ بِالِاشْتِغَالِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ (فِتَنًا) أَيْ وُقُوعَ فِتَنٍ (كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ جَمْعُ قِطْعَةٍ وَهِيَ طَائِفَةٌ وَالْمَعْنَى كَقِطَعٍ مِنَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ لِفَرْطِ سَوَادِهَا وَظُلْمَتِهَا وَعَدَمِ تَبَيُّنِ الصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ فِيهَا وَحَاصِلُ الْمَعْنَى تَعَجَّلُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ مَجِيءِ الْفِتَنِ الْمُظْلِمَةِ مِنَ الْقَتْلِ وَالنَّهْبِ وَالِاخْتِلَافِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ فَإِنَّكُمْ لَا تُطِيقُونَ الْأَعْمَالَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ فِيهَا وَالْمُرَادُ مِنَ التَّشْبِيهِ بَيَانُ حَالِ الْفِتَنِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بَشِيعٌ فَظِيعٌ وَلَا يُعْرَفُ سَبَبُهَا وَلَا طَرِيقُ الْخَلَاصِ مِنْهَا فَالْمُبَادَرَةُ الْمُسَارَعَةُ بِإِدْرَاكِ الشَّيْءِ قَبْلَ فَوَاتِهِ أَوْ بِدَفْعِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ (يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا) أَيْ مَوْصُوفًا بِأَصْلِ الْإِيمَانِ أَوْ بِكَمَالِهِ (وَيُمْسِي كَافِرًا) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ كَافِرًا لِلنِّعْمَةِ أَوْ مُشَابِهًا لِلْكَفَرَةِ أَوْ عَامِلًا عَمَلَ الْكَافِرِ وَقِيلَ الْمَعْنَى يُصْبِحُ مُحَرِّمًا مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَيُمْسِي مُسْتَحِلًّا إِيَّاهُ وَبِالْعَكْسِ قُلْتُ وَهَذَا الْمَعْنَى الْأَخِيرُ اخْتَارَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَدْ ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ (يَبِيعُ أَحَدُهُمْ دِينَهُ) أَيْ بِتَرْكِهِ (بِعَرَضٍ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ بِأَخْذِ مَتَاعٍ دَنِيءٍ وَثَمَنٍ رَدِيءٍ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ يُصْبِحُ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِحَالِ الْمُشَبَّهِ وَهُوَ قَوْلُهُ فِتَنًا وَقَوْلُهُ يَبِيعُ إِلَخْ بَيَانٌ لِلْبَيَانِ وَقَالَ الْمُظْهِرُ فِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ قِتَالٌ لِمُجَرَّدِ الْعَصَبِيَّةِ وَالْغَضَبِ فَيَسْتَحِلُّونَ الدَّمَ وَالْمَالَ وثَانِيهَا أَنْ يَكُونَ وُلَاةُ الْمُسْلِمِينَ ظَلَمَةً فَيُرِيقُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَيَأْخُذُونَ

أَمْوَالَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَزْنُونَ وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ فَيَعْتَقِدُ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُمْ عَلَى الْحَقِّ وَيُفْتِيهِمْ بَعْضُ عُلَمَاءِ السُّوءِ عَلَى جَوَازِ مَا يَفْعَلُونَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ إِرَاقَةِ الدِّمَاءِ وَأَخْذِ الْأَمْوَالِ وَنَحْوِهَا وَثَالِثُهَا مَا يَجْرِي بَيْنَ النَّاسِ مِمَّا يُخَالِفُ الشَّرْعَ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالْمُبَايَعَاتِ وَغَيْرِهَا فَيَسْتَحِلُّونَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ [2196] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرِ) بْنِ سُوَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ لَقَبُهُ الشَّاهُ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ هِنْدِ بِنْتِ الْحَارِثِ) الْفِرَاسِيَّةِ وَيُقَالُ الْقُرَشِيَّةِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ لَيْلَةً) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ فَزِعًا (فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ) بِالنَّصْبِ بِفِعْلٍ لَازِمِ الْحَذْفِ قَالَهُ تَعَجُّبًا وَاسْتِعْظَامًا (مَاذَا) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ مُتَضَمِّنَةٌ لِمَعْنَى التَّعَجُّبِ وَالتَّعْظِيمِ (أُنْزِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنْزَلَ اللَّهُ بِإِظْهَارِ الْفَاعِلِ وَالْمُرَادُ بِالْإِنْزَالِ إِعْلَامُ الْمَلَائِكَةِ بِالْأَمْرِ الْمَقْدُورِ أَوْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْحَى إِلَيْهِ فِي نَوْمِهِ ذَاكَ بِمَا سَيَقَعُ بَعْدَهُ مِنَ الْفِتَنِ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِالْإِنْزَالِ قَالَهُ الْحَافِظُ (اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتْنَةِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ) عَبَّرَ عَنِ الرَّحْمَةِ بِالْخَزَائِنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى خزائن رحمة ربك وَعَنِ الْعَذَابِ بِالْفِتْنَةِ لِأَنَّهَا أَسْبَابُهُ قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ (مَنْ يُوقِظُ) اسْتِفْهَامٌ أَيْ هَلْ أَحَدٌ يُوقِظُ قَالَ الْحَافِظُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ مَنْ يُوقِظُ بَعْضَ خَدَمِهِ كَمَا قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَأَرَادَ أَصْحَابَهُ لَكِنْ هُنَاكَ عُرِفَ الَّذِي انْتُدِبَ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُنَا لَمْ يَذْكُرْ (صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ) جَمْعُ حُجْرَةٍ قَالَ فِي الصُّرَاحِ حُجْرَةٌ حَظِيرَةٌ شتروخانة خورد وَالْجَمْعُ حُجَرٌ مِثْلُ غُرْفَةٍ وَغُرَفٌ وَحُجُرَاتٌ بِضَمِّ الْجِيمِ انْتَهَى يَعْنِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوَاحِبِ الْحُجُرَاتِ أَزْوَاجَهُ وَإِنَّمَا خَصَّهُنَّ بِالْإِيقَاظِ لِأَنَّهُنَّ الْحَاضِرَاتُ أَوْ مِنْ بَابِ ابْدَأْ بِنَفْسِكَ ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ (يَا رُبَّ كَاسِيَةٍ) قِيلَ الْمُنَادَى فِيهِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ يَا سَامِعِينَ وَرُبَّ لِلتَّكْثِيرِ (عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ) قَالَ عِيَاضٌ الْأَكْثَرُ بِالْخَفْضِ عَلَى الْوَصْفِ لِلْمَجْرُورِ بِرُبَّ وَقَالَ غَيْرُهُ الْأَوْلَى الرَّفْعُ عَلَى إِضْمَارِ مُبْتَدَأٍ وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ النَّعْتِ أَيْ هِيَ عَارِيَةٌ وَالْفِعْلُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ رُبَّ مَحْذُوفٌ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ الْأَحْسَنُ الْخَفْضُ عَلَى النَّعْتِ لِأَنَّ رُبَّ حَرْفُ جَرٍّ يَلْزَمُ صَدْرَ الْكَلَامِ وَهَذَا رَأْيُ سِيبَوَيْهِ وَعِنْدَ الْكِسَائِيِّ هُوَ اسْمٌ مُبْتَدَأٌ وَالْمَرْفُوعُ خَبَرُهُ وَإِلَيْهِ كَانَ يَذْهَبُ

بَعْضُ شُيُوخِنَا انْتَهَى وَأَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ إِلَى مُوجِبِ اسْتِيقَاظِ أَزْوَاجِهِ أَيْ يَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ لَا يَتَغَافَلْنَ عَنِ الْعِبَادَةِ وَيَعْتَمِدْنَ عَلَى كَوْنِهِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَافِظُ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ كَاسِيَةٍ وَعَارِيَةٍ عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا بِالثِّيَابِ لِوُجُودِ الْغِنَى عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ لِعَدَمِ الْعَمَلِ فِي الدُّنْيَا ثَانِيهَا كَاسِيَةٍ بِالثِّيَابِ لَكِنَّهَا شَفَّافَةٌ لَا تَسْتُرُ عَوْرَتَهَا فَتُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ بِالْعُرْيِ جَزَاءً عَلَى ذَلِكَ ثَالِثُهَا كَاسِيَةٍ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَارِيَةٌ مِنَ الشَّكْلِ الَّذِي تَظْهَرُ ثَمَرَتُهُ فِي الْآخِرَةِ بِالثَّوَابِ رَابِعُهَا كَاسِيَةٍ جَسَدَهَا لَكِنَّهَا تَشُدُّ خِمَارَهَا مِنْ وَرَائِهَا فَيَبْدُو صَدْرُهَا فَتَصِيرُ عَارِيَةً فَتُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ خَامِسُهَا كَاسِيَةٍ مِنْ خِلْعَةِ التَّزَوُّجِ بِالرَّجُلِ الصَّالِحِ عَارِيَةٌ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَمَلِ فَلَا يَنْفَعُهَا صَلَاحُ زَوْجِهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى فلا أنساب بينهم ذَكَرَ هَذَا الْأَخِيرَ الطِّيبِيُّ وَرَجَّحَهُ لِمُنَاسَبَةِ الْمَقَامِ وَاللَّفْظَةُ وَإِنْ وَرَدَتْ فِي أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ قال بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الْمَفْتُوحَ فِي الْخَزَائِنِ تَنْشَأُ عَنْهُ فِتْنَةُ الْمَالِ بِأَنْ يُتَنَافَسَ فِيهِ فَيَقَعَ الْقِتَالُ بِسَبَبِهِ وَأَنْ يَبْخَلَ بِهِ فَيَمْنَعَ الْحَقَّ أَوْ يَبْطَرَ فَيُسْرِفَ فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْذِيرَ أَزْوَاجِهِ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَكَذَا غَيْرَهُنَّ مِمَّنْ بَلَغَهُ ذَلِكَ وَفِي الْحَدِيثِ النَّدْبُ إِلَى الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ عِنْدَ نُزُولِ الْفِتْنَةِ وَلَا سِيَّمَا فِي اللَّيْلِ لِرَجَاءِ وَقْتِ الْإِجَابَةِ لِتُكْشَفَ أَوْ يَسْلَمَ الدَّاعِي وَمَنْ دَعَا لَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ [2197] قَوْلُهُ (عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَعْدُ بْنُ سِنَانٍ وَيُقَالُ سِنَانُ بْنُ سَعْدٍ الْكِنْدِيُّ الْمِصْرِيُّ وَصَوَّبَ الثَّانِيَ الْبُخَارِيُّ وبن يُونُسَ صَدُوقٌ لَهُ أَفْرَادٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (تَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ) أَيْ قُدَّامَهَا مِنْ أَشْرَاطِهَا (فِتَنٌ) أَيْ فِتَنٌ عِظَامٌ وَمِحَنٌ جِسَامٌ (كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَيُسَكَّنُ أَيْ كُلُّ فِتْنَةٍ كَقِطْعَةٍ مِنَ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ فِي شِدَّتِهَا وَظُلْمَتِهَا وَعَدَمِ تَبَيُّنِ أَمْرِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْتِبَاسَهَا وَفَظَاعَتَهَا وَشُيُوعَهَا وَاسْتِمْرَارَهَا (يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الْفِتَنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِصْبَاحِ وَالْإِمْسَاءِ تَقَلُّبُ النَّاسِ فِيهَا وَقْتًا دُونَ وَقْتٍ لَا بِخُصُوصِ الزَّمَانَيْنِ فَكَأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ تَرَدُّدِ أَحْوَالِهِمْ وَتَذَبْذُبِ

أَقْوَالِهِمْ وَتَنَوُّعِ أَفْعَالِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَنَقْضٍ وَأَمَانَةٍ وَخِيَانَةٍ وَمَعْرُوفٍ وَمُنْكَرٍ وَسُنَّةٍ وَبِدْعَةٍ وَإِيمَانٍ وَكُفْرٍ (بِعَرَضِ الدُّنْيَا) أَيْ بِقَلِيلٍ مِنْ حُطَامِهَا وَالْعَرَضُ مَا عَرَضَ لَكَ مِنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُنْدُبٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَبِي مُوسَى) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَعَلَّ التِّرْمِذِيَّ أَشَارَ إِلَى حَدِيثٍ لَهُ آخَرَ غَيْرَ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا حَدِيثُ جُنْدُبٍ فلينظر من أخرجه وأما حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) لَمْ يُحَسِّنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ حَسَنٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ [2198] قَوْلُهُ (عَنْ هِشَامٍ) هو بن حَسَّانَ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ [2199] قَوْلُهُ (وَرَجُلٌ يَسْأَلُهُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِلَخْ (يَمْنَعُونَّا) بِتَشْدِيدِ النُّونِ صِفَةُ أُمَرَاءَ (حَقَّنَا) أَيْ مِنَ الْعَدْلِ وَإِعْطَاءِ الْغَنِيمَةِ (وَيَسْأَلُونَّا) أَيْ يَطْلُبُونَنَا (حَقَّهُمْ) مِنَ الطَّاعَةِ وَالْخِدْمَةِ (اسْمَعُوا) أَيْ ظَاهِرًا (وَأَطِيعُوا) أَيْ بَاطِنًا أَوِ اسْمَعُوا قَوْلًا وَأَطِيعُوا فِعْلًا (فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ مَا كُلِّفُوا مِنَ الْعَدْلِ وَإِعْطَاءِ حَقِّ الرَّعِيَّةِ (وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ) وَفِي بَعْضِ النسخ

باب ما جاء في الهرج بفتح الهاء وسكون الراء

وَإِنَّمَا عَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ أَيْ مِنَ الطَّاعَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْبَلِيَّةِ وَكَأَنَّ الْحَدِيثَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرسول إلا البلاغ المبين وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مَا كُلِّفَ بِهِ وَلَمْ يَتَعَدَّ حَدَّهُ قَالَ الطِّيبِيُّ قَدَّمَ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ لَيْسَ عَلَى الْأُمَرَاءِ إِلَّا مَا حَمَّلَهُ اللَّهُ وَكَلَّفَهُ عَلَيْهِمْ مِنَ الْعَدْلِ وَالتَّسْوِيَةِ فَإِذَا لَمْ يُقِيمُوا بِذَلِكَ فَعَلَيْهِمُ الْوِزْرُ وَالْوَبَالُ وَأَمَّا أَنْتُمْ فَعَلَيْكُمْ مَا كُلِّفْتُمْ بِهِ مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَأَدَاءِ الْحُقُوقِ فَإِذَا قُمْتُمْ بِمَا عَلَيْكُمْ فَاللَّهُ تَعَالَى يَتَفَضَّلُ عَلَيْكُمْ وَيُثِيبُكُمْ بِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْهَرْجِ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْهَرْجُ الْقِتَالُ وَالِاخْتِلَاطُ وَقَدْ هَرَجَ النَّاسُ يَهْرِجُونَ هَرْجًا إِذَا اخْتَلَفُوا وَأَصْلُ الْهَرْجِ الْكَثْرَةُ فِي الشَّيْءِ وَالِاتِّسَاعُ وَفِي الْقَامُوسِ هَرَجَ النَّاسُ يَهْرُجُونَ وَقَعُوا فِي فِتْنَةٍ وَاخْتِلَاطٍ وقتل انتهى [2200] قوله (عن شقيق) هو بن سَلَمَةَ الْأَسَدِيُّ أَبُو وَائِلٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَوْلُهُ (إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْفِتَنِ إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامًا (يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ) زَادَ الْبُخَارِيُّ وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ قَالَ الْحَافِظُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعِلْمَ يَرْتَفِعُ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ فَكُلَّمَا مَاتَ عَالِمٌ يَنْقُصُ الْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَقْدِ حَامِلِهِ وَيَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ الْجَهْلُ بِمَا كَانَ ذَلِكَ الْعَالِمُ يَنْفَرِدُ بِهِ عَنْ بَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ (وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْهَرْجُ قَالَ الْقَتْلُ) قَالَ الْحَافِظُ وَجَاءَ تَفْسِيرُ أَيَّامِ الْهَرْجِ فِيمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ اتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّ الفتن قد ظهرت فقال أما وبن الخطاب حي

فَلَا إِنَّمَا تَكُونُ بَعْدَهُ فَيَنْظُرُ الرَّجُلُ فَيُفَكِّرُ هَلْ يَجِدُ مَكَانًا لَمْ يَنْزِلْ بِهِ مِثْلُ مَا نَزَلَ بِمَكَانِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ فَلَا يَجِدُ فَتِلْكَ الْأَيَّامُ الَّتِي ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ وَفِي الْفِتَنِ ومسلم في العلم وأبو داود وبن مَاجَهْ فِي الْفِتَنِ وَأَمَّا حَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْفِتَنِ وَمُسْلِمٌ فِي الْعِلْمِ وبن مَاجَهْ فِي الْفِتَنِ [2201] قَوْلُهُ (عَنِ الْمُعَلَّى بْنِ زِيَادٍ) الْقُرْدُوسِيِّ بِضَمِّ الْقَافِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ صدوق قليل الحديث زاهد اختلف قول بن مَعِينٍ فِيهِ مِنَ السَّابِعَةِ (فَرَدَّهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ رَدَّهُ بِغَيْرِ الْفَاءِ أَيْ رَفَعَهُ (إِلَى مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ) الْمُزَنِيِّ صَحَابِيٌّ مِمَّنْ بَايَعَ الشَّجَرَةَ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَلِيٍّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ الَّذِي يُنْسَبُ إِلَيْهِ نَهَرُ مَعْقِلٍ بِالْبَصْرَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ هُوَ الَّذِي فَجَّرَ نَهَرَ مَعْقِلٍ بِالْبَصْرَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ) أَيِ الْفِتْنَةِ وَاخْتِلَاطِ أُمُورِ النَّاسِ (كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَسَبَبُ كَثْرَةِ فَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهِ أَنَّ النَّاسَ يَغْفُلُونَ عَنْهَا وَيَشْتَغِلُونَ عَنْهَا وَلَا يَتَفَرَّغُ لَهَا إِلَّا أَفْرَادٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم وبن ماجة

باب كناية عن ترك القتال

(باب ماجاء في اتخاذ السيف من خشب) (باب كِنَايَةً عَنْ تَرْكِ الْقِتَالِ) [2202] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ) هُوَ الرَّحَبِيُّ قَوْلُهُ (إِذَا وُضِعَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (السَّيْفُ) أَيِ الْمُقَاتَلَةُ بِهِ وَالْمُرَادُ وَقَعَ الْقِتَالُ بِسَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ كَرُمْحٍ وَنَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ وَخُصَّ السَّيْفُ بِغَلَبَةِ الْقِتَالِ بِهِ (فِي أُمَّتِي) أُمَّةِ الْإِجَابَةِ (لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) أَيْ يَبْقَى إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَلَدٍ يَكُونُ فِي آخَرَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مطولا 3 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي اتِّخَاذِ السَّيْفِ مِنَ خشب) [2203] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدٍ) الْحِمْيَرِيِّ الْبَصْرِيِّ الْمُؤَذِّنِ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ عُدَيْسَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا (بِنْتِ أُهْبَانَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ (بْنِ صَيْفِيٍّ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَتَحْتَانِيَّةٍ سَاكِنَةٍ وَفَاءٍ (الْغِفَارِيِّ) بِمَكْسُورَةٍ وَخِفَّةِ فَاءٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ هِيَ مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (إِلَى أَبِي) أَيْ أُهْبَانَ وَهُوَ صَحَابِيٌّ يُكَنَّى أَبَا مُسْلِمٍ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ (فَدَعَاهُ إِلَى الْخُرُوجِ مَعَهُ) أَيْ لِلْقِتَالِ (إِنَّ خليلي وبن عَمِّكَ) يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَهِدَ إِلَيَّ) أَيْ أَوْصَانِي قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَهِدَ إِلَيْهِ أَوْصَاهُ (أَنْ أَتَّخِذَ) مَفْعُولٌ لِقَوْلِهِ عَهِدَ (سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ) الْمُرَادُ بِاتِّخَاذِ السَّيْفِ مِنَ الْخَشَبِ الِامْتِنَاعُ عَنِ الْقِتَالِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 522 ج 4 قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 96 ج 5 [2204] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الْإِمَامُ الدَّارِمِيُّ (أَخْبَرَنَا سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ) أبو

باب ما جاء في أشراط الساعة

عَتَّابٍ الدَّلَّالُ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا هَمَّامُ) بْنُ يَحْيَى بْنِ دِينَارٍ الْعَوْذِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَيُقَالُ أَبُو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَرْوَانَ) بِمُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءٍ سَاكِنَةٌ كُنْيَتُهُ أَبُو قَيْسٍ الْأَوْدِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا خَالَفَ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (وَقَالَ فِي الْفِتْنَةِ) أَيْ فِي أَيَّامِهَا وَزَمَنِهَا وهو ظرف لقوله (كسروا فيها قسيكم) بكسرتين وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ جَمْعُ الْقَوْسِ وَفِي الْعُدُولِ عَنِ الْكَسْرِ إِلَى التَّكْسِيرِ مُبَالَغَةٌ لِأَنَّ بَابَ التَّفْعِيلِ لِلتَّكْثِيرِ وَكَذَا قَوْلُهُ (وَقَطِّعُوا) أَمْرٌ مِنَ التَّقْطِيعِ (فِيهَا أَوْتَارَكُمْ) جَمْعُ الْوَتْرِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ زه يَعْنِي جله كمان وَفِيهِ زِيَادَةٌ مِنَ الْمُبَالَغَةِ إِذْ لَا مَنْفَعَةَ لِوُجُودِ الْأَوْتَارِ مَعَ كَسْرِ الْقِسِيِّ أَوِ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا الْغَيْرُ وَلَا يَسْتَعْمِلُهَا فِي دُونِ الْخَيْرِ (وَالْزَمُوا فِيهَا أَجْوَافَ بُيُوتِكُمْ) أَيْ كُونُوا مُلَازِمِيهَا لِئَلَّا تَقَعُوا فِي الْفِتْنَةِ وَالْمُحَارِبِينَ فِيهَا (وَكُونُوا كَابْنِ آدَمَ) وَهُوَ هَابِيلُ حِينَ اسْتَسْلَمَ لِلْقَتْلِ وَقَالَ لِأَخِيهِ قَابِيلَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أريد أن تبوء بإثمي وإثمك الآية قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَشْرَاطِ السَّاعَةِ) أَيْ عَلَامَاتُهَا فَفِي النِّهَايَةِ الْأَشْرَاطُ الْعَلَامَاتُ وَاحِدَتُهَا شَرَطٌ بِالتَّحْرِيكِ وَبِهِ سُمِّيَتْ شُرَطُ السُّلْطَانِ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ عَلَامَاتٍ يُعْرَفُونَ بِهَا هَكَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ انْتَهَى [2205] قَوْلُهُ (لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْحَافِظُ عَرَفَ أَنَسٌ أنه لم

يَبْقَ أَحَدٌ مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ كَانَ آخِرَ مَنْ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَلَعَلَّ الْخِطَابَ بِذَلِكَ كَانَ لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ أَوْ كَانَ عَامًّا وَكَانَ تَحْدِيثُهُ بِذَلِكَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا النَّادِرَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَتْنُ مِنْ مَرْوِيِّهِ انْتَهَى (أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ) هُوَ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ لِأَنَّهُ اسْمُ إِنَّ وَالْمُرَادُ بِرَفْعِهِ مَوْتُ حَمَلَتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِقِلَّتِهِ أَوَّلُ الْعَلَامَةِ وَبِرَفْعِهِ آخِرُهَا أَوْ أُطْلِقَتِ الْقِلَّةُ وَأُرِيدَ بِهَا الْعَدَمُ كَمَا يُطْلَقُ العدم ويرادبه الْقِلَّةُ وَهَذَا أَلْيَقُ لِاتِّحَادِ الْمَخْرَجِ انْتَهَى (وَيُفْشُو الزنى) بِالْقَصْرِ عَلَى لُغَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ وَبِهَا جَاءَ التَّنْزِيلُ وَبِالْمَدِّ لِأَهْلِ نَجْدٍ وَالنِّسْبَةُ إِلَى الْأَوَّلِ زِنَوِيٌّ وَإِلَى الْآخَرِ زِنَاوِيٌّ (يُشْرَبُ الْخَمْرُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ عَلَى الْعَطْفِ وَالْمُرَادُ كَثْرَةُ ذلك واشتهاره (ويكثر النِّسَاءُ) قِيلَ سَبَبُهُ أَنَّ الْفِتَنَ تَكْثُرُ فَيَكْثُرُ الْقَتْلُ فِي الرِّجَالِ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَرْبِ دُونَ النساء وقال بن عَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى كَثْرَةِ الْفُتُوحِ فَتَكْثُرُ السَّبَايَا فَيَتَّخِذُ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ عِدَّةَ مَوْطُوءَاتٍ قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْعِلَّةِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْآتِي يَعْنِي فِي الزَّكَاةِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عَلَامَةٌ مَحْضَةٌ لَا بِسَبَبٍ آخَرَ بَلْ يُقَدِّرُ اللَّهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَنْ يَقِلَّ مَنْ يُولَدُ مِنَ الذُّكُورِ وَيَكْثُرَ مَنْ يُولَدُ مِنَ الْإِنَاثِ وَكَوْنُ كَثْرَةِ النِّسَاءِ مِنَ الْعَلَامَاتِ مُنَاسِبٌ لِظُهُورِ الْجَهْلِ وَرَفْعِ الْعِلْمِ انْتَهَى (وَيَقِلُّ) بِكَسْرِ الْقَافِ مِنَ الْقِلَّةِ (لِخَمْسِينَ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حَقِيقَةُ هَذَا الْعَدَدِ أَوْ يَكُونَ مَجَازًا عَنِ الْكَثْرَةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَيُرَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً (قَيِّمٌ وَاحِدٌ) بِالرَّفْعِ صِفَةٌ لِقَيِّمٍ أَيْ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِنَّ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ إِشْعَارًا بِمَا هُوَ مَعْهُودٌ مِنْ كَوْنِ الرِّجَالِ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ وَكَأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْخَمْسَةَ خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهَا مُشْعِرَةً بِاخْتِلَالِ الْأُمُورِ الَّتِي يَحْصُلُ بِحِفْظِهَا صَلَاحُ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَهِيَ الدِّينُ لِأَنَّ رَفْعَ الْعِلْمِ يُخِلُّ بِهِ وَالْعَقْلُ لِأَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ يُخِلُّ بِهِ وَالنَّسَبُ لِأَنَّ الزنى يُخِلُّ بِهِ وَالنَّفْسُ وَالْمَالُ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْفِتَنِ تُخِلُّ بِهِمَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ اخْتِلَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ مُؤْذِنًا بِخَرَابِ الْعَالَمِ لِأَنَّ الْخَلْقَ لَا يُتْرَكُونَ هَمَلًا وَلَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّنَا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ والنسائي وبن ماجة [2206] قَوْلُهُ (عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ) الْهَمْدَانِيِّ الْيَامِيِّ بِالتَّحْتَانِيَّةِ كُنْيَتُهُ أَبُو عَدِيٍّ الْكُوفِيُّ وَلِيَ قَضَاءَ الرَّيِّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ 5 - قوله (من الحجاج) أي بن يُوسُفَ الثَّقَفِيِّ الْأَمِيرِ الْمَشْهُورِ وَالْمُرَادُ شَكْوَاهُمْ مَا يَلْقَوْنَ مِنْ ظُلْمِهِ لَهُمْ وَتَعَدِّيهِ قَدْ ذَكَرَ الزُّبَيْرُ فِي الْمُوَفَّقِيَّاتِ مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ كَانَ عُمَرُ فَمَنْ بَعْدَهُ إِذَا أَخَذُوا الْعَاصِيَ أَقَامُوهُ لِلنَّاسِ وَنَزَعُوا عِمَامَتَهُ فَلَمَّا كَانَ زِيَادٌ ضَرَبَ فِي الْجِنَايَاتِ بِالسِّيَاطِ ثُمَّ زَادَ مُصْعَبُ بْنُ الزُّبَيْرِ حَلْقَ اللِّحْيَةِ فَلَمَّا كَانَ بِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ سَمَّرَ كَفَّ الْجَانِي بِمِسْمَارٍ فَلَمَّا قَدِمَ الْحَجَّاجُ قَالَ هَذَا كُلُّهُ لَعِبٌ فَقَتَلَ بِالسَّيْفِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَقَالَ مَا مِنْ عَامٍ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَقَالَ اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ (حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ) أَيْ حَتَّى تَمُوتُوا وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثٍ آخَرَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ بن بَطَّالٍ هَذَا الْخَبَرُ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِإِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَسَادِ الْأَحْوَالِ وَذَلِكَ مِنَ الْغَيْبِ الَّذِي لَا يُعْلَمُ بِالرَّأْيِ وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِالْوَحْيِ انْتَهَى وَقَدِ اسْتُشْكِلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ مَعَ أَنَّ بَعْضَ الْأَزْمِنَةِ تَكُونُ فِي الشَّرِّ دُونَ الَّتِي قَبْلَهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إِلَّا زَمَنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ بَعْدَ زَمَنِ الْحَجَّاجِ بِيَسِيرٍ وَقَدِ اشْتُهِرَ الْخَيْرُ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عبد العزيز بل لو قيل إن الشرا ضمحل فِي زَمَانِهِ لَمَّا كَانَ بَعِيدًا فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ شَرًّا مِنَ الزَّمَنِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَدْ حَمَلَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَلَى الْأَكْثَرِ الْأَغْلَبِ فَسُئِلَ عَنْ وُجُودِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بَعْدَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ تَنْفِيسٍ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفْضِيلِ تَفْضِيلُ مَجْمُوعِ الْعَصْرِ عَلَى مَجْمُوعِ الْعَصْرِ فَإِنَّ عَصْرَ الْحَجَّاجِ كَانَ فِيهِ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الأحياء وفي

عصر عمر بن عبد العزيز انفرضوا وَالزَّمَانُ الَّذِي فِيهِ الصَّحَابَةُ خَيْرٌ مِنَ الزَّمَانِ الَّذِي بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ ثُمَّ وَجَدْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ التَّصْرِيحَ بِالْمُرَادِ وَهُوَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ فَأَخْرَجَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ لَسْتُ أَعْنِي رَخَاءً مِنَ الْعَيْشِ يُصِيبُهُ وَلَا مَالًا يُفِيدُهُ وَلَكِنْ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ يَوْمٌ إِلَّا وَهُوَ أَقَلُّ عِلْمًا مِنَ الْيَوْمِ الَّذِي مَضَى قَبْلَهُ فَإِذَا ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ اسْتَوَى النَّاسُ فَلَا يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَهْلِكُونَ وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْهُ قَالَ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا وَهُوَ شَرٌّ مِمَّا كَانَ قَبْلَهُ أَمَا إِنِّي لَا أَعْنِي أَمِيرًا خَيْرًا مِنْ أَمِيرٍ وَلَا عَامًا خَيْرًا مِنْ عَامٍ وَلَكِنْ عُلَمَاؤُكُمْ وَفُقَهَاؤُكُمْ يَذْهَبُونَ ثُمَّ لَا تَجِدُونَ مِنْهُمْ خُلَفَاءَ وَيَجِيءُ قَوْمٌ يُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ وَفِي لَفْظٍ عَنْهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَمَا ذَاكَ بِكَثْرَةِ الْأَمْطَارِ وَقِلَّتِهَا وَلَكِنْ بِذَهَابِ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ يُحْدِثُ قَوْمٌ يُفْتُونَ فِي الْأُمُورِ بِرَأْيِهِمْ فَيَثْلِمُونَ الْإِسْلَامَ وَيَهْدِمُونَهُ وَاسْتَشْكَلُوا أيضا زمان عيسى بن مَرْيَمَ بَعْدَ زَمَانِ الدَّجَّالِ وَأَجَابَ الْكَرْمَانِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ الزَّمَانُ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ عِيسَى وَالْمُرَادُ جِنْسُ الزَّمَانِ الَّذِي فِيهِ الْأُمَرَاءُ وَإِلَّا فَمَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ زَمَانَ النَّبِيِّ الْمَعْصُومِ لَا شَرَّ فِيهِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَزْمِنَةِ مَا قَبْلَ وُجُودِ الْعَلَامَاتِ الْعِظَامِ كَالدَّجَّالِ وَمَا بَعْدَهُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَزْمِنَةِ الْمُتَفَاضِلَةِ فِي الشَّرِّ مِنْ زَمَنِ الْحَجَّاجِ فَمَا بَعْدَهُ إِلَى زَمَنِ الدَّجَّالِ وَأَمَّا زَمَنُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَهُ حُكْمٌ مُسْتَأْنَفٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَزْمِنَةِ الْمَذْكُورَةِ أَزْمِنَةَ الصَّحَابَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُمْ هُمُ الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ فَيَخْتَصُّ بِهِمْ فَأَمَّا مَنْ بَعْدَهُمْ فَلَمْ يُقْصَدْ فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ لَكِنَّ الصَّحَابِيَّ فَهِمَ التَّعْمِيمَ فَلِذَلِكَ أَجَابَ مَنْ شَكَا إِلَيْهِ الْحَجَّاجَ بِذَلِكَ وَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ أَوْ جُلُّهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ في الفتن [2207] قوله (حدثنا بن أَبِي عَدِيٍّ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ وَيُقَالُ إِنَّ كُنْيَتَهُ إِبْرَاهِيمُ أَبُو عَدِيٍّ السُّلَمِيُ مَوْلَاهُمُ الْقَسَمِيُّ أُنْزِلَ فِيهِمْ أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (لَا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض اللَّهُ اللَّهُ) بِالرَّفْعِ فِيهِمَا وَكُرِّرَ لِلتَّأْكِيدِ قَالَ

النَّوَوِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْقِيَامَةَ إِنَّمَا تَقُومُ عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَعْنِي حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَتَأْتِي الرِّيحُ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ فَتَقْبِضُ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ قُرْبِ السَّاعَةِ انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَى حَتَّى لَا يُقَالَ حَتَّى لَا يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ وَلَا يُعْبَدَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّ خَالِدَ بن الحارث أوثق من بن أبي عدي قَوْلُهُ (تَقِيءُ الْأَرْضُ) مُضَارِعٌ مِنَ الْقَيْءِ أَيْ تلقي الأرض (أفلاذ كبدها) قال القارىء بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعٌ الْفِلْذَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ الْمَقْطُوعَةُ طُولًا وَسُمِّيَ مَا فِي الْأَرْضِ كَبِدًا تَشْبِيهًا بِالْكَبِدِ الَّتِي فِي بَطْنِ الْبَعِيرِ لِأَنَّهَا أَحَبُّ مَا هُوَ مُخَبَّأٌ فِيهَا كَمَا أَنَّ الْكَبِدَ أَطْيَبُ مَا فِي بَطْنِ الْجَزُورِ وَأَحَبُّهُ إِلَى الْعَرَبِ وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي بَطْنِ الْبَعِيرِ لِأَنَّ بن الْأَعْرَابِيِّ قَالَ الْفِلْذَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْبَعِيرِ فَالْمَعْنَى تُظْهِرُ كُنُوزَهَا وَتُخْرِجُهَا مِنْ بُطُونِهَا إِلَى ظُهُورِهَا انْتَهَى (أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالطَّاءِ وَقَوْلُهُ (مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) لِبَيَانِ مُجْمَلِ الْحَالِ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَرْضَ تُلْقِي مِنْ بَطْنِهَا مَا فِيهِ مِنَ الْكُنُوزِ وَقِيلَ مَا وَسِخَ فِيهَا مِنَ الْعُرُوقِ الْمَعْدِنِيَّةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانَةِ وَشَبَّهَهَا بِأَفْلَاذِ الْكَبِدِ هَيْئَةً وَشَكْلًا فَإِنَّهَا قِطَعُ الْكَبِدِ الْمَقْطُوعَةِ طُولًا (قُطِعَتْ يَدِي) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَيَجِيءُ الْقَاتِلُ) أَيْ قَاتِلُ النَّفْسِ (فِي هَذَا) أَيْ فِي طَلَبِ هَذَا الْغَرَضِ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ هَذَا الْمَقْصُودِ (قُتِلْتُ) أَيْ مَنْ قَتَلْتُ مِنَ الْأَنْفُسِ (وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ) أَيْ قَاطِعُ الرَّحِمِ (ثُمَّ يَدَعُونَهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ يَتْرُكُونَ مَا قَاءَتْهُ الْأَرْضُ مِنَ الْكَنْزِ أَوِ الْمَعْدِنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو) اسْمُهُ مَيْسَرَةُ مَوْلَى الْمُطَّلِبِ الْمَدَنِيِّ أَبُو عُثْمَانَ ثِقَةٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدَ النَّاسِ) بِنَصْبِ أَسْعَدَ وَيُرْفَعُ أَيْ أَكْثَرُهُمْ مَالًا وَأَطْيَبُهُمْ عَيْشًا وَأَرْفَعُهُمْ مَنْصِبًا وَأَنْفَذُهُمْ حُكْمًا (بِالدُّنْيَا) أَيْ بِأُمُورِهَا أَوْ فِيهَا (لُكَعُ بْنُ لُكَعَ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْكَافِ غَيْرُ مَصْرُوفٍ أَيْ لَئِيمُ بْنُ لَئِيمٍ أَيْ رَدِيءُ النَّسَبِ دَنِيءُ الْحَسَبِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ وَلَا يُحْمَدُ لَهُ خُلُقٌ قاله القارىء وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ اللُّكَعُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْعَبْدُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْحَمَقِ وَالذَّمِّ يُقَالُ لِلرَّجُلِ لُكَعُ وَلِلْمَرْأَةِ لَكَاعِ وَقَدْ لَكِعَ الرَّجُلُ يَلْكَعُ لَكْعًا فَهُوَ أَلْكَعُ وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ فِي النِّدَاءِ وَهُوَ اللَّئِيمُ وَقِيلَ الْوَسَخُ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الصَّغِيرِ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ إِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَاءَ يَطْلُبُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ قَالَ أَثِمَ لُكَعُ فَإِنْ أُطْلِقَ عَلَى الْكَبِيرِ أُرِيدَ بِهِ الصَّغِيرُ الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْحَسَنِ قَالَ لرجل يالكع يُرِيدُ يَا صَغِيرًا فِي الْعِلْمِ وَالْعَقْلِ انْتَهَى وحذف ألف بن لِإِجْرَاءِ اللَّفْظَيْنِ مَجْرَى عَلَمَيْنِ لِشَخْصَيْنِ خَسِيسَيْنِ لَئِيمَيْنِ قال بن الْمَلَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِنَصْبِ أَسْعَدَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ يَكُونُ وَفِي بَعْضِهَا بِرَفْعِهِ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَكُونُ لِلشَّأْنِ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ تَفْسِيرٌ لِلضَّمِيرِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَسْعَدُ اسْمًا وَلُكَعَ بِنَصْبٍ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى كَمَا لَا يَخْفَى

باب ما جاء في علامة حلول المسخ والخسف

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ في دلائل النبوة والضياء المقدسي [2208] قَوْلُهُ تَقِيءُ الْأَرْضُ مُضَارِعٌ مِنَ الْقَيْءِ أَيْ تلقي الأرض أفلاذ كبدها قال القارىء بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعٌ الْفِلْذَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ الْمَقْطُوعَةُ طُولًا وَسُمِّيَ مَا فِي الْأَرْضِ كَبِدًا تَشْبِيهًا بِالْكَبِدِ الَّتِي فِي بَطْنِ الْبَعِيرِ لِأَنَّهَا أَحَبُّ مَا هُوَ مُخَبَّأٌ فِيهَا كَمَا أَنَّ الْكَبِدَ أَطْيَبُ مَا فِي بَطْنِ الْجَزُورِ وَأَحَبُّهُ إِلَى الْعَرَبِ وَإِنَّمَا قُلْنَا فِي بَطْنِ الْبَعِيرِ لِأَنَّ بن الْأَعْرَابِيِّ قَالَ الْفِلْذَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا لِلْبَعِيرِ فَالْمَعْنَى تُظْهِرُ كُنُوزَهَا وَتُخْرِجُهَا مِنْ بُطُونِهَا إِلَى ظهروها انتهى أمثال الأسطوان بضم الهمزة والطاء قوله مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِبَيَانِ مُجْمَلِ الْحَالِ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَرْضَ تُلْقِي مِنْ بَطْنِهَا مَا فِيهِ مِنَ الْكُنُوزِ وَقِيلَ ما وسخ مِنَ الْعُرُوقِ الْمَعْدِنِيَّةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانَةِ وَشَبَّهَهَا بِأَفْلَاذِ الْكَبِدِ هَيْئَةً وَشَكْلًا فَإِنَّهَا قِطَعُ الْكَبِدِ الْمَقْطُوعَةِ طُولًا قُطِعَتْ يَدِي بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَيَجِيءُ الْقَاتِلُ أَيْ قَاتِلُ النَّفْسِ فِي هَذَا أَيْ فِي طَلَبِ هَذَا الْغَرَضِ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ هَذَا الْمَقْصُودِ قُتِلْتُ أَيْ مَنْ قَتَلْتُ مِنَ الْأَنْفُسِ وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ أَيْ قَاطِعُ الرَّحِمِ ثُمَّ يَدَعُونَهُ بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ يَتْرُكُونَ مَا قَاءَتْهُ الْأَرْضُ مِنَ الْكَنْزِ أَوِ الْمَعْدِنِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي عَلَامَةِ حُلُولِ الْمَسْخِ وَالْخَسْفِ) [2210] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْفَرَجُ بن فضالة أَبُو فَضَالَةَ الشَّامِيُّ) التَّنُوخِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عن

محمد بن عمرو بْنِ عَلِيٍّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ جَدِّهِ مُرْسَلَةٌ قَوْلُهُ (خَصْلَةً) بِالْفَتْحِ أَيْ خُلَّةً (حَلَّ) أَيْ نَزَلَ أَوْ وَجَبَ (إِذَا كَانَ الْمَغْنَمُ) أَيِ الْغَنِيمَةُ (دِوَلًا) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَيُضَمُّ أَوَّلُهُ جَمْعُ دُولَةٍ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ وَهُوَ مَا يُتَدَاوَلُ مِنَ الْمَالِ فَيَكُونُ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَيْ إِذَا كَانَ الْأَغْنِيَاءُ وَأَصْحَابُ الْمَنَاصِبِ يَسْتَأْثِرُونَ بِحُقُوقِ الْفُقَرَاءِ أَوْ يَكُونُ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ أَمْوَالَ الْفَيْءِ تُؤْخَذُ غَلَبَةً وَأَثَرَةً صَنِيعُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَذَوِي الْعُدْوَانِ (وَالْأَمَانَةُ مَغْنَمًا) أَيْ بِأَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِوَدَائِعِ بَعْضِهِمْ وَأَمَانَاتِهِمْ فَيَتَّخِذُونَهَا كَالْمَغَانِمِ يَغْنَمُونَهَا (وَالزَّكَاةُ مَغْرَمًا) أَيْ بِأَنْ يَشُقَّ عَلَيْهِمْ أَدَاؤُهَا بِحَيْثُ يَعُدُّونَ إِخْرَاجَهَا غَرَامَةً (وَأَطَاعَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ) أَيْ فِيمَا تَأْمُرُهُ وَتَهْوَاهُ مُخَالِفًا لِأَمْرِ اللَّهِ (وَعَقَّ أُمَّهُ) أَيْ خَالَفَهَا فِيمَا تَأْمُرُهُ وَتَنْهَاهُ (وَبَرَّ صَدِيقَهُ) أَيْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ وَأَدْنَاهُ وَحَبَاهُ (وَجَفَا أَبَاهُ) أَيْ أَبْعَدَهُ وَأَقْصَاهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي وَأَدْنَى صَدِيقَهُ وأقصى أباه قال بن الْمَلَكِ خَصَّ عُقُوقَ الْأُمِّ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ عُقُوقُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَبَوَيْنِ مَعْدُودًا مِنَ الْكَبَائِرِ لِتَأَكُّدِ حَقِّهَا أَوْ لِكَوْنِ قَوْلِهِ وَأَقْصَى أَبَاهُ بِمَنْزِلَةِ وَعَقَّ أَبَاهُ فَيَكُونُ عُقُوقُهُمَا مَذْكُورًا (وَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ) أَيْ عَلَتْ أَصْوَاتُ النَّاسِ (فِي الْمَسَاجِدِ) بِنَحْوِ الْخُصُومَاتِ وَالْمُبَايَعَاتِ وَاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ قَالَ القارىء وَهَذَا مِمَّا كَثُرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ وَقَدْ نَصَّ بَعْضُ عُلَمَائِنَا يَعْنِي الْعُلَمَاءَ الْحَنَفِيَّةَ بِأَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ بِالذِّكْرِ حَرَامٌ انْتَهَى (وَكَانَ زَعِيمُ الْقَوْمِ) أَيِ الْمُتَكَفِّلُ بِأَمْرِهِمْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الزَّعِيمُ الْكَفِيلُ وَسَيِّدُ الْقَوْمِ وَرَئِيسُهُمْ وَالْمُتَكَلِّمُ عَنْهُمْ انْتَهَى (أَرْذَلَهُمْ) فِي الْقَامُوسِ الرذل والرذال والرذيل والأرذل الدُّونُ الْخَسِيسُ أَوِ الرَّدِيءُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (وَأُكْرِمَ الرَّجُلُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ عَظَّمَ النَّاسُ الْإِنْسَانَ (مَخَافَةَ شَرِّهِ) أَيْ خَشْيَةً مِنْ تَعَدِّي شَرِّهِ إِلَيْهِمْ (وَشُرِبَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (الْخُمُورُ) جَمِيعُهَا لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا إِذْ كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ أَيْ أَكْثَرَ النَّاسُ مِنْ شُرْبِهَا أَوْ تَجَاهَرُوا بِهِ (وَلُبِسَ الْحَرِيرُ) أَيْ لَبِسَهُ الرِّجَالُ بِلَا ضَرُورَةٍ (وَاتُّخِذَتِ الْقِيَانُ) أَيِ الْإِمَاءُ الْمُغَنِّيَاتُ جَمْعُ الْقَيْنَةِ (المعازف) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَهِيَ الدُّفُوفُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يُضْرَبُ كَذَا

فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَعَازِفُ الْمَلَاهِي كَالْعُودِ وَالطُّنْبُورِ الْوَاحِدُ عَزْفٌ أَوْ مِعْزَفٌ كَمِنْبَرٍ وَمِكْنَسَةٍ انْتَهَى (وَلَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا) أَيِ اشْتَغَلَ الْخَلَفُ بِالطَّعْنِ فِي السَّلَفِ الصَّالِحِينَ وَالْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ طَعَنَ الْخَلَفُ فِي السَّلَفِ وَذَكَرُوهُمْ بِالسُّوءِ وَلَمْ يَقْتَدُوا بِهِمْ في الأعمال الصالحة فكأنه لعنهم قال القارىء إِذَا كَانَتِ الْحَقِيقَةُ مُتَحَقِّقَةً فَمَا الْمُحْوِجُ إِلَى الْعُدُولِ عَنْهَا إِلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ وَقَدْ كَثُرَتْ كَثْرَةً لَا تَخْفَى فِي الْعَالَمِ قَالَ وَقَدْ ظَهَرَتْ طَائِفَةٌ لَاعِنَةٌ مَلْعُونَةٌ إِمَّا كَافِرَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ حَيْثُ لَمْ يَكْتَفُوا بِاللَّعْنِ وَالطَّعْنِ فِي حَقِّهِمْ بَلْ نَسَبُوهُمْ إِلَى الْكُفْرِ بِمُجَرَّدِ أَوْهَامِهِمِ الْفَاسِدَةِ وَأَفْهَامِهِمِ الْكَاسِدَةِ مِنْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَخَذُوا الْخِلَافَةَ وَهِيَ حَقُّ عَلِيٍّ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالْحَالُ أَنَّ هَذَا بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ سَلَفًا وَخَلَفًا وَلَا اعْتِبَارَ بِإِنْكَارِ الْمُنْكِرِينَ وَأَيُّ دَلِيلٍ لَهُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَكُونُ نَصًّا عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ انْتَهَى (فَلْيَرْتَقِبُوا) جَوَابُ إِذَا أَيْ فَلْيَنْتَظِرُوا (عِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ عِنْدَ وُجُودٍ مَا ذُكِرَ (رِيحًا حمراء) أي حدوث هبوب ريح حمراء (أوخسفا) أَيْ ذَهَابًا فِي الْأَرْضِ وَغَوْرًا بِهِمْ فِيهَا (أو مسخا) أَيْ قَلْبُ خِلْقَةٍ مِنْ صُورَةٍ إِلَى أُخْرَى قَوْلُهُ (وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَضَعْفُهُ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَحْمَدَ إِذَا حَدَّثَ عَنْ شَامِيِّينَ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَلَكِنَّهُ حَدَّثَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ مَنَاكِيرَ وَقَالَ أَيْضًا عَنْهُ يُحَدِّثُ عَنْ ثِقَاتٍ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ انْتَهَى قُلْتُ وَفِي الْحَدِيثِ انْقِطَاعٌ لِأَنَّ رِوَايَةَ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَدِّهِ عَلِيٍّ مُرْسَلَةٌ كَمَا عَرَفْتَ [2211] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ) الْكُلَاعِيُّ مَوْلَى خَوْلَانَ الْوَاسِطِيِّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ (عَنِ الْمُسْتَلِمِ بْنِ سَعِيدٍ) الثَّقَفِيِّ الْوَاسِطِيِّ صَدُوقٌ عَابِدٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ رُمَيْحٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ آخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ مُصَغَّرًا (الْجُذَامِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ نِسْبَةً إِلَى جُذَامَ قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَمَنِ كَذَا فِي لُبِّ اللُّبَابِ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْحِزَامِيُّ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ

رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَ إِذَا اتُّخِذَ الْفَيْءُ دِوَلًا وَعَنْهُ مُسْتَلِمُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ الترمذي واستغربه قال وقال بن الْقَطَّانِ رُمَيْحٌ لَا يُعْرَفُ انْتَهَى وَقَالَ فِي التقريب مجهول قوله (إذ اتُّخِذَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ إِذَا أُخِذَ (الْفَيْءُ) أَيِ الْغَنِيمَةُ (وَتُعُلِّمَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ (لِغَيْرِ الدِّينِ) أَيْ يَتَعَلَّمُونَ الْعِلْمَ لِطَلَبِ الْمَالِ وَالْجَاهِ لَا لِلدِّينِ وَنَشْرِ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لِإِظْهَارِ دِينِ اللَّهِ (وَأَدْنَى صَدِيقَهُ) أَيْ قَرَّبَهُ إِلَى نَفْسِهِ لِلْمُؤَانَسَةِ وَالْمُجَالَسَةِ (وَأَقْصَى أَبَاهُ) أَيْ أَبْعَدَهُ وَلَمْ يَسْتَصْحِبْهُ وَلَمْ يَسْتَأْنِسْ بِهِ (وَظَهَرَتِ الْأَصْوَاتُ) أَيِ ارْتَفَعَتْ (وَسَادَ الْقَبِيلَةَ) وَفِي مَعْنَاهُ الْبَلَدُ وَالْمَحَلَّةُ أَيْ صَارَ سَيِّدُهُمْ (وَظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ أَيِ الْإِمَاءُ الْمُغَنِّيَاتُ (وَزَلْزَلَةً) أَيْ حَرَكَةً عَظِيمَةً لِلْأَرْضِ (وَقَذْفًا) أَيْ رَمْيَ حِجَارَةٍ مِنَ السَّمَاءِ (وَآيَاتٍ) أَيْ عَلَامَاتٍ أُخَرَ لِدُنُوِّ الْقِيَامَةِ وَقُرْبِ السَّاعَةِ (تَتَابَعُ) بحذف إحدى التائين أَيْ يَتْبَعُ بَعْضُهَا بَعْضًا (كَنِظَامٍ) بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ عَقْدٍ مِنْ نَحْوِ جَوْهَرٍ وَخَرَزٍ (بَالٍ) أَيْ خَلِقٍ (قُطِعَ سِلْكُهُ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيِ انْقَطَعَ خَيْطُهُ (فَتَتَابَعَ) أَيْ مَا فِيهِ مِنَ الْخَرَزِ وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ بِخِلَافِ الْمَاضِي فَإِنَّهُ حَالٌ أَوِ اسْتِقْبَالٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَفِي سَنَدِهِ رُمَيْحٌ الْجُذَامِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا عرفت وروى أحمد والحاكم عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا الْآيَاتِ خَرَزَاتٍ مَنْظُومَاتٍ فِي سِلْكٍ فانقطع السلك فيتبع بعضها بَعْضًا [2212] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ) التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالرَّفْضِ وكان أيضا يخطىء من التاسعة

باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم

قَوْلُهُ (فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ) أَيْ يَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَسَكَتَ عَنْهُ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ويقال بن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سَابِطٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَيُقَالُ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ مِنَ الثَّالِثَةِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ كَهَاتَيْنِ يَعْنِي السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى [2213] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنُ هَيَّاجٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ) صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَرْحَبِيُّ) الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ) بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ رُبَّمَا دَلَّسَ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (بُعِثْتُ أَنَا فِي نَفَسِ السَّاعَةِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ لَا غَيْرُ أَرَادَ بِهِ قُرْبَهَا أَيْ حِينَ تَنَفَّسَتْ تَنَفُّسُهَا ظُهُورُ أَشْرَاطِهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَالصُّبْحِ إذا تنفس أَيْ ظَهَرَتْ آثَارُ طُلُوعِهِ وَبَعْثَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَوَّلِ أَشْرَاطِهَا هَذَا مَعْنَى كَلَامِ التُّورِبِشْتِيِّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ (فَسَبَقْتُهَا) أَيِ السَّاعَةُ فِي الْوُجُودِ (كَمَا سَبَقَتْ هَذِهِ) أَيِ السَّبَّابَةُ (هَذِهِ) أَيِ الوسطى أي وجود أو حسابا بِاعْتِبَارِ الِابْتِدَاءِ مِنْ جَانِبِ الْإِبْهَامِ وَعَدَلَ عَنِ الْإِبْهَامِ لِطُولِ الْفَصْلِ بَيْنَهُ وَالْمُسَبِّحَةِ (لِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى) فِي الْمِشْكَاةِ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ [2214] قَوْلُهُ (بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ فِي إِعْرَابِ الْمُسْنَدِ السَّاعَةَ بِالنَّصْبِ وَالْوَاوُ فِيهِ بِمَعْنَى مَعَ قَالَ وَلَوْ قُرِئَ بِالرَّفْعِ لَفَسَدَ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ بُعِثَتِ السَّاعَةُ وَلَا هُوَ فِي مَوْضِعِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ بَعْدُ وَأَجَازَ غَيْرُهُ الْوَجْهَيْنِ بَلْ جَزَمَ عِيَاضٌ بِأَنَّ الرَّفْعَ أَحْسَنُ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ الْمَجْهُولِ فِي بُعِثْتُ قَالَ وَيَجُوزُ النَّصْبُ وَذَكَرَ نَحْوَ تَوْجِيهِ أَبِي الْبَقَاءِ وَزَادَ أَوْ عَلَى ضَمِيرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَالُ نَحْوُ فَانْتَظِرُوا كَمَا قُدِّرَ فِي نَحْوِ جَاءَ الْبَرْدُ وَالطَّيَالِسَةُ فَاسْتَعَدُّوا قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَوَابُ عَنِ الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ أَبُو الْبَقَاءِ أَوَّلًا أَنْ يُضَمِّنَ بُعِثْتُ مَعْنًى يَجْمَعُ إِرْسَالَ الرَّسُولِ وَمَجِيءَ السَّاعَةِ نَحْوَ جِئْتُ وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّهَا نُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ مُبَالَغَةً فِي تَحَقُّقِ مَجِيئِهَا انْتَهَى (كَهَاتَيْنِ) قَالَ عِيَاضٌ أَشَارَ بِهَذَا الْحَدِيثِ إِلَى قِلَّةِ الْمُدَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعَةِ وَالتَّفَاوُتُ إِمَّا فِي الْمُجَاوَرَةِ وَإِمَّا فِي قَدْرِ مَا بَيْنَهُمَا وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ كَفَضْلِ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الَّذِي يَتَّجِهُ أَنْ يُقَالَ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَوَّلَ لَقَامَتِ السَّاعَةُ لِاتِّصَالِ إِحْدَى الْأُصْبُعَيْنِ بِالْأُخْرَى قَالَ بن التِّينِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ كَهَاتَيْنِ فَقِيلَ كَمَا بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى فِي الطُّولِ وَقِيلَ الْمَعْنَى لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا نَبِيٌّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ حَاصِلُ الْحَدِيثِ تَقْرِيبُ أَمْرِ السَّاعَةِ وسرعة مجيئها قال وعلى رواية النصب يكون التَّشْبِيهِ وَقَعَ بِالِانْضِمَامِ وَعَلَى الرَّفْعِ وَقَعَ بِالتَّفَاوُتِ وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ نِسْبَةَ تَقَدُّمِ الْبَعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ عَلَى قِيَامِ السَّاعَةِ كَنِسْبَةِ فَضْلِ إِحْدَى الْأُصْبُعَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَقِيلَ الْمُرَادُ اسْتِمْرَارُ دَعْوَتِهِ لَا تَفْتَرِقُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى كَمَا أَنَّ الْأُصْبُعَيْنِ لَا تَفْتَرِقُ إِحْدَاهُمَا عَنِ الْأُخْرَى وَرَجَّحَ الطِّيبِيُّ قَوْلَ الْبَيْضَاوِيِّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ تَقْرِيبُ أَمْرِ السَّاعَةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِحَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاعَةِ نَبِيٌّ كَمَا لَيْسَ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى أُصْبُعٌ أُخْرَى وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عِلْمُ وَقْتِهَا بِعَيْنِهِ لَكِنَّ سِيَاقَهُ يُفِيدُ قُرْبَهَا وَأَنَّ أَشْرَاطَهَا مُتَتَابِعَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَقَدْ جَاءَ أشراطها قَالَ الضَّحَّاكُ أَوَّلُ أَشْرَاطِهَا بَعْثَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحِكْمَةُ فِي تَقَدُّمِ الْأَشْرَاطِ إِيقَاظُ الْغَافِلِينَ وَحَثُّهُمْ عَلَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِعْدَادُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَمَا فَضْلُ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى) أَيْ فِي الطُّولِ وَالْمَعْنَى لَيْسَ بَيْنَهُمَا إِلَّا فَضْلٌ يَسِيرٌ وَزَادَ مُسْلِمٌ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ شُعْبَةُ وَسَمِعْتُ قَتَادَةَ يَقُولُ فِي قصصه كفضل

باب ما جاء في قتال الترك

إِحْدَيْهِمَا عَلَى الْأُخْرَى فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَهُ عَنْ أَنَسٍ أَوْ قَالَهُ قَتَادَةُ قَالَ الْحَافِظُ وَجَدْتُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مَرْفُوعَةً فِي حَدِيثِ أَبِي جُبَيْرَةَ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنِ الطَّبَرِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قِتَالِ التُّرْكِ) اخْتُلِفَ فِي أَصْلِ التُّرْكِ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُمْ بَنُو قُنْطُورَاءَ أُمَّةٌ كَانَتْ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ كُرَاعٌ هُمُ الدَّيْلَمُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُمْ جِنْسٌ مِنَ التُّرْكِ وَكَذَلِكَ أُلْغِزَ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ وَهُمْ مِنْ أَوْلَادِ يَافِثَ وَهُمْ أَجْنَاسٌ كَثِيرَةٌ وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ هُمْ بَنُو عَمِّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لَمَّا بَنَى ذُو الْقَرْنَيْنِ السَّدَّ كَانَ بَعْضُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ غَائِبِينَ فَتُرِكُوا لَمْ يَدْخُلُوا مَعَ قَوْمِهِمْ فَسُمُّوا التُّرْكَ وَقِيلَ إِنَّهُمْ مِنْ نَسْلِ تُبَّعٍ وَقِيلَ مِنْ وَلَدِ أَفْرِيدُونَ بْنِ سَامَ بْنِ نوح وقيل بن يافث لصلبه وقيل بن كُومِي بْنِ يَافِثَ كَذَا فِي الْفَتْحِ [2215] قَوْلُهُ (وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ) بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعَطَّارُ الْبَصْرِيُّ أَبُو بَكْرٍ نَزِيلُ مَكَّةَ لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ) بِفَتْحَتَيْنِ وَسُكُونٍ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ طُولُ شُعُورِهِمْ حَتَّى تَصِيرَ أَطْرَافُهَا فِي أَرْجُلِهِمْ مَوْضِعَ النِّعَالِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ نِعَالَهُمْ مِنَ الشَّعَرِ بِأَنْ يَجْعَلُوا نِعَالَهُمْ مِنْ شَعْرٍ مَضْفُورٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ التُّرْكَ قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ يَلْبَسُونَ الشَّعْرَ ويمشون في الشعر وزعم بن دِحْيَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْقُنْدُسُ الَّذِي يَلْبَسُونَهُ فِي الشَّرَابِيشِ قَالَ وَهُوَ جِلْدُ كَلْبِ الْمَاءِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ قُلْتُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورَةُ (كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ جَمْعُ الْمِجَنِّ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ التُّرْسُ (الْمُطْرَقَةُ) بِضَمِّ الميم وفتح

باب ما جاء إذا ذهب كسرى فلا كسرى بعده

الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ الْمُجَلَّدَةُ طَبَقًا فَوْقَ طَبَقٍ وَقِيلَ هي ألبست طراقا أَيْ جِلْدًا يَغْشَاهَا شَبَّهَ وُجُوهَهُمْ بِالتِّرْسَةِ لِبَسْطِهَا وَتَدْوِيرِهَا وَبِالْمُطْرَقَةِ لِغِلَظِهَا وَكَثْرَةِ لَحْمِهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَبُرَيْدَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَعَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ وَمُعَاوِيَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ تَغْلِبَ فَأَخْرَجَهُ البخاري وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى ذَكَرَ الْحَافِظُ لَفْظَهُ فِي الْفَتْحِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 9 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا ذَهَبَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَهُوَ لَقَبٌ لِكُلِّ مَنْ وَلِيَ مَمْلَكَةَ الْفُرْسِ قال بن الْأَعْرَابِيِّ الْكَسْرُ أَفْصَحُ فِي كِسْرَى وَكَانَ أَبُو حَاتِمٍ يَخْتَارُهُ وَأَنْكَرَ الزَّجَّاجُ الْكَسْرَ عَلَى ثَعْلَبَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ النِّسْبَةَ إِلَيْهِ كَسْرَوِيٌّ بِالْفَتْحِ وَرَدَّ عليه بن فَارِسٍ بِأَنَّ النِّسْبَةَ قَدْ يُفْتَحُ فِيهَا مَا هُوَ فِي الْأَصْلِ مَكْسُورٌ أَوْ مَضْمُومٌ كَمَا قَالُوا فِي بَنِي تَغْلِبَ بِكَسْرِ اللَّامِ تَغْلَبِيٌّ بِفَتْحِهَا وَفِي سَلَمَةَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى تَخْطِئَةِ الْكَسْرِ [2216] (وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ) لَقَبٌ لِكُلِّ مَنْ وَلِيَ مَمْلَكَةَ الرُّومِ (فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ قَدِ اسْتُشْكِلَ هَذَا مَعَ بَقَاءِ مَمْلَكَةِ الْفُرْسِ لِأَنَّ آخِرَهُمْ قُتِلَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ وَاسْتُشْكِلَ أَيْضًا مَعَ بَقَاءِ مَمْلَكَةِ الرُّومِ وَأُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْمُرَادَ لَا يَبْقَى كِسْرَى بِالْعِرَاقِ وَلَا قَيْصَرَ بِالشَّامِ وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَسَبَبُ الْحَدِيثِ أَنَّ قُرَيْشًا كَانُوا يَأْتُونَ الشَّامَ وَالْعِرَاقَ تُجَّارًا فَلَمَّا أَسْلَمُوا خَافُوا انْقِطَاعَ سَفَرِهِمْ إِلَيْهِمَا لِدُخُولِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لَهُمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ وَتَبْشِيرًا لَهُمْ بِأَنَّ مُلْكَهُمَا سَيَزُولُ عَنِ الْإِقْلِيمَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِي أَنَّ قَيْصَرَ بَقِيَ مُلْكُهُ وَإِنَّمَا ارْتَفَعَ مِنَ الشَّامِ وَمَا وَالَاهَا وَكِسْرَى ذَهَبَ مُلْكُهُ أَصْلًا وَرَأْسًا أَنَّ قيصر لما

باب لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من قبل الحجاز

جَاءَهُ كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلَهُ وَكَادَ أَنْ يُسْلِمَ وَكِسْرَى لَمَّا أَتَاهُ كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَزَّقَهُ فَدَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقَ مُلْكُهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ فَكَانَ كَذَلِكَ قَالَ الْخَطَّابُ مَعْنَاهُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ يَمْلِكُ مِثْلَ مَا يَمْلِكُ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ بِالشَّامِ وَبِهَا بَيْتُ الْمَقْدِسِ الَّذِي لَا يَتِمُّ لِلنَّصَارَى نُسُكٌ إِلَّا بِهِ وَلَا يَمْلِكُ عَلَى الرُّومِ أَحَدٌ إِلَّا كَانَ قَدْ دَخَلَهُ إِمَّا سِرًّا وَإِمَّا جَهْرًا فَانْجَلَى عَنْهَا قَيْصَرُ وَاسْتُفْتِحَتْ خَزَائِنُهُ وَلَمْ يَخْلُفْهُ أَحَدٌ مِنَ الْقَيَاصِرَةِ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ بَعْدَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان 0 - (بَابِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ قِبَلِ الْحِجَازِ) [2217] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ بَهْرَامَ التَّمِيمِيُّ أَبُو أَحْمَدَ وَأَبُو علي المروذي بتشديد الواو وَبِذَالٍ مُعْجَمَةٍ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيمِيُّ مَوْلَاهُمُ النَّحْوِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ الْكُوفَةِ ثِقَةٌ صَاحِبُ كِتَابٍ يُقَالُ إِنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى نَحْوَةَ بَطْنٌ مِنَ الْأَزْدِ لَا إِلَى عِلْمِ النَّحْوِ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (سَتَخْرُجُ نَارٌ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَةً وَهُوَ الظَّاهِرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْفِتْنَةُ (مِنْ حَضْرَمَوْتَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَفَتْحَتَيْنِ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ فَفِي الْقَامُوسِ حَضْرَمُوتُ بِضَمِّ الْمِيمِ بَلَدٌ وَقَبِيلَةٌ وَيُقَالُ هَذَا حَضْرَمَوْتُ وَيُضَافُ فَيُقَالُ حَضْرُمَوْتَ بِضَمِّ الراء وإن شئت لاتنون الثَّانِيَ (تَحْشُرُ النَّاسَ) أَيْ تَجْمَعُهُمُ النَّارُ وَتَسُوقُهُمْ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ (فَمَا تَأْمُرُنَا) أَيْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (فَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ) أَيْ خُذُوا طَرِيقَهَا وَالْزَمُوا فَرِيقَهَا فَإِنَّهَا سَالِمَةٌ مِنْ وُصُولِ النَّارِ الْحِسِّيَّةِ أَوِ الْحُكْمِيَّةِ إِلَيْهَا حِينَئِذٍ لِحِفْظِ مَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ إِيَّاهَا وَالْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ لَا يُطَابِقُ الْبَابَ فَتَفَكَّرْ وَتَأَمَّلْ

باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى يخرج كذابون

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي ذَرٍّ) أَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الْخَسْفِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ نَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ مَرْفُوعًا لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَخْرُجَ نَارٌ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ تُضِيءُ أَعْنَاقَ الْإِبِلِ بِبُصْرَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ 1 - (بَاب مَا جَاءَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ كَذَّابُونَ) [2218] قَوْلُهُ (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْبَعِثَ) أَيْ يَخْرُجَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَتَّى يُبْعَثَ قَالَ الْحَافِظُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ يُخْرَجُ وَلَيْسَ المراد بالبعث بمعنى الارسال المقارن للنبوة بل هُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الكافرين (كَذَّابُونَ دَجَّالُونَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَالَ الْحَافِظُ الدَّجَلُ التَّغْطِيَةُ وَالتَّمْوِيهُ وَيُطْلَقُ عَلَى الْكَذِبِ أَيْضًا فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ كَذَّابُونَ تَأْكِيدٌ (قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ) مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ عَدَدُهُمْ قَرِيبٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ الْآتِي بَعْدَ هَذَا وَكَذَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَكَذَا فِي أَحَادِيثَ أُخْرَى بِالْجَزْمِ أَنَّهُمْ ثَلَاثُونَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ دَجَّالُونَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْهُمْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَإِنِّي خَاتَمُ النَّبِيِّينَ لانبي بَعْدِي وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ الثَّلَاثِينَ بِالْجَزْمِ عَلَى طَرِيقِ جَبْرِ الْكَسْرِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ سَبْعُونَ كَذَّابًا وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَعِنْدَ أَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوُهُ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَهُوَ مَحْمُولٌ إِنْ ثَبَتَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْكَثْرَةِ لَا عَلَى التَّحْدِيدِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ مَنِ ادَّعَى النُّبُوَّةَ مُطْلَقًا فَإِنَّهُمْ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً لِكَوْنِ غَالِبِهِمْ يَنْشَأُ لَهُمْ ذَلِكَ عَنْ جُنُونٍ أَوْ سَوْدَاءَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَنْ قَامَتْ لَهُ شَوْكَةٌ وَبَدَتْ لَهُ شُبْهَةٌ هَذَا تَلْخِيصُ

كَلَامِ الْحَافِظِ وَقَدْ ذَكَرَ هُنَا عِدَّةً مِنَ الْكَذَّابِينَ الدَّجَّالِينَ وَذَكَرَ أَسْمَاءَهُمْ وَشَيْئًا مِنْ أَحْوَالِهِمْ (كُلَّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي قَوْلِهِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ الاتي وإني خاتم النبيين لانبي بَعْدِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ يَدَّعُونَ النُّبُوَّةَ مِنْهُمْ مَا ذُكِرَ مِنَ الثَّلَاثِينَ أَوْ نَحْوِهَا وَأَنَّ مَنْ زَادَ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ يَكُونُ كَذَّابًا فَقَطْ لَكِنْ يَدْعُو إِلَى الضَّلَالَةِ كَغُلَاةِ الرافضة والباطنية وأهل الوحدة والحلولية وسائر للفرق الدُّعَاةِ إِلَى مَا يُعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ خِلَافُ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ فَقَالَ عَلِيٌّ لِعَبْدِ اللَّهِ بن الكواء وإنك لمتهم وبن الْكَوَّاءِ لَمْ يَدَّعِ النُّبُوَّةَ وَإِنَّمَا كَانَ يَغْلُو فِي الرَّفْضِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَمُرَةَ وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ [2219] قَوْلُهُ (حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ) مِنْهَا مَا وَقَعَ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (الْأَوْثَانَ) أَيِ الْأَصْنَامَ (وَإِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنَ (كَذَّابُونَ) أَيْ فِي ادِّعَائِهِمِ النُّبُوَّةَ (وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (لانبي بَعْدِي) تَفْسِيرٌ لِمَا قَبْلَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْفِتَنِ مُطَوَّلًا

باب ما جاء في ثقيف كذاب ومبير

42 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ) [2220] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُصْمٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَيُقَالُ عَصْمَةَ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ كُنْيَتُهُ أَبُو عُلْوَانَ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللام الحنفي اليمامي نزل الكوفة صدوق يخطىء أفرط بن حِبَّانَ فِيهِ وَتَنَاقَضَ قَوْلُهُ (فِي ثَقِيفٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ ثَقِيفٌ كَأَمِيرٍ أَبُو قَبِيلَةٍ مِنْ هَوَازِنَ وَاسْمُهُ قَسِيُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ وَالنِّسْبَةُ ثَقَفِيٌّ مُحَرَّكَةٌ انْتَهَى (كَذَّابٌ) قِيلَ هُوَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ الزَّاعِمُ أَنَّ جِبْرِيلَ يَأْتِيهِ (وَمُبِيرٌ) أَيْ مُهْلِكٌ يُسْرِفُ فِي إِهْلَاكِ النَّاسِ يُقَالُ بَارَ الرَّجُلُ يَبُورُ بَوْرًا فَهُوَ بَائِرٌ وَأَبَارَ غَيْرَهُ فَهُوَ مُبِيرٌ وَهُوَ الْحَجَّاجُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي الْإِهْلَاكِ مِثْلَهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي بَابِ ذِكْرِ كَذَّابِ ثَقِيفٍ وَمُبِيرِهَا مِنْ كِتَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَاقِدِ) بْنِ مُسْلِمٍ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو مُسْلِمٍ الْوَاقِدِيُّ أَصْلُهُ بَصْرِيٌّ صَدُوقٌ يَغْلَطُ مِنَ الْعَاشِرَةِ (نَحْوَهُ) أَيْ نَحْوَ حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ سَلَامَةَ بِنْتِ الْحُرِّ قَالَ الْمُنَاوِيُّ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (وَشَرِيكٌ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُصْمٍ وَإِسْرَائِيلُ يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَصْمَةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُصْمٍ قَالَ الْآجُرِّيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ قَالَ إسرائيل عصمة

وَقَالَ شَرِيكٌ عُصْمٌ وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ الْقَوْلُ قَوْلُ شَرِيكٍ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيُّ أَنَّ الصَّوَابَ عُصْمٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (الْكَذَّابُ هُوَ المختار بن أبي عبيد) بالتصغير وهو بن مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ قَامَ بَعْدَ وَقْعَةِ الْحُسَيْنِ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى طَلَبِ ثَأْرِهِ وَكَانَ غَرَضُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَصْرِفَ إِلَى نَفْسِهِ وُجُوهَ النَّاسِ وَيَتَوَسَّلَ بِهِ إِلَى الْإِمَارَةِ وَكَانَ طَالِبًا لِلدُّنْيَا مُدَلِّسًا فِي تَحْصِيلِهَا كَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَفِي الْإِكْمَالِ لِصَاحِبِ الْمِشْكَاةِ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ هُوَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ كَانَ أَبُوهُ مِنْ أَجِلَّةِ الصَّحَابَةِ وَوُلِدَ الْمُخْتَارُ عَامَ الْهِجْرَةِ وَلَيْسَ لَهُ صُحْبَةٌ وَلَا رِوَايَةٌ وَهُوَ الَّذِي قَالَ فِي حَقِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَصْمَةَ هُوَ الْكَذَّابُ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثَقِيفٍ كَذَّابٌ كَانَ أَوَّلًا مَشْهُورًا بِالْفَضْلِ وَالْعِلْمِ وَالْخَيْرِ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا يُبْطِنُهُ إِلَى أَنْ فَارَقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَطَلَبَ الْإِمَارَةَ وَأَظْهَرَ مَا كَانَ يُبْطِنُ مِنْ فَسَادِ الرَّأْيِ وَالْعَقِيدَةِ وَالْهَوَى إِلَى أَنْ ظَهَرَ مِنْهُ أَسْبَابٌ كَثِيرَةٌ تُخَالِفُ الدِّينَ وَكَانَ يُظْهِرُ طَلَبَ ثَأْرِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيَتَمَشَّى أَمْرُهُ الَّذِي يَرُومُهُ مِنَ الْإِمَارَةِ وَطَلَبِ الدُّنْيَا وَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ إِلَى أَنْ قُتِلَ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ فِي أَيَّامِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ انْتَهَى (وَالْمُبِيرُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ) وَهُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ مُبَالَغَةً الْحَاجُّ بِمَعْنَى الْآتِي بِالْحُجَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هُوَ عَامِلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ عَلَى الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَبَعْدَهُ لِابْنِهِ الْوَلِيدِ مَاتَ بِوَاسِطَ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَعُمُرُهُ أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً قُلْتُ حَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ هَذَا هُوَ الْأَمِيرُ الظَّالِمُ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الظُّلْمِ وَالْقَتْلِ وَالسَّفْكِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلْمٍ الْبَلْخِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سُلَيْمَانُ بْنُ سَلْمِ بْنِ سَابِقٍ الْهَدَاوِيُّ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ أَبُو دَاوُدَ الْمُصَاحِفِيُّ الْبَلْخِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الحادية عشر قَوْلُهُ (أَحْصَوْا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالصَّادِ أَيِ اضْبُطُوا أَوْ عُدُّوا (صَبْرًا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ كُلُّ مَنْ قُتِلَ فِي غَيْرِ مَعْرَكَةٍ وَلَا حَرْبٍ وَلَا خَطَأٍ فَإِنَّهُ مَقْتُولٌ صَبْرًا

باب ما جاء في القرن الثالث

43 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الْقَرْنِ الثَّالِثِ) وَهُوَ قَرْنُ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ قَالَ النَّوَوِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ قَرْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحَابَةِ وَالثَّانِي التَّابِعُونَ وَالثَّالِثُ تَابِعُوهُمْ انْتَهَى [2221] قَوْلُهُ (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي) أَيْ أَهْلُ قَرْنِي قَالَ الْحَافِظُ وَالْمُرَادُ بِقَرْنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحَابَةُ وَقَدْ سَبَقَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ وَبُعِثْتُ فِي خيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ وَفِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْقَرْنُ الَّذِينَ بُعِثْتُ فِيهِمْ وَقَدْ ظَهَرَ أَنَّ الَّذِي بَيْنَ الْبَعْثَةِ وَآخِرِ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ مِائَةُ سَنَةٍ وَعِشْرُونَ سَنَةً أَوْ دُونَهَا أَوْ فَوْقَهَا بِقَلِيلٍ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي وَفَاةِ أَبِي الطُّفَيْلِ وَإِنِ اعْتُبِرَ ذَلِكَ مِنْ بَعْدِ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ تِسْعِينَ أَوْ سَبْعًا وَتِسْعِينَ وَأَمَّا قَرْنُ التَّابِعِينَ فَإِنِ اعْتُبِرَ مِنْ سَنَةِ مِائَةٍ كَانَ نحو

سَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ وَأَمَّا الَّذِينَ بَعْدَهُمْ فَإِنِ اعْتُبِرَ مِنْهَا كَانَ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّ مُدَّةَ الْقَرْنِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَعْمَارِ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ وَاتَّفَقُوا أَنَّ آخِرَ مَنْ كَانَ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ مِمَّنْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَنْ عَاشَ إِلَى حُدُودِ الْعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ انْتَهَى (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) أَيِ الْقَرْنَ الَّذِي بَعْدَهُمْ وَهُمُ التَّابِعُونَ (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) وَهُمْ أَتْبَاعُ التَّابِعِينَ وَيَأْتِي شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ وَتَخْرِيجُهُ فِي أبواب الشهادات ق [2222] وله (خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْتُ فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ) أَيْ عِمْرَانُ (وَلَا أَعْلَمُ أَذَكَرَ الثَّالِثَ أَمْ لَا) وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ عِمْرَانَ وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ طَرِيقِ زَهْدَمٍ عَنْ عِمْرَانَ قَالَ عِمْرَانُ فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الشَّكِّ فِي حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَجَاءَ فِي أَكْثَرِ الطُّرُقِ بِغَيْرِ شَكٍّ مِنْهَا عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَعَنْ مَالِكٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَسَمْوَيْهِ مَا يُفَسَّرُ بِهِ هَذَا السُّؤَالُ وَهُوَ مَا أَخْرَجَاهُ مِنْ طَرِيقِ بِلَالِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ فَقَالَ أَنَا وَقَرْنِي فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَلِلطَّيَالِسِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رَفَعَهُ خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا مِنْهُمْ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ وَوَقَعَ فِي حديث جعدة بن هبير عند بن أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيِّ إِثْبَاتُ الْقَرْنِ الرَّابِعِ وَلَفْظُهُ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الْآخَرُونَ أَرْدَأُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ جَعْدَةَ مُخْتَلَفٌ فِي صِحَّتِهِ انْتَهَى (يَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ) أَيْ لَا يَثِقُ النَّاسُ بِهِمْ وَلَا يَعْتَقِدُونَهُمْ أُمَنَاءَ بِأَنْ تَكُونَ خِيَانَتُهُمْ ظَاهِرَةً بِحَيْثُ لَا يَبْقَى لِلنَّاسِ اعْتِمَادٌ عَلَيْهِمْ (وَيَفْشُو) أَيْ يَظْهَرُ (فِيهِمُ السِّمَنُ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ بَعْدَهَا نُونٌ أَيْ يُحِبُّونَ التَّوَسُّعَ فِي الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَهِيَ أَسْبَابُ السِّمَنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب ما جاء في الخلفاء

44 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخُلَفَاءِ) [2223] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عُبَيْدِ) بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الطَّنَافِسِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (يَكُونُ مِنْ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ أَمِيرًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَنْقَضِي حَتَّى يَمْضِيَ فِيهِمِ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى له لا يزال أمر الناس ماضيا ماوليهم اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا وَفِي أُخْرَى لَهُ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ عَزِيزًا مَنِيعًا إِلَى اثَّنَى عَشَرَ خَلِيفَةً وَفِي أُخْرَى لَهُ لَا يَزَالُ الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ أَوْ يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ نَحْوُ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بِلَفْظِ لَا يَزَالُ أَمْرُ أُمَّتِي صَالِحًا وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ الْأَسْوَدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ نَحْوَهُ قَالَ وَزَادَ فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مَنْزِلِهِ أَتَتْهُ قُرَيْشٌ فَقَالُوا ثُمَّ يَكُونُ مَاذَا قَالَ الْهَرْجُ وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ بِلَفْظِ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَكُونَ عَلَيْكُمُ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ تَوَجَّهَ عَلَى هَذَا الْعَدَدِ سُؤَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُعَارِضُهُ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ سَفِينَةَ يعني الذي أخرجه أصحاب السنن وصححه بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا لِأَنَّ الثَّلَاثِينَ سَنَةً لَمْ يَكُنْ فِيهَا إِلَّا الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَأَيَّامُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَالثَّانِي أَنَّهُ وَلِيَ الْخِلَافَةَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ قَالَ وَالْجَوَابُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّهُ أَرَادَ فِي حَدِيثِ سَفِينَةَ خِلَافَةَ النُّبُوَّةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ بِذَلِكَ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَا يَلِي إِلَّا اثْنَا عَشَرَ وَإِنَّمَا قَالَ يَكُونُ اثْنَا عَشَرَ وَقَدْ وَلِيَ هَذَا الْعَدَدُ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ الزِّيَادةَ عَلَيْهِمْ قَالَ وَهَذَا إِنْ كَانَ اللَّفْظُ وَاقِعًا عَلَى كُلِّ مَنْ وَلِيَ وَإِلَّا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْخِلَافَةَ مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَقَدْ مَضَى مِنْهُمُ الْخُلَفَاءُ الأربعة ولابد مِنْ تَمَامِ الْعِدَّةِ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ يَفْتَرِقُ النَّاسُ عَلَيْهِمْ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمِائَةِ الْخَامِسَةِ فِي الْأَنْدَلُسِ وَحْدَهَا سِتُّهُ أَنْفُسٍ كُلُّهُمْ يَتَسَمَّى بِالْخِلَافَةِ وَمَعَهُمْ صَاحِبُ مِصْرَ وَالْعَبَّاسِيَّةِ بِبَغْدَادَ إِلَى مَنْ كَانَ يَدَّعِي الْخِلَافَةَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ مِنَ الْعَلَوِيَّةِ وَالْخَوَارِجِ قَالَ وَيُعَضِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي مُسْلِمٍ سَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ الِاثْنَا عَشَرَ فِي مُدَّةِ عِزَّةِ الْخِلَافَةِ وَقُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَاسْتِقَامَةِ أُمُورِهِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَى مَنْ يَقُومُ بِالْخِلَافَةِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ كُلُّهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِي مَنِ

اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ إِلَى أَنِ اضْطَرَبَ أَمْرُ بَنِي أُمَيَّةَ وَوَقَعَتْ بَيْنَهُمُ الْفِتْنَةُ زَمَنَ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ فَاتَّصَلَتْ بَيْنَهُمْ إِلَى أَنْ قَامَتِ الدَّوْلَةُ الْعَبَّاسِيَّةُ فَاسْتَأْصَلُوا أَمْرَهُمْ وَهَذَا الْعَدَدُ مَوْجُودٌ صَحِيحٌ إِذَا اعْتُبِرَ قَالَ وَقَدْ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أُخَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ نَبِيِّهِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَالِاحْتِمَالُ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَهُوَ اجْتِمَاعُ اثْنَيْ عَشَرَ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ كُلُّهُمْ يَطْلُبُ الخلافة هو الذي اختاره المهلب كَمَا تَقَدَّمَ وَقَدْ ذَكَرْتُ وَجْهَ الرَّدِّ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ يَرِدْ إِلَّا قَوْلُهُ كُلُّهُمْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ فَإِنَّ فِي وَجُودِهِمْ فِي عَصْرٍ وَاحِدٍ يُوجَدُ عَيْنُ الِافْتِرَاقِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ انْتَهَى ثُمَّ نَقَلَ الْحَافِظُ كَلَامَ بن الْجَوْزِيِّ عَنْ كِتَابِهِ كَشْفِ الْمُشْكِلِ ثُمَّ قَالَ وَيَنْتَظِمُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرَاهُ (يَعْنِي الْقَاضِيَ عياض وبن الْجَوْزِيِّ) أَوْجُهٌ أَرْجَحُهَا الثَّالِثُ مِنْ أَوْجُهِ الْقَاضِي لِتَأْيِيدِهِ بِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحَةِ كُلُّهُمْ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ النَّاسُ وَإِيضَاحُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاجْتِمَاعِ انْقِيَادُهُمْ لِبَيْعَتِهِ وَالَّذِي وَقَعَ أَنَّ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ عَلِيٍّ إِلَى أَنْ وَقَعَ أَمْرُ الْحَكَمَيْنِ فِي صِفِّينَ فَسُمِّيَ مُعَاوِيَةُ يَوْمَئِذٍ بِالْخِلَافَةِ ثُمَّ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى مُعَاوِيَةَ عِنْدَ صُلْحِ الْحَسَنِ ثُمَّ اجْتَمَعُوا عَلَى وَلَدِهِ يَزِيدَ وَلَمْ يَنْتَظِمْ لِلْحُسَيْنِ أَمْرٌ بَلْ قُتِلَ قَبْلَ ذَلِكَ ثُمَّ لَمَّا مَاتَ يَزِيدُ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ إِلَى أَنِ اجْتَمَعُوا عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مروان بعد قتل بن الزُّبَيْرِ ثُمَّ اجْتَمَعُوا عَلَى أَوْلَادِهِ الْأَرْبَعَةِ الْوَلِيدِ ثُمَّ سُلَيْمَانَ ثُمَّ يَزِيدَ ثُمَّ هِشَامٍ وَتَخَلَّلَ بَيْنَ سُلَيْمَانَ وَيَزِيدَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَهَؤُلَاءِ سَبْعَةٌ بَعْدَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالثَّانِي عَشَرَ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ لَمَّا مَاتَ عَمُّهُ هِشَامٌ فَوُلِّيَ نَحْوَ أَرْبَعِ سِنِينَ ثُمَّ قَامُوا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَانْتَشَرَتِ الْفِتَنُ وَتَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ مِنْ يَوْمِئِذٍ وَلَمْ يَتَّفِقْ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى خَلِيفَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ يَزِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ الَّذِي قام على بن عَمِّهِ الْوَلِيدِ بْنِ يَزِيدَ لَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ بل ثار عليه قبل أن يموت بن عَمِّ أَبِيهِ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ وَلَمَّا مَاتَ يَزِيدُ وَلِيَ أَخُوهُ إِبْرَاهِيمُ فَغَلَبَهُ مَرْوَانُ ثُمَّ ثَارَ عَلَى مَرْوَانَ بَنُو الْعَبَّاسِ إِلَى أَنْ قُتِلَ ثُمَّ كَانَ أَوَّلَ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبَّاسِ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّفَّاحُ وَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهُ مَعَ كَثْرَةِ مَنْ ثَارَ عَلَيْهِ ثُمَّ وَلِيَ أَخُوهُ الْمَنْصُورُ فَطَالَتْ مُدَّتُهُ لَكِنْ خَرَجَ عَنْهُ الْمَغْرِبُ الْأَقْصَى بِاسْتِيلَاءِ الْمَرْوَانِيِّينَ عَلَى الْأَنْدَلُسِ وَاسْتَمَرَّتْ فِي أَيْدِيهِمْ مُتَغَلِّبِينَ عَلَيْهَا إِلَى أَنْ تَسَمَّوْا بِالْخِلَافَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَانْفَرَطَ الْأَمْرُ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ إِلَى أَنْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْخِلَافَةِ إِلَّا الِاسْمُ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا فِي أَيَّامِ بَنِي عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يُخْطَبُ لِلْخَلِيفَةِ فِي جَمِيعِ أَقْطَارِ الْأَرْضِ شَرْقًا وَغَرْبًا وَشِمَالًا وَيَمِينًا مِمَّا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ وَلَا يَتَوَلَّى أَحَدٌ فِي بَلَدٍ مِنَ الْبِلَادِ كُلِّهَا الْإِمَارَةَ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا إِلَّا بِأَمْرِ الْخَلِيفَةِ وَمَنْ نَظَرَ فِي أَخْبَارِهِمْ عَرَفَ صِحَّةَ ذَلِكَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ يَعْنِي الْقَتْلَ الناشىء عَنِ الْفِتَنِ وُقُوعًا فَاشِيًّا يَفْشُو وَيَسْتَمِرُّ وَيَزْدَادُ عَلَى مَدَى الْأَيَّامِ وَكَذَا كَانَ انْتَهَى كَلَامُ الحافظ

قَالَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنِ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عشر نقيبا بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مِنْ رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ الْبِشَارَةُ بِوُجُودِ اثْنَيْ عَشَرَ خَلِيفَةً صَالِحًا يُقِيمُ الْحَقَّ وَيَعْدِلُ فِيهِمْ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا تَوَالِيهِمْ وَتَتَابُعُ أَيَّامِهِمْ بَلْ قَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ عَلَى نَسَقٍ وَهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَمِنْهُمْ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِلَا شَكٍّ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ وَبَعْضُ بَنِي الْعَبَّاسِ وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ وِلَايَتُهُمْ لَا مَحَالَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِنْهُمُ الْمَهْدِيَّ الْمُبَشَّرَ بِهِ فِي الأحاديث الواردة بذكره أنه يواطىء اسْمُهُ اسْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واسم أَبِيهِ فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَقِسْطًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا وَلَيْسَ هَذَا بِالْمُنْتَظَرِ الَّذِي يَتَوَهَّمُ الرَّافِضَةُ وُجُودَهُ ثُمَّ ظُهُورَهُ مِنْ سِرْدَابِ سَامِرَّا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَةٌ وَلَا وُجُودٌ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ مِنْ هَوَسِ الْعُقُولِ السَّخِيفَةِ وَتَوَهُّمِ الْخَيَالَاتِ الضَّعِيفَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ الْخُلَفَاءِ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْأَئِمَّةَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُ فِيهِمِ الِاثْنَا عَشْرِيَّةَ مِنَ الرَّوَافِضِ لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عَقْلِهِمْ انْتَهَى (ثُمَّ تَكَلَّمَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَسَأَلْتُ الَّذِي يَلِينِي) وَفِي عِدَّةٍ مِنْ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ فَسَأَلْتُ أَبِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمْ (وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ) رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عُبَيْدُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ الطَّنَافِسِيُّ الْحَنَفِيُّ وَيُقَالُ الْإِيَادِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْفَضْلِ اللَّحَّامُ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى) الْأَشْعَرِيِّ الْكُوفِيِّ اسْمُهُ عَمْرٌو أَوْ عَامِرٌ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ بن مسعود فأخرجه

أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّهُ سُئِلَ كَمْ يَمْلِكُ هَذِهِ الْأُمَّةَ مِنْ خَلِيفَةٍ فَقَالَ سَأَلْنَا عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اثْنَا عَشَرَ كَعِدَّةِ نُقَبَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِذَا مَلَكَ اثْنَا عَشَرَ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ كَانَ النَّقْفُ وَالنِّقَافُ قَالَ الْحَافِظُ وَالنَّقْفُ ظَهَرَ لِي أَنَّهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَهُوَ كَسْرُ الْهَامَةِ عَنِ الدِّمَاغِ وَالنِّقَافُ بِوَزْنِ فِعَالٍ مِنْهُ وَكُنِّيَ بِذَلِكَ عَنِ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي بَعْضِ طُرُقِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ ثُمَّ يَكُونُ الْهَرْجُ وَأَمَّا صَاحِبُ النِّهَايَةِ فَضَبَطَهُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَدَلَ النُّونِ وَفَسَّرَهُ بِالْجِدِّ الشَّدِيدِ فِي الْخِصَامِ وَلَمْ أَرَ فِي اللُّغَةِ تَفْسِيرَهُ بِذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ الْفِطْنَةُ وَالْحَذْقُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَفِي قَوْلِهِ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ إِشَارَةٌ إِلَى كونهم من قريش لأن لؤيا هو بن غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ وَفِيهِمْ جِمَاعُ قُرَيْشٍ انْتَهَى [2224] 45 قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ مِهْرَانَ) قَالَ الْحَافِظُ في التقريب حميد بن أبي حميد مِهْرَانَ الْخَيَّاطُ الْكِنْدِيُّ أَوِ الْمَالِكِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا مَنْ أَهَانَ سُلْطَانًا أَهَانَهُ اللَّهُ انْتَهَى (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَوْسٍ) الْعَدَوِيِّ أَوِ الْعَبْدِيِّ الْبَصْرِيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَغَالِيطُ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ زِيَادِ بْنِ كَسِيبٍ الْعَدَوِيِّ) الْبَصْرِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ في تهذيب التهذيب في تَرْجَمَتِهِ لَهُ عِنْدَهُمَا يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ وَالنَّسَائِيَّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ تَقَدَّمَ فِي حُمَيْدِ بْنِ مِهْرَانَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ رِقَاقٌ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ رقيقة رفيعة (فقال أبو بلال) قال القارىء لَعَلَّهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَلَدُهُ بِلَالٌ كَانَ وَالِيًا عَلَى الْبَصْرَةِ (يَلْبَسُ ثِيَابَ الْفُسَّاقِ) يُحْتَمَلُ كَوْنُهَا مُحَرَّمَةً مِنَ الْحَرِيرِ وَكَوْنُهَا رِقَاقًا لَا مُحَرَّمَةً لَكِنْ لِكَوْنِهَا ثِيَابَ الْمُتَنَعِّمِينَ نَسَبَهُ إِلَى الْفِسْقِ تَغْلِيظًا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَلِذَا رَدَّهُ أَبُو بَكْرَةَ بِقَوْلِهِ (مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ) أَيْ مَنْ أَهَانَ مَنْ أَعَزَّهُ اللَّهُ وَأَلْبَسَهُ خِلْعَةَ السَّلْطَنَةِ أَهَانَهُ اللَّهُ وَفِي الْأَرْضِ مُتَعَلِّقٌ بِسُلْطَانِ اللَّهِ تَعَلُّقَهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا جَعَلْنَاكَ خليفة في الأرض وَالْإِضَافَةُ فِي سُلْطَانِ اللَّهِ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ كَبَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ وَيُحْكَى عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ مَعَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَعَلَى جَعْفَرٍ جُبَّةُ خَزٍّ دكناء فقال له يا بن رَسُولِ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا مِنْ لِبَاسِكِ فَحَسَرَ عَنْ رَدْنِ جُبَّتِهِ فَإِذَا تَحْتَهَا جُبَّةُ صُوفٍ بَيْضَاءُ يَقْصُرُ الذَّيْلُ

باب ما جاء في الخلافة

عَنِ الذَّيْلِ وَالرَّدْنُ عَنِ الرَّدْنِ فَقَالَ يَا ثَوْرِيُّ لَبِسْنَا هَذَا لِلَّهِ وَهَذِي لَكُمْ فَمَا كَانَ لِلَّهِ أَخْفَيْنَاهُ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَبْدَيْنَاهُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ جَامِعِ الْأُصُولِ فِي كِتَابِ مَنَاقِبِ الْأَوْلِيَاءِ وَالدَّكْنَاءُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ تَأْنِيثُ الْأَدْكَنِ وَهُوَ ثَوْبٌ مُغَبَّرُ اللَّوْنِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ 6 - (بَاب مَا جاء في الخلافة) [2226] قوله (حدثنا سُرَيْجُ بْنُ النُّعْمَانِ) بِمُهْمَلَةٍ وَرَاءٍ وَجِيمٍ مُصَغَّرًا بن مَرْوَانَ الْجَوْهَرِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْبَغْدَادِيُّ أَصْلُهُ مِنْ خُرَاسَانَ ثِقَةٌ يَهِمُ قَلِيلًا مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (أخبرنا حَشْرَجُ بْنُ نُبَاتَةَ) بِضَمِّ النُّونِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ الْمُثَنَّاةِ الْأَشْجَعِيُّ أَبُو مُكْرَمٍ الْوَاسِطِيُّ أَوِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْمِيمِ الْأَسْلَمِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو حَفْصٍ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَفْرَادٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (حَدَّثَنِي سَفِينَةَ) مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُقَالُ كَانَ اسْمُهُ مِهْرَانَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَلُقِّبَ سَفِينَةَ لِكَوْنِهِ حَمَلَ شَيْئًا كَبِيرًا فِي السَّفَرِ مَشْهُورٌ لَهُ أَحَادِيثُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُمْهَانَ عَنْ سَفِينَةَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سفر وكان إذا أعيى بَعْضُ الْقَوْمِ أَلْقَى عَلَيَّ سَيْفَهُ أَلْقَى عَلَيَّ تُرْسَهُ حَتَّى حَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا كَثِيرًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ سَفِينَةٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (الْخِلَافَةُ فِي أُمَّتِي ثَلَاثُونَ سَنَةً) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثُونَ سَنَةً قَالَ الْعَلْقَمِيُّ قَالَ شَيْخُنَا يَعْنِي الْحَافِظَ السُّيُوطِيَّ لَمْ يَكُنْ فِي الثَّلَاثِينَ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ وَأَيَّامُ الْحَسَنِ قَالَ الْعَلْقَمِيُّ بَلِ الثَّلَاثُونَ سَنَةً هِيَ مُدَّةُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا حَرَّرْتُهُ فَمُدَّةُ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَانِ وَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ وَمُدَّةُ عُمَرَ عَشْرُ سِنِينَ وَسِتَّةُ أَشْهُرٍ وَثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَمُدَّةُ عُثْمَانَ إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً وَأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا وَتِسْعَةُ أَيَّامٍ وَمُدَّةُ خِلَافَةِ عَلِيٍّ أَرْبَعُ سِنِينَ وَتِسْعَةُ أَشْهُرٍ وَسَبْعَةُ أَيَّامٍ هَذَا هُوَ التَّحْرِيرُ فَلَعَلَّهُمْ أَلْغَوُا الْأَيَّامَ وَبَعْضَ الشُّهُورِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ مُدَّةُ خِلَافَةِ عُمَرَ عَشْرُ سِنِينَ وَخَمْسَةُ أَشْهُرٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَعُثْمَانَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً إِلَّا ست

لَيَالٍ وَعَلِيٍّ خَمْسُ سِنِينَ وَقِيلَ خَمْسُ سِنِينَ إِلَّا أَشْهُرًا وَالْحَسَنِ نَحْوُ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ سَهْلٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْعَلْقَمِيِّ (ثُمَّ مُلْكٌ بَعْدَ ذَلِكَ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ بَعْدَ انْقِضَاءِ زَمَانِ خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ يَكُونُ مُلْكًا لِأَنَّ اسْمَ الْخِلَافَةِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ صَدَقَ عَلَيْهِ هَذَا الِاسْمُ بِعَمَلِهِ لِلسُّنَّةِ وَالْمُخَالِفُونَ مُلُوكٌ لَا خُلَفَاءُ وَإِنَّمَا تَسَمَّوْا بِالْخُلَفَاءِ لِخَلَفِهِمِ الْمَاضِي وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ عَنْ سَفِينَةَ أَنَّ أَوَّلَ الْمُلُوكِ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْمُرَادُ بِخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ هِيَ الْخِلَافَةُ الْكَامِلَةُ وَهِيَ مُنْحَصِرَةٌ فِي الْخَمْسَةِ فَلَا يُعَارِضُ الْحَدِيثُ لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا حَتَّى يَمْلِكَ اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مُطْلَقُ الْخِلَافَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى كَلَامُهُ مُحَصَّلًا (أَمْسِكْ عَلَيْكَ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ) أَيِ اضْبُطِ الْحِسَابَ عَاقِدًا أَصَابِعَكَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَمْسِكْ عَلَيْكَ أَبَا بَكْرٍ سَنَتَيْنِ وَعُمَرَ عَشْرًا وعثمان أثني عشر وعلي كَذَا وَلَفْظُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ سَفِينَةُ أَمْسِكْ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَتَيْنِ وَخِلَافَةَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَشْرَ سِنِينَ وَخِلَافَةَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اثْنَيْ عَشَرَ سَنَةً وَخِلَافَةَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سِتَّ سِنِينَ (فَقُلْتُ لَهُ) أَيْ لِسَفِينَةَ (قَالَ) أَيْ سَفِينَةُ (كَذَبُوا بَنُو الزَّرْقَاءِ) هُوَ مِنْ بَابِ أَكَلُونِي الْبَرَاغِيثُ وَالزَّرْقَاءُ امْرَأَةٌ مِنْ أُمَّهَاتِ بَنِي أُمَيَّةَ قَالَهُ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ (بَلْ هُمْ مُلُوكٌ مِنْ شَرِّ الْمُلُوكِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قُلْتُ لِسَفِينَةَ إِنَّ هَؤُلَاءِ يَزْعُمُونَ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ بِخَلِيفَةٍ قَالَ كَذَبَتْ أَسْتَاهُ بَنِي الزَّرْقَاءِ يَعْنِي بَنِي مَرْوَانَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ قَالَا لَمْ يَعْهَدْ) أَيْ لَمْ يُوصِ أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُفْيَانَ قَالَ لَمَّا ظَهَرَ عَلِيٌّ يَوْمَ الْجَمَلِ قَالَ أَيُّهَا النَّاسُ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْهَدْ إِلَيْنَا فِي هَذِهِ الْإِمَارَةِ شَيْئًا حَتَّى رَأَيْنَا مِنَ الرَّأْيِ أَنْ نَسْتَخْلِفَ أَبَا بَكْرٍ فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى مَضَى سَبِيلَهُ ثُمَّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَأَى مِنَ الرَّأْيِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ عُمَرَ فَأَقَامَ وَاسْتَقَامَ حَتَّى ضَرَبَ الدِّينُ بِجِرَانِهِ ثُمَّ إِنَّ أَقْوَامًا طَلَبُوا الدُّنْيَا فَكَانَتْ أُمُورٌ يَقْضِي اللَّهُ فِيهَا وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ قِيلَ لِعَلِيٍّ أَلَا تَسْتَخْلِفُ عَلَيْنَا قَالَ مَا اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْتَخْلِفُ وَلَكِنْ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِالنَّاسِ خَيْرًا فَسَيَجْمَعُهُمْ بَعْدِي عَلَى خَيْرِهِمْ كَمَا جَمَعَهُمْ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ عَلَى خَيْرِهِمْ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ بن حبان وغيره [2225] قَوْلُهُ لَوِ اسْتَخْلَفْتَ لَوْ لِلتَّمَنِّي أَوْ جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَكَانَ خَيْرًا إِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ وَإِنْ لَمْ أَسْتَخْلِفْ لَمْ يستخلف رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْخَلِيفَةَ إِذَا حَضَرَهُ مُقَدِّمَاتُ الْمَوْتِ وَقَبْلَ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ وَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ فَقَدِ اقْتَدَى بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا وَإِلَّا فَقَدِ اقْتَدَى بِأَبِي بَكْرٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى انْعِقَادِ الْخِلَافَةِ بِالِاسْتِخْلَافِ وعلى انعقاد بِعَقْدِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ لِإِنْسَانٍ إِذَا لَمْ يَسْتَخْلِفِ الْخَلِيفَةُ وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ جَعْلِ الْخَلِيفَةِ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ جَمَاعَةٍ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِالسِّتَّةِ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ نَصْبُ خَلِيفَةٍ وَوُجُوبُهُ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنِ الْأَصَمِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجِبُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ يَجِبُ بِالْعَقْلِ لَا بِالشَّرْعِ فَبَاطِلَانِ أَمَّا الْأَصَمُّ فَمَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِي بَقَاءِ الصَّحَابَةِ بِلَا خَلِيفَةٍ فِي مُدَّةِ التَّشَاوُرِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ وَأَيَّامَ الشُّورَى بَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا تَارِكِينَ لِنَصْبِ الْخَلِيفَةِ بَلْ كَانُوا سَاعِينَ فِي النَّظَرِ فِي أَمْرِ مَنْ يُعْقَدُ لَهُ وَأَمَّا الْقَائِلُ الْآخَرُ فَفَسَادُ قَوْلِهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَلَا يُحَسِّنُهُ وَلَا يُقَبِّحُهُ إِنَّمَا يَقَعُ ذَلِكَ بِحَسَبِ الْعَادَةِ لَا بِذَاتِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى خَلِيفَةٍ وَهُوَ إِجْمَاعُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ بَكْرُ بْنُ أُخْتِ عَبْدِ الْوَاحِدِ فَزَعَمَ أَنَّهُ نص على أبي بكر وقال أن رواندي نَصَّ عَلَى الْعَبَّاسِ وَقَالَتِ الشِّيعَةُ وَالرَّافِضَةُ عَلَى عَلِيٍّ وَهَذِهِ دَعَاوَى بَاطِلَةٌ وَجَسَارَةٌ عَلَى الِافْتِرَاءِ وَوَقَاحَةٌ فِي مُكَابَرَةِ الْحِسِّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى اخْتِيَارِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلَى تَنْفِيذِ عَهْدِهِ إِلَى عُمَرَ وَعَلَى تَنْفِيذِ عَهْدِ عُمَرَ بِالشُّورَى وَلَمْ يُخَالِفْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا أَحَدٌ وَلَمْ يَدَّعِ عَلِيٌّ وَلَا الْعَبَّاسُ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَصِيَّةً فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَقَدِ اتَّفَقَ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ عَلَى جَمِيعِ هَذَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ مَانِعَةٍ مِنْ ذِكْرِ وَصِيَّةٍ لَوْ كَانَتْ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَانَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَصِيَّةٌ فَقَدْ نَسَبَ الْأُمَّةَ إِلَى اجْتِمَاعِهَا عَلَى الْخَطَأِ وَاسْتِمْرَارِهَا عَلَيْهِ وَكَيْفَ يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ أَنْ يَنْسُبَ الصَّحَابَةَ إِلَى الْمُوَاطَأَةِ عَلَى الْبَاطِلِ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ

باب ما جاء أن الخلفاء من قريش إلى أن تقوم الساعة

وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ لَنُقِلَ فَإِنَّهُ مِنَ الْأُمُورِ المهمة انتهى قوله وفي حديث قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِمَارَةِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْخُلَفَاءَ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ) [2227] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ أَيُّوبَ الذَّارِعُ السَّعْدِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ حَبِيبِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ مِشْكَانَ الْهِلَالِيِّ أَوِ الْحَنَفِيِّ الْأَصْبَهَانِيِّ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ ثِقَةٌ مِنْ السَّادِسَةِ (سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي الْهُذَيْلِ) الْكُوفِيَّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْمُغِيرَةِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (لَتَنْتَهِيَنَّ قُرَيْشٌ) أَيْ مِنَ الْفِسْقِ وَالْعِصْيَانِ (أَوْ لَيَجْعَلَنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ) أَيِ الرِّيَاسَةَ وَالْخِلَافَةَ (غَيْرِهِمْ) أَيْ غَيْرِ قُرَيْشٍ (قُرَيْشٌ وُلَاةُ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ) أَيْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَيَسْتَمِرُّ ذَلِكَ (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) فَالْخِلَافَةُ فِيهِمْ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا وَمَنْ تَغَلَّبَ عَلَى الْمُلْكِ بِالشَّوْكَةِ لَا يُنْكِرُ أَنَّ الْخِلَافَةَ فِيهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ (يَعْنِي أَحَادِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الَّتِي رَوَاهَا مُسْلِمٌ فِي بَابِ الْخِلَافَةِ فِي قُرَيْشٍ) وَأَشْبَاهُهَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ أَنَّ الْخِلَافَةَ مُخْتَصَّةٌ بِقُرَيْشٍ لَا يَجُوزُ عَقْدُهَا لِأَحَدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ وَعَلَى هَذَا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَكَذَلِكَ بَعْدَهُمْ وَمَنْ خَالَفَ فِيهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ الْقَاضِي اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ قُرَشِيًّا هُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً قَالَ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى الْأَنْصَارِ يَوْمَ السَّقِيفَةِ فَلَمْ يُنْكِرْهُ

أَحَدٌ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ عَدَّهَا الْعُلَمَاءُ فِي مَسَائِلِ الْإِجْمَاعِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ فِيهَا قَوْلٌ وَلَا فِعْلٌ يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَا وَكَذَلِكَ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ قَالَ وَلَا اعْتِدَادَ بِقَوْلِ النَّظَّامِ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ أَنَّهُ يَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ وَلَا بِسَخَافَةِ ضِرَارِ بْنِ عَمْرٍو فِي قَوْلِهِ إِنَّ غَيْرَ الْقُرَشِيِّ مِنَ النَّبَطِ وَغَيْرِهِمْ يُقَدَّمُ عَلَى قُرَشِيٍّ لِهَوَانِ خَلْعِهِ إِنْ عَرَضَ مِنْهُ أَمْرٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ بَاطِلِ الْقَوْلِ وَزُخْرُفِهِ مَعَ مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ مُخَالَفَةِ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَمَعْنَاهُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْجَاهِلِيَّةِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَعْنِي رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ لِكَافِرِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ رُؤَسَاءَ الْعَرَبِ وَأَصْحَابَ حَرَمٍ وَأَهْلَ حَجِّ بَيْتِ اللَّهِ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَنْتَظِرُ إِسْلَامَهُمْ فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَفُتِحَتْ مَكَّةُ تَبِعَهُمُ النَّاسُ وَجَاءَتْ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا وَكَذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ هُمْ أَصْحَابُ الْخِلَافَةِ وَالنَّاسُ تَبَعٌ لَهُمْ وَبَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُسْتَمِرٌّ إِلَى آخِرِ الدُّنْيَا مَا بَقِيَ مِنَ النَّاسِ اثْنَانِ وَقَدْ ظَهَرَ مَا قَالَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمِنْ زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْآنَ الْخِلَافَةُ فِي قُرَيْشٍ مِنْ غَيْرِ مُزَاحَمَةٍ لَهُمْ فيها وتبقى كذلك ما اثْنَانِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَيَحْتَاجُ مَنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ إِلَى تَأْوِيلِ مَا جَاءَ عَنْ عُمَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ أَنَّهُ قَالَ إِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي وَأَبُو عُبَيْدَةَ حَيٌّ اسْتَخْلَفْتُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَإِنْ أَدْرَكَنِي أَجَلِي وَقَدْ مَاتَ أَبُو عُبَيْدَةَ اسْتَخْلَفْتُ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ الْحَدِيثَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَنْصَارِيٌّ لَا نَسَبَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَعَلَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ بَعْدَ عُمَرَ عَلَى اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ قُرَشِيًّا أَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ عُمَرَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ لَمْ يُعَيِّنِ الْخِلَافَةَ فِي قُرَيْشٍ مِنْ تَأْمِيرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ وَغَيْرِهِمْ فِي الْحُرُوبِ فَلَيْسَ مِنَ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى فِي شَيْءٍ بَلْ فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ اسْتِنَابَةُ غَيْرِ قُرَيْشٍ فِي حَيَاتِهِ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الْخِلَافَةِ بِقُرَيْشٍ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبُخَارِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مَرْفُوعًا اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ وَحَدِيثِ أُمِّ الْحُصَيْنِ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا إِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ مُجَدَّعٌ يَقُودُكُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا قُلْتُ الْمُرَادُ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا أَنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ إِذَا اسْتَعْمَلَ الْعَبْدَ الْحَبَشِيَّ عَلَى إِمَارَةِ بَلَدٍ مَثَلًا وَجَبَتْ طَاعَتُهُ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْعَبْدَ الْحَبَشِيَّ يَكُونُ هُوَ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ قَالَ

قوله لا يذهب الليل والنهار

الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ يُضْرَبُ الْمَثَلُ بِمَا لَا يَقَعُ فِي الْوُجُودِ يَعْنِي وَهَذَا مِنْ ذَاكَ أَطْلَقَ الْعَبْدَ الْحَبَشِيَّ مُبَالَغَةً فِي الْأَمْرِ بِالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ شَرْعًا أَنْ يَلِيَ ذَلِكَ قوله (وفي الباب عن بن عمر وبن مسعود وجابر) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَلَفْظُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بقي من الناس اثنان قال الحافظ بن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ لَفْظَةُ الْخَبَرِ فَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ الْأَمْرَ فَحَرَامٌ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي غَيْرِهِمْ أَبَدًا وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ مَعْنَى الْخَبَرِ كَلَفْظِهِ فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَا أَمْرَ لَهُ وَإِنِ ادَّعَاهُ فَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَهَذَا خَبَرٌ يُوجِبُ مَنْعَ الأمر عمن سواهم انتهى وأما حديث بن مسعود فأخرجه مسلم بنحو حديث بن عمر وأما حديث جابر وهو بن عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ [2228] قَوْلُهُ (عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ) بْنِ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ الْمَدَنِيِّ الْأَنْصَارِيِّ حَلِيفِ الْأَوْسِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ 8 - (قَوْلُهُ (لَا يَذْهَبُ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ)) أَيْ لَا يَنْقَطِعُ الزَّمَانُ وَلَا تَأْتِي الْقِيَامَةُ (حَتَّى يَمْلِكَ رَجُلٌ مِنَ الْمَوَالِي) أَيْ عَلَى سَبِيلِ التَّغَلُّبِ لَا بِشُورَى أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ فَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يُخَالِفُ الْأَحَادِيثَ الْقَاضِيَةَ بِأَنَّ الْخِلَافَةَ فِي قُرَيْشٍ وَالْمَوَالِي بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ الْمَوْلَى أَيِ الْمَمَالِيكُ وَالْمَعْنَى حَتَّى يَصِيرَ حَاكِمٌ عَلَى النَّاسِ (يُقَالُ لَهُ جَهْجَاهٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَعْنِي نُسَخَ مُسْلِمٍ الْجَهْجَهَا بِهَاءَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا الْجَهْجَا بِحَذْفِ الْهَاءِ الَّتِي بَعْدَ الْأَلِفِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي اشراط الساعة

باب ما جاء في المهدي

49 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ) [2229] قَوْلُهُ (إنما أخاف على أمتي أئمة مضلين) أَيْ دَاعِينَ إِلَى الْبِدَعِ وَالْفِسْقِ وَالْفُجُورِ (عَلَى الْحَقِّ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ لَا تَزَالُ أَيْ ثَابِتِينَ عَلَى الْحَقِّ عِلْمًا وَعَمَلًا (ظَاهِرِينَ) أَيْ غَالِبِينَ عَلَى الْبَاطِلِ وَلَوْ حُجَّةً قَالَ الطِّيبِيُّ يَجُوزُ أن يكون خبر بَعْدَ خَبَرٍ وَأَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ فِي ثَابِتِينَ عَلَى الْحَقِّ فِي حَالَةِ كَوْنِهِمْ غَالِبِينَ عَلَى الْعَدُوِّ (لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ) أَيْ لِثَبَاتِهِمْ عَلَى دِينِهِمْ (حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ لَا تَزَالُ قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ أَيِ الرِّيحُ الَّتِي يُقْبَضُ عِنْدَهَا رُوحُ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هذا حديث صحيح) وأخرجه مسلم وبن مَاجَهْ بِدُونِ ذِكْرِ إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي أَئِمَّةً مُضِلِّينَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مُطَوَّلًا 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمَهْدِيِّ) اعْلَمْ أَنَّ الْمَشْهُورَ بَيْنَ الْكَافَّةِ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ عَلَى مَمَرِّ الْأَعْصَارِ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مِنْ ظُهُورِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ يُؤَيِّدُ الدِّينَ وَيُظْهِرُ الْعَدْلَ وَيَتَّبِعُهُ الْمُسْلِمُونَ وَيَسْتَوْلِي عَلَى الْمَمَالِكِ الْإِسْلَامِيَّةِ وَيُسَمَّى بِالْمَهْدِيِّ وَيَكُونُ خُرُوجُ الدَّجَّالِ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحِ عَلَى أَثَرِهِ وَأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَنْزِلُ مِنْ بَعْدِهِ فَيَقْتُلَ الدَّجَّالَ أَوْ يَنْزِلُ مِنْ بَعْدِهِ فَيُسَاعِدَهُ عَلَى قَتْلِهِ وَيَأْتَمَّ بِالْمَهْدِيِّ فِي صَلَاتِهِ وَخَرَّجَ أَحَادِيثَ الْمَهْدِيِّ جَمَاعَةٌ مِنَ الأئمة منهم أبو داود والترمذي وبن مَاجَهْ وَالْبَزَّارُ وَالْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ وَأَسْنَدُوهَا إِلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ

مثل علي وبن عباس وبن عُمَرَ وَطَلْحَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَثَوْبَانَ وَقُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ وَعَلِيٍّ الْهِلَالِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَإِسْنَادُ أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ بَيْنَ صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَضَعِيفٍ وَقَدْ بَالَغَ الْإِمَامُ الْمُؤَرِّخُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خُلْدُونَ الْمَغْرِبِيُّ فِي تَارِيخِهِ فِي تَضْعِيفِ أَحَادِيثِ الْمَهْدِيِّ كُلِّهَا فَلَمْ يُصِبْ بَلْ أَخْطَأَ وَمَا رُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ مَنْ كَذَّبَ بِالْمَهْدِيِّ فَقَدْ كَفَرَ فَمَوْضُوعٌ وَالْمُتَّهَمُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ وَرُبَّمَا تَمَسَّكَ الْمُنْكِرُونَ لِشَأْنِ الْمَهْدِيِّ بِمَا رُوِيَ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ لَا مَهْدِيَّ إِلَّا عيسى بن مَرْيَمَ وَالْحَدِيثُ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَفِيهِ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ وَهُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي عَوْنِ الْمَعْبُودِ قُلْتُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي خُرُوجِ الْإِمَامِ الْمَهْدِيِّ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهَا ضِعَافٌ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ لَا يَنْحَطُّ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ مِنْ بَيْنِ حِسَانٍ وَضِعَافٍ فَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ هَذَا مَعَ شَوَاهِدِهِ وَتَوَابِعِهِ صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ بِلَا مِرْيَةٍ فَالْقَوْلُ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ الْمَهْدِيِّ وَظُهُورِهِ هُوَ الْقَوْلُ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي الْفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ الَّذِي أَمْكَنَ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَهْدِيِّ الْمُنْتَظَرِ خَمْسُونَ حَدِيثًا وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ أَثَرًا ثُمَّ سَرَدَهَا مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ وَجَمِيعُ مَا سُقْنَاهُ بَالِغٌ حَدَّ التَّوَاتُرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ فَضْلُ اطِّلَاعٍ انْتَهَى [2230] قَوْلُهُ (عن عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا) أَيْ لَا تَفْنَى وَلَا تَنْقَضِي (حَتَّى يَمْلِكَ الْعَرَبُ) قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ خَصَّ الْعَرَبَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمُ الْأَصْلُ وَالْأَشْرَافُ انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ لَمْ يَذْكُرِ الْعَجَمَ وَهُمْ مُرَادُونَ أَيْضًا لِأَنَّهُ إِذَا مَلَكَ الْعَرَبُ وَاتَّفَقَتْ كَلِمَتُهُمْ وَكَانُوا يَدًا وَاحِدَةً قَهَرُوا سَائِرَ الْأُمَمِ وَيُؤَيِّدُ حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي الْمِشْكَاةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ بَابِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَفِيهِ وَيُعْمَلُ فِي النَّاسِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِمْ وَيُلْقِي الْإِسْلَامُ بِجِرَانِهِ فِي الْأَرْضِ فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ المسلمون قال القارىء وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ ذَكَرَ الْعَرَبَ لِغَلَبَتِهِمْ فِي زَمَنِهِ أَوْ لِكَوْنِهِمْ أَشْرَفَ أَوْ هُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ وَمُرَادُهُ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى سرابيل تقيكم الحر أَيْ وَالْبَرْدَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِ الْعَرَبِ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ يُطِيعُونَهُ بِخِلَافِ الْعَجَمِ بِمَعْنَى ضد العرب فإنه قد يقع منهم خلاف فِي إِطَاعَتِهِ انْتَهَى (الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي) هو الامام المهدي (يواطىء) أَيْ يُوَافِقُ وَيُطَابِقُ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَنَظَرَ إِلَى ابْنِهِ الْحَسَنِ فَقَالَ إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ كَمَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَيَخْرُجُ مِنْ صُلْبِهِ رَجُلٌ يُسَمَّى بِاسْمِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشْبِهُهُ فِي الْخُلُقِ وَلَا يُشْبِهُهُ فِي الْخَلْق الْحَدِيثُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا مُنْقَطِعٌ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ رَأْي عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ رُؤْيَةً وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ مَرْفُوعًا الْمَهْدِيُّ مِنِّي أَجْلَى الْجَبْهَةِ أَقْنَى الْأَنْفِ يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا وَيَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عِمْرَانُ الْقَطَّانُ وَهُوَ أَبُو الْعَوَّامِ عِمْرَانُ بْنُ دَاوُدَ الْقَطَّانُ الْبَصْرِيُّ اسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَوَثَّقَهُ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَأَحْسَنَ عَلَيْهِ الثَّنَاءَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ انْتَهَى وَفِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ أَحْمَدُ أَرْجُو أَنْ يَكُونَ صَالِحَ الْحَدِيثِ انْتَهَى وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ عَنْهَا مَرْفُوعًا الْمَهْدِيُّ مِنْ عِتْرَتِي مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ وَقَدْ بَسَطَ الْمُنْذِرِيُّ الْكَلَامَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلِأُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثٌ آخَرُ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا عَرَفْتَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وبن الْقَيِّمِ وَقَالَ الْحَاكِمُ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَزَائِدَةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَنْ عَاصِمٍ قَالَ وَطُرُقُ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ إِذْ عَاصِمٌ إِمَامٌ مِنْ أَئِمَّةِ المسلمين انتهى قلت وعاصم هذا هو بن أَبِي النُّجُودِ وَاسْمُ أَبِي النُّجُودِ بَهْدَلَةُ أَحَدُ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَاصِمُ بن بهدلة وهو بن أَبِي النُّجُودِ بِنُونٍ وَجِيمٍ الْأَسَدِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ أَبُو بَكْرٍ الْمُقْرِئُ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ حُجَّةٌ فِي الْقِرَاءَةِ وَحَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَقْرُونٌ مِنَ السادسة انتهى [2231] قوله (يواطىء اسمه اسمي) وفي رواية أبي داود يواطىء اسْمُهُ اسْمِي وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي فَيَكُونُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الشِّيعَةِ حَيْثُ يَقُولُونَ الْمَهْدِيُّ الْمَوْعُودُ هُوَ الْقَائِمُ الْمُنْتَظَرُ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْعَسْكَرِيُّ

قَوْلُهُ (قَالَ عَاصِمٌ وَأَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ إِلَخْ) هَذَا مُتَّصِلٌ بِالْإِسْنَادِ السَّابِقِ (لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ حَتَّى يَلِيَ) أَيْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بيتي يواطىء اسْمُهُ اسْمِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) حَدِيثُ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ قَبْلَ هَذَا بِأَطْوَلَ مِنْهُ كَمَا عَرَفْتَ وَحَدِيثُ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أبي هريرة أخرجه بن مَاجَهْ [2232] 51 قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا الصِّدِّيقِ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمَكْسُورَةِ (النَّاجِيَّ) بِالنُّونِ وَالْجِيمِ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (خَشِينَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ نَبِيِّنَا حَدَثٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحَدَثُ الْأَمْرُ الْحَادِثُ الْمُنْكَرُ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْتَادٍ وَلَا مَعْرُوفٍ فِي السُّنَّةِ انْتَهَى (يَعِيشُ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا زَيْدٌ الشَّاكُّ) أَيِ الشَّكُّ مِنْ زَيْدٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَيَمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَهُ بِلَفْظِ فَيَلْبَثُ سَبْعَ سِنِينَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ فَقَوْلُ الْجَازِمِ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِ الشَّاكِّ (اعْطِنِي اعْطِنِي) التَّكْرِيرُ لِلتَّأْكِيدِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ اعْطِنِي مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى لِمَا تَعَوَّدَ مِنْ كَرْمِهِ وَإِحْسَانِهِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُحْثِي لَهُ فِي ثَوْبِهِ مَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَحْمِلَهُ) أَيْ يُعْطِيَهُ قَدْرَ مَا يَسْتَطِيعُ حَمْلَهُ وَذَا لِكَثْرَةِ الْأَمْوَالِ وَالْغَنَائِمِ وَالْفُتُوحَاتِ مَعَ سَخَاءِ نَفْسِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) فِي إِسْنَادِهِ زَيْدٌ الْعَمِّيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا

باب ما جاء في نزول عيسى بن مريم

52 - (باب ما جاء في نزول عيسى بن مَرْيَمَ) يَعْنِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ [2233] قَوْلُهُ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ) فِيهِ الْحَلِفُ فِي الْخَبَرِ مُبَالَغَةً فِي تَأْكِيدِهِ (لَيُوشِكَنَّ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَيَقْرَبَنَّ أَيْ لَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ سَرِيعًا (أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ) أَيْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فَإِنَّهُ خِطَابٌ لِبَعْضِ الْأُمَّةِ مِمَّنْ لَا يُدْرِكُ نُزُولَهُ (حُكْمًا) أَيْ حَاكِمًا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَنْزِلُ حَاكِمًا بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ بَاقِيَةٌ لَا تنسخ بل يكون عيسى حاكما مِنْ حُكَّامِ هَذِهِ الْأُمَّةِ (مُقْسِطًا) الْمُقْسِطُ الْعَادِلُ بِخِلَافِ الْقَاسِطِ فَهُوَ الْجَائِرُ (فَيَكْسِرُ) أَيْ يَهْدِمُ (الصَّلِيبَ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَغَيْرِهِ أَيْ فيبطل النصرانية ويحكم بالملة الحنيفية وقال بن الْمَلَكِ الصَّلِيبُ فِي اصْطِلَاحِ النَّصَارَى خَشَبَةٌ مُثَلَّثَةٌ يَدَّعُونَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ صُلِبَ عَلَى خَشَبَةٍ مُثَلَّثَةٍ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ صُورَةُ الْمَسِيحِ (وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ) أَيْ يُحَرِّمُ اقْتِنَاءَهُ وَأَكْلَهُ وَيُبِيحُ قَتْلَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَيْ يُبْطِلُ دِينَ النَّصْرَانِيَّةِ بِأَنْ يَكْسِرَ الصَّلِيبَ حَقِيقَةً وَيُبْطِلَ مَا تَزْعُمُهُ النَّصَارَى مِنْ تَعْظِيمِهِ (وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ) قَالَ الْحَافِظُ الْمَعْنَى أن الدين يصير واحد فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَالَ يَكْثُرُ حَتَّى لَا يَبْقَى مَنْ يُمْكِنُ صَرْفُ مَالِ الْجِزْيَةِ لَهُ فَتُتْرَكُ الْجِزْيَةُ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا وَقَالَ عِيَاضٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِوَضْعِ الْجِزْيَةِ تَقْرِيرَهَا عَلَى الْكُفَّارِ مِنْ غَيْرِ مُحَابَاةٍ وَيَكُونُ كَثْرَةُ الْمَالِ بِسَبَبِ ذَلِكَ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الصَّوَابُ أَنَّ عِيسَى لَا يَقْبَلُ إِلَّا الْإِسْلَامَ قَالَ الْحَافِظُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَكُونُ الدَّعْوَةُ وَاحِدَةً قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَعْنَى وَضْعِ عِيسَى الْجِزْيَةَ مَعَ أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي هَذِهِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مَشْرُوعِيَّتَهَا مُقَيَّدَةٌ بِنُزُولِ عِيسَى لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الْخَبَرُ وَلَيْسَ عِيسَى بِنَاسِخٍ لِحُكْمِ الْجِزْيَةِ بَلْ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُبَيِّنُ لِلنَّسْخِ فَإِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَحْكُمُ بِشَرْعِنَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِامْتِنَاعَ مِنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ هُوَ شَرْعُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيَفِيضُ الْمَالُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَبِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَكْثُرُ وَيَنْزِلُ الْبَرَكَاتُ وَتَكْثُرُ الْخَيْرَاتُ بِسَبَبِ الْعَدْلِ وَعَدَمِ التَّظَالُمِ وَتَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ

باب ما جاء في الدجال

وَتَقِلُّ أَيْضًا الرَّغَبَاتُ لِقِصَرِ الْآمَالِ وَعِلْمِهِمْ بِقُرْبِ الْقِيَامَةِ فَإِنَّ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَوَاتُ وَالسَّلَامُ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ السَّاعَةِ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي نُزُولِ عِيسَى دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الرَّدُّ عَلَى الْيَهُودِ فِي زَعْمِهِمْ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى كَذِبَهُمْ وَأَنَّهُ الَّذِي يَقْتُلُهُمْ أَوْ نُزُولُهُ لِدُنُوِّ أَجَلِهِ لِيُدْفَنَ فِي الْأَرْضِ إِذْ لَيْسَ لِمَخْلُوقٍ مِنَ التُّرَابِ أَنْ يَمُوتَ فِي غَيْرِهَا وَقِيلَ إِنَّهُ دَعَا اللَّهَ لَمَّا رَأَى صِفَةَ مُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ أَنْ يَجْعَلَهُ مِنْهُمْ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ وَأَبْقَاهُ حَتَّى يَنْزِلَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ مُجَدِّدًا لِأَمْرِ الْإِسْلَامِ فَيُوَافِقَ خُرُوجَ الدَّجَّالِ فَيَقْتُلَهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الدَّجَّالِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ فَعَّالٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّشْدِيدُ مِنَ الدَّجَلِ وَهُوَ التغطية وسمي الكذب دجال لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَقَّ بِبَاطِلِهِ وَيُقَالُ دَجَّلَ الْبَعِيرَ بِالْقَطِرَانِ إِذَا غَطَّاهُ وَالْإِنَاءَ بِالذَّهَبِ طَلَاهُ وَقَالَ بن دُرَيْدٍ وَسُمِّيَ دَجَّالًا لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَقَّ بِالْكَذِبِ وَقِيلَ لِضَرْبِهِ نَوَاحِي الْأَرْضِ يُقَالُ دَجَلَ مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ تَنْبِيهٌ اشْتُهِرَ السُّؤَالُ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِ الدَّجَّالِ فِي الْقُرْآنِ مَعَ مَا ذُكِرَ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ وَعَظْمِ الْفِتْنَةِ بِهِ وَتَحْذِيرِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهُ وَالْأَمْرِ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ حَتَّى فِي الصَّلَاةِ وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدِهَا أَنَّهُ ذَكَرَ فِي قَوْلِهِ (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إيمانها إِلَخْ) فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ ثَلَاثَةٌ إِذَا خَرَجْنَ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ الدَّجَّالُ وَالدَّابَّةُ وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا الثَّانِي قَدْ وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ فِي الْقُرْآنِ إِلَى نُزُولِ عيسى بن مَرْيَمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته وفي قوله تعالى وإنه لعلم للساعة وَصَحَّ أَنَّهُ الَّذِي يَقْتُلُ الدَّجَّالَ وَاكْتَفَى بِذِكْرِ أَحَدِ الضِّدَّيْنِ عَنِ الْآخَرِ وَلِكَوْنِهِ يُلَقَّبُ الْمَسِيحَ كَعِيسَى لَكِنَّ الدَّجَّالَ مَسِيحُ الضَّلَالَةِ وَعِيسَى مَسِيحُ الْهُدَى الثَّالِثُ أَنَّهُ تَرَكَ ذِكْرَهُ احْتِقَارًا وَتُعُقِّبَ بِذِكْرِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَلَيْسَتِ الْفِتْنَةُ بِهِمْ بِدُونِ الْفِتْنَةِ بِالدَّجَّالِ وَالَّذِي قَبْلَهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ السُّؤَالَ بَاقٍ وَهُوَ مَا الْحِكْمَةُ فِي تَرْكِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ وَأَجَابَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّهُ اعْتَبَرَ كُلَّ مَنْ ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فَوُجِدَ كُلُّ مَنْ ذُكِرَ إِنَّمَا هُمْ مِمَّنْ مضى وانقضى أمره وأما من لم يجيء بَعْدُ فَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهُمْ أَحَدًا انْتَهَى وَهَذَا مَا يَنْتَقِضُ بِيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَقَدْ وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ الْبَغَوِيِّ أَنَّ الدَّجَّالَ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ من خلق الْحِكْمَةُ فِي تَرْكِ التَّنْصِيصِ عَلَيْهِ

وأجاب شيخنا الإمام البلقيني بأنه اعتبر الناس وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّاسِ هُنَا الدَّجَّالُ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ وَهَذَا إِنْ ثَبَتَ أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ مَا تَكَفَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيَانِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ [2234] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ) الْأَزْدِيِّ الْبَصْرِيِّ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنَ (لَمْ يَكُنْ نبيا بَعْدَ نُوحٍ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ الدَّجَّالَ) أي خوفهم به ويأتي في حديث بن عُمَرَ بَعْدَ هَذَا أَنَّ نُوحًا قَدْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ فَقَوْلُهُ بَعْدَ نُوحٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ لِلِاحْتِرَازِ وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ فَتْحِ الْوَدُودِ لَعَلَّ إِنْذَارَ مَنْ بَعْدَ نُوحٍ أَشَدُّ وَأَكْثَرُ (وَإِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ) أَيِ الدَّجَّالَ بِبَيَانِ وَصْفِهِ خَوْفًا عَلَيْكُمْ مِنْ تَلْبِيسِهِ وَمَكْرِهِ (لَعَلَّهُ سَيُدْرِكُهُ بَعْضُ مَنْ رَآنِي) أَيْ عَلَى تَقْدِيرِ خُرُوجِهِ سَرِيعًا وَقِيلَ دَلَّ عَلَى بَقَاءِ الْخَضِرِ قُلْتُ وَسَتَأْتِي مَسْأَلَةُ حَيَاةِ الْخَضِرِ وَمَوْتِهِ بَعْدَ عِدَّةِ أَبْوَابٍ (أَوْ سَمِعَ كَلَامِي) لَيْسَ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي بَلْ لِلتَّنْوِيعِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الرُّؤْيَةِ السَّمَاعُ وَهُوَ لِمَنْعِ الْخَلْوَةِ لِإِمْكَانِ الْجَمْعِ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَوْ سَمِعَ حَدِيثِي بِأَنْ وَصَلَ إليه ولو بعد حين قاله القارىء (فَقَالَ مِثْلَهَا) أَيْ مِثْلَ قُلُوبِكُمُ الْآنَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الرَّاوِي (يَعْنِي) أَيْ يُرِيدُ بِالْإِطْلَاقِ تَقْيِيدَ الْكَلَامِ بِقَوْلِهِ (الْيَوْمَ أَوْ خَيْرٌ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَيَحْتَمِلُ التَّنْوِيعَ بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ قَالَهُ القارىء قُلْتُ لَيْسَ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي بَلْ هُوَ مِنْ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ فَفِيهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ قُلُوبُنَا يَوْمَئِذٍ أَمِثْلُهَا الْيَوْمَ قَالَ أَوْ خَيْرٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ

قوله ولقد أنذر نوح قومه

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ سُرَاقَةَ لَا يُعْرَفُ لَهُ سماع من أبي عبيدة 4 - ([2235] قَوْلُهُ (وَلَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ)) قَدِ اسْتُشْكِلَ إِنْذَارُ نُوحٍ قَوْمَهُ بِالدَّجَّالِ مَعَ أَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ ثَبَتَتْ أَنَّهُ يَخْرُجُ بَعْدَ أُمُورٍ ذُكِرَتْ وَأَنَّ عِيسَى يَقْتُلُهُ بَعْدَ أَنْ يَنْزِلَ مِنَ السَّمَاءِ فَيَحْكُمَ بِالشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ كَانَ وَقْتَ خُرُوجِهِ أَخْفَى عَلَى نُوحٍ وَمَنْ بَعْدَهُ فَكَأَنَّهُمْ أُنْذِرُوا بِهِ وَلَمْ يُذْكَرْ لَهُمْ وَقْتُ خُرُوجِهِ فَحَذَّرُوا قَوْمَهُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ وَقْتُ خُرُوجِهِ وَعَلَامَاتُهُ فَكَانَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بُيِّنَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حَالُهُ وَوَقْتُ خُرُوجِهِ فَأَخْبَرَ بِهِ فَبِذَلِكَ تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ (وَلَكِنْ سَأَقُولُ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ) قِيلَ إِنَّ السِّرَّ فِي اخْتِصَاصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّنْبِيهِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّهُ أَوْضَحُ الْأَدِلَّةَ فِي تَكْذِيبِ الدَّجَّالِ أَنَّ الدَّجَّالَ إِنَّمَا يَخْرُجُ فِي أُمَّتِهِ دُونَ غَيْرِهَا مِمَّنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأُمَمِ وَدَلَّ الْخَبَرُ عَلَى أَنَّ عِلْمَ كَوْنِهِ يَخْتَصُّ خُرُوجُهُ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ كَانَ طُوِيَ عَنْ غَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا طُوِيَ عَنِ الْجَمِيعِ عِلْمُ وَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ (تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ) إِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ أَنَّ أَدِلَّةَ الحدوث في الدجال ظاهرة لكون العور أثر محسوس يُدْرِكُهُ الْعَالِمُ وَالْعَامَيُّ وَمَنْ لَا يَهْتَدِي إِلَى الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ فَإِذَا ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ وَهُوَ نَاقِصُ الْخِلْقَةِ وَالْإِلَهُ يَتَعَالَى عَنِ النَّقْصِ عُلِمَ أَنَّهُ كَاذِبٌ قَوْلُهُ (فَأَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ) الْخَزْرَجِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَأَخْطَأَ مَنْ عَدَّهُ فِي الصَّحَابَةِ

قوله (قال يومئذ للناس وهو يحذرهم فتنة تَعْلَمُونَ أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ حَتَّى يَمُوتَ) فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ دَعْوَاهُ الرُّبُوبِيَّةَ كَذِبٌ لِأَنَّ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى مُقَيَّدَةٌ بِالْمَوْتِ وَالدَّجَّالُ يَدَّعِي أَنَّهُ اللَّهُ وَيَرَاهُ النَّاسُ مَعَ ذَلِكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَرَى اللَّهَ تَعَالَى فِي الْيَقَظَةِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ رُؤْيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا الْقُوَّةَ الَّتِي يُنْعِمُ بِهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ (وَأَنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عينيه كافر يقرأه مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ثم تهجاها ك ف ر يقرأه كُلُّ مُسْلِمٍ فَرِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ أَخَصُّ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ أحمد يقرأه الْأُمِّيُّ وَالْكَاتِبُ وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ عِنْدَ البزار وفي حديث أبي أمامة عند بن ماجة يقرأه كُلُّ مُؤْمِنٍ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ وَلِأَحْمَدَ عَنْ جَابِرٍ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ مُهَجَّاةٌ وَمِثْلُهُ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ وَقَوْلُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ مِنْ كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ إِخْبَارٌ بِالْحَقِيقَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِدْرَاكَ فِي الْبَصَرِ يَخْلُقُهُ اللَّهُ لِلْعَبْدِ كَيْفَ شَاءَ وَمَتَى شَاءَ فَهَذَا يَرَاهُ الْمُؤْمِنُ بِغَيْرِ بَصَرِهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَرَاهُ الْكَافِرُ وَلَوْ كَانَ يَعْرِفُ الْكِتَابَةَ كَمَا يَرَى الْمُؤْمِنُ الْأَدِلَّةَ بِغَيْرِ بَصِيرَتِهِ وَلَا يَرَاهَا الْكَافِرُ فَيَخْلُقُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ الْإِدْرَاكَ دُونَ تَعَلُّمٍ لِأَنَّ ذَلِكَ الزَّمَانَ تَنْخَرِقُ فِيهِ الْعَادَاتُ فِي ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ قَوْلُهُ يقرأه مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمُؤْمِنُونَ عُمُومًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْتَصَّ بِبَعْضِهِمْ مِمَّنْ قَوِيَ إِيمَانُهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ الْكِتَابَةَ الْمَذْكُورَةَ حَقِيقَةٌ جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَامَةً قَاطِعَةً بِكَذِبِ الدَّجَّالِ فَيُظْهِرُ اللَّهُ الْمُؤْمِنَ عَلَيْهَا وَيُخْفِيهَا عَلَى مَنْ أَرَادَ شَقَاوَتَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2236] قَوْلُهُ (فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ) مِنَ التَّسْلِيطِ أَيْ تُغَلَّبُونَ عَلَيْهِمْ (حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ إِلَخْ) هَذَا مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبىء الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ أَوِ الشَّجَرِ فَيَقُولُ

باب ما جاء من أين يخرج الدجال

الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلَّا الْغَرْقَدَ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْغَرْقَدُ نَوْعٌ مِنْ شَجَرِ الشَّوْكِ مَعْرُوفٌ بِبِلَادِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُنَاكَ يَكُونُ قَتْلُ الدَّجَّالِ وَالْيَهُودِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 5 - (بَاب مَا جَاءَ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ) [2237] قَوْلُهُ (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سُبَيْعٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا الْعِجْلِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (قَالَ الدَّجَّالَ إِلَخْ) اسْتِئْنَافٌ مُؤَكَّدٌ لِحَدَّثَنَا أَوْ يَدُلُّ عَلَى مَذْهَبِ الشَّاطِبِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ أَنَّ الْإِبْدَالَ يَجْرِي فِي الْأَفْعَالِ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَوِ التَّقْدِيرُ حَدَّثَنَا أَشْيَاءَ مِنْ جُمْلَتِهَا قَالَ الدَّجَّالَ إِلَخْ (يُقَالُ لَهَا خُرَاسَانُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَهِيَ بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ بَيْنَ بِلَادِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ وَبُلْدَانِ الْعِرَاقِ مُعْظَمُهَا الْآنَ بَلْدَةُ هَرَاةَ الْمُسَمَّاةُ بِخُرَاسَانَ كَتَسْمِيَةِ دِمَشْقَ بِالشَّامِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ قَالَ الْحَافِظُ أَمَّا مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ فَمِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ جَزْمًا ثُمَّ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ أَخْرَجَ ذَلِكَ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَفِي أُخْرَى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ أَصْبَهَانَ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ انْتَهَى قُلْتُ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَيْسَتْ بِصَرِيحَةٍ فِي أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ مِنْ أَصْبَهَانَ وَلَمْ أَجِدْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رِوَايَةً صَرِيحَةً فِي خُرُوجِهِ مِنْهَا (يَتْبَعُهُ) بِسُكُونِ التَّاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ أَيْ يَلْحَقُهُ وَيُطِيعُهُ (كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ جَمْعُ الْمِجَنِّ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ التُّرْسُ (الْمُطْرَقَةُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ رُوِيَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا فَهِيَ مَفْعُولَةٌ مِنْ إِطْرَاقِهِ أَوْ طَرْقِهِ أَيْ جَعَلَ الطَّرْقَ عَلَى وَجْهِ التُّرْسِ وَالطِّرَاقُ بِكَسْرِ الطَّاءِ الْجِلْدُ الَّذِي يُقْطَعُ عَلَى مِقْدَارِ التُّرْسِ فَيُلْصَقُ عَلَى ظَهْرِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ وُجُوهَهُمْ عَرِيضَةٌ وَوَجَنَاتُهُمْ مُرْتَفِعَةٌ

باب ما جاء في علامات خروج الدجال

كَالْمِجَنَّةِ وَهَذَا الْوَصْفُ إِنَّمَا يُوجَدُ فِي طَائِفَةِ التَّرْكِ وَالْأُزْبَكِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ مَرْفُوعًا يَأْتِي الْمَسِيحُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ هِمَّتُهُ الْمَدِينَةَ الْحَدِيثُ أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بن شوذب) الخرساني أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَكَنَ الْبَصْرَةَ ثُمَّ الشَّامَ صَدُوقٌ عَابِدٌ مِنَ السَّابِعَةِ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي عَلَامَاتِ خُرُوجِ الدَّجَّالِ) [2238] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ (أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ الْمُبَارَكِ) الْبَاهِلِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو صَالِحٍ الْخَاشِتِيُّ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَآخِرُهُ مُثَنَّاةٌ وَخَاشِتُ مِنْ مَحَالِّ بَلْخٍ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْغَسَّانِيُّ الشَّامِيُّ وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ قِيلَ اسْمُهُ بُكَيْرٌ وَقِيلَ عَبْدُ السَّلَامِ ضَعِيفٌ وَكَانَ قَدْ سُرِقَ بَيْتُهُ فَاخْتَلَطَ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ سُفْيَانَ) بْنِ أَبِي مَرْيَمَ الْغَسَّانِيِّ شَامِيٌّ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُطَيْبٍ) بِفَتْحِ الطَّاءِ مُصَغَّرًا الْكُوفِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَبْدُ الله بن قيس الكندي التراغمي بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَبُو بَحْرِيَّةَ الْحِمْصِيُّ شَهِدَ الْجَابِيَةَ رُوِيَ عَنْ مُعَاذِ بن جبل وثقه بن مَعِينٍ وَقَالَ فِي الْمُغْنِي فِي نِسْبَتِهِ التَّرَاغِمِيُّ بِضَمِّ فَوْقِيَّةٍ وَخِفَّةِ رَاءٍ

وَكَسْرِ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ فِي آخِرِهَا مِيمٌ مَنْسُوبٌ إِلَى تَرَاغِمَ بْنِ كَذَا قَوْلُهُ (الْمَلْحَمَةُ) أَيِ الْوَقْعَةُ الْعَظِيمَةُ الْقَتْلِ (الْعُظْمَى) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِي الْكُبْرَى قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ أَيْ الْحَرْبُ الْعَظِيمُ (وَفَتْحُ الْقُسْطُنْطِينَةِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ السِّينِ وَضَمِّ الطَّاءِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ وَبَعْدَ الطَّاءِ الثَّانِيَةِ تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ نُونٌ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا ضَبَطْنَاهُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ عَنِ الْمُتْقِنِينَ وَالْأَكْثَرِينَ وَعَنْ بَعْضِهِمْ زِيَادَةُ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ بَعْدَ النُّونِ وَهِيَ مَدِينَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ أَعْظَمِ مَدَائِنِ الرُّومِ (فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ) أَيْ هَذِهِ الْأُمُورُ الثَّلَاثَةُ تَكُونُ فِي سَبْعَةِ أَشْهُرٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَخْرُجُ الدَّجَّالُ حَتَّى تَذْهَلَ النَّاسُ عَنْ ذِكْرِهِ وَحَتَّى يَتْرُكَ الْأَئِمَّةُ ذِكْرَهُ عَلَى الْمَنَابِرِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَ الْمَلْحَمَةِ وَفَتْحِ الْمَدِينَةِ سِتُّ سِنِينَ وَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي السَّابِعَةِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ قُلْتُ وَفِي سَنَدِهِ أَيْضًا الْوَلِيدُ بْنُ سُفْيَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ تَنْبِيهٌ فَإِنْ قُلْتَ بَيْنَ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَبَيْنَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ تَخَالُفٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِي الْأَوَّلِ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ وَفِي الثَّانِي سَبْعَ سِنِينَ فَمَا وَجْهُ الْجَمْعِ قُلْتُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عِيسَى انْتَهَى أَرَادَ بِحَدِيثِ عِيسَى حَدِيثَ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ الْمَذْكُورَ الَّذِي رَوَاهُ قَبْلَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى جَوَابِ مَا يُقَالُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ تَنَافٍ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الثَّانِيَ أَرْجَحُ إِسْنَادًا فَلَا يُعَارِضُهُ الأول انتهى وقال القارىء فَفِيهِ (أَيْ فِي قَوْلِ أَبِي دَاوُدَ هَذَا أَصَحُّ) دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ التَّعَارُضَ ثَابِتٌ وَالْجَمْعَ مُمْتَنِعٌ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْمُرَجَّحُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ بَيْنَ الْمَلْحَمَةِ الْعُظْمَى وَبَيْنَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ

باب ما جاء في فتنة الدجال

سَبْعَ سِنِينَ أَصَحُّ مِنْ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ [2239] قَوْلُهُ (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو سَعِيدٍ الْقَاضِي ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (فَتْحُ الْقُسْطُنْطِينَةِ مَعَ قِيَامِ السَّاعَةِ) أَيْ مَعَ قُرْبِ قِيَامِهَا 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) [2240] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ) الْأَزْدِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ النَّسَائِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قَوْلُهُ (ذَاتَ غَدَاةٍ) كَلِمَةُ ذَاتَ مُقْحَمَةٌ (فَخَفَّضَ فِيهِ وَرَفَّعَ) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ فِيهِمَا وَفِي مَعْنَاهُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ خَفَّضَ فِيهِ بِمَعْنَى حَقَّرَهُ وَقَوْلُهُ رَفَّعَهُ أَيْ عَظَّمَهُ وَفَخَّمَهُ فَمِنْ تَحْقِيرِهِ وَهُوَ أَنَّهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَوْدُهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِ أَحَدٍ إِلَّا ذَلِكَ الرَّجُلِ ثُمَّ يَعْجِزُ عَنْهُ وَإِنَّهُ يَضْمَحِلُّ أَمْرُهُ وَيُقْتَلُ بَعْدَ ذَلِكَ هُوَ وَأَتْبَاعُهُ وَمِنْ تَفْخِيمِهِ وَتَعْظِيمِ فِتْنَتِهِ وَالْمِحْنَةِ بِهِ هَذِهِ الْأُمُورُ الْخَارِقَةُ لِلْعَادَةِ وَإِنَّهُ مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ خَفَّضَ مِنْ صَوْتِهِ فِي حَالِ كَثْرَةِ مَا تَكَلَّمَ فِيهِ فَخَفَّضَ بَعْدَ طُولِ الْكَلَامِ وَالتَّعَبِ لِيَسْتَرِيحَ ثُمَّ رَفَّعَ لِيَبْلُغَ صَوْتُهُ كَمَالًا (فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ) أَيْ نَاحِيَتِهِ وَجَانِبِهِ (ثُمَّ رُحْنَا إِلَيْهِ) مِنْ رَاحَ يَرُوحُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ رحت

الْقَوْمَ وَإِلَيْهِمْ وَعِنْدَهُمْ رَوْحًا وَرَوَاحًا ذَهَبْتُ إِلَيْهِمْ رَوَاحًا كَرَوَّحْتُهُمْ وَتَرَوَّحْتُهُمْ وَقَالَ فِيهِ وَالرَّوَاحُ الْعَشِيُّ أَوْ مِنَ الزَّوَالِ إِلَى اللَّيْلِ انْتَهَى (فَعَرَفَ ذَلِكَ) أَيْ أَثَرَ خَوْفِ الدَّجَّالِ (إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ) أَيْ مَوْجُودٌ فِيمَ بَيْنَكُمْ فَرْضًا وَتَقْدِيرًا (فَأَنَا حَجِيجُهُ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ مِنَ الْحُجَّةِ وَهِيَ الْبُرْهَانُ أَيْ غَالِبٌ عَلَيْهِ بِالْحُجَّةِ (دُونَكُمْ) أَيْ قُدَّامَكُمْ وَدَافِعُهُ عَنْكُمْ وَفِيهِ إِرْشَادٌ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي الْمُحَاجَّةِ مَعَهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى مُعَاوَنَةِ مُعَاوِنٍ من أمته في إلى غَلَبَتِهِ عَلَيْهِ بِالْحُجَّةِ (فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ) بِالرَّفْعِ أَيْ فَكُلُّ امْرِئٍ يُحَاجُّهُ وَيُحَاوِرُهُ وَيُغَالِبُهُ لِنَفْسِهِ (وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) يَعْنِي وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلِيُّ كُلِّ مُسْلِمٍ وَحَافِظُهُ فَيُعِينُهُ عَلَيْهِ وَيَدْفَعُ شَرَّهُ (إِنَّهُ) أَيِ الدَّجَّالَ (شَابٌّ قَطَطٌ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَالطَّاءِ أَيْ شَدِيدُ جُعُودَةِ الشَّعْرِ (عَيْنُهُ قَائِمَةٌ) أَيْ بَاقِيَةٌ فِي مَوْضِعِهَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ أَيْ مُرْتَفِعَةٌ (شَبِيهٌ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ) بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ الطيبي قيل إنه كان يهوديا قال القارىء ولعل الظاهر أنه مشترك لِأَنَّ الْعُزَّى اسْمُ صَنَمٍ وَيُؤَيِّدُهُ فِي بَعْضِ مَا جَاءَ فِي الْحَوَاشِي هُوَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ انْتَهَى (فَلْيَقْرَأْ فَوَاتِحَ سُورَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ) أَيْ أَوَائِلَهَا قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَعْنَى أَنَّ قِرَاءَتَهُ أَمَانٌ لَهُ مِنْ فِتْنَتِهِ كَمَا آمَنَ تِلْكَ الْفِتْيَةَ مِنْ فِتْنَةِ دِقْيَانُوسَ الْجَبَّارِ (فَعَاثَ يَمِينًا وَشِمَالًا) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَهُوَ فِعْلُ مَاضٍ وَالْعَيْثُ الْفَسَادُ أَوْ أَشَدُّ الْفَسَادِ وَالْإِسْرَاعُ فِيهِ يُقَالُ مِنْهُ عَاثَ يَعِيثُ وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَعَاثٍ بِكَسْرِ الثَّاءِ مُنَوَّنَةٍ اسْمُ فَاعِلٍ وَهُوَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ (يَا عِبَادَ اللَّهِ الْبَثُوا) مِنَ اللُّبْثِ وَهُوَ الْمُكْثُ وَالْفِعْلُ لَبِثَ كَسَمِعَ وَهُوَ نَادِرٌ لِأَنَّ الْمَصْدَرَ مِنْ فِعْلٍ بِالْكَسْرِ قِيَاسُهُ بِالتَّحْرِيكِ إِذْ لَمْ يَتَعَدَّدْ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُتُوا من الثبات وكذا في المشكاة قال القارىء أَيْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمَوْجُودُونَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَوْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُخَاطَبُونَ عَلَى فَرْضِ أَنَّكُمْ تُدْرِكُونَ ذَلِكَ الْأَوَانَ فَاثْبُتُوا عَلَى دِينِكُمْ وَإِنْ عَاقَبَكُمْ قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا مِنَ الْخِطَابِ الْعَامِّ أَرَادَ بِهِ مَنْ يُدْرِكُ الدَّجَّالَ مِنْ أُمَّتِهِ ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ اسْتِمَالَةً لِقُلُوبِ أُمَّتِهِ وَتَثْبِيتَهُمْ عَلَى مَا يُعَايِنُونَهُ مِنْ شَرِّ الدَّجَّالِ وَتَوْطِينِهِمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَاعْتِقَادِهِ وَتَصْدِيقِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا لبسه بفتح لام

وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ مَا قَدْرُ مُكْثِهِ وَتَوَقُّفِهِ (قال أربعون يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمْعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ) فَإِنْ قُلْتَ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الدَّجَّالَ يَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْكُثُ الدَّجَّالُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً السَّنَةُ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرُ كَالْجُمْعَةِ وَالْجُمْعَةُ كَالْيَوْمِ وَالْيَوْمُ كَاضْطِرَامِ السَّعَفَةِ فِي النَّارِ رَوَاهُ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَمَا وَجْهُ الجمع بينهما قلت قال القارىء لَعَلَّ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافُ الْكَمِّيَّةِ وَالْكَيْفِيَّةِ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ السَّنَةُ كَالشَّهْرِ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى سُرْعَةِ الِانْقِضَاءِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ يَوْمٌ كَسَنَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الشِّدَّةَ فِي غَايَةٍ مِنَ الِاسْتِقْصَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ اخْتِلَافُهُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالرِّجَالِ قَالَهُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْمَذْكُورِ وَقَالَ فِي شَرْحِ حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَا لَفْظُهُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَذِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِأَحَدِ الْمُكْثَيْنِ مُكْثٌ خَاصٌّ عَلَى وَصْفٍ مُعَيَّنٍ مُبَيَّنٍ عِنْدَ الْعَالِمِ بِهِ انْتَهَى قُلْتُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ أَنَّ رِوَايَةَ الْبَغَوِيِّ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُعَارِضًا لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَهَذِهِ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ طَوِيلَةٌ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ (وَلَكِنِ اقْدُرُوا لَهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هَذَا حُكْمٌ مَخْصُوصٌ بِذَلِكَ الْيَوْمِ شَرَعَهُ لَنَا صَاحِبُ الشَّرْعِ قَالُوا لَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ وَوُكِلْنَا إِلَى اجْتِهَادِنَا لَاقْتَصَرْنَا فِيهِ عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ عِنْدَ الْأَوْقَاتِ الْمَعْرُوفَةِ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْأَيَّامِ وَمَعْنَى اقْدُرُوا لَهُ أَنَّهُ إِذَا مَضَى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظُّهْرِ كُلَّ يَوْمٍ فَصَلُّوا الظُّهْرَ ثُمَّ إِذَا مَضَى بَعْدَهُ قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَصْرِ فَصَلُّوا الْعَصْرَ وَإِذَا مَضَى بَعْدَ هَذَا قَدْرُ مَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ فَصَلُّوا الْمَغْرِبَ وَكَذَا الْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ ثُمَّ الظُّهْرُ ثُمَّ الْعَصْرُ ثُمَّ الْمَغْرِبُ وَهَكَذَا حَتَّى يَنْقَضِيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ وَقَدْ وَقَعَ فِيهِ صَلَوَاتُ سَنَةٍ فَرَائِضُ كُلُّهَا مُؤَدَّاةٌ فِي وَقْتِهَا وَأَمَّا الثَّانِي الَّذِي كَشَهْرٍ وَالثَّالِثُ الَّذِي كَجُمْعَةٍ فَقِيَاسُ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ أَنْ يُقْدَرَ لَهُمَا كَالْيَوْمِ الْأَوَّلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى (فَمَا سُرْعَتُهُ فِي الْأَرْضِ) قَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّهُ لَهُ إِسْرَاعًا فِي الْأَرْضِ فَسَأَلُوا عَنْ كَيْفِيَّتِهِ كَمَا كَانُوا عَالِمِينَ بِلُبْثِهِ فَسَأَلُوا عن كميته بقولهم ما لبثه أي مامدة لُبْثِهِ (قَالَ كَالْغَيْثِ) الْمُرَادُ بِهِ

هُنَا الْغَيْمُ إِطْلَاقًا لِلسَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ أَيْ يُسْرِعُ فِي الْأَرْضِ إِسْرَاعَ الْغَيْمِ (اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ) قال بن الْمَلَكِ الْجُمْلَةُ حَالٌ أَوْ صِفَةٌ لِلْغَيْثِ وَأَلْ فِيهِ لِلْعَهْدِ الذِّهْنِيِّ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا مِثَالٌ لَا يُدْرَكُ كَيْفِيَّتُهُ وَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُ كَمِّيَّتِهِ (فَيَأْتِي) أَيِ الدَّجَّالُ (فَيَدْعُوهُمْ) أَيْ إِلَى دَعْوَى أُلُوهِيَّتِهِ (وَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ) أَيْ لَا يَقْبَلُونَهُ أَوْ يُبْطِلُونَهُ بِالْحُجَّةِ (ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمُ) أَيْ قوما أخرين (فيستجيبون له) فيقبلون أُلُوهِيَّتَهُ (فَيَأْمُرَ السَّمَاءَ) أَيِ السَّحَابَ (فَتُمْطِرَ) مِنَ الْإِمْطَارِ حَتَّى تَجْرِيَ الْأَنْهَارُ (فَتُنْبِتَ) مِنَ الْإِنْبَاتِ (فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ) أَيْ فَتَرْجِعُ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَيْهِمْ مَاشِيَتُهُمُ الَّتِي تَذْهَبُ بِالْغَدْوَةِ إِلَى مَرَاعِيهَا (كَأَطْوَلِ مَا كَانَتْ) أَيِ السَّارِحَةَ مِنَ الْإِبِلِ (ذُرًى) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَفَتْحُ الرَّاءِ مُنَوَّنًا جَمْعُ ذُرْوَةٍ مُثَلَّثَةٍ وَهِيَ أَعْلَى السَّنَامِ وَذُرْوَةُ كُلِّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ السِّمَنِ (وَأَمَدِّهِ) أَيْ وَأَمَدِّ مَا كَانَتْ وَهُوَ اسْمُ تَفْضِيلٍ مِنَ الْمَدِّ (خَوَاصِرَ) جَمْعُ خَاصِرَةٍ وَهِيَ مَا تَحْتَ الْجَنْبِ وَمَدُّهَا كِنَايَةٌ عَنِ الِامْتِلَاءِ وَكَثْرَةِ الْأَكْلِ (وَأَدَرِّهِ) أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مِنَ الدَّرِّ وَهُوَ اللَّبَنُ (ضُرُوعًا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ جَمْعُ ضَرْعٍ وَهُوَ الثَّدْيُ كِنَايَةً عَنْ كَثْرَةِ اللَّبَنِ (ثُمَّ يَأْتِي الْخَرِبَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيِ الْأَرْضَ الْخَرِبَةَ وَالْبِقَاعَ الْخَرِبَةَ (أَخْرِجِي كُنُوزَكِ) بِضَمِّ الْكَافِ جَمْعُ كَنْزٍ أَيْ مَدْفُونَكِ أَوْ مَعَادِنَكِ (فَيَنْصَرِفُ) أَيِ الدَّجَّالُ (مِنْهَا) أَيْ مِنَ الْخَرِبَةِ (فَتَتْبَعُهُ) الْفَاءُ فَصَيْحَةٌ أَيْ فَتَخْرُجُ الْكُنُوزُ فَتَعْقُبَ الدَّجَّالَ (كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ) أَيْ كَمَا يَتْبَعُ النَّحْلُ الْيَعْسُوبَ وَالْيَعْسُوبُ أَمِيرُ النَّحْلِ وَذَكَرُهَا الرَّئِيسُ الْكَبِيرُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَالْمُرَادُ هُنَا أمير النحل قال القارىء وَفِي الْكَلَامِ نَوْعُ قَلْبٍ إِذْ حَقُّ الْكَلَامِ كَنَحْلِ الْيَعَاسِيبِ انْتَهَى (ثُمَّ يَدْعُو) أَيْ يَطْلُبُ (مُمْتَلِئًا شَبَابًا) قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي غَايَةِ الشَّبَابِ (فَيَضْرِبَهُ بِالسَّيْفِ) أَيْ غَضَبًا عَلَيْهِ لِإِبَائِهِ قَبُولَ دَعْوَتِهِ الْأُلُوهِيَّةَ أَوْ إِظْهَارًا لِلْقُدْرَةِ وَتَوْطِئَةً لِخَرْقِ الْعَادَةِ (فَيَقْطَعَهُ جَزْلَتَيْنِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتُكْسَرُ أَيْ قِطْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ جزلتين رمية الغرض قال القارىء أَيْ قَدْرَ حَذْفِ الْهَدَفِ فَهِيَ مَنْصُوبَةٌ بِقَدْرَ وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِهِ أَنْ يَظْهَرَ عِنْدَ النَّاسِ أَنَّهُ هَلَكَ بِلَا شُبْهَةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ السَّحَرَةُ وَالْمُشَعْبِذَةُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى رَمْيَةَ الْغَرَضِ أَنَّهُ يَجْعَلُ بَيْنَ الْجَزْلَتَيْنِ مِقْدَارَ رَمْيَتِهِ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي هَذَا ثُمَّ

قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا وَتَقْدِيرُهُ فَيُصِيبَهُ إِصَابَةَ رَمْيَةِ الْغَرَضِ فَيَقْطَعَهُ جَزْلَتَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ انْتَهَى فَيُقْبِلُ أَيِ الرَّجُلُ الشَّابُّ عَلَى الدَّجَّالِ (يَتَهَلَّلُ) أَيْ يَتَلَأْلَأُ وَيُضِيءُ (يَضْحَكُ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ يُقْبِلُ أَيْ يُقْبِلُ ضَاحِكًا بَشَّاشًا فَيَقُولُ هَذَا كَيْفَ يَصْلُحُ إِلَهًا (فَبَيْنَمَا هُوَ) أَيِ الرَّجُلُ (كَذَلِكَ) أَيْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ (إِذْ هَبَطَ) أَيْ نَزَلَ (بِشَرْقِيِّ) بِالْإِضَافَةِ (دِمَشْقَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ كَسْرَ الْمِيمِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ فَضَائِلِ دِمَشْقَ (عِنْدَ الْمَنَارَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذِهِ الْمَنَارَةُ مَوْجُودَةٌ الْيَوْمَ شَرْقِيَّ دمشق وقال القارىء ذكر السيوطي في تعليقه على بن ماجة أنه قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي رِوَايَةٍ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَنْزِلُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِي رِوَايَةٍ بِالْأُرْدُنِّ وفي رواية بمعسكر المسلمين قلت حديث نزول ببيت المقدس عند بن مَاجَهْ وَهُوَ عِنْدِي أَرْجَحُ وَلَا يُنَافِي سَائِرَ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ وَهُوَ مُعَسْكَرُ الْمُسْلِمِينَ إِذْ ذَاكَ وَالْأُرْدُنُّ اسْمُ الْكُورَةِ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَبَيْتُ الْمَقْدِسِ دَاخِلٌ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ الْآنَ مَنَارَةٌ فَلَا بُدَّ أَنْ تَحْدُثَ قَبْلَ نُزُولِهِ انْتَهَى (بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْمَهْرُودَتَانِ رَوَى بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةُ أَكْثَرُ وَالْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَغَيْرِهِمْ وَأَكْثَرُ مَا يَقَعُ فِي النُّسَخِ بِالْمُهْمَلَةِ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمَعْنَاهُ لَابِسٌ مَهْرُودَتَيْنِ أَيْ ثَوْبَيْنِ مَصْبُوغَيْنِ بِوَرْسٍ ثُمَّ بِزَعْفَرَانٍ وَقِيلَ هُمَا شُقَّتَانِ وَالشُّقَّةُ نِصْفُ الْمِلَاءَةِ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النهاية قال بن الْأَنْبَارِيِّ الْقَوْلُ عِنْدَنَا فِي الْحَدِيثِ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ يُرْوَى بِالدَّالِ وَالذَّالِ أَيْ بَيْنَ مُمَصَّرَتَيْنِ عَلَى مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ نَسْمَعْهُ إِلَّا فِيهِ وَكَذَلِكَ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ لَمْ تُسْمَعْ إِلَّا فِي الْحَدِيثِ وَالْمُمَصَّرَةُ مِنَ الثِّيَابِ الَّتِي فِيهَا صُفْرَةٌ خَفِيفَةٌ وَقِيلَ الْمَهْرُودُ الثَّوْبُ الَّذِي يُصْبَغُ بِالْعُرُوقِ وَالْعُرُوقُ يُقَالُ لَهَا الْهَرْدُ انْتَهَى (وَاضِعًا يده) وفي رواية مسلم كَفَّيْهِ (إِذَا طَأْطَأَ) بِهَمْزَتَيْنِ أَيْ خَفَضَ (تَحَدَّرَ) مَاضٍ مَعْلُومٌ مِنَ التَّحَدُّرِ أَيْ نَزَلَ وَقَطَرَ (جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ هِيَ حَبَّاتٌ مِنَ الْفِضَّةِ تُصْنَعُ عَلَى هَيْئَةِ اللُّؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْمُرَادُ يَتَحَدَّرُ مِنْهُ الْمَاءُ عَلَى هَيْئَةِ اللُّؤْلُؤِ فِي صِفَاتِهِ فَسُمِّيَ الْمَاءُ جُمَانًا لِشَبَهِهِ بِهِ فِي الصَّفَاءِ (رِيحَ نَفَسِهِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْفَاءِ (يَعْنِي أَحَدٌ) هَذَا بَيَانٌ لِفَاعِلِ يَجِدُ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَيْ لَا يَجِدُ أَحَدٌ من الكفار (إلا مات) قال القارىء مِنَ الْغَرِيبِ أَنَّ نَفَسَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَعَلَّقَ بِهِ الْإِحْيَاءُ لِبَعْضٍ وَالْإِمَاتَةُ لِبَعْضٍ (وَرِيحُ نَفَسِهِ مُنْتَهَى بَصَرِهِ) وَفِي رِوَايَةِ

مُسْلِمٍ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ (فَيَطْلُبُهُ) أَيْ يَطْلُبُ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الدَّجَّالَ (حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مَصْرُوفٌ وَهُوَ بَلْدَةٌ قَرِيبَةٌ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ لُدٌّ مَوْضِعُ بِالشَّامِ وَقِيلَ بِفِلَسْطِينَ (أَنْ حَوِّزْ عِبَادِي إِلَى الطُّورِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ وَبِالزَّايِ أَمْرٌ مِنَ التَّحْوِيزِ أَيْ نَحِّهِمْ وَأَزِلْهُمْ عَنْ طَرِيقِهِمْ إِلَى الطُّورِ (قَدْ أَنْزَلْتُ عِبَادًا لِي) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي أَيْ أَظْهَرْتُ جَمَاعَةً وَهُمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ (لَا يَدَانِ) بِكَسْرِ النُّونِ تَثْنِيَةُ يَدٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لَا قُدْرَةَ وَلَا طاقة يقال مالي بهذا الأمر يد ومالي بِهِ يَدَانِ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ وَالدَّفْعَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْيَدِ وَكَأَنَّ يَدَيْهِ مَعْدُومَتَانِ لِعَجْزِهِ عَنْ دَفْعِهِ (وهم من كل حدب) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ مِنَ الْأَرْضِ (يَنْسِلُونَ) أَيْ يَمْشُونَ مُسْرِعِينَ (بِبُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ) بِالْإِضَافَةِ وَبُحَيْرَةٌ تَصْغِيرُ بَحْرَةٍ وَهِيَ مَاءٌ مُجْتَمِعٌ بِالشَّامِ طُولُهُ عَشَرَةُ أَمْيَالٍ وَالطَّبَرِيَّةُ بِفَتْحَتَيْنِ اسْمُ مَوْضِعٍ (فَهَلُمَّ) أَيْ تَعَالَ وَالْخِطَابُ لِأَمِيرِهِمْ وَكَبِيرِهِمْ أَوْ عَامٌّ غَيْرُ مَخْصُوصٍ بِأَحَدِهِمْ وَفِي النِّهَايَةِ فِيهِ لُغَتَانِ فَأَهْلُ الْحِجَازِ يُطْلِقُونَهُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مبنى على الفتح وبنوتميم تُثَنِّي وَتجْمَعُ وَتُؤَنِّثُ تَقُولُ هَلُمَّ وَهَلُمِّي وَهَلُمَّا وَهَلُمُّوا (فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ) بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ مُفْرَدُهُ نُشَّابَةٌ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ سِهَامِهِمْ (وَيُحَاصَرُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُحْبَسُ فِي جَبَلِ الطُّورِ (حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ يَوْمَئِذٍ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ مِائَةِ دِينَارٍ (لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَيْ تَبْلُغُ بِهِمُ الْفَاقَةُ إِلَى هَذَا الْحَدِّ إِنَّمَا ذَكَرَ رَأْسَ الثَّوْرِ لِيُقَاسَ الْبَقِيَّةُ عَلَيْهِ فِي الْقِيمَةِ (فيرغب عيسى بن مَرْيَمَ إِلَى اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ) قَالَ الْقَاضِي أَيْ يَرْغَبُونَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إِهْلَاكِهِمْ وَإِنْجَائِهِمْ عَنْ مُكَابَدَةِ بَلَائِهِمْ وَيَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ فَيَسْتَجِيبُ اللَّهُ فَيُهْلِكَهُمْ بِالنَّغَفِ كَمَا قَالَ (فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ) أي على

يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ (النَّغَفَ) بِنُونٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ فَاءٍ وَهُوَ دُودٌ يَكُونُ فِي أُنُوفِ الإبل والغنم الواحدة نغف (فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى) كَهَلْكَى وَزْنًا وَمَعْنًى وَهُوَ جَمْعُ فَرِيسٍ كَقَتِيلِ وَقَتْلَى مِنْ فَرَسَ الذِّئْبُ الشَّاةَ إِذَا كَسَرَهَا وَقَتَلَهَا وَمِنْهُ فَرِيسَةُ الْأَسَدِ (كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) لِكَمَالِ الْقُدْرَةِ وَتَعَلُّقِ الْمَشِيئَةِ قَالَ تَعَالَى مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحدة (وَيَهْبِطُ) أَيْ يَنْزِلُ مِنَ الطُّورِ (وَقَدْ مَلَأَتْهُ زَهَمَتُهُمْ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ زَهَمُهُمْ بِغَيْرِ التَّاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ دَسَمُهُمْ وَرَائِحَتُهُمُ الْكَرِيهَةُ (فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ) بِضَمِّ مُوَحَّدَةٍ وَسُكُونِ مُعْجَمَةٍ نَوْعٌ مِنَ الْإِبِلِ أَيْ طَيْرًا أَعْنَاقُهَا فِي الطُّولِ وَالْكِبَرِ كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ وَالطَّيْرُ جَمْعُ طَائِرَةٍ وَقَدْ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ (فَتَطْرَحُهُمْ بِالْمَهْبِلِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الْهُوَّةُ الذَّاهِبَةُ فِي الْأَرْضِ (وَيَسْتَوْقِدُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِسِيِّهِمْ) بِكِسْرَتَيْنِ فَتَشْدِيدِ تَحْتِيَّةٍ جَمْعُ قَوْسٍ وَالضَّمِيرُ لِيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ (وَنُشَّابِهِمْ) أَيْ سِهَامِهِمْ (وَجِعَابِهِمْ) بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ جَعْبَةٍ بِالْفَتْحِ وَهِيَ ظَرْفُ النُّشَّابِ (لَا يَكُنُّ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ مِنْ كَنَنْتُ الشَّيْءَ أَيْ سَتَرْتُهُ وَصُنْتُهُ عن الشمس وهي من أكننت الشيء بهذاالمعنى وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ مَطَرًا أَيْ لَا يَسْتُرُ وَلَا يَصُونَ شَيْئًا (مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْمَطَرِ (بَيْتُ وَبَرٍ) أَوْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ (وَلَا مَدَرٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالدَّالِ وَهُوَ الطِّينُ الصُّلْبُ وَالْمُرَادُ تَعْمِيمُ بُيُوتِ أَهْلِ الْبَدْوِ وَالْحَضَرِ (فَيَغْسِلُ) أَيِ الْمَطَرُ (فَيَتْرُكَهَا كَالزَّلْفَةِ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَاللَّامِ وَيَسْكُنُ وَبِالْفَاءِ وَقِيلَ بِالْقَافِ وَهِيَ الْمِرْآةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَقِيلَ مَا يُتَّخَذُ لِجَمْعِ الْمَاءِ مِنَ الْمَصْنَعِ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْمَاءَ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأَرْضِ بِحَيْثُ يَرَى الرَّائِي وَجْهَهُ فِيهِ (تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيِ الْجَمَاعَةُ (وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ بِقِشْرِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ مُقَعَّرُ قِشْرِهَا شَبَّهَهَا بِقِحْفِ الْآدَمِيِّ وَهُوَ الَّذِي فَوْقَ الدِّمَاغِ وَقِيلَ مَا انْفَلَقَ مِنْ جُمْجُمَتِهِ وَانْفَصَلَ انْتَهَى (وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ السِّينِ أَيِ اللَّبَنِ (حَتَّى إِنَّ الْفِئَامَ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَمْدُودَةٌ

باب ما جاء في صفة الدجال

وَهِيَ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ (لَيَكْتَفُونَ بِاللِّقْحَةِ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْكَسْرُ أَشْهَرُ وَهِيَ الْقَرِيبَةُ الْعَهْدِ بِالْوِلَادَةِ وَجَمْعُهَا لِقَحٌ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْقَافِ كَبِرْكَةٍ وَبِرَكٍ وَاللَّقُوحُ ذَاتُ اللَّبَنِ وَجَمْعُهَا لِقَاحٌ (وَإِنَّ الْفَخْذَ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفَخِذُ الْجَمَاعَةُ مِنَ الْأَقَارِبِ وَهُمْ دُونَ الْبَطْنِ وَالْبَطْنُ دُونَ الْقَبِيلَةِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بن فَارِسٍ الْفَخْذُ هُنَا بِإِسْكَانِ الْخَاءِ لَا غَيْرُ فَلَا يُقَالُ إِلَّا بِإِسْكَانِهَا بِخِلَافِ الْفَخِذِ الَّتِي هِيَ الْعُضْوُ فَإِنَّهَا تُكْسَرُ وَتُسَكَّنُ انْتَهَى (وَيَبْقَى سائر الناس) وفي رواية مسلم ويبقى شرا النَّاسِ (يَتَهَارَجُونَ كَمَا يَتَهَارَجُ الْحُمُرُ) أَيْ يُجَامِعُ الرِّجَالُ النِّسَاءَ بِحَضْرَةِ النَّاسِ كَمَا يَفْعَلُ الْحَمِيرُ وَلَا يَكْتَرِثُونَ لِذَلِكَ وَالْهَرْجُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ الْجِمَاعُ يُقَالُ هَرَجَ زَوْجَتَهُ أَيْ جَامَعَهَا يَهْرُجُهَا بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا (فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ) أَيْ لا على غيرهم وفي حديث بن مَسْعُودٍ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى لا يقال في الأرض الله الله رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الدَّجَّالِ) قَوْلُهُ (كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ) أَيْ شَبِيهَةٌ بِهَا (طَافِيَةٌ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبِالتَّحْتِيَّةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ بِيَاءٍ غَيْرِ مَهْمُوزَةٍ أَيْ بَارِزَةٌ وَلِبَعْضِهِمْ بِالْهَمْزِ أَيْ ذَهَبَ ضَوْؤُهَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَوَيْنَاهُ عَنِ الْأَكْثَرِ بِغَيْرِ هَمْزٍ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَجَزَمَ بِهِ الْأَخْفَشُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا نَاتِئَةٌ نُتُوءَ حَبَّةِ الْعِنَبِ مِنْ بَيْنِ أَخَوَاتِهَا قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُ الشُّيُوخِ بِالْهَمْزِ وَأَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ

وَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهِ فَقَدْ جَاءَ فِي آخِرَ أَنَّهُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ مَطْمُوسَةٌ وَلَيْسَتْ جَحْرَاءَ وَلَا ناتئة وهذه صِفَةُ حَبَّةِ الْعِنَبِ إِذَا سَالَ مَاؤُهَا وَهُوَ يُصَحِّحُ رِوَايَةَ الْهَمْزِ قُلْتُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ يُوَافِقُهُ حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَلَفْظُهُ رَجُلٌ قَصِيرٌ أَفْحَجُ بِفَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ جِيمٍ مِنَ الْفَحَجِ وَهُوَ تَبَاعُدُ مَا بَيْنَ السَّاقَيْنِ أَوِ الْفَخِذَيْنِ وَقِيلَ تُدَانِي صُدُورَ الْقَدَمَيْنِ مَعَ تَبَاعُدِ الْعَقِبَيْنِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي فِي رِجْلِهِ اعْوِجَاجٌ وَفِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ جَعَلَهُ أَعْوَرَ مَطْمُوسَ الْعَيْنِ لَيْسَتْ بِنَاتِئَةٍ بِنُونٍ وَمُثَنَّاةٍ وَلَا جَحْرَاءَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ مَمْدُودَةٍ أَيْ عَمِيقَةٍ وَبِتَقْدِيمِ الْحَدِّ أَيْ لَيْسَتْ مُتَصَلِّبَةً وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ مَمْسُوحَ الْعَيْنِ وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ مِثْلُهُ وَكِلَاهُمَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَلَكِنْ فِي حَدِيثِهِمَا أَعْوَرَ الْعَيْنِ الْيُسْرَى وَمِثْلُهُ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَعْوَرَ الْعَيْنِ الْيُمْنَى وَقَدِ اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ بن عمر فيكون أرجح وإلى ذلك أشار بن عَبْدِ الْبَرِّ لَكِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا الْقَاضِي عِيَاضٌ فَقَالَ تُصَحَّحُ الرِّوَايَتَانِ مَعًا بِأَنْ تَكُونَ الْمَطْمُوسَةُ والممسوحة هي العوراء الطافئة بِالْهَمْزِ أَيِ الَّتِي ذَهَبَ ضَوْؤُهَا وَهِيَ الْعَيْنُ اليمنى كما في حديث بن عُمَرَ وَتَكُونُ الْجَاحِظَةُ الَّتِي كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ وَكَأَنَّهَا نُخَامَةٌ فِي حَائِطٍ هِيَ الطَّافِيَةُ بِلَا هَمْزٍ وَهِيَ الْعَيْنُ الْيُسْرَى كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَعَلَى هَذَا فَهُوَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى مَعًا فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَوْرَاءُ أَيْ مَعِيبَةٌ فَإِنَّ الْأَعْوَرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ الْمَعِيبُ وَكِلَا عَيْنَيِ الدَّجَّالِ مَعِيبَةٌ فَإِحْدَاهُمَا مَعِيبَةٌ بِذَهَابِ ضَوْئِهَا حَتَّى ذَهَبَ إِدْرَاكُهَا وَالْأُخْرَى بِنُتُوئِهَا انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ هُنَا فِي الْفَتْحِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجِعْهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَحُذَيْفَةَ إِلَخْ) أَمَّا حديث سعد وهو بن أَبِي وَقَّاصٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ وَهِيَ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ فَأَخْرَجَهُ الْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَلَهَا حَدِيثٌ آخَرُ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ بَابِ الْعَلَامَاتِ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ وَذَكَرَ الدَّجَّالَ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي باب ذكر بن صَيَّادٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ بَابَيْنِ وَأَمَّا أَحَادِيثُ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب ما جاء في الدجال لا يدخل المدينة

59 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الدَّجَّالِ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ) [2242] قَوْلُهُ (فَيَجِدُ الْمَلَائِكَةَ يَحْرُسُونَهَا فِي حَدِيثِ مِحْجَنٍ الْأَدْرَعِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْحَاكِمِ فِي ذِكْرِ الْمَدِينَةِ وَلَا يَدْخُلُهَا الدَّجَّالُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كُلَّمَا أَرَادَ دُخُولَهَا تَلَقَّاهُ بِكُلِّ نَقَبٍ مِنْ نِقَابِهَا مَلَكٌ مُصْلِتٌ سَيْفَهُ يَمْنَعُهُ عَنْهَا وَعِنْدَ الْحَاكِمِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْقَرَّاظِ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ مَالِكٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولَانِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الْحَدِيثُ وَفِيهِ إِلَّا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ مُشْتَبِكَةٌ بِالْمَلَائِكَةِ عَلَى كُلِّ نَقَبٍ مِنْ أَنْقَابِهَا مَلَكَانِ يَحْرُسَانِهَا لَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ ولا الدجال قال بن الْعَرَبِيِّ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ عَلَى كُلِّ نَقَبٍ مَلَكًا أنَّ سَيْفَ أَحَدِهِمَا مَسْلُولٌ وَالْآخَرُ بِخِلَافِهِ (فَلَا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ) قِيلَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ مُحْتَمِلٌ لِلتَّعْلِيقِ وَمُحْتَمِلٌ لِلتَّبَرُّكِ وَهُوَ أَوْلَى وَقِيلَ إِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالطَّاعُونِ فَقَطْ وَفِيهِ نَظَرٌ وَحَدِيثُ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ الْمَذْكُورُ آنِفًا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ ذِكْرُ الْجَسَّاسَةِ وَالدَّجَّالِ وَفِيهِ وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ فَأَسِيرُ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعُ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطِيبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ مِحْجَنٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ص 71 ج 5 قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2243] قَوْلُهُ (الْإِيمَانُ يَمَانٍ) هُوَ نِسْبَةُ الْإِيمَانِ إِلَى الْيَمَنِ لِأَنَّ أَصْلَ يَمَانٍ يَمَنِيٌّ فَحُذِفَتْ يَاءُ النَّسَبِ

وَعُوِّضَ بِالْأَلِفِ بَدَلَهَا فَلَا يَجْتَمِعَانِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ وَفِي أُخْرَى لَهُمَا أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ أَضْعَفُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً الْفِقْهُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَّةٌ وَفِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ نَحْوَ اليمن فقال الايمان يمان ها هنا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَمَّا مَا ذُكِرَ مِنْ نِسْبَةِ الْإِيمَانِ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَدْ صَرَفُوهُ عَنْ ظَاهِرِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَبْدَأَ الْإِيمَانِ مِنْ مَكَّةَ ثُمَّ مِنَ الْمَدِينَةِ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ إِمَامُ الْغَرِيبِ ثُمَّ مَنْ بَعْدَهُ فِي ذَلِكَ أَقْوَالًا أَحَدُهَا أَرَادَ بِذَلِكَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يُقَالُ إِنَّ مَكَّةَ مِنْ تِهَامَةَ وَتِهَامَةُ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ وَالثَّانِي الْمُرَادُ مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ فَإِنَّهُ يُرْوَى فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ وَهُوَ بِتَبُوكَ وَمَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ حِينَئِذٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَمَنِ فَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةِ الْيَمَنِ وَهُوَ يُرِيدُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فَقَالَ الْإِيمَانُ يَمَانٍ فَنَسَبَهُمَا إِلَى الْيَمَنِ لِكَوْنِهِمَا حِينَئِذٍ مِنْ نَاحِيَةِ الْيَمَنِ كَمَا قَالُوا الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ وَهُوَ بِمَكَّةَ لِكَوْنِهِ إِلَى نَاحِيَةِ الْيَمَنِ وَالثَّالِثُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ أَحْسَنُهَا عِنْدَ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ لأنهم يمانون فِي الْأَصْلِ فَنُسِبَ الْإِيمَانُ إِلَيْهِمْ لِكَوْنِهِمْ أَنْصَارَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَلَوْ جَمَعَ أَبُو عُبَيْدٍ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُ طُرُقَ الْحَدِيثِ بِأَلْفَاظِهِ كَمَا جَمَعَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَتَأَمَّلُوهَا لَصَارُوا إِلَى غَيْرِ مَا ذَكَرُوهُ وَلَمَا تَرَكُوا الظَّاهِرَ وَلَفَظُوا بِأَنَّ الْمُرَادَ الْيَمَنُ وَأَهْلُ الْيَمَنِ عَلَى مَا هُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ إِطْلَاقِ ذَلِكَ إِذْ مِنْ أَلْفَاظِهِ أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ وَالْأَنْصَارُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ فَهُمْ إِذًا غَيْرُهُمْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ وَإِنَّمَا جَاءَ حِينَئِذٍ غَيْرُ الْأَنْصَارِ ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَهُمْ بِمَا يَقْضِي بِكَمَالِ إِيمَانِهِمْ وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَكَانَ ذَلِكَ إِشَارَةً لِلْإِيمَانِ إِلَى مَنْ أَتَاهُ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ لَا إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ إِجْرَاءِ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى أَهْلِ الْيَمَنِ حَقِيقَةً لِأَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ وَقَوِيَ قِيَامُهُ بِهِ وَتَأَكُّد اضْطِلَاعُهُ مِنْهُ نُسِبَ ذَلِكَ الشَّيْءُ إِلَيْهِ إِشْعَارًا بِتَمَيُّزِهِ بِهِ وَكَمَالِ حَالِهِ فِيهِ وَهَكَذَا كَانَ حَالُ أَهْلِ الْيَمَنِ حِينَئِذٍ فِي الْإِيمَانِ وَحَالُ الْوَافِدِينَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي أَعْقَابِ مَوْتِهِ كَأُوَيْسٍ الْقَرَنَيِّ وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيِّ وَشِبْهِهِمَا مِمَّنْ سَلِمَ قَلْبُهُ وَقَوِيَ إِيمَانُهُ فَكَانَتْ نِسْبَةُ الْإِيمَانِ إِلَيْهِمْ لِذَلِكَ إِشْعَارًا بِكَمَالِ إِيمَانِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ نَفْيٌ لَهُ عَنْ غَيْرِهِمْ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَوْجُودُونَ مِنْهُمْ حِينَئِذٍ لَا كُلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَإِنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ (وَالْكُفْرُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ رَأْسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ جِهَتِهِ وَفِي ذَلِكَ

باب ما جاء في قتل عيسى بن مريم الدجال

إِشَارَةٌ إِلَى شِدَّةِ كُفْرِ الْمَجُوسِ لِأَنَّ مَمْلَكَةَ الْفُرْسِ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ كَانَتْ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانُوا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَالتَّجَبُّرِ حَتَّى مَزَّقَ مَلِكُهُمْ كِتَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَمَرَّتِ الْفِتَنُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ (وَالسَّكِينَةُ لِأَهْلِ الْغَنَمِ) السَّكِينَةُ تُطْلَقُ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ وَالسُّكُونِ وَالْوَقَارِ وَالتَّوَاضُعِ وَإِنَّمَا خَصَّ أَهْلَ الْغَنَمِ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ غَالِبًا دُونَ أَهْلِ الْإِبِلِ فِي التَّوَسُّعِ وَالْكَثْرَةِ وَهُمَا مِنْ سَبَبِ الْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَقِيلَ أَرَادَ بِأَهْلِ الْغَنَمِ أَهْلَ الْيَمَنِ لِأَنَّ غَالِبَ مَوَاشِيهِمِ الْغَنَمُ بِخِلَافِ ربيعة ومضر فإنهم أصحاب إبل وروى بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا اتَّخِذِي الْغَنَمَ فَإِنَّ فِيهَا بَرَكَةً (وَالْفَخْرُ) هُوَ الِافْتِخَارُ وَعَدَّ الْمَآثِرَ الْقَدِيمَةَ تَعْظِيمًا (فِي الْفَدَّادِينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ الصَّوَابُ فِي الْفَدَّادِينَ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ جَمْعُ فَدَّادٍ بِدَالَيْنِ أُولَاهُمَا مُشَدَّدَةٌ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأَصْمَعِيِّ وَجُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَهُوَ مِنَ الْفَدِيدِ وَهُوَ الصَّوْتُ الشَّدِيدُ فَهُمُ الَّذِينَ تَعْلُو أَصْوَاتُهُمْ فِي إِبِلِهِمْ وَخَيْلِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى (أَهْلِ الْخَيْلِ وَأَهْلِ الْوَبَرِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ وَالْوَبَرُ بِفَتْحِ الْوَاوِ الْمُوَحَّدَةِ شَعْرُ الْإِبِلِ أَيْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْمَدَرِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُعَبِّرُ عَنْ أَهْلِ الْحَضَرِ بِأَهْلِ الْمَدَرِ وَعَنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ بِأَهْلِ الْوَبَرِ لِأَنَّ بُيُوتَهُمْ غَالِبًا خِيَامٌ مِنَ الشَّعْرِ (يَأْتِي الْمَسِيحُ) أَيِ الدَّجَّالُ وَإِنَّمَا سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ عَيْنَهُ الْوَاحِدَةَ ممسوحة (دبر أُحُدٍ) بِضَمِّ الدَّالِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ خَلْفَ أُحُدٍ وَهُوَ بِضَمَّتَيْنِ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَقَلُّ مِنْ فَرْسَخٍ (قِبَلَ الشَّامِ) أَيْ نَحْوَهُ قوله وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قَتْلِ عيسى بن مَرْيَمَ الدَّجَّالَ) [2244] قَوْلُهُ (أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيَّ) الْمَدَنِيَّ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ شَيْخُ الزُّهْرِيِّ لَا يُعْرَفُ وَاخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِهِ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الأنصاري

الْمَدَنِيِّ هُوَ أَخُو عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ لِأُمِّهِ يُقَالُ وُلِدَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وذكره بن حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (مُجَمِّعَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ المكسورة بدل مِنْ عَمِّي (بْنَ جَارِيَةَ) بِالْجِيمِ بْنَ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيَّ الْأَوْسِيَّ الْمَدَنِيَّ صَحَابِيٌّ مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ (بِبَابِ لُدٍّ) تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَمَعْنَاهُ فِي بَابِ فِتْنَةِ (الدَّجَّالِ) قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَنَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ إِلَخْ) أَمَّا أَحَادِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَنَافِعِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبِي بَرْزَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَجَابِرٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ فَأَخْرَجَهَا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أبي أمامة فأخرجه أبو داود وبن ماجة وأما حديث بن مسعود فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَأَمَّا حَدِيثُ كَيْسَانَ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ [2245] قَوْلُهُ (أَلَّا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بَيَانُ عَلَامَةٍ تَدُلُّ عَلَى كَذِبِ

باب ما جاء في ذكر بن صياد

الدَّجَّالِ دَلَالَةً قَطْعِيَّةً بَدِيهِيَّةً يُدْرِكُهَا كُلُّ أَحَدٍ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى كَوْنِهِ جِسْمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ لِكَوْنِ بَعْضِ الْعَوَامِّ لَا يَهْتَدِي إِلَيْهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ بن صَيَّادٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يُقَالُ له بن صياد وبن صَائِدٍ وَسُمِّيَ بِهَا فِي الْأَحَادِيثِ وَاسْمُهُ صَافٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقِصَّتُهُ مُشْكِلَةٌ وَأَمْرُهُ مُشْتَبِهٌ فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ الْمَشْهُورُ أَمْ غَيْرُهُ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ دَجَّالٌ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَظَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُوحَ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ وَلَا غَيْرُهُ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إليه بصفات الدجال وكان في بن صَيَّادٍ قَرَائِنُ مُحْتَمَلَةٌ فَلِذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَقْطَعُ بِأَنَّهُ الدَّجَّالُ وَلَا غَيْرُهُ وَلِهَذَا قَالَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُ بِأَنَّهُ هُوَ مُسْلِمٌ وَالدَّجَّالُ كَافِرٌ وَبِأَنَّهُ لَا يُولَدُ لِلدَّجَّالِ وَقَدْ وُلِدَ لَهُ بَنُونَ وَأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ وأن بن صَيَّادٍ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إِلَى مَكَّةَ فَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ صِفَاتِهِ وَقْتَ فِتْنَتِهِ وَخُرُوجِهِ فِي الْأَرْضِ وَمِنَ اشْتِبَاهِ قِصَّتِهِ وَكَوْنِهِ أَحَدَ الدَّجَاجِلَةِ الْكَذَّابِينَ قَوْلُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ يَأْتِيهِ صَادِقٌ وَكَاذِبٌ وَأَنَّهُ يَرَى عَرْشًا فَوْقَ الْمَاءِ وَأَنَّهُ لَا يَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالُ وَأَنَّهُ يَعْرِفُ مَوْضِعَهُ وَقَوْلُهُ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ مَوْلِدَهُ وَأَيْنَ هُوَ الْآنَ وَانْتِفَاخَهُ حَتَّى مَلَأَ السِّكَّةَ وَأَمَّا إِظْهَارُهُ الْإِسْلَامَ وَحَجُّهُ وَجِهَادُهُ وَإِقْلَاعُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي أَنَّهُ غَيْرُ الدَّجَّالِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي أَمْرِهِ بَعْدَ كِبَرِهِ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّهُمْ لَمَّا أَرَادُوا الصَّلَاةَ عَلَيْهِ كَشَفُوا عَنْ وَجْهِهِ حَتَّى رَآهُ النَّاسُ وَقِيلَ لهم اشهدوا قال وكان بن عُمَرَ وَجَابِرٌ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُمَا يَحْلِفَانِ أَنَّ بن صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ لَا يَشُكَّانِ فِيهِ فَقِيلَ لِجَابِرٍ إِنَّهُ أَسْلَمَ فَقَالَ وَإِنْ أَسْلَمَ فَقِيلَ إِنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ فَقَالَ وَإِنْ دَخَلَ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بإسناد صحيح عن جابر قال فقدنا بن صَيَّادٍ يَوْمَ الْحِرَّةِ وَهَذَا يُبْطِلُ رِوَايَةَ مَنْ رَوَى أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَلَفَ بِاللَّهِ تَعَالَى أَنَّ بن صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ وَأَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ

يُنْكِرْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَى أبو داود بإسناد صحيح عن بن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَشُكُّ في أن بن صَيَّادٍ هُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي أَمْرِ بن صَيَّادٍ اخْتِلَافًا كَثِيرًا هَلْ هُوَ الدَّجَّالُ قَالَ وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ غَيْرُهُ احْتَجَّ بِحَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي قِصَّةِ الْجَسَّاسَةِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ تُوَافِقَ صفة بن صَيَّادٍ صِفَةَ الدَّجَّالِ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ أَشْبَهَ النَّاسِ بِالدَّجَّالِ عَبْدُ الْعُزَّى بْنُ قَطَنٍ وَلَيْسَ هُوَ هُوَ قَالَ وَكَانَ أَمْرُ بن صَيَّادٍ فِتْنَةً ابْتَلَى اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عِبَادَهُ فَعَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا الْمُسْلِمِينَ وَوَقَاهُمْ شَرَّهَا قَالَ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ أَكْثَرُ مِنْ سُكُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُ عُمَرَ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ كَالْمُتَوَقِّفِ فِي أَمْرِهِ ثُمَّ جَاءَهُ الْبَيَانُ أَنَّهُ غَيْرُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيِّ وَاخْتَارَ أَنَّهُ غَيْرُهُ وقدمنا أنه صح عن عمرو عن بن عُمَرَ وَجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُ الدَّجَّالُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ لَمْ يَقْتُلْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَنَّهُ ادَّعَى بِحَضْرَتِهِ النُّبُوَّةَ فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ وَاخْتَارَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْجَوَابَ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ فِي أَيَّامِ مُهَادَنَةِ الْيَهُودِ وَحُلَفَائِهِمْ وَجَزَمَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ بِهَذَا الْجَوَابِ الثَّانِي قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ كَتَبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْيَهُودِ كِتَابَ صُلْحٍ عَلَى أَنْ لَا يُهَاجُوا وَيُتْرَكُوا على أمرهم وكان بن صَيَّادٍ مِنْهُمْ أَوْ دَخِيلًا فِيهِمْ [2246] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ) هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّوَّاسِيُّ (أخبرنا عبد الأعلى) هو بن عَبْدِ الْأَعْلَى الْبَصْرِيُّ الشَّامِيُّ (عَنِ الْجَرِيرِيِّ) هُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ (عَنْ أَبِي نَضْرَةَ) هُوَ الْعَبْدِيُّ قَوْلُهُ (إِمَّا حُجَّاجًا وَإِمَّا مُعْتَمِرِينَ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ صَحِبَ وَمَفْعُولُهُ (وَتُرِكَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَلَمَّا خَلَصَتْ بِهِ) أَيِ انْفَرَدَتْ بِهِ (اقْشَعْرَرَتْ مِنْهُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ اقْشَعَرَّ جِلْدُهُ أَخَذَتْهُ قُشَعْرِيرَةٌ أَيْ رِعْدَةٌ (حَيْثُ تِلْكَ الشَّجَرَةُ) أَيْ عِنْدَهَا (هَذَا الْيَوْمُ يَوْمٌ صَائِفٌ) أَيْ حَارٌّ (ثم اختنق

أَيْ أَعْصِرُ حَلْقِي بِذَلِكَ الْحَبْلِ وَأَمُوتُ (وَهُوَ) ضمير الشأن (ذا) أي بن صَيَّادٍ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ (فَلَعَلَّهُ مَكْذُوبٌ عَلَيْهِ) أَيْ ظَنَنْتُ أَنَّ مَا يَقُولُهُ النَّاسُ فِي حَقِّهِ مِنْ أَنَّهُ دَجَّالٌ هُوَ كَذِبٌ عَلَيْهِ (وَاللَّهِ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ وَأَعْرِفُ وَالِدَهُ وَأَيْنَ هُوَ السَّاعَةَ مِنَ الْأَرْضِ) زَادَ مُسْلِمٌ قَالَ فَلَبَسَنِي قَالَ النَّوَوِيُّ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ جَعَلَنِي أَلْتَبِسُ فِي أَمْرِهِ وَأَشُكُّ فِيهِ قَالَ القارىء يَعْنِي حَيْثُ قَالَ أَوَّلًا أَنَا مُسْلِمٌ ثُمَّ ادَّعَى الْغَيْبَ بِقَوْلِهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ وَمَنِ ادَّعَى عِلْمَ الْغَيْبِ فَقَدْ كَفَرَ فَالْتَبَسَ عَلَيَّ إِسْلَامُهُ وَكُفْرُهُ (فَقُلْتُ تَبًّا لَكَ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ هَلَاكًا وَخُسْرَانًا (سَائِرَ الْيَوْمِ) أَيْ جَمِيعَ الْيَوْمِ أَوْ بَاقِيهِ أَيْ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْيَوْمِ قَدْ خَسِرْتُ فِيهِ فَكَذَا فِي بَاقِيهِ قَوْلُهُ (هذا حديث حسن) وأخرجه مسلم [2249] قَوْلُهُ (عِنْدَ أُطُمٍ) بِضَمَّتَيْنِ الْقَصْرُ وَكُلُّ حِصْنٍ مَبْنِيٌّ بِحِجَارَةٍ وَكُلُّ بَيْتٍ مُرَبِّعٍ مُسَطَّحٍ الْجَمْعُ آطَامٌ وَأُطُومٌ (بَنِي مَغَالَةَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بني مغالة وفي بعضها بن مَغَالَةَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَغَالَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ الْحَسَنَ الْحَلْوَانِيَّ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ أَنَّهُ أُطُمُ بَنِي مُعَاوِيَةَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ الْقَاضِي وَبَنُو مَغَالَةَ كُلُّ مَا كَانَ عَلَى يَمِينِكَ إِذَا وَقَفْتَ آخِرَ الْبَلَاطِ مُسْتَقْبِلَ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَهُوَ غُلَامٌ) وفي رواية مسلم وقد قارب بن صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ الْحُلُمَ (فَلَمْ يَشْعُرْ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (ظهره) أي ظهر بن صَيَّادٍ (ثُمَّ قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ) قَالَ الْقَاضِي يُرِيدُ بِهِمُ الْعَرَبَ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ كانوا لا يكتبون ولا يقرأون وما ذكره

وَإِنْ كَانَ حَقًّا مِنْ قِبَلِ الْمَنْطُوقِ لَكِنَّهُ يُشْعِرُ بِبَاطِلٍ مِنْ حَيْثُ الْمَفْهُومِ وَهُوَ أَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْعَرَبِ غَيْرُ مَبْعُوثٍ إِلَى الْعَجَمِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُ الْيَهُودِ وَهُوَ إِنْ قَصَدَ بِهِ ذَلِكَ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يُلْقِي إِلَيْهِ الْكَاذِبُ الَّذِي يَأْتِيهِ وَهُوَ شَيْطَانُهُ انْتَهَى وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ مسلم فَقَالَ لَا بَلْ تَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْكَلَامُ خَارِجٌ عَلَى إِرْخَاءِ الْعِنَانِ أَيْ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ فَتَفَكَّرْ هل أنت منهم انتهى قال القارىء وَفِيهِ إِبْهَامُ تَجْوِيزِ التَّرَدُّدِ فِي كَوْنِهِ مِنَ الرُّسُلِ أَمْ لَا وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ عَمِلَ بِالْمَفْهُومِ كَمَا فَعَلَهُ الدَّجَّالُ فَالْمَعْنَى أَنِّي آمَنْتُ بِرُسُلِهِ وَأَنْتَ لَسْتَ مِنْهُمْ فَلَوْ كُنْتَ مِنْهُمْ لَآمَنْتُ بِكَ وَهَذَا أَيْضًا عَلَى الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِلَّا فَبَعْدَ الْعِلْمِ بِالْخَاتِمَةِ فَلَا يَجُوزُ أَيْضًا الْفَرْضُ وَالتَّقْدِيرُ بِهِ انْتَهَى (يَأْتِينِي صَادِقٌ) أَيْ خَبَرٌ صَادِقٌ تَارَةً (وَكَاذِبٌ) أَيْ أُخْرَى وَقِيلَ حَاصِلُ السُّؤَالِ أَنَّ الَّذِي يَأْتِيكَ مَا يَقُولُ لَكَ وَمُجْمَلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ يُحَدِّثُنِي بِشَيْءٍ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا وَقَدْ يَكُونُ كَاذِبًا (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلِّطَ) بصيغة المجهول من التخليط قال النَّوَوِيُّ أَيْ مَا يَأْتِيكَ بِهِ شَيْطَانُكَ مُخَلَّطٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ لَهُ تَارَاتٌ يصيب في بعضها ويخطىء فِي بَعْضِهَا فَلِذَلِكَ الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ (وَإِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ) أَيْ أَضْمَرْتُ فِي نَفْسِي (خَبِيئًا) أَيِ اسْمًا مُضْمَرًا لَتُخْبِرَنِّي بِهِ (وَهُوَ الدُّخُّ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ فِي الدُّخَانِ وَحَكَى صَاحِبُ نِهَايَةِ الْغَرِيبِ فِيهِ فَتْحَ الدَّالِ وَضَمَّهَا وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ ضَمُّهَا فَقَطْ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالدُّخِّ هُنَا الدُّخَانُ وَأَنَّهَا لُغَةٌ فِيهِ وَخَالَفَهُمُ الْخَطَّابِيُّ فَقَالَ لَا مَعْنَى لِلدُّخَانِ هُنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُخَبَّأُ فِي كَفٍّ أَوْ كُمٍّ كَمَا قَالَ بَلِ الدُّخُّ بَيْتٌ مَوْجُودٌ بَيْنَ النَّخِيلِ وَالْبَسَاتِينِ قَالَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى خَبَّأْتُ أَضْمَرْتُ لَكَ اسْمَ الدُّخَانِ فَيَجُوزُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَضْمَرَ لَهُ آيَةَ الدُّخَانِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الدَّاوُدِيُّ وَقِيلَ كَانَتْ سُورَةُ الدُّخَانِ مَكْتُوبَةً فِي يَدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ كَتَبَ الْآيَةَ فِي يَدِهِ قَالَ الْقَاضِي وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ لَمْ يَهْتَدِ مِنَ الْآيَةِ الَّتِي أَضْمَرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا لِهَذَا اللَّفْظِ النَّاقِصِ عَلَى عَادَةِ الْكُهَّانِ إِذَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ إِلَيْهِمْ بِقَدْرِ مَا يَخْطَفُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ

الشِّهَابُ انْتَهَى قَالَ صَاحِبُ اللُّمَعَاتِ هَذَا إِمَّا لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكَلَّمَ فِي نَفْسِهِ أَوْ كَلَّمَ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَسَمِعَهُ الشَّيْطَانُ فَأَلْقَاهُ إِلَيْهِ انْتَهَى (اخْسَأْ) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الهمزة كلمة زجر واستهانة من الخسؤ وَهُوَ زَجْرُ الْكَلْبِ أَيِ امْكُثْ صَاغِرًا أَوِ ابْعُدْ حَقِيرًا أَوِ اسْكُتْ مَزْجُورًا (فَلَنْ تَعْدُوَ) بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ فَلَنْ تُجَاوِزَ (قَدْرَكَ) أَيِ الْقَدْرَ الَّذِي يُدْرِكُهُ الْكُهَّانُ مِنَ الِاهْتِدَاءِ إِلَى بعض الشيء ومالا يَبِينُ مِنْهُ حَقِيقَتُهُ وَلَا يَصِلُ بِهِ إِلَى بَيَانِ وَتَحْقِيقِ أُمُورِ الْغَيْبِ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا تَتَجَاوَزْ عَنْ إِظْهَارِ الْخَبِيَّاتِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَمَا هُوَ دَأْبُ الْكَهَنَةِ إِلَى دَعْوَى النُّبُوَّةِ فَتَقُولُ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ (إِنْ يَكُ حَقًّا) أَيْ إِنْ يَكُ بن صياد دجالا (فلن تسلط عليه) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ دَعْهُ فَإِنْ يَكُنِ الَّذِي تَخَافُ لَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ (فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ) أَيْ إِمَّا لِكَوْنِهِ صَغِيرًا أَوْ ذِمِّيًّا وَفِي حَدِيثٍ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ إِنْ يَكُنْ هُوَ فلست صاحبه إنما صاحبه عيسى ومريم وَإِلَّا يَكُنْ هُوَ فَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَقْتُلَ رجلا من أهل العهد وحديث بن عُمَرَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ [2247] قَوْلُهُ (وَلَهُ ذُؤَابَةٌ) بِالضَّمِّ النَّاصِيَةُ أَوْ مَنْبَتُهَا مِنَ الرَّأْسِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الذُّؤَابَةُ الشَّعْرُ الْمَضْفُورُ مِنْ شَعْرِ الرَّأْسِ (قَالَ أَرَى عَرْشًا) أَيْ سَرِيرًا (قَالَ أَرَى صَادِقًا وَكَاذِبَيْنِ أَوْ صَادِقَيْنِ وَكَاذِبًا) هَذَا الشَّكُّ من بن صياد فِي عَدَدِ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ يَدُلُّ عَلَى افْتِرَائِهِ إِذِ الْمُؤَيَّدُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ (لُبِسَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ اللَّبْسِ أَوِ التَّلْبِيسِ أَيْ خُلِطَ عَلَيْهِ أَمْرُهُ (فَدَعَاهُ) بِصِيغَةٍ الأمر لِلتَّثْنِيَةِ مِنْ وَدَعَ يَدَعُ أَيِ اتْرُكَاهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ دَعُوهُ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَحُسَيْنِ بْنِ علي الخ) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ مَرَّ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ بن مَسْعُودٍ وَحَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرُجهُمَا مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ حَفْصَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ وَحَدِيثُ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2248] قَوْلُهُ (وَأَقَلُّهُ مَنْفَعَةً) أَيْ أَقَلُّ شَيْءٍ مَنْفَعَةً (تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلَا يَنَامُ قَلْبُهُ) قَالَ الْقَاضِي أَيْ لَا تُقْطَعُ أَفْكَارُهُ الْفَاسِدَةُ عَنْهُ عِنْدَ النَّوْمِ لِكَثْرَةِ وَسَاوِسِهِ وَتَخَيُّلَاتِهِ وَتَوَاتُرِ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ إِلَيْهِ كَمَا لَمْ يَكُنْ يَنَامُ قَلْبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَفْكَارِهِ الصَّالِحَةِ بِسَبَبِ ما تواتر عليه من الوحي وا لهام (فَقَالَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَبُوهُ طُوَالٌ) بِضَمِّ الطَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ مُبَالَغَةُ طَوِيلٍ وَالْمُشَدَّدُ أَكْثَرُ مُبَالَغَةً لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الرِّوَايَةُ (ضَرْبُ اللَّحْمِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الْخَفِيفُ اللَّحْمُ الْمُسْتَدَقُّ وَفِي صِفَةِ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ ضَرْبٌ مِنَ الرِّجَالِ (كَأَنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (أَنْفَهُ مِنْقَارٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ فِي أَنْفِهِ طُولٌ بِحَيْثُ يُشْبِهُ مِنْقَارَ طَائِرِ (وَأُمُّهُ امْرَأَةٌ فِرْضَاخِيَّةٌ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ أي ضخمة عظيمة ذكره الْقَاضِي وَفِي الْفَائِقِ هِيَ صِفَةٌ بِالضَّخْمِ وَقِيلَ بِالطُّولِ وَالْيَاءُ مَزِيدَةٌ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ كَأَحْمَرِيٍّ وَفِي الْقَامُوسِ رَجُلٌ فَرِضَاخٌ ضَخْمٌ عَرِيضٌ أَوْ طَوِيلٌ وَهِيَ بِهَاءٍ أَوِ امْرَأَةٌ فِرْضَاخَةٌ أَوْ فِرْضَاخِيَّةٌ عَظِيمَةُ الثَّدْيَيْنِ وَفِي النِّهَايَةِ فِرْضَاخِيَّةٌ ضَخْمَةٌ عَظِيمَةُ الثَّدْيَيْنِ (فَإِذَا نَعَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمَا) أَيْ وَصْفُهُ مَوْجُودٌ

فِيهِمَا (فَإِذَا هُوَ) أَيِ الْغُلَامُ (مُنْجَدِلٌ بِكَسْرِ الدَّالِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ مُلْقًى عَلَى الْجَدَالَةِ وهي الأرض ومنه الحديث أنا خاتم الأنبياء فِي أُمِّ الْكِتَابِ وَآدَمُ لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَتِهِ (فِي قَطِيفَةٍ (أَيْ دِثَارٍ مُخَمَّلٍ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ (وَلَهُ هَمْهَمَةٌ) أَيْ زَمْزَمَةٌ وَقِيلَ أَيْ كَلَامٌ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنْهُ شَيْءٌ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ تَرْدِيدُ الصَّوْتِ فِي الصَّدْرِ انْتَهَى وَفِي النِّهَايَةِ وَأَصْلُ الْهَمْهَمَةِ صَوْتُ الْبَقَرِ (فَكَشَفَ) أي بن صَيَّادٍ (عَنْ رَأْسِهِ) أَيْ غِطَاءَهُ (فَقَالَ مَا قُلْتُمَا) فَكَأَنَّهُ وَقَعَ كَلَامٌ بَيْنَهُمَا فِيهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي سَنَدِهِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ 2 - باب [2250] قَوْلُهُ (مَا عَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ) أَيْ مَوْلُودَةٌ (يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ كَانَتْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَلَى الْأَرْضِ لَا يَعِيشُ بَعْدَهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ سَوَاءٌ قَلَّ عُمُرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَا وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ عَيْشِ أَحَدٍ يُوجَدُ بَعْدَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَوْقَ مِائَةِ سَنَةٍ وَمَعْنَى نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ أَيْ مَوْلُودَةٍ وَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ السَّمَرِ فِي الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى مَوْتِ الْخَضِرِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى خِلَافِهِ وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ الْخَضِرَ كَانَ حِينَئِذٍ مِنْ سَاكِنِي الْبَحْرِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي الْحَدِيثِ قَالُوا وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يَبْقَى مِمَّنْ تَرَوْنَهُ أَوْ تَعْرِفُونَهُ فَهُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ وَقِيلَ احْتَرَزَ بِالْأَرْضِ عَنِ الْمَلَائِكَةِ وَقَالُوا خَرَجَ عِيسَى مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ حَيٌّ لِأَنَّهُ فِي السَّمَاءِ لَا فِي الْأَرْضِ

وَخَرَجَ إِبْلِيسُ لِأَنَّهُ عَلَى الْمَاءِ أَوْ فِي الْهَوَاءِ وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ إِنَّ اللَّامَ فِي الأرض عهدية والمراد أرض المدينة والحق وأنها لِلْعُمُومِ تَتَنَاوَلُ جَمِيعَ بَنِي آدَمَ وَأَمَّا مَنْ قَالَ الْمُرَادُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ سَوَاءٌ أُمَّةُ الْإِجَابَةِ وَأُمَّةُ الدَّعْوَةِ وَخَرَجَ عِيسَى وَالْخَضِرُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أُمَّتِهِ فَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ عِيسَى يَحْكُمُ بِشَرِيعَتِهِ فَيَكُونُ مِنْ أُمَّتِهِ وَالْقَوْلُ فِي الْخَضِرِ إِنْ كَانَ حَيًّا كَالْقَوْلِ فِي عِيسَى وَقَالَ فِي بَابِ حَدِيثِ الْخَضِرِ مَعَ مُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَالَّذِي جَزَمَ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ الْآنَ الْبُخَارِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ وَأَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْمُنَادِي وَأَبُو يَعْلَى بْنُ الْفَرَّاءِ وَأَبُو طَاهِرٍ الْعَبَّادِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَطَائِفَةٌ وَعُمْدَتُهُمُ الحديث المشهور عن بن عُمَرَ وَجَابِرٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ لَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بَعْدَ مِائَةِ سَنَةٍ ممن هو عليها اليوم أحد قال بن عُمَرَ أَرَادَ بِذَلِكَ انْخِرَامَ قَرْنِهِ وَمِنْ حُجَجِ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا جَعَلْنَا لبشر من قبلك الخلد وحديث بن عَبَّاسٍ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقَ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرَنَّهُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَأْتِ فِي خَبَرٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا قَاتَلَ مَعَهُ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ لَا تُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ فَلَوْ كَانَ الْخَضِرُ مَوْجُودًا لَمْ يَصِحَّ هَذَا النَّفْيُ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى لَوَدِدْنَا لَوْ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ عَلَيْنَا مِنْ خَبَرِهِمَا فَلَوْ كَانَ الْخَضِرُ مَوْجُودًا لَمَا حَسُنَ التَّمَنِّي وَلَأَحْضَرَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَرَاهُ الْعَجَائِبَ وَكَانَ أَدْعَى لِإِيمَانِ الْكَفَرَةِ لَا سِيَّمَا أَهْلُ الْكِتَابِ وَجَاءَ فِي اجْتِمَاعِهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حديث ضعيف أخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ طَرِيقِ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ كَلَامًا فَقَالَ يَا أَنَسُ اذْهَبْ إِلَى هَذَا الْقَائِلِ فَقُلْ لَهُ يَسْتَغْفِرُ لِي فَذَهَبَ إِلَيْهِ فَقَالَ قُلْ لَهُ إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَكَ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِمَا فَضَّلَ بِهِ رَمَضَانَ عَلَى الشُّهُورِ قَالَ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ فَإِذَا هُوَ الْخَضِرُ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ ثُمَّ ذَكَرَ الحافظ أحاديث واثار مَعَ الْكَلَامِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ فِي تَارِيخِهِ وأبو عروبة من طريق رياح بالتحتانية بن عُبَيْدَةَ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا يُمَاشِي عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ لَهُ مَنِ الرَّجُلُ قَالَ رَأَيْتُهُ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ أَحْسِبُكَ رَجُلًا صَالِحًا ذَاكَ أَخِي الْخَضِرُ بَشَّرَنِي أَنِّي سَأُوَلَّى وَأَعْدِلُ لَا بَأْسَ بِرِجَالِهِ وَلَمْ يَقَعْ لِي إِلَى الْآنَ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ غَيْرُهُ وَهَذَا لَا يُعَارِضُ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ فِي مِائَةِ سَنَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْمِائَةِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

قُلْتُ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ عِنْدِي هُوَ مَا جَزَمَ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَمْ أَرَ حَدِيثًا مَرْفُوعًا صَحِيحًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَضِرَ مَوْجُودٌ الْآنَ والله تعالى أعلم قوله (وفي الباب عن بن عمر وأبي سعيد وبريدة) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَبُوكَ سَأَلُوهُ عَنِ السَّاعَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَأْتِي مِائَةُ سَنَةٍ وَعَلَى الْأَرْضِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ الْيَوْمَ وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2251] قَوْلُهُ (وَأَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ عَارِفٌ بِالنَّسَبِ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (فِي آخِرِ حَيَاتِهِ) جَاءَ مُقَيَّدًا فِي رِوَايَةِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهْرٍ (فَقَالَ أَرَأَيْتَكُمْ) قَالَ الْحَافِظُ هُوَ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ لِأَنَّهَا ضَمِيرُ الْمُخَاطَبِ وَالْكَافُ ضَمِيرٌ ثَانٍ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ وَالْهَمْزَةُ الْأُولَى لِلِاسْتِفْهَامِ وَالرُّؤْيَةُ بِمَعْنَى الْعِلْمِ أَوِ الْبَصَرِ وَالْمَعْنَى أُعْلِمْتُمْ أَوْ أَبْصَرْتُمْ لَيْلَتَكُمْ وَهِيَ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَالْجَوَابُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ فَاضْبُطُوهَا انْتَهَى (عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ) أَيْ عِنْدَ انْتِهَاءِ مِائَةِ سَنَةٍ (لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ) أَيْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ مَوْجُودٌ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ (فَوَهَلَ النَّاسُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ غَلِطُوا يُقَالُ وَهَلَ بِفَتْحِ الْهَاءِ يَهِلُ بِكَسْرِهَا وَهَلًا أَيْ غَلِطَ وَذَهَبَ وَهْمُهُ إِلَى خلاف الصواب وأما وهلت بكسرها أو هل بِفَتْحِهَا وَهَلًا كَحَذِرْتُ أَحْذَرُ حَذَرًا فَمَعْنَاهُ فَزِعْتُ وَالْوَهَلُ بِالْفَتْحِ الْفَزَعُ (فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ نَحْوَ مِائَةِ سَنَةٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ

باب ما جاء في النهي عن سب الرياح

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ قَالَ الْحَافِظُ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ يَقُولُ إِنَّ الساعة تقوم عند تُقْضَى مِائَةُ سَنَةٍ كَمَا رَوَى ذَلِكَ الطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ وَرَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ انْتَهَى (يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ) قَالَ الحافظ قد بين بن عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُرَادَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّ مُرَادَهُ أَنَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ يَنْخَرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنُ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا حَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ بِالِاسْتِقْرَاءِ فَكَانَ آخِرُ مَنْ ضَبَطَ أَمْرَهُ مِمَّنْ كَانَ مَوْجُودًا حِينَئِذٍ أَبُو الطُّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ آخِرَ الصَّحَابَةِ مَوْتًا وَغَايَةُ مَا قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ بَقِيَ إِلَى سَنَةِ عَشْرٍ وَمِائَةٍ وَهِيَ رَأْسُ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَقَالَةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الرِّيَاحِ) [2252] قَوْلُهُ (عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْمُنْذِرِ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ وَيُكَنَّى أَبَا الطُّفَيْلِ أَيْضًا مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ اخْتُلِفَ فِي سَنَةِ مَوْتِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا قِيلَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ وَقِيلَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (لَا تَسُبُّوا الرِّيحَ) فَإِنَّ الْمَأْمُورَ مَعْذُورٌ وَفِي حديث بن عَبَّاسٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ لَا تَلْعَنُوا الرِّيحَ فَإِنَّهَا مَأْمُورَةٌ وَإِنَّهُ مَنْ لَعَنَ شَيْئًا لَيْسَ لَهُ بِأَهْلٍ رَجَعَتِ اللَّعْنَةُ عَلَيْهِ (فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ) أَيْ رِيحًا تَكْرَهُونَهَا لِشِدَّةِ حَرَارَتِهَا أَوْ بُرُودَتِهَا أَوْ تَأَذَّيْتُمْ لِشِدَّةِ هُبُوبِهَا (فَقُولُوا) أي رَاجِعِينَ إِلَى خَالِقِهَا وَآمِرِهَا (اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ) أَيْ خَيْرِ ذَاتِهَا (وَخَيْرِ مَا فِيهَا) أَيْ

مِنْ مَنَافِعِهَا كُلِّهَا (وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ) أَيْ بِخُصُوصِهَا فِي وَقْتِهَا وَهُوَ بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ يُحْتَمَلُ الْفَتْحُ عَلَى الْخِطَابِ وَشَرُّ مَا أُمِرَتْ بِهِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ لِيَكُونَ مِنْ قَبِيلِ (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ أبي هريرة فأخرجه الشافعي وأبو داود وبن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ كَذَا فِي المشكاة وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ اللَّعْنَةِ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَأَمَّا أَحَادِيثُ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ في اليوم والليلة 4 - باب [2253] قوله (صعد المنبر) وفي رواية مسلم وأبو دَاوُدَ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ وَعْظِ الْوَاعِظِ النَّاسَ جَالِسًا عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَمَّا الْخُطْبَةُ يَوْمَ الْجُمْعَةِ فَلَا بُدَّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَخْطُبَهَا قَائِمًا (فَضَحِكَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَهُوَ يَضْحَكُ أَيْ يَبْتَسِمُ ضَاحِكًا عَلَى عَادَتِهِ الشَّرِيفَةِ (فَقَالَ إِنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ) هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى جَدٍّ لَهُ اسْمُهُ الدَّارِ (حَدَّثَنِي بِحَدِيثٍ فَفَرِحْتُ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُحَدِّثَكُمْ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَ لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنِ مسيح الدَّجَّالِ (أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ) بِكَسْرِ فَاءٍ وَفَتْحِ لَامٍ كُورَةُ مَا بَيْنَ الْأُرْدُنِّ وَدِيَارِ مِصْرَ وَأُمُّ دِيَارِهَا بَيْتِ

الْمَقْدِسِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (رَكِبُوا سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ (فَجَالَتْ بِهِمْ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَجَالَهُ وَبِهِ أَدَارَهُ كَجَالَ بِهِ وَاجْتَالَهُمْ حَوَّلَهُمْ عَنْ قَصْدِهِمْ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا (حَتَّى قَذَفَتْهُمْ) أَيْ أَلْقَتْهُمْ (فَإِذَا هُمْ بِدَابَّةٍ لَبَّاسَةٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَجُلٌ لَبَّاسٌ كَكَتَّانٍ كَثِيرُ اللِّبَاسِ انْتَهَى لَكِنْ مَعْنَاهُ ها هنا الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُلْقٍ فِي اللُّبْسِ وَالِاخْتِلَاطِ بِأَنْ تَكُونَ صِيغَةَ مُبَالَغَةٍ مِنَ اللُّبْسِ كَذَا فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ قُلْتُ الظَّاهِرُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَبَّاسَةٍ كَثِيرَةُ اللِّبَاسِ وَكُنِّيَ بِكَثْرَةِ لِبَاسِهَا عَنْ كَثْرَةِ شَعْرِهَا وَقَوْلُهُ نَاشِرَةٍ شَعْرَهَا كَالْبَيَانِ لَهُ (نَاشِرَةٍ) بِالْجَرِّ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِدَابَّةٍ (شَعْرَهَا) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَيْ جَاعِلَةٍ شَعْرَهَا مُنْتَشِرَةً وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعْرِ لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعْرِ (أَنَا الْجَسَّاسَةُ) قَالَ النَّوَوِيُّ هِيَ بِفَتْحِ الْجِيمِ فَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ الْأُولَى قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَجَسُّسِهَا الْأَخْبَارَ لِلدَّجَّالِ وَجَاءَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهَا دَابَّةُ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةُ فِي الْقُرْآنِ انْتَهَى (فَإِذَا رَجُلٌ مُوثَقٌ بِسِلْسِلَةٍ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ مَا رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ قُلْنَا وَيْلَكَ مَا أَنْتَ قَالَ قد قدرتم على خبري فأخبرون مَا أَنْتُمْ قَالُوا نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ (فَقَالَ أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ هِيَ بِزَايٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مفتوحة ثم راء وهي بَلْدَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي الْجَانِبِ الْقِبْلِيِّ مِنَ الشَّامِ (قُلْنَا مَلْأَى تَدْفُقُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ دَفَقَهُ يَدْفُقُهُ وَيَدْفِقُهُ صَبَّهُ وَهُوَ مَاءٌ دَافِقٌ أَيْ مَدْفُوقٌ لِأَنَّ دَفَقَ مُتَعَدٍّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالُوا عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ قَالَ هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ قُلْنَا لَهُ نَعَمْ هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا (قَالَ أَخْبِرُونِي عَنِ الْبُحَيْرَةِ) تَصْغِيرُ الْبَحْرِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الطَّبَرِيَّةُ مُحَرَّكَةٌ قَصَبَةٌ بِالْأُرْدُنِّ وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهَا طَبَرَانِيٌّ (أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ) بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالشَّامِ قَرِيبَةٌ مِنَ الْأُرْدُنِّ ذكره بن الْمَلَكِ (الَّذِي بَيْنَ الْأُرْدُنِّ) بِضَمَّتَيْنِ وَشَدِّ الدَّالِ كُورَةٌ بِالشَّامِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (هَلْ

أَطْعَمَ) أَيْ أَثْمَرَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَلْ يُثْمِرُ قُلْنَا لَهُ نَعَمْ قَالَ أَمَا إِنَّهَا تُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ (أَخْبِرُونِي عَنِ النَّبِيِّ هَلْ بُعِثَ قُلْنَا نَعَمْ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ قَالُوا قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ (فَنَزَى نَزْوَةً) أَيْ وَثَبَ وَثْبَةً (حَتَّى كَادَ) أَيْ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنَ الْوِثَاقِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ 5 - باب [2254] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ) هُوَ الْكِلَابِيُّ الْقَيْسِيُّ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِعَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ (عَنِ الْحَسَنِ) هو البصري (عن جندب) هو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ سُفْيَانَ قَوْلُهُ (لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ (أَنْ يُذِلَّ) مِنَ الْإِذْلَالِ (قَالَ يَتَعَرَّضُ) أَيْ يَتَصَدَّى (مِنَ البلاء) بيان مقدم لقوله مالا يُطِيقُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا حَسَّنَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ لِأَنَّهُ صَدُوقٌ عِنْدَهُ وَأَخْرَجَهُ أحمد أيضا من طريقه

66 - باب [2255] قَوْلُهُ (انْصُرْ أَخَاكَ) أَيِ الْمُسْلِمَ (ظَالِمًا) حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ (أَوْ مَظْلُومًا) تَنْوِيعٌ (تَكُفُّهُ عَنِ الظُّلْمِ) أَيْ تَمْنَعُهُ عَنِ الْفِعْلِ الَّذِي يُرِيدُهُ (فَذَاكَ) أَيْ كَفُّكَ إِيَّاهُ عَنْهُ (نَصْرُكَ إِيَّاهُ) أَيْ عَلَى شَيْطَانِهِ الَّذِي يُغْوِيهِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ الَّتِي تُطْغِيهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والبخاري 7 - باب [2256] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مُوسَى) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو مُوسَى عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَوَهِمَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ إِسْرَائِيلُ بْنُ مُوسَى انْتَهَى وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أَبُو مُوسَى شَيْخٌ يَمَانِيٌّ رَوَى عَنْ وهب بن منبه عن بن عَبَّاسٍ حَدِيثَ مَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ وَعَنْهُ سفيان الثوري مجهول قاله بن الْقَطَّانِ ذَكَرَ الْمِزِّيُّ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي مُوسَى إِسْرَائِيلَ بْنِ مُوسَى الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ رَوَى عَنِ بن مُنَبِّهٍ وَعَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَلَمْ يَلْحَقِ الْبَصْرِيُّ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ وَإِنَّمَا هَذَا آخَرُ وَقَدْ فَرَّقَ بينهما بن حبان في الثقات وبن الْجَارُودِ فِي الْكُنَى وَجَمَاعَةٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا) أَيْ جَهِلَ قَالَ تَعَالَى الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ

قال القارىء وَقَالَ الْقَاضِي جَفَا الرَّجُلُ إِذَا غَلُظَ قَلْبُهُ وَقَسَا وَلَمْ يَرِقَّ لِبِرٍّ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى سُكَّانِ الْبَوَادِي لِبُعْدِهِمْ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقِلَّةِ اخْتِلَاطِهِمْ بِالنَّاسِ فَصَارَتْ طِبَاعُهُمْ كَطِبَاعِ الْوُحُوشِ وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ لِلنُّبُوِّ عَنِ الشَّيْءِ (وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ) أَيْ لَازَمَ اتِّبَاعَ الصَّيْدِ وَالِاشْتِغَالَ بِهِ وَرَكِبَ عَلَى تَتَبُّعِ الصَّيْدِ كَالْحَمَامِ وَنَحْوِهِ لَهْوًا وَطَرَبًا (غَفَلَ) أَيْ عَنِ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ وَلُزُومِ الْجَمَاعَةِ وَالْجُمُعَةِ وَبَعُدَ عَنِ الرِّقَّةِ وَالرَّحْمَةِ لِشَبَهِهِ بِالسَّبُعِ وَالْبَهِيمَةِ (وَمَنْ أَتَى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَحَاجَةٍ لِمَجِيئِهِ (افْتُتِنَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ وَقَعَ فِي الْفِتْنَةِ فَإِنَّهُ إِنْ وَافَقَهُ فِيمَا يَأْتِيهِ وَيَذَرُهُ فَقَدْ خَاطَرَ عَلَى دِينِهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فَقَدْ خَاطَرَ عَلَى دُنْيَاهُ وَقَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي مَنِ الْتَزَمَ الْبَادِيَةَ وَلَمْ يَحْضُرْ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ وَلَا الْجَمَاعَةِ وَلَا مَجَالِسَ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَمَنِ اعْتَادَ الِاصْطِيَادَ لِلَّهْوِ وَالطَّرَبِ يَكُونُ غَافِلًا لِأَنَّ اللَّهْوَ وَالطَّرَبَ يَحْدُثُ مِنَ الْقَلْبِ الْمَيْتِ وَأَمَّا مَنِ اصْطَادَ لِلْقُوتِ فَجَازَ لَهُ لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَصْطَادُونَ وَمَنْ دَخَلَ عَلَى السُّلْطَانِ وَدَاهَنَهُ وَقَعَ فِي الْفِتْنَةِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُدَاهِنْ وَنَصَحَهُ وَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ فَكَانَ دُخُولُهُ عَلَيْهِ أَفْضَلَ الْجِهَادِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو مُوسَى عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَلَا نَعْرِفُهُ قَالَ الْحَافِظُ أَحْمَدُ الْكَرَابِيسِيُّ حَدِيثُهُ لَيْسَ بِالْقَائِمِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَتَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَشَرِيكٌ فِيهِ مَقَالٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ [2257] 68 قَوْلُهُ (إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ) أَيْ عَلَى الْأَعْدَاءِ (وَمُصِيبُونَ) أَيْ لِلْغَنَائِمِ (وَمَفْتُوحٌ لَكُمْ) أَيِ الْبِلَادُ الْكَثِيرَةُ (فَمَنْ أَدْرَكَ ذَاكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ (فَلِيَتَّقِ اللَّهَ) أي في جميع أموره ليكون عاملا (وليأمر

بِالْمَعْرُوفِ وَلْيَنْهَ عَنْ الْمُنْكَرِ) لِيَكُونَ مُكَمِّلًا لَا سِيَّمَا فِي أَيَّامِ إِمَارَتِهِ (فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) أَيْ فَلْيَتَّخِذْ لِنَفْسِهِ مَنْزِلًا يُقَالُ تَبَوَّأَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ إِذَا اتَّخَذَهُ مَسْكَنًا وَهُوَ أَمْرٌ بِمَعْنَى الْخَبَرِ أَوْ بِمَعْنَى التَّهْدِيدِ أَوْ بِمَعْنَى التهكم أو دعاء على فاعل ذلك أي بَوَّأَهُ اللَّهُ ذَلِكَ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالْمَعْنَى مَنْ كَذَبَ فليأمر نفسه بالتبوأ قَالَ الْحَافِظُ وَأَوَّلُهَا أَوْلَاهَا فَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ بإسناد صحيح عن بن عُمَرَ بِلَفْظِ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي النَّارُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود 9 - باب [2258] قَوْلُهُ (تُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الصَّلَاةِ وَمَا مَعَهَا مُكَفِّرَةً لِلْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا لَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا وَأَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ مَثَلًا مُكَفِّرَةٌ لِلْفِتْنَةِ فِي الْأَهْلِ وَالصَّوْمِ فِي الْوَلَدِ إِلَخْ وَالْمُرَادُ بِالْفِتْنَةِ مَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مَعَ مَنْ ذُكِرَ مِنَ الْبَشَرِ أَوِ الِالْتِهَاءُ بِهِمْ أَوْ أَنْ يَأْتِيَ لِأَجْلِهِمْ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَوْ يُخِلُّ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَاسْتَشْكَلَ بن أَبِي جَمْرَةَ وُقُوعَ التَّكْفِيرِ بِالْمَذْكُورَاتِ لِلْوُقُوعِ فِي الْمُحَرَّمَاتِ وَالْإِخْلَالِ بِالْوَاجِبِ لِأَنَّ الطَّاعَاتِ لَا تُسْقِطُ ذَلِكَ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَكْرُوهِ وَالْإِخْلَالِ بِالْمُسْتَحَبِّ لَمْ يُنَاسِبْ إِطْلَاقَ التَّكْفِيرِ وَالْجَوَابُ التزام الأول وإن الممتنع مِنْ تَكْفِيرِ الْحَرَامِ وَالْوَاجِبِ مَا كَانَ كَبِيرَةً فَهِيَ الَّتِي فِيهَا النِّزَاعُ وَأَمَّا الصَّغَائِرُ فَلَا نِزَاعَ أَنَّهَا تُكَفِّرُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ الاية وقال الزين بن المنير الفتنة بالأهل تقع بِالْمَيْلِ إِلَيْهِنَّ أَوْ عَلَيْهِنَّ فِي الْقِسْمَةِ وَالْإِيثَارِ حَتَّى فِي أَوْلَادِهِنَّ وَمِنْ جِهَةِ التَّفْرِيطِ فِي الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ لَهُنَّ وَبِالْمَالِ يَقَعُ الِاشْتِغَالُ بِهِ عَنِ الْعِبَادَةِ أَوْ بِحَبْسِهِ عَنْ إِخْرَاجِ حَقِّ الله والفتنة

بِالْأَوْلَادِ تَقَعُ بِالْمَيْلِ الطَّبِيعِيِّ إِلَى الْوَلَدِ وَإِيثَارِهِ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَالْفِتْنَةُ بِالْجَارِ تَقَعُ بِالْحَسَدِ وَالْمُفَاخَرَةِ وَالْمُزَاحَمَةِ فِي الْحُقُوقِ وَإِهْمَالِ التَّعَاهُدِ ثُمَّ قَالَ وَأَسْبَابُ الْفِتْنَةِ بِمَنْ ذُكِرَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فيما ذكرت مِنَ الْأَمْثِلَةِ وَأَمَّا تَخْصِيصُ الصَّلَاةِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا بِالتَّكْفِيرِ دُونَ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إلى تعظيم قدرها لاتقي أَنَّ غَيْرَهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ لَيْسَ فِيهَا صَلَاحِيَّةُ التَّكْفِيرِ ثُمَّ إِنَّ التَّكْفِيرَ الْمَذْكُورَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ بِنَفْسِ فِعْلِ الْحَسَنَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ بِالْمُوَازَنَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ (تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ) أَيْ تَضْطَرِبُ اضْطِرَابَ الْبَحْرِ عِنْدَ هَيَجَانِهِ وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنْ شِدَّةِ الْمُخَاصَمَةِ وَكَثْرَةِ الْمُنَازَعَةِ وَمَا يَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ مِنَ الْمُشَاتَمَةِ وَالْمُقَاتَلَةِ (قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا بَأْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا قَالَ الْحَافِظُ زَادَ فِي رِوَايَةِ رِبْعِيِّ تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ فَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى يَصِيرَ أَبْيَضَ مِثْلَ الصَّفَاةِ لَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ وَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَصِيرَ أَسْوَدَ كَالْكُوزِ مَنْكُوسًا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا وَحَدَّثَتْهُ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ بَابًا مُغْلَقًا (أَنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا) أَيْ لَا يَخْرُجُ منها شيء في حياتك قال بن الْمُنِيرِ آثَرَ حُذَيْفَةُ الْحِرْصَ عَلَى حِفْظِ السِّرِّ وَلَمْ يُصَرِّحْ لِعُمَرَ بِمَا سَأَلَ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَنَّى عَنْهُ كِنَايَةً وَكَأَنَّهُ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حُذَيْفَةُ عَلِمَ أَنَّ عُمَرَ يُقْتَلَ وَلَكِنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُخَاطِبَهُ بِالْقَتْلِ لِأَنَّ عُمَرَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ الْبَابُ فَأَتَى بِعِبَارَةٍ يَحْصُلُ بِهَا الْمَقْصُودُ بِغَيْرِ تَصْرِيحٍ بِالْقَتْلِ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ مَثَّلَ الْفِتَنَ بِدَارٍ وَمَثَّلَ حَيَاةَ عُمَرَ بِبَابٍ لَهَا مُغْلَقٍ وَمَثَّلَ مَوْتَهُ بِفَتْحِ ذَلِكَ الْبَابِ فَمَا دَامَتْ حَيَاةُ عُمَرَ مَوْجُودَةً فَهِيَ الْبَابُ الْمُغْلَقُ لَا يَخْرُجُ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ تِلْكَ الدَّارَ شَيْءٌ فَإِذَا مَاتَ فَقَدِ انْفَتَحَ ذَلِكَ الْبَابُ فَخَرَجَ مَا فِي تِلْكَ الدَّارِ (قَالَ عُمَرُ يُفْتَحُ أَمْ يُكْسَرُ قَالَ بَلْ يُكْسَرُ) قَالَ بن بَطَّالٍ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الْغَلْقَ إِنَّمَا يَقَعُ فِي الصَّحِيحِ فَأَمَّا إِذَا انْكَسَرَ فَلَا يُتَصَوَّرُ غَلْقُهُ حَتَّى يُجْبَرَ انْتَهَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَنَّى عَنِ الْمَوْتِ بِالْفَتْحِ وَعَنِ الْقَتْلِ بِالْكَسْرِ وَلِهَذَا قَالَ فِي رِوَايَةِ ربعي فقال عمر كسرا لا أبالك لَكِنْ بَقِيَّةُ رِوَايَةِ رِبْعِيٍّ تَدُلُّ عَلَى مَا قَدَّمْتُهُ فَإِنَّ فِيهِ وَحَدَّثْتُهُ أَنَّ ذَلِكَ الْبَابَ رَجُلٌ يُقْتَلُ أَوْ يَمُوتُ (قَالَ إِذَنْ لَا يُغْلَقُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) زَادَ الْبُخَارِيُّ قُلْتُ أَعَلِمَ عُمَرُ الْبَابَ قَالَ نَعَمْ كَمَا أَنَّ دُونَ غَدٍ لَيْلَةً قَالَ الْحَافِظُ إِنَّمَا قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ اعْتِمَادًا عَلَى مَا عِنْدَهُ مِنَ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ فِي وُقُوعِ الْفِتَنِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَوُقُوعِ الْبَأْسِ بَيْنَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ رَوَى الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ عَنْ أَخِيهِ عُثْمَانَ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ يَا غَلْقَ الْفِتْنَةِ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مَرَرْتُ وَنَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَذَا غَلْقُ الْفِتْنَةِ لَا يُزَالُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْفِتْنَةِ بَابٌ شَدِيدُ الْغَلْقِ مَا عاش

فَإِنْ قِيلَ إِذَا كَانَ عُمَرُ عَارِفًا بِذَلِكَ فَلِمَ شَكَّ فِيهِ حَتَّى سَأَلَ عَنْهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ مِثْلُهُ عِنْدَ شِدَّةِ الْخَوْفِ أَوْ لَعَلَّهُ خَشِيَ أَنْ يَكُونَ نَسِيَ فَسَأَلَ مَنْ يَذْكُرُهُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ (فَقُلْتُ لِمَسْرُوقٍ) هو بن الْأَجْدَعِ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَكَانَ مِنْ أَخِصَّاءِ أصحاب بن مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ (سُئِلَ حُذَيْفَةُ عَنِ الْبَابِ فَسَأَلَهُ فَقَالَ عُمَرُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ وَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ مَنِ الْبَابُ فَقَالَ عُمَرُ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ أَنَّ بَيْنَ الْفِتْنَةِ وَبَيْنَ عُمَرَ بَابًا فَكَيْفَ يُفَسَّرُ الْبَابُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُ عُمَرُ وَالْجَوَابُ أَنَّ فِي الْأَوَّلِ تَجَوُّزٌ وَالْمُرَادُ بَيْنَ الْفِتْنَةِ وَبَيْنَ حَيَاةِ عُمَرَ أَوْ بَيْنَ نَفْسِ عُمَرَ وَبَيْنَ الْفِتْنَةِ بَدَنُهُ لِأَنَّ الْبَدَنَ غَيْرُ النَّفْسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وأخرجه الشيخان 0 - باب [2259] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ) الْقَنَّادُ بِالْقَافِ وَالنُّونِ أَبُو يَحْيَى الْكُوفِيُّ وَيُقَالُ لَهُ السُّكَّرِيُّ أَيْضًا ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنِ الْعَدَوِيِّ) هُوَ عَاصِمٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَاصِمٌ الْعَدَوِيُّ الْكُوفِيُّ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (وَنَحْنُ تِسْعَةٌ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعَةٌ) تَفْسِيرُ التِّسْعَةِ (أَحَدُ الْعَدَدَيْنِ مِنَ الْعَرَبِ وَالْآخَرُ مِنَ الْعَجَمِ) أَيْ خَمْسَةٌ مِنَ الْعَرَبِ وَأَرْبَعَةٌ مِنَ الْعَجَمِ أَوْ عَكْسُ ذَلِكَ (فَمَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ) أَيْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ أَيْ بِالْإِفْتَاءِ وَنَحْوِهِ (فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ) أَيْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ بَرَاءَةٌ

وَنَقْضُ ذِمَّةٍ (وَلَيْسَ بِوَارِدٍ عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (الْحَوْضَ) أَيِ الْحَوْضَ الْكَوْثَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَرْفُوعًا قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ أَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ قَالَ وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ قَالَ أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي لَا يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكَذبِهِمِ الْحَدِيثُ وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَرُوَاتُهُمَا مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ كَذَا قال المنذري (قال هارون) هو بن إسحاق الهمداني المذكور (عن زبيد) هو بن الْحَارِثِ الْيَامِيُّ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَلَيْسَ بِالنَّخَعِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِبْرَاهِيمُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ مَجْهُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَلَيْسَ هُوَ النَّخَعِيُّ قَوْلُهُ (وفي الباب عن حذيفة وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ص 483 ج 5 بمسنده وأما حديث بن عُمَرَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ [2260] 71 قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ شَاكِرٍ) الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفٌ يَرْوِي عَنْ أَنَسٍ الْمَنَاكِيرَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ شَيْخٌ بَصْرِيٌّ يَرْوِي عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أهل العلم وقال بن عَدِيٍّ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ نُسْخَةَ قَرِيبٍ مِنْ عشرين حديثا غير محفوظة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الْحَدِيثَ وَقَالَ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَيْسَ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ ثُلَاثِيٌّ سِوَاهُ قَالَ الْحَافِظُ وَقَالَ الترمذي قال الْبُخَارِيُّ مُقَارَبُ الْحَدِيثِ انْتَهَى قَوْلُهُ (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِمْ) أَيْ فِي أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ (عَلَى دِينِهِ) أَيْ عَلَى حِفْظِ أَمْرِ دِينِهِ بِتَرْكِ دُنْيَاهُ (كَالْقَابِضِ) أَيْ كَصَبْرِ الْقَابِضِ فِي الشِّدَّةِ وَنِهَايَةِ الْمِحْنَةِ (عَلَى الْجَمْرِ) جمع

الْجَمْرَةِ وَهِيَ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَعْنَى كَمَا لَا يَقْدِرُ الْقَابِضُ عَلَى الْجَمْرِ أَنْ يَصْبِرَ لِإِحْرَاقِ يَدِهِ كَذَلِكَ الْمُتَدَيِّنُ يَوْمَئِذٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى ثَبَاتِهِ عَلَى دِينِهِ لِغَلَبَةِ الْعُصَاةِ وَالْمَعَاصِي وَانْتِشَارِ الْفِسْقِ وَضَعْفِ الْإِيمَانِ انْتَهَى وقال القارىء الظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ كَمَا لَا يُمْكِنُ الْقَبْضُ عَلَى الْجَمْرَةِ إِلَّا بِصَبْرٍ شَدِيدٍ وَتَحَمُّلِ غَلَبَةِ الْمَشَقَّةِ كَذَلِكَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَا يُتَصَوَّرُ حِفْظُ دِينِهِ وَنُورِ إِيمَانِهِ إِلَّا بِصَبْرٍ عَظِيمٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ عُمَرُ بْنُ شَاكِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا تقدم انفا 2 - باب [2263] قَوْلُهُ (وَقَفَ عَلَى أُنَاسٍ جُلُوسٍ) أَيْ جَالِسِينَ أَوْ ذَوِي جُلُوسٍ (فَقَالَ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِكُمْ مِنْ شَرِّكُمْ) أَيْ مُمَيَّزًا مِنْهُ حَالٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ (قَالَ) أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ) فَخَيْرُ الْأَوَّلِ بِمَعْنَى الْأَخِيرِ وَالثَّانِي مُفْرَدُ الْخُيُورِ أَيْ مَنْ يَرْجُو النَّاسُ مِنْهُ إِحْسَانَهُ إِلَيْهِمْ (وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ) أَيْ مَنْ يَأْمَنُونَ عَنْهُ مِنْ إِسَاءَتِهِ عليهم (وشركم الخ) قال القارىء تَرَكَ ذِكْرَ مَنْ يَأْتِي مِنْهُ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ ونقيضه فإنهما ساقطا الاعتبار حيث تعارضا تساقطا انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ لَمَّا تَوَهَّمُوا مَعْنَى التَّمْيِيزِ وَتَخَوَّفُوا مِنَ الْفَضِيحَةِ سَكَتُوا حَتَّى كَرَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ أَبْرَزَ الْبَيَانَ فِي مُعْرِضِ الْعُمُومِ لِئَلَّا يُفْضَحُوا فَقَالَ خَيْرُكُمْ وَالتَّقْسِيمُ الْعَقْلِيُّ يَقْتَضِي أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ ذَكَرَ مِنْهَا اثْنَيْنِ تَرْغِيبًا وَتَرْهِيبًا وَتَرَكَ قِسْمَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا تَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شعب الايمان وبن حبان

3 - باب [2261] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بْنِ نَشِيطٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ الرَّبَذِيُّ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ أَبُو عَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَدَنِيُّ ضَعِيفٌ وَلَا سِيَّمَا فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَكَانَ عَابِدًا مِنْ صِغَارِ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ إِذَا مَشَتْ أُمَّتِي الْمُطَيْطِيَاءَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْأُولَى بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ سَاكِنَةٌ وَكَسْرِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ وَأَلْفٌ مَمْدُودَةٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِغَيْرِ الْيَاءِ الْأَخِيرَةِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ هِيَ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ مِشْيَةٌ فِيهَا تَبَخْتُرٌ وَمَدُّ الْيَدَيْنِ يُقَالُ مَطَوْتُ وَمَطَطْتُ بِمَعْنَى سَدَدْتُ وَلَمْ تُسْتَعْمَلْ إِلَّا مُصَغَّرًا وَخَدَمَهَا أَيْ قَامَ بِخِدْمَتِهَا وَانْقَادَ فِي حَضْرَتِهَا (أَبْنَاءُ فَارِسَ وَالرُّومِ) بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ وَبَيَانٌ لَهُ (سُلِّطَ شِرَارُهَا عَلَى خِيَارِهَا) وَهُوَ مِنَ الْمُعْجِزَاتِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا فَتَحُوا بِلَادَ فَارِسَ وَالرُّومِ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ وَسَبَوْا أَوْلَادَهُمْ سَلَّطَ اللَّهُ قَتَلَةَ عُثْمَانَ عَلَيْهِ حَتَّى قَتَلُوهُ ثُمَّ سَلَّطَ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ فَفَعَلُوا مَا فَعَلُوا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَفِي سَنَدِهِ مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ قَوْلُهُ (عَنِ الْحَسَنِ) هو البصري

[2262] قَوْلُهُ (عَصَمَنِي اللَّهُ) أَيْ مِنْ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ (بِشَيْءٍ) أَيْ بِحَدِيثٍ (سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم هَلَكَ كِسْرَى) أَيْ سَمِعْتُهُ حِينَ هَلَاكِهِ (قَالُوا ابنته) هي بوران بنت شيرويه بنت كِسْرَى بْنِ بِرْوِيزَ وَذَلِكَ أَنَّ شِيرَوَيْهِ لَمَّا قَتَلَ أَبَاهُ كَانَ أَبُوهُ لَمَّا عَرَفَ أَنَّ ابْنَهُ قَدْ عَمِلَ عَلَى قَتْلِهِ احْتَالَ عَلَى قَتْلِ ابْنِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَعَمِلَ فِي بَعْضِ خَزَائِنِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ حُقًّا مَسْمُومًا وَكَتَبَ عَلَيْهِ حُقُّ الْجِمَاعِ مَنْ تَنَاوَلَ مِنْهُ كَذَا جَامَعَ كَذَا فَقَرَأَهُ شِيرَوَيْهِ فَتَنَاوَلَ مِنْهُ فَكَانَ فِيهِ هَلَاكُهُ فَلَمْ يَعِشْ بَعْدَ أَبِيهِ سِوَى سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَلَمَّا مَاتَ لَمْ يُخَلِّفْ أَخًا لِأَنَّهُ كَانَ قَتَلَ إِخْوَتَهُ حِرْصًا عَلَى الْمُلْكِ وَلَمْ يُخَلِّفْ ذَكَرًا وَكَرِهُوا خُرُوجَ الْمُلْكِ عَنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ فَمَلَّكُوا الْمَرْأَةَ وَاسْمُهَا بُورَانُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ ذكر ذلك بن قُتَيْبَةَ فِي الْمَغَازِي وَذَكَرَ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا أَنَّ أختها أرزميدخت مَلَكَتْ أَيْضًا (لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَلِي الْإِمَارَةَ وَلَا الْقَضَاءَ وَفِيهِ إِنَّهَا لَا تُزَوِّجُ نَفْسَهَا وَلَا تَلِي الْعَقْدَ عَلَى غَيْرِهَا كَذَا قَالَ وَهُوَ مُتَعَقَّبٌ وَالْمَنْعُ مِنْ أَنْ تَلِيَ الْإِمَارَةَ وَالْقَضَاءَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَأَجَازَهُ الطَّبَرِيُّ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَمَّا تَلِي الْحُكْمَ فِيمَا تَجُوزُ فِيهِ شهادة النساء (ذكر قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَعْنِي قَوْلَهُ لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ إِلَخْ (فَعَصَمَنِي الله له) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سمعتها مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ بَعْدَ مَا كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الدجمل يعنى عائشة ومن معها ومحصل هذا الْقِصَّةِ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا قُتِلَ وَبُويِعَ عَلِيٌّ بِالْخِلَافَةِ خَرَجَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ إِلَى مَكَّةَ فَوَجَدَا عَائِشَةَ وَكَانَتْ قَدْ حَجَّتْ فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى التَّوَجُّهِ إِلَى الْبَصْرَةِ يَسْتَنْفِرُونَ النَّاسَ لِلطَّلَبِ بِدَمِ عُثْمَانَ فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ فَكَانَتْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ وَنُسِبَتْ إِلَى الْجَمَلِ الَّذِي كَانَتْ عَائِشَةُ قَدْ رَكِبَتْهُ وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا تَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِصْلَاحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِ الْمَغَازِي وَفِي الْفِتَنِ والنسائي في الفضائل

4 - [2264] حدثنا أَبُو عَامِرٍ) هُوَ الْعَقَدِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أَسْلَمُ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ (خِيَارُهُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ) أَيِ الَّذِينَ عَدَلُوا فِي الْحُكْمِ فَتَنْعَقِدَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مَوَدَّةٌ وَمَحَبَّةٌ (وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ) أَيْ تَدْعُونَ عَلَيْهِمْ وَيَدْعُونَ عَلَيْكُمْ أَوْ تَطْلُبُونَ الْبُعْدَ عَنْهُمْ لِكَثْرَةِ شَرِّهِمْ وَيَطْلُبُونَ الْبُعْدَ عَنْكُمْ لِقِلَّةِ خَيْرِكُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ وَمُحَمَّدٌ يُضَعَّفُ مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمَدَنِيُّ لَقَبُهُ حَمَّادٌ ضعيف من السابعة 5 - قوله (عَنْ ضَبَّةَ) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ (بْنِ مِحْصَنٍ) الْعَنَزِيِّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ بَصْرِيٌّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ [2265] قَوْلُهُ (قَالَ إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ) قَالَ الْقَاضِي هُمَا صِفَتَانِ لِأَئِمَّةٍ وَالرَّاجِحُ فِيهِمَا مَحْذُوفٌ أَيْ تَعْرِفُونَ بَعْضَ أَفْعَالِهِمْ وَتُنْكِرُونَ بَعْضَهَا يُرِيدُ أَنَّ أَفْعَالَهُمْ يَكُونُ بَعْضُهَا حَسَنًا وَبَعْضُهَا قَبِيحًا (فَمَنْ أَنْكَرَ) أَيْ مَنْ قَدَرَ أَنْ يُنْكِرَ بِلِسَانِهِ عَلَيْهِمْ قبائح أفعالهم وسماجة أحوالهم وأنكر (فقد بريء) أَيْ مِنَ الْمُدَاهَنَةِ وَالنِّفَاقِ (وَمَنْ كَرِهَ) أَيْ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ وَكَرِهَ ذَلِكَ (فَقَدْ سَلِمَ) أَيْ مِنْ مُشَارَكَتِهِمْ فِي الْوِزْرِ وَالْوَبَالِ (وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ) أَيْ بِفِعْلِهِمْ بِالْقَلْبِ (وَتَابَعَ) أَيْ تَابَعَهُمْ فِي الْعَمَلِ فَهُوَ الَّذِي شَارَكَهُمْ فِي الْعِصْيَانِ وَحُذِفَ الْخَبْرُ فِي قَوْلِهِ مَنْ

رَضِيَ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَى أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْقَسَمِ ضِدُّ مَا أَثْبَتَهُ لِقَسِيمِهِ (أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ قَالَ لَا) أَيْ لَا تُقَاتِلُوهُمْ (مَا صَلَّوْا) إِنَّمَا مَنَعَ عَنْ مُقَاتَلَتِهِمْ مَا دَامُوا يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ الَّتِي هِيَ عِنْوَانُ الْإِسْلَامِ حَذَرًا مِنْ هَيْجِ الْفِتَنِ وَاخْتِلَافِ الْكَلِمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ أَشَدَّ نِكَايَةً مِنَ احْتِمَالِ نُكْرِهِمْ وَالْمُصَابَرَةِ عَلَى مَا يُنْكِرُونَ مِنْهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ في 592 ج 6 فِي مُسْنَدِهِ 76 - [2266] قَوْلُهُ (إِذَا كَانَ أُمَرَاؤُكُمْ) أَيْ وُلَاةُ أُمُورِكُمْ (خِيَارَكُمْ) أَيْ أَتْقِيَاءَكُمْ (وَأَغْنِيَاؤُكُمْ سُمَحَاءَكُمْ) أَيْ أَسْخِيَاءَكُمْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ سَمُحَ كَكَرُمَ سَمَاحًا وَسَمَاحَةً وَسُمُوحًا جَادَ وَكَرُمَ فَهُوَ سَمْحٌ سَمْحَاءُ كَأَنَّهُ جَمْعُ سَمِيحٍ انْتَهَى (وَأُمُورُكُمْ شُورَى بَيْنَكُمْ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّشَاوُرِ أَيْ ذَوَاتُ شُورَى عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَوْ عَلَى أَنَّ الْمَصْدَرَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ أَيْ مُتَشَاوِرِينَ فِيهَا وَمِنْهُ قوله تعالى وأمرهم شورى بينهم (فَظَهْرُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَطْنِهَا) يَعْنِي الْحَيَاةُ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْمَوْتِ (وَأُمُورُكُمْ إِلَى نِسَائِكُمْ) أَيْ مُفَوَّضٌ إِلَى رَأْيِهِنَّ وَالْحَالُ أَنَّهُنَّ مِنْ نَاقِصَاتِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَقَدْ وَرَدَ شَاوِرُوهُنَّ وَخَالِفُوهُنَّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ قَالَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبِحَارِ فِي كِتَابِهِ تَذْكِرَةِ الْمَوْضُوعَاتِ فِي الْمَقَاصِدِ شَاوِرُوهُنَّ وَخَالِفُوهُنَّ لَمْ أَرَهُ مَرْفُوعًا وَلَكِنْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ خَالِفُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ فِي خِلَافِهِنَّ الْبَرَكَةَ بَلْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رَفْعُهُ لَا يَفْعَلَنَّ أَحَدُكُمْ أَمْرًا حَتَّى يَسْتَشِيرَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَشِيرُهُ فَلْيَسْتَشِرِ امْرَأَةً ثُمَّ لِيُخَالِفْهَا فَإِنَّ فِي خِلَافِهَا الْبَرَكَةَ وَفِي سَنَدِهِ عِيسَى ضَعِيفٌ جِدًّا مَعَ أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا بِطُرُقٍ ضِعَافٍ طَاعَةُ النِّسَاءِ نَدَامَةٌ وإدخال بن الْجَوْزِيِّ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَقَدِ اسْتَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ سَلَمَةَ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَصَارَ دَلِيلَ اسْتِشَارَةِ الْمَرْأَةِ الْفَاضِلَةِ وَقَدِ اسْتُدْرِكَ عَلَيْهِ ابْنَةُ شُعَيْبٍ فِي أَمْرِ مُوسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي آخَرِينَ وَفِي الَّذِينَ لَا يَفْعَلَنَّ لمن أحدكم الخ فيه منكر الحديث الصنعاني حَدِيثُ عَائِشَةَ مَوْضُوعٌ اللَّالِيُّ حَدِيثُهَا لَا يَصِحُّ قلت

له طرق وشواهد منها عودوا النساء فَإِنَّهَا حَقِيقَةٌ إِنْ أَطَعْتَهَا أَهْلَكَتْكَ وَخَالِفُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ فِي خِلَافِهِنَّ الْبَرَكَةَ انْتَهَى (فَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ ظَهْرِهَا) أَيْ فَالْمَوْتُ خَيْرٌ لَكُمْ مِنَ الْحَيَاةِ لِفَقْدِ اسْتِطَاعَةِ إِقَامَةِ الدِّينِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَالِحُ بْنُ بَشِيرٍ الْمُرِّيُّ الْقَاصُّ الزَّاهِدُ ضعيف من السابعة 7 - باب [2267] قَوْلُهُ (إِنَّكُمْ) أَيُّهَا الصَّحَابَةُ (فِي زَمَانٍ) مُتَّصِفٍ بِالْأَمْنِ وَعِزِّ الْإِسْلَامِ (مَنْ تَرَكَ مِنْكُمْ) أَيْ فِيهِ وَهُوَ الرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الشَّرْطِ بِمَوْصُوفِهَا وَهُوَ أَمَانٌ (عُشْرَ مَا أُمِرَ بِهِ) مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ (هَلَكَ) أَيْ وَقَعَ فِي الْهَلَاكِ لِأَنَّ الدِّينَ عَزِيزٌ وَأَنْصَارُهُ كَثْرَةٌ فَالتَّرْكُ تَقْصِيرٌ فَلَا عُذْرَ (ثُمَّ يَأْتِي زَمَانٌ) يَضْعُفُ فِيهِ الْإِسْلَامُ وَيَكْثُرُ الظُّلْمُ وَيَعُمُّ الْفِسْقُ وَيَقِلُّ أَنْصَارُ الدِّينِ وَحِينَئِذٍ (مَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَنِ (بِعُشْرِ مَا أُمِرَ بِهِ نَجَا) لِأَنَّهُ الْمَقْدُورُ (وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ نُعَيْمٍ) ونعيم بن حماد هذا صدوق يخطىء كَثِيرًا كَمَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ

[2268] قوله (فقال ها هنا أَرْضُ الْفِتَنِ) أَيِ الْبَلِيَّاتِ وَالْمِحَنِ الْمُوجِبَةِ لِضَعْفِ الدين (حيث يطلع جذل الشَّيْطَانِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ قَرْنُ الشَّيْطَانِ وَقَرْنَاهُ أُمَّتُهُ وَالْمُتَّبِعُونَ لِرَأْيِهِ وَانْتِشَارُهُ وَتَسْلِيطُهُ انْتَهَى (أَوْ قال) شك من الراوي (قرن الشيطان) فِي الْقَامُوسِ الْقَرْنُ مِنَ الشَّمْسِ نَاحِيَتُهَا أَوْ أَعْلَاهَا أَوْ أَوَّلُ شُعَاعِهَا وَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2269] قَوْلُهُ (عن يونس) هو بن يزيد (عن قبيصة بن ذويب) بالمعجمة مصغرا قوله (يخرج مِنْ خُرَاسَانَ رَايَاتٌ) جَمْعُ رَايَةٍ وَهِيَ عَلَمُ الْجَيْشِ (سُودٌ) جَمْعُ أَسْوَدَ صِفَةُ رَايَاتٍ (فَلَا يَرُدُّهَا شَيْءٌ) فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ قَدْ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ فَأْتُوهَا فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ (حَتَّى تُنْصَبَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيِ الرَّايَاتُ (بالياء) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَبِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ مَدِينَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِي سَنَدِ حَدِيثِ ثَوْبَانَ الْمَذْكُورِ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ وَفِيهِ أَيْضًا عَلِيُّ بْنُ زيد والظاهر أنه هو بن جدعان وهو متكلم فيه

32 - أبواب الرؤيا

32 - أبواب الرؤيا بِضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَبِالْقَصْرِ مَا يَرَاهُ النائم في منامه (باب أن رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءا) من النبوة [2270] قَوْلُهُ (إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ) قَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ أَحَدُهَا أَنَّهُ أَرَادَ آخِرَ الزَّمَانِ وَاقْتِرَابَ السَّاعَةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا قَلَّ وَتَقَاصَرَ تَقَارَبَتْ أَطْرَافُهُ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمُقْتَصِدِ مُتَقَارِبٌ وَيَقُولُونَ تَقَارَبَتْ إِبِلُ فُلَانٍ إِذَا قَلَّتْ وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَا تَكَادُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ وَثَانِيهَا أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ اسْتِوَاءَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِزَعْمِ الْعَابِرِينَ أَنَّ أَصْدَقَ الْأَزْمَانِ لِوُقُوعِ الْعِبَادَةِ وَقْتُ انْفِتَاقِ الْأَنْوَارِ وَزَمَانُ إِدْرَاكِ الْأَثْمَارِ وَحِينَئِذٍ يَسْتَوِي اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَثَالِثُهَا أَنَّهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ حَتَّى تَكُونَ السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم واليوم كَالسَّاعَةِ قَالُوا يُرِيدُ بِهِ زَمَنَ خُرُوجِ الْمَهْدِيِّ وَبَسْطِ الْعَدْلِ وَذَلِكَ زَمَانٌ يُسْتَقْصَرُ لِاسْتِلْذَاذِهِ فَيَتَقَارَبُ أَطْرَافُهُ قُلْتُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَا تَكَادُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي بَابِ رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمِيزَانِ وَالدَّلْوِ (لَمْ تَكَدْ) أَيْ لَمْ يَقْرُبْ (وَأَصْدَقُهُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُهُمْ

حَدِيثًا) أَيِ الَّذِي هُوَ أَصْدَقُهُمْ حَدِيثًا هُوَ أصدقهم رؤيا (ورؤيا المسلم جزأ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) كَذَا وَقَعَ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ ووقع عند مسلم أيضا من حديث بن عُمَرَ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ عن بن مسعود جزء من ستة وسبعين وأخرج بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَنَسٍ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ وَفِي رِوَايَةٍ جُزْءٌ مِنْ خَمْسِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ وَفِي رِوَايَةٍ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَفِي رِوَايَةٍ جُزْءٌ مِنْ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ أَصَحُّهَا مُطْلَقًا الْأَوَّلُ وَقَالَ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ كَوْنُ الرُّؤْيَا جزء مِنَ النُّبُوَّةِ مَعَ أَنَّ النُّبُوَّةَ انْقَطَعَتْ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقِيلَ فِي الْجَوَابِ إِنْ وَقَعَتِ الرُّؤْيَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ حَقِيقَةً وَإِنْ وَقَعَتْ مِنْ غَيْرِ النَّبِيِّ فَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ النُّبُوَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ أنَّ الرُّؤْيَا تَجِيءُ عَلَى مُوَافَقَةِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهَا جُزْءٌ بَاقٍ مِنَ النُّبُوَّةِ وَقِيلَ الْمَعْنَى أنَّهَا جُزْءٌ مِنْ عِلْمِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ النُّبُوَّةَ وَإِنِ انْقَطَعَتْ فَعِلْمُهَا باق وتعقب بقول مالك فيما حكاه بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ سُئِلَ أَيَعْبُرُ الرُّؤْيَا كُلُّ أحد فقال أبا النبوة يُلْعَبُ ثُمَّ قَالَ الرُّؤْيَا جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ فَلَا يُلْعَبُ بِالنُّبُوَّةِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّهَا نُبُوَّةٌ بَاقِيَةٌ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّهَا لَمَّا اشْتَبَهَتِ النُّبُوَّةَ مِنْ جِهَةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى بَعْضِ الْغَيْبِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَكَلَّمَ فِيهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَلَا حَرَجَ فِي الْأَخْذِ بِظَاهِرِهِ فَإِنَّ أَجْزَاءَ النُّبُوَّةِ لا تكون نبوة فلا ينا في حَدِيثَ ذَهَبَ النُّبُوَّةُ انْتَهَى (فَالرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ بُشْرَى مِنَ اللَّهِ) أَيْ إِشَارَةٌ إِلَى بِشَارَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِلرَّائِي أَوِ الْمَرْئِيِّ لَهُ (وَالرُّؤْيَا مِنْ تَحْزِينِ الشَّيْطَانِ) أَيْ بِأَنْ يُكَدِّرَ عَلَيْهِ وَقْتَهُ فَيُرِيَهُ فِي النَّوْمِ أَنَّهُ قُطِعَ رَأْسُهُ مَثَلًا (وَالرُّؤْيَا مِمَّا يُحَدِّثُ بِهَا الرَّجُلُ نَفْسَهُ) كَمَنْ يَكُونُ فِي أَمْرٍ أَوْ حِرْفَةٍ يَرَى نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ (وَلْيَتْفُلْ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ تَفَلَ يَتْفُلُ وَيَتْفِلُ بَصَقَ (قَالَ وَأُحِبُّ الْقَيْدَ فِي النَّوْمِ وَأَكْرَهُ الْغُلَّ) قَالَ الْمُهَلِّبُ الْغُلُّ يُعَبَّرُ بِالْمَكْرُوهِ لِأَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّهُ مِنْ صِفَاتِ أَهْلِ النَّارِ بِقَوْلِهِ تعالى أذ الأغلال في أعناقهم الْآيَةَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا أُحِبُّ الْقَيْدَ لِأَنَّ مَحَلَّهُ الرَّجُلُ وَهُوَ كَفٌّ عَنِ المعاصي والشر والباطل وأبغض الْغِلُّ لِأَنَّ مَحَلَّهُ الْعُنُقُ وَهُوَ صِفَةُ أَهْلِ النَّارِ (الْقَيْدُ ثَبَاتٌ فِي الدِّينِ) وَإِنَّمَا جُعِلَ الْقَيْدُ ثَبَاتًا فِي الدِّينِ لِأَنَّ الْمُقَيَّدَ لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ فَضُرِبَ مَثَلًا لِلْإِيمَانِ الَّذِي يَمْنَعُ عَنِ الْمَشْيِ إِلَى الْبَاطِلِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2271] قَوْلُهُ (رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ إِنَّمَا خَصَّ هَذَا الْعَدَدَ لِأَنَّ عُمُرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ كَانَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ سَنَةً وَكَانَتْ مُدَّةُ نُبُوَّتِهِ مِنْهُ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ سَنَةً لِأَنَّهُ بُعِثَ عِنْدَ اسْتِيفَاءِ الْأَرْبَعِينَ وَكَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ يَرَى الْوَحْيَ فِي الْمَنَامِ وَدَامَ كَذَلِكَ نِصْفَ سَنَةٍ ثُمَّ رَأَى الْمَلَكَ فِي الْيَقَظَةِ فَإِذَا نُسِبَتْ مُدَّةُ الْوَحْيِ فِي النَّوْمِ وَهِيَ نِصْفُ سَنَةٍ إلى مدة نبوته وهي ثلاثة وعشرين سَنَةً كَانَتْ نِصْفَ جُزْءٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا وَذَلِكَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا وَقَدْ تَعَاضَدَتِ الرِّوَايَاتُ فِي أَحَادِيثِ الرُّؤْيَا بِهَذَا الْعَدَدِ وَجَاءَ فِي بَعْضِهَا جُزْءٌ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ عُمُرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ قَدِ اسْتَكْمَلَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَمَاتَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ وَالسِّتِّينَ وَنِسْبَةُ نِصْفِ السَّنَةِ إِلَى اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ سَنَةً وَبَعْضِ الْأُخْرَى نِسْبَةُ جُزْءٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ وَيَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى مَنْ رُوِيَ أَنَّ عُمُرَهُ كَانَ سِتِّينَ سَنَةً فَيَكُونُ نِسْبَةُ نصف سنة إلى عشرين سنة كنسبة جزا إِلَى أَرْبَعِينَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ وَأَنَسٍ وَأَبِي سعيد وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثٍ آخَرَ لَهُ غَيْرِ حَدِيثِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أحمد والطبري وفيه جزأ مِنْ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ جُزْءٌ من سبعين جزأ مِنَ النُّبُوَّةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وأخرجه الشيخان

باب ذهبت النبوة وبقيت المبشرات

2 - (بَابُ ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ مُبَشِّرَةٍ وَهِيَ الْبُشْرَى وَقَدْ وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدنيا هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ [2272] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الواحد) هو بن زِيَادٍ (حَدَّثَنَا الْمُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ) بِفَاءَيْنِ مَضْمُومَتَيْنِ وَلَامَيْنِ الْأُولَى سَاكِنَةٌ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ الرِّسَالَةَ وَالنُّبُوَّةَ قَدِ انْقَطَعَتْ) أَيْ ذَهَبَتْ وَلَمْ تَبْقَ (فَلَا رَسُولَ بَعْدِي وَلَا نَبِيَّ) النَّبِيُّ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِ بِشَرْعٍ فَإِنْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ فَرَسُولٌ وَقِيلَ هُوَ الْمَبْعُوثُ إِلَى الْخَلْقِ بِالْوَحْيِ لِتَبْلِيغِ مَا أَوْحَاهُ وَالرَّسُولُ قَدْ يَكُونُ مُرَادِفًا لَهُ وَقَدْ يَخْتَصُّ بِمَنْ هُوَ صَاحِبُ كِتَابٍ وَقِيلَ هُوَ الْمَبْعُوثُ لِتَجْدِيدِ شَرْعٍ أَوْ تَقْرِيرِهِ وَالرَّسُولُ هُوَ الْمَبْعُوثُ لِلتَّجْدِيدِ فقط وعلى الْأَقْوَالِ النَّبِيُّ أَعَمُّ مِنَ الرَّسُولِ (قَالَ فَشَقَّ ذلك) أي انقطاع للرسالة وَالنُّبُوَّةِ (فَقَالَ لَكِنِ الْمُبَشِّرَاتُ إِلَخْ) قَالَ الْمُهَلَّبُ مَا حَاصِلُهُ التَّعْبِيرُ بِالْمُبَشِّرَاتِ خَرَجَ لِلْأَغْلَبِ فَإِنَّ مِنَ الرُّؤْيَا مَا تَكُونُ مُنْذِرَةً وَهِيَ صَادِقَةٌ يُرِيهَا اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِ رِفْقًا بِهِ لِيَسْتَعِدَّ لِمَا يقع قبل وقوعه وقال بن التِّينِ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَحْيَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِي وَلَا يَبْقَى مَا يُعْلَمُ مِنْهُ مَا سَيَكُونُ إِلَّا الرُّؤْيَا وَيَرِدُ عَلَيْهِ الْإِلْهَامُ فَإِنَّ فِيهِ إِخْبَارًا بِمَا سَيَكُونُ وَهُوَ لِلْأَنْبِيَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَحْيِ كَالرُّؤْيَا وَيَقَعُ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ قَدْ كَانَ فِيمَنْ مَضَى مِنَ الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ وَفُسِّرَ الْمُحَدَّثُ بِفَتْحِ الدَّالِ بِالْمُلْهَمِ بِالْفَتْحِ أَيْضًا وَقَدْ أَخْبَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى أُمُورٍ مَغِيبَةٍ فَكَانَتْ كَمَا أَخْبَرُوا وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَصْرَ فِي الْمَنَامِ لِكَوْنِهِ يَشْمَلُ آحاد المؤمنين بخلاف فَإِنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْبَعْضِ وَمَعَ كَوْنِهِ مُخْتَصًّا فَإِنَّهُ نَادِرٌ فَإِنَّمَا ذَكَرَ الْمَنَامَ لِشُمُولِهِ وَكَثْرَةِ وُقُوعِهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هريرة وحذيفة بن أسيد وبن عَبَّاسٍ وَأُمِّ كُرْزٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ

باب لهم البشرى في الحياة الدنيا

مَرْفُوعًا عَنْهُ ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ وَأَمَّا حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي ضِمْنِ حَدِيثِ مَرَضِ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ مُبَشِّرَاتِ النُّبُوَّةِ إِلَّا الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ يَرَاهَا الْمُسْلِمُ أَوْ تُرَى لَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ كُرْزٍ بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بعدها زاي فأخرجه أحمد وبن ماجة وصححه بن خزيمة وبن حِبَّانَ مَرْفُوعًا ذَهَبَتِ النُّبُوَّةُ وَبَقِيَتِ الْمُبَشِّرَاتُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى كَمَا فِي الْفَتْحِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ المناوي وأقروه (باب لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [2273] قَوْلُهُ (عَنْ رجل من أهل مصر) ذكر بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (يَرَاهَا الْمُسْلِمُ) أَيْ لِنَفْسِهِ (أَوْ تُرَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يَرَاهَا رَجُلٌ آخَرُ (لَهُ) أَيْ لِأَجْلِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَفِي سَنَدِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَهُوَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ بِتَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ لِشَوَاهِدِهِ [2274] قوله (أصدق الرؤيا بالأسحار) أي ما رؤي بِالْأَسْحَارِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْغَالِبَ حِينَئِذٍ أَنْ تَكُونَ الْخَوَاطِرُ مُجْتَمِعَةً وَالدَّوَاعِي سَاكِنَةً وَلِأَنَّ الْمَعِدَةَ خَالِيَةٌ فَلَا يَتَصَاعَدُ مِنْهَا الْأَبْخِرَةُ الْمُشَوِّشَةُ

باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم من رآني

وَلِأَنَّهَا وَقْتُ نُزُولِ الْمَلَائِكَةِ لِلصَّلَاةِ الْمَشْهُودَةِ ذَكَرَهُ الطيبي والحديث أخرجه الدارمي وأحمد وبن حِبَّانَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ وَأَقَرُّوهُ انْتَهَى قُلْتُ في سنده بن لَهِيعَةَ وَأَيْضًا فِي سَنَدِهِ دَرَّاجٌ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ الْآجُرِّيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ أَحَادِيثُهُ مُسْتَقِيمَةٌ إِلَّا مَا كَانَ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سعيد [2275] قوله (حدثنا حَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ) الْيَشْكُرِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (نُبِّئْتُ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَجْهُولِ مِنْ بَابِ التفعيل قوله (قال حرب في حديثه حدثنا يَحْيَى) يَعْنِي بِصِيغَةِ التَّحْدِيثِ وَأَمَّا عِمْرَانُ الْقَطَّانُ فَقَالَ عَنْ يَحْيَى بِصِيغَةِ الْعَنْعَنَةِ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ هذا أخرجه أيضا بن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عُبَادَةَ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي (بَاب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ رآني) الخ [2276] قوله (عن عبد الله) أي بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَدْ رآني فقال بن الْبَاقِلَّانِيِّ مَعْنَاهُ أَنَّ رُؤْيَاهُ صَحِيحَةٌ لَيْسَتْ بِأَضْغَاثٍ وَلَا مِنْ تَشْبِيهَاتِ الشَّيْطَانِ وَيُؤَيِّدُ قَوْلَهُ رِوَايَةُ فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ أَيِ الرُّؤْيَةَ الصَّحِيحَةَ قَالَ وَقَدْ يَرَاهُ الرَّائِي خِلَافَ صِفَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ كَمَنْ رَآهُ أَبْيَضَ اللِّحْيَةِ وَقَدْ يَرَاهُ شَخْصَانِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ أَحَدُهُمَا فِي الْمَشْرِقِ وَالْآخَرُ فِي الْمَغْرِبِ وَيَرَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي

مكانه وحكى الماري هذا عن بن الْبَاقِلَّانِيِّ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلِ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ مَنْ رَآهُ فَقَدْ أَدْرَكَهُ وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَالْعَقْلُ لَا يُحِيلُهُ حَتَّى يَضْطَرَّ إِلَى صَرْفِهِ عَنْ ظَاهِرِهِ فَأَمَّا قَوْلُهُ بِأَنَّهُ قَدْ يُرَى عَلَى خِلَافِ صِفَتِهِ أَوْ فِي مَكَانَيْنِ مَعًا فَإِنَّ ذَلِكَ غَلَطٌ فِي صِفَاتِهِ وَتَخَيُّلٌ لَهَا عَلَى خِلَافِ مَا هِيَ عَلَيْهِ وَقَدْ يَظُنُّ الظَّانُّ بَعْضَ الْخَيَالَاتِ مَرْئِيًّا لِكَوْنِ مَا يُتَخَيَّلُ مُرْتَبِطًا بِمَا يُرَى فِي الْعَادَةِ فَيَكُونُ ذَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْئِيَّةً وَصِفَاتُهُ مُتَخَيَّلَةً غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ وَالْإِدْرَاكُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَحْدِيقُ الْأَبْصَارِ وَلَا قُرْبُ الْمَسَافَةِ وَلَا كَوْنُ الْمَرْئِيِّ مَدْفُونًا فِي الْأَرْضِ وَلَا ظَاهِرًا عَلَيْهَا وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مَوْجُودًا وَلَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى فَنَاءِ جِسْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا يَقْتَضِي بَقَاءَهُ قَالَ وَلَوْ رَآهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ مَنْ يَحْرُمُ قَتْلُهُ كَانَ هَذَا مِنَ الصِّفَاتِ الْمُتَخَيَّلَةِ لَا الْمَرْئِيَّةِ هَذَا كَلَامُ الْمَازِرِيِّ قَالَ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ رَآنِي أَوْ فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي الْمُرَادُ بِهِ إِذَا رَآهُ عَلَى صِفَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ فِي حَيَاتِهِ فَإِنْ رَأَى عَلَى خِلَافِهَا كَانَتْ رُؤْيَا تَأْوِيلٍ لَا رُؤْيَا حَقِيقَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي ضَعِيفٌ بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَرَاهُ حَقِيقَةً سَوَاءٌ كَانَ عَلَى صِفَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ أَوْ غَيْرِهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمَازِرِيُّ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ رُؤْيَةَ النَّاسِ إِيَّاهُ صَحِيحَةٌ وَكُلُّهَا صِدْقٌ وَمَنَعَ الشَّيْطَانَ أَنْ يَتَصَوَّرَ فِي خِلْقَتِهِ لِئَلَّا يَكْذِبَ عَلَى لِسَانِهِ فِي النَّوْمِ وَكَمَا خَرَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ بِالْمُعْجِزَةِ وَكَمَا اسْتَحَالَ أَنْ يَتَصَوَّرَ الشَّيْطَانُ فِي صُورَتِهِ فِي الْيَقَظَةِ وَلَوْ وَقَعَ لَاشْتَبَهَ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ وَلَمْ يُوثَقْ بِمَا جَاءَ بِهِ مَخَافَةً مِنْ هَذَا التَّصَوُّرِ فَحَمَاهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الشَّيْطَانِ وَنَزْغِهِ وَوَسْوَسَتِهِ وَكَيْدِهِ قَالَ وَكَذَا حَمَى رُؤْيَاهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي) وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي وَالْمَعْنَى لَا يَتَشَبَّهُ بِصُورَتِي وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَمَثَّلَ بِي قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ أَمْكَنَهُ مِنَ التَّصَوُّرِ فِي أَيِّ صُورَةٍ أَرَادَ فَإِنَّهُ لَمْ يُمَكِّنْهُ مِنْ التَّصَوُّرِ فِي صُورَةِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَدْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا جَمَاعَةٌ فَقَالُوا فِي الْحَدِيثِ إِنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ إِذَا رَآهُ الرَّائِي عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَمِنْهُمْ مَنْ ضَيَّقَ الْغَرَضَ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَرَاهُ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي قُبِضَ عَلَيْهَا حَتَّى يَعْتَبِرَ عَدَدَ الشَّعَرَاتِ الْبِيضِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ عِشْرِينَ شَعْرَةً قَالَ الْحَافِظُ وَالصَّوَابُ التَّعْمِيمُ فِي جَمِيعِ حَالَاتِهِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ صُورَتُهُ الْحَقِيقِيَّةُ فِي وَقْتٍ مَا سَوَاءً كَانَ فِي شَبَابِهِ أَوْ رُجُولِيَّتِهِ أَوْ كُهُولِيَّتِهِ أَوْ آخِرِ عُمُرِهِ وَقَدْ يَكُونُ لِمَا خَالَفَ ذَلِكَ تَعْبِيرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالرَّائِي كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي قَتَادَةَ وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي مَالِكٍ

باب إذا رأى في المنام ما يكره ما يصنع

الْأَشْجَعِيِّ عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي بَكْرَةَ وَأَبِي جُحَيْفَةَ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الشيخان وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو داود وأما حديث بن عباس فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وبن ماجة وأما حديث جابر فأخرجه مسلم وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ فأخرجه بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ (بَاب إِذَا رَأَى فِي الْمَنَامِ مَا يَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ) [2277] قَوْلُهُ (الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ وَالْحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ) الْحُلْمُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَيُضَمُّ مَا يُرَى فِي الْمَنَامِ مِنَ الْخَيَالَاتِ الْفَاسِدَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحُلْمُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَرَاهُ النَّائِمُ فِي نَوْمِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ لَكِنْ غَلَبَتِ الرُّؤْيَا عَلَى مَا يَرَاهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّيْءِ الْحَسَنِ وَغَلَبَ الْحُلْمُ عَلَى مَا يَرَاهُ مِنَ الشَّرِّ وَالْأَمْرِ الْقَبِيحِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى أضغاث أحلام وَيُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَوْضِعَ الْآخَرِ وَتُضَمُّ لَامُ الْحُلْمِ وَتُسَكَّنُ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ أَضَافَ الرُّؤْيَا الْمَحْبُوبَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ بِخِلَافِ الْمَكْرُوهَةِ وَإِنْ كَانَتَا جَمِيعًا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَدْبِيرِهِ وَبِإِرَادَتِهِ وَلَا فِعْلَ لِلشَّيْطَانِ فِيهِمَا لَكِنَّهُ يَحْضُرُ الْمَكْرُوهَةَ وَيَرْتَضِيهَا وَيُسَرُّ بِهَا (فَلْيَنْفُثْ) عَنْ يَسَارِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ يَنْفُثُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا قَالَ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ فَلْيَبْصُقْ وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَتْفُلْ وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فَلْيَنْفُثْ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الطِّبِّ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ مَنْ قَالَ إِنَّهَا بِمَعْنًى وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْجَمِيعِ النَّفْثُ وَهُوَ نَفْخٌ لَطِيفٌ بِلَا رِيقٍ وَيَكُونُ التَّفْلُ وَالْبَصْقُ مَحْمُولَيْنِ عَلَيْهِ مَجَازًا انْتَهَى وَقَالَ الْجَزَرِيُّ التَّفْلُ شَبِيهٌ بِالْبَزْقِ وَهُوَ أَقَلُّ مِنْهُ فَأَوَّلُهُ الْبَزْقُ ثُمَّ النفث ثُمَّ النَّفْخُ (وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا) وَفِي رِوَايَةٍ فَلْيَبْصُقْ عَلَى يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ ثَلَاثًا وَلْيَتَحَوَّلْ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ وَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ مَا

باب ما جاء في تعبير الرؤيا

يَكْرَهُ فَلْيَقُمْ فَلْيُصَلِّ وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ قَالَ النَّوَوِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَيَعْمَلَ بِهَا كُلِّهَا فَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُهُ نَفَثَ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا قَائِلًا أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ وَمِنْ شَرِّهَا وَلْيَتَحَوَّلْ إِلَى جَنْبِهِ الْآخَرِ وَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فَيَكُونُ قَدْ عَمِلَ بِجَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا أَجْزَأَهُ فِي دَفْعِ ضَرَرِهَا بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ قَالَ الْقَاضِي وَأُمِرَ بِالنَّفْثِ ثَلَاثًا طَرْدًا لِلشَّيْطَانِ الَّذِي حَضَرَ رُؤْيَاهُ الْمَكْرُوهَةَ تَحْقِيرًا لَهُ وَاسْتِقْذَارًا وَخُصَّتْ بِهِ الْيَسَارُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْأَقْذَارِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَنَحْوِهَا وَالْيَمِينُ ضِدُّهَا (فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ) مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ هَذَا سَبَبًا لِلسَّلَامَةِ مِنْ مَكْرُوهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا كَمَا جَعَلَ الصَّدَقَةَ وِقَايَةً لِلْمَالِ وَسَبَبًا لِدَفْعِ الْبَلَاءِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي سَعِيدٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا أَحَادِيثُ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا) [2278] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ وَكِيعَ بْنَ عُدُسٍ) بِمُهْمَلَاتٍ وَضَمِّ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَقَدْ يُفْتَحُ ثَانِيهِ وَيُقَالُ بِالْحَاءِ بَدَلَ الْعَيْنِ كُنْيَتُهُ أَبُو مُصْعَبٍ الْعَقِيلِيُّ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الطَّائِفِيُّ وَضَبَطَهُ فِي الْخُلَاصَةِ بِضَمِّ الْعَيْنِ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ رَوَى عَنْ عَمِّهِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ وَعَنْهُ يعلى بن عطاء العامري وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (وَهِيَ) أَيْ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ (عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ) هَذَا مَثَلٌ فِي عَدَمِ تَقَرُّرِ الشَّيْءِ أَيْ لَا تَسْتَقِرُّ الرُّؤْيَا قَرَارًا كَالشَّيْءِ الْمُعَلَّقِ عَلَى رِجْلِ طائر ذكره بن الْمَلَكِ فَالْمَعْنَى أَنَّهَا كَالشَّيْءِ الْمُعَلَّقِ بِرِجْلِ الطَّائِرِ لَا اسْتِقْرَارَ لَهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ لَا يَسْتَقِرُّ تَأْوِيلُهَا حَتَّى تُعْبَرَ يُرِيدُ أَنَّهَا سَرِيعَةُ السُّقُوطِ إِذَا

عُبِّرَتْ كَمَا أَنَّ الطَّيْرَ لَا يَسْتَقِرُّ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَا عَلَى رِجْلِهِ (مَا لَمْ يُحَدِّثْ) أَيْ مَا لَمْ يَتَكَلَّمِ الْمُؤْمِنُ أَوِ الرَّائِي (بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الرُّؤْيَا أَوْ تَعْبِيرِهَا (فَإِذَا تَحَدَّثَ بِهَا سَقَطَتْ) أَيْ تِلْكَ الرُّؤْيَا عَلَى الرَّائِي يَعْنِي يَلْحَقُهُ حُكْمُهَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ الرُّؤْيَا عَلَى رِجْلِ طَائِرٍ مَا لَمْ تُعْبَرْ فَإِذَا عُبِّرَتْ وَقَعَتْ قُلْتُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يُحَدِّثْ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بِتَعْبِيرِهَا (قَالَ) أَيْ أَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ وَقَائِلُهُ وَكِيعُ بْنُ عُدُسٍ (وَأَحْسَبُهُ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تُحَدِّثْ بِهَا إِلَّا لَبِيبًا) أَيْ عَاقِلًا فَإِنَّهُ إِمَّا يَعْبُرُ بِالْمَحْبُوبِ أَوْ يَسْكُتُ عَنِ الْمَكْرُوهِ (أَوْ حَبِيبًا) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ أَيْ مُحِبًّا لَا يَعْبُرُ لَكَ إِلَّا بِمَا يَسُرُّكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ (وَأَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ اسْمُهُ لَقِيطُ بْنُ عَامِرٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ يُقَالُ إِنَّهُ جَدُّهُ وَاسْمُ أَبِيهِ عَامِرٌ وَهُوَ أَبُو رَزِينٍ الْعُقَيْلِيُّ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُمَا اثْنَانِ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (فَقَالَ وَكِيعُ بْنُ حُدُسٍ) أَيْ بِضَمِّ الْحَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَهُشَيْمٌ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ عَنْ وَكِيعِ بْنِ عُدُسٍ) أَيْ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (وَهَذَا) أَيْ وَكِيعُ بْنُ عُدُسٍ بِالْعَيْنِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (أَصَحُّ) لِأَنَّهُ كَذَلِكَ كَذَا رَوَى أَكْثَرُ أصحاب يعلى

باب في الذي يكذب في حلمه

7 - [2280] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ السَّلِيمِيُّ) بِمَفْتُوحَةٍ وَكَسْرِ لَامِ فَتَحْتِيَّةٍ فِي الْمُغْنِي ثقة من العاشرة (أخبرنا سعيد) هو بن أَبِي عَرُوبَةَ قَوْلُهُ (مَنْ رَآنِي فَإِنِّي أَنَا هُوَ) أَيْ مَنْ رَأَى فِي الْمَنَامِ رَجُلًا مُشَابِهًا بِي فَإِنِّي أَنَا ذَلِكَ الرَّجُلُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي بَكْرَةَ إِلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ أَطْلَقَ الْبَابَ أَوَّلًا وَقَالَ بَابٌ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِتَرْجَمَةٍ ثُمَّ أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أَنَسٍ وَأَبِي بَكْرَةَ إِلَخْ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَفِي الْبَابِ أَيْ وَفِي بَابِ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ وَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ (بَاب فِي الَّذِي يَكْذِبُ فِي حُلْمِهِ) [2281] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى) بْنِ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيِّ بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْمُهْمَلَةِ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ السادسة

(عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ السُّلَمِيِّ قَوْلُهُ (قَالَ أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهُ يَعْنِي قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَظُنُّ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَائِلٌ قَالَ هُوَ عَبْدُ الْأَعْلَى (مَنْ كَذَبَ فِي حُلْمِهِ) أَيْ فِي رُؤْيَاهُ (كُلِّفَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مَكْسُورَةٍ (عَقْدَ شَعِيرَةٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَنْ يعقد بينهما قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي شُرَيْحٍ وَوَاثِلَةَ بْنِ الأسقع) أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) أَيْ حَدِيثُ قُتَيْبَةَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عَنْ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى لِأَنَّ أَبَا أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيَّ وَإِنْ كان ثقة ثبت إلا أنه قد يخطىء فِي حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ [2283] قَوْلُهُ (قَالَ مَنْ تَحَلَّمَ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ طَلَبَ الْحُلْمَ بِأَنِ ادَّعَى أَنَّهُ حَلَمَ حُلْمًا أَيْ رَأَى رُؤْيَا (كَاذِبًا) فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ فِي مَنَامِهِ (وَلَنْ يَعْقِدَ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّ اتِّصَالَ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى غَيْرُ مُمْكِنٍ فَهُوَ يُعَذَّبُ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُهُ فِعْلُهُ فَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ دَوَامِ تَعْذِيبِهِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ مَنْ تَحَلَّمَ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ أَيْ قَالَ إِنَّهُ رَأَى فِي النَّوْمِ مَا لَمْ يَرَهُ يُقَالُ حَلَمَ بِالْفَتْحِ إِذَا رَأَى وَتَحَلَّمَ إِذَا ادَّعَى الرُّؤْيَا كَاذِبًا فَإِنْ قِيلَ إِنَّ كَذِبَ الْكَاذِبِ فِي مَنَامِهِ لَا يَزِيدُ عَلَى كَذِبِهِ فِي يَقِظَتِهِ فَلِمَ زَادَتْ عُقُوبَتُهُ وَوَعِيدُهُ وَتَكْلِيفُهُ عَقْدَ الشَّعِيرَتَيْنِ قِيلَ قَدْ صَحَّ الْخَبَرُ أَنَّ الرُّؤْيَا الصَّادِقَةَ جُزْءٌ مِنَ النُّبُوَّةِ

وَالنُّبُوَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا وَحْيًا وَالْكَاذِبُ فِي رُؤْيَاهُ يَدَّعِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَاهُ مَا لَمْ يَرَهُ وَأَعْطَاهُ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ لَمْ يُعْطِهِ إِيَّاهُ وَالْكَاذِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ فِرْيَةً مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى الْخَلْقِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وأبو داود والنسائي وبن ماجة [2284] قَوْلُهُ (عَنْ عُقَيْلٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْقَافِ مصغرا بن خَالِدِ بْنِ عَقِيلٍ بِالْفَتْحِ الْأَيْلِيِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ لَامٌ كُنْيَتُهُ أَبُو خَالِدٍ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) الْمَدَنِيِّ شَقِيقِ سَالِمٍ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (بَيْنَا) أَصْلُهُ بَيْنَ فَأُشْبِعَتِ الْفَتْحَةُ (إِذْ أُتِيتُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (فَشَرِبْتُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ اللَّبَنِ (قَالَ الْعِلْمَ) هُوَ بِالنَّصْبِ وَبِالرَّفْعِ فِي الرِّوَايَةِ وَتَوْجِيهُهُمَا ظَاهِرٌ وَتَفْسِيرُ اللَّبَنِ بِالْعِلْمِ لِاشْتِرَاكِهِمَا في كثرة النفع بهما وقال بن الْعَرَبِيِّ اللَّبَنُ رِزْقٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ طَيِّبًا بَيْنَ أَخْبَاثٍ مِنْ دَمٍ وَفَرْثٍ كَالْعِلْمِ نُورٌ يُظْهِرُهُ اللَّهُ فِي ظُلْمَةِ الْجَهْلِ فَضَرَبَ بِهِ الْمَثَلَ فِي الْمَنَامِ قَالَ بَعْضُ الْعَارِفِينَ الَّذِي خَلَّصَ اللَّبَنَ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ الْمَعْرِفَةَ مِنْ بَيْنِ شَكٍّ وَجَهْلٍ ويحفظ العمل عن غفلة وزلل وهو كَمَا قَالَ لَكِنِ اطَّرَدَتِ الْعَادَةُ بِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّعَلُّمِ وَالَّذِي ذَكَرَهُ قَدْ يَقَعُ خَارِقًا لِلْعَادَةِ فيكون من باب الكرامة وقال بن أَبِي جَمْرَةَ تَأَوَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّبَنَ بِالْعِلْمِ اعْتِبَارًا بِمَا بُيِّنَ لَهُ أَوَّلَ الْأَمْرِ حِينَ أُتِيَ بِقَدَحِ خَمْرٍ وَقَدَحِ لَبَنٍ فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ أَخَذْتَ الْفِطْرَةَ الْحَدِيثَ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ بن عُمَرَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

[2285] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَرِيرِيُّ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ كَذَا وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَكَتَبَ فِي هَامِشِهَا مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ وَقَعَ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ هَكَذَا بِالْحَاءِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْأُخْرَى بِالْجِيمِ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَرِيرِيُّ مِنْ وَلَدِ جَرِيرٍ النَّخِيلِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى وَعَنْهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى فَعُلِمَ مِنْهُ أنَّهُ الْجَرِيرِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الراء وفي شرح الشيخ بن حجر الهيثمي عَلَى الشَّمَائِلِ الْجَرِيرِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ هُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا أَبْهَمَهُ مَعْمَرٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَدْ صَرَّحَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ فِي رِوَايَتِهِ الْآتِيَةِ بِذِكْرِ أَبِي سَعِيدٍ) قَالَ الْحَافِظُ كَذَا رَوَاهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فَأَبْهَمَهُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ قَمِيصٍ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (مِنْهَا) أَيْ مِنَ الْقُمُصِ (مَا يَبْلُغُ الثُّدِيَّ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ جَمْعُ ثَدْيٍ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ وَهُوَ مُذَكَّرٌ عِنْدَ مُعْظَمِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَحُكِيَ أَنَّهُ مُؤَنَّثٌ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُطْلَقُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْمَرْأَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّهُ وَلَعَلَّ قَائِلَ هَذَا يَدَّعِي أَنَّهُ أُطْلِقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَجَازًا وَالْمَعْنَى أَنَّ الْقَمِيصَ قَصِيرٌ جِدًّا بِحَيْثُ لَا يَصِلُ مِنَ الْحَلْقِ إِلَى نَحْوِ السُّرَّةِ بَلْ فَوْقَهَا (وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ دُونَهُ مِنْ جِهَةِ السُّفْلِ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَيَكُونُ أَطْوَلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ دُونَهُ مِنْ جِهَةِ الْعُلْوِ فَيَكُونُ أُقْصَرَ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا فِي رِوَايَةِ الْحَكِيمِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ قَمِيصُهُ إِلَى سُرَّتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ قَمِيصُهُ إِلَى رُكْبَتِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ قَمِيصُهُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ انْتَهَى قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ أَيْضًا (فَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ) أَيْ فِي مَا بَيْنَهُمْ (وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ) أَيْ يَسْحَبُهُ فِي الْأَرْضِ

باب ما جاء في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم

لِطُولِهِ (قَالُوا) أَيْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنَ الْحَاضِرِينَ (فَمَا أَوَّلْتَهُ) أَيْ فَمَا عَبَّرْتَ جَرَّ الْقَمِيصِ لِعُمَرَ (قَالَ الدِّينَ) بِالنَّصْبِ أَيْ أَوَّلْتُهُ الدِّينَ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ أَيِ الْمُأَوَّلُ بِهِ هُوَ الدِّينُ قَالَ النَّوَوِيُّ الْقَمِيصُ الدِّينُ وَجَرُّهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ آثَارِهِ الْجَمِيلَةِ وَسُنَّتِهِ الْحَسَنَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِيُقْتَدَى بِهِ وَأَمَّا تَفْسِيرُ اللَّبَنِ بِالْعِلْمِ فَلِكَثْرَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِمَا وَفِي أَنَّهُمَا سَبَبًا لِلصَّلَاحِ فَاللَّبَنُ غِذَاءُ الْإِنْسَانِ وَسَبَبُ صَلَاحِهِمْ وَقُوَّةُ أَبْدَانِهِمْ وَالْعِلْمُ سَبَبٌ لِلصَّلَاحِ وَغِذَاءٌ لِلْأَرْوَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ قَالُوا وَجْهُ تَعْبِيرِ الْقَمِيصِ بِالدِّينِ أَنَّ الْقَمِيصَ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينُ يَسْتُرُهَا فِي الْآخِرَةِ وَيَحْجُبُهَا عَنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى ولباس التقوى ذلك خير الْآيَةَ وَالْعَرَبُ تُكَنِّي عَنِ الْفَضْلِ وَالْعَفَافِ بِالْقَمِيصِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُثْمَانَ إن الله سيلبسه قميصا فلا تخلعه أخرجه أحمد والترمذي وبن ماجة وصححه بن حِبَّانَ وَاتَّفَقَ أَهْلُ التَّعْبِيرِ عَلَى أَنَّ الْقَمِيصَ يُعَبَّرُ بِالدِّينِ وَأَنَّ طُولَهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ آثَارِ صَاحِبِهِ مِنْ بَعْدِهِ [2286] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ) الزُّهْرِيُّ أَبُو يُوسُفَ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ حُجَّةٌ تَكَلَّمَ فِيهِ بِلَا قَادِحٍ مِنَ الثَّامِنَةِ (وَهَذَا أَصَحُّ) أَيْ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ الْحُسَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا عَرَفْتَ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْمِيزَانَ وَالدَّلْوَ [2287] قَوْلُهُ (كَأَنَّ مِيزَانًا) كَأَنَّ بِتَشْدِيدِ النُّونِ مِنَ الْحُرُوفِ المشبهة بالفعل (فوزنت) بصيغة الْمَجْهُولِ الْمُخَاطَبِ (أَنْتَ) ضَمِيرُ فَصْلٍ وَتَأْكِيدٌ لِتَصْحِيحِ الْعَطْفِ (فَرَجَحْتَ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ

الْحَاءِ أَيْ ثَقُلْتَ وَغَلَبْتَ (ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ) فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى وَجْهِ مَا اخْتُلِفَ فِي تفضيل علي وعثمان قاله القارىء (فَرَأَيْنَا الْكَرَاهِيَةَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَذَاكَ لَمَّا عَلِمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَنَّ تَأْوِيلَ رَفْعِ الْمِيزَانِ انْحِطَاطُ رُتْبَةِ الْأُمُورِ وَظُهُورُ الْفِتَنِ بَعْدَ خِلَافَةِ عُمَرَ وَمَعْنَى رُجْحَانِ كُلٍّ مِنَ الْآخَرِ أَنَّ الرَّاجِحَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَرْجُوحِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ وُقُوفَ التَّخْيِيرِ وَحَصْرَ دَرَجَاتِ الْفَضَائِلِ فِي ثَلَاثَةٍ وَرَجَا أَنْ يَكُونَ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَأَعْلَمَهُ اللَّهُ أَنَّ التَّفْضِيلَ انْتَهَى إِلَى الْمَذْكُورِ فِيهِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ انْتَهَى قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ إِنَّمَا سَاءَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مِنَ الرُّؤْيَا الَّتِي ذَكَرَهَا مَا عَرَفَهُ مِنْ تَأْوِيلِ رَفْعِ الْمِيزَانِ فَإِنَّ فِيهِ احْتِمَالًا لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْأَمْرِ فِي زَمَانِ الْقَائِمِ بِهِ بَعْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ النَّفَاذِ وَالِاسْتِعْلَاءِ وَالتَّمَكُّنِ بِالتَّأْيِيدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنَ الْوَزْنِ مُوَازَنَةَ أَيَّامِهِمْ لِمَا كَانَ نُظِرَ فِيهَا مِنْ رَوْنَقِ الْإِسْلَامِ وَبَهْجَتِهِ ثُمَّ إِنَّ الْمُوَازَنَةَ إِنَّمَا تُرَاعَى فِي الْأَشْيَاءِ الْمُتَقَارِبَةِ مَعَ مُنَاسَبَةٍ مَا فَيَظْهَرُ الرُّجْحَانُ فَإِذَا تَبَاعَدَتْ كُلَّ التَّبَاعُدِ لَمْ يُوجَدْ لِلْمُوَازَنَةِ مَعْنًى فَلِهَذَا رُفِعَ الْمِيزَانُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ [2288] قَوْلُهُ (عَنْ ورقة) بفتحات أي بن نوفل بن عَمِّ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَقَرَأَ الْكُتُبَ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ (فَقَالَتْ) بَيَانُ السُّؤَالِ وَالسَّائِلِ (لَهُ) أَيْ لِأَجْلِ وَرَقَةَ وَتَحْقِيقِ أَمْرِهِ (خَدِيجَةُ إِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنَ أَوْ أَنَّ وَرَقَةَ (كَانَ) أَيْ فِي حَيَاتِهِ (صَدَّقَكَ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ فِي نُبُوَّتِكَ (وَأَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ) تَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ زَمَانَ دَعْوَتِكَ لِيُصَدِّقَكَ وَيَأْتِيَ بِالْأَعْمَالِ عَلَى مُوجِبِ شَرِيعَتِكَ لَكِنْ صَدَّقَكَ قَبْلَ مَبْعَثِكَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (أُرِيتُهُ فِي الْمَنَامِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أَرَانِيهِ اللَّهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَحْيِ لِلْأَنْبِيَاءِ وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِنِي وَحْيٌ جَلِيٌّ وَدَلِيلٌ قَطْعِيٌّ لَكِنِّي رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ (وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بَيَاضٌ) وَفِي الْمِشْكَاةِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ بِيضٌ (وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَكَانَ عَلَيْهِ لِبَاسٌ غير ذلك

فِيهِ أَنَّهُ إِذَا رَأَى مُسْلِمٌ فِي الْمَنَامِ الثِّيَابَ الْبِيضَ عَلَى مَيِّتٍ مُسْلِمٍ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى حُسْنِ حَالِهِ وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَيْسَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِالْقَوِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيُّ الْوَقَّاصِيُّ أَبُو عمرو المدني متروك وكذبة بن مَعِينٍ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ الْهَيْثَمُ بْنُ عَدِيٍّ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ هَارُونَ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي ذِكْرِ وَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ [2289] قَوْلُهُ (فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبًا) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الدَّلْوُ فِيهَا مَاءٌ وَالْمَلْأَى أَوْ دُونَ الْمَلْأَى كَذَا فِي الْقَامُوسِ قَالَ الْحَافِظُ وَاتَّفَقَ مَنْ شَرَحَ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى أَنَّ ذِكْرَ الذَّنُوبِ إِشَارَةٌ إِلَى مُدَّةِ خِلَافَتِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ وَلِيَ سَنَتَيْنِ وَبَعْضَ سَنَةٍ فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الْمُرَادَ لَقَالَ ذَنُوبَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا فُتِحَ فِي زَمَانِهِ مِنَ الْفُتُوحِ الْكِبَارِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَلِذَلِكَ لَمْ يَتَعَرَّضْ في ذكر عمر إلى عدد مَا نَزَعَهُ مِنَ الدِّلَاءِ وَإِنَّمَا وَصَفَ نَزْعَهُ بِالْعَظَمَةِ إِشَارَةً إِلَى كَثْرَةِ مَا وَقَعَ فِي خِلَافَتِهِ مِنَ الْفُتُوحَاتِ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ تَفْسِيرَ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الْأُمِّ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ سَاقَهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ قِصَرُ مُدَّتِهِ وَعَجَلَةُ مَوْتِهِ وَشُغْلِهِ بِالْحَرْبِ لِأَهْلِ الرِّدَّةِ عَنِ الِافْتِتَاحِ وَالِازْدِيَادِ الَّذِي بَلَغَهُ عُمَرُ فِي طُولِ مُدَّتِهِ انْتَهَى فَجَمَعَ فِي كَلَامِهِ مَا تَفَرَّقَ فِي كَلَامِ غَيْرِهِ انْتَهَى (فِيهِ ضَعْفٌ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ قَالَ الحافظ أي على مهل ورق (وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا دُعَاءٌ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ أَنَّهُ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قُرْبِ وَفَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كان توابا فَإِنَّهَا إِشَارَةٌ إِلَى قُرْبِ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَافِظُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قِلَّةِ الْفُتُوحِ فِي زَمَانِهِ لَا صُنْعَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ سَبَبَهُ قِصَرُ مُدَّتِهِ فَمَعْنَى الْمَغْفِرَةِ لَهُ رَفْعُ الْمَلَامَةِ عَنْهُ (فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا) أَيِ انْقَلَبَتِ الدَّلْوُ الَّتِي كَانَتْ ذَنُوبًا غَرْبًا أَيْ دَلْوًا عَظِيمَةً وَالْغَرْبُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ (فَلَمْ أر عبقريا

بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ أَيْ رَجُلًا قَوِيًّا (يَفْرِي) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ (فَرِيَّهُ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ الْمَفْتُوحَةِ وَرُوِيَ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَخَطَّأَهُ الْخَلِيلُ وَمَعْنَاهُ يَعْمَلُ عَمَلَهُ الْبَالِغَ (حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِالْعَطَنِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرُهُ نُونٌ هُوَ مَنَاخُّ الْإِبِلِ إِذَا شَرِبَتْ ثُمَّ صَدَرَتْ وَسَيَأْتِي فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ بِلَفْظِ حَتَّى رَوَى النَّاسُ وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي الطُّفَيْلِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَالطَّبَرَانِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا أَنْزِعُ اللَّيْلَةَ إِذْ وَرَدَتْ عَلَيَّ غَنَمٌ سُودٌ وَعُفْرٌ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ فَذَكَرَهُ وَقَالَ فِي عُمَرَ فَمَلَأَ الْحِيَاضَ وَأَرْوَى الْوَارِدَةَ وَقَالَ فِيهِ فَأُوِّلَتِ السُّودُ الْعَرَبَ وَالْعُفْرُ الْعَجَمَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (هذا حديث صحيح غريب من بن عُمَرَ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2290] قَوْلُهُ (قَالَ رَأَيْتُ) أَيْ فِي شَأْنِ الْمَدِينَةِ (ثَائِرَةَ الرَّأْسِ) أَيْ مُنْتَشِرَةً شَعْرَ الرَّأْسِ (حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالْعَيْنِ الْأَرْضُ الْمَبْسُوطَةُ الْوَاسِعَةُ (وَهِيَ الْجُحْفَةُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَظُنُّ قَوْلَهُ وَهِيَ الْجُحْفَةُ مَدْرَجًا مِنْ قَوْلِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فَإِنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ خَلَا عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَثَبَتَتْ فِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ جُرَيْحٍ (فَأَوَّلْتُهَا) مِنَ التَّأْوِيلِ هُوَ تَفْسِيرُ الشيء بما يؤول إِلَيْهِ (وَبَاءَ الْمَدِينَةِ) وَهُوَ بِالْمَدِّ وَيُقْصَرُ مَرَضٌ عَامٌّ أَوْ مَوْتٌ ذَرِيعٌ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْأَرْضِ الْوَخِمَةِ الَّتِي تَكْثُرُ فِيهَا الْأَمْرَاضُ لَا سِيَّمَا لِلْغُرَبَاءِ أَيْ حُمَّاهَا وَأَمْرَاضُهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ

[2291] قَوْلُهُ (قَالَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ لَا تَكَادُ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ تَكْذِبُ إِلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ إِنَّ رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ من ستة وأربعين جزءا من النبوة [2292] قوله (أخبرنا أَبُو الْيَمَانِ) اسْمُهُ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ الْبَهْرَانِيُّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْحِمْصِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ يُقَالُ إِنَّ أَكْثَرَ حَدِيثِهِ عَنْ شُعَيْبٍ مُنَاوَلَةً من العاشرة (عن بن أَبِي حُسَيْنٍ) اِسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ الْمَكِّيِّ النَّوْفَلِيِّ ثِقَةٌ عَالِمٌ بِالْمَنَاسِكِ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (سِوَارَيْنِ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ قَلْبَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ السِّوَارُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَفِيهِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ أُسْوَارٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَوَّلَهُ (فَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا) أَيْ أَحْزَنَنِي وَفِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ فَكَبُرَا عَلَيَّ قَالَ الْحَافِظُ هُوَ بِمَعْنَى الْعِظَمِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَإِنَّمَا عَظُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَوْنِ الذَّهَبِ مِمَّا حُرِّمَ عَلَى الرِّجَالِ (فَأُوحِيَ إِلَيَّ) قَالَ الْحَافِظُ كَذَا لِلْأَكْثَرِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ وَفِي رِوَايَةِ الْكَشْمِيهَنِيِّ فِي حَدِيثِ إِسْحَاقَ بْنِ نَصْرٍ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ هَذَا الْوَحْيَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَحْيِ الْإِلْهَامِ أَوْ عَلَى لِسَانِ الْمَلَكِ قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ (أَنِ انْفُخْهُمَا) بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِنْ هِيَ مُفَسِّرَةٌ لِمَا فِي الْوَحْيِ مِنْ مَعْنَى الْقَوْلِ وَعَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَجَوَّزَ الطِّيبِيُّ أَنْ تَكُونَ نَاصِبَةً وَالْجَارُّ مَحْذُوفٌ وَالنَّفْخُ

بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى مَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ يُقَالُ نَفَخْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ (فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا) قَالَ الْحَافِظُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْمَقْبُرِيِّ وَزَادَ فَوَقَعَ وَاحِدٌ بِالْيَمَامَةِ وَالْآخَرُ بِالْيَمَنِ وَفِي ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى حَقَارَةِ أَمْرِهِمَا لِأَنَّ شَأْنَ الَّذِي يَنْفُخُ فَيَذْهَبُ بِالنَّفْخِ أَنْ يَكُونَ فِي غَايَةِ الْحَقَارَةِ وَرَدَّهُ بن الْعَرَبِيِّ بِأَنَّ أَمْرَهُمَا كَانَ فِي غَايَةِ الشِّدَّةِ وَلَمْ يَنْزِلْ بِالْمُسْلِمِينَ قَبْلَهُ مِثْلُهُ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّ الْإِشَارَةَ إِنَّمَا هِيَ لِلْحَقَارَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ لَا الْحِسِّيَّةِ وَفِي طَيَرَانِهِمَا إِشَارَةٌ إِلَى اضْمِحْلَالِ أَمْرِهِمَا (فَأَوَّلْتُهُمَا كَاذِبَيْنِ) قَالَ الْمُهَلِّبُ هَذِهِ الرُّؤْيَا لَيْسَتْ عَلَى وَجْهِهَا وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَإِنَّمَا أَوَّلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السِّوَارَيْنِ بِالْكَذَّابَيْنِ لِأَنَّ الْكَذِبَ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَلَمَّا رَأَى فِي ذِرَاعَيْهِ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ وَلَيْسَا مِنْ لُبْسِهِ لِأَنَّهُمَا مِنْ حِلْيَةِ النِّسَاءِ عَرَفَ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ مَنْ يَدَّعِي مَا لَيْسَ لَهُ وَأَيْضًا فَفِي كَوْنِهِمَا مِنْ ذَهَبٍ وَالذَّهَبُ مَنْهِيٌّ عَنْ لُبْسِهِ دَلِيلٌ عَلَى الْكَذِبِ وَأَيْضًا فَالذَّهَبُ مُشْتَقٌّ مِنَ الذَّهَابِ فَعُلِمَ أَنَّهُ شَيْءٌ يَذْهَبُ عَنْهُ وَتَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي نَفْخِهِمَا فَطَارَا فَعَرَفَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا أَمْرٌ وَأَنَّ كَلَامَهُ بِالْوَحْيِ الَّذِي جَاءَ بِهِ يُزِيلُهُمَا عَنْ مَوْضِعِهِمَا وَالنَّفْخُ يَدُلُّ عَلَى الْكَلَامِ انْتَهَى مُلَخَّصًا (يَخْرُجَانِ مِنْ بَعْدِي) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَوَّلْتُهُمَا الْكَذَّابَيْنِ الْذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا قَالَ الْحَافِظُ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُمَا كَانَا حِينَ قَصَّ الرُّؤْيَا مَوْجُودَيْنِ وهو كذلك لكن وقع في رواية بن عَبَّاسٍ يَخْرُجَانِ بَعْدِي وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِخُرُوجِهِمَا بَعْدَهُ ظُهُورُ شَوْكَتِهِمَا وَمُحَارَبَتُهُمَا وَدَعْوَاهُمَا النُّبُوَّةَ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ ظَهَرَ لِلْأَسْوَدِ بِصَنْعَاءَ فِي حَيَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَادَّعَى النُّبُوَّةَ وَعَظُمَتْ شَوْكَتُهُ وَحَارَبَ الْمُسْلِمِينَ وَفَتَكَ فِيهِمْ وَغَلَبَ عَلَى الْبَلَدِ وَآلَ أَمْرُهُ إِلَى أَنْ قُتِلَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَدَّمْتُ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي أَوَاخِرِ الْمَغَازِي وَأَمَّا مُسَيْلَمَةُ فَكَانَ ادَّعَى النُّبُوَّةَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ لَمْ تَعْظُمْ شَوْكَتُهُ وَلَمْ تَقَعْ مُحَارَبَتُهُ إِلَّا فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى التَّغْلِيبِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بَعْدِي أَيْ بَعْدَ نُبُوَّتِي (يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا مَسْلَمَةُ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَبَيْنَهُمَا سِينٌ سَاكِنَةٌ هُوَ الْمَشْهُورُ بِمُسَيْلَمَةَ مُصَغَّرًا قَتَلَهُ الْوَحْشِيُّ قَاتِلُ حَمْزَةَ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ لَمَّا قَتَلَهُ وَحْشِيٌّ قَالَ قَتَلْتُ خَيْرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَشَرَّ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ (صَاحِبُ الْيَمَامَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْيَمَامَةُ الْقَصْدُ كَالْيَمَامِ وَجَارِيَةٌ زَرْقَاءُ كَانَتْ تُبْصِرُ الرَّاكِبَ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبِلَادُ الْجَوِّ مَنْسُوبَةٌ إِلَيْهَا وَسُمِّيَتْ بِاسْمِهَا وَهِيَ أَكْثَرُ نَخِيلًا مِنْ سَائِرِ الْحِجَازِ وَبِهَا تَنَبَّأَ مُسَيْلَمَةُ الْكَذَّابُ وَهِيَ دُونَ الْمَدِينَةِ فِي وَسَطِ الشَّرْقِ مِنْ مَكَّةَ عَلَى سِتَّةَ عَشَرَ مَرْحَلَةً مِنَ الْبَصْرَةِ وَعَنِ الْكُوفَةِ نَحْوَهَا انْتَهَى (وَالْعَنْسِيُّ صَاحِبُ صَنْعَاءَ) هُوَ بَلْدَةٌ بِالْيَمَنِ وَصَاحِبُهَا الْأَسْوَدُ الْعَنْسِيُّ تَنَبَّأَ بِهَا فِي آخِرِ عَهْدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَتَلَهُ فَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ فِي مَرَضِ وَفَاةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاز فيروز

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2293] قوله (حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الْجَرِيرِيُّ الْبَلْخِيُّ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عتبة الْهُذَلِيِّ الْمَدَنِيِّ قَوْلُهُ (إِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ ظُلَّةً) بِضَمِّ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ سَحَابَةً لَهَا ظُلَّةٌ وَكُلُّ مَا أَظَلَّ مِنْ سَقِيفَةٍ وَنَحْوِهَا يُسَمَّى ظلة قاله الخطابي وفي رواية بن مَاجَهْ ظُلَّةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ (يَنْطُفُ) أَيْ يَقْطُرُ مِنْ نَطَفَ الْمَاءُ إِذَا سَالَ وَيَجُوزُ الضَّمُّ وَالْكَسْرُ فِي الطَّاءِ (يَسْتَقُونَ بِأَيْدِيهِمْ) أَيْ يَأْخُذُونَ بِالْأَسْقِيَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ يَتَكَفَّفُونَ أَيْ يَأْخُذُونَ بِأَكُفِّهِمْ (فَالْمُسْتَكْثِرُ) مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ فِيهِمُ الْمُسْتَكْثِرُ فِي الْأَخْذِ أَيْ يأخذ كثيرا (والمستقل) أمي وَمِنْهُمُ الْمُسْتَقِلُّ فِي الْأَخْذِ أَيْ يَأْخُذُ قَلِيلًا (وَرَأَيْتُ سَبَبًا) أَيْ حَبْلًا (وَاصِلًا) مِنَ الْوُصُولِ وَقِيلَ هُوَ بِمَعْنَى الْمَوْصُولِ كَقَوْلِهِ عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أَيْ مَرْضِيَّةٍ (فَعَلَوْتُ) مِنَ الْعُلُوِّ وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ فَأَعْلَاكَ اللَّهُ (ثُمَّ وُصِلَ له) على بناء المجهول (بأبي أنت وأبي) أي مفدى بهما (والله لتدعني) بفتح اللَّامِ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ لَتَتْرُكُنِي وَفِي رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ ائْذَنْ لِي (أَعْبُرُهَا) وَفِي رِوَايَةٍ فَلَأَعْبُرَنَّهَا بِزِيَادَةِ لَامِ التَّأْكِيدِ وَالنُّونِ (اعْبُرْهَا) أَمْرٌ مِنْ عَبَرَ يَعْبُرُ مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَبَرَ الرُّؤْيَا عَبْرًا وَعِبَارَةً وَعَبَرَهَا فَسَّرَهَا وأخبر باخر ما يؤول إِلَيْهِ أَمْرُهَا وَأَسْتَعْبِرُهُ إِيَّاهَا سَأَلَهُ عَبْرَهَا (وَأَمَّا السَّبَبُ الْوَاصِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ فَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ) الْمُرَادُ بِالْحَقِّ الْوِلَايَةُ الَّتِي كَانَتْ بِالنُّبُوَّةِ ثُمَّ صَارَتْ

بِالْخِلَافَةِ (ثُمَّ يَأْخُذُ بِهِ) أَيْ بِالسَّبَبِ (بَعْدَكَ رَجُلٌ) وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَقُومُ بِالْحَقِّ فِي أُمَّتِهِ بَعْدَهُ (ثُمَّ يَأْخُذُ بَعْدَهُ رَجُلٌ آخَرُ) وَهُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (ثُمَّ يَأْخُذُ آخَرُ) وَهُوَ عُثْمَانُ (فَيَنْقَطِعُ به ثم يوصل) وفي حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ (أَصَبْتُ بَعْضًا وَأَخْطَأْتُ بَعْضًا) قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ في معناه فقال بن قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ مَعْنَاهُ أَصَبْتُ فِي بَيَانِ تَفْسِيرِهَا وَصَادَفْتُ حَقِيقَةَ تَأْوِيلِهَا وَأَخْطَأْتُ فِي مُبَادَرَتِكَ بِتَفْسِيرِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ آمُرَكَ بِهِ وَقَالَ آخَرُونَ هذا الذي قاله بن قُتَيْبَةَ وَمُوَافِقُوهُ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَقَالَ اعْبُرْهَا وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِي تَرْكِهِ تَفْسِيرَ بَعْضِهَا فَإِنَّ الرَّائِيَ قَالَ رَأَيْتُ ظُلَّةً تَنْطُفُ السَّمْنَ وَالْعَسَلَ فَفَسَّرَهُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِالْقُرْآنِ حَلَاوَتَهُ وَلِينَهُ وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرُ الْعَسَلِ وَتَرَكَ تَفْسِيرَ السَّمْنِ وَتَفْسِيرَهُ السُّنَّةَ فَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ آخَرُونَ الْخَطَأُ وَقَعَ فِي خَلْعِ عُثْمَانَ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ أَخَذَ بِالسَّبَبِ فَانْقَطَعَ بِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى انْخِلَاعِهِ بِنَفْسِهِ وَفَسَّرَهُ الصِّدِّيقُ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ بِهِ رَجُلٌ فَيَنْقَطِعُ بِهِ ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعْلُو بِهِ وَعُثْمَانُ قَدْ خُلِعَ قَهْرًا وَقُتِلَ وَوُلِّيَ غَيْرُهُ فَالصَّوَابُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْ يُحْمَلَ وَصْلُهُ عَلَى وِلَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ قَوْمِهِ وَقَالَ آخَرُونَ الْخَطَأُ فِي سُؤَالِهِ لِيَعْبُرَهَا قَالَ الْمُهَلِّبُ وَمَوْضِعُ الْخَطَأِ فِي قَوْلِهِ ثُمَّ وُصِلَ لَهُ لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ وُصِلَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ قَالَ الْحَافِظُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ لَهُ قَدْ ثَبَتَتْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ فَذَكَرَهَا ثُمَّ قَالَ وَبَنَى الْمُهَلَّبُ عَلَى مَا تَوَهَّمَهُ فَقَالَ كَانَ يَنْبَغِي لِأَبِي بَكْرٍ أَنْ يَقِفَ حَيْثُ وَقَفَتِ الرُّؤْيَا وَلَا يَذْكُرُ الْمَوْصُولَ لَهُ فَإِنَّ الْمَعْنَى أَنَّ عُثْمَانَ انْقَطَعَ بِهِ الْحَبْلُ ثُمَّ وُصِلَ لِغَيْرِهِ أَيْ وَصَلَتِ الْخِلَافَةُ لِغَيْرِهِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ لَفْظَةَ لَهُ ثَابِتَةٌ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا أَنَّ عُثْمَانَ كَادَ يَنْقَطِعُ عَلَى اللِّحَاقِ بِصَاحِبَيْهِ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ لَهُ مِنْ تِلْكَ الْقَضَايَا الَّتِي أَنْكَرُوهَا فَعَبَّرَ عَنْهَا بِانْقِطَاعِ الْحَبْلِ ثُمَّ وَقَعَتْ لَهُ الشَّهَادَةُ فَاتَّصَلَ بِهِمْ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِأَنَّ الْحَبْلَ وَصَلَ لَهُ فَاتَّصَلَ فَالْتَحَقَ بِهِمْ فَلَمْ يَتِمَّ فِي تَبْيِينِ الْخَطَأِ فِي التَّعْبِيرِ الْمَذْكُورِ مَا تَوَهَّمَهُ الْمُهَلَّبُ انْتَهَى وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ فِي الْفَتْحِ (لَا تُقْسِمْ) أَيْ لَا تُكَرِّرْ يَمِينَكَ فَإِنِّي لَا أُخْبِرُكَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّ إِبْرَارَ الْقَسَمِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إنما

هُوَ إِذَا لَمْ تَكُنْ فِي الْإِبْرَارِ مَفْسَدَةٌ وَلَا مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فَإِنْ كَانَ لَمْ يُؤْمَرْ بِالْإِبْرَارِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبَرَّ قَسَمَ أَبِي بَكْرٍ لِمَا رَأَى فِي إِبْرَارِهِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا [2294] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ (عَنْ أَبِي رَجَاءٍ) اسْمُهُ عِمْرَانُ بْنُ مِلْحَانَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللام بعدها مهملة ويقال بن تَيْمٍ الْعُطَارِدِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي اسْمِ أَبِيهِ مُخَضْرَمٌ ثِقَةٌ مُعَمِّرٌ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ لَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً قَوْلُهُ (وَقَالَ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا) عَلَى وَزْنِ فُعْلَى بِلَا تَنْوِينٍ وَيَجُوزُ تَنْوِينُهُ كَمَا قُرِئَ بِهِ فِي الشَّاذَّةِ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَكَذَا رُوِيَ مُنَوَّنًا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ وَمَنْ كَانَ هِجْرَتُهُ لدنيا (الليلة) أَيْ هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُطَوَّلًا (وَيُرْوَى عَنْ عَوْفٍ وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةٍ طَوِيلَةٍ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِالْقِصَّةِ الطَّوِيلَةِ فِي آخِرِ أَبْوَابِ التَّعْبِيرِ (وَهَكَذَا رَوَى لَنَا بُنْدَارٌ هَذَا الْحَدِيثَ مُخْتَصَرًا) بُنْدَارٌ هَذَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ الْمَذْكُورُ في السند المتقدم

33 - أبواب الشهادات

33 - أبواب الشهادات هِيَ جَمْعُ شَهَادَةٍ وَهِيَ مَصْدَرُ شَهِدَ يَشْهَدُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الشَّهَادَةُ خَبَرٌ قَاطِعٌ وَالْمُشَاهَدَةُ الْمُعَايَنَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الشُّهُودِ أَيِ الْحُضُورِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ مُشَاهِدٌ لِمَا غَابَ عَنْ غَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ الشَّهَادَةُ الْإِخْبَارُ بِصِحَّةِ الشَّيْءِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَعِيَانٍ وَيُقَالُ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ بِكَذَا شَهَادَةً فَهُوَ شَاهِدٌ وَهُمْ شُهُودٌ وَأَشْهَادٌ وَهُوَ شَهِيدٌ وَهُمْ شُهَدَاءُ [2295] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ) الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ الْقَاضِي ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ الْبُخَارِيِّ بِالنُّونِ وَالْجِيمِ الْمَدَنِيِّ الْقَاضِي اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ وَاحِدٌ وَقِيلَ إِنَّهُ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ) الْأُمَوِيِّ يُلَقَّبُ بِالْمُطْرَفِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ثِقَةٌ شَرِيفٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِي عَمْرَةَ) وَفِي الرواية الاتية بن أَبِي عَمْرَةَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو عَمْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ صَوَابُهُ عَنِ بن أَبِي عَمْرَةَ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقَالَ فِي تهذيب التهذيب أبو عمرة الأنصاري وقيل بن أَبِي عَمْرَةَ وَقِيلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ رَوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ وَعَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ سِوَى الْبُخَارِيَّ حَدِيثَهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بكر بن حزم عن بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ فِي رِوَايَتِهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ) جَمْعُ شَاهِدٍ (الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ

قَبْلَ أَنْ يُطْلَبَ منهُ الشَّهَادَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِي الْمُرَادِ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَأْوِيلَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا تَأْوِيلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِإِنْسَانٍ بِحَقٍّ وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ أَنَّهُ شَاهِدٌ فَيَأْتِي إِلَيْهِ فَيُخْبِرَهُ بِأَنَّهُ شَاهِدٌ لَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ وَذَلِكَ فِي غَيْرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ فَمِمَّا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ وَالْوَقْفُ وَالْوَصَايَا الْعَامَّةُ وَالْحُدُودُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَمَنْ عَلِمَ شَيْئًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَجَبَ عَلَيْهِ رَفْعُهُ إِلَى الْقَاضِي وَإِعْلَامُهُ بِهِ وَالشَّهَادَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأُقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ وَكَذَا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُ مَنْ عِنْدَهُ شهادة الانسان لا يعلمها أن يعلمه إياها لأنها أَمَانَةٌ لَهُ عِنْدَهُ وَحَكَى تَأْوِيلًا ثَالِثًا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَاتِ بَعْدَ طَلَبِهَا لَا قَبْلَهُ كَمَا يُقَالُ الْجَوَادُ يُعْطِي قَبْلَ السُّؤَالِ أَيْ يُعْطِي سَرِيعًا عَقِبَ السؤال من غير توقف انتهى (وقال بن أَبِي عَمْرَةَ) أَيْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عمرة مكان أبي عمرة واسم بن أَبِي عَمْرَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ (وَأَكْثَرُ النَّاسِ يَقُولُونَ) فِي رِوَايَاتِهِمْ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ) أَيْ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي رِوَايَتِهِ (وَاخْتَلَفُوا) أَيْ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ (فَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ) كَمَعْنٍ (وروى بعضهم عن بن أَبِي عَمْرَةَ) كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى عِنْدَ مُسْلِمٍ (وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَنَا) أَيْ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى عَنْ مالك بلفظ عن بن أَبِي عَمْرَةَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِلَفْظِ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ (لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ (قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُؤَيِّدُ رِوَايَةَ مَنْ روى عن مالك بلفظ عن بن أَبِي عَمْرَةَ فَقَدْ رَوَى عَنْ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ غَيْرَ حَدِيثِ الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ (وَأَبُو عَمْرَةَ هُوَ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجهني

أَيْ أَبُو عَمْرَةَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ غَيْرَ حَدِيثِ الشَّهَادَةِ الْمَذْكُورِ هُوَ مَوْلَى زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ (وَلَهُ) أَيْ لِزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ (حَدِيثُ الْغُلُولِ) رَوَاهُ أحمد وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ يَوْمَ خَيْبَرَ فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ صَاحِبَكُمْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَفَتَّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزًا مِنْ خَرَزِ يَهُودَ لَا يُسَاوِي دِرْهَمَيْنِ (لِأَبِي عَمْرَةَ) أَيْ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ يَعْنِي أَنَّ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ هَذَا فِي الْغُلُولِ رَوَاهُ عَنْهُ مَوْلَاهُ أَبُو عَمْرَةَ [2297] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ ادم بن بنت أَزْهَرَ السَّمَّانِ) الْبَصْرِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ) الْأَنْصَارِيُّ السَّاعِدِيُّ فيه ضعف من السابعة ماله فِي الْبُخَارِيِّ غَيْرُ حَدِيثٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (حَدَّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن ماجة [2298] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيِّ) أَوِ بن أَبِي زِيَادٍ الْقُرَشِيِّ مَتْرُوكٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (لَا تَجُوزُ) أَيْ لَا تَصِحُّ (شَهَادَةُ خَائِنٍ ولا خائنة) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيِ الْمَشْهُورُ بِالْخِيَانَةِ فِي أَمَانَاتِ الناس دون ما اؤتمن اللَّهُ عَلَيْهِ عِبَادَهُ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ كَذَا قَالَهُ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنَ الشُّرَّاحِ قَالَ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَعَمَّ مِنْهُ وهو الذي يخون فيما اؤتمن عَلَيْهِ سَوَاءٌ مَا ائْتَمَنَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الدِّينِ أَوِ النَّاسُ مِنَ الْأَمْوَالِ قَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم انْتَهَى فَالْمُرَادُ بِالْخَائِنِ هُوَ الْفَاسِقُ وَهُوَ مَنْ فَعَلَ كَبِيرَةً أَوْ

أَصَرَّ عَلَى الصَّغَائِرِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ فِي النَّيْلِ صَرَّحَ أَبُو عُبَيْدٍ بِأَنَّ الْخِيَانَةَ تَكُونُ فِي حُقُوقِ اللَّهِ كَمَا تَكُونُ فِي حُقُوقِ النَّاسِ مِنْ دُونِ اخْتِصَاصٍ (وَلَا مجلود حدا) أي حد القذف قال بن الْمَلَكِ هُوَ مَنْ جُلِدَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ وَبِهِ أَخَذَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمَجْلُودَ فِيهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ وَقَالَ الْقَاضِي أَفْرَدَ الْمَجْلُودَ حَدًّا وَعَطَفَهُ عَلَيْهِ لِعِظَمِ جِنَايَتِهِ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الزَّانِي غَيْرَ الْمُحْصَنِ وَالْقَاذِفَ وَالشَّارِبَ قَالَ الْمُظْهِرُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا جُلِدَ قَاذِفٌ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ وَأَمَّا قَبْلَ الْجَلْدِ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ الْقَذْفُ مِنْ جُمْلَةِ الْفُسُوقِ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ بَلْ إِنْ تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ سَوَاءٌ جُلِدَ أَوْ لَمْ يُجْلَدْ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ سواء جلد أو لم يجلد قلت قول مَنْ قَالَ إِنَّ الْمَجْلُودَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ هُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمَنْصُورُ كَمَا حَقَّقَهُ الحافظ بن القيم في أعلام الموقعين والحافظ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ (وَلَا ذِي غِمْرٍ) بِكَسْرٍ فسكون أي حقد وعداوة (حنة) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالنُّونِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْإِحْنَةُ بِالْكَسْرِ الْحِقْدُ وَالْغَضَبُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْإِحْنَةُ الْعَدَاوَةُ وَيَجِيءُ حِنَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى عَلَى قِلَّةٍ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا لِأَخِيهِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَغَيْرِهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ (وَلَا مُجَرَّبِ شَهَادَةٍ) أَيْ فِي الْكَذِبِ (وَلَا الْقَانِعِ أَهْلَ الْبَيْتِ) أَيِ الَّذِي يَخْدُمُ أَهْلَ الْبَيْتِ كَالْأَجِيرِ وَغَيْرِهِ (لَهُمْ) أَيْ لِأَهْلِ الْبَيْتِ لِأَنَّهُ يَجُرُّ نَفْعًا بِشَهَادَتِهِ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّ مَا حَصَلَ مِنَ الْمَالِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ يَعُودُ نَفْعُهُ إِلَى الشَّاهِدِ لِأَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْ نَفَقَتِهِ وَلِذَلِكَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ جَرَّ نَفْعًا بِشَهَادَتِهِ إِلَى نَفْسِهِ كَالْوَالِدِ يَشْهَدُ لِوَلَدِهِ أَوِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ أَوِ الْغَرِيمِ يَشْهَدُ بِمَالٍ لِلْمُفْلِسِ عَلَى أَحَدٍ (وَلَا ظَنِينٍ) أَيْ مُتَّهَمٍ (فِي وَلَاءٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَمِي إِلَى غَيْرِ مَوَالِيهِ (وَلَا قَرَابَةٍ) قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ وَلَا ظَنِينَ فِي قَرَابَةٍ وَهُوَ الَّذِي يَنْتَسِبُ إِلَى غَيْرِ ذَوِيهِ وَإِنَّمَا رُدَّ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يَنْفِي الْوُثُوقَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَذَا قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنَ الشُّرَّاحِ وَقَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي مَنْ قَالَ أَنَا عَتِيقُ فُلَانٍ وَهُوَ كَاذِبٌ فِيهِ بِحَيْثُ يَتَّهِمُهُ النَّاسُ فِي قَوْلِهِ وَيُكَذِّبُونَهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ فَاسِقٌ لِأَنَّ قَطْعَ الْوَلَاءِ عَنِ الْمُعْتِقِ وَأَبْنَائِهِ لِمَنْ لَيْسَ بِمُعْتِقِهِ كَبِيرَةٌ وَرَاكِبُهَا فَاسِقٌ كَذَلِكَ الظَّنِينُ فِي الْقَرَابَةِ وَهُوَ الدَّاعِي الْقَائِلُ أَنَا بن فُلَانٍ أَوْ أَنَا أَخُو فُلَانٍ مِنَ النَّسَبِ وَالنَّاسُ يُكَذِّبُونَهُ فِيهِ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وفيه ولاذي غِمْرٍ لِأَخِيهِ وَفِي سَنَدِهِ يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَمَا عَرَفْتَ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ فِي الْعِلَلِ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَضَعَّفَهُ عبد الحق وبن حزم وبن الْجَوْزِيِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا زَانٍ وَلَا زَانِيَةٍ وَلَا ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ ورد شهادة القانع لأهل البيت ورواه بن مَاجَهْ أَيْضًا وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذِي الظِّنَّةِ وَلَا ذِي الْحِنَّةِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ نَحْوُ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الْأَعْلَى وَهُوَ ضَعِيفٌ شَيْخُهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْفَارِسِيُّ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا يَصِحُّ مِنْ هَذَا شَيْءٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ظَنِينٍ وَلَا خَصْمٍ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ مَوْقُوفًا وَهُوَ مُنْقَطِعٌ قَوْلُهُ (وَلَا نَعْرِفُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ) أَيْ مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَا ظَنِينٍ فِي وَلَاءٍ وَلَا قَرَابَةٍ فَإِنَّهُ بِظَاهِرِهِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ شَهَادَةُ قَرِيبٍ لِقَرِيبٍ لَهُ وَلَمْ يَقُلْ بِإِطْلَاقِهِ أَحَدٌ وَلَكِنْ إِذَا فُسِّرَ هَذَا بِمَا ذَكَرْنَا فَلَا إِشْكَالَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَالْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا أَنَّ شَهَادَةَ الْقَرِيبِ جَائِزَةٌ لِقَرَابَتِهِ) أَيْ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ وَلَا ظَنِينٍ فِي وَلَاءٍ وَلَا قَرَابَةٍ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ (وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي شَهَادَةِ الْوَالِدِ لِلْوَلَدِ إِلَخْ) قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ اخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَالْعَكْسِ فَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْمُؤَيَّدُ بِاللَّهِ وَالْإِمَامُ يَحْيَى وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ وَعَلَّلُوا بِالتُّهْمَةِ فَكَانَ كَالْقَانِعِ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَشُرَيْحٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْعِتْرَةُ وَأَبُو ثور وبن الْمُنْذِرِ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ إِنَّهَا تُقْبَلُ لِعُمُومِ قوله تعالى ذوي عدل انْتَهَى قُلْتُ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي هُوَ قَوْلُ الْمَانِعِينَ والله تعالى

أَعْلَمُ (وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ إِلَخْ) قِيلَ اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ خَبَرًا صَحِيحًا وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ عَلَى خَصْمٍ قَالَ الْحَافِظُ لَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ لَكِنْ لَهُ طُرُقٌ يَتَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُنَادِيًا أَنَّهَا لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ مُرْسَلًا أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ ذِي الظِّنَّةِ وَالْحِنَّةِ يَعْنِي الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة يرفعه مثله وفي إسناده نظر [2301] قَوْلُهُ (عَنْ الْجُرَيْرِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ إِلْيَاسَ أَبُو مَسْعُودٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنْ الْخَامِسَةِ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِثَلَاثِ سِنِينَ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ) بْنِ الْحَارِثِ الثقفي ثِقَةٌ مِنْ الثَّانِيَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ أَبِي بَكْرَةَ وَاسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِسِ بْنِ كَلَدَةَ بِفَتْحَتَيْنِ بْنِ عَمْرٍو الثَّقَفِيِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَقِيلَ اسْمُهُ مَسْرُوحٌ بِمُهْمَلَاتٍ أَسْلَمَ بِالطَّائِفِ ثُمَّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ قَوْلُهُ (قَالَ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ) هُوَ جَعْلُ أحد شريكا للآخر والمراد ها هنا اتِّخَاذُ إِلَهٍ غَيْرَ اللَّهِ وَأَرَادَ بِهِ الْكُفْرَ وَاخْتَارَ لَفْظَ الْإِشْرَاكِ لِأَنَّهُ كَانَ غَالِبًا فِي الْعَرَبِ (وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) أَيْ قَطْعُ صِلَتِهِمَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَقِّ وَهُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ وَالْمُرَادُ عُقُوقُ أَحَدِهِمَا قِيلَ هُوَ إِيذَاءٌ لَا يُتَحَمَّلُ مِثْلُهُ مِنَ الْوَلَدِ عَادَةً وَقِيلَ عُقُوقُهُمَا مُخَالَفَةُ أَمْرِهِمَا فِيمَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً وفِي مَعْنَاهُمَا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ ثُمَّ اقْتِرَانُهُ بِالْإِشْرَاكِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْمُنَاسَبَةِ إِذْ فِي كُلِّ قَطْعِ حُقُوقٍ السَّبَبُ فِي الْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ لِلَّهِ حَقِيقَةً وَلِلْوَالِدَيْنِ صُورَةً وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْك (وَشَهَادَةُ الزُّورِ) أَيْ الْكَذِبِ وَسُمِّيَ زُورًا

لِمَيَلَانِهِ عَنْ جِهَةِ الْحَقِّ (وَقَوْلُ الزُّورِ) شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي (حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ) أَيْ شَفَقَةً وَكَرَاهِيَةً لِمَا يُزْعِجُهُ وَفِيهِ مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ كَثْرَةِ الْأَدَبِ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَحَبَّةِ لَهُ وَالشَّفَقَةِ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ [2299] قَوْلُهُ (عَنْ سُفْيَانَ بْنِ زِيَادٍ الْأَسَدِيِّ) وَيُقَالُ بن دِينَارٍ الْعُصْفُرِيُّ وَيُكَنَّى أَبَا الْوَرْقَاءِ الْأَحْمَرِيَّ أَوِ الْأَسَدِيَّ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ فَاتِكِ بن فضالة) بن شريك الأسدي الكفي مَجْهُولُ الْحَالِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَيْمَنَ بْنِ خزيم) بالمعجمة ثم الراء مصغرا بن الْأَخْرَمِ الْأَسَدِيِّ هُوَ أَبُو عَطِيَّةَ الشَّامِيِّ الشَّاعِرِ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ قَالَ الْعِجْلِيُّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ وَعَنْ أَبِيهِ وَعَمِّهِ وَعَنْهُ فَاتِكُ بْنُ فُضَالَةَ [2300] قَوْلُهُ (عَدَلَتْ شَهَادَةُ الزُّورِ إِشْرَاكًا بِاللَّهِ) أَيْ جُعِلَتِ الشَّهَادَةُ الْكَاذِبَةُ مُمَاثِلَةً لِلْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ فِي الإثم لأن الشرك كذب على الله لما لَا يَجُوزُ وَشَهَادَةُ الزُّورِ كَذِبٌ عَلَى الْعَبْدِ لَا يَجُوزُ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ وَاقِعٍ فِي الْوَاقِعِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَالزُّورُ مِنَ الزَّوْرِ وَالِازْوِرَارِ وَهُوَ الانحارف وإنما ساوى قول الزور بالشرك لِأَنَّ الشِّرْكَ مِنْ بَابِ الزُّورِ فَإِنَّ الْمُشْرِكَ زعم أن الوثن يحق للعبادة (ثُمَّ قَرَأَ) أَيِ اسْتِشْهَادًا وَاعْتِضَادًا (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ من الأوثان) مِنْ بَيَانِيَّةٌ أَيِ النَّجَسَ الَّذِي هُوَ الْأَصْنَامُ (واجتنبوا قول الزور) أَيْ قَوْلَ الْكَذِبِ الشَّامِلِ لِشَهَادَةِ الزُّورِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَفِي التَّنْزِيلِ عُطِفَ قَوْلُ الزُّورِ عَلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَكُرِّرَ الْفِعْلُ اسْتِقْلَالًا فِيمَا هُوَ مُجْتَنَبٌ عَنْهُ فِي كَوْنِهِمَا مِنْ وَادِي الرِّجْسِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُجْتَنَبَ عَنْهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ فاجتنبوا عبادة الأوثان التي هي رؤوس الرِّجْسِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ كُلِّهِ وَلَا تَقْرَبُوا شَيْئًا مِنْهُ لِتَمَادِيهِ فِي الْقُبْحِ وَالسَّمَاجَةِ وَمَا ظَنُّكَ بِشَيْءٍ مِنْ قَبِيلِ عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَسُمِّيَ الْأَوْثَانُ رِجْسًا عَلَى طَرِيقِ التَّشْبِيهِ يَعْنِي إِنَّكُمْ كَمَا تَنْفِرُونَ بِطِبَاعِكُمْ عَنِ الرِّجْسِ وَتَجْتَنِبُونَهُ فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَنْفِرُوا مِنْ شَبِيهِ الرِّجْسِ مِثْلَ تِلْكَ النفرة

قَوْلُهُ (وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ زِيَادٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ النعمان عن خريم بن فاتك واستصوبه بن مَعِينٍ وَقَالَ إِنَّ مَرْوَانَ بْنَ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَقُمْ إِسْنَادُهُ انْتَهَى وَحَدِيثُ أَيْمَنَ بْنِ خُرَيْمٍ هَذَا فِي سَنَدِهِ فَاتِكُ بْنُ فَضَالَةَ وَهُوَ مجهول كما عرفت وأخرجه أيضا أحمدج وأخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ عَنْ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ وَهُوَ صَحَابِيٌّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ خُرَيْمٌ بِالتَّصْغِيرِ بْنُ فَاتِكٍ الْأَسَدِيُّ أَبُو يَحْيَى وَهُوَ خُرَيْمُ بْنُ الْأَخْرَمِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ فَاتِكٍ نُسِبَ لِجَدِّ جَدِّهِ صَحَابِيٌّ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا مَاتَ فِي الرِّقَّةِ فِي خلافة معاوية باب [2302] قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ) النَّخَعِيِّ أَبِي مُدْرِكٍ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي) أَيِ الَّذِينَ أَدْرَكُونِي وَآمَنُوا بِي وَهُمْ أَصْحَابِي (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) أي يَقْرَبُونَهُمْ فِي الرُّتْبَةِ أَوْ يَتَّبِعُونَهُمْ فِي الْإِيمَانِ وَالْإِيقَانِ وَهُمُ التَّابِعُونَ (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) وَهُمْ أَتْبَاعُ التَّابِعِينَ وَالْمَعْنَى أَنَّ الصَّحَابَةَ وَالتَّابِعِينَ وَتَبِعَهُمْ هَؤُلَاءِ الْقُرُونُ الثَّلَاثَةُ الْمُرَتَّبَةُ فِي الْفَضِيلَةِ فَفِي النِّهَايَةِ الْقَرْنُ أَهْلُ كُلِّ زَمَانٍ وَهُوَ مِقْدَارُ التَّوَسُّطِ فِي أَعْمَارِ أَهْلِ كُلِّ زَمَانٍ مَأْخُوذٌ مِنَ الِاقْتِرَانِ فَكَأَنَّهُ الْمِقْدَارُ الَّذِي يَقْتَرِنُ فِيهِ أَهْلُ ذَلِكَ الزَّمَانِ فِي أَعْمَارِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ وَقِيلَ الْقَرْنُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَقِيلَ ثَمَانُونَ وَقِيلَ مِائَةٌ وَقِيلَ هُوَ مُطْلَقٌ مِنَ الزَّمَانِ وَهُوَ مَصْدَرُ قَرَنَ يَقْرِنُ قَالَ السُّيُوطِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ بِمُدَّةٍ فَقَرْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمُ الصَّحَابَةُ وَكَانَتْ مُدَّتُهُمْ مِنَ الْمَبْعَثِ إِلَى آخِرِ مَنْ مَاتَ مِنَ الصَّحَابَةِ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً وَقَرْنُ التَّابِعِينَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ إِلَى نَحْوِ سَبْعِينَ وَقَرْنُ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ مِنْ ثَمَّ إِلَى نَحْوِ الْعِشْرِينَ وَمِائَتَيْنِ وَفِي هَذَا الْوَقْتِ ظَهَرَتِ الْبِدَعُ ظُهُورًا فَاشِيًّا وَأَطْلَقَتِ الْمُعْتَزِلَةُ أَلْسِنَتَهَا وَرَفَعَتِ الفلاسفة رؤوسها وَامْتُحِنَ أَهْلُ الْعِلْمِ لِيَقُولُوا بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَتَغَيَّرَتِ الْأَحْوَالُ تَغَيُّرًا شَدِيدًا وَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ فِي نَقْصٍ إِلَى الْآنَ وَظَهَرَ مِصْدَاقُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ (ثُمَّ الذين

يَلُونَهُمْ ثَلَاثًا) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَيْسَ هَذَا فِي بَعْضِهَا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ خَيْرُ أُمَّتِي قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ قَالَ عِمْرَانُ فَلَا أَدْرِي أَذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَالَ الْحَافِظُ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا الشَّكِّ فِي حديث بن مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَجَاءَ فِي أَكْثَرِ الطُّرُقِ بِغَيْرِ شَكٍّ مِنْهَا عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عند أحمد وعن مالك عند المسلم عَنْ عَائِشَةَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ قَالَ الْقَرْنُ الَّذِي أَنَا فِيهِ ثُمَّ الثَّانِي ثُمَّ الثَّالِثُ وَوَقَعَ فِي حديث جعدة بن هبيرة عند بن أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيِّ إِثْبَاتُ الْقَرْنِ الرَّابِعِ وَلَفْظُهُ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الْآخَرُونَ أراد وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ جَعْدَةَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ انْتَهَى (يَتَسَمَّنُونَ) أَيْ يَتَكَبَّرُونَ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ وَيَدَّعُونَ مَا لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الشَّرَفِ وَقِيلَ أَرَادَ جَمْعَهُمُ الْأَمْوَالَ وَقِيلَ يُحِبُّونَ التَّوَسُّعَ فِي الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ وَهِيَ أَسْبَابُ السِّمَنِ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ كَنَّى بِهِ عَنِ الْغَفْلَةِ وَقِلَّةِ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الدِّينِ فَإِنَّ الْغَالِبَ عَلَى ذَوِي السَّمَانَةِ أَنْ لَا يَهْتَمُّوا بِارْتِيَاضِ النُّفُوسِ بَلْ مُعْظَمُ هِمَّتِهِمْ تَنَاوُلُ الْحُظُوظِ وَالتَّفَرُّغُ لِلدَّعَةِ وَالنَّوْمِ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالُوا الْمَذْمُومُ مِنَ السِّمَنِ مَا يُسْتَكْسَبُ وَأَمَّا مَا هُوَ خِلْقَةٌ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا انْتَهَى (وَيُحِبُّونَ السِّمَنَ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مَصْدَرُ سَمِنَ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ سَمَانَةً بِالْفَتْحِ وَسِمَنًا كَعِنَبٍ فَهُوَ سَامِنٌ وَسَمِينٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) أَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَأَصْحَابُ الْأَعْمَشِ) يَعْنِي غَيْرَ مُحَمَّدِ بْنِ فَضِيلٍ (إِنَّمَا رَوَوْا عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ هِلَالِ بْنِ يسَافٍ) يَعْنِي بِغَيْرِ ذِكْرِ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فَضِيلٍ) أَيْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ هِلَالِ بْنِ يسَافٍ بِغَيْرِ ذِكْرِ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يسَافٍ لِأَنَّهُ تَفَرَّدَ بِذِكْرِهِ وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْمَشِ مِثْلَ رِوَايَةِ وَكِيعٍ قَوْلُهُ (وَبَيَانُ هَذَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ

لُزُومِ الْجَمَاعَةِ مِنْ أَبْوَابِ الْفِتَنِ (هُوَ إِذَا اسْتُشْهِدَ الرَّجُلُ عَلَى الشَّيْءِ أَنْ يُؤَدِّيَ شَهَادَتَهُ وَلَا يَمْتَنِعَ مِنَ الشَّهَادَةِ هَكَذَا وُجِّهَ الْحَدِيثُ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ ثَلَاثَةَ وُجُوهٍ مِنَ التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا عَرَفْتَهَا وَذَكَرَ التَّأْوِيلَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ بَعْدَ طلبها لاقبله كَمَا يُقَالُ الْجَوَادُ يُعْطِي قَبْلَ السُّؤَالِ أَيْ يُعْطِي سَرِيعًا عَقِبَ السُّؤَالِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ انْتَهَى وَإِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَشَارَ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ هُوَ إِذَا اسْتُشْهِدَ إِلَخْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

34 - أبواب الزهد

34 - أبواب الزهد هو ضد الرغبة قال الْقَامُوسِ زَهِدَ فِيهِ كَمَنَعَ وَسَمِعَ وَكَرُمَ زُهْدًا وَزَهَادَةً ضِدُّ الرَّغْبَةِ انْتَهَى وَالْمُرَادُ هُنَا تَرْكُ الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْكِتَابُ والسنة [2304] قوله (نعمتان) مبتدأ (مغبون فيهما كثيرون من الناس) صفة له خَبَرُهُ (الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) أَيْ صِحَّةُ الْبَدَنِ وَفَرَاغُ الْخَاطِرِ بِحُصُولِ الْأَمْنِ وَوُصُولِ كِفَايَةِ الْأَمْنِيَّةِ وَالْمَعْنَى لَا يَعْرِفُ قَدْرَ هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ حَيْثُ لَا يَكْسِبُونَ فِيهِمَا مِنَ الْأَعْمَالِ كِفَايَةَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي مَعَادِهِمْ فَيَنْدَمُونَ عَلَى تَضْيِيعِ أَعْمَارِهِمْ عِنْدَ زَوَالِهَا وَلَا يَنْفَعُهُمُ الندم قال تعالى ذلك يوم التغابن وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ يَتَحَسَّرُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِلَّا عَلَى سَاعَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهَا وَفِي حَاشِيَةِ السُّيُوطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَتَفَرَّغُ لِلطَّاعَةِ إِلَّا إِذَا كَانَ مَكْفِيًّا صَحِيحَ الْبَدَنِ فَقَدْ يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا وَلَا يَكُونُ صَحِيحًا وَقَدْ يَكُونُ صَحِيحًا وَلَا يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا فَلَا يَكُونُ مُتَفَرِّغًا لِلْعِلْمِ وَالْعَمَلِ لِشَغْلِهِ بِالْكَسْبِ فَمَنْ حَصَلَ لَهُ الْأَمْرَانِ وَكَسِلَ عَنِ الطَّاعَةِ فَهُوَ الْمَغْبُونُ أَيِ الْخَاسِرُ فِي التِّجَارَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْغَبْنِ فِي الْبَيْعِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ) هُوَ بُنْدَارٌ (أخبرنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ ثُمَّ قَالَ قَالَ بُنْدَارٌ بِمَا حَدَّثَ بِهِ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَلَمْ يَرْفَعْهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ

قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وبن ماجة [2305] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ الصَّوَّافُ) أَبُو مُحَمَّدٍ النُّمَيْرِيُّ بِضَمِّ النُّونِ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ أَبِي طَارِقٍ) السَّعْدِيِّ الْبَصْرِيِّ مَجْهُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَ مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ وَعَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ لَا يُعْرَفُ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ (مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ) أَيِ الْأَحْكَامَ الْآتِيَةَ لِلسَّامِعِ الْمُصَوَّرَةَ فِي ذِهْنِ الْمُتَكَلِّمِ وَمَنْ لِلِاسْتِفْهَامِ (فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ) أَوْ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى الْوَاوِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عُذْرًا أَوْ نذرا ذكره الطيبي قال القارىء وَتَبِعَهُ غَيْرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ فِي الْآيَةِ لِلتَّنْوِيعِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْضَاوِيُّ بِقَوْلِهِ عُذْرٌ لِلْمُحَقِّقِينَ أَوْ نَذْرٌ لِلْمُبْطِلِينَ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ أَوْ فِي الْحَدِيثِ بِمَعْنَى بَلْ إِشَارَةً إِلَى التَّرَقِّي مِنْ مَرْتَبَةِ الْكَمَالِ إِلَى مِنَصَّةِ التَّكْمِيلِ عَلَى أَنَّ كَوْنَهَا لِلتَّنْوِيعِ لَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ وَتَنْبِيهٌ نَبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْعَاجِزَ عَنْ حَمْلِهِ قَدْ يَكُونُ بَاعِثًا لِغَيْرِهِ عَلَى مِثْلِهِ كَقَوْلِهِ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ انْتَهَى (قُلْتُ أَنَا) أَيِ آخُذُ عَنْكَ وَهَذِهِ مُبَايَعَةٌ خَاصَّةٌ وَنَظِيرُهُ مَا عَهِدَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ بِأَنَّهُ لَا يَسْأَلُ مَخْلُوقًا وَكَانَ إِذَا وَقَعَ سَوْطُهُ مِنْ يَدِهِ وَهُوَ رَاكِبٌ نَزَلَ وَأَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ (فَأَخَذَ بِيَدِي) أَيْ لِعَدِّ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ أَوْ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ عِنْدَ التَّعْلِيمِ بِيَدِ مَنْ يُعَلِّمُهُ (فَعَدَّ خَمْسًا) أَيْ مِنَ الْخَصَائِلِ أَوْ مِنَ الْأَصَابِعِ عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ (وَقَالَ اتَّقِ الْمَحَارِمَ) أَيِ احْذَرِ الْوُقُوعَ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ (تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ) أَيْ مِنْ أَعْبَدْهُمْ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِ الْمَحَارِمِ فِعْلُ الْفَرَائِضِ (وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ) أَيْ أَعْطَاكَ (تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ) فَإِنَّ مَنْ قَنَعَ بِمَا قُسِمَ لَهُ وَلَمْ

باب ما جاء في المبادرة بالعمل

يَطْمَعْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ اسْتَغْنَى عَنْهُمْ لَيْسَ الْغِنَى بِكَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النفس قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ سَأَلَ شَخْصٌ السَّيِّدَ أَبَا الْحَسَنِ الشَّاذُلِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَنِ الْكِيمْاءِ فَقَالَ هِيَ كَلِمَتَانِ اطْرَحِ الْخَلْقَ عَنْ نَظَرِكَ وَاقْطَعْ طَمَعَكَ عَنِ اللَّهِ أَنْ يُعْطِيَكَ غَيْرَ مَا قَسَمَ لَكَ (وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ) أَيْ مُجَاوِرِكَ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ (تَكُنْ مُؤْمِنًا) أَيْ كَامِلَ الْإِيمَانِ (وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ) مِنَ الْخَيْرِ (تَكُنْ مُسْلِمًا) أَيْ كَامِلَ الْإِسْلَامِ (وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ) أَيْ تُصَيِّرُهُ مَغْمُورًا فِي الظُّلُمَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ نَفْسَهُ بِنَافِعَةٍ وَلَا يَدْفَعُ عَنْهَا مَكْرُوهًا وَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ (هَذَا حَدِيثُ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ بنحوه في كتاب الزهد عن مكحول من وَاثِلَةَ عَنْهُ وَقَدْ سَمِعَ مَكْحُولٌ مِنْ وَاثِلَةَ قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ لَكِنَّ بَقِيَّةَ إِسْنَادِهِ فِيهِ ضَعْفٌ (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُبَادَرَةِ بِالْعَمَلِ) [2306] قَوْلُهُ (عَنْ مُحْرِزِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالزَّايِ (بْنِ هَارُونَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مُحْرِزُ بن هارون كذا ضبطه عبد الغني وبن أَبِي حَاتِمٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِمُهْمَلَتَيْنِ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ مُحَرَّرُ بْنُ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَرَّرِ بْنِ الْهَدِيرِ التَّيْمِيُّ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَنِ اسْمُهُ مُحَرَّرٌ بِرَاءَيْنِ وذكره بن أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ فِي مَنِ اسْمُهُ مُحْرِزٌ بِالزَّايِ رَوَى عَنِ الْأَعْرَجِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ أَبُو مُصْعَبٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وقال بن حِبَّانَ يَرْوِي عَنِ الْأَعْرَجِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ لَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ وَلَا الِاحْتِجَاجُ

بِهِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَرَّرٌ بِرَاءَيْنِ وَزْنُ مُحَمَّدٍ عَلَى الصَّحِيحِ مَتْرُوكٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (قَالَ بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا) أَيْ سَابِقُوا وُقُوعَ الْفِتَنِ بِالِاشْتِغَالِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَاهْتَمُّوا بِهَا قَبْلَ حُلُولِهَا (هَلْ تَنْظُرُونَ إِلَّا إِلَى فَقْرٍ مُنْسٍ) وَفِي الْمِشْكَاةِ مَا يَنْتَظِرُ أَحَدُكُمْ إِلَّا غِنًى مُطْغِيًا أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا إِلَخْ قال القارىء خَرَجَ مَخْرَجَ التَّوْبِيخِ عَلَى تَقْصِيرِ الْمُكَلَّفِينَ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ أَيْ مَتَى تَعْبُدُونَ رَبَّكُمْ فَإِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَعْبُدُوهُ مَعَ قِلَّةِ الشَّوَاغِلِ وَقُوَّةِ الْبَدَنِ فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَعَ كَثْرَةِ الشَّوَاغِلِ وَضَعْفِ الْقُوَى لَعَلَّ أَحَدَكُمْ مَا يَنْتَظِرُ إِلَّا غِنًى مُطْغِيًا انْتَهَى وَقَوْلُهُ مُنْسٍ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى لِمُشَاكَلَةِ الْأَوْلَى أَيْ جَاعِلٌ صَاحِبَهُ مَدْهُوشًا يُنْسِيهِ الطَّاعَةَ مِنَ الْجُوعِ وَالْعُرْيِ وَالتَّرَدُّدِ فِي طَلَبِ الْقُوتِ (أَوْ غِنًى مُطْغٍ) أَيْ مُوقِعٍ فِي الطُّغْيَانِ (أَوْ مَرَضٍ مُفْسِدٍ) أَيْ لِلْبَدَنِ لِشِدَّتِهِ أَوْ لِلدِّينِ لِأَجْلِ الْكَسَلِ الْحَاصِلِ بِهِ (أَوْ هَرَمٍ مُفْنِدٍ) أَيْ مُوقِعٍ فِي الْكَلَامِ الْمُحَرَّفِ عَنْ سُنَنِ الصِّحَّةِ مِنَ الْخَرِفِ والهذيان وقال في القاموس الفند بالتحريك الخزف وإنكار العقل الهرم أَوْ مَرَضٍ وَالْخَطَأُ فِي الْقَوْلِ وَالرَّأْيِ وَالْكَذِبُ كَالْإِفْنَادِ وَفَنَّدَهُ تَفْنِيدًا كَذَّبَهُ وَعَجَّزَهُ وَخَطَّأَ رَأْيَهُ كَأَفْنَدَهُ وَلَا تَقُلْ عَجُوزٌ مُفَنَّدَةٌ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ذَاتَ رَأْيٍ أَبَدًا (أَوْ مَوْتٍ مُجْهِزٍ) بِجِيمٍ وَزَايٍ مِنَ الْإِجْهَازِ أَيْ قَاتِلٍ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْدِرَ عَلَى تَوْبَةٍ وَوَصِيَّةٍ فَفِي النِّهَايَةِ الْمُجْهِزُ هُوَ السَّرِيعُ يُقَالُ أَجْهَزَ عَلَى الْجَرِيحِ إِذَا أَسْرَعَ قَتْلَهُ أَوِ الدَّجَّالِ أَيْ خُرُوجِهِ فَشَرٌّ غَائِبٌ يُنْتَظَرُ بِصِيغَةٍ الْمَجْهُولِ أَوِ السَّاعَةِ أَيِ الْقِيَامَةِ (فَالسَّاعَةُ أَدْهَى) أَيْ أَشَدُّ الدَّوَاهِي وَأَقْطَعُهَا وَأَصْعَبُهَا (وَأَمَرُّ) أَيْ أَكْثَرُ مَرَارَةً مِنْ جَمِيعِ مَا يُكَابِدُهُ الْإِنْسَانُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّدَائِدِ لِمَنْ غَفَلَ عَنْ أَمْرِهَا وَلَمْ يَعُدَّ لَهَا قَبْلَ حُلُولِهَا وَالْقَصْدُ الْحَثُّ عَلَى الْبِدَارِ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ قَبْلَ حُلُولِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأُخِذَ مِنْهُ نَدْبُ تَعْجِيلِ الْحَجِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَأَقَرُّوهُ انْتَهَى قُلْتُ فِي سَنَدِ التِّرْمِذِيِّ مُحْرِزُ بْنُ هَارُونَ وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ

باب ما جاء في ذكر الموت

2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ذِكْرِ الْمَوْتِ) [2307] قَوْلُهُ (أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ قَاطِعَهَا قَالَ مَيْرَكُ صَحَّحَ الطِّيبِيُّ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ حَيْثُ قَالَ شَبَّهَ اللَّذَّاتِ الْفَانِيَةَ وَالشَّهَوَاتِ الْعَاجِلَةَ ثُمَّ زَوَالَهَا بِبِنَاءٍ مُرْتَفِعٍ يَنْهَدِمُ بِصَدَمَاتٍ هَائِلَةٍ ثُمَّ أَمَرَ الْمُنْهَمِكَ فِيهَا بِذِكْرِ الْهَادِمِ لِئَلَّا يستمر على الركون إليها ويشتغل عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ الْفِرَارِ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ انْتَهَى كَلَامُهُ لَكِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فِي الْمُهِمَّاتِ الْهَاذِمُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الْقَاطِعُ كَمَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَقَدْ صَرَّحَ السُّهَيْلِيُّ فِي الرَّوْضِ الْأُنُفِ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَتْلِ وَحْشِيٍّ لِحَمْزَةَ وَقَالَ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ هَادِمٌ يُرْوَى بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ دَافِعُهَا أَوْ مُخَرِّبُهَا وَبِالْمُعْجَمَةِ أَيْ قَاطِعُهَا وَاخْتَارَهُ بَعْضٌ مِنْ مَشَايخِنَا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُصَحِّحِ الْخَطَّابِيُّ غَيْرَهُ وَجَعَلَ الْأَوَّلَ مِنْ غَلَطِ الرُّوَاةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (يَعْنِي الْمَوْتَ) تَفْسِيرٌ مِنَ الرَّاوِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ حسن وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَزَادَ فَإِنَّهُ مَا ذَكَرَهُ أَحَدٌ فِي ضِيقٍ إِلَّا وَسَّعَهُ وَلَا ذَكَرَهُ فِي سَعَةٍ إِلَّا ضَيَّقَهَا عَلَيْهِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي أَبْوَابِ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وفي الباب أيضا عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ فَإِنَّهُ مَا كَانَ فِي كَثِيرٍ إِلَّا قَلَّلَهُ وَلَا قَلِيلٍ إِلَّا جَزَلَهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ رواه البزار بإسناد حسن والبيهقي

3 - باب [2308] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينِ) بْنِ عَوْنٍ الْغَطَفَانِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو زَكَرِيَّا الْبَغْدَادِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مَشْهُورٌ إِمَامُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ) الصَّنْعَانِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاضِي ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بن بجير) بفتح الموحدة وكسر الحاء المهملة بن رَيْسَانَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أبو وائل القاص الصنعاني وثقه بن معين واضطرب فيه كلام بن حِبَّانَ (أَنَّهُ سَمِعَ هَانِئًا مَوْلَى عُثْمَانَ) كُنْيَتُهُ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْبَرِيُّ الدِّمَشْقِيُّ رَوَى عَنْ مَوْلَاهُ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ أَبُو وَائِلٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَحِيرٍ وَغَيْرُهُ قَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَوْلُهُ (بَكَى حَتَّى يَبُلَّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ بُكَاؤُهُ يَعْنِي دُمُوعَهُ (لِحْيَتَهُ) أَيْ يَجْعَلَهَا مَبْلُولَةً مِنَ الدُّمُوعِ (فَلَا تَبْكِي) أَيْ مِنْ خَوْفِ النَّارِ وَاشْتِيَاقِ الْجَنَّةِ (وَتَبْكِي مِنْ هَذَا) أَيْ مِنَ الْقَبْرِ يَعْنِي مِنْ أَجْلِ خَوْفِهِ قِيلَ إِنَّمَا كَانَ يَبْكِي عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ أَمَّا الِاحْتِمَالُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ التَّبْشِيرِ بِالْجَنَّةِ عَدَمُ عَذَابِ الْقَبْرِ بَلْ وَلَا عَدَمُ عَذَابِ النَّارِ مُطْلَقًا مَعَ احْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ التَّبْشِيرُ مُقَيَّدًا بِقَيْدٍ مَعْلُومٍ أَوْ مُبْهَمٍ وَيُمْكِنُ أَنْ يَنْسَى الْبِشَارَةَ حِينَئِذٍ لِشِدَّةِ الْفَظَاعَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَوْفًا مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ كَمَا يَدُلُّ حَدِيثُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَخْلُصْ مِنْهُ كل سعيد إلا الأنبياء ذكره القارىء (إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ) وَمِنْهَا عُرْضَةُ الْقِيَامَةِ عِنْدَ الْعَرْضِ وَمِنْهَا الْوُقُوفُ عِنْدَ الْمِيزَانِ وَمِنْهَا الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ وَمِنْهَا الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَآخِرُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الدُّنْيَا وَلِذَا يُسَمَّى الْبَرْزَخُ (فَإِنْ نَجَا) أَيْ خُلِّصَ الْمَقْبُورُ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ (فَمَا بَعْدَهُ) أَيْ مِنَ الْمَنَازِلِ (أَيْسَرُ مِنْهُ) أَيْ أَسْهَلُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ لَكُفِّرَ بِعَذَابِ الْقَبْرِ (وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ) أَيْ لَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَلَمْ يُكَفِّرْ ذُنُوبَهُ بِهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا يَسْتَحِقُّ الْعَذَابَ بِهِ (فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ) لِأَنَّ النَّارَ أَشَدُّ الْعَذَابِ وَالْقَبْرُ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النِّيرَانِ (قَالَ) أَيْ عثمان

باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه

(مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالظَّاءِ أَيْ مَوْضِعًا يُنْظَرُ إِلَيْهِ وَعَبَّرَ عَنِ الْمَوْضِعِ بِالْمَنْظَرِ مُبَالَغَةً لِأَنَّهُ إِذَا نُفِيَ الشَّيْءُ مَعَ لَازِمِهِ يَنْتَفِي بِالطَّرِيقِ الْبُرْهَانِيِّ (قَطُّ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمَضْمُومَةِ أَيْ أَبَدًا وَهُوَ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا في الماضي (إلا القبر أَفْظَعُ مِنْهُ) مِنْ فَظُعَ الْأَمْرُ كَكَرُمَ اشْتَدَّتْ شَنَاعَتُهُ وَجَاوَزَ الْمِقْدَارَ فِي ذَلِكَ يَعْنِي أَشَدُّ وَأَفْظَعُ وَأَنْكَرُ مِنْ ذَلِكَ الْمَنْظَرِ قِيلَ الْمُسْتَثْنَى جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مِنْ مَنْظَرٍ وَهُوَ مَوْصُوفٌ حُذِفَتْ صِفَتُهُ أَيْ مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا فَظِيعًا عَلَى حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِ الْفَظَاعَةِ إِلَّا فِي حَالَةِ كَوْنِ الْقَبْرِ أَقْبَحَ مِنْهُ فَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَزَادَ رَزِينٌ فِيهِ مِمَّا لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ هَانِئٌ وَسَمِعْتُ عُثْمَانَ يَنْشُدُ عَلَى قَبْرٍ فَإِنْ تَنْجُ مِنْ ذِي عظيمة وإلا فإني لا أخا لك ناجيا انتهى والحديث أخرجه أيضا بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَاعْتُرِضَ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ (بَاب مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ) [2309] قَوْلُهُ (يُحَدِّثُ عَنْ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَائِزِ

باب ما جاء في إنذار النبي صلى الله عليه وسلم

5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِنْذَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَوْمَهُ [2310] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو الْأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ) الْعِجْلِيُّ بَصْرِيٌّ صَدُوقٌ صَاحِبُ حَدِيثٍ طَعَنَ أَبُو دَاوُدَ فِي مُرُوَّتِهِ مِنَ الْعَاشِرَةِ رَوَى عَنْهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ وَكَانَ يَعْلَمُ الْمُجَّانَ الْمُجُونَ فَأَنَا لَا أُحَدِّثُ عَنْهُ قَالَ بن عَدِيٍّ وَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ كَانَ بِالْبَصْرَةِ مُجَّانٌ يُلْقُونَ صُرَّةَ الدَّرَاهِمِ وَيَرْقُبُونَهَا فَإِذَا جَاءَ مَنْ لَحَظَهَا فَرَفَعَهَا صَاحُوا بِهِ وَخَجِلُوهُ فَعَلَّمَهُمْ أَبُو الْأَشْعَثِ أَنْ يَتَّخِذُوا صُرَّةً فِيهَا زُجَاجٌ فَإِذَا أَخَذُوا صُرَّةَ الدَّرَاهِمِ فَصَاحَ صَاحِبُهَا وَضَعُوا بَدَلَهَا فِي الْحَالِ صُرَّةَ الزُّجَاجِ انْتَهَى قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَجَنَ مُجُونًا صَلُبَ وَغَلُظَ وَمِنْهُ الْمَاجِنُ لِمَنْ لَا يُبَالِي قَوْلًا وَفِعْلًا كَأَنَّهُ صُلْبُ الْوَجْهِ وَقَدْ مَجَنَ مُجُونًا وَمَجَانَةً وَمُجْنًا بِالضَّمِّ انْتَهَى وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ مَجَنَ مُجُونٌ بيباكي مَجَنَ يَمْجُنُ مَجَانَةً كَذَلِكَ فَهُوَ مَاجِنٌ وَهُمْ مُجَّانٌ بِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ انْتَهَى (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ) أَبُو الْمُنْذِرِ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (يَا صَفِيَّةُ) بِالرَّفْعِ (بِنْتَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) وَبِالنَّصْبِ وَكَذَا قَوْلُهُ يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ وَصَفِيَّةُ هَذِهِ هِيَ عَمَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ) أَيْ مِنْ عَذَابِهِ (شَيْئًا) أَيْ مِنَ الْمِلْكِ وَالْقُدْرَةِ وَالدَّفْعِ وَالْمَنْفَعَةِ وَالْمَعْنَى أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أَدْفَعَ عَنْكُمْ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَكُمْ وَهُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نفعا بَلْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ الله (سَلُونِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمْ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَرَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْمَالِ الْمَعْرُوفِ فِي شَيْءٍ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِهِ عَمَّا يَمْلِكُهُ مِنَ الْأَمْرِ وَيَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَنَا أَنَّهُ كَانَ ذَا مَالٍ لَا سِيَّمَا بِمَكَّةَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْكَلِمَتَيْنِ أَعْنِي مِنْ وَمَا وَقَعَ الْفَصْلُ فِيهِمَا مِنْ بَعْضِ مَنْ لَمْ يُحَقِّقْهُ من الرواة فكتبهما منفصلتين انتهى قال القارىء وَفِيهِ أَنَّهُ يَرُدُّهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَوَجَدَكَ عَائِلًا فأغنى أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَلَى ما قاله

الْمُفَسِّرُونَ وَأَيْضًا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ الْمَالِ الْحَاضِرِ لِلْجَوَادِ أَنْ لَا يَدْخُلَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَيُحْمَلُ الْوَعْدُ الْمَذْكُورُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ لِتَصْحِيحِ الدِّرَايَةِ تَعَيَّنَ عَدَمُ التَّخْطِئَةِ فِي الرِّوَايَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ وَاسْتَدَلَّ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بِقَوْلِهِ يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنَ اللَّهِ أَنَّ النِّيَابَةَ لَا تَدْخُلُ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ إِذْ لَوْ جَازَ ذَلِكَ لَكَانَ يَتَحَمَّلُ عَنْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُخَلِّصُهَا فَإِذَا كَانَ عَمَلُهُ لَا يَقَعُ نِيَابَةً عَنِ ابْنَتِهِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى بِالْمَنْعِ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ يَشْفَعُ فِيمَنْ أَرَادَ وَتُقْبَلُ شَفَاعَتُهُ حَتَّى يُدْخِلَ قَوْمًا الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَيَرْفَعَ دَرَجَاتِ قَوْمٍ آخَرِينَ وَيُخْرِجَ مِنَ النَّارِ مَنْ دَخَلَهَا بِذُنُوبِهِ أَوْ كَانَ الْمَقَامُ مَقَامَ التَّخْوِيفِ وَالتَّحْذِيرِ أَوْ أَنَّهُ أَرَادَ الْمُبَالَغَةَ فِي الْحَضِّ عَلَى الْعَمَلِ وَيَكُونُ فِي قَوْلِهِ لَا أُغْنِي شَيْئًا إِضْمَارٌ إِلَّا إِنْ أَذِنَ اللَّهُ لِي بِالشَّفَاعَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي التفسير وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ إِنْ كَانَتْ وَاقِعَةً فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ بمكة فلم يدركها بن عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا أَبُو هُرَيْرَةَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ وَفِي نِدَاءِ فَاطِمَةَ يَوْمَئِذٍ أَيْضًا مَا يَقْتَضِي تَأَخُّرَ الْقِصَّةِ لِأَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ صَغِيرَةً أَوْ مُرَاهِقَةً وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ مرة في صدر الإسلام ورواية بن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ لَهَا مِنْ مُرْسَلِ الصَّحَابَةِ ويؤيد ذلك ما وقع في حديث بن عَبَّاسٍ مِنْ أَنَّ أَبَا لَهَبٍ كَانَ حَاضِرًا لِذَلِكَ وَهُوَ مَاتَ فِي أَيَّامِ بَدْرٍ وَمَرَّةً بَعْدَ ذَلِكَ حَيْثُ يُمْكِنُ أَنْ تُدْعَى فِيهَا فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ أَوْ يَحْضُرَ ذَلِكَ أَبُو هريرة أو بن عَبَّاسٍ كَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي بَابِ مَنِ انْتَسَبَ إِلَى آبَائِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَالْجَاهِلِيَّةِ وَقَالَ في باب قوله (وأنذر عشيرتك الأقربين) من كتاب التفسير تحت حديث بن عَبَّاسٍ مَا لَفْظُهُ وَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ وَأَنْذِرْ عشيرتك الأقربين جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي هَاشِمٍ وَنِسَاءَهُ وَأَهْلَهُ فَقَالَ يَا بَنِي هَاشِمٍ اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ وَاسْعَوْا فِي فِكَاكِ رِقَابِكُمْ يَا عَائِشَةُ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ يَا حَفْصَةُ بِنْتَ عُمَرَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا فَهَذَا إِنْ ثَبَتَ دَلَّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ لِأَنَّ الْقِصَّةَ الْأُولَى وَقَعَتْ بِمَكَّةَ بِتَصْرِيحِهِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ يَعْنِي حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ صَعِدَ الصَّفَا وَلَمْ تَكُنْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ عِنْدَهُ وَمِنْ أَزْوَاجِهِ إِلَّا بالمدينة فيجوز أن تكون متأخرة لَمَّا نَزَلَتْ جَمَعَ أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْجَمْعَ وَقَعَ عَلَى الْفَوْرِ وَلَعَلَّهُ كَانَ نَزَلَ أولا وأنذر عشيرتك الأقربين فَجَمَعَ قُرَيْشًا فَعَمَّ ثُمَّ خَصَّ ثُمَّ نَزَلَ ثانيا

باب ما جاء في فضل البكاء من خشية الله تعالى

وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ فَخَصَّ بِذَلِكَ بَنِي هَاشِمٍ وَنِسَاءَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ وَصَحَّحَهُ (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْبُكَاءِ مِنْ خَشْيَةِ الله تعالى) [2311] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ الْمَسْعُودِيُّ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَضَابِطُهُ أَنَّ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بِبَغْدَادَ فَبَعْدَ الِاخْتِلَاطِ مِنَ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ إِنِّي لَأَعْرِفُ الْيَوْمَ الَّذِي اخْتَلَطَ فِيهِ الْمَسْعُودِيُّ كُنَّا عِنْدَهُ وهو يعزى في بن لَهُ إِذْ جَاءَهُ إِنْسَانٌ فَقَالَ غُلَامُكَ أَخَذَ من مالك عشرة آلاف وهرب ففزغ وَقَامَ فَدَخَلَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا وَقَدِ اخْتَلَطَ انْتَهَى (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عُبَيْدٍ الْقُرَشِيِّ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (لَا يَلِجُ) مِنَ الْوُلُوجِ أَيْ لَا يَدْخُلُ (رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ) فَإِنَّ الْغَالِبَ مِنَ الْخَشْيَةِ امْتِثَالُ الطَّاعَةِ وَاجْتِنَابُ الْمَعْصِيَةِ (حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ فِي الضَّرْعِ) هَذَا مِنْ بَابِ التَّعْلِيقِ بِالْمُحَالِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الخياط (وَلَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فِي الْجِهَادِ (وَدُخَانُ جَهَنَّمَ) فَكَأَنَّهُمَا ضِدَّانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ فَضْلِ الْغُبَارِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَبْوَابِ فَضَائِلِ الْجِهَادِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ريحانة وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي رَيْحَانَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ مَرْفُوعًا حُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ دَمَعَتْ أَوْ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَحُرِّمَتِ النَّارُ عَلَى عَيْنٍ سَهِرَتْ فِي

سَبِيلِ اللَّهِ وَذَكَرَ عَيْنًا ثَالِثَةً وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ فَضْلِ الْحَرْسِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَبْوَابِ فَضَائِلِ الْجِهَادِ بَاب فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لو تعلمون الخ [2312] قَوْلُهُ (عَنْ مُوَرِّقٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ المكسورة بن مُشَمْرِجٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا جِيمٌ بن عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مُشَمْرَجٌ بِفَتْحِ الراء كمدحرج قوله (إني أرى مالا ترون) أي أبصر مالا تبصرون بقرينة قوله وأسمع مالا تَسْمَعُونَ (أَطَّتِ السَّمَاءُ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ مِنَ الْأَطِيطِ وَهُوَ صَوْتُ الْأَقْتَابِ وَأَطِيطُ الْإِبِلِ أَصْوَاتُهَا وَحَنِينُهَا عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ أَيْ صَوَّتَتْ (وَحُقَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ وَيَسْتَحِقُّ وَيَنْبَغِي (لَهَا أَنْ تَئِطَّ) أَيْ تُصَوِّتَ (مَا فِيهَا) أَيْ لَيْسَ فِي السَّمَاءِ جِنْسُهَا (مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ الظَّرْفِ الْمُعْتَمِدِ عَلَى حَرْفِ (إِلَّا وَمَلَكٌ) أَيْ فِيهِ مَلَكٌ (وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ لله ساجدا) قال القارىء أَيْ مُنْقَادًا لِيَشْمَلَ مَا قِيلَ إِنَّ بَعْضَهُمْ قِيَامٌ وَبَعْضَهُمْ رُكُوعٌ وَبَعْضَهُمْ سُجُودٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مقام معلوم أَوْ خَصَّهُ بِاعْتِبَارِ الْغَالِبِ مِنْهُمْ أَوْ هَذَا مُخْتَصٌّ بِإِحْدَى السَّمَاوَاتِ قَالَ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ أربعة بغير هاء في جامع الترمذي وبن مَاجَهْ وَمَعَ الْهَاءِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَبَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْإِصْبَعَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْ أَنَّ كَثْرَةَ مَا فِيهَا مِنَ الْمَلَائِكَةِ قَدْ أَثْقَلَهَا حَتَّى أَطَّتْ وَهَذَا مَثَلٌ وَإِيذَانٌ بِكَثْرَةِ الْمَلَائِكَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ أَطِيطٌ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامُ تَقْرِيبٍ أُرِيدَ بِهِ تَقْرِيرُ عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى انتهى قال القارىء مَا الْمُحْوِجُ عَنْ عُدُولِ كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحَقِيقَةِ إِلَى الْمَجَازِ مَعَ إِمْكَانِهِ عَقْلًا وَنَقْلًا حَيْثُ صَرَّحَ بِقَوْلِهِ وَأَسْمَعُ مالا تَسْمَعُونَ مَعَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَطِيطُ السَّمَاءِ صَوْتُهَا بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّقْدِيسِ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ

وإن من شيء إلا يسبح بحمده (عَلَى الْفُرُشِ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ فِرَاشٍ (لَخَرَجْتُمْ) أَيْ مِنْ مَنَازِلِكُمْ (إِلَى الصُّعُدَاتِ) بِضَمَّتَيْنِ أَيِ الطُّرُقِ وَهِيَ جَمْعُ صُعُدٍ وَصُعُدٌ جَمْعُ صَعِيدٍ كَطَرِيقٍ وَطُرُقٍ وَطُرُقَاتٍ وَقِيلَ هِيَ جَمْعُ صُعْدَةٍ كَظُلْمَةٍ وَهِيَ فِنَاءُ بَابِ الدَّارِ وَمَمَرُّ النَّاسِ بَيْنَ يَدَيْهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالصُّعُدَاتِ هُنَا الْبَرَارِيُّ وَالصَّحَارِي (تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ) أَيْ تَتَضَرَّعُونَ إِلَيْهِ بِالدُّعَاءِ لِيَدْفَعَ عَنْكُمُ الْبَلَاءَ (لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ شَجَرَةً تُعْضَدُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تُقْطَعُ وَتُسْتَأْصَلُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا سَتَعْرِفُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وبن عباس وأنس) أما حديث عائشة وحديث بن عَبَّاسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمَائِدَةِ وَفِي الرِّقَاقِ وَفِي الِاعْتِصَامِ وَمُسْلِمٌ فِي فَضَائِلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتِّرْمِذِيُّ في التفسير والنسائي في الرقائق وبن مَاجَهْ فِي الزُّهْدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَيُرْوَى مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ لَوَدِدْتُ إِلَخْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَفِيهِ تَجْأَرُونَ إِلَى اللَّهِ قَالَ فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ وَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي شَجَرَةٌ تُعْضَدُ [2313] قَوْلُهُ (لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ) أَيْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ لِلْعُصَاةِ وَشِدَّةِ الْمُنَاقَشَةِ يَوْمَ الْحِسَابِ لَضَحِكْتُمْ جَوَابُ لَوْ (وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) أَيْ بُكَاءً كَثِيرًا أَوْ زَمَانًا كَثِيرًا أَيْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَرْجِيحًا لِلْخَوْفِ عَلَى الرَّجَاءِ وَخَوْفًا مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ قَالَ الْحَافِظُ وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِعَظَمَةِ اللَّهِ وَانْتِقَامِهِ مِمَّنْ يَعْصِيهِ وَالْأَهْوَالُ الَّتِي تَقَعُ عِنْدَ النِّزَاعِ وَالْمَوْتِ وَفِي الْقَبْرِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمُنَاسَبَةُ كَثْرَةِ الْبُكَاءِ وَقِلَّةِ الضَّحِكِ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَاضِحَةٌ وَالْمُرَادُ بِهِ التَّخْوِيفُ وَقَدْ جَاءَ لِهَذَا الْحَدِيثِ سبب

باب فيمن تكلم بكلمة ليضحك بها الناس

أَخْرَجَهُ سُنَيْدٌ فِي تَفْسِيرِهِ بِسَنَدٍ وَاهٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عن بن عُمَرَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا بِقَوْمٍ يَتَحَدَّثُونَ وَيَضْحَكُونَ فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَعَنْ حَسَنٍ الْبَصْرِيِّ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَوْتَ مَوْرِدُهُ وَالْقِيَامَةَ مَوْعِدُهُ وَالْوُقُوفَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ مَشْهَدُهُ فَحَقُّهُ أَنْ يَطُولَ فِي الدُّنْيَا حُزْنُهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ (باب فيمن تكلم بكلمة ليضحك بِهَا النَّاسَ) [2314] قَوْلُهُ (إِنَّ الرَّجُلَ) يَعْنِي الْإِنْسَانَ (بِالْكَلِمَةِ) أَيِ الْوَاحِدَةِ (لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا) أَيْ سُوءًا يَعْنِي لَا يَظُنُّ أَنَّهَا ذَنْبٌ يُؤَاخَذُ بِهِ (يَهْوِي بِهَا) أَيْ يَسْقُطُ بِسَبَبِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ يُقَالُ هَوَى يَهْوِي كَرَمَى يَرْمِي هَوِيًّا بِالْفَتْحِ سَقَطَ إِلَى أَسْفَلَ كَذَا فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ (سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ) لِمَا فِيهَا مِنَ الْأَوْزَارِ الَّتِي غَفَلَ عَنْهَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَكُونُ دَائِمًا فِي صُعُودٍ وَهَوِيٍّ فَالسَّبْعِينَ لِلتَّكْثِيرِ لَا لِلتَّحْدِيدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ [2315] قَوْلُهُ (وَيْلٌ) أَيْ هَلَاكٌ عَظِيمٌ أَوْ وَادٍ عَمِيقٌ (لِيُضْحِكَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْحَاءِ مِنَ الْإِضْحَاكِ (بِهِ) أَيْ بِسَبَبِ تَحْدِيثِهِ أَوِ الْكَذِبِ (الْقَوْمَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْيَاءِ وَالْحَاءِ وَرَفْعُ الْقَوْمِ ثُمَّ الْمَفْهُومُ مِنْهُ أَنَّهُ إِذَا حَدَّثَ بِحَدِيثِ صِدْقٍ لِيُضْحِكَ الْقَوْمَ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا صَدَرَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ غَضِبَ عَلَى بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَحِينَئِذٍ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ مِزَاحِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَكُونُ إِلَّا حَقًّا وَلَا يُؤْذِي قلبا

وَلَا يُفْرِطُ فِيهِ فَإِنْ كُنْتَ أَيُّهَا السَّامِعُ تَقْتَصِرُ عَلَيْهِ أَحْيَانًا وَعَلَى النُّدُورِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْكَ وَلَكِنْ مِنَ الْغَلَطِ الْعَظِيمِ أَنْ يَتَّخِذَ الْإِنْسَانُ الْمِزَاحَ حِرْفَةً وَيُوَاظِبَ عَلَيْهِ وَيُفْرِطَ فِيهِ ثُمَّ يَتَمَسَّكُ بِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ كَمَنْ يَدُورُ مَعَ الزُّنُوجِ أَبَدًا لِيَنْظُرَ إِلَى رَقْصِهِمْ وَيَتَمَسَّكُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِي النَّظَرِ إِلَيْهِمْ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (وَيْلٌ لَهُ وَيْلٌ لَهُ) كَرَّرَهُ إِيذَانًا بِشِدَّةِ هَلَكَتِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَذِبَ وَحْدَهُ رَأْسُ كُلِّ مَذْمُومٍ وَجِمَاعُ كُلِّ شَرٍّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ النَّجَّارُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلِأَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ آخَرُ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي بَابِ حِفْظِ اللِّسَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ والحاكم والدارمي باب [2316] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْبَغْدَادِيُّ) الخياط أبو أيوب صدوق بن الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غياث) بكسر المعجمة وآخره مثلثة من طَلْقٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (تُوُفِّيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ) أَيْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْمِشْكَاةِ مِنَ الصَّحَابَةِ (فَقَالَ يَعْنِي رَجُلًا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ رَجُلٌ أَيْ قَالَ رَجُلٌ لِلرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى (أَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ) مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ أَيِ افْرَحْ بِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ التي كنتم توعدون وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ عَلِمَ أَوْ ضَرَبَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَبْشَرَ فَرِحَ وَمِنْهُ أبشر بخير وبشرت به كعلم وضرب سردت (أَوَ لَا تَدْرِي) بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى أَنَّهَا عَاطِفَةٌ عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ تُبَشِّرُ وَلَا تَدْرِي أَوْ تَقُولُ أَوَ عَلَى أَنَّهَا لِلْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّكَ لَا تَدْرِي (فَلَعَلَّهُ تَكَلَّمَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ) أَيْ مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ في ضرورة دينه

ودنياه (أو بخل بمالا يَنْقُصُهُ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْفُوعُ لِمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحَيْنِ إِلَّا سُلَيْمَانَ بْنَ عَبْدِ الْجَبَّارِ البغدادي شيخ الترمذي وقد ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَذَا فِي التَّصْحِيحِ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ ونقل كلام الترمذي هذا ما لفظه رواته ثقات وروى بن أَبِي الدُّنْيَا وَأَبُو يَعْلَى عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا قَالَ اسْتُشْهِدَ رَجُلٌ مِنَّا يَوْمَ أُحُدٍ فَوُجِدَ عَلَى بَطْنِهِ صَخْرَةٌ مَرْبُوطَةٌ مِنَ الْجُوعِ فَمَسَحَتْ أُمُّهُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَتْ هَنِيئًا لَكَ يَا بُنَيَّ الْجَنَّةُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُدْرِيكِ لَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَيَمْنَعُ مَا لَا يَضُرُّهُ وَرَوَى أَبُو يَعْلَى أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قُتِلَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهِيدًا فَبَكَتْ عليه باكية فقالت واشهيداه قال فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يُدْرِيكِ أَنَّهُ شَهِيدٌ لَعَلَّهُ كَانَ يَتَكَلَّمُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ أَوْ يَبْخَلُ فِيمَا لَا يَنْقُصُهُ انْتَهَى قُلْتُ رِجَالُ حَدِيثِ الْبَابِ ثِقَاتٌ كَمَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَكِنِ الْأَعْمَشُ لَيْسَ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ أَنَسٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ الْأَعْمَشِ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ وَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ مِنْهُ سَمَاعٌ انْتَهَى [2317] قَوْلُهُ (أَحْمَدُ بن نصر النيسابوري) الزاهد المقرئ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ثِقَةٌ فقيه حافظ من الحادية عشرة (أَخْبَرَنَا أَبُو مُسْهِرٍ) اسْمُهُ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ الْغَسَّانِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَمَاعَةَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَى آلِ عُمَرَ الرَّمْلِيِّ وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ ثِقَةٌ قَدِيمُ الْمَوْتِ مِنَ الثَّامِنَةِ (عن قرة) هو بن عبد الرحمن بن حيوئيل وزن جبرائيل الْمَعَافِرِيُّ الْبَصْرِيُّ يُقَالُ اسْمُهُ يَحْيَى صَدُوقٌ لَهُ مَنَاكِيرُ مِنَ السَّابِعَةِ

[2318] قَوْلُهُ (مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ مَحَاسِنِ إِسْلَامِ الْإِنْسَانِ وَكَمَالِ إِيمَانِهِ (تَرْكُهُ ما لا يعنيه) قال بن رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ فِي كِتَابِ جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِهِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ وَاقْتِصَارُهُ عَلَى مَا يَعْنِيهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَمَعْنَى يَعْنِيهِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ عِنَايَتُهُ بِهِ وَيَكُونُ مِنْ مَقْصِدِهِ وَمَطْلُوبِهِ وَالْعِنَايَةُ شِدَّةُ الِاهْتِمَامِ بِالشَّيْءِ يُقَالُ عَنَاهُ يَعْنِيهِ إِذَا اهْتَمَّ بِهِ وَطَلَبَهُ وَإِذَا حسن الإسلام اقتضى ترك ما لا يعني كُلَّهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ وَالْمُشْتَبِهَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَفُضُولِ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ لَا يَعْنِيهِ الْمُسْلِمُ إِذَا كَمُلَ إِسْلَامُهُ انْتَهَى مختصرا قال القارىء فِي مَعْنَى تَرْكِهِ مَا لَا يَعْنِيهِ أَيْ مَا لَا يُهِمُّهُ وَلَا يَلِيقُ بِهِ قَوْلًا وَفِعْلًا وَنَظَرًا وَفِكْرًا وَقَالَ وَحَقِيقَةُ مَا لَا يعنيه مالا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي ضَرُورَةِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ وَلَا يَنْفَعُهُ فِي مَرْضَاةِ مَوْلَاهُ بِأَنْ يَكُونَ عَيْشُهُ بِدُونِهِ مُمْكِنًا وَهُوَ فِي اسْتِقَامَةِ حَالِهِ بِغَيْرِهِ مُتَمَكِّنًا وَذَلِكَ يَشْمَلُ الْأَفْعَالَ الزَّائِدَةَ وَالْأَقْوَالَ الْفَاضِلَةَ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَحَدُّ مَا يَعْنِيكَ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِكُلِّ مَا لَوْ سَكَتَّ عَنْهُ لَمْ تَأْثَمْ وَلَمْ تَتَضَرَّرْ فِي حَالٍ وَلَا مَالٍ وَمِثَالُهُ أَنْ تَجْلِسَ مَعَ قَوْمٍ فَتَحْكِي مَعَهُمْ أَسْفَارَكَ وَمَا رَأَيْتَ فِيهَا مِنْ جِبَالٍ وَأَنْهَارٍ وَمَا وَقَعَ لَكَ مِنَ الْوَقَائِعِ وَمَا اسْتَحْسَنْتُهُ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَالثِّيَابِ وَمَا تَعَجَّبْتَ مِنْهُ مِنْ مَشَايِخِ الْبِلَادِ وَوَقَائِعِهِمْ فَهَذِهِ أُمُورٌ لَوْ سَكَتَ عَنْهَا لَمْ تَأْثَمْ وَلَمْ تَتَضَرَّرْ وَإِذَا بَالَغْتَ فِي الِاجْتِهَادِ حَتَّى لَمْ يَمْتَزِجْ بِحِكَايَتِكَ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ وَلَا تَزْكِيَةُ نَفْسٍ مِنْ حَيْثُ التَّفَاخُرِ بِمُشَاهَدَةِ الْأَحْوَالِ الْعَظِيمَةِ وَلَا اغْتِيَابٍ لِشَخْصٍ وَلَا مَذَمَّةٍ لِشَيْءٍ مِمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْتَ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ مُضَيِّعٌ زَمَانَكَ وَمُحَاسَبٌ عَلَى عَمَلِ لِسَانِكَ إِذْ تَسْتَبْدِلُ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ لِأَنَّكَ لَوْ صَرَفْتَ زَمَانَ الْكَلَامِ فِي الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ رُبَّمَا يَنْفَتِحُ لَكَ مِنْ نَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا يَعْظُمُ جَدْوَاهُ وَلَوْ سَبَّحْتَ اللَّهَ بَنَى لَكَ بِهَا قصر فِي الْجَنَّةِ وَهَذَا عَلَى فَرْضِ السَّلَامَةِ مِنَ الْوُقُوعِ فِي كَلَامِ الْمَعْصِيَةِ وَأَنْ لَا تَسْلَمَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حديث غريب) وأخرجه بن ماجة والبيهقي في شعب الإيمان وقال بن رجب هذا الحديث أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ وَقَدْ حَسَّنَهُ الشَّيْخُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْإِمَامَ النَّوَوِيَّ لِأَنَّ رِجَالَ إِسْنَادِهِ ثِقَاتٌ وَقُرَّةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جِبْرِيلَ وَثَّقَهُ قوم وضعفه آخرون وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ رِوَايَةِ

باب في قلة الكلام

الثِّقَاتِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِتَحْسِينِ الشَّيْخِ لَهُ وَأَمَّا أَكْثَرُ الْأَئِمَّةِ فَقَالُوا لَيْسَ هُوَ بِمَحْفُوظٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِنَّمَا هُوَ مَحْفُوظٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا كَذَلِكَ رَوَاهُ الثِّقَاتُ عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنْهُمْ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَيُونُسُ وَمَعْمَرُ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ مِنْ إِيمَانِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ مُرْسَلًا الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ معين والبخاري فالدارقطني وَقَدْ خُلِطَ الضَّعْفُ فِي إِسْنَادِهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ تَخْلِيطًا فَاحِشًا وَالصَّحِيحُ فِيهِ الْمُرْسَلُ وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَصَلَهُ وَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْعُمَرِيُّ لَيْسَ بِالْحَافِظِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحُسَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا وَقَالَ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ مُرْسَلًا وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ) بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ زَيْنِ الْعَابِدِينَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ فَقِيهٌ فاضل مشهور قال بن عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ مَا رَأَيْتُ قُرَشِيًّا أَفْضَلَ مِنْهُ مِنَ الثَّالِثَةِ 0 - (بَاب فِي قِلَّةِ الْكَلَامِ) [2319] قوله (حدثنا عبدة) هو بن سُلَيْمَانَ (حَدَّثَنِي أَبِي) هُوَ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ الْمَدَنِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ جَدِّي) هُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ وَقَّاصٍ بِتَشْدِيدِ الْقَافِ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّانِيَةِ أَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً وَقِيلَ إِنَّهُ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلَكِ قَوْلُهُ (لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ مِمَّا يُرْضِيهِ وَيُحِبُّهُ (مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ) أَيْ لَا يَعْلَمُ أَنْ تَبْلُغَ تِلْكَ الْكَلِمَةُ (مَا بَلَغَتْ) مِنْ رِضَا اللَّهِ بِهَا عَنْهُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ وَفِي الْمِشْكَاةِ أَنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يَعْلَمُ مبلغها قال القارىء أَيْ قَدْرَ تِلْكَ الْكَلِمَةِ وَمَرْتَبَتَهَا

(فَيَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ) أَيْ لِأَحَدِكُمُ الْمُتَكَلِّمِ بِالْكَلِمَةِ الْمَذْكُورَةِ (بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ (رِضْوَانَهُ) أَيْ رِضَاهُ (إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (فَيَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سخطه) أي غضبه قال بن عُيَيْنَةَ هِيَ الْكَلِمَةُ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَالْأُولَى لِيَرُدَّهُ بِهَا عَنْ ظُلْمٍ وَالثَّانِيَةُ لِيَجُرَّهُ بِهَا إِلَى ظلم وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ خِلَافًا فِي تَفْسِيرِهَا بِذَلِكَ نَقَلَهُ السُّيُوطِيُّ قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ (وَمَا فَائِدَةُ التَّوْقِيتِ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ) قُلْتُ مَعْنَى كَتْبِهِ رِضْوَانَ اللَّهِ تَوْفِيقُهُ لِمَا يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى الْخَيْرَاتِ لِيَعِيشَ فِي الدُّنْيَا حَمِيدًا وَفِي الْبَرْزَخِ يُصَانُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَيُفْسَحُ لَهُ قَبْرُهُ وَيُقَالُ لَهُ نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ وَيُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَعِيدًا وَيُظِلُّهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي ظِلِّهِ ثُمَّ يَلْقَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ ثُمَّ يَفُوزُ بِلِقَاءِ اللَّهِ مَا كُلُّ ذَلِكَ دُونَهُ وَفِي عَكْسِهِ قَوْلُهُ يَكْتُبُ اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا سَخَطَهُ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لِإِبْلِيسَ إن عليك لعنتي إلى يوم الدين كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ حِفْظِ اللِّسَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وأحمد والنسائي وبن ماجة والبغوي في شرح السنة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ رُوِيَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ حَدِيثُ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ الحديث وعنه ابنه محمد ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ أَخْرَجُوا لَهُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ صححه الترمذي قلت وكذا صححه بن حبان وصحح له بن خُزَيْمَةَ حَدِيثًا آخَرَ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ أيضا انتهى

باب ما جاء في هوان الدنيا على الله

11 - (بَاب مَا جَاءَ فِي هَوَانِ الدُّنْيَا عَلَى الله) [2320] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ سُلَيْمَانَ) الْخُزَاعِيُّ الضَّرِيرُ أَبُو عُمَرَ الْمَدَنِيُّ نُزِيلُ بَغْدَادَ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ وَهُوَ أَخُو فُلَيْحٍ قَوْلُهُ (تَعْدِلُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ أَيْ تَزِنُ وَتُسَاوِي (عِنْدَ اللَّهِ جَنَاحَ بَعُوضَةٍ) هُوَ مَثَلٌ لِلْقِلَّةِ وَالْحَقَارَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهَا أَدْنَى قَدْرٌ (مَا سَقَى كَافِرًا مِنْهَا) أَيْ مِنْ مِيَاهِ الدُّنْيَا (شَرْبَةَ مَاءٍ) أَيْ يُمَتِّعُ الْكَافِرَ مِنْهَا أَدْنَى تَمَتُّعٍ فَإِنَّ الْكَافِرَ عَدُوُّ اللَّهِ وَالْعَدُوُّ لَا يُعْطَى شَيْئًا مِمَّا لَهُ قَدْرٌ عِنْدَ الْمُعْطِي فَمِنْ حَقَارَتِهَا عِنْدَهُ لَا يُعْطِيهَا لِأَوْلِيَائِهِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ حَدِيثُ إِنَّ اللَّهَ يَحْمِي عَبْدَهُ الْمُؤْمِنَ عَنِ الدُّنْيَا كَمَا يَحْمِي أَحَدُكُمُ الْمَرِيضَ عَنِ الْمَاءِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صحيح غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ بَعْدَ نَقْلِ قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَنُوزِعَ يَعْنِي وَنُوزِعَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْحَدِيثِ وَوَجْهُ الْمُنَازَعَةِ أَنَّ فِي سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ عَبْدَ الْحَمِيدِ بْنَ سُلَيْمَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ [2321] قَوْلُهُ (عَنْ مُجَالِدٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وتخفيف الجيم بن سَعِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيِّ أَبِي عَمْرٍو الْكُوفِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ مِنْ صِغَارِ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (عَلَى السَّخْلَةِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَلَدُ مَعْزٍ أَوْ ضَأْنٍ (أَتَرَوْنَ هَذِهِ هَانَتْ عَلَى أَهْلِهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ هَانَ هُوْنًا بِالضَّمِّ وَهَوَانًا وَمَهَانَةً ذَلَّ انْتَهَى (قَالُوا مِنْ هَوَانِهَا

أَيْ مِنْ أَجْلِ هَوَانِهَا (الدُّنْيَا أَهْوَنُ) أَيْ أَذَلُّ وَأَحْقَرُ (عَلَى اللَّهِ) أَيْ عِنْدَهُ تَعَالَى (مِنْ هَذِهِ) أَيْ مِنْ هَوَانِ هَذِهِ السَّخْلَةِ قوله (وفي الباب عن جابر وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي أوائل الزهد وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ كذا في الترغيب قوله (حديث المستورد وحديث حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ [2322] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا محمد بن حاتم الكتب) الزمي بكسر الزاي وتشديد الميم الخرساني نَزِيلُ الْعَسْكَرِ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ) الْجَزَرِيُّ أَبُو أَحْمَدَ الْهَاشِمِيُّ مَوْلَاهُمْ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَزْدِيُّ بِلَا حجة من التاسعة (أخبرنا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ) الْعَنْسِيِّ بالنون الدمشقي الزاهد صدوق يخطىء وَرُمِيَ بِالْقَدَرِ وَتَغَيَّرَ بِآخِرِهِ مِنَ السَّابِعَةِ (قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ قُرَّةَ) السَّلُولِيَّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ اللَّامِ الْخَفِيفَةِ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ضَمْرَةَ) السَّلُولِيَّ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ أَيْ مَبْغُوضَةٌ مِنَ اللَّهِ لِكَوْنِهَا مُبْعَدَةً عَنِ اللَّهِ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا أَيْ مِمَّا يُشْغِلُ عَنِ اللَّهِ إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ بِالرَّفْعِ وَمَا وَالَاهُ أَيْ أَحَبَّهُ اللَّهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَأَفْعَالِ الْقُرْبِ أَوْ مَعْنَاهُ مَا وَالَى ذِكْرَ اللَّهِ أَيْ قَارَبَهُ مِنْ ذِكْرِ خَيْرٍ أَوْ تَابَعَهُ مِنِ اتِّبَاعِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ لِأَنَّ ذِكْرَهُ يُوجِبُ ذَلِكَ قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْمُوَالَاةُ الْمَحَبَّةُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَقَدْ تَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا يَعْنِي مَلْعُونٌ مَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا أَحَبَّهُ اللَّهُ مِمَّا يَجْرِي فِي الدُّنْيَا وَمَا سِوَاهُ مَلْعُونٌ وَقَالَ الْأَشْرَفُ هُوَ مِنَ الْمُوَالَاةِ وَهِيَ الْمُتَابَعَةُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِمَا يُوَالِي ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى طَاعَتَهُ وَاتِّبَاعُ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابُ نَهْيِهِ وَعَالَمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ فَيَكُونُ الْوَاوَانِ بِمَعْنَى أَوْ وَقَالَ الْأَشْرَفُ قَوْلُهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ مَرْفُوعٌ وَاللُّغَةُ الْعَرَبِيَّةُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَنْصُوبٌ مُسْتَثْنًى مِنَ الْمُوجِبِ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ فِي جَامِعِ الترمذي

هَكَذَا وَمَا وَالَاهُ وَعَالَمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ بِالرَّفْعِ وَكَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ إِلَّا أَنَّ بَدَلَ أو فيه الواو وفي سنن بن مَاجَهْ أَوْ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا بِالنَّصْبِ مَعَ أَوْ مُكَرَّرًا وَالنَّصْبُ فِي الْقَرَائِنِ الثَّلَاثِ هُوَ الظَّاهِرُ وَالرَّفْعُ فِيهَا عَلَى التَّأْوِيلِ كَأَنَّهُ قِيلَ الدُّنْيَا مَذْمُومَةٌ لَا يُحْمَدُ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ قَوْلُهُ مَلْعُونَةٌ أَيْ مَتْرُوكَةٌ مُبْعَدَةٌ مَتْرُوكٌ مَا فِيهَا أَوْ مَتْرُوكَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَصْفِيَاءِ كَمَا فِي خَبَرِ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الْآخِرَةُ وَقَالَ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ لِأَنَّهَا غَرَّتِ النُّفُوسَ بِزَهْرَتِهَا وَلَذَّتِهَا فَأَمَالَتْهَا عَنِ الْعُبُودِيَّةِ إِلَى الْهَوَى وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ قَوْلِهِ وَعَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا أَيْ هِيَ وَمَا فِيهَا مُبْعَدٌ عَنِ اللَّهِ إِلَّا الْعِلْمُ النَّافِعُ الدَّالُّ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا فَاللَّعْنُ وَقَعَ عَلَى مَا غَرَّ مِنَ الدُّنْيَا لَا عَلَى نَعِيمِهَا وَلَذَّتِهَا فَإِنَّ ذَلِكَ تَنَاوَلَهُ الرُّسُلُ وَالْأَنْبِيَاءُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن ماجة والبيهقي [2323] قوله (قال سمعت مستوردا) هو بن شَدَّادٍ الْقُرَشِيُّ الْفِهْرِيُّ (أَخَا بَنِي فِهْرٍ) أَيْ كَانَ مُسْتَوْرِدٌ مِنْ بَنِي فِهْرٍ (مَا الدُّنْيَا) مَا نَافِيَةٌ أَيْ مَا مَثَلُ الدُّنْيَا مِنْ نَعِيمِهَا وَزَمَانِهَا (فِي الْآخِرَةِ) أَيْ فِي جَنْبِهَا وَمُقَابَلَةِ نَعِيمِهَا وَأَيَّامِهَا (إِلَّا مِثْلُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَرَفْعِ اللَّامِ (مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ مِثْلُ جَعْلُ أَحَدِكُمْ (أُصْبُعَهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ المراد بها أصغر الأصابع قاله القارىء قُلْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أُصْبُعُهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ وَأَشَارَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى بِالسَّبَّابَةِ (فِي الْيَمِّ) أَيْ مَغْمُوسًا فِي الْبَحْرِ الْمُفَسَّرِ بالماء الكثير (فلينظر بماذا ترجع) أَيْ بِأَيِّ شَيْءٍ تَرْجِعُ أُصْبُعُ أَحَدِكُمْ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب ما جاء أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر

12 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ) [2324] قَوْلُهُ الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَجَنَّةُ الْكَافِرِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ مَسْجُونٌ مَمْنُوعٌ فِي الدُّنْيَا مِنَ الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْمَكْرُوهَةِ مُكَلَّفٌ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ الشَّاقَّةِ فَإِذَا مَاتَ اسْتَرَاحَ مِنْ هَذَا وَانْقَلَبَ إِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ النَّعِيمِ الدَّائِمِ وَالرَّاحَةِ الْخَالِصَةِ مِنَ النُّقْصَانِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنَّمَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا حَصَّلَ فِي الدُّنْيَا مَعَ قِلَّتِهِ وَتَكْدِيرِهِ بِالْمُنَغِّصَاتِ فَإِذَا مَاتَ صَارَ إِلَى الْعَذَابِ الدَّائِمِ وَشَقَاءِ الْأَبَدِ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ شَهَوَاتِهَا الْمُحَرَّمَةِ فَكَأَنَّهُ فِي سِجْنٍ وَالْكَافِرُ عَكْسُهُ فَكَأَنَّهُ فِي جَنَّةٍ انْتَهَى وَقِيلَ كَالسِّجْنِ لِلْمُؤْمِنِ فِي جَنْبِ مَا أُعِدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الثَّوَابِ وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَكَالْجَنَّةِ لِلْكَافِرِ فِي جَنْبِ مَا أُعِدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَالْعَذَابِ الْأَلِيمِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأحمد وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ وَسَنَتُهُ فَإِذَا فَارَقَ الدُّنْيَا فَارَقَ السِّجْنَ وَالسَّنَةَ 3 - (بَاب مَا جَاءَ مَثَلُ الدُّنْيَا مَثَلُ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ) [2325] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُبَادَةُ بْنُ مُسْلِمٍ) الْفَزَارِيُّ أَبُو يَحْيَى الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ اضطرب فيه قول بن حِبَّانَ مِنَ السَّادِسَةِ (أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ خَبَّابٍ) بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى مِنْهُمَا مُشَدَّدَةٌ الْأَسْدِيُّ مَوْلَاهُمُ

الكوفي صدوق يخطىء وَرُمِيَ بِالرَّفْضِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ سَعِيدٍ الطَّائِيِّ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُثَنَّاةِ بَيْنَهُمَا مُعْجَمَةٌ بْنُ فَيْرُوزَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ الطَّائِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فِيهِ تَشَيُّعٌ قَلِيلٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (يَقُولُ ثَلَاثٌ) أَيْ مِنَ الْخِصَالِ (أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ) أَيْ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ (وَأُحَدِّثُكُمْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ ثَلَاثٌ بِحَسَبِ الْمَعْنَى فَكَأَنَّهُ قَالَ أُخْبِرُكُمْ بِثَلَاثٍ أُؤَكِّدُهُنَّ بِالْقَسَمِ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ (حَدِيثًا) أَيْ تَحْدِيثًا عَظِيمًا أَوْ بِحَدِيثٍ آخَرَ (فَاحْفَظُوهُ) أَيِ الْأَخِيرُ أَوِ الْمَجْمُوعُ (مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ) تَصَدَّقَ بِهَا مِنْهُ بَلْ يُبَارَكُ لَهُ فِيهِ بِمَا يُجْبَرُ نَقْصُهُ الْحِسِّيُّ (وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (مَظْلِمَةً) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ اللَّامِ مَصْدَرٌ (صَبَرَ) أَيِ الْعَبْدُ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى تِلْكَ الْمَظْلِمَةِ وَلَوْ كَانَ مُتَضَمِّنًا لِنَوْعٍ مِنَ الْمَذَلَّةِ (إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا) فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (وَلَا فَتَحَ) أَيْ عَلَى نَفْسِهِ (بَابَ مَسْأَلَةٍ) أَيْ سُؤَالَ للناس (إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ) أَيْ بَابَ احْتِيَاجٍ آخَرَ وَهَلُمَّ جَرًّا أَوْ بِأَنْ سَلَبَ عَنْهُ مَا عِنْدَهُ مِنَ النِّعْمَةِ فَيَقَعَ فِي نِهَايَةٍ مِنَ النِّقْمَةِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ (وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ) عَنِّي لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَكُمْ بِهِ (إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ) أَيْ إِنَّمَا حَالُ أَهْلِهَا حَالٌ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ (عَبْدٌ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَبِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ (رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا) مِنْ جِهَةِ حِلٍّ (وَعِلْمًا) أَيْ شَرْعِيًّا نَافِعًا (فَهُوَ يَتَّقِي رَبَّهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِنْفَاقِ مِنَ الْمَالِ وَالْعِلْمِ (وَيَصِلُ بِهِ) أَيْ بِكُلٍّ مِنْهَا (رَحِمَهُ) أَيْ بِالصِّلَةِ مِنَ الْمَالِ وَبِالْإِسْعَافِ بِجَاهِ الْعِلْمِ (وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا) مِنْ وَقْفٍ وَإِقْرَاءٍ وَإِفْتَاءٍ وَتَدْرِيسٍ (فَهَذَا) أَيِ الْعَبْدُ الْمَوْصُوفُ بِمَا ذَكَرَ (بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ) أَيْ بِأَفْضَلِ الدَّرَجَاتِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى (وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا) أَيْ شَرْعِيًّا نَافِعًا (وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا) يُنْفِقُ مِنْهُ فِي وُجُوهِ الْقُرْبِ (يَقُولُ) فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ (بِعَمَلِ فُلَانٍ) أَيِ الَّذِي لَهُ مَالٌ يُنْفِقُ مِنْهُ فِي الْبِرِّ (فَهُوَ بِنِيَّتِهِ) أَيْ يُؤْجَرُ عَلَى حَسَبِهَا (فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ) أَيْ فَأَجْرُ مَنْ عَقَدَ عَزْمَهُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ أَنْفَقَ مِنْهُ فِي الْخَيْرِ وَأَجْرُ مَنْ لَهُ مَالٌ يُنْفِقُ مِنْهُ سَوَاءٌ وَيَكُونُ أَجْرُ الْعِلْمِ زِيَادَةً لَهُ (يَخْبِطُ فِي مَالِهِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَوِ اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ أَيْ يَصْرِفُهُ

باب ما جاء في الهم في الدنيا وحبها

فِي شَهَوَاتِ نَفْسِهِ (بِغَيْرِ عِلْمٍ) بَلْ بِمُقْتَضَى نفسه قال القارىء أَيْ بِغَيْرِ اسْتِعْمَالِ عِلْمٍ بِأَنْ يُمْسِكَ تَارَةً حِرْصًا وَحُبًّا لِلدُّنْيَا وَيُنْفِقَ أُخْرَى لِلسُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ وَالْفَخْرِ وَالْخُيَلَاءِ (لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ) أَيْ لِعَدَمِ عِلْمِهِ فِي أَخْذِهِ وَصَرْفِهِ (وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ) أَيْ لِقِلَّةِ رَحْمَتِهِ وَعَدَمِ حِلْمِهِ وكثرة حرصه وبخله (ولا يعلم الله فِيهِ حَقًّا) وَفِي الْمِشْكَاةِ وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ بحق قال القارىء رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْ بِنَوْعٍ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاللَّهِ وَبِعِبَادِهِ (فَهُوَ بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ) عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ أَخَسِّهَا وَأَحْقَرِهَا (لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ (فَهُوَ بِنِيَّتِهِ) أَيْ فَهُوَ مُجْزَى بِنِيَّتِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْهَمِّ فِي الدُّنْيَا وَحُبِّهَا) [2326] قَوْلُهُ (عَنْ بَشِيرِ أَبِي إِسْمَاعِيلَ) هو بن سَلْمَانَ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ وَالِدُ الْحَكَمِ ثِقَةٌ يَغْرُبُ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ سَيَّارٍ) هُوَ أَبُو حَمْزَةَ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَيَّارُ أَبُو حَمْزَةَ الْكُوفِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الْخَامِسَةِ وَوَقَعَ فِي الْإِسْنَادِ عَنْ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ عَنْ طَارِقٍ وَالصَّوَابُ عَنْ سَيَّارٍ أَبِي حَمْزَةَ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ سَيَّارٍ أَبِي الْحَكَمِ مَا لَفْظُهُ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ بَشِيرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا سَيَّارُ أَبُو الْحَكَمِ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ الْحَدِيثُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَقِبَهُ هُوَ سَيَّارٌ أَبُو حَمْزَةَ وَلَكِنَّ بَشِيرًا كَانَ يَقُولُ سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ وَهُوَ خَطَأٌ قَالَ أَحْمَدُ هُوَ سَيَّارٌ أَبُو حَمْزَةَ وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ بِشَيْءٍ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ سَمِعَ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ وَهْمٌ مِنْهُ وَمِمَّنْ تَابَعَهُ وَالَّذِي يَرْوِي عَنْ طَارِقٍ هُوَ سَيَّارٌ أَبُو حَمْزَةَ قَالَ ذَلِكَ أَحْمَدُ وَيَحْيَى وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى قُلْتُ فِي قَوْلِهِ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ بَشِيرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ وَهْمٌ وَالصَّوَابُ بَشِيرٍ أَبِي

إِسْمَاعِيلَ لِأَنَّ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سَيَّارٍ هُوَ بَشِيرُ بْنُ سَلْمَانَ أَبُو إِسْمَاعِيلَ لَا بَشِيرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بَلْ وَلَيْسَ فِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالْخُلَاصَةِ رَاوٍ مُسَمَّى بِاسْمِ بَشِيرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ قَوْلُهُ (مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ) أَيْ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا فِي الْفَقْرِ وَضِيقِ الْمَعِيشَةِ (فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ) أَيْ عَرَضَهَا عَلَيْهِمْ وَأَظْهَرَهَا بِطَرِيقِ الشِّكَايَةِ لَهُمْ وَطَلَبَ إِزَالَةَ فَاقَتِهِ مِنْهُمْ قَالَ الطِّيبِيُّ يُقَالُ نَزَلَ بِالْمَكَانِ وَنَزَلَ مِنْ عُلُوٍّ وَمِنَ الْمَجَازِ نَزَلَ بِهِ مَكْرُوهٌ وَأَنْزَلْتُ حَاجَتِي عَلَى كَرِيمٍ وَخُلَاصَتُهُ أَنَّ مَنِ اعْتَمَدَ فِي سَدِّهَا عَلَى سُؤَالِهِمْ (لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ) أَيْ لَمْ تُقْضَ حَاجَتُهُ وَلَمْ تُزَلْ فَاقَتُهُ وَكُلَّمَا تُسَدُّ حَاجَتُهُ أَصَابَتْهُ أُخْرَى أَشَدُّ مِنْهَا (فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ) بِأَنِ اعْتَمَدَ عَلَى مَوْلَاهُ (فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ) أَيْ يُسْرِعُ لَهُ وَيُعَجِّلُ (بِرِزْقٍ عَاجِلٍ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (أَوْ آجِلٍ) بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَوْشَكَ اللَّهُ لَهُ بِالْغِنَى إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ أَوْ غِنًى عاجل قال القارىء فِي شَرْحِ قَوْلِهِ إِمَّا بِمَوْتٍ عَاجِلٍ قِيلَ بِمَوْتِ قَرِيبٍ لَهُ غَنِيٍّ فَيَرِثُهُ وَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ أَوْ غِنًى عَاجِلٍ بِكَسْرٍ وَقَصْرٍ أَيْ يَسَارٍ قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ هَكَذَا أَيْ بِالْعَيْنِ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ وَجَامِعِ الْأُصُولِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ أَوْ غِنًى آجِلٍ بِهَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَهُوَ أَصَحُّ دِرَايَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فضله انْتَهَى قُلْتُ وَفِي نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا عَاجِلٌ بِالْعَيْنِ [2327] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) اسْمُهُ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَهُ مِائَةُ سَنَةٍ (جَاءَ مُعَاوِيَةُ) هو بن أَبِي سُفْيَانَ (إِلَى أَبِي هَاشِمِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ صَحَابِيٌّ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَسَكَنَ الشَّامَ وَكَانَ خَالَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَوَى مِنْ حَدِيثِهِ أَبُو وَائِلٍ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ (وَهُوَ مَرِيضٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى أَبِي هَاشِمٍ (يَعُودُهُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْضًا وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ يَرْجِعُ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَالْمَنْصُوبُ إِلَى أَبِي هَاشِمٍ (فَقَالَ) أَيْ مُعَاوِيَةُ (مَا يُبْكِيكَ) مِنَ الْإِبْكَاءِ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ يُبْكِيكَ (أَوَجَعٌ يُشْئِزُكَ) بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ وَزَايٍ أَيْ

يُقْلِقُكَ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ أشأزبي أرام كردا نيدن (قَالَ) أَيْ أَبُو هَاشِمٍ (كُلٌّ) مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ (لَا) أَيْ لَا يُبْكِينِي يَعْنِي لَا يُبْكِينِي وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ بَلْ يُبْكِينِي أَمْرٌ آخَرُ فَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَكِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ إِلَيَّ عَهْدًا لَمْ آخُذْ بِهِ) أَيْ أَوْصَانِي بِوَصِيَّةٍ لَمْ أَعْمَلْ بِهَا (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَلٌ مِنْ عَهِدَ أَوْ تَفْسِيرٌ وَبَيَانٌ لِلْعَهْدِ وَاخْتَارَ الطِّيبِيُّ رح الْأَوَّلَ حَيْثُ قَالَ بَدَلٌ مِنْهُ بَدَلُ الْفِعْلِ مِنَ الْفِعْلِ كَمَا فِي قَوْلِهِ مَتَى تَأْتِنَا تُلْمِمْ بِنَا فِي دِيَارِنَا تَجِدْ حَطَبًا جَزْلًا وَنَارًا تَأَجَّجَا أَبْدَلَ تُلْمِمْ بِنَا مِنْ قَوْلِهِ تَأْتِنَا (إِنَّمَا يَكْفِيكَ مِنْ جَمْعِ الْمَالِ) أَيْ لِلْوَسِيلَةِ بِحُسْنِ الْمَالِ (خَادِمٌ) لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِ (وَمَرْكَبٌ) أَيْ مَرْكُوبٌ يُسَارُ عَلَيْهِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فِي الْجِهَادِ أَوِ الْحَجِّ أَوْ طَلَبِ الْعِلْمِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ الْقَنَاعَةُ وَالِاكْتِفَاءُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ زَادًا لِلْآخِرَةِ كَمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ خَبَّابٍ إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ مَا كَانَ في الدينا مِثْلَ زَادِ الرَّاكِبِ (وَأَجِدُنِي الْيَوْمَ قَدْ جَمَعْتُ) وَفِي رِوَايَةِ رَزِينٍ فَلَمَّا مَاتَ حُصِّلَ مَا خَلَّفَ فَبَلَغَ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا وَحُسِبَتْ فِيهِ الْقَصْعَةُ الَّتِي كَانَ يَعْجِنُ فِيهَا وَفِيهَا يَأْكُلُ قَوْلُهُ (عَنْ سَمُرَةَ بْنِ سَهْمٍ) الْقُرَشِيِّ الْأَسْدِيِّ مَجْهُولٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (فَذَكَرَ نَحْوَهُ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ والنسائي ورواه بن مَاجَهْ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ سَهْمٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ لَمْ يُسَمِّهِ قَالَ نَزَلْتُ عَلَى أَبِي هَاشِمِ بْنِ عُقْبَةَ فَجَاءَهُ مُعَاوِيَةُ فَذَكَرَ الحديث بنحوه ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ سَهْمٍ قَالَ نَزَلْتُ عَلَى أَبِي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ وَهُوَ مَطْعُونٌ فَأَتَاهُ مُعَاوِيَةُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَذَكَرَهُ رَزِينٌ فَزَادَ فِيهِ فَلَمَّا مَاتَ إِلَى آخِرِ مَا نَقَلْتُ قَبْلَ هَذَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ الْأَسْلَمِيِّ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ص 063 ج 5 والنسائي والضياء المقدسي عنه مرفوعا ليكف أحدكم من الدنيا خادم ومركب

باب ما جاء في طول العمر للمؤمن

[2328] قوله (عن سمر بْنِ عَطِيَّةَ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ الْأَسْدِيِّ الْكَاهِلِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الْأَخْرَمِ) الطَّائِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ سَعْدِ بْنِ الْأَخْرَمِ الطَّائِيِّ الْكُوفِيِّ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ رَوَى عن بن مَسْعُودٍ حَدِيثَ لَا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ وَعَنْهُ ابْنُهُ الْمُغِيرَةُ وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنْ أهل الكوفة وذكره بن حِبَّانَ فِي الصَّحَابَةِ ثُمَّ أَعَادَ ذِكْرَهُ فِي التَّابِعِينَ مِنَ الثِّقَاتِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (عن عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ (لَا تَتَّخِذُوا الضَّيْعَةَ) هِيَ الْبُسْتَانُ وَالْقَرْيَةُ وَالْمَزْرَعَةُ وَفِي النِّهَايَةِ الضَّيْعَةُ فِي الْأَصْلِ الْمَرَّةُ مِنَ الضَّيَاعِ وَضَيْعَةُ الرَّجُلِ مَا يَكُونُ مِنْهُ مَعَاشُهُ كَالصَّنْعَةِ وَالتِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الضَّيْعَةُ الْعَقَارُ وَالْأَرْضُ الْمُغَلَّةُ (فَتَرْغَبُوا فِي الدُّنْيَا) أَيْ فَتَمِيلُوا إِلَيْهَا عَنِ الْأُخْرَى وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِهَا وَبِأَمْثَالِهَا مِمَّا يَكُونُ مَانِعًا عَنِ الْقِيَامِ بِعِبَادَةِ الْمَوْلَى وَعَنِ التَّوَجُّهِ كَمَا يَنْبَغِي إِلَى أُمُورِ الْعُقْبَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْمَعْنَى لَا تَتَوَغَّلُوا فِي اتِّخَاذِ الضَّيْعَةِ فَتُلْهَوْا بِهَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ قَالَ تَعَالَى رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذكر اللَّهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي طُولِ الْعُمْرِ لِلْمُؤْمِنِ) [2329] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ) بْنِ ثَوْرِ بْنِ مَازِنٍ الْكِنْدِيِّ الْحِمْصِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِالْقَافِ وَالتَّحْتِيَّةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي التَّرْغِيبِ فَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ إِلَخْ وَقَالَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَرَوَى أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَسَانِيدِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

بُسْرٍ فَفِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ نُوحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيَّانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا مَنْ خَيْرُ الرِّجَالِ يَا مُحَمَّدُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسَنُ عَمَلُهُ الْحَدِيثُ فَظَهَرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ فَاحْفَظْ هَذَا (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ) بِضَمَّتَيْنِ عَلَى مَا هُوَ الْأَفْصَحُ الْوَارِدُ فِي كَلَامِهِ سُبْحَانَهُ وَفِي الْقَامُوسِ الْعُمُرُ بِالْفَتْحِ وَبِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ الْحَيَاةُ (وَحَسُنَ عَمَلُهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إِنَّ الْأَوْقَاتِ وَالسَّاعَاتِ كَرَأْسِ الْمَالِ لِلتَّاجِرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّجِرَ فِيمَا يَرْبَحُ فِيهِ وَكُلَّمَا كَانَ رَأْسُ مَالِهِ كَثِيرًا كَانَ الرِّبْحُ أَكْثَرَ فَمَنِ انْتَفَعَ مِنْ عُمُرِهِ بِأَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ فَقَدْ فَازَ وَأَفْلَحَ وَمَنْ أَضَاعَ رَأْسَ مَالِهِ لَمْ يَرْبَحْ وَخَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هريرة فأخرجه البزار وبن حبان في صحيحه كلاهما من رواية بن إِسْحَاقَ وَلَمْ يُصَرِّحْ فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ وَلَفْظُهُ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخِيَارِكُمْ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا وَأَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ مَرْفُوعًا خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ [2330] قوله (عن علي بن زيد) هو بن جُدْعَانَ قَوْلُهُ (قَالَ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عمله) قال القارىء وبقي صنفان مستويان ليس فيها زِيَادَةٌ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَهُمَا مَنْ قَصُرَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ أَوْ سَاءَ عَمَلُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَكَذَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ

باب ما جاء في فناء أعمار هذه الأمة

16 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَنَاءِ أَعْمَارِ هَذِهِ الأمة) ما بين الستين إلى سبعين [2331] قَوْلُهُ (عَنْ كَامِلٍ أَبِي الْعَلَاءِ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ كَامِلُ بْنُ الْعَلَاءِ التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ أَبِي صَالِحٍ مِينَاءٌ وَغَيْرُهُ وَعَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ ربيعة وغيره وقال في التقريب صدوق يخطىء مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أَبُو صَالِحٍ مَوْلَى ضُبَاعَةَ قَالَ مُسْلِمٌ اسْمُهُ مِينَاءٌ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَ أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وعنه كامل أبو العلاء ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَوْلُهُ (عُمُرُ أُمَّتِي مِنْ سِتِّينَ سَنَةً إِلَى سَبْعِينَ) قِيلَ مَعْنَاهُ آخِرُ عمر متى ابْتِدَاؤُهُ إِذَا بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً وَانْتِهَاؤُهُ سَبْعُونَ سَنَةً وَقَلَّ مَنْ يَجُوزُ سَبْعِينَ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ بِدَلِيلِ شَهَادَةِ الْحَالِ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ سِتِّينَ سَنَةً وَمِنْهُمْ مَنْ يَجُوزُ سَبْعِينَ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ القارىء بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الطِّيبِيِّ هَذَا وَفِيهِ أَنَّ اعْتِبَارَ الْغَلَبَةِ فِي جَانِبِ الزِّيَادَةِ عَلَى سَبْعِينَ وَاضِحٌ جِدًّا وَأَمَّا كَوْنُ الْغَالِبِ فِي آخِرِ عُمُرِ الْأُمَّةِ بُلُوغُ سِتِّينَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْغَرَابَةِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمُشَاهَدَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ عُمُرَ الْأُمَّةِ مِنْ سِنِّ الْمَحْمُودِ الْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ غَالِبُ الْأُمَّةِ مَا بَيْنَ الْعَدَدَيْنِ مِنْهُمْ سَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ وَأَكَابِرُ الْخُلَفَاءِ كَالصِّدِّيقِ وَالْفَارُوقِ وَالْمُرْتَضَى وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ مِمَّا يَصْعُبُ فِيهِ الِاسْتِقْصَاءُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْأَسْنَانُ أَرْبَعَةٌ سِنُّ الطُّفُولِيَّةِ ثُمَّ الشَّبَابِ ثُمَّ الْكُهُولَةِ ثُمَّ الشَّيْخُوخَةِ وَهِيَ آخِرُ الْأَسْنَانِ وَغَالِبُ مَا يَكُونُ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ ضَعْفُ الْقُوَّةِ بِالنَّقْصِ وَالِانْحِطَاطِ فَيَنْبَغِي لَهُ الْإِقْبَالُ عَلَى الْآخِرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْحَالَةِ الْأُولَى مِنَ النَّشَاطِ وَالْقُوَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن ماجة

باب ما جاء في تقارب الزمان وقصر الأمل

قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ الدَّعَوَاتِ بِسَنَدٍ آخَرَ غَيْرِ السَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ سَنَدُهُ حَسَنٌ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَقَارُبِ الزَّمَانِ وَقِصَرِ الْأَمَلِ) [2332] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ) الْقَطَوَانِيُّ بِفَتْحِ الْقَافِ والطاء أبو الهيثم البجلي مولاهم الكوفي صدوق يَتَشَيَّعُ وَلَهُ أَفْرَادٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ رَوَى عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ وَغَيْرِهِمَا (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) هُوَ الْعُمَرِيُّ (عَنْ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ) هُوَ أَخُو يَحْيَى صَدُوقٌ سَيِّءُ الْحِفْظِ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَتَقَارَبَ الزَّمَانُ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى قِلَّةِ بَرَكَةِ الزَّمَانِ وَذَهَابِ فَائِدَتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَوْ عَلَى أَنَّ النَّاسَ لِكَثْرَةِ اهْتِمَامِهِمْ بِمَا دَهَمَهُمْ مِنَ النَّوَازِلِ وَالشَّدَائِدِ وَشُغْلِ قَلْبِهِمْ بِالْفِتَنِ الْعِظَامِ لَا يَدْرُونَ كَيْفَ تَنْقَضِي أَيَّامُهُمْ وَلَيَالِيهِمْ (وَالشَّهْرُ) أَيْ وَيَكُونَ الشَّهْرُ (كَالْجُمُعَةِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَيُسَكَّنُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْأُسْبُوعُ (وَتَكُونَ الْجُمُعَةُ كَالْيَوْمِ) أَيْ كَالنَّهَارِ (وَيَكُونَ الْيَوْمُ كَالسَّاعَةِ) أَيِ الْعُرْفِيَّةِ النُّجُومِيَّةِ وَهِيَ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الْقِسْمَةِ الِاثْنَتَيْ عَشْرِيَّةَ فِي اعْتِدَالِ الْأَزْمِنَةِ الصيفية والشتائية قاله القارىء وَفِيهِ مَا فِيهِ (وَتَكُونَ السَّاعَةُ كَالضَّرْمَةِ) بِفَتْحِ الضَّادِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَيُفْتَحُ أَيْ مِثْلُهَا فِي سُرْعَةِ ابْتِدَائِهَا وَانْقِضَائِهَا قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْ كَزَمَانِ إِيقَادِ الضَّرْمَةِ وَهِيَ مَا يُوقَدُ بِهِ النَّارُ أَوَّلًا كَالْقَصَبِ وَالْكِبْرِيتِ وَفِي الْقَامُوسِ الضَّرَمَةُ مُحَرَّكَةٌ السَّعَفَةُ أَوِ الشِّيحَةُ فِي طَرَفِهَا نَارٌ وَفِي الْأَزْهَارِ الضَّرْمَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ غُصْنُ النَّخْلِ وَالشِّيحَةُ نَبْتٌ فِي طَرَفِهَا نَارٌ فَإِنَّهَا إِذِ اشْتَعَلَتْ تُحْرَقُ سَرِيعًا انْتَهَى فَالْمُرَادُ بِهَا السَّاعَةُ اللُّغَوِيَّةُ وَهِيَ أَدْنَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الزَّمَانِ مِنَ اللَّمْحَةِ وَاللَّحْظَةِ وَالطَّرْفَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي زَمَنِ

باب ما جاء في قصر الأمل

الْمَهْدِيِّ أَوْ عِيسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ كليهما قال القارىء وَالْأَخِيرُ هُوَ الْأَظْهَرُ لِظُهُورِ هَذَا الْأَمْرِ فِي خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَهُوَ زَمَانُهُمَا 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قِصَرِ الْأَمَلِ) [2333] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ) هُوَ الزُّبَيْرِيُّ قَوْلُهُ (بِبَعْضِ جَسَدِي) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بِمَنْكِبَيْ فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَعْيِينُ مَا أُبْهِمَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَنُكْتَةُ الْأَخْذِ تَقْرِيبُهُ إِلَيْهِ وَتَوَجُّهُهُ عَلَيْهِ لِيَتَمَكَّنَ فِي ذِهْنِهِ مَا يُلْقَى لَدَيْهِ قَالَ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ قَالَ الطِّيبِيُّ لَيْسَتْ أَوْ لِلشَّكِّ بَلْ لِلتَّخْيِيرِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى بَلْ فَشَبَّهَ النَّاسِكَ السَّالِكَ بِالْغَرِيبِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ مَسْكَنٌ يَأْوِيهِ وَلَا مَسْكَنٌ يَسْكُنُهُ ثُمَّ تَرَقَّى وَأَضْرَبَ عَنْهُ إِلَى عَابِرِ السَّبِيلِ لِأَنَّ الْغَرِيبَ قَدْ يَسْكُنُ فِي بَلَدِ الْغُرْبَةِ بِخِلَافِ عَابِرِ السَّبِيلِ الْقَاصِدِ لِبَلَدٍ شَاسِعٍ بَيْنَهُمَا أَوْدِيَةٌ مُرْدِيَةٌ وَمَفَاوِزُ مُهْلِكَةٌ وَقُطَّاعُ طَرِيقٍ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ لَا يُقِيمَ لَحْظَةً وَلَا يَسْكُنُ لَمْحَةً وَمِنْ ثَمَّ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ إِلَخْ وَبِقَوْلِهِ وَعُدَّ نَفْسَكَ فِي أَهْلِ الْقُبُورِ وَالْمَعْنَى اسْتَمِرَّ سَائِرًا وَلَا تَفْتُرْ فَإِنَّكَ إِنْ قَصَّرْتَ انْقَطَعْتَ وَهَلَكْتَ فِي تِلْكَ الْأَوْدِيَةِ وَهَذَا مَعْنَى الْمُشَبَّهِ بِهِ وَأَمَّا الْمُشَبَّهُ فَهُوَ قَوْلُهُ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ أَيْ أَنَّ الْعُمُرَ لَا يَخْلُو عَنْ صِحَّةٍ وَمَرَضٍ فَإِذَا كُنْتَ صَحِيحًا فَسِرْ سَيْرَ الْقَصْدِ وَزِدْ عَلَيْهِ بِقَدْرِ قُوَّتِكَ مَا دَامَتْ فِيكَ قُوَّةٌ بِحَيْثُ يَكُونُ مَا بِكَ مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ قَائِمًا مَقَامَ مَا لَعَلَّهُ يَفُوتُ حَالَةَ الْمَرَضِ وَالضَّعْفِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَرْكَنْ إِلَى الدُّنْيَا وَلَا تَتَّخِذْهَا وَطَنًا وَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْبَقَاءِ فِيهَا وَلَا تَتَعَلَّقْ مِنْهَا بِمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْغَرِيبُ فِي غَيْرِ وَطَنِهِ انْتَهَى وَعُدَّ نَفْسَكَ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ أَيِ اجْعَلْهَا مَعْدُودَةً مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ أَيْ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَوَاحِدَةً مِنْ جَمَاعَتِهِمْ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا قِيلَ مُوتُوا قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أن تحاسبوا فقال لي بن عُمَرَ هَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ أَيْ قَالَ لِي بن عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ إِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تُحَدِّثْ نَفْسَكَ بِالْمَسَاءِ إِلَخْ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَكَانَ بن عُمَرَ يَقُولُ إِذَا

أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ أَيْ زَمَنِ صِحَّتِكَ قَبْلَ سَقَمِكَ بِفَتْحَتَيْنِ أَوْ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْقَافِ أَيْ قَبْلَ مَرَضِكَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لِمَرَضِكَ وَالْمَعْنَى اشْتَغِلْ فِي الصِّحَّةِ بِالطَّاعَةِ بِحَيْثُ لَوْ حَصَلَ تَقْصِيرٌ فِي الْمَرَضِ لَيُجْبَرُ بِذَلِكَ مَا اسْمُكَ غَدًا قَالَ الْحَافِظُ أَيْ هَلْ يُقَالُ لَهُ شَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ وَلَمْ يُرِدِ اسْمَهُ الْخَاصَّ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يَتَغَيَّرُ وَقِيلَ الْمُرَادُ هَلْ يُقَالُ هُوَ حَيٌّ أَوْ مَيِّتٌ انْتَهَى قُلْتُ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي هُوَ الْمَعْنَى الثَّانِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ وَقَدْ رَوَى هذا الحديث الأعمش عن مجاهد عن بن عُمَرَ نَحْوَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عن بن عمر زاد أحمد والترمذي وبن ماجة وعد من نَفْسَكَ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ [2334] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ) هو بن نَصْرٍ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ) ثِقَةٌ مِنْ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ هَذَا بن آدَمَ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا إِشَارَةٌ حِسِّيَّةٌ إِلَى صُورَةٍ مَعْنَوِيَّةٍ وَكَذَا قَوْلُهُ وَهَذَا أَجَلُهُ وَتَوْضِيحُهُ أَنَّهُ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى قُدَّامِهِ فِي مِسَاحَةِ الْأَرْضِ أَوْ فِي مِسَاحَةِ الْهَوَاءِ بِالطُّولِ أَوِ العرض وقال هذا بن آدَمَ ثُمَّ أَخَّرَهَا وَأَوْقَفَهَا قَرِيبًا مِمَّا قَبْلَهُ وَقَالَ هَذَا أَجَلُهُ (وَوَضَعَ يَدَهُ) أَيْ عِنْدَ تلفظه بقوله هذا بن آدَمَ وَهَذَا أَجَلُهُ (عِنْدَ قَفَاهُ) أَيْ فِي عَقِبِ الْمَكَانِ الَّذِي أَشَارَ بِهِ إِلَى الْأَجَلِ (ثُمَّ بَسَطَهَا) أَيْ نَشَرَ يَدَهُ عَلَى هَيْئَةِ فَتْحٍ لِيُشِيرَ بِكَفِّهِ وَأَصَابِعِهِ أَوْ مَعْنَى بَسَطَهَا وَسَّعَهَا فِي الْمَسَافَةِ مِنَ الْمَحَلِّ الَّذِي أَشَارَ بِهِ إِلَى الْأَجَلِ فَقَالَ وَثَمَّ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ هُنَالِكَ وَأَشَارَ إِلَى بُعْدِ مَكَانِ ذَلِكَ (أَمَلُهُ) أَيْ

مَأْمُولُهُ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ ظَرْفٌ قُدِّمَ عَلَيْهِ للاختصاص والاهتمام كذا شرح القارىء هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ هَذَا مَا سَنَحَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ تَوْضِيحِ الْمَرَامِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ وَوَضَعَ يَدَهُ الْوَاوُ لِلْحَالِ وَفِي قَوْلِهِ وَهَذَا أَجَلُهُ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا فَالْمُشَارُ إِلَيْهِ أَيْضًا مُرَكَّبٌ فَوَضَعَ الْيَدَ عَلَى قَفَاهُ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْإِنْسَانَ الَّذِي يَتْبَعُهُ أَجَلُهُ هُوَ الْمُشَارُ إِلَيْهِ وَبَسْطُ الْيَدِ عِبَارَةٌ عَنْ مَدِّهَا إِلَى قُدَّامٍ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ عبد الحق في ترجمة المشكاة (هذا بن آدَمَ وَهَذَا أَجَلُهُ) أين أدمى ست وأين أجل إوست يَعْنِي نزديك است بوي (وَوَضَعَ يده عند قفاه) ونهاد انحضرت أزيرلي تصوير وتمثيل قرب موت رابا دمى دستخودرانزدقاي خود يَعْنِي مركدر قفاي ادمي ست وقريب بوي (ثُمَّ بَسَطَ) يس تربكشا دود رازكرد انحضرت دست داود ورد أشت ازقفا أزبراي نمودن درازي أمل (فَقَالَ وَثَمَّ أَمَلُهُ) وانجاست يَعْنِي بجاي دور أمل واميداو يَعْنِي أجل نزديك امد وامل دور رفته أست انْتَهَى بِلَفْظِهِ قلت كل من المغنيين اللذين ذكرهما القارىء وَالشَّيْخُ مُحْتَمَلٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَزَ عُودًا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ غَرَزَ إِلَى جَنْبِهِ آخَرَ ثُمَّ غَرَزَ الثَّالِثَ فَأَبْعَدَهُ ثُمَّ قَالَ هَذَا الْإِنْسَانُ وَهَذَا أَجَلُهُ وَهَذَا أَمَلُهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْأَحَادِيثُ مُتَوَافِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَجَلَ أَقْرَبُ مِنَ الْأَمَلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ الترمذي وبن حبان في صحيحه ورواه النسائي أيضا وبن مَاجَهْ بِنَحْوِهِ انْتَهَى [2335] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي السَّفَرِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ يُحْمِدَ بِضَمِّ الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الْهَمْدَانِيُّ الثَّوْرِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (وَنَحْنُ نُعَالِجُ خُصًّا لَنَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْخُصُّ بِالضَّمِّ الْبَيْتُ مِنَ الْقَصَبِ أَوِ الْبَيْتُ يُسْقَفُ بِخَشَبَةٍ كَالْأَزَجِ جَمْعُهُ خِصَاصٌ وَخُصُوصٌ انْتَهَى وَقَالَ فِيهِ الْأَزَجُ مُحَرَّكَةٌ ضَرْبٌ مِنَ الْأَبْنِيَةِ وَالْمَعْنَى نُصْلِحُ بَيْتًا لَنَا وَفِي رِوَايَةٍ وَأَنَا أُطَيِّنُ حَائِطًا لِي أَنَا وَأُمِّي (قَدْ وَهِيَ) أَيْ ضَعُفَ قَالَ فِي الصُّرَاحِ وَهِيَ ضَعِيفٌ شدن ونزديك شدن ديواربافتادن وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ

باب ما جاء أن فتنة هذه الأمة في المال

الْوَهْيُ الشَّقُّ فِي الشَّيْءِ جَمْعُهُ وُهِيٌّ وَأَوْهِيَةٌ وَهَى كَوَعَى وَوَلِيَ تَخَرَّقَ وَانْشَقَّ وَاسْتَرْخَى رِبَاطُهُ (فَقَالَ مَا أَرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ مَا أَظُنُّ (الْأَمْرَ) أَيِ الْأَجَلَ (إِلَّا أَعْجَلَ مِنْ ذلك) وفي رِوَايَةٍ قَالَ الْأَمْرُ أَسْرَعُ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ الْأَجَلُ أَقْرَبُ مِنْ تَخَرُّبِ هَذَا الْبَيْتِ أَيْ تُصْلِحُ بَيْتَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَنْهَدِمَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ وَرُبَّمَا تَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَنْهَدِمَ فَإِصْلَاحُ عَمَلِكَ أَوْلَى مِنْ إِصْلَاحِ بَيْتِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْ كَوْنُنَا فِي الدُّنْيَا كَعَابِرِ سَبِيلٍ أَوْ رَاكِبٍ مُسْتَظِلٍّ تَحْتَ شَجَرَةٍ أَسْرَعَ مِمَّا أَنْتَ فِيهِ مِنِ اشْتِغَالِكَ بِالْبِنَاءِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن ماجة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ 9 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ فِتْنَةَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي الْمَالِ) [2336] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَوَّارٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَثْقِيلِ الْوَاوِ الْبَغَوِيُّ أَبُو الْعَلَاءِ الْمَرْوَزِيُّ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ) بِجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا (بْنِ نُفَيْرٍ) بِنُونٍ وَفَاءٍ مُصَغَّرًا الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرٍ الْحَضْرَمِيِّ الْحِمْصِيِّ ثِقَةٌ جَلِيلٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مُخَضْرَمٌ (عَنْ كَعْبِ بْنِ عِيَاضٍ) الْأَشْعَرِيِّ لَهُ صُحْبَةٌ عِدَادُهُ فِي أَهْلِ الشَّامِ رَوَى عَنْهُ جُبَيْرُ بْنُ نُفَيْرٍ قَوْلُهُ (إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً) أَيْ ضَلَالًا وَمَعْصِيَةً (وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ) أَيِ اللَّهْوُ بِهِ لِأَنَّهُ يُشْغِلُ الْبَالَ عَنِ الْقِيَامِ بِالطَّاعَةِ وَيُنْسِي الْآخِرَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَأَقَرُّوهُ

باب ما جاء لو كان لابن ادم واديان من مال

20 - (بَاب مَا جَاءَ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ) لابتغى ثالثا [2337] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدُ) بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ أَبُو يُوسُفَ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا أَبِي) أَيْ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَبُو إِسْحَاقَ ثِقَةٌ حُجَّةٌ تَكَلَّمَ فِيهِ بِلَا قَادِحٍ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (وَادِيًا) كَذَا وَقَعَ فِي أَصْلِ الْكُرُوخِيِّ وَالصَّوَابُ وَادٍ وَثَانٍ كَذَا فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ (وَلَا يَمْلَأُ فَاهُ) أَيْ فَمَهُ وفي رواية ولا يملأ جوف بن ادم وفي رواية لا يسد جوف بن آدَمَ (إِلَّا التُّرَابُ) مَعْنَاهُ لَا يَزَالُ حَرِيصًا على الدنيا حتى يموت ويمتلىء جَوْفُهُ مِنْ تُرَابِ قَبْرِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَخْرُجُ عَلَى حُكْمِ غَالِبِ بَنِي آدَمَ فِي الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا (وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ) أَيْ أَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنَ الْحَرِيصِ كَمَا يَقْبَلُهَا مِنْ غَيْرِهِ قِيلَ وَفِيهَا إِشَارَةٌ إِلَى ذَمِّ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ جَمْعِ الْمَالِ وَتَمَنِّي ذَلِكَ وَالْحِرْصِ عَلَيْهِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ الَّذِي يَتْرُكُ ذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَابَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَابَ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ مُطْلَقُ الرُّجُوعِ أَيْ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ وَالتَّمَنِّي وَقَالَ الطِّيبِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ بَنِي آدَمَ مَجْبُولُونَ عَلَى حُبِّ الْمَالِ وَالسَّعْيِ فِي طَلَبِهِ وَأَنْ لَا يَشْبَعَ مِنْهُ إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَوَفَّقَهُ لِإِزَالَةِ هَذِهِ الْجِبِلَّةِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ فَوَضَعَ قَوْلَهُ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ تَابَ مَوْضِعَهُ إِشْعَارًا بِأَنَّ هَذِهِ الْجِبِلَّةَ الْمَرْكُوزَةَ مَذْمُومَةٌ جَارِيَةٌ مَجْرَى الذَّنْبِ وَأَنَّ إِزَالَتَهَا مُمْكِنَةٌ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَتَسْدِيدِهِ وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يُوقَ شح نفسه فأولئك هم المفلحون قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي فَصْلِهِ مِنْ أَبْوَابِ الْمَنَاقِبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أخرجهما وأما حديث

باب ما جاء قلب الشيخ شاب على حب اثنتين

بن الزُّبَيْرِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ كَمَا في الفتح وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فأخرجه بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان 1 - (باب ما جاء قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثْنَتَيْنِ) [2338] قَوْلُهُ (عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ) الْكِنَانِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (قَلْبُ الشَّيْخِ شَابٌّ) أَيْ قَوِيٌّ نَشْطَانٌ (طُولِ الْحَيَاةِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ) بِالْجَرِّ فِيهِمَا بَدَلٌ مِنَ اثْنَتَيْنِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مَجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَلْبَ الشَّيْخِ كَامِلُ الْحُبِّ لِكَثْرَةِ الْمَالِ وَطُولِ الْحَيَاةِ مُحْتَكِمٌ كَاحْتِكَامِ قُوَّةِ الشَّابِّ فِي شَبَابِهِ هَذَا صَوَابُهُ وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِهِ غَيْرُ هَذَا مِمَّا لَا يُرْتَضَى انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي بَابِ مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الْعُمُرِ مِنْ كِتَابِ الرِّقَاقِ وَمُسْلِمٌ فِي بَابِ كَرَاهَةِ الْحِرْصِ عَلَى الدُّنْيَا مِنْ كِتَابِ الزَّكَاةِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الرِّقَاقِ [2339] قَوْلُهُ (يَهْرَمُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ مِنْ بَابِ عَلِمَ أَيْ يَشِيبُ وَالْهَرَمُ كِبَرُ السِّنِّ (وَيَشِبُّ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَيْ يَنْمُو وَيَقْوَى (مِنْهُ) أَيْ مِنْ أَخْلَاقِهِ (اثْنَتَانِ) أَيْ خَصْلَتَانِ (الْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ) أَيْ طُولِهِ (وَالْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ) أَيْ عَلَى جَمْعِهِ وَمَنْعِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب ما جاء في الزهادة في الدنيا

2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا) [2340] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ) الصُّورِيُّ نَزِيلُ دِمَشْقَ الْقَلَانِسِيُّ الْقُرَشِيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ) الدِّمَشْقِيُّ أَبُو حَفْصٍ مَوْلَى قُرَيْشٍ مَتْرُوكٌ مِنَ السَّادِسَةِ (أَخْبَرَنَا يونس بن حلبس) هو بن مَيْسَرَةَ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يُونُسُ بْنُ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ وَزْنُ جَعْفَرٍ وَقَدْ يُنْسَبُ لِجَدِّهِ ثِقَةٌ عَابِدٌ مُعَمَّرٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا) بِفَتْحِ الزَّايِ أَيْ ترك الرغبة فيها (ليست بتحريم الحلال) كما يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ زَعْمًا مِنْهُمْ أَنَّ هَذَا مِنَ الْكَمَالِ فَيَمْتَنِعُ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ وَالْحَلْوَاءِ وَالْفَوَاكِهِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ الْجَدِيدِ وَمِنَ التَّزَوُّجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المعتدين وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذِهِ الْأَفْعَالَ وَلَا أَكْمَلُ مِنْ حَالَةِ الْكَمَالِ (وَلَا إِضَاعَةِ الْمَالِ) أَيْ بِتَضْيِيعِهِ وَصَرْفِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ بِأَنْ يَرْمِيَهُ فِي بَحْرٍ أَوْ يُعْطِيَهُ لِلنَّاسِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ بَيْنَ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ (وَلَكِنَّ الزَّهَادَةَ) أَيِ الْمُعْتَبَرَةَ الْكَامِلَةَ (فِي الدُّنْيَا) أَيْ فِي شَأْنِهَا (أَنْ لَا تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ) مِنَ الْأَمْوَالِ أَوْ مِنَ الصَّنَائِعِ وَالْأَعْمَالِ (أَوْثَقَ) أَيْ أَرْجَى مِنْكَ (مما في يد الله) وفي وَفِيهِ نَوْعٌ مِنَ الْمُشَاكَلَةِ وَالْمَعْنَى لِيَكُنِ اعْتِمَادُكَ بِوَعْدِ اللَّهِ لَكَ مِنْ إِيصَالِ الرِّزْقِ إِلَيْكَ وَمِنْ إِنْعَامِهِ عَلَيْكَ مِنْ حَيْثُ لَا تَحْتَسِبُ وَمِنْ وَجْهٍ لَا تَكْتَسِبُ أَقْوَى وَأَشَدَّ مِمَّا فِي يَدَيْكَ مِنَ الْجَاهِ وَالْكَمَالِ وَالْعَقَارِ وَأَنْوَاعِ الصَّنَائِعِ فَإِنَّ مَا فِي يَدَيْكَ يُمْكِنُ تَلَفُهُ وَفَنَاؤُهُ بِخِلَافِ مَا فِي خَزَائِنِهِ فَإِنَّهُ مُحَقَّقٌ بَقَاؤُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى مَا عِنْدَكُمْ

ينفد وما عند الله باق (وَأَنْ تَكُونَ) عَطْفٌ عَلَى أَنْ لَا تَكُونَ (إذ أَنْتَ أُصِبْتَ بِهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (أَرْغَبَ فِيهَا) أَيْ فِي حُصُولِ الْمُصِيبَةِ (لَوْ أَنَّهَا) أَيْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ تِلْكَ الْمُصِيبَةَ (أُبْقِيَتْ لَكَ) أَيْ مُنِعَتْ لِأَجْلِكَ وَأُخِّرَتْ عَنْكَ فَوَضَعَ أُبْقِيَتْ مَوْضِعَ لَمْ تُصِبْ وَجَوَابُ لَوْ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهَا وَخُلَاصَتُهُ أَنْ تَكُونَ رَغْبَتُكَ فِي وُجُودِ الْمُصِيبَةِ لِأَجْلِ ثَوَابِهَا أَكْثَرَ مِنْ رَغْبَتِكَ فِي عَدَمِهَا فَهَذَانِ الْأَمْرَانِ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ عَلَى زُهْدِكَ فِي الدُّنْيَا وَمَيْلِكَ فِي الْعُقْبَى قاله القارىء وَقَالَ الطِّيبِيُّ لَوْ أَنَّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ حَالٌ من فاعل أرغب وجواب لو محذوف وإذا ظَرْفٌ وَالْمَعْنَى أَنْ تَكُونَ فِي حَالِ الْمُصِيبَةِ وَقْتَ إِصَابَتِهَا أَرْغَبَ مِنْ نَفْسِكَ فِي الْمُصِيبَةِ حَالَ كَوْنِكَ غَيْرَ مُصَابٍ بِهَا لِأَنَّكَ تُثَابُ بها إِلَيْكَ وَيَفُوتُكَ الثَّوَابُ إِذَا لَمْ تَصِلْ إِلَيْكَ قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه بن ماجه [2341] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حُرَيْثُ بْنُ السَّائِبِ) التَّمِيمِيُّ وَقِيلَ الهلالي البصري المؤذن صدوق يخطىء مِنَ السَّابِعَةِ (سَمِعْتُ الْحَسَنَ) هُوَ الْبَصْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنِي حُمْرَانُ) بِمَضْمُومَةٍ وَسُكُونِ مِيمٍ وَبِرَاءٍ مهملة (بن أَبَانَ) مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ اشْتَرَاهُ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (لَيْسَ لِابْنِ آدَمَ حَقٌّ) أَيْ حَاجَةٌ (فِي سِوَى هَذِهِ الْخِصَالِ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَوْصُوفُ سِوَى مَحْذُوفٌ أَيْ فِي شَيْءٍ سِوَى هَذِهِ إِلَخْ وَالْمُرَادُ بِهَا ضَرُورِيَّاتُ بَدَنِهِ المعين

عَلَى دِينِهِ (بَيْتٍ) بِالْجَرِّ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَكَذَا فِيمَا بَعْدَهُ مِنَ الْخِصَالِ الْمُبَيَّنَةِ (يَسْكُنُهُ) أَيْ مَحَلٍّ يَأْوِي إِلَيْهِ دَفْعًا لِلْحَرِّ وَالْبَرْدِ (وَثَوْبٍ يُوَارِي عَوْرَتَهُ) أَيْ يَسْتُرُهَا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ (وَجِلْفِ الْخُبْزِ) بِكَسْرِ جِيمٍ وَسُكُونِ لَامٍ وَيُفْتَحُ فَفِي النِّهَايَةِ الْجِلْفُ الْخُبْزُ وَحْدَهُ لَا أُدْمَ مَعَهُ وَقِيلَ الْخُبْزُ الْغَلِيظُ الْيَابِسُ وَيُرْوَى بِفَتْحِ اللَّامِ جَمْعُ جَلْفَةٍ وَهِيَ الْكِسْرَةُ مِنَ الْخُبْزِ وقال الهروي الجلف ها هنا الظَّرْفُ مِثْلُ الْخُرْجِ وَالْجُوَالِقِ يُرِيدُ مَا يُتْرَكُ فِيهِ الْخُبْزُ انْتَهَى وَفِي الْغَرِيبَيْنِ قَالَ شِمْرٌ عن بن الْأَعْرَابِيِّ الْجِلْفُ الظَّرْفُ مِثْلُ الْخُرْجِ وَالْجُوَالِقِ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ الظَّرْفَ وَأَرَادَ بِهِ الْمَظْرُوفَ أَيْ كِسْرَةُ خُبْزٍ وَشَرْبَةُ مَاءٍ انْتَهَى وَالْمَقْصُودُ غَايَةُ الْقَنَاعَةِ وَنِهَايَةُ الْكِفَايَةِ وَالْمَاءِ قَالَ القارىء رَحِمَهُ اللَّهُ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْجِلْفِ أَوِ الْخُبْزِ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الشُّرَّاحِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالرَّفْعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ إِحْدَى الْخِصَالِ قِيلَ أَرَادَ بِالْحَقِّ مَا وَجَبَ لَهُ مِنَ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ تَبِعَةٍ فِي الْآخِرَةِ وَسُؤَالٍ عَنْهُ وَإِذَا اكْتَفَى بِذَلِكَ مِنَ الْحَلَالِ لَمْ يُسْأَلْ عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي لَا بُدَّ لِلنَّفْسِ مِنْهَا وَأَمَّا مَا سِوَاهُ مِنَ الْحُظُوظِ يُسْأَلْ عَنْهُ وَيُطَالَبُ بِشُكْرِهِ وَقَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ أَرَادَ بِالْحَقِّ مَا يَسْتَحِقُّهُ الْإِنْسَانُ لِافْتِقَارِهِ إِلَيْهِ وَتَوَقُّفِ تَعَيُّشِهِ عَلَيْهِ وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ الْحَقِيقِيُّ مِنَ الْمَالِ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَبِعَةُ حِسَابٍ إِذَا كَانَ مُكْتَسَبًا مِنْ وَجْهٍ حَلَالٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ 3 - [2342] قَوْلُهُ (عَنْ مُطَرِّفِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ الْعَامِرِيِّ الْجُرَشِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ عَابِدٌ فَاضِلٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ بْنِ عَوْفٍ الْعَامِرِيِّ صَحَابِيٌّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ قَوْلُهُ (انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ وَصَلَ إِلَيْهِ (وَهُوَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلْهَاكُمُ التكاثر) أَيْ أَشْغَلَكُمْ طَلَبُ كَثْرَةِ الْمَالِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَالِي مَالِي) أَيْ يَغْتَرُّ بِنِسْبَةِ الْمَالِ إِلَى نفسه

تَارَةً وَيَفْتَخِرُ بِهِ أُخْرَى (وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ) أَيْ هَلْ يَحْصُلُ لَكَ مِنَ الْمَالِ وَيَنْفَعُكَ فِي الْمَالِ (إِلَّا مَا تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ) أَيْ فَأَمْضَيْتَهُ وَأَبْقَيْتَهُ لِنَفْسِكَ يَوْمَ الْجَزَاءِ قَالَ تَعَالَى مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ باق وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فيضاعفه له (أَوْ أَكَلْتَ) أَيِ اسْتَعْمَلْتَ مِنْ جِنْسِ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ فَفِيهِ تَغْلِيبٌ أَوِ اكْتِفَاءٌ (فَأَفْنَيْتَ) أَيْ فَأَعْدَمْتَهَا (أَوْ لَبِسْتَ) مِنَ الثِّيَابِ (فَأَبْلَيْتَ) أَيْ فَأَخْلَقْتَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ في الزهد [2343] 24 قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ) بْنِ الْقَاسِمِ الْحَنَفِيُّ أَبُو حَفْصٍ الْيَمَامِيُّ الْجُرَشِيُّ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ) الْعِجْلِيُّ أَبُو عَمَّارٍ الْيَمَامِيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ صَدُوقٌ يَغْلَطُ وفِي رِوَايَتِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ اضْطِرَابٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (أَخْبَرَنَا شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) الْقُرَشِيُّ أَبُو عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ ثِقَةٌ يُرْسِلُ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (إِنَّكَ إِنْ تَبْذُلِ الْفَضْلَ) أَيْ إِنْفَاقَ الزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَالْكَفَافِ فَإِنْ مَصْدَرِيَّةٌ مَعَ مَدْخُولِهَا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ (خَيْرٌ لَكَ) أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْأُخْرَى (وَإِنْ تُمْسِكْهُ) أَيْ ذَلِكَ الْفَضْلَ وَتَمْنَعْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ هُوَ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَنْ مَعْنَاهُ إِنْ بَذَلْتَ الْفَاضِلَ عَنْ حَاجَتِكَ وَحَاجَةِ عِيَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ لِبَقَاءِ ثَوَابِهِ وَإِنْ أَمْسَكْتَهُ فَهُوَ شَرٌّ لَكَ لِأَنَّهُ إِنْ أَمْسَكَ عَنِ الْوَاجِبِ اسْتَحَقَّ الْعِقَابَ عَلَيْهِ وَإِنْ أَمْسَكَ عَنِ الْمَنْدُوبِ فَقَدْ نَقَصَ ثَوَابُهُ وَفَوَّتَ مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ فِي آخِرَتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ شَرٌّ انْتَهَى (وَلَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ) بِالْفَتْحِ وَهُوَ مِنَ الرِّزْقِ الْقُوتُ وَهُوَ مَا كَفَّ عَنِ النَّاسِ وَأَغْنَى عَنْهُمْ وَالْمَعْنَى لَا تُذَمُّ عَلَى حِفْظِهِ وَإِمْسَاكِهِ أَوْ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَكَسْبِهِ وَمَفْهُومُهُ إِنَّكَ إِنْ حَفِظْتَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ تَتَصَدَّقْ بِمَا فَضَلَ عَنْكَ فَأَنْتَ مَذْمُومٌ وَبَخِيلٌ وَمَلُومٌ قاله القارىء وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى لَا تُلَامُ عَلَى كَفَافٍ أَنَّ قَدْرَ الْحَاجَةِ لَا لَوْمَ عَلَى صَاحِبِهِ وَهَذَا إِذَا لَمْ يَتَوَجَّهْ فِي

الْكَفَافِ حَقٌّ شَرْعِيٌّ كَمَنْ كَانَ لَهُ نِصَابٌ زَكَوِيٌّ وَوَجَبَتِ الزَّكَاةُ بِشُرُوطِهَا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى ذَلِكَ النِّصَابِ لِكَفَافِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ وَيَحْصُلُ كِفَايَتُهُ مِنْ جِهَةٍ مُبَاحَةٍ انْتَهَى (وَابْدَأْ) أي ابتدىء فِي إِعْطَاءِ الزَّائِدِ عَلَى قَدْرِ الْكَفَافِ (بِمَنْ تَعُولُ) أَيْ بِمَنْ تُمَوِّنُهُ وَيَلْزَمُكَ نَفَقَتُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ تَقْدِيمُ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ لِأَنَّهَا مُنْحَصِرَةٌ فِيهِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ غَيْرِهِمْ وَفِيهِ الِابْتِدَاءُ بِالْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ (الْيَدُ الْعُلْيَا) أي النفقة (خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى) أَيِ السَّائِلَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الزكاة 5 - [2344] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ) بْنِ مَسْرُوقٍ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو) الْمَعَافِرِيِّ الْمِصْرِيِّ إِمَامِ جَامِعِهَا صَدُوقٌ عَابِدٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هُبَيْرَةَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا بْنِ أسعد السبائى بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَقْصُورَةٍ الْحَضْرَمِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو هُبَيْرَةَ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِي تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي الْأَسْحَمِ بِمُهْمَلَتَيْنِ أَبُو تَمِيمٍ الْجَيْشَانِيُّ بِجِيمٍ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ مُخَضْرَمٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَوَكَّلُونَ) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ لِلتَّخْفِيفِ أَيْ تَعْتَمِدُونَ (حَقَّ تَوَكُّلِهِ) بِأَنْ تَعْلَمُوا يَقِينًا أَنْ لَا فَاعِلَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنْ لَا مُعْطِيَ وَلَا مَانِعَ إِلَّا هُوَ ثُمَّ تَسْعَوْنَ فِي الطَّلَبِ بِوَجْهٍ جَمِيلٍ وَتَوَكُّلٍ (لَرُزِقْتُمْ كَمَا تُرْزَقُ الطَّيْرُ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ مَضْمُومَةٌ أَوَّلُهُ (تَغْدُو) أَيْ تَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ (خِمَاصًا) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ خَمِيصٍ أَيْ جِيَاعًا (وَتَرُوحُ) أَيْ تَرْجِعُ آخِرَ النَّهَارِ (بِطَانًا) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ بَطِينٍ وَهُوَ عَظِيمُ الْبَطْنِ وَالْمُرَادُ شِبَاعًا قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ تَغْدُو بُكْرَةً وَهِيَ جِيَاعٌ وَتَرُوحُ عِشَاءً وَهِيَ مُمْتَلِئَةُ الْأَجْوَافِ فَالْكَسْبُ لَيْسَ بِرَازِقٍ بَلِ الرَّازِقُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ التَّوَكُّلَ لَيْسَ التَّبَطُّلَ وَالتَّعَطُّلَ بَلْ لَا بُدَّ فِيهِ من

التَّوَصُّلِ بِنَوْعٍ مِنَ السَّبَبِ لِأَنَّ الطَّيْرَ تُرْزَقُ بِالسَّعْيِ وَالطَّلَبِ وَلِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَرْكِ الْكَسْبِ بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى طَلَبِ الرِّزْقِ وَإِنَّمَا أَرَادَ لَوْ تَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ فِي ذَهَابِهِمْ وَمَجِيئِهِمْ وَتَصَرُّفِهِمْ وَعَلِمُوا أَنَّ الْخَيْرَ بِيَدِهِ لَمْ يَنْصَرِفُوا إِلَّا غَانِمِينَ سَالِمِينَ كَالطَّيْرِ لَكِنِ اعْتَمَدُوا عَلَى قُوتِهِمْ وَكَسْبِهِمْ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَدْ يُظَنُّ أَنَّ مَعْنَى التَّوَكُّلِ تَرْكُ الْكَسْبِ بِالْبَدَنِ وَتَرْكُ التَّدْبِيرِ بِالْقَلْبِ وَالسُّقُوطُ عَلَى الْأَرْضِ كَالْخِرْقَةِ الْمُلْقَاةِ أَوْ كَلَحْمٍ عَلَى وَضْمٍ وَهَذَا ظَنُّ الْجُهَّالِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ فِي الشَّرْعِ وَالشَّرْعُ قَدْ أَثْنَى عَلَى الْمُتَوَكِّلِينَ فَكَيْفَ يُنَالُ مَقَامٌ مِنْ مقامات الدين محظور مِنْ مَحْظُورَاتِ الدِّينِ بَلْ نَكْشِفُ عَنِ الْحَقِّ فِيهِ فَنَقُولُ إِنَّمَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُ التَّوَكُّلِ فِي حَرَكَةِ الْعَبْدِ وَسَعْيِهِ بِعَمَلِهِ إِلَى مَقَاصِدِهِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ اعْلَمْ أَنَّ التَّوَكُّلَ مَحَلُّهُ الْقَلْبُ وَأَمَّا الْحَرَكَةُ بِالظَّاهِرِ فَلَا تُنَافِي التوكل بالقلب بعد ما يُحَقِّقُ الْعَبْدُ أَنَّ الرِّزْقَ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ تَعَسَّرَ شَيْءٌ فَبِتَقْدِيرِهِ وَإِنْ تَيَسَّرَ شَيْءٌ فَبِتَيْسِيرِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ [2345] قَوْلُهُ (كَانَ أَخَوَانِ) أَيِ اثْنَانِ مِنَ الْإِخْوَانِ (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ فِي زَمَنِهِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ لِطَلَبِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ (وَالْآخَرُ يَحْتَرِفُ) أَيْ يَكْتَسِبُ أَسْبَابَ الْمَعِيشَةِ فَكَأَنَّهُمَا كَانَا يَأْكُلَانِ مَعًا (فَشَكَا الْمُحْتَرِفُ) أَيْ فِي عَدَمِ مُسَاعَدَةِ أَخِيهِ إِيَّاهُ فِي حِرْفَتِهِ وَفِي كَسْبٍ اخر لمعيشته فقال (لعلك تُرْزَقُ بِهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أَرْجُو وَأَخَافُ أَنَّكَ مَرْزُوقٌ بِبَرَكَتِهِ لِأَنَّهُ مَرْزُوقٌ بِحِرْفَتِكَ فَلَا تَمْنُنْ عَلَيْهِ بِصَنْعَتِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ وَمَعْنَى لَعَلَّ فِي قَوْلِهِ لَعَلَّكَ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُفِيدُ الْقَطْعَ وَالتَّوْبِيخَ كَمَا وَرَدَ فَهَلْ تُرْزَقُونَ إِلَّا بضعفائكم وأن يرجع الْمُخَاطَبِ لِيَبْعَثَهُ عَلَى التَّفَكُّرِ وَالتَّأَمُّلِ فَيَنْتَصِفَ مِنْ نفسه انتهى

وَحَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ وَقَالَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ انْتَهَى وَلَيْسَ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ هَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ 6 - [2346] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ) الرَّاسِبِيُّ أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (وَمَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ الْبَغْدَادِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ خَفِيفَةٍ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ الطَّالَقَانِيُّ نزيل بغداد صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُمَيْلَةَ) بِمُعْجَمَةٍ مُصَغَّرًا الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ الْقُبَائِيُّ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ مَمْدُودٌ مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التقريب سلمة بن عبد الله ويقال بن عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَطْمِيُّ الْمَدَنِيُّ مَجْهُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَيُقَالُ لَهُ صُحْبَةٌ وَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شميلة الأنصاري ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ لَهُ فِي السُّنَنِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ الْحَدِيثَ قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا أَعْرِفُهُ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ انْتَهَى (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مِحْصَنٍ الْأَنْصَارِيُّ يُقَالُ عُبَيْدُ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ وَرُجِّحَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ لَهُ حَدِيثٌ انْتَهَى (وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ أَكْثَرُهُمْ يُصَحِّحُ صُحْبَتَهُ وَقَالَ أَبُو نُعَيْمٍ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَآهُ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ فِيمَنِ اسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ يَعْنِي مُصَغَّرًا انْتَهَى قَوْلُهُ (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ) أَيْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ (آمِنًا) أَيْ غَيْرَ خَائِفٍ مِنْ عَدُوٍّ (فِي سِرْبِهِ) الْمَشْهُورُ كَسْرُ السِّينِ أَيْ فِي نَفْسِهِ وَقِيلَ السِّرْبُ الْجَمَاعَةُ فَالْمَعْنَى فِي أَهْلِهِ وَعِيَالِهِ وَقِيلَ بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ فِي مَسْلَكِهِ وَطَرِيقِهِ وَقِيلَ بِفَتْحَتَيْنِ أي في بيته كذا ذكره القارىء عن بعض الشراح وقال التوربشتي رح أَبَى بَعْضُهُمْ إِلَّا السَّرَبَ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ أَيْ فِي بَيْتِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ رِوَايَةً وَلَوْ سَلِمَ لَهُ قَوْلُهُ أَنْ يُطْلَقَ السَّرَبُ على كل بيت كان قوله هذا حربا بِأَنْ يَكُونَ أَقْوَى الْأَقَاوِيلِ إِلَّا أَنَّ السَّرَبَ يُقَالُ لِلْبَيْتِ الَّذِي هُوَ فِي الْأَرْضِ وَفِي القاموس

باب ما جاء في الكفاف والصبر عليه

السَّرْبُ الطَّرِيقُ وَبِالْكَسْرِ الطَّرِيقُ وَالْبَالُ وَالْقَلْبُ وَالنَّفْسُ والجماعة وبالتحريك جحر الوحشي وَالْحَفِيرُ تَحْتَ الْأَرْضِ انْتَهَى فَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ الْمُبَالَغَةَ فِي حُصُولِ الْأَمْنِ وَلَوْ فِي بَيْتٍ تَحْتَ الْأَرْضِ ضَيِّقٍ كَجُحْرِ الْوَحْشِ أَوِ التَّشْبِيهَ بِهِ فِي خَفَائِهِ وَعَدَمِ ضَيَاعِهِ (مُعَافًى) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ أَيْ صَحِيحًا سَالِمًا مِنَ الْعِلَلِ وَالْأَسْقَامِ (فِي جَسَدِهِ) أَيْ بَدَنِهِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ) أَيْ كِفَايَةُ قُوتِهِ مِنْ وَجْهِ الْحَلَالِ (فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْحِيَازَةِ وَهِيَ الْجَمْعُ وَالضَّمُّ (لَهُ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ لِمَنْ رَابِطٌ لِلْجُمْلَةِ أَيْ جُمِعَتْ لَهُ (الدُّنْيَا) وَزَادَ فِي الْمِشْكَاةِ بِحَذَافِيرِهَا قال القارىء أَيْ بِتَمَامِهَا وَالْحَذَافِيرُ الْجَوَانِبُ وَقِيلَ الْأَعَالِي وَاحِدُهَا حِذْفَارٌ أَوْ حُذْفُورٌ وَالْمَعْنَى فَكَأَنَّمَا أُعْطِيَ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري في الأدب المفرد وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ البخاري رح (أَخْبَرَنَا الْحُمَيْدِيُّ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ عِيسَى الْقُرَشِيُّ الْمَكِّيُّ أَبُو بَكْرٍ ثِقَةٌ حافظ فقيه أجل أصحاب بن عُيَيْنَةَ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَالَ الْحَاكِمُ كَانَ الْبُخَارِيُّ إِذَا وَجَدَ الْحَدِيثَ عِنْدَ الْحُمَيْدِيِّ لَا يَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْكَفَافِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْكَفَافُ هُوَ الَّذِي لَا يَفْضُلُ عَنِ الشَّيْءِ وَيَكُونُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ [2347] قَوْلُهُ (عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ) هُوَ الْغَافِقِيُّ (عَنْ عُبَيْدِ الله بن زحر) بفتح الراء وسكون المهملة الضمري مولاهم الافريقي صدوق يخطىء من السادسة

قَوْلُهُ (إِنَّ أَغْبَطَ أَوْلِيَائِي) أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ لِأَنَّ الْمَغْبُوطَ بِهِ حَالُهُ أَيْ أَحْسَنُهُمْ حَالًا وَأَفْضَلُهُمْ مَالًا (عِنْدِي) أَيْ فِي اعْتِقَادِي (لَمُؤْمِنٌ) اللَّامُ زَائِدَةٌ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ لِلتَّأْكِيدِ أَوْ هِيَ لِلِابْتِدَاءِ أَوِ الْمُبْتَدَأُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَهُوَ مُؤْمِنٌ (خَفِيفُ الْحَاذِ) بِتَخْفِيفِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ خَفِيفُ الْحَالِ الَّذِي يَكُونُ قَلِيلَ الْمَالِ وَخَفِيفَ الظَّهْرِ مِنَ الْعِيَالِ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْحَاذُ وَالْحَالُ وَاحِدٌ وَأَصْلُ الْحَاذِ طَرِيقَةُ الْمَتْنِ وَهُوَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اللِّبَدُ مِنْ ظَهْرِ الْفَرَسِ أَيْ خَفِيفَ الظَّهْرِ مِنَ الْعِيَالِ انْتَهَى وَمُجْمَلُ الْمَعْنَى أَحَقُّ أَحِبَّائِي وَأَنْصَارِي عِنْدِي بِأَنْ يُغْبَطَ وَيُتَمَنَّى حَالُهُ مُؤْمِنٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (ذُو حَظٍّ مِنَ الصَّلَاةِ) أَيْ وَمَعَ هَذَا هُوَ صَاحِبُ لَذَّةٍ وَرَاحَةٍ مِنَ الْمُنَاجَاةِ مَعَ اللَّهِ وَالْمُرَاقَبَةِ وَاسْتِغْرَاقٍ فِي الْمُشَاهَدَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصلاة وأرحنا بها يا بلال قاله القارىء (أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ) تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ وَالْمُرَادُ إِجَادَتُهَا عَلَى الْإِخْلَاصِ (وَأَطَاعَهُ فِي السِّرِّ) أَيْ كَمَا أَطَاعَهُ فِي الْعَلَانِيَةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ وَالتَّخْصِيصِ لِمَا فِيهِ مِنَ الِاعْتِنَاءِ قَالَهُ القارىء وَجَعَلَهُ الطِّيبِيُّ عَطْفَ تَفْسِيرٍ عَلَى أَحْسَنَ وَكَذَا الْمُنَاوِيُّ (وَكَانَ غَامِضًا) أَيْ خَامِلًا خَافِيًا غَيْرَ مَشْهُورٍ (فِي النَّاسِ) أَيْ فِيمَا بَيْنَهُمْ (لَا يُشَارُ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ) بَيَانٌ وَتَقْرِيرٌ لِمَعْنَى الْغُمُوضِ (وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافًا) أَيْ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ لَا أَزْيَدَ وَلَا أَنْقَصَ (فَصَبَرَ عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الرِّزْقِ الْكَفَافِ أَوْ عَلَى الْخُمُولِ وَالْغُمُوضِ أَوْ عَلَى مَا ذُكِرَ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ مِلَاكَ الْأَمْرِ الصَّبْرُ وَبِهِ يُتَقَوَّى عَلَى الطَّاعَةِ قال تعالى واستعينوا بالصبر والصلاة وقال أولئك يجزون الغرفة بما صبروا (ثُمَّ نَقَرَ بِيَدَيْهِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْقَافِ وَبِالرَّاءِ وَوَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ نَقَدَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الرَّاءِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ ثُمَّ نَقَدَ بِيَدِهِ بِالدَّالِ مِنْ نَقَدْتُهُ بِأُصْبُعِي وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَهُوَ كَالنَّقْرِ بِالرَّاءِ وَيُرْوَى بِهِ أَيْضًا وَالْمُرَادُ ضَرَبَ الْأُنْمُلَةَ عَلَى الْأُنْمُلَةِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ كَالْمُتَقَلِّلِ لِلشَّيْءِ أَيْ يُقَلِّلُ عُمُرَهُ وَعَدَدَ بَوَاكِيهِ وَمَبْلَغَ تُرَاثِهِ وَقِيلَ هُوَ فِعْلُ الْمُتَعَجِّبِ مِنَ الشَّيْءِ وَقِيلَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مَا بَعْدَهُ مِمَّا يُهْتَمُّ بِهِ (عُجِّلَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّعْجِيلِ (مَنِيَّتُهُ) أَيْ مَوْتُهُ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ يُسْلِمُ رُوحَهُ سَرِيعًا لِقِلَّةِ تَعَلُّقِهِ بِالدُّنْيَا وَغَلَبَةِ شَوْقِهِ إِلَى الْآخِرَةِ أَوْ أَرَادَ أَنَّهُ قَلِيلُ مُؤَنِ الْمَمَاتِ كَمَا كَانَ قَلِيلَ مُؤَنِ الْحَيَاةِ أَوْ كَانَ قَبْضُ رُوحِهِ سَرِيعًا (قَلَّتْ بواكيه) جمع

بَاكِيَةٍ أَيِ امْرَأَةٍ تَبْكِي عَلَى الْمَيِّتِ (قَلَّ تُرَاثُهُ) أَيْ مِيرَاثُهُ وَمَالُهُ الْمُؤَخَّرُ عَنْهُ مِمَّا يُورَثُ وَتُرَاثُ الرَّجُلِ مَا يُخَلِّفُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ من متاع الدنيا وتاءه بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ) أَيْ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ (عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي) أَيْ إِلَيَّ عَرْضًا حِسِّيًّا أَوْ مَعْنَوِيًّا وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالْمَعْنَى شَاوَرَنِي وَخَيَّرَنِي بَيْنَ الْوُسْعِ فِي الدُّنْيَا وَاخْتِيَارِ الْبُلْغَةِ لِزَادِ الْعُقْبَى مِنْ غَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عتاب قاله القارىء (بَطْحَاءَ مَكَّةَ) أَيْ أَرْضَهَا وَرِمَالَهَا (ذَهَبًا) أَيْ يدل حَجَرِهَا وَمَدَرِهَا وَأَصْلُ الْبَطْحَاءِ مَسِيلُ الْمَاءِ وَأَرَادَ هُنَا عَرْصَةَ مَكَّةَ وَصَحَارِيَهَا فَإِضَافَتُهُ بَيَانِيَّةٌ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ بَطْحَاءَ مَكَّةَ تَنَازَعَ فِيهِ عَرَضَ وَلِيَجْعَلَ أَيْ عَرَضَ عَلَيَّ بَطْحَاءَ مَكَّةَ لِيَجْعَلَهَا لِي ذَهَبًا وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ وَجَعْلُهَا ذَهَبًا إما يجعل حَصَاهُ ذَهَبًا أَوْ مَلْءِ مِثْلِهِ بِالذَّهَبِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ جَعَلَ جِبَالَهَا ذَهَبًا انْتَهَى (قُلْتُ لَا) أَيْ لَا أُرِيدُ وَلَا أَخْتَارُ (وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا) أَيْ أَخْتَارُ أَوْ أُرِيدُ أَنْ أَشْبَعَ وَقْتًا أَيْ فَأَشْكُرُ (وَأَجُوعُ يَوْمًا) أَيْ فَأَصْبِرُ (أَوْ قَالَ ثَلَاثًا أَوْ نَحْوَ هَذَا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ) بِعَرْضِ الِافْتِقَارِ عَلَيْكَ (وَذَكَرْتُكَ) أَيْ فِي نَفْسِي وَبِلِسَانِي (فَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكَ) عَلَى إِشْبَاعِكَ وَسَائِرِ نَعْمَائِكَ (وَحَمِدْتُكَ) أَيْ بِمَا أَلْهَمْتَنِي مِنْ ثَنَائِكَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ

أَبِي زِيَادٍ الْأَلْهَانِيُّ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الدِّمَشْقِيِّ صَاحِبِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ [2348] قَوْلُهُ (عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ شَرِيكٍ) الْمَعَافِرِيِّ أَبِي مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيِّ وَيُقَالُ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ شَرِيكٍ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (قَدْ أَفْلَحَ) أَيْ فَازَ وَظَفِرَ بِالْمَقْصُودِ (مَنْ أَسْلَمَ) أَيِ انْقَادَ لِرَبِّهِ (وَرُزِقَ) أَيْ مِنَ الْحَلَالِ (كفافا) أي ما يكف مِنَ الْحَاجَاتِ وَيَدْفَعُ الضَّرُورَاتِ (وَقَنَّعَهُ اللَّهُ) أَيْ جَعَلَهُ قَانِعًا بِمَا آتَاهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم وبن مَاجَهْ [2349] قَوْلُهُ (أَنَّ أَبَا عَلِيٍّ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ الْجَنْبِيَّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ الْهَمْدَانِيَّ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ لِلْإِسْلَامِ) بِبِنَاءِ هُدِيَ لِلْمَفْعُولِ (وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافًا) أَيْ لَا يَنْقُصُ عَنْ حَاجَتِهِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى كِفَايَتِهِ فَيَبْطَرُ وَيَطْغَى (وَقَنَعَ) كَمَنَعَ أَيْ رَضِيَ بِالْقَسْمِ وَلَمْ تَطْمَحْ نَفْسُهُ لِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وأخرجه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَأَقَرُّوهُ

باب ما جاء في فضل الفقر

28 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْفَقْرِ) [2350] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا رَوْحُ) بِفَتْحِ رَاءٍ وَسُكُونِ وَاوٍ وَإِهْمَالِ حَاءٍ (بْنُ أَسْلَمَ) الْبَاهِلِيُّ أَبُو حَاتِمٍ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا شَدَّادُ) بْنُ سَعِيدٍ (أبو طلحة الراسبي) البصري صدوق يخطىء مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِي الْوَازِعِ) اسْمُهُ جَابِرُ بْنُ عَمْرٍو الرَّاسِبِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (وَاَللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ) أَيْ حُبًّا بَلِيغًا وَإِلَّا فَكُلُّ مُؤْمِنٍ يُحِبُّهُ (فَقَالَ لَهُ انْظُرْ مَا تَقُولُ) أَيْ رُمْتَ أَمْرًا عَظِيمًا وَخَطْبًا خَطِيرًا فَتَفَكَّرْ فِيهِ فَإِنَّكَ تُوقِعُ نَفْسَكَ فِي خَطَرٍ وَأَيُّ خَطَرٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَسْتَهْدِفَهَا غَرَضًا لِسِهَامِ الْبَلَايَا وَالْمَصَائِبِ فَهَذَا تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ فَأَعِدَّ لِلْفَقْرِ تِجْفَافًا (قَالَ وَاَللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) ظَرْفٌ لِقَالَ (إِنْ كُنْتَ تُحِبُّنِي) حُبًّا بَلِيغًا كَمَا تَزْعُمُ (فَأَعِدَّ) أَمْرٌ مُخَاطَبٌ من الاعداد أي فهيء (لِلْفَقْرِ) أَيْ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ بَلْ بِالشُّكْرِ وَالْمَيْلِ إِلَيْهِ (تِجْفَافًا) بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ أَيْ دِرْعًا وَجُنَّةً فَفِي الْمُغْرِبِ هُوَ شَيْءٌ يُلْبَسُ عَلَى الْخَيْلِ عِنْدَ الْحَرْبِ كَأَنَّهُ دِرْعٌ تِفْعَالٌ مِنْ جَفَّ لِمَا فِيهِ مِنَ الصَّلَابَةِ وَالْيُبُوسَةِ انْتَهَى فَتَاؤُهُ زَائِدَةٌ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي النِّهَايَةِ وَفِي الْقَامُوسِ التِّجْفَافُ بِالْكَسْرِ آلَةٌ لِلْحَرْبِ يَلْبَسُهُ الْفَرَسُ وَالْإِنْسَانُ لِيَقِيَهُ فِي الْحَرْبِ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فِي الدَّعْوَى ومحقا في المعنى فهيء آلَةً تَنْفَعُكَ حَالَ الْبَلْوَى فَإِنَّ الْبَلَاءَ وَالْوَلَاءَ مُتَلَازِمَانِ فِي الْخَلَا وَالْمَلَا وَمُجْمَلُهُ أَنَّهُ تَهَيَّأْ لِلصَّبْرِ خُصُوصًا عَلَى الْفَقْرِ لِتَدْفَعَ بِهِ عَنْ دِينِكَ بِقُوَّةِ يَقِينِكَ مَا يُنَافِيهِ مِنَ الْجَزَعِ وَالْفَزَعِ وَقِلَّةِ الْقَنَاعَةِ وَعَدَمِ الرِّضَا بِالْقِسْمَةِ وَكَنَّى بِالتِّجْفَافِ عَنِ الصَّبْرِ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْفَقْرَ كَمَا يستر التجفاف البدن عن الضر قاله القارىء (مِنَ السَّيْلِ) أَيْ إِذَا انْحَدَرَ مِنْ عُلُوٍّ (إِلَى مُنْتَهَاهُ) أَيْ مُسْتَقَرِّهِ فِي سُرْعَةِ وُصُولِهِ والمعنى أنه لابد من وصول

باب ما جاء أن فقراء المهاجرين يدخلون الجنة قبل

الْفَقْرِ بِسُرْعَةٍ إِلَيْهِ وَمِنْ نُزُولِ الْبَلَايَا وَالرَّزَايَا بِكَثْرَةٍ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ خُصُوصًا سَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ فَيَكُونُ بلاؤه أشد بَلَائِهِمْ وَيَكُونُ لِأَتْبَاعِهِ نَصِيبٌ عَلَى قَدْرِ وَلَائِهِمْ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ) بْنِ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ طُلِبَ لِلْقَضَاءِ فَامْتَنَعَ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا أَبِي) أَيْ عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ 9 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ) أَغْنِيَائِهِمْ [2351] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ الطُّفَيْلِ العامر الْبَكَّائِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ ثَبْتٌ فِي المغازي وفي حديثه عن غير بن إِسْحَاقَ لِينٌ مِنَ الثَّامِنَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ وَكِيعًا كَذَّبَهُ وَلَهُ فِي الْبُخَارِيِّ مَوْضِعٌ وَاحِدٌ مُتَابَعَةً قَوْلُهُ (فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِخَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ) فَالْفُقَرَاءُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ لَهُمْ حُسْنُ الْعَيْشِ فِي الْعُقْبَى مُجَازَاةً لِمَا فَاتَهُمْ مِنَ التَّنَعُّمِ فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ تَعَالَى كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيام الخالية أَيِ الْمَاضِيَةِ أَوِ الْخَالِيَةِ عَنِ الْمَأْكَلِ وَالْمَشْرَبِ صِيَامًا أَوْ وَقْتَ الْمَجَاعَةِ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الزُّهْدِ وَفِيهِ أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الْأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ [2352] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَابِدُ الْكُوفِيُّ) أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ صَدُوقٌ زَاهِدٌ يُخْطِئُ فِي أَحَادِيثَ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ النُّعْمَانِ) بْنِ سَالِمٍ اللَّيْثِيُّ الْكُوفِيُّ بن أُخْتِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ضَعِيفٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا) قِيلَ هُوَ مِنَ الْمَسْكَنَةِ وَهِيَ الذِّلَّةُ وَالِافْتِقَارُ فَأَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ إِظْهَارَ تَوَاضُعِهِ وَافْتِقَارِهِ إِلَى رَبِّهِ إِرْشَادًا لِأُمَّتِهِ إِلَى اسْتِشْعَارِ التَّوَاضُعِ وَالِاحْتِرَازِ عَنِ الْكِبْرِ وَالنَّخْوَةِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ التَّنْبِيهَ عَلَى عُلُوِّ دَرَجَاتِ الْمَسَاكِينِ وَقُرْبِهِمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ) أَيِ اجْمَعْنِي فِي جَمَاعَتِهِمْ بِمَعْنَى اجْعَلْنِي مِنْهُمْ لَكِنْ لَمْ يَسْأَلْ مَسْكَنَةً تَرْجِعُ لِلْقِلَّةِ بَلْ لِلْإِخْبَاتِ وَالتَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ قَالَ السُّهْرَوَرْدِيُّ لَوْ سَأَلَ اللَّهَ أَنْ يَحْشُرَ الْمَسَاكِينَ فِي زُمْرَتِهِ لَكَانَ لَهُمُ الْفَخْرُ الْعَمِيمُ وَالْفَضْلُ الْعَظِيمُ فَكَيْفَ وَقَدْ سَأَلَ أَنْ يُحْشَرَ فِي زُمْرَتِهِمْ (لِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ) أَيْ لِأَيِّ شَيْءٍ دَعَوْتَ هَذَا الدُّعَاءَ وَاخْتَرْتَ الْحَيَاةَ وَالْمَمَاتَ وَالْبَعْثَ مَعَ الْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ دُونَ أَكَابِرِ الْأَغْنِيَاءِ (قَالَ إِنَّهُمْ) اسْتِئْنَافٌ فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ أَيْ لِأَنَّهُمْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ بَقِيَّةِ فَضَائِلِهِمْ وَحُسْنِ أَخْلَاقِهِمْ وَشَمَائِلِهِمْ (بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا) أَيْ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْخَرِيفُ الزَّمَانُ الْمَعْرُوفُ مِنْ فُصُولِ السَّنَةِ مَا بَيْنَ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ وَيُرِيدُ بِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً لِأَنَّ الْخَرِيفَ لَا يَكُونُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِذَا انْقَضَى أَرْبَعُونَ خَرِيفًا فَقَدْ مَضَتْ أَرْبَعُونَ سَنَةً انْتَهَى

فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فَإِنَّهُمَا بِظَاهِرِهِمَا مُتَخَالِفَانِ قُلْتُ أَوْجُهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ بِكُلٍّ مِنَ الْعَدَدَيْنِ إِنَّمَا هُوَ التَّكْثِيرُ لَا التَّحْدِيدُ فَتَارَةً عَبَّرَ بِهِ وَأُخْرَى بِغَيْرِهِ تَفَنُّنًا وَمَآلُهُمَا وَاحِدٌ أَوْ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِأَرْبَعِينَ كَمَا أُوحِيَ إليه ثم أخبر ثانيا بخمس مائة عَامٍ زِيَادَةً مِنْ فَضْلِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِبَرَكَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّقْدِيرُ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا إِشَارَةً إِلَى أَقَلِّ الْمَرَاتِبِ وَبِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ إِلَى أَكْثَرِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ وَلَفْظُهُ سَبَقَ الْمُهَاجِرُونَ النَّاسَ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا إِلَى الْجَنَّةِ ثُمَّ يَكُونُ الزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ مِائَةَ خَرِيفٍ فَالْمَعْنَى أَنْ يَكُونَ الزُّمْرَةُ الثَّالِثَةُ مِائَتَيْنِ وَهَلُمَّ جَرًّا وَكَأَنَّهُمْ مَحْصُورُونَ فِي خَمْسِ زُمَرٍ أَوِ الِاخْتِلَافُ بِاخْتِلَافِ مَرَاتِبِ أَشْخَاصِ الْفُقَرَاءِ فِي حَالِ صَبْرِهِمْ وَرِضَاهُمْ وَشُكْرِهِمْ وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْمُطَابِقُ لِمَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ حَيْثُ قَالَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْأَرْبَعِينَ أَرَادَ بِهَا تَقَدُّمَ الْفَقِيرِ الْحَرِيصِ عَلَى الْغَنِيِّ وَأَرَادَ بالخمس مائة تَقَدُّمَ الْفَقِيرِ الزَّاهِدِ عَلَى الْغَنِيِّ الرَّاغِبِ فَكَانَ الْفَقِيرُ الْحَرِيصُ عَلَى دَرَجَتَيْنِ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً مِنَ الْفَقِيرِ الزَّاهِدِ وَهَذِهِ نِسْبَةُ الْأَرْبَعِينَ إلى الخمس مائة وَلَا تَظُنَّنَّ أَنَّ التَّقْدِيرَ وَأَمْثَالَهُ يَجْرِي عَلَى لِسَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُزَافًا وَلَا بِاتِّفَاقٍ بَلْ لِسِرٍّ أَدْرَكَهُ وَنِسْبَةٍ أَحَاطَ بِهَا عِلْمُهُ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (أَحِبِّي الْمَسَاكِينَ) أَيْ بِقَلْبِكِ (وَقَرِّبِيهِمْ) أَيْ إِلَى مَجْلِسِكِ حَالَ تَحْدِيثِكِ (فَإِنَّ اللَّهَ يُقَرِّبُكِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ بِتَقْرِيبِهِمْ تَقْرِيبًا إِلَى الله سبحانه وتعالى قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ إِنْ لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ آخَرُ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ لَكَفَى حُجَّةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ الصَّابِرَ خَيْرٌ مِنَ الْغَنِيِّ الشَّاكِرِ وَأَمَّا حَدِيثُ الْفَقْرُ فَخْرِي وَبِهِ أَفْتَخِرُ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ مِنَ الْحُفَّاظِ الْعَسْقَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا فَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفَقْرِ الْقَلْبِيِّ الْمُؤَدِّي إِلَى الْجَزَعِ وَالْفَزَعِ بِحَيْثُ يُفْضِي إِلَى عَدَمِ الرِّضَاءِ بِالْقَضَاءِ وَالِاعْتِرَاضِ عَلَى تَقْسِيمِ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ إِنَّمَا الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْمِسْكِينِ بِمَا نُقِلَ الْفَقْرُ فَخْرِي وَبِهِ أَفْتَخِرُ وَهَذَا الْحَدِيثُ سُئِلَ عنه الحافظ بن تَيْمِيَّةَ فَقَالَ إِنَّهُ كَذِبٌ لَا يُعْرَفُ فِي شيء من كتب المسلمين المروية وجزم الصغائي بِأنَّهُ مَوْضُوعٌ انْتَهَى

فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ حَدِيثِ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي فِيهِ اسْتِعَاذَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْفَقْرِ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ إِنَّ الَّذِي اسْتَعَاذَ مِنْهُ وَكَرِهَهُ فَقْرُ الْقَلْبِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ وَارْتَضَاهُ طرح المال وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ الَّذِي اسْتَعَاذَ مِنْهُ هُوَ الَّذِي لَا يُدْرَكُ مَعَهُ الْقُوتُ وَالْكَفَافُ وَلَا يَسْتَقِرُّ مَعَهُ فِي النَّفْسِ غِنًى لِأَنَّ الْغِنَى عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غِنَى النَّفْسِ وَقَدْ قال تعالى ووجدك عائلا فأغنى وَلَمْ يَكُنْ غِنَاهُ أَكْثَرَ مِنَ ادِّخَارِهِ قُوتَ سنة لنفسه وعياله وكان الغني في محله قَلْبِهِ ثِقَةً بِرَبِّهِ وَكَانَ يَسْتَعِيذُ مِنْ فَقْرٍ مُنْسٍ وَغِنًى مُطْغٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الغنى والفقر طرفين مذمومين وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ فِي هَذَا الْمَعْنَى انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَقَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رواه بن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ أَيْضًا وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْهُ وَطَوَّلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بن الصامت تنبيه أسرف بن الْجَوْزِيِّ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَكَأَنَّهُ أَقْدَمَ عَلَيْهِ لَمَّا رَآهُ مُبَايِنًا لِلْحَالِ الَّتِي مَاتَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ كَانَ مَكْفِيًّا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَوَجْهُهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلِ الْمَسْكَنَةَ الَّتِي يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى الْقِلَّةِ وَإِنَّمَا سَأَلَ الْمَسْكَنَةَ الَّتِي يَرْجِعُ مَعْنَاهَا إِلَى الْإِخْبَاتِ وَالتَّوَاضُعِ انْتَهَى [2353] قَوْلُهُ (بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ نِصْفِ يَوْمٍ) بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ عَنْ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ فَإِنَّ الْيَوْمَ الْأُخْرَوِيَّ مِقْدَارُ طُولِهِ أَلْفُ سَنَةٍ مِنْ سِنِيِّ الدُّنْيَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ ربك كألف سنة مما تعدون فَنِصْفُهُ خَمْسُمِائَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي يَوْمٍ كان مقداره خمسين ألف سنة فَمَخْصُوصٌ مِنْ عُمُومِ مَا سَبَقَ أَوْ مَحْمُولٌ عَلَى تَطْوِيلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ عَلَى

الْكُفَّارِ كَمَا يُطْوَى حَتَّى يَصِيرَ كَسَاعَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَبْرَارِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ فَذَلِكَ يَوْمئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يسير قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بعد ذكر هذا الحديث رواه الترمذي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَرُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ انتهى قَوْلُهُ (وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ عَامٍ) فَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ آنِفًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ [2355] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ الْحَضْرَمِيِّ) أَبِي زُرْعَةَ الْمِصْرِيِّ ضَعِيفٌ شِيعِيٌّ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتَّحْسِينُ لِلشَّوَاهِدِ 0 - [2356] قَوْلُهُ (مَا أَشْبَعُ مِنْ طَعَامٍ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَعْلُومِ (فَأَشَاءُ أَنْ أَبْكِيَ) أَيْ أُرِيدُ الْبُكَاءَ

وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَإِنَّ الْبُكَاءَ لَازِمٌ لِلشِّبَعِ الَّذِي يُعْقِبُهُ الْمَشِيئَةُ وَلَيْسَتِ الْمَشِيئَةُ لَازِمَةً لِلشِّبَعِ وَلِذَا قالت فأشاء لم يقتصر عَلَى مَا أَشْبَعُ مِنْ طَعَامٍ إِلَّا بَكَيْتُ وَقِيلَ إِنَّهَا لِلسَّبَبِيَّةِ (وَاَللَّهُ مَا شَبِعَ مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ مَرَّتَيْنِ فِي يَوْمٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خُبْزٍ وَزَيْتٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَرَّتَيْنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2357] قَوْلُهُ (مَا شَبِعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مَا شَبِعَ آلُ مُحَمَّدٍ (مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ) فَمِنَ الْبُرِّ بِالْأَوْلَى (حَتَّى) أَيِ اسْتَمَرَّ عَدَمُ الشِّبَعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ حَتَّى (قُبِضَ) صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال القارىء وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ صَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ غَنِيًّا نَعَمْ وَقَعَ مَالٌ كَثِيرٌ فِي يَدِهِ لَكِنَّهُ مَا أَمْسَكَهُ بَلْ صَرَفَهُ فِي مَرْضَاةِ رَبِّهِ وَكَانَ دَائِمًا غَنِيَّ الْقَلْبِ بِغِنَى الرَّبِّ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2358] قَوْلُهُ (ثَلَاثًا) أَيْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بِلَيَالِيهَا (تِبَاعًا) بِكَسْرِ فَوْقِيَّةٍ وَخِفَّةِ مُوَحَّدَةٍ أَيْ مُتَوَالِيَةً قَالَ الْحَافِظُ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ سَبَبَ عَدَمِ شِبَعِهِمْ غَالِبًا كَانَ بِسَبَبِ قِلَّةِ الشَّيْءِ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا قَدْ يَجِدُونَ وَلَكِنْ يُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ [2359] (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْرٍ) اسْمُهُ نَسْرٌ الْكَرْمَانِيُّ كُوفِيُّ الْأَصْلِ نَزَلَ بِبَغْدَادَ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا حَرِيزُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ زَايٌ (بْنُ عُثْمَانَ) الرَّحْبِيُّ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ رُمِيَ بِالنَّصْبِ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ) هُوَ الْكَلَاعِيُّ الْخَبَائِرِيُّ الْحِمْصِيُّ قَوْلُهُ (مَا كَانَ يَفْضُلُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَضْلُ ضِدُّ النَّقْصِ وَقَدْ فَضَلَ كَنَصَرَ وَعَلِمَ وَأَمَّا فَضِلَ كَعَلِمَ يَفْضُلُ كَيَنْصُرُ فَمُرَكَّبَةٌ مِنْهُمَا انْتَهَى وَالْمَعْنَى لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُمْ مِنْ دَقِيقِ الشَّعِيرِ مَا إِذَا خَبَزُوهُ يَفْضُلُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا فِي الشَّمَائِلِ [2360] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ) الْأَحْوَلُ أَبُو زَيْدٍ الْبَصْرِيُّ وَثَّقَهُ بن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ (عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ) بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَتَيْنِ الْعَبْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْعَلَاءِ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ الْمَدَائِنِ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ بِأَخَرَةٍ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (يَبِيتُ اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِيًا) أَيْ جَائِعًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ طَوَى مِنَ الْجُوعِ يَطْوِي طَوًى فَهُوَ طَاوٍ أَيْ خَالِي الْبَطْنِ جَائِعٌ لَمْ يَأْكُلْ انْتَهَى (لَا يَجِدُونَ عَشَاءً) بِالْفَتْحِ الطَّعَامُ الَّذِي يُؤْكَلُ عِنْدَ الْعِشَاءِ بِالْكَسْرِ وَهُوَ أَوَّلُ الظَّلَّامِ أَوْ مِنَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْعَتَمَةِ أَوْ مِنْ زَوَالِ الشَّمْسِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ (وَكَانَ أَكْثَرُ خُبْزِهِمْ) أَيْ خُبْزِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِهِ (خُبْزَ الشَّعِيرِ) فَكَانُوا يَأْكُلُونَهُ مِنْ غَيْرِ نَخِيلٍ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ [2361] قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ) أَيْ أَهْلِ بَيْتِهِ (قُوتًا) أَيْ بِقَدْرِ مَا يُمْسِكُ الرَّمَقَ مِنَ الْمَطْعَمِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَيِ اكْفِهِمْ مِنَ الْقُوتِ بِمَا لَا يُرْهِقُهُمْ إِلَى ذُلِّ الْمَسْأَلَةِ وَلَا يَكُونُ فِيهِ فُضُولٌ يَبْعَثُ عَلَى التَّرَفُّهِ وَالتَّبَسُّطِ فِي الدُّنْيَا قَالَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ طَلَبَ الْكَفَافَ فَإِنَّ الْقُوتَ مَا يَقُوتَ الْبَدَنَ وَيَكُفُّ عَنِ الْحَاجَةِ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ سَلَامَةٌ مِنْ حَالَاتِ الغنى والفقر جميعا انتهى وقال بن بَطَّالٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ الْكَفَافِ وَأَخْذِ الْبُلْغَةِ مِنَ الدُّنْيَا وَالزُّهْدِ فِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي تَوْفِيرِ نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَإِيثَارًا لِمَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى فَيَنْبَغِي أَنْ تَقْتَدِيَ بِهِ أُمَّتُهُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ [2362] قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا) لِسَمَاحَةِ نَفْسِهِ وَمَزِيدِ ثِقَتِهِ بِرَبِّهِ (لِغَدٍ) أَيْ مِلْكًا بَلْ تَمْلِيكًا فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ ادَّخَرَ قُوتَ سَنَةٍ لِعِيَالِهِ فَإِنَّهُ كَانَ خَازِنًا قَاسِمًا فَلَمَّا وَقَعَ الْمَالُ بِيَدِهِ قَسَمَ لَهُمْ كَمَا قَسَمَ لِغَيْرِهِمْ فَإِنَّ لهم حقا في الفيء وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ يُحْمَلُ حَدِيثُ لَا يَدَّخِرُ شَيْئًا لِغَدٍ عَلَى الِادِّخَارِ لِنَفْسِهِ وَحَدِيثُ وَيَحْبِسُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَتِهِمْ عَلَى الِادِّخَارِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ فِي ذَلِكَ مُشَارَكَةٌ لَكِنِ الْمَعْنَى أَنَّهُمُ الْمَقْصِدُ بِالِادِّخَارِ دُونَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يُوجَدُوا لَمْ يَدَّخِرْ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إِسْنَادُهُ جيد قوله (وقد روى هذا غير بن جعفر سليمان عن ثابت مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ إِلَخْ بِلَفْظِ عَنْ مَكَانَ غَيْرُ

[2363] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ مَيْسَرَةَ التَّمِيمِيُّ أَبُو مَعْمَرٍ الْمُقْعَدُ الْمُنْقِرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ رُمِيَ بِالْقَدَرِ مِنَ الْعَاشِرَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (مَا أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ طَعَامًا (عَلَى خُوَانٍ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْخُوَانُ بِضَمِّ خَاءٍ وَكَسْرِهَا الْمَائِدَةُ الْمُعَدَّةُ وَيُقَالُ الْأُخْوَانُ وَجَمْعُهُ أخوية وَخُونٌ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَالْأَكْلُ عَلَيْهِ مِنْ دَأْبِ الْمُتْرَفِينَ لِئَلَّا يُفْتَقَرَ إِلَى التَّطَأْطُؤِ وَالِانْحِنَاءِ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْخُوَانِ مُفَصَّلًا فِي بَابِ عَلَى مَا كَانَ يَأْكُلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبْوَابِ الْأَطْعِمَةِ (وَلَا أَكَلَ خُبْزًا مُرَقَّقًا) قَالَ عِيَاضٌ قَوْلُهُ مُرَقَّقًا أَيْ ملينا محسنا كَخُبْزِ الْحُوَّارَى وَشَبَهِهِ وَالتَّرْقِيقُ التَّلْيِينُ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ مَنَاخِلُ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَقَّقُ الرَّقِيقُ الْمُوَسَّعُ انْتَهَى قَالَ الحافظ وهذا هو المتعارف وبه جزم بن الْأَثِيرِ قَالَ الرِّقَاقُ الرَّقِيقُ مِثْلُ طِوَالٍ وَطَوِيلٍ وهو الرغيف الواسع الرقيق وأغرب بن التِّينِ فَقَالَ هُوَ السَّمِيدُ وَمَا يُصْنَعُ مِنْهُ من كعك وغيره وقال بن الْجَوْزِيِّ هُوَ الْخَفِيفُ كَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الرِّقَاقِ وَهِيَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يُرَقَّقُ بِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2364] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْحَنَفِيُّ) أَبُو عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ ضَعَّفَهُ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا عبد الرحمن هو بن عبد الله بن دينار) مولى بن عمر صدوق يخطىء مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَقُلْتُ هَلْ أَكَلَ رسول الله صلى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ وَالنَّقِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ (يَعْنِي الْحُوَّارَى) بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ الَّذِي نُخِلَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ حَتَّى يَصِيرَ نَظِيفًا أَبْيَضَ (مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ) أَيْ مَا رَآهُ فَضْلًا عَنْ أَكْلِهِ فَفِيهِ مُبَالَغَةٌ لَا تَخْفَى وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ مِنْ حِينِ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ قَالَ الْحَافِظُ أَظُنُّ أَنَّ سَهْلًا احْتَرَزَ عَمَّا قَبْلَ الْبَعْثَةِ لِكَوْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سَافَرَ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا وَكَانَتِ الشَّامُ إِذْ ذَاكَ مَعَ الرُّومِ وَالْخُبْزُ النَّقِيُّ عِنْدَهُمْ كَثِيرٌ وَكَذَا الْمَنَاخِلُ وَغَيْرُهَا مِنْ آلَاتِ التَّرَفُّهِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَأَمَّا بَعْدَ الْبَعْثَةِ فَلَمْ يَكُنْ إِلَّا بِمَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَالْمَدِينَةِ وَوَصَلَ إِلَى تَبُوكَ وَهِيَ مِنْ أَطْرَافِ الشَّامِ لَكِنْ لَمْ يَفْتَحْهَا وَلَا طَالَتْ إِقَامَتُهُ بِهَا انْتَهَى (هَلْ كَانَتْ لَكُمْ مَنَاخِلُ) جَمْعُ مُنْخُلٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَضَمِّ الْخَاءِ وَيُفْتَحُ وَهُوَ الْغِرْبَالُ (قَالَ مَا كَانَتْ لَنَا مَنَاخِلُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْخُلًا مِنْ حِينِ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حتى قبض اللَّهُ (قِيلَ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِالشَّعِيرِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قُلْتُ كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ (قَالَ كُنَّا نَنْفُخُهُ) بِضَمِّ الْفَاءِ أَيْ نُطَيِّرُهُ بَعْدَ الطَّحْنِ إِلَى الْهَوَاءِ بِأَيْدِينَا أَوْ بِأَفْوَاهِنَا (فَيَطِيرُ مِنْهُ مَا طَارَ) أَيْ يَذْهَبُ مِنْهُ مَا ذَهَبَ مِنَ النُّخَالَةِ وَمَا فِيهِ خِفَّةٌ (ثُمَّ نُثَرِّيهِ) بِمُثَلَّثَةٍ وَرَاءٍ ثَقِيلَةٍ أَيْ نَبُلُّهُ بِالْمَاءِ مِنْ ثَرَّى التُّرَابَ تَثْرِيَةً أَيْ رَشَّ عَلَيْهِ (فَنَعْجِنُهُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ عجنه فهو يعجنه مَعْجُونٌ وَعَجِينٌ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ بِجَمْعِ كَفِّهِ يَغْمِزُهُ كَاعْتَجَنَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ تَنْبِيهٌ قَالَ الطَّبَرِيُّ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ النَّاسِ كَوْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ كَانُوا يَطْوُونَ الْأَيَّامَ جُوعًا مَعَ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ لِأَهْلِهِ قُوتَ سَنَةٍ وَأَنَّهُ قَسَمَ بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ أَلْفَ بَعِيرٍ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ سَاقَ فِي عُمْرَتِهِ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَنَحَرَهَا وَأَطْعَمَهَا الْمَسَاكِينَ وَأَنَّهُ أَمَرَ لِأَعْرَابِيٍّ بِقَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَعَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْوَالِ كَأَبِي بَكْرٍ

باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي

وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَطَلْحَةَ وَغَيْرِهِمْ مَعَ بَذْلِهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَدْ أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ وَعُمَرُ بِنِصْفِهِ وَحَثَّ عَلَى تَجْهِيزِ جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَجَهَّزَهُمْ عُثْمَانُ بِأَلْفِ بَعِيرٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ فِي حَالَةٍ دُونَ حَالَةٍ لَا لِعَوَزٍ وَضِيقٍ بَلْ تَارَةً لِلْإِيثَارِ وَتَارَةً لِكَرَاهَةِ الشِّبَعِ وَلِكَثْرَةِ الْأَكْلِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ثُمَّ قَالَ وَمَا نَفَاهُ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ آنِفًا وَقَدْ أَخْرَجَ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَائِشَةَ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّا كُنَّا نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ فَقَدْ كَذَبَكُمْ فَلَمَّا افْتُتِحَتْ قُرَيْظَةُ أَصَبْنَا شَيْئًا مِنَ التَّمْرِ وَالْوَدَكِ وَتَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ مِنْ رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا الْآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ وَتَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ حَدِيثُ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شبعنا من التمر وفي حديث بن عُمَرَ لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ شَبِعْنَا مِنَ التَّمْرِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْهُمْ كَانُوا فِي حَالِ ضِيقٍ قَبْلَ الْهِجْرَةِ حَيْثُ كَانُوا بِمَكَّةَ ثُمَّ لَمَّا هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَ أَكْثَرُهُمْ كَذَلِكَ فَوَاسَاهُمُ الْأَنْصَارُ بِالْمَنَازِلِ وَالْمَنَائِحِ فَلَمَّا فُتِحَتْ لَهُمُ النَّضِيرُ وَمَا بَعْدَهَا رَدُّوا عَلَيْهِمْ مَنَائِحَهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الْهِبَةِ وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يَخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ أَحَدٌ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبِطُ بِلَالٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وكذا أخرجه بن حِبَّانَ بِمَعْنَاهُ نَعَمْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْتَارُ ذَلِكَ مَعَ إِمْكَانِ حُصُولِ التَّوَسُّعِ وَالتَّبَسُّطِ فِي الدُّنْيَا لَهُ كَمَا أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَرَضَ عَلَيَّ رَبِّي لِيَجْعَلَ لِي بَطْحَاءَ مَكَّةَ ذَهَبًا فَقُلْتُ لَا يَا رَبِّ وَلَكِنْ أَشْبَعُ يَوْمًا وَأَجُوعُ يَوْمًا فَإِذَا جُعْتُ تَضَرَّعْتُ إِلَيْكَ وَإِذَا شَبِعْتُ شَكَرْتُكُ انْتَهَى 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مَعِيشَةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2365] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ) الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ مَتْرُوكٌ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا أَبِي) أَيْ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيُّ أَبُو عَمْرٍو الْكُوفِيُّ نَزِيلُ بغداد صدوق يخطىء من الثامنة (عن بيان) هو بن بشر (عن قيس) هو بن أبي حازم

قَوْلُهُ (إِنِّي لَأَوَّلُ رَجُلٍ أَهَرَاقَ دَمًا) أَيْ أَرَاقَهُ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَبْدَلَ الْهَمْزَةَ مِنَ الْهَاءِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا (وَإِنِّي لَأَوَّلُ رَجُلٍ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) قَالَ الْحَافِظُ وفي رواية بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعْدٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي السَّرِيَّةِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا مَعَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي سِتِّينَ رَاكِبًا وَهِيَ أَوَّلُ السَّرَايَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ (أَغْزُو فِي الْعِصَابَةِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ هُمُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْأَرْبَعِينَ وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا (مَا نَأْكُلُ إِلَّا وَرَقَ الشَّجَرِ وَالْحُبْلَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَبِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحُبْلَةُ ثَمَرُ السَّمُرِ يُشْبِهُ اللُّوبْيَاءَ وَقِيلَ هُوَ ثَمَرُ الْعِضَاهِ (حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ وَالْبَعِيرُ) أَرَادَ أَنَّ نَجْوَهُمْ يَخْرُجُ بَعْرًا لِيُبْسِهِ مِنْ أَكْلِهِمْ وَرَقَ الشَّجَرِ وَعَدَمِ الْغِذَاءِ الْمَأْلُوفِ (وأصبحت بنو أسد) أي بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ قَالَ الْحَافِظُ وَبَنُو أَسَدٍ كَانُوا فِيمَنِ ارْتَدَّ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبِعُوا طُلَيْحَةَ بْنَ خُوَيْلِدٍ الْأَسْدِيَّ لَمَّا ادَّعَى النُّبُوَّةَ ثُمَّ قَاتَلَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَكَسَرَهُمْ وَرَجَعَ بَقِيَّتُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَتَابَ طُلَيْحَةُ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَسَكَنَ مُعْظَمُهُمُ الْكُوفَةَ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ كَانُوا مِمَّنْ شَكَا سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ إِلَى عُمَرَ حَتَّى عَزَلَهُ وَقَالُوا فِي جُمْلَةِ مَا شَكَوْهُ إِنَّهُ لَا يُحْسِنُ الصَّلَاةَ انْتَهَى (يُعَزِّرُونِي فِي الدِّينِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ تُعَزِّرُنِي عَلَى الْإِسْلَامِ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ تُؤَدِّبُنِي وَالْمَعْنَى تُعَلِّمُنِي الصَّلَاةَ أَوْ تُعَيِّرُنِي بِأَنِّي لَا أُحْسِنُهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ أَيْ تُوقِفُنِي وَالتَّعْزِيرُ التَّوْقِيفُ عَلَى الْأَحْكَامِ وَالْفَرَائِضِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ مَعْنَاهُ تُقَوِّمُنِي وَتُعَلِّمُنِي وَمِنْهُ تَعْزِيرُ السُّلْطَانِ وَهُوَ التَّقْوِيمُ بِالتَّأْدِيبِ وَالْمَعْنَى أَنَّ سَعْدًا أَنْكَرَ أَهْلِيَّةَ بَنِي أَسَدٍ لِتَعْلِيمِهِ الْأَحْكَامَ مَعَ سَابِقِيَّتِهِ وَقِدَمِ صُحْبَتِهِ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ مَعْنَى تُعَزِّرُنِي تَلُومُنِي وَتَعْتِبُنِي وَقِيلَ تُوَبِّخُنِي عَلَى التَّقْصِيرِ (لَقَدْ خِبْتُ إِذَنْ) مِنَ الْخَيْبَةِ أَيْ مَعَ سَابِقَتِي فِي الْإِسْلَامِ إِذَا لَمْ أُحْسِنِ الصَّلَاةَ وَأَفْتَقِرُ إِلَى تَعْلِيمِهِمْ كُنْتُ خَاسِرًا (وَضَلَّ عَمَلِي) أَيْ فِيمَا مَضَى مِنْ صَلَاتِي معه صلى الله عليه وسلم قال بن الجوزي إن قيل كيف ساع لِسَعْدٍ أَنْ يَمْدَحَ نَفْسَهُ وَمِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِ تَرْكُ ذَلِكَ لِثُبُوتِ النَّهْيِ عَنْهُ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ سَاغَ لَهُ لَمَّا عَيَّرَهُ الْجُهَّالُ بِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ الصَّلَاةَ فَاضْطُرَّ إِلَى ذِكْرِ فَضْلِهِ

وَالْمِدْحَةُ إِذَا خَلَتْ مِنَ الْبَغْيِ وَالِاسْتِطَالَةِ وَكَانَ مَقْصُودُ قَائِلِهَا إِظْهَارَ الْحَقِّ وَشُكْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ لَمْ يُكْرَهْ كَمَا لَوْ قَالَ الْقَائِلُ إِنِّي لحافظ لكتاب الله عالم بتفسير وَبِالْفِقْهِ فِي الدِّينِ قَاصِدًا إِظْهَارَ الشُّكْرِ أَوْ تَعْرِيفَ مَا عِنْدَهُ لِيُسْتَفَادَ وَلَوْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ لَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ وَلِهَذَا قَالَ يُوسُفُ عليه السلام إني حفيظ عليم وَقَالَ عَلِيٌّ سَلُونِي عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَقَالَ بن مَسْعُودٍ لَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ بِكِتَابِ اللَّهِ مني لأوتيته وَسَاقَ فِي ذَلِكَ أَخْبَارًا وَآثَارًا عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ تُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ وَفِي الْأَطْعِمَةِ وَفِي الرِّقَاقِ وَمُسْلِمٌ فِي الزُّهْدِ وَالنَّسَائِيُّ في المناقب وفي الرقايق وبن مَاجَهْ فِي الْفَضَائِلِ اعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَدْ صَحَّحَ هَذَا الْحَدِيثَ وَفِي سَنَدِهِ عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ تَصْحِيحَهُ لَهُ لِمَجِيئِهِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى صَحِيحَةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ عِنْدَهُ صَالِحًا لِلِاحْتِجَاجِ والله تعالى أعلم [2366] قوله (ومالنا طَعَامٌ إِلَّا الْحُبْلَةَ وَهَذَا السَّمُرَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ ضَرْبٌ مِنْ شَجَرِ الطَّلْحِ الْوَاحِدَةُ سَمُرَةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ آنِفًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ) أَخْرَجَهُ مسلم وبن ماجه

[2367] قوله (وعليه ثوبان ممشقان) أي مصبوغان بالشق وَهُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْغُرَّةِ (مِنْ كَتَّانٍ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْكَتَّانُ مَعْرُوفٌ ثِيَابُهُ مُعْتَدِلَةٌ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْيُبُوسَةِ وَلَا يَلْزَقُ بِالْبَدَنِ وَيَقِلُّ قَمْلُهُ انْتَهَى (فَمَخَطَ فِي أَحَدِهَا) أَيِ انْتَثَرَ فِيهِ (ثُمَّ قَالَ بَخْ بَخْ) كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَ الرِّضَاءِ وَالْإِعْجَابِ بِالشَّيْءِ أَوِ الْفَخْرِ وَالْمَدْحِ (وَإِنِّي لَأَخِرُّ) أَيْ لَأَسْقُطُ (يُرَى) بِضَمِّ الْيَاءِ أَيْ يُظَنُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2368] قَوْلُهُ (يَخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ قِيَامِهِمْ فِيهَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ قَامَ قَوْمًا وَقَوْمَةً وَقِيَامًا وَقَامَةً انْتَصَبَ (مِنَ الْخَصَاصَةِ) بِالْفَتْحِ أَيِ الْجُوعِ وَالضَّعْفِ وَأَصْلُهَا الْفَقْرُ وَالْحَاجَةُ (وَهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ) بِضَمِّ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ هُمْ زُهَّادٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فُقَرَاءُ غُرَبَاءُ وَكَانُوا سَبْعِينَ وَيَقِلُّونَ حِينًا وَيَكْثُرُونَ حِينًا يَسْكُنُونَ صُفَّةَ الْمَسْجِدِ لَا مَسْكَنَ لَهُمْ وَلَا مَالَ وَلَا وَلَدَ وَكَانُوا مُتَوَكِّلِينَ يَنْتَظِرُونَ مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِمْ بِشَيْءٍ يَأْكُلُونَهُ وَيَلْبَسُونَهُ (هَؤُلَاءِ مَجَانِينُ أَوْ مَجَانُونَ) الشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي وَالْأَوَّلُ جَمْعُ تَكْسِيرٍ لِمَجْنُونٍ وَالثَّانِي شَاذٌّ كَقِرَاءَةِ تَتْلُو الشَّيَاطونَ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ

[2369] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (أَخْبَرَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ) عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَسْقَلَانِيُّ أَصْلُهُ خُرَاسَانِيٌّ يُكْنَى أَبَا الْحَسَنِ نَشَأَ بِبَغْدَادَ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (خَرَجْتُ أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ وَالتَّسْلِيمَ عَلَيْهِ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ فِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أُسَلِّمُ التَّسْلِيمَ أَوْ أُرِيهِ التَّسْلِيمَ (فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ مَا جَاءَ بِكَ يَا عُمَرُ قَالَ الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ مَا أَخْرَجَكُمَا من بيوتكما هذه الساعة قال الْجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَنَا قَدْ وَجَدْتُ بَعْضَ ذَلِكَ) أَيِ الْجُوعَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَنَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكِبَارُ أَصْحَابِهِ مِنَ التَّقَلُّلِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا ابْتُلُوا بِهِ مِنَ الْجُوعِ وَضِيقِ الْعَيْشِ فِي أَوْقَاتٍ قَالَ وَفِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ مَا يَنَالُهُ مِنْ أَلَمٍ وَنَحْوِهِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّشَكِّي وَعَدَمِ الرِّضَاءِ بَلْ لِلتَّسْلِيَةِ وَالتَّصْبِيرِ كَفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ها هنا وَلِالْتِمَاسِ دُعَاءٍ أَوْ مُسَاعَدَةٍ عَلَى التَّسَبُّبِ فِي إِزَالَةِ ذَلِكَ الْعَارِضِ فَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بِمَذْمُومٍ إِنَّمَا يُذَمُّ مَا كَانَ تَشَكِّيًا وَتَسَخُّطًا وَتَجَزُّعًا (فَانْطَلَقُوا إِلَى مَنْزِلِ أَبِي الْهَيْثَمِ) اسْمُهُ مَالِكٌ (بْنِ التَّيِّهَانِ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ مَعَ كَسْرِهَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قُومُوا فَقَامُوا مَعَهُ فَأَتَى رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ جَوَازُ الْإِدْلَالِ عَلَى الصَّاحِبِ الَّذِي يُوثَقُ بِهِ وَاسْتِتْبَاعِ جَمَاعَةٍ إِلَى بَيْتِهِ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لَهُ إِذْ جَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلًا لِذَلِكَ وَكَفَى لَهُ شَرَفًا بِذَلِكَ (وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ النَّخْلِ وَالشَّاءِ) أَيِ الْغَنَمِ وَهِيَ جَمْعُ شَاةٍ وَأَصْلُهَا شَاهَةٌ وَالنِّسْبَةُ شَاهِيٌّ وَشَاوِيٌّ وَتَصْغِيرُهَا شُوَيْهَةٌ وَشُوَيَّةٌ (فَقَالُوا لِامْرَأَتِهِ أَيْنَ صَاحِبُكِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلَمَّا رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ مَرْحَبًا وَأَهْلًا

فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ فُلَانٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِيهِ جَوَازُ سَمَاعِ كَلَامِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَمُرَاجَعَتِهَا الْكَلَامَ لِلْحَاجَةِ وَجَوَازُ إِذْنِ الْمَرْأَةِ فِي دُخُولِ مَنْزِلِ زَوْجِهَا لِمَنْ علمت علما محققا أنه لها لَا يَكْرَهُهُ بِحَيْثُ لَا يَخْلُو بِهَا الْخَلْوَةَ الْمُحَرَّمَةَ (يَسْتَعْذِبُ لَنَا الْمَاءَ) أَيْ يَأْتِينَا بِمَاءٍ عَذْبٍ وَهُوَ الطَّيِّبُ الَّذِي لَا مُلُوحَةَ فِيهِ (يَزْعَبُهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ مِنْ زَعَبَ الْقِرْبَةَ كمنع احتمالها مُمْتَلِئَةً وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ يَتَدَافَعُ بِهَا وَيَحْمِلُهَا لِثِقَلِهَا وَقِيلَ زَعَبَ بِحِمْلِهِ إِذَا اسْتَقَامَ انْتَهَى (يَلْتَزِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ يَضُمُّهُ إِلَى نَفْسِهِ وَيُعَانِقُهُ (ثُمَّ انْطَلَقَ بِهِمْ إِلَى حَدِيقَتِهِ) فِي الْقَامُوسِ الْحَدِيقَةُ الرَّوْضَةُ ذَاتُ الشَّجَرِ الْبُسْتَانُ مِنَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ أَوْ كُلُّ مَا أَحَاطَ بِهِ الْبِنَاءُ أَوِ الْقِطْعَةُ مِنَ النَّخْلِ (فَجَاءَ بِقِنْوٍ) بِالْكَسْرِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْقِنْوُ الْعِذْقُ بِمَا فِيهِ مِنَ الرُّطَبِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَجَاءَهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ قَالَ النَّوَوِيُّ الْعِذْقُ هُنَا بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَهِيَ الْكِبَاسَةُ وَهِيَ الْغَضُّ مِنَ النَّخْلِ قَالَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الْفَاكِهَةِ عَلَى الْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِمَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمُبَادَرَةِ إِلَى الضَّيْفِ بِمَا تَيَسَّرَ وَإِكْرَامُهُ بَعْدَهُ بِطَعَامٍ يَصْنَعُهُ لَهُ وَقَدْ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ التَّكَلُّفَ لِلضَّيْفِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَشُقُّ عَلَى صَاحِبِ الْبَيْتِ مَشَقَّةً ظَاهِرَةً لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنَ الْإِخْلَاصِ وَكَمَالِ السُّرُورِ بِالضَّيْفِ وَأَمَّا فِعْلُ الْأَنْصَارِيِّ وَذَبْحُهُ الشَّاةَ فَلَيْسَ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ بَلْ لَوْ ذَبَحَ أَغْنَامًا لَكَانَ مَسْرُورًا بِذَلِكَ مَغْبُوطًا بِهِ انْتَهَى (أَفَلَا تَنَقَّيْتَ لَنَا مِنْ رُطَبِهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَنْقَاهُ وَتَنَقَّاهُ وَانْتَقَاهُ اخْتَارَهُ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ انْتَقَاهُ بركزيدن وَتَنَقَّى كَذَلِكَ (إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ تَخْتَارُوا أَوْ قَالَ تَخَيَّرُوا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (مِنْ رُطَبِهِ وَبُسْرِهِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ التَّمْرُ قَبْلَ إِرْطَابِهِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْمَرْتَبَةُ لِثَمَرَةِ النَّخْلِ أَوَّلُهَا طَلْعٌ ثُمَّ خِلَالٌ ثُمَّ بَلَحٌ ثُمَّ بُسْرٌ ثُمَّ رُطَبٌ انْتَهَى (هَذَا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مِنَ النَّعِيمِ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلَمَّا أَنْ شَبِعُوا وَرَوَوْا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصَابَكُمْ هذا النعيم

قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ أَخْرَجَكُمْ إِلَخْ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانٌ لِمُوجِبِ السُّؤَالِ عَنِ النَّعِيمِ يَعْنِي حَيْثُ كُنْتُمْ مُحْتَاجِينَ إِلَى الطَّعَامِ مُضْطَرِّينَ إِلَيْهِ فَنِلْتُمْ غَايَةَ مَطْلُوبِكُمْ مِنَ الشِّبَعِ وَالرِّيِّ يَجِبُ أَنْ تُسْأَلُوا وَيُقَالُ لَكُمْ هَلْ أَدَّيْتُمْ شُكْرَهَا أَمْ لَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الشِّبَعِ وَمَا جَاءَ فِي كَرَاهَتِهِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يُقَسِّي الْقَلْبَ وَيُنْسِي أَمْرَ الْمُحْتَاجِينَ وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْمُرَادُ السُّؤَالُ عَنِ الْقِيَامِ بِحَقِّ شكره والذي نعتقده أن السؤال ها هنا سُؤَالُ تَعْدَادِ النِّعَمِ وَإِعْلَامٌ بِالِامْتِنَانِ بِهَا وَإِظْهَارُ الكرامة بإسباغها لاسؤال تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ وَمُحَاسَبَةٍ انْتَهَى (لَا تَذْبَحَنَّ ذَاتَ دَرٍّ) أَيْ لَبَنٍ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ (فَذَبَحَ لَهُمْ عَنَاقًا أَوْ جَدْيًا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَنَاقُ كَسَحَابٍ الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ وَالْجَدْيُ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ ذَكَرُهَا (فَإِذَا أَتَانَا سَبْيٌ) أَيْ أَسَارَى (فأتنا) أي جيء (بِرَأْسَيْنِ) أَيْ مِنَ الْعَبِيدِ (اخْتَرْ مِنْهُمَا) أَيْ وَاحِدًا مِنْهُمَا أَوْ بَعْضَهُمَا (اخْتَرْ لِي) أَيْ أَنْتَ أَوْلَى بِالِاخْتِيَارِ (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تَوْطِئَةً وَتَمْهِيدًا (إِنَّ الْمُسْتَشَارَ) مِنَ اسْتَشَارَهُ طَلَبَ رَأْيَهُ فِيمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ (مُؤْتَمَنٌ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْأَمَانَةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسْتَشَارَ أَمِينٌ فِيمَا يُسْأَلُ مِنَ الْأُمُورِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخُونَ الْمُسْتَشِيرَ بِكِتْمَانِ مَصْلَحَتِهِ (خُذْ هَذَا) أَيْ مُشَارًا إِلَى أَحَدِهِمَا (فَإِنِّي رَأَيْتُهُ يُصَلِّي) فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَدَلُّ عَلَى خَيْرِيَّةِ الرَّجُلِ بِمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنْ آثَارِ الصَّلَاحِ لاسيما الصَّلَاةُ فَإِنَّهَا تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (وَاسْتَوْصِ به معروفا) قال القارىء أَيِ اسْتِيصَاءَ مَعْرُوفٍ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَأْمُرْهُ إِلَّا بِالْمَعْرُوفِ وَالنُّصْحِ وَقِيلَ وَصِّ فِي حَقِّهِ بِمَعْرُوفٍ كَذَا ذَكَرَهُ زَيْنُ الْعَرَبِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أي قبل وَصِيَّتِي فِي حَقِّهِ وَأَحْسِنْ مَلْكَتَهُ بِالْمَعْرُوفِ (إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا وَلَا خَلِيفَةً) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا اسْتَخْلَفَ مِنْ خَلِيفَةٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي رِوَايَةِ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ مَا

بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ وَلَا بَعْدَهُ مِنْ خَلِيفَةٍ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي فِي الْبَابِ تُفَسِّرُ الْمُرَادَ بِهَذَا وَأَنَّ الْمُرَادَ بِبَعْثِ الْخَلِيفَةِ اسْتِخْلَافُهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ وَمُعَاوِيَةَ بْنِ سَلَّامٍ مَا مِنْ وَالٍ وَهُوَ أَعَمُّ انْتَهَى (إِلَّا وَلَهُ بِطَانَتَانِ) الْبِطَانَةُ بِالْكَسْرِ الصَّاحِبُ الْوَلِيجَةُ وَهُوَ الَّذِي يُعَرِّفُهُ الرَّجُلُ أَسْرَارَهُ ثِقَةً بِهِ شُبِّهَ بِبِطَانَةِ الثَّوْبِ (بِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ مَا عَرَفَهُ الشَّرْعُ وَحَكَمَ بِحُسْنِهِ (وَتَنْهَاهُ عَنِ الْمُنْكَرِ) أَيْ مَا أَنْكَرَهُ الشَّرْعُ وَنَهَى عَنْ فِعْلِهِ (وَبِطَانَةٌ لا تألوه خبالا) أي لا تتصرفي إِفْسَادِ أَمْرِهِ وَهُوَ اقْتِبَاسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (لا يألونكم خبالا) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَبِطَانَةٌ تَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ قَالَ الْحَافِظُ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ هَذَا التَّقْسِيمُ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّبِيِّ لِأَنَّهُ وَإِنْ جَازَ عَقْلًا أَنْ يَكُونَ فِيمَنْ يُدَاخِلُهُ مَنْ يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ لَكِنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ أَنْ يُصْغِيَ إِلَيْهِ وَلَا يَعْمَلَ بِقَوْلِهِ لِوُجُودِ الْعِصْمَةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ فِي بَقِيَّةِ الْحَدِيثِ الْإِشَارَةَ إِلَى سَلَامَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَاكَ بِقَوْلِهِ فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ مَنْ يُشِيرُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّرِّ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْبِطَانَتَيْنِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ الْمَلَكُ وَالشَّيْطَانُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ قَالَ وَفِي مَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ حَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا مَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ عَمَلًا فَأَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا جَعَلَ لَهُ وَزِيرًا صَالِحًا إِنْ نَسِيَ ذكره وإن ذكر أعانه قال بن التِّينِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبِطَانَتَيْنِ الْوَزِيرَيْنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَلَكَ وَالشَّيْطَانَ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبِطَانَتَيْنِ النَّفْسَ الْأَمَّارَةَ بِالسُّوءِ وَالنَّفْسَ اللَّوَّامَةَ الْمُحَرِّضَةَ عَلَى الْخَيْرِ إِذْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قُوَّةٌ مَلَكِيَّةٌ وَقُوَّةٌ حَيَوَانِيَّةٌ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْجَمِيعِ أَوْلَى إِلَّا أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ لَا يَكُونَ لِبَعْضِهِمْ إِلَّا لِبَعْضٍ وَقَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ الْبِطَانَةُ الْأَوْلِيَاءُ وَالْأَصْفِيَاءُ وَهُوَ مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ يَصْدُقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ مُذَكَّرًا وَمُؤَنَّثًا انْتَهَى (وَمَنْ يُوقَ بِطَانَةَ السُّوءِ) بِأَنْ يَعْصِمَهُ اللَّهُ مِنْهَا (فَقَدْ وُقِيَ) الشَّرَّ كُلَّهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللَّهُ قَالَ الْحَافِظُ وَالْمُرَادُ بِهِ إِثْبَاتُ الْأُمُورِ كُلِّهَا لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ الَّذِي يَعْصِمُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ فَالْمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ لَا مَنْ عَصَمَتْهُ نَفْسُهُ إِذْ لَا يُوجَدُ مَنْ تَعْصِمُهُ نَفْسُهُ حَقِيقَةً إِلَّا إِنْ كَانَ اللَّهُ عَصَمَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ دُونَ قوله فقال

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَك خَادِمٌ قَالَ لَا إِلَخْ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أُمِّ سلمة وبن مَاجَهْ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نبيا ولا خليفة الخ فأخرجه أحمد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ [2371] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سَيَّارٌ) بتحتانية مثقلة بن حَاتِمٍ الْعَنْزِيُّ أَبُو سَلَمَةَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ (عَنْ سَهْلِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَنْصُورٍ) الْأَزْدِيِّ أَبِي رَوْحٍ الْبَصْرِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ الْخَامِسَةِ وَهَمَ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ (وَرَفَعْنَا عَنْ بُطُونِنَا) أَيْ كَشَفْنَا ثِيَابَنَا عَنْهَا كَشْفًا صَادِرًا (عَنْ حَجَرٍ حَجَرٍ) أَيْ لِكُلٍّ مِنَّا حَجَرٌ وَاحِدٌ وَرُفِعَ عَنْهُ فَالتَّكْرِيرُ بِاعْتِبَارِ تَعْدَادِ الْمُخْبَرِ عَنْهُمْ بِذَلِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ عَنِ الْأُولَى مُتَعَلِّقَةٌ بِرَفَعْنَا عَلَى تَضْمِينِ الْكَشْفِ وَالثَّانِيَةُ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ كَشَفْنَا عَنْ بُطُونِنَا كَشْفًا صَادِرًا عَنْ حَجَرٍ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ التَّنْكِيرُ فِي حَجَرٍ عَلَى نَوْعٍ أَيْ عَنْ حَجَرٍ مَشْدُودٍ عَلَى بُطُونِنَا فَيَكُونُ بَدَلًا وَعَادَةً مَنِ اشْتَدَّ جُوعُهُ وَخَمُصَ بَطْنُهُ أَنْ يَشُدَّ عَلَى بَطْنِهِ حَجَرًا لِيَتَقَوَّمَ بِهِ صُلْبُهُ انْتَهَى (فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن حَجَرَيْنِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفَائِدَةُ رَبْطِ الْحَجَرِ عَلَى الْبَطْنِ أَنَّهَا تَضْمُرُ مِنَ الْجُوعِ فَيُخْشَى عَلَى انْحِنَاءِ الصُّلْبِ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ فَإِذَا وَضَعَ فَوْقَهَا الْحَجَرَ وَشَدَّ عَلَيْهَا الْعِصَابَةَ اسْتَقَامَ الظَّهْرُ وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ لَعَلَّهُ لِتَسْكِينِ حَرَارَةِ الْجُوعِ بِبَرْدِ الْحَجَرِ لِأَنَّهَا حِجَارَةٌ رِقَاقٌ قَدْرَ الْبَطْنِ تَشُدُّ الْأَمْعَاءَ فَلَا يَتَحَلَّلُ شَيْءٌ مِمَّا فِي الْبَطْنِ فَلَا يَحْصُلُ ضَعْفٌ زَائِدٌ بِسَبَبِ التَّحَلُّلِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي شَمَائِلِهِ أَيْضًا وَقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ وَرَفَعْنَا عَنْ بُطُونِنَا عَنْ حَجَرٍ حَجَرٍ كَانَ أَحَدُهُمْ يَشُدُّ فِي بَطْنِهِ الْحَجَرَ مِنَ الْجَهْدِ وَالضَّعْفِ الَّذِي بِهِ مِنَ الْجُوعِ [2372] قَوْلُهُ (يَقُولُ أَلَسْتُمْ) الْخِطَابُ لِلصَّحَابَةِ بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوِ التَّابِعِينَ (فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مَا شِئْتُمْ) قَالَ الطِّيبِيُّ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ لَسْتُمْ مُنْغَمِسِينَ فِي طَعَامٍ وَشَرَابٍ مِقْدَارَ مَا شِئْتُمْ مِنَ التَّوْسِعَةِ وَالْإِفْرَاطِ فِيهِ فَمَا مَوْصُولَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً وَالْكَلَامُ فِيهِ تَعْيِيرٌ وَتَوْبِيخٌ وَلِذَلِكَ تَبِعَهُ بِقَوْلِهِ (لَقَدْ رَأَيْتُ نَبِيَّكُمْ) وَأَضَافَهُ إِلَيْهِمْ لِلْإِلْزَامِ حِينَ لَمْ يَقْتَدُوا بِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الدُّنْيَا وَمُسْتَلَذَّاتِهَا وَفِي التَّقْلِيلِ لِمُشْتَهَيَاتِهَا مِنْ مَأْكُولَاتِهَا وَمَشْرُوبَاتِهَا ثُمَّ رَأَيْتُ إِنْ كَانَ بِمَعْنَى النَّظَرِ فَقَوْلُهُ (وَمَا يَجِدُ مِنَ الدَّقْلِ) حَالٌ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى الْعِلْمِ فَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَأَدْخَلَ الْوَاوَ تَشْبِيهًا لَهُ بِخَبَرِ كَانَ وَأَخَوَاتِهَا عَلَى مَذْهَبِ الْأَخْفَشِ وَالْكُوفِيِّينَ كَذَا حققه الطيبي قال القارىء وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ وَالدَّقَلُ بِفَتْحَتَيْنِ التَّمْرُ الرَّدِيءُ وَيَابِسُهُ وَمَا لَيْسَ لَهُ اسْمٌ خَاصٌّ فَتَرَاهُ لِيُبْسِهِ وَرَدَاءَتِهِ لَا يَجْتَمِعُ وَيَكُونُ مَنْثُورًا عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَوْلُهُ (مَا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ) مَفْعُولُ يَجِدُ وَمَا مَوْصُولَةٌ أَوْ موصوفة ومن الدَّقْلِ بَيَانٌ لِمَا قُدِّمَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الزُّهْدِ قَوْلُهُ (وَرَوَى شُعْبَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ سِمَاكٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ عُمَرَ) وَصَلَهُ مُسْلِمٌ فَقَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنَّى وبن بَشَّارٍ وَاللَّفْظُ لِابْنِ مُثَنَّى قَالَا حَدَّثَنَا

باب ما جاء أن الغني غني النفس

مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ يَخْطُبُ قَالَ ذَكَرَ عُمَرُ مَا أَصَابَ النَّاسَ مِنَ الدُّنْيَا فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ دَقْلًا يَمْلَأُ بِهِ بَطْنَهُ 2 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ) [2373] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ قُرَيْشٍ الْيَامِيُّ) بِالتَّحْتَانِيَّةِ أَبُو جَعْفَرٍ قَاضِي الْكُوفَةِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ أَبِي حَصِينٍ) هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) هُوَ السَّمَّانُ قَوْلُهُ (لَيْسَ الْغِنَى) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ مَقْصُودٌ أَيِ الْحَقِيقِيُّ الْمُعْتَبَرُ النَّافِعُ (عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ قَالَ الْحَافِظُ أَمَّا عَنْ فَهِيَ سَبَبِيَّةٌ وَأَمَّا الْعَرَضُ فَهُوَ مَا يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا وَيُطْلَقُ بِالِاشْتِرَاكِ عَلَى مَا يُقَابِلُ الْجَوْهَرَ وَعَلَى كُلِّ مَا يَعْرِضُ لِلشَّخْصِ مِنْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْعُرُوضُ الْأَمْتِعَةُ وَهِيَ مَا سوى الحيوان والعقار ومالا يدخله كيل ولا وزن وقال بن فَارِسٍ الْعَرْضُ بِالسُّكُونِ كُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْمَالِ غَيْرَ نَقْدٍ وَجَمْعُهُ عُرُوضٌ وَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَمَا يُصِيبُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ حَظِّهِ فِي الدُّنْيَا قال تعالى تريدون عرض الدنيا وقال وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه (ولكن الغنى غنى النفس) وقال بن بَطَّالٍ مَعْنَى الْحَدِيثِ لَيْسَ حَقِيقَةُ الْغِنَى كَثْرَةَ الْمَالِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ وَسَّعَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ لَا يَقْنَعُ بِمَا أُوتِيَ فَهُوَ يَجْتَهِدُ فِي الِازْدِيَادِ وَلَا يُبَالِي مِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِ فَكَأَنَّهُ فَقِيرٌ لِشِدَّةِ حِرْصِهِ وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ وَهُوَ مَنِ اسْتَغْنَى بِمَا أُوتِيَ وَقَنَعَ بِهِ وَرَضِيَ وَلَمْ يَحْرِصْ عَلَى الِازْدِيَادِ وَلَا أَلَحَّ فِي الطَّلَبِ فَكَأَنَّهُ غَنِيٌّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْغِنَى النَّافِعَ أَوِ الْعَظِيمَ أَوِ الْمَمْدُوحَ هُوَ غِنَى النَّفْسِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ إِذَا اسْتَغْنَتْ نَفْسُهُ كَفَتْ عَلَى الْمَطَامِعِ فَعَزَّتْ وَعَظُمَتْ وَحَصَلَ لَهَا مِنَ الْحُظْوَةِ وَالنَّزَاهَةِ وَالشَّرَفِ وَالْمَدْحِ أَكْثَرُ مِنَ الْغِنَى الَّذِي يَنَالُهُ مَنْ يَكُونُ فَقِيرَ النَّفْسِ لِحِرْصِهِ فَإِنَّهُ يُوَرِّطُهُ فِي رَذَائِلِ الْأُمُورِ وَخَسَائِسِ الْأَفْعَالِ

باب ما جاء في أخذ المال

لِدَنَاءَةِ هِمَّتِهِ وَبُخْلِهِ وَيَكْثُرُ مَنْ يَذُمُّهُ مِنَ النَّاسِ وَيَصْغُرُ قَدْرُهُ عِنْدَهُمْ فَيَكُونُ أَحْقَرَ مِنْ كُلِّ حَقِيرٍ وَأَذَلَّ مِنْ كُلِّ ذَلِيلٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِغِنَى النَّفْسِ يَكُونُ قَانِعًا بِمَا رَزَقَهُ لَا يَحْرِصُ عَلَى الِازْدِيَادِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا يُلِحُّ فِي الطَّلَبِ وَلَا يُلْحِفُ فِي السُّؤَالِ بَلْ يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ فَكَأَنَّهُ وَاجِدٌ أَبَدًا وَالْمُتَّصِفُ بِفَقْرِ النَّفْسِ عَلَى الضِّدِّ مِنْهُ لِكَوْنِهِ لَا يَقْنَعُ بِمَا أُعْطِيَ بَلْ هُوَ أَبَدًا فِي طَلَبِ الِازْدِيَادِ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ ثُمَّ إِذَا فَاتَهُ الْمَطْلُوبُ حَزِنَ وَأَسِفَ فَكَأَنَّهُ فَقِيرٌ مِنَ الْمَالِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَغْنِ بِمَا أُعْطِيَ فَكَأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيٍّ ثُمَّ غِنَى النَّفْسِ إِنَّمَا يَنْشَأُ عَنِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِهِ عِلْمًا بِأَنَّ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى فَهُوَ مُعْرِضٌ عَنِ الْحِرْصِ وَالطَّلَبِ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلِ قَائِلٍ غِنَى النَّفْسِ مَا يَكْفِيكَ مِنْ سَدِّ حَاجَةٍ فَإِنْ زَادَ شَيْئًا عَادَ ذَاكَ الْغِنَى فَقْرًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان وبن مَاجَهْ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَخْذِ الْمَالِ) [2374] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ خَوْلَةَ بِنْتَ قَيْسٍ) بْنِ فِهْرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيَّةَ صَحَابِيَّةٌ لَهَا حَدِيثٌ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهَا رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ الْحَدِيثَ وَعَنْهَا أَبُو الْوَلِيدِ سَنُوطًا وَغَيْرُهُ قَالَ عُبَيْدٌ دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ مُحَمَّدٍ وَكَانَتْ عِنْدَ حَمْزَةَ وَتَزَوَّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ انْتَهَى قَوْلُهُ (خَضِرَةٌ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ (حُلْوَةٌ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَعْنَاهُ أَنَّ صُورَةَ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ مُونِقَةٌ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كل شيء مشرق ناضر أخضر وقال بن الْأَنْبَارِيِّ قَوْلُهُ الْمَالُ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ لَيْسَ هُوَ صِفَةَ الْمَالِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّشْبِيهِ

كَأَنَّهُ قَالَ الْمَالُ كَالْبَقْلَةِ الْخَضْرَاءِ الْحُلْوَةِ وَالتَّاءُ فِي قَوْلِهِ خَضِرَةٌ وَحُلْوَةٌ بِاعْتِبَارِ مَا يَشْتَمِلُ عَلَيْهِ الْمَالُ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا أَوْ عَلَى مَعْنَى فَائِدَةِ الْمَالِ أَيْ أَنَّ الْحَيَاةَ بِهِ أَوِ الْعِيشَةَ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَالِ هُنَا الدُّنْيَا لِأَنَّهُ مِنْ زِينَتِهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى المال والبنون زينة الحياة الدنيا وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثٍ أَيْضًا الْمُخَرَّجِ فِي السُّنَنِ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ فَيَتَوَافَقُ الْحَدِيثَانِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّاءُ فِيهِمَا لِلْمُبَالَغَةِ (مَنْ أَصَابَهُ بِحَقِّهِ) أَيْ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ مِنَ الْحَلَالِ (وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ) أَيْ مُتَسَارِعٍ وَمُتَصَرِّفٍ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَصْلُ الْخَوْضِ الْمَشْيُ فِي الْمَاءِ وَتَحْرِيكُهُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي التَّلْبِيسِ بِالْأَمْرِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ أَيْ رُبَّ مُتَصَرِّفٍ فِي مَالِ اللَّهِ بِمَا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ أَيْ يَتَصَرَّفُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَيَسْتَبِدُّونَ بِمَالِ الْمُسْلِمِينَ بِغَيْرِ قِسْمَةٍ وَقِيلَ هُوَ التَّخْلِيطُ فِي تَحْصِيلِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ كَيْفَ أَمْكَنَ انْتَهَى (فِيمَا شَاءَتْ نَفْسُهُ) أَيْ فِيمَا أَحَبَّتْهُ وَالْتَذَّتْ بِهِ (لَيْسَ لَهُ) أَيْ جَزَاءٌ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا النَّارُ) أَيْ دُخُولُ جَهَنَّمَ وَهُوَ حُكْمٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ وَهُوَ الْخَوْضُ فِي مَالِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ مُشْعِرًا بِالْعِلِّيَّةِ وَهَذَا حَثٌّ عَلَى الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ النَّاسِ وَذَمِّ السُّؤَالِ بِلَا ضَرُورَةٍ قَالَ الْغَزَالِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَثَلُ الْمَالِ مَثَلُ الْحَيَّةِ الَّتِي فِيهَا تِرْيَاقٌ نَافِعٌ وَسُمٌّ نَاقِعٌ فَإِنْ أَصَابَهَا الْعَارِفُ الَّذِي يَحْتَرِزُ عَنْ شَرِّهَا وَيَعْرِفُ اسْتِخْرَاجَ تِرْيَاقِهَا كَانَ نِعْمَةً وَإِنْ أَصَابَهَا الْغَبِيُّ فَقَدْ لَقِيَ الْبَلَاءَ الْمُهْلِكَ انْتَهَى وَتَوْضِيحُهُ مَا قَالَهُ عَارِفٌ إِنَّ الدُّنْيَا كَالْحَيَّةِ فَكُلُّ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخَذَهَا وَإِلَّا فَلَا فَقِيلَ وَمَا رُقْيَتُهَا فَقَالَ أن يعرف من أين يأخذها يعرف رقيتها وَفِي أَيْنَ يَصْرِفُهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَأَبُو الْوَلِيدِ اسْمُهُ عُبَيْدٌ سَنُطَا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سَنُوطَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَسَنُوطَى كَهَيُولَى لَقَبُ عُبَيْدٍ الْمُحَدِّثِ أَوِ اسْمُ وَالِدِهِ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُبَيْدٌ سَنُوطَا بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ النُّونِ وَيُقَالُ بن سَنُوطَا أَبُو الْوَلِيدِ الْمَدَنِيُّ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ مِنَ الثالثة انتهى

34 - باب [2375] قوله (عن يونس) هو بن عُبَيْدِ بْنِ دِينَارٍ الْعَبْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ وَرِعٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (لُعِنَ عَبْدُ الدِّينَارِ) أَيْ طُرِدَ وَأُبْعِدَ طَالِبُهُ الْحَرِيصُ عَلَى جَمْعِهِ الْقَائِمُ عَلَى حِفْظِهِ فَكَأَنَّهُ لِذَلِكَ خَادِمُهُ وَعَبْدُهُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ خَصَّ الْعَبْدَ بِالذِّكْرِ لِيُؤْذِنَ بِانْغِمَاسِهِ فِي مَحَبَّةِ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتِهَا كالأسيرالذي لَا يَجِدُ خَلَاصًا وَلَمْ يَقُلْ مَالِكُ الدُّنْيَا وَلَا جَامِعُ الدَّنِيَّا وَلِأَنَّ الْمَذْمُومَ مِنَ الْمِلْكِ وَالْجَمْعِ الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ وَقَالَ غَيْرُهُ جَعَلَهُ عَبْدًا لَهُمَا لِشَغَفِهِ وَحِرْصِهِ فَمَنْ كَانَ عَبْدًا لِهَوَاهُ لَمْ يَصْدُقْ فِي حَقِّهِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ فَلَا يَكُونُ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ صِدِّيقًا (لُعِنَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ) خُصَّا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَصْلُ أَمْوَالِ الدُّنْيَا وَحُطَامُهَا قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْجِهَادِ وَالرِّقَاقِ وَلَفْظُهُ فِي الْجِهَادِ تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ الحديث 5 - باب [2376] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سعد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زرارة ويقال بن مُحَمَّدٍ بَدَلَ عَبْدِ اللَّهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسُبُهُ إِلَى جَدِّهِ لِأُمِّهِ فَيَقُولُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ كذا في تهذيب التهذيب (عن بن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التقريب بن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي لَعْقِ الْأَصَابِعِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَجَاءَ بِالشَّكِّ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَفِي حَدِيثِ أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ نُسِبَ لِجَدِّهِ وَفِي حَدِيثِ مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ لَمْ يُسَمَّ وَهُوَ أَحَدُ هَذَيْنِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ وَإِنِ امْرَأَةً ذَبَحَتْ شَاةً بِحَجَرٍ وَقِيلَ فِي هَذَا الْأَخِيرِ عَنِ بن كَعْبٍ عَنْ أَخِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ انْتَهَى (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ كَعْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ السُّلَمِيِّ الْمَدَنِيِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الذين خلفوا قوله (ما) نافية (جائعان) أي بِهِ لِلْمُبَالَغَةِ (أُرْسِلَا) أَيْ خُلِّيَا وَتُرِكَا (فِي غَنَمٍ) أَيْ قَطِيعَةِ غَنَمٍ (لِدِينِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِأَفْسَدَ وَالْمَعْنَى أَنَّ حِرْصَ الْمَرْءِ عَلَيْهِمَا أَكْثَرُ فَسَادًا لِدِينِهِ الْمُشَبَّهِ بِالْغَنَمِ لِضَعْفِهِ يُجَنَّبُ حِرْصُهُ مِنْ إِفْسَادِ الذِّئْبَيْنِ لِلْغَنَمِ قَالَ الطِّيبِيُّ مَا بِمَعْنَى لَيْسَ وَذِئْبَانِ اسْمُهَا وَجَائِعَانِ صِفَةٌ لَهُ وَأُرْسِلَا فِي غَنَمٍ الْجُمْلَةُ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا صِفَةٌ بَعْدَ صِفَةٍ وَقَوْلُهُ بِأَفْسَدَ خَبَرٌ لِمَا وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ وَهُوَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ أَيْ بِأَشَدَّ إِفْسَادٍ وَالضَّمِيرُ فِي لَهَا لِلْغَنَمِ وَاعْتُبِرَ فِيهَا الْجِنْسِيَّةُ فَلِذَا أُنِّثَ وَقَوْلُهُ مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ هُوَ الْمُفَضَّلُ عَلَيْهِ لِاسْمِ التَّفْضِيلِ وَقَوْلُهُ عَلَى الْمَالِ وَالشَّرَفِ يَتَعَلَّقُ بِالْحِرْصِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَاهُ وَقَوْلُهُ لِدِينِهِ اللَّامُ فِيهِ بَيَانٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرضاعة كَأَنَّهُ قِيلَ بِأَفْسَدَ لِأَيِّ شَيْءٍ قِيلَ لِدِينِهِ وَمَعْنَاهُ لَيْسَ ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلَا فِي جَمَاعَةٍ مِنْ جِنْسِ الْغَنَمِ بِأَشَدَّ إِفْسَادًا لِتِلْكَ الْغَنَمِ مِنْ حِرْصِ الْمَرْءِ عَلَى الْمَالِ وَالْجَاهِ فَإِنَّ إِفْسَادَهُ لِدِينِ الْمَرْءِ أَشَدُّ مِنْ إِفْسَادِ الذِّئْبَيْنِ الْجَائِعَيْنِ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْغَنَمِ إِذَا أُرْسِلَا فِيهَا أَمَّا الْمَالُ فَإِفْسَادُهُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الْقُدْرَةِ يُحَرِّكُ دَاعِيَةَ الشَّهَوَاتِ وَيَجُرُّ إِلَى التَّنَعُّمِ فِي الْمُبَاحَاتِ فَيَصِيرُ التَّنَعُّمُ مَأْلُوفًا وَرُبَّمَا يَشْتَدُّ أَنْسُهُ بِالْمَالِ وَيَعْجِزُ عَنْ كَسْبِ الْحَلَالِ فَيَقْتَحِمُ فِي الشُّبُهَاتِ مَعَ أَنَّهَا مُلْهِيَةٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذِهِ لَا يَنْفَكُّ عَنْهَا أَحَدٌ وَأَمَّا الْجَاهُ فَيَكْفِي بِهِ إِفْسَادًا أَنَّ الْمَالَ يُبْذَلُ لِلْجَاهِ وَلَا يُبْذَلُ الْجَاهُ لِلْمَالِ وَهُوَ الشِّرْكُ الخفي فيخوض في المراآة وَالْمُدَاهَنَةِ وَالنِّفَاقِ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الذَّمِيمَةِ فَهُوَ أَفْسَدُ وأفسد انتهى

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي والدارمي وبن حِبَّانَ قَوْلُهُ (وَيُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ عَنِ بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يصح أسناده) حديث بن عُمَرَ هَذَا رَوَاهُ الْبَزَّارُ بِلَفْظِ مَا ذِئْبَانِ ضَارِيَانِ فِي حَظِيرَةٍ يَأْكُلَانِ وَيُفْسِدَانِ بِأَضَرَّ فِيهَا مِنْ حُبِّ الشَّرَفِ وَحُبِّ الْمَالِ فِي دِينِ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ إِسْنَادُهُ حسن وقد صنف بن رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ جُزْءًا لَطِيفًا فِي شَرْحِ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَقَالَ فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِهِ مَا لَفْظُهُ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من حديث بن عمر وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ قَالَ وَقَدْ ذَكَرْتُهَا كُلَّهَا مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا فِي كِتَابِ شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي لَفْظِ حَدِيثِ جَابِرٍ مَا ذِئْبَانِ ضَارِيَانِ يَأْتِيَانِ فِي غَنَمٍ غَابَ رِعَاؤُهَا بِأَفْسَدَ لِلنَّاسِ مِنْ حُبِّ الشَّرَفِ وَالْمَالِ لِدِينِ الْمُؤْمِنِ انتهى 6 - [2377] باب قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ) هُوَ أَبُو الحسين العكلي (حدثني الْمَسْعُودِيِّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ اخْتَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَضَابِطُهُ أَنَّ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بِبَغْدَادَ فَبَعْدَ الِاخْتِلَاطِ مِنَ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (أَخْبَرَنَا عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) هُوَ الْجَمَلِيُّ الْمُرَادِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ النَّخَعِيُّ قَوْلُهُ (فَقَامَ) أَيْ عَنِ النَّوْمِ (وَقَدْ أَثَّرَ) أَيْ أَثَّرَ الْحَصِيرُ (لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً) بِكَسْرِ

الْوَاوِ وَفَتْحِهَا كَكِتَابٍ وَسَحَابٍ أَيْ فِرَاشًا وَكَلِمَةُ لَوْ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّمَنِّي وَأَنْ تَكُونَ لِلشَّرْطِيَّةِ وَالتَّقْدِيرُ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ بِسَاطًا حَسَنًا وَفِرَاشًا لَيِّنًا لَكَانَ أَحْسَنَ مِنَ اضْطِجَاعِكَ عَلَى هذا الحصير الخشن (مالي وللدنيا) قال القارىء مَا نَافِيَةٌ أَيْ لَيْسَ لِي أُلْفَةٌ وَمَحَبَّةٌ مَعَ الدُّنْيَا وَلَا لِلدُّنْيَا أُلْفَةٌ وَمَحَبَّةٌ مَعِي حَتَّى أَرْغَبَ إِلَيْهَا وَأَنْبَسِطُ عَلَيْهَا وَأَجْمَعُ مَا فِيهَا وَلَذَّتِهَا أَوِ اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَيْ أَيُّ أُلْفَةٍ وَمَحَبَّةٍ لِي مَعَ الدُّنْيَا أَوْ أَيُّ شَيْءٍ لِي مَعَ الْمَيْلِ إِلَى الدُّنْيَا أَوْ مَيْلِهَا إِلَيَّ فَإِنِّي طَالِبُ الْآخِرَةِ وَهِيَ ضَرَّتُهَا الْمُضَادَّةُ لَهَا قَالَ وَاللَّامُ فِي لِلدُّنْيَا مُقْحَمَةٌ لِلتَّأْكِيدِ إِنْ كَانَ الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ وَإِنْ كَانَ لِلْعَطْفِ فَالتَّقْدِيرُ مَالِي مَعَ الدُّنْيَا وَمَا لِلدُّنْيَا مَعِي (اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا) وَجْهُ التَّشْبِيهِ سُرْعَةُ الرَّحِيلِ وَقِلَّةُ الْمُكْثِ وَمِنْ ثَمَّ خَصَّ الرَّاكِبَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عمر وبن عباس) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ قِصَرِ الْأَمَلِ وأما حديث بن عباس فأخرجه أحمد وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِنَحْوِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صحيح) وأخرجه أحمد وبن ماجه والحاكم والضياء المقدسي 7 - [2378] باب قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ) الْعَقَدِيُّ الْبَصْرِيُّ (وَأَبُو دَاوُدَ) الطَّيَالِسِيُّ (قَالَا أَخْبَرَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ) التَّمِيمِيُّ (حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ وَرْدَانَ) الْعَامِرِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عُمَرَ الْمِصْرِيُّ مَدَنِيُّ الْأَصْلِ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ الثَّالِثَةِ

قَوْلُهُ (الرَّجُلُ) يَعْنِي الْإِنْسَانَ (عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ) أَيْ عَلَى عَادَةِ صَاحِبِهِ وَطَرِيقَتِهِ وَسِيرَتِهِ (فَلْيَنْظُرْ) أَيْ فَلْيَتَأَمَّلْ وَلْيَتَدَبَّرْ (مَنْ يُخَالِلْ) مِنَ الْمُخَالَّةِ وَهِيَ الْمُصَادَقَةُ وَالْإِخَاءُ فَمَنْ رَضِيَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ خَالَلَهُ وَمَنْ لَا تَجَنَّبَهُ فَإِنَّ الطِّبَاعَ سَرَّاقَةٌ وَالصُّحْبَةُ مُؤَثِّرَةٌ فِي إِصْلَاحِ الْحَالِ وَإِفْسَادِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ مُجَالَسَةُ الْحَرِيصِ وَمُخَالَطَتُهُ تُحَرِّكُ الْحِرْصَ وَمُجَالَسَةُ الزَّاهِدِ وَمُخَالَلَتُهُ تُزْهِدُ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ الطِّبَاعَ مجبولة على التشبه والاقتداء بل الطَّبْعِ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ انْتَهَى قَالَ الطِّيبِيُّ ذَكَرَهُ فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ وَغَرَضُ الْمُؤَلِّفِ مِنْ إِيرَادِهِ وَالْإِطْنَابِ فِيهِ دَفْعُ الطَّعْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ تَوَهَّمَ أَنَّهُ مَوْضُوعٌ قَالَ السُّيُوطِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي انْتَقَدَهَا الْحَافِظُ سِرَاجُ الدِّينِ الْقَزْوِينِيُّ عَلَى الْمَصَابِيحِ وَقَالَ إِنَّهُ مَوْضُوعٌ وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِ قَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وصححه الحاكم كذا في المرقاة [2379] 38 باب قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُوَيْدُ) بْنُ نَصْرِ بْنِ سُوَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ) بْنُ الْمُبَارَكِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ قَوْلُهُ (يَتْبَعُ الْمَيِّتَ) أَيْ إِلَى قَبْرِهِ (ثَلَاثٌ) أَيْ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَشْيَاءِ (فَيَرْجِعُ اثْنَانِ) أَيْ إِلَى مَكَانِهِمَا وَيَتْرُكَانِهِ وَحْدَهُ (وَيَبْقَى وَاحِدٌ) أَيْ لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ (يَتْبَعُهُ أَهْلُهُ) أَيْ أَوْلَادُهُ وَأَقَارِبُهُ

باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل

وَأَهْلُ صُحْبَتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ (وَمَالُهُ) كَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ وَالدَّابَّةِ والخيمة قاله القارىء وَقَالَ الْمُظْهِرُ أَرَادَ بَعْضَ مَالِهِ وَهُوَ مَمَالِيكُهُ وقال الطيبي أتباع الأهل الْحَقِيقَةِ وَاتِّبَاعُ الْمَالِ عَلَى الِاتِّسَاعِ فَإِنَّ الْمَالَ حِينَئِذٍ لَهُ نَوْعُ تَعَلُّقٍ بِالْمَيِّتِ مِنَ التَّجْهِيزِ وَالتَّكْفِينِ وَمُؤْنَةِ الْغُسْلِ وَالْحَمْلِ وَالدَّفْنِ فَإِذَا دُفِنَ انْقَطَعَ تَعَلُّقُهُ بِالْكُلِّيَّةِ (وَعَمَلُهُ) أَيْ مِنَ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ (وَيَبْقَى عَمَلُهُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَعْنَى بَقَاءِ عَمَلِهِ أَنَّهُ يَدْخُلُ مَعَهُ الْقَبْرَ وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْقَبْرِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ فَفِيهِ وَيَأْتِيهِ الرَّجُلُ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ حَسَنُ الرِّيحِ فَيَقُولُ أَبْشِرْ بِاَلَّذِي يَسُرُّكَ فَيَقُولُ مَنْ أَنْتَ فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ وَقَالَ فِي حَقِّ الْكَافِرِ وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ بِاَلَّذِي يَسُوءُكَ وَفِيهِ عَمَلُكَ الْخَبِيثُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ كَثْرَةِ الْأَكْلِ) [2380] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ الْحِمْصِيُّ) اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ سُلَيْمٍ الْكَلْبِيُّ الشامي القاضي بحمص ثقة عابد من السابعة (وَحَبِيبُ بْنُ صَالِحٍ) الطَّائِيُّ أَبُو مُوسَى الْحِمْصِيُّ وَيُقَالُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي مُوسَى ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ الطَّائِيِّ) أَبِي عَمْرٍو الْحِمْصِيِّ الْقَاضِي ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَأَرْسَلَ كَثِيرًا (عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ) بْنِ عَمْرٍو الْكِنْدِيِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ نَزَلَ الشَّامَ قَوْلُهُ (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً) أَيْ ظَرْفًا (شَرًّا مِنْ بَطْنٍ) صِفَةُ وِعَاءٍ جَعَلَ الْبَطْنَ أَوَّلًا وِعَاءً كَالْأَوْعِيَةِ الَّتِي تُتَّخَذُ ظُرُوفًا لِحَوَائِجِ الْبَيْتِ تَوْهِينًا لِشَأْنِهِ ثُمَّ جَعَلَهُ شَرَّ الْأَوْعِيَةِ لِأَنَّهَا

باب ما جاء في الرياء والسمعة

اسْتُعْمِلَتْ فِيمَا هِيَ لَهُ وَالْبَطْنُ خُلِقَ لِأَنْ يَتَقَوَّمَ بِهِ الصُّلْبُ بِالطَّعَامِ وَامْتِلَاؤُهُ يُفْضِي إِلَى الْفَسَادِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَيَكُونُ شَرًّا مِنْهَا (بحسب بن آدَمَ) مُبْتَدَأٌ أَوِ الْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ يَكْفِيهِ وَقَوْلُهُ (أُكُلَاتٌ) بِضَمَّتَيْنِ خَبَرُهُ نَحْوُ قَوْلِهِ بِحَسْبِكَ دِرْهَمٌ وَالْأُكْلَةُ بِالضَّمِّ اللُّقْمَةُ أَيْ يَكْفِيهِ هَذَا الْقَدْرُ فِي سَدِّ الرَّمَقِ وَإِمْسَاكِ الْقُوَّةِ (يُقِمْنَ) مِنَ الْإِقَامَةِ (صُلْبَهُ) أَيْ ظَهْرَهُ تَسْمِيَةً لِلْكُلِّ بِاسْمِ جُزْئِهِ كِنَايَةً عَنْ أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ مَا يَحْفَظُهُ مِنَ السُّقُوطِ وَيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ (فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيُضَمُّ أَيْ إِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنَ التَّجَاوُزِ عَمَّا ذَكَرَ فَلْتَكُنْ أَثْلَاثًا (فَثُلُثٌ) أَيْ فَثُلُثٌ يَجْعَلُهُ (لِطَعَامِهِ) أَيْ مَأْكُولِهِ (وَثُلُثٌ) يَجْعَلُهُ (لِشَرَابِهِ) أَيْ مَشْرُوبِهِ (وَثُلُثٌ) يَدَعُهُ (لِنَفَسِهِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ أَيْ يُبْقِي مِنْ مِلْئِهِ قَدْرَ الثُّلُثِ لِيَتَمَكَّنَ مِنَ التَّنَفُّسِ وَيَحْصُلُ لَهُ نَوْعُ صَفَاءٍ وَرِقَّةٍ وَهَذَا غَايَةُ مَا اخْتِيرَ لِلْأَكْلِ وَيَحْرُمُ الْأَكْلُ فَوْقَ الشِّبَعِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيِ الْحَقُّ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ عَمَّا يُقَامُ بِهِ صُلْبُهُ لِيَتَقَوَّى بِهِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ فَإِنْ أَرَادَ الْبَتَّةَ التَّجَاوُزَ فَلَا يَتَجَاوَزُ عَنِ الْقَسْمِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الرِّيَاءُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمَدِّ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ إِظْهَارُ الْعِبَادَةِ لِقَصْدِ رُؤْيَةِ النَّاسِ لَهَا فَيَحْمَدُوا صَاحِبَهَا وَالسُّمْعَةُ بضم المهملة وسكون الميم مشقة مِنْ سَمِعَ وَالْمُرَادُ بِهَا نَحْوُ مَا فِي الرِّيَاءِ لَكِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِحَاسَّةِ السَّمْعِ

وَالرِّيَاءُ بِحَاسَّةِ الْبَصَرِ انْتَهَى وَقَالَ الْغَزَالِيُّ الرِّيَاءُ مُشْتَقٌّ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَالسُّمْعَةُ مِنَ السَّمَاعِ وَإِنَّمَا الرِّيَاءُ أَصْلُهُ طَلَبُ الْمَنْزِلَةِ فِي قُلُوبِ النَّاسِ بإرائهم الخصال المحمودة فحد الرياء هو إراؤة الْعِبَادَةِ بِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْمُرَائِي هُوَ الْعَابِدُ وَالْمُرَاءَى لَهُ هُوَ النَّاسُ وَالْمُرَاءَى بِهِ هُوَ الخصال الحميدة والرياء هوقصد إِظْهَارِ ذَلِكَ (مَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ) [2381] بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي الْفِعْلَيْنِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَوْصُولَةٌ مُبْتَدَأٌ وَالْمَعْنَى مَنْ يَعْمَلُ عَمَلًا لِيَرَاهُ النَّاسُ فِي الدُّنْيَا يُجَازِيهِ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِأَنْ يُظْهِرَ رِيَاءَهُ عَلَى الْخَلْقِ (وَمَنْ يُسَمِّعْ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لِلسُّمْعَةِ بِأَنْ نَوَّهَ بِعَمَلِهِ وَشَهَرَهُ لِيَسْمَعَ النَّاسُ بِهِ وَيَمْتَدِحُوهُ (يُسَمِّعِ اللَّهُ بِهِ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْضًا أَيْ شَهَرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَهْلِ الْعَرَصَاتِ وَفَضَحَهُ على رؤوس الْأَشْهَادِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا عَلَى غَيْرِ إِخْلَاصٍ وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ وَيَسْمَعُوهُ جُوزِيَ عَلَى ذَلِكَ بِأَنْ يُشْهِرَهُ اللَّهُ وَيَفْضَحَهُ وَيُظْهِرَ مَا كَانَ يُبْطِنُهُ وَقِيلَ مَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ الْجَاهَ وَالْمَنْزِلَةَ عِنْدَ النَّاسِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ يجعله حديثا عند الناس الذين أراد ونيل الْمَنْزِلَةِ عِنْدَهُمْ وَلَا ثَوَابَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَمَعْنَى يُرَائِي بِهِ يُطْلِعُهُمْ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لَهُمْ لَا لِوَجْهِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إليهم أعمالهم فيها) إِلَى قَوْلِهِ (مَا كَانُوا يَعْلَمُونَ) وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ أَنْ يَسْمَعَهُ النَّاسُ وَيَرَوْهُ لِيُعَظِّمُوهُ وَتَعْلُو مَنْزِلَتُهُ عِنْدَهُمْ حَصَلَ لَهُ مَا قَصَدَ وَكَانَ ذَلِكَ جَزَاؤُهُ عَلَى عَمَلِهِ وَلَا يُثَابُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ وَقِيلَ الْمَعْنَى مَنْ سَمِعَ بِعُيُوبِ النَّاسِ وَأَذَاعَهَا أَظْهَرَ اللَّهُ عُيُوبَهُ وَسَمَّعَهُ الْمَكْرُوهَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ إِخْفَاءِ العمل الصالح لكن قد يستحب إظهار مِمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ عَلَى إِرَادَتِهِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَيُقَدَّرُ ذَلِكَ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ (مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ لَا يَرْحَمُهُ اللَّهُ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ رَحْمَةِ النَّاسِ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جُنْدُبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ جُنْدُبٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَنْ سَمَّعَ النَّاسَ

بِعَمَلِهِ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ مَسَامِعَ خَلْقِهِ وَصَغَّرَهُ وَحَقَّرَهُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِأَسَانِيدَ أَحَدُهَا صَحِيحٌ وَالْبَيْهَقِيُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ إِلَّا الْفَصْلَ الْأَخِيرَ [2382] قَوْلُهُ (أَنَّ عُقْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ) التُّجِيبِيَّ الْمِصْرِيَّ الْقَاصَّ إِمَامَ الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ بِمِصْرَ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (أَنَّ شُفَيًّا الْأَصْبَحِيَّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ شُفَيُّ بِالْفَاءِ مُصَغَّرًا بن مَاتِعٍ بِمُثَنَّاةٍ الْأَصْبَحِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ أَرْسَلَ حَدِيثًا فَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الصَّحَابَةِ خَطَأً مَاتَ فِي خِلَافَةِ هِشَامٍ قَالَهُ خَلِيفَةُ انْتَهَى قَوْلُهُ (أَنَّهُ) أَيْ شُفَيًّا (فَلَمَّا سَكَتَ) أَيْ عَنِ التَّحْدِيثِ (وَخَلَا) أَيْ بَقِيَ مُنْفَرِدًا (وَأَسَالُكَ بِحَقِّ وَبِحَقِّ) التَّكْرَارُ لِلتَّأْكِيدِ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ وَالْمَعْنَى أَسْأَلُكَ حَقًّا غَيْرَ بَاطِلٍ (لَمَّا حَدَّثَتْنِي حَدِيثًا) كَلِمَةُ لما ها هنا بِمَعْنَى أَلَّا قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَلَمَّا يَكُونُ بمعنى حين ولم الْجَازِمَةِ وَأَلَّا وَإِنْكَارُ الْجَوْهَرِيِّ كَوْنَهُ بِمَعْنَى أَلَّا غير جيد يقال سألتك كما فَعَلْتَ أَيْ أَلَّا فَعَلْتَ وَمِنْهُ (إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ) (وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جميع لدينا محضرون) انْتَهَى (ثُمَّ نَشَغَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا غَيْنٌ مُعْجَمَةٌ أَيْ شَهِقَ حَتَّى كَادَ يُغْشَى عَلَيْهِ أَسَفًا أَوْ خَوْفًا قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ النَّشَغُ فِي الْأَصْلِ الشَّهِيقُ حَتَّى يَكَادَ يَبْلُغُ بِهِ الْغَشْيُ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ الْإِنْسَانُ ذَلِكَ تَشَوُّقًا إِلَى

شَيْءٍ فَائِتٍ وَأَسَفًا عَلَيْهِ وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَشَغَ نَشْغَةً أَيْ شَهِقَ وَغُشِيَ عَلَيْهِ انْتَهَى (مَالَ خَارًّا) مِنَ الْخُرُورِ أَيْ سَاقِطًا (فَأَسْنَدْتُهُ) قَالَ فِي الصُّرَاحِ إِسْنَادُ تكية دادن جيزي رايجيزي (وَكُلُّ أُمَّةٍ جَاثِيَةٌ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ جَثَا كَدَعَا وَرَمَى جُثُوًّا وَجُثِيًّا بِضَمِّهِمَا جَلَسَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ أَوْ قَامَ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ انْتَهَى (يَدْعُو) أَيِ اللَّهَ تَعَالَى (بِهِ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَنْ (رَجُلٌ جَمَعَ الْقُرْآنَ) أَيْ حَفِظَهُ (قُتِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَمَاذَا عَمِلْتَ) مِنَ الْعَمَلِ (فِيمَا عَلِمْتَ) مِنَ الْعِلْمِ (كُنْتُ أَقُومُ بِهِ) أَيْ بِالْقُرْآنِ (آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ) أَيْ سَاعَاتِهِمَا قَالَ الْأَخْفَشُ وَاحِدُهَا إِنًى مثل معى وقيل واحدها إنى وإنو وَإِنْوٌ يُقَالُ مَضَى مِنَ اللَّيْلِ إِنْوَانٌ وَإِنْيَانٌ (فَقَدْ قِيلَ ذَلِكَ) أَيْ ذَلِكَ الْقَوْلُ فَحَصَلَ مَقْصُودُكَ وَغَرَضُكَ (أَلَمْ أُوَسِّعْ عَلَيْكُ) أَيْ أَلَمْ أُكْثِرْ مَالَكَ (حَتَّى لَمْ أَدَعْكَ) أَيْ لَمْ أَتْرُكْكَ مِنْ وَدَعْ يَدَعُ (جَوَادٌ) أَيْ سَخِيٌّ كريم (جريئي) فعيل من الجرة فَهُوَ مَهْمُوزٌ وَقَدْ يُدْغَمُ أَيْ شُجَاعٌ (تُسَعَّرُ) مِنَ التَّسْعِيرِ أَيْ تُوقَدُ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى تغليظ

تَحْرِيمِ الرِّيَاءِ وَشِدَّةِ عُقُوبَتِهِ وَعَلَى الْحَثِّ عَلَى وُجُوبِ الْإِخْلَاصِ فِي الْأَعْمَالِ كَمَا قَالَ تَعَالَى (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدين) وَفِيهِ أَنَّ الْعُمُومَاتِ الْوَارِدَةَ فِي فَضْلِ الْجِهَادِ وَإِنَّمَا هِيَ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ مُخْلِصًا وَكَذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى الْعُلَمَاءِ وَعَلَى الْمُنْفِقِينَ فِي وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ كُلُّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى مُخْلِصًا (وَحَدَّثَنِي الْعَلَاءُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْعَلَاءُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ يَحْيَى الشَّامِيُّ سَيَّافُ مُعَاوِيَةَ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (قَدْ فُعِلَ بِهَؤُلَاءِ) أَيِ القارىء وَالشَّهِيدِ وَالْجَوَادِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْحَدِيثِ (مَنْ كَانَ يريد الحياة الدنيا وزينتها) يَعْنِي بِعَمَلِهِ الَّذِي يَعْمَلُهُ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ نَزَلَتْ فِي كُلِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا يَبْتَغِي بِهِ غَيْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أعمالهم فيها) يَعْنِي أُجُورَ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا لِطَلَبِ الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُوَسِّعُ عَلَيْهِمُ الرِّزْقَ وَيَدْفَعُ عَنْهُمُ الْمَكَارِهَ فِي الدُّنْيَا وَنَحْوَ ذلك (وهم فيها لا يبخسون) أَيْ لَا يُنْقَصُونَ مِنْ أُجُورِ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوهَا لِطَلَبِ الدُّنْيَا بَلْ يُعْطَوْنَ أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ كَامِلَةً مَوْفُورَةً (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا) أَيْ وَبَطَلَ مَا عَمِلُوا فِي الدُّنْيَا مِنْ أعمال البر (وباطل ما كانوا يعملون) لِأَنَّهُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمَعْنِيِّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَرَوَى قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهَا فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَعَنِ الْحَسَنِ مِثْلُهُ وَقَالَ الضَّحَّاكُ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فِي غَيْرِ تَقْوَى يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ أُعْطِيَ عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا فِي الدُّنْيَا وَهُوَ أَنْ يَصِلَ رَحِمًا أَوْ يُعْطِيَ سَائِلًا أَوْ يَرْحَمَ مُضْطَرًّا أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ فَيُعَجِّلُ اللَّهُ لَهُ ثَوَابَ عَمَلِهِ فِي الدُّنْيَا يُوَسِّعُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ وَالرِّزْقِ وَيُقِرُّ عَيْنَهُ فِيمَا حَوْلَهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ الْمَكَارِهَ فِي الدُّنْيَا وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ سِيَاقُ الْآيَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ) الْآيَةَ وَهَذِهِ حَالَةُ الْكَافِرِ فِي الْآخِرَةِ وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ كَانُوا يَطْلُبُونَ بِغَزْوِهِمْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَنَائِمَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ ثَوَابَ

الْآخِرَةِ وَقِيلَ إِنَّ حَمْلَ الْآيَةِ عَلَى الْعُمُومِ أَوْلَى فَيَنْدَرِجُ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ الَّذِي هَذِهِ صِفَتُهُ وَالْمُؤْمِنُ الَّذِي يَأْتِي بِالطَّاعَاتِ وَأَعْمَالِ الْبِرِّ عَلَى وَجْهِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُمْ أَهْلُ الرِّيَاءِ وَهَذَا الْقَوْلُ مُشْكِلٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لهم في الاخرة إلا النار) لَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُؤْمِنِ إِلَّا إِذَا قُلْنَا إِنَّ تِلْكَ الْأَعْمَالَ الْفَاسِدَةَ وَالْأَفْعَالَ الْبَاطِلَةَ لَمَّا كَانَتْ لِغَيْرِ اللَّهِ اسْتَحَقَّ فَاعِلُهَا الْوَعِيدَ الشَّدِيدَ وَهُوَ عَذَابُ النَّارِ كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْخَازِنِ قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ [2383] قَوْلُهُ (عَنْ عَمَّارِ بْنِ سَيْفٍ) بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ (الضَّبِّيِّ) بِالْمُعْجَمَةِ ثُمَّ الْمُوَحَّدَةِ الْكُوفِيِّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَكَانَ عَابِدًا مِنَ التَّاسِعَةِ عَنْ (أَبِي مَعَانٍ الْبَصْرِيِّ) فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أَبُو مُعَاذٍ وَيُقَالُ أَبُو مَعَانٍ وَهُوَ أَصَحُّ بَصْرِيٌّ عَنْ أَنَسٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَعَنْهُ عَمَّارُ بْنُ سَيْفٍ الضَّبِّيُّ وَفِي الْمِيزَانِ لَا يُعْرَفُ وَفِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ مِنَ السادسة (عن بن سِيرِينَ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَنَسَ بْنَ سِيرِينَ قَوْلُهُ (تَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ مِنْ جُبِّ الْحَزَنِ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْجُبُّ بِالضَّمِّ الْبِئْرُ غَيْرُ الْمَطْوِيِّ وَجُبُّ الْحَزَنِ عَلَمٌ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ كَدَارِ السَّلَامِ إِذْ فِيهِ السَّلَامَةُ مِنْ كُلِّ آفَةٍ وحزن انتهى (مائة مرة) وفي رواية بن ماجه أربع مائة مرة (القراوؤن) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقُرَّاءُ كَرُمَّانٍ النَّاسِكُ الْمُتَعَبِّدُ كالقارىء والمتقرىء والجمع قراؤون وقراريء انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ عَمَّارُ بْنُ سَيْفٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَبُو مَعَانٍ وهو مجهول كما عرفت والحديث أخرجه بن ماجه أيضا

41 - باب [2384] قوله (اخبرنا أبو داود) هو الطيالسي (حدثنا أَبُو سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ) هُوَ الْأَصْغَرُ وَيَأْتِي تَرْجَمَتُهُ وَتَرْجَمَةُ أَبِي سِنَانٍ الْأَكْبَرِ فِي بَابِ كَمْ وصف أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ أَبْوَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ قَوْلُهُ (فَيَسُرُّهُ) مِنَ الْإِسْرَارِ أَيْ فَيُخْفِيهِ (فَإِذَا اطُّلِعَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَقَوْلُهُ الرَّجُلُ يَعْمَلُ إِلَى قَوْلِهِ أَعْجَبَهُ إِخْبَارٌ فِيهِ مَعْنَى الِاسْتِخْبَارِ يَعْنِي هَلْ تَحْكُمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ رِيَاءٌ أَمْ لَا (أجر السر) ي لإخلاصه (وأجره الْعَلَانِيَةِ) أَيْ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ أَوْ لِفَرَحِهِ بِالطَّاعَةِ وَظُهُورِهَا مِنْهُ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ فَأَعْجَبَهُ رَجَاءَ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلِهِ فَتَكُونُ لَهُ مِثْلُ أُجُورِهِمْ) وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا (فَهَذَا لَهُ مَذْهَبٌ أَيْضًا) أَيْ هَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي أَيْضًا صَحِيحٌ يَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ إِلَيْهِ وَيَخْتَارَ

باب ما جاء أن المرء مع من أحب

(بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أحب) [2386] قوله قَوْلُهُ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ الْكِنْدِيِّ النَّجَّارِ الْأَفْرَقِ الْأَثْرَمِ صَاحِبُ التَّوَابِيتِ قَاضِي الْأَهْوَازِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ أَيْ يُحْشَرُ مَعَ مَحْبُوبِهِ وَيَكُونُ رَفِيقًا لِمَطْلُوبِهِ قَالَ تَعَالَى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مع الذين أنعم الله عليهم الْآيَةَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْعُمُومُ الشَّامِلُ لِلصَّالِحِ وَالطَّالِحِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ كَمَا مَرَّ فَفِيهِ تَرْغِيبٌ وَتَرْهِيبٌ وَوَعْدٌ وَوَعِيدٌ وَلَهُ مَا اكْتَسَبَ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ فِي شُعُبِ الْإِيمَانِ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكَ مَا احتسبت قال القارىء أَيْ أَجْرُ مَا احْتَسَبْتَ وَالِاحْتِسَابُ طَلَبُ الثَّوَابِ وَأَصْلُ الِاحْتِسَابِ بِالشَّيْءِ الِاعْتِدَادُ بِهِ وَلَعَلَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحِسَابِ أَوِ الْحَسَبِ وَاحْتَسَبَ بِالْعَمَلِ إِذَا قَصَدَ بِهِ مَرْضَاةَ رَبِّهِ وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَكِلَا اللَّفْظَيْنِ يَعْنِي احْتَسَبَ وَاكْتَسَبَ قَرِيبٌ مِنَ الْآخَرِ فِي الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى مَا اكْتَسَبَ كَسَبَ كَسْبًا يُعَتَّدُ بِهِ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ سَبَبُ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى الِاحْتِسَابِ لِأَنَّ الِافْتِعَالَ لِلِاعْتِمَالِ انْتَهَى وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَرْءَ يُحْشَرُ مَعَ مَنْ أَحَبَّهُ وَلَهُ أَجْرُ مَا احْتَسَبَ فِي مَحَبَّتِهِ قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَصَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ كَمَا فِي الفتح

[2385] قَوْلُهُ مَا أَعْدَدْتَ لَهَا قَالَ الطِّيبِيُّ سَلَكَ مَعَ السَّائِلِ طَرِيقَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ لِأَنَّهُ سَأَلَ عَنْ وَقْتِ السَّاعَةِ فَقِيلَ لَهُ فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا وَإِنَّمَا يُهِمُّكَ أَنْ تَهْتَمَّ بِأُهْبَتِهَا وَتَعْتَنِيَ بِمَا يَنْفَعُكَ عِنْدَ إِرْسَالِهَا مِنَ الْعَقَائِدِ الْحَقَّةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ أَجَابَ بِقَوْلِهِ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ انْتَهَى (مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَبِيرَ صَلَاةٍ) بِالْمُوَحَّدَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ كَثِيرَ صَلَاةٍ بِالْمُثَلَّثَةِ (وَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) أَيْ مُلْحَقٌ بِهِمْ حَتَّى تَكُونَ مِنْ زُمْرَتِهِمْ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ إِيرَادُ أَنَّ مَنَازِلَهُمْ مُتَفَاوِتَةٌ فَكَيْفَ تَصِحُّ الْمَعِيَّةُ فَيُقَالُ إِنَّ الْمَعِيَّةَ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ الِاجْتِمَاعِ فِي شَيْءٍ مَا وَلَا يَلْزَمُ فِي جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ فَإِذَا اتَّفَقَ أَنَّ الْجَمِيعَ دَخَلُوا الْجَنَّةَ صَدَقَتِ الْمَعِيَّةُ وَإِنْ تَفَاوَتَتِ الدَّرَجَاتُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَمَا رَأَيْتُ فَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ) أَيْ بَعْدَ فَرَحِهِمْ بِهِ أوْ دُخُولِهِمْ فِيهِ (فَرَحَهُمْ) بِفَتَحَاتٍ أَيْ كَفَرَحِهِمْ (بها) ي بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ وَهِيَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ فَقُلْنَا وَنَحْنُ كَذَلِكَ قَالَ نَعَمْ فَفَرِحْنَا يَوْمَئِذٍ فَرَحًا شَدِيدًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ [2387] قَوْلُهُ (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ) بِمُهْمَلَتَيْنِ الْمُرَادِيِّ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ نَزَلَ الْكُوفَةَ قَوْلُهُ (جَاءَ أَعْرَابِيٌّ جَهْوَرِيُّ الصَّوْتِ) أَيْ شَدِيدُ الصَّوْتِ وَعَالِيهِ مَنْسُوبٌ إِلَى جَهْوَرَ بِصَوْتِهِ (وَلَمَّا يَلْحَقْ هُوَ بِهِمْ) قَالَ الحافظ هي أبلغ فإن النفي لما أَبْلَغُ مِنَ النَّفْيِ بِلَمْ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ

باب ما جاء في حسن الظن بالله تعالى

أَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ وَلَوْ بَعْدَ اللَّحَاقِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يَلْحَقْ بِعَمَلِهِمْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلِهِمْ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمِثْلِ عَمَلِهِمْ وَهُوَ يُفَسِّرُ الْمُرَادَ انْتَهَى (الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ) يَعْنِي مَنْ أَحَبَّ قَوْمًا بِالْإِخْلَاصِ يَكُونُ مِنْ زُمْرَتِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ عَمَلَهُمْ لِثُبُوتِ التَّقَارُبِ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَرُبَّمَا تُؤَدِّي تِلْكَ الْمَحَبَّةُ إِلَى مُوَافَقَتِهِمْ وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى مَحَبَّةِ الصُّلَحَاءِ وَالْأَخْيَارِ رَجَاءَ اللَّحَاقِ بِهِمْ وَالْخَلَاصِ مِنَ النَّارِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ بن خُزَيْمَةَ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حُسْنِ الظَّنِّ بالله تعالى) [2388] قَوْلُهُ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ الْكِلَابِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الرَّقِّيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ) فِي التَّقْرِيبِ يَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْبَكَّائِيُّ أَبُو عَوْفٍ كوفي نزل الرقة وهو بن أُخْتِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ يُقَالُ لَهُ رُؤْيَةٌ وَلَا يَثْبُتُ وَهُوَ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي) أَيْ أَنَا أُعَامِلُهُ عَلَى حَسَبِ ظَنِّهِ بِي وَأَفْعَلُ بِهِ مَا يَتَوَقَّعُهُ مِنِّي مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَالْمُرَادُ الْحَثُّ عَلَى تَغْلِيبِ الرَّجَاءِ عَلَى الْخَوْفِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالظَّنِّ الْيَقِينُ وَالْمَعْنَى أَنَا عِنْدَ يَقِينِهِ بِي وَعِلْمِهِ بِأَنَّ مَصِيرَهُ إِلَيَّ وَحِسَابَهُ عَلَيَّ وَأَنَّ مَا قَضَيْتُ بِهِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ لَا

باب ما جاء في البر والإثم

مَرَدَّ لَهُ لَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ في المفهم قيل معنى ظن عبد بِي ظَنُّ الْإِجَابَةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَظَنُّ الْقَبُولِ عِنْدَ التَّوْبَةِ وَظَنُّ الْمَغْفِرَةِ عِنْدَ الِاسْتِغْفَارِ وَظَنُّ الْمُجَازَاةِ عِنْدَ فِعْلِ الْعِبَادَةِ بِشُرُوطِهَا تَمَسُّكًا بِصَادِقِ وَعْدِهِ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ ادعو اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ قَالَ وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْمَرْءِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْقِيَامِ بِمَا عَلَيْهِ مُوقِنًا بِأَنَّ اللَّهَ يَقْبَلُهُ وَيَغْفِرُ لَهُ لِأَنَّهُ وَعَدَ بِذَلِكَ وَهُوَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ فَإِنِ اعْتَقَدَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُهَا وَأَنَّهَا لَا تَنْفَعُهُ فَهَذَا هُوَ الْيَأْسُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَمَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ وُكِّلَ إِلَى مَا ظَنَّ كَمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَيَظُنُّ بِي عَبْدِي مَا شَاءَ قَالَ وَأَمَّا ظَنُّ الْمَغْفِرَةِ مَعَ الْإِصْرَارِ فَذَلِكَ مَحْضُ الْجَهْلِ وَالْغِرَّةِ وَهُوَ يَجُرُّ إِلَى مَذْهَبِ الْمُرْجِئَةِ (وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي) أَيْ بِعِلْمٍ وَهُوَ كَقَوْلِهِ إِنَّنِي مَعَكُمَا أسمع وأرى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْبِرِّ وَالْإِثْمِ) [2389] قَوْلُهُ (عَنِ النَّوَّاسِ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ (بن سمعان) بفتح السين وكسرها بن خَالِدٍ الْكِلَابِيِّ أَوِ الْأَنْصَارِيِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ سَكَنَ الشَّامَ قَوْلُهُ (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبِرُّ) أَيْ أَعْظَمُ خِصَالِهِ أَوِ الْبِرُّ كُلُّهُ مُجْمَلًا (حُسْنُ الْخُلُقِ) أَيْ مَعَ الْخُلُقِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبِرُّ يَكُونُ بِمَعْنَى الصِّلَةِ وَبِمَعْنَى اللُّطْفِ وَالْمَبَرَّةِ

باب ما جاء في الحب في الله

وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ وَبِمَعْنَى الطَّاعَةِ وَهَذِهِ الْأُمُورُ هِيَ مَجَامِعُ حُسْنِ الْخُلُقِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ قِيلَ فَسَّرَ الْبِرَّ فِي الْحَدِيثِ بِمَعَانٍ شَتَّى فَفَسَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِمَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَفَسَّرَهُ فِي مَوْضِعٍ بِالْإِيمَانِ وَفِي مَوْضِعٍ بِمَا يُقَرِّبُكَ إِلَى اللَّهِ وَهُنَا بِحُسْنِ الْخُلُقِ وَفَسَّرَ حُسْنَ الْخُلُقِ بِاحْتِمَالِ الْأَذَى وَقِلَّةِ الْغَضَبِ وَبَسْطِ الْوَجْهِ وَطِيبِ الْكَلَامِ وَكُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى (وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ) أَيْ تَحَرَّكَ فِيهَا وَتَرَدَّدَ وَلَنْ يَنْشَرِحَ لَهُ الصَّدْرُ وَحَصَلَ فِي الْقَلْبِ مِنْهُ الشَّكُّ وَخَوْفُ كَوْنِهِ ذَنْبًا وَقِيلَ يَعْنِي الْإِثْمَ مَا أَثَّرَ قُبْحُهُ فِي قَلْبِكَ أَوْ تَرَدَّدَ فِي قَلْبِكَ وَلَمْ تُرِدْ أَنْ تُظْهِرَهُ لِكَوْنِهِ قَبِيحًا وَهُوَ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ (وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ النَّاسُ عَلَيْهِ) أَيْ أَعْيَانُهُمْ وَأَمَاثِلُهُمْ إِذِ الْجِنْسُ يَنْصَرِفُ إِلَى الْكَامِلِ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّفْسَ بِطَبْعِهَا تُحِبُّ اطِّلَاعَ الناس على خيرها فإذا كرهت للاطلاع عَلَى بَعْضِ أَفْعَالِهَا فَهُوَ غَيْرُ مَا تُقُرِّبَ بِهِ إِلَى اللَّهِ أَوْ غَيْرُ مَا أَذِنَ الشَّرْعُ فِيهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا خَيْرَ فِيهِ وَلَا بِرَّ فَهُوَ إِذًا إِثْمٌ وَشَرٌّ قَوْلُهُ (هذا حديث صحيح حسن) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَمُسْلِمٌ فِي البر والصلة 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحُبِّ فِي اللَّهِ) أَيْ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَجِهَتِهِ لَا يَشُوبُهُ الرياء والهوى ومن هُنَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فينا [2390] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ) الْكِلَابِيُّ أَبُو سَهْلٍ الرَّقِّيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (أَخْبَرَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي مَرْزُوقٍ) الرَّقِّيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ السَّابِعَةِ

قَوْلُهُ (الْمُتَحَابُّونَ فِي جَلَالِي) أَيْ لِأَجْلِ إِجْلَالِي وتعظيمي (يغبطهم النبيون والشهداء) قال القارىء بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مِنَ الْغِبْطَةِ بِالْكَسْرِ وَهِيَ تَمَنِّي نِعْمَةٍ عَلَى أَلَّا تَتَحَوَّلَ عَنْ صَاحِبِهَا بِخِلَافِ الْحَسَدِ فَإِنَّهُ تَمَنِّي زَوَالِهَا عَنْ صَاحِبِهَا فَالْغِبْطَةُ فِي الْحَقِيقَةِ عِبَارَةٌ عَنْ حُسْنِ الْحَالِ كَذَا قِيلَ وَفِي الْقَامُوسِ الْغِبْطَةُ حُسْنُ الْحَالِ وَالْمَسَرَّةِ فَمَعْنَاهَا الْحَقِيقِيُّ مُطَابِقٌ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ يَسْتَحْسِنُ أَحْوَالَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ وَالشُّهَدَاءُ قَالَ وَبِهَذَا يَزُولُ الْإِشْكَالُ الَّذِي تَحَيَّرَ فِيهِ الْعُلَمَاءُ وَقَالَ الْقَاضِي كُلُّ مَا يَتَحَلَّى بِهِ الْإِنْسَانُ أَوْ يَتَعَاطَاهُ مِنْ عِلْمٍ وَعَمَلٍ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ مِمَّنْ لَمْ يَتَّصِفْ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ مَا هُوَ أَرْفَعُ قَدْرًا وَأَعَزُّ ذُخْرًا فَيَغْبِطُهُ بِأَنْ يَتَمَنَّى وَيُحِبَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ مثل ذلك مفهوما إلى ماله مِنَ الْمَرَاتِبِ الرَّفِيعَةِ أَوِ الْمَنَازِلِ الشَّرِيفَةِ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ قَدِ اسْتَغْرَقُوا فِيمَا هُوَ أَعْلَى مِنْ ذَلِكَ مِنْ دَعْوَةِ الْخَلْقِ وَإِظْهَارِ الْحَقِّ وَإِعْلَاءِ الدِّينِ وَإِرْشَادِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّيَّاتٍ أَشْغَلَتْهُمْ عَنِ الْعُكُوفِ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْجُزْئِيَّاتِ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهَا وَالشُّهَدَاءُ وَإِنْ نَالُوا رُتْبَةَ الشَّهَادَةِ وَفَازُوا بِالْفَوْزِ الْأَكْبَرِ فَلَعَلَّهُمْ لَنْ يُعَامَلُوا مَعَ اللَّهِ مُعَامَلَةَ هَؤُلَاءِ فَإِذَا رَأَوْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي مَنَازِلِهِمْ وَشَاهَدُوا قُرْبَهُمْ وَكَرَامَتَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَدُّوا لَوْ كَانُوا ضَامِّينَ خِصَالَهُمْ فَيَكُونُونَ جَامِعِينَ بَيْنَ الْحَسَنَتَيْنِ وَفَائِزِينَ بِالْمَرْتَبَتَيْنِ وَقِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ فِي ذَلِكَ إِلَى إِثْبَاتِ الْغِبْطَةِ لَهُمْ عَلَى هَؤُلَاءِ بَلْ بَيَانِ فَضْلِهِمْ وَعُلُوِّ شَأْنِهِمْ وَارْتِفَاعِ مَكَانِهِمْ وَتَقْرِيرِهَا عَلَى آكَدِ وَجْهٍ وَأَبْلَغِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ حَالَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَثَابَةِ لَوْ غَبَطَ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ يَوْمَئِذٍ مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِمْ وَنَبَاهَةِ أَمْرِهِمْ حَالَ غَيْرِهِمْ لَغَبَطُوهُمْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وبن مسعود وعبادة بن الصامت وأبي مالك الأشعري وأبي هريرة) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حسن وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ ذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي تَرْغِيبِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي وَلَهُ أَحَادِيثُ أُخْرَى فِي هَذَا الْبَابِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ قَوْلُهُ (وَأَبُو مُسْلِمٍ الْخَوْلَانِيُّ) الزَّاهِدُ الشَّامِيُّ (اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثُوَبٍ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ وَقِيلَ بِإِشْبَاعِ الْوَاوِ وَقِيلَ بن أثوب وزن أحمر ويقال بن عوف أو بن مِشْكَمٍ وَيُقَالُ اسْمُهُ يَعْقُوبُ بْنُ عَوْفٍ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّانِيَةِ رَحَلَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُدْرِكْهُ وَعَاشَ إِلَى زَمَنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ [2391] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْخَطْمِيُّ أَبُو مُوسَى الْمَدَنِيُّ (عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ) بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (سَبْعَةٌ) أَيْ سَبْعَةُ أَشْخَاصٍ (يُظِلُّهُمُ اللَّهُ) أَيْ يُدْخِلُهُمْ (فِي ظِلِّهِ) قَالَ عِيَاضٌ إِضَافَةُ الظِّلِّ إِلَى اللَّهِ إِضَافَةُ مِلْكٍ وَكُلُّ ظِلٍّ فَهُوَ مِلْكُهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ لِيَحْصُلَ امْتِيَازُ هَذَا عَلَى غَيْرِهِ كَمَا قِيلَ لِلْكَعْبَةِ بَيْتُ اللَّهِ مَعَ أَنَّ الْمَسَاجِدَ كُلَّهَا مِلْكُهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِظِلِّهِ كَرَامَتُهُ وَحِمَايَتُهُ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ فِي ظِلِّ الْمَلِكِ وَهُوَ قَوْلُ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ وَقَوَّاهُ عِيَاضٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ ظِلُّ عَرْشِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَلْمَانَ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ الْعَرْشَ اسْتَلْزَمَ مَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِهِمْ فِي كَنَفِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَهُوَ أَرْجَحُ وَبِهِ جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا تَقْيِيدُ ذلك بيوم القيامة كما صرح به بن الْمُبَارَكِ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ قَالَ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ ظِلُّ طُوبَى أَوْ ظِلُّ الْجَنَّةِ لِأَنَّ ظِلَّهُمَا إِنَّمَا يَحْصُلُ لَهُمْ بَعْدَ الِاسْتِقْرَارِ فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ مُشْتَرِكٌ لِجَمِيعِ مَنْ يَدْخُلُهَا وَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَى امْتِيَازِ أَصْحَابِ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ فَيُرَجَّحُ أَنَّ الْمُرَادَ ظِلُّ الْعَرْشِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَقْرَبُهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ عَادِلٌ انْتَهَى (إِمَامٌ عَادِلٌ) قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِهِ صَاحِبُ الْوِلَايَةِ الْعُظْمَى وَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَنْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَعَدَلَ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَفَعَهُ إِنَّ

الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا قَالَ وَأَحْسَنُ مَا فُسِّرَ بِهِ الْعَادِلُ الَّذِي يَتْبَعُ أَمْرَ اللَّهِ بِوَضْعِ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ إِفْرَاطٍ وَلَا تَفْرِيطٍ وَقَدَّمَهُ فِي الذِّكْرِ لِعُمُومِ النَّفْعِ بِهِ (وَشَابٌّ) خَصَّ الشَّابَّ لِكَوْنِهِ مَظِنَّةَ غَلَبَةِ الشَّهْوَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ قُوَّةِ الْبَاعِثِ عَلَى مُتَابَعَةِ الْهَوَى فَإِنَّ مُلَازَمَةَ الْعِبَادَةِ مَعَ ذَلِكَ أَشَدُّ وَأَدَلُّ عَلَى غَلَبَةِ التَّقْوَى (نَشَأَ) أَيْ نما وتربى (بعبادة الله) أي لافى مَعْصِيَتِهِ فَجُوزِيَ بِظِلِّ الْعَرْشِ لِدَوَامِ حِرَاسَةِ نَفْسِهِ عَنْ مُخَالَفَةِ رَبِّهِ (وَرَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا بِالْمَسْجِدِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَقَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنَ التَّعْلِيقِ كَأَنَّهُ شَبَّهَهُ بِالشَّيْءِ الْمُعَلَّقِ فِي الْمَسْجِدِ كَالْقِنْدِيلِ مَثَلًا إِشَارَةً إِلَى طُولِ الْمُلَازَمَةِ بِقَلْبِهِ وَإِنْ كَانَ جَسَدُهُ خَارِجًا عَنْهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْجَوْزَقِيِّ كَأَنَّمَا قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسْجِدِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَلَاقَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الْحُبِّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ أَحْمَدَ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ وَكَذَا رِوَايَةُ سُلَيْمَانَ مِنْ حُبِّهَا (إِذَا خَرَجَ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْمَسْجِدِ (حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهِ) لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ فِي الْمَسْجِدِ كَالسَّمَكِ فِي الْمَاءِ وَالْمُنَافِقُ فِي الْمَسْجِدِ كَالطَّيْرِ فِي الْقَفَصِ (وَرَجُلَانِ) مَثَلًا (تَحَابَّا) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ وَأَصْلُهُ تَحَابَبَا أَيِ اشْتَرَكَا فِي جِنْسِ الْمَحَبَّةِ وَأَحَبَّ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ حَقِيقَةً لَا إِظْهَارًا فَقَطْ (فِي اللَّهِ) أَيْ لِلَّهِ أَوْ فِي مَرْضَاتِهِ (فَاجْتَمَعَا عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى الْحُبِّ فِي اللَّهِ إِنِ (اختمعا وَتَفَرَّقَا) أَيْ إِنْ تَفَرَّقَا يَعْنِي يَحْفَظَانِ الْحُبَّ فِي الْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمَا دَامَا عَلَى الْمَحَبَّةِ الدِّينِيَّةِ وَلَمْ يَقْطَعَاهَا بِعَارِضٍ دُنْيَوِيٍّ سَوَاءٌ اجْتَمَعَا حَقِيقَةً أَمْ لَا حَتَّى فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْمَوْتُ (تَنْبِيهٌ) عُدَّتْ هَذِهِ الْخَصْلَةُ وَاحِدَةً مَعَ أَنَّ مُتَعَاطِيَهَا اثْنَانِ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ لاتتم إِلَّا بِاثْنَيْنِ أَوْ لَمَّا كَانَ الْمُتَحَابَّانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَانَ عَدُّ أَحَدِهِمَا مُغْنِيًا عَنْ عَدِّ الاخر لأن الغرض عد الخصال لإعد جَمِيعِ مَنِ اتَّصَفَ بِهَا (وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ) أَيْ بِقَلْبِهِ مِنَ التَّذَكُّرِ أَوْ بِلِسَانِهِ مِنَ الذِّكْرِ (خَالِيًا) أَيْ مِنَ النَّاسِ أَوْ مِنَ الرِّيَاءِ أَوْ مِمَّا سِوَى اللَّهِ (فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) أَيْ فَاضَتِ الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنَيْهِ وَأَسْنَدَ الْفَيْضَ إِلَى الْعَيْنِ مُبَالَغَةً كَأَنَّهَا هِيَ الَّتِي فَاضَتْ (ورجل دعته) امرأة إلى الزنى بها (ذات حسب) قال بن الْمَلَكِ الْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ الْإِنْسَانُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِهِ وَقِيلَ الْخِصَالُ الْحَمِيدَةُ لَهُ وَلِآبَائِهِ (فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ بِلِسَانِهِ إِمَّا لِيَزْجُرَهَا عَنِ الْفَاحِشَةِ أَوْ لِيَعْتَذِرَ إِلَيْهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَهُ بِقَلْبِهِ قَالَهُ عِيَاضٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّمَا يَصْدُرُ ذَلِكَ عَنْ شِدَّةِ خَوْفٍ

مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَتِينِ تَقْوَى وَحَيَاءٍ (وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ) نَكَّرَهَا لِيَشْمَلَ كُلَّ مَا يُتَصَدَّقُ بِهِ مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ وَظَاهِرُهُ أَيْضًا يَشْمَلُ الْمَنْدُوبَةَ وَالْمَفْرُوضَةَ لَكِنْ نَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ إِظْهَارَ الْمَفْرُوضَةِ أَوْلَى مِنْ إِخْفَائِهَا (فَأَخْفَاهَا) قال بن الْمَلَكِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّطَوُّعِ لِأَنَّ إِعْلَانَ الزَّكَاةِ أَفْضَلُ (حَتَّى لَا تَعْلَمَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَقِيلَ بِضَمِّهَا (شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ) قِيلَ فِيهِ حَذْفٌ أَيْ لَا يَعْلَمُ مَنْ بِشِمَالِهِ وَقِيلَ يُرَادُ الْمُبَالَغَةُ فِي إِخْفَائِهَا وَأَنَّ شِمَالَهُ لَوْ تَعْلَمُ لَمَا عَلِمَتْهَا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ نَظَمَ السَّبْعَةَ الْعَلَّامَةُ أَبُو شَامَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فَقَالَ وَقَالَ النَّبِيُّ الْمُصْطَفَى إِنَّ سَبْعَةً يُظِلُّهُمُ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِظِلِّهِ محب عفيف ناشىء مُتَصَدِّقٌ وَبَاكٍ مُصَلٍّ وَالْإِمَامُ بِعَدْلِهِ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْيُسْرِ مَرْفُوعًا مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ وَهَاتَانِ الْخَصْلَتَانِ غَيْرُ السَّبْعَةِ الْمَاضِيَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَقَدْ تَتَبَّعَ الْحَافِظُ فَوَجَدَ خِصَالًا أُخْرَى غَيْرَ الْخِصَالِ الْمَذْكُورَةِ وَأَوْرَدَهَا فِي جُزْءٍ سَمَّاهُ مَعْرِفَةَ الْخِصَالِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى الظِّلَالِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَوْلُهُ (وَهَكَذَا رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ مِثْلَ هَذَا وَشَكَّ فِيهِ وَقَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ بِالشَّكِّ وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ (وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَوَاهُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ فَقَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) وَكَذَلِكَ رَوَى الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ خبيب عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ قَالَ الْحَافِظُ لَمْ تَخْتَلِفِ الرُّوَاةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَرِوَايَةُ مَالِكٍ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ خُبَيْبٍ فَقَالَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَوْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى الشَّكِّ وَرَوَاهُ أَبُو قُرَّةَ عَنْ مَالِكٍ بِوَاوِ الْعَطْفِ فَجَعَلَهُ عَنْهُمَا وَتَابَعَهُ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ وَشَذَّ فِي ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ حَفِظَهُ لِكَوْنِهِ لَمْ يَشُكَّ فِيهِ وَلِكَوْنِهِ مِنْ رِوَايَةِ خَالِهِ وَجَدِّهِ انْتَهَى

باب ما جاء في إعلام الحب

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُدَامَةَ التَّمِيمِيُّ العتبري أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ قَاضِي الرُّصَافَةِ وَغَيْرِهَا ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ غَلِطَ مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) هُوَ الْعُمَرِيُّ (عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ خَالُ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّاوِي عَنْهُ (عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ) هُوَ جَدُّ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ لِأَبِيهِ قَوْلُهُ (ذَاتُ مَنْصِبٍ) بِكَسْرِ الصَّادِ أَصْلٍ أَوْ شَرَفٍ أَوْ حَسَبٍ أَوْ مَالٍ (وَجَمَالٍ) أَيْ مَزِيدِ حُسْنٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِعْلَامِ الْحُبِّ) قَوْلُهُ (عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدٍ) الرَّحَبِيِّ أَبِي حَفْصٍ الْحِمْصِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ) فِي الدِّينِ (فَلْيُعْلِمْهُ) أَيْ فَلْيُخْبِرْهُ نَدْبًا مُؤَكَّدًا (إِيَّاهُ) أَيْ أَنَّهُ يُحِبُّهُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ اسْتَمَالَ قَلْبَهُ وَاجْتَلَبَ وُدَّهُ فَبِالضَّرُورَةِ يُحِبُّهُ فَيَحْصُلُ الِائْتِلَافُ وَيَزُولُ الِاخْتِلَافُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالضِّيَاءُ المقدسي وأما حديث أنس فأخرجه بن حِبَّانَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ الْمِقْدَامِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ [2392] قَوْلُهُ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مُسْلِمٍ) الْمِنْقَرِيِّ الْقَصِيرِ الْبَصْرِيِّ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهَمَ قِيلَ هُوَ الَّذِي رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ وَقِيلَ بَلْ هُوَ غَيْرُهُ وَهُوَ مَكِّيٌّ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلْمَانَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ سَعِيدُ بْنُ سَلْمَانَ أَوِ بن سُلَيْمَانَ الرَّبْعِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ وَقَالَ فِي تهذيب التهذيب في ترجمته ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ لَهُ فِي التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ يَعْنِي حَدِيثَ يَزِيدَ بْنِ نُعَامَةَ هَذَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ نُعَامَةَ بِضَمِّ نُونٍ وَفَتْحِ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ كَذَا ضَبَطَهُ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبِحَارِ فِي الْمُغْنِي (الضَّبِّيِّ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ مُشَدَّدَةً نِسْبَةً لِضَبَّةَ قَبِيلَةٌ مَشْهُورَةٌ قَوْلُهُ (إِذَا أخا الرَّجُلُ الرَّجُلَ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ مِنَ الْمُؤَاخَاةِ أَيْ إذا اتخذه أخا في الله (فيسأله عَنِ اسْمِهِ) مَا هُوَ (وَمِمَّنْ هُوَ) أَيْ مِنْ أَيِّ قَبِيلَةٍ وَقَوْمٍ هُوَ (فَإِنَّهُ) أَيِ السُّؤَالُ عَمَّا ذُكِرَ (أَوْصَلُ) أَيْ أَكْثَرُ وَصْلَةً (لِلْمَوَدَّةِ) أَيْ لِلْمَحَبَّةِ فِي الْأُخُوَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حديث غريب) وأخرجه بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ قَوْلُهُ (وَلَا نَعْرِفُ لِيَزِيدَ بْنِ نُعَامَةَ سَمَاعًا مِنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يَزِيدُ بْنُ نُعَامَةَ الضَّبِّيُّ أَبُو مَوْدُودٍ الْبَصْرِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ أَرْسَلَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثُ إِذَا آخا الرجل الرجل قوله (ويروى عن بْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ) رَوَاهُ

باب كراهية المدحة والمداحين

الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَلَفْظُهُ إِذَا آخَيْتَ رَجُلًا فَاسْأَلْهُ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ فَإِنْ كَانَ غَائِبًا حَفِظْتَهُ وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا عُدْتَهُ إن مَاتَ شَهِدْتَهُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ قليل 7 - (باب كَرَاهِيَةِ الْمِدْحَةِ وَالْمَدَّاحِينَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَدَحَهُ كَمَنَعَهُ مَدْحًا وَمِدْحَةً أَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ كَمَدَحَهُ وَامْتَدَحَهُ وَالْمَدِيحُ وَالْمِدْحَةُ وَالْأُمْدُوحَةُ مَا يُمْدَحُ بِهِ انْتَهَى [2393] قَوْلُهُ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحْثُوَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ التُّرَابَ) قِيلَ يُؤْخَذُ التُّرَابُ وَيُرْمَى بِهِ فِي وَجْهِ الْمَدَّاحِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الأمر بدفع المال إليهم إذا الْمَالُ حَقِيرٌ كَالتُّرَابِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرْضِ فِي كُلِّ بَابٍ أَيْ أَعْطُوهُمْ إِيَّاهُ وَاقْطَعُوا بِهِ أَلْسِنَتَهُمْ لِئَلَّا يَهْجُوكُمْ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَعْطُوهُمْ عَطَاءً قَلِيلًا فَشُبِّهَ لِقِلَّتِهِ بِالتُّرَابِ وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنْ يُخَيِّبَ الْمَادِحَ وَلَا يُعْطِيهِ شَيْئًا لِمَدْحِهِ وَالْمُرَادُ زَجْرُ الْمَادِحِ وَالْحَثُّ عَلَى مَنْعِهِ مِنَ الْمَدْحِ لِأَنَّهُ يَجْعَلُ الشَّخْصَ مَغْرُورًا وَمُتَكَبِّرًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمَدَّاحُونَ هُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَدْحَ النَّاسِ عَادَةً وَجَعَلُوهُ بِضَاعَةً يَسْتَأْكِلُونَ بِهِ الْمَمْدُوحَ فَأَمَّا مَنْ مَدَحَ الرَّجُلَ عَلَى الْفِعْلِ الْحَسَنِ وَالْأَمْرِ الْمَحْمُودِ يَكُونُ مِنْهُ تَرْغِيبًا لَهُ فِي أَمْثَالِهِ وَتَحْرِيضًا لِلنَّاسِ عَلَى الِاقْتِدَاءِ عَلَى أَشْبَاهِهِ فَلَيْسَ بِمَدَّاحٍ وَفِي شَرْحِ السِّتَّةِ قَدِ اسْتَعْمَلَ الْمِقْدَادُ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي تَنَاوُلِ عَيْنِ التُّرَابِ وَحَثِّهِ فِي وَجْهِ الْمَادِحِ وَقَدْ يُتَأَوَّلُ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْخَيْبَةُ وَالْحِرْمَانُ أَيْ مَنْ تَعَرَّضَ لَكُمْ بِالثَّنَاءِ وَالْمَدْحِ فَلَا تُعْطُوهُ وَاحْرِمُوهُ كَنَى بِالتُّرَابِ عَنِ الْحِرْمَانِ كَقَوْلِهِمْ مَا فِي يَدِهِ غَيْرُ التُّرَابِ وَكَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَكَ يَطْلُبُ ثَمَنَ الْكَلْبِ فَامْلَأْ كَفَّهُ تُرَابًا قُلْتُ الْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ الْخَيْبَةُ وَالْحِرْمَانُ وَأَمَّا مَا سِوَاهُ مِنَ التَّأْوِيلِ فَفِيهِ بُعْدٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَدْحِ سِتُّ آفَاتٍ أَرْبَعٌ عَلَى الْمَادِحِ وَاثْنَتَانِ عَلَى الممدوح أما

الْمَادِحُ فَقَدْ يُفْرِطُ فِيهِ فَيَذْكُرُهُ بِمَا لَيْسَ فِيهِ فَيَكُونُ كَذَّابًا وَقَدْ يُظْهِرُ فِيهِ مِنَ الحب مالا يعتقده فيكون منافقا وقد يقول له مالا يَتَحَقَّقُهُ فَيَكُونُ مُجَازِفًا وَقَدْ يَفْرَحُ الْمَمْدُوحُ بِهِ وَرُبَّمَا كَانَ ظَالِمًا فَيُعْصَى بِإِدْخَالِ السُّرُورِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمَمْدُوحُ فَيُحْدِثُ فِيهِ كِبْرًا وَإِعْجَابًا وَقَدْ يَفْرَحُ فَيَفْسُدُ الْعَمَلُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ أَصَحُّ) لِأَنَّ حَبِيبَ بْنَ أَبِي ثَابِتٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْ مُجَاهِدٍ ثِقَةٌ فَقِيهٌ جَلِيلٌ وَأَمَّا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الذي رواه عن مجاهد عن بن عَبَّاسٍ فَهُوَ ضَعِيفٌ كَبِرَ فَتَغَيَّرَ وَصَارَ يَتَلَقَّنُ [2394] قوله (حدثنا محمد) بن عثمان بن كرمة الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (عَنْ سَالِمِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْخَيَّاطِ الْبَصْرِيِّ نَزَلَ مَكَّةَ وَهُوَ سَالِمٌ مَوْلَى عُكَّاشَةَ وَقِيلَ هُمَا اثْنَانِ صدوق سيء الْحِفْظِ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَحْثُوَ) أَيْ نَرْمِيَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ) وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ شَيْئًا

باب ما جاء في صحبة المؤمن

(بَاب مَا جَاءَ فِي صُحْبَةِ الْمُؤْمِنِ) [2395] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ غَيْلَانَ) بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ التُّجِيبِيُّ الْمِصْرِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ مِنَ السَّابِعَةِ (أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ قَيْسِ) بْنِ الْأَخْرَمِ (التُّجِيبِيَّ) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَكَسْرُ جيم وسكون مثناة تحت وحدة وَبِشَدَّةِ يَاءٍ فِي الْآخِرِ مَنْسُوبٌ إِلَى تُجِيبَ بْنِ ثَوْبَانَ بْنِ سُلَيْمٍ مَقْبُولٌ مِنَ الْخَامِسَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَوْ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ سَالِمٌ أَوْ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) وَسِيَاقُ سَنَدِ أَبِي دَاوُدَ هَكَذَا حَدَّثَنَا عَمْرُو بن عون أنبأنا بن الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ غَيْلَانَ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَوْ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ انْتَهَى وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ وَقَعَ الشَّكُّ لِسَالِمِ بْنِ غَيْلَانَ فِي أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ قَيْسٍ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِلَا وَاسِطَةٍ أَوْ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَوْلُهُ (لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا) أَيْ كَامِلًا بَلْ مُكَمِّلًا أَوِ الْمُرَادُ مِنْهُ النَّهْيُ عَنْ مُصَاحَبَةِ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ لِأَنَّ مُصَاحَبَتَهُمْ مَضَرَّةٌ فِي الدِّينِ فَالْمُرَادُ بِالْمُؤْمِنِ مِنْ جِنْسِ الْمُؤْمِنِينَ (وَلَا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ) أَيْ مُتَوَرِّعٌ يَصْرِفُ قُوَّةَ الطَّعَامِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَالنَّهْيُ وَإِنْ نُسِبَ إِلَى التَّقِيِّ فَفِي الْحَقِيقَةِ مُسْنَدٌ إِلَى صَاحِبِ الطَّعَامِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ لَا أرينك ها هنا فَالْمَعْنَى لَا تُطْعِمْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيًّا قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا إِنَّمَا جَاءَ فِي طَعَامِ الدَّعْوَةِ دُونَ طَعَامِ الْحَاجَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَسْرَاهُمْ كَانُوا كُفَّارًا غَيْرَ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا حَذَّرَ مِنْ صُحْبَةِ مَنْ لَيْسَ بِتَقِيٍّ وَزَجَرَ عَنْ مُخَالَطَتِهِ وَمُؤَاكَلَتِهِ لِأَنَّ الْمَطَاعِمَ تُوقِعُ الْأُلْفَةَ وَالْمَوَدَّةَ فِي الْقُلُوبِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَلَا يَأْكُلْ نَهْيٌ لِغَيْرِ التَّقِيِّ أَنْ يَأْكُلَ طَعَامَهُ وَالْمُرَادُ نَهْيُهُ عَنْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمَا لَا يَأْكُلُ التَّقِيُّ طَعَامَهُ مِنْ كَسْبِ الْحَرَامِ وَتَعَاطِي مَا يُنَفِّرُ عَنْهُ التَّقِيَّ فَالْمَعْنَى لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُطِيعًا وَلَا تُخَالِلْ إِلَّا تَقِيًّا انْتَهَى قال القارىء وَهُوَ فِي غَايَةٍ مِنَ الْبَهَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ بِهِ وَجْهُ الْحَصْرِ فَالصَّوَابُ مَا قدمناه

باب ما جاء في الصبر على البلاء

قلت الأمر كما قال القارىء قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ والدارمي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ أَسَانِيدُهُ صَحِيحَةٌ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ) [2396] قَوْلُهُ (عَنْ سَعْدِ بْنِ سِنَانٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَعْدُ بْنُ سِنَانٍ وَيُقَالُ سِنَانُ بْنُ سَعْدٍ الْكِنْدِيُّ الْمِصْرِيُّ وَصَوَّبَ الثَّانِيَ الْبُخَارِيُّ وبن يُونُسَ صَدُوقٌ لَهُ أَفْرَادٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ أَسْرَعَ (لَهُ الْعُقُوبَةَ) أَيِ الِابْتِلَاءَ بِالْمَكَارِهِ (فِي الدُّنْيَا) لِيَخْرُجَ مِنْهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ وَمَنْ فُعِلَ ذَلِكَ مَعَهُ فَقَدْ أَعْظَمَ اللُّطْفَ بِهِ وَالْمِنَّةَ عَلَيْهِ (أَمْسَكَ) أَيْ أَخَّرَ (عَنْهُ) مَا تَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ (بِذَنْبِهِ) أَيْ بِسَبَبِهِ (حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيْ حَتَّى يَأْتِيَ الْعَبْدُ بِذَنْبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ يَعْنِي لَا يُجَازِيهِ بِذَنْبِهِ حَتَّى يَجِيءَ فِي الْآخِرَةِ مُتَوَفِّرَ الذُّنُوبِ وَافِيهَا فَيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنَ الْعِقَابِ قَوْلُهُ (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ) أَيْ كَثْرَتَهُ (مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الظَّاءِ فِيهِمَا وَيَجُوزُ ضَمُّهَا مَعَ سُكُونِ الظَّاءِ فَمَنِ ابْتِلَاؤُهُ أَعْظَمُ فَجَزَاؤُهُ أَعْظَمُ (ابْتَلَاهُمْ) أَيِ اخْتَبَرَهُمْ بِالْمِحَنِ وَالرَّزَايَا (فَمَنْ رَضِيَ) بِمَا ابْتَلَاهُ بِهِ (فَلَهُ الرِّضَى) مِنْهُ تَعَالَى وَجَزِيلُ الثَّوَابِ (وَمَنْ سَخِطَ) بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ كَرِهَ بَلَاءَ اللَّهِ وَفَزِعَ وَلَمْ يَرْضَ بِقَضَائِهِ (فَلَهُ السُّخْطُ) مِنْهُ تَعَالَى وَأَلِيمُ الْعَذَابِ وَمَنْ

يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَالْمَقْصُودُ الْحَثُّ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا التَّرْغِيبُ فِي طَلَبِهِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ حَسَّنَ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ وَلَمْ يَحْكُمْ عَلَى الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ مَعَ أَنَّهُ أَيْضًا حَسَّنَ عِنْدَهُ لِأَنَّ سَنَدَهُمَا وَاحِدٌ وَذَكَرَ السُّيُوطِيُّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَعَزَاهُ إِلَى التِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ فِيهِ أَيْضًا وَعَزَاهُ إلى الترمذي وبن مَاجَهْ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ الْحَدِيثَ الثَّانِيَ فِي التَّرْغِيبِ وقال رواه بن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ [2397] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ يَقُولُ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَمْ يَقَعْ فِي بَعْضِهَا لَفْظُ يُحَدِّثُ وَهُوَ الظَّاهِرُ قَوْلُهُ (مَا رَأَيْتُ الْوَجَعَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِالْوَجَعِ الْمَرَضُ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ وَجَعٍ مَرَضًا انْتَهَى (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْوَجَعِ (عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَشَدَّ وَجَعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي وبن مَاجَهْ [2398] قَوْلُهُ (أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ) أَيْ أَكْثَرُ وَأَصْعَبُ (بَلَاءً) أَيْ مِحْنَةً وَمُصِيبَةً (قَالَ الْأَنْبِيَاءُ) أَيْ هُمْ أَشَدُّ فِي الِابْتِلَاءِ لِأَنَّهُمْ يَتَلَذَّذُونَ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَتَلَذَّذُ غَيْرُهُمْ بِالنَّعْمَاءِ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يُبْتَلَوْا لَتُوُهِّمَ فِيهِمُ الْأُلُوهِيَّةُ وَلِيُتَوَهَّنَ عَلَى الأمة الصبر على البلية قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأُخْتِ حُذَيْفَةَ بن اليمان أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أي الناس أشد بلاء قال الانبياء ثم الأمثل فالأمثل) وَلِأَنَّ مَنْ كَانَ أَشَدَّ بَلَاءً كَانَ أَشَدَّ تَضَرُّعًا وَالْتِجَاءً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى (ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ) قَالَ الْحَافِظُ الْأَمْثَلُ أَفْعَلُ مِنَ الْمَثَالَةِ والجمع أماثل وهم الفضلاء وقال بن الْمَلَكِ أَيِ الْأَشْرَفُ فَالْأَشْرَفُ وَالْأَعْلَى فَالْأَعْلَى رُتْبَةً وَمَنْزِلَةً يَعْنِي مَنْ هُوَ

أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ بَلَاؤُهُ أَشَدُّ لِيَكُونَ ثَوَابُهُ أَكْثَرَ قَالَ الطِّيبِيُّ ثُمَّ فِيهِ لِلتَّرَاخِي فِي الرُّتْبَةِ وَالْفَاءُ لِلتَّعَاقُبِ عَلَى سَبِيلِ التَّوَالِي تَنَزُّلًا مِنَ الْأَعْلَى إِلَى الْأَسْفَلِ وَاللَّامُ فِي الْأَنْبِيَاءِ للجنس قال القارىء ويصح كونها للاستغراق إذ لا يخلو واحد مِنْهُمْ مِنْ عَظِيمِ مِحْنَةٍ وَجَسِيمِ بَلِيَّةٍ بِالنِّسْبَةِ لِأَهْلِ زَمَنِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ) أَيْ مِقْدَارِهِ ضَعْفًا وَقُوَّةً وَنَقْصًا وَكَمَالًا قَالَ الطِّيبِيُّ الْجُمْلَةُ بَيَانٌ لِلْجُمْلَةِ الأولى واللام في الرجل الاستغراق فِي الْأَجْنَاسِ الْمُتَوَالِيَةِ (فَإِنْ كَانَ) تَفْصِيلٌ لِلِابْتِلَاءِ وَقَدْرِهِ (فِي دِينِهِ صُلْبًا) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ قَوِيًّا شَدِيدًا وَهُوَ خَبَرُ كَانَ وَاسْمُهُ ضمير راجع وَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَبَرِ (اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ) أَيْ كَمِّيَّةً وَكَيْفِيَّةً (وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةً) أَيْ ذَا رِقَّةٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رِقَّةٌ اسْمَ كَانَ أَيْ ضَعْفٌ وَلِينٌ قَالَ الطِّيبِيُّ جَعَلَ الصَّلَابَةَ صِفَةً لَهُ وَالرِّقَّةَ صِفَةً لِدِينِهِ مُبَالَغَةً وعلى الأصل قال القارىء وَكَانَ الْأَصْلُ فِي الصُّلْبِ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي الْجُثَثِ وَفِي الرِّقَّةِ أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِي الْمَعَانِي وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ انْتَهَى (ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ) أَيْ بِبَلَاءٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ وَالْبَلَاءُ فِي مُقَابَلَةِ النِّعْمَةِ فَمَنْ كَانَتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ فَبَلَاؤُهُ أَغْزَرُ (فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ) أَيْ مَا يُفَارِقُ أَوْ مَا يُزَالُ (بِالْعَبْدِ) أَيِ الْإِنْسَانِ (حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) كِنَايَةً عَنْ خَلَاصِهِ مِنَ الذُّنُوبِ فَكَأَنَّهُ كَانَ مَحْبُوسًا ثُمَّ أُطْلِقَ وَخُلِّيَ سَبِيلُهُ يَمْشِي مَا عَلَيْهِ بَأْسٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والدارمي والنسائي في الكبرى وبن ماجه وبن حبان والحاكم كذا في الفتح قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ [2399] قَوْلُهُ (مَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ) أَيْ يَنْزِلُ بِالْمُؤْمِنِ الْكَامِلِ (وَالْمُؤْمِنَةِ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ بِدَلِيلِ

باب ما جاء في ذهاب البصر

إِفْرَادِ الضَّمِيرِ فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَوَقَعَ في المشكاة بالمؤمن أو المؤمنة قال القارىء أو للتنويع ووقع في أصل بن حَجَرٍ بِالْوَاوِ فَقَالَ الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ بِدَلِيلِ إِفْرَادِ الضَّمِيرِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلنُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ وَالْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ (وَوَلَدِهِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ أَوْلَادِهِ (حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ) أَيْ يَمُوتَ (وَمَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) بِالْهَمْزَةِ وَالْإِدْغَامِ أَيْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ لِأَنَّهَا زَالَتْ بِسَبَبِ الْبَلَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ مَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصَابُ فِي وَلَدِهِ وَخَاصَّتِهِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وليست له خطيئة وأخرجه أيضا أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ بِلَفْظِ لَا يَزَالُ الْبَلَاءُ بِالْمُؤْمِنِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأُخْتِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أُخْتِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَأُخْتُ حُذَيْفَةَ اسْمُهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْيَمَانِ صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي ذَهَابِ الْبَصَرِ) [2400] قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ إِذَا أَخَذْتُ كَرِيمَتَيْ عَبْدِي) أَيْ أعمت عَيْنَيْهِ الْكَرِيمَتَيْنِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا سُمِّيَتَا بِهَا لِأَنَّهُ لَا أَكْرَمَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ فِي حَوَاسِّهِ مِنْهَا (لَمْ يَكُنْ لَهُ جَزَاءٌ عِنْدِي إِلَّا الْجَنَّةَ) أَيْ دُخُولُهَا مَعَ السَّابِقِينَ أَوْ بِغَيْرِ عَذَابٍ لِأَنَّ الْعَمَى مِنْ أَعْظَمِ الْبَلَايَا وَهَذَا قَيْدُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي بِمَا إِذَا صبر واحتسب

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجَعْفِيِّ بِلَفْظِ مَا ابْتُلِيَ عَبْدٌ بَعْدَ ذَهَابِ دِينِهِ بِأَشَدَّ مِنْ ذَهَابِ بَصَرِهِ وَمَنِ ابْتُلِيَ بِبَصَرِهِ فَصَبَرَ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ لَقِيَ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَا حِسَابَ عَلَيْهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَأَصْلُهُ عِنْدَ أَحْمَدَ بِغَيْرِ لَفْظِهِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَلَفْظُهُ إِنَّ اللَّهَ قَالَ إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ فَصَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ يُرِيدُ عَيْنَيْهِ [2401] قَوْلُهُ (مَنْ أَذْهَبْتُ حَبِيبَتَيْهِ) بِالتَّثْنِيَةِ قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ فَسَّرَهُمَا آخِرَ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ يُرِيدُ عَيْنَيْهِ وَالْمُرَادُ بِالْحَبِيبَتَيْنِ الْمَحْبُوبَتَانِ لِأَنَّهُمَا أَحَبُّ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ إِلَيْهِ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ بِفَقْدِهِمَا مِنَ الْأَسَفِ عَلَى فَوَاتِ رُؤْيَةِ مَا يُرِيدُ رُؤْيَتَهُ مِنْ خَيْرٍ فَيُسَرُّ بِهِ أَوْ شَرٍّ فَيَجْتَنِبُهُ (فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ) قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَصْبِرُ مُسْتَحْضِرًا مَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ الصَّابِرَ مِنَ الثَّوَابِ لَا أَنْ يَصْبِرَ مُجَرَّدًا عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَابْتِلَاءُ اللَّهِ عَبْدَهُ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ مِنْ سَخَطِهِ عَلَيْهِ بَلْ إِمَّا لِدَفْعِ مَكْرُوهٍ أَوْ لِكَفَّارَةِ ذُنُوبٍ أَوْ لِرَفْعِ مَنْزِلَةٍ فَإِذَا تَلَقَّى ذَلِكَ بِالرِّضَا تَمَّ لَهُ الْمُرَادُ وَإِلَّا يَصِيرُ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ إِنَّ مَرَضَ الْمُؤْمِنِ يَجْعَلُهُ اللَّهُ لَهُ كَفَّارَةً وَمُسْتَعْتَبًا وَإِنَّ مَرَضَ الْفَاجِرِ كَالْبَعِيرِ عَقَلَهُ أَهْلُهُ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ فَلَا يَدْرِي لِمَ عُقِلَ وَلِمَ أُرْسِلَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مَوْقُوفًا انْتَهَى (لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَابًا دُونَ الْجَنَّةِ) قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا أَعْظَمُ الْعِوَضِ لِأَنَّ الِالْتِذَاذَ بِالْبَصَرِ يَفْنَى بِفَنَاءِ الدُّنْيَا وَالِالْتِذَاذَ بِالْجَنَّةِ بَاقٍ بِبَقَائِهَا وَهُوَ شَامِلٌ لِكُلِّ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ فِيهِ قَيْدٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِلَفْظِ إِذَا أَخَذْتُ كَرِيمَتَيْكَ فَصَبَرْتَ عِنْدَ الصَّدْمَةِ وَاحْتَسَبْتَ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الصَّبْرَ النَّافِعَ هُوَ مَا يَكُونُ فِي وُقُوعِ الْبَلَاءِ فَيُفَوِّضُ وَيُسَلِّمُ وَإِلَّا فَمَتَى تَضَجَّرَ وَتَقَلَّقَ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ ثُمَّ يَئِسَ فَيَصْبِرُ لَا يَكُونُ حَصَّلَ الْمَقْصُودَ وَقَدْ مَضَى حَدِيثُ أَنَسٍ فِي الْجَنَائِزِ إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الْأُولَى وَقَدْ وَقَعَ في حديث العرباض فيما صححه بن حِبَّانَ فِيهِ بِشَرْطٍ آخَرَ وَلَفْظُهُ إِذَا سَلَبْتُ مِنْ عَبْدِي كَرِيمَتَيْهِ وَهُوَ بِهِمَا ضَنِينٌ لَمْ أَرْضَ لَهُ ثَوَابًا دُونَ الْجَنَّةِ

إِذَا هُوَ حَمِدَنِي عَلَيْهِمَا وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَإِذَا كَانَ ثَوَابُ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ الْجَنَّةَ فَاَلَّذِي لَهُ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ أُخْرَى يُزَادُ فِي رَفْعِ الدَّرَجَاتِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ) أخرجها بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَذْهَبُ اللَّهُ بِحَبِيبَتَيْ عَبْدٍ فَيَصْبِرَ وَيَحْتَسِبَ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ [2402] 51 قَوْلُهُ (وَيُوسُفُ بْنُ مُوسَى) بْنِ رَاشِدٍ الْقَطَّانُ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو يَعْقُوبَ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الرَّيِّ ثُمَّ بَغْدَادَ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ) كَذَا فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ بِالْمَدِّ وَكَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالْخُلَاصَةِ وَلَكِنْ ضَبَطَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ بِالْقَصْرِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَا بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ رَاءٍ مَقْصُورًا الدَّوْسِيُّ (أَبُو زُهَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الرَّيِّ صَدُوقٌ تَكَلَّمَ فِي حَدِيثِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (يَوَدُّ) أَيْ يَتَمَنَّى (أَهْلُ الْعَافِيَةِ) أَيْ فِي الدُّنْيَا (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ظَرْفُ يَوَدُّ (حِينَ يُعْطَى) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (الثَّوَابَ) مَفْعُولٌ ثَانٍ أَيْ كَثِيرٌ أَوْ بِلَا حِسَابٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (قُرِضَتْ) بِالتَّخْفِيفِ وَيَحْتَمِلُ التَّشْدِيدَ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ أَيْ قُطِعَتْ (فِي الدُّنْيَا) قِطْعَةً قِطْعَةً (بِالْمَقَارِيضِ) جَمْعُ الْمِقْرَاضِ لِيَجِدُوا ثَوَابًا كَمَا وَجَدَ أَهْلُ الْبَلَاءِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْوُدُّ مَحَبَّةُ الشَّيْءِ وَتَمَنِّي كَوْنِهِ لَهُ وَيُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالتَّمَنِّي وَفِي الْحَدِيثِ هُوَ مِنَ الْمَوَدَّةِ الَّتِي هِيَ بِمَعْنَى التَّمَنِّي وَقَوْلُهُ لَوْ أَنَّ إِلَخْ نَزَلَ مَنْزِلَةَ مَفْعُولِ يَوَدُّ كَأَنَّهُ قِيلَ يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ مَا يُلَازِمُ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ مُقْرَضَةً فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الثَّوَابُ الْمُعْطَى قَالَ مَيْرَكُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَفْعُولَ يَوَدُّ الثَّوَابُ عَلَى طَرِيقِ التَّنَازُعِ وَقَوْلُهُ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ حَالٌ أَيْ مُتَمَنِّينَ أَنَّ جُلُودَهُمْ إِلَخْ أَوْ قَائِلِينَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ مِنَ التَّكَلُّمِ إِلَى الْغَيْبَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ

الترمذي وبن أَبِي الدُّنْيَا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَغْرَا وَبَقِيَّةُ رُوَاتِهِ ثِقَاتٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غريب ورواه الطبراني في الكبير عن بن مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَفِيهِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ انْتَهَى [2403] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ موهب التميمي المدني مَتْرُوكٌ وَأَفْحَشَ الْحَاكِمُ فَرَمَاهُ بِالْوَضْعِ مِنَ السَّادِسَةِ (قَالَ سَمِعْتُ أَبِي) أَيْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ التَّمِيمِيَّ الْمَدَنِيَّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَا مِنْ أَحَدٍ يَمُوتُ إِلَّا نَدِمَ) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ تَأَسَّفَ وَاغْتَمَّ فَعَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَغْتَنِمَ الْحَيَاةَ قَبْلَ الْمَمَاتِ وَأَنْ يَسْتَبِقَ الْخَيْرَاتِ قَبْلَ الْوَفَاةِ (قَالُوا وَمَا نَدَامَتُهُ) أَيْ وَمَا وَجْهُ تَأَسُّفِ كُلِّ أَحَدٍ (إِنْ كَانَ مُحْسِنًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ ازْدَادَ) أَيْ خَيْرًا مِنْ عَمَلِهِ (وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا نَدِمَ أَنْ لَا يَكُونَ نَزَعَ) أَيْ أَقْلَعَ عَنِ الذُّنُوبِ وَنَزَعَ نَفْسَهُ عَنِ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَتَابَ وَصَلُحَ حَالُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَيَحْيَى بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ شُعْبَةُ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ علي بن المديني سألت يحيى يعني بن سعيد عن يحيى بن عُبَيْدِ اللَّهِ فَقَالَ قَالَ شُعْبَةُ رَأَيْتُهُ يُصَلِّي صَلَاةً لَا يُقِيمُهَا فَتَرَكْتُ حَدِيثَهُ وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِيهِ جُرُوحُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَارْجِعْ إِلَيْهِ [2404] قَوْلُهُ (يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ) أَيْ يَطْلُبُونَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الْآخِرَةِ يُقَالُ خَتَلَهُ يَخْتِلُهُ وَيَخْتُلُهُ خَتْلًا وَخَتَلَانًا إِذَا خَدَعَهُ وَرَاوَغَهُ وَخَتَلَ الذِّئْبُ الصَّيْدَ إِذَا تَخَفَّى لَهُ (يَلْبَسُونَ للناس جلود

الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ) كِنَايَةً عَنْ إِظْهَارِ اللِّينِ مع الناس وقال القارىء الْمُرَادُ بِجُلُودِ الضَّأْنِ عَيْنُهَا أَوْ مَا عَلَيْهَا مِنَ الصُّوفِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَلْبَسُونَ الْأَصْوَافَ لِيَظُنَّهُمُ النَّاسُ زُهَّادًا وَعُبَّادًا تَارِكِينَ الدُّنْيَا رَاغِبِينَ فِي الْعُقْبَى وَقَوْلُهُ مِنَ اللِّينِ أَيْ مِنْ أَجْلِ إِظْهَارِ التَّلَيُّنِ وَالتَّلَطُّفِ وَالتَّمَسْكُنِ وَالتَّقَشُّفِ مَعَ النَّاسِ وَأَرَادُوا بِهِ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ التَّمَلُّقَ وَالتَّوَاضُعَ فِي وُجُوهِ النَّاسِ لِيَصِيرُوا مُرِيدِينَ لَهُمْ وَمُعْتَقِدِينَ لِأَحْوَالِهِمْ انْتَهَى (أَحْلَى مِنَ السُّكَّرِ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ مُعَرَّبُ شَكَرَ (وَقُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الذِّئَابِ) أَيْ مُسْوَدَّةٌ شَدِيدَةٌ فِي حُبِّ الدُّنْيَا وَالْجَاهِ (أَبِي تَغْتَرُّونَ) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَبِحِلْمِي وَإِمْهَالِي تَغْتَرُّونَ وَالِاغْتِرَارُ هُنَا عَدَمُ الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ وَإِهْمَالُ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِرْسَالُ فِي الْمَعَاصِي وَالشَّهَوَاتِ (أَمْ عَلَيَّ تَجْتَرِئُونَ) أَمْ مُنْقَطِعَةٌ أَضْرَبَ إِلَى مَا هُوَ أَشْنَعُ مِنَ الِاغْتِرَارِ بِاَللَّهِ أَيْ تَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ لِيُعْتَقَدَ فِيكُمُ الصَّلَاحُ فَيُجْلَبُ إِلَيْكُمُ الْأَمْوَالُ وَتُخْدَمُونَ (فَبِي حَلَفْتُ) أَيْ بِعَظَمَتِي وَجَلَالِي لَا بِغَيْرِ ذَلِكَ (لَأَبْعَثَنَّ) مِنَ الْبَعْثِ أَيْ لَأُسَلِّطَنَّ وَلَأَقْضِيَنَّ (عَلَى أُولَئِكَ) أَيِ الْمَوْصُوفِينَ بِمَا ذَكَرَ (مِنْهُمْ) أَيْ مِمَّا بَيْنَهُمْ بِتَسْلِيطِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ (فِتْنَةً تَدْعُ الْحَلِيمَ) أَيْ تَتْرُكُ الْعَالِمَ الْحَازِمَ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ (حَيْرَانًا) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِالتَّنْوِينِ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي التَّرْغِيبِ نَقْلًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ وَفِيهِ حَيْرَانَ بِغَيْرِ التَّنْوِينِ وَكَذَلِكَ فِي الْمِشْكَاةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُتَحَيِّرًا فِي الْفِتْنَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهَا وَلَا عَلَى الْخَلَاصِ مِنْهَا لَا بِالْإِقَامَةِ فِيهَا وَلَا بِالْفِرَارِ مِنْهَا قَالَ الْأَشْرَفُ مِنْ فِي مِنْهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلتَّبْيِينِ بِمَعْنَى الَّذِينَ وَالْإِشَارَةِ إِلَى الرِّجَالِ وَتَقْدِيرُهُ عَلَى أُولَئِكَ الَّذِينَ يَخْتِلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ وَأَنْ يُجْعَلَ مُتَعَلِّقًا بِالْفِتْنَةِ أَيْ لَأَبْعَثَنَّ عَلَى الرِّجَالِ الَّذِينَ يَخْتِلُونِ الدُّنْيَا بِالدِّينِ فِتْنَةً نَاشِئَةً مِنْهُمْ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا ضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ أَيْضًا يَحْيَى بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا [2405] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ) بْنِ صَخْرٍ الدَّارِمِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ السَّرَخْسِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ) بْنِ الزِّبْرِقَانَ الْمَكِّيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الْعَاشِرَةِ

باب ما جاء في حفظ اللسان

(أَخْبَرَنَا حَمْزَةُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ) الْمَدَنِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ لَهُ فِي التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي خَلْقِ قَوْمٍ أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ حَاتِمٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (لَقَدْ خَلَقْتُ خَلْقًا) أَيْ مِنَ الْآدَمِيِّينَ (أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ) فَبِهَا يَمْلُقُونَ وَيُدَاهِنُونَ (وَقُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الصَّبِرُ كَكَتِفٍ وَلَا يُسَكَّنُ إِلَّا فِي ضَرُورَةِ شِعْرٍ عُصَارَةُ شَجَرٍ مُرٍّ أَيْ فَبِهَا يَمْكُرُونَ وَيُنَافِقُونَ (لَأُتِيحَنَّهُمْ) بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ فَمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ فَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ فَنُونٍ أَيْ لَأُقَدِّرَنَّ لَهُمْ مِنْ أَتَاحَ لَهُ كَذَا أَيْ قَدَّرَ لَهُ وَأَنْزَلَ بِهِ (فِتْنَةً) أَيِ ابْتِلَاءً وَامْتِحَانًا (تَدَعُ الْحَلِيمَ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ تَتْرُكُهُ (مِنْهُمْ حَيْرَانًا) أَيْ تَتْرُكُ الْعَاقِلَ مِنْهُمْ مُتَحَيِّرًا لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهَا وَلَا كَفُّ شَرِّهَا (فَبِي يَغْتَرُّونَ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ هَذَا الْحَدِيثَ وَنَقَلَ تَحْسِينَ الترمذي وأقره اعلم أن حديث بن عُمَرَ هَذَا وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي قَبْلَهُ لَا مُنَاسَبَةَ لَهُمَا بِبَابِ ذَهَابِ الْبَصَرِ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ قَبْلَهُمَا بَابٌ يُنَاسِبُ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حِفْظِ اللِّسَانِ) [2406] قَوْلُهُ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ) الْجُهَنِيِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ اخْتُلِفَ فِي كُنْيَتِهِ عَلَى سَبْعَةِ أَقْوَالٍ أَشْهَرُهَا أَبُو حَمَّادٍ وَلِيَ إِمْرَةَ مِصْرَ لِمُعَاوِيَةَ ثَلَاثَ سِنِينَ وَكَانَ فَقِيهًا فَاضِلًا

قَوْلُهُ (مَا النَّجَاةُ) أَيْ مَا سَبَبُهَا (قَالَ أَمْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ) أَمْرٌ مِنَ الْمِلْكِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَلَكَهُ يَمْلِكُهُ مِلْكًا مُثَلَّثَةٌ احْتَوَاهُ قَادِرًا عَلَى الِاسْتِبْدَادِ بِهِ وَأَمْلَكَهُ الشَّيْءَ وَمَلَّكَهُ إِيَّاهُ تَمْلِيكًا بِمَعْنًى انْتَهَى قَالَ الطِّيبِيُّ أَيِ احْفَظْهُ عَمَّا لَا خَيْرَ فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَيْ لَا تَجُرُّهُ إِلَّا بِمَا يَكُونُ لك لا عليك وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ امْلِكْ بِصِيغَةِ الْمَزِيدَةِ مَضْبُوطَةٌ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى هُوَ امْلِكْ مِنَ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ وَأَمَّا أَمْلِكْ مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ فَلَا يَسْتَقِيمُ مَعْنَاهُ هُنَا إِلَّا بِتَكَلُّفٍ (وَلِيَسَعْكَ) بِكَسْرِ اللَّامِ أَمْرٌ مِنْ وَسِعَ يَسَعُ قَالَ الطِّيبِيُّ الْأَمْرُ فِي الظَّاهِرِ وَارِدٌ عَلَى الْبَيْتِ وَفِي الْحَقِيقَةِ عَلَى الْمُخَاطَبِ أَيْ تَعَرَّضَ لما هو سبب للزوم البيت من الاشتعال بِاَللَّهِ وَالْمُؤَانَسَةِ بِطَاعَتِهِ وَالْخَلْوَةِ عَنِ الْأَغْيَارِ (وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ مِنْ بَكَى مَعْنَى الندامة وعداه يعلى أَيِ انْدَمْ عَلَى خَطِيئَتِكَ بَاكِيًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وبن أَبِي الدُّنْيَا فِي الْعُزْلَةِ وَفِي الصَّمْتِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ وَغَيْرُهُ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ انْتَهَى [2407] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أَبُو الصَّهْبَاءِ الْكُوفِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَفَعَهُ إِذَا أَصْبَحَ بن آدَمَ فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ الْحَدِيثَ وعنه حماد بن زيد وغيره ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ مقبول من السادسة قوله (إذا أصبح بن آدَمَ) أَيْ دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ (فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ) جَمْعُ عُضْوٍ كُلُّ عَظْمٍ وَافِرٍ بِلَحْمِهِ (كُلَّهَا) تَأْكِيدٌ (تُكَفِّرُ اللِّسَانَ) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ تَتَذَلَّلُ وَتَتَوَاضَعُ لَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ

كَفَّرَ الْيَهُودِيُّ إِذَا خَضَعَ مُطَأْطَأً رَأْسُهُ وَانْحَنَى لِتَعْظِيمِ صَاحِبِهِ كَذَا قِيلَ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ التكفير هو أن ينحني الانسان ويطأطيء رَأْسَهُ قَرِيبًا مِنَ الرُّكُوعِ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يُرِيدُ تَعْظِيمَ صَاحِبِهِ (فَتَقُولُ) أَيِ الْأَعْضَاءُ لَهُ حَقِيقَةٌ أَوْ هُوَ مَجَازٌ بِلِسَانِ الْحَالِ (اتَّقِ اللَّهَ فِينَا) أَيْ خَفْهُ فِي حِفْظِ حُقُوقِنَا (فإنا نَحْنُ بِكَ) أَيْ نَتَعَلَّقُ وَنَسْتَقِيمُ وَنَعْوَجُّ بِكَ (فَإِنِ اسْتَقَمْتَ) أَيِ اعْتَدَلْتَ (اسْتَقَمْنَا) أَيِ اعْتَدَلْنَا تَبَعًا لَكَ (وَإِنِ اعْوَجَجْتَ) أَيْ مِلْتَ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى (اعْوَجَجْنَا) أَيْ مِلْنَا عَنْهُ اقْتِدَاءً بِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ فِي الْجَسَدِ لَمُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ قُلْتُ اللِّسَانُ تُرْجُمَانُ الْقَلْبِ وَخَلِيفَتُهُ فِي ظَاهِرِ الْبَدَنِ فَإِذَا أُسْنِدَ إِلَيْهِ الْأَمْرُ يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْمَجَازِ فِي الْحُكْمِ كَمَا فِي قَوْلِكَ شَفَى الطَّبِيبُ الْمَرِيضَ قَالَ الْمَيْدَانِيُّ فِي قَوْلِهِ الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ يَعْنِي بِهِمَا الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ أَيْ يَقُومُ وَيُكْمِلُ مَعَانِيَهُ بِهِمَا وَأَنْشَدَ لِزُهَيْرٍ وَكَائِنٌ تَرَى مِنْ صَامِتٍ لَكَ مُعْجِبٍ زِيَادَتُهُ أَوْ نَقْصُهُ فِي التَّكَلُّمِ لِسَانُ الْفَتَى نِصْفٌ وَنِصْفٌ فُؤَادُهُ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا صُورَةُ اللَّحْمِ وَالدَّمِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حماد بن زيد) وأخرجه بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وبن أَبِي الدُّنْيَا [2408] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ) بْنُ عَطَاءِ بْنِ مُقَدَّمٍ الْمَقْدِمِيُّ بَصْرِيٌّ أَصْلُهُ وَاسِطِيٌّ ثِقَةٌ وَكَانَ يُدَلِّسُ شَدِيدًا مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (مَنْ يَتَوَكَّلْ لِي) بِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّ مَنْ شَرْطِيَّةٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ تَوَكَّلَ بِالْأَمْرِ إِذَا ضَمِنَ الْقِيَامَ بِهِ وَقِيلَ هُوَ بِمَعْنَى تَكَفَّلَ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مَنْ يَضْمَنْ لِي قَالَ الْحَافِظُ

بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجَزْمِ مِنَ الضَّمَانِ بِمَعْنَى الْوَفَاءِ بِتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ فَأَطْلَقَ الضَّمَانَ وَأَرَادَ لَازِمَهُ وَهُوَ أَدَاءُ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ فَالْمَعْنَى مَنْ أَدَّى الْحَقَّ الَّذِي عَلَى لِسَانِهِ مِنَ النُّطْقِ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَوِ الصَّمْتِ عَمَّا لَا يُعْنِيهِ وَأَدَّى الْحَقَّ الَّذِي عَلَى فَرْجِهِ مِنْ وَضْعِهِ فِي الْحَلَالِ انْتَهَى (مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَالتَّثْنِيَةِ هُمَا الْعَظْمَانِ اللَّذَانِ يَنْبُتُ عَلَيْهِمَا الْأَسْنَانُ عُلُوًّا وَسُفْلًا قَالَ الْحَافِظُ وَالْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ اللَّحْيَيْنِ اللِّسَانُ وَمَا يَتَأَتَّى بِهِ النُّطْقُ وَبِمَا بَيْنَ الرجلين الفرج وقال بن بَطَّالٍ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ أَعْظَمَ الْبَلَاءِ عَلَى الْمَرْءِ فِي الدُّنْيَا لِسَانُهُ وَفَرْجُهُ فَمَنْ وُقِيَ شَرَّهُمَا وُقِيَ أَعْظَمَ الشَّرِّ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ (أَتَوَكَّلْ لَهُ) بِالْجَزْمِ جَوَابُ الشَّرْطِ وَهُوَ مِنْ بَابِ الْمُقَابَلَةِ (بِالْجَنَّةِ) أَيْ دُخُولِهَا أَوَّلًا أَوْ دَرَجَاتِهَا الْعَالِيَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن أبي هريرة وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَفِي كِتَابِ الْمُحَارِبِينَ [2409] قَوْلُهُ (مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ) أَرَادَ شَرَّ لِسَانِهِ وَفَرْجِهِ (دَخَلَ الْجَنَّةَ) أَيْ بِغَيْرِ عَذَابٍ أَوْ مَعَ السَّابِقِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ الترمذي وحسنه وبن حبان في صحيحه ورواه بن أَبِي الدُّنْيَا إِلَّا أَنَّهُ قَالَ مَنْ حَفِظَ مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَأَبُو حَازِمٍ الَّذِي رَوَى عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ هُوَ أَبُو حَازِمٍ الزَّاهِدُ مَدِينِيٌّ وَاسْمُهُ

سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ أَبُو حَازِمٍ الْأَعْرَجُ التَّمَّارُ الْمَدَنِيُّ الْقَاصُّ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (وَأَبُو حَازِمٍ الَّذِي رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ اسْمُهُ سَلْمَانُ الْأَشْجَعِيُّ إِلَخْ) تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ [2410] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَاعِزٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَاعِزٍ وَيُقَالُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَاعِزٍ وَيُقَالُ مَاعِزُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ اخْتُلِفَ عَلَى الزُّهْرِيِّ فِي ذَلِكَ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ الثَّقَفِيِّ الطَّائِفِيِّ صَحَابِيٌّ وَكَانَ عَامِلَ عُمَرَ عَلَى الطَّائِفِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ) أَيْ أَسْتَمْسِكُ بِهِ (قَالَ قُلْ رَبِّيَ اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ) هُوَ لَفْظٌ جَامِعٌ لِجَمِيعِ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي فَإِنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَمْرًا أَوْ فَعَلَ مَنْهِيًّا فَقَدْ عَدَلَ عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمَةِ حَتَّى يَتُوبَ وَمِنْهُ (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا ربنا الله ثم استقاموا) فَإِنَّ مَنْ رَضِيَ بِاَللَّهِ رَبًّا يُؤَدِّي مُقْتَضَيَاتِ الرُّبُوبِيَّةِ وَيُحَقِّقُ مَرَاضِيَهُ وَيَشْكُرُ نَعْمَاءَهُ (مَا أَخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ) مَا الْأُولَى اسْتِفْهَامِيَّةٌ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ أَخْوَفُ وَهُوَ اسْمُ تَفْضِيلٍ بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ نَحْوُ أَشْهَدُ وَأَلْوَمُ وَأَشْغَلُ وَمَا الثَّانِيَةُ مُضَافٌ إليه خوف وَهِيَ مَوْصُولَةٌ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ أَخْوَفُ أَشْيَاءَ تَخَافُ مِنْهَا عَلَيَّ وَقَالَ الطِّيبِيُّ مافي مَا تَخَافُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً أَوْ مَوْصُوفَةً وَأَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً عَلَى طَرِيقَةِ جَدَّ جَدَّهُ وَجُنَّ جُنُونَهُ وَخَشِيتُ خَشْيَتَهُ (فَأَخَذَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِلِسَانِ نَفْسِهِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِمَزِيدِ التَّعْدِيَةِ (ثُمَّ قَالَ هَذَا) هُوَ مُبْتَدَأٌ أَوْ خَبَرٌ وَالْمَعْنَى هَذَا أَكْثَرُ خَوْفِي عَلَيْكَ مِنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ بن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ كذا في الترغيب

[2411] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ) بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ (بْنُ أَبِي ثَلْجٍ) بِمُثَلَّثَةٍ وَجِيمٍ (الْبَغْدَادِيُّ) أَصْلُهُ مِنَ الرَّيِّ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ) الْمَدَائِنِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ الْحَارِثِ (بْنِ حَاطِبٍ) الْجُمَحِيُّ صَدُوقٌ رَوَى مَرَاسِيلَ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (لَا تُكْثِرِ الْكَلَامَ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ بَعْضَ الْكَلَامِ مُبَاحٌ وَهُوَ مَا يَعْنِيهِ (فَإِنَّ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ قَسْوَةٌ) أَيْ سَبَبُ قَسَاوَةٍ (لِلْقَلْبِ) وَهِيَ النُّبُوُّ عَنْ سَمَاعِ الْحَقِّ وَالْمَيْلُ إِلَى مُخَالَطَةِ الْخَلْقِ وَقِلَّةُ الْخَشْيَةِ وَعَدَمُ الْخُشُوعِ وَالْبُكَاءِ وَكَثْرَةُ الْغَفْلَةِ عَنْ دَارِ الْبَقَاءِ (وَإِنَّ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنَ اللَّهِ الْقَلْبُ الْقَاسِي) أَيْ صَاحِبُهُ أَوِ التَّقْدِيرُ أَبْعَدُ قُلُوبِ النَّاسِ الْقَلْبُ الْقَاسِي أَوْ أَبْعَدُ النَّاسِ مَنْ لَهُ الْقَلْبُ الْقَاسِي قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُعَبَّرَ بِالْقَلْبِ عَنِ الشَّخْصِ لِأَنَّهُ بِهِ كَمَا قِيلَ الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ أَيْ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ فَلَا يَحْتَاجُ إِذًا إِلَى حَذْفِ الْمَوْصُولِ مَعَ بَعْضِ الصِّلَةِ قَالَ تَعَالَى ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة الْآيَةَ وَقَالَ عَزَّ وجَلَّ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَاَلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قلوبهم قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبُو النَّضْرِ) اسْمُهُ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسْلِمٍ اللَّيْثِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَغْدَادِيُّ مَشْهُورٌ بكنيته ولقبه قصر ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ الترمذي حديث حسن غريب

[2412] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ حَسَّانٍ الْمَخْزُومِيَّ) الْمَكِّيَّ قَاصَّ أَهْلِ مَكَّةَ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّادِسَةِ (حَدَّثَتْنِي أُمُّ صَالِحٍ) بِنْتُ صَالِحٍ لَا يُعْرَفُ حَالُهَا مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ) بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْعَبْدَرِيَّةِ لَهَا رُؤْيَةٌ وَحَدَّثَتْ عَنْ عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَفِي الْبُخَارِيِّ التَّصْرِيحُ بِسَمَاعِهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ إِدْرَاكَهَا كذا في التقريب قوله (كلام بن آدَمَ عَلَيْهِ) أَيْ ضَرَرُهُ وَوَبَالُهُ عَلَيْهِ وَقِيلَ يُكْتَبُ عَلَيْهِ (لَا لَهُ) أَيْ لَيْسَ لَهُ نَفْعٌ فِيهِ أَوْ لَا يُكْتَبُ لَهُ ذَكَرَهُ تَأْكِيدًا (إِلَّا أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ) مِمَّا فِيهِ نَفْعُ الْغَيْرِ مَعَ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ (أَوْ نَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ) مِمَّا فِيهِ مَوْعِظَةُ الْخَلْقِ مِنَ الْأُمُورِ الْمَنْهِيَّةِ (أَوْ ذِكْرُ اللَّهِ) أَيْ مَا فِيهِ رضا الله من الأذكار الالهية قال القارىء وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِي الْكَلَامِ نَوْعٌ يُبَاحُ لِلْأَنَامِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْقَوْلِ الَّذِي لَيْسَ بِسَدِيدٍ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ قَوْلَهُ لَا لَهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُبَاحَ لَيْسَ لَهُ نَفْعٌ فِي الْعُقْبَى أو يقال التقدير كل كلام بن آدَمَ حَسْرَةٌ عَلَيْهِ لَا مَنْفَعَةٌ لَهُ فِيهِ إِلَّا الْمَذْكُورَاتِ وَأَمْثَالَهَا فَيُوَافِقُ بَقِيَّةَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) وَبِهِ يَرْتَفِعُ اضْطِرَابُ الشُّرَّاحِ فِي أَمْرِ الْمُبَاحِ انتهى كلام القارىء قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حسن غريب وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ وَفِي مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ كَلَامٌ قَرِيبٌ لَا يُقْدَحُ وَهُوَ شيخ صالح انتهى

53 - باب [2413] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ) بْنِ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيُّ صَدُوقٌ مِنَ التاسعة (حدثنا أَبُو الْعُمَيْسِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا اسْمُهُ عُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ الْمَسْعُودِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أَبُو جُحَيْفَةَ وَاسْمُهُ وَهْبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السُّوَائِيُّ وَيُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ وَهْبٌ أَيْضًا مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَيُقَالُ لَهُ وَهْبُ الْخَيْرِ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ وَصَحِبَ عَلِيًّا قَوْلُهُ (آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ) أَيْ جَعَلَ بَيْنَهُمَا أُخُوَّةً قَالَ الْحَافِظُ في الفتح ذكر أصحاب المغازي أن المواخاة بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ الْأُولَى قَبْلَ الْهِجْرَةِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ خَاصَّةً عَلَى الْمُوَاسَاةِ وَالْمُنَاصَرَةِ فَكَانَ مِنْ ذَلِكَ أُخُوَّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بَعْدَ أَنْ هَاجَرَ وَذَلِكَ بَعْدَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ وَسَيَأْتِي في أولى كِتَابِ الْبَيْعِ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ قُدُومِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسَةِ أَشْهُرٍ وَالْمَسْجِدُ يُبْنَى انْتَهَى (فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ) يَعْنِي فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدَ أَبَا الدَّرْدَاءِ غَائِبًا (مُتَبَذِّلَةً) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ لَابِسَةً ثِيَابَ الْبِذْلَةِ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الذَّالِ وَهِيَ الْمِهْنَةُ وَزْنًا وَمَعْنًى وَالْمُرَادُ أَنَّهَا تَارِكَةٌ لِلُبْسِ ثِيَابِ الزِّينَةِ وَعِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فَرَأَى امْرَأَتَهُ رَثَّةَ الْهَيْئَةِ قَالَ الْحَافِظُ وَأُمُّ الدَّرْدَاءِ هَذِهِ هِيَ خَيْرَةُ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بِنْتُ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيَّةُ صَحَابِيَّةٌ بِنْتُ صَحَابِيٍّ وَحَدِيثُهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ وَمَاتَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ هَذِهِ قَبْلَ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَلِأَبِي الدَّرْدَاءِ أَيْضًا امْرَأَةٌ أُخْرَى يُقَالُ لَهَا أُمُّ الدَّرْدَاءِ تَابِعِيَّةٌ اسْمُهَا هَجِيمَةُ عَاشَتْ بَعْدَهُ دَهْرًا وَرَوَتْ عَنْهُ انْتَهَى (مَا شَأْنُكِ مُتَبَذِّلَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى الْحَالِيَّةِ (لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا) وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ فِي نِسَاءِ الدُّنْيَا وَزَادَ فِيهِ بن خُزَيْمَةَ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَوْنٍ يَصُومُ النَّهَارَ

وَيَقُومُ اللَّيْلَ (فَقَالَ) أَيْ أَبُو الدَّرْدَاءِ (كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَ) أَيْ سَلْمَانُ مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ وَفِي رِوَايَةِ الْبَزَّارِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ وَأَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتُفْطِرَنَّ وَغَرَضُ سَلْمَانَ مِنْ هَذَا الْإِبَاءِ أَنْ يَصْرِفَهُ عَنْ رَأْيِهِ فِيمَا يَصْنَعُهُ مِنْ جَهْدِ نَفْسِهِ فِي الْعِبَادَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا شَكَتْهُ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ (فَأَكَلَ) أَيْ أَبُو الدَّرْدَاءِ (فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ) أَيْ فِي أَوَّلِهِ وفي رواية بن خُزَيْمَةَ ثُمَّ بَاتَ عِنْدَهُ (ذَهَبَ) أَيْ أَرَادَ وشرع (فقال له سلمان نم) زاد بن سَعْدٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ مُرْسَلٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَتَمْنَعُنِي أَنْ أَصُومَ لِرَبِّي وَأُصَلِّيَ لِرَبِّي (فَقَامَا فَصَلَّيَا) فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فَقَامَا فَتَوَضَّآ ثُمَّ رَكَعَا ثُمَّ خَرَجَا إِلَى الصَّلَاةِ (وَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) أَيْ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا زَادَ الدَّارَقُطْنِيُّ فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَصَلِّ وَنَمْ وَائْتِ أَهْلَكَ (فَأَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ) وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ ثُمَّ خَرَجَا إِلَى الصَّلَاةِ فَدَنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ لِيُخْبِرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاَلَّذِي قَالَ لَهُ سَلْمَانُ فَقَالَ لَهُ يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا مِثْلَ مَا قَالَ سَلْمَانُ فَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَشَارَ إِلَيْهِمَا بِأَنَّهُ عَلِمَ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ مَا دَارَ بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ بَشَّارٍ فَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ أَنَّهُ كَاشَفَهُمَا بِذَلِكَ أَوَّلًا ثُمَّ أَطْلَعَهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ عَلَى صُورَةِ الْحَالِ فَقَالَ لَهُ صَدَقَ سَلْمَانُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ من الفوائد مشروعية المواخاة فِي اللَّهِ وَزِيَارَةُ الْإِخْوَانِ وَالْمَبِيتُ عِنْدَهُمْ وَجَوَازُ مُخَاطَبَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِلْحَاجَةِ وَالسُّؤَالِ عَمَّا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَصْلَحَةُ وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ لَا يَتَعَلَّقُ بِالسَّائِلِ وَفِيهِ النُّصْحُ لِلْمُسْلِمِ وَتَنْبِيهُ مَنْ أَغْفَلَ وَفِيهِ فَضْلُ قِيَامِ آخِرِ اللَّيْلِ وَفِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ تَزْيِينِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَثُبُوتُ حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى الزَّوْجِ وَحُسْنُ الْعِشْرَةِ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ ثُبُوتُ حَقِّهَا فِي الْوَطْءِ لِقَوْلِهِ وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ثُمَّ قَالَ وَائْتِ أَهْلَكَ كَمَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَقَرَّرَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ وَفِيهِ جَوَازُ النَّهْيِ عَنِ الْمُسْتَحَبَّاتِ إِذَا خَشِيَ أَنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى السَّآمَةِ وَالْمَلَلِ وَتَفْوِيتِ الْحُقُوقِ الْمَطْلُوبَةِ الْوَاجِبَةِ أَوِ الْمَنْدُوبَةِ الرَّاجِحِ فِعْلُهَا عَلَى فِعْلِ الْمُسْتَحَبِّ الْمَذْكُورِ وَأَنَّ الْوَعِيدَ الْوَارِدَ عَلَى مَنْ نَهَى مُصَلِّيًا عَنِ الصَّلَاةِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ نَهَاهُ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَفِيهِ كَرَاهِيَةُ الْحَمْلِ عَلَى النَّفْسِ فِي الْعِبَادَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري

باب [2414] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ الْوَرْدِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْقُرَشِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ وَلَقَبُ عَبْدِ الْوَهَّابِ هَذَا وُهَيْبٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ وَوُهَيْبٌ لَقَبٌ قَوْلُهُ (مَنِ الْتَمَسَ) أَيْ طَلَبَ (بِسَخَطِ النَّاسِ) السَّخَطُ وَالسُّخُطُ وَالسُّخْطُ وَالْمَسْخَطُ الْكَرَاهَةُ لِلشَّيْءِ وَعَدَمُ الرِّضَا بِهِ (كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ) لِأَنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ مِنْ حِزْبِ اللَّهِ وَهُوَ لَا يَخِيبُ مَنِ الْتَجَأَ إِلَيْهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ) أَيْ سَلَّطَ اللَّهُ النَّاسَ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤْذُوهُ وَيَظْلِمُوا عَلَيْهِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَمْ يُسَمِّ الرَّجُلَ ثُمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَتَبَتْ إِلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ وَلَمْ يرفعه وروى بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ الْمَرْفُوعَ مِنْهُ فَقَطْ وَلَفْظُهُ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاسَ وَمَنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخِطَ اللَّهُ عليه وأسخط عليه الناس انتهى

35 - أبواب صفة القيامة

35 - أبواب صفة القيامة بَاب مَا جَاءَ فِي شَأْن الْحِسَابِ وَالْقِصَاصِ (بَاب مَا جَاءَ فِي شَأْن الْحِسَابِ وَالْقِصَاصِ القيامة) [2415] قَوْلُهُ (مَا مِنْكُمْ مِنْ رَجُلٍ) مِنْ مَزِيدَةٌ لِاسْتِغْرَاقِ النَّفْيِ وَالْخِطَابُ لِلْمُؤْمِنِينَ (إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ) أَيْ بِلَا وَاسِطَةٍ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ (وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ (تَرْجُمَانُ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَكَزَعْفُرَانٍ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ أَيْ مُفَسِّرٌ لِلْكَلَامِ بِلُغَةٍ عَنْ لُغَةٍ يُقَالُ تَرْجَمْتُ عَنْهُ وَالْفِعْلُ يَدُلُّ عَلَى أَصَالَةِ التَّاءِ وَفِي التَّهْذِيبِ التَّاءُ أَصْلِيَّةٌ وَلَيْسَتْ بِزَائِدَةٍ وَالْكَلِمَةُ رَبَاعِيَةٌ (ثُمَّ يَنْظُرُ) أَيْ ذَلِكَ الْعَبْدُ أَيْمَنَ مِنْهُ أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْقِفِ وَقِيلَ ضَمِيرُ مِنْهُ رَاجِعٌ إِلَى الْعَبْدِ وَالْمَآلِ وَاحِدٌ وَالْمَعْنَى يَنْظُرُ فِي الْجَانِبِ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ (فَلَا يَرَى شَيْئًا إِلَّا شَيْئًا قَدَّمَهُ) أَيْ مِنْ عَمَلِهِ الصَّالِحِ وَفِي الْمِشْكَاةِ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ (ثُمَّ يَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ) أَيْ فِي الْجَانِبِ الَّذِي فِي شِمَالِهِ (فَلَا يَرَى شَيْئًا إِلَّا شَيْئًا قَدَّمَهُ) أَيْ مِنْ عمله السيء وَإِنَّ النَّصْبَ فِي أَيْمَنَ وَأَشْأَمَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَالْمُرَادُ بِهِمَا الْيَمِينُ وَالشِّمَالُ فَقِيلَ نَظَرُ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ هُنَا كَالْمِثْلِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ شَأْنِهِ إِذَا دَهَمَهُ أَمْرٌ أَنْ يَلْتَفِتَ يَمِينًا وَشِمَالًا يَطْلُبُ الْغَوْثَ قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ الِالْتِفَاتِ أَنَّهُ يَتَرَجَّى أَنْ يَجِدَ طَرِيقَةً يَذْهَبُ فِيهَا لِيَحْصُلَ لَهُ النَّجَاةُ مِنَ النَّارِ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا يُفْضِي بِهِ إِلَى النَّارِ (ثُمَّ يَنْظُرُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَتَسْتَقْبِلُهُ النَّارُ) قال بن هبيرة

وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّارَ تَكُونُ فِي مَمَرِّهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحِيدَ عَنْهَا إِذْ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ (وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) أَيْ وَلَوْ بِمِقْدَارِ نِصْفِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا وَالْمَعْنَى وَلَوْ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ قَالَ الْحَافِظُ أَيِ اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا وِقَايَةً مِنَ الصَّدَقَةِ وَعَمَلِ الْبِرِّ وَلَوْ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو السَّائِبِ) اسْمُهُ سَلَمُ بْنُ جُنَادَةَ بْنِ سَلَمٍ السُّوَائِيُّ بِضَمِّ المهملة بالكوفي ثِقَةٌ رُبَّمَا خَالَفَ مِنَ الْعَاشِرَةِ (فَلْيَحْتَسِبْ) أَيْ فَلْيَطْلُبِ الثَّوَابَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى (فِي إِظْهَارِ هَذَا الْحَدِيثِ بِخُرَاسَانَ) إِنَّمَا خُصَّ وَكِيعٌ بِإِظْهَارِ هَذَا الْحَدِيثِ بِخُرَاسَانَ لِأَنَّهُ كَانَ فِيهَا الْجَهْمِيَّةُ النَّافُونَ لِصِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى (لِأَنَّ الْجَهْمِيَّةَ يُنْكِرُونَ هَذَا) أَيْ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْكَرْمَانِيُّ الْجَهْمِيَّةُ فِرْقَةٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ يَنْتَسِبُونَ إِلَى جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ مُقَدَّمِ الطَّائِفَةِ الْقَائِلَةِ إِنَّ لَا قُدْرَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا وَهُمُ الْجَبْرِيَّةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَمَاتَ مَقْتُولًا فِي زَمَنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَلَيْسَ الَّذِي أَنْكَرُوهُ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ مَذْهَبَ الْجَبْرِ خَاصَّةً وَإِنَّمَا الَّذِي أَطْبَقَ السَّلَفُ عَلَى ذَمِّهِمْ بِسَبَبِهِ إِنْكَارُ الصِّفَاتِ حَتَّى قَالُوا إِنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ وَإِنَّهُ مَخْلُوقٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2416] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ أَبُو مُحْصَنٍ) الْوَاسِطِيُّ الضَّرِيرُ كُوفِيُّ الْأَصْلِ لَا بَأْسَ بِهِ رُمِيَ بِالنَّصْبِ مِنَ الثَّامِنَةِ (أَخْبَرَنَا حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ الرَّحَبِيُّ) أَبُو عَلِيٍّ الْوَاسِطِيُّ لقيه حَنَشٌ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ ثُمَّ مُعْجَمَةٌ مَتْرُوكٌ من السادسة

قَوْلُهُ (حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّثَهُ بِتَأْوِيلِ الْخِصَالِ (عَنْ عُمُرِهِ) بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الْمِيمُ أَيْ عَنْ مُدَّةِ أَجَلِهِ (فِيمَا أَفْنَاهُ) أَيْ صَرَفَهُ (وَعَنْ شَبَابِهِ) أَيْ قُوَّتِهِ فِي وَسَطِ عُمُرِهِ (فِيمَا أَبْلَاهُ) أَيْ ضَيَّعَهُ وَفِيهِ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ وَإِشَارَةٌ إِلَى الْمُسَامَحَةِ فِي طَرَفَيْهِ مِنْ حَالِ صِغَرِهِ وَكِبَرِهِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا دَاخِلٌ فِي الْخَصْلَةِ الْأُولَى فَمَا وَجْهُهُ قُلْتُ الْمُرَادُ سُؤَالُهُ عَنْ قُوَّتِهِ وَزَمَانِهِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مِنْهُ عَلَى أَقْوَى الْعِبَادَةِ (وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ) أَيْ أَمِنْ حَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ (وَفِيمَا أَنْفَقَهُ) أي طَاعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ (وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ) قال القارىء لَعَلَّ الْعُدُولَ عَنِ الْأُسْلُوبِ لِلتَّفَنُّنِ فِي الْعِبَارَةِ الْمُؤَدِّيَةِ لِلْمَطْلُوبِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّمَا غَيَّرَ السُّؤَالَ فِي الْخَصْلَةِ الْخَامِسَةِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ وَعَنْ عَمَلِهِ مَاذَا عَمِلَ بِهِ لِأَنَّهَا أَهَمُّ شَيْءٍ وَأَوْلَاهُ وَفِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ الْعِلْمَ مُقَدِّمَةُ الْعَمَلِ وهو لا تعتد بِهِ لَوْلَا الْعَمَلُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَضَعِيفٌ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ حُسَيْنُ بْنُ قَيْسٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَمَا عَرَفْتَ وَضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ [2417] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ (أَخْبَرَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ) الشَّامِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ يُكْنَى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيُلَقَّبُ شَاذَانُ ثِقَةٌ من التاسعة

قوله (وعن جسمه فيم أَبْلَاهُ) كَأَنَّهُ مِنْ بَلِيَ الثَّوْبُ وَأَبْلَاهُ كَانَ الشَّبَابُ فِي قُوَّتِهِ كَالثَّوْبِ الْجَدِيدِ فَلَمَّا وَلَّى الشَّبَابُ وَضَعُفَ الْبَدَنُ فَكَأَنَّمَا بَلِيَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَأَقَرَّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ (هُوَ مَوْلَى أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُرَيْجٍ بِجِيمَيْنِ وَرَاءٍ مُصَغَّرًا بَصْرِيٌّ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهَمَ مِنَ الْخَامِسَةِ (وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ اسْمُهُ نَضْلَةُ بْنُ عُبَيْدٍ) صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَغَزَا سَبْعَ غَزَوَاتٍ ثُمَّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وَغَزَا خُرَاسَانَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ عَلَى الصَّحِيحِ [2418] قَوْلُهُ (أَتَدْرُونَ) أَيْ أَتَعْلَمُونَ وَهَذَا سُؤَالُ إِرْشَادٍ لَا اسْتِعْلَامٍ وَلِذَلِكَ قَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ كَذَا وَكَذَا (فِينَا) أَيْ فِيمَا بَيْنَنَا (مَنْ لَا دِرْهَمَ) أَيْ مِنْ نَقْدٍ (لَهُ) أَيْ مِلْكًا (وَلَا مَتَاعَ) أَيْ مِمَّا يَحْصُلُ بِهِ النَّقْدُ وَيُتَمَتَّعُ بِهِ مِنَ الْأَقْمِشَةِ وَالْعَقَارِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْعَبِيدِ وَالْمَوَاشِي وَأَمْثَالِ ذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ أَجَابُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ بِحَسَبِ عُرْفِ أَهْلِ الدُّنْيَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُمْ فِينَا غَفَلُوا عَنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَكَانَ حَقُّهُمْ أَنْ يَقُولُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ كَانَ وَاضِحًا عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُفْلِسُ) أَيِ الْحَقِيقِيُّ أَوِ الْمُفْلِسُ فِي الْآخِرَةِ (مِنْ أُمَّتِي) أَيْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا فِي الدُّنْيَا بِالدِّرْهَمِ وَالْمَتَاعِ (مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ) أَيْ مَقْبُولَاتٍ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ مَصْحُوبًا بِهَا (وَيَأْتِي) أَيْ وَيَحْضُرُ أَيْضًا (قَدْ شَتَمَ هَذَا) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ قَدْ شَتَمَ هذا (وقذف هذا) أي بالزنى وَنَحْوِهِ (وَأَكَلَ مَالَ هَذَا) أَيْ بِالْبَاطِلِ (وَسَفَكَ دَمَ هَذَا) أَيْ

أَرَاقَ دَمَ هَذَا بِغَيْرِ حَقٍّ (وَضَرَبَ هَذَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ أَوْ زِيَادَةً عَلَى مَا يَسْتَحِقُّهُ وَالْمَعْنَى جَمَعَ بَيْنَ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ وَهَذِهِ السَّيِّئَاتِ (فَيَقْعُدُ) أَيِ الْمُفْلِسُ (فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ) أَيْ يَأْخُذُ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ قِصَاصًا قَالَ النَّوَوِيُّ يَعْنِي حَقِيقَةَ الْمُفْلِسِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ وَمَنْ قَلَّ مَالُهُ فَالنَّاسُ يُسَمُّونَهُ مُفْلِسًا وَلَيْسَ هَذَا حَقِيقَةَ الْمُفْلِسِ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَزُولُ وَيَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ وَرُبَّمَا انْقَطَعَ بِيَسَارٍ يَحْصُلُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ الْمُفْلِسِ فَإِنَّهُ يَهْلَكُ الْهَلَاكَ التَّامَّ قَالَ الْمَازِرِيُّ زَعَمَ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُعَارَضٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) وَهُوَ بَاطِلٌ وَجَهَالَةٌ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا عُوقِبَ بِفِعْلِهِ وَوِزْرِهِ فَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ حُقُوقٌ لِغُرَمَائِهِ فَدُفِعَتْ إِلَيْهِمْ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَلَمَّا فَرَغَتْ حَسَنَاتُهُ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ خُصُومِهِ فَوُضِعَتْ عَلَيْهِ فَحَقِيقَةُ الْعُقُوبَةِ مسبة عَنْ ظُلْمِهِ وَلَمْ يُعَاقَبْ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ مِنْهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2419] قَوْلُهُ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ النُّونِ مُصَغَّرًا الْغَنَوِيِّ أَبِي أُسَامَةَ الْجَزَرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (كَانَتْ لِأَخِيهِ) أَيْ فِي الدِّينِ (عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَيُفْتَحُ اسْمُ مَا أَخَذَهُ الظَّالِمُ أَوْ تَعَرَّضَ لَهُ (فِي عِرْضٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ هُوَ مَوْضِعُ الْمَدْحِ وَالذَّمِّ مِنَ الْإِنْسَانِ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسِهِ أَوْ سَلَفِهِ أَوْ مَنْ يَلْزَمُهُ أَمْرُهُ وَقِيلَ هُوَ جَانِبُهُ الَّذِي يَصُونَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَنَسَبِهِ وَحَسَبِهِ وَيُحَامِي عَنْهُ أَنْ يُنْتَقَصَ وَيُثْلَبَ وَقِيلَ نَفْسُهُ وَبَدَنُهُ لَا غَيْرُ (فَجَاءَهُ) أَيْ جَاءَ الظَّالِمُ الْمَظْلُومَ (فَاسْتَحَلَّهُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ تَحَلَّلْتَهُ وَاسْتَحْلَلْتَهُ إِذَا سَأَلْتَهُ أَنْ يَجْعَلَكَ فِي حِلٍّ (قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ تُقْبَضَ رُوحُهُ (وَلَيْسَ ثَمَّ) أَيْ هُنَاكَ يَعْنِي فِي الْقِيَامَةِ (دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ) يقضي بِهِ (فَإِنْ كَانَتْ لَهُ

حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ حَسَنَاتِهِ) أَيْ فَيُوَفَّى مِنْهَا لِصَاحِبِ الْحَقِّ (وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ) أَوْ لَمْ تَفِ بِمَا عَلَيْهِ (حَمَلُوا عَلَيْهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ) أَيْ أَلْقَى أَصْحَابُ الْحُقُوقِ مِنْ ذُنُوبِهِمْ بِقَدْرِ حُقُوقِهِمْ ثُمَّ يُقْذَفُ فِي النَّارُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2420] قَوْلُهُ (لَتُؤَدَّنَّ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ هو على بناء المجهول والحقوق مَرْفُوعٌ هَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الْمُعْتَدُّ بِهَا وَيَزْعُمُ بَعْضُهُمْ ضَمَّ الدَّالَ وَنَصْبَ الْحُقُوقِ وَالْفِعْلُ مُسْنَدٌ إِلَى الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ خُوطِبُوا بِهِ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ انْتَهَى (حَتَّى تُقَادَ الشَّاةُ الْجَلْحَاءُ) بِالْمَدِّ هِيَ الْجَمَّاءُ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا (مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) أَيِ الَّتِي لَهَا قَرْنٌ قَالَ النَّوَوِيُّ الْجَلْحَاءُ بِالْمَدِّ هِيَ الْجَمَّاءُ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا وَالْقَرْنَاءُ ضِدُّهَا وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِحَشْرِ الْبَهَائِمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِعَادَتِهَا كَمَا يُعَادُ أَهْلِ التَّكْلِيفِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَالْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ وَعَلَى هَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَالَ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ وَلَا إِلَهَ غيره (وإذا الوحوش حشرت) وَإِذَا وَرَدَ لَفْظُ الشَّرْعِ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ إِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ شَرْعٌ وَلَا عَقْلٌ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالُوا وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْحَشْرِ وَالْإِعَادَةِ فِي الْقِيَامَةِ الْمُجَازَاةُ وَالْعِقَابُ وَالثَّوَابُ وَأَمَّا الْقِصَاصُ مِنَ الْقَرْنَاءِ لِلْجَلْحَاءِ فَلَيْسَ مِنْ قِصَاصِ التَّكْلِيفِ بَلْ هُوَ قِصَاصُ مُقَابَلَةٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه مسلم

2 - باب [2421] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي سُلَيْمُ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنُ عَامِرٍ) الْكَلَاعِيُّ وَيُقَالُ الْخَبَائِرِيُّ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ أَبُو يَحْيَى الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ غَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَخْبَرَنَا الْمِقْدَادُ) بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْبَهْرَانِيُّ ثُمَّ الْكِنْدِيُّ ثُمَّ الزُّهْرِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ مِنَ السَّابِقِينَ قَوْلُهُ (أُدْنِيَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِدْنَاءِ أَيْ قُرِّبَتْ (الشَّمْسُ) أَيْ جُرْمُهَا (حَتَّى يَكُونَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَتَّى تَكُونَ بِالتَّأْنِيثِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (قِيدَ مِيلٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ قَدْرَ مِيلٍ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ كَمِقْدَارِ مِيلٍ (أَوِ اثْنَتَيْنِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي أَيْ أَوْ مِيلَيْنِ (لَا أَدْرِي أَيُّ الْمِيلَيْنِ عَنَى) أَيْ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشِّيخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِيلُ الْفَرْسَخِ وَكَفَى ذَلِكَ فِي تَعْذِيبِهِمْ وَإِيذَائِهِمْ وَأَمَّا احْتِمَالُ إِرَادَةِ مِيلِ الْمُكْحُلَةِ فَبَعِيدٌ (فَتَصْهَرُهُمُ الشَّمْسُ) أَيْ تُذِيبُهُمْ مِنَ الصَّهْرِ وَهُوَ الْإِذَابَةُ مِنْ فَتَحَ يَفْتَحُ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْخُذُهُ إِلَى حَقْوَيْهِ) الْحَقْوُ الْخَصْرُ وَمِشَدُّ الْإِزَارِ (وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا) الْإِلْجَامُ إِدْخَالُ اللِّجَامِ فِي الْفَمِ وَالْمَعْنَى يَصِلُ الْعَرَقُ إِلَى فَمِهِ فَيَمْنَعُهُ مِنَ الْكَلَامِ كَاللِّجَامِ كَذَا فِي المجمع قال بن الْمَلَكِ إِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَ الْعَرَقُ كَالْبَحْرِ يُلْجِمُ الْبَعْضَ فَكَيْفَ يَصِلُ إِلَى كَعْبِ الْآخَرِ قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ تَعَالَى ارْتِفَاعًا فِي الْأَرْضِ تَحْتَ أَقْدَامِ الْبَعْضِ أَوْ يُقَالُ يُمْسِكُ اللَّهُ تَعَالَى عَرَقَ كُلِّ إِنْسَانٍ بِحَسَبِ عَمَلِهِ فَلَا يَصِلُ إِلَى غَيْرِهِ مِنْهُ شَيْءٌ كَمَا أَمْسَكَ جِرْيَةَ الْبَحْرِ لِمُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ والسلام قال القارىء الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْقَوْلُ الْأَخِيرُ فَإِنَّ أَمْرَ الْآخِرَةِ كُلَّهُ عَلَى وَفْقِ خَرْقِ الْعَادَةِ أَمَا تَرَى أَنَّ شَخْصَيْنِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ يُعَذَّبُ أَحَدُهُمَا وَيُنَعَّمُ الْآخَرُ وَلَا يَدْرِي أَحَدُهُمَا عَنْ غَيْرِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّ

الْمُرَادَ عَرَقُ نَفْسِهِ وَعَرَقُ غَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ عَرَقُ نَفْسِهِ خَاصَّةً وَسَبَبُ كَثْرَةِ الْعَرَقِ تَرَاكُمُ الْأَهْوَالِ ودنو الشمس من رؤوسهم وَزَحْمَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أبي سعيد وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ [2422] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ دُرُسْتَ) بِضَمَّتَيْنِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ بن زِيَادٍ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (قَالَ حَمَّادٌ وَهُوَ عِنْدَنَا مَرْفُوعٌ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ صَرِيحًا لَكِنَّهُ مَرْفُوعٌ حُكْمًا (يَوْمَ يقوم الناس) أي من قبورهم (لرب العالمين) أَيْ لِأَجْلِ أَمْرِهِ وَحِسَابِهِ وَجَزَائِهِ (قَالَ يَقُومُونَ فِي الرَّشْحِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَقُومُ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرَّشْحُ الْعَرَقُ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ الْبَدَنِ شَيْئًا فَشَيْئًا كَمَا يَرْشَحُ الْإِنَاءُ الْمُتَخَلْخِلُ الْأَجْزَاءِ (إِلَى أَنْصَافِ آذَانِهِمْ) وفي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حَتَّى يَغِيبَ أَحَدُهُمْ فِي رَشْحِهِ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب ما جاء في شأن الحشر

3 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الْحَشْرِ) الْحَشْرُ جَمْعٌ وَالْمُرَادُ بِهِ حَشْرُ الْأَمْوَاتِ مِنْ قُبُورِهِمْ وَغَيْرِهَا بَعْدَ الْبَعْثِ جَمِيعًا إِلَى الْمَوْقِفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [2423] قَوْلُهُ (عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ) النَّخَعِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (يُحْشَرُ النَّاسُ) أَيْ يُبْعَثُونَ (حُفَاةً) بِضَمِّ الْحَاءِ جَمْعُ حَافٍ وَهُوَ الَّذِي لَا نَعْلَ لَهُ وَلَا خُفَّ (عُرَاةً) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ عَارٍ وَهُوَ مَنْ لَا سِتْرَ لَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ أَبُو داود وصححه بن حِبَّانَ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا وَقَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ بَعْضَهُمْ يُحْشَرُ عَارِيًا وَبَعْضُهُمْ كَاسِيًا أَوْ يُحْشَرُونَ كُلُّهُمْ عُرَاةً ثُمَّ يُكْسَى الْأَنْبِيَاءُ فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْقُبُورِ بِالثِّيَابِ الَّتِي مَاتُوا فِيهَا ثُمَّ تَتَنَاثَرُ عَنْهُمْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْحَشْرِ فَيُحْشَرُونَ عُرَاةً ثُمَّ يَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى الشُّهَدَاءِ لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ أَمَرَ أَنْ يُزَمَّلُوا فِي ثِيَابِهِمْ وَيُدْفَنُوا فِيهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعَهُ فِي الشَّهِيدِ فَحَمَلَهُ عَلَى الْعُمُومِ وَمِمَّنْ حَمَلَهُ على عمومه معاذ بن جبل فأخرج بن أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ دَفَنَّا أُمَّ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَأَمَرَ بِهَا فَكُفِّنَتْ فِي ثِيَابٍ جُدُدٍ وَقَالَ أَحْسِنُوا أَكْفَانَ مَوْتَاكُمْ فَإِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ فِيهَا قَالَ وَحَمَلَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى الْعَمَلِ وَإِطْلَاقُ الثِّيَابِ عَلَى الْعَمَلِ وَقَعَ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تعالى (ولباس التقوى ذلك خير) وقوله تعالى (وثيابك فطهر) عَلَى أَحَدِ الْأَقْوَالِ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ قَالَ مَعْنَاهُ وَعَمَلَكَ فَأَخْلِصْهُ وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ حَدِيثُ جَابِرٍ رَفَعَهُ يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَرَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ الْحَمْلَ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ وَيَتَأَيَّدُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كما خلقناكم أول مرة) وقوله تعالى (كما بدأكم تعودون) وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ فِي حَدِيثِ الْبَابِ (كَمَا بدأنا أول خلق نعيده) عَقِبَ قَوْلِهِ حُفَاةً عُرَاةً قَالَ فَيُحْمَلُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى الشُّهَدَاءِ لِأَنَّهُمْ يُدْفَنُونَ بِثِيَابِهِمْ فَيُبْعَثُونَ فِيهَا تَمْيِيزًا لَهُمْ عن غيرهم

وقد نقله بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (غُرْلًا) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ جَمْعُ أَغْرَلَ وَهُوَ الْأَقْلَفُ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ مَنْ بَقِيَتْ غِرْلَتُهُ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي يَقْطَعُهَا الْخَاتِنُ مِنَ الذَّكَرِ (ثُمَّ قَرَأَ) أَيِ اسْتِشْهَادًا وَاعْتِضَادًا (كما بدأنا أول خلق نعيده) الْكَافُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ نُعِيدُهُ أَيْ نُعِيدُ الْخَلْقَ إِعَادَةً مِثْلَ الْأَوَّلِ وَالْمَعْنَى بَدَأْنَاهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا كَذَا نعيدهم يوم القيامة (وعدا علينا) أَيْ لَازِمًا لَا يَجُوزُ الْخُلْفُ فِيهِ (إِنَّا كنا فاعلين) أَيْ مَا وَعَدْنَاهُ وَأَخْبَرْنَا بِهِ لَا مَحَالَةَ (وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى مِنَ الْخَلَائِقِ إِبْرَاهِيمُ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْخَلَائِقِ مَنْ عَدَا نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَدْخُلْ هُوَ فِي عُمُومِ خِطَابِ نَفْسِهِ وَتَعَقَّبَهُ تِلْمِيذُهُ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا فِي التَّذْكِرَةِ فَقَالَ هَذَا حَسَنٌ لَوْلَا مَا جَاءَ مِنْ حديث علي يعني الذي أخرجه بن الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ خَلِيلُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قِبْطِيَّتَيْنِ ثُمَّ يُكْسَى مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةَ حِيرَةٍ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ قَالَ الْحَافِظُ كَذَا وَرَدَ مُخْتَصَرًا مَوْقُوفًا وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مُطَوَّلًا مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ بن عَبَّاسٍ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ وَزَادَ وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى مِنَ الْجَنَّةِ إِبْرَاهِيمُ يُكْسَى حُلَّةً مِنَ الْجَنَّةِ وَيُؤْتَى بِكُرْسِيٍّ فَيُطْرَحُ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ ثُمَّ يُؤْتَى بِي فَأُكْسَى حُلَّةً مِنَ الْجَنَّةِ لَا يَقُومُ لَهَا الْبَشَرُ ثُمَّ يُؤْتَى بِكُرْسِيٍّ فَيُطْرَحُ عَلَى سَاقِ الْعَرْشِ وَهُوَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ وَفِي مُرْسَلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عِنْدَ جَعْفَرٍ الْفِرْيَابِيِّ يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَرَى خَلِيلِي عُرْيَانَا فَيُكْسَى إِبْرَاهِيمُ ثَوْبًا أَبْيَضَ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ إِبْرَاهِيمَ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى أَنَّهُ جُرِّدَ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنِ اسْتَنَّ التَّسَتُّرَ بِالسَّرَاوِيلِ وَقَدْ أخرج بن مِنْدَهْ مِنْ حَدِيثِ حَيْدَةَ رَفَعَهُ قَالَ أَوَّلُ من يكسى إبراهيم يقول الله أكسو خَلِيلِي لِيَعْلَمَ النَّاسُ الْيَوْمَ فَضْلَهُ عَلَيْهِمْ قَالَ الْحَافِظُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَخْصِيصِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْ نَبِيِّنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُطْلَقًا انْتَهَى (وَيُؤْخَذُ مِنْ أَصْحَابِي بِرِجَالٍ ذَاتِ الْيَمِينِ وَذَاتِ الشِّمَالِ) أَيْ إِلَى جَانِبِ الْيَمِينِ وَإِلَى جَانِبِ الشِّمَالِ قَالَ الْحَافِظُ وَبَيَّنَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَوْضِعَ وَلَفْظُهُ لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي الْحَوْضَ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمُ اخْتَلَجُوا دُونِي الْحَدِيثَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ ليذادن رجال عن حوض كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ (فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي) أَيْ هَؤُلَاءِ أَصْحَابِي وَلِأَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رَفَعَهُ لَيَرِدَّنَ عَلَى الْحَوْضِ رِجَالٌ مِمَّنْ صَحِبَنِي وَرَآنِي وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ نحوه قاله

الْحَافِظُ (إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُرَادِ عَلَى أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُرْتَدُّونَ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْشَرُوا بِالْغُرَّةِ وَالتَّحْجِيلِ فَيُنَادِيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلسِّيمَا الَّتِي عَلَيْهِمْ فَيُقَالُ لَيْسَ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ وُعِدْتَ بِهِمْ إِنَّ هَؤُلَاءِ بَدَّلُوا بَعْدَكَ أَيْ لَمْ يَمُوتُوا عَلَى مَا ظَهَرَ مِنْ إِسْلَامِهِمْ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ مَنْ كَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ارْتَدَّ بَعْدَهُ فَيُنَادِيهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ سِيمَا الْوُضُوءِ لَمَا كَانَ يَعْرِفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَيَاتِهِ مِنْ إِسْلَامِهِمْ فَيُقَالُ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ وَالثَّالِثُ أن المراد أصحاب المعاصي الكبائر الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى التَّوْحِيدِ وَأَصْحَابُ الْبِدَعِ الَّذِينَ لَمْ يَخْرُجُوا بِبِدْعَتِهِمْ عَنِ الْإِسْلَامِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُقْطَعُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُذَادُونَ بِالنَّارِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُذَادُوا عُقُوبَةً لَهُمْ ثُمَّ يَرْحَمُهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَذَابٍ قَالَ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْلِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ غُرَّةٌ وَتَحْجِيلٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَانُوا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ لَكِنْ عَرَفَهُمْ بِالسِّيمَا وَقَالَ الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ كُلُّ مَنْ أَحْدَثَ فِي الدِّينِ فَهُوَ مِنَ الْمَطْرُودِينَ عَنِ الْحَوْضِ كَالْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَسَائِرِ أَصْحَابِ الْهَوَى قَالَ وَكَذَلِكَ الظُّلْمَةُ الْمُتْرَفُونَ فِي الْجَوْرِ وَطَمْسِ الْحَقِّ وَالْمُعَادُونَ بِالْكَبَائِرِ قَالَ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ يُخَافُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ عَنَوْا بِهَذَا الْخَبَرِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ (فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ) أَيْ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ إِلَخْ) وَفِي الْمِشْكَاةِ (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فيهم إِلَى قَوْلِهِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي آخر سورة المائدة وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا [2424] قَوْلُهُ (إِنَّكُمْ تُحْشَرُونَ رِجَالًا) بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رَاجِلٍ أَيْ مُشَاةً (وَرُكْبَانًا) أَيْ عَلَى النُّوقِ

باب ما جاء في العرض

وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ جَمْعُ رَاكِبٍ وَهُمُ السَّابِقُونَ الْكَامِلُو الْإِيمَانِ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ فَإِنْ قِيلَ لِمَ بدأ بالرجال بالذكر قيل أول السَّابِقَةِ قُلْنَا لِأَنَّهُمْ هُمُ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ (وَتُجَرُّونَ) صِيغَةُ الْمَجْهُولِ مِنَ الْجَرِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْقَدَرِ وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَمَرِ وَأَخْرَجَهُ أيضا أبو داود وبن جرير وبن مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَحَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ جَدِّ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ رَفَعَهُ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ وَنَحَا بِيَدِهِ نَحْوَ الشَّامِ رِجَالًا وَرُكْبَانًا وَتُجَرُّونَ عَلَى وُجُوهِكُمْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَرْضِ) [2425] قَوْلُهُ (يُعْرَضُ النَّاسُ) أَيْ عَلَى اللَّهِ (ثَلَاثَ عَرَضَاتٍ) بِفَتْحَتَيْنِ قِيلَ أَيْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَأَمَّا الْمَرَّةُ الْأُولَى فَيَدْفَعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَيَقُولُونَ لَمْ يُبَلِّغْنَا الْأَنْبِيَاءُ وَيُحَاجُّونَ اللَّهَ تَعَالَى وَفِي الثَّانِيَةِ يَعْتَرِفُونَ وَيَعْتَذِرُونَ بِأَنْ يَقُولَ كُلٌّ فَعَلْتُهُ سَهْوًا وَخَطَأً أَوْ جَهْلًا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (فَأَمَّا عَرْضَتَانِ فَجِدَالٌ وَمَعَاذِيرُ) جَمْعُ مَعْذِرَةٍ وَلَا يَتِمُّ قَضِيَّتُهُمْ فِي الْمَرَّتَيْنِ بِالْكُلِّيَّةِ (فَعِنْدَ ذَلِكَ تَطِيرُ الصُّحُفُ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ الصَّحِيفَةِ وَهُوَ الْمَكْتُوبُ أَيْ يُسْرِعُ وُقُوعُهَا (فِي الْأَيْدِي) أَيْ أَيْدِي الْمُكَلَّفِينَ (فَآخِذٌ بِيَمِينِهِ وَآخِذٌ بِشِمَالِهِ) الْفَاءُ تَفْصِيلِيَّةٌ أَيْ فَمِنْهُمْ آخِذٌ بِيَمِينِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَمِنْهُمْ آخِذٌ بِشِمَالِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ هَذَا كُلُّهُ مِنَ الْمِرْقَاةِ شَرْحِ الْمِشْكَاةِ وَقَالَ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ الْبَابِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ الْجِدَالُ لِلْكُفَّارِ يُجَادِلُونَ لِأَنَّهُمْ لَا

يَعْرِفُونَ رَبَّهُمْ فَيَظُنُّونَ أَنَّهُمْ إِذَا جَادَلُوا نَجَوْا وَالْمَعَاذِيرُ اعْتِذَارُ اللَّهِ لِآدَمَ وَأَنْبِيَائِهِ بِإِقَامَتِهِ الْحُجَّةَ عَلَى أَعْدَائِهِ وَالثَّالِثَةُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ الْعَرْضُ الْأَكْبَرُ قَوْلُهُ (مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بِعَدَمِ سَمَاعِهِ مِنْهُ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ (وَقَدْ رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ الرِّفَاعِيُّ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَهُوَ عِنْدَ بن مَاجَهْ وَأَحْمَدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا بَاب مِنْهُ [2426] قَوْلُهُ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ) بْنِ مُوسَى الْمَكِّيِّ مولى بن جمع ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ) قَالَ صَاحِبُ الْفَائِقِ يُقَالُ نَاقَشَهُ الْحِسَابَ إِذَا عَاسَرَهُ فِيهِ وَاسْتَقْصَى فَلَمْ يَتْرُكْ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا وَقَالَ الْحَافِظُ الْحِسَابَ بِالنَّصْبِ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَالتَّقْدِيرُ نُوقِشَ فِي الْحِسَابِ (هَلَكَ) أَيْ عُذِّبَ فِي النَّارِ جَزَاءً عَلَى السَّيِّئَاتِ الَّتِي أَظْهَرَهَا حِسَابُهُ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وتمامه وينقلب إلى أهله مسرورا (قَالَ ذَاكِ الْعَرْضُ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَجُوِّزَ الْفَتْحُ عَلَى خِطَابِ الْعَامِّ وَالْمَعْنَى إِنَّمَا ذَلِكَ الْحِسَابُ الْيَسِيرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَرْضُ عَمَلِهِ لَا الْحِسَابُ عَلَى وَجْهِ الْمُنَاقَشَةِ قَالَ

الْقُرْطُبِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ إِنَّمَا ذَاكَ الْعَرْضُ أَنَّ الْحِسَابَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ أَنْ تُعْرَضَ أَعْمَالُ الْمُؤْمِنِ عَلَيْهِ حَتَّى يَعْرِفَ مِنَّةَ الله عليه في هترها عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي عَفْوِهِ عَنْهَا فِي الاخرة كما في حديث بن عُمَرَ فِي النَّجْوَى انْتَهَى اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ عند الشيخين في طريق بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لَيْسَ أَحَدٌ يُحَاسَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا هَلَكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَسَوْفَ يحاسب حسابا يسيرا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا ذَلِكَ الْعَرْضُ الْحَدِيثَ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَظْهَرُ الْمُعَارَضَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى الْمَذْكُورِ قَالَ الْحَافِظُ وَجْهُ الْمُعَارَضَةِ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ عَامٌّ فِي تَعْذِيبِ كُلِّ مَنْ حُوسِبَ وَلَفْظُ الْآيَةِ دَالٌّ عَلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ لَا يُعَذَّبُ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِسَابِ فِي الْآيَةِ الْعَرْضُ وَهُوَ إِبْرَازُ الْأَعْمَالِ وَإِظْهَارُهَا فَيُعَرِّفُ صَاحِبَهَا بِذُنُوبِهِ ثُمَّ يَتَجَاوَزُ عَنْهُ انْتَهَى قُلْتُ وَلَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْمُعَارَضَةِ بَيْنَ رِوَايَةِ الْبَابِ بِلَفْظِ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ هَلَكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى المذكور فَتَفَكَّرْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بَاب مِنْهُ [2427] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ) الْمَكِّيُّ أَبُو إِسْحَاقَ كَانَ مِنَ الْبَصْرَةِ ثُمَّ سَكَنَ مَكَّةَ وَكَانَ فَقِيهًا ضَعِيفَ الْحَدِيثِ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (يُجَاءُ) أَيْ يُؤْتَى (كَأَنَّهُ بَذَجٌ) بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ فَجِيمٍ وَلَدُ الضَّأْنِ معرب بره أَرَادَ بِذَلِكَ هَوَانَهُ وَعَجْزَهُ وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ فَكَأَنَّهُ بَذَجٌ مِنَ الذُّلِّ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ شبه بن آدَمَ بِالْبَذَجِ لِصَغَارِهِ وَصِغَرِهِ أَيْ يَكُونُ حَقِيرًا ذليلا (فيوقف) أي بن آدَمَ (أَعْطَيْتُكَ) أَيِ الْحَيَاةَ

وَالْحَوَاسَّ وَالصِّحَّةَ وَالْعَافِيَةَ وَنَحْوَهَا (وَخَوَّلْتُكَ) أَيْ جَعَلْتُكَ ذَا خَوْلٍ مِنَ الْخَدَمِ وَالْحَشَمِ وَالْمَالِ وَالْجَاهِ وَأَمْثَالِهَا (وَأَنْعَمْتُ عَلَيْكَ) أَيْ بِإِنْزَالِ الْكِتَابِ وَبِإِرْسَالِ الرَّسُولِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (فَمَاذَا صَنَعْتَ) أَيْ فِيمَا ذَكَرَ (فَيَقُولُ جَمَعْتُهُ) أَيِ الْمَالَ (وَثَمَّرْتُهُ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ نَمَّيْتُهُ وَكَثَّرْتُهُ (وَتَرَكْتُهُ) أَيْ فِي الدُّنْيَا عِنْدَ مَوْتِي (أَكْثَرَ مَا كَانَ) أَيْ فِي أَيَّامِ حَيَاتِي (فَارْجِعْنِي) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ أَيْ رُدَّنِي إِلَى الدُّنْيَا (آتِكَ بِهِ كُلِّهِ) أَيْ بِإِنْفَاقِهِ فِي سَبِيلِكَ كَمَا أَخْبَرَ عَنِ الْكُفَّارِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي الْآخِرَةِ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ (فيقول له) أي الرب لابن دم (أَرِنِي مَا قَدَّمْتَ) أَيْ لِأَجْلِ الْآخِرَةِ مِنَ الْخَيْرِ (فَيَقُولُ) أَيْ ثَانِيًا كَمَا قَالَ أَوَّلًا (فَإِذَا عَبْدٌ) الْفَاءُ فَصِيحَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْمُقَدَّرِ وَإِذَا لِلْمُفَاجَأَةِ وَعَبْدٌ خَبَرٌ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ أَيْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ (لَمْ يُقَدِّمْ) خَيْرًا أَيْ فِيمَا أُعْطِيَ وَلَمْ يَمْتَثِلْ مَا أُمِرَ بِهِ وَلَمْ يَتَّعِظْ مَا وُعِظَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ) (فَيُمْضَى بِهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ فَيُذْهَبُ بِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا [2428] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الزُّهْرِيُّ الْبَصْرِيُّ) صَدُوقٌ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ سعير) بالتصغير وآخره راء بن الْخِمْسِ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ لابأس بِهِ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (تَرْأَسُ) بِوَزْنِ تَفْتَحُ رَأَسَ الْقَوْمَ يَرْأَسُهُمْ إِذَا صَارَ رَئِيسَهُمْ وَمُقَدَّمَهُمْ (وتربع) أي

تَأْخُذُ رُبْعَ الْغَنِيمَةِ يُقَالُ رَبَعْتُ الْقَوْمَ إِذَا أَخَذْتُ رُبْعَ أَمْوَالِهِمْ أَيْ أَلَمْ أَجْعَلْكَ رَئِيسًا مُطَاعًا لِأَنَّ الْمَلِكَ كَانَ يَأْخُذُ رُبْعَ الْغَنِيمَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ دُونَ أَصْحَابِهِ وَيُسَمَّى ذَلِكَ الرُّبْعَ الْمِرْبَاعَ بَاب مِنْهُ [2429] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ) هو بن الْمُبَارَكِ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ الْمَدَنِيُّ أَبُو صَالِحٍ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ السَّادِسَةِ) قَوْلُهُ (تحدث) أي الأرض (ما أَخْبَارَهَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ خَبَرٍ أَيْ تَحْدِيثُهَا (أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ) أَيْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى (بِمَا عَمِلَ) أَيْ فِعْلُ كُلِّ وَاحِدٍ (أَنْ تَقُولَ) بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ أَنْ تَشْهَدَ أَوْ بَيَانٌ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ تَقُولُ بِدُونِ أَنْ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ يَعْنِي شَهَادَتُهَا أَنْ تَقُولَ (عَمِلَ) أَيْ فُلَانٌ (كَذَا وَكَذَا) أَيْ مِنَ الطَّاعَةِ أَوِ الْمَعْصِيَةِ (فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا) أَيْ مِنْ شَهْرِ كَذَا أَوْ عَامِ كَذَا (قَالَ بِهَذَا أَمَرَهَا) أَيْ بِهَذَا الْمَذْكُورِ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْأَرْضَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَهَذَا أَمْرُهَا وَفِي بَعْضِهَا فَهَذِهِ أَخْبَارُهَا وَفِي بَعْضِهَا فَهَذَا أَخْبَارُهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالنَّسَائِيُّ وبن جرير وبن المنذر والحاكم وصححه وبن مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ

باب ما جاء في الصور

8 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي الصُّورِ) فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ مُجَاهِدٌ الصُّورُ كَهَيْئَةِ الْبُوقِ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ الصِّحَاحِ الْبُوقُ الَّذِي يُزَمَّرُ بِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَالصُّورُ إِنَّمَا هُوَ قَرْنٌ كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي قِصَّةِ بَدْءِ الْأَذَانِ بِلَفْظِ الْبُوقِ الْقَرْنُ فِي الْآلَةِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا الْيَهُودُ لِلْأَذَانِ وَيُقَالُ إِنَّ الصُّورَ اسْمُ الْقَرْنِ بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَنِ وَشَاهِدُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ نَحْنُ نَفَّخْنَاهُمْ غَدَاةَ النَّقْعَيْنِ نَفْخًا شَدِيدًا لَا كَنَفْخِ الصُّورَيْنِ كَذَا فِي الْفَتْحِ [2430] قوله (حدثنا سويد) هو بن نصر (أخبرنا سليمان التيمي) هو بن طَرْخَانَ (عَنْ أَسْلَمَ الْعِجْلِيِّ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ بِشْرِ بْنِ شَغَافٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَتَيْنِ آخِرُهُ فَاءٌ ضَبِّيٌّ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (قَرْنٌ يُنْفَخُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ) أَيْ يَنْفُخُ فِيهِ إِسْرَافِيلُ النَّفْخَتَيْنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي والدارمي والحاكم وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ [2431] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا خَالِدٌ أَبُو الْعَلَاءِ) هو بن طَهْمَانَ الْكُوفِيُّ الْخَفَّافُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ ثُمَّ اخْتَلَطَ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ عَطِيَّةَ) بْنِ سَعْدِ بْنِ جُنَادَةَ الْعَوْفِيِّ قَوْلُهُ (وَكَيْفَ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِالْوَاوِ قِيلَ كَيْفَ وَأَخْرَجَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الزُّمَرِ بِلَفْظِ كَيْفَ أَنْعَمُ إِلَخْ بِدُونِ الْوَاوِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (أَنْعَمُ) أَيْ أَفْرَحُ وَأَتَنَعَّمُ مِنْ نَعِمَ عَيْشُهُ كَفَرِحَ

باب ما جاء في شأن الصراط

اتَّسَعَ وَلَانَ كَذَا فِي الْمِصْبَاحِ وَفِي النِّهَايَةِ هُوَ مِنَ النِّعْمَةِ بِالْفَتْحِ وَهِيَ الْمَسَرَّةُ وَالْفَرَحُ وَالتَّرَفُّهُ (وَصَاحِبُ الْقَرْنِ قَدِ الْتَقَمَ الْقَرْنَ) أَيْ وَضَعَ طَرَفَ الْقَرْنِ فِي فَمِهِ (وَاسْتَمَعَ الْإِذْنَ مني يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخَ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فِي التَّفْسِيرِ وَحَنَى جَبْهَتَهُ وَأَصْغَى سَمْعَهُ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْمَرَ أَنْ يَنْفُخَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الِالْتِقَامِ وَالْإِصْغَاءِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَأَنَّهُ عِبَادَةٌ لِصَاحِبِهِ بَلْ هُوَ مُكَلَّفٌ بِهِ وَقَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَاهُ كَيْفَ يَطِيبُ عَيْشِي وَقَدْ قَرُبَ أَنْ يَنْفُخَ فِي الصُّورِ فَكَنَّى عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ صَاحِبَ الصُّورِ وَضَعَ رَأْسَ الصُّورِ فِي فَمِهِ وَهُوَ مُتَرَصِّدٌ مُتَرَقِّبٌ لِأَنْ يُؤْمَرَ فَيَنْفُخَ فِيهِ (فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي التَّفْسِيرِ قَالَ الْمُسْلِمُونَ فَكَيْفَ نَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ (حَسْبُنَا اللَّهُ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ كَافِينَا اللَّهُ (وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَالْمَخْصُوصُ بِالْمَدْحِ مَحْذُوفٌ أَيْ نِعْمَ الْمَوْكُولُ إِلَيْهِ اللَّهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أرقم وبن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلِأَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ من حديث بن عَبَّاسٍ وَفِيهِ جِبْرِيلُ عَنْ يَمِينِهِ وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ صَاحِبُ الصُّورِ يَعْنِي إِسْرَافِيلَ وَفِي أَسَانِيدِ كُلٍّ مِنْهَا مَقَالٌ وَلِلْحَاكِمِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِنَّ طَرْفُ صَاحِبِ الصُّورِ مُنْذُ وُكِّلَ بِهِ مُسْتَعِدٌّ يَنْظُرُ نَحْوَ الْعَرْشِ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْمَرَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهِ طَرْفُهُ كَأَنَّ عَيْنَيْهِ كَوْكَبَانِ دُرِّيَّانِ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي شَأْنِ الصِّرَاطِ) [2432] قَوْلُهُ (شِعَارُ الْمُؤْمِنِينَ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ عَلَامَتُهُمُ الَّتِي يَتَعَارَفُونَ بِهَا (رب سلم

سَلِّمْ) أَمْرُ مُخَاطَبٍ أَيْ يَقُولُ كُلٌّ مِنْهُمْ يَا رَبِّ سَلِّمْنَا مِنْ ضَرَرِ الصِّرَاطِ أَيِ اجْعَلْنَا سَالِمِينَ مِنْ آفَاتِهِ آمَنِينَ مِنْ مُخَافَاتِهِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ شِعَارُ أُمَّتِي إِذَا حُمِلُوا على الصراط يالا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عن بن عَمْرٍو وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ وَكَذَا فِي الْأَوْسَطِ وَقَالَ في شرح قوله يالا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَيْ يَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَقَالَ الْأَوَّلُ يَعْنِي قَوْلَهُمْ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ شِعَارُ أَهْلِ الْإِيمَانِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ وَالثَّانِي شِعَارُ أُمَّتِهِ خَاصَّةً فَهُمْ يَقُولُونَ هَذَا وَهَذَا انْتَهَى وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُجِيزُ وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَلَا يُكَلِّمُهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ ثُمَّ ذَكَرَ حديث المغيرة المذكورة فِي هَذَا الْبَابِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ هَذَا الْكَلَامِ شِعَارَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْطِقُوا بِهِ بَلْ تَنْطِقُ بِهِ الرُّسُلُ يَدْعُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالسَّلَامَةِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ شِعَارًا لَهُمْ فَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ [2433] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو الْخَطَّابِ) هُوَ حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ الْأَكْبَرُ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالْقَدَرِ مِنَ السَّابِعَةِ (أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) الْأَنْصَارِيُّ أَبُو مَالِكٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ خَادِمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) أَيِ الشَّفَاعَةَ الْخَاصَّةَ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْأُمَّةِ دُونَ الشَّفَاعَةِ الْعَامَّةِ (قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْ فِي أَيِّ مَوْطِنٍ مِنَ الْمَوَاطِنِ الَّتِي أَحْتَاجُ إِلَى شَفَاعَتِكَ أَطْلُبُكَ لِتُخَلِّصَنِي مِنْ تِلْكَ الْوَرْطَةِ فَأَجَابَ عَلَى الصِّرَاطِ وَعِنْدَ الْمِيزَانِ وَالْحَوْضِ أَيْ أَفْقَرُ الْأَوْقَاتِ إِلَى شَفَاعَتِي هَذِهِ الْمَوَاطِنُ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ فَهَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا قُلْتُ جَوَابُهُ لِعَائِشَةَ بِذَلِكَ لِئَلَّا تَتَّكِلَ عَلَى كَوْنِهَا حَرَمَ رَسُولِ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَوَابُهُ لِأَنَسٍ كيلا ييأس انتهى قال القارىء فِيهِ أَنَّهُ خَادِمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مَحَلُّ الِاتِّكَالِ أَيْضًا مَعَ أَنَّ الْيَأْسَ غَيْرُ مُلَائِمٍ لَهَا أَيْضًا فَالْأَوْجَهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَائِبِينَ فَلَا أَحَدٌ يَذْكُرُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ الْغُيَّبِ وَالْحَدِيثُ الثَّانِي مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنْ أُمَّتِهِ انْتَهَى (قَالَ اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي) أَيْ فِي أَوَّلِ طَلَبِكَ إِيَّايَ (عَلَى الصِّرَاطِ) فَمَا مَصْدَرِيَّةٌ وَأَوَّلُ نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ نَصَبَهُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ (قَالَ فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ) فِيهِ إِيذَانٌ بِأَنَّ الْمِيزَانَ بَعْدَ الصراط (فإني لا أخطيء) بضم همز وَكَسْرِ الطَّاءِ بَعْدَهَا هَمْزٌ أَيْ لَا أَتَجَاوَزُ وَالْمَعْنَى أَنِّي لَا أَتَجَاوَزُ هَذِهِ الْمَوَاطِنَ الثَّلَاثَةَ وَلَا أَحَدٌ يَفْقِدُنِي فِيهِنَّ جَمِيعِهِنَّ فَلَا بُدَّ أَنْ تَلْقَانِي فِي مَوْضِعٍ مِنْهُنَّ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَوْضَ بَعْدَ الصِّرَاطِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِيرَادُ الْبُخَارِيِّ لِأَحَادِيثِ الْحَوْضِ بَعْدَ أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ وَبَعْدَ نَصْبِ الصِّرَاطِ إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّ الْوُرُودَ عَلَى الْحَوْضِ يَكُونُ بَعْدَ نَصْبِ الصِّرَاطِ وَالْمُرُورِ عَلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ ثُمَّ قَالَ وَقَدِ اسْتَشْكَلَ كَوْنُ الْحَوْضِ بَعْدَ الصِّرَاطِ بِمَا ثَبَتَ أَنَّ جَمَاعَةً يُدْفَعُونَ عَنِ الْحَوْضِ بَعْدَ أَنْ يَكَادُوا يَرِدُونَ وَيُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى النَّارِ وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ الَّذِي يَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَى الْحَوْضِ يَكُونُ قَدْ نَجَا مِنَ النَّارِ فَكَيْفَ يُرَدُّ إِلَيْهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمْ يُقَرَّبُونَ مِنَ الْحَوْضِ بِحَيْثُ يَرَوْنَهُ وَيَرَوْنَ النَّارَ فَيُدْفَعُونَ إِلَى النَّارِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُصُوا مِنْ بَقِيَّةِ الصِّرَاطِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ ذَهَبَ صَاحِبُ الْقُوتِ وَغَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْحَوْضَ يَكُونُ بَعْدَ الصِّرَاطِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى الْعَكْسِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْضَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي الْمَوْقِفِ قَبْلَ الصِّرَاطِ وَالْآخَرُ داخل الجنة وكل منهما يسمى كوثر انْتَهَى وَقَدْ تَعَقَّبَ الْحَافِظُ عَلَى الْقُرْطُبِيِّ فِي قَوْلِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْضَيْنِ إِلَخْ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِيهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ

باب ما جاء في الشفاعة

10 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشَّفَاعَةِ) [2434] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ التَّيْمِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ بِمُهْمَلَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (وَكَانَ يُعْجِبُهُ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَحَبَّتُهُ لِلذِّرَاعِ لِنُضْجِهَا وَسُرْعَةِ اسْتِمْرَائِهَا مَعَ زِيَادَةِ لَذَّتِهَا وَحَلَاوَةِ مَذَاقِهَا وَبُعْدِهَا عَنْ مَوَاضِعِ الْأَذَى انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَا كَانَتِ الذِّرَاعُ أَحَبَّ اللحم إلى رسول الله وَلَكِنْ كَانَ لَا يَجِدُ اللَّحْمَ إِلَّا غِبًّا فَكَانَ يُعَجِّلُ إِلَيْهَا لِأَنَّهَا أَعْجَلُهَا نُضْجًا (فَنَهَشَ مِنْهُ نَهْشَةً) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ بِالْمُهْمَلَةِ وَوَقَعَ لِابْنِ مَاهَانَ بِالْمُعْجَمَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ بِمَعْنَى أَخَذَ بِأَطْرَافِ أَسْنَانِهِ قَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ النَّهْسُ بِالْمُهْمَلَةِ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ وَبِالْمُعْجَمَةِ بِالْأَضْرَاسِ ثُمَّ قَالَ أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القيامة إنما قال هذا تَحَدُّثًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ أَمَرَهُ اللَّهُ تعالى بهذا نصيحة لنا بتعريفنا حقه قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ السَّيِّدُ الَّذِي يَفُوقُ قومه والذي يزع إليه في الشدائد النبي سَيِّدُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنَّمَا خَصَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِارْتِفَاعِ السُّؤْدُدِ فِيهَا وَتَسْلِيمِ جَمِيعِهِمْ لَهُ ولكون ادم وجميع أولاده تحت لوائه كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لله الواحد القهار) أَيِ انْقَطَعَتْ دَعَاوَى الْمُلْكِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ (هَلْ تَدْرُونَ لِمَ) أَيْ لِأَيِّ وَجْهٍ (ذَاكَ) أَيْ كَوْنِي سَيِّدَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ) الصَّعِيدُ هُوَ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ الْمُسْتَوِيَةُ (فَيَسْمَعُهُمْ) مِنَ الْإِسْمَاعِ أَيْ أَنَّهُمْ بِحَيْثُ إِذَا دَعَاهُمْ دَاعٍ سَمِعُوهُ (وَيَنْفُذُهُمُ الْبَصَرُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الْفَاءِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ أَيْ يَحْزِقُهُمْ وَبِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْفَاءِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ أَيْ يُحِيطُ بِهِمْ وَالذَّالُ مُعْجَمَةٌ فِي الرِّوَايَةِ

وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيُّ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَهُ بِالْمُعْجَمَةِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْمُهْمَلَةِ وَمَعْنَاهُ يَبْلُغُ أَوَّلَهُمْ وَآخِرَهُمْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَعْنَى يُحِيطُ بِهِمُ الرَّائِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِاسْتِوَاءِ الْأَرْضِ فَلَا يَكُونُ فِيهَا مَا يَسْتَتِرُ أَحَدٌ بِهِ مِنَ الرَّائِي وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ أَبِي عُبَيْدَةَ يَأْتِي عَلَيْهِمْ بَصَرُ الرَّحْمَنِ إِذْ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى مُحِيطَةٌ بِجَمِيعِهِمْ فِي كُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ الصَّعِيدُ الْمُسْتَوِي وَغَيْرُهُ وَيُقَالُ نَفَذَهُ الْبَصَرُ إِذْ بَلَغَهُ وَجَاوَزَهُ وَالنَّفَاذُ الْجَوَازُ وَالْخُلُوصُ مِنَ الشَّيْءِ وَمِنْهُ نَفَذَ السَّهْمُ نُفُوذًا إِذَا خَرَقَ الرَّمْيَةَ وَخَرَجَ مِنْهَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ مَا لَفْظُهُ فَحَصَلَ خِلَافٌ فِي فَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا وَفِي الذَّالِ وَالدَّالِ وَفِي الضَّمِيرِ فِي يَنْفُذُهُمْ وَالْأَصَحُّ فَتْحُ الْيَاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَأَنَّهُ بَصَرُ الْمَخْلُوقِ انْتَهَى (فَيَبْلُغُ النَّاسَ) بِالنَّصْبِ أَيْ فَيَلْحَقُهُمْ (مِنَ الْغَمِّ) أَيْ مِنْ أَجْلِهِ وَسَبَبِهِ (وَالْكَرْبِ) وَهُوَ الهم الشديد (مالا يطيقون) أي مالا يَقْدِرُونَ عَلَى الصَّبْرِ عَلَيْهِ (وَلَا يَتَحَمَّلُونَ) فَيَجْزَعُونَ وَيُفْزَعُونَ (أَلَا تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ) أَيْ لَحِقَكُمْ مِنَ الْغَمِّ أَوِ الْكَرْبِ (أَلَا تَنْظُرُونَ) أَيْ أَلَا تَتَأَمَّلُونَ وَلَا تَتَفَكَّرُونَ أَوْ لَا تُبْصِرُونَ (مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ) أَيْ لِيُرِيحَكُمْ مِنْ هَذَا الْهَمِّ وَالْغَمِّ (نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي) أَيْ نَفْسِي هِيَ الَّتِي تَسْتَحِقُّ أَنْ يُشْفَعَ لَهَا (فَيَقُولُونَ يَا نُوحُ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ) اسْتَشْكَلَتْ هَذِهِ الْأَوَّلِيَّةُ بِأَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ وَكَذَا شِيثٌ وَإِدْرِيسُ وَغَيْرُهُمْ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَوَّلِيَّةَ مُفِيدَةٌ بِقَوْلِهِ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَيُشْكِلُ ذَلِكَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي الْبُخَارِيِّ فِي التَّيَمُّمِ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ خَاصَّةً إِلَى قَوْمٍ خَاصَّةً وَيُجَابُ بِأَنَّ الْعُمُومَ لَمْ يَكُنْ فِي أَصْلِ بَعْثَةِ نُوحٍ وَإِنَّمَا اتَّفَقَ بِاعْتِبَارِ حَصْرِ الْخَلْقِ فِي الْمَوْجُودِينَ بَعْدَ هَلَاكِ سَائِرِ النَّاسِ انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى وَقِيلَ إِنَّ الثَّلَاثَةَ كَانُوا أَنْبِيَاءَ لَمْ يَكُونُوا رُسُلًا وَيُرَدُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أبي ذر عند بن حِبَّانَ فَإِنَّهُ كَالصَّرِيحِ بِإِنْزَالِ الصُّحُفِ عَلَى شِيثٍ وهو

عَلَامَةُ الْإِرْسَالِ انْتَهَى وَفِيهِ بَحْثٌ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِنْزَالِ الصُّحُفِ أَنْ يَكُونَ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ رَسُولًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فِي الصُّحُفِ مَا يُعْمَلُ بِهِ بِخَاصَّةِ نَفْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ أَمْرُ نَهْيٍ بَلْ مَوَاعِظُ وَنَصَائِحُ تَخْتَصُّ بِهِ فَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ الثَّلَاثَةُ كَانُوا مُرْسَلِينَ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَأَمَّا نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّمَا أُرْسِلَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَكُلُّهُمْ كَانُوا كُفَّارًا هَذَا وَقَدْ قِيلَ هُوَ نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ أَيْ مُرْسَلٌ وَمِنْ قَبْلِهِ كَانُوا أَنْبِيَاءَ غَيْرَ مُرْسَلِينَ كَآدَمَ وَإِدْرِيسَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَإِنَّهُ جَدُّ نُوحٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُؤَرِّخُونَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قِيلَ إِنَّ إِدْرِيسَ هُوَ إالياس وَهُوَ نَبِيٌّ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ نُوحٍ فَيَصِحُّ أَنَّ نُوحًا أَوَّلُ نَبِيٍّ مَبْعُوثٍ مَعَ كَوْنِ إِدْرِيسَ نَبِيًّا مُرْسَلًا وَأَمَّا آدَمُ وَشِيثٌ فَهُمَا وَإِنْ كَانَا رَسُولَيْنِ إِلَّا أَنَّ آدَمَ أُرْسِلَ إِلَى بَنِيهِ وَلَمْ يَكُونُوا كُفَّارًا بَلْ أَمَرَ بِتَعْلِيمِهِمُ الْإِيمَانَ وَطَاعَةِ اللَّهِ وشيثا كَانَ خَلَفًا لَهُ فِيهِمْ بَعْدَهُ بِخِلَافِ نُوحٍ فَإِنَّهُ مُرْسَلٌ إِلَى كُفَّارِ أَهْلِ الْأَرْضِ وَهَذَا أَقْرَبُ مِنَ الْقَوْلِ بِأَنَّ آدَمَ وَإِدْرِيسَ لَمْ يَكُونَا رَسُولَيْنِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا) أَيْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عبدا شكورا (وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي) وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَيَقُولُ لَسْتُ هُنَاكُمْ وَيَذْكُرُ خَطِيئَتَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ وَيَذْكُرُ سُؤَالَ رَبِّهِ مَا لَيْسَ بِهِ عِلْمٌ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنِّي دَعَوْتُ بِدَعْوَةٍ أَغْرَقَتْ أَهْلَ الْأَرْضِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ اعْتَذَرَ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَسْأَلَ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ فَخَشِيَ أَنْ تَكُونَ شَفَاعَتُهُ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ مِنْ ذَلِكَ ثَانِيهِمَا أَنَّ لَهُ دَعْوَةً وَاحِدَةً مُحَقَّقَةَ الْإِجَابَةِ وَقَدِ اسْتَوْفَاهَا بِدُعَائِهِ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَخَشِيَ أَنْ يَطْلُبَ فَلَا يُجَابُ وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ كَانَ اللَّهُ وَعَدَ نُوحًا أَنْ يُنْجِيَهُ وَأَهْلَهُ فَلَمَّا غَرِقَ ابْنُهُ ذَكَرَ لِرَبِّهِ مَا وَعَدَهُ فَقِيلَ لَهُ الْمُرَادُ مِنْ أَهْلِكَ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَخَرَجَ ابْنُكَ مِنْهُمْ فَلَا تَسْأَلْ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ (وَإِنِّي قَدْ كَذَبْتُ ثَلَاثَ كَذِبَاتٍ) وَهِيَ قَوْلُهُ إِنِّي سَقِيمٌ وَقَوْلُهُ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا وَقَوْلُهُ لِامْرَأَتِهِ أَخْبِرِيهِ أَنِّي أَخُوكَ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الْحَقُّ أَنَّ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثَ إِنَّمَا كَانَتْ مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلَامِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ صُورَتُهَا صُورَةَ الْكَذِبِ أَشْفَقَ مِنْهَا اسْتِصْغَارًا لِنَفْسِهِ عَنِ الشَّفَاعَةِ مَعَ وُقُوعِهَا لِأَنَّ مَنْ

كَانَ أَعْرَفَ بِاَللَّهِ وَأَقْرَبَ مَنْزِلَةً كَانَ أَعْظَمَ خَوْفًا (وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا) قَالَ الْحَافِظُ وَلَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إِنِّي عُبِدْتُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حديث بن عَبَّاسٍ إِنِّي اتُّخِذْتُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَحْوُهُ وَزَادَ وَإِنْ يُغْفَرْ لِيَ الْيَوْمَ حَسْبِي (يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي) أَيِ ارْحَمْهُمْ وَاغْفِرْ لَهُمْ التَّكْرَارُ للتذكير (وهم) أي من لاحساب عَلَيْهِمْ (شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَبْوَابِ) أَيْ لَيْسُوا مَمْنُوعِينَ مِنْ سَائِرِ الْأَبْوَابِ بَلْ هُمْ مَخْصُوصُونَ لِلْعِنَايَةِ بِذَلِكَ الْبَابِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمِصْرَاعَانِ مِنَ الْأَبْوَابِ وَالشِّعْرِ مَا كَانَتْ قَافِيَتَانِ فِي بَيْتٍ وَبَابَانِ مَنْصُوبَانِ يَنْضَمَّانِ جَمِيعًا مَدْخَلُهُمَا فِي الْوَسَطِ مِنْهُمَا (كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرَ) بِفَتْحَتَيْنِ مَصْرُوفًا وَقَدْ لَا

يُصْرَفُ فَفِي الصِّحَاحِ هَجَرٌ اسْمُ بَلَدٍ مُذَكَّرٌ مَصْرُوفٌ وَقِيلَ هِيَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْبَحْرَيْنِ وقيل من قرى المدينة قال القارىء وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ وَكَذَا صَحَّحَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ قُلْتُ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ وَهُوَ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ بَيْنَهُمَا مِيمٌ سَاكِنَةٌ آخِرَهُ رَاءٌ أَيْ صَنْعَاءُ لِأَنَّهَا بَلَدُ حِمْيَرَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ (وَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ مَدِينَةٌ بِالشَّامِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ دِمَشْقَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَكَمَا بين مكة وبصرى بالواو والظاهرة أَنَّ الْوَاوَ هُنَا بِمَعْنَى أَوْ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورَةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى بِلَفْظِ أَوْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ) أَخْرَجَهُ أحمد والبزار وأبو يعلي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (وَأَنَسٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَعُقْبَةَ) بْنِ عَامِرٍ لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَأَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2435] قَوْلُهُ (شَفَاعَتِي) قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي التَّيْسِيرِ الْإِضَافَةُ بِمَعْنَى الْ الْعَهْدِيَّةِ أَيِ الشَّفَاعَةُ الَّتِي وَعَدَنِي اللَّهُ بِهَا ادَّخَرْتُهَا (لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي) أَيْ لِوَضْعِ السَّيِّئَاتِ وَالْعَفْوِ عَنِ الْكَبَائِرِ وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ فَلِكُلٍّ مِنَ الْأَتْقِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ وَذَلِكَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْمِلَّةِ وَقَالَ

الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْ شَفَاعَتِي الَّتِي تُنْجِي الْهَالِكِينَ مُخْتَصَّةٌ بِأَهْلِ الْكَبَائِرِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَةِ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ عَقْلًا وَوُجُوبُهَا سَمْعًا بِصَرِيحِ قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا وَقَوْلُهُ تَعَالَى لَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وأمثالهما وبخبر الصادق وَقَدْ جَاءَتِ الْآثَارُ الَّتِي بَلَغَتْ بِمَجْمُوعِهَا التَّوَاتُرُ بِصِحَّةِ الشَّفَاعَةِ فِي الْآخِرَةِ لِمُذْنِبِي الْمُؤْمِنِينَ وَأَجْمَعَ السَّلَفُ الصَّالِحُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَيْهَا وَمَنَعَتِ الْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْهَا وَتَعَلَّقُوا بِمَذَاهِبِهِمْ فِي تَخْلِيدِ الْمُذْنِبِينَ فِي النَّارِ وَاحْتَجُّوا بقوله تعالى فما تنفعهم شفاعة الشافعين وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شفيع يطاع وَهَذِهِ الْآيَاتُ فِي الْكُفَّارِ وَأَمَّا تَأْوِيلُهُمْ أَحَادِيثَ الشَّفَاعَةِ بِكَوْنِهَا فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فَبَاطِلٌ وَأَلْفَاظُ الْأَحَادِيثِ صَرِيحَةٌ فِي بُطْلَانِ مَذْهَبِهِمْ وَإِخْرَاجِ مَنِ اسْتَوْجَبَ النَّارَ لَكِنَّ الشَّفَاعَةَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ أَوَّلُهَا مختصة بنبينا وَهِيَ الْإِرَاحَةُ مِنْ هَوْلِ الْمَوْقِفِ وَتَعْجِيلُ الْحِسَابِ الثَّانِيَةُ فِي إِدْخَالِ قَوْمٍ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وهذه أيضا وردت لنبينا وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ الثَّالِثَةُ الشَّفَاعَةُ لِقَوْمٍ اسْتَوْجَبُوا النار فيشفع فيهم نبينا وَمَنْ يَشَاءُ اللَّهُ تَعَالَى الرَّابِعَةُ فِي مَنْ دَخَلَ النَّارَ مِنَ الْمُذْنِبِينَ فَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ بإخراجهم من النار بشفاعة نبينا وَالْمَلَائِكَةِ وَإِخْوَانِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ يُخْرِجُ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لَا يَبْقَى فِيهَا إِلَّا الْكَافِرُونَ الْخَامِسَةُ الشَّفَاعَةُ فِي زِيَادَةِ الدَّرَجَاتِ فِي الْجَنَّةِ لِأَهْلِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ إِلَخْ) وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ [2436] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ) الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ

قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ) هُوَ وَالِدُ جَعْفَرٍ الصَّادِقُ الْمَعْرُوفُ بِالْبَاقِرِ (يَا مُحَمَّدُ) هُوَ محمد بن علي صاحب جابر (فماله وَلِلشَّفَاعَةِ) يَعْنِي لَا حَاجَةَ لَهُ إِلَى الشَّفَاعَةِ لِوَضْعِ الْكَبَائِرِ وَالْعَفْوِ عَنْهَا لِعَدَمِهَا وَأَمَّا مَا دُونَ الْكَبَائِرِ مِنَ الذُّنُوبِ فَيُكَفِّرُهَا الطَّاعَاتُ نَعَمْ لَهُ حَاجَةٌ إِلَى الشَّفَاعَةِ لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ قَوْلُهُ (هذا حديث غريب) وأخرجه بن ماجة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلَكِنَّهُ يُعْتَضَدُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ رَوَاهُ الطبراني عن بن عباس والخطيب عن بن عَمْرٍو عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْخَطِيبِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الذُّنُوبِ مِنْ أُمَّتِي وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي الدرداء كذا في الجامع الصغير [2437] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ الْأَلْهَانِيِّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَبِي سُفْيَانَ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (أَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ) مِنَ الادخال (سبعين ألفا) قال القارىء الْمُرَادُ بِهِ إِمَّا هَذَا الْعَدَدُ أَوِ الْكَثْرَةُ انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ هُنَا هُوَ الْأَوَّلُ (وَثَلَاثُ حَثَيَاتٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْمُثَلَّثَةِ جَمْعُ حَثْيَةٍ وَالْحَثْيَةُ وَالْحَثْوَةُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا يُعْطِيهِ الْإِنْسَانُ بِكَفَّيْهِ دُفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ وَزْنٍ وَتَقْدِيرٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بالنصب عطف على سبعين وهو دُفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ وَزْنٍ وَتَقْدِيرٍ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى سَبْعِينَ وَهُوَ مَفْعُولُ يُدْخِلُ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مَرَّةً فَقَطْ وَبِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى سَبْعُونَ الَّذِينَ مَعَ كُلِّ ألف فيكون ثلاث حثيات سبعين مَرَّةً انْتَهَى قِيلَ وَالرَّفْعُ أَبْلَغُ قُلْتُ رَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله قَالَ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَنِي أَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ الْأَخْنَسِ وَاَللَّهِ مَا أُولَئِكَ فِي

أُمَّتِكَ إِلَّا كَالذُّبَابِ الْأَصْهَبِ فِي الذُّبَابِ فَقَالَ رسول الله قَدْ وَعَدَنِي سَبْعِينَ أَلْفًا مَعَ كُلِّ أَلْفٍ سَبْعِينَ أَلْفًا وَزَادَنِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ الْحَدِيثَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَرُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُؤَيِّدُ النَّصْبَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ [2438] قَوْلُهُ (قَالَ كُنْتُ مَعَ رَهْطٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرَّهْطُ وَيُحَرَّكُ قَوْمُ الرَّجُلِ وَقَبِيلَتُهُ وَمِنْ ثَلَاثَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ أَوْ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ وَمَا فِيهِمُ امْرَأَةٌ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ جَمْعُهُ أَرْهُطٌ وَأَرَاهِطُ وأرهاط وأراهيط انتهى (بإبلياء) كَكِبْرِيَاءَ عَلَى الْأَشْهَرِ وَبِالْقَصْرِ مَدِينَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (فَقَالَ رَجُلٌ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْجَذْعَاءِ (بِشَفَاعَةِ رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَكْثَرُ مِنْ بني تميم) وهي قبيلة كبيرة وقال القارىء فَقِيلَ الرَّجُلُ هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقِيلَ أُوَيْسٌ الْقَرَنِيُّ وَقِيلَ غَيْرُهُ انْتَهَى قُلْتُ إِنْ دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ هَذَا الرَّجُلِ فَهُوَ الْمُتَعَيِّنُ وَإِلَّا فَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ شَفَاعَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْآتِي فَهُوَ مُرْسَلٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدارمي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (هُوَ عَبْدُ اللَّهِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْجَذْعَاءِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ الْكِنَانِيُّ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثَانِ تفرد بالرواية عنه عبد اللهبن شَقِيقٍ (وَإِنَّمَا يُعْرَفُ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ الْوَاحِدُ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ حَدِيثٌ

آخَرُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا قَالَ إِذْ آدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ وَلَكِنِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ فَقِيلَ عَنْهُ عَنْ مَيْسَرَةَ الْفَجْرِ انتهى [2440] قوله (عن عطية) هو بن سَعْدٍ الْعُوفِيُّ قَوْلُهُ (إِنَّ مِنْ أُمَّتِي) أَيْ بَعْضِ أَفْرَادِهِمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالشُّهَدَاءِ وَالصُّلَحَاءِ (مَنْ يَشْفَعُ لِلْفِئَامِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ بَعْدَهُ هَمْزَةٌ وَقَدْ يُبْدَلُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَالْعَامَّةُ تَقُولُ قيام بلا همز قال القارىء الأظهر أن يقال ها هنا مَعْنَاهُ الْقَبَائِلُ كَمَا قِيلَ هُوَ فِي الْمَعْنَى جَمْعُ فِئَةٍ لِقَوْلِهِ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلْقَبِيلَةِ) وَهِيَ قَوْمٌ كَثِيرٌ جَدُّهُمْ وَاحِدٌ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلْعُصْبَةِ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعَشَرَةِ إِلَى الْأَرْبَعِينَ مِنَ الرِّجَالِ لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا جَمْعٌ وَلَوِ اثْنَانِ لِقَوْلِهِ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْفَعُ لِلرَّجُلِ) وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ طَوَى مَا بَيْنَ الْعُصْبَةِ وَالرَّجُلِ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الرَّجُلُ بِالْبُرْهَانِ الْجَلِيِّ كَمَا يَدُلُّ عَلَى الْمَرْأَةِ بِالْقِيَاسِ الْخَفِيِّ (حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ أَيِ الْمَشْفُوعُونَ وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَايَةَ يَشْفَعُ وَالضَّمِيرُ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ أَيْ يَنْتَهِي شَفَاعَتُهُمْ إِلَى أَنْ يُدْخَلُوا جَمِيعُهُمُ الْجَنَّةَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى كَيْ فَالْمَعْنَى أَنَّ الشَّفَاعَةَ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ [2439] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ الْكُوفِيُّ إِلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ وَلِذَا وَضَعَهُ صَاحِبُ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عَلَى الْهَامِشِ (عَنْ حُسَيْنِ بْنِ جَعْفَرٍ) لَمْ أَجِدْ تَرْجَمَتَهُ في التقريب ولا في تهذيب التهذيب ولا فِي الْخُلَاصَةِ وَلَا فِي الْمِيزَانِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ هُوَ وَكَيْفَ حَالُهُ قَوْلُهُ (بِمِثْلِ رَبِيعَةَ وَمُضَرَ) قبيلتان مشهورتان والحديث مرسل

باب ما جاء في صفة الحوض

أخبرنا عبدة) هو بن سليمان (عن سعيد) هو بن أبي عروبة (عن أبي المليح) هو بن أُسَامَةَ (عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ) صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ وَسَكَنَ دِمَشْقَ وَمَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ قَوْلُهُ (أَتَانِي آتٍ) أَيْ مَلَكٌ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ غَيْرُ جِبْرِيلَ (مِنْ عِنْدِ رَبِّي) أَيْ بِرِسَالَةٍ بِأَمْرِهِ (أَنْ يُدْخِلَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيِ اللَّهُ (نِصْفَ أُمَّتِي) أُمَّةِ الإجابة (وبين الشفاعة) فيهم (فاخترت الشفاعة) لعمومها إِذْ بِهَا يُدْخِلُهَا وَلَوْ بَعْدَ دُخُولِ النَّارِ كُلَّ مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا كَمَا قَالَ (وَهِيَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا كَائِنَةٌ أَوْ حَاصِلَةٌ (لِمَنْ مَاتَ) مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ (لَا يُشْرِكُ بِاَللَّهِ شَيْئًا) أَيْ وَيَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُهُ وَلَمْ يَذْكُرْهُ اكْتِفَاءً بِأَحَدِ الْجُزْأَيْنِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ) [2442] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الذُّهْلِيُّ (أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ أبي حمزة) بن دِينَارٍ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو الْقَاسِمِ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنِي أَبِي) هُوَ شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو بِشْرٍ ثقة عابد قال بن مُعِينٍ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي الزُّهْرِيِّ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ فِي حَوْضِي مِنَ الْأَبَارِيقِ) جَمْعُ الْإِبْرِيقِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ إِبْرِيقٌ مُعَرَّبُ آب ريز (بِعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ) أَيْ مِنْ كثرتها

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2443] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نِيزَكَ) بِكَسْرِ النُّونِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ زَايٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ كَافٌ أَبُو جَعْفَرٍ الطُّوسِيُّ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ بن عقدة في أمره نظر وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ) الْعَامِلِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ) الْأَزْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ أَبُو سَلَمَةَ الشَّامِيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ أَوْ وَاسِطٍ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا) أَيْ يَشْرَبُ أُمَّتُهُ مِنْ حَوْضِهِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي التَّيْسِيرِ عَلَى قَدْرِ رُتْبَتِهِ وَأُمَّتِهِ (وَإِنَّهُمْ) أَيِ الْأَنْبِيَاءُ (يَتَبَاهَوْنَ) أَيْ يَتَفَاخَرُونَ (أَيُّهُمْ أَكْثَرُ وَارِدَةً) أَيْ نَاظِرِينَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ أُمَّةً وَارِدَةً ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقِيلَ أَيُّهُمْ مَوْصُولَةٌ صَدْرُ صِلَتِهَا مَحْذُوفٌ أَوْ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ كَمَا تَقُولُ يَتَبَاهَى الْعُلَمَاءُ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ عِلْمًا أَيْ قَائِلِينَ (وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ وَارِدَةً) قال القارىء لَعَلَّ هَذَا الرَّجَاءَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ أُمَّتَهُ ثَمَانُونَ صَفًّا وَبَاقِي الْأُمَمِ أَرْبَعُونَ فِي الْجَنَّةِ عَلَى مَا سَبَقَ ثُمَّ الْحَوْضُ عَلَى حَقِيقَتِهِ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ عَلَى مَا فِي الْمُعْتَمَدِ فِي الْمُعْتَقَدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِي إِسْنَادِهِ سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ

باب ما جاء في صفة أواني الحوض

12 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَوَانِي الْحَوْضِ) [2444] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ البخاري (حدثنا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ) الْوُحَاظِيُّ بِضَمِّ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ الْحِمْصِيُّ صَدُوقٌ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ) الْأَنْصَارِيُّ الشَّامِيُّ أَخُو عَمْرٍو ثِقَةٌ مِنَ السابعة (عن العباس) هو بن سَالِمٍ اللَّخْمِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِي سَلَّامٍ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ (الْحُبْشِيِّ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى حَبَشٍ حَيٍّ مِنَ الْيَمَنِ كَذَا فِي الْمُغْنِي لِصَاحِبِ مَجْمَعِ الْبِحَارِ وَاسْمُهُ مَمْطُورٌ الْأَسْوَدُ ثِقَةٌ يُرْسِلُ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (فَحُمِلْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى الْبَرِيدِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْبَرِيدُ كَلِمَةٌ فَارِسِيَّةٌ يُرَادُ بِهَا فِي الأصل البغل وأصلها بريد دم أَيْ مَحْذُوفُ الذَّنَبِ لِأَنَّ بِغَالَ الْبَرِيدِ كَانَتْ مَحْذُوفَةَ الْأَذْنَابِ كَالْعَلَامَةِ لَهَا فَأُعْرِبَتْ وَخُفِّفَتْ ثم سمى الرسول الذي يركبه بريد انْتَهَى قُلْتُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ (فَأَحْبَبْتُ أَنْ تُشَافِهَنِي بِهِ) أَيْ تُحَدِّثَنِي بِهِ مُشَافَهَةً وَأَسْمَعَهُ مِنْكَ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ (قَالَ حَوْضِي مِنْ عَدَنٍ) بِفَتْحَتَيْنِ بَلَدٌ مَشْهُورٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فِي أَوَاخِرِ سَوَاحِلِ الْيَمَنِ وَأَوَائِلِ سَوَاحِلِ الْهِنْدِ وَهِيَ تُسَامِتُ صَنْعَاءَ وَصَنْعَاءُ فِي جِهَةِ الْجِبَالِ (إِلَى عُمَانَ الْبَلْقَاءِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ قَرْيَةٌ بِالْيَمَنِ لَا بِفَتْحِهَا وَشَدِّ الْمِيمِ فَإِنَّهَا قَرْيَةٌ بِالشَّامِ وَقِيلَ بَلْ هِيَ الْمُرَادَةُ كَذَا فِي التَّيْسِيرِ وَقَالَ الْحَافِظُ عَمَّانُ هَذِهِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ لِلْأَكْثَرِ وَحُكِيَ تَخْفِيفُهَا وَتُنْسَبُ إِلَى الْبَلْقَاءِ لِقُرْبِهَا مِنْهَا وَالْبَلْقَاءُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا قَافٌ وَبِالْمَدِّ بَلَدٌ معروفة من فلسطين (وأحلى من العسل) أي الذمنه

(وَأَكْوَابُهُ) جَمْعُ كُوبٍ وَهُوَ الْكُوزُ الَّذِي لَا عُرْوَةَ لَهُ عَلَى مَا فِي الشُّرُوحِ أَوْ لَا خُرْطُومَ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ (عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ عَدَدُ أَكْوَابِهِ عَدَدُ نُجُومِ السَّمَاءِ (أَوَّلُ النَّاسِ وُرُودًا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَوْضِ (فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ) الْمُرَادُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدُهُمْ (الشُّعْثُ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بضم وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ أَشْعَثَ بِالْمُثَلَّثَةِ أَيِ المتفرقوا الشعر (رؤوسا) تَمْيِيزٌ (الدُّنْسُ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَقَدْ يُسَكَّنُ الدُّنْسُ وَهُوَ الْوَسَخُ (الَّذِينَ لَا يَنْكِحُونَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْكَافِ أَيِ الَّذِينَ لَا يَتَزَوَّجُونَ (الْمُتَنَعِّمَاتِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ مِنَ التَّنَعُّمِ وَقِيلَ هُوَ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْكَافِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَوْ خَطَبُوا الْمُتَنَعِّمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ لَمْ يُجَابُوا (وَلَا يُفْتَحُ لَهُمُ السُّدَدُ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْأُولَى الْمُهْمَلَتَيْنِ جَمْعُ سُدَّةٍ وَهِيَ بَابُ الدَّارِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمَدْخَلَ يُسَدُّ بِهِ وَالْمَعْنَى لَوْ دَقُّوا الْأَبْوَابَ وَاسْتَأْذَنُوا الدُّخُولَ لَمْ يُفْتَحْ لَهُمْ وَلَمْ يُؤْذَنْ (قَالَ عُمَرُ) أَيِ بن عَبْدِ الْعَزِيزِ (لَكِنِّي نَكَحْتُ الْمُتَنَعِّمَاتِ) وَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ قَالَ فَبَكَى عُمَرُ حَتَّى اخْضَلَّتْ لِحْيَتُهُ ثُمَّ قَالَ لَكِنِّي قَدْ نَكَحْتُ إِلَخْ وَقَدْ كَانَ نَكَحَ فَاطِمَةَ بِنْتَ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهِيَ بِنْتُ الْخَلِيفَةِ وَجَدُّهَا خَلِيفَةٌ وَهُوَ مَرْوَانُ وَإِخْوَتُهَا أَرْبَعَةٌ سُلَيْمَانُ وَيَزِيدُ وَهِشَامُ وَوَلِيدُ خُلَفَاءُ وَزَوْجُهَا خَلِيفَةٌ فَهَذَا مِنَ الْغَرَائِبِ وَفِيهَا قَالَ الشَّاعِرُ بِنْتُ الْخَلِيفَةِ جَدُّهَا خَلِيفَةٌ زَوْجُ الْخَلِيفَةِ أُخْتُ الْخَلَائِفِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ [2445] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الصَّمَدِ الْعَمِّيُّ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ) البصري ثقة

حَافِظٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ) اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الأزدي أَوِ الْكِنْدِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَا آنِيَةُ الْحَوْضِ) أَيْ كَمْ عَدَدُهَا (فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مُصْحِيَةٍ) أَيْ لَا غَيْمَ فِيهَا وَلَا سَحَابَ مِنْ أَصْحَتِ السَّمَاءُ أَيِ انْكَشَفَ عَنْهَا الْغَيْمُ (لَمْ يَظْمَأْ آخِرَ مَا عَلَيْهِ) أَيْ مِنَ الظَّمَأِ وَقَوْلُهُ آخِرَ بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ وَهَذَا كَمَا فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ قَالَ الْعَيْنِيُّ قَوْلُهُ آخِرَ مَا عليهم بالرفع والنصب فالنصب على الطرف وَالرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ دُخُولِهِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ الرَّفْعُ أَجْوَدُ انْتَهَى (عَرْضُهُ مِثْلُ طُولِهِ) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ جَمَعَ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْأَحَادِيثِ فِي تَقْدِيرِ مَسَافَةِ الْحَوْضِ عَلَى اخْتِلَافِ الْعَرْضِ وَالطُّولِ (مَا بَيْنَ عُمَانَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَعُمَانُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ بَلَدٌ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ مِنْ جِهَةِ الْبَحْرَيْنِ انْتَهَى (إِلَى أَيْلَةَ) قَالَ الْحَافِظُ أَيْلَةُ مَدِينَةٌ كَانَتْ عَامِرَةً وَهِيَ بِطَرَفِ بَحْرِ الْقُلْزُمِ مِنْ طَرَفِ الشَّامِ وَهِيَ الْآنَ خَرَابٌ يَمُرُّ بِهَا الْحَاجُّ مِنْ مِصْرَ فَتَكُونُ شِمَالَيْهِمْ وَيَمُرُّ بِهَا الْحَاجُّ مِنْ غَزَّةَ فَتَكُونُ أَمَامَهُمْ انْتَهَى اعْلَمْ أَنَّهُ قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِ مَسَافَةِ الْحَوْضِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ مِنْ عَدَنَ إِلَى عُمَانِ الْبَلْقَاءِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ هَذَا مَا بَيْنَ عُمَانَ إِلَى أَيْلَةَ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنَ الْيَمَنِ قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ عِدَّةِ رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ مَا لَفْظُهُ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ مُتَقَارِبَةٌ لِأَنَّهَا كُلَّهَا نَحْوُ شَهْرٍ أَوْ تَزِيدُ أَوْ تَنْقُصُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَاتٍ أُخْرَى التَّحْدِيدُ بِمَا هُوَ دُونَ ذَلِكَ فَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ إِلَى الْجُحْفَةِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ كَمَا بَيْنَ صَنْعَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ مَا بَيْنَ عَدَنَ وَعُمَانِ الْبَلْقَاءِ وَذَكَرَ رِوَايَاتٍ أُخْرَى ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسَافَاتُ مُتَقَارِبَةٌ وَكُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى نَحْوِ نِصْفِ شَهْرٍ أَوْ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ قَلِيلًا أَوْ تَنْقُصُ وَأَقَلُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَا وَقَعَ عِنْدَ مسلم في حديث بن

عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَمَامَكُمْ حَوْضًا كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وأذرع وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ فَسَأَلْتُهُ قال قريتان بالشام بينهما ميسرة ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ جَمَعَ الْعُلَمَاءُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ فَقَالَ عِيَاضٌ هَذَا مِنَ اخْتِلَافِ التَّقْدِيرِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ فَيُعَدُّ اضْطِرَابًا مِنَ الرُّوَاةِ وَإِنَّمَا جَاءَ فِي أَحَادِيثَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ سَمِعُوهُ فِي مَوَاطِنَ مُخْتَلِفَةٍ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَضْرِبُ فِي كُلٍّ مِنْهَا مَثَلًا لِبُعْدِ أَقْطَارِ الْحَوْضِ وَسَعَتِهِ بِمَا يَسْنَحُ مِنَ الْعِبَارَةِ وَيُقَرِّبُ ذَلِكَ لِلْعِلْمِ يبعد مَا بَيْنَ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ بَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ لَا عَلَى إِرَادَةِ الْمَسَافَةِ الْمُحَقَّقَةِ قَالَ فَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلِفَةِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى انْتَهَى مُلَخَّصًا وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ ضَرْبَ الْمَثَلِ وَالتَّقْدِيرِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَقَارَبُ وَأَمَّا هَذَا الِاخْتِلَافُ الْمُتَبَاعِدُ الَّذِي يَزِيدُ تَارَةً عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَيَنْقُصُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فلا قال القرطبي من بَعْضُ الْقَاصِرِينَ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي قَدْرِ الْحَوْضِ اضطرب أو ليس كَذَلِكَ ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ عِيَاضٍ وَزَادَ وَلَيْسَ اخْتِلَافًا بَلْ كُلُّهَا تُفِيدُ أَنَّهُ كَبِيرٌ مُتَّسِعٌ مُتَبَاعِدُ الْجَوَانِبِ ثُمَّ قَالَ وَلَعَلَّ ذِكْرَهُ لِلْجِهَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ بِحَسَبِ مَنْ حَضَرَهُ مِمَّنْ يَعْرِفُ تِلْكَ الْجِهَةِ فَيُخَاطِبُ كُلَّ قَوْمٍ بِالْجِهَةِ الَّتِي يَعْرِفُونَهَا وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْمَسَافَةِ الْيَسِيرَةِ ثُمَّ أَعْلَمَ بِالْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ فَأَخْبَرَ بِهَا كَأَنَّ اللَّهَ تَفَضَّلَ عَلَيْهِ بِاتِّسَاعِهِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ فَيَكُونُ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَى أَطْوَلِهَا مَسَافَةً وَجَمَعَ غَيْرُهُ بَيْنَ الِاخْتِلَافَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِاخْتِلَافِ السَّيْرِ الْبَطِيءِ وَهُوَ سَيْرُ الْأَثْقَالِ وَالسَّيْرِ السَّرِيعِ وَهُوَ بِسَيْرِ الرَّاكِبِ الْمُخِفِّ وَيُحْمَلُ رِوَايَةُ أَقَلِّهَا وَهُوَ الثَّلَاثُ عَلَى سَيْرِ الْبَرِيدِ فَقَدْ عُهِدَ مِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ مَسَافَةَ الشَّهْرِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ كَانَ نَادِرًا جِدًّا وَفِي هَذَا الْجَوَابِ عَنِ الْمَسَافَةِ الْأَخِيرَةِ نَظَرٌ وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهُ مُسَلَّمٌ وَهُوَ أَوْلَى مَا يُجْمَعُ بِهِ وَقَدْ تَكَلَّمَ الْحَافِظُ عَلَى رِوَايَةِ الثَّلَاثِ وَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَارْجِعْ إِلَى الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي برزة الأسلمي وبن عَمْرٍو وَحَارِثَةَ بْنِ وَهْبٍ وَالْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ) أما حديث حذيفة فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ فأخرجه الطبراني وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَأَمَّا حديث بن عمر فأخرجه أحمد والشيخان وأما حديث بن وَهْبٍ وَحَدِيثُ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أخرجهما

(باب) [2446] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يونس) اليربوعي الكوفي ثقة من الحادية عشر قَوْلُهُ (وَمَعَهُمُ الرَّهْطُ) أَيِ الْجَمَاعَةُ (حَتَّى مَرُّوا بسور عَظِيمٍ) أَيْ أَشْخَاصٍ كَثِيرِينَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ السَّوَادُ الشَّخْصُ وَالْمَالُ الْكَثِيرُ وَمِنَ الْبَلْدَةِ قُرَاهَا وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ وَمِنَ النَّاسِ عَامَّتُهُمْ (قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ) أَيْ سَتَرَ طَرْفَ السَّمَاءِ بِكَثْرَتِهِ (مِنْ ذَا الْجَانِبِ وَمِنْ ذَا الْجَانِبِ) أَيْ مِنَ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ (وَسِوَى هَؤُلَاءِ مِنْ أُمَّتِكَ سَبْعُونَ أَلْفًا) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَمَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا قُدَّامَهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ وَسَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ أُمَّتِكَ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ وَأَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فِي جُمْلَتِهِمْ سَبْعُونَ أَلْفًا وَيُؤَيِّدُ هَذَا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا انْتَهَى قُلْتُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ (فَدَخَلَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ حُجُرَاتِ أَزْوَاجِهِ (وَلَمْ يَسْأَلُوهُ) أَيْ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ (وَلَمْ يُفَسِّرْ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَهُمْ) أَيْ مَنْ هُمْ (فَقَالُوا نَحْنُ هُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاَللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ (وَقَالَ قَائِلُونَ هُمْ أَبْنَاءُ الَّذِينَ وُلِدُوا عَلَى الْفِطْرَةِ

وَالْإِسْلَامِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَأَوْلَادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا في الاسلام فإنا ولدنا في الجاهلية (فخرج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ للبخاري فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ (فَقَامَ عُكَّاشَةُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ وَتَخْفِيفٍ على ما في القاموس والمعنى (بن مِحْصَنٍ) بِكَسْرِ مِيمٍ وَفَتْحِ صَادٍ (فَقَالَ أَنَا منهم يا رسول قَالَ نَعَمْ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ قَالَ الْحَافِظُ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ سَأَلَ الدُّعَاءَ أَوَّلًا فَدَعَا لَهُ ثُمَّ اسْتَفْهَمَ قِيلَ أُجِبْتَ انْتَهَى (ثُمَّ جَاءَهُ آخَرُ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ قَامَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ (فَقَالَ سَبَقَكَ بها) أي بهذه المسألة قال بن بَطَّالٍ مَعْنَى قَوْلِهِ سَبَقَكَ أَيْ إِلَى إِحْرَازِ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَهِيَ التَّوَكُّلُ وَعَدَمُ التَّطَيُّرِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ وَعَدَلَ عَنْ قَوْلِهِ لَسْتَ مِنْهُمْ أَوْ لَسْتَ عَلَى أَخْلَاقِهِمْ تَلَطُّفًا بِأَصْحَابِهِ وَحُسْنَ أدبه معهم وقال بن الْجَوْزِيِّ يَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَوَّلَ سَأَلَ عَنْ صِدْقِ قَلْبٍ فَأُجِيبَ وَأَمَّا الثَّانِي فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ حَسْمُ الْمَادَّةِ فَلَوْ قَالَ الثَّانِي نَعَمْ لَأَوْشَكَ أَنْ يَقُومَ ثَالِثٌ وَرَابِعٌ إِلَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ وَلَيْسَ كُلُّ النَّاسِ يَصْلُحُ لِذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ كَانَ مُنَافِقًا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَصْلَ فِي الصَّحَابَةِ عَدَمُ النِّفَاقِ فَلَا يَثْبُتُ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ إِلَّا بِنَقْلٍ صَحِيحٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَلَّ أَنْ يَصْدُرَ مِثْلُ هَذَا السُّؤَالِ إِلَّا عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ وَيَقِينٍ بِتَصْدِيقِ الرَّسُولِ وَكَيْفَ يَصْدُرُ ذَلِكَ من منافق وإلى هذا جنح بن تَيْمِيَّةَ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمَ بِالْوَحْيِ أَنَّهُ يُجَابُ فِي عُكَّاشَةَ وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْآخَرِ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ الَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا أَنَّهَا كَانَتْ سَاعَةَ إِجَابَةٍ عَلِمَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم واتفق أن الرجل قال بعد ما انْقَضَتْ وَيُبَيِّنُهُ مَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ جَلَسُوا سَاعَةً يَتَحَدَّثُونَ وَفِي رِوَايَةِ بن إِسْحَاقَ بَعْدَ قَوْلِهِ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ وَبَرَدَتِ الدَّعْوَةُ أَيِ انْقَضَى وَقْتُهَا انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن مسعود وأبي هريرة) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

13 - قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ) الْيُحْمِدِيُّ بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ أَبُو خِدَاشٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرَهُ مُعْجَمَةٌ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ [2447] قَوْلُهُ (فَقُلْتُ أَيْنَ الصَّلَاةُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قِيلَ الصَّلَاةُ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ قِيلَ له الصلاة هي شيء مما كان عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا السَّلْبُ الْعَامُّ فَأَجَابَ بأنهم غيروها أيضا بأن أخرجوها عن الوقت (قال أو لم تَصْنَعُوا فِي صَلَاتِكُمْ مَا قَدْ عَلِمْتُمْ) أَيِ التَّقْصِيرَ فِي مُحَافَظَتِهَا وَأَوْقَاتِهَا قَالَ الْحَافِظُ وَرَوَى بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ سَبَبَ قَوْلِ أَنَسٍ هَذَا الْقَوْلَ فَأَخْرَجَ فِي تَرْجَمَةِ أَنَسٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعُرْيَانِ الْحَارِثِيِّ سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ قَالَ كُنَّا مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخَّرَ الْحَجَّاجُ الصَّلَاةَ فَقَامَ أَنَسٌ يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّمَهُ فَنَهَاهُ إِخْوَانُهُ شَفَقَةً عَلَيْهِ مِنْهُ فَخَرَجَ فَرَكِبَ دَابَّتَهُ فَقَالَ فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ وَاَللَّهِ مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كُنَّا عَلَيْهِ عَلَى عهدالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ رَجُلٌ فَالصَّلَاةُ يَا أَبَا حَمْزَةَ قَالَ قَدْ جَعَلْتُمُ الظُّهْرَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ أَفَتِلْكَ كَانَتْ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأخرجه بن أَبِي عُمَرَ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ مُخْتَصَرًا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2448] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا هَاشِمُ بْنُ سَعِيدٍ الْكُوفِيُّ) ثُمَّ الْبَصْرِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (حَدَّثَنِي زَيْدٌ الْخَثْعَمِيُّ) أَوِ السلمي هو بن عَطِيَّةَ مَجْهُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى له الترمذي وَاحِدًا مَتْنَهُ بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ وَاعْتَدَى الْحَدِيثَ وَقَالَ غَرِيبٌ (عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةِ) هِيَ صَحَابِيَّةٌ تَزَوَّجَهَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ

ثُمَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَوَلَدَتْ لَهُمْ وَهِيَ أُخْتُ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لِأُمِّهَا مَاتَتْ بَعْدَ عَلِيٍّ قَوْلُهُ (بِئْسَ الْعَبْدُ) لَمْ يَقُلْ بِئْسَ الرَّجُلُ أَوِ الْمَرْءُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْأَوْصَافَ الْآتِيَةَ لَيْسَتْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَبْدِيَّةِ وَلَا نُعُوتِ الْعُبُودِيَّةِ (عَبْدٌ تَخَيَّلَ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ تَخَيَّلَ فِي نَفْسِهِ فَضْلًا عَلَى غَيْرِهِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ (وَاخْتَالَ) أَيْ تَكَبَّرَ (وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ) بِحَذْفِ الْيَاءِ مُرَاعَاةً لِلْفَاصِلَةِ وَهُوَ لُغَةٌ فِي الْمَنْقُوصِ الْمُعَرَّفِ وَعَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ المتعال أَيْ نَسِيَ أَنَّ الْكِبْرِيَاءَ وَالتَّعَالِيَ لَيْسَتْ إِلَّا لَهُ (وَبِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ) بِالْجِيمِ أَيْ جَبَرَ الْخَلْقَ عَلَى هَوَاهُ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَقَالَ القارىء أي قهر على المظلومين وفي القاموس بجبر وَجَبَرَهُ عَلَى الْأَمْرِ أَكْرَهَهُ كَأَجْبَرَهُ انْتَهَى فَالتَّجَبُّرُ بِمَعْنَى التَّكَبُّرِ مَعَ تَضَمُّنِ مَعْنَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَالْإِكْرَاهِ (وَاعْتَدَى) أَيْ فِي تَجَبُّرٍ فَمَنْ خَالَفَهُ قَهَرَهُ بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الْأَعْلَى) أَيِ الْقَهَّارَ الَّذِي فَوْقَ عِبَادِهِ الْغَالِبَ عَلَى أمره (عبد سهى) أَيْ غَفَلَ عَنِ الْحَقِّ وَالطَّاعَةِ بِاسْتِغْرَاقِهِ فِي الأماني وجمع الحطام (ولهى) أَيِ اشْتَغَلَ بِاللَّهْوِ وَاللَّعِبِ (وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ) الْمُرَادُ أَنَّهُ نَسِيَ الْمَوْتَ بِعَدَمِ الِاسْتِعْدَادِ لَهُ (وَالْبِلَى) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ تَفَتُّتُ الْأَعْضَاءِ وَتَشَتُّتُ الْأَجْزَاءِ إِلَى أَنْ تَصِيرَ رَمِيمًا وَرُفَاتًا بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا مِنَ الْعُتُوِّ أَيْ أَفْسَدَ (وَطَغَى) مِنَ الطُّغْيَانِ أَيْ تَجَاوَزَ عَنِ الْحَدِّ وَقِيلَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَأَتَى بِهِمَا تَأْكِيدًا وَالثَّانِي تَفْسِيرٌ أَوْ أَتَى بِهِ لِلْفَاصِلَةِ وَنَسِيَ الْمُبْتَدَأَ وَالْمُنْتَهَى بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ قَالَ الْأَشْرَفُ أَيْ نَسِيَ ابْتِدَاءَ خَلْقِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ نُطْفَةً وَانْتِهَاءَ حَالِهِ الَّذِي يؤول إِلَيْهِ وَهُوَ صَيْرُورَتُهُ تُرَابًا أَيْ مَنْ كَانَ ذلك ابتداؤه ويكون انتهاءه هَذَا جَدِيرٌ بِأَنْ يُطِيعَ اللَّهَ تَعَالَى فِيمَا بَيْنَهُمَا وَقِيلَ أَيْ نَسِيَ الْمُبْتَدَأَ وَالْمَعَادَ وَمَا هُوَ صَائِرٌ إِلَيْهِ بَعْدَ حَشْرِ الْأَجْسَادِ (عَبْدٌ يَخْتِلُ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ يَطْلُبُ (الدُّنْيَا بِالدِّينِ) أَيْ بِعَمَلِ الْآخِرَةِ مِنْ خَتَلَهُ إِذَا خَدَعَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمَعْنَى يَخْدَعُ أَهْلَ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الصُّلَحَاءِ لِيَعْتَقِدُوا فِيهِ وَيَنَالَ مِنْهُمْ مَالًا أَوْ جَاهًا مِنْ خَتَلَ الذِّئْبُ الصَّيْدَ خَدَعَهُ وَخَفِيَ لَهُ قَالَ الْقَاضِي خَتَلَ الصَّائِدُ إِذَا مَشَى لِلصَّيْدِ قَلِيلًا قَلِيلًا لِئَلَّا يُحِسَّ بِهِ شَبَّهَ فِعْلَ مَنْ يُرَى وَرِعًا وَدَيِّنًا لِيَتَوَسَّلَ بِهِ إِلَى الْمُطَالَبِ الدُّنْيَوِيَّةِ بِخَتْلِ الذِّئْبِ الصَّائِدِ (عَبْدٌ يَخْتِلُ الدِّينَ) أَيْ يُفْسِدُهُ (بِالشُّبُهَاتِ) بِضَمَّتَيْنِ وَبِفَتْحِ الثَّانِيَةِ أَيْ يَتَشَبَّثُ بِالشُّبُهَاتِ وَيَتَأَوَّلُ الْمُحَرَّمَاتِ

(بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ طَمِعَ) أَيْ لَهُ طَمَعٌ أَوْ ذُو طَمَعٍ أَوْ وُصِفَ بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَةً وَلَوْ قُرِئَ بِإِضَافَةِ الْعَبْدِ لَاسْتَقَامَ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ (يَقُودُهُ) أَيْ يَسْحَبُهُ الطَّمَعُ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى (بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ هَوًى يُضِلُّهُ) أَيْ يُضِلُّهُ هَوَى النَّفْسِ (بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ رُغَبٌ) قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ الرَّغَبُ بِضَمِّ الرَّاءِ وفتحها مصدر رغب على حد طمع القاموس رغب فيه رغبا ويضم ورغبته أَرَادَهُ وَالرُّغْبُ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ كَثْرَةُ الْأَكْلِ وَكَثْرَةُ النَّهَمِ فِعْلُهُ كَكَرُمَ انْتَهَى وَالْمُرَادُ الرَّغْبَةُ فِي الدُّنْيَا وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا انْتَهَى وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الرَّغَبُ شُؤْمٌ أَيِ الشِّرَّةُ وَالْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا وَقِيلَ سَعَةُ الْأَمَلِ وَطَلَبُ الْكَثِيرِ (يُذِلُّهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الذَّالِ أَيْ يُذِلُّهُ حِرْصٌ عَلَى الدُّنْيَا وَتَهَافُتٌ عَلَيْهَا وَإِضَافَةُ الْعَبْدِ إِلَيْهِ لِلْإِهَانَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هذا الوجه) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ مُظْلِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حِمَارٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ طَلْحَةَ الرَّقِّيِّ (وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) فِي سَنَدِهِ هَاشِمُ بْنُ سَعِيدٍ الْكُوفِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِيهِ أَيْضًا زَيْدٌ الْخَثْعَمِيُّ وَهُوَ بن عَطِيَّةَ مَجْهُولٌ [2449] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدِ بن أُخْتِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ) أَبُو الْيَقْظَانِ الْكُوفِيُّ الثَّوْرِيُّ سكن بغداد صدوق يخطىء وَكَانَ عَابِدًا مِنَ الثَّامِنَةِ (أَخْبَرَنَا أَبُو الْجَارُودِ الْأَعْمَى) الْكُوفِيُّ رَافِضِيٌّ كَذَّبَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ مِنَ السَّابِعَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي إِطْعَامِ الْجَائِعِ قَوْلُهُ (أَيُّمَا مُؤْمِنٍ) مَا زَائِدَةٌ وَأَيُّ مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ (أَطْعَمَ مُؤْمِنًا عَلَى جُوعٍ) أَيْ مُؤْمِنًا جَائِعًا (أَطْعَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ ثِمَارَهَا أَفْضَلُ أَطْعِمَتِهَا (سَقَى مُؤْمِنًا عَلَى ظَمَأٍ) بِفَتْحَتَيْنِ مَقْصُورٌ أَوْ قَدْ يُمَدُّ أَيْ عَطِشٌ (سَقَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ

الرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ) أَيْ يَسْقِيهِ مِنْ خَمْرِ الْجَنَّةِ الَّتِي خَتَمَ عَلَيْهِ بِمِسْكٍ جَزَاءً وِفَاقًا إِذِ الجزاء من جنس العمل قال القارىء وَالرَّحِيقُ صَفْوَةُ الْخَمْرِ وَالشَّرَابُ الْخَالِصُ الَّذِي لَا غِشَّ فِيهِ وَالْمَخْتُومُ هُوَ الْمَصُونُ الَّذِي لَمْ يُبْتَذَلْ لِأَجْلِ خِتَامِهِ وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ غَيْرُ أَصْحَابِهِ وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ نَفَاسَتِهِ انْتَهَى (وَأَيُّمَا مؤمن كسا) أي أليس (عَلَى عُرْيٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ عَلَى حَالَةِ عُرْيٍ أَوْ لِأَجْلِ عُرْيٍ أَوْ لِدَفْعِ عُرْيٍ وَهُوَ يَشْمَلُ عُرْيَ الْعَوْرَةِ وَسَائِرَ الْأَعْضَاءِ (كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ خُضْرِ الْجَنَّةِ) بِضَمِّ الْخَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ جَمْعُ أَخْضَرَ أَيْ مِنَ الثِّيَابِ الْخُضْرِ فِيهَا مِنْ بَابِ إِقَامَةِ الصِّفَةِ مَقَامَ الْمَوْصُوفِ وَخَصَّهَا لِأَنَّهَا أَحْسَنُ الْأَلْوَانِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُخَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ ذَلِكَ أَعْلَى وَإِلَّا فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ كَسَاهُ اللَّهُ مِنْ ثِيَابِهَا وَأَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ مِنْ ثِمَارِهَا وَخَمْرِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ أَبُو الجاورد الْأَعْمَى وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ آخَرَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ أَبُو خَالِدٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ المعروف بالدلاني وَقَدْ أَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى [2450] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ) اسْمُهُ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُسْلِمٍ اللَّيْثِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَغْدَادِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَلَقَبُهُ قَيْصَرُ ثِقَةٌ ثبت من التاسعة (أخبرنا أَبُو عَقِيلٍ الثَّقَفِيُّ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَقِيلٍ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (أَخْبَرَنَا أَبُو فَرْوَةَ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ التَّمِيمِيُّ) الرُّهَاوِيُّ ضَعِيفٌ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ (حَدَّثَنِي بُكَيْرُ بْنُ فَيْرُوزَ) الرُّهَاوِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا حَدِيثَ مَنْ خَافَ أَدْلَجَ قَوْلُهُ (مَنْ خَافَ) أَيِ الْبَيَاتَ وَالْإِغَارَةَ مِنَ الْعَدُوِّ وَقْتَ السَّحَرِ (أَدْلَجَ) بِالتَّخْفِيفِ مِنْ سَارَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَبِالتَّشْدِيدِ مِنْ آخِرِهِ (وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ) أَيْ وَصَلَ إِلَى الْمَطْلَبِ قَالَ

الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِسَالِكِ الْآخِرَةِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ عَلَى طَرِيقِهِ وَالنَّفْسَ وَأَمَانِيَّهُ الْكَاذِبَةَ أَعْوَانُهُ فَإِنْ تَيَقَّظَ فِي مَسِيرِهِ وَأَخْلَصَ النِّيَّةَ فِي عَمَلِهِ أَمِنَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَكَيْدِهِ وَمِنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ بِأَعْوَانِهِ ثُمَّ أَرْشَدَ إِلَى أَنَّ سُلُوكَ طَرِيقِ الْآخِرَةِ صَعْبٌ وَتَحْصِيلَ الْآخِرَةِ مُتَعَسِّرٌ لَا يَحْصُلُ بِأَدْنَى سَعْيٍ فَقَالَ (أَلَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ) أَيْ مِنْ مَتَاعِهِ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ (غَالِيَةٌ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ رَفِيعَةُ الْقَدْرِ (أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ) يَعْنِي ثَمَنُهَا الْأَعْمَالُ الْبَاقِيَةُ الْمُشَارُ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أملا وَبِقَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وأموالهم بأن لهم الجنة قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ أَبُو فَرْوَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَقَالَ صَحِيحٌ لَكِنْ نُوزِعَ [2451] 15 قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ) الدِّمَشْقِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السادسة ومنهم من قال هو بن رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ الْمَاضِي كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ فَرَّقَ الْبُخَارِيُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ وَهُمَا عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَاحِدٌ قَالَ الْمِزِّيُّ وَالصَّوَابُ مَا صَنَعَ الْبُخَارِيُّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ) هُوَ الدِّمَشْقِيُّ (وَعَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ) الْكِلَابِيُّ وَقِيلَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ أَبُو يحيى الشامي ثقة مقرىء من الثالثة (عن عطية السعدي) هو بن عروة أو بن سعد أو بن عَمْرٍو صَحَابِيٌّ نَزَلَ الشَّامَ رَوَى عَنْهُ ابْنُهُ مُحَمَّدٌ وَرَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قَوْلُهُ (لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ) أَيْ لَا يَصِلُ كَوْنُهُ (مِنَ الْمُتَّقِينَ) الْمُتَّقِي فِي اللُّغَةِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ قَوْلِهِمْ وَقَاهُ فَاتَّقَى والوقاية فرط الصيانة وفي الشريعة الذي بقي نَفْسَهُ تَعَاطِيَ مَا يَسْتَحِقُّ بِهِ الْعُقُوبَةَ مِنْ فِعْلٍ وَتَرْكٍ وَقِيلَ التَّقْوَى عَلَى ثَلَاثَةِ مَرَاتِبَ الْأُولَى التَّقْوَى عَنِ الْعَذَابِ الْمُخَلِّدِ بِالتَّبَرِّي مِنَ الشرك كقوله تعالى وألزمهم كلمة التقوى

فَاعِلٍ مِنْ قَوْلِهِمْ وَقَاهُ فَاتَّقَى وَالْوِقَايَةُ فَرْطُ الصيانة وفي وَالثَّانِيَةُ التَّجَنُّبُ عَنْ كُلِّ مَا يُؤَثِّمُ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ حَتَّى الصَّغَائِرِ عِنْدَ قَوْمٍ وَهُوَ التَّعَارُفُ بِالتَّقْوَى فِي الشَّرْعِ وَالْمَعْنَى بِقَوْلِهِ ولو أن أهل القرى امنوا واتقوا وَالثَّالِثَةُ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَمَّا يَشْغَلُ سِرَّهُ عَنِ الْحَقِّ وَيُقْبِلَ بِشَرَاشِرِهِ إِلَى اللَّهِ وَهِيَ التَّقْوَى الْحَقِيقِيَّةُ الْمَطْلُوبَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تقاته وَالْحَدِيثُ وَإِنِ اسْتُشْهِدَ بِهِ لِلْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ (حَتَّى يَدَعَ) أَيْ يَتْرُكَ (حَذَرًا لِمَا بِهِ بَأْسٌ) مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَقَعَ فِيمَا فِيهِ بَأْسٌ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفُ يَبْلُغُ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ دَرَجَةَ الْمُتَّقِينَ قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ يَتْرُكَ فُضُولَ الْحَلَالِ حَذَرًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الحرام

قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ 6 - قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ الْعَامِرِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْعَلَاءِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيْدِيِّ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وفتح السين مصغرا هو بن الرَّبِيعِ بْنِ صَيْفِيٍّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ التَّمِيمِيُّ يُعْرَفُ بِحَنْظَلَةَ الْكَاتِبِ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ بَعْدَ عَلِيٍّ [2452] قَوْلُهُ (لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ) أَيْ فِي حَالِ غَيْبَتِكُمْ عَنِّي (كَمَا تَكُونُونَ عِنْدِي) أَيْ مِنْ صَفَاءِ الْقَلْبِ وَالْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ (لَأَظَلَّتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا) جَمْعُ جَنَاحٍ وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ لَصَافَحْتُكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ صِفَةِ الجنة ونعيمها [2453] 17 قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ سُلَيْمَانَ) أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ الْبَاهِلِيُّ أَوِ الْمَازِنِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عن القعقاع) هو بن حَكِيمٍ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) هُوَ السَّمَّانُ قَوْلُهُ (إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ حِرْصًا عَلَى الشَّيْءِ وَنَشَاطًا وَرَغْبَةً فِي الْخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ (وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ أَيْ وَهَنًا وَضَعْفًا وَسُكُونًا (فَإِنْ) شَرْطِيَّةٌ (صَاحِبُهَا سَدَّدَ وَقَارَبَ) أَيْ جَعَلَ صَاحِبُ الشِّرَّةِ عَمَلَهُ مُتَوَسِّطًا وَتَجَنَّبَ طَرَفَيْ إِفْرَاطِ الشِّرَّةِ وَتَفْرِيطِ الْفَتْرَةِ (فَأَرْجُوهُ) أَيْ أَرْجُو الْفَلَاحَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ الدَّوَامُ عَلَى الْوَسَطِ وَأَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ أَدُومُهَا (وَإِنْ أُشِيرَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ) أَيِ اجْتَهَدَ وَبَالَغَ فِي العمل ليصير مشهورا بالعبادة والزهد وصار مَشْهُورًا مُشَارًا إِلَيْهِ (فَلَا تَعُدُّوهُ) أَيْ لَا تعتدوا به ولا تحسبوا مِنَ الصَّالِحِينَ لِكَوْنِهِ مُرَائِيًا وَلَمْ يَقُلْ فَلَا تَرْجُوهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ قَدْ سَقَطَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَدَارُكُ مَا فَرَّطَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صحيح غريب) وأخرجه البيهقي عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ شِرَّةً وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةً فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدِ اهْتَدَى وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَكَ

قَوْلُهُ (أَنَّهُ قَالَ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ أَيْ يَكْفِيهِ مِنْهُ فِي أَخْلَاقِهِ وَمَعَاشِهِ وَمَعَادِهِ (أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ) أَيْ يُشِيرَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إِلَيْهِ بِأَصَابِعِهِمْ (فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا) فَيَقُولُونَ هَذَا فُلَانٌ الْعَابِدُ أَوِ الْعَالِمُ وَيُطْرُونَ فِي مَدْحِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ بَلَاءٌ وَمِحْنَةٌ لَهُ (إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ) أَيْ حَفِظَهُ بِحَيْثُ صَارَ لَهُ مَلَكَةٌ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى قَهْرِ نَفْسِهِ بِحَيْثُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَى ذَلِكَ وَلَا يَسْتَنْفِرُهُ الشَّيْطَانُ بِسَبَبِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّهُ إِنَّمَا يُشَارُ إِلَيْهِ فِي دِينٍ لِكَوْنِهِ أَحْدَثَ بِدْعَةً فَيُشَارُ إِلَيْهِ بِهَا وَفِي دُنْيَا لِكَوْنِهِ أَحْدَثَ مُنْكَرًا غَيْرَ مُتَعَارَفٍ بَيْنَهُمْ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَحَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مُتَّهَمٌ 8 - قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ أَبِيهِ) اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ (عَنْ أَبِي يَعْلَى) اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ يَعْلَى الثَّوْرِيُّ بِالْمُثَلَّثَةِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خُثَيْمٍ) بضم المعجمة وفتح المثلثة بن عَائِدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّوْرِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو يَزِيدَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مُخَضْرَمٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قال له بن مَسْعُودٍ لَوْ رَآكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَحَبَّكَ [2454] قَوْلُهُ (خَطَّ لَنَا) أَيْ لِلصَّحَابَةِ (خَطًّا مُرَبَّعًا) الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ الْمُبَارَكَةِ عَلَى الْأَرْضِ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُرَادُ بِالْخَطِّ الرَّسْمُ وَالشَّكْلُ (وَخَطَّ فِي وَسَطِ الْخَطِّ) أَيْ وَسَطَ الْمُرَبَّعِ (خَطًّا) أَيْ آخَرَ (وَخَطَّ خَارِجًا مِنَ الْخَطِّ) أَيِ الْمُرَبَّعِ (خَطًّا) أَيْ آخَرَ (وَحَوْلَ الَّذِي فِي الْوَسَطِ) أَيْ حَوْلَ الْخَطِّ الَّذِي فِي وَسَطِ الْمُرَبَّعِ (خُطُوطًا) أَيْ صِغَارًا كَمَا فِي رِوَايَةٍ (فَقَالَ هَذَا بن آدَمَ) أَيْ هَذَا الْخَطُّ الْمُصَوَّرُ مَجْمُوعَةً مِثَالُ بن آدَمَ (وَهَذَا) أَيِ الْخَطُّ الْمُرَبَّعُ (أَجَلُهُ) أَيْ مُدَّةُ أَجَلِهِ (مُحِيطٌ بِهِ) أَيْ مِنْ كُلِّ جَوَانِبِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ وَالْفِرَارُ مِنْهُ

(وَهَذِهِ الْخُطُوطُ) أَيِ الصِّغَارُ (عُرُوضُهُ) أَيِ الْآفَاتُ والعاهات من المرض والجوع والعطش وغيره (إِنْ نَجَا مِنْهُ يَنْهَشُهُ هَذَا) أَيْ إِنْ تَجَاوَزَ عَنْهُ الْعَرَضُ يَلْدَغُهُ هَذَا الْعَرَضُ الْآخَرُ وَعَبَّرَ عَنْ عُرُوضِ الْآفَةِ بِالنَّهْشِ وَهُوَ لَدْغُ ذَاتِ السُّمِّ مُبَالَغَةً فِي الْإِصَابَةِ وَتَأَلُّمِ الْإِنْسَانِ بِهَا (وَالْخَطُّ الْخَارِجُ) أَيْ عَنِ الْمُرَبَّعِ (الْأَمَلُ) أَيْ مَأْمُولُهُ وَمَرْجُوُّهُ الَّذِي يَظُنُّ أَنَّهُ يُدْرِكُهُ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ هَذَا خَطَأً مِنْهُ لِأَنَّ أَمَلَهُ طَوِيلٌ لَا يَفْرَغُ مِنْهُ وَأَجَلُهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْهُ وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى الْحَضِّ عَلَى قَصْرِ الْأَمَلِ وَالِاسْتِعْدَادِ لِبَغْتَةِ الْأَجَلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ [2455] قَوْلُهُ (يَهْرَمُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ يَشِيبُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ وَالْمَعْنَى يَضْعُفُ (وَيَشِبُّ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَنْمُو وَيَقْوَى (مِنْهُ) أَيْ مِنْ أَخْلَاقِهِ فَفِي التَّاجِ لِلْبَيْهَقِيِّ وَكَذَا فِي الْقَامُوسِ أَنَّ الْهَرَمَ كِبَرُ السِّنِّ مِنْ بَابِ عَلِمَ وَشَبَّ شَبَابًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ (الْحِرْصُ عَلَى الْمَالِ) أَيْ جَمْعِهِ وَمَنْعِهِ (وَالْحِرْصُ عَلَى الْعُمُرِ) أَيْ طُولِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ تَشِبُّ اسْتِعَارَةٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ قَلْبَ الشَّيْخِ كَامِلُ الْحُبِّ لِلْمَالِ مُحْتَكِمٌ فِي ذَلِكَ مِثْلَ إِحْكَامِ قُوَّةِ الشَّابِّ فِي شَبَابِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَرَاهَةُ الْحِرْصِ عَلَى طُولِ الْعُمُرِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَحْمُودٍ وَقَالَ غَيْرُهُ الْحِكْمَةُ فِي التَّخْصِيصِ بهذين الأمرين أن أحب الأشياء إلى بن آدَمَ نَفْسُهُ فَهُوَ رَاغِبٌ فِي بَقَائِهَا فَأَحَبَّ لِذَلِكَ طُولَ الْعُمُرِ وَأَحَبَّ الْمَالَ لِأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ فِي دَوَامِ الصِّحَّةِ الَّتِي يَنْشَأُ عَنْهَا غَالِبًا طُولُ الْعُمُرِ فَكُلَّمَا أَحَسَّ بِقُرْبِ نَفَادِ ذَلِكَ اشْتَدَّ حُبُّهُ وَرَغْبَتُهُ فِي دَوَامِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا

[2456] قوله (مثل بن آدَمَ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فِي أَبْوَابِ الْقَدَرِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ 9 - [2457] قَوْلُهُ (عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبُيِّ بْنِ كَعْبٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ كَانَ يُقَالُ لَهُ أَبُو بَطْنٍ لِعِظَمِ بَطْنِهِ ثِقَةٌ يُقَالُ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الثَّانِيَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ أَبُو الْمُنْذِرِ سَيِّدُ الْقُرَّاءِ وَيُكَنَّى أَبَا الطُّفَيْلِ أَيْضًا مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) أَرَادَ بِهِ النَّائِمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ الْغَافِلِينَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ يُنَبِّهُهُمْ عَنِ النَّوْمِ لِيَشْتَغِلُوا بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّهَجُّدِ (جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرَّاجِفَةُ النَّفْخَةُ الْأُولَى الَّتِي يَمُوتُ لَهَا الْخَلَائِقُ وَالرَّادِفَةُ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي يَحْيَوْنَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَصْلُ الرَّجْفِ الْحَرَكَةُ وَالِاضْطِرَابُ انْتَهَى وَفِيهِ إِشَارَةٌ إلى قوله تعالى يوم ترجف الراجفة وَعَبَّرَ بِصِيغَةِ الْمُضِيِّ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهَا فَكَأَنَّهَا جَاءَتْ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ قَارَبَ وُقُوعُهَا فَاسْتَعِدُّوا لِتَهْوِيلِ أَمْرِهَا جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ أَيْ مَا فِيهِ مِنَ الشَّدَائِدِ الْكَائِنَةِ فِي حَالَةِ النَّزْعِ وَالْقَبْرِ وَمَا بَعْدَهُ (جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ) التَّكْرَارُ لِلتَّأْكِيدِ (إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ) أَيْ أُرِيدَ إكثارها قاله القارىء وَلَا حَاجَةَ لِهَذَا التَّأْوِيلِ كَمَا لَا يَخْفَى (فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي) أَيْ بَدَلَ دعائي الذي أدعو به لنفسي قاله القارىء وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ مَعْنَاهُ أُكْثِرُ الدُّعَاءَ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ دُعَائِي صَلَاةً عَلَيْكَ (قَالَ مَا شِئْتَ) أَيِ اجْعَلْ مِقْدَارَ مَشِيئَتِكَ (قُلْتُ الرُّبُعَ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَتُسَكَّنُ أَيْ أَجْعَلُ رُبُعَ أَوْقَاتِ دُعَائِي لِنَفْسِي مَصْرُوفًا

لِلصَّلَاةِ عَلَيْكَ (فَقُلْتُ ثُلُثَيْ) هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِحَذْفِ النُّونِ وَفِي بَعْضهَا فَالثُّلُثَيْنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (قُلْتُ أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا) أَيْ أَصْرِفُ بِصَلَاتِي عَلَيْكَ جَمِيعَ الزَّمَنِ الَّذِي كُنْتُ أَدْعُو فِيهِ لِنَفْسِي (قَالَ إِذًا) بِالتَّنْوِينِ (تُكْفَى) مُخَاطَبٌ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (هَمَّكَ) مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وهو منصوب على أنه مفعول ثان مكتفي فَإِنَّهُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ الْمَرْفُوعُ بِمَا لَمْ يُسَمَّ (فَاعِلُهُ وَهُوَ أَنْتَ وَالْهَمُّ مَا يَقْصِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يَعْنِي إِذَا صَرَفْتَ جَمِيعَ أَزْمَانِ دُعَائِكَ فِي الصَّلَاةِ عَلَيَّ أُعْطِيتَ مَرَامَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَعَلْتُ صَلَوَاتِي كُلَّهَا عَلَيْكَ قَالَ إِذًا يَكْفِيكَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مَا أَهَمَّكَ مِنْ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ قَالَ المنذري وإسناد هذه جيد انتهى قال القارىء وَلِلْحَدِيثِ رِوَايَاتٌ كَثِيرَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ إِنِّي أُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ بَدَلَ أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي أَيْ بَدَلَ صَلَاتِي مِنَ اللَّيْلِ انْتَهَى 0 - قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ) بْنِ أَبِي أُمِّيَّةَ الطَّنَافِسِيُّ الْكُوفِيُّ الْأَحْدَبُ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (عَنْ أَبَانِ بْنِ إِسْحَاقَ) الْأَسَدِيِّ النَّحْوِيِّ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ تَكَلَّمَ فِيهِ الْأَزْدِيُّ بِلَا حُجَّةٍ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنِ الصَّبَّاحِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ أَبِي حَازِمٍ الْبَجَلِيِّ الْأَحْمَسِيِّ الْكُوفِيِّ ضَعِيفٌ أَفْرَطَ فيه بن حِبَّانَ [2458] قَوْلُهُ (اسْتَحْيُوا مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ) أي حياء ثابتا ولازما صَادِقًا قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَقِيلَ أَيِ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ (قُلْنَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا لَنَسْتَحْيِي) لَمْ يَقُولُوا حَقَّ الْحَيَاءِ اعْتِرَافًا بِالْعَجْزِ عَنْهُ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ) أَيْ عَلَى تَوْفِيقِنَا بِهِ (قَالَ لَيْسَ ذَاكَ) أَيْ لَيْسَ حَقَّ الْحَيَاءِ مَا تَحْسَبُونَهُ بَلْ أَنْ يَحْفَظَ جَمِيعَ جَوَارِحِهِ عَمَّا لَا يَرْضَى (وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ

أَيْ عَنِ اسْتِعْمَالِهِ فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ بِأَنْ لَا تَسْجُدَ لِغَيْرِهِ وَلَا تُصَلِّيَ لِلرِّيَاءِ وَلَا تَخْضَعَ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَا تَرْفَعَهُ تَكَبُّرًا (وَمَا وَعَى) أَيْ جَمَعَهُ الرَّأْسُ مِنَ اللِّسَانِ وَالْعَيْنِ وَالْأُذُنِ عَمَّا لَا يَحِلُّ اسْتِعْمَالُهُ (وَتَحْفَظَ الْبَطْنَ) أَيْ عَنْ أَكْلِ الْحَرَامِ (وَمَا حَوَى) أَيْ مَا اتَّصَلَ اجْتِمَاعُهُ بِهِ مِنَ الْفَرْجِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالْقَلْبِ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ مُتَّصِلَةٌ بِالْجَوْفِ وَحِفْظُهَا بِأَنْ لَا تَسْتَعْمِلَهَا فِي الْمَعَاصِي بَلْ فِي مَرْضَاةِ اللَّهِ تَعَالَى (وَتَتَذَكَّرَ الْمَوْتَ وَالْبِلَى) بِكَسْرِ الْبَاءِ مِنْ بَلِيَ الشَّيْءُ إِذَا صَارَ خَلَقًا مُتَفَتِّتًا يَعْنِي تَتَذَكَّرَ صَيْرُورَتَكَ في القبر عظاما بالية (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا) فَإِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ حَتَّى لِلْأَقْوِيَاءِ قاله القارىء وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ لِأَنَّهُمَا ضَرَّتَانِ فَمَتَى أَرْضَيْتَ إِحْدَاهُمَا أَغْضَبْتَ الْأُخْرَى (فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْمُنَاوِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ صحيح وأقره الذهبي انتهى وفي إسناده التِّرْمِذِيِّ الصَّبَّاحُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي حَدِيثِهِ وَهْمٌ وَيَرْفَعُ الْمَوْقُوفَ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ رَفَعَ حَدِيثَيْنِ هُمَا مِنْ قَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنِ) بْنِ أَوْسٍ الْوَاسِطِيُّ أَبُو عُثْمَانَ الْبَزَّارُ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبَتٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبِ) بْنِ صُهَيْبٍ الزُّبَيْدِيِّ بِضَمِّ الزَّايِ الْحِمْصِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسِ) بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ مَاتَ بِالشَّامِّ قَبْلَ السِّتِّينَ أو بعدها وهو بن أَخِي حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ

[2459] قَوْلُهُ (الْكَيِّسُ) أَيِ الْعَاقِلُ الْمُتَبَصِّرُ فِي الْأُمُورِ النَّاظِرُ فِي الْعَوَاقِبِ (مَنْ دَانَ نَفْسَهُ) أَيْ حَاسَبَهَا وَأَذَلَّهَا وَاسْتَعْبَدَهَا وَقَهَرَهَا حَتَّى صَارَتْ مُطِيعَةً مُنْقَادَةً (وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ) قَبْلَ نُزُولِهِ لِيَصِيرَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَالْمَوْتُ عَاقِبَةُ أَمْرِ الدُّنْيَا فَالْكَيِّسُ مَنْ أَبْصَرَ الْعَاقِبَةَ (وَالْعَاجِزُ) الْمُقَصِّرُ فِي الْأُمُورِ (مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا) مِنَ الْإِتْبَاعِ أَيْ جَعَلَهَا تَابِعَةً لِهَوَاهَا فَلَمْ يَكُفَّهَا عَنِ الشَّهَوَاتِ وَلَمْ يَمْنَعْهَا عَنْ مُقَارَنَةِ الْمُحَرَّمَاتِ (وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ) وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَّ فَهُوَ مَعَ تَفْرِيطِهِ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ وَاتِّبَاعِ شَهَوَاتِهِ لَا يَعْتَذِرُ بَلْ يَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ الْأَمَانِيَّ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْعَاجِزُ الَّذِي غَلَبَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ وَعَمِلَ مَا أَمَرَتْهُ بِهِ نَفْسُهُ فَصَارَ عَاجِزًا لِنَفْسِهِ فَأَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَأَعْطَاهَا مَا اشْتَهَتْهُ قُوبِلَ الْكَيِّسُ بِالْعَاجِزِ وَالْمُقَابِلُ الْحَقِيقِيُّ لِلْكَيِّسِ السَّفِيهُ الرَّأْيِ وَلِلْعَاجِزِ الْقَادِرُ لِيُؤْذِنَ بِأَنَّ الْكَيِّسَ هُوَ الْقَادِرُ وَالْعَاجِزَ هُوَ السَّفِيهُ وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ أَيْ يُذْنِبُ وَيَتَمَنَّى الْجَنَّةَ مِنْ غَيْرِ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حسن) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَرَدَّهُ الذَّهَبِيُّ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ (حَاسِبُوا) بِكَسْرِ السِّينِ أَمْرٌ مِنَ الْمُحَاسَبَةِ (قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَتَزَيَّنُوا) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ اسْتَعِدُّوا وَتَهَيَّئُوا (لِلْعَرْضِ الْأَكْبَرِ) أَيْ يَوْمَ تُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّكُمْ لِلْحِسَابِ (وَإِنَّمَا يَخِفُّ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ بضرب أَيْ يَصِيرُ خَفِيفًا وَيَسِيرًا (وَيُرْوَى عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ الْجَزَرِيُّ أَبُو أَيُّوبَ أَصْلُهُ كُوفِيٌّ نَزَلَ الرَّقَّةَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ وَلِيَ الْجَزِيرَةَ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ يُرْسِلُ مِنَ الرَّابِعَةِ

21 - قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَدَّوَيْهِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَدُّوَيْهِ بِمِيمٍ وَتَثْقِيلٍ الْقُرَشِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ التِّرْمِذِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرْنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْحَكَمِ) بْنِ كَثِيرٍ (الْعُرَنِيُّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا نُونٌ أَبُو أَحْمَدَ الْكُوفِيُّ قَاضِي هَمْدَانَ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيُّ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْكُوفِيُّ الْعِجْلِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَطِيَّةَ) هُوَ الْعَوْفِيُّ [2460] قَوْلُهُ (دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَلَّاهُ) وَفِي الْمِشْكَاةِ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَلَاةٍ قَالَ القارىء وَالظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ مُقْتَضَى الْمَقَامِ أَنَّهَا صَلَاةُ جِنَازَةٍ لِمَا ثَبَتَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إذا رأى جنازة رؤيت عَلَيْهِ كَآبَةٌ أَيْ حُزْنٌ شَدِيدٌ وَأَقَلَّ الْكَلَامَ (فَرَأَى نَاسًا كَأَنَّهُمْ يَكْتَشِرُونَ) أَيْ يَضْحَكُونَ مِنَ الْكَشْرِ وَهُوَ ظُهُورُ الْأَسْنَانِ لِلضَّحِكِ فَفِي الْقَامُوسِ كَشَرَ عَنْ أَسْنَانِهِ أَبْدَى يَكُونُ فِي الضَّحِكِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى (قَالَ أَمَا) بِالتَّخَفِيفِ لِيُنَبِّهَ عَلَى نَوْمِ الْغَفْلَةِ الْبَاعِثِ عَلَى الضَّحِكِ وَالْمُكَالَمَةِ (إِنَّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ هَذَمَ بِالْمُعْجَمَةِ قَطَعَ وَأَكَلَ بِسُرْعَةٍ وَبِالْمُهْمَلَةِ نَقَضَ الْبِنَاءَ انْتَهَى وَالْمَعْنَى لَوْ أَكْثَرْتُمْ مِنْ ذِكْرِ قَاطِعِ اللَّذَّاتِ (لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى) أَيْ مِنَ الضَّحِكِ وَكَلَامِ أَهْلِ الْغَفْلَةِ (فَأَكْثِرُوا مِنْ ذكر هاذم اللذات الموت) بالجر تفسير لهاذم اللَّذَّاتِ أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ وَبِالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ أَعْنِي وَبِالرَّفْعِ بِتَقْدِيرِ هُوَ الْمَوْتُ ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَ لِلصَّحَابَةِ وَجْهَ حِكْمَةِ الْأَمْرِ بِإِكْثَارِ ذِكْرِ الْمَوْتِ وَأَسْبَابِهِ بِقَوْلِهِ (فَإِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنَ (لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ) أَيْ وَقْتٌ وَزَمَانٌ (فَيَقُولُ أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ) فَاَلَّذِي يَسْكُنُنِي غَرِيبٌ (وَأَنَا بَيْتُ الْوَحْدَةِ) فَمَنْ حَلَّ بِي وَحِيدٌ (وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ) فَمَنْ ضَمَمْتُهُ أَكَلَهُ التُّرَابُ وَالدُّودُ إِلَّا مَنِ اسْتُثْنِيَ مِمَّنْ نُصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْلَى وَلَا يُدَوِّدُ فِي قَبْرِهِ فَالْمُرَادُ بَيْتٌ مِنْ شَأْنِهِ ذَلِكَ (فَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ) أَيِ الْمُطِيعُ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْفَاجِرِ وَالْكَافِرِ فِي مُقَابِلِهِ (قَالَ لَهُ الْقَبْرُ) أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ (مَرْحَبًا وَأَهْلًا) أَيْ

وَجَدْتَ مَكَانًا رَحْبًا وَوَجَدْتَ أَهْلًا مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَلَا يُنَافِي مَا مَرَّ (أَمَا) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنْ كُنْتَ) أَيْ إِنَّهُ كُنْتَ فَإِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثْقَلَةِ وَاللَّامُ فَارِقَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ إِنْ النَّافِيَةِ فِي قَوْلِهِ (لَأَحَبَّ) وَهُوَ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ بُنِيَ لِلْمَفْعُولِ أَيْ لَأَفْضَلَ (مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ) مُتَعَلِّقٌ بِأَحَبَّ (فَإِذَا) بِسُكُونِ الذَّالِ أَيْ فَحِينَ (وُلِّيتُكَ) مِنَ التَّوْلِيَةِ مجهولا أو من الولاية مظلوما أي صرت قادر حَاكِمًا عَلَيْكَ (الْيَوْمَ) أَيْ هَذَا الْوَقْتَ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالدَّفْنِ (وَصِرْتَ إِلَيَّ) أَيْ صِرْتَ إِلَيَّ وَوُلِّيتُكَ وَالْوَاوُ لَا تُرَتِّبُ وَكَذَا يُقَالُ فِيمَا يَأْتِي (فَسَتَرَى) أَيْ سَتُبْصِرُ أَوْ تَعْلَمُ (صَنِيعِي بِكَ) مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْكَ بِالتَّوْسِيعِ عَلَيْكَ (فَيَتَّسِعُ) أَيْ فَيَصِيرُ الْقَبْرُ وَسِيعًا (لَهُ) أَيْ لِلْمُؤْمِنِ (مَدَّ بَصَرِهِ) أَيْ بِقَدْرِ مَا يَمْتَدُّ إِلَيْهِ بَصَرُهُ وَلَا يُنَافِي رِوَايَةَ سَبْعِينَ ذراعا لأن المراد بها التَّكْثِيرُ لَا التَّحْدِيدُ (وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ) أَيْ لِيَأْتِيَهُ مِنْ رَوْحِهَا وَنَسِيمِهَا وَيَشَمَّ مِنْ طِيبِهَا وَتَقَرَّ عَيْنُهُ بِمَا يَرَى فِيهَا مِنْ حُورِهَا وَقُصُورِهَا وَأَنْهَارِهَا وَأَشْجَارِهَا وَأَثْمَارِهَا (وَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْفَاجِرُ) أَيِ الْفَاسِقُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْفَرْدُ الْأَكْمَلُ وَهُوَ الْفَاسِقُ بِقَرِينَةِ مُقَابَلَتِهِ لِقَوْلِهِ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ سَابِقًا وَلِمَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِ الْقَبْرِ لَهُ بِكَوْنِهِ أَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كمن كان فاسقا الْآيَةَ (أَوِ الْكَافِرُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي لَا لِلتَّنْوِيعِ وَقَدْ جَرَتْ عَادَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى بَيَانِ حُكْمِ الْفَرِيقَيْنِ فِي الدَّارَيْنِ وَالسُّكُوتِ عَنْ حَالِ الْمُؤْمِنِ الْفَاسِقِ سَتْرًا عَلَيْهِ أَوْ لِيَكُونَ بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ لَا لِإِثْبَاتِ الْمَنْزِلَةِ بَيْنَ المنزلتين كما توهمت المعتزلة كذا قال القارىء وَجَعَلَ الْمُنَاوِيُّ كَلِمَةَ أَوْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ حَيْثُ قَالَ وَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْفَاجِرُ أَيِ الْمُؤْمِنُ الْفَاسِقُ أَوِ الْكَافِرُ أَيْ بِأَيِّ كُفْرٍ كَانَ انْتَهَى (قَالَ فَيَلْتَئِمُ) أَيْ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْضَمُّ الْقَبْرُ (وَتَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ) أَيْ يَدْخُلَ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ (قَالَ) أَيِ الرَّاوِي (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ أَشَارَ (بِأَصَابِعِهِ) أَيْ مِنَ الْيَدَيْنِ الْكَرِيمَتَيْنِ (فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا) وَهُوَ أَصَابِعُ الْيَدِ الْيُمْنَى (فِي جَوْفِ بَعْضٍ) وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ تَضْيِيقَ الْقَبْرِ وَاخْتِلَافَ الْأَضْلَاعِ حَقِيقِيٌّ لَا أَنَّهُ مَجَازٌ عَنْ ضِيقِ الْحَالِ وَأَنَّ الِاخْتِلَافَ مبالغة

فِي أَنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ كَمَا تَوَهَّمَهُ بَعْضُ أَرْبَابِ النُّقْصَانِ حَتَّى جَعَلُوا عَذَابَ الْقَبْرِ رُوحَانِيَّا لَا جُسْمَانِيًّا وَالصَّوَابُ أَنَّ عَذَابَ الْآخِرَةِ وَنَعِيمَهَا مُتَعَلِّقَانِ بِهِمَا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيُقَيِّضُ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ يُسَلِّطُ اللَّهُ وَيُوَكِّلُ (لَهُ) أَيْ بِخُصُوصِهِ وَإِلَّا فَهُوَ عَلَيْهِ (سَبْعِينَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سَبْعُونَ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ يُقَيِّضُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ (تِنِّينًا) بِكَسْرِ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْأُولَى مَكْسُورَةً أَيْ حَيَّةً عَظِيمَةً (لَوْ أَنَّ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ تَنَفَّسَ (مَا أَنْبَتَتْ) أَيِ الْأَرْضُ (شَيْئًا) أَيْ مِنَ الْإِنْبَاتِ أَوِ النَّبَاتَاتِ (مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا) أَيْ مُدَّةَ بَقَائِهَا (فَيَنْهَشْنَهُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَلْدَغْنَهُ وَفِي القاموس نهسة كَمَنَعَهُ نَهَسَهُ وَلَسَعَهُ وَعَضَّهُ أَوْ أَخَذَهُ بِأَضْرَاسِهِ وَبِالسِّينِ أَخَذَهُ بِأَطْرَافِ الْأَسْنَانِ (وَيَخْدِشْنَهُ) بِكَسْرِ الدَّالِ أَيْ يَجْرَحْنَهُ (حَتَّى يُفْضَى) بِضَمٍّ فَسُكُونِ فَاءٍ فَفَتْحِ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ يُوصَلُ (بِهِ) أَيْ بِالْكَافِرِ إِلَى الْحِسَابِ أَيْ وَثُمَّ إِلَى الْعِقَابِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ يُحَاسَبُ (قَالَ) أَيِ الرَّاوِي (إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ) أَيْ بُسْتَانٌ (مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ) جَمْعُ رَوْضَةٍ (أَوْ حُفْرَةٌ) فِي الْقَامُوسِ الْحُفْرَةُ بِالضَّمِّ وَالْحَفِيرَةُ الْمُحْتَفَرُ وَالْحَفَرُ مُحَرَّكَةً الْبِئْرُ الْمُوَسَّعَةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصَّافِيِّ وَهُوَ وَاهٍ 2 - قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بْنُ هَمَّامِ بْنِ نَافِعٍ الْحِمْيَرِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصَّنْعَانِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مُصَنِّفٌ شَهِيرٌ عَمِيَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فَتَغَيَّرَ وَكَانَ يَتَشَيَّعُ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ) الْمَدَنِيِّ مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ ثِقَةٌ مِنَ الثالثة [2461] قوله (فإذا هو متكىء عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ) بِفَتْحِ رَاءٍ وَسُكُونِ مِيمٍ وفي الصحيحين على رمال حصير قال الجوزي فِي النِّهَايَةِ الرِّمَالُ مَا رُمِلَ أَيْ نُسِجَ يُقَالُ رَمَلَ الْحَصِيرَ

وَأَرْمَلَهُ فَهُوَ مَرْمُولٌ وَمُرْمَلٌ وَرَمَّلْتُ مُشَدَّدٌ لِلتَّكْثِيرِ قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَنَظِيرُهُ الْحُطَامُ وَالرُّكَامُ لِمَا حُطِّمَ وَرُكِمَ وَقَالَ غَيْرُهُ الرِّمَالُ جَمْعُ رَمْلٍ بِمَعْنَى مَرْمُولٍ كَخَلْقِ اللَّهِ بِمَعْنَى مَخْلُوقِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ السَّرِيرُ قَدْ نُسِجَ وَجْهُهُ بِالسَّعَفِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى السَّرِيرِ وِطَاءٌ سِوَى الْحَصِيرِ ذَكَرَهُ الطيبي قال القارىء لَكِنَّ كَوْنَ الْمُرَادِ بِرِمَالِ الْحَصِيرِ شَرِيطَ السَّرِيرِ بَلِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ مُضْطَجِعٌ عَلَى مَنْسُوجٍ مِنْ حَصِيرٍ (فَرَأَيْتُ أَثَرَهُ فِي جَنْبِهِ) أَيْ مِنْ بَدَنِهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَ كَشْفِهِ مِنْ ثَوْبِهِ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْقِصَّةِ الطَّوِيلَةِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ التَّحْرِيمِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 3 - [2462] قَوْلُهُ (أخبرنا عبد الله) هو بن المبارك (عن معمر) هو بن راشد (ويونس) هو بن يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَوْفٍ وَهُوَ حَلِيفُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ بَدْوِيٌّ وَيُقَالُ لَهُ عُمَرُ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ قَوْلُهُ (بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ) اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ بْنِ هِلَالٍ الْقُرَشِيُّ الْفِهْرِيُّ أَحَدُ الْعَشَرَةِ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَشَهِدَ بَدْرًا مَشْهُورٌ مَاتَ شَهِيدًا بِطَاعُونِ عَمَوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ قَوْلُهُ (فَقَدِمَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَحْرَانِ أَوِ الْبَحْرَيْنِ بَلَدٌ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْبَحْرَانِ بَلَدٌ بَيْنَ الْبَصْرَةِ وَعُمَانَ (فَوَافَوْا) مِنَ الْمُوَافَاةِ أَيْ أَتَوْا يُقَالُ وَافَيْتُ

الْقَوْمَ أَتَيْتُهُمْ كَأَوْفَيْتُهُمْ (فَأَبْشِرُوا) بِهَمْزَةِ الْقَطْعِ (وَأَمِّلُوا) مِنَ التَّأْمِيلِ مِنَ الْأَمَلِ وَهُوَ الرَّجَاءُ (مَا يَسُرُّكُمْ) فِي مَحَلِّ النَّصْبِ لِأَنَّهُ مَفْعُولُ أَمِّلُوا (مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ) بِنَصْبِ الْفَقْرِ أَيْ مَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ بِتَقْدِيرِ ضَمِيرٍ أَيْ مَا الْفَقْرُ أَخْشَاهُ عَلَيْكُمْ وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ وَخَصَّ بَعْضُهُمْ جَوَازَ ذَلِكَ بِالشِّعْرِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ فَائِدَةُ تَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ هُنَا الِاهْتِمَامُ بِشَأْنِ الْفَقْرِ (فَتَنَافَسُوهَا) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ عَطْفٌ عَلَى تُبْسَطَ مِنْ نَافَسْتُ فِي الشَّيْءِ أَيْ رَغِبْتُ فِيهِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ الْمُنَافَسَةَ وَالتَّنَافُسَ مَيْلُ النَّفْسِ إِلَى الشَّيْءِ النَّفِيسِ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وَالْمَعْنَى فَتَخْتَارُوهَا أَنْتُمْ وَتَرْغَبُوا فِيهَا غَايَةَ الرَّغْبَةِ (كَمَا تَنَافَسُوهَا) بِصِيغَةِ الْمَاضِي أَيْ كَمَا رَغِبَ فِيهَا مَنْ قَبْلَكُمْ (فَتُهْلِكَكُمْ) أَيِ الدُّنْيَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2463] 24 (قَوْلُهُ عَنْ عروة بن الزبير وبن الْمُسَيَّبِ) هُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ (أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامِ) بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى المكي بن أَخِي خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَصَحِبَ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً ثُمَّ عَاشَ إِلَى سَنَةِ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ أَوْ بَعْدَهَا وَكَانَ عَالِمًا بِالنَّسَبِ قَوْلُهُ (إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ) أَنَّثَ الْخَبَرَ لِأَنَّ الْمُرَادَ الدُّنْيَا شَبَّهَهُ بِالرَّغْبَةِ فِيهِ وَالْمَيْلِ إِلَيْهِ وَحِرْصِ النُّفُوسِ عَلَيْهِ بِالْفَاكِهَةِ الْخَضْرَاءِ الْمُسْتَلَذَّةِ فَإِنَّ الْأَخْضَرَ مَرْغُوبٌ عَلَى انْفِرَادِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْيَابِسِ وَالْحُلْوَ مَرْغُوبٌ فِيهِ عَلَى انْفِرَادِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَامِضِ فَالْإِعْجَابُ بِهِمَا إِذَا اجْتَمَعَا أَشَدُّ (بِسَخَاوَةِ نَفْسٍ) أَيْ بِغَيْرِ شَرَهٍ وَلَا إِلْحَاحٍ أَيْ مَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ سُؤَالٍ

وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِذِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُعْطِي أَيْ بِسَخَاوَةِ نَفْسِ الْمُعْطِي أَيِ انْشِرَاحِهِ بِمَا يُعْطِيهِ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ (وَمَنْ أَخَذَهُ بِإِشْرَافِ نَفْسٍ) أَيْ بِطَمَعٍ أَوْ حِرْصٍ أَوْ تَطَلُّعٍ وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآخِذِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُعْطِي أَيْ بِكَرَاهِيَتِهِ مِنْ غَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ بِالْإِعْطَاءِ كَذَا قِيلَ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ (وَكَانَ) أَيِ السَّائِلُ الْآخِذُ الصَّدَقَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِمَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ الْبَرَكَةِ وَكَثْرَةِ الشَّرَهِ وَالنَّهِمَةِ (كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ) أَيِ الَّذِي يُسَمِّي جُوعَهُ كَذَّابًا لِأَنَّهُ مِنْ عِلَّةٍ بِهِ وَسَقَمٍ فَكُلَّمَا أَكَلَ ازْدَادَ سَقَمًا وَلَمْ يُحْدِثْ شِبَعًا (وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى) الْمُرَادُ مِنَ الْيَدِ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ وَمِنَ الْيَدِ السُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي تَفْسِيرِ الْيَدِ الْعُلْيَا وَالسُّفْلَى فَعِنْدَ الطبراني بإسناد صحيح عن حكم بْنِ حِزَامٍ مَرْفُوعًا يَدُ اللَّهِ فَوْقَ يَدِ الْمُعْطِي وَيَدُ الْمُعْطِي فَوْقَ يَدِ الْمُعْطَى وَيَدُ الْمُعْطَى أَسْفَلُ الْأَيْدِي وَلِلطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَدِيٍّ الجزامي مرفوعا مثله ولأبي داود وبن خُزَيْمَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا الْأَيْدِي ثَلَاثَةٌ فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا وَيَدُ الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى وَلِأَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ مِنْ حَدِيثِ عَطِيَّةَ السَّعْدِيِّ الْيَدُ الْمُعْطِيَةُ هِيَ الْعُلْيَا وَالسَّائِلَةُ هِيَ السُّفْلَى فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَضَافِرَةٌ عَلَى أَنَّ الْيَدَ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ الْمُعْطِيَةُ وَأَنَّ السُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (لَا أَرْزَأُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ أَيْ لَا أُنْقِصُ مَالَهُ بِالطَّلَبِ مِنْهُ (ثُمَّ إِنَّ عُمَرَ دَعَاهُ لِيُعْطِيَهُ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئًا) قَالَ الْحَافِظُ إِنَّمَا امْتَنَعَ حَكِيمٌ مِنْ أَخْذِ الْعَطَاءِ مَعَ أَنَّهُ حَقُّهُ لِأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا فَيَعْتَادَ الْأَخْذَ فَيَتَجَاوَزُ بِهِ نَفْسُهُ إِلَى مَا لَا يريده فقطعهما عَنْ ذَلِكَ وَتَرَكَ مَا يَرِيبُهُ إِلَى مَا لا يريبه وإنما أَشْهَدَ عَلَيْهِ عُمَرَ لِأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَنْسُبَهُ أَحَدٌ لَمْ يَعْرِفَ بَاطِنَ الْأَمْرِ إِلَى مَنْعِ حَكِيمٍ مِنْ حَقِّهِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 5 - [2464] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو صَفْوَانَ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ الْأُمَوِيُّ الدِّمَشْقِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ عَنْ (يُونُسَ) بْنِ يَزِيدَ الْأَيْلِيِّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الْقُرَشِيِّ الزُّهْرِيِّ أَحَدِ الْعَشَرَةِ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَمَنَاقِبُهُ شَهِيرَةٌ وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (ابْتُلِينَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالضَّرَّاءِ إِلَخْ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الضَّرَّاءُ حَالَةٌ تَضُرُّ وَالسَّرَّاءُ ضِدُّهَا بِنَاءَانِ لِلْمُؤَنَّثِ لَا مُذَكَّرَ لَهُمَا أَيِ اخْتُبِرْنَا بِالْفَقْرِ وَالشِّدَّةِ وَالْعَذَابِ فَصَبَرْنَا عَلَيْهِ فَلَمَّا جَاءَتْنَا الدُّنْيَا وَالسَّعَةُ وَالرَّاحَةُ بَطِرْنَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إِلَّا يُونُسَ بْنَ يَزِيدَ الْأَيْلِيَّ فَإِنَّهُ أَيْضًا ثِقَةٌ لَكِنَّ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهْمًا قَلِيلًا [2465] قَوْلُهُ (عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ السعدي البصري صدوق سيء الْحِفْظِ وَكَانَ عَابِدًا مُجَاهِدًا قَالَ الرَّامَهُرْمُزِيُّ هُوَ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ الْكُتُبَ بِالْبَصْرَةِ مِنَ السَّابِعَةِ (وَهُوَ الرِّقَاشِيُّ) بِتَخْفِيفِ الْقَافِ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ الْقَاصُّ بِتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ زَاهِدٌ ضَعِيفٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (مَنْ كَانَتِ الْآخِرَةُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ كَانَتْ (هَمَّهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَتْ أَيْ قَصْدُهُ وَنِيَّتُهُ وَفِي الْمِشْكَاةِ مَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ طَلَبَ الْآخِرَةِ (جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ) أَيْ جَعَلَهُ قَانِعًا بالكفاف والكفاية كيلا يَتْعَبَ فِي طَلَبِ الزِّيَادَةِ (وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ) أَيْ أُمُورَهُ الْمُتَفَرِّقَةَ بِأَنْ جَعَلَهُ مَجْمُوعَ الْخَاطِرِ بِتَهْيِئَةِ أَسْبَابِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِهِ (وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا) أَيْ مَا

قُدِّرَ وَقُسِمَ لَهُ مِنْهَا (وَهِيَ رَاغِمَةٌ) أَيْ ذَلِيلَةٌ حَقِيرَةٌ تَابِعَةٌ لَهُ لَا يَحْتَاجُ فِي طَلَبِهَا إِلَى سَعْيٍ كَثِيرٍ بَلْ تَأْتِيهِ هَيِّنَةً لَيِّنَةً عَلَى رَغْمِ أَنْفِهَا وَأَنْفِ أَرْبَابِهَا (وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ) وَفِي الْمِشْكَاةِ وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ طَلَبَ الدُّنْيَا (جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ) أَيْ جِنْسَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى الْخَلْقِ كَالْأَمْرِ المحسوس مَنْصُوبًا بَيْنَ عَيْنَيْهِ (وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ) أَيْ أُمُورَهُ الْمُجْتَمَعَةَ قَالَ الطِّيبِيُّ يُقَالُ جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ أَيْ مَا تَشَتَّتَ مِنْ أَمْرِهِ وَفَرَّقَ اللَّهُ شَمْلَهُ أَيْ مَا اجْتَمَعَ مِنْ أَمْرِهِ فَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ (وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا مَا قُدِّرَ لَهُ) أَيْ وَهُوَ رَاغِمٌ فَلَا يَأْتِيهِ مَا يَطْلُبُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَى رَغْمِ أَنْفِهِ وَأَنْفِ أَصْحَابِهِ وَالْحَدِيثُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ بِشَيْءٍ مِنَ الصِّحَّةِ وَالضَّعْفِ وَفِي سَنَدِهِ يَزِيدُ الرِّقَاشِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَلَى مَا قَالَ الْحَافِظُ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَيَزِيدُ قَدْ وُثِّقَ وَلَا بَأْسَ بِهِ فِي الْمُتَابَعَاتِ وَقَالَ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ وَلَفْظُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الْآخِرَةَ جَعَلَ اللَّهُ تبارك وتعالى الغنا فِي قَلْبِهِ وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ وَنَزَعَ الْفَقْرَ مِنْ بَيْنِ عَيْنَيْهِ وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ فَلَا يُصْبِحُ إِلَّا غَنِيًّا وَلَا يُمْسِي إِلَّا غَنِيًّا وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا جَعَلَ اللَّهُ الْفَقْرَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ فَلَا يُصْبِحُ إِلَّا فَقِيرًا وَلَا يُمْسِي إِلَّا فَقِيرًا وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ وَذَكَرَ لَفْظَ الطَّبَرَانِيِّ فِي بَابِ الِاقْتِصَادِ [2466] قَوْلُهُ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ زَائِدَةَ بْنِ نَشِيطٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ ثُمَّ مُهْمَلَةٌ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ زَائِدَةُ بْنُ نَشِيطٍ الْكُوفِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي خَالِدٍ الْوَالِبِيِّ) بِمُوَحَّدَةٍ قَبْلَهَا كَسْرَةٌ الْكُوفِيُّ اسْمُهُ هُرْمُزُ وَيُقَالُ هَرَمٌ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ وَقِيلَ حَدِيثُهُ عَنْهُ مُرْسَلٌ فَيَكُونُ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إن الله يقول يا بن آدَمَ تَفَرَّغْ لِعِبَادَتِي) أَيْ تَفَرَّغْ عَنْ مُهِمَّاتِكَ لِطَاعَتِي (أَمْلَأْ صَدْرَكَ) أَيْ قَلْبَكَ (غِنًى) وَالْغِنَى إِنَّمَا هُوَ غِنَى الْقَلْبِ (وَأَسُدَّ فَقْرَكَ) أَيْ تفرغ عن مهماتك

لعبادتي أقض مهماتك وأغنيك عَنْ خَلْقِي وَإِنْ لَا تَفْعَلْ مَلَأْتُ يَدَيْكَ شُغْلًا وَتُسَكَّنُ لِلتَّخْفِيفِ وَلَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ أَيْ وإن لَمْ تَتَفَرَّغْ لِذَلِكَ وَاشْتَغَلْتَ بِغَيْرِي لَمْ أَسُدَّ فَقْرَكَ لِأَنَّ الْخَلْقَ فُقَرَاءُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَتَزِيدُ فَقْرًا عَلَى فَقْرِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ وَقَالَ الحاكم صحيح الاسناد وقال المناوي وأقروه 26 - باب [2468] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ بِمُعْجَمَتَيْنِ الضَّرِيرُ الْكُوفِيُّ عَمِيَ وَهُوَ صَغِيرٌ ثِقَةٌ أَحْفَظُ النَّاسِ لِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ وَقَدْ يَهِمُ فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ وَقَدْ رمى بالإرجاء (عن عروة) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (كَانَ لَنَا قِرَامٌ سِتْرٌ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَالتَّنْوِينِ وَرُوِيَ بِحَذْفِ التَّنْوِينِ وَالْإِضَافَةِ وَهُوَ السِّتْرُ الرَّقِيقُ مِنْ صُوفٍ ذُو أَلْوَانٍ (فِيهِ تَمَاثِيلُ) جَمْعُ تِمْثَالٍ وَهُوَ الشَّيْءُ الْمُصَوَّرُ قِيلَ الْمُرَادُ صُورَةُ الْحَيَوَانِ (انْزِعِيهِ) أَيِ الْقِرَامَ (وَكَانَ لَنَا سَمْلُ قَطِيفَةٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ السَّمْلُ الْخَلِقُ مِنَ الثِّيَابِ وَقَدْ سَمَلَ الثَّوْبُ وَأَسْمَلَ وَالْقَطِيفَةُ هِيَ كِسَاءٌ لَهُ خَمْلٌ انْتَهَى أَيْ كَانَ لَنَا كِسَاءٌ خَلِقٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ

[2469] قَوْلُهُ (كَانَتْ وِسَادَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْوِسَادُ الْمُتَّكَأُ وَالْمِخَدَّةُ كَالْوِسَادَةِ انْتَهَى (الَّتِي يَضْطَجِعُ عَلَيْهَا) هَذَا بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوِسَادَةِ الْفِرَاشُ دُونَ الْمُتَّكَأِ وَالْمِخَدَّةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ كَانَ فِرَاشُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَدَمٍ وحشوه من ليف ورواية بن مَاجَهْ كَانَ ضِجَاعُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَدَمًا حَشْوُهُ لِيفٌ (مِنْ أَدَمٍ) بِفَتْحَتَيْنِ اسْمٌ لِجَمْعِ الْأَدِيمِ وَهُوَ الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ (حَشْوُهَا لِيفٌ) قَالَ فِي الصُّرَاحِ لِيفٌ بِالْكَسْرِ بوست درخت خرما ليفة يكي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2470] قَوْلُهُ (أَنَّهُمْ ذَبَحُوا) أَيْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَهْلُ الْبَيْتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهُوَ الظَّاهِرُ (مَا بَقِيَ مِنْهَا) عَلَى الِاسْتِفْهَامِ أَيْ شَيْءٌ بَقِيَ مِنَ الشَّاةِ (إِلَّا كَتِفَهَا) أَيِ الَّتِي لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهَا (قَالَ بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ أَيْ مَا تَصَدَّقْتِ بِهِ فَهُوَ بَاقٍ وَمَا بَقِيَ عِنْدَكِ فَهُوَ غَيْرُ بَاقٍ إشارة إلى قوله تعالى ما عندكم ينفذ وما عند الله باق قَوْلُهُ (إِنْ كُنَّا) إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ (آلَ مُحَمَّدٍ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ (نَمْكُثُ شَهْرًا مَا نَسْتَوْقِدُ بِنَارٍ) أَيْ لَا نَخْبِزُ وَلَا نَطْبُخُ فِيهِ شَيْئًا (إِنْ هُوَ) أَيِ الْمَأْكُولُ أَوِ الْمُتَنَاوَلُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

[2467] قَوْلُهُ (وَعِنْدَنَا شَطْرٌ مِنْ شَعِيرٍ) قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِالشَّطْرِ هُنَا الْبَعْضُ وَالشَّطْرُ يُطْلَقُ عَلَى النِّصْفِ وَعَلَى مَا قَارَبَهُ وَعَلَى الْجِهَةِ وَلَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا وَيُقَالُ أَرَادَتْ نِصْفَ وَسْقٍ انْتَهَى (ثُمَّ قُلْتُ لِلْجَارِيَةِ كِيلِيهِ فَكَالَتْهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَكِلْتُهُ وَالْمُرَادُ أَمَرْتُ بِكَيْلِهِ وَلَا تَخَالُفَ بَيْنَ رِوَايَتَيْنِ فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُ عَائِشَةَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَنَا شَطْرٌ مِنْ شَعِيرٍ يُخَالِفُ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الْمُصْطَلِقِيِّ مَا تَرَكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا شَيْئًا قُلْنَا لَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالشَّيْءِ الْمَنْفِيِّ مَا تَخَلَّفَ عَنْهُ مِمَّا كَانَ يَخْتَصُّ بِهِ وَأَمَّا الَّذِي أَشَارَتْ إِلَيْهِ عَائِشَةُ فَكَانَتْ بَقِيَّةَ نَفَقَتِهَا الَّتِي تَخْتَصُّ بِهَا فَلَمْ يَتَّحِدِ الْمَوْرِدَانِ فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُ عَائِشَةَ فَلَوْ كُنَّا تَرَكْنَاهُ لَأَكَلْنَا مِنْهُ أَكْثَرَ من ذلك يخالف حديث المقدام بن معد يكرب كِيلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ قُلْنَا لَا تَخَالُفَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْكَيْلَ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ مَطْلُوبٌ مِنْ أَجْلِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْمُتَبَايِعَيْنِ فَلِهَذَا الْقَصْدِ يُنْدَبُ وَأَمَّا الْكَيْلُ عِنْدَ الْإِنْفَاقِ فَقَدْ يَبْعَثُ عَلَيْهِ الشُّحُّ فَلِذَلِكَ كُرِهَ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَطْعِمُهُ فَأَطْعَمَهُ شَطْرَ وَسْقِ شَعِيرٍ فَمَا زَالَ الرَّجُلُ يَأْكُلُ مِنْهُ وَامْرَأَتُهُ وَضَيْفُهُمَا حَتَّى كَالَهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَكِلْهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ وَلَقَامَ لَكُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي باب فضل الفقر 28 باب [2472] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ صَاحِبُ الْمُسْنَدِ

قَوْلُهُ (لَقَدْ أُخِفْتُ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِخَافَةِ أَيْ هُدِّدْتُ وَتُوُعِّدْتُ بِالتَّعْذِيبِ وَالْقَتْلِ (فِي اللَّهِ) أَيْ فِي إِظْهَارِ دِينِهِ (وَمَا يُخَافُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ مِثْلَ مَا أُخِفْتُ (أَحَدٌ) أَيْ غَيْرِي (وَلَقَدْ أُوذِيتُ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِيذَاءِ أَيْ بِالْفِعْلِ بَعْدَ التَّخْوِيفِ بِالْقَوْلِ (فِي اللَّهِ) أَيْ فِي إِظْهَارِ دِينِهِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ (وَلَمْ يُؤْذَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (أَحَدٌ) أَيْ مِنَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ (وَلَقَدْ أَتَتْ) أَيْ مَضَتْ (ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ تَأْكِيدٌ لِلشُّمُولِ أَيْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً مُتَوَاتِرَاتٍ لَا يَنْقُصُ مِنْهَا شَيْءٌ مِنَ الزمان (ومالي) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ لِي (يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَيْ حَيَوَانٌ (إِلَّا شَيْءٌ) أَيْ قَلِيلٌ (يُوَارِيهِ) أَيْ يَسْتُرُهُ وَيُغَطِّيهِ (إِبْطُ بِلَالٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَتُكْسَرُ وَهُوَ مَا تَحْتَ الْمَنْكِبِ وَالْمَعْنَى أَنَّ بِلَالًا كَانَ رَفِيقِي فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَمَا كَانَ لَنَا مِنَ الطَّعَامِ إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ بِقَدْرِ مَا يَأْخُذُهُ بِلَالٌ تَحْتَ إِبْطِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي ضِيقِ مَعِيشَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَسَعَتِهَا فِي بَابِ مَعِيشَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَهْلِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح) وأخرجه بن ماجه وبن حِبَّانَ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ بإسناده صَحِيحٍ قَوْلُهُ (وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ حِينَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَارِبًا مِنْ مَكَّةَ وَمَعَهُ بِلَالٌ إِلَخْ) قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ قَوْلُهُ وَمَعَهُ بِلَالٌ أَفَادَ أَنَّ هَذَا الْخُرُوجَ غَيْرَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بِلَالٌ فِيهَا فَلَعَلَّ الْمُرَادَ خُرُوجُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَارِبًا مِنْ مَكَّةَ فِي ابْتِدَاءِ أَمْرِهِ إِلَى الطَّائِفِ إِلَى عَبْدِ كُلَالٍ بِضَمِّ الْكَافِ مُخَفَّفًا رَئِيسِ أَهْلِ الطَّائِفِ لِيَحْمِيَهُ مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ حَتَّى يُؤَدِّيَ رِسَالَةَ رَبِّهِ فَسَلَّطَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صِبْيَانَهُ فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى أَدْمَوْا كَعْبَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مَعَهُ زَيْدُ بْنُ حارثه لا بلال انتهى وكذا قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ وَمَعَهُ بِلَالٌ لا

يُنَافِي كَوْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَعَهُ أَيْضًا مَعَ احْتِمَالِ تَعَدُّدِ خُرُوجِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَكِنْ أَفَادَ بِقَوْلِهِ مَعَهُ بِلَالٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْخُرُوجُ فِي الْهِجْرَةِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ بِلَالٌ حِينَئِذٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادِ) بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَقَدْ يُنْسَبُ لِجَدِّهِ مَوْلَى بني مَخْزُومٍ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ رَوَى عَنْ محمد بن كعب القرظي وغيره وعنه بن إِسْحَاقَ وَمَالِكٌ [2473] قَوْلُهُ (خَرَجْتُ فِي يَوْمٍ شَاتٍ) أَيْ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ (وَقَدْ أَخَذْتُ إِهَابًا مَعْطُونًا) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ هُوَ الْمَتْنُ الْمُتَمَزِّقُ الشَّعْرِ مِنْ عَطِنَ الْجِلْدُ إِذَا تَمَزَّقَ شَعْرُهُ وَأَنْتَنَ فِي الدِّبَاغِ (فَجَوَّبْتُ وَسَطَهُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْجَوْبُ الْخَرْقُ كَالِاجْتِيَابِ وَالْقَطْعِ وَجُبْتُ الْقَمِيصَ أَجُوبُهُ وَأُجِيبُهُ وَجَوَّبْتُهُ عَمِلْتُ لَهُ جَيْبًا انْتَهَى (فخزمته) أَيْ شَدَدْتُهُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ حَزَمَهُ يَحْزِمُهُ شَدَّهُ (بِخُوصِ النَّخْلِ) الْخُوصُ بِالضَّمِّ وَرَقُ النَّخْلِ الْوَاحِدَةُ بِهَاءٍ وَالْخَوَّاصُ بَائِعُهُ وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ فِي بَابِ الْحَاءِ مَعَ الزَّايِ وَفِيهِ نَهْيٌ أَنْ يُصَلَّى بِغَيْرِ حِزَامٍ أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشُدَّ ثَوْبَهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أَمَرَ بِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلَّمَا يَتَسَرْوَلَونَ وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ إِزَارٌ وَكَانَ جَيْبُهُ وَاسِعًا وَلَمْ يَتَلَبَّبْ أَوْ لَمْ يَشُدَّ وَسَطَهُ رُبَّمَا انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ (في ماله) فِي الْقَامُوسِ الْمَالُ مَا مَلَكْتُهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَالْمُرَادُ هُنَا الْبُسْتَانُ وَالْحَائِطُ (وَهُوَ يَسْقِي بِبَكَرَةٍ) بِالْفَتْحِ هِيَ خَشَبَةٌ مُسْتَدِيرَةٌ فِي وَسَطِهَا مَحَزٌّ يُسْتَسْقَى عَلَيْهَا الْمَاءُ (مِنْ ثُلْمَةٍ) أَيْ فرجة وَالثُّلْمَةُ بِالضَّمِّ فُرْجَةُ الْمَكْسُورِ وَالْمَهْدُومِ (ثُمَّ جَرَعْتُ مِنَ الْمَاءِ) فِي الْقَامُوسِ الْجَرْعَةُ مُثَلَّثَةً مِنَ الْمَاءِ حَسْوَةٌ مِنْهُ أَوْ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحُ الِاسْمُ مِنْ جَرِعَ الْمَاءَ كَسَمِعَ وَمَنَعَ بَلَعَهُ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ وَهُوَ شَيْخُ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ [2474] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ (عَنْ عَبَّاسٍ الْجُرَيْرِيِّ) بضم الجيم مصغرا وعباس هذا هو بن فَرُّوخَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَآخِرَهُ مُعْجَمَةٌ الْبَصْرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ النَّهْدِيَّ) اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَلٍّ بِلَامٍ ثَقِيلَةٍ وَالْمِيمُ مُثَلَّثَةٌ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ مُخَضْرَمٌ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ ثِقَةٌ ثَبَتٌ عَابِدٌ وَالنَّهْدِيُّ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْهَاءِ قَوْلُهُ (أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ) أَيِ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ جوع أي شديد قال القارىء وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي سَفَرٍ بَعِيدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ قُلْتُ لَمْ أَجِدْ رِوَايَةً صَرِيحَةً تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حديث صحيح) وأخرجه بن مَاجَهْ بِلَفْظِ إِنَّهُ أَصَابَهُمْ جُوعٌ وَهُمْ سَبْعَةٌ قَالَ فَأَعْطَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ تَمَرَاتٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ تَمْرَةً وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ [2475] قَوْلُهُ (بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَمِائَةِ رَاكِبٍ أَمِيرُنَا أبو عبيدة بن الجراح نرصد غير قريش فأقمتا بالساحل نصف شهر وقد ذكر بن سَعْدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُمْ إِلَى حَيِّ جُهَيْنَةَ بِالْقَبَلِيَّةِ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْمُوَحَّدَةِ مِمَّا يَلِي سَاحِلَ الْبَحْرِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ خَمْسُ لَيَالٍ وَأَنَّهُمُ انْصَرَفُوا وَلَمْ يَلْقَوْا كَيْدًا قَالَ الْحَافِظُ هَذَا لَا يُغَايِرُ ظَاهِرُهُ مَا فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ كَوْنِهِمْ يَتَلَقَّوْنَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَيَقْصِدُونَ حَيًّا مِنْ جُهَيْنَةَ وَيُقَوِّي هَذَا الْجَمْعَ مَا عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ

عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثا إلى أرض جهينة فذكره الْقِصَّةَ (فَقِيلَ لَهُ) أَيْ لِجَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ) هَذَا كُنْيَةُ جَابِرٍ (وَأَيْنَ كَانَتْ تَقَعُ التَّمْرَةُ مِنَ الرَّجُلِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَقُلْتُ مَا تُغْنِي عَنْكُمْ تَمْرَةٌ قَالَ الْحَافِظُ هُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ السَّائِلَ عَنْ ذَلِكَ وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ (قَالَ لقد وجدنا فقدها) أي موثرا قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِي هَذَا بَيَانُ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا وَالصَّبْرِ عَلَى الْجُوعِ وَخُشُونَةِ الْعَيْشِ وَإِقْدَامِهِمْ عَلَى الْغَزْوِ مَعَ هذا الحال (فإذا نحن بحوت) هواسم جِنْسٍ لِجَمِيعِ السَّمَكِ وَقِيلَ هُوَ مَخْصُوصٌ بِمَا عَظُمَ مِنْهَا (قَدْ قَذَفَهُ الْبَحْرُ) أَيْ رَمَاهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ يُرَ مِثْلُهُ يُقَالُ لَهُ الْعَنْبَرُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ وَهُوَ بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ الْجَبَلُ الصَّغِيرُ (فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَا أَحْبَبْنَا) مَا مَوْصُولَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فَأَكَلْنَا مِنْهَا نِصْفَ شَهْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فَأَكَلَ مِنْهَا الْجَيْشُ ثَمَانِ عَشْرَةَ لَيْلَةً قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا لَفْظُهُ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّ مَنْ رَوَى شَهْرًا هُوَ الْأَصْلُ وَمَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَمَنْ رَوَى دُونَهُ لَمْ يَنْفِ الزِّيَادَةَ وَلَوْ نفاها قدم المثبث وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ الْمَشْهُورَ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَا حُكْمَ لَهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيَ الزِّيَادَةِ لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ إِثْبَاتُ الزِّيَادَةِ كَيْفَ وَقَدْ عَارَضَهُ فَوَجَبَ قَبُولُ الزِّيَادَةِ وَجَمَعَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِأَنَّ مَنْ قَالَ نِصْفَ شَهْرٍ أَرَادَ أَكَلُوا مِنْهُ تِلْكَ الْمُدَّةَ طَرِيًّا وَمَنْ قَالَ شَهْرًا أَرَادَ أَنَّهُمْ قَدَّدُوهُ فَأَكَلُوا مِنْهُ بَقِيَّةَ الشَّهْرِ قَدِيدًا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَيُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ بِأَنَّ الذي قال ثمان عشر ضَبَطَ مَا لَمْ يَضْبِطْهُ غَيْرُهُ وَأَنَّ مَنْ قَالَ نِصْفَ شَهْرٍ أَلْغَى الْكَسْرَ الزَّائِدَ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَمَنْ قَالَ شَهْرًا جَبَرَ الْكَسْرَ أَوْ ضَمَّ بَقِيَّةَ الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ وِجْدَانِهِمُ الْحُوتَ إِلَيْهَا قَالَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ اثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا وَهِيَ شَاذَّةٌ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ هَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مُطَوَّلًا وَفِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللَّهُ أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ فَأَكَلَهُ وَقَدِ اسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ السَّمَكِ الطَّافِي قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا السَّمَكُ

الطَّافِي وَهُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي الْبَحْرِ بِلَا سَبَبٍ فَمَذْهَبُنَا إِبَاحَتُهُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَأَبُو أَيُّوبَ وَعَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَطَاوُسٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ دَلِيلُنَا قَوْلِهِ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ) قال بن عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ صَيْدُهُ مَا صِدْتُمُوهُ وَطَعَامُهُ مَا قَذَفَهُ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا وَبِحَدِيثِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَبِأَشْيَاءَ مَشْهُورَةٍ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلَا تَأْكُلُوهُ فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ شَيْءٌ كَيْفَ وَهُوَ مُعَارَضٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ضَعْفَهُ وَحَالَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ فَإِنْ قِيلَ لَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ الْعَنْبَرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُضْطَرِّينَ قُلْنَا الِاحْتِجَاجُ بِأَكْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ قُلْتُ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ هُوَ جَوَازُ أَكْلِ السَّمَكِ الطَّافِي وَحَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِيهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2476] قَوْلُهُ (إِنَّا لَجُلُوسٌ) أَيْ لَجَالِسُونَ (فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَوْ مَسْجِدِ قُبَاءٍ (إِذْ طَلَعَ) أَيْ ظَهَرَ (مُصْعَبُ بْنُ عمير) بضم الميم وفتح العين وعمير بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرًا (مَا عَلَيْهِ) أَيْ لَيْسَ عَلَى بَدَنِهِ (إِلَّا بُرْدَةٌ لَهُ) أَيْ كِسَاءٌ مَخْلُوطُ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ (مَرْقُوعَةٌ أَيْ مُرَقَّعَةٌ (بِفَرْوٍ) أَيْ بِجِلْدٍ قَالَ مَيْرُكُ هُوَ قُرَشِيٌّ هَاجَرَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرَكَ النِّعْمَةَ وَالْأَمْوَالَ بِمَكَّةَ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ السَّاكِنِينَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَقَالَ صَاحِبُ المشاة فِي الْإِكْمَالِ عَبْدَرِيٌّ كَانَ مِنْ أَجِلَّةِ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَائِهِمْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي أَوَّلِ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ شَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث مُصْعَبًا بَعْدَ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ يُقْرِئُهُمُ الْقُرْآنَ وَيُفَقِّهُهُمْ فِي الدِّينِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَكَانَ فِي

الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَنْعَمِ النَّاسِ عَيْشًا وَأَلْيَنِهِمْ لِبَاسًا فَلَمَّا أَسْلَمَ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا (فَلَمَّا رَآهُ) أَيْ أَبْصَرَ مُصْعَبًا بِتِلْكَ الْحَالِ الصَّعْبَاءِ (بَكَى لِلَّذِي) أَيْ لِلْأَمْرِ الَّذِي (كَانَ فِيهِ) أَيْ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَاَلَّذِي هُوَ فِيهِ) أَيْ وَلِلْأَمْرِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مِنَ الْمِحْنَةِ وَالْمَشَقَّةِ (الْيَوْمَ) أَيْ فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ (كَيْفَ) أَيِ الْحَالُ (بِكُمْ إِذَا غَدَا أَحَدُكُمْ) أَيْ ذَهَبَ أَوَّلَ النَّهَارِ (فِي حُلَّةٍ) بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ أَيْ فِي ثَوْبٍ أَوْ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ (وَرَاحَ) أَيْ ذَهَبَ آخِرَ النَّهَارِ (فِي حُلَّةٍ) أَيْ أخرى من الأولى قال بن الْمَلَكِ أَيْ كَيْفَ يَكُونُ حَالُكُمْ إِذَا كَثُرَتْ أَمْوَالُكُمْ بِحَيْثُ يَلْبَسُ كُلٌّ مِنْكُمْ أَوَّلَ النَّهَارِ حُلَّةً وَآخِرَهُ أُخْرَى مِنْ غَايَةِ التَّنَعُّمِ (وَوُضِعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ صَحْفَةٌ) أَيْ قَصْعَةٌ مِنْ مَطْعُومٍ (وَرُفِعَتْ أُخْرَى) أَيْ مِنْ نَوْعٍ آخَرَ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُتْرَفِينَ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ كَثْرَةِ أَصْنَافِ الْأَطْعِمَةِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى الْأَطْبَاقِ بَيْنَ يَدَيِ الْمُتَنَعِّمِينَ (وَسَتَرْتُمْ بُيُوتَكُمْ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا أَيْ جُدْرَانَهَا وَالْمَعْنَى زَيَّنْتُمُوهَا بِالثِّيَابِ النَّفِيسَةِ مِنْ فَرْطِ التَّنَعُّمِ (كَمَا تُسْتَرُ الْكَعْبَةُ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أن سترها من خصوصياتها لا متيازها (نَحْنُ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مِنَّا الْيَوْمَ) وَبَيَّنُوا سَبَبَ الْخَيْرِيَّةِ بِقَوْلِهِمْ مُسْتَأْنَفًا فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ (نَتَفَرَّغُ) أَيْ عَنِ الْعَلَائِقِ وَالْعَوَائِقِ (لِلْعِبَادَةِ) أَيْ بِأَنْفُسِنَا (وَنُكْفَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ الْمُتَكَلِّمِ (الْمُؤْنَةَ) أَيْ بِخَدَمِنَا وَالْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَالْمَعْنَى نَدْفَعُ عَنَّا تَحْصِيلَ الْقُوتِ لِحُصُولِهِ بِأَسْبَابٍ مُهَيَّأَةٍ لَنَا فَنَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ مِنْ تَحْصِيلِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعَمَلِ بِالْخَيْرَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَبَرَّاتِ الْمَالِيَّةِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا) أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا ظَنَنْتُمْ (أَنْتُمُ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْكُمْ يَوْمَئِذٍ) لِأَنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي لَهُ كَفَافٌ خَيْرٌ مِنَ الْغَنِيِّ لِأَنَّ الْغَنِيَّ يَشْتَغِلُ بِدُنْيَاهُ وَلَا يَتَفَرَّغُ لِلْعِبَادَةِ مِثْلُ مَنْ لَهُ كَفَافٌ لِكَثْرَةِ اشْتِغَالِهِ بِتَحْصِيلِ الْمَالِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ قِصَّةِ عَلِيٍّ الْمَذْكُورَةِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَذَكَرَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ لَفْظَهُ بِتَمَامِهِ قَوْلُهُ (وَيَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ هَذَا هُوَ مَدِينِيٌّ إِلَخْ) الْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ

هَؤُلَاءِ الرِّجَالِ الثَّلَاثَةِ الْمُسَمَّيْنِ بِيَزِيدَ فَالْأَوَّلُ يَزِيدُ بن زياد مديني المذكورفي سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَالثَّانِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ الدِّمَشْقِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الرَّابِعِ مِنْ أَبْوَابِ الشَّهَادَاتِ وَالثَّالِثُ يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ الْكُوفِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي بَابِ السِّوَاكِ وَالطِّيبِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ [2477] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ ذَرِّ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زُرَارَةَ الْهَمْدَانِيُّ بِالسُّكُونِ الْمُرْهِبِيُّ أَبُو ذَرٍّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (كَانَ أَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ) الصُّفَّةُ مَكَانٌ فِي مُؤَخَّرِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ مُظَلَّلٌ أُعِدَّ لِنُزُولِ الْغُرَبَاءِ فِيهِ مِمَّنْ لَا مَأْوَى لَهُ وَلَا أَهْلَ وَكَانُوا يَكْثُرُونَ فِيهِ وَيَقِلُّونَ بِحَسَبِ مَنْ يَتَزَوَّجُ مِنْهُمْ أَوْ يَمُوتُ أَوْ يُسَافِرُ وَقَدْ سَرَدَ أَسْمَاءَهُمْ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ فَزَادُوا عَلَى الْمِائَةِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ وَقَدِ اعْتَنَى بِجَمْعِ أَسْمَاءِ أَهْلِ الصُّفَّةِ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ وَتَبِعَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ فَزَادَ أَسْمَاءَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا أَبُو نُعَيْمٍ فِي أَوَائِلِ الْحِلْيَةِ فَسَرَدَ جَمِيعَ ذَلِكَ (لَا يَأْوُونَ عَلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ) وَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الرِّقَاقِ بِلَفْظِ عَلَى قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ رَوْحٍ وَالْأَكْثَرُ إِلَى بَدَلَ عَلَى قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَوَيْتُ مَنْزِلِي وَإِلَيْهِ أُوِيًّا بِالضَّمِّ وَيُكْسَرُ نَزَلْتُهُ بِنَفْسِي وَسَكَنْتُهُ وَأَوَيْتُهُ وَأَوَّيْتُهُ وَآوَيْتُهُ أَنْزَلْتُهُ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّةً مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ بِسَادِسٍ أَوْ كَمَا قَالَ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ مُرْسَلِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى قَسَمَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ بَيْنَ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَيَذْهَبُ الرَّجُلُ بِالرَّجُلِ وَالرَّجُلُ بِالرَّجُلَيْنِ حَتَّى ذَكَرَ عَشَرَةً الْحَدِيثَ وَلَهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ بَيْنَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصُّفَّةِ فَجَعَلَ يُوَجِّهُ الرَّجُلَ مَعَ الرَّجُلِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَالرَّجُلَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ حَتَّى بَقِيتُ فِي

أَرْبَعَةٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَامِسُنَا فَقَالَ انْطَلِقُوا بِنَا فَقَالَ يَا عَائِشَةُ عَشِّينَا الْحَدِيثَ (وَاَللَّهِ) الْوَاوُ لِلْقَسَمِ (إِنْ كُنْتُ) بِسُكُونِ النُّونِ مُخَفَّفَةً مِنَ الْمُثَقَّلَةِ (لَأَعْتَمِدُ بِكَبِدِي عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ) أَيْ أُلْصِقُ بَطْنِي بِالْأَرْضِ وَكَأَنَّهُ كَانَ يَسْتَفِيدُ بِذَلِكَ مَا يَسْتَفِيدُهُ مِنْ شِدَّةِ الْحَجَرِ عَلَى بَطْنِهِ أَوْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ سُقُوطِهِ عَلَى الْأَرْضِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ قَالَهُ الْحَافِظُ وَذَكَرَ رِوَايَاتٍ تَدُلُّ عَلَى خُرُورِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ قُلْتُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَأَمَّا خُرُورُهُ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْجُوعِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ فَحَالَةٌ أُخْرَى لَهُ مِنَ الْجُوعِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَشَدُّ الْحَجَرَ عَلَى بَطْنِي مِنَ الْجُوعِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ فَائِدَةُ شَدِّ الْحَجَرِ الْمُسَاعَدَةُ عَلَى الِاعْتِدَالِ وَالِانْتِصَابِ أَوِ الْمَنْعُ مِنْ كَثْرَةِ التَّحَلُّلِ مِنَ الْغِذَاءِ الَّذِي فِي الْبَطْنِ لِكَوْنِ الْحَجَرِ بِقَدْرِ الْبَطْنِ فَيَكُونُ الضَّعْفُ أَقَلَّ أَوْ لِتَقْلِيلِ حَرَارَةِ الْجُوعِ بِبَرْدِ الْحَجَرِ أَوْ لِأَنَّ فِيهِ الْإِشَارَةَ إِلَى كَسْرِ النَّفْسِ (وَلَقَدْ قَعَدْتُ يَوْمًا عَلَى طَرِيقِهِمُ الَّذِي يَخْرُجُونَ فِيهِ) ضَمِيرُ طَرِيقِهِمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ مِمَّنْ كَانَ طَرِيقُ مَنَازِلِهِمْ إِلَى الْمَسْجِدِ مُتَّحِدَةً (إِلَّا لِيَسْتَتْبِعَنِي) بِمُهْمَلَةٍ وَمُثَنَّاتَيْنِ وَمُوَحَّدَةٍ أَيْ يَطْلُبَ مِنِّي أَنْ أَتْبَعَهُ لِيُطْعِمَنِي (فَمَرَّ وَلَمْ يَفْعَلْ) أَيِ الِاسْتِتْبَاعَ (ثُمَّ مَرَّ عُمَرُ) قَالَ الْحَافِظُ لَعَلَّ الْعُذْرَ لِكُلٍّ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حَمْلُ سُؤَالِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَوْ فَهِمَا مَا أَرَادَهُ وَلَكِنْ لم يكن عندهما إذ ذلك مَا يُطْعِمَانِهِ لَكِنْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي حَازِمٍ مِنَ الزِّيَادَةِ أَنَّ عُمَرَ تَأَسَّفَ عَلَى عَدَمِ إِدْخَالِهِ أَبَا هُرَيْرَةَ دَارَهُ وَلَفْظُهُ فَلَقِيتُ عُمَرَ فَذَكَرْتُ لَهُ وَقُلْتُ لَهُ وَلِي اللَّهُ ذَلِكَ مَنْ كَانَ أَحَقَّ بِهِ مِنْكَ يَا عُمَرُ وَفِيهِ قَالَ عُمَرُ وَاَللَّهِ لَأَنْ أَكُونَ أَدْخَلْتُكَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي حُمْرُ النَّعَمِ فَإِنَّ فِيهِ إِشْعَارًا بِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مَا يُطْعِمُهُ إِذْ ذَاكَ فَيُرَجَّحُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى مَا رَمَزَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ كِنَايَتِهِ بِذَلِكَ عَنْ طَلَبِ مَا يَأْكُلُ (فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي) زَادَ الْبُخَارِيُّ وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي وَمَا فِي وَجْهِي قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ فَتَبَسَّمَ حِينَ رَآنِي وَعَرَفَ مَا فِي نَفْسِي اسْتَدَلَّ أَبُو هُرَيْرَةَ بِتَبَسُّمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّهُ عَرَفَ مَا بِهِ لِأَنَّ التَّبَسُّمَ تَارَةً يَكُونُ لِمَا يُعْجِبُ وَتَارَةً يَكُونُ لِإِينَاسِ مِنْ تَبَسَّمَ إِلَيْهِ وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْحَالُ مُعْجِبَةً فَقَوِيَ الْحَمْلُ عَلَى الثَّانِي وَقَوْلُهُ وَمَا فِي وَجْهِي كَأَنَّهُ عَرَفَ مِنْ حَالِ وَجْهِهِ مَا فِي نَفْسِهِ مِنَ احْتِيَاجِهِ إِلَى مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ (وَقَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ (أَبُو هُرَيْرَةَ) أَيْ أَنْتَ أَبُو هُرَيْرَةَ (قَالَ الْحَقْ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَيِ اتْبَعْ (فَوَجَدَ قَدَحًا) بِالْفَتْحِ فَإِنَّ الْقَدَحَ لَا يُكْسَرُ (فَسَاءَنِي ذَلِكَ) إِشَارَةٌ إِلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فَادْعُهُمْ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (وَقُلْتُ) أَيْ فِي نَفْسِي (فَسَيَأْمُرُنِي) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْ أُدِيرَهُ عَلَيْهِمْ) وَكَأَنَّهُ عَرَفَ بِالْعَادَةِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يُلَازِمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَخْدُمُهُ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِسْكِينًا لَا أَهْلَ لَهُ وَلَا مَالَ وَكَانَ يَدُورُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُمَا دَارَ (مَا يُغْنِينِي) أَيْ عَنْ جُوعِ ذَلِكَ الْيَوْمِ (فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَتَبَسَّمَ) وَفِي الْبُخَارِيِّ فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ قَالَ الْحَافِظُ كَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرَّسَ فِي أَبِي هُرَيْرَةَ مَا كَانَ وَقَعَ فِي تَوَهُّمِهِ أَنْ لَا يَفْضُلَ لَهُ مِنَ اللَّبَنِ شَيْءٌ فَلِذَلِكَ تَبَسَّمَ إِلَيْهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَفُتْهُ شَيْءٌ (فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى) أَيْ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ

مِنَ الْبَرَكَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي اللَّبَنِ الْمَذْكُورِ مَعَ قِلَّتِهِ حَتَّى رَوَى الْقَوْمَ كُلَّهُمْ وَأَفْضَلُوا وَسَمَّى فِي ابْتِدَاءِ الشُّرْبِ (وَشَرِبَ) أَيِ الْفَضْلَةَ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَيِ الْبَقِيَّةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ [2478] 29 قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ القرشي) أبو يحيى النمرقي بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ بَعْدَهَا قَافٌ الرَّازِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مِنَ الثَّامِنَةِ (حَدَّثَنِي يحيى البكاء) بتشديد الكاف بن مسلم أو بن سليم مصغرا وهو بن خُلَيْدٍ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِيَحْيَى الْبَكَّاءِ الْحُدَّانِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ مَوْلَاهُمْ ضَعِيفٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (تَجَشَّأَ رَجُلٌ) بِتَشْدِيدِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ أَيْ يُخْرِجُ الْجُشَاءَ مِنْ صَدْرِهِ وَهُوَ صَوْتٌ مَعَ رِيحٍ يَخْرُجُ مِنْهُ عِنْدَ الشِّبَعِ وَقِيلَ عِنْدَ امْتِلَاءِ الْمَعِدَةِ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ الرَّجُلُ هُوَ وَهْبٌ أَبُو جُحَيْفَةَ السَّوَائِيُّ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَكَلْتُ ثَرِيدَةً مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ وَأَتَيْتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَتَجَشَّأُ قُلْتُ قَدْ أَشَارَ التِّرْمِذِيُّ إِلَى حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَسَتَقِفُ عَلَى لَفْظِهِ وَمُخَرِّجِيهِ (فَقَالَ كُفَّ عَنَّا) أَمْرُ مُخَاطَبٍ مِنَ الْكَفِّ بِمَعْنَى الصَّرْفِ وَالدَّفْعِ وَفِي رِوَايَةِ شَرْحِ السُّنَّةِ أقصر من جشائك (جشاءك) بضم الجيم ممدود أو النهي عَنِ الْجُشَاءِ هُوَ النَّهْيُ عَنِ الشِّبَعِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ الْجَالِبُ لَهُ (فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ شِبَعًا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الشِّبَعُ بِالْفَتْحِ وَكَعِنَبٍ ضِدُّ الْجُوعِ وَشَبِعَ كَسَمِنَ خُبْزًا وَلَحْمًا مِنْهُمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَيَحْيَى الْبَكَّاءُ وَهُمَا ضَعِيفَانِ كما عرفت وأخرجه أيضا بن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِمَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ) قَالَ أَكَلْتُ ثَرِيدَةً مِنْ خُبْزٍ وَلَحْمٍ ثُمَّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلْتُ أَتَجَشَّأُ فَقَالَ يَا هَذَا كُفَّ عَنْ جُشَائِكَ فَإِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ شِبَعًا فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُهُمْ جُوعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَلْ وَاهٍ جِدًّا فِيهِ فَهْدُ بْنُ عَوْفٍ وَعُمَرُ بْنُ مُوسَى لَكِنْ رَوَاهُ البزار بإسنادين

رواة أحدهما ثقات ورواه بن أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَزَادُوا فَمَا أَكَلَ أَبُو جُحَيْفَةَ مِلْءَ بَطْنِهِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا كَانَ إِذَا تَغَدَّى لَا يَتَعَشَّى وَإِذَا تَعَشَّى لَا يَتَغَدَّى وَفِي رِوَايَةٍ لأبن أبي الدنيا قال أبو جعيفة فَمَا مَلَأْتُ بَطْنِي مُنْذُ ثَلَاثِينَ سَنَةً انْتَهَى 0 - [2479] قَوْلُهُ (يَا بُنَيَّ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَشَدَّةِ الْيَاءِ (وَنَحْنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصَابَتْنَا السَّمَاءُ) الْجُمْلَتَانِ وَقَعَتَا حَالَيْنِ مُتَرَادِفَيْنِ أَوْ مُتَدَاخِلَيْنِ أَيْ لَوْ رَأَيْتُنَا حَالَ كَوْنِنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَالَ كَوْنِنَا قَدْ أَصَابَتْنَا السَّمَاءُ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ على جواز لبس الصوف قال بن بطال كره ملك لُبْسَ الصُّوفِ لِمَنْ يَجِدُ غَيْرَهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الشُّهْرَةِ بِالزُّهْدِ لِأَنَّ إِخْفَاءَ الْعَمَلِ أَوْلَى قَالَ وَلَمْ يَنْحَصِرِ لِلتَّوَاضُعِ فِي لُبْسِهِ بَلْ فِي الْقُطْنِ وَغَيْرِهِ مَا هُوَ بِدُونِ ثَمَنِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَيْضًا نَحْوَهُ وَزَادَ فِي آخِرِهِ إِنَّمَا لِبَاسُنَا الصُّوفُ وَطَعَامُنَا الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ 1 - باب [2481] قَوْلُهُ (مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ) أَيْ لُبْسَ الثِّيَابِ الْحَسَنَةِ الْمُرْتَفِعَةِ الْقِيمَةِ (تَوَاضُعًا لِلَّهِ) أَيْ لَا لِيُقَالَ إِنَّهُ مُتَوَاضِعٌ أَوْ زَاهِدٌ وَنَحْوُهُ وَالنَّاقِدُ بصير (دعاه الله يوم القيامة على روؤس الْخَلَائِقِ) أَيْ يُشَهِّرُهُ وَيُنَادِيهِ (مِنْ أَيِّ حُلَلِ الْإِيمَانِ) أَيْ مِنْ أَيِّ حُلَلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَفِي حَدِيثِ رَجُلٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَبِيهِ قال قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم من تَرَكَ لُبْسَ ثَوْبِ جَمَالٍ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ بِشْرٌ أَحْسَبُهُ قَالَ تَوَاضُعًا كَسَاهُ اللَّهُ حُلَّةَ الْكَرَامَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي حَدِيثٍ ولم يسم بن الصَّحَابِيِّ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ زِيَّانِ بْنِ فَائِدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِيهِ بِزِيَادَةٍ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَحَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ هَذَا ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَقَالَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْحَاكِمُ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنَ الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ فِي أَحَدِهِمَا صَحِيحُ الْإِسْنَادِ انْتَهَى قُلْتُ لَيْسَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَنَا قَوْلُ للترمذي حَدِيثٌ حَسَنٌ [2482] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا زَافِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ) بِالْفَاءِ الْإِيَادِيُّ أَبُو سُلَيْمَانَ الْقُهُسْتَانِيُّ بِضَمِّ الْقَافِ وَالْهَاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ سَكَنَ الرَّيَّ ثُمَّ بَغْدَادَ وَوَلِيَ قَضَاءَ سِجِسْتَانَ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْأَوْهَامِ مِنَ التاسعة (عن إسرائيل) هو بن يُونُسَ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ (النَّفَقَةُ كُلُّهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فَيُؤَخِّرُ الْمُنْفَقَ عَلَيْهَا (إِلَّا الْبِنَاءَ) أَيْ إِلَّا النَّفَقَةَ فِي الْبِنَاءِ (فَلَا خَيْرَ فِيهِ) أَيْ فِي الْإِنْفَاقِ فِيهِ فَلَا أَجْرَ فِيهِ وَهَذَا فِي بِنَاءٍ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ قُرْبَةٌ أَوْ كَانَ فَوْقَ الْحَاجَةِ قَوْلُهُ (هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ شَبِيبُ بْنُ بَشِيرٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَبِيبُ بْنُ بِشْرٍ) قَالَ فِي التقريب شبيب بوزن طويل بن بشر أو بن بَشِيرٍ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ الْخَامِسَةِ [2483] قوله (أخبرنا شريك) هو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيُّ (عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُغَرِّبٍ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ قَبْلهَا مُعْجَمَةٌ الْعَبْدِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ غَلِطَ مَنْ نَقَلَ عَنِ بن المدني أنه تركه قوله (أتينا خبابا) بموحدين الأول مثقلة بن الأرث بِتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ التَّمِيمِيِّ مِنَ السَّابِقِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَكَانَ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ وَشَهِدَ بَدْرًا ثُمَّ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ سَبْعٍ

وَثَلَاثِينَ (وَقَدِ اكْتَوَى سَبْعَ كَيَّاتٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْكَيُّ عِلَاجٌ مَعْرُوفٌ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنِ الْكَيِّ فَقِيلَ النَّهْيُ لِأَجْلِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ أَنَّ الشِّفَاءَ مِنْهُ وَأَمَّا إِذَا اعْتُقِدَ أَنَّهُ سَبَبٌ وَأَنَّ الشَّافِيَ هُوَ اللَّهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ ويَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ مِنْ قِبَلِ التَّوَكُّلِ وَهُوَ دَرَجَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْجَوَازِ انْتَهَى ويُؤَيِّدُهُ خَبَرُ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (لَا تمنوا الموت) بحذف إحدى التائين أَيْ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ وَإِنَّمَا نُهِيَ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِمَا فِيهِ مِنْ طَلَبِ إِزَالَةِ نِعْمَةِ الْحَيَاةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْفَوَائِدِ ولزيادة العمل (لتنميته) أَيْ لِأَسْتَرِيحَ مِنْ شِدَّةِ الْمَرَضِ الَّذِي مِنْ شَأْنِ الْجِبِلَّةِ الْبَشَرِيَّةِ أَنْ تَنْفِرَ مِنْهُ وَلَا تَصْبِرَ عَلَيْهِ (وَقَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُؤْجَرُ الرَّجُلُ فِي نَفَقَتِهِ) أَيْ كُلِّهَا (إِلَّا التُّرَابَ) أَيْ إِلَّا النَّفَقَةَ فِي التُّرَابِ (أَوْ قَالَ فِي التُّرَابِ) شَكٌّ من الرواي أَيْ فِي نَفَقَتِهِ فِي الْبُنْيَانِ الَّذِي لَمْ يَقْصِدْ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ أَوْ قَدْ زَادَ عَلَى الْحَاجَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ [2480] قَوْلُهُ (حدثنا الجارود) هو بن مُعَاذٍ السُّلَمِيُّ التِّرْمِذِيُّ (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) الظَّاهِرُ أَنَّ أَبَا حَمْزَةَ هَذَا هُوَ مَيْمُونُ الْأَعْوَرُ الْقَصَّابُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ رَوَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ (عن إبراهيم) هو بن يزيد النخعي قوله (البناء وكله وبال) أَيْ إِذَا كَانَ فَوْقَ الْحَاجَةِ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ كَالْمَسْجِدِ (قُلْتُ أَرَأَيْتُ إِلَخْ) أَيْ أَخْبِرْنِي عَنْ بِنَاءٍ لَا بُدَّ مِنْهُ (قَالَ لَا أَجْرَ وَلَا وِزْرَ) أَيْ لَا أَجْرَ لِصَاحِبِهِ وَلَا وِزْرَ عَلَيْهِ هَذَا قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا كُلُّ بِنَاءٍ وَبَالٌ عَلَى صَاحِبِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَسْجِدًا كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ إِلَّا مَسْجِدًا أَيْ أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا

بُنِيَ يُقْصَدُ قُرْبَةً إِلَى اللَّهِ كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ وَاسْتَثْنَى فِي خَبَرٍ آخَرَ مَا لَا بُدَّ منه لحاجة الانسان انتهى 2 - باب [2484] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ طَهْمَانَ أَبُو الْعَلَاءِ) الْكُوفِيُّ الْخَفَّافُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ ثم اختلط من الخامسة (حدثني حُصَيْنُ) بْنُ مَالِكٍ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي أَجْرِ مَنْ كَسَا مُسْلِمًا ثَوْبًا قَوْلُهُ (إِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنَ (لَحَقٌّ) اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ (أَنْ نَصِلَكَ) أَيْ نُعْطِيكَ (إِلَّا كَانَ فِي حِفْظِ اللَّهِ) فَيَحْفَظُهُ اللَّهُ مِنْ مَكَارِهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (مَا دَامَ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الثَّوْبِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ كَسَاهُ (خِرْقَةٌ) أَيْ قِطْعَةٌ قَالَ الْمُنَاوِيُّ يَعْنِي حَتَّى يَبْلَى وَقَالَ وَمَفْهُومُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَوْ كَسَا ذِمِّيًّا لَا يَكُونُ لَهُ هَذَا الْوَعْدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ طَهْمَانَ وَلَفْظُ الْحَاكِمِ مَنْ كَسَا مُسْلِمًا ثَوْبًا لَمْ يَزَلْ فِي سِتْرِ اللَّهِ مَا دَامَ عَلَيْهِ مِنْهُ خَيْطٌ أَوْ سِلْكٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ انْتَهَى قُلْتُ خالد بن طهمان اختلط في اخره عُمُرِهِ كَمَا عَرَفْتَ قَوْلُهُ (وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الّقَطَّانُ (عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى) بِضَمِّ الزاي العامري

الحوشي بِمُهْمَلَةٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ الْبَصْرِيُّ قَاضِيهَا ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ مَاتَ فَجْأَةً [2485] فِي الصَّلَاةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ) بِالتَّخْفِيفِ الْإِسْرَائِيلِيِّ هُوَ أَبُو يُوسُفَ حَلِيفُ بَنِي الْخَزْرَجِ قِيلَ كَانَ اسْمُهُ الْحُسَيْنَ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ مَشْهُورٌ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ (يَعْنِي الْمَدِينَةَ) هَذَا قَوْلُ بَعْضِ رُوَاةِ الْحَدِيثِ (انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ) أَيْ ذَهَبُوا مُسْرِعِينَ إِلَيْهِ يُقَالُ جَفَلَ وَأَجْفَلَ وَانْجَفَلَ (فَلَمَّا اسْتَبَنْتُ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ فِي الصُّرَاحِ اسْتَبَانَ الشَّيْءَ أَيْ ظَهَرَ وَتَبَيَّنَ مِثْلُهُ وَاسْتَبَنْتُهُ أَنَا عَرَفْتُهُ وَتَبَيَّنْتُهُ أَنَا كَذَلِكَ انْتَهَى (لَيْسَ بِوَجْهِ كذاب) بالإضافة وينون أي يوجه ذِي كَذِبٍ فَإِنَّ الظَّاهِرَ عِنْوَانُ الْبَاطِنِ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) خِطَابُ الْعَامِّ بِكَلِمَاتٍ جَامِعَةٍ لِلْمُعَامَلَةِ مَعَ الْخُلُقِ وَالْحَقِّ (أَفْشُوا السَّلَامَ) أَيْ أَظْهِرُوهُ وَأَكْثِرُوهُ عَلَى مَنْ تَعْرِفُونَهُ وَعَلَى مَنْ لَا تَعْرِفُونَهُ (وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ) أَيْ لِنَحْوِ الْمَسَاكِينِ وَالْأَيْتَامِ (وَصَلُّوا) أَيْ بِاللَّيْلِ (وَالنَّاسُ نِيَامٌ) لِأَنَّهُ وَقْتُ الْغَفْلَةِ فَلِأَرْبَابِ الْحُضُورِ مَزِيدُ الْمَثُوبَةِ أَوْ لِبُعْدِهِ عَنِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ (تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ) أَيْ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ مَلَائِكَتِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ أَوْ تَعَبٍ وَمَشَقَّةٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وأخرجه بن ماجه والدرامي قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ) هُوَ الطَّوِيلُ قَوْلُهُ [2487] (لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ) أَيْ حِينَ جَاءَهَا أَوَّلَ قُدُومِهِ (أَتَاهُ المهاجرون) أي بعد ما قَامَ الْأَنْصَارُ بِخِدْمَتِهِمْ وَإِعْطَائِهِمْ أَنْصَافَ دُورِهِمْ وَبَسَاتِينِهِمْ إِلَى أَنَّ بَعْضَهُمْ طَلَّقَ أَحْسَنَ نِسَائِهِ لِيَتَزَوَّجَهَا بَعْضُ الْمُهَاجِرِينَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بقوله والذين تبوءوا الدار والإيمان من قلبهم يحبون من هاجر إليهم ولا يحدون فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنفسهم ولو كان بهم خصاصة (فَقَالُوا) أَيِ الْمُهَاجِرُونَ (مَا رَأَيْنَا قَوْمًا

أَبْذَلَ مِنْ كَثِيرٍ) أَيْ مِنْ مَالٍ كَثِيرٍ (وَلَا أَحْسَنَ مُوَاسَاةً مِنْ قَلِيلٍ) أَيْ مِنْ مَالٍ قَلِيلٍ (مِنْ قَوْمٍ نَزَلْنَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ) أَيْ عِنْدَهُمْ وَفِيمَا بَيْنَهُمْ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ أَحْسَنُوا إِلَيْنَا سَوَاءٌ كَانُوا كَثِيرِي الْمَالِ أَوْ فَقِيرِي الْحَالِ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْجَارَّانِ أَعْنِي مِنْ قَلِيلٍ وَمِنْ كَثِيرٍ مُتَعَلِّقَانِ بِالْبَذْلِ وَالْمُوَاسَاةِ وقوله من قوم صلة لا بذل وأحسن عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ وَقَوْمٌ هُوَ الْمُفَضَّلُ وَالْمُرَادُ بِالْقَوْمِ الْأَنْصَارُ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ إِلَيْهِ لِيَدُلَّ التَّنْكِيرُ عَلَى التَّفْخِيمِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ إِجْرَاءِ الْأَوْصَافِ التَّالِيَةِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِبْهَامِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ لِأَنَّ التَّبْيِينَ بَعْدَ الْإِبْهَامِ أَوْقَعُ فِي النَّفْسِ وَأَبْلَغُ (لَقَدْ كَفَوْنَا) مِنَ الْكِفَايَةِ (الْمُؤْنَةَ) أَيْ تَحَمَّلُوا عَنَّا مُؤْنَةَ الْخِدْمَةِ فِي عِمَارَةِ الدُّورِ وَالنَّخِيلِ وَغَيْرِهِمَا (وَأَشْرَكُونَا) أَيْ مِثْلَ الْإِخْوَانِ (فِي الْمَهْنَأِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالنُّونِ وَهَمْزٍ فِي آخِرِهِ مَا يَقُومُ بِالْكِفَايَةِ وَإِصْلَاحِ الْمَعِيشَةِ وَقِيلَ مَا يَأْتِيكَ بلا تعب قال بن الْمَلَكِ وَالْمَعْنَى أَشْرَكُونَا فِي ثِمَارِ نَخِيلِهِمْ وَكَفَوْنَا مُؤْنَةَ سَقْيِهَا وَإِصْلَاحِهَا وَأَعْطَوْنَا نِصْفَ ثِمَارِهِمْ وَقَالَ الْقَاضِي يُرِيدُونَ بِهِ مَا أَشْرَكُوهُمْ فِيهِ مِنْ زُرُوعِهِمْ وَثِمَارِهِمْ (حَتَّى لَقَدْ خِفْنَا أَنْ يَذْهَبُوا) أَيِ الْأَنْصَارُ (بِالْأَجْرِ كُلِّهِ) أَيْ بِأَنْ يُعْطِيَهُمُ اللَّهُ أَجْرَ هِجْرَتِنَا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَجْرَ عِبَادَتِنَا كُلِّهَا مِنْ كَثْرَةِ إِحْسَانِهِمْ إِلَيْنَا (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا) أَيْ لَا يَذْهَبُونَ بِكُلِّ الْأَجْرِ فَإِنَّ فَضْلَ اللَّهِ وَاسِعٌ فَلَكُمْ ثَوَابُ الْعِبَادَةِ وَلَهُمْ أَجْرُ الْمُسَاعَدَةِ (مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ) أَيْ مَا دُمْتُمْ تَدْعُونَ لَهُمْ بِخَيْرٍ فَإِنَّ دُعَاءَكُمْ يَقُومُ بِحَسَنَاتِهِمْ إِلَيْكُمْ وَثَوَابَ حَسَنَاتِكُمْ رَاجِعٌ عَلَيْكُمْ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ يَعْنِي إِذْ حَمَلُوا الْمَشَقَّةَ وَالتَّعَبَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَشْرَكُونَا فِي الرَّاحَةِ وَالْمَهْنَأِ فَقَدْ أَحْرَزُوا الْمَثُوبَاتِ فَكَيْفَ نُجَازِيهِمْ فَأَجَابَ لَا أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ فَإِنَّكُمْ إِذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ شُكْرًا لِصَنِيعِهِمْ وَدُمْتُمْ عليه فقد جاز يتموه قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي 3

ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (حَدَّثَنِي أَبِي) هُوَ مَعْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَعْنِ بْنِ نَضْلَةَ الْغِفَارِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (الطَّاعِمُ الشَّاكِرُ) أَيْ الله تَعَالَى بِمَنْزِلَةِ الصَّائِمِ الصَّابِرِ لِأَنَّ الطُّعْمَ فِعْلٌ وَالصَّوْمَ كَفٌّ فَالطَّاعِمُ بِطُعْمِهِ يَأْتِي رَبَّهُ بِالشُّكْرِ وَالصَّائِمُ بِكَفِّهِ عَنِ الطُّعْمِ يَأْتِيهِ بِالصَّبْرِ قَالَ القارىء أَقَلُّ شُكْرِهِ أَنْ يُسَمِّيَ إِذَا أَكَلَ وَيَحْمَدَ إِذَا فَرَغَ وَأَقَلُّ صَبْرِهِ أَنْ يَحْبِسَ نَفْسَهُ عَنْ مُفْسِدَاتِ الصَّوْمِ قَالَ الْمُظَهَّرُ هَذَا تَشْبِيهٌ فِي أَصْلِ اسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْأَجْرَ لَا فِي الْمِقْدَارِ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ زَيْدٌ كَعَمْرٍو وَمَعْنَاهُ زَيْدٌ يُشْبِهُ عَمْرًا فِي بَعْضِ الخصال ولا يلزم الممائلة في جميعها فلا يلزم الممائلة فِي الْأَجْرِ أَيْضًا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَصَحَّحَهُ وَأَقَرُّوهُ وَرَوَى أحمد وبن مَاجَهْ عَنْ سِنَانِ بْنِ سَنَّةَ مَرْفُوعًا الطَّاعِمُ الشاكر له مثل أجر الصائم الصاب [2488] ر قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْأَوْدِيِّ) الْكُوفِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَأَخْرَجَ لَهُ فِي صَحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (بِمِنْ يُحَرَّمُ) بِضَمِّ الرَّاءِ (عَلَى النَّارِ) أَيْ يُمْنَعُ عَنْهَا (وَبِمَنْ تُحَرَّمُ عليه النار) قال القارىء زِيَادَةُ تَأْكِيدٍ وَإِلَّا فَالْمَعْنَيَانِ مُتَلَازِمَانِ وَلَمَّا كَانَ مآلهما واحد اكْتَفَى بِالْجَوَابِ عَنِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ الْمُعَوَّلُ وَالثَّانِي مُؤَكِّدٌ (عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ) أَيْ إِلَى النَّاسِ وَلَمْ يَقَعْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَفْظُ عَلَى (هَيِّنٍ) وَفِي الْمِشْكَاةِ عَلَى كُلِّ هَيِّنٍ لَيِّنٍ قال القارىء بتشديد التحتية فبهما أَيْ تُحَرَّمُ عَلَى كُلِّ سَهْلٍ طَلْقٍ حَلِيمٍ لَيِّنِ الْجَانِبِ قِيلَ هُمَا يُطْلَقَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ بالتثقيل

والتخفيف وعلى غيره بالتشديد وعن بن الْأَعْرَابِيِّ بِالتَّخْفِيفِ لِلْمَدْحِ وَبِالتَّشْدِيدِ لِلذَّمِّ ثُمَّ قَوْلُهُ هَيِّنٍ فَيْعِلٌ مِنَ الْهَوْنِ وَهُوَ السُّكُونُ وَالْوَقَارُ وَالسُّهُولَةُ فَعَيْنُهُ وَاوٌ فَأُبْدِلَتْ وَأُدْغِمَتْ انْتَهَى (سَهْلٍ) هُوَ ضِدُّ الصَّعْبِ أَيْ سَهْلِ الْخُلُقِ كَرِيمِ الشَّمَائِلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ [2489] قَوْلُهُ (قَالَتْ كَانَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَكُونُ فِي مَهْنَةِ أَهْلِهِ) وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ آدَمَ عَنْ شُعْبَةَ فِي بَابِ مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَهْلِهِ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَخَرَجَ وَزَادَ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ قَالَ الْحَافِظُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ الْهَاءِ فِيهِمَا وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْحَدِيثِ بِالْخِدْمَةِ وَهِيَ مِنْ تَفْسِيرِ آدَمَ بْنِ أَبِي إِيَاسٍ شَيْخِ الْمُصَنِّفِ وَقَالَ فِي الصِّحَاحِ الْمَهْنَةُ بِالْفَتْحِ الْخِدْمَةُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ لَكِنْ فَسَّرَهَا صَاحِبُ الْمُحْكَمِ بِأَخَصَّ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْمِهْنَةُ الْحِذْقُ بِالْخِدْمَةِ وَالْعَمَلُ وَقَدْ وَقَعَ مُفَسَّرًا فِي الشَّمَائِلِ لِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ بِلَفْظِ مَا كَانَ إِلَّا بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يُفَلِّي ثَوْبَهُ وَيَحْلِبُ شَاتَهُ وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ ولأحمد وبن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ عُرْوَةَ عَنْهَا يَخِيطُ ثَوْبَهُ ويخصف نعله وزاد بن حِبَّانَ وَيَرْفَعُ دَلْوَهُ وَزَادَ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ وَلَا رَأَيْتُهُ ضَرَبَ بِيَدِهِ امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا وَالْحَدِيثُ فِيهِ التَّرْغِيبُ فِي التَّوَاضُعِ وَتَرْكِ التَّكَبُّرِ وَخِدْمَةِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2490] 35 قَوْلُهُ (لَا يَنْزِعُ) بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمْ يُرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَمْ

يبصر (مقدما) بكسر الذال الْمُشَدَّدَةِ (رُكْبَتَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ جَلِيسٍ لَهُ) أَيْ مُجَالِسٍ لَهُ قِيلَ أَيْ مَا كَانَ يَجْلِسُ فِي مَجْلِسٍ تَكُونُ رَكِبَتَاهُ مُتَقَدِّمَتَيْنِ عَلَى رُكْبَتَيْ صَاحِبِهِ كَمَا يَفْعَلُ الْجَبَابِرَةُ فِي مَجَالِسِهِمْ وَقِيلَ مَا كَانَ يَرْفَعُ رُكْبَتَيْهِ عِنْدَ مَنْ يُجَالِسُهُ بل كان يخفضها تَعْظِيمًا لِجَلِيسِهِ وَقَالُوا أَرَادَ بِالرُّكْبَتَيْنِ الرِّجْلَيْنِ وَتَقْدِيمُهُمَا مَدُّهُمَا وَبَسْطُهُمَا كَمَا يُقَالُ قَدَّمَ رِجْلًا وَأَخَّرَ أُخْرَى وَمَعْنَاهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمُدُّ رِجْلَهُ عِنْدَ جَلِيسِهِ تَعْظِيمًا لَهُ قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ وَفِي قَوْلِهِ كَانَ لَا ينزع يده قيل نَزْعِ صَاحِبِهِ تَعْلِيمٌ لِأُمَّتِهِ فِي إِكْرَامِ صَاحِبِهِ وَتَعْظِيمِهِ فَلَا يَبْدَأُ بِالْمُفَارَقَةِ عَنْهُ وَلَا يُهِينُهُ بِمَدِّ الرِّجْلَيْنِ إِلَيْهِ 6 - [2491] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ السائب بن مالك أو بن زَيْدٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (خَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فِي حُلَّةٍ) بِضَمِّ الحاء المهملة وتشديد اللام إزار ورداء بردأو غَيْرُهُ وَلَا يَكُونُ حُلَّةً إِلَّا مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ ثَوْبٍ لَهُ بِطَانَةٌ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (يَخْتَالُ فِيهَا) مِنَ الِاخْتِيَالِ وَهُوَ التَّكَبُّرُ فِي الْمَشْيِ (فَأَخَذَتْهُ) أَيِ ابْتَلَعَتْهُ (فَهُوَ مُتَجَلْجِلٌ أَوْ قَالَ يَتَلَجْلَجُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) أَيْ يَغُوصُ فِي الْأَرْضِ وَيَضْطَرِبُ فِي نُزُولِهِ فِيهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ بن عُمَرَ بِلَفْظِ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [2492] قَوْلُهُ (يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ) أَيْ فِي الصِّغَرِ وَالْحَقَارَةِ (فِي صُوَرِ

الرِّجَالِ) أَيْ مِنْ جِهَةِ وُجُوهِهِمْ أَوْ مِنْ حَيْثِيَّةِ هَيْئَتِهِمْ مِنَ انْتِصَابِ الْقَامَةِ (يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ) أَيْ يَأْتِيهِمْ (مِنْ كُلِّ مَكَانٍ) أَيْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ فِي غَايَةٍ من المذلة والنقيصة يطأهم أَهْلُ الْحَشْرِ بِأَرْجُلِهِمْ مِنْ هَوَانِهِمْ عَلَى اللَّهِ وَفِي النِّهَايَةِ الذَّرُّ النَّمْلُ الْأَحْمَرُ الصَّغِيرُ وَاحِدُهَا ذَرَّةٌ (يُسَاقُونَ) بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ يُسْحَبُونَ وَيُجَرُّونَ (إِلَى سِجْنٍ) أَيْ مَكَانِ حَبْسٍ مُظْلِمٍ مَضِيقٍ مُنْقَطِعٍ فِيهِ عَنْ غَيْرِهِ (يُسَمَّى) أَيْ ذَلِكَ السِّجْنُ (بَوْلَسَ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ هُوَ بِفَتْحِ بَاءٍ وَسُكُونِ وَاوٍ وَفَتْحِ لَامٍ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ بُولَسُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ سِجْنُ جَهَنَّمَ وَقَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ هُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ اللَّامِ انْتَهَى (تَعْلُوهُمْ) أَيْ تُحِيطُ بِهِمْ وَتَغْشَاهُمْ كَالْمَاءِ يَعْلُو الْغَرِيقَ (نَارُ الْأَنْيَارِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَمْ أَجِدْهُ مَشْرُوحًا وَلَكِنْ هَكَذَا يُرْوَى فَإِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ نَارُ النِّيرَانِ فَجَمَعَ النَّارَ عَلَى أَنْيَارٍ وَأَصْلُهَا أَنْوَارٍ لِأَنَّهَا مِنَ الْوَاوِ كَمَا جَاءَ فِي رِيحٍ وَعِيدٍ أَرْيَاحٌ وَأَعْيَادٌ وَهُمَا مِنَ الْوَاوِ انْتَهَى قِيلَ إِنَّمَا جُمِعَ نَارٌ عَلَى أَنْيَارٍ وَهُوَ وَاوِيٌّ لِئَلَّا يَشْتَبِهَ بِجَمْعِ النُّورِ قَالَ الْقَاضِي وَإِضَافَةُ النَّارِ إِلَيْهَا لِلْمُبَالَغَةِ كَأَنَّ هَذِهِ النَّارَ لِفَرْطِ إِحْرَاقِهَا وَشِدَّةِ حَرِّهَا تَفْعَلُ بِسَائِرِ النِّيرَانِ مَا تَفْعَلُ النَّارُ بغيرها انتهى قال القارىء أَوْ لِأَنَّهَا أَصْلُ نِيرَانِ الْعَالَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَارُكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْبَيْضَاوِيُّ انْتَهَى (وَيُسْقَوْنَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ مَا يَسِيلُ مِنْهُمْ مِنَ الصَّدِيدِ وَالْقُبْحِ وَالدَّمِ (طِينَةِ الْخَبَالِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ وَالْخَبَالُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْفَسَادُ وَيَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَبْدَانِ وَالْعُقُولِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ كَمَا فِي التَّرْغِيبِ وَأَخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُجَاءُ بِالْجَبَّارِينَ والمتكبرين رجال في صور الذر يطأهم النَّاسُ مِنْ هَوَانِهِمْ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ ثُمَّ يُذْهِبُ بِهِمْ إِلَى نَارِ الْأَنْيَارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا نَارُ الْأَنْيَارِ قَالَ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْبُدُورِ السَّافِرَةِ فِي أَحْوَالِ الْآخِرَةِ

(تَنْبِيهٌ) حَمَلَ بَعْضُهُمْ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْشَرُ الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ عَلَى الْمَجَازِ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى الْمَجَازِ دُونَ الْحَقِيقَةِ أَيْ أذلاء مهانين يطأهم النَّاسُ بِأَرْجُلِهِمْ وَإِنَّمَا مَنَعَنَا عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِهِ مَا أَخْبَرَنَا بِهِ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَجْسَادَ تُعَادُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَجْزَاءِ حَتَّى إِنَّهُمْ يُحْشَرُونَ غُرْلًا يُعَادُ مِنْهُمْ مَا انْفَصَلَ عَنْهُمْ مِنَ الْقُلْفَةِ وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ بِقَوْلِهِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ قَالَ الْأَشْرَفُ إِنَّمَا قَالَ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ بَعْدَ قَوْلِهِ أَمْثَالَ الذر قطعا منه حمل قَوْلِهِ أَمْثَالَ الذَّرِّ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَدَفْعًا لِوَهْمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُتَكَبِّرَ لَا يُحْشَرُ فِي صُورَةِ الْإِنْسَانِ وَتَحْقِيقًا لِإِعَادَةِ الْأَجْسَادِ الْمَعْدُومَةِ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَجْزَاءِ وَقَالَ الْمُظَهَّرُ يَعْنِي صُوَرُهُمْ صُوَرُ الْإِنْسَانِ وَجُثَّتُهُمْ كَجُثَّةِ الذَّرِّ فِي الصِّغَرِ قَالَ الطِّيبِيُّ لَفْظُ الْحَدِيثِ يُسَاعِدُ هَذَا الْمَعْنَى لِأَنَّ قَوْلَهُ أَمْثَالَ الذَّرِّ تَشْبِيهٌ لَهُمْ بِالذَّرِّ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ وَجْهِ الشَّبَهِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الشَّبَهِ الصِّغَرَ فِي الْجُثَّةِ وَأَنْ يَكُونَ الْحَقَارَةَ وَالصَّغَارَ فَقَوْلُهُ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ بَيَانٌ لِلْوَجْهِ وَدَفْعُ وَهْمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ خِلَافَهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ الْأَجْسَادَ تُعَادُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَجْزَاءِ فَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لَا تُعَادَ تِلْكَ الْأَجْزَاءُ الْأَصْلِيَّةُ فِي مِثْلِ الذَّرِّ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَيْهِ وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ وَعَلَى هَذِهِ الْحَقَارَةِ مَلْزُومُ هَذَا التَّرْكِيبِ فَلَا يُنَافِي إِرَادَةَ الْجُثَّةِ مَعَ الْحَقَارَةِ قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَجْسَادَ تُعَادُ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الأجزاء حتى أنهم يحشرون غرلا قال القارىء التَّحْقِيقُ أَنَّ اللَّهَ يُعِيدُهُمْ عِنْدَ إِخْرَاجِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ عَلَى أَكْمَلِ صُوَرِهِمْ وَجَمْعِ أَجْزَائِهِمُ الْمَعْدُومَةِ تَحْقِيقًا لِوَصْفِ الْإِعَادَةِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ ثُمَّ يَجْعَلُهُمْ فِي مَوْقِفِ الْجَزَاءِ عَلَى الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ إهانة وتذليلا لهم جزاءا وِفَاقًا أَوْ يَتَصَاغَرُونَ مِنَ الْهَيْبَةِ الْإِلَهِيَّةِ عِنْدَ مَجِيئِهِمْ إِلَى مَوْضِعِ الْحِسَابِ وَظُهُورِ أَثَرِ الْعُقُوبَةِ السُّلْطَانِيَّةِ الَّتِي لَوْ وُضِعَتْ عَلَى الْجِبَالِ لَصَارَتْ هَبَاءً مَنْثُورًا انْتَهَى [2493] 37 قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ) هُوَ أَبُو عَبْدِ الرحمن المقرئ

قَوْلُهُ (مَنْ كَظَمَ غَيْظًا) أَيْ كَفَّ عَنْ إِمْضَائِهِ (وَهُوَ يَقْدِرُ أَنْ يُنْفِذَهُ) مِنَ التَّنْفِيذِ أَيْ يَقْدِرُ عَلَى إِمْضَائِهِ وَإِنْفَاذِهِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (دعاه الله على رؤوس الْخَلَائِقِ) أَيْ شَهَرَهُ بَيْنَ النَّاسِ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَتَبَاهَى بِهِ وَيُقَالُ فِي حَقِّهِ هَذَا الَّذِي صَدَرَتْ مِنْهُ هَذِهِ الْخَصْلَةُ الْعَظِيمَةُ قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا حُمِدَ الْكَظْمُ لِأَنَّهُ قَهْرٌ لِلنَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وَلِذَلِكَ مَدَحَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ وَالْكَاظِمِينَ الغيظ والعافين عن الناس قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ [2494] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ) النَّيْسَابُورِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ أَبِي عَمْرٍو (الْغِفَارِيُّ) أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ مَتْرُوكٌ وَنَسَبَهُ بن حِبَّانَ إِلَى الْوَضْعِ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنِي أَبِي) اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ الْمَدَنِيُّ مَجْهُولٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ أَخِيهِ مُحَمَّدٍ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (نَشَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ) بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مِنَ النَّشْرِ ضِدُّ الطَّيِّ (كَنَفَهُ) بِكَافٍ وَنُونٍ وَفَاءٍ مَفْتُوحَاتٍ وَهُوَ الْجَانِبُ وَالنَّاحِيَةُ وَهَذَا تَمْثِيلٌ لِجَعْلِهِ تَحْتَ ظِلِّ رَحْمَتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ جَنَّتَهُ وَالْإِضَافَةُ لِلتَّشْرِيفِ (وَالشَّفَقَةُ على الوالدين) أي الأصلين وإن علوا (وإحسان إِلَى الْمَمْلُوكِ) أَيْ مَمْلُوكِ الْإِنْسَانِ نَفْسِهِ وَكَذَا غَيْرُهُ بِنَحْوِ إِعَانَةٍ أَوْ شَفَاعَةٍ عِنْدَ سَيِّدِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَأَبُوهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ

[2495] قَوْلُهُ (يَا عِبَادِي) قَالَ الطِّيبِيُّ الْخِطَابُ لِلثَّقَلَيْنِ لِتَعَاقُبِ التَّقْوَى وَالْفُجُورِ فِيهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعُمَّ الْمَلَائِكَةَ فَيَكُونُ ذِكْرُهُمْ مُدْرَجًا فِي الْجِنِّ لِشُمُولِ الِاجْتِنَانِ لَهُمْ وَتَوَجُّهُ هَذَا الْخِطَابِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صُدُورِ الْفُجُورِ وَلَا عَلَى إِمْكَانِهِ انْتَهَى قُلْتُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ (إِلَّا مَنْ هَدَيْتُ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ وَصْفُهُمْ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَنَّهُمْ خُلِقُوا فِي الضَّلَالَةِ وَالْأَظْهَرُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُمْ لَوْ تُرِكُوا بِمَا فِي طِبَاعِهِمْ لَضَلُّوا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فِي ظُلْمَةٍ ثُمَّ رَشَّ عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ وَهُوَ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْفِطْرَةِ التَّوْحِيدُ وَالْمُرَادُ بِالضَّلَالَةِ جَهَالَةُ تَفْصِيلِ أَحْكَامِ الْإِيمَانِ وَحُدُودِ الْإِسْلَامِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَوَجَدَكَ ضَالًّا (وَكُلُّكُمْ مُذْنِبٌ) قِيلَ أَيْ كُلُّكُمْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الذَّنْبُ (إِلَّا مَنْ عَافَيْتُ) أَيْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ أَيْ عَصَمْتُ وَحَفِظْتُ وَإِنَّمَا قَالَ عَافَيْتُ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الذَّنْبَ مَرَضٌ ذَاتِيٌّ وَصِحَّتُهُ عِصْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَحِفْظُهُ مِنْهُ أَوْ كُلُّكُمْ مُذْنِبٌ بِالْفِعْلِ وَذَنْبُ كُلٍّ بِحَسَبِ مَقَامِهِ إِلَّا مَنْ عَافَيْتُهُ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالتَّوْبَةِ (وَلَا أُبَالِي) أَيْ لَا أَكْتَرِثُ (وَلَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ) يُرَادُ بِهِ الْإِحَاطَةُ وَالشُّمُولُ (وَحَيَّكُمْ وَمَيِّتَكُمْ) تَأْكِيدٌ لِإِرَادَةِ الِاسْتِيعَابِ كَقَوْلِهِ (وَرَطْبَكُمْ وَيَابِسَكُمْ) أَيْ شَبَابَكُمْ وَشُيُوخَكُمْ أَوْ عَالِمَكُمْ وَجَاهِلَكُمْ أَوْ مُطِيعَكُمْ وَعَاصِيَكُمْ قَالَ الطِّيبِيُّ هُمَا عِبَارَتَانِ عَنِ الِاسْتِيعَابِ التَّامِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إلا في كتاب مبين وَالْإِضَافَةُ إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِينَ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِيعَابُ فِي نَوْعِ الْإِنْسَانِ فَيَكُونُ تَأْكِيدًا لِلشُّمُولِ بَعْدَ تَأْكِيدِ الِاسْتِيعَابِ وَتَقْرِيرًا بَعْدَ تَقْرِيرٍ انْتَهَى (اجْتَمَعُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ عَبْدٍ مِنْ عِبَادِي) وَهُوَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا زَادَ ذَلِكَ) أَيِ الِاجْتِمَاعُ (اجْتَمَعُوا عَلَى أَشْقَى قلب عبد

مِنْ عِبَادِي) وَهُوَ إِبْلِيسُ اللَّعِينُ (اجْتَمَعُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ) أَيْ أَرْضٍ وَاسِعَةٍ مُسْتَوِيَةٍ (مَا بَلَغَتْ أُمْنِيَّتُهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ مُشْتَهَاهُ وَجَمْعُهَا الْمُنَى وَالْأَمَانِيُّ يَعْنِي كل حاجة تخطر بباله (مانقص ذَلِكَ) أَيِ الْإِعْطَاءُ أَوْ قَضَاءُ حَوَائِجِهِمْ (فَغَمَسَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ أَدْخَلَ (إِبْرَةً) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْمِخْيَطُ (ذَلِكَ) أَيْ عَدَمُ نقص ذلك عن مُلْكِي (بِأَنِّي جَوَادٌ) أَيْ كَثِيرُ الْجُودِ (وَاجِدٌ) هُوَ الَّذِي يَجِدُ مَا يَطْلُبُهُ وَيُرِيدُهُ وَهُوَ الْوَاجِدُ الْمُطْلَقُ لَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ (مَاجِدٌ) هُوَ بِمَعْنَى الْمَجِيدِ كَالْعَالِمِ بِمَعْنَى الْعَلِيمِ مِنَ الْمَجْدِ وهو سعة الكرم (إنما أمري الشيء إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَأْخِيرٍ عَنْ أَمْرِي وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ عَطَائِي كَلَامٌ وَعَذَابِي كَلَامٌ قَالَ الْقَاضِي يَعْنِي مَا أُرِيدُ إِيصَالَهُ إِلَى عَبْدٍ مِنْ عَطَاءٍ أَوْ عَذَابٍ لَا أَفْتَقِرُ إِلَى كَدٍّ وَمُزَاوَلَةِ عَمَلٍ بَلْ يَكْفِي لحصوله ووصوله تعلق الإرادة به وكن مِنْ كَانَ التَّامَّةِ أَيِ احْدُثْ فَيَحْدُثُ قَوْلُهُ (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَرَوَى مُسْلِمٌ نَحْوَهُ بِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ [2496] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الرَّازِيِّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ الْقَاضِي أَصْلُهُ كُوفِيٌّ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ سَعْدٍ مَوْلَى طَلْحَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَعْدٌ أَوْ سَعِيدٌ مَوْلَى طَلْحَةَ وَيُقَالُ طَلْحَةُ مَوْلَى سَعْدٍ مَجْهُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ

قَوْلُهُ (لَوْ لَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا مَرَّةً أَوْ مرتين حتى عد سبع مرات) جزاءه مَحْذُوفٌ أَيْ لَمْ أُحَدِّثْ ذَلِكَ الْحَدِيثَ أَحَدًا وَلَمْ أَذْكُرْهُ (كَانَ الْكِفْلُ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ اسْمُ رَجُلٍ (لَا يَتَوَرَّعُ مِنْ ذَنْبٍ) أَيْ لَا يَحْتَرِزُ وَلَا يَمْتَنِعُ (عَمِلَهُ) الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِلْكِفْلِ وَالْمَنْصُوبُ لِذَنْبٍ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لَهُ (أُرْعِدَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِرْعَادِ أَيْ زُلْزِلَتْ واضطربت من خشية الله (أكرهتك) بحذف هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ (قَالَتْ لَا) أَيْ لَمْ تُكْرِهْنِي وَلَيْسَ ارْتِعَادِي وَبُكَائِي مِنْ إِكْرَاهِكَ (فَقَالَ أَتَفْعَلِينَ أَنْتِ هَذَا) أَيْ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ (وَمَا فَعَلْتِهِ) أَيْ قَبْلَ هَذَا قَطُّ (فَهِيَ) أَيِ الدَّنَانِيرُ (لَكِ) أَيْ مِلْكٌ لَكِ يَعْنِي وَهَبْتُهَا لَكِ (وَقَالَ) أَيِ الْكِفْلُ (فَأَصْبَحَ) أَيْ دَخَلَ الْكِفْلُ في الصبح (مكتوب) كذا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِالرَّفْعِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ بِالنَّصْبِ فَإِنَّهُ خَبَرُ أَصْبَحَ أَوْ حَالٌ مِنْ ضميره قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أكثر مِنْ عِشْرِينَ مَرَّةً يَقُولُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ وَغَيْرُهَا وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (وَكَانَتْ جَدَّتُهُ سُرِّيَّةً لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) قَالَ فِي القاموس السرية بالضم

الأمة التي نوأتها بَيْتًا مَنْسُوبٌ إِلَى السِّرِّ بِالْكَسْرِ لِلْجِمَاعِ مِنْ تَغْيِيرِ النِّسَبِ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ سُرِّيَّةٌ بِالضَّمِّ عَلَى فُعْلِيَّةٍ كنيزك فراشي وَهِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى السِّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ وَإِنَّمَا ضُمَّتْ سِينُهُ لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ تَغَيَّرَتْ فِي النِّسْبَةِ كَدُهْرِيٍّ وَسُهْلِيٍّ بِالضَّمِّ فِيهِمَا مِنْ دَهْرٍ وَسَهْلٍ قَالَ الْأَخْفَشُ إِنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ السُّرُورِ لِأَنَّهُ يُسَرُّ بِهَا جَمْعُهَا سِرَارِي وَيُقَالُ مِنْهُ تَسَرَّرْتُ الْجَارِيَةَ وَتَسَرَّيْتُهَا كَمَا تَظَنَّنْتُ وَتَظَنَّيْتُ انْتَهَى [2497] 38 قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ (عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ) التَّيْمِيِّ أَبِي عَائِشَةَ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ ثَبَتٌ من الثانية (حدثنا عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ (إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ ذُنُوبُهُ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ أَيْ كَالْجِبَالِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ كَذُبَابٍ أَيْ عَظِيمَةً ثَقِيلَةً (كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ) أَيْ قَاعِدٍ فِي أصله (يخاف أن يقع عليه) قال بن أَبِي جَمْرَةَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ قَلْبَ الْمُؤْمِنِ مُنَوَّرٌ فَإِذَا رَأَى مِنْ نَفْسِهِ مَا يُخَالِفُ مَا يُنَوَّرُ بِهِ قَلْبُهُ عَظُمَ الْأَمْرُ عَلَيْهِ وَالْحِكْمَةُ فِي التَّمْثِيلِ بِالْجَبَلِ أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْمُهْلِكَاتِ قَدْ يَحْصُلُ التَّسَبُّبُ إِلَى النَّجَاةِ مِنْهُ بِخِلَافِ الْجَبَلِ إِذَا سَقَطَ عَلَى الشَّخْصِ لَا يَنْجُو مِنْهُ عَادَةً وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْخَوْفُ لِقُوَّةِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْإِيمَانِ فَلَا يَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِهَا وَهَذَا شَأْنُ الْمُؤْمِنِ أَنَّهُ دَائِمُ الْخَوْفِ وَالْمُرَاقَبَةِ يَسْتَصْغِرُ عَمَلَهُ الصالح ويخشى من صغير عمله السيء (وَإِنَّ الْفَاجِرَ) أَيِ الْفَاسِقَ (قَالَ بِهِ) أَيْ أَشَارَ إِلَيْهِ أَوْ فَعَلَ بِهِ (هَكَذَا) أَيْ دَفَعَ الذُّبَابَ بِيَدِهِ [2498] (لَلَّهُ) بِفَتْحِ اللَّامِ (بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ) أَيْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ قَالَ الطيبي لما صور حال الْمُذْنِبِ بِتِلْكَ الصُّورَةِ الْفَظِيعَةِ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْمَلْجَأَ هُوَ التَّوْبَةُ وَالرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى يَعْنِي فَحَصَلَتِ الْمُنَاسَبَةُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ مِنَ الْمَوْقُوفِ وَالْمَرْفُوعِ (مِنْ رَجُلٍ) مُتَعَلِّقٌ بِأَفْرَحَ (بِأَرْضِ

فَلَاةٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَلَاةُ الْقَفْرُ أَوْ الْمَفَازَةُ لَا مَاءَ فِيهَا وَالصَّحْرَاءُ الْوَاسِعَةُ (دَوِّيَّةٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَالْيَاءِ نِسْبَةً لِلدَّوِّ وَهِيَ الصَّحْرَاءُ الَّتِي لَا نَبَاتَ بِهَا (مَهْلَكَةٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ وَكَسْرِهَا مَوْضِعُ خَوْفِ الْهَلَاكِ (فَأَضَلَّهَا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَوَضَعَ رَأْسَهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رَاحِلَتُهُ (حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ) أَيْ أَسْبَابُهُ مِنَ الْحَرِّ وَالْعَطَشِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (حَتَّى إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ وَالْعَطَشُ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ) أَيْ فِي نَفْسِهِ وَهُوَ جَوَابُ إِذَا (أَرْجِعُ) بِلَفْظِ الْمُتَكَلِّمِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ الْمَرْفُوعَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَسْبُ قَوْلُهُ (وَفِيهِ) أَيْ وَفِي الْبَابِ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2499] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَاهِلِيُّ) أَبُو حَبِيبٍ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (كل بن آدَمَ خَطَّاءٌ) أَيْ كَثِيرُ الْخَطَأِ أَفْرَدَ نَظَرًا إلى لفظ الكل وفي رواية خطاؤون نَظَرًا إِلَى مَعْنَى الْكُلِّ قِيلَ أَرَادَ الْكُلَّ من حديث هُوَ كُلٌّ أَوْ كُلَّ وَاحِدٍ وَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَإِمَّا مَخْصُوصُونَ عَنْ ذَلِكَ وَإِمَّا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ صَغَائِرَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَإِنَّ مَا صَدَرَ عَنْهُمْ مِنْ بَابِ تَرْكِ الْأَوْلَى أَوْ يُقَالُ الزَّلَّاتُ الْمَنْقُولَةُ عَنْ بَعْضِهِمْ

مَحْمُولَةٌ عَلَى الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يكون لهم قصد إلى العصيان قاله القارىء (وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ) أَيِ الرَّجَّاعُونَ إِلَى اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حديث غريب) وأخرجه أحمد وبن ماجه والدرامي وَالْحَاكِمُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ فَقَالَ الذهبي بل فيه لين انتهى 9 - باب [2500] قَوْلُهُ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ تَعَالَى هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين قِيلَ أَكْرَمَهُمْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِتَعْجِيلِ قِرَاهُمْ وَالْقِيَامِ بِنَفْسِهِ عَلَيْهِمْ وَطَلَاقَةِ الْوَجْهِ لَهُمْ انْتَهَى قَالُوا وَإِكْرَامُ الضَّيْفِ بِطَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَطِيبِ الْكَلَامِ وَالْإِطْعَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْأَوَّلِ بِمَقْدُورِهِ وَمَيْسُورِهِ وَالْبَاقِي بِمَا حَضَرَهُ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ لِئَلَّا يَثْقُلَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَفْسِهِ وَبَعْدَ الثَّلَاثَةِ يُعَدُّ مِنَ الصَّدَقَةِ إِنْ شَاءَ فَعَلَ وَإِلَّا فَلَا (فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ) ضَبَطَهُ النَّوَوِيُّ بِضَمِّ الميم وقال الطوفي سمعناه يكبرها وَهُوَ الْقِيَاسُ كَضَرَبَ يَضْرِبُ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَرْءَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَلْيُفَكِّرْ قَبْلَ كَلَامِهِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ وَلَا يَجُرُّ إِلَى مُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ فَلْيَتَكَلَّمْ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَالسَّلَامَةُ فِي السُّكُوتِ لِئَلَّا يَجُرُّ الْمُبَاحُ إِلَى الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ وَفِي حديث أبي ذر الطويل الذي صححه بن حِبَّانَ وَمَنْ حَسَبَ كَلَامَهُ مِنْ عَمَلِهِ قَلَّ كَلَامُهُ إِلَّا فِيمَا يَعْنِيهِ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي شريح الْكَعْبِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ بن أَبِي الدُّنْيَا وَأَبُو الشَّيْخِ وَغَيْرُهُمَا كَمَا فِي التَّرْغِيبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الضِّيَافَةِ [2501] قَوْلُهُ (مَنْ صَمَتَ) أَيْ سَكَتَ عَنِ الشَّرِّ (نَجَا) أَيْ فَازَ وَظَفِرَ بِكُلِّ خَيْرٍ أَوْ نَجَا مِنْ آفَاتِ الدَّارَيْنِ قَالَ الرَّاغِبُ الصَّمْتُ أَبْلَغُ مِنَ السُّكُوتِ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَا قُوَّةَ لَهُ لِلنُّطْقِ وَفِيمَا لَهُ قُوَّةٌ لِلنُّطْقِ وَلِهَذَا قِيلَ لِمَا لَا نُطْقَ لَهُ الصَّامِتُ وَالْمُصْمَتُ وَالسُّكُوتُ يُقَالُ لِمَا لَهُ نُطْقٌ فَيَتْرُكُ اسْتِعْمَالَهُ فَالصَّمْتُ فِي الْأَصْلِ سَلَامَةٌ لَكِنْ قَدْ يَجِبُ النُّطْقُ شَرْعًا وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَيَقْتَصِرَ عَلَى الْمُهِمِّ فَفِيهِ النَّجَاةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حديث بن لَهِيعَةَ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الايمان والحديث ضعيف لضعف بن لهيعة 0 - باب [2504] قَوْلُهُ (مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ) أَيْ وَالْمُسْلِمَاتُ إِمَّا تَغْلِيبًا وَإِمَّا تَبَعًا وَيَلْحَقُ بِهِمْ أَهْلُ

الذمة حكما وفي رواية بن حِبَّانَ مِنْ سَلِمَ النَّاسُ (مِنْ لِسَانِهِ) أَيْ بِالشَّتْمِ وَاللَّعْنِ وَالْغِيبَةِ وَالْبُهْتَانِ وَالنَّمِيمَةِ وَالسَّعْيِ إِلَى السُّلْطَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (وَيَدِهِ) بِالضَّرْبِ وَالْقَتْلِ وَالْهَدْمِ وَالدَّفْعِ وَالْكِتَابَةِ بِالْبَاطِلِ وَنَحْوِهَا وَخُصَّا لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَذَى بِهِمَا أَوْ أُرِيدَ بِهِمَا مَثَلًا وَقَدَّمَ اللِّسَانَ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ بِهِ أَكْثَرُ وَأَسْهَلُ وَلِأَنَّهُ أَشَدُّ نِكَايَةً كَمَا قَالَ جِرَاحَاتُ السِّنَانِ لَهَا الْتِئَامُ وَلَا يَلْتَامُ مَا جَرَحَ اللِّسَانُ وَلِأَنَّهُ يَعُمُّ الْأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ وَابْتُلِيَ بِهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَعَبَّرَ بِهِ دُونَ الْقَوْلِ لِيَشْمَلَ إِخْرَاجَهُ اسْتِهْزَاءً بِغَيْرِهِ وَقِيلَ كَنَّى بِالْيَدِ عَنْ سَائِرِ الْجَوَارِحِ لِأَنَّ سَلْطَنَةَ الْأَفْعَالِ إِنَّمَا تَظْهَرُ بِهَا إِذْ بِهَا الْبَطْشُ وَالْقَطْعُ وَالْوَصْلُ وَالْمَنْعُ وَالْأَخْذُ فَقِيلَ فِي كُلِّ عَمَلٍ هَذَا مِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُقُوعُهُ بِهَا ثُمَّ الْحَدُّ وَالتَّعْزِيرُ وَتَأْدِيبُ الْأَطْفَالِ وَالدَّفْعُ لِنَحْوِ الْعِيَالِ وَنَحْوِهَا فَهِيَ اسْتِصْلَاحٌ وَطَلَبٌ لِلسَّلَامَةِ أَوْ مُسْتَثْنًى شَرْعًا أَوْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْأَذَى عُرْفًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [2505] 41 قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني) بالسكون أبو الحسن الكوفي نزيل واسط ضعيف من التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (مَنْ عَيَّرَ) مِنَ التَّعْيِيرِ أَيْ عَابَ (أَخَاهُ) أَيْ فِي الدِّينِ (بِذَنْبٍ) أَيْ قَدْ تَابَ مِنْهُ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ (لَمْ يَمُتْ) الضَّمِيرُ لِمَنْ (حَتَّى يَعْمَلَهُ) أَيِ الذَّنْبَ الَّذِي عَيَّرَ بِهِ أَخَاهُ وَكَأَنَّ مَنْ عَيَّرَ أَخَاهُ أَيْ عَابَهُ مِنَ الْعَارِ وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ لَزِمَ بِهِ عَيْبٌ كما في القاموس يجاري بِسَلْبِ التَّوْفِيقِ حَتَّى يَرْتَكِبَ مَا عَيَّرَ أَخَاهُ بِهِ وَذَاكَ إِذَا صَحِبَهُ إِعْجَابُهُ بِنَفْسِهِ لِسَلَامَتِهِ مِمَّا عَيَّرَ بِهِ أَخَاهُ وَفِيهِ أَنَّ ذِكْرَ الذَّنْبِ لِمُجَرَّدِ التَّعْيِيرِ قَبِيحٌ يُوجِبُ الْعُقُوبَةَ وَأَنَّهُ لَا يُذْكَرُ عَيْبُ الْغَيْرِ إِلَّا لِلْأُمُورِ السِّتَّةِ الَّتِي سَلَفَتْ مَعَ حُسْنِ الْقَصْدِ فِيهَا قَالَهُ الْأَمِيرُ فِي السُّبُلِ قُلْتُ قَدْ

ذكر الأمير هذه الأمورالستة فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْغِيبَةِ في باب الترهيب من مساوي الْأَخْلَاقِ (قَالَ أَحْمَدُ) الظَّاهِرُ أَنَّ أَحْمَدَ هَذَا هو بن مَنِيعٍ الْمَذْكُورُ شَيْخُ التِّرْمِذِيِّ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ (قَالُوا) أَيِ الْعُلَمَاءُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ بِذَنْبٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) هَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ وَمَعَ انْقِطَاعِهِ قَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فَلَعَلَّ تَحْسِينَهُ لِمَجِيئِهِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَوْ لِشَاهِدٍ لَهُ فَلَا يَضُرُّهُ انقطاعه 2 - باب [2506] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أُمِّيَّةُ بْنُ الْقَاسِمِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ الْقَاسِمُ بْنُ أُمِّيَّةَ الْحَذَّاءُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الثَّقِيلَةِ بَصْرِيٌّ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ العاشرة ضعفه بن حِبَّانَ بِلَا مُسْتَنِدٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ أُمِّيَّةُ بْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ خَطَأٌ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْأَطْرَافِ هَكَذَا وَقَعَ فِي مُسْنَدِهِ أَيِ التِّرْمِذِيِّ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ أُمِّيَّةُ بْنُ الْقَاسِمِ وَهُوَ خَطَأٌ مِنْهُ أَوْ مِنْ شَيْخِهِ وَالصَّوَابُ الْقَاسِمُ بْنُ أُمِّيَّةَ الْحَذَّاءُ الْعَبْدِيُّ (عَنْ واثلة بن الأسقع) بالقاف بن كَعْبٍ اللَّيْثِيِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ نَزَلَ الشَّامَ وَعَاشَ إِلَى سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَلَهُ مِائَةٌ وَخَمْسُ سِنِينَ قَوْلُهُ (لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ) الشَّمَاتَةُ الْفَرَحُ بِبَلِيَّةِ مَنْ يُعَادِيكَ أَوْ مَنْ تُعَادِيهِ (فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ) أَيْ فَإِنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ يرحمه الله رغما لأنفك قال القارىء فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ النَّهْيِ وَفِي نُسْخَةٍ أَيْ مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالرَّفْعِ وَهُوَ الْمُلَائِمُ لِمُرَاعَاةِ السَّجْعِ فِي عَطْفِ قَوْلِهِ وَيَبْتَلِيكَ (وَيَبْتَلِيكَ) حَيْثُ ذَكَّيْتَ نَفْسَكَ وَرَفَعْتَ مَنْزِلَتَكَ عَلَيْهِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ الْقَاسِمِ بْنِ أُمِّيَّةَ وذكره بن حِبَّانَ فِي الضُّعَفَاءِ وَقَالَ يَرْوِي عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ الْمَنَاكِيرَ الْكَثِيرَةَ ثُمَّ سَاقَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ يَعْنِي حَدِيثَ لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ وَقَالَ لَا أَصْلَ لَهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا قَالَ وَشَهَادَةُ أَبِي زُرْعَةَ وَأَبِي حَاتِمٍ لَهُ أَنَّهُ صَدُوقٌ أولى من تضعيف بن حِبَّانَ لَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَمَكْحُولٌ قَدْ سَمِعَ مِنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ إِلَخْ) أَيْ مَكْحُولٌ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيُّ قَدْ سَمِعَ مِنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ إِلَخْ (وَمَكْحُولٌ الشَّامِيُّ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ بِظَاهِرِهَا تُوهِمُ أَنَّ مَكْحُولًا الشَّامِيَّ غَيْرُ مَكْحُولٍ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَكْحُولٌ الْمَذْكُورُ هُوَ الشَّامِيُّ الْمُكَنَّى بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَكَانَ لِلتِّرْمِذِيِّ أَنْ يَقُولَ وَهُوَ مَكْحُولٌ الشَّامِيُّ وَيُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (وَمَكْحُولٌ الْأَزْدِيُّ بَصْرِيٌّ) مَكْحُولٌ الْأَزْدِيُّ هَذَا غَيْرُ مَكْحُولٍ الشَّامِيِّ الْمَذْكُورِ ذكر ها هنا لِيَتَمَيَّزَ ذَا عَنْ هَذَا قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَكْحُولٌ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (سَمِعَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِالْوَاوِ وَالْمَذْكُورُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّهُ رَوَى عَنِ بن عُمَرَ بِغَيْرِ الْوَاوِ قَوْلُهُ (عَنْ تَمِيمِ بْنِ عَطِيَّةَ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عَنْ تَمِيمٍ عَنْ عَطِيَّةَ بِلَفْظِ عن مكان بن وَهُوَ غَلَطٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ تَمِيمُ بْنُ عَطِيَّةَ الْعَنْسِيُّ الشَّامِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ السَّابِعَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ مَكْحُولٍ وَفَضَالَةَ بْنِ دِينَارٍ وَعُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَغَيْرُهُ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ أَثَرًا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ انْتَهَى قُلْتُ هُوَ هَذَا الْأَثَرُ (قَالَ كَثِيرًا مَا كُنْتُ أَسْمَعُ مَكْحُولًا يُسْأَلُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يَسْأَلُهُ النَّاسُ عَنْ مَسَائِلَ (فَيَقُولُ ندانم) أَيْ لَا أَدْرِي وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ

فَارِسِيَّةٌ وَكَانَ مَكْحُولٌ أَعْجَمِيًّا وَيُقَالُ كَانَ اسْمُ أبيه سهراب وقال بن سَعْدٍ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَانَ مَكْحُولٌ مِنْ أَهْلِ كَابِلَ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 3 - باب [2503] قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ) بْنِ عَمْرٍو الْهَمْدَانِيِّ الْوَادِعِيِّ بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ كتبته أَبُو الْوَازِعِ كُوفِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي حُذَيْفَةَ) اسْمُهُ سَلَمَةُ بْنُ صُهَيْبٍ وَيُقَالُ بن صُهَيْبَةَ وَيُقَالُ غَيْرُ ذَلِكَ الْأَرْحَبِيُّ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَا أُحِبُّ أَنِّي حَكَيْتُ أَحَدًا) أَيْ فَعَلْتُ مِثْلَ فِعْلِهِ يُقَالُ حَكَاهُ وَحَاكَاهُ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَبِيحِ الْمُحَاكَاةُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا) قَالَ الطِّيبِيُّ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَارِدَةٌ عَنِ التَّتْمِيمِ وَالْمُبَالَغَةِ أَيْ مَا أُحِبُّ أَنْ أُحَاكِيَ أَحَدًا وَلَوْ أُعْطِيتُ كَذَا وَكَذَا مِنَ الدُّنْيَا قال القارىء وَفِيهِ أَنَّ الْأُصُولَ الْمُعْتَمَدَةَ عَلَى فَتْحِ أَنَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ أَنِّي وَالْمَعْنَى أَنِّي مَا أُحِبُّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمُحَاكَاةِ وَحُصُولِ كَذَا وَكَذَا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا بِسَبَبِ الْمُحَاكَاةِ فَإِنَّهَا أَمْرٌ مَذْمُومٌ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ الْمُحَاكَاةُ بِأَنْ يمشي متعارجا أو مطأطىء رأسه أو غير ذلك من الهيات قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الّقَطَّانُ (وَعَبْدُ الرحمن) هو بن مهدي

[2502] قَوْلُهُ (وَقَالَتْ بِيَدِهَا) أَيْ أَشَارَتْ بِهَا (تَعْنِي قَصِيرَةً) أَيْ تُرِيدُ عَائِشَةُ كَوْنَهَا قَصِيرَةً وَفِي الْمِشْكَاةِ قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كَذَا وَكَذَا تَعْنِي قَصِيرَةً (لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ) أَيْ أَعْمَالَكِ (لَوْ مُزِجَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَوْ خُلِطَ (بِهَا أَيْ) على تقدير تجميدها وكونها مائعة (المزج) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْضًا وَالْمَعْنَى تَغَيَّرَ وَصَارَ مَغْلُوبًا وَفِي الْمِشْكَاةِ لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَ بها البحر لمزجته قال القارىء أَيْ غَلَبَتْهُ وَغَيَّرَتْهُ قَالَ الْقَاضِي الْمَزْجُ الْخَلْطُ والتعبير بِضَمِّ غَيْرِهِ إِلَيْهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْغِيبَةَ لَوْ كَانَتْ مِمَّا يُمْزَجُ بِالْبَحْرِ لَغَيَّرَتْهُ عَنْ حَالِهِ مَعَ كَثْرَتِهِ وَغَزَارَتِهِ فَكَيْفَ بِأَعْمَالٍ نَزِرَةٍ خلطت بها 4 - باب قَوْلُهُ (أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهُ وَهُوَ قَوْلُ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُخَالِطُ النَّاسَ) أَيْ يُسَاكِنُهُمْ وَيُقِيمُ فِيهِمْ (وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ) أَيْ عَلَى مَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنْهُمْ مِنَ الْأَذَى وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَنْ قَالَ إِنَّ الْخُلْطَةَ أَفْضَلُ مِنَ الْعُزْلَةِ (كَانَ شُعْبَةُ يَرَى) أَيْ يَعْتَقِدُ (أنه بن عُمَرَ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى شَيْخٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَمْرُ كَمَا رأى شعبة فروى بن ماجه بإسناد حسن عن بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِنَ الَّذِي لَا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ كَذَا فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ قَالَ الْحَافِظُ بعد ذكر

هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُسَمِّ الصَّحَابِيَّ قَالَ فِي السُّبُلِ فِي الحديث أفضلية من يخالط الناس مخالطة بأمرهم فِيهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحْسِنُ مُعَامَلَتَهُمْ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الَّذِي يَعْتَزِلُهُمْ وَلَا يَصْبِرُ عَلَى الْمُخَالَطَةِ وَالْأَحْوَالُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَزْمَانِ وَلِكُلِّ حَالٍ مَقَالٌ وَمَنْ رَجَّحَ الْعُزْلَةَ فَلَهُ عَلَى فَضْلِهَا أَدِلَّةٌ وَقَدِ اسْتَوْفَاهَا الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرِهِ [2508] 45 قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَغْدَادِيُّ) الْبَزَّازُ الْمَعْرُوفُ بِصَاعِقَةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْحَادِيَةِ عَشْرَةِ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَخْرَمِيُّ) بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْخَفِيفَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (هُوَ مَنْ وُلْدِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ مِنْ أَوْلَادِهِ وَالْمِسْوَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِ الْوَاوِ لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ (عَنْ عُثْمَانَ بْنَ مُحَمَّدِ) بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ الثَّقَفِيِّ (الْأَخْنَسِيِّ) حِجَازِيٌّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ) أَيِ اتَّقُوا مِنْهُ وَالْمُرَادُ بِسُوءِ ذَاتِ الْبَيْنِ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ كَمَا فَسَّرَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ أَيِ التَّسَبُّبَ فِي الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاجَرَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ أَوْ فَسَادٌ (فَإِنَّهَا) أَيِ الْفَعْلَةُ أَوِ الْخَصْلَةُ الْمَذْكُورَةُ (الْحَالِقَةُ) أَيْ تَحْلِقُ الدِّينَ [2509] قَوْلُهُ (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ) قَالَ الْأَشْرَفُ

الْمُرَادُ بِهَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ النَّوَافِلُ دُونَ الْفَرَائِضِ قَالَ القارىء وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالْمُرَادِ إِذْ قَدْ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْإِصْلَاحُ فِي فَسَادٍ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ سَفْكُ الدِّمَاءِ وَنَهْبُ الْأَمْوَالِ وَهَتْكُ الْحُرُمِ أَفْضَلُ مِنْ فَرَائِضِ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ الْقَاصِرَةِ مَعَ إِمْكَانِ قَضَائِهَا عَلَى فَرْضِ تَرْكِهَا فَهِيَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ أَهْوَنُ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِ العباد فإذا كان كذلك فيصبح أَنْ يُقَالَ هَذَا الْجِنْسُ مِنَ الْعَمَلِ أَفْضَلُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ لِكَوْنِ بَعْضِ أَفْرَادِهِ أَفْضَلَ كَالْبَشَرِ خَيْرٌ مِنَ الْمَلَكِ وَالرَّجُلُ خَيْرٌ مِنَ الْمَرْأَةِ (قَالَ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَحْوَالِ بَيْنِكُمْ يَعْنِي مَا بَيْنَكُمْ مِنَ الْأَحْوَالِ أُلْفَةٌ وَمَحَبَّةٌ وَاتِّفَاقٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ وَهِيَ مُضْمَرَاتُهَا وَلَمَّا كَانَتِ الْأَحْوَالُ مُلَابِسَةً لِلْبَيْنِ قِيلَ لَهَا ذَاتُ الْبَيْنِ كَقَوْلِهِمْ اسْقِنِي ذَا إِنَاءَكَ يُرِيدُونَ مَا فِي الْإِنَاءِ مِنَ الشَّرَابِ كَذَا فِي الْكَشَّافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ (فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحَالِقَةُ الْخَصْلَةُ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تَحْلِقَ أَيْ تُهْلِكَ وَتَسْتَأْصِلَ الدِّينَ كَمَا يَسْتَأْصِلُ الْمُوسَى الشَّعْرَ وَقِيلَ هِيَ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَالتَّظَالُمُ قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ حَثٌّ وَتَرْغِيبٌ فِي إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَاجْتِنَابٌ عَنِ الْإِفْسَادِ فِيهَا لِأَنَّ الْإِصْلَاحَ سَبَبٌ لِلِاعْتِصَامِ بِحَبْلِ اللَّهِ وَعَدَمِ التَّفَرُّقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ ثُلْمَةٌ فِي الدِّينِ فَمَنْ تَعَاطَى إِصْلَاحَهَا وَرَفَعَ فَسَادَهَا نَالَ دَرَجَةً فَوْقَ مَا يَنَالُهُ الصَّائِمُ الْقَائِمُ الْمُشْتَغِلُ بِخُوَيْصَةِ نَفْسِهِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْحَالِقَةُ عَلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ أَمْرُ الدِّينِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ فِي بَابِ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ قَوْلُهُ (أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامِّ) بْنَ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْقُرَشِيَّ الْأَسَدِيَّ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ قُتِلَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بَعْدَ مُنْصَرَفِهِ مِنْ وقعة الجمل

[2510] قَوْلُهُ (دَبَّ إِلَيْكُمْ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ سَرَى وَمَشَى بِخُفْيَةٍ (الْحَسَدُ) أَيْ فِي الْبَاطِنِ (وَالْبَغْضَاءُ) أَيِ الْعَدَاوَةُ فِي الظَّاهِرِ وَرَفْعُهُمَا عَلَى أَنَّهُمَا بَيَانٌ لِلدَّاءِ أَوْ بَدَلٌ وَسُمِّيَا دَاءً لِأَنَّهُمَا دَاءُ الْقَلْبِ (وَهِيَ) أَيِ الْبَغْضَاءُ وَهُوَ أَقْرَبُ مَبْنًى وَمَعْنًى أَوْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا (لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ) أَيْ تَقْطَعُ ظَاهِرَ الْبَدَنِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ سَهْلٌ (وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ) وَضَرَرُهُ عَظِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيِ الْبَغْضَاءُ تَذْهَبُ بِالدِّينِ كَالْمُوسَى تَذْهَبُ بِالشَّعْرِ وَضَمِيرُ الْمُؤَنَّثِ رَاجِعٌ إِلَى الْبَغْضَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ وَلِأَنَّ الْبَغْضَاءَ أَكْثَرُ تَأْثِيرًا فِي ثُلْمَةِ الدِّينِ وَإِنْ كَانَتْ نَتِيجَةَ الْحَسَدِ (لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِحَذْفِ النُّونِ وَلَعَلَّ الْوَجْهَ أَنَّ النَّهْيَ قَدْ يُرَادُ بِهِ النَّفْيُ كعكسه المشهور عند أهل العلم قاله القارىء (وَلَا تُؤْمِنُوا) أَيْ إِيمَانًا كَامِلًا (حَتَّى تَحَابُّوا) بحذف أحدى التائين الْفَوْقِيَّتَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يُحِبَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا (أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ) مِنَ التَّثْبِيتِ (ذَلِكَ) أَيِ التَّحَابُبَ (أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) أَيْ أَعْلِنُوهُ وَعُمُّوا بِهِ مَنْ عَرَفْتُمُوهُ وَغَيْرَهُ فَإِنَّهُ يُزِيلُ الضَّغَائِنَ وَيُورِثُ التَّحَابُبَ وَالْحَدِيثُ فِي سَنَدِهِ مَوْلًى لِلزُّبَيْرِ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ رواه البزار بإسناد جيد والبيهقي وغيرهما 6 - باب [2511] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ (عَنْ عُيَيْنَةَ) بِتَحْتَانِيَّتَيْنِ مُصَغَّرًا (بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ جَوْشَنَ بِجِيمٍ وَمُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا وَاوٌ سَاكِنَةٌ الْغَطَفَانِيِّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ ثُمَّ فَاءٍ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَوْشَنَ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ من الثالثة

قَوْلُهُ (مَا مِنْ ذَنْبٍ) مَا نَافِيَةٌ وَمِنْ زَائِدَةٌ لِلِاسْتِغْرَاقِ (أَجْدَرُ) أَيْ أَحْرَى (أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ) صِلَةُ أَجْدَرُ عَلَى تَقْدِيرِ الْبَاءِ أَيْ بِتَعْجِيلِهِ سُبْحَانَهُ (لِصَاحِبِهِ) أَيْ لِمُرْتَكِبِ الذَّنْبِ (الْعُقُوبَةَ) مَفْعُولُ يُعَجِّلَ (مَعَ مَا يَدَّخِرُ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مَعَ مَا يُؤَجِّلُ مِنَ الْعُقُوبَةِ (لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ الذَّنْبِ (مِنَ الْبَغْيِ) أَيْ مِنْ بَغْيِ الْبَاغِي وَهُوَ الظلم أو الخروج على السلطان أو الكبرى ومن تَفْضِيلِيَّةٌ (وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ) أَيْ وَمِنْ قَطْعِ صِلَةِ ذوي الأرحام قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن ماجه وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ 7 - [2512] قَوْلُهُ (عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الثَّقِيلَةِ الْيَمَانِيِّ الْأَبْنَاوِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَوْ أَبُو يَحْيَى نَزِيلُ مَكَّةَ ضَعِيفٌ اخْتَلَطَ بِأَخَرَةٍ وَكَانَ عَابِدًا مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ) أَيْ خَصْلَةُ مَنْ نَظَرَ فِي أَمْرِ دِينِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ (إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ) أَيْ إِلَى مَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ عِلْمًا وَعِبَادَةً وَقَنَاعَةً وَرِيَاضَةً أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا (وَمَنْ نَظَرَ فِي دُنْيَاهُ) أَيْ وَخَصْلَةُ مَنْ نَظَرَ فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ وَهَذِهِ الْخَصْلَةُ هِيَ الثَّانِيَةُ (إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ) أَيْ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَرُ مِنْهُ وَأَقَلُّ مِنْهُ مَالًا وَجَاهًا (كَتَبَهُ اللَّهُ شَاكِرًا) أَيْ لِلْخَصْلَةِ الثَّانِيَةِ (صَابِرًا) أَيْ لِلْخَصْلَةِ السَّابِقَةِ فَفِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُشَوَّشٌ اعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ ذَوِي الْعُقُولِ وَلَمَّا كَانَ الْمَفْهُومُ قَدْ يُعْتَبَرُ وَقَدْ لَا يُعْتَبَرُ وَمَعَ اعْتِبَارِهِ الْمَنْطُوقُ أَقْوَى أَيْضًا صَرَّحَ بِمَا عُلِمَ ضِمْنًا حَيْثُ قَالَ (وَمَنْ نَظَرَ فِي دِينِهِ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَهُ) أَيْ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَأَنْتَجَهُ الْغُرُورُ وَالْعُجْبُ

وَالْخُيَلَاءُ (وَنَظَرَ فِي دُنْيَاهُ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ) أَيْ مِنْ أَصْحَابِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَأَوْرَثَهُ الْحِرْصَ وَالْأَمَلَ وَالرِّيَاءَ (فَأَسِفَ) بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ حَزِنَ (عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ بِعَدَمِ وُجُودِهِ أَوْ بِحُصُولِ فَقْدِهِ وقد قال تعالى لكيلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا اتاكم (لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ شَاكِرًا وَلَا صَابِرًا) لِعَدَمِ صُدُورِ وَاحِدٍ مِنْهُ بَلْ قَامَ بِضِدَّيْهِمَا مِنَ الْكُفْرَانِ وَالْجَزَعِ وَالْفَزَعِ بِاللِّسَانِ وَالْجَنَانِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ حِزَامٍ) بِزَايٍ التِّرْمِذِيُّ أَبُو عِمْرَانَ نَزِيلُ بَلْخَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ عَابِدٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ) السُّلَمِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَرْوَزِيُّ أَصْلُهُ مِنْ تِرْمِذَ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قوله (هذا حديث غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ [2513] قَوْلُهُ (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْكُمْ) أَيْ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا (وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ) فِيهَا (فَإِنَّهُ) أَيْ فَالنَّظَرُ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ لَا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقُ (أَجْدَرُ) أَيْ أَحْرَى (أَنْ لَا تَزْدَرُوا) أَيْ بِأَنْ لَا تَحْتَقِرُوا وَالِازْدِرَاءُ الِاحْتِقَارُ فَكَانَ أَصْلُهُ الِازْتِرَاءَ فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ بِالدَّالِ (نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ) فَإِنَّ الْمَرْءَ إِذَا نَظَرَ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا اسْتَصْغَرَ مَا عِنْدَهُ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ فَكَانَ سَبَبًا لِمَقْتِهِ وَإِذَا نَظَرَ لِلدُّونِ شَكَرَ النِّعْمَةَ وَتَوَاضَعَ وَحَمِدَ فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ لَا يَنْظُرَ إِلَى تَجَمُّلِ أَهْلِ الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يُحَرِّكُ دَاعِيَةَ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَمِصْدَاقُهُ وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إلى ما منعتا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وبن ماجه

باب قوله عن حنظلة الأسيدي

(باب [2514] قَوْلُهُ (عَنْ حَنْظَلَةَ الْأُسَيِّدِيِّ)) قَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا ضَمُّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَالثَّانِي كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بإمكان الْيَاءِ وَلَمْ يَذْكُرِ الْقَاضِي إِلَّا هَذَا وَالثَّانِي وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي أُسَيْدٍ بَطْنٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ (وَكَانَ مِنْ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ جَمْعُ كَاتِبٍ وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُتَّابٌ يَكْتُبُونَ لَهُ الْوَحْيَ وغيره قال بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّلْقِيحِ تَسْمِيَةُ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ كَتَبَ لَهُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَحَنْظَلَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْأُسَيْدِيُّ وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَأَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ وَالْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَانَ الْمُدَاوِمُ لَهُ عَلَى الْكِتَابَةِ لَهُ زَيْدٌ وَمُعَاوِيَةُ وَكَانَ يَكْتُبُ لَهُ رَجُلٌ فَافْتُتِنَ وَتَنَصَّرَ انْتَهَى (يُذَكِّرُنَا) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يَعِظُنَا (بِالنَّارِ) أَيْ بِعَذَابِهَا تَارَةً (وَالْجَنَّةِ) أَيْ بِنَعِيمِهَا أُخْرَى تَرْهِيبًا وَتَرْغِيبًا أَوْ يُذَكِّرُنَا اللَّهَ بِذِكْرِهِمَا أَوْ بِقُرْبِهِمَا (كَأَنَا رَأْيَ عَيْنٍ) قَالَ الْقَاضِي ضَبَطْنَاهُ رَأْيُ عَيْنٍ بِالرَّفْعِ أَيْ كَأَنَا بِحَالِ مَنْ يَرَاهُمَا بِعَيْنِهِ قَالَ وَيَصِحُّ النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ نَرَاهُمَا رَأْيَ عَيْنٍ (عَافَسْنَا الأزواج) بالفاء والسين المهملة قال الهراوي وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ حَاوَلْنَا ذَلِكَ وَمَارَسْنَاهُ وَاشْتَغَلْنَا بِهِ أَيْ عَالَجْنَا مَعَايِشَنَا وَحُظُوظَنَا (وَالضَّيْعَةَ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ مَعَاشُ الرَّجُلِ مِنْ مَالٍ أَوْ حِرْفَةٍ أَوْ صِنَاعَةٍ (قَالَ نَافَقَ حَنْظَلَةُ) مَعْنَاهُ أَنَّهُ خَافَ أَنَّهُ مُنَافِقٌ حَيْثُ كَانَ يَحْصُلُ لَهُ الْخَوْفُ فِي مَجْلِسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

وَيَظْهَرُ عَلَيْهِ ذَلِكَ مَعَ الْمُرَاقَبَةِ وَالْفِكْرِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الْآخِرَةِ فَإِذَا خَرَجَ اشْتَغَلَ بِالزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ وَمَعَاشِ الدُّنْيَا وَأَصْلُ النِّفَاقِ إِظْهَارُ مَا يَكْتُمُ خِلَافَهُ مِنَ الشَّرِّ فَخَافَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ نِفَاقًا فَأَعْلَمَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاقٍ وَأَنَّهُمْ لَا يُكَلَّفُونَ الدَّوَامَ عَلَى ذَلِكَ بَلْ سَاعَةً سَاعَةً أَيْ سَاعَةً كَذَا وَسَاعَةً كَذَا (وَنَسِينَا كَثِيرًا) قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله أي كثير مِمَّا ذَكَّرْتَنَا بِهِ أَوْ نِسْيَانًا كَثِيرًا كَأَنَّا مَا سَمِعْنَا مِنْكَ شَيْئًا قَطُّ وَهَذَا أَنْسَبُ بِقَوْلِهِ رَأْيَ عَيْنٍ (لَوْ تَدُومُونَ) أَيْ فِي حَالِ غَيْبَتِكُمْ مِنِّي (عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَقُومُونَ بِهَا مِنْ عِنْدِي) أَيْ مِنْ صَفَاءِ الْقَلْبِ وَالْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ قِيلَ أَيْ عَلَانِيَةً وَإِلَّا فَكَوْنُ الْمَلَائِكَةِ يُصَافِحُونَ أَهْلَ الذكر حاصل وقال بن حَجَرٍ أَيْ عِيَانًا فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ (فِي مَجَالِسِكُمْ وَعَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طُرُقِكُمْ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ الدَّوَامُ (وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً) أَيْ سَاعَةً كَذَا وَسَاعَةً كَذَا يَعْنِي لَا يَكُونُ الرَّجُلُ مُنَافِقًا بِأَنْ يَكُونَ فِي وَقْتٍ عَلَى الْحُضُورِ وَفِي وَقْتٍ عَلَى الْفُتُورِ فَفِي سَاعَةِ الْحُضُورِ تُؤَدُّونَ حُقُوقَ رَبِّكُمْ وَفِي سَاعَةِ الْفُتُورِ تَقْضُونَ حُظُوظَ أَنْفُسِكُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2515] قَوْلُهُ (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ) أَيْ إِيمَانًا كَامِلًا (حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ) أَيِ الْمُسْلِمِ (مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) أَيْ مِثْلَ جَمِيعِ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُ الْإِيمَانَ التَّامَّ وَإِلَّا فَأَصْلُ الْإِيمَانِ يَحْصُلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَالْمُرَادُ يُحِبُّ لِأَخِيهِ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْأَشْيَاءِ الْمُبَاحَاتِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا قَدْ يُعَدُّ مِنَ الصَّعْبِ الْمُمْتَنِعِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِذْ مَعْنَاهُ لَا يَكْمُلُ إِيمَانُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلَ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَالْقِيَامُ بِذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَنْ يُحِبَّ لَهُ حُصُولَ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ

لَا يُزَاحِمُهُ فِيهَا بِحَيْثُ لَا تُنْقِصُ النِّعْمَةُ عَلَى أَخِيهِ شَيْئًا مِنَ النِّعْمَةِ عَلَيْهِ وَذَلِكَ سَهْلٌ عَلَى الْقَلْبِ السَّلِيمِ وَإِنَّمَا يَعْسُرُ عَلَى الْقَلْبِ الدَّغِلِ عَافَانَا اللَّهُ وَإِخْوَانَنَا أَجْمَعِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2516] قَوْلُهُ (قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ (أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ اسْمُهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ (عَنْ حَنَشٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الْخَفِيفَةِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ حَنَشُ بْنُ عَبْدِ الله ويقال بن علي بن عمرو السبتي بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ أَبُو رِشْدِينَ الصَّنْعَانِيُّ نَزِيلُ إِفْرِيقِيَّةَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (كُنْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوما) أي رديفه (يا غلام) قال القارىء بِالرَّفْعِ كَذَا فِي الْأُصُولِ الْمُعْتَمَدَةِ وَالنُّسَخِ الْمُتَعَدِّدَةِ يعني من المشكاة والظاهر كسر الْمِيمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَصْلَهُ يَا غُلَامِي بِفَتْحِ الْيَاءِ وَسُكُونِهِمَا ثُمَّ بَعْدَ حَذْفِهَا تَخْفِيفًا اكْتُفِيَ بِكَسْرِ مَا قَبْلَهَا (احْفَظِ اللَّهَ) أَيْ فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ (يَحْفَظْكَ) أَيْ يَحْفَظْكَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْآفَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَفِي الْعُقْبَى مِنْ أَنْوَاعِ الْعِقَابِ وَالدَّرَكَاتِ (احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ رَاعِ حَقَّ اللَّهِ وَتَحَرَّ رِضَاهُ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ أَيْ مُقَابِلَكَ وَحِذَاءَكَ وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ كَمَا فِي تُقَاةٌ وَتُخَمَةٌ أَيِ احْفَظْ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَحْفَظَكَ اللَّهُ مِنْ مَكَارِهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (إِذَا سَأَلْتَ) أَيْ أَرَدْتَ السُّؤَالَ (فَاسْأَلِ اللَّهَ) أَيْ وَحْدَهُ لأن غيره قَادِرٍ عَلَى الْإِعْطَاءِ وَالْمَنْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ وَجَلْبِ النَّفْعِ (وَإِذَا اسْتَعَنْتَ) أَيْ أَرَدْتَ الِاسْتِعَانَةَ فِي الطَّاعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (فَاسْتَعِنْ بالله

فَإِنَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ (رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ) أَيْ كُتِبَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مَا كُتِبَ مِنَ التَّقْدِيرَاتِ وَلَا يُكْتَبُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ شَيْءٌ آخَرُ فَعَبَّرَ عَنْ سَبْقِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ بِرَفْعِ الْقَلَمِ وَجَفَافِ الصَّحِيفَةِ تَشْبِيهًا بِفَرَاغِ الْكَاتِبِ فِي الشَّاهِدِ مِنْ كِتَابَتِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ [2517] 49 قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا المغيرة بن أبي قرة السَّدُوسِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَسْتُورٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قال في تهذيب التهذيب وثقة بن حِبَّانَ قَوْلُهُ (أَعْقِلُهَا) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَحَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ مَحْذُوفٌ قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَقَلَ الْبَعِيرَ شَدَّ وَظِيفَهُ إِلَى ذِرَاعِهِ كَعَقَلَهُ وَاعْتَقَلَهُ انْتَهَى (وَأَتَوَكَّلُ) أَيْ عَلَى اللَّهِ بَعْدَ الْعَقْلِ (أَوْ أُطْلِقُهَا) أي أرسها (وَأَتَوَكَّلُ) أَيْ عَلَى اللَّهِ بَعْدَ الْإِرْسَالِ (قَالَ اعْقِلْهَا) قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ شُدَّ رُكْبَةَ نَاقَتِكَ مَعَ ذِرَاعَيْهَا بِحَبْلٍ (وَتَوَكَّلْ) أَيِ اعْتَمِدْ عَلَى اللَّهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَقْلَهَا لَا يُنَافِي التَّوَكُّلَ قوله (قال يحيى) هو بن سَعِيدٍ الّقَطَّانُ (وَهَذَا عِنْدِي حَدِيثٌ مُنْكَرٌ) لَعَلَّ كَوْنَهُ مُنْكَرًا عِنْدَهُ لِأَجْلِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي قرة قال بن الْقَطَّانِ لَا يُعْرَفُ حَالُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ كَانَ كَاتِبَ يَزِيدَ بْنِ الْمُهَلِّبِ وَفَتَحَ مَعَهُ جُرْجَانَ فِي أَيَّامِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمِّيَّةَ الضَّمْرِيِّ) صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ [2518] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ

قَوْلُهُ (دَعْ) أَيِ اتْرُكْ (مَا يَرِيبُكَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّهَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَالرَّيْبُ الشَّكُّ وَقِيلَ هُوَ الشَّكُّ مَعَ التُّهْمَةِ (إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ أَيِ اتْرُكْ مَا اعْتَرَضَ لَكَ مِنَ الشَّكِّ فِيهِ مُنْقَلِبًا عَنْهُ إِلَى مالا شَكَّ فِيهِ يُقَالُ دَعْ ذَلِكَ إِلَى ذَلِكَ اسْتَبْدِلْهُ بِهِ انْتَهَى وَالْمَعْنَى اتْرُكْ مَا تَشُكُّ فِيهِ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَعْمَالِ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ أولا أو سنة أو بدعة واعدل إلى مالا تَشُكُّ فِيهِ مِنْهُمَا وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَبْنِيَ الْمُكَلَّفُ أَمْرَهُ عَلَى الْيَقِينِ الْبَحْتِ وَالتَّحْقِيقِ الصِّرْفِ وَيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي دِينِهِ (فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ) بكسر همزة وسكون طاء وبعد ألف ونون مَكْسُورَةٌ فَتَحْتِيَّةٌ فَنُونٌ مَفْتُوحَةٌ وَفِي الْمِشْكَاةِ طُمَأْنِينَةٌ أَيْ إِنَّ الصِّدْقَ يَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَيَسْكُنُ (وَإِنَّ الْكَذِبَ رِيبَةٌ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَحَقِيقَتُهَا قَلَقُ النَّفْسِ وَاضْطِرَابُهَا فَإِنَّ كَوْنَ الْأَمْرِ مَشْكُوكًا فِيهِ مِمَّا يَقْلَقُ لَهُ النَّفْسُ وَكَوْنَهُ صَحِيحًا صَادِقًا مِمَّا تَطْمَئِنُّ لَهُ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) رَوَى أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ مَعَ الْقِصَّةِ عَنْ أَبِي الْحَوْرَاءِ قَالَ قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ مَا تَذْكُرُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَذْكُرُ أَنِّي أَخَذْتُ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَأَلْقَيْتُهَا فِي فَمِي فَانْتَزَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلُعَابِهَا فَأَلْقَاهَا فِي التَّمْرِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا عَلَيْكَ أَكْلُ هَذِهِ التَّمْرَةِ قَالَ إِنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ قَالَ وَكَانَ يَقُولُ دَعْ ما يريبك إلى مالا يَرِيبُكَ فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَالْكَذِبَ رِيبَةٌ قَالَ وَكَانَ يُعَلِّمُنَا هَذَا الدُّعَاءَ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والنسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ (وَأَبُو الْحَوْرَاءِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مَمْدُودًا (وَاسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ شَيْبَانَ) الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ [2519] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نُبَيْهٍ) بِنُونٍ وَمُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا مَجْهُولٌ مِنَ السابعة

قَوْلُهُ (بِعِبَادَةٍ وَاجْتِهَادٍ) أَيْ فِي الْعِبَادَةِ (بِرِعَةٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ بِوَرَعٍ (لَا يُعْدَلُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِالرِّعَةِ) فِي الْمِصْبَاحِ وَرَعَ عَنِ الْمَحَارِمِ يَرِعُ بِكِسْرَتَيْنِ وَرَعًا بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ كَثِيرُ الْوَرَعِ أَيْ لَا يُعْدَلُ بِكَثْرَةِ الْوَرَعِ خَصْلَةٌ غَيْرُهَا مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ بَلِ الْوَرَعُ أَعْظَمُ فَضْلًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نُبَيْهٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا عَرَفْتَ [2520] قَوْلُهُ (وَأَبُو زُرْعَةَ) اسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الرَّازِيُّ إِمَامٌ حَافِظٌ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا قَبِيصَةُ) هو بن عُقْبَةَ (عَنْ هِلَالِ بْنِ مِقْلَاصٍ الصَّيْرَفِيِّ) وَيُقَالُ هلال بن أبي حميد أو بن حميد أو بن عَبْدِ اللَّهِ الْجُهَنِيُّ مَوْلَاهُمُ الْوَزَّانُ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بِشْرٍ صَاحِبُ أَبِي وَائِلٍ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (مَنْ أَكَلَ طَيِّبًا) بِفَتْحٍ فَتَشْدِيدٍ أَيْ حَلَالًا (وَعَمِلَ فِي سُنَّةٍ) أَيْ فِي مُوَافَقَةِ سُنَّةٍ نَكَّرَهَا لِأَنَّ كُلَّ عَمَلٍ يُفْتَقَرُ إِلَى مَعْرِفَةِ سُنَّةٍ وَرَدَتْ فِيهِ (وَأَمِنَ النَّاسُ بَوَائِقَهُ) أَيْ دَوَاهِيَهُ وَالْمُرَادُ الشُّرُورُ كَالظُّلْمِ وَالْغِشِّ وَالْإِيذَاءِ (دَخَلَ الْجَنَّةَ) أَيْ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ اسْتَحَقَّ دُخُولَهَا بِغَيْرِ عَذَابٍ أَوْ مَعَ السَّابِقِينَ وَإِلَّا فَمَنْ لَمْ يَعْمَلْ بِالسُّنَّةِ وَمَاتَ مُسْلِمًا يَدْخُلُهَا وَإِنْ عُذِّبَ (إِنَّ هَذَا) أَيِ الرَّجُلُ الْمَوْصُوفُ الْمَذْكُورُ (الْيَوْمَ) ظَرْفٌ مُقَدَّمٌ لِخَبَرِ إِنَّ (لَكَثِيرٌ) أَيْ فَمَا حَالُ الِاسْتِقْبَالِ (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَسَيَكُونُ) أَيْ هُمْ كَثِيرُونَ الْيَوْمَ وَسَيُوجَدُ مَنْ يَكُونُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (فِي قُرُونٍ بَعْدِي) جَمْعُ قَرْنٍ وَالْمُرَادُ بِالْقَرْنِ هُنَا أَهْلُ الْعَصْرِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ قَوْلُهُ (حدثناعباس بن محمد) هو الدوري [2521] قوله (حدثنا العباس الدوري) هو بن مُحَمَّدٍ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ) الْمَكِّيُّ أَبُو عَبْدِ الرحمن المقرئ (مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ) لَا لِغَرَضٍ سِوَاهُ (وَمَنَعَ لِلَّهِ وَأَحَبَّ لِلَّهِ إِلَخْ) وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَعْمَالِ فَتَكَلَّمَ لِلَّهِ وَسَكَتَ لِلَّهِ وَأَكَلَ لِلَّهِ وَشَرِبَ لِلَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حَاكِيًا إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العالمين (فَقَدِ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ) أَيْ أَكْمَلَ إِيمَانَهُ قَوْلُهُ (هذا حديث منكر) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا انْتَهَى قُلْتُ لَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ كَوْنِ هَذَا الْحَدِيثِ مُنْكَرًا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَفِي سَنَدِهِ الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّامِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ

36 - كتاب صفة الجنة

36 - كتاب صفة الجنة (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ شَجَرِ الْجَنَّةِ) [2524] قوله (عن فراس) بكسر أوله وبمهملة بن يَحْيَى الْهَمْدَانِيِّ الْخَارِقِيِّ أَبِي يَحْيَى الْكُوفِيِّ الْمُكَتِّبِ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (فِي الجنة شجرة) قال بن الْجَوْزِيِّ يُقَالُ إِنَّهَا طُوبَى قَالَ الْحَافِظُ وَشَاهِدُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ السُّلَمِيِّ عند أحمد والطبراني وبن حِبَّانَ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ إِنَّمَا نُكِّرَتْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى اخْتِلَافِ جِنْسِهَا بِحَسَبِ شَهَوَاتِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (يَسِيرُ الرَّاكِبُ) أَيُّ رَاكِبٍ فُرِضَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ (فِي ظِلِّهَا) أَيْ فِي نَعِيمِهَا وَرَاحَتِهَا وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ أَنَا فِي ظِلِّكَ أَيْ فِي نَاحِيَتِكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالْمُحْوِجُ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ الظِّلَّ فِي عُرْفِ أَهْلِ الدُّنْيَا مَا بَقِيَ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ وَأَذَاهَا وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ شَمْسٌ وَلَا أَذًى (مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا) أَيْ لَا يَنْتَهِي إِلَى آخِرِ مَا يَمِيلُ مِنْ أَغْصَانِهَا (قَالَ وَذَلِكَ الظِّلُّ الْمَمْدُودُ) وَفِي حديث أبي هريرة عند البخاري واقرأوا إِنْ شِئْتُمْ (وَظِلٍّ مَمْدُودٍ) وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هذا

أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بِلَفْظِ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادُ الْمُضْمِرُ السَّرِيعُ مِائَةَ عَامٍ ما يقطعها [2523] قوله (عن سعيد بن أبي سعد) الْمَقْبُرِيِّ قَوْلُهُ (يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِظِلِّهَا كَنَفُهَا وَذُرَاهَا وَهُوَ مَا يَسْتُرُ أَغْصَانَهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا طُوبَى قَالَ شَجَرَةٌ مَسِيرَةَ مِائَةِ سَنَةٍ ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (هذا حديث صحيح) وأخرجه الشيخان وبن ماجه [2525] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْفُرَاتِ القزاز) التميمي الكوفي صدوق يخطيء مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيِ الْحَسَنِ بْنِ الْفُرَاتِ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيمِيِّ الْقَزَّازِ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلَّا وَسَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ) وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً جُذُوعُهَا مِنْ ذَهَبٍ وَفُرُوعُهَا مِنْ زَبَرْجَدٍ وَلُؤْلُؤٍ فَتَهُبُّ الرِّيَاحُ فَتَصْطَفِقُ فَمَا سَمِعَ السَّامِعُونَ بصوت شيء قط ألذ منه وروى بن أبي الدنيا عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَوْقُوفًا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ نَخْلُ الْجَنَّةِ جُذُوعُهَا مِنْ زُمُرُّدٍ أَخْضَرَ وَكَرَبُهَا ذَهَبٌ أَحْمَرُ وَسَعَفُهَا كِسْوَةٌ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ منها مقطعاتهم

باب ما جاء في صفة الجنة ونعيمها

وَحُلَلُهُمْ وَثَمَرُهَا أَمْثَالُ الْقِلَالِ وَالدِّلَاءِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَأَلْيَنُ مِنَ الزُّبْدِ لَيْسَ فِيهَا عَجَمٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ ذَكَرَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ فِي التَّرْغِيبِ وَقَالَ الْكَرَبُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالرَّاءِ بَعْدَهُمَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ هُوَ أُصُولُ السعف الغلاظ العراض انتهى وروى بن أبي حاتم وبن أبي الدنيا في صفة الجنة عن بن عَبَّاسٍ قَالَ الظِّلُّ الْمَمْدُودُ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ عَلَى سَاقٍ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْمُجِدُّ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ مِنْ كُلِّ نَوَاحِيهَا فَيَخْرُجُ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَتَحَدَّثُونَ فِي ظِلِّهَا فَيَشْتَهِي بَعْضُهُمُ اللَّهْوَ فَيُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا فَيُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حسن) وأخرجه بن أبي الدنيا وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا) [2526] قَوْلُهُ (عَنْ زِيَادٍ الطَّائِيِّ) مَجْهُولٌ أَرْسَلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (وَزَهِدْنَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ زَهِدَ فِيهِ كَمَنَعَ وَسَمِعَ وَكَرُمَ زُهْدًا وَزَهَادَةً أَوْ هِيَ فِي الدُّنْيَا الزُّهْدُ فِي الدِّينِ ضِدُّ رَغِبَ انْتَهَى (فَأَنِسْنَا أَهَالِيَنَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْأُنْسُ بِالضَّمِّ وَبِالتَّحْرِيكِ وَالْأَنَسَةُ مُحَرَّكَةً ضِدُّ الْوَحْشَةِ وَقَدْ أَنِسَ بِهِ مُثَلَّثَةَ النُّونِ انْتَهَى وَالْمَعْنَى خَالَطْنَاهُمْ وَعَالَجْنَا أُمُورَهُمْ وَاشْتَغَلْنَا بِمَصَالِحِهِمْ (أَنْكَرْنَا أَنْفُسَنَا) أَيْ لَمْ نَجِدْهَا عَلَى مَا كَانَتْ عِنْدَكَ (لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ إِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي كُنْتُمْ عَلَى حَالِكُمْ ذَلِكَ لَزَارَتْكُمُ الملائكة في

بُيُوتِكُمْ) كَذَا فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ بِزِيَادَةِ لَفْظِ كُنْتُمْ بَيْنَ مِنْ عِنْدِي وَعَلَى حَالِكُمْ وَلَا يَسْتَقِيمُ مَعْنَاهُ فَتَفَكَّرْ وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّبِيعِ الْأُسَيْدِيِّ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ وَفِيهِ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكُمْ وَفِي طَرِيقِكُمْ (وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) مِنْ جِنْسِكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ (كَيْ يُذْنِبُوا) أَيْ فَيَسْتَغْفِرُوا (فَيَغْفِرَ لَهُمْ) لِاقْتِضَاءِ صِفَةِ الْغَفَّارِ وَالْغَفُورِ ذَلِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ لَيْسَ الْحَدِيثُ تَسْلِيَةً لِلْمُنْهَمِكِينَ فِي الذُّنُوبِ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ أَهْلُ الْغِرَّةِ بِاللَّهِ فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا بُعِثُوا لِيَرْدَعُوا النَّاسَ عَنْ غَشَيَانِ الذُّنُوبِ بَلْ بَيَانٌ لِعَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَجَاوُزِهِ عَنِ الْمُذْنِبِينَ لِيَرْغَبُوا فِي التَّوْبَةِ وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ كَمَا أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ الْمُحْسِنِينَ أَحَبَّ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنِ الْمُسِيئِينَ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذلك غير واحد أَسْمَائِهِ الْغَفَّارُ الْحَلِيمُ التَّوَّابُ الْعَفُوُّ وَلَمْ يَكُنْ لِيَجْعَلَ الْعِبَادَ شَأْنًا وَاحِدًا كَالْمَلَائِكَةِ مَجْبُولِينَ عَلَى التَّنَزُّهِ مِنَ الذُّنُوبِ بَلْ يَخْلُقُ فِيهِمْ مَنْ يَكُونُ بِطَبْعِهِ مَيَّالًا إِلَى الْهَوَى مُتَلَبِّسًا بِمَا يَقْتَضِيهِ ثُمَّ يُكَلِّفُهُ التَّوَقِّيَ عَنْهُ وَيُحَذِّرُهُ مِنْ مُدَانَاتِهِ وَيُعَرِّفُهُ التَّوْبَةَ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ فَإِنْ وَفَّى فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَإِنْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ فَالتَّوْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ أَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ مَجْبُولِينَ عَلَى مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يَتَأَتَّى مِنْهُمُ الذَّنْبُ فَيَتَجَلَّى عَلَيْهِمْ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ عَلَى مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ فَإِنَّ الْغَفَّارَ يَسْتَدْعِي مَغْفُورًا كَمَا أَنَّ الرَّزَّاقَ يَسْتَدْعِي مَرْزُوقًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ قَالَ مِنَ الْمَاءِ) قيل أي من النطقة وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ اقْتِبَاسًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وجعلنا من الماء كل شيء حي أَيْ وَخَلَقْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ حَيَوَانٍ لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَاَللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَاءَ أَعْظَمُ مَوَارِدِهِ أَوْ لِفَرْطِ احْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ وَانْتِفَاعِهِ بِعَيْنِهِ (قُلْتُ الْجَنَّةُ مَا بِنَاؤُهَا) أَيْ هَلْ مِنْ حَجَرٍ وَمَدَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ شَعْرٍ (قَالَ لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) أَيْ بِنَاؤُهَا مُرَصَّعٌ مِنْهُمَا (وَمِلَاطُهَا) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مَا بَيْنَ اللَّبِنَتَيْنِ مَوْضِعُ النُّورَةِ فِي النِّهَايَةِ الْمِلَاطُ الطِّينُ الَّذِي يجعل بين ساقني الْبِنَاءِ يُمَلَّطُ بِهِ الْحَائِطُ أَيْ يُخْلَطُ (الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ) أَيِ الشَّدِيدُ الرِّيحِ (وَحَصْبَاؤُهَا) أَيْ حَصْبَاؤُهَا الصغار التي في الأنهار قاله القارىء وَقَالَ صَاحِبُ أَشِعَّةِ

اللُّمَعَاتِ أَيْ حَصْبَاؤُهَا الَّتِي فِي الْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ الْعُمُومُ (اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ) أَيْ مِثْلُهَا فِي اللَّوْنِ وَالصَّفَاءِ (وَتُرْبَتُهَا) أَيْ مَكَانَ تُرَابِهَا (الزَّعْفَرَانُ) أَيِ النَّاعِمُ الْأَصْفَرُ الطَّيِّبُ الرِّيحِ فَجَمَعَ بَيْنَ أَلْوَانِ الزِّينَةِ وَهِيَ الْبَيَاضُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَيَتَكَمَّلُ بِالْأَشْجَارِ الْمُلَوَّنَةِ بِالْخُضْرَةِ وَلَمَّا كَانَ السَّوَادُ يَغُمُّ الْفُؤَادَ خُصَّ بِأَهْلِ النَّارِ (مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ) بِفَتْحِ وَسَطِهِمَا فِي الْقَامُوسِ الْبَأْسُ الْعَذَابُ وَالشِّدَّةُ فِي الْحَرْبِ بَؤُسَ كَكَرُمَ بَأْسًا وَبَئِسَ كَسَمِعَ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ (يَخْلُدُ) أَيْ يَدُومُ فَلَا يَتَحَوَّلُ عَنْهَا (لَا يَمُوتُ) أَيْ لَا يَفْنَى بَلْ دَائِمًا يَبْقَى (وَلَا تَبْلَى) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ أَيْ لَا تَخْلَقُ وَلَا تَتَقَطَّعُ (ثِيَابُهُمْ) وَكَذَا أَثَاثُهُمْ (وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ) أَيْ لَا يَهْرَمُونَ وَلَا يُخَرِّفُونَ وَلَا يُغَيِّرُهُمْ مُضِيُّ الزَّمَانِ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْجَنَّةَ دَارُ الثَّبَاتِ وَالْقَرَارِ وَأَنَّ التَّغَيُّرَ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا فَلَا يَشُوبُ نَعِيمَهَا بُؤْسٌ وَلَا يَعْتَرِيهِ فَسَادٌ وَلَا تَغْيِيرٌ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ دَارَ الْأَضْدَادِ وَمَحَلَّ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ (ثَلَاثٌ) أَيْ ثَلَاثُ نُفُوسٍ فِي الْمِشْكَاةِ وَالْجَامِعِ الصغير ثلاثة بناء التَّأْنِيثِ ثَلَاثَةُ أَشْخَاصٍ أَوْ ثَلَاثَةُ رِجَالٍ (الْإِمَامُ الْعَادِلُ) أَيْ مِنْهُمْ أَوْ أَحَدُهُمُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ (وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ) لِأَنَّهُ بَعْدَ عِبَادَةٍ حَالَ تضرع ومسكنة (ودعوة المظلومية) كَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يَقُولَ وَالْمَظْلُومُ وَلَعَلَّهُ لَمَّا كَانَتِ الْمَظْلُومِيَّةُ لَيْسَتْ بِذَاتِهَا مَطْلُوبَةً عَدَلَ عنه قاله القارىء وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ دَعْوَةُ الْإِمَامِ وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَيَكُونُ بَدَلًا مِنْ دَعْوَتِهِمْ وَقَوْلُهُ يَرْفَعُهَا حَالٌ كَذَا قِيلَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ أَيْ يَرْفَعُهَا خَبَرًا لِقَوْلِهِ وَدَعْوَةُ المظلوم وقطع هذا القسيم عن خويه لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَلَوْ فَاجِرًا أَوْ كَافِرًا وَيَنْصُرُ هَذَا الْوَجْهَ عَطْفُ قَوْلِهِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَلَى قَوْلِهِ وَيُفْتَحُ فَإِنَّهُ لَا يُلَائِمُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ ضَمِيرَ يَرْفَعُهَا لِلدَّعْوَةِ حِينَئِذٍ لَا لِدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ كَمَا فِي الْوَجْهِ الأول قال القارىء وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وإنما بولغ في حقها لأنه لما ألحقته نار الظلم واحترقت أحشاءه خَرَجَ مِنْهُ الدُّعَاءُ بِالتَّضَرُّعِ وَالِانْكِسَارِ وَحَصَلَ لَهُ حالة الاضطرار فيقل دعاءه كَمَا قَالَ تَعَالَى أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دعاه ويكشف السوء (يَرْفَعُهَا) أَيِ اللَّهُ (فَوْقَ الْغَمَامِ) أَيْ تُجَاوِزُ الْغَمَامَ أَيِ السَّحَابَ (وَيَفْتَحُ) أَيِ اللَّهُ لَهَا أَيْ لِدَعْوَتِهِ (لَأَنْصُرَنَّكَ) بِفَتْحِ الْكَافِ أَيْ أَيُّهَا المظلوم ويكسرها أَيْ أَيَّتُهَا الدَّعْوَةُ (وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ) الْحِينُ يُسْتَعْمَلُ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ وَلِسِتَّةِ

باب ما جاء في صفة غرف الجنة

أَشْهُرٍ وَلِأَرْبَعِينَ سَنَةً وَالْمَعْنَى لَا أُضَيِّعُ حَقَّكَ وَلَا أَرُدُّ دُعَاءَكَ وَلَوْ مَضَى زَمَانٌ طَوِيلٌ لِأَنِّي حَلِيمٌ لَا أُعَجِّلُ عُقُوبَةَ الْعِبَادِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ عَنِ الظُّلْمِ وَالذُّنُوبِ إِلَى إِرْضَاءِ الْخُصُومِ وَالتَّوْبَةِ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُمْهِلُ الظَّالِمَ وَلَا يُهْمِلُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَلِكَ الْقَوِيَّ وَلَيْسَ هُوَ عِنْدِي بِمُتَّصِلٍ) لِأَنَّ فِي سنده زياد الطَّائِيَّ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَمَعَ هَذَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحَادِيثَ فَالْأَوَّلُ مِنْ قَوْلِهِ مَا لَنَا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ إِلَى قَوْلِهِ لَزَارَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي بُيُوتِكُمْ وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالثَّانِي مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا إِلَى قَوْلِهِ فَيَغْفِرُ لَهُمْ وَهَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالثَّالِثُ مِنْ قَوْلِهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ إِلَى قَوْلِهِ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَزَّارُ والطبراني في الأوسط وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالرَّابِعُ مِنْ قَوْلِهِ ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ إِلَخْ وَهَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي الدَّعَوَاتِ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْمُنْذِرِيِّ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ مِنْ كِتَابِ التَّرْغِيبِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ عِنْدَ أحمد والبزار والطبراني وبن حِبَّانَ (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ غُرَفِ الْجَنَّةِ) [2527] قَوْلُهُ (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ كَصُرَدٍ جَمْعُ غُرْفَةٍ بِالضَّمِّ وَهِيَ الْعُلِّيَّةُ وَهِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ بالأخانة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ قَوْلِ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ قَوْلُهُ (مِنْ قِبَلِ حِفْظِهِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ جِهَةِ حِفْظِهِ (وَهُوَ كُوفِيٌّ) وَاسِطِيٌّ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي بَابِ قَوْلِ الْمَعْرُوفِ (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْقُرَشِيُّ مَدَنِيٌّ وَهُوَ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا) وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ وَهُوَ أصلح من الواسطي وقال بن سَعْدٍ هُوَ أَثْبَتُ مِنَ الْوَاسِطِيِّ وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ وَثَّقَهُ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالْعِمَامَةِ [2528] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ هَذَا هُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُهُ أَبُو بَكْرٍ اسْمُهُ عَمْرٌو أَوْ عَامِرٌ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسِ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ حَضَّارٍ كُنْيَتُهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَقَرَّهُ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ وَهُوَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ بِصَفِّينَ قَوْلُهُ (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ جَنَّتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا) أَيْ مِنَ الْقُصُورِ وَالْأَثَاثِ كَالسُّرُرِ وَكَقُضْبَانِ الْأَشْجَارِ وَأَمْثَالِ ذَلِكَ قِيلَ قَوْلُهُ مِنْ فِضَّةٍ خَبَرُ آنِيَتُهُمَا وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ جَنَّتَيْنِ أَوْ مِنْ فِضَّةٍ صِفَةُ قَوْلِهِ جنتين وخبر انيهما مَحْذُوفٌ أَيْ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا كَذَلِكَ وَكَذَا مِنْ جِهَةِ الْمَبْنَى وَالْمَعْنَى قَوْلُهُ (وَجَنَّتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا) ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنَّ جَنَّتَيْنِ مِنْ فِضَّةٍ لَا مِنْ ذَهَبٍ وَجَنَّتَيْنِ بِالْعَكْسِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ صِفَةِ بِنَاءِ الْجَنَّةِ مِنْ أَنَّ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ أَنَّ الْأَوَّلَ صِفَةُ مَا فِي الْجَنَّةِ مِنْ آنِيَةٍ وَغَيْرِهَا وَالثَّانِي صِفَةُ حَوَائِطِ الْجَنَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْثِ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ اللَّهَ أَحَاطَ حَائِطَ الْجَنَّةِ لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ (وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ إِلَّا رِدَاءُ

الْكِبْرِيَاءِ) قَالَ عِيَاضٌ كَانَتِ الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ الِاسْتِعَارَةَ كَثِيرًا وَهُوَ أَرْفَعُ أَدَوَاتِ بَدِيعِ فَصَاحَتِهَا وَإِيجَازِهَا ومنه قوله تعالى (جناح الذل) فَمُخَاطَبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ بِرِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَمَنْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ تَاهَ فَمَنْ أَجْرَى الْكَلَامَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَفْضَى بِهِ الْأَمْرُ إِلَى التَّجْسِيمِ وَمَنْ لَمْ يَتَّضِحْ لَهُ وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنِ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهَا إِمَّا أَنْ يُكَذِّبَ نَقَلَتَهَا وَإِمَّا أَنْ يأولها أَنْ يُقَالَ اسْتَعَارَ لِعَظِيمِ سُلْطَانِ اللَّهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ وَهَيْبَتِهِ وَجَلَالِهِ الْمَانِعِ إِدْرَاكَ أَبْصَارِ الْبَشَرِ مَعَ ضَعْفِهَا لِذَلِكَ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ فَإِذَا شَاءَ تَقْوِيَةَ أَبْصَارِهِمْ وَقُلُوبِهِمْ كَشَفَ عَنْهُمْ حِجَابَ هَيْبَتِهِ وَمَوَانِعَ عَظَمَتِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَقَالَ الْكَرْمَانِيُّ مَا حَاصِلُهُ إِنَّ رِدَاءَ الْكِبْرِيَاءِ مَانِعٌ عَنِ الرُّؤْيَةِ فَكَانَ فِي الْكَلَامِ حَذْفًا تَقْدِيرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ إِلَّا رِدَاءُ الْكِبْرِيَاءِ فَإِنَّهُ يَمُنُّ عَلَيْهِمْ بِرَفْعِهِ فَيَحْصُلُ لَهُمُ الْفَوْزُ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ فَكَأَنَّ الْمُرَادَ أن المؤمنين إذا تبوأوا مقاعدهم من الجنة لولاما عِنْدَهُمْ مِنْ هَيْبَةِ ذِي الْجَلَالِ لِمَا حَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّؤْيَةِ حَائِلٌ فَإِذَا أَرَادَ إِكْرَامَهُمْ حَفَّهُمْ بِرَأْفَتِهِ وَتَفَضَّلَ عَلَيْهِمْ بِتَقْوِيَتِهِمْ عَلَى النَّظَرِ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ قَالَ الْحَافِظُ ثُمَّ وَجَدْتُ فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى لِلَّذِينَ أحسنوا الحسنى وزيادة مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِرِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْحِجَابُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ صُهَيْبٍ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَكْشِفُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ إِكْرَامًا لَهُمْ وَالْحَدِيثُ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا وَتُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ قَالَ فَيَكْشِفُ لَهُمُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إليهم منه ثم تلاهذه الاية للذين أحسنوا الحسنى وزيادة أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى تَأْوِيلِهِ بِهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ الرِّدَاءُ اسْتِعَارَةٌ كَنَّى بِهَا عَنِ الْعَظَمَةِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي وَلَيْسَ الْمُرَادُ الثِّيَابَ الْمَحْسُوسَةَ لَكِنَّ الْمُنَاسَبَةَ أَنَّ الرِّدَاءَ وَالْإِزَارَ لَمَّا كَانَا مُتَلَازِمَيْنِ لِلْمُخَاطَبِ مِنَ الْعَرَبِ عَبَّرَ عَنِ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ بِهِمَا وَمَعْنَى حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّ مُقْتَضَى عِزَّةِ اللَّهِ وَاسْتِغْنَائِهِ أَنْ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ لَكِنَّ رَحْمَتَهُ المؤمنين اقْتَضَتْ أَنْ يُرِيَهُمْ وَجْهَهُ كَمَالًا لِلنِّعْمَةِ فَإِذَا زَالَ الْمَانِعُ فَعَلَ مِنْهُمْ خِلَافَ مُقْتَضَى الْكِبْرِيَاءِ فَكَأَنَّهُ رَفَعَ عَنْهُمْ حِجَابًا كَانَ يَمْنَعُهُمْ انْتَهَى (عَلَى وَجْهِهِ) حَالٌ مِنْ رِدَاءِ الْكِبْرِيَاءِ (فِي جَنَّةِ عَدْنٍ) رَاجِعٌ إِلَى الْقَوْمِ وَقَالَ عِيَاضٌ مَعْنَاهُ رَاجِعٌ إِلَى النَّاظِرِينَ أَيْ وَهُمْ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ لَا إِلَى اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا تَحْوِيهِ الْأَمْكِنَةُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْقَوْمِ مِثْلُ كَائِنِينَ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ

باب ما جاء في صفة درجات الجنة

قَوْلُهُ (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَخَيْمَةً) أَيْ عَظِيمَةً (مجوفة) أي واسعة الجوف (عرضها) وفي رِوَايَةٍ طُولُهَا وَيَتَحَصَّلُ بِالرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ طُولَهَا وَعَرْضَهَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سِتُّونَ مِيلًا (فِي كُلِّ زَاوِيَةٍ) أَيْ مِنَ الزَّوَايَا الْأَرْبَعِ (مِنْهَا) أَيْ مِنْ تِلْكَ الْخَيْمَةِ (أَهْلٌ) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَهْلٌ لِلْمُؤْمِنِ (لَا يَرَوْنَ) أَيْ ذَلِكَ الْأَهْلُ وَجُمِعَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَاهُ (الْآخَرِينَ) أَيِ الْجَمْعَ الْآخَرِينَ مِنَ الْأَهْلِ الْكَائِنِينَ فِي زَاوِيَةٍ أُخْرَى (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ) أَيْ يَدُورُ عَلَى جَمِيعِهِمْ (الْمُؤْمِنُ) قِيلَ إِنَّ الْمَعْنَى يُجَامِعُ الْمُؤْمِنُ الْأَهْلَ وَأَنَّ الطَّوَافَ هُنَا كِنَايَةٌ عَنِ الْمُجَامَعَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ) [2529] قَوْلُهُ (فِي الْجَنَّةِ مائة درجة) قال بن الملك المراد بالمائة ها هنا الكثرة وبالدرجة المرقاة قال القارىء الْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّرَجَاتِ الْمَرَاتِبُ الْعَالِيَةُ قَالَ تعالى لهم درجات عند ربهم أَيْ ذَوُو دَرَجَاتٍ بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ مِنَ الطَّاعَاتِ كَمَا أَنَّ أَهْلَ النَّارِ أَصْحَابُ دَرَكَاتٍ مُتَسَافِلَةٍ لِقَدْرِ مَرَاتِبِهِمْ فِي شِدَّةِ الْكُفْرِ كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأسفل من النار (مِائَةَ عَامٍ) أَيْ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ قَالَ المناوي وفي

رِوَايَةٍ خَمْسَمِائَةٍ وَفِي أُخْرَى أَكْثَرُ وَأَقَلُّ وَلَا تَعَارُضَ لِاخْتِلَافِ السَّيْرِ فِي السُّرْعَةِ وَالْبُطْءِ وَالْبَيْنُ ذُكِرَ تَقْرِيبًا لِلْأَفْهَامِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ انْتَهَى [2530] قَوْلُهُ (لَا أَدْرِي أَذَكَرَ الزَّكَاةَ أَمْ لَا) الظَّاهِرُ أَنَّ قَائِلَهُ لَا أَدْرِي هُوَ عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ وَفَاعِلُ ذَكَرَ هُوَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ (إِلَّا كَانَ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِزِيَادَةِ إِلَّا قَبْلَ كَانَ وَلَا يَسْتَقِيمُ معناها ها هنا فَهِيَ زَائِدَةٌ وَقَدْ تَكُونُ هِيَ زَائِدَةً كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ حَرَاجِيجُ مَا تَنْفَكُّ إِلَّا مُنَاخَةً عَلَى الْخَسْفِ أَوْ تَرْمِي بِهَا بَلَدًا قَفْرَا كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ وَلَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَتِهِ لَفْظُ إِلَّا (حَقًّا عَلَى اللَّهِ) أَيْ بِوَعْدِهِ الصَّادِقِ (أَلَا أُخْبِرُ بِهَا النَّاسَ) حَتَّى يَفْرَحُوا بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ (ذَرِ النَّاسَ) أَيْ اُتْرُكْهُمْ بِلَا بِشَارَةٍ (يَعْمَلُونَ) أَيْ يَجْتَهِدُونَ فِي زِيَادَةِ الْعِبَادَةِ وَلَا يَتَّكِلُونَ عَلَى هَذَا الْإِجْمَالِ (فَإِنَّ في الجنة مائة درجة) قال القارىء يمكن أن يراه بِهِ الْكَثْرَةُ لِمَا وَرَدَ مِنْ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ عن عائشة رضي الله عنها مَرْفُوعًا عَدَدُ دَرَجِ الْجَنَّةِ عَدَدُ آيِ الْقُرْآنِ فَمَنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ فَوْقَهُ دَرَجَةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي الْجَنَّةِ مِائَةُ دَرَجَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِهَا فَيَكُونُ بَيَانَ أَقَلِّ مَا يَكُونُ فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ السَّعَةِ وَأَصْنَافِ النِّعْمَةِ (وَالْفِرْدَوْسُ) قَالَ الْحَافِظُ الْفِرْدَوْسُ هُوَ الْبُسْتَانُ الَّذِي يَجْمَعُ كُلَّ شَيْءٍ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي فِيهِ الْعِنَبُ وَقِيلَ هُوَ بِالرُّومِيَّةِ وَقِيلَ بِالْقِبْطِيَّةِ وَقِيلَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَبِهِ جَزَمَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفِرْدَوْسُ الْأَوْدِيَةُ الَّتِي تُنْبِتُ ضُرُوبًا مِنَ النَّبْتِ وَالْبُسْتَانُ يَجْمَعُ كُلَّ مَا يَكُونُ فِي الْبَسَاتِينِ يَكُونُ فيه الكروم وقد يؤنث عربية أورومية نُقِلَتْ أَوْ سُرْيَانِيَّةٌ انْتَهَى (أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُهَا) أَيْ أَعْدَلُهَا وَأَفْضَلُهَا وَأَوْسَعُهَا وَخَيْرُهَا ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ قَالَ الطِّيبِيُّ النُّكْتَةُ فِي

الْجَمْعِ بَيْنَ الْأَعْلَى وَالْأَوْسَطِ أَنَّهُ أَرَادَ بِأَحَدِهِمَا الْحِسِّيَّ وَبِالْآخَرِ الْمَعْنَوِيَّ فَإِنَّ وَسَطَ الشَّيْءِ أَفْضَلُهُ وَخِيَارُهُ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يَتَسَارَعُ إليها الخلل والأوساط محمية محفوظة وقال بن حِبَّانَ الْمُرَادُ بِالْأَوْسَطِ السِّعَةُ وَبِالْأَعْلَى الْفَوْقِيَّةُ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنَ الْفِرْدَوْسِ (تُفَجَّرُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تشقق وَتُجْرَى (أَنْهَارُ الْجَنَّةِ) أَيْ أُصُولُ الْأَنْهَارِ الْأَرْبَعَةِ مِنَ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالْخَمْرِ وَالْعَسَلِ (فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ) أَيِ الْجَنَّةَ (فَاسْأَلُوهُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَسَلُوهُ بِالتَّخْفِيفِ وَالنَّقْلِ أَيْ فَاطْلُبُوا مِنْهُ (الْفِرْدَوْسَ) لِأَنَّهُ أَفْضَلُهَا وَأَعْلَاهَا قَوْلُهُ (هَكَذَا رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَهَذَا عِنْدِي أَصَحُّ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رَوَاهُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ فَاخْتُلِفَ عَلَيْهِ فَقَالَ هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ وَحَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْهُ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ زَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَرَجَّحَ رِوَايَةَ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَى رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِرِوَايَةِ هِلَالٍ مَعَ أَنَّ بَيْنَ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَمُعَاذٍ انْقِطَاعًا انْتَهَى [2531] قَوْلُهُ (وَالْفِرْدَوْسُ) أَيِ الْجَنَّةُ الْمُسَمَّاةُ بِالْفِرْدَوْسِ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون إِلَى قَوْلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يرثون الفردوس (أَعْلَاهَا) أَيْ أَعْلَى سَائِرِ الْجِنَانِ (وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ (تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الْأَرْبَعَةُ) بالرفع صفة

باب ما جاء في صفة نساء أهل الجنة

لِأَنْهَارٍ وَهِيَ أَنْهَارُ الْمَاءِ وَاللَّبَنِ وَالْخَمْرِ وَالْعَسَلِ المذكورة في القرآن وفيها أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى (وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ) يَدُلُّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْفِرْدَوْسَ فَوْقَ جَمِيعِ الْجِنَانِ وَلِذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ وَتَعْظِيمًا لِلْهِمَّةِ (فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَسَلُوهُ بِالتَّخْفِيفِ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ هَذَا أخرجه أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَالْحَاكِمُ [2532] قَوْلُهُ (لَوْ أَنَّ الْعَالَمِينَ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ جَمِيعَ الْخَلْقِ اجْتَمَعُوا جَمِيعًا (لَوَسِعَتْهُمْ) أَيْ لَكَفَتْهُمْ لِسَعَتِهَا الْمُفْرِطَةِ الَّتِي لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه بن حبان من وجه آخر وصححه قاله القارىء (باب ما جاء في صفة نساء أهل الجنة) [2533] ق وله (أَخْبَرَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ والمد واسم أبيه معد يكرب الْكِنْدِيُّ يُكَنَّى أَبَا الْقَاسِمِ كُوفِيٌّ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عَبِيدَةُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ

قَوْلُهُ (لَيُرَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (مُخُّهَا) بِالضَّمِّ نِقْيُ الْعَظْمِ وَالدِّمَاغِ (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ) أَيْ صَفَاءً (وَالْمَرْجَانُ) أَيِ اللُّؤْلُؤُ بَيَاضًا قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَرْجَانُ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ (ثُمَّ اسْتَصْفَيْتُهُ) الْمُرَادُ بِاسْتِصْفَاءِ الْيَاقُوتِ هُنَا جَعْلُهُ صَافِيًا وَنَقِيًّا مِنَ الْكُدُورَةِ وَنَحْوِهَا مما يكدره وحديث بن مسعود هذا أخرجه أيضا بن أبي الدنيا وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ [2535] قَوْلُهُ (إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ) أَيْ جَمَاعَةٍ وَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ) أَيْ وجوههم على مثل ضوءالقمر لَيْلَةَ الْبَدْرِ (وَالزُّمْرَةُ الثَّانِيَةُ) وَهُمُ الْأَوْلِيَاءُ وَالصُّلَحَاءُ عَلَى اخْتِلَافِ مَرَاتِبِهِمْ فِي الضِّيَاءِ عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً بِضَمِّ حَاءٍ وَتَشْدِيدِ لَامٍ وَلَا تُطْلَقُ غَالِبًا إِلَّا عَلَى ثَوْبَيْنِ (يَرَى) أَيْ يُبْصِرُ (مُخَّ سَاقِهَا) أَيْ مُخَّ عِظَامِ سَاقِ كُلِّ زَوْجَةٍ (مِنْ وَرَائِهَا) أَيْ مِنْ فَوْقِ حُلَلِهَا السَّبْعِينَ لِكَمَالِ لَطَافَةِ أَعْضَائِهَا

وثيابها قال القارىء وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَرِ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ من له اثنتان وَسَبْعُونَ زَوْجَةً وَثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ بِأَنْ يُقَالَ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ مَوْصُوفَتَانِ بِأَنْ يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَائِهَا وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يَحْصُلَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْحُورِ العين الغير البالغة إلى هذه الغلية كذا قيل والأظهر أنه تكون لكل زَوْجَتَانِ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا وَأَنَّ أَدْنَى أَهْلِ الجنة من له اثنتان وَسَبْعُونَ زَوْجَةً فِي الْجُمْلَةِ يَعْنِي ثِنْتَيْنِ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا وَسَبْعِينَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ أَيْ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فِي صِفَةِ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً وَأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً سِوَى أَزْوَاجِهِ مِنَ الدُّنْيَا وَفِي سَنَدِهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَفِيهِ مَقَالٌ وَلِأَبِي يَعْلَى فِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِ مَرْفُوعٍ فَيَدْخُلُ الرَّجُلُ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِمَّا يُنْشِئُ اللَّهُ وَزَوْجَتَيْنِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ أَقَلَّ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُهُمْ بِاحْتِمَالِ أن تكون التثنية تطيرا لِقَوْلِهِ جَنَّتَانِ وَعَيْنَانِ وَنَحْوَ ذَلِكَ أَوِ الْمُرَادُ تَثْنِيَةُ التَّكْثِيرِ وَالتَّعْظِيمِ نَحْو لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا قُلْتُ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ الْحَدِيثَ وفيه ولكل وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَفِيهِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ أَيْ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ يُفَسِّرُ بَعْضُهَا بَعْضًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ أَقَلَّ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (عَلَى لَوْنِ أَحْسَنِ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْكَوْكَبُ الدُّرِّيُّ الشَّدِيدُ

باب ما جاء في صفة جماع أهل الجنة

الْإِنَارَةِ كَأَنَّهُ نُسِبَ إِلَى الدُّرِّ تَشْبِيهًا بِهِ لصفاته وَقَالَ الْفَرَّاءُ هُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ الْعَظِيمُ الْمِقْدَارِ وَقِيلَ هُوَ أَحَدُ الْكَوَاكِبِ الْخَمْسَةِ السَّيَّارَةِ انْتَهَى (يَبْدُو) أَيْ يَظْهَرُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ جِمَاعِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) [2536] قَوْلُهُ (يُعْطَى الْمُؤْمِنُ فِي الْجَنَّةِ قُوَّةَ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْجِمَاعِ) قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ أَيْ قُوَّةَ جِمَاعِ كَذَا وَكَذَا مِنَ النِّسَاءِ فَكَذَا وَكَذَا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَدِ النِّسَاءِ كَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ مَثَلًا فَافْهَمْ انْتَهَى وَقِيلَ كِنَايَةٌ عَنْ مَرَّاتِ الْجِمَاعِ كَعِشْرِينَ مَرَّةً أَوْ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ أَوْ مِائَةً وَنَحْوِهَا (أو يطيق ذَلِكَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ يُعْطَى تِلْكَ الْقُوَّةَ وَيَسْتَطِيعُ ذَلِكَ الْمِقْدَارَ وَالْإِشَارَةُ إِلَى مَضْمُونِ قَوْلِهِ كَذَا وَكَذَا مِنَ الْجِمَاعِ (يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ) أَيْ مِائَةِ رَجُلٍ وَالْمَعْنَى فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ يُطِيقُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ تَزْعُمُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ قَالَ نَعَمْ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُعْطَى قُوَّةَ مِائَةِ رَجُلٍ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ قَالَ فَإِنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ

باب ما جاء في صفة أهل الجنة

تَكُونُ لَهُ الْحَاجَةُ وَلَيْسَ فِي الْجَنَّةِ أَذًى قال تَكُونُ حَاجَةُ أَحَدِهِمْ رَشْحًا يُفِيضُ مِنْ جُلُودِهِمْ كَرَشْحِ الْمِسْكِ فَيُضْمِرُ بَطْنَهُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَرُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ قال ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ ثُمَّ ذَكَرَ لَفْظَهُمَا قوله (هذا حديث صحيح غريب) وأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) [2537] قَوْلُهُ (تَلِجُ الْجَنَّةَ) مِنَ الْوُلُوجِ أَيْ تَدْخُلُ (صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ) أي فِي الْإِضَاءَةِ (لَا يَبْصُقُونَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبُصَاقُ كَغُرَابٍ وَالْبِسَاقُ وَالْبُزَاقُ مَاءُ الْفَمِ إِذَا خَرَجَ مِنْهُ وَمَا دَامَ فِيهِ فَهُوَ رِيقٌ وَبَصَقَ بَزَقَ انْتَهَى (وَلَا يَمْتَخِطُونَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَا يَتَمَخَّطُونَ أَيْ لَيْسَ فِي أَنْفِهِمْ مِنَ الْمِيَاهِ الزَّائِدَةِ وَالْمَوَادِّ الْفَاسِدَةِ لِيَحْتَاجُوا إِلَى إِخْرَاجِهَا وَلِأَنَّ الْجَنَّةَ مَسَاكِنُ طَيِّبَةٌ لِلطَّيِّبِينَ فَلَا يُلَائِمُهَا الْأَدْنَاسُ وَالْأَنْجَاسُ قَالَ بن الْجَوْزِيِّ لَمَّا كَانَتْ أَغْذِيَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي غَايَةِ اللَّطَافَةِ وَالِاعْتِدَالِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَذًى وَلَا فَضْلَةٌ تُسْتَقْذَرُ بَلْ يَتَوَلَّدُ عَنْ تِلْكَ الْأَغْذِيَةِ أَطْيَبُ رِيحٍ وَأَحْسَنُهُ (آنِيَتُهُمْ فِيهَا مِنَ الذَّهَبِ وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ آنِيَتُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ قَالَ الْحَافِظُ وَكَأَنَّهُ اكْتَفَى فِي الْمَوْضِعَيْنِ ذكر أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الصِّنْفَانِ لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الصِّنْفَيْنِ لِبَعْضِهِمْ وَالْآخَرُ لِلْبَعْضِ الْآخَرِ

وَيُؤَيِّدُ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا وَجَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةِ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا الْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ دَرَجَةً لَمَنْ يَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ عَشَرَةُ آلَافِ خَادِمٍ بِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ صَحْفَتَانِ وَاحِدَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَالْأُخْرَى مِنْ فِضَّةٍ الْحَدِيثَ انْتَهَى وَالْأَمْشَاطُ جَمْعُ مُشْطٍ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ وَالْأَفْصَحُ ضَمُّهَا آلَةٌ يُمْتَشَطُ بِهَا (وَمَجَامِرُهُمْ مِنَ الْأَلُوَّةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَجَامِرُ جَمْعُ مِجْمَرٍ وَمُجْمَرٍ فَالْمِجْمَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ هُوَ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ النَّارُ لِلْبَخُورِ وَالْمُجْمَرُ بِالضَّمِّ الَّذِي يُتَبَخَّرُ بِهِ وَأُعِدَّ لَهُ الْجَمْرُ وَهُوَ الْمُرَادُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ إِنَّ بَخُورَهُمْ بِالْأَلُوَّةِ وَهُوَ الْعُودُ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَوَقُودُ مَجَامِرِهِمُ الْأَلُوَّةُ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمَجَامِرُ جَمْعُ مِجْمَرٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مَا يُوقَدُ بِهِ مَبَاخِرُهُمْ الْأَلُوَّةُ وَهِيَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا وَبِضَمِّ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَحَكَى بن التِّينِ كَسْرَ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفَ الْوَاوِ وَالْهَمْزَةُ أَصْلِيَّةٌ وَقِيلَ زَائِدَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الْعُودُ الْهِنْدِيُّ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ رَائِحَةَ الْعُودِ إِنَّمَا تَفُوحُ بِوَضْعِهِ فِي النَّارِ وَالْجَنَّةُ لَا نَارَ فِيهَا وَيُجْلَبُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَشْتَعِلَ بِغَيْرِ نَارٍ بَلْ بِقَوْلِهِ كُنْ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مِجْمَرَةً بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ فِي الْأَصْلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَشْتَعِلَ بِنَارٍ لَا ضَرَرَ فِيهَا وَلَا إِحْرَاقَ أَوْ يَفُوحَ بِغَيْرِ اشْتِعَالٍ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ قَدْ يُقَالُ أَيُّ حَاجَةٍ لَهُمْ إِلَى الْمُشْطِ وَهُمْ مُرْدٌ وَشُعُورُهُمْ لَا تَتَّسِخُ وَأَيُّ حَاجَةٍ لَهُمْ إِلَى الْبَخُورِ وَرِيحُهُمْ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ قَالَ وَيُجَابُ بِأَنَّ نَعِيمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَكِسْوَةٍ وَطِيبٍ لَيْسَ عَنْ أَلَمِ جُوعٍ أَوْ ظَمَأٍ أَوْ عُرْيٍ أَوْ نَتْنٍ وَإِنَّمَا هِيَ لَذَّاتٌ مُتَتَالِيَةٌ وَنِعَمٌ مُتَوَالِيَةٌ وَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُنَعَّمُونَ بِنَوْعِ مَا كَانُوا يَتَنَعَّمُونَ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ تَنَعُّمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَلَى هَيْئَةِ تَنَعُّمِ أَهْلِ الدُّنْيَا إِلَّا مَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّفَاضُلِ فِي اللَّذَّةِ وَدَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ عَلَى أَنَّ نَعِيمَهُمْ لَا انْقِطَاعَ لَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَرَشْحُهُمْ) أي عرفهم (الْمِسْكُ) أَيْ رَائِحَةُ الْمِسْكِ وَالْمَعْنَى رَائِحَةُ عَرَقِهِمْ رَائِحَةُ الْمِسْكِ فَهُوَ تَشْبِيهٌ بَلِيغٌ (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَلِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ قَالَ الطِّيبِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّثْنِيَةَ لِلتَّكْرِيرِ لَا لِلتَّحْدِيدِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فارجع البصر كرتين لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ أَنَّ لِلْوَاحِدِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي بَابِ صِفَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ (مِنَ الْحُسْنِ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هُوَ تَتْمِيمٌ صَوْنًا مِنْ تَوَهُّمِ الْبَشَرَةِ وَنُعُومَةُ الْأَعْضَاءِ (لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تباغض) قال تعالى ونزعنا مَا يُتَصَوَّرُ فِي تِلْكَ الرُّؤْيَةِ مِمَّا يَنْفِرُ عَنْهُ الطَّبْعُ وَالْحُسْنُ

هُوَ الصَّفَاءُ وَرِقَّةُ الْبَشَرَةِ وَنُعُومَةُ الْأَعْضَاءِ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ وَلَا تَبَاغُضَ قَالَ تَعَالَى وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سرر متقابلين (قُلُوبُهُمْ قَلْبُ رَجُلٍ وَاحِدٍ) أَيْ فِي الِاتِّفَاقِ وَالْمَحَبَّةِ (يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا) قَالَ الْحَافِظُ أَيْ قَدْرَهُمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا التَّسْبِيحُ لَيْسَ عَنْ تَكْلِيفٍ وَإِلْزَامٍ وَقَدْ فَسَّرَهُ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ بِقَوْلِهِ يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّكْبِيرَ كَمَا يُلْهَمُونَ النَّفَسَ وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ أَنَّ تَنَفُّسَ الْإِنْسَانِ لَا كُلْفَةَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَجُعِلَ تَنَفُّسُهُمْ تَسْبِيحًا وَسَبَبُهُ أَنَّ قُلُوبَهُمْ تَنَوَّرَتْ بِمَعْرِفَةِ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَامْتَلَأَتْ بِحُبِّهِ وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ ذِكْرِهِ وَقَدْ وَقَعَ فِي خَبَرٍ ضَعِيفٍ أَنَّ تَحْتَ الْعَرْشِ سِتَارَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِيهِ ثُمَّ تُطْوَى فَإِذَا نُشِرَتْ كَانَتْ عَلَامَةَ الْبُكُورِ وَإِذَا طُوِيَتْ كَانَتْ عَلَامَةَ الْعَشِيِّ انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ يُرَادُ بِهِمَا الدَّيْمُومَةُ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ أَنَا عِنْدَ فُلَانٍ صَبَاحًا وَمَسَاءً لَا يَقْصِدُ الْوَقْتَيْنِ الْمَعْلُومَيْنِ بَلِ الدَّيْمُومَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2538] قَوْلُهُ (عَنْ دَاوُدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَوْلُهُ (لَوْ أَنَّ مَا يُقِلُّ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ يَحْمِلُهُ (ظُفُرٌ) بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي قَالَ الطِّيبِيُّ مَا مَوْصُولَةٌ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ مَا يُقِلُّهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَيْ قَدْرُ مَا يَسْتَقِلُّ بِحَمْلِهِ ظُفُرٌ وَيُحْمَلُ عَلَيْهَا (مِمَّا فِي الْجَنَّةِ) أَيْ مِنْ نَعِيمِهَا (بَدَا) أَيْ ظَهَرَ فِي الدُّنْيَا لِلنَّاظِرِينَ (لَتَزَخْرَفَتْ) أَيْ تَزَيَّنَتْ (لَهُ) أَيْ لِذَلِكَ الْمِقْدَارِ وَسَبَبِهِ (مَا بَيْنَ خَوَافِقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) قَالَ الْقَاضِي الْخَوَافِقُ جَمْعُ خَافِقَةٍ وَهِيَ الْجَانِبُ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ الْجَوَانِبُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهَا الرِّيَاحُ مِنَ الْخَفَقَانِ وَيُقَالُ الْخَافِقَانِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ قَالَ الطِّيبِيُّ وَتَأْنِيثُ الْفِعْلِ لِأَنَّ مَا بَيْنَ بِمَعْنَى الْأَمَاكِنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَضَاءَتْ مَا حوله فِي وَجْهٍ (اطَّلَعَ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَيْ أَشْرَفَ على

باب ما جاء في صفة ثياب أهل الجنة

الأصل الجوانب التي أَهْلِ الدُّنْيَا (فَبَدَا) أَيْ ظَهَرَ (أَسَاوِرُهُ) جَمْعُ أَسْوِرَةٍ جَمْعِ سِوَارٍ وَالْمُرَادُ بَعْضُ أَسَاوِرِهِ فَفِي التَّرْغِيبِ فَبَدَا سِوَارُهُ (لَطَمَسَ) أَيْ مَحَا ضَوْءُ أَسَاوِرِهِ (ضَوْءَ الشَّمْسِ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ قَوْلُهُ (هذا حديث غريب) وأخرجه بن أَبِي الدُّنْيَا قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ) هُوَ الْغَافِقِيُّ (عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) الْمَدَنِيِّ نَزِيلِ الْكُوفَةِ صَدُوقٌ لَكِنْ مَقَتَهُ النَّاسُ لِكَوْنِهِ كَانَ أَمِيرًا عَلَى الْجَيْشِ الَّذِينَ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ مِنَ الثَّانِيَةِ قَتَلَهُ الْمُخْتَارُ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ أَوْ بَعْدَهَا وَوَهِمَ مَنْ ذَكَرَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَقَدْ جزم بن مَعِينٍ بِأَنَّهُ وُلِدَ يَوْمَ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهَذَا المرسل (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) [2539] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ سَنْبَرَ كُنْيَتُهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ الدَّسْتُوَائِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَقَدْ رُمِيَ بِالْقَدَرِ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ (عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَامِرُ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْأَحْوَلُ البصري صدوق يخطىء مِنَ السَّادِسَةِ وَهُوَ عَامِرٌ الْأَحْوَلُ الَّذِي يَرْوِي عَنْ عَائِذِ بْنِ عَمْرٍو الْمُزَنِيِّ وَالصَّحَابِيِّ انْتَهَى

قَوْلُهُ (أَهْلُ الْجَنَّةِ جُرْدٌ) بِضَمِّ جِيمٍ وَسُكُونِ رَاءٍ جَمْعِ أَجْرَدَ وَهُوَ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَى جَسَدِهِ وَضِدُّهُ الْأَشْعَرُ (مُرْدٌ) جَمْعُ أَمْرَدَ وَهُوَ غُلَامٌ لَا شَعْرَ عَلَى ذَقَنِهِ وَقَدْ يُرَادُ بِهِ الْحُسْنُ بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ (كَحْلَى) بِفَتْحِ الْكَافِ فَعْلَى بِمَعْنَى فَعِيلٍ أَيْ مَكْحُولٌ وَهُوَ عَيْنٌ فِي أَجْفَانِهَا سَوَادٌ خِلْقَةً كَذَا قِيلَ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْكَحَلُ بِفَتْحَتَيْنِ سَوَادٌ فِي أَجْفَانِ الْعَيْنِ خِلْقَةً وَالرَّجُلُ أَكْحَلُ وَكَحِيلٌ وَكَحْلَى جَمْعُ كَحِيلٍ (لَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ) بَلْ كل منهم في سن بن ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ دَائِمًا (وَلَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ) أَيْ لَا يَلْحَقُهَا الْبِلَى أَوْ لَا يَزَالُ عَلَيْهِمُ الثِّيَابُ الْجُدُدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ [2540] قَوْلُهُ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ارْتِفَاعُهَا) أَيِ ارْتِفَاعُ فُرُشِ الْجَنَّةِ وَقِيلَ ارْتِفَاعُ الدَّرَجَةِ الَّتِي فُرِشَتْ لِلْفُرُشِ الْمَرْفُوعَةِ فِيهَا وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ لَكَمَا بَيْنَ السماء والأرض (مسيرة خمسمائة عام) بدل من ما قَبْلَهُ أَوْ بَيَانٌ لَهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ ارْتِفَاعَ الْفُرُشِ الْمَفْرُوشَةِ فِي الْجَنَّةِ مِثْلُ مَسَافَةِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَيْ مَسَافَةَ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ وَلَفْظُهُ ارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَسِيرَةُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ وَمَعْنَاهُ ظَاهِرٌ أَيِ ارْتِفَاعُ الْفُرُشِ الْمَفْرُوشَةِ فِي الْجَنَّةِ مِثْلُ مَسِيرَةِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَمَسِيرَةُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ فَارْتِفَاعُ الْفُرُشِ الْمَفْرُوشَةِ فِي الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ فَمَعْنَى اللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا وَاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي التَّفْسِيرِ وَاحِدٌ (هَذَا حديث غريب) وأخرجه أحمد والنسائي وبن أبي الدنيا قال المنذري ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ بن وَهْبٍ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ انْتَهَى (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ 210 فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْفُرُشَ فِي

باب ما جاء في صفة ثمار الجنة

الدَّرَجَاتِ وَبَيْنَ الدَّرَجَاتِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) هَذَا الْمَعْنَى مُوَافِقٌ لِلْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَيِ ارْتِفَاعُ الدَّرَجَةِ الَّتِي فُرِشَتِ الْفُرُشُ الْمَرْفُوعَةُ فِيهَا وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ الْمُرَادُ مِنْهُ ارْتِفَاعُ الْفُرُشِ الْمَرْفُوعَةِ فِي الدَّرَجَاتِ وَمَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِنَ الدَّرَجَاتِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ هَذَا الْقَوْلُ أَوْثَقُ وَذَلِكَ لِمَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ لِلْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ ثِمَارِ الجنة) [2541] قوله (عن يحيى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ كَانَ قَاضِيَ مَكَّةَ زَمَنَ أَبِيهِ وَخَلِيفَتَهُ إِذَا حَجَّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (وَذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى) قِيلَ هِيَ شَجَرَةُ نَبْقٍ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ ثَمَرُهَا كَقِلَالِ هَجَرَ وَوَقَعَ ذِكْرُ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فِي حَدِيثِ الْمِعْرَاجِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى فَإِذَا نَبْقُهَا مِثْلُ قِلَالِ هَجَرَ وَإِذَا وَرَقُهَا مِثْلُ آذَانِ الْفِيلَةِ قَالَ الْحَافِظُ وَقَعَ بَيَانُ سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى فِي حديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ وَإِلَيْهَا يُنْتَهَى مَا يَعْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يَهْبِطُ فَيُقْبَضُ مِنْهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ سُمِّيَتْ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى لِأَنَّ عِلْمَ الْمَلَائِكَةِ يَنْتَهِي إِلَيْهَا وَلَمْ يُجَاوِزْهَا أَحَدٌ إِلَّا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَسِيرُ الرَّاكِبُ) أَيِ الْمُجِدُّ (فِي ظِلِّ الْفَنَنِ) مُحَرَّكَةً أَيِ الْغُصْنُ وَجَمْعُهُ الْأَفْنَانُ وَمِنْهُ قوله تعالى ذواتا أفنان وَيُقَالُ ذَلِكَ لِلنَّوْعِ وَجَمْعُهُ فُنُونٌ كَذَا حَقَّقَهُ الرَّاغِبُ (مِنْهَا) أَيْ مِنَ السِّدْرَةِ أَوْ يَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا مِائَةُ رَاكِبٍ أَوْ لِلشَّكِّ شَكَّ يَحْيَى أي بن عَبَّادٍ الْمَذْكُورُ فِي السَّنَدِ فِيهَا أَيْ فِي سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَالْمَعْنَى فِيمَا بَيْنَ أَغْصَانِهَا أَوْ عَلَيْهَا بِمَعْنَى فَوْقَهَا مِمَّا يَغْشَاهَا (فَرَاشُ الذَّهَبِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ جَمْعُ فَرَاشَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَطِيرُ وَتَتَهَافَتُ فِي السِّرَاجِ قِيلَ هَذَا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تعالى إذ يغشى السدرة ما يغشى ومنه أخذ بن مسعود

باب ما جاء في صفة طير الجنة

(شك يحيى) أي بن عباد المذكور في السند حَيْثُ فَسَّرَ مَا يَغْشَى بِقَوْلِهِ يَغْشَاهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ وَذِكْرُ الْفَرَاشِ وَقَعَ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ لِأَنَّ مِنْ شَأْنِ الشَّجَرِ أَنْ يَسْقُطَ عَلَيْهَا الْجَرَادُ وَشِبْهُهُ وَجَعَلَهَا مِنَ الذَّهَبِ لِصَفَاءِ لَوْنِهَا وَإِضَاءَتِهَا فِي نَفْسِهَا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الذَّهَبِ حَقِيقَةً وَيُخْلَقُ فِيهِ الطَّيَرَانُ وَالْقُدْرَةُ صَالِحَةٌ لِذَلِكَ انْتَهَى (كَأَنَّ ثَمَرَهَا الْقِلَالُ) بِكَسْرِ الْقَافِ جَمْعُ الْقُلَّةِ أَيْ قِلَالُ هَجَرَ فِي الْكِبَرِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ طَيْرِ الْجَنَّةِ) [2542] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) بْنِ قَعْنَبٍ الْقَعْنَبِيُّ الْحَارِثِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَصْرِيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَسَكَنَهَا مُدَّةً ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شهاب الزهري المدني بن أَخِي الزُّهْرِيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شِهَابِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَخُو الزُّهْرِيِّ الْإِمَامُ ثِقَةٌ من الثالثة مات قبل أخيه قوله (ذلك نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ عَنْ أَنَسٍ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ غَفَا إِغْفَاءَةً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ نَزَلَتْ عَلَيَّ سُورَةٌ فَقَرَأَ

باب ما جاء في صفة خيل الجنة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ إِلَى آخِرِهَا ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْكَوْثَرُ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهُ نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَلَيْهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَدِيثَ (يَعْنِي فِي الْجَنَّةِ) هَذَا قَوْلُ الرَّاوِي وَرَوَى الْحَاكِمُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا الْكَوْثَرُ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ تُرَابُهُ مِسْكٌ أَبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ الْحَدِيثَ (فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ النَّهْرِ أَوْ فِي أَطْرَافِهِ (طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَالزَّايِ جَمْعُ جَزُورٍ وَهُوَ الْبَعِيرُ (إِنَّ هَذِهِ) أَيِ الطَّيْرَ فَإِنَّهُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (لَنَاعِمَةٌ) أَيْ سِمَانٌ مُتْرَفَةٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (أَكَلَتُهَا) ضُبِطَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ وَاللَّامِ وَبِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ فَعَلَى الْأَوَّلِ جَمْعُ آكِلٍ اسْمُ فَاعِلٍ كَطَلَبَةٍ جَمْعِ طَالِبٍ وَالْمَعْنَى مَنْ يَأْكُلُهَا وَعَلَى الثَّانِي مُؤَنَّثُ أَكْلٍ وَصِيغَةُ الْوَاحِدِ الْمُؤَنَّثِ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلْجَمَاعَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَفْظُهُ إِنَّ طَيْرَ الْجَنَّةِ كَأَمْثَالِ الْبُخْتِ تَرْعَى فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الطَّيْرَ نَاعِمَةٌ فَقَالَ أَكْلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا قَالَهَا ثَلَاثًا وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَأْكُلُ مِنْهَا كَذَا فِي التَّرْغِيبِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ خَيْلِ الْجَنَّةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْخَيْلُ جَمَاعَةُ الْأَفْرَاسِ لَا وَاحِدَ لَهُ أَوْ وَاحِدُهُ خَائِلٌ لِأَنَّهُ يَخْتَالُ انْتَهَى [2543] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيِّ) بْنِ عَاصِمِ بْنِ صُهَيْبٍ الْوَاسِطِيُّ أَوِ الْحَسَنُ التَّيْمِيُّ مَوْلَاهُمْ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ) بْنِ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيُّ الْمَرْوَزِيِّ قَاضِيهَا ثِقَةٌ مِنَ الثالثة

قَوْلُهُ (إِنِ اللَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ عَلَى أَنَّ إِنْ شَرْطِيَّةٌ ثُمَّ كُسِرَ لِلِالْتِقَاءِ قَالَ الطِّيبِيُّ اللَّهُ مَرْفُوعٌ بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ (أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ) وَلَا يَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى الِابْتِدَاءِ لِوُقُوعِهِ بَعْدَ حَرْفِ الشَّرْطِ وَقَوْلُهُ (فَلَا تَشَاءُ أَنْ تُحْمَلَ فِيهَا) جَوَابٌ لِلشَّرْطِ أَيْ فَلَا تَشَاءُ الْحَمْلَ فِي الْجَنَّةِ (عَلَى فَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ تَطِيرُ) بِصِيغَةِ الْمُؤَنَّثِ وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى فَرَسٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَرَسُ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (حَيْثُ شِئْتَ) أَيْ طَيَرَانَهُ بِكَ (إِلَّا فَعَلْتَ) لَا يُوجَدُ هَذَا اللَّفْظُ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ وَأَوْرَدَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هَذَا الْحَدِيثَ نَقْلًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ مَعَ هَذَا اللفظ قال القارىء فِي شَرْحِ قَوْلِهِ إِلَّا فَعَلْتَ بِصِيغَةِ الْمُخَاطَبِ المذكر المعلوم والمعنى إن تشاء تَفْعَلْهُ وفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ حُمِلْتَ عَلَيْهَا وَرَكِبْتَ وَفِي أُخْرَى بِتَاءِ التَّأْنِيثِ السَّاكِنَةِ فَالضَّمِيرُ لِلْفَرَسِ أَيْ حَمَلَتْكَ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ إن أدخلك الجنة الله فلا تشاء أَنْ تُحْمَلَ عَلَى فَرَسٍ كَذَلِكَ إِلَّا حُمِلْتَ عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ مَا مِنْ شَيْءٍ تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ إِلَّا وَتَجِدُهُ فِي الْجَنَّةِ كَيْفَ شَاءَتْ حتى لو اشتهيت أَنْ تَرْكَبَ فَرَسًا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ لَوَجَدَتْهُ وتمكنته مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ إِنْ أَدْخَلَكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَلَا تَشَاءُ أَنْ يَكُونَ لَكَ مَرْكَبٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ يَطِيرُ بِكَ حَيْثُ شِئْتَ وَلَا تَرْضَى بِهِ فَتَطْلُبَ فَرَسًا مِنْ جِنْسِ مَا تَجِدُهُ فِي الدُّنْيَا حَقِيقَةً وَصِفَةً وَالْمَعْنَى فَيَكُونُ لَكَ مِنَ الْمَرَاكِبِ مَا يُغْنِيكَ عَنِ الْفَرَسِ الْمَعْهُودِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا مَا جَاءَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهُوَ إِنْ أُدْخِلْتَ الْجَنَّةَ أُتِيتَ بِفَرَسٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ لَهُ جَنَاحَانِ فَحُمِلْتَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ مَرَاكِبِ الْجَنَّةِ وَمَرَاكِبِ الدُّنْيَا وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ التَّفَاوُتِ عَلَى التَّصْوِيرِ وَالتَّمْثِيلِ مَثَّلَ فَرَسَ الْجَنَّةِ فِي جَوْهَرِهِ بِمَا هُوَ عِنْدَنَا أَثْبَتُ الْجَوَاهِرِ وَأَدُومُهَا وُجُودًا وَأَنْصَعُهَا لَوْنًا وَأَصْفَاهَا جَوْهَرًا وَفِي شِدَّةِ حَرَكَتِهِ وَسُرْعَةِ انْتِقَالِهِ بِالطَّيْرِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بِقَوْلِهِ جَنَاحَانِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّيْخُ التُّورْبَشْتِيُّ وَتَقْدِيرُ قَوْلِهِ إِلَّا حُمِلْتَ يَقْتَضِي أَنْ يُرْوَى قَوْلُهُ إِلَّا فُعِلْتَ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ فَإِنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ أَيْ لَا تَكُونُ بِمَطْلُوبِكَ إِلَّا مُسْعَفًا وَإِذَا تُرِكَ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ كَانَ التَّقْدِيرُ فَلَا تَكُونُ بِمَطْلُوبِكَ إِلَّا فَائِزًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنَ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ قَرِيبٌ مِنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ فَإِنَّ الرَّجُلَ سَأَلَ عَنِ الْفَرَسِ الْمُتَعَارَفِ فِي الدُّنْيَا فَأَجَابَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا فِي الْجَنَّةِ أَيِ اتْرُكْ مَا طَلَبْتُهُ فَإِنَّكَ

مُسْتَغْنٍ عَنْهُ بِهَذَا الْمَرْكَبِ الْمَوْصُوفِ انْتَهَى (قَالَ) أَيْ بُرَيْدَةُ (فَلَمْ يَقُلْ لَهُ مَا قَالَ لِصَاحِبِهِ) أَيْ مِثْلَ مَقُولِهِ لِصَاحِبِهِ كَمَا سَبَقَ بَلْ أَجَابَهُ مُخْتَصَرًا فَقَالَ إِنْ يُدْخِلْكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ يَكُنْ لَكَ فِيهَا مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ) أَيْ وَجَدْتَ عَيْنَكَ لَذِيذَةً قَالَ فِي الْقَامُوسِ لَذَّهُ وَبِهِ لِذَاذًا وَلَذَاذَةً وَجَدَهُ لَذِيذًا انْتَهَى وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين قَوْلُهُ (هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الْمَسْعُودِيِّ) أَيْ حَدِيثِ سُفْيَانَ وَهُوَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الْمَسْعُودِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مُتَّصِلًا وَهَذَا لِأَنَّ سُفْيَانَ أَوْثَقُ وَأَتْقَنُ مِنَ الْمَسْعُودِيِّ [2544] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمُرَةَ الْأَحْمَسِيُّ) بِمُهْمَلَتَيْنِ أَبُو جَعْفَرٍ السَّرَّاجُ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ وَاصِلِ بْنِ السَّائِبِ) الرِّقَاشِيِّ أَبِي يَحْيَى الْبَصْرِيِّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي سَوْرَةَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا رَاءٌ الأنصاري بن أَخِي أَبِي أَيُّوبَ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِنِّي أُحِبُّ الْخَيْلَ) أَيْ فِي الدُّنْيَا (إِنْ أُدْخِلْتَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَفَتْحِ التَّاءِ (الْجَنَّةَ) أَيْ إِنْ أَدْخَلَكَ اللَّهُ تَعَالَى إِيَّاهَا (أُتِيتَ) أَيْ جئت (بفرس من ياقوتة) قال القارىء قِيلَ أَرَادَ الْجِنْسَ الْمَعْهُودَ مَخْلُوقًا مِنْ أَنْفَسِ الْجَوَاهِرِ وَقِيلَ إِنَّ هُنَاكَ مَرْكَبًا مِنْ جِنْسٍ آخَرَ يُغْنِيكَ عَنِ الْمَعْهُودِ كَمَا مَرَّ وَالْأَخِيرُ أَظْهَرُ لِقَوْلِهِ (لَهُ جَنَاحَانِ) يَطِيرُ بِهِمَا كَالطَّائِرِ (فَحُمِلْتَ عَلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُرْكِبْتَهُ وَالْمَرْكَبُ الْمَلَائِكَةُ (ثُمَّ طَارَ) أَيْ ذَلِكَ الْفَرَسُ (بِكَ حَيْثُ شِئْتَ) وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَا

باب ما جاء في سن أهل الجنة

مِنْ شَيْءٍ تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا تَجِدُهُ فِيهَا حَتَّى لَوِ اشْتَهَى أَنْ يَرْكَبَ فَرَسًا وَجَدَهُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ وَاصِلَ بْنَ السَّائِبِ وَأَبَا سَوْرَةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ كَمَا عَرَفْتَ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي سِنِّ أَهْلِ الْجَنَّةِ) [2545] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (أَخْبَرَنَا عمران بن الْعَوَامَّ) الّقَطَّانُ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ (يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ جُرْدًا مُرْدًا مُكَحَّلِينَ) أَيْ خِلْقَةً (أَبْنَاءَ ثَلَاثِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً) أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هريرة عند أحمد وبن أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْبَيْهَقِيِّ أَبْنَاءَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ بِالْجَزْمِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ الْمِقْدَامِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَلَى مَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَخْرَجَ أَيْضًا الرِّوَايَةَ الْمُرْسَلَةَ الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا

باب ما جاء في كم صف أهل الجنة

13 - (باب ما جاء في كم صَفِّ أَهْلِ الْجَنَّةِ) [2546] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ) بْنِ يَحْيَى الطَّحَّانُ الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيُّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ) الْكُوفِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو سِنَانٍ الشَّيْبَانُ الْأَكْبَرُ ثِقَةٌ ثَبَتٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ) أَيْ قَدْرُهَا أَوْ صُوِّرُوا صُفُوفًا (ثَمَانُونَ) أَيْ صَفًّا (مِنْهَا) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الْعَدَدِ (مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ) أَيْ كَائِنُونَ مِنْ هذه الأمة (وأربعون) أي صفا (عن سَائِرِ الْأُمَمِ) وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ تَكْثِيرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَنَّهُمْ ثُلُثَانِ فِي الْقِسْمَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قُلْتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَانُونَ صَفًّا مُسَاوِيًا فِي الْعَدَدِ لِلْأَرْبَعَيْنِ صَفًّا وَأَنْ يَكُونُوا كَمَا زَادَ عَلَى الرُّبُعِ وَالثُّلُثِ يَزِيدُ عَلَى النِّصْفِ كَرَامَةً لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي اللُّمَعَاتِ لَا يُنَافِي هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَجَاؤُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ ثُمَّ زِيدَ وَبُشِّرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِالزِّيَادَةِ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ الطِّيبِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الثَّمَانُونَ صَفًّا مُسَاوِيًا لِأَرْبَعَيْنِ صَفًّا فَبَعِيدٌ لِأَنَّ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلُ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ أَنْ يَكُونَ الصُّفُوفُ مُتَسَاوِيَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجه والدارمي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ قال الحافظ وله شاهد من حديث بن مَسْعُودٍ بِنَحْوِهِ وَأَتَمُّ مِنْهُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قُلْتُ وله شاهدان آخران من حديث بن عَبَّاسٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى أَخْرَجَهُمَا الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلُهُ (مُرْسَلًا) أَيْ هَذَا مُرْسَلٌ (وَمِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَصْحَابِ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ (وَأَبُو سِنَانٍ

اسْمُهُ ضِرَارُ بْنُ مُرَّةَ) تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ آنِفًا (وَأَبُو سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ الْبُرْجُمِيُّ أَبُو سِنَانٍ الشَّيْبَانِيُّ الْأَصْغَرُ الْكُوفِيٌّ نَزِيلُ الرَّيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّادِسَةِ (وَهُوَ بَصْرِيٌّ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيِّ وَفِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالْخُلَاصَةِ أَنَّهُ كُوفِيٌّ فَتَأَمَّلْ (وَأَبُو سِنَانٍ الشَّامِيُّ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عِيسَى بْنُ سِنَانٍ الْحَنَفِيُّ أَبُو سِنَانِ الْقَسْمَلِيُّ الْفِلَسْطِينِيُّ نَزِيلُ الْبَصْرَةِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ السَّادِسَةِ [2547] قَوْلُهُ (كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُبَّةٍ) وَفِي رِوَايَةٍ أَسْنَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ بِمِنًى إِلَى قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ (أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ) قال بن التِّينِ ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ لِإِرَادَةِ تَقْرِيرِ الْبِشَارَةِ بِذَلِكَ وَذَكَرَهُ بِالتَّدْرِيجِ لِيَكُونَ أَعْظَمَ لِسُرُورِهِمْ (قَالُوا نَعَمْ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَكَبَّرْنَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَحَمِدْنَا اللَّهَ وَكَبَّرْنَا (أَتَرْضَوْنَ أَنْ تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَالَ الْحَافِظُ وَزَادَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أبي صالح عن بن عَبَّاسٍ فِي نَحْوِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ بَلْ أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الزِّيَادَةُ لِأَنَّ الْكَلْبِيَّ رَوَاهُ ثُمَّ ذَكَرَ عِدَّةَ رِوَايَاتٍ تُوَافِقُ رِوَايَةَ الْكَلْبِيِّ ثُمَّ قَالَ فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَا رَحْمَةَ رَبِّهِ أَنْ تَكُونَ أُمَّتُهُ نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَعْطَاهُ مَا ارْتَجَاهُ وَزَادَهُ وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) انْتَهَى (إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْكُفَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي رِوَايَةٍ مَا أَنْتُمْ فِيمَا سِوَاكُمْ مِنَ الْأُمَمِ (مَا أَنْتُمْ فِي الشِّرْكِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ (إِلَّا كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ أو كالشعرة

باب ما جاء في صفة أبواب الجنة

السوداء في جلد الثور الأحمر) قال القارىء الظاهر أن أو للتخير في التعبير وتحتمل الشك انتهى قال بن التِّينِ أَطْلَقَ الشَّعْرَةَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ حَقِيقَةَ الْوَحْدَةِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ ثَوْرٌ لَيْسَ فِي جِلْدِهِ غَيْرُ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ غَيْرِ لَوْنِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَجِّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ) [2548] قَوْلُهُ (عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ عُبَيْدِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيِّ الْمَدَنِيِّ فِيهِ لِينٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (عَرْضُهُ مَسِيرَةُ الرَّاكِبِ الْمُجَوِّدِ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ التَّجْوِيدِ وَهُوَ التَّحْسِينُ قِيلَ أَيِ الرَّاكِبُ الَّذِي يُجَوِّدُ رَكْضَ الْفَرَسِ مِنْ جَوَّدْتُهُ أَيْ جَعَلْتُهُ جَيِّدًا وَفِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ يُجَوِّدُ فِي صَنْعَتِهِ يَفُوقُ فِيهَا وَأَجَادَ الشَّيْءَ وَجَوَّدَهُ أَحْسَنَ فِيمَا فَعَلَ وَجَوَّدَ فِي عَدْوِهِ عَدَا عدوا وجوادا وَفَرَسٌ جَوَادٌ مِنْ خَيْلٍ جِيَادٍ قَالَ الطِّيبِيُّ وَالْمُجَوِّدُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةَ الرَّاكِبِ وَالْمَعْنَى الرَّاكِبُ الَّذِي يُجَوِّدُ رَكْضَ الْفَرَسِ وَأَنْ يَكُونَ مستافا إِلَيْهِ وَالْإِضَافَةُ لَفْظِيَّةٌ أَيِ الْفَرَسُ الَّذِي يُجَوِّدُ فِي عَدْوِهِ (ثَلَاثًا) ظَرْفُ مَسِيرُهُ وَالْمَعْنَى ثَلَاثَ لَيَالٍ أَوْ سِنِينَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْمُبَالَغَةَ أَكْثَرَ ثُمَّ

باب ما جاء في سوق الجنة

الْمُرَادُ بِهِ الْكَثْرَةُ لِئَلَّا يُخَالِفَ مَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنَّهُ أُوْحِيَ إِلَيْهِ بِالْقَلِيلِ ثُمَّ أُعْلِمَ بِالْكَثِيرِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَبْوَابِ بِاخْتِلَافِ أَصْحَابِهَا (ثُمَّ إِنَّهُمْ) أَيْ أَهْلَ الْجَنَّةِ مِنْ أُمَّتِي عند دخولهم من أبوابها فالمراد بالنار جِنْسُهُ (لَيُضْغَطُونَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَيُعْصَرُونَ وَيُضَيَّقُونَ وَيَزْحَمُونَ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَابِ (حَتَّى تَكَادُ) أَيْ تَقْرُبُ (مَنَاكِبُهُمْ تَزُولُ) أَيْ تَنْقَطِعُ مِنْ شِدَّةِ الزِّحَامِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَةِ خَالِدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ هَذَا مِنْ مَنَاكِيرِهِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي سُوقِ الْجَنَّةِ) [2549] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ) بْنِ نَصِيرٍ السُّلَمِيُّ الدِّمَشْقِيُّ الْخَطِيبُ صَدُوقٌ مُقْرِئٌ كَبِرَ فَصَارَ يَتَلَقَّنُ فَحَدِيثُهُ الْقَدِيمُ أَصَحُّ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ وَغَيْرِهِ وَرَوَى عَنْهُ البخاري وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ عَنْهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ) الدِّمَشْقِيُّ أَبُو سَعِيدٍ كَاتِبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَلَمْ يَرْوِ عَنْ غَيْرِهِ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ كَانَ كَاتِبَ دِيوَانٍ وَلَمْ يَكُنْ صَاحِبَ حَدِيثٍ مِنَ التَّاسِعَةِ

قَوْلُهُ (فَقَالَ سَعِيدٌ أَفِيهَا) أَيْ فِي الْجَنَّةِ (سُوقٌ) يَعْنِي وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْحَاجَةِ إِلَى التِّجَارَةِ (أَخْبَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن) قال القارىء بِالْفَتْحِ فِي أَصْلِ السَّيِّدِ وَغَيْرِهِ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالْكَسْرِ عَلَى الْحِكَايَةِ أَيِ الخبر هو قوله إن أو التقدير قَائِلًا إِنَّ (أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا) أَيِ الْجَنَّةَ (نَزَلُوا فِيهَا) أَيْ فِي مَنَازِلِهَا وَدَرَجَاتِهَا (بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ) أَيْ بِقَدْرِ زِيَادَةِ طَاعَاتِهِمْ لَهُمْ كَمِّيَّةً وَكَيْفِيَّةً (ثُمَّ يُؤْذَنُ) أَيْ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ (فِي مِقْدَارِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) أَيْ فِي مِقْدَارِ الْأُسْبُوعِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ وَرَدَ الْأَحَادِيثُ فِي فَضَائِلِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَكُونُ فِي الْجَنَّةِ يَوْمُ جُمُعَةٍ كَمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا وَيَحْضُرُونَ رَبَّهُمْ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ كذا في اللمعات وقال القارىء أَيْ قَدْرَ إِتْيَانِهِ وَالْمُرَادُ فِي مِقْدَارِ الْأُسْبُوعِ انْتَهَى (فَيَزُورُونَ رَبَّهُمْ) أَيْ (وَيَبْرُزُ) مِنَ الْإِبْرَازِ وَيَظْهَرُ رَبُّهُمْ (وَيَتَبَدَّى لَهُمْ) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ يَظْهَرُ وَيَتَجَلَّى رَبُّهُمْ لَهُمْ (فَتُوضَعُ لَهُمْ مَنَابِرُ) أَيْ كَرَاسِيُّ مُرْتَفِعَةٌ (وَمَنَابِرُ مِنْ زَبَرْجَدٍ) بِفَتْحِ زَايٍ وَمُوَحَّدَةٍ فَرَاءٍ سَاكِنَةٍ فَجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ جَوْهَرٌ مَعْرُوفٌ (وَمَنَابِرُ مِنْ ذَهَبٍ وَمَنَابِرُ مِنْ فِضَّةٍ) أَيْ بِحَسَبِ مَقَادِيرِ أَعْمَالِهِمْ وَمَرَاتِبِ أَحْوَالِهِمْ (وَيَجْلِسُ أَدْنَاهُمْ) أَيْ أَدْوَنُهُمْ مَنْزِلَةً (وَمَا فِيهِمْ دَنِيٌّ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ دُونٌ وَخَسِيسٌ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ تَتْمِيمٌ صَوْنًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْ قَوْلِهِ أَدْنَاهُمُ الدَّنَاءَةُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْأَدْنَى فِي الْمَرْتَبَةِ (عَلَى كُثْبَانِ الْمِسْكِ) بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ جَمْعُ كَثِيبٍ أَيْ تَلٍّ مِنَ الرَّمْلِ الْمُسْتَطِيلِ مِنْ كَثَبْتُ الشَّيْءَ إِذَا جَمَعْتُهُ (وَالْكَافُورِ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى (الْمِسْكِ مَا يُرَوْنَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الإرادة وَالضَّمِيرُ إِلَى الْجَالِسِينَ عَلَى الْكُثْبَانِ أَيْ لَا يَظُنُّونَ وَلَا يُتَوَهَّمُونَ (أَنَّ أَصْحَابَ الْكَرَاسِيِّ) أَيْ أَصْحَابَ الْمَنَابِرِ (بِأَفْضَلَ مِنْهُمْ مَجْلِسًا) حَتَّى يَحْزَنُوا بِذَلِكَ لِقَوْلِهِمْ عَلَى مَا فِي التَّنْزِيلِ الْحَمْدُ لله الذي أذهب عنا الحزن بل إنهم وافقون في مقام الرضا ومتلذذون مجال التَّسْلِيمِ بِمَا جَرَى الْقَضَاءُ (هَلْ تَتَمَارَوْنَ

تَفَاعُلٌ مِنَ الْمِرْيَةِ بِمَعْنَى الشَّكِّ أَيْ هَلْ تَشُكُّونَ (مِنْ رُؤْيَةِ الشَّمْسِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ أَيْ فِي رُؤْيَتِكُمُ الشَّمْسَ (وَالْقَمَرِ) أَيْ وَفِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ (لَيْلَةَ الْبَدْرِ) وَاحْتَرَزَ عَنِ الْهِلَالِ وَعَنِ الْقَمَرِ فِي غَيْرِ لَيَالِي الْبَدْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ فِي نِهَايَةِ النُّورِ (قُلْنَا لَا) أَيْ لَا نَشُكُّ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ (إِلَّا حَاضَرَهُ اللَّهُ مُحَاضَرَةً) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكَلِمَتَانِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ كَشْفُ الْحِجَابِ وَالْمُقَاوَلَةُ مَعَ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ وَلَا تُرْجُمَانٍ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ الْحَدِيثَ وَالْمَعْنَى خَاطَبَهُ اللَّهُ مُخَاطَبَةً وَحَاوَرَهُ مُحَاوَرَةً (يَا فُلَانَ) بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ (بْنَ فُلَانٍ) بنصب بن وَصَرْفِ فُلَانٍ وَهُمَا كِنَايَتَانِ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ (أَتَذْكُرُ يَوْمَ قُلْتَ كَذَا وَكَذَا) أَيْ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِي الشَّرْعِ فَكَأَنَّهُ يَتَوَقَّفُ الرَّجُلُ فِيهِ وَيَتَأَمَّلُ فِيمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ مَعَاصِيهِ (فَيُذَكِّرُهُ) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ أَيْ فيعلمه الله (ببعض غدارته) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ غَدْرَةٍ بِالسُّكُونِ بِمَعْنَى الْغَدْرِ وَهُوَ تَرْكُ الْوَفَاءِ وَالْمُرَادُ مَعَاصِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفِ بِتَرْكِهَا الَّذِي عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِ فِي الدُّنْيَا (أَفَلَمْ تَغْفِرْ لِي) أَيْ أَدْخَلْتَنِي الْجَنَّةَ فَلَمْ تَغْفِرْ لِي مَا صَدَرَ لِي مِنَ الْمَعْصِيَةِ (فَيَقُولُ بَلَى) أَيْ غَفَرْتُ لَكَ فَبِسَعَةِ مَغْفِرَتِي بِفَتْحِ السِّينِ وَيُكْسَرُ (بَلَغْتَ) أَيْ وَصَلْتَ (مَنْزِلَتَكَ هَذِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ غَفَرْتُ لَكَ فَبَلَغْتَ بِسَعَةِ رَحْمَتِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ الرَّفِيعَةَ وَالتَّقْدِيمُ دَلَّ عَلَى التَّخْصِيصِ أَيْ بُلُوغُكَ تِلْكَ الْمَنْزِلَةَ كَائِنٌ بسعة رحمتي لا بعملك (فبينما) وفي بعض النسخ فبينما وفي بعض النسخ فبينا (هُمْ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ (عَلَى ذَلِكَ) أَيْ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْمُحَاضَرَةِ وَالْمُحَاوَرَةِ (غَشِيَتْهُمْ) أَيْ غَطَّتْهُمْ (فَأَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ طِيبًا) أَيْ عظيما (قدحفت) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ أَحَاطَتْ مَا لَمْ

تَنْظُرِ الْعُيُونُ إِلَى مِثْلِهِ قَالَ الْمُظَهَّرُ مَا مَوْصُولَةٌ وَالْمَوْصُولُ مَعَ صِلَتِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ الْمُقَدَّرِ الْعَائِدِ إِلَى مَا فِي قَوْلِهِ مَا أَعْدَدْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيِ الْمُعَدُّ لَكُمْ وَقِيلَ أَوْ هُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ فِيهَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ مَا مَوْصُوفَةٌ بَدَلًا مِنْ سُوقًا انْتَهَى وَفِي بعض النسخ فيه مالم تَنْظُرِ الْعُيُونُ إِلَى مِثْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَلَمْ تَسْمَعِ الْآذَانُ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ جَمْعُ الْأُذُنِ أَيْ وما لم تسمعه بِمِثْلِهِ (وَلَمْ يَخْطُرْ) بِضَمِّ الطَّاءِ أَيْ وَمَا لَمْ يَمُرَّ مِثْلُهُ عَلَى الْقُلُوبِ (فَيُحْمَلُ إِلَيْنَا) أَيْ إِلَى قُصُورِنَا (وَلَيْسَ يُبَاعُ فِيهَا وَلَا يشترى) الجملة حال من ما في اشْتَهَيْنَا وَهُوَ الْمَحْمُولُ وَالضَّمِيرُ فِي يُبَاعُ عَائِدٌ إِلَيْهِ (وَفِي ذَلِكَ السُّوقِ) هُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ فَأَنَّثَهُ تَارَةً وَذَكَّرَهُ أُخْرَى وَالتَّأْنِيثُ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ (يَلْقَى) أَيْ يَرَى (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا حَقِيقَةً أَوْ مَوْقُوفًا فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ (فَيُقْبِلُ) مِنَ الْإِقْبَالِ أَيْ فَيَجِيءُ وَيَتَوَجَّهُ (مَنْ هُوَ دُونَهُ) أَيْ فِي الرُّتْبَةِ وَالْمَنْزِلَةِ (فَيَرُوعُهُ) بِضَمِّ الرَّاءِ (مايرى) أَيْ يُبْصِرُهُ (عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ) بَيَانُ مَا قَالَ الطِّيبِيُّ الضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْ فَيَكُونُ الرَّوْعُ مَجَازًا عَنِ الْكَرَاهَةِ مِمَّا هُوَ عَلَيْهِ مِنَ اللِّبَاسِ وَأَنْ يَرْجِعَ إِلَى الرَّجُلِ ذِي الْمَنْزِلَةِ فَالرَّوْعُ بِمَعْنَى الْإِعْجَابِ أَيْ يُعْجِبُهُ حُسْنُهُ فَيَدْخُلُ فِي رُوعِهِ مَا يَتَمَنَّى مِثْلُ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَمَا يَنْقَضِي آخِرُ حَدِيثِهِ) أَيْ مَا أُلْقِيَ فِي رُوعِهِ مِنَ الْحَدِيثِ وَضَمِيرُ الْمَفْعُولِ فِيهِ عَائِدٌ إِلَى مَنْ (حَتَّى يَتَخَيَّلَ عَلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ حَتَّى يُتَصَوَّرُ لَهُ (مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ) أَيْ يَظْهَرُ عَلَيْهِ أَنَّ لِبَاسَهُ أَحْسَنُ مِنْ لِبَاسِ صَاحِبِهِ وَذَلِكَ أَيْ سَبَبُ مَا ذُكِرَ مِنَ التَّخَيُّلِ (أَنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (أَنْ يَحْزَنَ) بِفَتْحِ الزَّايِ يَغْتَمَّ (فِيهَا) أَيْ فِي الْجَنَّةِ فَحَزَنٌ هُنَا لَازِمٌ مِنْ حَزِنَ بِالْكَسْرِ لَا مِنْ بَابِ نَصَرَ فَإِنَّهُ مُتَعَدٍّ غَيْرُ مُلَائِمٍ لِلْمَقَامِ (فَتَتَلَقَّانَا) مِنَ التَّلَقِّي أَيْ تَسْتَقْبِلُنَا (أَزْوَاجُنَا) أَيْ مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا وَمِنَ الحور العين (ويحق لنا) قال القارىء بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِضَمِّ الْحَاءِ فَفِي الْمِصْبَاحِ حَقَّ الشَّيْءُ كَضَرَبَ وَنَصَرَ إِذَا ثَبَتَ وَفِي الْقَامُوسِ حَقَّ الشَّيْءُ وَجَبَ وَوَقَعَ بِلَا شَكٍّ وَحَقَّهُ أوجبه لازم

وَمُتَعَدٍّ فَالْمَعْنَى يُوجِبُنَا وَيُلْزِمُنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ أَيْ يَحِقُّ لَنَا ويليق بنا (أن تنقلب بِمِثْلِ مَا انْقَلَبْنَا) أَيْ مِنَ الِانْقِلَابِ بِمَعْنَى الِانْصِرَافِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ كِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانِ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ سَعِيدٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ هُوَ كَاتِبُ الْأَوْزَاعِيِّ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَبَقِيَّةُ رُوَاةِ الْإِسْنَادِ ثِقَاتٌ وَقَدْ رواه بن أَبِي الدُّنْيَا عَنْ هِقْلِ بْنِ زِيَادٍ كَاتِبِ الْأَوْزَاعِيِّ أَيْضًا وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ وَهُوَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ نُبِّئْتُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ لَقِيَ أَبَا هُرَيْرَةَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ انْتَهَى [2550] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ) أَبُو شَيْبَةَ الْكُوفِيُّ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْكُوفِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ روى عن علي وغيره وعنه بن أُخْتِهِ أَبُو شَيْبَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُهُ فِيمَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَسُوقًا) أَيْ مُجْتَمَعًا (مَا فِيهَا) أَيْ لَيْسَ فِي تِلْكَ السُّوقِ (شِرًى) بِالْكَسْرِ وَالْقَصْرِ أَيِ اشْتِرَاءٌ (وَلَا بَيْعٌ) وَالْمَعْنَى لَيْسَ فِيهَا تِجَارَةٌ (إِلَّا الصُّوَرَ) بِالنَّصْبِ وَالرَّفْعِ أَيِ التَّمَاثِيلَ الْمُخْتَلِفَةَ (فَإِذَا اشْتَهَى الرَّجُلُ صُورَةً دَخَلَ فِيهَا) أَيْ تشكل بها قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ الطِّيبِيُّ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِأَنْ يُجْعَلَ تَبْدِيلُ الْهَيْئَاتِ مِنْ جِنْسِ الْبَيْعِ وَالشِّرَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أتى الله بقلب سليم يَعْنِي عَلَى وَجْهٍ وَإِلَّا فَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ اسْتِثْنَاءَهُ مُنْقَطِعٌ ثُمَّ قِيلَ يَحْتَمِلُ الْحَدِيثُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ عَرْضَ الصُّوَرِ الْمُسْتَحْسَنَةِ عَلَيْهِ فَإِذَا اشْتَهَى وَتَمَنَّى تِلْكَ الصُّورَةَ الْمَعْرُوضَةَ عَلَيْهِ صَوَّرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِشَكْلِ تِلْكَ الصُّورَةِ بِقُدْرَتِهِ وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الصُّورَةِ الزِّينَةُ الَّتِي يَتَزَيَّنُ الشَّخْصُ بِهَا فِي تِلْكَ السُّوقِ وَيَتَلَبَّسُ بِهَا وَيَخْتَارُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ وَالتَّاجِ يُقَالُ لِفُلَانٍ صُورَةٌ حَسَنَةٌ أَيْ هَيْئَةٌ

باب ما جاء في رؤية الرب تبارك وتعالى

مَلِيحَةٌ يَعْنِي فَإِذَا رَغِبَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أُعْطِيَهُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ مِنَ الدُّخُولِ فِيهَا التَّزَيُّنَ بِهَا وَعَلَى كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ التَّغَيُّرُ فِي الصِّفَةِ لَا فِي الذَّاتِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا لِيُوَافِقَ حَدِيثَ أَنَسٍ فَتَهُبُّ رِيحُ الشَّمَالِ فَتَحْثُو فِي وُجُوهِهِمْ وَثِيَابِهِمْ فَيَزْدَادُونَ حُسْنًا وَجَمَالًا الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ أَبُو شَيْبَةَ وهو ضعيف والحديث أخرجه أيضا بن أَبِي الدُّنْيَا 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رُؤْيَةِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) مِنْ بَابِ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إلى مفعوله قال بن بَطَّالٍ ذَهَبَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَجُمْهُورُ الْأُمَّةِ إِلَى جَوَازِ رُؤْيَةِ اللَّهِ فِي الْآخِرَةِ وَمَنَعَ الْخَوَارِجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ وَبَعْضُ الْمُرْجِئَةِ وَتَمَسَّكُوا بِأَنَّ الرُّؤْيَةَ تُوجِبُ كَوْنَ الْمَرْئِيِّ مُحْدَثًا وَحَالًّا فِي مَكَانٍ وَأَوَّلُوا قَوْلَهُ (نَاظِرَةٌ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وُجُوهٌ يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة بِمُنْتَظِرَةٍ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَدَّى بِإِلَى ثُمَّ قَالَ وَمَا تَمَسَّكُوا بِهِ فَاسِدٌ لِقِيَامِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْجُودٌ وَالرُّؤْيَةَ فِي تَعَلُّقِهَا بِالْمَرْئِيِّ بِمَنْزِلَةِ الْعِلْمِ فِي تَعَلُّقِهِ بِالْمَعْلُومِ فَإِذَا كَانَ تَعَلُّقُ الْعِلْمِ بِالْمَعْلُومِ لَا يُوجِبُ حُدُوثَهُ وَكَذَلِكَ الْمَرْئِيُّ قَالَ وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِهِ تعالى لا تدركه الأبصار وبقوله تعالى لموسى لن تراني وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فِي الدُّنْيَا جَمْعًا بَيْنَ دَلِيلَيِ الْآيَتَيْنِ وَبِأَنَّ نَفْيَ الْإِدْرَاكِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ لِإِمْكَانِ رُؤْيَةِ الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ إِحَاطَةٍ بِحَقِيقَتِهِ وَعَنِ الثَّانِي الْمُرَادُ لَنْ تَرَانِي فِي الدُّنْيَا جَمْعًا أَيْضًا وَلِأَنَّ نَفْيَ الشَّيْءِ لَا يَقْتَضِي إِحَالَتَهُ مَعَ مَا جَاءَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَلَى وَفْقِ الْآيَةِ وَقَدْ تَلَقَّاهَا الْمُسْلِمُونَ بِالْقَبُولِ مِنْ لَدُنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ حَتَّى حَدَثَ مَنْ أَنْكَرَ الرُّؤْيَةَ وَخَالَفَ السَّلَفَ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ اشْتَرَطَ النُّفَاةُ في الرؤية شروطا عقلية تخبط بهم الْمَخْصُوصَةِ وَالْمُقَابَلَةِ وَاتِّصَالِ الْأَشِعَّةِ وَزَوَالِ الْمَوَانِعِ كَالْبُعْدِ والحجب في تخيط بهم وَتَحَكُّمٍ وَأَهْلُ السُّنَّةِ لَا يَشْتَرِطُونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ سِوَى وُجُودِ الْمَرْئِيِّ وَأَنَّ الرُّؤْيَةَ إِدْرَاكٌ يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلرَّائِي فَيَرَى الْمَرْئِيَّ وَتَقْتَرِنُ بِهَا أَحْوَالٌ يَجُوزُ تَبَدُّلُهَا وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تعالى

قَوْلُهُ (كُنَّا جُلُوسًا) أَيْ جَالِسِينَ (كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ) أَيِ الْمَحْسُوسَ الْمُشَاهَدَ الْمَرْئِيَّ (لَا تُضَامُونَ) بِضَمِّ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ مِنَ الضَّيْمِ وَهُوَ الظُّلْمُ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ الْأَكْثَرُ أَيْ لَا يَنَالُكُمْ ضَيْمٌ وَظُلْمٌ فِي رُؤْيَتِهِ فَيَرَاهُ بَعْضٌ دُونَ بَعْضٍ وَرُوِيَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مِنَ التَّضَامِّ بِمَعْنَى التَّزَاحُمِ وَبِالضَّمِّ وَالتَّشْدِيدِ مِنَ الْمُضَامَّةِ وَهِيَ الْمُزَاحَمَةُ وَهُوَ حِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ كَوْنَهُ لِلْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَحَاصِلُ مَعْنَى الْكُلِّ لَا تَشُكُّونَ (فِي رُؤْيَتِهِ) أَيْ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَالَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ قَدْ يُخَيَّلُ إِلَى بَعْضِ السَّامِعِينَ أَنَّ الْكَافَ فِي قوله كما ترون كما في التَّشْبِيهِ لِلْمَرْئِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ كَافُ التَّشْبِيهِ لِلرُّؤْيَةِ وَهُوَ فِعْلُ الرَّائِي وَمَعْنَاهُ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ رُؤْيَةً يَنْزَاحُ مَعَهَا الشَّكُّ كَرُؤْيَتِكُمُ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا تَرْتَابُونَ وَلَا تَمْتَرُونَ (فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَا تَصِيرُوا مَغْلُوبِينَ (فَافْعَلُوا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنَ الِاسْتِطَاعَةِ أَوْ عَدَمِ الْمَغْلُوبِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي تَرْتِيبُ قَوْلِهِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ عَلَى قَوْلِهِ سَتَرَوْنَ بِالْفَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُوَاظِبَ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا خَلِيقٌ بِأَنْ يَرَى رَبَّهُ وَقَوْلُهُ لَا تُغْلَبُوا مَعْنَاهُ لَا تَصِيرُوا مَغْلُوبِينَ بِالِاشْتِغَالِ عَنْ صَلَاتَيِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالْحَثِّ لِمَا فِي الصُّبْحِ مِنْ مَيْلِ النَّفْسِ إِلَى الِاسْتِرَاحَةِ وَالنَّوْمِ وَفِي الْعَصْرِ مِنْ قِيَامِ الْأَسْوَاقِ وَاشْتِغَالِ النَّاسِ بِالْمُعَامَلَاتِ فَمَنْ لَمْ يَلْحَقْهُ فَتْرَةٌ فِي الصَّلَاتَيْنِ مَعَ مَا لَهُمَا مِنْ قُوَّةِ الْمَانِعِ فَبِالْحَرِيِّ أَنْ لَا تَلْحَقَهُ فِي غَيْرِهِمَا (ثُمَّ قَرَأَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ جَرِيرٌ (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَخْ) أَيْ وَصَلِّ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَعَبَّرَ عَنِ الْكُلِّ بِالْجُزْءِ وَهُوَ التَّسْبِيحُ الْمُرَادُ بِهِ الثَّنَاءُ فِي الِافْتِتَاحِ الْمَقْرُونِ بِحَمْدِ الرَّبِّ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ أَوِ الْمُرَادُ بِالتَّسْبِيحِ تَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنِ الشَّرِيكِ وَنَحْوِهِ مِنْ صِفَاتِ النقصان والزوال قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجة

[2552] قوله (للذين أحسنوا) أَيِ الَّذِينَ أَجَادُوا الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ فِي الدُّنْيَا وَقَرَّبُوهَا بِالْإِخْلَاصِ الْحُسْنَى أَيِ الْمَثُوبَةُ الْحُسْنَى وَهِيَ الْجَنَّةُ وَزِيَادَةٌ أَيِ النَّظَرُ لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَنَكَّرَهَا لِتُفِيدَ ضَرْبًا مِنَ التَّفْخِيمِ وَالتَّعْظِيمِ بِحَيْثُ لَا يُعْرَفُ قَدْرُهَا وَلَا يُكْتَنَهُ كُنْهُهَا (نَادَى مُنَادٍ إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا) أَيْ بَقِيَ شَيْءٌ زَائِدٌ مِمَّا وَعَدَهُ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ النِّعَمِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ (وَيُنَجِّنَا) بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَيُخَفَّفُ (مِنَ النَّارِ) أَيْ دُخُولِهَا وَخُلُودِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ تَقْرِيرٌ وَتَعْجِيبٌ مِنْ أَنَّهُ كَيْفَ يُمْكِنُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سَعَةِ فَضْلِهِ وَكَرْمِهِ (قَالُوا بَلَى) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ قَالُوا بِصِيغَةِ الْجَمْعِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ قَالَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ إِلَى مُنَادٍ (فَيُكْشَفُ الْحِجَابُ) وَزَادَ مُسْلِمٌ فَيَنْظُرُونَ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِجَابِ حِجَابُ النُّورِ الَّذِي وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى هَذَا إِنَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ حِجَابَهُ خِلَافُ الْحُجُبِ الْمَعْهُودَةِ فَهُوَ محتجب عن الخلق بأنوار عزه وجلا له وَأَشِعَّةِ عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْحِجَابُ الَّذِي تُدْهَشُ دُونَهُ الْعُقُولُ وَتُبْهَتُ الْأَبْصَارُ وَتَتَحَيَّرُ الْبَصَائِرُ فَلَوْ كَشَفَهُ فَتَجَلَّى لِمَا وَرَاءَهُ بِحَقَائِقِ الصِّفَاتِ وَعَظَمَةِ الذَّاتِ لَمْ يَبْقَ مَخْلُوقٌ إِلَّا احْتَرَقَ وَلَا مَنْظُورٌ إِلَّا اضْمَحَلَّ وَأَصْلُ الْحِجَابِ السِّتْرُ الْحَائِلُ بَيْنَ الرَّائِي وَالْمَرْئِيِّ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَنْعُ الْأَبْصَارِ مِنَ الرُّؤْيَةِ لَهُ بِمَا ذُكِرَ فَقَامَ ذَلِكَ الْمَنْعُ مَقَامَ السِّتْرِ الْحَائِلِ فَعَبَّرَ بِهِ عَنْهُ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ الْحَالَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِيَ فِي دَارِ الدُّنْيَا الْمُعَدَّةِ لِلْفِنَاءِ دُونَ دَارِ الْآخِرَةِ الْمُعَدَّةِ لِلْبَقَاءِ وَالْحِجَابُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ يَرْجِعُ إِلَى الْخَلْقِ لِأَنَّهُمْ هُمُ الْمَحْجُوبُونَ عَنْهُ وَحَدِيثُ صُهَيْبٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أيضا مسلم والنسائي وبن خزيمة وبن حِبَّانَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا أَسْنَدَهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَرَفَعَهُ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الحديث

هكذا رواه الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عن ثابت عن بن أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَمْ يَرْوِهِ هَكَذَا مَرْفُوعًا عَنْ ثَابِتٍ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ وَرَوَاهُ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وحماد بن واقد عن ثابت عن بن أَبِي لَيْلَى مِنْ قَوْلِهِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا ذِكْرُ صُهَيْبٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَ هَؤُلَاءِ لَيْسَ بِقَادِحِ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَأَصْحَابُ الْأُصُولِ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَصَحَّحَهُ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّ الْحَدِيثَ إِذَا رَوَاهُ بَعْضُ الثِّقَاتِ مُتَّصِلًا وَبَعْضُهُمْ مُرْسَلًا وَبَعْضُهُمْ مَرْفُوعًا وَبَعْضُهُمْ مَوْقُوفًا حُكِمَ بِالْمُتَّصِلِ وَبِالْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُمَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ مِنْ كُلِّ الطَّوَائِفِ انتهى كلام النووي [2553] 17 قوله (عن ثوير) بضم المثلثة مصغرا بن أَبِي فَاخِتَةَ سَعِيدِ بْنِ عِلَاقَةَ الْكُوفِيِّ ضَعِيفٌ رُمِيَ بِالرَّفْضِ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (لَمَنْ يَنْظُرُ إِلَى جِنَانِهِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ جَنَّةٍ أَيْ بَسَاتِينِهِ (وَزَوْجَاتِهِ) أَيْ نِسَائِهِ وَحُورِهِ (وَنَعِيمِهِ) أَيْ مَا يَتَنَعَّمُ بِهِ (وَخَدَمِهِ) بِفَتْحَتَيْنِ جَمْعُ خَادِمٍ أَيْ مِنَ الْوِلْدَانِ (وَسُرُرِهِ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ سَرِيرٍ (مَسِيرَةَ أَلْفِ سَنَةٍ) أَيْ حَالَ كَوْنِ جِنَانِهِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ كَائِنَةً فِي مَسَافَةِ أَلْفِ سَنَةٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ مُلْكَهُ مِقْدَارُ تِلْكَ الْمَسَافَةِ وَفِي التَّرْكِيبِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ إِذْ جَعَلَ الِاسْمَ وَهُوَ قَوْلُهُ لَمَنْ يَنْظُرُ خَبَرًا وَالْخَبَرُ وَهُوَ أَدْنَى مَنْزِلَةً اسْمًا اعْتِنَاءً بِشَأْنِ الْمُقَدَّمِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ بَيَانُ ثَوَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَسَعَتِهَا وَأَنَّ أَدْنَاهُمْ مَنْزِلَةً مَنْ يَكُونُ مُلْكُهُ كَذَا (وَأَكْرَمَهُمْ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى أَدْنَى وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَطْفًا عَلَى مَجْمُوعِ اسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا أَيْ أَكْثَرُهُمْ كَرَامَةً عَلَى اللَّهِ وَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً وَأَقْرَبُهُمْ رُتْبَةً عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ (غُدْوَةً) بِضَمِّ الْغَيْنِ (وَعَشِيَّةً) أَيْ صَبَاحًا وَمَسَاءً وَلِهَذَا وَصَّى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى صَلَاتَيْ طَرَفَيِ النَّهَارِ كَمَا مَرَّ (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ) أَيْ نَاعِمَةٌ غَضَّةٌ حَسَنَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْوُجُوهِ الذَّوَاتُ وَخُصَّتْ لِشَرَفِهَا وَلِظُهُورِ أَثَرِ النِّعْمَةِ عَلَيْهَا (إِلَى ربها ناظرة) قَالَ الطِّيبِيُّ قَدَّمَ صِلَةَ نَاظِرَةٌ إِمَّا لِرِعَايَةِ الْفَاصِلَةِ وَهِيَ نَاضِرَةٌ بَاسِرَةٌ فَاقِرَةٌ وَإِمَّا لِأَنَّ النَّاظِرَ يُسْتَغْرَقُ عِنْدَ رَفْعِ الْحِجَابِ بِحَيْثُ لَا

يلتفت إلى ما سواء وحديث بن عُمَرَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى والطبراني وبن أبي شيبة وعبد بن حميد وبن جرير وبن المنذر والدارقطني والحاكم وبن مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقِيَامَةِ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَرَوَاهُ عَبْدُ الملك) بن سعيد بن حبان (بن أبحر) بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْجِيمِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ السَّابِعَةِ (وَرَوَاهُ عُبَيْدُ اللَّهِ) بْنُ عُبَيْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْجَعِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ أَثْبَتُ النَّاسِ كِتَابًا فِي الثَّوْرِيِّ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ [2554] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَرِيفِ) بْنِ خَلِيفَةَ الْبَجَلِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ صَدُوقٌ (حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ نُوحٍ) الْحِمَّانِيُّ أَبُو بِشْرٍ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (تُضَامُونَ) بِتَقْدِيرِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُهُ وَمَعْنَاهُ فِي شَرْحِ أَوَّلِ أَحَادِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُطَوَّلًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوْلُهُ (وَهَكَذَا رَوَى يَحْيَى بن عيسى الرملي) التميمي النهشلي الفافوري الجوار الكوفي

صَدُوقٌ يُخْطِئُ وَرُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ التَّاسِعَةِ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ عَنِ الْأَعْمَشِ (وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَيْضًا) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يسار عن أبي سعيد مطولا 8 - باب [2555] قَوْلُهُ (فَيَقُولُونَ لَبَّيْكَ رَبَّنَا) أَيْ يَا رَبَّنَا وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ فِي بَابِ التَّلْبِيَةِ مِنْ أَبْوَابِ الْحَجِّ (فَيَقُولُ هَلْ رَضِيتُمْ) أَيْ عَنْ رَبِّكُمْ (فَيَقُولُونَ مَا لَنَا لَا نَرْضَى) الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيرِ وَالْمَعْنَى أَيُّ شَيْءٍ مَانِعٌ لَنَا مِنْ أَنْ لَا نَرْضَى عَنْكَ (وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ) الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (أَنَا أُعْطِيكُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَأَنَا أُعْطِيكُمْ وَفِي أُخْرَى لَهُ أَلَا أُعْطِيكُمْ (أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ عَطَائِكُمْ هَذَا (وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِنْ عَطَائِكَ هَذَا (أُحِلُّ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ أُنْزِلُ (رِضْوَانِي) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيُضَمُّ أَيْ دَوَامَ رِضْوَانِي فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَثْرَةِ الْعَطَاءِ دَوَامُ الرِّضَا وَلِذَا قَالَ (فَلَا أَسْخَطُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا أَغْضَبُ قَالَ

باب ما جاء في ترائي أهل الجنة في الغرف

الطِّيبِيُّ الْحَدِيثُ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عدن ورضوان من الله أكبر وَقَالَ الْحَافِظُ فِيهِ تَلْمِيحٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَرِضْوَانٌ من الله أكبر لِأَنَّ رِضَاهُ سَبَبُ كُلِّ فَوْزٍ وَسَعَادَةٍ وَكُلُّ من علم أن سيده راض عنه وكان أَقَرَّ لِعَيْنِهِ وَأَطْيَبَ لِقَلْبِهِ مِنْ كُلِّ نَعِيمٍ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّعْظِيمِ وَالتَّكْرِيمِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّعِيمَ الَّذِي حَصَلَ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَرَائِي أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْغُرَفِ) [2556] قَوْلُهُ (عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيِّ) بْنِ أُسَامَةَ الْعَامِرِيِّ الْمَدَنِيِّ وَيُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ فِي الْغُرْفَةِ) كَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا وَالْمَعْنَى أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغَرْفَةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْغُرْفَةُ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهِيَ بَيْتٌ يُبْنَى فَوْقَ الدَّارِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْقُصُورُ الْعَالِيَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالْمَعْنَى إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ تَتَفَاوَتُ مَنَازِلُهُمْ بِحَسَبِ دَرَجَاتِهِمْ فِي الْفَضْلِ حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى لِيَرَاهُمْ مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُمْ كَالنُّجُومِ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ فِي تَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ (كَمَا يَتَرَاءَوْنَ) أَيْ فِي الدُّنْيَا (الْغَارِبَ فِي الْأُفُقِ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ الْآفَاقِ أَيْ فِي أَطْرَافِ السَّمَاءِ (فِي تَفَاضُلِ الدَّرَجَاتِ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الشيخين لتفاضل ما بينهم قال القارىء عِلَّةٌ لِلتَّرَائِيِ وَالْمَعْنَى إِنَّمَا ذَلِكَ لِتَزَايُدِ مَرَاتِبِ مَا بَيْنَ سَائِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْعَالِيَةِ وَمَا بَيْنَ أَرْبَابِ أَهْلِ الْغُرَفِ الْعَالِيَةِ انْتَهَى (فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُولَئِكَ النَّبِيُّونَ) بِحَذْفِ حَرْفِ

باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار

الِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَهُمْ يَعْنِي أَهْلَ الْغُرَفِ النَّبِيُّونَ وَتِلْكَ الْغُرَفُ مَنَازِلُهُمْ (قَالَ بَلَى) أَيْ نَعَمْ (وَأَقْوَامٌ) أَيْ غَيْرُ النَّبِيِّينَ (آمَنُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ) أَيْ حَقَّ تَصْدِيقِهِمْ وَإِلَّا لَكَانَ كُلُّ مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَصَدَّقَ رُسُلَهُ وَصَلَ إِلَى تِلْكَ الدَّرَجَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّنْكِيرُ فِي قَوْلِهِ وَأَقْوَامٌ يُشِيرُ إِلَى نَاسٍ مَخْصُوصِينَ مَوْصُوفِينَ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَنْ وُصِفَ بِهَا كَذَلِكَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ بَلَغَ تِلْكَ الْمَنَازِلَ صِفَةٌ أُخْرَى وَكَأَنَّهُ سَكَتَ عَنِ الصِّفَةِ الَّتِي اقْتَضَتْ لَهُمْ ذَلِكَ وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَبْلُغُهَا مَنْ لَهُ عَمَلٌ مَخْصُوصٌ وَمَنْ لَا عَمَلَ لَهُ كَأَنَّ بُلُوغَهَا إِنَّمَا هُوَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ كَمَا فِي الْفَتْحِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي خُلُودِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ) [2557] قَوْلُهُ (فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ) الصَّعِيدُ الْأَرْضُ الْوَاسِعَةُ الْمُسْتَوِيَةُ (ثُمَّ يَطْلُعُ عَلَيْهِمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ طَلَعَ فُلَانٌ عَلَيْنَا كَمَنَعَ وَنَصَرَ أَتَانَا كَاطَّلَعَ انْتَهَى (فَيُمَثَّلُ لِصَاحِبِ الصَّلِيبِ صَلِيبُهُ وَلِصَاحِبِ التَّصَاوِيرِ تَصَاوِيرُهُ وَلِصَاحِبِ النَّارِ نَارُهُ) قال بن الْعَرَبِيِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّمْثِيلُ تَلْبِيسًا عَلَيْهِمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ التَّمْثِيلُ لِمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْذِيبَ وَأَمَّا مَنْ سِوَاهُمْ فَيُحْضَرُونَ حَقِيقَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حصب جهنم (نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْكَ) وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي

يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ منك قال بن الْعَرَبِيِّ إِنَّمَا اسْتَعَاذُوا مِنْهُ أَوَّلًا لِأَنَّهُمُ اعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ الْكَلَامَ اسْتِدْرَاجٌ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَمِنَ الْفَحْشَاءِ اتِّبَاعُ الْبَاطِلِ وَأَهْلِهِ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي الصَّحِيحِ فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صور أَيْ بِصُورَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا وَهِيَ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ أَهْلِ الْبَاطِلِ فَلِذَلِكَ يَقُولُونَ إِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ أَيْ إِذَا جَاءَنَا بِمَا عَهِدْنَاهُ مِنْهُ مِنْ قَوْلِ الْحَقِّ (ثُمَّ يَتَوَارَى) أَيْ يَسْتَتِرُ (وَهَلْ تُضَارُّونَ) قَالَ النَّوَوِيُّ رُوِيَ تُضَارُّونَ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَالتَّاءُ مَضْمُومَةٌ فِيهِمَا وَمَعْنَى الْمُشَدَّدِ هَلْ تُضَارُّونَ غَيْرَكُمْ فِي حَالَةِ الرُّؤْيَةِ بِزَحْمَةٍ أَوْ مُخَالَفَةٍ فِي الرُّؤْيَةِ أَوْ غَيْرِهَا لِخَفَائِهِ كَمَا تَفْعَلُونَ أَوَّلَ لَيْلَةٍ مِنَ الشَّهْرِ وَمَعْنَى الْمُخَفَّفِ هَلْ يَلْحَقُكُمْ فِي رُؤْيَتِهِ ضَيْرٌ وَهُوَ الضَّرَرُ وَقَالَ الْحَافِظُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بِصِيغَةِ الْمُفَاعَلَةِ مِنَ الضَّرَرِ وَأَصْلُهُ تُضَارَرُونَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَبِفَتْحِهَا أَيْ لَا تَضُرُّونِ أَحَدًا وَلَا يَضُرُّكُمْ بِمُنَازَعَةٍ وَلَا مُجَادَلَةٍ وَلَا مُضَايَقَةٍ وَجَاءَ تَخْفِيفُ الرَّاءِ مِنَ الضَّيْرِ وَهُوَ لُغَةٌ فِي الضُّرِّ أَيْ لَا يُخَالِفُ بَعْضٌ بَعْضًا فَيُكَذِّبُهُ وَيُنَازِعُهُ فَيَضِيرُهُ بِذَلِكَ يُقَالُ ضَارَهُ يَضِيرُهُ (ثُمَّ يَطْلُعُ فَيُعَرِّفُهُمْ نَفْسَهُ) أَيْ يُلْقِي فِي قُلُوبِهِمْ عِلْمًا قَطْعِيًّا يَعْرِفُونَ بِهِ أَنَّهُ رَبُّهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّبِعُونِي) وَعِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَنَا رَبُّكُمْ فَيَقُولُونَ أَنْتَ رَبُّنَا فَيَتْبَعُونَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ يَتَّبِعُونَ أَمْرَهُ إِيَّاهُمْ بِذَهَابِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ يَتَّبِعُونَ مَلَائِكَتَهُ الَّذِينَ يَذْهَبُونَ بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ (وَيُوضَعُ الصِّرَاطُ) وَعِنْدَ مُسْلِمٍ وَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ (فَيَمُرُّ عَلَيْهِ) أَيْ فَيَمُرُّ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الصِّرَاطِ (مِثْلَ جِيَادِ الْخَيْلِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ فَرَسٌ جَوَادٌ بَيِّنُ الْجُودَةِ بِالضَّمِّ رَائِعٌ وَالْجَمْعُ جِيَادٌ وَقَدْ جَادَ فِي عَدْوِهِ جُودَةً انْتَهَى وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ (وَالرِّكَابِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ عَطْفٌ عَلَى الْخَيْلِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْإِبِلُ وَلَا وَاحِدَ له من لفظه (وقولهم) أي قول المرسل وَالْأَنْبِيَاءِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الصِّرَاطِ (سَلِّمْ سَلِّمْ) أَمْرُ مُخَاطَبٍ أَيْ يَقُولُ كُلُّ نَبِيٍّ اللَّهُمَّ سَلِّمْ أُمَّتِي مِنْ ضَرَرِ الصِّرَاطِ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُمْ سَالِمِينَ مِنْ آفَاتِهِ آمَنِينَ مِنْ مُخَافَاتِهِ وَتَكْرَارُهُ مَرَّتَيْنِ الْمُرَادُ بِهِ الْكَثْرَةُ أَوْ بِاعْتِبَارِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الشَّفَاعَةِ أَوْ لِلْإِلْحَاحِ فِي الدُّعَاءِ كَمَا هُوَ مِنْ آدَابِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَدُعَاءُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ

قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ وَلَا يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ وَلَا يُكَلِّمُهُ إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ وَدَعْوَى الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَوَقَعَ فِي رواية العلا وَقَوْلُهُمُ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ شِعَارُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الصِّرَاطِ رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ وَالضَّمِيرُ فِي الْأَوَّلِ لِلرُّسُلِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ هَذَا الْكَلَامِ شِعَارَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْطِقُوا بِهِ بَلْ تَنْطِقُ بِهِ الرُّسُلُ يَدْعُونَ للمؤمنين بالسلامة فسمى ذلك شعارا لهم فهذا تَجْتَمِعُ الْأَخْبَارُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ سُهَيْلٍ فَعِنْدَ ذَلِكَ حَلَّتِ الشَّفَاعَةُ اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ انْتَهَى (ثُمَّ يُطْرَحُ فِيهَا فَوْجٌ) أَيْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ (فَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) أَيْ مِنْ زِيَادَةٍ (حَتَّى إِذَا أُوعِبُوا فِيهَا) مِنَ الْإِيعَابِ وَهُوَ الِاسْتِقْصَاءُ فِي كُلِّ شَيْءٍ (وَضَعَ الرَّحْمَنُ قَدَمَهُ فِيهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ رِجْلَهُ قال القارىء مَذْهَبُ السَّلَفِ التَّسْلِيمُ وَالتَّفْوِيضُ مَعَ التَّنْزِيهِ وَأَرْبَابُ التَّأْوِيلِ مِنَ الْخَلَفِ يَقُولُونَ الْمُرَادُ بِالْقَدَمِ قَدَمُ بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ فَيَعُودُ الضَّمِيرُ فِي قَدَمَهُ إِلَى ذَلِكَ الْمَخْلُوقِ الْمَعْلُومِ أَوْ قَوْمٍ قَدَّمَهُمُ اللَّهُ لِلنَّارِ مِنْ أَهْلِهَا وَتَقَدَّمَ فِي سَابِقِ حُكْمِهِ أنهم لاحقوها فتمتلىء مِنْهُمْ جَهَنَّمُ وَالْعَرَبُ تَقُولُ كُلُّ شَيْءٍ قَدَّمْتُهُ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَهُوَ قَدَمٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ ربهم أَيْ مَا قَدَّمُوهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى صِدْقِهِمْ فِي تَصْدِيقِهِمْ وَالْمُرَادُ بِالرِّجْلِ الْجَمَاعَةُ مِنَ الْجَرَادِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا لِجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْجَرَادِ لَكِنَّ اسْتِعَارَتَهُ لِجَمَاعَةِ النَّاسِ غَيْرُ بَعِيدٍ أَوْ أَخْطَأَ الرَّاوِي فِي نَقْلِهِ الْحَدِيثَ بِالْمَعْنَى وَظَنَّ أَنَّ الرِّجْلَ سَدَّ مَسَدَّ الْقَدَمِ هَذَا وَقَدْ قِيلَ وَضْعُ الْقَدَمِ عَلَى الشَّيْءِ مَثَلٌ لِلرَّدْعِ وَالْقَمْعِ فَكَأَنَّهُ قَالَ يَأْتِيهَا أَمْرُ اللَّهِ فَيَكُفُّهَا مِنْ طَلَبِ الْمَزِيدِ وَقِيلَ أُرِيدَ بِهِ تَسْكِينُ فَوْرَتِهَا كَمَا يُقَالُ لِلْأَمْرِ يُرَادُ إِبْطَالُهُ وَضَعْتُهُ تَحْتَ قَدَمَيَّ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ الْقَدَمُ وَالرِّجْلُ الْمَذْكُورَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ الْمُنَزَّهَةِ عَنِ التَّكْيِيفِ وَالتَّشْبِيهِ وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا جَاءَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِي الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ كَالْيَدِ وَالْأُصْبُعِ وَالْعَيْنِ وَالْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ وَالنُّزُولِ فَالْإِيمَانُ بِهَا فَرْضٌ وَالِامْتِنَاعُ عَنِ الْخَوْضِ فِيهَا وَاجِبٌ فَالْمُهْتَدِي مَنْ سَلَكَ فِيهَا طَرِيقَ التَّسْلِيمِ وَالْخَائِضُ فِيهَا زَائِغٌ وَالْمُنْكِرُ مُعَطِّلٌ وَالْمُكَيِّفُ مُشَبِّهٌ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ انْتَهَى قال القارىء وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَذْهَبِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلِطَرِيقِ إِمَامِنَا الْأَعْظَمِ عَلَى مَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْفِقْهِ الْأَكْبَرِ فَالتَّسْلِيمُ أَسْلَمُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم انتهى

قلت الأمر كما قال القارىء فَلَا شَكَّ أَنَّ التَّسْلِيمَ وَالتَّفْوِيضَ هُوَ الْأَسْلَمُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ (وَأُزْوِيَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِي رِوَايَةٍ يُزْوَى أَيْ يُضَمُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَتَجْتَمِعُ وَتَلْتَقِي عَلَى مَنْ فِيهَا (قَالَتْ) أَيِ النَّارُ (قَطٍ قَطٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى قَطٍ حَسْبِي أَيْ يَكْفِينِي هَذَا وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ قَطْ قَطْ بِإِسْكَانِ الطَّاءِ فِيهِمَا وَبِكَسْرِهَا مُنَوَّنَةً وَغَيْرَ مَنُونَةٍ انْتَهَى وَالتَّكْرَارُ لِلتَّأْكِيدِ (أُتِيَ بِالْمَوْتِ) أَيْ أُحْضِرَ بِهِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي (مُلَبِّبًا) فِي الْقَامُوسِ لَبَّبَهُ تَلْبِيبًا جَمَعَ ثِيَابَهُ عِنْدَ نَحْرِهِ فِي الْخُصُومَةِ ثُمَّ جَرَّهُ (فَيَطَّلِعُونَ خَائِفِينَ) أَيْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ (فَيَطَّلِعُونَ مُسْتَبْشِرِينَ يَرْجُونَ الشَّفَاعَةَ) أَيْ يَرْجُونَ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ فَيَخْرُجُوا مِنَ النار وفي رواية بن مَاجَهْ مُسْتَبْشِرِينَ فَرِحِينَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ (يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ) أَيْ هَذَا الْحَالُ مُسْتَمِرٌّ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ خَالِدٍ أَيْ أَنْتُمْ خَالِدُونَ فِي الْجَنَّةِ (لَا مَوْتَ) بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ أَيْ لَا مَوْتَ فِي الْجَنَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه بن ماجة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ (كَالْكَبْشِ الْأَمْلَحِ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْحِكْمَةُ فِي الْإِتْيَانِ بِالْمَوْتِ هَكَذَا الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّهُمْ حَصَلَ لَهُمُ الْفِدَاءُ بِهِ كَمَا فُدِيَ وَلَدُ إِبْرَاهِيمَ بِالْكَبْشِ وَفِي الْأَمْلَحِ إِشَارَةٌ إِلَى صِفَتَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لِأَنَّ الأملح ما فيه بياض وسواد وقال بن الْعَرَبِيِّ اسْتُشْكِلَ هَذَا الْحَدِيثُ لِكَوْنِهِ

يُخَالِفُ صَرِيحَ الْعَقْلِ لِأَنَّ الْمَوْتَ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ لَا يَنْقَلِبُ جِسْمًا فَكَيْفَ يُذْبَحُ فَأَنْكَرَتْ طَائِفَةٌ صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ وَدَفَعَتْهُ وَتَأَوَّلَتْهُ طَائِفَةٌ فَقَالُوا هَذَا تَمْثِيلٌ وَلَا ذَبْحَ هُنَاكَ حَقِيقَةً وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بَلِ الذَّبْحُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالْمَذْبُوحُ مُتَوَلِّي الْمَوْتِ وَكُلُّهُمْ يَعْرِفُهُ لِأَنَّهُ الَّذِي تَوَلَّى قَبْضَ أَرْوَاحِهِمْ وَقَالَ الْمَازَرِيُّ الْمَوْتُ عِنْدَنَا عَرَضٌ مِنَ الْأَعْرَاضِ وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ لَيْسَ بِمَعْنًى بَلْ مَعْنَاهُ عَدَمُ الْحَيَاةِ وَهَذَا خَطَأٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى خَلَقَ الموت والحياة فَأَثْبَتَ الْمَوْتَ مَخْلُوقًا وَعَلَى الْمَذْهَبَيْنِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ كَبْشًا وَلَا جِسْمًا وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا التَّمْثِيلُ وَالتَّشْبِيهُ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ يَخْلُقُ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْجِسْمَ ثُمَّ يُذْبَحُ ثُمَّ يُجْعَلُ مِثَالًا لِأَنَّ الْمَوْتَ لَا يَطْرَأُ عَلَى أَهْلِ الْآخِرَةِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ الْمَوْتُ مَعْنًى وَالْمَعَانِي لَا تَنْقَلِبُ جَوْهَرًا وَإِنَّمَا يَخْلُقُ اللَّهُ أَشْخَاصًا مِنْ ثَوَابِ الْأَعْمَالِ وَكَذَا الْمَوْتُ يَخْلُقُ اللَّهُ كَبْشًا يُسَمِّيهِ الْمَوْتَ وَيُلْقِي فِي قُلُوبِ الْفَرِيقَيْنِ أَنَّ هَذَا الْمَوْتَ يَكُونُ ذَبْحُهُ دَلِيلًا عَلَى الْخُلُودِ فِي الدَّارَيْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا مَانِعَ أَنْ يُنْشِئَ اللَّهُ مِنَ الْأَعْرَاضِ أَجْسَادًا يَجْعَلُهَا مَادَّةً لَهَا كَمَا ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ أَنَّ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ يَجِيئَانِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَمْرُ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِي اخْتَارُوهُ وذهبوا إليه) وهو الحق والثواب وَهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ فَضْلِ الصَّدَقَةِ مِنْ أَبْوَابِ الزَّكَاةِ

باب ما جاء حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات

21 - (بَاب مَا جَاءَ حُفَّتْ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتْ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) [2559] قَوْلُهُ (حُفَّتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْحِفَافِ وَهُوَ مَا يُحِيطُ بِالشَّيْءِ حَتَّى لَا يُتَوَصَّلَ إِلَيْهِ إِلَّا بِتَخَطِّيهِ أَيْ أُحِيطَتْ وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حُجِبَتْ (بِالْمَكَارِهِ) أَيْ بِمَا أُمِرَ الْمُكَلَّفُ بِمُجَاهَدَةِ نَفْسِهِ فِيهِ فِعْلًا وَتَرْكًا وَأَطْلَقَ عَلَيْهَا الْمَكَارِهَ لِمَشَقَّتِهَا عَلَى الْعَامِلِ وَصُعُوبَتِهَا عَلَيْهِ (وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ) أَيْ مَا يُسْتَلَذُّ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مِمَّا مَنَعَ الشَّرْعُ مِنْ تَعَاطِيهِ إِمَّا بِالْأَصَالَةِ وَإِمَّا لِكَوْنِ فِعْلِهِ يَسْتَلْزِمُ تَرْكَ شَيْءٍ مِنَ الْمَأْمُورَاتِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا مِنْ بَدِيعِ الْكَلَامِ وَفَصِيحِهِ وَجَوَامِعِهِ الَّتِي أُوتِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّمْثِيلِ الْحَسَنِ وَمَعْنَاهُ لَا يوصل إلى الجنة إلا بار تكاب الْمَشَقَّاتِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِالْمَكْرُوهَاتِ وَلَا إِلَى النَّارِ إِلَّا بِتَعَاطِي الشَّهَوَاتِ وَكَذَلِكَ هُمَا مَحْجُوبَتَانِ بِهِمَا فَمَنْ هَتَكَ الْحِجَابَ وَصَلَ إِلَى الْمَحْجُوبِ فَهَتْكُ حِجَابِ الْجَنَّةِ بِاقْتِحَامِ الْمَكَارِهِ وَهَتْكُ حِجَابِ النَّارِ بِارْتِكَابِ الشَّهَوَاتِ فَأَمَّا الْمَكَارِهُ فَيَدْخُلُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا وَالصَّبْرُ عَلَى مَشَاقِّهَا وَكَظْمُ الْغَيْظِ وَالْعَفْوُ وَالْحِلْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالْإِحْسَانُ إِلَى الْمُسِيءِ وَالصَّبْرُ عَلَى الشَّهَوَاتِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَمَّا الشَّهَوَاتُ الَّتِي النَّارُ مَحْفُوفَةٌ بِهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الشَّهَوَاتُ الْمُحَرَّمَةُ كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا وَالنَّظَرِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ والغيبة واستعمال الملاهي ونحو ذلك وأما للشهوات الْمُبَاحَةُ فَلَا تَدْخُلُ فِي هَذِهِ لَكِنْ يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْهَا مَخَافَةَ أَنْ يَجُرَّ إِلَى الْمُحَرَّمَةِ أَوْ يُقَسِّي الْقَلْبَ أَوْ يَشْغَلَ عَنِ الطَّاعَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

[2560] قَوْلُهُ (انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا) أَيْ مَا هَيَّأْتُ فِيهَا لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ (قَالَ) أَيْ جِبْرَائِيلُ (فَوَعِزَّتِكَ) الْوَاوُ لِلْقَسَمِ (لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا) أَيْ طَمِعَ فِي دُخُولِهَا وَجَاهَدَ فِي حُصُولِهَا وَلَا يَهْتَمُّ إِلَّا بِشَأْنِهَا لِحُسْنِهَا وَبَهْجَتِهَا (فَحُفَّتْ) أَيْ أُحِيطَتْ (بِالْمَكَارِهِ) جَمْعُ كُرْهٍ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ وَالشِّدَّةُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَالْمُرَادُ بِهَا التَّكَالِيفُ الشَّرْعِيَّةُ الَّتِي هِيَ مَكْرُوهَةٌ عَلَى النُّفُوسِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَعَانِيَ لَهَا صُوَرٌ حِسِّيَّةٌ فِي تِلْكَ الْمَبَانِي (فَانْظُرْ إِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا) أَيْ ثَانِيًا لِمَا تَجَدَّدَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا بِاعْتِبَارِ حَوَالَيْهَا (لَقَدْ خِفْتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ) أَيْ لِوُجُودِ الْمَكَارِهِ مِنَ التَّكَالِيفِ الشَّاقَّةِ وَمُخَالَفَةِ النَّفْسِ وَكَسْرِ الشَّهَوَاتِ (لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ فَيَدْخُلُهَا) أَيْ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا فَزِعَ مِنْهَا وَاحْتَرَزَ فَلَا يَدْخُلُهَا (لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا وَمَعْنَاهَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْكِتَابِ فَلَا يَظْهَرُ مَعْنَاهَا إِلَّا أَنْ يُجْعَلَ إِلَّا بِمَعْنَى بَلْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ كَذَا فِي الْفَتْحِ

باب ما جاء في احتجاج الجنة والنار

22 - (بَاب مَا جَاءَ فِي احْتِجَاجِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ) [2561] قَوْلُهُ (احْتَجَّتْ) أَيِ اخْتَصَمَتْ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ وَلِمُسْلِمٍ تَحَاجَّتْ (يدخلني الضعفاء والمساكين) قيل معنى الضعيف ها هنا الخاضع لله تعالى بذل نَفْسِهِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ضِدَّ الْمُتَجَبِّرِ وَالْمُتَكَبِّرِ وفي رواية للبخاري مالي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ قَالَ الْحَافِظُ أَيِ الْمُحْتَقَرُونَ بَيْنَهُمُ السَّاقِطُونَ مِنْ أَعْيُنِهِمْ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عِنْدَ الْأَكْثَرِ مِنَ النَّاسِ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ هُمْ عُظَمَاءُ رُفَعَاءُ الدَّرَجَاتِ لَكِنَّهُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ لِعَظَمَةِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ وَخُضُوعِهِمْ لَهُ فِي غَايَةِ التَّوَاضُعِ لِلَّهِ وَالذِّلَّةِ فِي عِبَادِهِ فَوَصْفُهُمْ بِالضَّعْفِ وَالسَّقَطِ بِهَذَا الْمَعْنَى صَحِيحٌ أَوِ الْمُرَادُ بِالْحَصْرِ فِي قَوْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ الْأَغْلَبُ (يَدْخُلُنِي الْجَبَّارُونَ وَالْمُتَكَبِّرُونَ) وَفِي رِوَايَةٍ للشيخين أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين قال القارىء هُمَا بِمَعْنًى جَمَعَ بَيْنَهُمَا لِلتَّأْكِيدِ وَقِيلَ لِلتَّكَبُّرِ لِلتَّعَظُّمِ بِمَا لَيْسَ فِيهِ وَالْمُتَجَبِّرُ الْمَمْنُوعُ الَّذِي لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ وَقِيلَ الَّذِي لَا يَكْتَرِثُ وَلَا يُبَالِي بِأَمْرِ الضُّعَفَاءِ وَالْمَسَاكِينِ (أَنْتِ عَذَابِي) أَيْ سَبَبُ عُقُوبَتِي وَمُنْشَأُ سُخْطِي وَغَضَبِي (أَنْتَقِمُ بِكِ مِمَّنْ شِئْتُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ أُعَذَّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ (وَقَالَ لِلْجَنَّةِ أَنْتِ رَحْمَتِي) أَيْ مَظْهَرُهَا فِي شَرْحِ السُّنَّةِ سَمَّى الْجَنَّةَ رَحْمَتَهُ لِأَنَّ بِهَا تَظْهَرُ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ (أَرْحَمُ بِكِ مَنْ شِئْتُ) وَإِلَّا فَرَحْمَةُ اللَّهِ مِنْ صِفَاتِهِ الَّتِي لَمْ يَزَلْ بِهَا مَوْصُوفًا لَيْسَتْ لِلَّهِ صِفَةٌ حَادِثَةٌ وَلَا اسْمٌ حَادِثٌ فَهُوَ قَدِيمٌ بِجَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ جل جلاله وتقدست أسماؤه قال بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْخِصَامُ حَقِيقَةً بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ فِيهِمَا حَيَاةً وَفَهْمًا وَكَلَامًا وَاَللَّهُ قَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَجَازًا كَقَوْلِهِمْ امْتَلَأَ الْحَوْضُ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَوْضُ لَا يَتَكَلَّمُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِبَارَةٌ عَنِ امْتِلَائِهِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِمَّنْ يَنْطِقُ لَقَالَ ذَلِكَ وَكَذَا فِي

باب ما جاء ما لأدنى أهل الجنة من الكرامة

قَوْلِ النَّارِ (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) قَالَ وَحَاصِلُ اخْتِصَامِهِمَا افْتِخَارُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخْرَى بِمَنْ يَسْكُنُهَا فَتَظُنُّ النَّارُ أَنَّهَا بِمَنْ أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ عُظَمَاءِ الدُّنْيَا أَبَرُّ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَتَظُنُّ الْجَنَّةُ أَنَّهَا بِمَنْ أَسْكَنَهَا مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَبَرُّ عِنْدَ اللَّهِ فَأُجِيبَتَا بِأَنَّهُ لَا فَضْلَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى مِنْ طَرِيقِ مَنْ يَسْكُنُهُمَا وَفِي كِلَيْهِمَا شَائِبَةُ شِكَايَةٍ إِلَى رَبِّهِمَا إِذْ لَمْ تَذْكُرْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا إِلَّا مَا اخْتُصَّتْ بِهِ وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَتِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ تَمْيِيزًا يُدْرِكَانِ بِهِ وَيَقْدِرَانِ عَلَى الْمُرَاجَعَةِ وَالِاحْتِجَاجِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ التَّمْيِيزُ فِيهِمَا دَائِمًا انْتَهَى قُلْتُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ظَاهِرِهِ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ وَلَا حَاجَةَ إِلَى حَمْلِهِ عَلَى الْمَجَازِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ مَا لِأَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ الْكَرَامَةِ) [2562] قَوْلُهُ (أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً) أَيْ أَقَلُّهُمْ مَرْتَبَةً (الَّذِي لَهُ ثَمَانُونَ أَلْفَ خَادِمٍ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ يُعْطَى هَذَا الْعَدَدَ أَوْ هُوَ مُبَالَغَةٌ فِي الْكَثْرَةِ (وَاثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ زَوْجَةً) أَيْ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ كَمَا فِي رواية أي غير ماله مِنْ نِسَاءِ الدُّنْيَا (وَتُنْصَبُ لَهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تُضْرَبُ وَتُرْفَعُ لَهُ (قُبَّةٌ) بِضَمِّ الْقَافِ وَشَدِّ الْمُوَحَّدَةِ بَيْتٌ صَغِيرٌ مُسْتَدِيرٌ (مِنْ لُؤْلُؤٍ) بِضَمِّ اللَّامَيْنِ (وَزَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ) قَالَ الْقَاضِي يُرِيدُ أَنَّ الْقُبَّةَ مَعْمُولَةٌ مِنْهَا أَوْ مُكَلَّلَةٌ بِهَا (كَمَا بَيْنَ الْجَابِيَةِ) قَرْيَةٍ بِالشَّامِ (إِلَى صَنْعَاءَ) قَصَبَةٍ بِالْيَمَنِ تُشْبِهُ دِمَشْقَ فِي كَثْرَةِ الْمَاءِ وَالشَّجَرِ وَالْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ فُسْحَةَ الْقُبَّةِ وَسَعَتَهَا طُولًا وَعَرْضًا وَبُعْدَ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ كَمَا

بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ وَإِذَا كَانَ هَذَا لِلْأَدْنَى فَمَا بَالُكَ لِلْأَعْلَى وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وبن حِبَّانَ وَالضِّيَاءُ قَوْلُهُ (وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ) أَيِ الْإِسْنَادِ السَّابِقِ قَوْلُهُ (مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ يُرَدُّونَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يَعُودُونَ وَفِيهِ تَغْلِيبٌ لِأَنَّهُ لَا رَدَّ فِي الصَّغِيرِ أَوِ الْمَعْنَى يَصِيرُونَ (فِي الْجَنَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُرَدُّونَ (لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا أَبَدًا) أَيْ زِيَادَةً مُؤَثِّرَةً فِي تَغْيِيرِ أَبْدَانِهِمْ وَأَعْضَائِهِمْ وَشُعُورِهِمْ وَأَشْعَارِهِمْ وَإِلَّا فَزَمَانُهُمْ فِي الْجَنَّةِ يَتَزَايَدُ أَبَدَ الْآبِدِينَ (وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ) أَيْ فِي الْعُمُرِ وَعَدَمِ الزِّيَادَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ مَا التَّوْفِيقُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي بَابِ البكاء صغارهم دعا ميص الْجَنَّةِ أَيْ دَاخِلُونَ عَلَى مَنَازِلِهِمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ مَوْضِعٍ كَمَا فِي الدُّنْيَا قُلْتُ فِي الجنة ظرف ليردون وهو لا يشعر أنهم لم يكونوا دعا ميص قَبْلَ الرَّدِّ قَوْلُهُ (إِنَّ عَلَيْهِمْ) أَيْ عَلَى رؤوس أَهْلِ الْجَنَّةِ (التِّيجَانُ) بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ جَمْعُ تَاجٍ (إِنَّ أَدْنَى لُؤْلُؤَةٍ مِنْهَا) أَيْ مِنَ التيجان (لتضيء) بالتأنيث قال القارىء وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْمُضَافَ اكْتَسَبَ التَّأْنِيثَ مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَالْمَعْنَى لَتُنَوِّرُ (مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) فَأَضَاءَ مُتَعَدٍّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَازِمًا وَالتَّقْدِيرُ لَيُضِيءُ بِهِ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْأَمَاكِنِ لَوْ ظَهَرَتْ عَلَى الدُّنْيَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ بِالْإِسْنَادِ الْوَاحِدِ غَرِيبٌ (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ) وَهُوَ ضَعِيفٌ

باب ما جاء في كلام الحور العين

[2563] قَوْلُهُ (كَانَ حَمْلُهُ) أَيْ حَمْلُ الْوَلَدِ (وَوَضْعُهُ وَسِنُّهُ) أَيْ كَمَالُ سِنِّهِ وَهُوَ الثَّلَاثُونَ سَنَةً (كَمَا يَشْتَهِي) مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجة وبن حِبَّانَ وَالدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) هُوَ الْإِمَامُ البخاري (قال إسحاق بن إبراهيم) هو بن رَاهْوَيْهِ (وَلَكِنْ لَا يَشْتَهِي) هَذَا هُوَ مَقُولُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ (عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ) صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ اسْمُهُ لَقِيطُ بْنُ صَبِرَةَ (إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَكُونُ لَهُمْ فِيهَا وَلَدٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللغظ وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ حَدِيثًا طَوِيلًا وَفِيهِ الصَّالِحَاتُ لِلصَّالِحَيْنِ تَلَذُّونَهُنَّ مِثْلَ لَذَّاتِكُمْ فِي الدُّنْيَا وَيَلْذَذْنَ بِكُمْ غَيْرَ أَنْ لَا تَوَالُدَ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَلَامِ الْحُورِ الْعِينِ) أَيْ فِي غِنَائِهِنَّ وَقَدْ عَقَدَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ فَصْلًا فِي غِنَاءِ الْحُورِ الْعِينِ وَأَوْرَدَ فِيهِ أَحَادِيثَ الْبَابِ [2564] قَوْلُهُ (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمُجْتَمَعًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ أَيْ مَوْضِعًا لِلِاجْتِمَاعِ أَوِ اجْتِمَاعًا

باب ما جاء في صفة أنهار الجنة

(يَرْفَعْنَ بِأَصْوَاتٍ) الْبَاءُ الزَّائِدَةُ تَأْكِيدٌ لِلتَّعْدِيَةِ أَوْ أَرَادَ بِالْأَصْوَاتِ النَّغَمَاتِ وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ أَيْ يَرْفَعْنَ أَصْوَاتَهُنَّ بِأَنْغَامٍ (نَحْنُ الْخَالِدَاتُ) أَيِ الدَّائِمَاتُ (فَلَا نَبِيدُ) أَيْ لَا نَهْلِكُ وَلَا نَمُوتُ مِنْ بَادَ أَيْ هَلَكَ وَفَنِيَ (وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ) أَيِ الْمُتَنَعِّمَاتُ (فَلَا نَبْأَسُ) أَيْ لَا نَفْتَقِرُ وَلَا نَحْتَاجُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ بَؤُسَ كَكَرُمَ بَأْسًا وَبَئِسَ كَسَمِعَ بُؤْسًا اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ (وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ) أَيْ عَنْ رَبِّنَا أَوْ عَنْ أَصْحَابِنَا (فَلَا نَسْخَطُ) فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ (طُوبَى) أَيِ الْحَالَةُ الطَّيِّبَةُ (لِمَنْ كَانَ لَنَا وَكُنَّا لَهُ) أَيْ فِي الْجَنَّاتِ الْعَالِيَاتِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ مَوْقُوفًا قَالَ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهَرًا طُولَ الْجَنَّةِ حَافَّتَاهُ الْعَذَارَى قِيَامٌ مُتَقَابِلَاتٌ يُغَنِّينَ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ يَسْمَعُهَا الْخَلَائِقُ حَتَّى مَا يَرَوْنَ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ لَذَّةً مِثْلَهَا قُلْنَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا ذَاكَ الْغِنَاءُ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّقْدِيسُ وَثَنَاءٌ عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وجَلَّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حديث أنس فأخرجه بن أَبِي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ إِنَّ الْحُورَ فِي الْجَنَّةِ يُغَنِّينَ يَقُلْنَ نَحْنُ الْحُورُ الْحِسَانُ هُدِينَا لِأَزْوَاجٍ كَرَامٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَإِسْنَادُهُ مقارب قوله (هذا علي حديث غريب) وأخرجه البيهقي 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ) [2571] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْجُرَيْرِيُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ وَهُوَ جَدُّ بَهْزٍ

قَوْلُهُ (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَحْرَ الْمَاءِ وَبَحْرَ الْعَسَلِ وَبَحْرَ اللَّبَنِ وَبَحْرَ الْخَمْرِ) قَالَ الطِّيبِيُّ يُرِيدُ بِالْبَحْرِ مِثْلَ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَنَحْوِهِمَا وَبِالنَّهْرِ مِثْلَ نَهْرِ مَعْقِلٍ حَيْثُ تُشَقَّقُ مِنْ أَحَدِهِمَا ثم منه تشقق جداول وقال القارىء قَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالْبِحَارِ هِيَ الْأَنْهَارُ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ أَنْهَارًا لِجَرَيَانِهَا بِخِلَافِ بِحَارِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْغَالِبَ مِنْهَا أَنَّهَا فِي مَحَلِّ الْقَرَارِ (ثُمَّ تُشَقَّقُ) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ مِنْ بَابِ التَّفَعُّلِ ويحتمل أن يكون يصيغة الْمَجْهُولِ مِنَ التَّشْقِيقِ (بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ دُخُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ [2572] قَوْلُهُ (مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ) بِأَنْ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسَالِكُ الْجَنَّةَ أَوْ قَالَ اللَّهُمَّ أَدْخِلْنِي الْجَنَّةَ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) أَيْ كَرَّرَهُ فِي مَجَالِسَ أَوْ مَجْلِسٍ بِطَرِيقِ الْإِلْحَاحِ عَلَى مَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ (قَالَتِ الْجَنَّةُ) بِبَيَانِ الْحَالِ أَوْ بِلِسَانِ الْقَالِ لِقُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَى إِنْطَاقِ الْجَمَادَاتِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ) أَيْ دُخُولًا أَوَّلِيًّا أَوْ لُحُوقًا آخِرِيًّا (وَمَنِ اسْتَجَارَ) أَيِ اسْتَحْفَظَ (مِنَ النَّارِ) بِأَنْ قَالَ اللَّهُمَّ أَجِرْنِي مِنَ النَّارِ (قَالَتِ النَّارُ اللَّهُمَّ أَجِرْهُ) أَيِ احْفَظْهُ أَوْ أَنْقِذْهُ (مِنَ النَّارِ) أَيْ مِنْ دُخُولِهِ أَوْ خُلُودِهِ فِيهَا قَالَ الطِّيبِيُّ وَفِي وضع الجنة والنار موضع ضمير المتكلم تجريدونوع مِنَ الِالْتِفَاتِ انْتَهَى وَحَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أيضا النسائي وبن ماجة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ 6

[2566] قَوْلُهُ (يَغْبِطُهُمُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ) أَيْ يَتَمَنَّوْنَ أَنَّ لَهُمْ مِثْلَ مَا لَهُمْ وَالْحَدِيثُ قَدْ تَقَدَّمَ في باب فضل المملوك صالح مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ [2567] قوله (عن منصور) هو بن المعتمر (عن ربعي) هو بن خراش الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ (يَرْفَعُهُ) أَيْ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لَمْ يقل هذا الأوهم أن يكون الحديث موقوفا على بن مَسْعُودٍ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ (قَالَ ثَلَاثَةٌ) وَلَمْ يَنْسُبْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَجُلٌ قام من الليل) أي للتهجد فيه (يتلوا كِتَابَ اللَّهِ) أَيِ الْقُرْآنَ فِي صَلَاتِهِ وَخَارِجَهَا (بِيَمِينِهِ) وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى الْأَدَبِ فِي الْعَطَاءِ بِأَنْ يَكُونَ بِالْيَمِينِ رِعَايَةً لِلْأَدَبِ وَتَفَاؤُلًا بِالْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ (يُخْفِيهَا) أَيْ يُخْفِي تِلْكَ الصَّدَقَةَ غَايَةَ الْإِخْفَاءِ خَوْفًا مِنَ السُّمْعَةِ وَالرِّيَاءِ مُبَالَغَةً فِي قَصْدِ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَاءِ (أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مِنَ الإرادة أَيْ أَظُنُّهُ (مِنْ شِمَالِهِ) أَيْ يُخْفِيهَا مِنْ شِمَالِهِ أُرِيدَ بِهِ كَمَالُ الْمُبَالَغَةِ (وَرَجُلٌ كَانَ فِي سَرِيَّةٍ) أَيْ فِي جَيْشٍ صَغِيرٍ (فَاسْتَقْبَلَ الْعَدُوَّ) أَيْ وَقَاتَلَهُمْ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العليا

27

كَنْزٍ فَقَالَ الْأَعْرَجُ جَبَلٍ وَتَسْمِيَتُهُ كَنْزًا بِاعْتِبَارِ حَالِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْكَشِفَ وَتَسْمِيَتُهُ جَبَلًا لِلْإِشَارَةِ إلى كئرته وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قُتِلْتُ وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ [2568] قَوْلُهُ (عَنْ زَيْدِ بْنِ ظَبْيَانَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ الْكُوفِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التهذيب فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَعَنْهُ رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا ثَلَاثَةٌ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ وَثَلَاثَةٌ يُبْغِضُهُمْ قال ذكره بن حبان في الثقات وأخرج هو وبن خُزَيْمَةَ بِهِ فِي الصَّحِيحِ انْتَهَى قَوْلُهُ (فَأَمَّا الَّذِينَ يُحِبُّهُمُ اللَّهُ فَرَجُلٌ) أَيْ مُعْطِي رَجُلٍ (أَتَى قَوْمًا فَسَأَلَهُمْ بِاَللَّهِ) أَيْ مُسْتَعْطِفًا بِاَللَّهِ قَائِلًا أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ أَعْطَوْنِي (وَلَمْ يَسْأَلْهُمْ لِقَرَابَةٍ) أَيْ وَلَمْ يَقُلْ أَعْطُونِي بِحَقِّ قَرَابَةٍ (فَمَنَعُوهُ) أي الرجل العطاء (فتخلف رجل بأعيانهم) قال القارىء الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ بِأَشْخَاصِهِمْ وَتَقَدَّمَ وَقِيلَ أَيْ تَأَخَّرَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِهِمْ إِلَى جَانِبٍ حَتَّى لَا يَرَوْهُ بِأَعْيَانِهِمْ مِنْ أَشْخَاصِهِمْ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ تَرَكَ الْقَوْمَ الْمَسْئُولَ عَنْهُمْ خَلْفَهُ فَتَقَدَّمَ فأعطاء سِرًّا وَالْمُرَادُ مِنَ الْأَعْيَانِ الْأَشْخَاصُ أَيْ سَبَقَهُمْ بِهَذَا الْخَيْرِ فَجَعَلَهُمْ خَلْفَهُ وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فَتَخَلَّفَ رَجُلٌ عَنْ أَعْيَانِهِمْ وَهَذَا أَشْبَهُ مَعْنًى وَالْأَوَّلُ أَوْثَقُ سَنَدًا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى خَلَا بِالسَّائِلِ فَأَعْطَاهُ سِرًّا (وَلَا يَعْلَمُ بِعَطِيَّتِهِ إِلَّا اللَّهُ وَاَلَّذِي أَعْطَاهُ) تَقْرِيرٌ لِمَعْنَى السِّرِّ (وَقَوْمٌ) أَيْ وَقَائِمُ قَوْمٍ (أَحَبَّ إِلَيْهِمْ) أَيْ أَلَذَّ وَأَطْيَبَ (مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ) أَيْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ

يقابل ويساوي بالنوم (فوضعوا رؤوسهم) أَيْ فَنَامُوا (قَامَ رَجُلٌ) أَيْ مِنَ النَّوْمِ (يَتَمَلَّقُنِي) أَيْ يَتَوَاضَعُ لَدَيَّ وَيَتَضَرَّعُ إِلَيَّ قَالَ الطِّيبِيُّ وَالْمَلَقُ بِالتَّحْرِيكِ الزِّيَادَةُ فِي التَّوَدُّدِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ قِيلَ دَلَّ أَوَّلُ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآخِرُهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِهِ تَعَالَى وَوُجِّهَ بِأَنَّ مَقَامَ الْمُنَاجَاةِ يَشْتَمِلُ عَلَى أَسْرَارٍ وَمُنَاجَاةٍ بَيْنَ الْمُحِبِّ وَالْمَحْبُوبِ فَحَكَى اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَبْدِهِ فَحَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ لَا بِمَعْنَاهُ إِذْ لَا يُقَالُ يَتَمَلَّقُ اللَّهُ وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الِالْتِفَاتِ فِي شَيْءٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَيَتْلُو آيَاتِي) أي يقرأ ألفاظها وَيَتْبَعُهَا بِالتَّأَمُّلِ فِي مَعَانِيهَا (فَهُزِمُوا) أَيْ أَصْحَابُهُ (فأقبل بصدره) أي خلا مَنْ وَلَّى دُبُرَهُ بِتَوْلِيَةِ ظَهْرِهِ (حَتَّى يُقْتَلَ أَوْ يُفْتَحَ لَهُ) أَيْ حَتَّى يَفُوزَ بِإِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ (الشَّيْخُ الزَّانِي) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِالشَّيْخِ الشَّيْبَةُ ضِدُّ الشَّابِّ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْمُحْصَنُ ضِدُّ الْبِكْرِ كَمَا فِي الْآيَةِ الْمَنْسُوخَةِ الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ) أَيِ الْمُتَكَبِّرُ (وَالْغَنِيُّ الظَّلُومُ) أَيْ كَثِيرُ الظُّلْمِ فِي الْمَطْلِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّمَا خُصَّ الشَّيْخُ وَأَخَوَيْهِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ فِيهِمْ أَشَدُّ مَذَمَّةً وَأَكْثَرُ نُكْرَةً قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن حبان في صحيحه والحاكم

37 - كتاب صفة جهنم

37 - كتاب صفة جهنم قَالَ النَّوَوِيُّ جَهَنَّمُ اسْمٌ لِنَارِ الْآخِرَةِ قَالَ يُونُسُ وَأَكْثَرُ النَّحْوِيِّينَ هِيَ عَجَمِيَّةٌ لَا تَنْصَرِفُ لِلْعُجْمَةِ وَالتَّعْرِيفِ وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ عَرَبِيَّةٌ لَمْ تُصْرَفْ بِالتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِبُعْدِ قَعْرِهَا قال روبة يُقَالُ بِئْرٌ جِهْنَامٌ أَيْ بَعِيدَةُ الْقَعْرِ وَقِيلَ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجُهُومَةِ وَهِيَ الْغِلَظُ يُقَالُ جَهَنَّمُ الْوَجْهُ أَيْ غَلِيظُهُ فَسُمِّيَتْ جَهَنَّمُ لِغِلَظِ أَمْرِهَا انتهى (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ النَّارِ) [2573] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ) بِكَسْرِ المعجمة واخره مثلثة بن الطَّلْقِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ خَالِدٍ) الْأَسَدِيِّ الْكَاهِلِيِّ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ يُؤْتَى بِهَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي خَلَقَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فيه وجيء يومئذ بجهنم (يَوْمَئِذٍ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَهُوَ مَا يُشَدُّ بِهِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ الزِّمَامُ مَا يُجْعَلُ فِي

أَنْفِ الْبَعِيرِ دَقِيقًا وَقِيلَ مَا يُشَدُّ بِهِ رؤوسها مِنْ حَبْلٍ وَسَيْرٍ انْتَهَى (يَجُرُّونَهَا) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يَسْحَبُونَهَا قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ لَعَلَّ جَهَنَّمَ يُؤْتَى بِهَا فِي الْمَوْقِفِ لِيَرَاهَا النَّاسُ تَرْهِيبًا لَهُمْ قَوْلُهُ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالثَّوْرِيُّ لَا يَرْفَعُهُ) حَدِيثُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْمَرْفُوعُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ رَفْعُهُ وَهْمٌ رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَمَرْوَانُ وَغَيْرُهُمَا عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ خَالِدٍ مَوْقُوفًا قَالَ وَحَفْصٌ ثِقَةٌ حَافِظٌ إِمَامٌ فَزِيَادَةُ الرَّفْعِ مَقْبُولَةٌ كَمَا سَبَقَ نَقْلُهُ عَنِ الْأَكْثَرِينَ والمحققين انتهى [2574] قوله (يخرج عُنُقٌ مِنَ النَّارِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعُنُقُ بِالضَّمِّ وَبِضَمَّتَيْنِ وَكَأَمِيرٍ وَكَصُرَدٍ الْجِيدُ وَيُؤَنَّثُ وَالْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ الْعُنُقُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالنُّونِ أَيْ طَائِفَةٌ وَجَانِبٌ مِنَ النَّارِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أي طائفة منها ومن بيانية قال القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ يَخْرُجُ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ (يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ظَرْفٌ لَهُ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعُنُقِ الْجِيدُ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اللُّغَةِ إِذْ لَا صَارِفَ عَنْ ظَاهِرِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَخْرُجُ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ عَلَى هَيْئَةِ الرَّقَبَةِ الطَّوِيلَةِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ عندي كما قال القارىء وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (يَقُولُ) بِصِيغَةِ التَّذْكِيرِ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ يَنْطِقُ أَوْ حَالٌ (وَإِنِّي وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ) أَيْ وَكَّلَنِي اللَّهُ بِأَنْ أُدْخِلَ هَؤُلَاءِ الثلاثة النار وأعذبهم بالفضيحة على رؤوس الْأَشْهَادِ (بِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْجَبَّارُ هُوَ الْمُتَمَرِّدُ الْعَاتِي وَالْعَنِيدُ الْجَائِرُ عَنِ الْقَصْدِ الْبَاغِي الَّذِي يَرُدُّ الْحَقَّ مَعَ الْعِلْمِ به

باب ما جاء في صفة قعر جهنم

2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ قَعْرِ جَهَنَّمَ) [2575] قَوْلُهُ (عَنْ فُضَيْلِ بْنِ عِيَاضِ) بْنِ مَسْعُودٍ التَّمِيمِيِّ أَبِي عَلِيٍّ الزَّاهِدِ الْمَشْهُورِ أَصْلُهُ مِنْ خُرَاسَانَ وَسَكَنَ مَكَّةَ ثِقَةٌ عَابِدٌ إِمَامٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو عِمَادٍ الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ سَمِعْتُ الْفَضْلَ بْنَ مُوسَى يَقُولُ كَانَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ شَاطِرًا يَقْطَعُ الطَّرِيقَ بَيْنَ أَبِيوَرَدَ وَسَرَخْسَ وَكَانَ سَبَبُ تَوْبَتِهِ أَنَّهُ عَشِقَ جَارِيَةً فَبَيْنَمَا هُوَ يَرْتَقِي الْجُدْرَانَ إِلَيْهَا إِذْ سَمِعَ تَالِيًا يَتْلُو أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله فَلَمَّا سَمِعَهَا قَالَ بَلَى يَا رَبِّ قَدْ آنَ فَرَجَعَ فَأَوَاهُ اللَّيْلُ إِلَى خَرِبَةٍ فَإِذَا فِيهَا سَابِلَةٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَرْتَحِلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ حَتَّى نُصْبِحَ فَإِنَّ فُضَيْلًا عَلَى الطَّرِيقِ يَقْطَعُ عَلَيْنَا قَالَ فَفَكَّرْتُ قُلْتُ أَنَا أَسْعَى بِاللَّيْلِ في المعاصي وقوم من المسلمين يخافونني ها هنا وَمَا أَرَى اللَّهَ سَاقَنِي إِلَيْهِمْ إِلَّا لِأَرْتَدِعَ اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ تُبْتُ إِلَيْكَ وَجَعَلْتُ تَوْبَتِي مجاورة البيت الحرام وقال بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً نَبِيلًا فَاضِلًا عَابِدًا وَرِعًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ انْتَهَى (قَالَ عُتْبَةُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ فَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ سَاكِنَةٍ (بْنُ غَزْوَانَ) بِفَتْحِ المعجمة وسكون الزاي بن جَابِرٍ الْمَازِنِيُّ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ مُهَاجِرِيٌّ بَدْرِيٌّ وَهُوَ أَوَّلُ مَنِ اخْتَطَّ الْبَصْرَةَ قَوْلُهُ (إِنَّ الصَّخْرَةَ) بِسُكُونِ الْخَاءِ وَتُفْتَحُ الحجر العظيم الصلب كذا في القاموس فقوله (الْعَظِيمَةَ) دَلَّ بِهِ عَلَى شِدَّةِ عِظَمِهَا (لَتُلْقَى) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ) أَيْ جَانِبِهَا وَحَرْفِهَا (فَتَهْوِي) أَيْ تَسْقُطُ (مَا تُفْضِي) مِنَ الْإِفْضَاءِ أَيْ مَا تَصِلُ (إِلَى قَرَارِهَا) أَيْ إِلَى قَعْرِهَا أَرَادَ بِهِ وَصْفَ عُمْقِهَا بِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَتَنَاهَى فَالسَّبْعِينَ لِلتَّكْثِيرِ (قَالَ وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ) ضَمِيرُ قَالَ يَرْجِعُ إِلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ (أَكْثِرُوا ذِكْرَ النَّارِ) أَيْ نَارِ جَهَنَّمَ (وَإِنَّ مَقَامِعَهَا حَدِيدٌ) الْمَقَامِعُ سِيَاطٌ مِنْ حديث رُءُوسُهَا مُعْوَجَّةٌ وَاحِدُهَا مِقْمَعَةٌ بِالْكَسْرِ

قَوْلُهُ (لَا نَعْرِفُ لِلْحَسَنِ سَمَاعًا عَنْ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ إِلَخْ) فَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ فِي فَصْلِ وَبُعْدُ قَعْرِ جَهَنَّمَ عَنْ خَالِدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ خَطَبَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ إِنَّهُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْحَجَرَ يُلْقَى مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ فَيَهْوِي فِيهَا سَبْعِينَ عَامًا مَا يُدْرِكُ لَهَا قَعْرًا وَاَللَّهِ لَتُمْلَأَنَّهُ أَفَعَجِبْتُمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ [2576] قَوْلُهُ (الصَّعُودُ) أَيِ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا يتصعد فيه الكافر (قال القارىء) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُكَلَّفُ الْكَافِرُ ارْتِقَاءَهُ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ يَطْلُعُ فِي ذَلِكَ الْجَبَلِ (سَبْعِينَ خَرِيفًا) أَيْ مُدَّةَ سَبْعِينَ عَامًا (وَيُهْوَى فِيهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُكَلَّفُ ذَلِكَ الْكَافِرُ بِسُقُوطِهِ فِيهِ وَفِي نُسْخَةٍ مِنَ الْمِشْكَاةِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ أي ينزل على ما قال القارىء (كَذَلِكَ) أَيْ سَبْعِينَ خَرِيفًا (أَبَدًا) قَيْدٌ لِلْفِعْلَيْنِ أَيْ يَكُونُ دَائِمًا فِي الصُّعُودِ وَالْهُبُوطِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ غَيْرُهُ مُطَوَّلًا فَفِي التَّرْغِيبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في قوله سأرهقه صعودا قَالَ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يُكَلَّفُ أَنْ يَصْعَدَهُ فَإِذَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ ذَابَتْ فَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ وَإِذَا وَضَعَ رِجْلَهُ عَلَيْهِ ذَابَتْ فَإِذَا رَفَعَهَا عَادَتْ يَصْعَدُ سَبْعِينَ خَرِيفًا ثُمَّ يَهْوِي كَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ دَرَّاجٍ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا من حديث بن لهيعة) قال المندري رَوَاهُ الْحَاكِمُ مَرْفُوعًا كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ عَمَّارٍ الذَّهَبِيِّ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْهُ مَرْفُوعًا أَيْضًا وَمِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ وَسُفْيَانَ كِلَاهُمَا عَنْ عَمَّارٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْهُ مَوْقُوفًا بِنَحْوِهِ بِزِيَادَةٍ انْتَهَى وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ

باب ما جاء في عظم أهل النار

3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي عِظَمِ أَهْلِ النَّارِ) [2578] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ) بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ الْقُرَظِيُّ الْمَدَنِيُّ الْمُؤَذِّنُ الْمُلَقَّبُ كَشَاكِشَ لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ جَدِّهِ لِأُمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ وَغَيْرُهُ انْتَهَى (حَدَّثَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ) بْنِ سَعْدِ الْقَرَظِ وَثَّقَهُ بن حِبَّانَ قَوْلُهُ (ضِرْسُ الْكَافِرِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الضِّرْسُ بِالْكَسْرِ السِّنُّ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْأَضْرَاسُ الْأَسْنَانُ سِوَى الثَّنَايَا الْأَرْبَعَةِ (مِثْلُ أُحُدٍ) بِضَمَّتَيْنِ أَيْ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ فِي الْمِقْدَارِ (وَفَخِذُهُ) الْفَخِذُ كَكَتِفٍ مَا بَيْنَ السَّاقِ وَالْوَرِكِ مُؤَنَّثٌ كَالْفَخْذِ وَيُكْسَرُ أَيْ فَخِذُ الْكَافِرِ (مِثْلُ الْبَيْضَاءِ) هُوَ اسْمُ جَبَلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ أَيْ يُزَادُ فِي أَعْضَاءِ الْكَافِرِ زِيَادَةً فِي تَعْذِيبِهِ بِزِيَادَةِ الْمُمَاسَّةِ لِلنَّارِ (وَمَقْعَدُهُ) أَيْ مَوْضِعُ قُعُودِهِ (مِنَ النَّارِ) أَيْ فِيهَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ (مَسِيرَةَ ثَلَاثٍ) أَيْ ثَلَاثِ لَيَالٍ (مِثْلُ الرَّبَذَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَرْيَةٌ مَعْرُوفَةٌ قُرْبَ الْمَدِينَةِ أَيْ مِثْلُ بُعْدِ الرَّبَذَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ أَوْ مِثْلُ مَسَافَتِهَا إِلَيْهَا فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي الْمَدِينَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِنَّ مَقْعَدَهُ فِي النَّارِ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّبَذَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَلَفْظُهُ قَالَ ضِرْسُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ وَفَخِذُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ كَمَا بَيْنَ قَدِيدَ وَمَكَّةَ وَكَثَافَةُ جِلْدِهِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْجَبَّارِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ الْجَبَّارُ مَلِكٌ بِالْيَمَنِ لَهُ ذراع معروف المقدار كذا قال بن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ مَلِكٌ بِالْعَجَمِ انْتَهَى

وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ قَالَ ضِرْسُ الْكَافِرِ أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ [2579] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ) الْخَثْعَمِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِزِيَادَةِ وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةُ ثَلَاثٍ كَمَا عَرَفْتَ [2580] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ الْقُرَشِيُّ الْكُوفِيُّ قَاضِي الْمَوْصِلِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنِ الْفَضْلِ بْنِ يَزِيدَ) الثُّمَالِيِّ وَيُقَالُ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي الْمُخَارِقِ) قَالَ في الخلاصة أبو مخارق عن بن عَمْرٍو عَنْهُ الْفَضْلُ الثُّمَالِيُّ مَجْهُولٌ قَوْلُهُ (إِنَّ الْكَافِرَ لَيَسْحَبُ) بِلَفْظِ الْمُضَارِعِ الْمَعْلُومِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ سَحَبَهُ كَمَنَعَهُ جَرَّهُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ انتهى (يتوطأه النَّاسُ) أَيْ يَطَؤُهُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ بِأَقْدَامِهِمْ وَيَمْشُونَ عليه من وطئه بالكسر يطأه دَاسَهُ كَوَطَأَّهُ وَتَوَطَّأَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (وَأَبُو الْمُخَارِقِ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ) وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ إِنَّهُ مَجْهُولٌ كَمَا عَرَفْتَ تَنْبِيهٌ عُلِمَ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ الْفَضْلِ بْنِ يَزِيدَ عن أبي

المخارق عن بن عُمَرَ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ إِلَخْ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ ونقل كلام الترمذي هَذَا مَا لَفْظُهُ رَوَاهُ الْفَضْلُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْعَجْلَانِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْكَافِرَ ليجر لسانه فرسخين يوم القيامة يتوطأه النَّاسُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ أَبُو الْمُخَارِقِ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ وَهْمٌ إِنَّمَا هُوَ أَبُو الْعَجْلَانِ الْمُحَارِبِيُّ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْكُنَى وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ سَرِيعُ الْحِفْظِ لَيْسَ لَهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ أَبُو الْمُخَارِقِ عَنِ بن عُمَرَ لَا يُعْرَفُ رَوَى عَنْهُ الْفَضْلُ بْنُ يَزِيدَ الثُّمَالِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ وَالصَّوَابُ بَدَلُهُ عَنْ أَبِي عَجْلَانَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أَبُو الْمُخَارِقِ الْكُوفِيُّ عَنِ بن عِمْرَانَ إِنَّ الْكَافِرَ لَيَجُرُّ لِسَانَهُ وَعَنْهُ الْفَضْلُ بْنُ يَزِيدَ الثُّمَالِيُّ صَوَابُهُ أَبُو الْعَجْلَانِ الْمُحَارِبِيُّ انْتَهَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ مُسْنَدَاتِ بن عُمَرَ بِغَيْرِ الْوَاوِ وَرِوَايَةُ الْبَيْهَقِيِّ الَّتِي نَقَلَهَا الْمُنْذِرِيُّ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ مِنْ مُسْنَدَاتِ عَبْدِ الله بن عمرو بن العاص فتفكر [2577] قَوْلُهُ (إِنَّ غِلَظَ جِلْدِ الْكَافِرِ) أَيْ ذَرْعَ ثَخَانَتِهِ (اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ اثْنَانِ وَأَرْبَعِينَ قِيلَ الْوَاوُ بِمَعْنَى مَعَ (ذِرَاعًا) فِي الْقَامُوسِ الذِّرَاعُ بِالْكَسْرِ مِنْ طَرَفِ الْمِرْفَقِ إِلَى طَرَفِ الْإِصْبَعِ الْوُسْطَى وَذَرَعَ الثَّوْبَ كَمَنَعَ قَاسَهُ بِهَا (وَإِنَّ ضِرْسَهُ مِثْلُ أُحُدٍ) أَيْ مِثْلُ مِقْدَارِ جَبَلِ أُحُدٍ (وَإِنَّ مَجْلِسَهُ) أَيْ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ (مِنْ جَهَنَّمَ) أَيْ فِيهَا (مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ) أَيْ مِقْدَارُ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْمَسَافَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا كُلُّهُ لِكَوْنِهِ أَبْلَغَ فِي إِيلَامِهِ وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلَّهِ تَعَالَى يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ لِإِخْبَارِ الصَّادِقِ بِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ ورواه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ قَالَ جِلْدُ الْكَافِرِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ

باب ما جاء في صفة شراب أهل النار

الْجَبَّارِ وَضِرْسُهُ مِثْلُ أُحُدٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَهُوَ رِوَايَةٌ لِأَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِثْلُ أُحُدٍ وَعَرْضُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَعَضُدُهُ مِثْلُ الْبَيْضَاءِ وَفَخِذُهُ مِثْلُ وَرِقَانَ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ مَا بَيْنِي وَبَيْنَ الرَّبَذَةِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَكَانَ يُقَالُ بَطْنُهُ مثل بطن أضم انتهى (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ شَرَابِ أَهْلِ النَّارِ) [2581] قَوْلُهُ (فِي قَوْلِهِ كَالْمُهْلِ) أَيْ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كالمهل يشوي الوجوه (كَعَكَرِ الزَّيْتِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْكَافِ أَيْ دُرْدِيِّهِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيِ الدُّونُ مِنْهُ وَالدَّنِسُ (فَإِذَا قَرَّبَهُ) أَيِ الْعَاصِي (سَقَطَتْ فَرْوَةُ وَجْهِهِ) أَيْ جِلْدَتُهُ وَبَشَرَتُهُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمُهْلِ وَفِي النِّهَايَةِ فَرْوَةُ وَجْهِهِ أَيْ جِلْدَتُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ فَرْوَةُ الرَّأْسِ وَهِيَ جِلْدَتُهُ بِمَا عَلَيْهَا مِنَ الشَّعْرِ فَاسْتَعَارَهَا مِنَ الرَّأْسِ وَلِلْوَجْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَرْثِ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ قال قد رواه بن حبان في صحيحه والحاكم من حديث بن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَرْثِ عَنْ دَرَّاجٍ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ انْتَهَى [2582] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سعيد بن يزيد) الحميري القتياني أَبُو شُجَاعٍ الْإسْكَنْدَرانيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ السَّابِعَةِ عَنْ أَبِي السَّمْحِ هُوَ دَرَّاجُ بْنُ سَمْعَانَ عن بن حُجَيْرَةَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُجَيْرَةَ بِمُهْمَلَةٍ وجيم مصغرا المصري القاضي وهو بن حُجَيْرَةَ الْأَكْبَرُ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ الْحَمِيمَ) أَيْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يُصَبُّ مِنْ فوق رؤوسهم الحميم ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ

السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي السَّمْحِ) هُوَ دَرَّاجُ بْنُ سمعان (عن بن حجيرة) الْمُفَسَّرُ بِالْمَاءِ الْبَالِغِ نِهَايَةَ الْحَرِّ (فَيَنْفُذُ الْحَمِيمُ) بِضَمِّ الْفَاءِ مِنَ النُّفُوذِ وَهُوَ التَّأْثِيرُ وَالدُّخُولُ فِي الشَّيْءِ أَيْ يَدْخُلُ أَثَرُ حَرَارَتِهِ مِنْ رَأْسِهِ إِلَى بَاطِنِهِ (حَتَّى يَخْلُصَ) بِضَمِّ اللَّامِ أَيْ يَصِلَ (إِلَى جَوْفِهِ) أَيْ إِلَى بَطْنِهِ (فَيُسْلَتُ) بِضَمِّ اللَّامِ وَكَسْرِهَا مِنْ سَلَتَ الْقَصْعَةَ إِذَا مَسَحَهَا مِنَ الطَّعَامِ فَيَذْهَبُ وَأَصْلُ السَّلْتِ الْقَطْعُ فَالْمَعْنَى فَيَمْسَحُ وَيُقَطِّعُ الْحَمِيمُ (مَا فِي جَوْفِهِ) أَيْ مِنَ الْأَمْعَاءِ (يَمْرُقُ) بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ يَخْرُجُ مِنْ مَرَقَ السَّهْمِ إِذَا نَفَذَ فِي الْغَرَضِ وَخَرَجَ مِنْهُ (وَهُوَ الصَّهْرُ) بِفَتْحِ الصَّادِ بِمَعْنَى الْإِذَابَةِ وَالْمَعْنَى مَا ذُكِرَ مِنَ النُّفُوذِ وَغَيْرِهِ هُوَ مَعْنَى الصَّهْرِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ والجلود (ثُمَّ يُعَادُ) أَيْ مَا فِي جَوْفِهِ (كَمَا كَانَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جلودا غيرها ليذوقوا العذاب قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فَيَخْلُصُ فينفذ إِلَى الْجُمْجُمَةِ حَتَّى يَخْلُصَ إِلَى وَجْهِهِ انْتَهَى [2583] قَوْلُهُ (فِي قَوْلِهِ) أَيْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ويسقى من ماء صديد أَيْ دَمٍ وَقَيْحٍ يَسِيلُ مِنَ الْجَسَدِ (يَتَجَرَّعُهُ) أَيْ يَشْرَبُهُ لَا بِمَرَّةٍ بَلْ جَرْعَةً بَعْدَ جَرْعَةٍ لِمَرَارَتِهِ وَحَرَارَتِهِ وَلِذَا قَالَ تَعَالَى وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ

(قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُقَرَّبُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ يُؤْتَى بِالصَّدِيدِ قَرِيبًا (إِلَى فِيهِ) أَيْ إِلَى فَمِ الْعَاصِي (فَيَكْرَهُهُ) أَيْ لِعُفُونَتِهِ وَسُخُونَتِهِ (فَإِذَا أُدْنِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ زِيدَ فِي قُرْبِهِ (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْعَاصِي (شَوَى وَجْهَهُ) أَيْ أَحْرَقَهُ (وَوَقَعَتْ) أَيْ سَقَطَتْ (فَرْوَةُ رَأْسِهِ) أَيْ جِلْدَتُهُ (فَإِذَا شَرِبَهُ) أَيِ الْمَاءَ الصَّدِيدَ الْحَارَّ الشَّدِيدَ (قَطَّعَ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ (حَتَّى يَخْرُجَ) أَيِ الصَّدِيدُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ تَخْرُجَ بِالتَّاءِ أَيِ الْأَمْعَاءُ (مِنْ دُبُرِهِ) بِضَمَّتَيْنِ وَهُوَ ضِدُّ الْقُبُلِ (وَيَقُولُ) أَيِ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخر وإن يستغيثوا أَيْ يَطْلُبُوا الْغِيَاثَ بِالْمَاءِ عَلَى عَادَتِهِمُ الِاسْتِغَاثَةُ فِي طَلَبِ الْغَيْثِ أَيِ الْمَطَرِ يُغَاثُوا أَيْ يجابوا ويؤتوا بماء كالمهل بِالضَّمِّ أَيْ كَالصَّدِيدِ أَوْ كَعَكَرِ الزَّيْتِ عَلَى مَا صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يشوي الوجوه) أَيِ ابْتِدَاءً ثُمَّ يَسْرِي إِلَى الْبُطُونِ وَسَائِرِ الأعضاء انتهاء (بئس الشراب) أَيِ الْمُهْلُ أَوِ الْمَاءُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَمُكْرَهٌ وَسَاءَتْ أَيِ النَّارُ (مُرْتَفَقًا) أَيْ مَنْزِلًا يَرْتَفِقُ بِهِ نَازِلُهُ أَوْ مُتَّكَأً قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ (هَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ) يَعْنِي بِالتَّصْغِيرِ (وَقَدْ رَوَى صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ) يَعْنِي بِغَيْرِ التَّصْغِيرِ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ الَّذِي رَوَى عَنْهُ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدِيثَ أَبِي أُمَامَةَ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ أَخَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ شَامِيٌّ مِنْ أَهْلِ حِمْصَ رَوَى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قوله تعالى من ماء صديد وعنه صفوان بن عمرو ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَ التِّرْمِذِيِّ هذا ثم قال وقال بن أَبِي حَاتِمٍ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ وَيُقَالُ عَبْدُ اللَّهِ رَوَى عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَعَنْهُ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ الْيَحْصُبِيُّ عَنْ أَبِي

أُمَامَةَ ثُمَّ رَوَى لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَحَدِيثًا آخَرَ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ وَذَكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ فِي ذَيْلِ الصَّحَابَةِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَهُ السَّلْمَانِيُّ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ حِمْصِيٌّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَعَنْهُ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو وَحْدَهُ لَا يُعْرَفُ فَيُقَالُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الصَّحَابِيُّ وَقِيلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ الْحَرَّانِيُّ التَّابِعِيُّ وَهُوَ أَظْهَرُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ الْحَرَّانِيُّ الْحِمْصِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ لَهُ فَرْدُ حَدِيثٍ وَعَنْهُ صَفْوَانُ بن عمرو وثقة بن حِبَّانَ انْتَهَى قُلْتُ الْحَاصِلُ أَنَّ فِي عُبَيْدِ بْنِ بُسْرٍ الَّذِي وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ أَخُو عَبْدِ بْنِ بُسْرٍ الصَّحَابِيِّ وَالثَّانِي أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ يُقَالُ لَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ وهما واحد والثالث أن عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ الْحَرَّانِيُّ التَّابِعِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [2584] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ) هُوَ بن الْمُبَارَكِ قَوْلُهُ (فَإِذَا قُرِّبَ) بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ أَيِ الْمُهْلُ (إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى وَجْهِ الْعَاصِي قَوْلُهُ (وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ) أَيْ بِالْإِسْنَادِ السَّابِقِ الْوَاصِلِ إِلَى أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لَسُرَادِقُ النَّارِ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ رُوِيَ بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ أَوْ كَسْرِهَا عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ وَهَذَا أَظْهَرُ وَفِي النِّهَايَةِ السُّرَادِقُ كُلُّ مَا أَحَاطَ بِشَيْءٍ مِنْ حَائِطٍ أَوْ مِضْرَبٍ أَوْ خِبَاءٍ انْتَهَى وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سرادقها (أَرْبَعَةُ جُدُرٍ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ جِدَارٍ (كِثَفُ كُلِّ جِدَارٍ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيِ الْغِلَظُ وَالْمَعْنَى كَثَافَةُ كُلِّ جِدَارٍ وَغِلَظُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قَوْلُهُ (لَوْ أَنَّ دَلْوًا مِنْ غَسَّاقٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْغَسَّاقُ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ مَا يَسِيلُ مِنْ صَدِيدِ أَهْلِ النَّارِ وَغُسَالَتِهِمْ وَقِيلَ مَا يَسِيلُ مِنْ دُمُوعِهِمْ وَقِيلَ هُوَ الزَّمْهَرِيرُ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ الْغَسَّاقُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ فِي قَوْلِهِ تعالى

هذا فليذوقوه حميم وغساق وَقَوْلُهُ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا إلا حميما وغساقا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ هُوَ مَا يَسِيلُ مِنْ بَيْنِ جِلْدِ الْكَافِرِ وَلَحْمِهِ قَالَهُ بن عَبَّاسٍ وَقِيلَ هُوَ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ قَالَهُ إِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَعَطِيَّةُ وَعِكْرِمَةُ وَقَالَ كَعْبٌ هُوَ عَيْنٌ فِي جَهَنَّمَ تَسِيلُ إِلَيْهِمَا حُمَّةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَّةٍ مِنْ حَيَّةٍ أَوْ عَقْرَبٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَيُسْتَنْقَعُ فَيُؤْتَى بِالْآدَمِيِّ فَيُغْمَسُ فِيهَا غَمْسَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَخْرُجُ وَقَدْ سَقَطَ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ عَنِ الْعِظَامِ وَيَتَعَلَّقُ جِلْدُهُ وَلَحْمُهُ فِي عَقِبَيْهِ وَكَعْبَيْهِ فَيَجُرُّ لَحْمَهُ كَمَا يَجُرُّ الرَّجُلُ ثَوْبَهُ وقاله عبد الله بن عمرو الغساق القمح الْغَلِيظُ لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنْهُ تُهْرَاقُ فِي الْمَغْرِبِ لَأَنْتَنَتْ أَهْلَ الْمَشْرِقِ وَلَوْ تُهْرَاقُ فِي الْمَشْرِقِ لَأَنْتَنَتْ أَهْلَ الْمَغْرِبِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ انتهى (يهراق) بفتح الهاء ويسكن أي يصيب (فِي الدُّنْيَا) أَيْ فِي أَرْضِهَا (لَأَنْتَنَ أَهْلُ الدُّنْيَا) أَيْ صَارُوا ذَوِي نَتْنٍ مِنْهُ فَأَهْلُ مَرْفُوعٌ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رواه الحاكم وغيره من طريق بن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بِهِ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ انْتَهَى [2585] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَذِهِ الاية اتقوا الله) أَوَّلُهَا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تقاته قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ وَاجِبَ تَقْوَاهُ وَمَا يَحِقُّ مِنْهَا وَهُوَ الْقِيَامُ بِالْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمَحَارِمِ أَيْ بَالِغُوا فِي التَّقْوَى حَتَّى لَا تَتْرُكُوا مِنَ الْمُسْتَطَاعِ مِنْهَا شَيْئًا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فاتقوا الله ما استطعتم وقوله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون تَأْكِيدٌ لِهَذَا الْمَعْنَى أَيْ لَا تَكُونُنَّ عَلَى حَالٍ سِوَى حَالِ الْإِسْلَامِ إِذَا أَدْرَكَكُمُ الْمَوْتُ فَمَنْ وَاظَبَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَدَاوَمَ عَلَيْهَا مَاتَ مُسْلِمًا وَسَلِمَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْآفَاتِ وَفِي الْأُخْرَى مِنَ الْعُقُوبَاتِ وَمَنْ تَقَاعَدَ عَنْهَا وَتَقَاعَسَ وَقَعَ فِي الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ وَمِنْ ثم اتبعه صلى الله عليه وسلم قوله (لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ) كَتَنُّورٍ مِنَ الزَّقْمِ اللَّقْمِ الشَّدِيدِ وَالشُّرْبِ الْمُفْرِطِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الزَّقُّومُ شَجَرَةٌ خَبِيثَةٌ مُرَّةٌ كَرِيهَةُ الطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ يُكْرَهُ أَهْلُ النَّارِ عَلَى تَنَاوُلِهِ انْتَهَى (قَطَرَتْ) بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنْ بَابِ

باب ما جاء في صفة طعام أهل النار

نَصَرَ قَالَ فِي الصُّرَاحِ قطر جكيدن اب وجزان وجكانيدن لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ قَطَرَ الْمَاءُ وَالدَّمْعُ قَطْرًا وَقُطُورًا وَقَطِرَانًا مُحَرَّكَةً وَقَطَّرَهُ اللَّهُ وَأَقْطَرَهُ وَقَطَّرَهُ (لَأَفْسَدَتْ) أَيْ لِمَرَارَتِهَا وَعُفُونَتِهَا وَحَرَارَتِهَا (مَعَايِشَهُمْ) بِالْيَاءِ وَقَدْ يُهْمَزُ جَمْعُ مَعِيشَةٍ (فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ) أَيِ الزَّقُّومُ (طَعَامَهُ) بِالنَّصْبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ الترمذي والنسائي وبن ماجة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فَكَيْفَ بِمَنْ لَيْسَ لَهُ طَعَامٌ غَيْرُهُ وَالْحَاكِمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِيهِ فَقَالَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ قَطْرَةً مِنَ الزَّقُّومِ قَطَرَتْ فِي بِحَارِ الْأَرْضِ لَأَفْسَدَتْ أَوْ قَالَ لَأَمَرَّتْ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مَعَايِشَهُمْ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُونُ طَعَامُهُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى بن عَبَّاسٍ انْتَهَى وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ) [2586] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ يُوسُفَ) الْيَرْبُوعِيُّ أَبُو عَمْرٍو الْكُوفِيُّ الْحَافِظُ رَوَى عَنْ قُطْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَثَّقَهُ مُطَيَّنٌ والدارقطني وبن حِبَّانَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (عَنْ شِمْرِ) بِكَسْرِ أوله وسكون الميم (بن عَطِيَّةَ) الْأَسَدِيِّ الْكَاهِلِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (يُلْقَى) أَيْ (يُسَلَّطُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ الْجُوعُ) أَيِ الشَّدِيدُ (فَيَعْدِلُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الدَّالِ أَيْ فَيُسَاوِي الْجُوعُ (مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْعَذَابِ) الْمَعْنَى أَنَّ أَلَمَ جُوعِهِمْ مِثْلُ أَلَمِ سَائِرِ عَذَابِهِمْ (فَيَسْتَغِيثُونَ) أَيْ بِالطَّعَامِ (فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ مِنْ ضَرِيعٍ) كَأَمِيرٍ وَهُوَ نَبْتٌ بِالْحِجَازِ لَهُ شَوْكٌ لَا تَقْرَبُهُ

دَابَّةٌ لِخُبْثِهِ وَلَوْ أَكَلَتْ مِنْهُ مَاتَتْ وَالْمُرَادُ هُنَا شَوْكٌ مِنْ نَارٍ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ وَأَنْتَنُ مِنَ الْجِيفَةِ وَأَحَرُّ مِنَ النَّارِ (لَا يسمن) أَيْ لَا يُشْبِعُ الْجَائِعَ وَلَا يَنْفَعُهُ وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ كَثِيرًا (وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) أَيْ وَلَا يَدْفَعُ وَلَوْ بِالتَّسْكِينِ شَيْئًا مِنْ أَلَمِ الْجُوعِ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى ليس لهم طعام إلا من ضريع إِلَى آخِرِهِ (فَيَسْتَغِيثُونَ بِالطَّعَامِ) أَيْ ثَانِيًا لِعَدَمِ نَفْعِ مَا أُغِيثُوا أَوَّلًا (فَيُغَاثُونَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ) أَيْ مِمَّا يَنْشَبُ فِي الْحَلْقِ وَلَا يَسُوغُ فِيهِ مِنْ عَظْمٍ وَغَيْرِهِ لَا يَرْتَقِي وَلَا يَنْزِلُ وَفِيهِ إِشْعَارٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وعذابا أليما وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ بِطَعَامٍ ذِي غُصَّةٍ فَيَتَنَاوَلُونَهُ فَيَغَصُّونَ بِهِ (فَيَذْكُرُونَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ) مِنَ الإجازة بالزأي أن يسيغون (الْغُصَصَ) جَمْعُ الْغُصَّةِ بِالضَّمِّ وَهِيَ مَا اعْتَرَضَ فِي الْحَلْقِ مِنْ عَظْمٍ وَغَيْرِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُعَالِجُونَهَا (فِي الدُّنْيَا بِالشَّرَابِ فَيَسْتَغِيثُونَ) أَيْ عَلَى مُقْتَضَى طِبَاعِهِمْ (بِالشَّرَابِ) أَيْ لِدَفْعِ مَا حصل لهم من العذاب (فيدفع إِلَيْهِمُ الْحَمِيمُ) بِالرَّفْعِ أَيْ يُدْفَعُ أَطْرَافُ إِنَاءٍ فِيهِ الْحَمِيمُ وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ الشَّدِيدُ (بِكَلَالِيبِ الْحَدِيدِ) جَمْعُ كَلُّوبٍ بِفَتْحِ كَافٍ وَشَدَّةِ لَامٍ مَضْمُومَةٍ حَدِيدَةٌ لَهُ شُعَبٌ يُعَلَّقُ بِهَا اللَّحْمُ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْكَلَالِيبُ جَمْعُ كَلُّوبٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ حَدِيدَةٌ مَعْطُوفَةُ الرَّأْسِ يُعَلَّقُ عَلَيْهَا اللَّحْمُ وَيُرْسَلُ فِي التَّنُّورِ انْتَهَى (فَإِذَا دَنَتْ) أَيْ قَرُبَتْ أَوَانِي الْحَمِيمِ (شَوَتْ وُجُوهَهُمْ) أَيْ أَحْرَقَتْهَا (فَإِذَا دَخَلَتْ) أَيْ أَنْوَاعُ مَا فِيهَا مِنَ الصَّدِيدِ وَالْغَسَّاقِ وَغَيْرِهِمَا (قَطَّعَتْ مَا فِي بُطُونِهِمْ) مِنَ الْأَمْعَاءِ قِطْعَةً قِطْعَةً (فَيَقُولُونَ ادْعُوا خَزَنَةَ جَهَنَّمَ) نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ ادْعُوا وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ أَيْ يَقُولُ الْكُفَّارُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ادْعُوا خَزَنَةَ جَهَنَّمَ فَيَدْعُونَهُمْ وَيَقُولُونَ لَهُمْ ادْعُوا رَبَّكُمْ يخفف عنا يوما من العذاب (فَيَقُولُونَ) أَيِ الْخَزَنَةُ أَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بالبينات قالوا أَيِ الْكُفَّارُ بَلَى قَالُوا أَيِ الْخَزَنَةُ تَهَكُّمًا بِهِمْ (فَادْعُوا) أَيْ أَنْتُمْ مَا شِئْتُمْ فَإِنَّا لَا نَشْفَعُ لِلْكَافِرِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا في ضلال أَيْ فِي ضَيَاعٍ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَعُهُمْ حِينَئِذٍ دُعَاءٌ لَا مِنْهُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ قَالَ الطِّيبِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّ خَزَنَةَ جَهَنَّمَ لَيْسَ بِمَفْعُولٍ (ادْعُوا) بَلْ هُوَ مُنَادًى لِيُطَابِقَ قَوْلَهُ تَعَالَى وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب وقوله ألم تك تأتيكم إِلْزَامٌ لِلْحُجَّةِ وَتَوْبِيخٌ وَأَنَّهُمْ خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ أَوْقَاتَ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَعَطَّلُوا الْأَسْبَابَ الَّتِي يَسْتَجِيبُ لَهَا الدعوات قالوا فادعوا أنتم فإنا لا نجترىء عَلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ فَادْعُوا لِرَجَاءِ الْمَنْفَعَةِ وَلَكِنْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْبَةِ فَإِنَّ الْمَلَكَ الْمُقَرَّبَ إِذَا لَمْ يُسْمَعْ دُعَاؤُهُ فَكَيْفَ يُسْمَعُ دُعَاءُ الْكَافِرِينَ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَقُولُونَ) أَيِ الْكُفَّارُ (ادْعُوا مَالِكًا) وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا أَيِسُوا مِنْ دُعَاءِ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ لِأَجْلِهِمْ وَشَفَاعَتِهِمْ لَهُمْ أَيْقَنُوا أَنْ لاخلاص لَهُمْ وَلَا مَنَاصَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ (فَيَقُولُونَ يا مالك ليقض) أي

وَأَنَّهُمْ خَلَّفُوا وَرَاءَهُمْ أَوْقَاتَ الدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ وَعَطَّلُوا الأسباب التي يستجيب سَلْ رَبَّكَ دَاعِيًا لِيَحْكُمَ بِالْمَوْتِ (عَلَيْنَا رَبُّكَ) لِنَسْتَرِيحَ أَوْ مِنْ قَضَى عَلَيْهِ إِذَا أَمَاتَهُ فَالْمَعْنَى لِيُمِتْنَا رَبُّكَ فَنَسْتَرِيحَ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيُجِيبُهُمْ) أَيْ مَالِكٌ جَوَابًا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ عِنْدِ ربه تعالى بقوله (إنكم ماكثون) أَيْ مُكْثًا مُخَلَّدًا (قَالَ الْأَعْمَشُ نُبِّئْتُ) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ أُخْبِرْتُ (أَنَّ بَيْنَ دُعَائِهِمْ وَبَيْنَ إِجَابَةِ مَالِكٍ إِيَّاهُمْ) أَيْ بِهَذَا الْجَوَابِ (قَالَ فَيَقُولُونَ) أَيْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ (فَلَا أَحَدَ) أَيْ فَلَيْسَ أَحَدٌ (خَيْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أَيْ فِي الرَّحْمَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْمَغْفِرَةِ غَلَبَتْ عَلَيْنَا شقوتنا بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ وَفِي قِرَاءَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَأَلِفٍ بَعْدَهُمَا وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى ضِدُّ السَّعَادَةِ وَالْمَعْنَى سَبَقَتْ عَلَيْنَا هَلَكَتُنَا الْمُقَدَّرَةُ بِسُوءِ خَاتِمَتِنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضالين عَنْ طَرِيقِ التَّوْحِيدِ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عدنا فإنا ظالمون وَهَذَا كَذِبٌ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ وَلَوْ ردوا لعادوا لما نهوا عنه إنهم لكاذبون (قَالَ فَيُجِيبُهُمْ) أَيِ اللَّهُ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا إجابة إعراض (اخسؤوا فيها) أَيْ ذِلُّوا وَانْزَجِرُوا كَمَا يَنْزَجِرُ الْكِلَابُ إِذَا زُجِرَتْ وَالْمَعْنَى ابْعُدُوا أَذِلَّاءَ فِي النَّارِ وَلَا تكلمون أَيْ لَا تَكَلَّمُونِي فِي رَفْعِ الْعَذَابِ فَإِنَّهُ لَا يُرْفَعُ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْكُمْ (قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَئِسُوا) أَيْ قَنِطُوا (مِنْ كُلِّ خَيْرٍ) أَيْ مِمَّا يُنَجِّيهِمْ مِنَ الْعَذَابِ أَوْ يُخَفِّفُهُ عَنْهُمْ (وَعِنْدَ ذَلِكَ) أَيْ أَيْضًا (يَأْخُذُونَ فِي الزَّفِيرِ) قِيلَ الزَّفِيرُ أَوَّلُ صَوْتِ الْحِمَارِ كَمَا أَنَّ الشَّهِيقَ آخِرُ صَوْتِهِ قَالَ تَعَالَى لَهُمْ فيها زفير وشهيق وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ الشَّهِيقُ فِي الصَّدْرِ والزفير في الحلق وقال بن فَارِسٍ الشَّهِيقُ ضِدُّ الزَّفِيرِ لِأَنَّ الشَّهِيقَ رَدُّ النَّفْسِ وَالزَّفِيرَ إِخْرَاجُ النَّفْسِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طلحة عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ

لهم فيها زفير وشهيق قَالَ صَوْتٌ شَدِيدٌ وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ انْتَهَى (وَالْحَسْرَةِ أَيْ وَفِي النَّدَامَةِ (وَالْوَيْلِ) أَيْ فِي شِدَّةِ الْهَلَاكِ وَالْعُقُوبَةِ وَقِيلَ هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ قَوْلُهُ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ (وَالنَّاسُ لَا يَرْفَعُونَ هَذَا الْحَدِيثَ) بَلْ يَرْوُونَهُ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا لَكِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ فَإِنَّ أَمْثَالَ ذَلِكَ لَيْسَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ [2587] قَوْلُهُ (قَالَ) أَيْ في قوله تعالى وهم فيها أي الكفار في النار كالحون أَيْ عَابِسُونَ حِينَ تَحْتَرِقُ وُجُوهُهُمْ مِنَ النَّارِ كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَقِيلَ أَيْ بَادِيَةٌ أَسْنَانُهُمْ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِتَفْسِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا بَيَّنَهُ الرَّاوِي بِقَوْلِهِ (قَالَ) وَأَعَادَهُ لِلتَّأْكِيدِ (تَشْوِيهِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ تُحْرِقُ الْكَافِرَ (فَتَقَلَّصُ) عَلَى صِيغَةِ الْمُضَارِعِ بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ تَنْقَبِضُ (شَفَتُهُ الْعُلْيَا) بِفَتْحِ الشِّينِ وَتُكْسَرُ (حَتَّى تَبْلُغَ) أَيْ تَصِلَ شَفَتُهُ (وَسْطَ رَأْسِهِ) بِسُكُونِ السِّينِ وَتُفْتَحُ (وَتَسْتَرْخِي) أَيْ تَسْتَرْسِلُ (شَفَتُهُ السُّفْلَى) تَأْنِيثُ الْأَسْفَلِ كَالْعُلْيَا تَأْنِيثُ الْأَعْلَى (حَتَّى تَضْرِبَ سُرَّتَهُ) أَيْ تَقْرُبَ شَفَتُهُ سُرَّتَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (وَأَبُو الْهَيْثَمِ اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدٍ) وَيُقَالُ عُبَيْدٍ بِالتَّصْغِيرِ (الْعُتْوَارِيُّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَبِالرَّاءِ نِسْبَةً إِلَى عُتْوَرَةَ بَطْنٍ مِنْ كِنَانَةَ (وَكَانَ يتيما في حجر أبي سعيد) وروى عَنْهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي نَضْرَةَ وَرَوَى عَنْهُ دَرَّاجٌ أَبُو السَّمْحِ وَغَيْرُهُ ثِقَةٌ مِنَ الرابعة

6 - [2588] قَوْلُهُ (عَنْ عِيسَى بْنِ هِلَالٍ الصَّدَفِيِّ) الْمِصْرِيِّ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (لَوْ أَنَّ رَصَاصَةً) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالصَّادَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ قِطْعَةً مِنَ الرَّصَاصِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرَّصَاصُ كَسَحَابٍ مَعْرُوفٌ لا يكسر ضربان أسود وهو الأسرب وَأَبْيَضُ وَهُوَ الْقَلْعِيُّ وَقَالَ فِي بَحْرِ الْجَوَاهِرِ الرَّصَاصُ بِالْفَتْحِ وَالْعَامَّةُ تَقُولُ بِالْكَسْرِ الْقَلْعِيُّ كَذَا فِي الْقَانُونِ وَفِي كَنْزُ اللُّغَاتِ وَقَالَ صَاحِبُ الِاخْتِيَارَاتِ هُوَ الْقَلْعِيُّ فَارِسِيُّهُ أرزيز وَيُسْتَفَادُ مِنَ المغرب وفي النهاية والصراح والمقاييس وجامع بن بَيْطَارٍ أَنَّ الرَّصَاصَ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا أَبْيَضُ وَيُقَالُ لَهُ الْقَلْعِيُّ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى قَلْعٍ بِسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ مَعْدِنِيَّةٌ وَثَانِيهِمَا أَسْوَدُ وَيُقَالُ لَهُ الْأُسْرُبُّ انْتَهَى (مِثْلُ هَذِهِ) إِشَارَةٌ إِلَى مَحْسُوسَةٍ مُعَيَّنَةٍ هُنَاكَ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّاوِي بِقَوْلِهِ (وَأَشَارَ إِلَى مِثْلِ الْجُمْجُمَةِ) قَالَ القارىء بِضَمِّ الْجِيمَيْنِ فِي النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ لِلْمِشْكَاةِ وَهِيَ قَدَحٌ صَغِيرٌ وَقَالَ الْمُظَهَّرُ بِالْخَاءَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَهِيَ حَبَّةٌ صَغِيرَةٌ صَفْرَاءُ وَقِيلَ هِيَ بِالْجِيمَيْنِ وَهِيَ عَظِيمُ الرَّأْسِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الدِّمَاغِ وَقِيلَ الْأَوَّلُ أَصَحُّ انْتَهَى وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ لِبَيَانِ الْحَجْمِ وَالتَّدْوِيرِ الْمُعِينِ عَلَى سُرْعَةِ الْحَرَكَةِ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ بَيَّنَ مَدَى قَعْرِ جَهَنَّمَ بِأَبْلَغِ مَا يُمْكِنُ مِنَ الْبَيَانِ فَإِنَّ الرَّصَاصَ مِنَ الْجَوَاهِرِ الرَّزِينَةِ وَالْجَوْهَرُ كُلَّمَا كَانَ أَتَمَّ رَزَانَةً كَانَ أَسْرَعَ هُبُوطًا إِلَى مُسْتَقَرِّهِ لَا سِيَّمَا إِذَا انْضَمَّ إِلَى رَزَانَتِهِ كِبَرُ جِرْمِهِ ثُمَّ قَدَّرَهُ عَلَى الشَّكْلِ الدَّوْرِيِّ فَإِنَّهُ أَقْوَى انْحِدَارًا وَأَبْلَغُ مُرُورًا فِي الجو انتهى قال القارىء فالمختار عنده أن المراد بالجمجمة جمجة الرَّأْسِ عَلَى أَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ أَوْ بَدَلٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَهُوَ الْمَعْنَى الظَّاهِرُ الْمُتَبَادِرُ مِنَ الْجُمْجُمَةِ (أُرْسِلَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَهِيَ) أَيْ مَسَافَةُ مَا بَيْنَهُمَا (وَلَوْ أَنَّهَا) أَيِ الرَّصَاصَةَ (أُرْسِلَتْ مِنْ رَأْسِ السِّلْسِلَةِ) أَيِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذراعا فاسلكوه فَالْمُرَادُ مِنَ السَّبْعِينَ الْكَثْرَةُ أَوِ الْمُرَادُ بِذَرْعِهَا ذِرَاعُ الْجَبَّارِ (لَسَارَتْ) أَيْ لَنَزَلَتْ وَصَارَتْ مُدَّةَ مَا سَارَتْ (أَرْبَعِينَ خَرِيفًا أَيْ سَنَةً (اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) أَيْ مِنْهُمَا جَمِيعًا لَا يَخْتَصُّ سَيْرُهَا بِأَحَدِهِمَا (قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ) أَيِ الرَّصَاصَةُ (أَصْلَهَا) أَيْ أَصْلَ السِّلْسِلَةِ أَوْ (قَعْرَهَا) شَكٌّ مِنَ الراوي قال القارىء والمراد

باب ما جاء أن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا

بِقَعْرِهَا نِهَايَتُهَا وَهِيَ مَعْنَى أَصْلِهَا حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا فَالتَّرْدِيدُ إِنَّمَا هُوَ فِي اللَّفْظِ الْمَسْمُوعِ قَالَ وَأَبْعَدَ الطِّيبِيُّ حَيْثُ قَالَ يُرَادُ بِهِ قَعْرُ جَهَنَّمَ لِأَنَّ السِّلْسِلَةَ لَا قَعْرَ لَهَا قَالَ وَجَهَنَّمُ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَا ذِكْرَ لَهَا مَعَ لُزُومِ تَفْكِيكِ الضَّمِيرِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ قَعْرُهَا عَمِيقًا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ نَارَكُمْ هَذِهِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا) مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ [2589] قَوْلُهُ (نَارُكُمْ هَذِهِ الَّتِي يُوقِدُ بَنُو آدَمَ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا) قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ مِنْ مِائَةِ جُزْءٍ وَالْجَمْعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ الْمُبَالَغَةُ فِي الْكَثْرَةِ لَا الْعَدَدُ الْخَاصُّ أَوِ الْحُكْمُ لِلزَّائِدِ انْتَهَى (مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ (إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً) إِنْ هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَاللَّامُ هِيَ الْفَارِقَةُ أَيْ إِنَّ هَذِهِ النَّارَ الَّتِي نَرَاهَا فِي الدُّنْيَا كَانَتْ كَافِيَةً فِي الْعُقْبَى لِتَعْذِيبِ الْعُصَاةِ فَهَلَّا اكْتَفَى بِهَا وَلِأَيِّ شَيْءٍ زِيدَتْ فِي حَرِّهَا (قَالَ فَإِنَّهَا) أَيْ نَارُ جَهَنَّمَ (فُضِّلَتْ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ وَالْمَعْنَى عَلَى نِيرَانِ الدُّنْيَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فُضِّلَتْ عَلَيْهَا أَيْ عَلَى النَّارِ (كُلُّهُنَّ) أَيْ حَرَارَةُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْ تِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ (مِثْلُ حَرِّهَا) أَيْ مِثْلُ حَرَارَةِ نَارِكُمْ فِي الدُّنْيَا وَحَاصِلُ الْجَوَابِ مَنْعُ الْكِفَايَةِ أَيْ لَا بُدَّ مِنَ التَّفْضِيلِ لِحِكْمَةِ كَوْنِ عَذَابِ اللَّهِ أَشَدَّ مِنْ عَذَابِ النَّاسِ وَلِذَلِكَ أُوثِرَ ذِكْرُ النَّارِ عَلَى سَائِرِ أَصْنَافِ الْعَذَابِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْهَا قوله تعالى فما أصبرهم على النار وَقَوْلُهُ فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ وَإِنَّمَا أَظْهَرَ اللَّهُ هَذَا الْجُزْءَ مِنَ النَّارِ فِي الدُّنْيَا أُنْمُوذَجًا لِمَا فِي تِلْكَ الدَّارِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّمَا أَعَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِكَايَةَ تَفْضِيلِ نَارِ جَهَنَّمَ على نار

الدُّنْيَا إِشَارَةً إِلَى الْمَنْعِ مِنْ دَعْوَى الْإِجْزَاءِ أَيْ لَا بُدَّ مِنَ الزِّيَادَةِ لِيَتَمَيَّزَ مَا يَصْدُرُ مِنَ الْخَالِقِ مِنَ الْعَذَابِ عَلَى مَا يَصْدُرُ مِنْ خَلْقِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَلَيْسَ عِنْدَ مَالِكٍ كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا وَرَوَاهُ أحمد وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فَزَادُوا فِيهِ وَضُرِبَتْ بِالْبَحْرِ مَرَّتَيْنِ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْفَعَةً لِأَحَدٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يَحْسَبُونَ أَنَّ نَارَ جَهَنَّمَ مِثْلُ نَارِكُمْ هَذِهِ هِيَ أَشَدُّ سَوَادًا مِنَ الْقَارِ هِيَ جُزْءٌ مِنْ بِضْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا مِنْهَا أَوْ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ شَكَّ أَبُو سُهَيْلٍ انْتَهَى [2590] قَوْلُهُ (عَنْ عطية) هو بن سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ الْجَدَلِيُّ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ (نَارُكُمْ هَذِهِ) الَّتِي تُوقِدُونَهَا فِي الدُّنْيَا (جُزْءٌ) وَاحِدٌ (لِكُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا حَرُّهَا) أَيْ حَرَارَةُ كُلِّ جُزْءٍ مِنَ السَّبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ مِثْلُ حرارة ناركم

باب ما جاء أن للنار نفسين

[ص [2591] قوله (أخبرنا شريك) هو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي شَرِيكٍ النَّخَعِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي (عَنْ عَاصِمٍ) هُوَ بن بَهْدَلَةَ الْكُوفِيُّ أَبُو بَكْرٍ الْمُقْرِئُ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) هُوَ ذَكْوَانُ السَّمَّانُ الزَّيَّاتُ قَوْلُهُ (أُوقِدَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى النَّارِ) أَيْ نَارِ جَهَنَّمَ قَالَ الطِّيبِيُّ عَلَى هَذَا قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ أَيْ يُوقَدُ الْوَقُودُ فَوْقَ النَّارِ أَيِ النَّارُ ذَاتُ طَبَقَاتٍ تُوقَدُ طَبَقَةٌ فَوْقَ أُخْرَى وَمُسْتَعْلِيَةٌ عَلَيْهَا (حَتَّى احْمَرَّتْ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمُبَالَغَةُ فِي الِاحْمِرَارِ (فَهِيَ) الْآنَ (سَوْدَاءُ مُظْلِمَةٌ) وَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ فَهِيَ سَوْدَاءُ كَاللَّيْلِ الْمُظْلِمِ وَالْقَصْدُ الْإِعْلَامُ بِفَظَاعَتِهَا وَالتَّحْذِيرُ مِنْ فِعْلِ مَا يُؤَدِّي إِلَى الْوُقُوعِ فِيهَا قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَوْ رَجُلٍ آخَرَ) أَوْ لِلشَّكِّ (وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا مَوْقُوفٌ أَصَحُّ) كَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ مَوْقُوفٌ بِالرَّفْعِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ مَوْقُوفًا بِالنَّصْبِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رواه الترمذي وبن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ يَعْنِي فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ قَالَ وَرَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مُخْتَصَرًا مَرْفُوعًا قَالَ أَتَرَوْنَهَا حَمْرَاءَ كَنَارِكُمْ هَذِهِ لَهِيَ أَشَدُّ سَوَادًا مِنَ الْقَارِ وَالْقَارُ الزِّفْتُ زَادَ رَزِينٌ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ أَصَابُوا نَارَكُمْ هَذِهِ لَنَامُوا فِيهَا أَوْ قَالَ لَقَالُوا فِيهَا انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ لِلنَّارِ نَفَسَيْنِ) وما ذكر من يخرج من النار الخ [2592] قوله (أخبرناالمفضل بْنُ صَالِحٍ) الْأَسَدِيُّ النَّخَّاسُ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ الثامنة

قَوْلُهُ (اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا وَقَالَتْ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذِهِ الشَّكْوَى هَلْ هِيَ بِلِسَانِ الْقَالِ أَوْ بِلِسَانِ الْحَالِ وَاخْتَارَ كُلًّا طَائِفَةٌ وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ لِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ وَنَظَائِرُ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَقَالَ عِيَاضٌ إِنَّهُ الْأَظْهَرُ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا إِحَالَةَ فِي حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ قَالَ وَإِذَا أَخْبَرَ الصَّادِقُ بِأَمْرٍ جَائِزٍ لَمْ يُحْتَجْ إِلَى تَأْوِيلِهِ فَحَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ أَوْلَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ حَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ هُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ نَحْوَ ذَلِكَ التُّورْبَشْتِيُّ وَرَجَّحَ الْبَيْضَاوِيُّ حَمْلَهُ عَلَى الْمَجَازِ فَقَالَ شَكَوَاهَا مَجَازٌ عَنْ غَلَيَانِهَا وَأَكْلُهَا بَعْضِهَا بَعْضًا مَجَازٌ عَنِ ازْدِحَامِ أَجْزَائِهَا وَتَنَفُّسُهَا مَجَازٌ عَنْ خُرُوجِ مَا يَبْرُزُ مِنْهَا وَقَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنِيرِ الْمُخْتَارُ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ لِصَلَاحِيَةِ الْقُدْرَةِ لِذَلِكَ وَلِأَنَّ اسْتِعَارَةَ الْكَلَامِ لِلْحَالِ وَإِنْ عُهِدَتْ وَسُمِعَتْ لَكِنَّ الشَّكْوَى وَتَفْسِيرَهَا وَالتَّعْلِيلَ لَهُ وَالْإِذْنَ وَالْقَبُولَ وَالتَّنَفُّسَ وَقَصْرَهُ عَلَى اثْنَيْنِ فَقَطْ بَعِيدٌ مِنَ الْمَجَازِ خَارِجٌ عَمَّا أُلِفَ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ (فَجَعَلَ لَهَا نَفَسَيْنِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالنَّفَسُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْجَوْفِ وَيَدْخُلُ فِيهِ مِنَ الْهَوَاءِ (فَأَمَّا نَفَسُهَا فِي الشِّتَاءِ فَزَمْهَرِيرٌ) قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِالزَّمْهَرِيرِ شِدَّةُ الْبُرْدِ وَاسْتُشْكِلَ وُجُودُهُ فِي النَّارِ وَلَا إِشْكَالَ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّارِ مَحَلُّهَا وَفِيهَا طَبَقَةٌ زَمْهَرِيرِيَّةٌ وَفِي الْحَدِيثِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ النَّارَ لَا تُخْلَقُ إِلَّا يَوْمَ الْقِيَامَةِ انْتَهَى (أَمَّا نَفَسُهَا فِي الصَّيْفِ فَسَمُومٌ) بِفَتْحِ السِّينِ الرِّيحُ الْحَارَّةُ تَكُونُ غَالِبًا بِالنَّهَارِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2593] قَوْلُهُ (قَالَ هِشَامٌ) أَيْ فِي حَدِيثِهِ (يَخْرُجُ) قَالَ الْحَافِظُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَيُرْوَى بِالْعَكْسِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَخْرِجُوا (وَقَالَ شُعْبَةُ) أَيْ فِي حَدِيثِهِ (أَخْرِجُوا) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ الْإِخْرَاجِ (مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اشْتِرَاطِ النُّطْقِ

بِالتَّوْحِيدِ أَوِ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ هُنَا الْقَوْلُ النَّفْسِيُّ فَالْمَعْنَى مَنْ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ وَصَدَّقَ فَالْإِقْرَارُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَلِهَذَا أَعَادَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَالتَّفَاوُتُ يَحْصُلُ فِي التَّصْدِيقِ فَإِنْ قِيلَ فَكَيْفَ لَمْ يَذْكُرِ الرِّسَالَةَ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَجْمُوعُ وَصَارَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ عَلَمًا عَلَيْهِ كَمَا تَقُولُ قرأت قل هو الله أحد أَيِ السُّورَةَ كُلَّهَا انْتَهَى (وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ) أَيْ مِنَ الْإِيمَانِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (مَا يَزِنُ) أَيْ يَعْدِلُ (بُرَّةً) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَهِيَ الْقَمْحَةُ قَالَ الْحَافِظُ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّ وَزْنَ الْبُرَّةِ دُونَ وَزْنِ الشَّعِيرَةِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ الشَّعِيرَةَ وَتَلَاهَا بِالْبُرَّةِ ثُمَّ الذَّرَّةِ وَكَذَلِكَ هُوَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ فَإِنْ قِيلَ إِنَّ السِّيَاقَ يَعْنِي سِيَاقَ الْبُخَارِيِّ بِالْوَاوِ وَهِيَ لَا تُرَتِّبُ فَالْجَوَابُ أَنَّ رِوَايَةَ مُسْلِمٍ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ ثُمَّ وَهِيَ لِلتَّرْتِيبِ انْتَهَى (وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً) بفتح المعجمة وتشديد الراء المفتوحة قال الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قِيلَ هِيَ أَقَلُّ الْأَشْيَاءِ الْمَوْزُونَةِ وَقِيلَ هِيَ الْهَبَاءُ الَّذِي يَظْهَرُ فِي شعاع الشمس مثل رؤوس الْإِبَرِ وَقِيلَ هِيَ النَّمْلَةُ الصَّغِيرَةُ وَيُرْوَى عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِذَا وَضَعْتَ كَفَّكَ فِي التُّرَابِ فَنَفَضْتُهَا فَالسَّاقِطُ هُوَ الذَّرُّ وَيُقَالُ إِنَّ أَرْبَعَ ذَرَّاتٍ وَزْنُ خَرْدَلَةٍ وَلِلْمُصَنِّفِ فِي أَوَاخِرِ التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ خَرْدَلَةٌ ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى شَيْءٍ وَهَذَا مَعْنَى الذَّرَّةِ انْتَهَى (وَقَالَ شُعْبَةُ) أَيْ فِي حَدِيثِهِ (مَا يَزِنُ ذُرَةً مُخَفَّفَةً) أَيْ بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ قَالَ الْحَافِظُ صَحَّفَهَا يَعْنِي الذَّرَّةَ شُعْبَةُ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ ذُرَيْعٍ عَنْهُ فَقَالَ ذُرَةً بِالضَّمِّ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَكَانَ الْحَامِلُ لَهُ عَلَى ذَلِكَ كَوْنَهَا مِنَ الْحُبُوبِ فَنَاسَبَتِ الشَّعِيرَةَ وَالْبُرَّةَ قَالَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ يَزِيدُ صَحَّفَ فِيهَا أَبُو بِسْطَامٍ يَعْنِي شُعْبَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حصين فأخرجه البخاري وأبو داود وبن مَاجَهْ عَنْهُ مَرْفُوعًا يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَتِهِ فَيَدْخُلُونَ وَيُسَمَّوْنَ الْجُهَنَّمِيِّينَ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2594] قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسِ) بْنِ مَالِكٍ أَبِي مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ

قَوْلُهُ (أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ ذَكَرَنِي) أَيْ بِشَرْطِ كَوْنِهِ مُؤْمِنًا مُخْلِصًا (يَوْمًا) أَيْ وَقْتًا وَزَمَانًا (وَخَافَنِي فِي مَقَامٍ) أَيْ مَكَانٍ فِي ارْتِكَابِ مَعْصِيَةٍ مِنَ الْمَعَاصِي كَمَا قَالَ تَعَالَى وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عن الهوى فإن الجنة هي المأوى قَالَ الطِّيبِيُّ أَرَادَ الذِّكْرَ بِالْإِخْلَاصِ وَهُوَ تَوْحِيدُ اللَّهِ عَنْ إِخْلَاصِ الْقَلْبِ وَصِدْقِ النِّيَّةِ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْكُفَّارِ يَذْكُرُونَهُ بِاللِّسَانِ دُونَ الْقَلْبِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَالْمُرَادُ بِالْخَوْفِ كَفُّ الْجَوَارِحِ عَنِ الْمَعَاصِي وَتَقَيُّدُهَا بِالطَّاعَاتِ وَإِلَّا فَهُوَ حَدِيثُ نَفْسٍ حَرَكَةٌ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمَّى خَوْفًا وَذَلِكَ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ سَبَبٍ هَائِلٍ وَإِذَا غَابَ ذلك السبب عن الحسن رَجَعَ الْقَلْبُ إِلَى الْفَضْلَةِ قَالَ الْفُضَيْلُ إِذَا قِيلَ لَكَ هَلْ تَخَافُ اللَّهَ فَاسْكُتْ فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ لَا كَفَرْتَ وَإِذَا قُلْتَ نَعَمْ كَذَبْتَ أَشَارَ بِهِ إِلَى الْخَوْفِ الَّذِي هُوَ كَفُّ الْجَوَارِحِ عَنِ الْمَعَاصِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ البعث والنشور [2595] 10 قَوْلُهُ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ النَّخَعِيُّ (عَنْ عَبِيدَةَ) بفتح أوله بن عَمْرٍو (السَّلْمَانِيِّ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا الْمُرَادِيِّ أَبِي عَمْرٍو الْكُوفِيِّ تَابِعِيٌّ كَبِيرٌ مُخَضْرَمٌ ثِقَةٌ ثَبْتٌ كَانَ شُرَيْحٌ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ شَيْئًا سَأَلَهُ قَوْلُهُ (إِنِّي لَأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا) زَادَ الْبُخَارِيُّ وَكَذَا مُسْلِمٌ وَآخِرَ أَهْلِ الجنة دخولا قال القارىء الظَّاهِرُ أَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِلتَّوْضِيحِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا مِمَّا عَسَى أَنْ يُتَوَهَّمَ مِنْ حَبْسِ أَحَدٍ فِي الْمَوْقِفِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حِينَئِذٍ (رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْهَا) أَيْ مِنَ النَّارِ (زَحْفًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ حَبْوًا قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَبْوُ الْمَشْيُ عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَرُبَّمَا قَالُوا عَلَى الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَرُبَّمَا قَالُوا عَلَى يَدَيْهِ وَمَقْعَدَتِهِ وَأَمَّا

الزحف فقال بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ هُوَ الْمَشْيُ عَلَى الِاسْتِ مَعَ إِشْرَافِهِ بِصَدْرِهِ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْحَبْوَ وَالزَّحْفَ مُتَمَاثِلَانِ أَوْ مُتَقَارِبَانِ وَلَوْ ثَبَتَ اخْتِلَافُهُمَا حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ فِي حَالٍ يَزْحَفُ وَفِي حَالٍ يَحْبُو انْتَهَى (قَالَ فَيَذْهَبُ لِيَدْخُلَ فَيَجِدُ النَّاسَ قَدْ أَخَذُوا الْمَنَازِلَ فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ قَدْ أَخَذَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ) يَعْنِي وَلَيْسَ لِي مَكَانٌ فِيهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ قَالَ فيأيتها فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى (فَيُقَالُ لَهُ أَتَذْكُرُ الزَّمَانَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ) أَيِ الدُّنْيَا كَذَا قَالَ الْحَافِظُ (فَيُقَالُ لَهُ تَمَنَّ) أَمْرُ مُخَاطَبٍ مِنَ التَّمَنِّي وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَمَنَّهْ بِزِيَادَةِ هَاءِ السَّكْتَةِ (فَيُقَالُ لَهُ فَإِنَّ لَكَ الَّذِي تَمَنَّيْتَ وَعَشَرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا) وَفِي رِوَايَةٍ عَشَرَةُ أَمْثَالِ الدُّنْيَا قَالَ النَّوَوِيُّ هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَإِحْدَاهُمَا تَفْسِيرُ الْأُخْرَى فَالْمُرَادُ بِالْأَضْعَافِ الْأَمْثَالُ فَإِنَّ الْمُخْتَارَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الضِّعْفَ الْمِثْلُ انْتَهَى (فَيَقُولُ أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَعْنَى أَتُسْخَرُ بِي أَقْوَالٌ أَحَدُهَا قَالَهُ الْمَازَرِيُّ إِنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْمُقَابَلَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ دُونَ لَفْظِهِ لِأَنَّهُ عَاهَدَ اللَّهَ مِرَارًا أَنْ لَا يَسْأَلَهُ غَيْرَ مَا سَأَلَ ثُمَّ غَدَرَ فَحَلَّ غَدْرُهُ مَحَلَّ الِاسْتِهْزَاءِ وَالسُّخْرِيَةِ فَقَدَّرَ الرَّجُلُ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ ادْخُلِ الْجَنَّةَ وَتَرَدُّدَهُ إِلَيْهَا وَتَخْيِيلَ كَوْنِهَا مَمْلُوءَةً ضَرْبٌ مِنَ الْإِطْمَاعِ لَهُ وَالسُّخْرِيَةِ بِهِ جَزَاءً لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ غَدْرِهِ وَعُقُوبَةً لَهُ فَسَمَّى الْجَزَاءَ عَلَى السُّخْرِيَةِ سُخْرِيَةً فَقَالَ تَسْخَرُ بِي أَيْ تُعَاقِبُنِي بِالْإِطْمَاعِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ نَفْيُ السُّخْرِيَةِ الَّتِي لَا تَجُوزُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى كَأَنَّهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّكَ لَا تَهْزَأُ بِي لِأَنَّكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَمَا أَعْطَيْتَنِي مِنْ جَزِيلِ الْعَطَاءِ وَأَضْعَافِ مِثْلِ الدُّنْيَا حَقٌّ وَلَكِنَّ الْعَجَبَ أَنَّكَ أَعْطَيْتَنِي هَذَا وَأَنَا غَيْرُ أَهْلٍ لَهُ قَالَ وَالْهَمْزَةُ فِي أَتَسْخَرُ بِي هَمْزَةُ نَفْيٍ قَالَ وَهَذَا كَلَامٌ مُنْبَسِطٌ مُتَدَلِّلٌ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنْ يَكُونَ صَدَرَ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ وَهُوَ غَيْرُ ضَابِطٍ لِمَا نَالَهُ مِنَ السُّرُورِ بِبُلُوغِ مَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ فَلَمْ يَضْبِطْ لِسَانَهُ دَهَشًا وَفَرَحًا فَقَالَهُ وَهُوَ لَا يَعْتَقِدُ حَقِيقَةَ مَعْنَاهُ وَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي الدُّنْيَا فِي مُخَاطَبَةِ الْمَخْلُوقِ وَهَذَا كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ الْآخَرِ إِنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ نَفْسَهُ مِنَ الْفَرَحِ فقال أنت عبد وَأَنَا رَبُّكَ انْتَهَى (ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِالْجِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ اللغة

وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ الْمُرَادُ بِالنَّوَاجِذِ هُنَا الْأَنْيَابُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالنَّوَاجِذِ هُنَا الضَّوَاحِكُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا الْأَضْرَاسُ وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ فِي إِطْلَاقِ النَّوَاجِذِ فِي اللُّغَةِ وَلَكِنَّ الصَّوَابَ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ مَا قَدَّمْنَاهُ قَالَ وَفِي هَذَا جَوَازُ الضَّحِكِ أنه لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ وَلَا يُسْقِطُ للمروة إِذَا لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ الْحَدَّ الْمُعْتَادَ مِنْ أَمْثَالِهِ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2596] قَوْلُهُ (عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ) هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ قَوْلُهُ (وَآخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ) أَيْ فِيهَا (يُؤْتَى بِرَجُلٍ) وَزَادَ مُسْلِمٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (فَيَقُولُ سَلُوا عَنْ صِغَارِ ذُنُوبِهِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَيُقَالُ اعْرِضُوا عَلَيْهِ صِغَارَ ذنوبه (وأخبأوا كِبَارَهَا) ضُبِطَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ الْمَطْبُوعَةِ بِالْقَلَمِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَقَالَ فِي هَامِشِهَا أمر من الإخباء وهو والإخفاء انْتَهَى قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ الْخَبْءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ خَبَأَهُ كَمَنَعَهُ سَتَرَهُ كَخَبَّأَهُ وَاخْتَبَأَهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ خَبَّأْتُ الشيء أخبأه خبأ إِذَا أَخْفَيْتُهُ (يَوْمَ كَذَا وَكَذَا) أَيْ فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ (عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا) زَادَ مُسْلِمٌ فَيَقُولُ نَعَمْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ (فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كل سيئة حسنة) قال القارىء وَهُوَ إِمَّا لِكَوْنِهِ تَائِبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وقد قال تعالى إلا من تاب وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حسنات لَكِنْ يُشْكِلُ بِأَنَّهُ كَيْفَ يَكُونُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فَعَلَ بَعْدَ التَّوْبَةِ ذُنُوبًا اسْتَحَقَّ بِهَا الْعِقَابَ وَإِمَّا وَقَعَ التَّبْدِيلُ لَهُ مِنْ بَابِ الْفَضْلِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّانِي أَظْهَرُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَطْمَعُ فِي كَرَمِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ (فَيَقُولُ يَا رَبِّ لَقَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ) أَيْ مِنَ الْكَبَائِرِ (مَا أراها ها هنا) أَيْ فِي الصَّحَائِفِ أَوْ فِي مَقَامِ التَّبْدِيلِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْإِيمَانِ [2597] قَوْلُهُ (حَتَّى يَكُونُوا فِيهَا حُمَمًا) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى الْمُخَفَّفَةِ وَهُوَ الْفَحْمُ الْوَاحِدَةُ حُمَمَةٌ (وَيُطْرَحُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْجَنَّةِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَيُجْعَلُونَ بِفِنَاءِ الْجَنَّةِ (فَيَرُشُّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْمَاءَ) أَيْ مَاءَ الْحَيَاةِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي بَابٌ الصِّرَاطُ جِسْرُ جَهَنَّمَ (فَيَنْبُتُونَ كَمَا يَنْبُتُ الْغُثَاءُ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْدَ الْأَلِفِ هَمْزَةٌ هُوَ فِي الْأَصْلِ كُلُّ مَا حَمَلَهُ السَّيْلُ مِنْ عِيدَانٍ وَوَرَقٍ وَبِزُورٍ وَغَيْرِهَا وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَا حَمَلَهُ مِنَ الْبُزُورِ خَاصَّةً (فِي حِمَالَةِ السَّيْلِ) حِمَالَةُ السَّيْلِ مَا يَحْمِلُهُ السَّيْلُ مِنْ غُثَاءٍ أَوْ طِينٍ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْغُثَاءَ الَّذِي يَجِيءُ بِهِ السَّيْلُ يَكُونُ فِيهِ الْجَنَّةُ فَيَقَعُ فِي جَانِبِ الْوَادِي فَتُصْبِحُ مِنْ يَوْمِهَا نَابِتَةً قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ التَّشْبِيهُ فِي سُرْعَةِ النَّبَاتِ وَحُسْنِهِ وَطَرَاوَتِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا [2598] قَوْلُهُ (فَمَنْ شَكَّ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِنْ لَمْ تُصَدِّقُونِي بِهَذَا الحديث فاقرأوا إِنْ شِئْتُمْ إِلَخْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مثقال ذرة فَسَّرَ الْبُخَارِيُّ قَوْلَهُ تَعَالَى (مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) بِقَوْلِهِ يَعْنِي زِنَةَ ذَرَّةٍ قَالَ الْحَافِظُ هُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) أَيْ زِنَةَ ذَرَّةٍ وَيُقَالُ هَذَا مِثْقَالُ هَذَا أَيْ وَزْنُهُ وَهُوَ مِفْعَالٌ مِنَ الثِّقَلِ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الذَّرَّةِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّانِي مِنْ هَذَا الْبَابِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مطولا [2599] قوله (حدثني بن أَنْعَمَ) اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أنعم (عن أبي عثمان) قال في تهذب التَّهْذِيبِ أَبُو عُثْمَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلَيْنِ مِمَّنْ دَخَلَ النَّارَ اشْتَدَّ صِيَاحُهُمَا الْحَدِيثَ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ قال بن عَسَاكِرَ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَبُو عُثْمَانَ الْأَصْبَحُ عُبَيْدُ بْنُ عَمْرٍو وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمَا وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو عُثْمَانَ شَيْخٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ هُوَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ وَإِلَّا فَمَجْهُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (مِمَّنْ دَخَلَا) كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا دَخَلَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ وَهُوَ الصَّوَابُ (اشْتَدَّ صِيَاحُهُمَا) فِي الْقَامُوسِ الصَّيْحُ وَالصَّيْحَةُ وَالصِّيَاحُ بِالْكَسْرِ وَالضَّمِّ وَالصَّيَحَانُ مُحَرَّكَةً الصَّوْتُ بِأَقْصَى الطَّاقَةِ (فَقَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) أَيْ لِلزَّبَانِيَةِ (قَالَا فَعَلْنَا ذَلِكَ) أَيِ اشْتِدَادُ الصِّيَاحِ (رَحْمَتِي لَكُمَا أَنْ تَنْطَلِقَا) أَيْ تَذْهَبَا (فَتُلْقِيَا أَنْفُسَكُمَا حَيْثُ كُنْتُمَا مِنَ النَّارِ) قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ أَنْ تَنْطَلِقَا فَتُلْقِيَا خَبَرُ أَنْ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يَجُوزُ حَمْلُ الِانْطِلَاقِ إِلَى النَّارِ وَإِلْقَاءِ النَّفْسِ فِيهَا عَلَى الرَّحْمَةِ قُلْتُ هَذَا مِنْ حَمْلِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبِّبِ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا فَرَّطَا فِي جَنْبِ اللَّهِ وَقَصَّرَا فِي الْعَاجِلَةِ فِي امْتِثَالِ أَمْرِهِ أُمِرَا هُنَالِكَ بِالِامْتِثَالِ فِي إِلْقَاءِ أَنْفُسِهِمَا فِي النَّارِ إِيذَانًا بِأَنَّ الرَّحْمَةَ إِنَّمَا هِيَ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ (فليقي أَحَدُهُمَا نَفْسَهُ) أَيْ فِي النَّارِ (فَيَجْعَلُهَا) اللَّهُ (عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا) أَيْ كَمَا جَعَلَهَا بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (وَيَقُومُ الْآخَرُ) أَيْ يَقِفُ (مَا مَنَعَكَ أَنْ تُلْقِيَ نَفْسَكَ) أَيْ مِنْ إِلْقَائِهَا فِي النَّارِ (كَمَا أَلْقَى صَاحِبُكَ) أَيْ كإلقائه فيها

(لَكَ رَجَاؤُكَ) أَيْ مُقْتَضَاهُ وَنَتِيجَتُهُ كَمَا أَنَّ لِصَاحِبِكَ خَوْفُهُ وَعَمَلُهُ بِمُوجِبِهِ (فَيُدْخَلَانِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِدْخَالِ أَيْ فَيُدْخِلُهُمَا اللَّهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ مِنَ الدُّخُولِ [2600] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ) بْنِ فَرُّوخَ التَّمِيمِيُّ أَبُو سَعِيدٍ الّقَطَّانُ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ حَافِظٌ إِمَامٌ قُدْوَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ) أَبُو سَلَمَةَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ وَرُمِيَ بِالْقَدَرِ وَكَانَ يُدَلِّسُ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (يُسَمَّوْنَ الْجَهَنَّمِيِّينَ) جَمْعُ جَهَنَّمِيٍّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْجَهَنَّمِيُّونَ بِالْوَاوِ فَقِيلَ إِنَّهُ عَلَمٌ لَهُمْ فَلَمْ يُغَيَّرْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ فَيَقُولُ لَهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ الْجَهَنَّمِيُّونَ فَيَقُولُ اللَّهُ هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ اللَّهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَزَادَ فَيَدْعُونَ اللَّهَ فَيُذْهِبُ عَنْهُمْ هَذَا الِاسْمَ وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْثِ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ رِبْعِيٍّ عَنْهُ يُقَالُ لَهُمُ الْجَهَنَّمِيُّونَ فَذَكَرَ لِي أَنَّهُمُ اسْتَعْفَوْا اللَّهَ مِنْ ذَلِكَ الِاسْمِ فَأَعْفَاهُمْ وَزَعَمَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ أَنَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ لَيْسَتْ تَنْقِيصًا لَهُمْ بَلْ لِلِاسْتِذْكَارِ لِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيَزْدَادُوا بِذَلِكَ شُكْرًا كَذَا قَالَ وَسُؤَالُهُمْ إِذْهَابَ ذَلِكَ الِاسْمِ عَنْهُمْ يَخْدِشُ فِي ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَاخِرِ الرِّقَاقِ وَأَبُو داود في السنة وبن مَاجَهْ فِي الشَّفَاعَةِ

باب ما جاء أن أكثر أهل النار النساء

[2601] قَوْلُهُ (نَامَ هَارِبُهَا) حَالٌ إِنْ لَمْ تَكُنْ رَأَيْتُ مِنْ أَفْعَالِ الْقُلُوبِ وَإِلَّا فَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ (وَلَا مِثْلَ الْجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا) أَيِ النَّارُ شَدِيدَةٌ وَالْخَائِفُونَ مِنْهَا نَائِمُونَ غَافِلُونَ وَلَيْسَ هَذَا شَأْنَ الْهَارِبِ بَلْ طَرِيقُهُ أَنْ يُهَرْوِلَ مِنَ الْمَعَاصِي إِلَى الطَّاعَاتِ كَذَا فِي التَّيْسِيرِ وَقَالَ فِي اللُمَعَاتِ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ أي شدة وهو لا يَنَامُ هَارِبُهَا وَمِنْ شَأْنِ الْهَارِبِ مِنْ مِثْلِ هَذَا الشَّيْءِ أَنْ لَا يَنَامَ وَيَجِدَّ فِي الْهَرَبِ وَذَلِكَ بِالْتِزَامِ الطَّاعَةِ وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي وَلَا مِثْلَ الْجَنَّةِ أَيْ بَهْجَةً وَسُرُورًا نَامَ طَالِبُهَا وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَنَامَ وَلَا يَغْفُلَ عَنْ طَلَبِهَا وَيَعْمَلَ عَمَلًا يُوصِلُ إِلَيْهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ حَسَّنَهُ الْهَيْثَمِيُّ 1 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ النِّسَاءُ) [2602] قَوْلُهُ (اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ) أَيْ أَشْرَفْتُ عَلَيْهَا فَفِي بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ (فَرَأَيْتُ) أَيْ عَلِمْتُ قَالَ الطِّيبِيُّ ضَمَّنَ اطَّلَعْتُ بِمَعْنَى تَأَمَّلْتُ وَرَأَيْتُ بِمَعْنَى عَلِمْتُ وَلِذَا عَدَّاهُ إِلَى مَفْعُولَيْنِ وَلَوْ كَانَ رَأَيْتُ بِمَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ لَكَفَاهُ مَفْعُولٌ وَاحِدٌ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَوْ مَنَامًا وَهُوَ غَيْرُ رُؤْيَتِهِ النَّارَ وَهُوَ فِي صَلَاةِ

الْكُسُوفِ وَوَهِمَ مَنْ وَحَّدَهُمَا وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ رَأَى ذَلِكَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَوْ حِينَ خُسِفَتِ الشَّمْسُ كذا قال انتهى قوله (وأكثر أهلها الفقراء) قال بن بَطَّالٍ هَذَا لَا يُوجِبُ فَضْلَ الْفَقِيرِ عَلَى الْغَنِيِّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْفُقَرَاءَ فِي الدُّنْيَا أَكْثَرُ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ فَأَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا تَقُولُ أَكْثَرُ أَهْلِ الدُّنْيَا الْفُقَرَاءُ إِخْبَارًا عَنِ الْحَالِ وَلَيْسَ الْفَقْرُ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ وَإِنَّمَا دَخَلُوا بِصَلَاحِهِمْ مَعَ الْفَقْرِ فَإِنَّ الْفَقِيرَ إِذَا لَمْ يَكُنْ صَالِحًا لَا يَفْضُلُ قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّحْرِيضُ عَلَى تَرْكِ التَّوَسُّعِ مِنَ الدُّنْيَا كَمَا أَنَّ فِيهِ تَحْرِيضَ النِّسَاءِ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى أَمْرِ الدِّينِ لِئَلَّا يَدْخُلْنَ النَّارَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ قِيلَ بِمَ قَالَ بِكُفْرِكُنَّ قِيلَ يَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ بِالْإِحْسَانِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّمَا كَانَ النِّسَاءُ أَقَلَّ سَاكِنِي الْجَنَّةِ لِمَا يَغْلِبُ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْهَوَى وَالْمَيْلِ إِلَى عَاجِلِ زِينَةِ الدُّنْيَا وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الْآخِرَةِ لِنَقْصِ عَقْلِهِنَّ وَسُرْعَةِ انْخِدَاعِهِنَّ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْجَزَرِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أيضا ورواه مسلم من حديث بن عباس ورواه الترمذي من حديث عمران وبن عَبَّاسٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَكِلَا الْإِسْنَادَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا مَقَالٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو رَجَاءٍ سَمِعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَقَالَ الْخَطِيبُ فِي الْمُدْرَجِ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْ أَبِي الْأَشْعَبِ وَجَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ وَسَلْمِ بْنِ زَرِيرٍ وَحَمَّادِ بْنِ نَجِيحٍ وَصَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عمران وبن عَبَّاسٍ بِهِ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا جَمَعَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ رَوَوْهُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عن بن عَبَّاسٍ وَسَلْمٌ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ وَلَعَلَّ جَرِيرًا كَذَلِكَ وَقَدْ جَاءَتِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ بِالْوَجْهَيْنِ وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ فِطْرٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ فَالْحَدِيثُ عَنْ أبي رجاء عنهما والله أعلم انتهى

12 - باب [2604] قَوْلُهُ (إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ) أَيْ أَيْسَرُهُمْ قال بن التِّينِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَبُو طَالِبٍ قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ بَيَّنْتُ فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ مِنَ الْمَبْعَثِ النَّبَوِيِّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ وَلَفْظُهُ أَهْوَنُ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ (رَجُلٌ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَزْنِ أحمر مالا يَصِلُ إِلَى الْأَرْضِ مِنْ بَاطِنِ الْقَدَمِ عِنْدَ الْمَشْيِ (جَمْرَتَانِ) تَثْنِيَةُ جَمْرَةٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَهِيَ قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ مُلْتَهِبَةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا مَنْ له نعلان وشرا كان مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ كَمَا يَغْلِي الْمِرْجَلُ مَا يَرَى أَنَّ أَحَدًا أَشَدَّ مِنْهُ عَذَابًا وَإِنَّهُ لَأَهْوَنُهُمْ عَذَابًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الطبراني بإسناد صحيح وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ قَالَ إِنَّ أَدْنَى أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا الَّذِي لَهُ نَعْلَانِ مِنْ نَارٍ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ نَعَمْ روى مسلم عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا أَبُو طَالِبٍ وَهُوَ مُنْتَعِلٌ بِنَعْلَيْنِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا وَغَيْرُهُ مُطَوَّلًا كَمَا فِي الترغيب

13 - باب [2605] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ) مُرَيْرٍ الْجَدَلِيِّ مِنْ جَدِيلَةِ قَيْسٍ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ الْخُزَاعِيَّ) هُوَ أَخُو عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لِأُمِّهِ لَهُ صُحْبَةٌ نَزَلَ الْكُوفَةَ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَوْلُهُ (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ الْجَنَّةِ كُلُّ ضَعِيفٍ) هُوَ بِرَفْعِ كُلٍّ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ كُلُّ ضَعِيفٍ إِلَخْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ أَهْلٍ (مُتَضَعِّفٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطُوهُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا الْمَشْهُورُ الْفَتْحُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَكْثَرُونَ غَيْرَهُ وَمَعْنَاهُ يَسْتَضْعِفُهُ النَّاسُ وَيَحْتَقِرُونَهُ وَيَتَجَبَّرُونَ عَلَيْهِ لِضَعْفِ حَالِهِ فِي الدُّنْيَا يُقَالُ تَضَعَّفَهُ وَاسْتَضْعَفَهُ وَأَمَّا رِوَايَةُ الْكَسْرِ فَمَعْنَاهَا مُتَوَاضِعٌ مُتَذَلِّلٌ خَامِلٌ وَاضِعٌ مِنْ نَفْسِهِ قَالَ القاضي وقد يكون الضعف ها هنا رقة القلوب ولينها وإخبانها لِلْإِيمَانِ وَالْمُرَادُ أَنَّ أَغْلَبَ أَهْلِ الْجَنَّةِ هَؤُلَاءِ كَمَا أَنَّ مُعْظَمَ أَهْلِ النَّارِ الْقِسْمُ الْآخَرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِاسْتِيعَابُ فِي الطَّرَفَيْنِ (لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ لَوْ حَلَفَ يَمِينًا طَمَعًا فِي كَرْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِإِبْرَارِهِ لَأَبَرَّهُ وَقِيلَ لَوْ دَعَاهُ لَأَجَابَهُ يُقَالُ أَبْرَرْتُ قَسَمَهُ وَبَرَرْتُهُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ أَيْ لَوْ حَلَفَ عَلَى وُقُوعِ شَيْءٍ لَأَبَرَّهُ أَيْ أَوْقَعَهُ اللَّهُ إِكْرَامًا لَهُ وَصِيَانَةً لَهُ مِنَ الْحِنْثِ لِعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَهُ وَإِنِ احْتُقِرَ عِنْدَ النَّاسِ انْتَهَى (كُلُّ عُتُلٍّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالتَّاءِ بَعْدَهَا لَامٌ ثَقِيلَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الجافي الشديد الخصومة بالباطل وقيل الحافي الْفَظُّ الْغَلِيظُ (جَوَّاظٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وبالظاء المعجمة هو الجموع الممنوع وَقِيلَ كَثِيرُ اللَّحْمِ الْمُخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (مُتَكَبِّرٍ) أَيْ صَاحِبِ الْكِبْرِ وَهُوَ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان والنسائي وبن ماجة

38 - كتاب الإيمان

38 - كتاب الإيمان قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ هُوَ (أَيِ الْإِيمَانُ) قَوْلٌ وَفِعْلٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِالْقَوْلِ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَأَمَّا الْعَمَلُ فَالْمُرَادُ بِهِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ لِيَدْخُلَ الِاعْتِقَادُ وَالْعِبَادَاتُ وَمُرَادُ مَنْ أَدْخَلَ ذَلِكَ فِي تَعْرِيفِ الْإِيمَانِ وَمَنْ نَفَاهُ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَالسَّلَفُ قَالُوا هُوَ اعْتِقَادٌ بِالْقَلْبِ وَنُطْقٌ بِاللِّسَانِ وَعَمَلٌ بِالْأَرْكَانِ وَأَرَادُوا بِذَلِكَ أَنَّ الْأَعْمَالَ شَرْطٌ في كماله ومن هنا نشألهم الْقَوْلُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُرْجِئَةُ قَالُوا هُوَ اعْتِقَادٌ وَنُطْقٌ فَقَطْ وَالْكَرَّامِيَّةُ قَالُوا هُوَ نُطْقٌ فَقَطْ وَالْمُعْتَزِلَةُ قَالُوا هُوَ الْعَمَلُ وَالنُّطْقُ وَالِاعْتِقَادُ وَالْفَارِقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّلَفِ أَنَّهُمْ جَعَلُوا الْأَعْمَالَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِ وَالسَّلَفُ جَعَلُوهَا شَرْطًا فِي كَمَالِهِ وَهَذَا كُلُّهُ كَمَا قُلْنَا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا بِالنَّظَرِ إِلَى مَا عِنْدَنَا فَالْإِيمَانُ هُوَ الْإِقْرَارُ فَقَطْ فَمَنْ أَقَرَّ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ بِكُفْرٍ إِلَّا إِنِ اقْتَرَنَ بِهِ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَى كُفْرِهِ كَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ فَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْكُفْرِ كَالْفِسْقِ فَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْإِيمَانَ فَبِالنَّظَرِ إِلَى إِقْرَارِهِ وَمَنْ نَفَى عَنْهُ الْإِيمَانَ فَبِالنَّظَرِ إِلَى كَمَالِهِ وَمَنْ أَطْلَقَ عَلَيْهِ الْكُفْرَ فَبِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّهُ فِعْلُ الْكَافِرِ وَمَنْ نَفَاهُ عَنْهُ فَبِالنَّظَرِ إِلَى حَقِيقَتِهِ وَأَثْبَتَتِ الْمُعْتَزِلَةُ الْوَاسِطَةَ فَقَالُوا الْفَاسِقُ لَا مُؤْمِنٌ لَا كَافِرٌ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قَالَ الْعَيْنِيُّ فَإِنْ قُلْتَ الْإِيمَانُ عِنْدَهُ أَيْ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَوْلٌ وَفِعْلٌ وَاعْتِقَادٌ فَكَيْفَ ذَكَرَ الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ وَلَمْ يَذْكُرِ الِاعْتِقَادَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ قُلْتُ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ الِاعْتِقَادَ لَا بُدَّ مِنْهُ وَالْكَلَامُ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ هَلْ هُمَا مِنْهُ أَمْ لَا فَلِأَجْلِ ذلك ذكر ما هو المتنازع فيه (بَاب مَا جَاءَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا) لَا إله إلا الله [2606] قَوْلُهُ (أُمِرْتُ) أَيْ أَمَرَنِي اللَّهُ لِأَنَّهُ لَا آمِرَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا اللَّهُ وَقِيَاسُهُ فِي الصَّحَابِيِّ

إِذَا قَالَ أُمِرْتُ فَالْمَعْنَى أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَمَرَنِي صَحَابِيٌّ آخَرُ لِأَنَّهُمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ لَا يَحْتَجُّونَ بِأَمْرِ مُجْتَهِدٍ آخَرَ وَإِذَا قَالَهُ التَّابِعِيُّ احْتَمَلَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنِ اشْتُهِرَ بِطَاعَةِ رَئِيسٍ إِذَا قَالَ ذَلِكَ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّ الْآمِرَ لَهُ هُوَ ذَلِكَ الرَّئِيسُ (أَنْ أُقَاتِلَ) أَيْ بِأَنْ أُقَاتِلَ وَحَذْفُ الْجَارِّ مِنْ أَنْ كَثِيرٌ (حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وفي حديث بن عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ قَالَ الْحَافِظُ جُعِلَتْ غَايَةُ الْمُقَاتَلَةِ وُجُودَ مَا ذُكِرَ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ مَنْ شَهِدَ وَأَقَامَ وَآتَى عُصِمَ دَمُهُ وَلَوْ جَحَدَ بَاقِيَ الْأَحْكَامِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالرِّسَالَةِ تَتَضَمَّنُ التَّصْدِيقَ بِمَا جَاءَ بِهِ مَعَ أَنَّ نَصَّ الْحَدِيثِ وَهُوَ قَوْلُهُ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ يَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ ذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ فَلِمَ لَمْ يَكْتَفِ بِهِ وَنَصَّ عَلَى الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ لِعِظَمِهِمَا وَالِاهْتِمَامِ بِأَمْرِهِمَا لِأَنَّهُمَا أُمَّا الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَالْمَالِيَّةِ انْتَهَى (فَإِذَا قَالُوهَا) أَيْ كَلِمَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (عَصَمُوا) أَيْ مَنَعُوا وَأَصْلُ الْعِصْمَةِ مِنَ الْعِصَامِ وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ فَمُ الْقِرْبَةِ لِيَمْنَعَ سَيَلَانَ الْمَاءِ (مِنِّي) أَيْ مِنْ أَتْبَاعِي أَوْ مِنْ قِبَلِي وَجِهَةِ دِينِي (دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) أَيِ اسْتِبَاحَتَهُمْ بِالسَّفْكِ وَالنَّهْبِ الْمَفْهُومِ مِنَ الْمُقَاتَلَةِ (إِلَّا بِحَقِّهَا) أَيْ بِحَقِّ كَلِمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وفي حديث بن عمر المذكور إلا بحق الاسلام قال القارىء إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ أَيْ دِينِهِ وَالْإِضَافَةُ لَامِيَّةٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ مِنْ أَعَمَّ عَامِّ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ أَيْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ لَا يَجُوزُ إِهْدَارُ دِمَائِهِمْ وَاسْتِبَاحَةُ أَمْوَالِهِمْ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ مِنَ اسْتِيفَاءِ قِصَاصِ نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ إِذَا قَتَلَ أَوْ قَطَعَ وَمِنْ أَخْذِ مَالٍ إِذَا غَصَبَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْحُقُوقِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَقَتْلٍ لِنَحْوِ زِنَا مُحْصَنٍ وَقَطْعٍ لِنَحْوِ سَرِقَةٍ وَتَغْرِيمِ مَالٍ لِنَحْوِ إِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ الْمُحْتَرَمِ (وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) أَيْ فِيمَا يَسْتُرُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي بَعْدَ ذَلِكَ وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ أَوْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جَزَاءِ الشَّرْطِ وَالْمَعْنَى إِنَّا نَحْكُمُ بِظَاهِرِ الْحَالِ وَالْإِيمَانِ الْقَوْلِيِّ وَنَرْفَعُ عَنْهُمْ مَا عَلَى الْكُفَّارِ وَنُؤَاخِذُهُمْ بِحُقُوقِ الْإِسْلَامِ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ حَالِهِمْ لَا أَنَّهُمْ مُخْلِصُونَ وَاللَّهُ يَتَوَلَّى حِسَابَهُمْ فَيُثِيبُ الْمُخْلِصَ وَيُعَاقِبُ الْمُنَافِقَ وَيُجَازِي الْمُصِرَّ بِفِسْقِهِ أَوْ يَعْفُو عَنْهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [2607] قَوْلُهُ (لَمَّا تُوُفِّيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَاسْتُخْلِفَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْضًا أَيْ جُعِلَ خَلِيفَةً (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَفَرَ مَنْ كَفَرَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ زَعَمَ الرَّوَافِضُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَنَاقِضٌ لِأَنَّ فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُمْ كَفَرُوا وَفِي آخِرِهِ أَنَّهُمْ ثَبَتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنَّهُمْ مَنَعُوا الزَّكَاةَ فَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ فَكَيْفَ اسْتَحَلَّ قِتَالَهُمْ وَسَبْيَ ذَرَارِيِّهِمْ وَإِنْ كَانُوا كفار فَكَيْفَ احْتَجَّ عَلَى عُمَرَ بِالتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ فِي جَوَابِهِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالصَّلَاةِ قَالَ وَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ إِنَّ الَّذِينَ نُسِبُوا إِلَى الرِّدَّةِ كَانُوا صِنْفَيْنِ صِنْفٌ رَجَعُوا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ وَصِنْفٌ مَنَعُوا الزَّكَاةَ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ تَعَالَى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلاتك سكن لهم) فَزَعَمُوا أَنَّ دَفْعَ الزَّكَاةِ خَاصٌّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُطَهِّرُهُمْ وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِمْ فَكَيْفَ تَكُونُ صَلَاتُهُ سَكَنًا لَهُمْ وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ بِقَوْلِهِ تُقَاتِلُ النَّاسَ الصِّنْفَ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَدَّدُ فِي جَوَازِ قِتَالِ الصِّنْفِ الْأَوَّلِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَتَرَدَّدُ فِي قِتَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ عُبَّادِ الْأَوْثَانِ وَالنِّيرَانِ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى قَالَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرْ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا الْقَدْرَ الَّذِي ذَكَرَهُ وَقَدْ حَفِظَ غَيْرَهُ فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَعًا وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْقُوبَ بِلَفْظِ يَعُمُّ جَمِيعَ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ فَإِنَّ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِمَّا جَاءَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا إِلَيْهِ فَامْتَنَعَ وَنَصَبَ الْقِتَالَ أنه يجب قتاله وقتله إذا أمر قَالَ وَإِنَّمَا عَرَضَتِ الشُّبْهَةُ لِمَا دَخَلَهُ مِنَ الِاخْتِصَارِ وَكَأَنَّ رَاوِيَهُ لَمْ يَقْصِدْ سِيَاقَ الْحَدِيثِ عَلَى وَجْهِهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ سِيَاقَ مُنَاظَرَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَاعْتَمَدَ عَلَى مَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ بِأَصْلِ الْحَدِيثِ كَذَا ذَكَرَ الْحَافِظُ كَلَامَ الْخَطَّابِيِّ مُلَخَّصًا ثُمَّ قَالَ وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْدَ عُمَرَ فِي الْحَدِيثِ حَتَّى يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ مَا اسْتَشْكَلَ قِتَالَهُمْ لِلتَّسْوِيَةِ فِي كَوْنِ غَايَةِ الْقِتَالِ تَرْكِ كُلٍّ مِنَ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ قال عياض حديث بن عُمَرَ نَصَّ فِي قِتَالِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يُزَكِّ كَمَنْ لَمْ يُقِرَّ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَاحْتِجَاجُ عُمَرَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَجَوَابُ أَبِي بَكْرٍ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا فِي الْحَدِيثِ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ إِذْ لَوْ سَمِعَهُ عُمَرُ لَمْ يحتج على

أَبِي بَكْرٍ وَلَوْ سَمِعَهُ أَبُو بَكْرٍ لَرَدَّ بِهِ عَلَى عُمَرَ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الِاحْتِجَاجِ بِعُمُومِ قَوْلِهِ إِلَّا بِحَقِّهِ قَالَ الْحَافِظُ إِنْ كَانَ الضَّمِيرُ فِي بِحَقِّهِ لِلْإِسْلَامِ فَمَهْمَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ حَقِّ الْإِسْلَامِ تَنَاوَلَهُ وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ عَلَى قِتَالِ مَنْ جَحَدَ الزَّكَاةَ انْتَهَى (ومن قال لا إله اللَّهُ) يَعْنِي كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ وَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ فِي الْإِسْلَامِ بِتِلْكَ وَحْدَهَا (عَصَمَ) بِفَتْحِ الصَّادِ أَيْ حَفِظَ وَمَنَعَ (إِلَّا بِحَقِّهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِمَالِهِ وَنَفْسِهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ إِلَّا بِحَقِّهِ أَيْ بِحَقِّ هَذَا الْقَوْلِ أَوْ بِحَقِّ أَحَدِ الْمَذْكُورِينَ (وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ يَعْنِي مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَظْهَرَ الْإِسْلَامَ نَتْرُكُ مُقَاتَلَتَهُ وَلَا نُفَتِّشُ بَاطِنَهُ هَلْ هُوَ مُخْلِصٌ أَمْ لَا فَإِنَّ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَحِسَابُهُ عَلَيْهِ (مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) يَجُوزُ تَشْدِيدُ فَرَّقَ وَتَخْفِيفُهُ وَالْمُرَادُ بِالْفَرْقِ مَنْ أَقَرَّ بِالصَّلَاةِ وَأَنْكَرَ الزَّكَاةَ جَاحِدًا أَوْ مَانِعًا مَعَ الِاعْتِرَافِ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ الْكُفْرَ لِيَشْمَلَ الصِّنْفَيْنِ فَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ جَحَدَ حَقِيقَةٌ وَفِي حَقِّ الْآخَرِينَ مَجَازٌ تَغْلِيبًا وَإِنَّمَا قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ وَلَمْ يَعْذُرْهُمْ بِالْجَهْلِ لِأَنَّهُمْ نَصَبُوا الْقِتَالَ فَجَهَّزَ إِلَيْهِمْ مَنْ دَعَاهُمْ إِلَى الرُّجُوعِ فَلَمَّا أَصَرُّوا قَاتَلَهُمْ قَالَ الْمَازِرِيُّ ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ مُوَافِقًا عَلَى قِتَالِ مَنْ جَحَدَ الصَّلَاةَ فَأَلْزَمَهُ الصِّدِّيقُ بِمِثْلِهِ فِي الزَّكَاةِ لِوُرُودِهِمَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَوْرِدًا وَاحِدًا (فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ) يُشِيرُ إِلَى دَلِيلِ مَنْعِ التَّفْرِقَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَنَّ حَقَّ النَّفْسِ الصَّلَاةُ وَحَقَّ الْمَالِ الزَّكَاةُ فَمَنْ صَلَّى عَصَمَ نَفْسَهُ وَمَنْ زَكَّى عَصَمَ مَالَهُ فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ قُوتِلَ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَمَنْ لَمْ يُزَكِّ أُخِذَتِ الزَّكَاةُ مِنْ مَالِهِ قَهْرًا وَإِنْ نَصَبَ الْحَرْبَ لِذَلِكَ قُوتِلَ وَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ سَمِعَ فِي الْحَدِيثِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ لَمَا احْتَاجَ إِلَى هَذَا الِاسْتِنْبَاطِ لَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ وَاسْتَظْهَرَ بِهَذَا الدَّلِيلِ النَّظَرِيِّ قَالَهُ الْحَافِظُ (وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ بِالْعِقَالِ الْحَبْلَ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ الْبَعِيرُ الَّذِي كَانَ يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ لِأَنَّ عَلَى صَاحِبِهَا التَّسْلِيمَ وَإِنَّمَا يَقَعُ الْقَبْضُ بِالرِّبَاطِ وَقِيلَ أَرَادَ مَا يُسَاوِي عِقَالًا مِنْ حُقُوقِ الصَّدَقَةِ وَقِيلَ إِذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ أَعْيَانَ الْإِبِلِ قِيلَ أَخَذَ عِقَالًا وَإِذَا أَخَذَ أَثْمَانَهَا قِيلَ أَخَذَ نَقْدًا وَقِيلَ أَرَادَ بِالْعِقَالِ صَدَقَةَ الْعَامِ يُقَالُ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ عِقَالَ هَذَا الْعَامِ أَيْ أَخَذَ مِنْهُمْ صَدَقَتَهُ وَبُعِثَ فُلَانٌ عَلَى عِقَالِ بَنِي فُلَانٍ إِذَا بُعِثَ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ هُوَ أَشْبَهُ عِنْدِي بِالْمَعْنَى وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّمَا يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي مِثْلِ هَذَا بِالْأَقَلِّ لَا بِالْأَكْثَرِ وَلَيْسَ بِسَائِرٍ فِي لِسَانِهِمْ أَنَّ الْعِقَالَ صَدَقَةُ عَامٍ وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ لَوْ مَنَعُونِي عِنَاقًا وَفِي أُخْرَى جَدْيًا قُلْتُ قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَمِنَ الْأَوَّلِ حَدِيثُ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ يَأْخُذُ مَعَ كُلِّ فَرِيضَةٍ عِقَالًا وَرَوَاهُ فَإِذَا جَاءَتْ إِلَى

الْمَدِينَةِ بَاعَهَا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهَا وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ عَلَى الصَّدَقَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فكان يأمر الرجل إذا جاء بقريضتين أَنْ يَأْتِيَ بِعِقَالَيْهِمَا وَقِرَانَيْهِمَا وَمِنَ الثَّانِي حَدِيثُ عُمَرَ أَنَّهُ أَخَّرَ الصَّدَقَةَ عَامَ الرَّمَادَةِ فَلَمَّا أَحْيَا النَّاسُ بَعَثَ عَامِلَهُ فَقَالَ اعْقِلْ عَنْهُمْ عقالين فأقسم فيهم عقالا وائتني بِالْآخَرِ يُرِيدُ صَدَقَةَ عَامَيْنِ انْتَهَى مَا فِي النِّهَايَةِ وَقَوْلُهُ وَرَوَاهُ هُوَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْوَاوِ مَمْدُودًا حَبْلٌ يُقْرَنُ بِهِ الْبَعِيرَانِ وَقِيلَ حَبْلٌ يُرْوَى بِهِ عَلَى الْبَعِيرِ أَيْ يُشَدُّ بِهِ الْمَتَاعُ عَلَيْهِ وَقَدْ بَسَطَ النَّوَوِيُّ هُنَا الْكَلَامَ فِي تَفْسِيرِ الْعِقَالِ وَقَالَ وَذَهَبَ كَثِيرُونَ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِقَالِ الْحَبْلُ الَّذِي يُعْقَلُ بِهِ الْبَعِيرُ وَهَذَا الْقَوْلُ يُحْكَى عن مالك وبن أَبِي ذِئْبٍ وَغَيْرِهِمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ حُذَّاقِ الْمُتَأَخِّرِينَ انْتَهَى (لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ) أَيْ لِأَجْلِ مَنْعِهِ (فَوَاَللَّهِ مَا هُوَ) أَيِ الشَّأْنُ (إِلَّا أَنْ رَأَيْتُ) أَيْ عَلِمْتُ (أَنَّ اللَّهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ غَيْرُ مَذْكُورٍ أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا عِلْمِي بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ مُحِقٌّ فَهَذَا الضَّمِيرُ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ هِيَ إلا حياتنا الدنيا (فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ) أَيْ ظَهَرَ لَهُ مِنْ صِحَّةِ احْتِجَاجِهِ لَا أَنَّهُ قَلَّدَهُ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ بَاب (مَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ [2608] قَوْلُهُ (وَأَنْ يَسْتَقْبِلُوا قِبْلَتَنَا) إِنَّمَا ذَكَرَهُ مَعَ انْدِرَاجِهِ فِي الصَّلَاةِ فِي قَوْلِهِ وَأَنْ يُصَلُّوا

باب ما جاء بني الاسلام على خمس

صَلَاتَنَا لِأَنَّ الْقِبْلَةَ أَعْرَفُ إِذْ كُلُّ أَحَدٍ يَعْرِفُ قِبْلَتَهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ صَلَاتَهُ وَلِأَنَّ فِي صَلَاتِنَا مَا يُوجَدُ فِي صَلَاةِ غَيْرِهِ وَاسْتِقْبَالُ قِبْلَتِنَا مَخْصُوصٌ بِنَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأَرْكَانِ اكْتِفَاءً بِالصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ عِمَادُ الدِّينِ أَوْ لِتَأَخُّرِ وُجُوبِ تِلْكَ الْفَرَائِضِ عَنْ زَمَنِ صُدُورِ هَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ لَمَّا مَيَّزَ الْمُسْلِمَ عَنْ غَيْرِهِ عِبَادَةً ذَكَرَ مَا يُمَيِّزُهُ عِبَادَةً وَعَادَةً بِقَوْلِهِ (وَيَأْكُلُوا ذَبِيحَتَنَا) فَإِنَّ التَّوَقُّفَ عَنْ أَكْلِ الذَّبَائِحِ كَمَا هُوَ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَكَذَلِكَ مِنَ الْعَادَاتِ الثَّابِتَةِ فِي الْمِلَلِ الْمُتَقَدِّمَاتِ وَالذَّبِيحَةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَالتَّاءُ لِلْجِنْسِ كَمَا فِي الشَّاةِ (وَأَنْ يُصَلُّوا صَلَاتَنَا) أَيْ كَمَا نُصَلِّي وَلَا تُوجَدُ إِلَّا مِنْ مُوَحِّدٍ مُعْتَرِفٍ بِنُبُوَّتِهِ وَمَنِ اعْتَرَفَ بِهِ فَقَدِ اعْتَرَفَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ فَلِذَا جَعَلَ الصَّلَاةَ عَلَمًا لِإِسْلَامِهِ (حَرُمَتْ) قَالَ الْحَافِظُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَلَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ بِالتَّشْدِيدِ انْتَهَى (إِلَّا بِحَقِّهَا) أَيْ إِلَّا بحق الدماء والأموال وفي حديث بن عُمَرَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ (لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ) أَيْ مِنَ النَّفْعِ (وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) أَيْ مِنَ الْمَضَرَّةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هريرة فأخرجه أحمد وبن خُزَيْمَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (بَاب مَا جَاءَ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ) [2609] قَوْلُهُ (عَنْ سُعَيْرِ) بِضَمِّ السِّينِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرُهُ رَاءٌ مُصَغَّرًا (بْنِ الْخِمْسِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ

قَوْلُهُ (بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ) أَيْ دَعَائِمَ وَصَرَّحَ بِهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي رِوَايَتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَلَى خَمْسَةٍ أَيْ أَرْكَانٍ (شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ خَمْسٍ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى حَذْفِ الْخَبَرِ وَالتَّقْدِيرُ مِنْهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَوْ عَلَى حَذْفِ الْمُبْتَدَأِ وَالتَّقْدِيرُ أَحَدُهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيَجُوزُ النَّصْبُ بِتَقْدِيرِ أَعْنِي (وَإِقَامِ الصَّلَاةِ) أَيِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهَا أَوِ الْمُرَادُ الْإِتْيَانُ بِهَا بِشُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا (وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ) أَيْ إِعْطَائِهَا مُسْتَحَقِّيهَا بِإِخْرَاجِ جُزْءٍ مِنَ الْمَالِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ تَنْبِيهٌ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ (عَلَى) فِي قَوْلِهِ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ بِمَعْنَى (مِنْ) وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ إِنَّ هَذِهِ الْخَمْسَ هِيَ الْإِسْلَامُ فَكَيْفَ يَكُونُ الْإِسْلَامُ مَبْنِيًّا عَلَيْهَا وَالْمَبْنِيُّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَبْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَا حَاجَةَ إِلَى جَوَابِ الْكَرْمَانِيِّ بِأَنَّ الْإِسْلَامَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَجْمُوعِ وَالْمَجْمُوعُ غَيْرُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَرْكَانِهِ انْتَهَى قُلْتُ إِنْ ثَبَتَ مَجِيءُ عَلَى بِمَعْنَى مِنْ فَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إِلَى جَوَابِ الْكَرْمَانِيِّ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ إِلَيْهِ حَاجَةً لِدَفْعِ الِاعْتِرَاضِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ

باب ما جاء في وصف جبرائيل للنبي

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكِّيِّ ثِقَةٌ حُجَّةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عِكْرِمَةَ بن خالد) بن العاص بن هشام الْمَخْزُومِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَيْ حَدِيثُ حَنْظَلَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ بن خالد عن بن عُمَرَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ (بَاب مَا جَاءَ فِي وصف جبرائيل لِلنَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ [2610] قَوْلُهُ (عَنْ كَهْمَسِ) بِفَتْحِ كَافٍ وَمِيمٍ بَيْنَهُمَا هَاءٌ سَاكِنَةٌ وَبِسِينٍ مُهْمَلَةٍ (بْنِ الْحَسَنِ) التَّمِيمِيِّ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فِي سَنَدِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ كَهْمَسُ بْنُ الْحُسَيْنِ بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ كَهْمَسُ بْنُ الْحَسَنِ بِالتَّكْبِيرِ كَمَا هُنَا قَوْلُهُ (أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقَدَرِ) أَيْ أول من قال ينفي القدر فابتدع وخالف الصواب الذي عليه أَهْلُ الْحَقِّ وَيُقَالُ الْقَدَرُ وَالْقَدْرُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ نِسْبَةً إِلَى جُهَيْنَةَ قَبِيلَةٌ مِنْ قُضَاعَةَ وَمَعْبَدٌ هذا هو بن خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ كَانَ يُجَالِسُ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْبَصْرَةِ بِالْقَدَرِ فَسَلَكَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ بَعْدَهُ مَسْلَكَهُ لَمَّا رَأَوْا عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ يَنْتَحِلُهُ قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ صَبْرًا أَوْ قِيلَ إِنَّهُ مَعْبَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُوَيْمِرٍ نَقَلَهُ النَّوَوِيُّ عَنِ السَّمْعَانِيِّ (فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي) يَعْنِي صِرْنَا فِي نَاحِيَتَيْهِ وكنفا الطائر جناحاه وزاد مسلم فقال أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ (فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ) لَمْ تَقَعْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَمَعْنَاهَا يَسْكُتُ وَيُفَوِّضُهُ إِلَيَّ لِإِقْدَامِي وَجُرْأَتِي وَبَسْطَةِ لِسَانِي فَقَدْ جَاءَ عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ لِأَنِّي كُنْتُ أَبْسَطَ لِسَانًا (فَقُلْتُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (إن قوما يقرأون الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ) بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عَلَى الْفَاءِ أَيْ يَطْلُبُونَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ظَهَرَ قَبْلَنَا ناس يقرأون الْقُرْآنَ وَيَتَفَقَّرُونَ الْعِلْمَ قَالَ النَّوَوِيُّ

هُوَ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عَلَى الْفَاءِ مَعْنَاهُ يَطْلُبُونَهُ وَيَتَتَبَّعُونَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَجْمَعُونَهُ ورواه بعض شيوخ المغاربة من طريق بن مَاهَانَ يَتَفَقَّرُونَ بِتَقْدِيمِ الْفَاءِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا معناه يبحثون على غمضة وَيَسْتَخْرِجُونَ خَفِيَّهُ وَرُوِيَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ يَتَقَفَّوْنَ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ وَحَذْفِ الرَّاءِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَمَعْنَاهُ أَيْضًا يَتَتَبَّعُونَ (وَيَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالنُّونِ أَيْ مُسْتَأْنَفٌ لَمْ يَسْبِقْ بِهِ قَدَرٌ وَلَا عِلْمٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَعْلَمُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلُ غُلَاتِهِمْ وَلَيْسَ قَوْلَ جَمِيعِ الْقَدَرِيَّةِ وَكَذَبَ قَائِلُهُ وَضَلَّ وَافْتَرَى عَافَانَا اللَّهُ وسائر المسلمين (قال) أي بن عُمَرَ (إِنِّي مِنْهُمْ بَرِيءٌ وَأَنَّهُمْ مِنِّي بُرَآءُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ بَرِيءٍ كَحَكِيمِ وَحُكَمَاءَ وَأَصْلُ الْبَرَاءَةِ الِانْفِصَالُ مِنَ الشَّيْءِ وَالْمَعْنَى أَنِّي لَسْتُ مِنْهُمْ وَهُمْ لَيْسُوا مِنِّي (وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ أَنْفَقَ) يَعْنِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ طَاعَتِهِ كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى (مَا قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ) (خَيْرِهِ وشره) قال النووي هذا الذي قاله بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ظَاهِرٌ فِي تَكْفِيرِ الْقَدَرِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا فِي الْقَدَرِيَّةِ الْأُولَى الَّذِينَ نَفَوْا تَقَدُّمَ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْكَائِنَاتِ وَقَالَ وَالْقَائِلُ بِهَذَا كَافِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ الْقَدَرَ هُمُ الْفَلَاسِفَةُ فِي الْحَقِيقَةِ قَالَ غَيْرُهُ وَيَجُوزُ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْكَلَامِ التَّكْفِيرَ الْمُخْرِجَ مِنَ الْمِلَّةِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ كُفْرَانِ النِّعَمِ إِلَّا أَنَّ قَوْلَهُ (مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْهُ) ظَاهِرٌ فِي التَّكْفِيرِ فَإِنَّ إِحْبَاطَ الْأَعْمَالِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْكُفْرِ إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمُسْلِمِ لَا يُقْبَلُ عَمَلُهُ بِمَعْصِيَةٍ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا كَمَا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ صَحِيحَةٌ غَيْرُ مُحْوِجَةٍ إِلَى الْقَضَاءِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ بَلْ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَهِيَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ فَلَا ثَوَابَ فِيهَا عَلَى الْمُخْتَارِ عَنْ أَصْحَابِنَا انْتَهَى (ثُمَّ أنشأ يحدث) أي جعل يحدث بن عُمَرَ (شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ) بِإِضَافَةِ شَدِيدُ إِلَى مَا بَعْدَهُ إِضَافَةٌ لَفْظِيَّةٌ مُقَيِّدَةٌ لِلتَّخْفِيفِ فَقَطْ صِفَةُ رَجُلٍ وَاللَّامُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ الْعَائِدِ إِلَى الرَّجُلِ أَيْ شَدِيدُ بَيَاضِ ثِيَابِهِ شَدِيدُ سَوَادِ شَعْرِهِ (لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ) رُوِيَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ الْغَائِبِ وَرَفْعِ الْأَثَرِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِ وَالْأَشْهَرِ وَرُوِيَ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَعْلُومِ وَنَصْبِ الْأَثَرِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ رَجُلٍ أَوْ صِفَةٌ لَهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَثَرِ ظُهُورُ

التَّعَبِ وَالتَّغْيِيرِ وَالْغُبَارِ (فَأَلْزَقَ رُكْبَتَهُ بِرُكْبَتِهِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ بِرُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّجُلَ الدَّاخِلَ وَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْ نَفْسِهِ وَجَلَسَ عَلَى هَيْئَةِ الْمُتَعَلِّمِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَفِي رِوَايَةٍ لِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ لَيْسَ عَلَيْهِ سَحْنَاءُ السَّفَرِ وَلَيْسَ مِنَ الْبَلَدِ فَتَخَطَّى حَتَّى بَرَكَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَجْلِسُ أَحَدُنَا فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وكذا في حديث بن عَبَّاسٍ وَأَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رُكْبَتَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَفَادَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ عَلَى فَخِذَيْهِ يَعُودُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ التَّيْمِيُّ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرَجَّحَهُ الطِّيبِيُّ بَحْثًا لِأَنَّهُ نَسَقُ الْكَلَامِ خِلَافًا لِمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ وَوَافَقَهُ التُّورْبَشْتِيُّ لِأَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى أَنَّهُ جَلَسَ كَهَيْئَةِ الْمُتَعَلِّمِ بَيْنَ يَدَيْ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا مِنَ السِّيَاقِ لَكِنَّ وَضْعَهُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنِيعٌ مُنَبِّهٌ لِلْإِصْغَاءِ إِلَيْهِ (ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ مَا الْإِيمَانُ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ بَدَأَ بِالسُّؤَالِ قَبْلَ السَّلَامِ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي التَّعْمِيَةِ لِأَمْرِهِ أَوْ لِيُبَيِّنَ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ أَوْ سَلَّمَ فَلَمْ يَنْقُلْهُ الرَّاوِي قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ ثَبَتَ فِي رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ فَفِيهَا بَعْدَ قَوْلِهِ كَأَنَّ ثِيَابَهُ لَمْ يَمَسَّهَا دَنَسٌ حَتَّى سَلَّمَ مِنْ طَرَفِ الْبِسَاطِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ قَالَ أُدْنُوا يَا مُحَمَّدُ قَالَ ادْنُ فَمَا زَالَ يَقُولُ أَدْنُو مِرَارًا وَيَقُولُ لَهُ ادْنُ وَنَحْوِهِ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنِ بن عُمَرَ لَكِنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةٍ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَدْنُو مِنْكَ قَالَ ادْنُ وَلَمْ يَذْكُرِ السلام فاختلفت الروايات هل سلم أولا فَمَنْ ذَكَرَ السَّلَامَ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْ سَكَتَ عَنْهُ (قَالَ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ) أَيْ بِوُجُودِهِ وَأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ (وَمَلَائِكَتِهِ) الْإِيمَانُ بِالْمَلَائِكَةِ هُوَ التَّصْدِيقُ بِوُجُودِهِمْ وَأَنَّهُمْ كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادٌ مُكْرَمُونَ وَقَدَّمَ الْمَلَائِكَةَ عَلَى الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ نَظَرًا لِلتَّرْتِيبِ الْوَاقِعِ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرْسَلَ الْمَلَكَ بِالْكِتَابِ إِلَى الرَّسُولِ وَلَيْسَ فِيهِ مُتَمَسَّكٌ لِمَنْ فَضَّلَ الْمَلَكَ عَلَى الرَّسُولِ (وَكُتُبِهِ) الْإِيمَانُ بِكُتُبِ اللَّهِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهَا كَلَامُ اللَّهِ وَأَنَّ مَا تَضَمَّنَتْهُ حَقٌّ (وَرُسُلِهِ) الْإِيمَانُ بِالرُّسُلِ التَّصْدِيقُ بِأَنَّهُمْ صَادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ عَنِ اللَّهِ وَدَلَّ الْإِجْمَالُ فِي الْمَلَائِكَةِ وَالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِذَلِكَ في الإيمان بهم غَيْرِ تَفْصِيلٍ إِلَّا مَنْ ثَبَتَتْ تَسْمِيَتُهُ فَيَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ عَلَى التَّعْيِينِ (وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ بِهِ التَّصْدِيقُ بِمَا يَقَعُ فِيهِ مِنَ الْحِسَابِ وَالْمِيزَانِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ (وَالْقَدَرِ) مَصْدَرٌ تَقُولُ قَدَرْتُ الشَّيْءَ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا أَقْدِرُهُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ قَدْرًا وَقَدَرًا إِذَا أَحَطْتُ بِمِقْدَارِهِ وَالْمُرَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلِمَ مَقَادِيرَ الْأَشْيَاءِ وَأَزْمَانَهَا قَبْلَ إِيجَادِهَا ثُمَّ أَوْجَدَ مَا سَبَقَ فِي عِلْمِهِ أَنَّهُ يُوجَدُ فَكُلُّ مُحْدَثٍ

صَادِرٌ عَنْ عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَإِرَادَتِهِ هَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنَ الدِّينِ بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّةِ وَعَلَيْهِ كَانَ السَّلَفُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَخِيَارُ التَّابِعِينَ إِلَى أَنْ حَدَثَتْ بِدْعَةُ الْقَدَرِ فِي أَوَاخِرِ زَمَنِ الصَّحَابَةِ (خَيْرِهِ وَشَرِّهِ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنَ الْقَدَرِ (قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) أَنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ أَيْ أَنَّهُ وَالضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ وَلَا هِيَ النَّافِيَةُ لِلْجِنْسِ عَلَى سَبِيلِ التَّنْصِيصِ عَلَى نَفْيِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ (وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ) أَيْ وَشَهَادَةُ أَنَّ مُحَمَّدًا إِلَخْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ مَا أَكْثَرَ مَا يَغْلَطُ النَّاسُ فِي هَذَا الْمَسْأَلَةِ فَأَمَّا الزُّهْرِيُّ فَقَالَ الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ وَالْإِيمَانُ الْعَمَلُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قلوبكم وَذَهَبَ غَيْرُهُ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بيت من المسلمين قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ أَيْ يُقَيَّدُ الْكَلَامُ فِي هَذَا وَلَا يُطْلَقُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمَ قَدْ يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَلَا يَكُونُ مُؤْمِنًا فِي بَعْضِهَا وَالْمُؤْمِنُ مُسْلِمٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ فَكُلُّ مُؤْمِنٍ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ كُلُّ مُسْلِمٍ مُؤْمِنًا وَإِذَا حَمَلْتَ الْأَمْرَ عَلَى هَذَا اسْتَقَامَ لَكَ تَأْوِيلُ الْآيَاتِ وَاعْتَدَلَ الْقَوْلُ فِيهَا وَلَمْ يَخْتَلِفْ شَيْءٌ مِنْهَا وَأَصْلُ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ وَأَصْلُ الْإِسْلَامِ الِاسْتِسْلَامُ وَالِانْقِيَادُ فَقَدْ يَكُونُ الْمَرْءُ مُسْتَسْلِمًا فِي الظَّاهِرِ غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الْبَاطِنِ وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي الْبَاطِنِ غَيْرَ مُنْقَادٍ فِي الظَّاهِرِ انْتَهَى قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَالْحَقُّ أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّ الْإِيمَانَ أَيْضًا قَدْ يُوجَدُ بِدُونِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي شَاهِقِ الْجَبَلِ إِذَا عَرَفَ اللَّهَ بِعَقْلِهِ وَصَدَّقَ بِوُجُودِهِ وَوَحْدَتِهِ وَسَائِرِ صِفَاتِهِ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَهُ دَعْوَةُ نَبِيٍّ وَكَذَا فِي الْكَافِرِ إِذَا اعْتَقَدَ جَمِيعَ مَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ اعْتِقَادًا جَازِمًا وَمَاتَ فَجْأَةً قَبْلَ الْإِقْرَارِ وَالْعَمَلِ انتهى وقال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمنا إِلَخْ قَدِ اسْتُفِيدَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْإِيمَانَ أَخَصُّ مِنَ الْإِسْلَامِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِجَالًا وَلَمْ يُعْطِ رَجُلًا مِنْهُمْ شَيْئًا فَقَالَ سَعْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ فُلَانًا وَفُلَانًا وَلَمْ تُعْطِ فُلَانًا شَيْئًا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مُسْلِمٌ حَتَّى أَعَادَهَا سَعْدٌ ثَلَاثًا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَوْ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فَقَدْ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْمُسْلِمِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ أَخَصُّ مِنَ الْإِسْلَامِ وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ بِأَدِلَّتِهِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ انْتَهَى (قَالَ فَمَا الْإِحْسَانُ إِلَخْ) هُوَ مَصْدَرٌ تَقُولُ أَحْسَنَ يُحْسِنُ إِحْسَانًا وَيَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ

تَقُولُ أَحْسَنْتُ كَذَا إِذَا أَتْقَنْتُهُ وَأَحْسَنْتُ إِلَى فُلَانٍ إِذَا أَوْصَلْتُ إِلَيْهِ النَّفْعَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُرَادُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِتْقَانُ الْعِبَادَةِ وَقَدْ يُلْحَظُ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُخْلِصَ مَثَلًا مُحْسِنٌ بِإِخْلَاصِهِ إِلَى نَفْسِهِ وَإِحْسَانُ الْعِبَادَةِ الْإِخْلَاصُ فِيهَا وَالْخُشُوعُ وَفَرَاغُ الْبَالِ حَالَ التَّلَبُّسِ بِهَا وَمُرَاقَبَةُ الْمَعْبُودِ وَأَشَارَ في الجواب إلى حالتين أرفعهما أي يَغْلِبَ عَلَيْهِ مُشَاهَدَةُ الْحَقِّ حَتَّى كَأَنَّهُ يَرَاهُ بِعَيْنِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ كَأَنَّكَ تَرَاهُ أَيْ وَهُوَ يَرَاكَ وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّ الْحَقَّ مُطَّلِعٌ عَلَيْهِ يَرَى كُلَّ مَا يَعْمَلُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ وَهَاتَانِ الْحَالَتَانِ يُثْمِرُهُمَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ وَخَشْيَتُهُ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُوتِيهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا أَنَّ أَحَدَنَا قَامَ فِي عِبَادَةٍ وَهُوَ يُعَايِنُ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنَ الْخُضُوعِ وَالْخُشُوعِ وَحُسْنِ السَّمْتِ وَاجْتِمَاعِهِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِتَتْمِيمِهَا عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهَا إِلَّا أَتَى بِهِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْبُدِ اللَّهَ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِكَ كَعِبَادَتِكَ فِي حَالِ الْعِيَانِ فَإِنَّ التَّتْمِيمَ الْمَذْكُورَ فِي حَالِ الْعِيَانِ إِنَّمَا كَانَ لِعِلْمِ الْعَبْدِ بِاطِّلَاعِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِ فَلَا يَقْدُمُ الْعَبْدُ عَلَى تَقْصِيرٍ فِي هَذَا الْحَالِ لِلِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ مَعَ عَدَمِ رُؤْيَةِ الْعَبْدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ بمقضاه فَمَقْصُودُ الْكَلَامِ الْحَثُّ عَلَى الْإِخْلَاصِ فِي الْعِبَادَةِ وَمُرَاقَبَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ تَبَارَكَ تَعَالَى فِي إِتْمَامِهِ الْخُشُوعَ وَالْخُضُوعَ وَغَيْرَ ذَلِكَ (قَالَ) أَيْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (يَقُولُ) أَيْ جِبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ (صَدَقْتَ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ (قَالَ) أَيْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَتَعَجَّبْنَا مِنْهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ) سَبَبُ تَعَجُّبِهِمْ أَنَّ هَذَا خِلَافُ عَادَةِ السَّائِلِ الْجَاهِلِ إِنَّمَا هَذَا كَلَامُ خَبِيرٍ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَنْ يَعْلَمُ هَذَا غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ فَمَتَى السَّاعَةُ) أَيْ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا) مَا نَافِيَةٌ (بِأَعْلَمَ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُشْعِرًا بِالتَّسَاوِي فِي الْعِلْمِ لَكِنِ الْمُرَادُ التَّسَاوِي فِي الْعِلْمِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَأْثَرَ بِعِلْمِهَا لِقَوْلِهِ بَعْدَ خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ أَنَّ الْعَالِمَ إِذَا سُئِلَ عما لا يعلم بِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ نَقْصٌ مِنْ مَرْتَبَتِهِ بَلْ يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مَزِيدِ وَرَعِهِ (فَمَا أَمَارَتُهَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْأَمَارَةُ وَالْأَمَارُ بِإِثْبَاتِ الْهَاءِ وَحَذْفِهَا هِيَ الْعَلَامَةُ (قَالَ أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا) قَالَ النَّوَوِيُّ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى رَبَّهَا عَلَى التَّذْكِيرِ وَفِي أُخْرَى بَعْلَهَا قَالَ يَعْنِي السَّرَارِيَّ وَمَعْنَى رَبَّهَا وَرَبَّتَهَا سَيِّدُهَا وَمَالِكُهَا وَسَيِّدَتُهَا وَمَالِكَتُهَا وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنَ الْعُلَمَاءِ هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ كَثْرَةِ السَّرَارِيِّ وَأَوْلَادِهِنَّ فَإِنَّ وَلَدَهَا مِنْ سَيِّدِهَا بِمَنْزِلَةِ سَيِّدِهَا لِأَنَّ مَالَ الْإِنْسَانِ صَائِرٌ إِلَى وَلَدِهِ وَقَدْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ فِي الْحَالِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِينَ إِمَّا بِتَصْرِيحِ أَبِيهِ بِالْإِذْنِ وَإِمَّا بِمَا يَعْلَمُهُ بِقَرِينَةِ الْحَالِ أَوْ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ

وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْآبَاءَ يَلِدْنَ الْمُلُوكَ فَتَكُونُ أُمُّهُ مِنْ جُمْلَةِ رَعِيَّتِهِ وَهُوَ سَيِّدُهَا وَسَيِّدُ غَيْرِهَا مِنْ رَعِيَّتِهِ وَهُوَ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ تَفْسُدُ أَحْوَالُ النَّاسِ فَيَكْثُرُ بَيْعُ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَيَكْثُرُ تَرْدَادُهَا فِي أَيْدِي الْمُشْتَرِينَ حَتَّى يَشْتَرِيَهَا ابْنُهَا وَلَا يَدْرِي وَيُحْتَمَلُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ لَا يَخْتَصَّ هَذَا بِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ فَإِنَّهُ مُتَصَوَّرٌ فِي غَيْرِهِنَّ فَإِنَّ الْأَمَةَ تَلِدُ وَلَدًا حُرًّا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا بِشُبْهَةٍ أَوْ وَلَدًا رَقِيقًا بِنِكَاحٍ أَوْ زِنًا ثُمَّ تُبَاعُ الْأَمَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ بَيْعًا صَحِيحًا وَتَدُورُ فِي الْأَيْدِي حَتَّى يَشْتَرِيَهَا وَلَدُهَا وَهَذَا أَكْثَرُ وَأَعَمُّ مِنْ تَقْدِيرِهِ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَلَكِنَّهَا أَقْوَالٌ ضَعِيفَةٌ جِدًّا أَوْ فاسد فَتَرَكْتُهَا وَأَمَّا بَعْلُهَا فَالصَّحِيحُ فِي مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَعْلَ هُوَ الْمَالِكُ أَوِ السَّيِّدُ فَيَكُونُ بِمَعْنَى رَبِّهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ بعل الشيء ربه ومالكه قال بن عَبَّاسٍ وَالْمُفَسِّرُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَتَدْعُونَ بَعْلًا أَيْ رَبًّا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْبَعْلِ فِي الْحَدِيثِ الزَّوْجُ وَمَعْنَاهُ نَحْوُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ يَكْثُرُ بَيْعُ السَّرَارِيِّ حَتَّى يَتَزَوَّجَ الْإِنْسَانُ أُمَّهُ وَلَا يَدْرِي وَهَذَا أَيْضًا مَعْنَى صَحِيحٌ إِلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ إِذَا أَمْكَنَ حَمْلُ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْقَضِيَّةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ كَانَ أَوْلَى (وَأَنْ تَرَى) خِطَابٌ عَامٌّ لِيَدُلَّ عَلَى بلوغ الخطب فِي الْعِلْمِ مَبْلَغًا لَا يَخْتَصُّ بِهِ رُؤْيَةُ رَاءٍ (الْحُفَاةَ) بِضَمِّ الْحَاءِ جَمْعُ الْحَافِي وَهُوَ مَنْ لَا نَعْلَ لَهُ (الْعُرَاةَ) جَمْعُ الْعَارِي وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى مَنْ يَكُونُ بَعْضُ بَدَنِهِ مَكْشُوفًا مِمَّا يَحْسُنُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَلْبُوسًا (الْعَالَةَ) جَمْعُ عَائِلٍ وَهُوَ الْفَقِيرُ مِنْ عَالَ يَعِيلُ إِذَا افْتَقَرَ أَوْ مِنْ عَالَ يَعُولُ إِذَا افْتَقَرَ وَكَثُرَ عِيَالُهُ (وَرِعَاءَ الشَّاءِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْمَدِّ جَمْعُ رَاعٍ كَتَاجِرٍ وَتُجَّارٍ الشَّاءُ جمع شاء وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ (يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ) أَيْ يَتَفَاضَلُونَ فِي ارْتِفَاعِهِ وَكَثْرَتِهِ وَيَتَفَاخَرُونَ فِي حُسْنِهِ وَزِينَتِهِ وَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ إِنْ جَعَلْتَ الرُّؤْيَةَ فِعْلَ الْبَصِيرَةِ أَوْ حَالٌ إِنْ جَعَلْتَهَا فِعْلَ الْبَاصِرَةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ أَهْلَ الْبَادِيَةِ وَأَشْبَاهَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ تَتَبَسَّطُ لَهُمُ الدُّنْيَا حَتَّى يَتَبَاهَوْنَ فِي الْبُنْيَانِ (فَلَقِيَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِثَلَاثٍ) فِي ظَاهِرِ هَذَا مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ ثُمَّ أَدْبَرَ الرَّجُلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُدُّوهُ عَلَيَّ فَأَخَذُوا لِيَرُدُّوهُ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا جِبْرِيلُ فَيُحْتَمَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَحْضُرْ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ فِي الْحَالِ بَلْ

باب ما جاء في إضافة الفرائض إلى الإيمان

كَانَ قَدْ قَامَ مِنَ الْمَجْلِسِ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَاضِرِينَ فِي الْحَالِ وَأَخْبَرَ عُمَرَ بَعْدَ ثَلَاثٍ إِذْ لَمْ يَكُنْ حاضر وَقْتَ إِخْبَارِ الْبَاقِينَ (فَقَالَ يَا عُمَرَ هَلْ تَدْرِي مَنِ السَّائِلُ) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ مُوسَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَعْرُوفُ بِمَرْدُوَيْهِ (أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ مُسْلِمًا رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيِّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا كَهْمَسٌ وَوَالِدُ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا هُوَ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ نَصْرِ بْنِ حَسَّانٍ الْعَنْبَرِيُّ أَبُو الْمُثَنَّى الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي ثِقَةٌ مُتْقِنٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ رَوَى عَنْ كَهْمَسٍ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ ابْنُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ وَأَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالْبُخَارِيُّ فِي خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (هذا حديث صحيح حسن) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ نَحْوُ هَذَا) أَيْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بَابُ مَا جَاءَ فِي إِضَافَةِ الْفَرَائِضِ إِلَى الْإِيمَانِ) أَيْ نِسْبَتُهَا إِلَيْهِ بِأَنْ تُجْعَلَ الْفَرَائِضُ مِنَ الْإِيمَانِ أَوْ يُطْلَقَ هُوَ عليها

[2611] قَوْلُهُ (قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ) الْوَفْدُ جَمْعُ وَافِدٍ وَهُوَ الَّذِي أَتَى إِلَى الْأَمِيرِ بِرِسَالَةٍ مِنْ قَوْمٍ وَقِيلَ رَهْطٌ كِرَامٌ وَعَبْدُ الْقَيْسِ أَبُو قَبِيلَةٍ عَظِيمَةٍ تَنْتَهِي إِلَى رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ وَرَبِيعَةُ قَبِيلَةٌ عَظِيمَةٌ فِي مُقَابَلَةِ مُضَرَ وَكَانَتْ قَبِيلَةُ عَبْدِ الْقَيْسِ يَنْزِلُونَ الْبَحْرَيْنِ وَحَوَالَيِ الْقَطِيفِ وَمَا بَيْنَ هَجَرَ إِلَى الدِّيَارِ الْمُضَرِيَّةِ وَكَانَتْ وِفَادَتُهُمْ سَنَةَ ثَمَانٍ (فَقَالُوا إِنَّا هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ) قال بن الصَّلَاحِ الْحَيُّ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَالْمَعْنَى إِنَّا هَذَا الْحَيَّ حَيٌّ مِنْ رَبِيعَةَ الْحَيُّ هُوَ اسْمٌ لِمَنْزِلِ الْقَبِيلَةِ ثُمَّ سُمِّيَتِ الْقَبِيلَةُ بِهِ لِأَنَّ بَعْضَهُمْ يَحْيَا بِبَعْضٍ (وَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ) الْمُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ أَرْبَعَةٌ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَمُحَرَّمٌ مُتَوَالِيَةٌ وَرَجَبٌ فَرْدٌ قَالَ تَعَالَى إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم وَإِنَّمَا قَالُوا ذَلِكَ اعْتِذَارًا عَنْ عَدَمِ الْإِتْيَانِ إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي غَيْرِ هَذَا الْوَقْتِ لِأَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يُحَارِبُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَكُفُّونَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ تَعْظِيمًا لَهَا وَتَسْهِيلًا عَلَى زُوَّارِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ مِنَ الْحُرُوبِ وَالْغَارَاتِ الْوَاقِعَةِ مِنْهُمْ فِي غَيْرِهَا فَلَا يَأْمَنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْمَسَالِكِ وَالْمَرَاحِلِ إِلَّا فِيهَا وَمِنْ ثَمَّ كَانَ يُمْكِنُ مَجِيءُ هَؤُلَاءِ إِلَيْهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهَا دُونَ مَا عَدَاهَا لِأَمْنِهِمْ مِنْ كُفَّارِ مُضَرَ الْحَاجِزِينَ بَيْنَ مَنَازِلِهِمْ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ وَكَانَ هَذَا التَّعْظِيمُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وجدتموهم وَقِيلَ اللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ شَهْرُ رَجَبٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ التَّصْرِيحُ بِهِ وَكَانَتْ مُضَرُ تُبَالِغُ فِي تَعْظِيمِ شَهْرِ رَجَبٍ فَلِهَذَا أُضِيفَ إِلَيْهِمْ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ حَيْثُ قَالَ رَجَبُ مُضَرَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخُصُّونَهُ بِمَزِيدِ التَّعْظِيمِ مَعَ تَحْرِيمِهِمُ الْقِتَالَ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ الْأُخْرَى إِلَّا أَنَّهُمْ رُبَّمَا أَنِسُوهَا بِخِلَافِهِ (نَأْخُذُهُ عَنْكَ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِشَيْءٍ وَبِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ الْأَمْرِ (آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ) أَيْ خِصَالٍ أَوْ جُمَلٍ لِقَوْلِهِمْ حَدِّثْنَا يُحْمَلُ مِنَ الْأَمْرِ وَهِيَ رِوَايَةُ قُرَّةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي (الْإِيمَانُ بِاللَّهِ) هَذِهِ إِحْدَى الْخِصَالِ الْأَرْبَعِ (ثُمَّ فَسَّرَهَا) أَيِ الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَتَأْنِيثُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ خُصْلَةٌ (شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ) بِرَفْعِ شَهَادَةُ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَأَنْ تُؤَدُّوا خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ) بِالْجَرِّ فِي الثَّلَاثِ عَطْفٌ عَلَى الْإِيمَانِ وَهَذِهِ هِيَ الْخِصَالُ الثَّلَاثُ

الْبَاقِيَةُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِقَامُ الصَّلَاةِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ مُطَابَقَةُ الْحَدِيثِ بِالْبَابِ ظَاهِرَةٌ وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الرَّاوِيَ حَذَفَ الْخِصَالَ الثَّلَاثَ الْبَاقِيَةَ اخْتِصَارًا أَوْ نِسْيَانًا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ وَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصِيَامُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ قِيلَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تَخْلُو عَنْ إِشْكَالٍ لِأَنَّهُ إِنْ قُرِئَ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ إِلَخْ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى شَهَادَةُ لِيَكُونَ الْمَجْمُوعُ مِنَ الْإِيمَانِ فَأَيْنَ الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ وَإِنْ قُرِئَتْ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى قَوْلِهِ بِالْإِيمَانِ يَكُونُ الْمَذْكُورُ خَمْسَةً لَا أَرْبَعَةً وَأُجِيبَ عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ حَذَفَهَا الرَّاوِي اخْتِصَارًا أَوْ نِسْيَانًا وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي بِأَنَّهُ عَدَّ الْأَرْبَعَ الَّتِي وَعَدَهُمْ ثُمَّ زَادَهُمْ خَامِسَةً وَهِيَ أَدَاءُ الْخُمُسِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجَاوِرِينَ لِكُفَّارِ مُضَرَ وَكَانُوا أَهْلَ جِهَادٍ وَغَنَائِمَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ قَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَسْطًا حَسَنًا فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَهُ وَقَدْ ذَكَرَ لِعَدَمِ ذِكْرِ الْحَجِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وُجُوهًا مِنْهَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فُرِضَ ثُمَّ قَالَ هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ أَيْضًا وَزَادَ فِيهِ أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ إِلَخْ) رِوَايَةُ شُعْبَةَ هَذِهِ أَخْرَجَهَا الشَّيْخَانِ (قَالَ قُتَيْبَةُ وَكُنَّا نَرْضَى أَنْ نَرْجِعَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عِنْدِ عَبَّادِ بْنِ عَبَّادٍ بِحَدِيثَيْنِ) هَذَا كِنَايَةٌ عَنْ كونه ثقة وأما إيراد بن الْجَوْزِيِّ فِي مَوْضُوعَاتِ حَدِيثِ أَنَسٍ إِذَا بَلَغَ العبد أربعين سنة من طريق عبد

باب في استكمال الإيمان وزيادته ونقصانه

هَذَا وَنِسْبَتُهُ إِلَى الْوَضْعِ وَإِفْحَاشُ الْقَوْلِ فِيهِ فَوَهْمٌ مِنْهُ شَنِيعٌ جِدًّا فَإِنَّهُ الْتَبَسَ عَلَيْهِ برا وآخر كما في تهذيب التهذيب (بَابٌ فِي اسْتِكْمَالِ الْإِيمَانِ وَزِيَادَتِهِ وَنُقْصَانِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ النَّوْعُ الثَّالِثُ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ هَلْ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَهُوَ أَيْضًا مِنْ فُرُوعِ اخْتِلَافِهِمْ فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ فَقَالَ بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ أَنَّ حَقِيقَةَ التَّصْدِيقِ شَيْءٌ وَاحِدٌ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّهُ لَا يَقْبَلُ النُّقْصَانَ لِأَنَّهُ لَوْ نَقَصَ لَا يَبْقَى إِيمَانًا وَلَكِنْ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وَنَحْوِهَا مِنَ الْآيَاتِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ نَقْصِ الْإِيمَانِ وَقَالَ قَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى زِيَادَتَهُ فِي الْقُرْآنِ وَتَوَقَّفَ عَنْ نَقْصِهِ وقال لو نقص لذهب كله وقال بن بَطَّالٍ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَخَلَفِهَا أَنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَالْحُجَّةُ عَلَى ذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ فَإِيمَانُ مَنْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الزِّيَادَةُ نَاقِصٌ وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ هِبَةُ اللَّهِ اللَّالَكَائِيُّ فِي كِتَابِ شَرْحِ أُصُولِ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الْإِيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وعلي وبن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء وبن عباس وبن عُمَرَ وَعَمَّارٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَحُذَيْفَةُ وَسَلْمَانُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَجُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعُمَيْرُ بْنُ حَبِيبٍ وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَمِنَ التَّابِعِينَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ وعروة وعطاء وطاوس ومجاهد وبن أَبِي مَلِيكَةَ وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَأَيُّوبُ وَيُونُسُ وبن عَوْنٍ وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَأَبُو الْبُحْتُرِيِّ وَعَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَرِيرِيُّ وَزَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ وَالْأَعْمَشُ وَمَنْصُورٌ وَالْحَكَمُ وَحَمْزَةُ الزَّيَّاتُ وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ وَمَعْقِلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْجَرِيرِيُّ ثُمَّ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَمَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ وَمُفَضَّلُ بْنُ مُهَلْهَلٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْفَزَارِيُّ وَزَائِدَةُ وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَأَبُو هِشَامٍ عَبْدُ رَبِّهِ وَعَبْثَرُ بْنُ الْقَاسِمِ وَعَبْدُ الوهاب الثقفي وبن الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو عُبَيْدِ بْنُ سَلَامٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ وَالذُّهَلِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَسْلَمَ الطُّوسِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَزُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ وَزَائِدَةُ وَشُعَيْبُ بْنُ حَرْبٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَالنَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ وَالنَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ سَهْلُ بْنُ مُتَوَكِّلٍ

أَدْرَكْتُ أَلْفَ أُسْتَاذٍ كُلُّهُمْ يَقُولُ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ إنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى ذَلِكَ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ وَالشَّامِ مِنْهُمْ عُبَيْدُ اللَّهُ بن يزيد المقرئ وَعَبْدُ الْمَلِكِ الْمَاجِشُونُ وَمُطَرِّفٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ وَالضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ وَأَبُو الْوَلِيدِ وأبو النعمان والقعني وَأَبُو نُعَيْمٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى وَقَبِيصَةُ وَأَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ وَعَمْرُو بْنُ عَوْنٍ وَعَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَالنَّضْرُ بْنُ عبد الجبار وبن بُكَيْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَأَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ وَآدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ وَعَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَأَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ وَحَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ وَمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَصَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ وَنُظَرَاؤُهُمْ مِنْ أَهْلِ بِلَادِهِمْ وَذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُمَرَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ ذَلِكَ عَنْ خَلْقٍ قَالَ وَأَمَّا تَوَقُّفُ مَالِكٍ عَنِ الْقَوْلِ بِنُقْصَانِ الْإِيمَانِ فَخَشْيَةَ أَنْ يَتَنَاوَلَ عَلَيْهِ مُوَافَقَةَ الْخَوَارِجِ وَقَالَ رُسْتَهْ مَا ذَاكَرْتُ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِثْلَ عَلِيِّ بْنِ المديني وسليمان يعني بن حَرْبٍ وَالْحُمَيْدِيَّ وَغَيْرَهُمْ إِلَّا يَقُولُونَ الْإِيمَانُ قَوْلٌ وَعَمَلٌ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ وَحَكَاهُ اللَّالَكَائِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَنِ عَنْ وَكِيعٍ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَشَرِيكٍ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عياش وعبد العزيز بن أبي سلمة وَالْحَمَّادَيْنِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَقَالَ الْإِمَامُ هَذَا الْبَحْثُ لَفْظِيٌّ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيمَانِ إِنْ كَانَ هُوَ التَّصْدِيقَ فَلَا يَقْبَلُهُمَا وَإِنْ كَانَ الطَّاعَاتِ فَيَقْبَلُهُمَا ثُمَّ قَالَ الطَّاعَاتُ مُكَمِّلَةٌ لِلتَّصْدِيقِ فَكُلُّ مَا قَامَ مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ كَانَ مَصْرُوفًا إِلَى أَصْلِ الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ وَكُلُّ مَا دَلَّ عَلَى كَوْنِ الْإِيمَانِ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ فَهُوَ مَصْرُوفٌ إِلَى الْكَامِلِ وَهُوَ مَقْرُونٌ بِالْعَمَلِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْحَقُّ أَنَّ الْإِيمَانَ يَقْبَلُهُمَا سَوَاءٌ كَانَ عِبَارَةً عَنِ التَّصْدِيقِ مَعَ الْأَعْمَالِ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ بِمَعْنَى التَّصْدِيقِ وَحْدَهُ لِأَنَّ التَّصْدِيقَ بِالْقَلْبِ هُوَ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ وَهُوَ قَابِلٌ لِلْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ فَإِنَّ التَّصْدِيقَ بِجِسْمِيَّةِ الشَّبَحِ الَّذِي بَيْنَ أَيْدِينَا أَقْوَى مِنَ التَّصْدِيقِ بِجِسْمِيَّتِهِ إِذَا كَانَ بَعِيدًا عَنَّا وَلِأَنَّهُ يبتدي فِي التَّنَزُّلِ مِنْ أَجْلَى الْبَدِيهِيَّاتِ كَقَوْلِنَا النَّقِيضَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَرْتَفِعَانِ ثُمَّ يَنْزِلُ إِلَى مَا دُونَهُ كَقَوْلِنَا الْأَشْيَاءُ الْمُتَسَاوِيَةُ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ مُتَسَاوِيَةٌ ثُمَّ إِلَى أَجْلَى النَّظَرِيَّاتِ كَوُجُودِ الصَّانِعِ ثُمَّ إِلَى مَا دُونَهُ كَكَوْنِهِ مَرْئِيًّا ثُمَّ إِلَى أَخْفَاهَا كَاعْتِقَادِ أَنَّ الْعَرَضَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ الْحَقُّ أَنَّ التَّصْدِيقَ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ بِوَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ الْقُوَّةُ وَالضَّعْفُ لِأَنَّهُ مِنَ الْكَيْفِيَّاتِ النَّفْسَانِيَّةِ وَهِيَ تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ كَالْفَرَحِ وَالْحُزْنِ وَالْغَضَبِ

وَلَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ إِيمَانُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْرَادِ الْأُمَّةِ سَوَاءً وَأَنَّهُ بَاطِلٌ إِجْمَاعًا وَلِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام (ولكن ليطمئن قلبي) الثَّانِي التَّصْدِيقُ التَّفْصِيلِيُّ فِي أَفْرَادِ مَا عُلِمَ مَجِيئُهُ بِهِ جُزْءٌ مِنَ الْإِيمَانِ يُثَابُ عَلَيْهِ ثَوَابُهُ عَلَى تَصْدِيقِهِ بِالْآخَرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَيْهِ نَظَرِيٌّ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ الْحَقِيقُ بِالْقَبُولِ أَنَّ الْإِيمَانَ بِحَسَبِ التَّصْدِيقِ يَزِيدُ بِحَسَبِ الْكَمِّيَّةِ الْمُعَظَّمَةِ وَهِيَ الْعَدَدُ قَبْلَ تَقَرُّرِ الشَّرَائِعِ بِأَنْ يُؤْمِنَ الْإِنْسَانُ بِجُمْلَةِ مَا ثَبَتَ مِنَ الْفَرَائِضِ ثُمَّ يَثْبُتُ فَرْضٌ آخَرُ فَيُؤْمِنُ بِهِ أَيْضًا ثُمَّ وَثُمَّ فَيَزْدَادُ إِيمَانُهُ أَوْ يُؤْمِنُ بِحَقِيقَةِ كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِجْمَالًا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ إِلَيْهِ الشَّرَائِعُ تفصيلا ثم تبلغه فيؤمن بها تفصيلا بعد ما آمَنَ بِهِ إِجْمَالًا فَيَزْدَادُ إِيمَانُهُ فَإِنْ قُلْتَ يلزم من هذا تفضيل آمن من بَعْدَ تَقْرِيرِ الشَّرَائِعِ عَلَى مَنْ مَاتَ فِي زَمَنِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لِأَنَّ إِيمَانَ أُولَئِكَ أَزْيَدُ مِنْ إِيمَانِ هَؤُلَاءِ قُلْتُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ سَبَبُ التَّفْضِيلِ فِي الْآخِرَةِ وَسَنَدُ الْمَنْعِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْفَرِيقَيْنِ مُؤْمِنٌ بِجَمِيعِ مَا يجب الإيمان به يحسب زَمَانِهِ وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي ذَلِكَ وَأَيْضًا إِنَّمَا يَلْزَمُ تَفْضِيلُهُمْ عَلَى الصَّحَابَةِ بِسَبَبِ زِيَادَةِ عَدَدِ إِيمَانِهِمْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لِإِيمَانِهِمْ تَرْجِيحٌ بِاعْتِبَارٍ آخَرَ وَهُوَ قُوَّةُ الْيَقِينِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِأَنَّ لِإِيمَانِهِمْ تَرْجِيحًا أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَوْ وُزِنَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ مَعَ إِيمَانِ جَمِيعِ الْخَلْقِ لَرَجَحَ إِيمَانُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَا يَنْقُصُ الْإِيمَانُ بِحَسَبِ الْعَدَدِ قَبْلَ تَقَرُّرِ الشَّرَائِعِ وَلَا يَلْزَمُ تَرْكُ الْإِيمَانِ بِنَقْصِ مَا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ بِحَسَبِ الْعَدَدِ بَعْدَ تَقَرُّرِ الشَّرَائِعِ بِتَكْرَارِ التَّصْدِيقِ وَالتَّلَفُّظِ بِكَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بَعْدَ الذُّهُولِ عَنْهُ تَكْرَارًا كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا وَيَزِيدُ وَيَنْقُصُ مُطْلَقًا أَيْ قَبْلَ تَقَرُّرِ الشَّرَائِعِ وَبَعْدَهُ بِحَسَبِ الْكَيْفِيَّةِ أَيِ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ بِحَسَبِ ظهور أدلة حقية الْمُؤْمِنِ بِهِ وَخَفَائِهَا وَقُوَّتِهَا وَضَعْفِهَا وَقُوَّةِ اعْتِقَادِ الْمُقَلِّدِ فِي الْمُقَلَّدِ وَضَعْفِهِ وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ قَالَ الْأَظْهَرُ أَنَّ نَفْسَ التَّصْدِيقِ يَزِيدُ بِكَثْرَةِ النَّظَرِ وَتَظَاهُرِ الْأَدِلَّةِ وَلِهَذَا يَكُونُ إِيمَانُ الصِّدِّيقِينَ وَالرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ أَقْوَى مِنْ إِيمَانِ غَيْرِهِمْ بِحَيْثُ لَا تُغْرِيهِمُ الشُّبْهَةُ وَلَا يُزَلْزِلُ إِيمَانَهُمْ مُعَارِضٌ وَلَا تَزَالُ قُلُوبُهُمْ مُنْشَرِحَةً لِلْإِسْلَامِ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ عَلَيْهِمُ الْأَحْوَالُ انْتَهَى كَلَامُ الْعَيْنِيِّ بِلَفْظِهِ وَقَالَ بَعْدَ وَرَقَةٍ قَوْلُهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ أَيِ الْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ دُخُولِ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ فِيهِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ نَفْسَ التَّصْدِيقِ فَإِنَّهُ أَيْضًا يَزِيدُ وَيَنْقُصُ أَيْ قُوَّةً وضعفا أي إجمالا وتفصيلا أو تعددا بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الْمُؤْمِنِ بِهِ كَمَا حَقَّقْنَاهُ فِيمَا مضى انتهى

قُلْتُ قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ نَفْسَ التَّصْدِيقِ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [2612] قَوْلُهُ (إِنَّ مِنْ أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا) بِضَمِّ اللَّامِ وَيُسَكَّنُ لِأَنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ يُوجِبُ حُسْنَ الْخُلُقِ وَالْإِحْسَانَ إِلَى كَافَّةِ الْإِنْسَانِ (وَأَلْطَفُهُمْ بِأَهْلِهِ) أَيْ أرفقهم وأبرهم بنسائه وأولادهم وَأَقَارِبِهِ وَعِتْرَتِهِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ كُلَّهُمْ لَيْسُوا سَوَاءً فِي الْإِيمَانِ بَلْ بَعْضُهُمْ أَكْمَلُ إِيمَانًا مِنْ بَعْضٍ وَبِهِ مُطَابَقَةٌ لِحَدِيثِ الْبَابِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مُخْتَصَرًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي صِفَةِ جَهَنَّمَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ قَوْلُهُ (كَانَ وَاللَّهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ ذَوِي الْأَلْبَابِ) زَادَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بَعْدَ هَذَا مَا أَدْرَكْتُ بِهَذَا الْمِصْرِ رَجُلًا كَانَ أَعْلَمَ بِالْفُقَهَاءِ مِنْ أَبِي قِلَابَةَ [2613] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ هُرَيْمٍ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُصَغَّرًا (بْنُ مِسْعَرٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (الْأَزْدِيُّ التِّرْمِذِيُّ) مَقْبُولٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ

قَوْلُهُ (خَطَبَ النَّاسَ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أضح أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ إِلَخْ (ثُمَّ قَالَ يَا مَعْشَرَ) النِّسَاءِ أَيْ جَمَاعَتَهُنَّ وَالْخِطَابُ عَامٌّ غَلَبَتِ الْحَاضِرَاتُ عَلَى الْغُيَّبِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمَعْشَرُ هُمُ الْجَمَاعَةُ الَّذِينَ أَمْرُهُمْ وَاحِدٌ أَيْ مُشْتَرِكُونَ وَهُوَ اسْمٌ يَتَنَاوَلُهُمْ كَالْإِنْسِ مَعْشَرٌ وَالْجِنِّ مَعْشَرٌ وَالْأَنْبِيَاءِ مَعْشَرٌ وَالنِّسَاءِ مَعْشَرٌ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَجَمْعُهُ مَعَاشِرَ (تَصَدَّقْنَ) أَمْرٌ لَهُنَّ أَيْ أَعْطِينَ الصَّدَقَةَ (وَلِمَ ذَاكَ) أَصْلُهُ لِمَا حُذِفَتْ أَلِفُ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ بِدُخُولِ حَرْفِ الْجَرِّ عَلَيْهَا تخفيفا واللام متعلقة مقدر بَعْدَهَا وَالْوَاوُ إِمَّا لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ قَبْلَهُ وَالتَّقْدِيرُ فَقَالَتْ كَيْفَ يَكُونُ ذَاكَ وَلِأَيِّ شَيْءٍ نَكُونُ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ أَوْ زَائِدَةٌ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ لَا سُؤَالٌ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ مُنْقَطِعٌ عَمَّا قَبْلَهُ (لِكَثْرَةِ لَعْنِكُنَّ) اللَّعْنُ هُوَ الدُّعَاءُ بِالْإِبْعَادِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى (يَعْنِي وَكُفْرِكُنَّ الْعَشِيرَ) هَذَا وَقَوْلُ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ قَالَ النَّوَوِيُّ الْعَشِيرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الشِّينِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْمُعَاشِرُ مُطْلَقًا وَالْمُرَادُ هُنَا الزَّوْجُ انْتَهَى وَكُفْرَانُ الْعَشِيرِ جَحْدُ نِعْمَتِهِ وَإِنْكَارُهَا أَوْ سَتْرُهَا بِتَرْكِ شُكْرِهَا وَاسْتِعْمَالُ الْكُفْرَانِ فِي النِّعْمَةِ وَالْكُفْرِ فِي الدِّينِ أَكْثَرُ (مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ) صِفَةُ مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ نَاقِصَاتٍ (أَغْلَبَ لِذَوِي الْأَلْبَابِ) أَيْ لِذَوِي الْعُقُولِ وَالْأَلْبَابُ جَمْعُ اللُّبِّ وَهُوَ الْعَقْلُ الْخَالِصُ مِنْ شَوْبِ الْهَوَى وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ ذُو اللُّبِّ وَالرَّأْيِ مَغْلُوبًا فَغَيْرُهُ أَوْلَى (مِنْكُنَّ) مُتَعَلِّقٌ بِأَغْلَبَ (وَمَا نُقْصَانُ عَقْلِهَا وَدِينِهَا) كَأَنَّهُ خَفِيَ عَلَيْهَا ذَلِكَ حَتَّى سَأَلَتْ عَنْهُ (قَالَ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ منكن بشهادة رجل) وفي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قَالَ الْحَافِظُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء لِأَنَّ الِاسْتِظْهَارَ بِأُخْرَى مُؤْذِنٌ بِقِلَّةِ ضَبْطِهَا وَهُوَ مُشْعِرٌ بِنَقْصِ عَقْلِهَا (وَنُقْصَانُ دِينِكُنَّ الْحَيْضَةُ) بِفَتْحِ الحاء (فتمكث إِحْدَاكُنَّ الثَّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ) أَيْ ثَلَاثَ لَيَالٍ مَعَ أَيَّامِهَا وَأَرْبَعَ لَيَالٍ مَعَ أَيَّامِهَا (لَا تُصَلِّي) أَيْ وَلَا تَصُومُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ (قُلْنَ بَلَى) قَالَ

فَذَلِكَ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا وَصْفُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّسَاءَ بِنُقْصَانِ الدِّينِ لِتَرْكِهِنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ فَقَدْ يُسْتَشْكَلُ مَعْنَاهُ وَلَيْسَ بِمُشْكِلٍ بَلْ هُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الدِّينَ وَالْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ مُشْتَرِكَةٌ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ كَمَا قَدَّمْنَا فِي مَوَاضِعَ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ أَنَّ الطَّاعَاتِ تُسَمَّى إِيمَانًا وَدِينًا وَإِذَا أُثْبِتَ هَذَا عَلِمْنَا أَنَّ مَنْ كَثُرَتْ عِبَادَتُهُ زَادَ إِيمَانُهُ وَدِينُهُ وَمَنْ نَقَصَتْ عِبَادَتُهُ نَقَصَ دِينُهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَقَدْ تَقَدَّمَ تخريجه آنفا وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [2614] قَوْلُهُ (الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا) وَفِي رِوَايَاتِ الشَّيْخَيْنِ شُعْبَةً مَكَانَ بَابًا فَالْمُرَادُ بِالْبَابِ هُنَا الشُّعْبَةُ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الشَّيْءِ وَالْمُرَادُ الْخَصْلَةُ أَوِ الْجُزْءُ قَالَهُ الْحَافِظُ وَالْبِضْعُ بِكَسْرِ الْبَاءِ هُوَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ أَوْ إِلَى الْخَمْسِ أَوْ مَا بَيْنَ الْوَاحِدَةِ إِلَى الرَّابِعَةِ أَوْ مِنْ أَرْبَعٍ إِلَى تِسْعٍ أَوْ هُوَ سَبْعٌ كَذَا فِي الْقَامُوسِ اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِضْعٌ وَسِتُّونَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ وَفِي أُخْرَى لَهُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ بِالشَّكِّ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ قَالَ الْحَافِظُ وَأَمَّا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ أَرْبَعٌ وَسِتُّونَ فَمَعْلُولَةٌ وَعَلَى صِحَّتِهَا لَا تُخَالِفُ رِوَايَةَ الْبُخَارِيِّ وَتَرْجِيحُ رِوَايَةِ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ لِكَوْنِهَا زِيَادَةَ ثِقَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلِيمِيُّ ثُمَّ عِيَاضٌ لَا يَسْتَقِيمُ إِذِ الَّذِي زَادَهَا لَمْ يَسْتَمِرَّ عَلَى الْجَزْمِ بِهَا لَا سِيَّمَا مَعَ اتحاد المخرج وقد رجح بن الصَّلَاحِ الْأَقَلَّ لِكَوْنِهِ الْمُتَيَقَّنَ (فَأَدْنَاهَا) أَيْ أَقْرَبُهَا مَنْزِلَةً وَأَدْوَنُهَا مِقْدَارًا وَمَرْتَبَةً بِمَعْنَى أَقْرَبُهَا تَنَاوُلًا وَأَسْهَلُهَا تَوَاصُلًا مِنَ الدُّنُوِّ بِمَعْنَى الْقُرْبِ فَهُوَ ضِدٌّ فُلَانٌ بَعِيدُ الْمَنْزِلَةِ أَيْ رَفِيعُهَا أَوْ مِنَ الدَّنَاءَةِ أَيْ أَقَلُّهَا فَائِدَةً لِأَنَّهَا دَفْعُ أَدْنَى ضَرَرٍ (إِمَاطَةُ الْأَذَى) أَيْ تَنْحِيَتُهُ وَإِبْعَادُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَى كُلُّ مَا يُؤْذِي مِنْ حَجَرٍ وَمَدَرٍ أَوْ شَوْكٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَأَرْفَعُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَفْضَلُهَا مَكَانَ أَرْفَعُهَا قَالَ

باب ما جاء أن الحياء من الإيمان

الْقَاضِي قَدْ نَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهَا التَّوْحِيدُ الْمُتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَالَّذِي لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنَ الشُّعَبِ إِلَّا بَعْدَ صِحَّتِهِ وَأَدْنَاهَا مَا يُتَوَقَّعُ ضَرَرُهُ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ إِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِهِمْ وَبَقِيَ بَيْنَ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ أَعْدَادٌ لَوْ تَكَلَّفَ الْمُجْتَهِدُ تَحْصِيلَهَا بِغَلَبَةِ الظَّنِّ وَشِدَّةِ التَّتَبُّعِ لَأَمْكَنَهُ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُ مَنْ تَقَدَّمَ وَفِي الْحُكْمِ بِأَنَّ ذَلِكَ مُرَادُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُعُوبَةٌ ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَعْرِفَةُ أَعْيَانِهَا وَلَا يَقْدَحُ جَهْلُ ذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ إِذْ إِنَّ أُصُولَ الْإِيمَانِ وَفُرُوعَهُ مَعْلُومَةٌ مُحَقَّقَةٌ وَالْإِيمَانُ بِأَنَّ هَذَا الْعَدَدَ وَاجِبٌ فِي الْجُمْلَةِ انْتَهَى وَقَدْ صَنَّفَ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الشُّعَبِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ صنف فيها كتابا سماه فَوَائِدَ الْمِنْهَاجِ وَالْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَسَمَّاهُ شُعَبَ الْإِيمَانِ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْجَلِيلِ أَيْضًا سَمَّاهُ شُعَبَ الْإِيمَانِ وَإِسْحَاقُ بْنُ الْقُرْطُبِيِّ وَسَمَّاهُ كِتَابَ النَّصَائِحِ وَالْإِمَامُ أَبُو حَاتِمٍ وَسَمَّاهُ وَصْفَ الْإِيمَانِ وَشُعَبِهِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَمْ يَتَّفِقْ مَنْ عَدَّ الشُّعَبَ عَلَى نَمَطٍ واحد وأقربها إلى الصواب طريقة بن حبان لكن لم يقف عَلَى بَيَانِهِ مِنْ كَلَامِهِ وَقَدْ لَخَّصْتُ مِمَّا أَوْرَدَهُ مَا أَذْكُرُهُ ثُمَّ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ بِقَوْلِهِ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ الشُّعَبَ تَتَفَرَّعُ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ وَأَعْمَالِ اللِّسَانِ وَأَعْمَالِ الْبَدَنِ فَأَعْمَالُ الْقَلْبِ فِيهَا الْمُعْتَقَدَاتُ وَالنِّيَّاتُ وَتَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَصْلَةً إِلَخْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْحَيَاءِ لُغَةً وَشَرْعًا فِي بَابِ الْحَيَاءِ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ

باب ما جاء في حرمة الصلاة

[2615] قَوْلُهُ (وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ) أَيْ يَنْصَحُ أَوْ يُخَوِّفُ أَوْ يُذَكِّرُ كَذَا شَرَحُوهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُشْرَحَ بِمَا جَاءَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ وَلَفْظُهُ يُعَاتِبُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ يقول إنك لتستحيي حَتَّى كَأَنَّهُ يَقُولُ قَدْ أَضْرِبُكَ انْتَهَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ جَمَعَ لَهُ الْعِتَابَ وَالْوَعْظَ فَذَكَرَ بَعْضُ الرُّوَاةِ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآخَرُ لَكِنَّ الْمَخْرَجَ مُتَّحِدٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الرَّاوِي بِحَسْبِ مَا اعْتَقَدَ أَنَّ كُلَّ لَفْظٍ مِنْهُمَا يَقُومُ مَقَامَ الْآخَرِ وَفِي سَبَبِيَّةٌ فَكَأَنَّ الرَّجُلَ كَانَ كَثِيرَ الْحَيَاءِ فَكَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِنَ اسْتِيفَاءِ حُقُوقِهِ فَعَاتَبَهُ أَخُوهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُ أي اتركه على هذا الخلق السني ثُمَّ زَادَ فِي ذَلِكَ تَرْغِيبَ الْحِكْمَةِ بِأَنَّهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَإِذَا كَانَ الْحَيَاءُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنَ اسْتِيفَاءِ حَقِّ نَفْسِهِ جَرَّ لَهُ ذَلِكَ تَحْصِيلُ أَجْرِ ذَلِكَ الْحَقِّ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ لَهُ مُسْتَحَقًّا كَذَا فِي الْفَتْحِ (الْحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ) أَيْ بَعْضُهُ أَوْ مِنْ شعبه قاله القارىء وَقَدْ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ كَلَامًا نَافِعًا مُفِيدًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَيَاءِ وَنَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ الْحَيَاءِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الْحَيَاءِ (بَاب مَا جَاءَ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ) [2616] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ) بْنِ نَشِيطٍ بِفَتْحِ النُّونِ بَعْدَهَا مُعْجَمَةٌ الصَّنْعَانِيُّ صَاحِبُ مَعْمَرٍ صَدُوقٌ تَحَامَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ) وَفِي رِوَايَةٍ

قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ نَخْرُجُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَقَدْ أَصَابَنَا الْحَرُّ فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْرَبُهُمْ مِنِّي فَدَنَوْتُ مِنْهُ وَقُلْتُ (أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ) بِرَفْعِ يُدْخِلُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ عَمَلٍ إِمَّا مُخَصِّصَةٌ أَوْ مَادِحَةٌ أَوْ كَاشِفَةٌ فَإِنَّ الْعَمَلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ كَأَنَّهُ لَا عَمَلَ وَقِيلَ بِالْجَزْمِ وَفِيهِ تَكَلُّفٌ (عَنْ عَظِيمٍ) أَيْ عَنْ عَمَلٍ عَظِيمٍ فِعْلُهُ عَلَى النُّفُوسِ (وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ) أَيْ هَيِّنٌ سَهْلٌ (عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ) أَيْ جَعَلَهُ سَهْلًا (تَعْبُدُ اللَّهَ) إِمَّا بِمَعْنَى الْأَمْرِ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ وَإِمَّا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَعْوِيلًا عَلَى أَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ أَيْ هُوَ أَنْ تَعْبُدَ أَيِ الْعَمَلُ الَّذِي يُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ عِبَادَتُكُ اللَّهَ بِحَذْفِ أَنْ أَوْ تَنْزِيلُ الْفِعْلِ مَنْزِلَةَ الْمَصْدَرِ وَعَدَلَ عَنْ صِيغَةِ الْأَمْرِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْمَأْمُورَ كَأَنَّهُ مُتَسَارِعٌ إِلَى الِامْتِثَالِ وَهُوَ يُخْبِرُ عَنْهُ إِظْهَارًا لِرَغْبَتِهِ فِي وُقُوعِهِ وَفَصَلَهُ عَنِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى لِكَوْنِهِ بَيَانًا أَوِ اسْتِئْنَافًا (أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ) أَيِ الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ بِهِ (الصَّوْمُ جُنَّةٌ) بِضَمِّ الْجِيمِ التُّرْسُ أَيْ مَانِعٌ مِنَ النَّارِ أَوْ مِنَ الْمَعَاصِي بِكَسْرَةِ الشَّهْوَةِ وَضَعْفِ الْقُوَّةِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الصَّوْمُ جُنَّةٌ أَيْ يَقِي صَاحِبَهُ مَا يُؤْذِيهِ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَالْجُنَّةُ الْوِقَايَةُ انتهى (والصدقة تطفىء الْخَطِيئَةَ) مِنَ الْإِطْفَاءِ أَيْ تُذْهِبُهَا وَتَمْحُو أَثَرَهَا أَيْ إِذَا كَانَتْ مُتَعَلِّقَةً بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا كَانَتْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ فَتُدْفَعُ تِلْكَ الْحَسَنَةُ إِلَى خَصْمِهِ عِوَضًا عَنْ مَظْلِمَتِهِ (وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أي كذلك يعني تطفي الْخَطِيئَةَ أَوْ هِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ وَالْأَوَّلُ أظهر قال القاضي وقيل الأظهر أن بقدر الْخَبَرُ وَهُوَ شِعَارُ الصَّالِحِينَ كَمَا فِي جَامِعِ الأصول ذكره القارىء (ثُمَّ تَلَا) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تتجافى جنوبهم أي تتباعد (عن المضاجع) أي المفارش والمراقد يدعون ربهم بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ (حَتَّى بَلَغَ يَعْمَلُونَ) بَقِيَّةُ الْآيَةِ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون (أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ) أَيْ بِأَصْلِ كُلِّ أَمْرٍ (وَعَمُودِهِ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ مَا يَقُومُ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ (وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ) بِكَسْرِ الذَّالِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَبِضَمِّهَا وَحُكِيَ فَتْحُهَا أَعْلَى الشَّيْءِ

وَالسَّنَامُ بِالْفَتْحِ مَا ارْتَفَعَ مِنْ ظَهْرِ الْجَمَلِ قَرِيبَ عُنُقِهِ (قَالَ رَأْسُ الْأَمْرِ) أَيْ أَمْرُ الدِّينِ (الْإِسْلَامُ) يَعْنِي الشَّهَادَتَيْنِ وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ الْمَقْلُوبِ إِذِ الْمَقْصُودُ تَشْبِيهُ الْإِسْلَامِ بِرَأْسِ الْأَمْرِ لِيَشْعُرَ بِأَنَّهُ مِنْ سَائِرِ الْأَعْمَالِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ فِي احْتِيَاجِهِ إِلَيْهِ وَعَدَمِ بَقَائِهِ دُونَهُ (وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ) يَعْنِي الْإِسْلَامَ هُوَ أَصْلُ الدِّينِ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ وَكَمَالٌ كَالْبَيْتِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ عَمُودٌ فَإِذَا صَلَّى وَدَاوَمَ قَوِيَ دِينُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ رِفْعَةٌ فَإِذَا جَاهَدَ حَصَلَ لِدِينِهِ رِفْعَةٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ) وَفِيهِ إِشْعَارٌ إِلَى صُعُوبَةِ الْجِهَادِ وَعُلُوِّ أَمْرِهِ وَتَفَوُّقِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْمَالِ وَالْجِهَادُ مِنَ الْجَهْدِ بِالْفَتْحِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ أَوْ بِالضَّمِّ وَهُوَ الطَّاقَةُ لِأَنَّهُ يَبْذُلُ الطَّاقَةَ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ عِنْدَ فِعْلِ الْعَدُوِّ مِثْلَ ذَلِكَ (أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ) الْمِلَاكُ مَا بِهِ إِحْكَامُ الشَّيْءِ وَتَقْوِيَتُهُ مِنْ مَلَكَ الْعَجِينَ إِذَا أَحْسَنَ عَجْنَهُ وَبَالَغَ فِيهِ وَأَهْلُ اللُّغَةِ يَكْسِرُونَ الْمِيمَ وَيَفْتَحُونَهَا وَالرِّوَايَةُ بِالْكَسْرِ وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا ذُكِرَ مِنْ أَوَّلِ الْحَدِيثِ إِلَى هُنَا مِنَ الْعِبَادَاتِ وَأَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ كُلِّهِ لِئَلَّا يُظَنَّ خِلَافَ الشُّمُولِ أَيْ بِمَا تَقُومُ بِهِ تِلْكَ الْعِبَادَاتُ جَمِيعُهَا (فَأَخَذَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِلِسَانِهِ) الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ كُفَّ) الرِّوَايَةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ أَيِ امْنَعْ (هَذَا) إِشَارَةٌ إِلَى اللِّسَانِ أَيْ لِسَانَكَ الْمُشَافِهَ لَهُ وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى الْمَنْصُوبِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ وَتَعْدِيَتُهُ بِعَلَى لِلتَّضْمِينِ أَوْ بِمَعْنَى عَنْ وَإِيرَادُ اسْمِ الْإِشَارَةِ لِمَزِيدِ التَّعْيِينِ أَوْ لِلتَّحْقِيرِ وَهُوَ مَفْعُولُ كُفَّ وَإِنَّمَا أَخَذَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِلِسَانِهِ وَأَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ اكْتِفَاءٍ بِالْقَوْلِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ أَمْرَ اللِّسَانِ صَعْبٌ وَالْمَعْنَى لَا تَكَلَّمُ بِمَا لَا يَعْنِيَكَ فَإِنَّ مَنْ كَثُرَ كَلَامُهُ كَثُرَ سَقْطُهُ وَمَنْ كَثُرَ سَقْطُهُ كَثُرَتْ ذُنُوبُهُ وَلِكَثْرَةِ الْكَلَامِ مَفَاسِدُ لَا تُحْصَى (وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ) بِالْهَمْزِ وَيُبَدَّلُ أَيْ هَلْ يُؤَاخِذُنَا وَيُعَاقِبُنَا أَوْ يُحَاسِبُنَا رَبُّنَا (بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ) يَعْنِي بِجَمِيعِهِ إِذْ لَا يَخْفَى عَلَى مُعَاذٍ الْمُؤَاخَذَةُ بِبَعْضِ الْكَلَامِ (ثَكِلَتْكَ) بِكَسْرِ الْكَافِ أَيْ فَقَدَتْكَ وَهُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يُرَادُ وُقُوعُهُ بَلْ هُوَ تَأْدِيبٌ وَتَنْبِيهٌ مِنَ الْغَفْلَةِ وَتَعْجِيبٌ وَتَعْظِيمٌ لِلْأَمْرِ (وَهَلْ يَكُبُّ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْكَافِ مِنْ كَبَّهُ إِذَا صَرَعَهُ عَلَى وَجْهِهِ بِخِلَافِ أَكَبَّ فَإِنَّ مَعْنَاهُ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ وَهُوَ مِنَ النَّوَادِرِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ هَلْ تَظُنُّ غَيْرَ مَا قُلْتَ وَهَلْ يَكُبُّ (النَّاسَ) أَيْ يُلْقِيهِمْ وَيُسْقِطُهُمْ وَيَصْرَعُهُمْ (عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْمَنْخِرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِهِمَا ثقب

الْأَنْفِ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلنَّفْيِ خَصَّهُمَا بِالْكَبِّ لِأَنَّهُمَا أَوَّلُ الْأَعْضَاءِ سُقُوطًا (إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ) أَيْ مَحْصُودَاتُهَا شَبَّهَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ الْإِنْسَانُ بِالزَّرْعِ الْمَحْصُودِ بِالْمِنْجَلِ وَهُوَ مِنْ بَلَاغَةِ النُّبُوَّةِ فَكَمَا أَنَّ الْمِنْجَلَ يَقْطَعُ وَلَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ والجيد والردي فَكَذَلِكَ لِسَانُ بَعْضِ النَّاسِ يَتَكَلَّمُ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْكَلَامِ حَسَنًا وَقَبِيحًا وَالْمَعْنَى لَا يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالْقَذْفِ وَالشَّتْمِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْبُهْتَانِ وَنَحْوِهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ وَهَذَا الْحُكْمُ وَارِدٌ عَلَى الْأَغْلَبِ أَيْ عَلَى الْأَكْثَرِ لِأَنَّكَ إِذَا جَرَّبْتَ لَمْ تَجِدْ أَحَدًا حَفِظَ لِسَانَهُ عَنِ السُّوءِ وَلَا يَصْدُرُ عَنْهُ شَيْءٌ يُوجِبُ دُخُولَ النَّارِ إِلَّا نَادِرًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي وبن مَاجَهْ [2617] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ) الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمِصْرِيُّ (عَنْ دَرَّاجٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَشِدَّةِ الرَّاءِ آخِرُهُ جِيمٌ (أَبِي السَّمْحِ) بِمُهْمَلَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالْمِيمُ سَاكِنَةٌ قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَدَرَّاجٌ لَقَبُ السَّهْمِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمِصْرِيُّ الْقَاصُّ صَدُوقٌ فِي حَدِيثِهِ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ ضَعْفٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ) أَيْ يَخْدُمُهُ وَيَعْمُرُهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ التَّرَدُّدُ إِلَيْهِ فِي إِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَجَمَاعَتِهِ وَهَذَا هُوَ التَّعَهُّدُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ عِمَارَتُهُ صُورَةً (فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ) أَيْ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ قَالَ الطِّيبِيُّ التَّعَهُّدُ وَالتَّعَاهُدُ الْحِفْظُ بِالشَّيْءِ وَوَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَهِيَ رِوَايَةٌ لِلتِّرْمِذِيِّ يَعْتَادُ بَدَلَ يَتَعَاهَدُ وَهُوَ أَقْوَى سَنَدًا وَأَوْفَقُ مَعْنًى لِشُمُولِهِ جَمِيعَ مَا يُنَاطُ بِهِ الْمَسْجِدُ مِنَ الْعِمَارَةِ وَاعْتِيَادِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا أَلَا تَرَى إِلَى مَا أَشْهَدَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ فَاشْهَدُوا لَهُ أَيِ اقْطَعُوا لَهُ الْقَوْلَ بِالْإِيمَانِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ قَوْلٌ صَدَرَ عَنْ مُوَاطَأَةِ الْقَلْبِ عَلَى القطع وقال بن حَجَرٍ بَلِ التَّعَهُّدُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَعَ شُمُولِهِ لِذَلِكَ يَشْمَلُ تَعَهُّدَهَا بِالْحِفْظِ وَالْعِمَارَةِ وَالْكَنْسِ وَالتَّطْيِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اسْتِشْهَادُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْآيَةِ الْآتِيَةِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ الَّتِي فِيهَا يَعْتَادُ أَخْرَجَهَا هُوَ في التفسير (إنما يعمر مساجد الله) أَيْ بِإِنْشَائِهَا أَوْ تَرْمِيمِهَا أَوْ إِحْيَائِهَا بِالْعِبَادَةِ

باب ما جاء في ترك الصلاة

وَالدُّرُوسِ قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ عِمَارَتُهَا كَنْسُهَا وَتَنْظِيفُهَا وَتَنْوِيرُهَا بِالْمَصَابِيحِ وَتَعْظِيمُهَا وَاعْتِيَادُهَا لِلْعِبَادَةِ وَالذِّكْرِ وَصِيَانَتُهَا عَمَّا لَمْ تُبْنَ لَهُ الْمَسَاجِدُ مِنْ حَدِيثِ الدُّنْيَا فَضْلًا عَنْ فُضُولِ الْحَدِيثِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن ماجه والدارمي وبن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي إِسْنَادِهِ دَرَّاجٌ وَهُوَ كَثِيرُ الْمَنَاكِيرِ نَقَلَهُ مَيْرَكُ عَنِ التَّخْرِيجِ (بَاب مَا جَاءَ فِي تَرْكِ الصَّلَاةِ) [2618] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ) بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ (وَأَبُو مُعَاوِيَةَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ (بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) أَيْ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَصْلَةٌ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ قال بن الْمَلَكِ مُتَعَلِّقُ بَيْنَ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ تَرْكُهَا وَصْلَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ يُقَالُ لِمَا يُوصِلُ الشَّيْءَ إِلَى الشَّيْءِ مِنْ شَخْصٍ أَوْ هَدِيَّةٍ هُوَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ تَرْكُ الصَّلَاةِ مُبْتَدَأٌ وَالظَّرْفُ الْمُقَدَّمُ خَبَرُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِعْلَ الصَّلَاةِ هُوَ الْحَاجِزُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْكُفْرِ [2619] قَوْلُهُ (بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ أَوِ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) كَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ أَوِ الْكُفْرِ بِلَفْظِ أَوْ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالْكُفْرِ بِالْوَاوِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ بالواو وفي مخرج أبي عوانة الأسفرايني وَأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ أَوِ الْكُفْرِ بِأَوْ لِكُلِّ واحد منهما وجه ومعنى بينه ويبن الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلَاةِ أَيِ الَّذِي يَمْنَعُ مِنْ كُفْرِهِ كَوْنُهُ لَمْ يَتْرُكِ الصَّلَاةَ فَإِذَا تَرَكَهَا لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشِّرْكِ حَائِلٌ بَلْ دخل فيه إِنَّ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ قَدْ يُطْلَقَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْكُفْرُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَيَخْتَصُّ الْمُشْرِكُ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَعَ اعْتِرَافِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى كَكُفَّارِ قُرَيْشٍ فَيَكُونُ الْكُفْرُ أَعَمَّ مِنَ الشِّرْكِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ [2620] قَوْلُهُ (وَأَبُو الزُّبَيْرِ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ [2621] قَوْلُهُ (وَيُوسُفُ بْنُ عِيسَى) أَبُو يَعْقُوبَ الْمَرْوَزِيُّ (أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى) السِّينَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ (عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ) الْمَرْوَزِيِّ (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ) الْمَرْوَزِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الْعَاشِرَةِ (وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ الشَّقِيقِيُّ) الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ صَاحِبُ حَدِيثٍ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ شَقِيقٍ) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَرْوَزِيُّ قَوْلُهُ (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ) يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ (الصَّلَاةُ) أَيْ هُوَ الصَّلَاةُ بِمَعْنَى أَنَّهَا الْمُوجِبَةُ لِحَقْنِ دِمَائِهِمْ كَالْعَهْدِ فِي حَقِّ الْمُعَاهَدِينَ (فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ) أَيْ فَإِذَا تَرَكُوهَا بَرِئَتْ منهم الذمة ودخلوا في حكم الكفار نتقاتلهم كَمَا نُقَاتِلُ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ قَالَ الْقَاضِي ضَمِيرُ الْغَائِبِ يَعْنِي فِي قَوْلِهِ وَبَيْنَهُمْ لِلْمُنَافِقِينَ شَبَّهَ الْمُوجِبَ لِإِبْقَائِهِمْ وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ بِالْعَهْدِ الْمُقْتَضِي لِإِبْقَاءِ الْمُعَاهَدِ وَالْكَفِّ عَنْهُ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْعُمْدَةَ فِي إِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ تَشَبُّهُهُمْ

بِالْمُسْلِمِينَ فِي حُضُورِ صَلَاتِهِمْ وَلُزُومِ جَمَاعَتِهِمْ وَانْقِيَادِهِمْ لِلْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ فَإِذَا تَرَكُوا ذَلِكَ كَانُوا هُمْ وَالْكُفَّارُ سَوَاءً قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا اسْتُؤْذِنَ فِي قَتْلِ الْمُنَافِقِينَ أَلَا إِنِّي نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ قِيلَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ الْغَائِبِينَ عَامًّا فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوَاءٌ كَانَ مُنَافِقًا أَوْ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي الدَّرْدَاءِ لَا تَتْرُكْ صَلَاةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّدًا فَمَنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ الذِّمَّةُ قوله (وفي الباب عن أنس وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَلَفْظُهُ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ كَفَرَ جِهَارًا وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَلَفْظُهُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْكُفْرِ أَوِ الشِّرْكِ تَرْكُ الصَّلَاةِ فَإِذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ فَقَدْ كَفَرَ وَرَوَاهُ بن مَاجَهْ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيْسَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالشِّرْكِ إِلَّا تَرْكُ الصَّلَاةِ فَإِذَا تَرَكَهَا فقد أشرك وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَفْظُهُ عُرَى الْإِسْلَامِ وَقَوَاعِدُ الدِّينِ ثَلَاثَةٌ عَلَيْهِنَّ أُسِّسَ الْإِسْلَامُ مَنْ تَرَكَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ فَهُوَ بِهَا كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَالصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَصَوْمُ رَمَضَانَ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ وَلَا نَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً [2622] قَوْلُهُ (لَا يَرَوْنَ) مِنَ الرَّأْيِ أَيْ لَا يَعْتَقِدُونَ (مِنَ الْأَعْمَالِ) صِفَةٌ لِقَوْلِهِ شَيْئًا (تَرْكُهُ كُفْرٌ) صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لَهُ (غَيْرَ الصَّلَاةِ) اسْتِثْنَاءٌ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إِلَى شَيْئًا قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَالْمُرَادُ ضَمِيرُ تَرْكُهُ ثُمَّ الْحَصْرُ يُفِيدُ أَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ عِنْدَهُمْ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْوِزْرِ وَأَقْرَبُ إلى الكفر قاله القارىء قُلْتُ بَلْ قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ هَذَا بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ كُفْرٌ وَالظَّاهِرُ مِنَ الصِّيغَةِ أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا الصَّحَابَةُ لِأَنَّ

قَوْلَهُ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ جَمْعَ مُضَافٍ وَهُوَ مِنَ الْمُشْعِرَاتِ بِذَلِكَ وَأَثَرُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَصَحَّحَهُ عَلَى شَرْطِهِمَا وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَيْهِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِي بَابِ حُجَّةِ مَنْ كَفَّرَ تَارِكَ الصَّلَاةِ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُفْرِ مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُنْكِرًا بِوُجُوبِهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يُخَالِطِ الْمُسْلِمِينَ مُدَّةً يَبْلُغُهُ فِيهَا وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ تَرْكُهُ لَهَا تَكَاسُلًا مَعَ اعْتِقَادِهِ لِوُجُوبِهَا كَمَا هُوَ حَالُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ فَذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ بَلْ يَفْسُقُ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قَتَلْنَاهُ حَدًّا كَالزَّانِي المحصن ولكنه يقتل بالسيف وذهب مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ يَكْفُرُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ إِلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ احْتَجَّ الْأَوَّلُونَ عَلَى عَدَمِ كُفْرِهِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يشاء وَبِمَا سَيَأْتِي مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي بَابِ حُجَّةِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ تَارِكَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقْطَعْ عليه بخلو كَحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مَنْ أَتَى بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ رواه أحمد وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَاحْتَجُّوا عَلَى قَتْلِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وَبِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا الْحَدِيثَ متفق عليه وتألوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَسَائِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عُقُوبَةَ الْكَافِرِ وَهِيَ الْقَتْلُ وَأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُسْتَحِلِّ أَوْ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُؤَوَّلُ بِهِ إِلَى الْكُفْرِ أَوْ عَلَى أَنَّ فِعْلَهُ فِعْلُ الْكُفَّارِ وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّانِي بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَاحْتَجَّ أَهْلُ الْقَوْلِ الثَّالِثِ عَلَى عَدَمِ الْكُفْرِ بِمَا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَعَلَى عَدَمِ الْقَتْلِ بِحَدِيثِ لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ وَلَيْسَ فِيهِ الصَّلَاةُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ كَافِرٌ يُقْتَلُ أَمَّا كُفْرُهُ فَلِأَنَّ الْأَحَادِيثَ قَدْ صَحَّتْ أَنَّ الشَّارِعَ سَمَّى تَارِكَ

الصَّلَاةِ بِذَلِكَ الِاسْمِ وَجَعَلَ الْحَائِلَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ إِطْلَاقِ هَذَا الِاسْمِ عَلَيْهِ هُوَ الصَّلَاةُ فَتَرْكُهَا مُقْتَضٍ لِجَوَازِ الْإِطْلَاقِ وَلَا يَلْزَمُنَا شَيْءٌ مِنَ الْمُعَارَضَاتِ الَّتِي أَوْرَدَهَا الْأَوَّلُونَ لِأَنَّا نَقُولُ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ غَيْرَ مَانِعٍ الْمَغْفِرَةَ وَاسْتِحْقَاقَ الشَّفَاعَةِ كَكُفْرِ أَهْلِ الْقِبْلَةِ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ الَّتِي سَمَّاهَا الشَّارِعُ كُفْرًا فلا من ملجى إِلَى التَّأْوِيلَاتِ الَّتِي وَقَعَ النَّاسُ فِي مَضِيقِهَا وَأَمَّا أَنَّهُ يُقْتَلُ فَلِأَنَّ حَدِيثَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ يَقْضِي بِوُجُوبِ الْقَتْلِ لِاسْتِلْزَامِ الْمُقَاتَلَةِ لَهُ وَقَدْ شَرَطَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ التَّخْلِيَةَ بِالتَّوْبَةِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ فَقَالَ فَإِنْ تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم فَلَا يُخَلَّى مَنْ لَمْ يُقِمِ الصَّلَاةَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ مُخْتَصَرًا مُلَخَّصًا قُلْتُ لَوْ تَأَمَّلْتَ فِي مَا حَقَّقَهُ الشَّوْكَانِيُّ فِي تَارِكِ الصَّلَاةِ مِنْ أَنَّهُ كَافِرٌ وَفِي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ لَعَرَفْتَ أَنَّهُ نِزَاعٌ لَفْظِيٌّ لِأَنَّهُ كَمَا لَا يُخَلَّدُ هُوَ فِي النَّارِ وَلَا يُحْرَمُ مِنَ الشَّفَاعَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَذَلِكَ لَا يُخَلَّدُ هُوَ فِيهَا وَلَا يحرم منها عند الشوكاني أيضا 0 - باب [2623] قوله (عن بن الهاد) اسمه يزي بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مُكْثِرٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ) قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ مَعْنَى رَضِيتُ بِالشَّيْءِ قَنَعْتُ بِهِ وَاكْتَفَيْتُ بِهِ وَلَمْ أَطْلُبْ مَعَهُ غَيْرَهُ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَمْ يَطْلُبْ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَسْمَعْ فِي غَيْرِ طَرِيقِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَسْلُكْ إِلَّا بِمَا يُوَافِقُ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ فَقَدْ خَالَطَتْ حَلَاوَةُ الْإِيمَانِ قَلْبَهُ وَذَاقَ طَعْمَهُ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ مَعْنَى الْحَدِيثِ صَحَّ إِيمَانُهُ وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ نَفْسُهُ وَخَامَرَ بَاطِنَهُ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْمَذْكُورَاتِ دَلِيلٌ لِثُبُوتِ مَعْرِفَتِهِ وَنَفَاذِ بَصِيرَتِهِ وَمُخَالَطَةِ بَشَاشَتِهِ قلبه لأن من رضي أمر سَهُلَ عَلَيْهِ فَكَذَا الْمُؤْمِنُ إِذَا دَخَلَ قَلْبَهُ الْإِيمَانُ سَهُلَ عَلَيْهِ طَاعَاتُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَذَّتْ لَهُ (رَبًّا) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَكَذَا أَخَوَاتُهُ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم [2624] قوله (عن أيوب) هو بن أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ قَوْلُهُ (ثَلَاثٌ) مُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ خَبَرُهُ وَجَازَ مَعَ أَنَّهُ نَكِرَةٌ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ خِصَالٌ ثَلَاثٌ (وَجَدَ بِهِنَّ) أَيْ بِسَبَبِ وُجُودِهِنَّ (طَعْمَ الْإِيمَانِ) بِفَتْحِ الطَّاءِ أَيْ لَذَّاتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى حَلَاوَةِ الْإِيمَانِ اسْتِلْذَاذُهُ الطَّاعَاتِ وَتَحَمُّلُهُ الْمَشَاقَّ في رضى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِيثَارُ ذَلِكَ عَلَى عَرَضِ الدُّنْيَا وَمَحَبَّةُ الْعَبْدِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِفِعْلِ طَاعَتِهِ وَتَرْكِ مُخَالَفَتِهِ وَكَذَا مَحَبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا الْحَدِيثُ بِمَعْنَى حَدِيثِ ذَاقَ طَعْمَ الْإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا إِلَخْ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ حَقِيقَةً وَحُبُّ الْآدَمِيِّ فِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَرَاهَتُهُ الرُّجُوعَ فِي الْكُفْرِ إِلَّا لِمَنْ قَوِيَ بِالْإِيمَانِ يَقِينُهُ وَاطْمَأَنَّتْ بِهِ نَفْسُهُ وَانْشَرَحَ لَهُ صَدْرُهُ وَخَالَطَ لَحْمَهُ وَدَمَهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي وَجَدَ حَلَاوَتَهُ قَالَ وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ مِنْ ثَمَرَاتِ حُبِّ اللَّهِ وَأَصْلُ الْمَحَبَّةِ الْمَيْلُ إِلَى مَا يُوَافِقُ الْمُحِبَّ ثُمَّ الْمَيْلُ قَدْ يَكُونُ لِمَا يَسْتَلِذُّهُ الْإِنْسَانُ وَيَسْتَحْسِنُهُ كَحُسْنِ الصُّورَةِ وَالصَّوْتِ وَالطَّعَامِ وَنَحْوِهَا وَقَدْ يَسْتَلِذُّهُ بِعَقْلِهِ لِلْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَمَحَبَّةِ الصَّالِحِينَ وَالْعُلَمَاءِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ مُطْلَقًا وَقَدْ يَكُونُ لِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ وَدَفْعِهِ الْمَضَارَّ وَالْمَكَارِهَ عَنْهُ وَهَذِهِ الْمَعَانِي كُلُّهَا مَوْجُودَةٌ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا جَمَعَ مِنْ جَمَالِ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَكَمَالِ خِلَالِ الْجَلَالِ وَأَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِهِدَايَتِهِ إِيَّاهُمْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَدَوَامِ النَّعِيمِ وَالْإِبْعَادِ مِنَ الْجَحِيمِ وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ هَذَا متصور في حق الله تعالى فإن الخبر كُلَّهُ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ الْمَحَبَّةُ فِي اللَّهِ تَعَالَى مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ (مَنْ كَانَ) لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ إِمَّا بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ هُوَ هِيَ أَوْ هُنَّ أَوْ إِحْدَاهَا أَيْ مَحَبَّةُ مَنْ كَانَ (اللَّهُ وَرَسُولُهُ) بِرَفْعِهِمَا (أَحَبَّ إِلَيْهِ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ (مِمَّا سِوَاهُمَا) يَعُمُّ ذَوِي الْعُقُولِ وَغَيْرَهُمْ مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَسَائِرِ الشَّهَوَاتِ (وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ) أَيْ وَثَانِيَتُهَا أَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَنْ كَانَ يُحِبُّ الْمَرْءَ (لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ) اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ أَيْ لَا يُحِبُّهُ لِغَرَضٍ وَعَرَضٍ وَعِوَضٍ وَلَا يَشُوبُ محبته حظ دنيوي ولا امر بشر بَلْ مَحَبَّتُهُ تَكُونُ خَالِصَةً لِلَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ مُتَّصِفًا بِالْحُبِّ فِي اللَّهِ وَدَاخِلًا فِي الْمُتَحَابِّينَ لِلَّهِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَوْ

باب ما جاء لا يزني الزاني وهو مؤمن

الْمَفْعُولِ أَوْ مِنْهُمَا (وَأَنْ يَكْرَهَ) أَيْ ثَالِثَتُهَا أَنْ يَكْرَهَ (أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ) أَيْ يرجع أو يتحول وقيل أن يصبر بِدَلِيلِ تَعْدِيَتِهِ بِفِي عَلَى حَدِّ (أَوْ لَتَعُودُنَّ في ملتنا) فَيَشْمَلُ مَنْ لَمْ يَسْبِقْهُ لَهُ كُفْرٌ أَيْضًا وَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ (بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ مِنْهُ) أَيْ أَخْلَصَهُ وَنَجَّاهُ مِنَ الْكُفْرِ لِأَنَّ أَنْقَذَ بِمَعْنَى حَفِظَ بِالْعِصْمَةِ ابْتِدَاءً بِأَنْ يُولَدَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَيَسْتَمِرَّ بِهَذَا الْوَصْفِ عَلَى الدَّوَامِ أَوْ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ ظُلْمَةِ الْكُفْرِ إِلَى نُورِ الْإِيمَانِ أَوْ لَا يَشْمَلُهُ وَلَكِنَّهُ مَفْهُومٌ مِنْ طَرِيقِ المساواة بل الأولى قاله القارىء وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ يَعُودَ أَوْ يَرْجِعَ مَعْنَاهُ يُصَيَّرَ وَقَدْ جَاءَ الْعَوْدُ وَالرُّجُوعُ بِمَعْنَى الصَّيْرُورَةِ انْتَهَى (أَنْ يُقْذَفَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُلْقَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان والنسائي وبن مَاجَهْ 1 - (بَاب مَا جَاءَ لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ) قَوْلُهُ (لَا يَزْنِي الزَّانِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ) الْوَاوُ لِلْحَالِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ فَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَفْعَلُ هَذِهِ الْمَعَاصِيَ وَهُوَ كَامِلُ الْإِيمَانِ وَهَذَا مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُطْلَقُ عَلَى نَفْيِ الشَّيْءِ وَيُرَادُ نَفْيُ كَمَالِهِ وَمُخْتَارِهِ كَمَا يُقَالُ لَا عِلْمَ إِلَّا مَا نَفَعَ وَلَا مَالَ إِلَّا الْإِبِلُ وَلَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَاهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُمْ بَايَعُوهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ لَا يَسْرِقُوا وَلَا يَزْنُوا وَلَا يَعْصُوا إِلَى آخِرِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعُوقِبَ فِي الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَتُهُ وَمَنْ فَعَلَ وَلَمْ يُعَاقَبْ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مَعَ نَظَائِرِهِمَا فِي الصَّحِيحِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دون ذلك لمن يشاء مَعَ إِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَقِّ عَلَى أَنَّ الزَّانِيَ وَالسَّارِقَ وَالْقَاتِلَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ غَيْرِ

الشِّرْكِ لَا يَكْفُرُونَ بِذَلِكَ بَلْ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ نَاقِصُو الْإِيمَانِ إِنْ تَابُوا سَقَطَتْ عُقُوبَتُهُمْ وَإِنْ مَاتُوا مُصِرِّينَ عَلَى الْكَبَائِرِ كَانُوا فِي الْمَشِيئَةِ فإن شأن اللَّهُ تَعَالَى عَفَا عَنْهُمْ وَأَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ أَوَّلًا وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ ثُمَّ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ فَكُلُّ هَذِهِ الدَّلَائِلِ تَضْطَرُّنَا إِلَى تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَشِبْهِهِ وَتَأْوِيلُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ فَعَلَ مُسْتَحِلًّا مَعَ عِلْمِهِ بِوُرُودِ الشَّرْعِ بتحريمه وحكي عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَعْنَاهُ يُنْزَعُ مِنْهُ نُورُ الْإِيمَانِ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ إِلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَا أَشْبَهَهُ يُؤْمَنُ بِهَا وَتَمُرُّ عَلَى مَا جَاءَتْ وَلَا يُخَاضُ فِي مَعْنَاهَا وَأَنَّا لَا نَعْلَمُ مَعْنَاهَا وقال أروها كَمَا أَمَرَّهَا مَنْ قَبْلَكُمْ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ مُخْتَصَرًا قُلْتُ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَالَ بن عباس ينزع عنه نور الإيمان في الزنى قَالَ الْحَافِظُ وَصَلَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بن أبي صفية قال كان بن عباس يدعو غلمانه غُلَامًا فَيَقُولُ أَلَا أُزَوِّجُكَ مَا عَبْدٌ يَزْنِي إِلَّا نَزَعَ اللَّهُ مِنْهُ نُورَ الْإِيمَانِ وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ مِنْ طريق مجاهد عن بن عَبَّاسٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنِ نَزَعَ اللَّهُ نُورَ الْإِيمَانِ مِنْ قَلْبِهِ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ رَدَّهُ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ (وَلَكِنَّ التَّوْبَةَ مَعْرُوضَةٌ) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ بَعْدَهُ وَالْمَعْنَى لَكِنَّ التَّوْبَةَ تُعْرَضُ عَلَيْهِ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ [2625] قَوْلُهُ (وَفِي الباب عن بن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى) أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي أوفى فأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال إذا زنى) أي أخذ وشرع في الزنى (الْعَبْدُ) أَيِ الْمُؤْمِنُ (خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ) أَيْ نوره وكماله أو يصير كأنه خرج إذا لَا يَمْنَعُ إِيمَانُهُ عَنْ ذَلِكَ كَمَا لَا يمنع من خرج منه الإيمان أَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ فِي الْوَعِيدِ قَالَ التوربشتي هذا

مِنْ بَابِ الزَّجْرِ وَالتَّهْدِيدِ وَهُوَ كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِمَنِ اشْتَهَرَ بِالرُّجُولِيَّةِ وَالْمُرُوءَةِ ثُمَّ فَعَلَ مَا يُنَافِي شِيمَتَهُ عُدِمَ عَنْهُ الرُّجُولِيَّةُ وَالْمُرُوءَةُ تَعْبِيرًا وَتَنْكِيرًا لِيَنْتَهِيَ عَمَّا صَنَعَ وَاعْتِبَارًا وَزَجْرًا لِلسَّامِعِينَ ولطفا بهم وتنبيها على أن الزنى مِنْ شِيَمِ أَهْلِ الْكُفْرِ وَأَعْمَالِهِمْ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ وَهُوَ أَوَّلُ سَحَابَةٍ تُظِلُّ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ وَإِنْ خَالَفَ حُكْمَ الْإِيمَانِ فَإِنَّهُ تَحْتَ ظِلِّهِ لَا يَزُولُ عَنْهُ حُكْمُ الْإِيمَانِ وَلَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ اسْمُهُ (عَادَ إِلَيْهِ الْإِيمَانُ) قِيلَ هذا تشبيه المعنى بالمحسوس يجامع بمعنوي وَهُوَ الْإِشْرَافُ عَلَى الزَّوَالِ وَفِيهِ إِيمَاءٌ بِأَنَّ الْمُؤْمِنَ فِي حَالَةِ اشْتِغَالِهِ بِالْمَعْصِيَةِ يَصِيرُ كَالْفَاقِدِ لِلْإِيمَانِ لَكِنْ لَا يَزُولُ حُكْمُهُ وَاسْمُهُ بَلْ هُوَ بَعْدُ فِي ظِلِّ رِعَايَتِهِ وَكَنَفِ بَرَكَتِهِ إِذَا نَصَبَ فَوْقَهُ كَالسَّحَابَةِ تُظِلُّهُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ مَعْصِيَتِهِ عَادَ الْإِيمَانُ إِلَيْهِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ مُعَلَّقًا وَوَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ قَوْلُهُ (وَرُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ) بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْمَشْهُورِ بِالْبَاقِرِ (أَنَّهُ قَالَ فِي هَذَا خُرُوجٌ عَنِ الْإِيمَانِ إِلَى الْإِسْلَامِ) يَعْنِي أَنَّهُ جَعَلَ الْإِيمَانَ أَخَصَّ مِنَ الْإِسْلَامِ فَإِذَا خَرَجَ مِنَ الْإِيمَانِ بَقِيَ فِي الْإِسْلَامِ وَهَذَا يُوَافِقُ قَوْلَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيمَانِ هُنَا كَمَالُهُ لَا أَصْلُهُ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَوْلُهُ (رَوَى ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تَقَدَّمَ تخريج أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي بَابِ مَا جَاءَ أَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ أَبِي السَّفَرِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي

النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ أَبِي السَّفَرِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيُّ بزيادة لفظ أخبرنا بين أَبِي السَّفَرِ وَأَحْمَدَ وَهَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ وَالصَّوَابُ حذف لفظ أخبرنا لِأَنَّ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْهَمْدَانِيَّ هُوَ اسم أبي عبيدة أَبِي السَّفَرِ (أَخْبَرَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَصِّيصِيُّ) الْأَعْوَرُ قَوْلُهُ (مَنْ أَصَابَ حَدًّا) أَيْ ذَنْبًا يُوجِبُ الْحَدَّ فَأُقِيمَ الْمُسَبَّبُ مَقَامَ السَّبَبِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْحَدِّ الْمُحَرَّمُ مِنْ قَوْلِهِ تِلْكَ حدود الله فلا تعتدوها أَيْ تِلْكَ مَحَارِمُهُ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (فَعُجِّلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ فَقُدِّمَ (أَنْ يُثَنِّيَ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ يُكَرِّرَ (فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ إِنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَةٌ لِأَهْلِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأُحِبُّ لِمَنْ أَصَابَ ذَنْبًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ وَيَتُوبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنَّهُمَا أَمَرَا أَنْ يَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى قُلْتُ رَوَى مُحَمَّدٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ أَتَى أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ إِنَّ الْآخَرَ قَدْ زَنَى قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ هَلْ ذَكَرْتَ هَذَا لِأَحَدٍ غَيْرِي قَالَ لَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ تُبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَاسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ قَالَ سَعِيدٌ فَلَمْ تُقِرَّ بِهِ نَفْسُهُ حَتَّى أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ كَمَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِلَخْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ [2626] قَوْلُهُ (وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا كفر بالزنى وَالسَّرِقَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا يَعْنِي مِمَّنْ يَعْتَدُّ بِخِلَافِهِ انْتَهَى

باب ما جاء في أن المسلم من سلم المسلمون

12 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَنَّ الْمُسْلِمَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ) مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ [2627] قَوْلُهُ (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ إِلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ صِفَةِ الْقِيَامَةِ (وَالْمُؤْمِنُ) أَيِ الكامل (من أمنه الناس) كعلمه أَيِ ائْتَمَنَهُ يَعْنِي جَعَلُوهُ أَمِينًا وَصَارُوا مِنْهُ عَلَى أَمْنٍ (عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ) لِكَمَالِ أَمَانَتِهِ وَدِيَانَتِهِ وَعَدَمِ خِيَانَتِهِ وَحَاصِلُ الْفِقْرَتَيْنِ إِنَّمَا هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى تَصْحِيحِ اشْتِقَاقِ الِاسْمَيْنِ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُطَالِبَ نَفْسَهُ بِمَا هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ فَهُوَ كَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ كَرِيمٌ وَلَا كَرَمَ لَهُ [2628] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ) حَدِيثُ أَبِي مُوسَى هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي مُوسَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ وهو بن عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثٍ آخَرَ فِي هَذَا وأن حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِ الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ وَالْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ قَالَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ

باب ما جاء أن الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا

13 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وسيعود غريبا) [2629] قوله (إن الاسلام بدأ غربيا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَدَأَ بِالْهَمْزَةِ مِنَ الِابْتِدَاءِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي قَوْلِهِ غريبا روى بن أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَعْنَاهُ فِي الْمَدِينَةِ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ بِهَا غَرِيبًا وَسَيَعُودُ إِلَيْهَا قَالَ الْقَاضِي وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْعُمُومُ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ فِي آحَادٍ مِنَ النَّاسِ وَقِلَّةٍ ثُمَّ انْتَشَرَ فَظَهَرَ ثُمَّ سَيَلْحَقُهُ النَّقْصُ وَالِاخْتِلَالُ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا فِي آحَادِهِ وَقِلَّةٍ أَيْضًا كَمَا بَدَأَ (فَطُوبَى) قَالَ النَّوَوِيُّ طُوبَى فُعْلَى مِنَ الطِّيبِ قَالَهُ الْفَرَّاءُ وَقَالَ إِنَّمَا جَاءَتِ الْوَاوُ لِضَمَّةِ الطَّاءِ وَأَمَّا مَعْنَى طُوبَى فَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى قوله تعالى (طوبي لهم) فروى عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَعْنَاهُ فَرَحٌ وَقُرَّةُ عَيْنٍ وَقَالَ عِكْرِمَةُ نِعْمَ مَا لَهُمْ وَقَالَ الضَّحَّاكُ غِبْطَةٌ لَهُمْ وَقَالَ قَتَادَةُ حُسْنَى لَهُمْ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ خَيْرٌ لَهُمْ وَكَرَامَةٌ وَقَالَ بن عَجْلَانَ دَوَامُ الْخَيْرِ وَقِيلَ الْجَنَّةُ وَقِيلَ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُحْتَمَلَةٌ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ (لِلْغُرَبَاءِ) أَيِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ لِصَبْرِهِمْ عَلَى الْأَذَى وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْغُرَبَاءِ الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ هَجَرُوا إِلَى الله قال القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمْ هُمُ الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ سُنَّتِهِ كَمَا وَرَدَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ يَعْنِي حَدِيثَهُ الْآتِيَ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ صَنَّفَ الْحَافِظُ أَبُو الْفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ رِسَالَةً سَمَّاهَا كَشْفَ الْكُرْبَةِ فِي وَصْفِ حَالِ أَهْلِ الْغُرْبَةِ وَقَدْ طُبِعَتْ بِمِصْرَ وَشَاعَتْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن سعد وبن عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَمَّا حَدِيثُ سعد وهو بن أبي وقاص فأخرجه أحمد وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أنس فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ مِنْ حديث بن مسعود) وأخرجه بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَأَبُو الْأَحْوَصِ اسْمُهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ الْجُشَمِيُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ الْكُوفِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قُتِلَ فِي وِلَايَةِ الْحَجَّاجِ عَلَى الْعِرَاقِ [2630] (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدارمي (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ) هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُوَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ أَخْطَأَ فِي أَحَادِيثَ مِنْ حِفْظِهِ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ (عَنْ جَدِّهِ) هُوَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَرَاجِمُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ فِي بَابِ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ قَوْلُهُ (إِنَّ الدِّينَ لَيَأْرِزُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَقَدْ تُضَمُّ بَعْدَهَا زاي وحكى بن التِّينِ عَنْ بَعْضِهِمْ فَتْحَ الرَّاءِ وَقَالَ إِنَّ الْكَسْرَ هُوَ الصَّوَابُ وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ بْنُ سِرَاجٍ ضَمَّ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ يَنْضَمُّ وَيَجْتَمِعُ (إِلَى الحجاز) وهو اسم مكة والمدينة وحواليهما في الْبِلَادِ وَسُمِّيَتْ حِجَازًا لِأَنَّهَا حَجَزَتْ أَيْ مَنَعَتْ وَفَصَلَتْ بَيْنَ بِلَادِ نَجْدٍ وَالْغَوْرِ وَفِي حَدِيثِ بن عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ وَهُوَ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ فِي جُحْرِهَا قَالَ القارىء وَالْمُرَادُ أَنَّ أَهْلَ الْإِيمَانِ يَفِرُّونَ بِإِيمَانِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ وِقَايَةً بِهَا عَلَيْهِ أَوْ لِأَنَّهَا وَطَنُهُ الَّذِي ظَهَرَ وَقَوِيَ بِهَا وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ آخِرِ الزَّمَانِ حِينَ يَقِلُّ الْإِسْلَامُ انْتَهَى (كَمَا تَأْرِزُ الْحَيَّةُ إِلَى جُحْرِهَا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ ثُقْبِهَا (وَلَيَعْقِلَنَّ) جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَاللَّهِ لَيَعْتَصِمَنَّ عُطِفَ عَلَى لَيَأْرِزُ أَوْ عَلَى إِنَّ وَمَعْمُولِهَا أَيْ لَيَتَحَصَّنُ وَيَنْضَمُّ ويلتجي (الدِّينُ) أَبْرَزَهُ وَحَقُّهُ الْإِضْمَارُ إِعْلَامًا بِعَظِيمِ شَرَفِهِ وَمَزِيدِ فَخَامَتِهِ وَمِنْ ثَمَّ ضُوعِفَتْ أَدَوَاتُ التَّأْكِيدِ وَأَتَى بِالْقَسَمِ الْمُقَدَّرِ يُقَالُ عَقَلَ الْوَعْلُ أَيِ امْتَنَعَ بِالْجِبَالِ الْعَوَالِي يَعْقِلُ عُقُولًا أَيْ لَيَمْتَنِعَنَّ بِالْحِجَازِ وَيَتَّخِذَنَّ مِنْهُ حِصْنًا وَمَلْجَأً (مَعْقِلَ الْأُرْوِيَّةِ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ) الْأُرْوِيَّةُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتُكْسَرُ

باب ما جاء في علامة المنافق

وَتُشَدُّ الْيَاءُ الْأُنْثَى مِنَ الْمَعْزِ الْجَبَلِيِّ وَالْمَعْقِلُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْعَقْلِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمَ مكان أس كَاتِّخَاذِ الْأُرْوِيَّةِ مِنْ رَأْسِ الْجِبَالِ حِصْنًا دُونَ وَاعِلٍ لِأَنَّهَا أَقْدَرُ مِنَ الذَّكَرِ عَلَى التَّمَكُّنِ مِنَ الْجِبَالِ الْوَعِرَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الدِّينَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَاسْتِيلَاءِ الْكَفَرَةِ وَالظَّلَمَةِ عَلَى بِلَادِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَعُودُ إِلَى الْحِجَازِ كَمَا بَدَأَ مِنْهُ (إِنَّ الدِّينَ بَدَأَ) بِالْهَمْزِ هُوَ الصَّحِيحُ (غَرِيبًا) أَيْ كَالْغَرِيبِ أَوْ حَالٌ (وَيَرْجِعُ غَرِيبًا) أَيْ كَمَا بَدَأَ يَعْنِي أَهْلُ الدِّينِ فِي الْأَوَّلِ كَانُوا غُرَبَاءَ يُنْكِرُهُمُ الناس ولا يخالطونهم هكذا فِي الْآخِرِ (فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ) أَيْ أَوَّلًا وَآخِرًا (الَّذِينَ يُصْلِحُونَ مَا أَفْسَدَ النَّاسُ مِنْ بَعْدِي مِنْ سُنَّتِي) أَيْ يَعْمَلُونَ بِهَا وَيُظْهِرُونَهَا بِقَدْرِ طَاقَتِهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) اعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَدْ يُحَسِّنُ حَدِيثَ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَقَدْ يُصَحِّحُهُ وَكَثِيرٌ هَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ بَلْ عِنْدَ الْأَكْثَرِ بل قال بن عَبْدِ الْبَرِّ إِنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَقَالَ الْحَافِظُ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْمُحَدِّثِينَ فِيهِ مَا لَفْظُهُ وَأَمَّا التِّرْمِذِيِّ فَرَوَى مِنْ حَدِيثِهِ الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَصَحَّحَهُ فَلِهَذَا لَا يَعْتَمِدُ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَصْحِيحِ التِّرْمِذِيِّ انْتَهَى 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي عَلَامَةِ الْمُنَافِقِ) [2631] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ) الْمُحَارِبِيُّ الضَّرِيرُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ الْبَصْرَةِ لقبه أبو زكير بالتصغير وصدوق يخطىء كَثِيرًا مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ) الْآيَةُ الْعَلَامَةُ وَإِفْرَادُ الْآيَةِ إِمَّا عَلَى إِرَادَةِ الْجِنْسِ أَوْ أَنَّ الْعَلَامَةَ إِنَّمَا تَحْصُلُ بِاجْتِمَاعِ الثَّلَاثِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِ عَلَامَاتُ

الْمُنَافِقِ فَإِنْ قِيلَ ظَاهِرُهُ الْحَصْرُ فِي الثَّلَاثِ فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْآتِي بِلَفْظِ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ إِلَخْ يُقَالُ قَدْ أَجَابَ الْقُرْطُبِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنَّهُ اسْتَجَدَّ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْعِلْمِ بِخِصَالِهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لَيْسَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ تَعَارُضٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدِّ الْخَصْلَةِ الْمَذْمُومَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ النِّفَاقِ كَوْنُهَا علامة على لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْعَلَامَاتُ دَالَّاتٍ عَلَى أَصْلِ النِّفَاقِ وَالْخَصْلَةُ الزَّائِدَةُ إِذَا أُضِيفَتْ إِلَى ذَلِكَ كَمُلَ بِهَا خُلُوصُ النِّفَاقِ عَلَى أَنَّ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَةِ عَدَمِ الْحَصْرِ فَإِنَّ لَفْظَهُ مِنْ عَلَامَةِ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ وَكَذَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وإذا أحمل اللَّفْظُ الْأَوَّلُ عَلَى هَذَا لَمْ يَرِدِ السُّؤَالُ فَيَكُونُ قَدْ أَخْبَرَ بِبَعْضِ الْعَلَامَاتِ فِي وَقْتٍ وَبِبَعْضِهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ انْتَهَى (وَإِذَا وَعَدَ) أي أخبر بخير في المستقبل وإذ وَعَدَ يَغْلِبُ فِي الْخَيْرِ وَأَوْعَدَ فِي الشَّرِّ وأيضاف الْخُلْفُ فِي الْوَعِيدِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ (أَخْلَفَ) أَيْ جَعَلَ الْوَعْدَ خِلَافًا بِأَنْ لَمْ يَفِ بِوَعْدِهِ وَوَجْهُ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ هَذِهِ وَمَا قَبْلَهَا أَنَّ الْإِخْلَافَ قَدْ يَكُونُ بِالْفِعْلِ وَهُوَ غَيْرُ الْكَذِبِ الَّذِي هُوَ لَازِمُ التَّحْدِيثِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالْوَعْدِ لِأَنَّ ذَمَّ الْإِخْلَافِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ حَيْثُ تَضْمِينُهُ الْكَذِبَ الْمَذْمُومَ إِنْ عَزَمَ عَلَى الْإِخْلَافِ حَالَ الْوَعْدِ لَا إِنْ طَرَأَ لَهُ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ عَلَامَةَ النِّفَاقِ لَا يَلْزَمُ تَحْرِيمُهَا إِذِ الْمَكْرُوهُ لِكَوْنِهِ يَجُرُّ إِلَى الْحَرَامِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ عَلَامَةً عَلَى الْمُحَرَّمِ وَنَظَائِرُهُ عَلَامَاتُ السَّاعَةِ فَإِنَّ مِنْهَا مَا لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ (وَإِذَا اؤْتُمِنَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ أَيْ جُعِلَ أَمِينًا (خَانَ) أَيْ فِي مَا اؤْتُمِنَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَحَدِيثُ جَابِرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ مَالِكُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيُّ سَمِعَ مِنْ عُمَرَ ثِقَةٌ مِنَ الثانية

(وَاسْمُهُ نَافِعُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْخَوْلَانِيُّ الْأَصْبَحِيُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ [2632] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ) الْهَمْدَانِيِّ الْخَارِفِيِّ بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ وَفَاءٍ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَرْبَعٌ) أَيْ خِصَالٌ أَرْبَعٌ (كَانَ مُنَافِقًا) زَادَ الْبُخَارِيُّ خَالِصًا (حَتَّى يَدَعَهَا) أَيْ يَتْرُكَهَا (وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) أَيْ مَالَ عَنِ الْحَقِّ وَقَالَ الْبَاطِلَ وَالْكَذِبَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ الْفُجُورِ الْمَيْلُ عَنِ الْقَصْدِ قاله النووي وقال القارىء أَيْ شَتَمَ وَرَمَى بِالْأَشْيَاءِ الْقَبِيحَةِ (وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ) أَيْ نَقَضَ الْعَهْدَ ابْتِدَاءً قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا مَعْنَى هَذَا عِنْدَ أهل العمل نِفَاقُ الْعَمْلِ وَإِنَّمَا كَانَ نِفَاقُ التَّكْذِيبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ النِّفَاقُ لُغَةً مُخَالَفَةُ الْبَاطِنِ لِلظَّاهِرِ فَإِنْ كَانَ فِي اعْتِقَادِ الْإِيمَانِ فَهُوَ نِفَاقُ الْكُفْرِ وَإِلَّا فَهُوَ نِفَاقُ الْعَمَلِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ وَتَتَفَاوَتُ مَرَاتِبُهُ قَالَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ عَدَّهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مُشْكِلًا مِنْ حَيْثُ إِنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ قَدْ تُوجَدُ فِي الْمُسْلِمِ الْمُجْمَعِ عَلَى عَدَمِ الْحُكْمِ بِكُفْرِهِ قَالَ وَلَيْسَ فِيهِ إِشْكَالٌ بَلْ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ وَالَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذِهِ خِصَالُ نِفَاقٍ وَصَاحِبُهَا شَبِيهٌ بِالْمُنَافِقِينَ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ وَمُتَخَلِّقٌ بِأَخْلَاقِهِمْ قَالَ الْحَافِظُ وَمُحَصَّلُ هَذَا الْجَوَابِ الْحَمْلُ فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى الْمَجَازِ أَيْ صَاحِبُ هَذِهِ الْخِصَالِ كَالْمُنَافِقِ وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّفَاقِ نِفَاقُ الْكُفْرِ وَقَدْ قِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْهُ إِنَّ الْمُرَادَ بِالنِّفَاقِ نِفَاقُ الْعَمَلِ وَهَذَا ارْتَضَاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِقَوْلِ عُمَرَ لِحُذَيْفَةَ هَلْ تَعْلَمُ في شيئا

مِنَ النِّفَاقِ فَإِنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ نِفَاقَ الْكُفْرِ وَإِنَّمَا أَرَادَ نِفَاقَ الْعَمَلِ وَيُؤَيِّدُهُ وَصْفُهُ بِالْخَالِصِ فِي الْحَدِيثِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِإِطْلَاقِ النِّفَاقِ الْإِنْذَارُ وَالتَّحْذِيرُ عَنِ ارْتِكَابِ هَذِهِ الْخِصَالِ وَأَنَّ الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ وَهَذَا ارْتَضَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ هُوَ مَنِ اعْتَادَ ذَلِكَ وَصَارَ لَهُ دَيْدَنًا قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْبِيرُ بِإِذَا بِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَكَرُّرِ الْفِعْلِ كَذَا قَالَ وَالْأَوْلَى مَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ إِنَّ حَذْفَ الْمَفْعُولِ مِنْ حَدَّثَ يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ أَيْ إِذَا حَدَّثَ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَذَبَ فِيهِ أَوْ يَصِيرُ قَاصِرًا أَيْ إِذَا وَجَدَ مَاهِيَّةَ التَّحْدِيثِ كَذَبَ وَقِيلَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْخِصَالُ وَتَهَاوَنَ بِهَا وَاسْتَخَفَّ بِأَمْرِهَا فَإِنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ فَاسِدَ الِاعْتِقَادِ غَالِبًا وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةُ كُلُّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ اللَّامَ فِي الْمُنَافِقِ لِلْجِنْسِ وَمِنْهُمْ مَنِ ادَّعَى أَنَّهَا لِلْعَهْدِ فَقَالَ إِنَّهُ وَرَدَ فِي حَقِّ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ فِي حَقِّ الْمُنَافِقِينَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَمَسَّكَ هَؤُلَاءِ بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ شَيْءٌ مِنْهَا لَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ وَأَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ مَا ارْتَضَاهُ الْقُرْطُبِيُّ قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ مِنْ أَنَّ أَحْسَنَ الْأَجْوِبَةِ مَا ارْتَضَاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَقَدْ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُطْلَقًا [2633] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ) هُوَ الْعَقَدِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو (أَنْ يَفِيَ بِهِ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَأَصْلُهُ أَنْ يُوفِيَ مِنَ الْوَفَاءِ (فَلَمْ يَفِ بِهِ) أَيْ بِغَدْرٍ (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ) أَيْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّيَّةَ الصَّالِحَةَ يُثَابُ الرَّجُلُ عَلَيْهَا وَإِنْ لم يقترن معها المنوي ويختلف عَنْهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَأَبُو النُّعْمَانِ مَجْهُولٌ وَأَبُو وَقَّاصٍ مَجْهُولٌ

باب ما جاء سباب المؤمن فسوق

أما أبو النعمان فوثقه بن حِبَّانَ وَأَمَّا أَبُو وَقَّاصٍ فَهُوَ مَجْهُولٌ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ أَرَ مَنْ وَثَّقَهُ فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ 5 - (بَاب مَا جَاءَ سِبَابُ الْمُؤْمِنِ فُسُوقٌ) [2634] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ مَنْصُورٍ الْوَاسِطِيُّ) الْخُزَاعِيُّ أَبُو سهل وأبو سفيان متروك كذبه بن مَعِينٍ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ) الهدلي الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ سَمِعَ عَنْ أَبِيهِ لَكِنْ شَيْئًا يَسِيرًا كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَذَكَرَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ اخْتِلَافَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ فِي سَمَاعِهِ مِنْ أَبِيهِ قَوْلُهُ (قِتَالُ الْمُسْلِمِ أَخَاهُ كُفْرٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ أَمَّا قِتَالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَكْفُرُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ كُفْرًا يُخْرِجُ عَنِ الْمِلَّةِ إِلَّا إِذَا اسْتَحَلَّهُ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقِيلَ فِي تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ فِي الْمُسْتَحِلِّ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ كُفْرُ الْإِحْسَانِ وَالنِّعْمَةِ وَأُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ لَا كُفْرَ الْجُحُودِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يُؤَوَّلُ إِلَى الْكُفْرِ بِشُؤْمِهِ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ كَفِعْلِ الْكُفَّارِ وَقَالَ ثُمَّ إِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ قِتَالِهِ الْمُقَاتَلَةُ الْمَعْرُوفَةُ (وَسِبَابُهُ فُسُوقٌ) السَّبُّ فِي اللُّغَةِ الشَّتْمُ وَالتَّكَلُّمُ فِي عِرْضِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَعِيبُهُ وَالْفِسْقُ فِي اللُّغَةِ الْخُرُوجُ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الشَّرْعِ الْخُرُوجُ عَنِ الطَّاعَةِ وَأَمَّا مَعْنَى الْحَدِيثِ فَسَبُّ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَفَاعِلُهُ فَاسِقٌ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ) أَمَّا حَدِيثُ سعد وهو بن أبي وقاص فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فَأَخْرَجَهُ الطبراني في الكبير قوله (حديث بن مَسْعُودٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) فِي سَنَدِ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ هَذَا عَبْدُ الْحَكِيمِ بْنُ مَنْصُورٍ الْوَاسِطِيُّ وهو متروك وكذبه بن مَعِينٍ فَتَصْحِيحُهُ لَهُ لِمَجِيئِهِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى صحيحة

باب ما جاء فيمن رمى أخاه بكفر

[2635] قَوْلُهُ (عَنْ زُبَيْدٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مصغرا هو بن الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبٍ الْيَامِيُّ وَيُقَالُ الْأَيَامِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ عَابِدٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان والنسائي وبن مَاجَهْ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ رَمَى أَخَاهُ بِكُفْرٍ) يُقَالُ رَمَاهُ بِكَذَا عَابَهُ وَاتَّهَمَهُ بِهِ [2636] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغَوِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ الْأَصَمُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ) بْنِ خَلِيفَةَ الْأَشْهَلِيِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ رَوَى عَنْهُ أَبُو قِلَابَةَ مَاتَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ قَالَهُ الْفَلَّاسُ وَالصَّوَابُ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ قَوْلُهُ (لَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ) قال بن الْمَلَكِ رَحِمَهُ اللَّهُ كَأَنْ يَقُولَ إِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَفُلَانٌ حُرٌّ وَهُوَ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ لَا يَمْلِكُهُ أَوِ التَّضَحِّيَ بِشَاةِ غَيْرِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْوَفَاءُ بِهِ وَإِنْ دَخَلَ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ وَفِي رِوَايَةٍ وَلَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ أَيْ لَا صِحَّةَ لَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ قُلْتُ أَشَارَ الطِّيبِيُّ إِلَى مَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الطَّلَاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا طَلَاقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ رُوِيَ فِي هذا الباب (لاعن المؤمن

[ص كَقَاتِلِهِ) أَيْ لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ فِي أَصْلِ الْإِثْمِ فَلَاعِنُهُ كَقَاتِلِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَيْ فِي التَّحْرِيمِ أَوْ فِي الْعِقَابِ (وَمَنْ قَذَفَ مُؤْمِنًا بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَاتِلِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ وَجْهُ التَّشْبِيهِ هُنَا أَظْهَرُ لِأَنَّ النِّسْبَةَ إِلَى الكفر الموجب للقتل فالقذف بالكفر تَسَبُّبٌ إِلَيْهِ وَالْمُتَسَبِّبُ إِلَى الشَّيْءِ كَفَاعِلِهِ وَالْقَذْفُ فِي الْأَصْلِ الرَّمْيُ ثُمَّ شَاعَ عُرْفًا فِي الرمي بالزنى ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِكُلِّ مَا يُعَابُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَيَحِيقُ بِهِ ضَرَرُهُ (وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ) أَيْ مِنْ آلَاتِ الْقَتْلِ أَوْ بِأَكْلِ السُّمِّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ [2637] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أبي ذر وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا لَا يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالْفُسُوقِ وَلَا يَرْمِيهِ بِالْكُفْرِ إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ كَذَلِكَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عليه وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لِأَخِيهِ كَافِرُ) بِضَمِّ الرَّاءِ عَلَى الْبِنَاءِ فَإِنَّهُ مُنَادَى حُذِفَ حَرْفُ نِدَائِهِ كَمَا ذَكَرَهُ مَيْرَكُ وَيُؤَيِّدُهُ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِالنِّدَاءِ وَيَجُوزُ تَنْوِينُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَنْتَ أَوْ هُوَ (فَقَدْ بَاءَ بِهِ) أَيْ رَجَعَ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ الْقَائِلُ لِصَاحِبِهِ يَا كَافِرُ مَثَلًا فَإِنْ صَدَقَ رَجَعَ إِلَيْهِ كَلِمَةُ الْكُفْرِ الصَّادِرِ مِنْهُ مُقْتَضَاهَا وَإِنْ كَذَبَ وَاعْتَقَدَ بُطْلَانَ دِينِ الْإِسْلَامِ رَجَعَتْ إِلَيْهِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الرُّجُوعِ فَقِيلَ رَجَعَ عَلَيْهِ الْكُفْرُ إِنْ كَانَ مستحلا وهذا يعيد مِنْ سِيَاقِ الْخَبَرِ وَقِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى الْخَوَارِجِ لِأَنَّهُمْ يُكَفِّرُونَ الْمُؤْمِنِينَ هَكَذَا نَقَلَهُ عِيَاضٌ عَنْ مَالِكٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الْخَوَارِجَ لَا يُكَفَّرُونَ بِبِدْعَتِهِمْ قَالَ الْحَافِظُ وَلِمَا قَالَهُ مَالِكٌ وَجْهٌ وَهُوَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُكَفِّرُ كَثِيرًا مِنَ الصَّحَابَةِ لِمَنْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ وَبِالْإِيمَانِ فَيَكُونُ تَكْفِيرُهُمْ مِنْ حَيْثُ تَكْذِيبُهُمْ لِلشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا مِنْ مُجَرَّدِ صُدُورِ التَّكْفِيرِ منهم بتأويل والتحقيق أن الحديث سبق لِزَجْرِ الْمُسْلِمِ عَنْ أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ قَبْلَ وُجُودِ فِرْقَةِ الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ وقيل معناه

باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله

رَجَعَتْ عَلَيْهِ نَقِيصَتُهُ لِأَخِيهِ وَمَعْصِيَةُ تَكْفِيرِهِ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَقِيلَ يَخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يؤول بِهِ ذَلِكَ إِلَى الْكُفْرِ كَمَا قِيلَ الْمَعَاصِي يريد الْكُفْرِ فَيَخَافُ عَلَى مَنْ أَدَامَهَا وَأَصَرَّ عَلَيْهَا سُوءَ الْخَاتِمَةِ وَأَرْجَحُ مِنَ الْجَمِيعِ أَنَّ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لِمَنْ يَعْرِفُ مِنْهُ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يَقُمْ لَهُ شُبْهَةٌ فِي زَعْمِهِ أَنَّهُ كَافِرٌ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِذَلِكَ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ فَقَدْ رَجَعَ عَلَيْهِ تَكْفِيرُهُ فَالرَّاجِعُ التَّكْفِيرُ لَا الْكُفْرُ فَكَأَنَّهُ كَفَّرَ نَفْسَهُ لِكَوْنِهِ كَفَّرَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ وَمَنْ لَا يُكَفِّرُهُ إِلَّا كَافِرٌ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ دِينِ الْإِسْلَامِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَجَبَ الْكُفْرُ عَلَى أَحَدِهِمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِيمَنْ يَمُوتُ وَهُوَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله) [2638] قوله (عن بن مُحَيْرِيزٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزٍ بِضَمِّ مِيمٍ وَفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ يَاءَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ مكسورة وبزاي بن جُنَادَةَ بْنِ وَهْبٍ الْجُمَحِيُّ الْمَكِّيُّ كَانَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أَبِي مَحْذُورَةَ بِمَكَّةَ ثُمَّ نَزَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (عَنِ الصُّنَابِحِيِّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ قَالَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا كَثِيرٌ يَقَعُ مِثْلُهُ وَفِيهِ صَنْعَةٌ حَسَنَةٌ وَتَقْدِيرُهُ عَنِ الصُّنَابِحِيِّ أَنَّهُ حَدَّثَ عَنْ عُبَادَةَ بِحَدِيثٍ قَالَ فِيهِ دَخَلْتُ عَلَيْهِ (فَقَالَ مَهْلًا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ مَعْنَاهُ أَنْظِرْنِي قَالَ الْجَوْهَرِيُّ يُقَالُ مَهْلًا يَا رَجُلُ بِالسُّكُونِ وَكَذَلِكَ لِلِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ وَهِيَ مُوَحَّدَةٌ بِمَعْنَى أَمْهِلْ (وَاللَّهِ مَا مِنْ حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكُمْ فِيهِ خَيْرٌ إِلَّا حَدَّثَتْكُمُوهُ إِلَخْ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَتَمَ مَا خَشِيَ الضَّرَرَ فِيهِ وَالْفِتْنَةَ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُهُ عَقْلُ كُلِّ أَحَدٍ وَذَلِكَ فِيمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ وَلَا فِيهِ

حَدٌّ مِنْ حُدُودِ الشَّرِيعَةِ قَالَ وَمِثْلُ هَذَا عَنِ الصَّحَابَةِ كَثِيرٌ فِي تَرْكِ الْحَدِيثِ بِمَا لَيْسَ تَحْتَهُ عَمَلٌ وَلَا تَدْعُو إِلَيْهِ ضَرُورَةٌ أَوْ لَا يَحْتَمِلُهُ عُقُولُ الْعَامَّةِ أَوْ خُشِيَتْ مَضَرَّتُهُ عَلَى قَائِلِهِ أَوْ سَامِعِهِ لَا سِيَّمَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَخْبَارِ الْمُنَافِقِينَ وَالْإِمَارَةِ وَتَعْيِينِ قَوْمٍ وُصِفُوا بِأَوْصَافٍ غَيْرِ مُسْتَحْسَنَةٍ وَذَمِّ آخَرِينَ وَلَعْنِهِمْ انْتَهَى (وَقَدْ أُحِيطَ بِنَفْسِي) مَعْنَاهُ قَرُبْتُ مِنَ الْمَوْتِ وَأَيِسْتُ مِنَ النَّجَاةِ وَالْحَيَاةِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ أَصْلُ الْكَلِمَةِ فِي الرَّجُلِ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ أَعْدَاؤُهُ فَيَقْصِدُونَهُ وَيَأْخُذُونَ عَلَيْهِ جَمِيعَ الْجَوَانِبِ بِحَيْثُ لا يبقى لَهُ فِي الْخَلَاصِ مَطْمَعٌ فَيُقَالُ أَحَاطُوا بِهِ أي أطافوا بِهِ مِنْ جَوَانِبِهِ وَمَقْصُودُهُ قَرُبَ مَوْتِي (حَرَّمَ اللَّهُ) عَلَيْهِ النَّارَ أَيِ الْخُلُودَ فِيهَا كَالْكُفَّارِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ وَحَدِيثُ طَلْحَةَ فَأَخْرَجَهُمَا أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ وَحَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْعِلَلِ وَأَمَّا أَحَادِيثُ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (فَقَالَ إِنَّمَا كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ حُكِيَ عَنْ جماعة من السلف منهم بن الْمُسَيَّبِ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْفَرَائِضِ وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ مُجْمَلَةٌ يَحْتَاجُ إِلَى شَرْحٍ وَمَعْنَاهُ مَنْ قَالَ الْكَلِمَةَ وَأَدَّى حَقَّهَا وَفَرِيضَتَهَا وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ لِمَنْ قَالَهَا عِنْدَ النَّدَمِ وَالتَّوْبَةِ وَمَاتَ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ الْبُخَارِيِّ ذَكَرَ النَّوَوِيُّ كَلَامَ الْقَاضِي هَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ ثم قال وما حكاه عن بن الْمُسَيَّبِ وَغَيْرِهِ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ رَاوِيَ أَحَدِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ

مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ سَنَةَ سَبْعٍ بِالِاتِّفَاقِ وَكَانَتْ أَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ مُسْتَقِرَّةً وَأَكْثَرُ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ كَانَتْ فُرُوضُهَا مُسْتَقِرَّةً وَكَانَتِ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصِّيَامُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْأَحْكَامِ قَدْ تَقَرَّرَ فَرْضُهَا وَكَذَا الْحَجُّ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ فُرِضَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ وَهُمَا أَرْجَحُ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ سَنَةَ تِسْعٍ (وَوَجْهُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أَهْلَ التَّوْحِيدِ سَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَإِنْ عُذِّبُوا فِي النَّارِ بِذُنُوبِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَا يُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ) قَالَ النَّوَوِيُّ اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَمَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَقِّ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ مَنْ مَاتَ مُوَحِّدًا دَخَلَ الْجَنَّةَ قَطْعًا عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِنْ كَانَ سَالِمًا مِنَ الْمَعَاصِي كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ الَّذِي اتَّصَلَ جُنُونُهُ بِالْبُلُوغِ وَالتَّائِبِ تَوْبَةً صَحِيحَةً مِنَ الشِّرْكِ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْمَعَاصِي إِذَا لَمْ يُحْدِثْ مَعْصِيَةً بَعْدَ تَوْبَتِهِ وَالْمُوَفَّقِ الَّذِي لَمْ يُبْتَلَ بِمَعْصِيَةٍ أَصْلًا فَكُلُّ هَذَا الصِّنْفِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يَدْخُلُونَ النَّارَ أَصْلًا لَكِنَّهُمْ يَرِدُونَهَا عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي الْوُرُودِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى ظَهْرِ جَهَنَّمَ عَافَانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمِنْ سَائِرِ الْمَكْرُوهِ وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ لَهُ مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ وَمَاتَ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فَهُوَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ أَوَّلًا وَجَعَلَهُ كَالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ بِالْقَدْرِ الَّذِي يُرِيدُهُ سُبْحَانَهُ ثُمَّ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ فَلَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى التَّوْحِيدِ وَلَوْ عَمِلَ مِنَ الْمَعَاصِي مَا عَمِلَ كَمَا أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَحَدٌ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ وَلَوْ عَمِلَ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ مَا عَمِلَ هَذَا مُخْتَصَرٌ جَامِعٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ أَدِلَّةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَتَوَاتَرَتْ بِذَلِكَ نُصُوصٌ تُحَصِّلُ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ فَإِذَا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ حُمِلَ عَلَيْهَا جَمِيعُ مَا وَرَدَ مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا وَرَدَ حَدِيثٌ فِي ظَاهِرِهِ مُخَالَفَةٌ لَهَا وَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَيْهِ لِيَجْمَعَ بَيْنَ نُصُوصِ الشَّرْعِ انْتَهَى (عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ سَيَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ لِتَأْيِيدِ قَوْلِ بعض أهل في العلم تَفْسِيرِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ (وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وإبراهيم النخعي الخ) روى الحافظ بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْضَ هَذِهِ الْآثَارِ بِأَسَانِيدِهِ

[2639] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي عَامِرُ بْنُ يَحْيَى) الْمَعَافِرِيُّ أَبُو خُنَيْسٍ بِمُعْجَمَةٍ وَنُونٍ مُصَغَّرًا ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ سَيُخَلِّصُ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ يميز ويختار (رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة) وفي رواية بن مَاجَهْ يُصَاحُ بِرَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ على رؤوس الْخَلَائِقِ (فَيَنْشُرُ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ فَيَفْتَحُ (تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا) بِكِسْرَتَيْنِ فَتَشْدِيدٍ أَيْ كِتَابًا كَبِيرًا (كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلُ مَدِّ الْبَصَرِ) أَيْ كُلُّ كِتَابٍ مِنْهَا طُولُهُ وَعَرْضُهُ مِقْدَارُ مَا يَمْتَدُّ إِلَيْهِ بَصَرُ الْإِنْسَانِ (ثُمَّ يَقُولُ) أَيِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا) أَيِ الْمَكْتُوبَ (أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي) بِفَتَحَاتٍ جَمْعُ كَاتِبٍ وَالْمُرَادُ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ (الْحَافِظُونَ) أَيْ لِأَعْمَالِ بَنِي آدَمَ فَيَقُولُ أَفَلَكَ عُذْرٌ أَيْ فِيمَا فَعَلْتَهُ مِنْ كَوْنِهِ سَهْوًا أَوْ خَطَأً أَوْ جَهْلًا وَنَحْوَ ذَلِكَ (فَيَقُولُ بَلَى) أَيْ لَكَ عِنْدَنَا مَا يَقُومُ مَقَامَ عُذْرِكَ (إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً) أي واحدة عظيمة مقبولة وفي رواية بن مَاجَهْ ثُمَّ يَقُولُ أَلَكَ عَنْ ذَلِكَ حَسَنَةٌ فيهاب الرجل فيقول لا فبقول بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَاتٍ (فَيُخْرَجُ) بِصِيغَةِ المجهول المذكر وفي رواية بن مَاجَهْ فَتَخْرُجُ لَهُ (بِطَاقَةٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْبِطَاقَةُ رُقْعَةٌ صَغِيرَةٌ يُثْبَتُ فِيهَا مِقْدَارُ مَا تَجْعَلُ فِيهِ إِنْ كَانَ عَيْنًا فَوَزْنُهُ أَوْ عَدَدُهُ وَإِنْ كَانَ مَتَاعًا فَثَمَنُهُ قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُشَدُّ بِطَاقَةٍ مِنَ الثَّوْبِ فَتَكُونُ الْبَاءُ حِينَئِذٍ زَائِدَةً وَهِيَ كَلِمَةٌ كَثِيرَةُ الِاسْتِعْمَالِ بِمِصْرَ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبِطَاقَةُ كَكِتَابَةِ الرُّقْعَةُ الصَّغِيرَةُ الْمَنُوطَةُ بِالثَّوْبِ الَّتِي فِيهَا رَقْمُ ثَمَنِهِ سُمِّيَتْ لِأَنَّهَا تُشَدُّ بِطَاقَةٍ مِنْ هُدْبِ الثَّوْبِ (فِيهَا) أَيْ مَكْتُوبٌ فِي الْبِطَاقَةِ (أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عبده ورسوله) قال القارىء يُحْتَمَلُ أَنَّ الْكَلِمَةَ هِيَ أَوَّلُ مَا نَطَقَ بها ويحتمل

أَنْ تَكُونَ غَيْرَ تِلْكَ الْمَرَّةِ مِمَّا وَقَعَتْ مَقْبُولَةً عِنْدَ الْحَضْرَةِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِي مَادَّةِ الْخُصُوصِ مِنْ عُمُومِ الْأُمَّةِ (احْضُرْ وَزْنَكَ) أَيِ الْوَزْنَ الَّذِي لَكَ أَوْ وَزْنَ عَمَلِكَ أَوْ وَقْتَ وَزْنِكَ أَوْ آلَةَ وَزْنِكَ وَهُوَ الْمِيزَانُ لِيَظْهَرَ لَكَ انْتِفَاءُ الظُّلْمِ وَظُهُورُ الْعَدْلِ وَتَحَقُّقُ الْفَضْلِ (فَيَقُولُ يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ) أَيِ الْوَاحِدَةُ (مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ) أَيِ الْكَثِيرَةِ وَمَا قَدْرُهَا بِجَنْبِهَا وَمُقَابَلَتِهَا (فَقَالَ فَإِنَّكَ لَا تُظْلَمُ) أَيْ لَا يَقَعُ عَلَيْكَ الظُّلْمُ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ اعْتِبَارِ الْوَزْنِ كَيْ يَظْهَرَ أَنْ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ فَاحْضُرِ الْوَزْنَ قِيلَ وَجْهُ مُطَابَقَةِ هَذَا جَوَابًا لِقَوْلِهِ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ لِلتَّحْقِيرِ كَأَنَّهُ أَنْكَرَ أن يكون مع هذا الْبِطَاقَةِ الْمُحَقَّرَةِ مُوَازَنَةٌ لِتِلْكَ السِّجِلَّاتِ فَرَدَّ بِقَوْلِهِ إِنَّكَ لَا تُظْلَمُ بِحَقِيرَةٍ أَيْ لَا تُحَقِّرُ هَذِهِ فَإِنَّهَا عَظِيمَةٌ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ إِذْ لَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ وَلَوْ ثَقُلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ لَظُلِمْتَ (قَالَ فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ) بِكَسْرٍ فَتَشْدِيدٍ أَيْ فَرْدَةٍ مِنْ زَوْجَيِ الْمِيزَانِ فَفِي الْقَامُوسِ الْكِفَّةُ بِالْكَسْرِ مِنَ الْمِيزَانِ مَعْرُوفٌ وَيُفْتَحُ (وَالْبِطَاقَةُ) أَيْ وَتُوضَعُ (فِي كِفَّةٍ) أَيْ فِي أُخْرَى (فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ) أَيْ خَفَّتْ (وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ) أَيْ رَجَحَتْ وَالتَّعْبِيرُ بِالْمُضِيِّ لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهِ (وَلَا يَثْقُلُ) أَيْ وَلَا يَرْجَحُ وَلَا يَغْلِبُ (مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ) وَالْمَعْنَى لَا يُقَاوِمُهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَعَاصِي بَلْ يَتَرَجَّحُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى جَمِيعِ الْمَعَاصِي فَإِنْ قِيلَ الْأَعْمَالُ أَعْرَاضٌ لَا يُمْكِنُ وَزْنُهَا وَإِنَّمَا تُوزَنُ الْأَجْسَامُ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُوزَنُ السِّجِلُّ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ الْأَعْمَالُ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ أَوْ أَنَّ اللَّهَ يُجَسِّمُ الْأَفْعَالَ وَالْأَقْوَالَ فَتُوزَنُ فَتَثْقُلُ الطَّاعَاتُ وَتَطِيشُ السَّيِّئَاتُ لِثِقَلِ الْعِبَادَةِ عَلَى النَّفْسِ وَخِفَّةِ الْمَعْصِيَةِ عَلَيْهَا وَلِذَا وَرَدَ حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غريب) واخرجه بن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ

باب ما جاء في افتراق هذه الأمة

18 - (باب مَا جَاءَ فِي افْتِرَاقِ هَذِهِ الْأُمَّةِ) [2640] قَوْلُهُ (تَفَرَّقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْآتِي وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً مِنْ غَيْرِ شَكٍّ (وَالنَّصَارَى مِثْلُ ذَلِكَ) أَيْ أَنَّهُمْ أَيْضًا تَفَرَّقُوا عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً (وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً) الْمُرَادُ مِنْ أُمَّتِي الْإِجَابَةِ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الْآتِي كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً وَهَذَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ غَيْبٍ وَقَعَ قَالَ الْعَلْقَمِيُّ قَالَ شَيْخُنَا أَلَّفَ الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ التَّمِيمِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ كِتَابًا قَالَ فِيهِ قَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ الْمَقَالَاتِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ بِالْفِرَقِ الْمَذْمُومَةِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي فُرُوعِ الْفِقْهِ مِنْ أَبْوَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَإِنَّمَا قَصَدَ بِالذَّمِّ مَنْ خَالَفَ أَهْلَ الْحَقِّ فِي أُصُولِ التَّوْحِيدِ وَفِي تَقْدِيرِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَفِي شُرُوطِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ وَفِي مُوَالَاةِ الصَّحَابَةِ وَمَا جَرَى مَجْرَى هَذِهِ الْأَبْوَابِ لِأَنَّ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهَا قَدْ كَفَّرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِخِلَافِ النَّوْعِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَكْفِيرٍ وَلَا تَفْسِيقٍ لِلْمُخَالِفِ فِيهِ فَيَرْجِعُ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ فِي افْتِرَاقِ الْأُمَّةِ إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَقَدْ حَدَثَ فِي آخِرِ أَيَّامِ الصَّحَابَةِ خِلَافُ الْقَدَرِيَّةِ مِنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَأَتْبَاعِهِ ثُمَّ حَدَثَ الْخِلَافُ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا إِلَى أَنْ تَكَامَلَتِ الْفِرَقُ الضَّالَّةُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَالثَّالِثَةُ وَالسَّبْعُونَ هُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَهِيَ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَعَوْفِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا

حديث عوف بن مالك فأخرجه بن مَاجَهْ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَافْتَرَقَتِ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ قَالَ الْجَمَاعَةُ وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ فِيهِ أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وسبعين اثنتان وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ [2641] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) اسْمُهُ عُمَرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدٍ (الْحَفَرِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ نِسْبَةً إِلَى مَوْضِعٍ بِالْكُوفَةِ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ) الْمَعَافِرِيِّ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيِّ (لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي) مِنَ الْإِتْيَانِ وَهُوَ الْمَجِيءُ بِسُهُولَةٍ وَعُدِّيَ بِعَلَى لِمَعْنَى الْغَلَبَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْهَلَاكِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عليه (مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ) مَا مَوْصُولَةٌ وَهِيَ مَعَ صِلَتِهَا فَاعِلُ لَيَأْتِيَنَّ (حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ) حَذْوَ النَّعْلِ اسْتِعَارَةٌ فِي التَّسَاوِي وَقِيلَ الْحَذْوُ الْقَطْعُ وَالتَّقْدِيرُ أَيْضًا يُقَالُ حَذَوْتُ النَّعْلَ بِالنَّعْلِ إِذَا قَدَّرْتُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْ طَاقَاتِهَا عَلَى صَاحِبَتِهَا لِتَكُونَا عَلَى السَّوَاءِ وَنَصْبُهُ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ يَحْذُونَهُمْ حَذْوًا مِثْلَ حَذْوِ النَّعْلِ بالنعل أي تلك المماثلة المذكورة في غابة الْمُطَابَقَةِ وَالْمُوَافَقَةِ كَمُطَابَقَةِ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ (حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ) حَتَّى ابْتِدَائِيَّةٌ وَالْوَاقِعُ بَعْدَهُ جُمْلَةٌ شَرْطِيَّةٌ وَقَوْلُهُ الْآتِي لَكَانَ إِمَّا جَوَابُ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ وَالْمَجْمُوعُ جَوَابُ الشَّرْطِ وَإِمَّا إِنْ بِمَعْنَى لَوْ كَمَا يَقَعُ عَكْسُهُ وَلَيْسَتْ إِنْ هَذِهِ مُخَفَّفَةً مِنَ الْمُثَقَّلَةِ كَمَا زُعِمَ كَذَا نَقَلَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ عَنْ زَيْنِ الْعَرَبِ وَفِي الْأَزْهَارِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ مُخَفَّفَةً أَيْ حَتَّى إِنَّهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَهَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ حَذْفُ ضَمِيرِ الشأن من إن المكسورة فمنعه بن الحاجب وجوزه بن الْمَلَكِ (مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً) إِتْيَانُهَا كِنَايَةٌ عن الزنى (مَنْ يَصْنَعُ) أَيْ

يَفْعَلُ (ذَلِكَ) أَيِ الْإِتْيَانَ (وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً) سَمَّى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَرِيقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِلَّةً اتِّسَاعًا وَهِيَ فِي الْأَصْلِ مَا شَرَعَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ عَلَى أَلْسِنَةِ أَنْبِيَائِهِ لِيَتَوَصَّلُوا بِهِ إِلَى الْقُرْبِ مِنْ حَضْرَتِهِ تَعَالَى وَيُسْتَعْمَلُ فِي جُمْلَةِ الشَّرَائِعِ دُونَ آحَادِهَا وَلَا تَكَادُ تُوجَدُ مُضَافَةً إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلَا إِلَى آحَادِ أُمَّةِ النَّبِيِّ بَلْ يُقَالُ مِلَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِلَّتُهُمْ كَذَا ثُمَّ إِنَّهَا اتَّسَعَتْ فَاسْتُعْمِلَتْ فِي الْمِلَلِ الْبَاطِلَةِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا عَظُمَ تَفَرُّقُهُمْ وَتَدَيَّنَتْ كُلُّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ بِخِلَافِ مَا تَدِينُ بِهِ غَيْرُهَا كَانَتْ طَرِيقَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ كَالْمِلَّةِ الْحَقِيقِيَّةِ فِي التَّدَيُّنِ فَسُمِّيَتْ بِاسْمِهَا مَجَازًا وَقِيلَ الْمِلَّةُ كُلُّ فِعْلٍ وَقَوْلٍ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَهُوَ قَدْ يَكُونُ حَقًّا وَقَدْ يَكُونُ بَاطِلًا وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَفْتَرِقُونَ فِرَقًا تَتَدَيَّنُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا بِخِلَافِ مَا تَتَدَيَّنُ بِهِ الْأُخْرَى (وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً) قِيلَ فِيهِ إِشَارَةٌ لِتِلْكَ الْمُطَابَقَةِ مَعَ زِيَادَةِ هَؤُلَاءِ فِي ارْتِكَابِ الْبِدَعِ بِدَرَجَةٍ (إِلَّا مِلَّةً) بِالنَّصْبِ أَيْ إِلَّا أَهْلَ مِلَّةٍ (قَالُوا مَنْ هِيَ) أَيْ تِلْكَ الْمِلَّةُ أَيْ أَهْلُهَا النَّاجِيَةُ (مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي) أَيْ هِيَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَتَحْسِينُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ لِاعْتِضَادِهِ بِأَحَادِيثِ الْبَابِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَفِيهِ مَا أَنَا عَلَيْهِ الْيَوْمَ وَأَصْحَابِي (مُفَسَّرٌ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّفْسِيرِ أَيْ مُبَيَّنٌ بُيِّنَ فِيهِ مَا لَمْ يُبَيَّنْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ وَاعْلَمْ أَنَّ أُصُولَ الْبِدَعِ كَمَا نُقِلَ فِي الْمَوَاقِفِ ثَمَانِيَةٌ الْمُعْتَزِلَةُ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْعِبَادَ خَالِقُو أَعْمَالِهِمْ وَبِنَفْيِ الرُّؤْيَةِ وَبِوُجُوبِ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَهُمْ عِشْرُونَ فِرْقَةً وَالشِّيعَةُ الْمُفْرِطُونَ فِي مَحَبَّةِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَهُمُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ فِرْقَةً وَالْخَوَارِجُ الْمُفْرِطَةُ الْمُكَفِّرَةُ لَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَذْنَبَ كَبِيرَةً وَهُمْ عِشْرُونَ فِرْقَةً وَالْمُرْجِئَةُ الْقَائِلَةُ بِأَنَّهُ لَا يَضُرُّ مَعَ الْإِيمَانِ مَعْصِيَةٌ كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ الْكُفْرِ طَاعَةٌ وَهِيَ خَمْسُ فِرَقٍ وَالنَّجَّارِيَّةُ الْمُوَافِقَةُ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي خَلْقِ الْأَفْعَالِ وَالْمُعْتَزِلَةِ فِي نَفْيِ الصِّفَاتِ وَحُدُوثِ الْكَلَامِ وَهُمْ ثَلَاثُ فِرَقٍ وَالْجَبْرِيَّةُ الْقَائِلَةُ بِسَلْبِ الِاخْتِيَارِ عَنِ الْعِبَادِ فِرْقَةً وَاحِدَةً وَالْمُشَبِّهَةُ الَّذِينَ يُشَبِّهُونَ الْحَقَّ بِالْخَلْقِ فِي الْجِسْمِيَّةِ وَالْحُلُولِ فِرْقَةً أَيْضًا فَتِلْكَ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِرْقَةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ وَالْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ هُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ الْبَيْضَاءِ الْمُحَمَّدِيَّةِ وَالطَّرِيقَةُ النَّقِيَّةُ الْأَحْمَدِيَّةُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ

[2642] قوله (عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ كُنْيَتُهُ أَبُو زُرْعَةَ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَرِوَايَتُهُ عَنِ الصَّحَابَةِ مُرْسَلَةٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ فَيْرُوزَ الدَّيْلَمِيُّ أَخُو الضَّحَّاكِ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهُ فِي الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ (خَلَقَ خَلْقَهُ) أَيِ الثَّقَلَيْنِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ مَا خُلِقُوا إِلَّا مِنْ نُورٍ (فِي الظُّلْمَةِ) أَيِ الْكَائِنِينَ فِي ظُلْمَةِ النَّفْسِ الْأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ الْمَجْبُولَةِ بِالشَّهَوَاتِ الْمُرْدِيَةِ وَالْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ (فَأَلْقَى) وَفِي رِوَايَةٍ فَرَشَّ (مِنْ نُورِهِ) أَيْ شَيْئًا مِنْ نُورِهِ (فَمَنْ أَصَابَهُ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ) أَيْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ النُّورِ (اهْتَدَى) أَيْ إِلَى طَرِيقِ الْجَنَّةِ (وَمَنْ أَخْطَأَهُ) أَيْ ذَلِكَ النُّورُ يَعْنِي جَاوَزَهُ وَلَمْ يَصِلْ إِلَيْهِ (ضَلَّ) أَيْ خَرَجَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ (فَلِذَلِكَ) أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الِاهْتِدَاءَ وَالضَّلَالَ قَدْ جَرَى (أَقُولُ جَفَّ الْقَلَمُ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ) أَيْ عَلَى مَا عَلِمَ اللَّهُ وَحَكَمَ بِهِ فِي الْأَزَلِ لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَتَبَدَّلُ وَجَفَافُ الْقَلَمِ عِبَارَةٌ عَنْهُ وَقِيلَ مِنْ أَجْلِ عَدَمِ تَغَيُّرِ مَا جَرَى فِي الْأَزَلِ تَقْدِيرُهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَالْكُفْرِ وَالْمَعْصِيَةِ أَقُولُ جَفَّ الْقَلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وصححه وبن حِبَّانَ [2643] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ) الزُّبَيْرِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ) الْأَوْدِيِّ الْكُوفِيِّ قَوْلُهُ (أَتَدْرِي) أَيْ أَتَعْرِفُ (مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ) الْحَقُّ كُلُّ مَوْجُودٍ مُتَحَقَّقٍ أَوْ مَا سَيُوجَدُ لَا مَحَالَةَ وَيُقَالُ لِلْكَلَامِ الصِّدْقِ حَقٌّ لِأَنَّ وُقُوعَهُ مُتَحَقِّقٌ لَا تَرَدُّدَ فِيهِ وَكَذَا الْحَقُّ الْمُسْتَحَقُّ

عَلَى الْغَيْرِ إِذَا كَانَ لَا تَرَدُّدَ فِيهِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يَسْتَحِقُّهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ مما جعله محتما عليهم قاله بن التَّيْمِيِّ فِي التَّحْرِيرِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ هُوَ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الثَّوَابِ وَأَلْزَمَهُمْ إِيَّاهُ بِخِطَابِهِ (أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) الْمُرَادُ بِالْعِبَادَةِ عَمَلُ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمَعَاصِي وَعَطَفَ عَلَيْهَا عَدَمَ الشِّرْكِ لِأَنَّهُ تَمَامُ التَّوْحِيدِ وَالْحِكْمَةُ فِي عَطْفِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ أَنَّ بَعْضَ الْكَفَرَةِ كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ آلِهَةً أُخْرَى فَاشْتَرَطَ نَفْيَ ذَلِكَ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَالتَّقْدِيرُ يَعْبُدُونَهُ فِي حال عدم الاشراك به قال بن حِبَّانَ عِبَادَةُ اللَّهِ إِقْرَارٌ بِاللِّسَانِ وَتَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ وَعَمَلٌ بِالْجَوَارِحِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْجَوَابِ فَمَا حَقُّ الْعِبَادِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَعَبَّرَ بِالْفِعْلِ وَلَمْ يُعَبِّرْ بِالْقَوْلِ (أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ مَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْجَزَاءِ فَحَقَّ ذَلِكَ وَوَجَبَ بِحُكْمِ وَعْدِهِ الصِّدْقِ وَقَوْلِهِ الْحَقِّ الَّذِي لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ فِي الْخَبَرِ وَلَا الْخُلْفُ فِي الْوَعْدِ فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِحُكْمِ الْأَمْرِ إِذْ لَا آمِرَ فَوْقَهُ وَلَا حُكْمَ لِلْعَقْلِ لِأَنَّهُ كَاشِفٌ لَا مُوجِبٌ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَتَمَسَّكَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ بِظَاهِرِهِ وَلَا مُتَمَسَّكَ لَهُمْ فِيهِ مَعَ قِيَامِ الِاحْتِمَالِ قَالَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْعِلْمِ عِدَّةُ أَجْوِبَةٍ غَيْرُ هَذِهِ وَمِنْهَا أن المراد بالحق ها هنا الْمُتَحَقَّقُ الثَّابِتُ أَوِ الْجَدِيرُ لِأَنَّ إِحْسَانَ الرَّبِّ لِمَنْ لَا يَتَّخِذُ رَبًّا سِوَاهُ جَدِيرٌ فِي الْحِكْمَةِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُ أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُ كَالْوَاجِبِ فِي تَحَقُّقِهِ وَتَأَكُّدِهِ أَوْ ذُكِرَ عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ [2644] قَوْلُهُ (عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ) قَالَ الْحَافِظُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَيْسٌ وَيُقَالُ هِنْدُ بْنُ دِينَارٍ الْأَسَدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو يَحْيَى الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ جَلِيلٌ وَكَانَ كَثِيرَ الْإِرْسَالِ وَالتَّدْلِيسِ مِنَ الثالثة

قَوْلُهُ (فَبَشَّرَنِي) بِأَنْ قَالَ لِي (إِنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا) أَيْ وَيَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (دَخَلَ الْجَنَّةَ وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ) أَيْ وَإِنِ ارْتَكَبَ كُلَّ كَبِيرَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ دُخُولِهِ إِيَّاهَا إِمَّا ابْتِدَاءً إِنْ عُفِيَ عَنْهُ أَوْ بَعْدَ دُخُولِهِ النَّارَ حَسْبَمَا نَطَقَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ

39 - كتاب العلم

39 - كتاب الْعِلْمِ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم أبواب الْعِلْمِ (بَاب إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدٍ خَيْرًا فقهه في الدين) [2645] قَوْلُهُ (مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا) قَالَ الْحَافِظُ نَكَّرَ خَيْرًا لِيَشْمَلَ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّعْظِيمِ لِأَنَّ الْمَقَامَ يَقْتَضِيهِ (يُفَقِّهْهُ) بِتَشْدِيدِ الْقَافِ وفي حديث عمر عند بن أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ يُفَهِّمْهُ بِالْهَاءِ الْمُشَدَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا مِيمٌ قَالَ الْحَافِظُ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَالْفِقْهُ هُوَ الْفَهْمُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لا يكادون يفقهون حديثا أَيْ لَا يَفْهَمُونَ وَالْمُرَادُ الْفَهْمُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ يُقَالُ فَقُهَ بِالضَّمِّ إِذَا صَارَ الْفِقْهُ لَهُ سَجِيَّةً وَفَقَهَ بِالْفَتْحِ إِذَا سَبَقَ غَيْرَهُ إِلَى الْفَهْمِ وَفَقِهَ بِالْكَسْرِ إِذَا فَهِمَ وَمَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ أَيْ يَتَعَلَّمْ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا مِنَ الْفُرُوعِ فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى حَدِيثَ مُعَاوِيَةَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ وَزَادَ فِي آخِرِهِ وَمَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي الدِّينِ لَمْ يُبَالِ اللَّهُ بِهِ وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ أُمُورَ دِينِهِ لَا يَكُونُ فَقِيهًا وَلَا طَالِبَ فِقْهٍ فَيَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّهُ مَا أُرِيدَ بِهِ الْخَيْرُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ومعاوية) أما حديث عمر فأخرجه بن أبي

باب فضل طلب العلم

عَاصِمٍ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هريرة فأخرجه بن ماجه وأما حديث معاوية وهو بن أَبِي سُفْيَانَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (بَاب فَضْلِ طَلَبِ الْعِلْمِ) [2646] قَوْلُهُ (مَنْ سَلَكَ) أَيْ دَخَلَ أَوْ مَشَى (طَرِيقًا) أَيْ حِسِّيَّةً أَوْ مَعْنَوِيَّةً (يَلْتَمِسُ فِيهِ) أَيْ يَطْلُبُ فِيهِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَوْ صفة (علما) نكره ليشمل كل نوع من أَنْوَاعِ عُلُومِ الدِّينِ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً إِذَا كَانَ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَالنَّفْعِ وَالِانْتِفَاعِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الرِّحْلَةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَقَدْ ذَهَبَ مُوسَى إلى الخضر عليهما الصلاة والسلام وقال هل هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رشدا وَرَحَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ (طَرِيقًا) أَيْ مُوَصِّلًا وَمُنْهِيًا (إِلَى الْجَنَّةِ) مَعَ قَطْعِ الْعَقَبَاتِ الشَّاقَّةِ دُونَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا [2647] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْعَتَكِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَوْقِيَّةِ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ اللُّؤْلُؤِ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ) التَّمِيمِيِّ مَوْلَاهُمْ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَاسْمُهُ عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاهَانَ وَأَصْلُهُ مِنْ مَرْوٍ وَكَانَ يَتَّجِرُ إِلَى الري صدوق سيء الْحِفْظِ خُصُوصًا عَنْ مُغِيرَةَ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ (عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ) الْبَكْرِيِّ أَوِ الْحَنَفِيِّ بَصْرِيٌّ نَزَلَ خُرَاسَانَ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ الْخَامِسَةِ

قَوْلُهُ (مَنْ خَرَجَ) أَيْ مِنْ بَيْتِهِ أَوْ بَلَدِهِ (فِي طَلَبِ الْعِلْمِ) أَيِ الشَّرْعِيِّ فَرْضِ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ (فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فِي الْجِهَادِ لِمَا أَنَّ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ مِنْ إِحْيَاءِ الدِّينِ وَإِذْلَالِ الشَّيْطَانِ وَإِتْعَابِ النَّفْسِ كَمَا فِي الْجِهَادِ (حَتَّى يَرْجِعَ) أَيْ إِلَى بَيْتِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَالضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ [2648] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُعَلَّى) بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْهَمْدَانِيُّ الْيَامِيُّ بِالتَّحْتَانِيَّةِ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الرَّيِّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ خَيْثَمَةَ) الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ) أَيِ الْعِلْمَ الشَّرْعِيَّ لِيَعْمَلَ بِهِ (كَانَ) أَيْ طَلَبُهُ لِلْعِلْمِ (كَفَّارَةً) وَهِيَ مَا يَسْتُرُ الذُّنُوبَ وَيُزِيلُهَا مِنْ كَفَرَ إِذَا سَتَرَ (لِمَا مَضَى) أَيْ مِنْ ذُنُوبِهِ قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الضَّعْفِ مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَنِ الْمَشْهُورَةِ فِي إِيجَابِ الْكَفَّارَاتِ وَالْحُدُودِ إِلَّا إِذَا قُلْنَا بِالتَّخْصِيصِ يَعْنِي بِالصَّغَائِرِ وَهُوَ مَوْضِعُ بَحْثٍ كَذَا فِي زَيْنِ الْعَرَبِ نَقَلَهُ السَّيِّدُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالصَّغَائِرِ أَوْ بِحُقُوقِ اللَّهِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا تَدَارُكٌ أَوْ يَشْمَلُ حُقُوقَ الْعِبَادِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ لَهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ وَسِيلَةٌ إِلَى ما يكفر به ذنوبه كله مِنَ التَّوْبَةِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ وَغَيْرِهَا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (أَبُو دَاوُدَ اسْمُهُ نُفَيْعٌ الْأَعْمَى) مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ كُوفِيٌّ وَيُقَالُ لَهُ نَافِعٌ (يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ مَتْرُوكٌ وَقَدْ كَذَّبَهُ بن معين من الخامسة (ولا نعرف) يفتح النُّونِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَوْ بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ (لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَخْبَرَةَ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْهُ أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا وَضَعَّفَهُ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ مِنْ

باب ما جاء في كتمان العلم

الرَّابِعَةِ (كَبِيرَ شَيْءٍ) أَيْ كَثِيرَ شَيْءٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ (وَلَا لِأَبِيهِ) هُوَ سَخْبَرَةَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالرَّاءِ قال في التقريب سخبر فِي إِسْنَادِ حَدِيثِهِ ضَعْفٌ وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ سخبرة وليس بالأزدي وقال غير هُوَ الْأَزْدِيُّ (بَاب مَا جَاءَ فِي كِتْمَانِ الْعِلْمِ) [2649] قَوْلُهُ (عَنْ عُمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ) الصَّيْدَلَانِيِّ أَبِي سَلَمَةَ الْبَصْرِيِّ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ) الْبُنَانِيِّ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبِنُونَيْنِ الْأُولَى خَفِيفَةٌ كُنْيَتُهُ أَبُو الْحَكَمِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ضَعَّفَهُ الْأَزْدِيُّ بِلَا حُجَّةٍ مِنَ الخامسة (عن عطاء) هو بن أَبِي رَبَاحٍ قَوْلُهُ (مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ) وَهُوَ عِلْمٌ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ السَّائِلُ فِي أَمْرِ دِينِهِ (ثُمَّ كَتَمَهُ) بِعَدَمِ الْجَوَابِ أَوْ بِمَنْعِ الْكِتَابِ (أُلْجِمَ) أَيْ أُدْخِلَ فِي فَمِهِ لِجَامٌ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ خُرُوجِ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ قَالَ الطِّيبِيُّ شَبَّهَ مَا يُوضَعُ فِي فِيهِ مِنَ النَّارِ بِلِجَامٍ فِي فَمِ الدَّابَّةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ مُكَافَأَةً لَهُ حَيْثُ أَلْجَمَ نَفْسَهُ بِالسُّكُوتِ وَشُبِّهَ بِالْحَيَوَانِ الَّذِي سُخِّرَ وَمُنِعَ مِنْ قَصْدِهِ مَا يُرِيدُهُ فَإِنَّ الْعَالِمَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يدعو إلى الحق قال بن حَجَرٍ ثُمَّ هُنَا اسْتِبْعَادِيَّةٌ لِأَنَّ تَعَلُّمَ الْعِلْمِ إِنَّمَا يُقْصَدُ لِنَشْرِهِ وَنَفْعِهِ النَّاسَ وَبِكَتْمِهِ يَزُولُ ذَلِكَ الْغَرَضُ الْأَكْمَلُ فَكَانَ بَعِيدًا مِمَّنْ هُوَ فِي صُورَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ قَالَ السَّيِّدُ هَذَا فِي الْعِلْمِ اللَّازِمِ التَّعْلِيمِ كَاسْتِعْلَامِ كَافِرٍ عَنِ الاسلام ما هو وحديث عَهِدَ بِهِ عَنْ تَعْلِيمِ صَلَاةٍ حَضَرَ وَقْتُهَا وَكَالْمُسْتَفْتِي فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الْجَوَابُ لَا نَوَافِلَ الْعُلُومِ الْغَيْرِ الضررية وَقِيلَ الْعِلْمُ هُنَا عِلْمُ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أما حديث جابر فأخرجه بن مَاجَهْ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِذَا لَعَنَ آخِرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَوَّلَهَا فَمَنْ كَتَمَ حَدِيثًا فَقَدْ كَتَمَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِيهِ انْقِطَاعٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ بِنَحْوِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَاكِمِ وَقَالَ صَحِيحٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ

باب ما جاء في الاستيصاء بمن يطلب العلم

قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ والحديث سكت عنه وأبو دَاوُدَ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ مَا لَفْظُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ طُرُقٍ فِيهَا مَقَالٌ وَالطَّرِيقُ الَّذِي خَرَّجَ بِهَا أَبُو دَاوُدَ طَرِيقٌ حَسَنٌ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عن التبوذكي وقد به البخاري ومسلم عن حماد بين سَلَمَةَ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيِّ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَيْسَ فِيهِ بَأْسٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ صَالِحُ الْحَدِيثِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَقَدِ اتَّفَقَ الْإِمَامَانِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبَسَةَ وَعَلِيِّ بْنِ طَلْقٍ وَفِي كُلٍّ مِنْهَا مَقَالٌ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي الِاسْتِيصَاءِ بِمَنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ) [2650] قَوْلُهُ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ أَبِي هَارُونَ) اسْمُهُ عُمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ بِجِيمٍ مُصَغَّرًا الْعَبْدِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ مَتْرُوكٌ وَمِنْهُمْ مَنْ كَذَّبَهُ شِيعِيٌّ مِنَ الرَّابِعَةِ (فَيَقُولُ مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ رَحُبَتْ بِلَادُكُمْ وَاتَّسَعَتْ وَأَتَيْتُمْ أَهْلًا فَلَا تَسْتَوْحِشُوا بِوَصِيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ النَّاسَ لَكُمْ تَبَعٌ) جَمْعُ تَابِعٍ كَخَدَمٍ جَمْعُ خَادِمٍ وَالْخِطَابُ لِعُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ يَعْنِي إِنَّ النَّاسَ يَتْبَعُونَكُمْ فِي أَفْعَالِكُمْ وَأَقْوَالِكُمْ لِأَنَّكُمْ أَخَذْتُمْ عَنِّي مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَفِيهِ مَأْخَذٌ لِتَسْمِيَةِ التَّابِعِيِّ تَابِعِيًّا وَإِنْ كَانَتِ التَّبَعِيَّةُ عَامَّةً بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَلَكِنَّ الْمُطْلَقَ ينحرف إِلَى الْكَامِلِ (مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ) جَمْعُ قُطْرٍ بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ النَّاحِيَةُ وَالْجَانِبُ أَيْ مِنْ جَوَانِبِهَا (يَتَفَقَّهُونَ فِي الدِّينِ) أَيْ يَطْلُبُونَ الْفِقْهَ وَالْفَهْمَ فِيهِ وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ لِبَيَانِ عِلَّةِ الْإِتْيَانِ أَوْ حَالٌ مِنَ الْمَرْفُوعِ فِي يَأْتُونَكُمْ وَهُوَ أَقْرَبُ إِلَى الذَّوْقِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (فَإِذَا أَتَوْكُمْ) أَيْ بِهَذَا الْقَصْدِ وَآثَرَ إِذَا عَلَى إِنْ لِإِفَادَتِهَا تَحْقِيقَ وُقُوعِ هَذَا الْأَمْرِ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ لِوُقُوعِ ذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ (فَاسْتَوْصُوا بِهِمْ خَيْرًا) أَيْ فِي تَعْلِيمِهِمْ عُلُومَ الدِّينِ وَتَحْقِيقِهِمُ اطْلُبُوا الْوَصِيَّةَ وَالنَّصِيحَةَ بِهِمْ من

باب ما جاء في ذهاب العلم

أَنْفُسِكُمْ فَالسِّينُ لِلطَّلَبِ وَالْكَلَامُ مِنْ بَابِ التَّجْرِيدِ أَيْ لِيُجَرِّدْ كُلٌّ مِنْكُمْ شَخْصًا مِنْ نَفْسِهِ وَيَطْلُبْ مِنْهُ التَّوْصِيَةَ فِي حَقِّ الطَّالِبِينَ وَمُرَاعَاةِ أحوالهم وقيل الاستصياء طَلَبُ الْوَصِيَّةِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ بِأَحَدٍ أَوْ بِشَيْءٍ يُقَالُ اسْتَوْصَيْتُ زَيْدًا بِعَمْرٍو خَيْرًا أَيْ طَلَبْتُ مِنْ زَيْدٍ أَنْ يَفْعَلَ بِعَمْرٍو خَيْرًا وَالْبَاءُ فِي بِهِمْ لِلتَّعْدِيَةِ وَقِيلَ الاستصياء قَبُولُ الْوَصِيَّةِ وَمَعْنَاهُ اقْبَلُوا الْوَصِيَّةَ مِنِّي بِإِيتَائِهِمْ خَيْرًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ مُرُوهُمْ بِالْخَيْرِ وَعِظُوهُمْ وَعَلِّمُوهُمْ إِيَّاهُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (قَالَ عَلِيُّ بن عبد الله) هو بن الْمَدِينِيِّ (قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (وما زال بن عون) اسمه عبد الله عَوْنِ بْنِ أَرْطَبَانَ أَبُو عَوْنٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَاضِلٌ مِنْ أَقْرَانِ أَيُّوبَ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالسِّنِّ مِنَ السَّادِسَةِ [2651] قَوْلُهُ (يَأْتِيكُمْ رِجَالٌ من قبل المشرق) ورواه بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي هَارُونَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِلَفْظِ سَيَأْتِيكُمْ أَقْوَامٌ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَقُولُوا لَهُمْ مَرْحَبًا مَرْحَبًا بِوَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقْنُوهُمْ قُلْتُ لِلْحَكَمِ مَا اقْنُوهُمْ قَالَ عَلِّمُوهُمْ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ إِلَخْ) وَهُوَ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ أَبِي هَارُونَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا بن مَاجَهْ (بَاب مَا جَاءَ فِي ذَهَابِ الْعِلْمِ) [2652] قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا) أَيْ مَحْوًا مِنَ الصُّدُورِ وَالْمُرَادُ بِهِ عِلْمُ الكتاب

والسنة وما يتعلق بهما قال القارىء انْتِزَاعًا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ عَلَى مَعْنَى يَقْبِضُ نَحْوَ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَقَوْلُهُ (يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ) صِفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِلنَّوْعِ كَذَا قَالَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ وقال بن الْمَلَكِ انْتِزَاعًا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِلْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَهُ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ يَعْنِي لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ مِنَ النَّاسِ بِأَنْ يَرْفَعَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ (ولكن يقبض العلم) أي يرفعه (يقبض الْعُلَمَاءِ) أَيْ بِمَوْتِهِمْ وَقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ (حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ) أَيِ اللَّهُ تَعَالَى (اتَّخَذَ النَّاسُ رؤوسا) قال النووي ضبطناه في البخاري رؤوسا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالتَّنْوِينِ جَمْعُ رَأْسٍ وَضَبَطُوهُ فِي مُسْلِمٍ هُنَا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي رُؤَسَاءَ جَمْعُ رَئِيسٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ النَّوَوِيِّ هَذَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ أَيْضًا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفِي آخِرِهِ هَمْزَةٌ أُخْرَى مَفْتُوحَةٌ جَمْعُ رَئِيسٍ (فَأَفْتَوْا) مِنَ الْإِفْتَاءِ أَيْ أَجَابُوا وَحَكَمُوا (بِغَيْرِ عِلْمٍ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الْأَسْوَدِ فِي الِاعْتِصَامِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ (فَضَلُّوا) أَيْ صَارُوا ضَالِّينَ (وَأَضَلُّوا) أَيْ مُضِلِّينَ لِغَيْرِهِمْ وَفِي الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى حِفْظِ الْعِلْمِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ تَرْئِيسِ الْجَهَلَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْفَتْوَى هِيَ الرِّيَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ وَذَمُّ مَنْ يَقْدُمُ عَلَيْهَا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْجُمْهُورُ عَلَى الْقَوْلِ بِخُلُوِّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ وَلِلَّهِ الْأَمْرُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَزِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان وبن مَاجَهْ [2653] قَوْلُهُ (فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ) أَيْ رَفَعَهُ (هَذَا أَوَانُ) أَيْ وَقْتُ (يُخْتَلَسُ الْعِلْمُ مِنَ النَّاسِ) أي

يُخْتَطَفُ وَيُسْلَبُ عِلْمُ الْوَحْيِ مِنْهُمْ وَالْجُمْلَةُ صِفَةُ أَوَانُ (حَتَّى لَا يَقْدِرُوا مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْعِلْمِ (عَلَى شَيْءٍ) أَيْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قاله بن الملك قاله القارىء وَالْأَظْهَرُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ قَالَ الطِّيبِيُّ فَكَأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمَّا نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ كُوشِفَ بِاقْتِرَابِ أَجَلِهِ فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ (فَقَالَ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ) الْخَزْرَجِيُّ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمكة فَأَقَامَ مَعَهُ حَتَّى هَاجَرَ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ مُهَاجِرِيٌّ أَنْصَارِيٌّ (وَقَدْ قَرَأْنَا الْقُرْآنَ فَوَاَللَّهِ لَنَقْرَأَنَّهُ وَلْنُقْرِئَنَّهُ نِسَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا) يَعْنِي وَالْحَالُ أَنَّ الْقُرْآنَ مُسْتَمِرٌّ بَيْنَ النَّاسِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وإنا له لحافظون (قَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ) أَيْ فَقَدَتْكَ وَأَصْلُهُ الدُّعَاءُ بِالْمَوْتِ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي التَّعَجُّبِ (إِنْ كُنْتُ) إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ بِدَلِيلِ اللَّامِ الْآتِيَةِ الْفَارِقَةِ وَاسْمُهَا ضَمِيرُ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ أَيْ أَنَّ الشَّأْنَ كُنْتُ أَنَا (لَأَعُدُّكَ) وَفِي رِوَايَةٍ لَأَرَاكَ (فَمَاذَا تُغْنِي عَنْهُمْ) أَيْ فَمَاذَا تَنْفَعُهُمْ وَتُفِيدُهُمْ وفي حديث زيادبن لبيد عند بن ماجة أو ليس هذه اليهود والنصاري يقرؤون التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ لَا يَعْمَلُونَ بِشَيْءٍ مِمَّا فِيهِمَا قال القارىء أَيْ فَكَمَا لَمْ تُفِدْهُمْ قِرَاءَتُهُمَا مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِمَا فِيهِمَا فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ من يقرأون أي يقرأون غَيْرَ عَامِلِينَ نَزَّلَ الْعَالِمَ الَّذِي لَا يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ مَنْزِلَةَ الْجَاهِلِ بَلْ مَنْزِلَةَ الْحِمَارِ الَّذِي يَحْمِلُ أَسْفَارًا بَلْ أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ (الْخُشُوعُ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْخُشُوعُ فِي الصَّوْتِ وَالْبَصَرِ كَالْخُضُوعِ فِي الْبَدَنِ

باب ما جاء في من يطلب بعلمه الدنيا

6 - (باب ما جاء في من يطلب بعلمه الدنيا) [2654] قوله (حدثني بن كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) هُوَ إِمَّا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ وَهُمَا مِنْ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ) أَيْ لَا لِلَّهِ بَلْ (لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ) أَيْ يَجْرِي مَعَهُمْ فِي الْمُنَاظَرَةِ وَالْجِدَالِ لِيُظْهِرَ عِلْمَهُ فِي النَّاسِ رِيَاءً وَسُمْعَةً كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ) جَمْعُ السَّفِيهِ وَهُوَ قَلِيلُ الْعَقْلِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَاهِلُ أَيْ لِيُجَادِلَ بِهِ الْجُهَّالَ وَالْمُمَارَاةُ مِنَ الْمِرْيَةِ وَهِيَ الشَّكُّ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَحَاجِّينَ يَشُكُّ فِيمَا يَقُولُ صَاحِبُهُ وَيُشَكِّكُهُ مِمَّا يُورِدُ عَلَى حُجَّتِهِ أَوْ مِنَ الْمَرْيِ وَهُوَ مَسْحُ الْحَالِبِ لِيَسْتَنْزِلَ مَا بِهِ مِنَ اللَّبَنِ فَإِنَّ كُلًّا مِنَ الْمُتَنَاظِرَيْنِ يَسْتَخْرِجُ مَا عِنْدَ صَاحِبِهِ كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ (وَيَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ) أَيْ يَطْلُبَهُ بِنِيَّةِ تَحْصِيلِ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَإِقْبَالِ الْعَامَّةِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن ماجة عن بن عُمَرَ قَوْلُهُ (وَإِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ لَيْسَ بِذَاكَ الْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِسْحَاقُ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ الْخَامِسَةِ [2655] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ والظاهر أن هاتينن النُّسْخَتَيْنِ صَحِيحَتَانِ فَإِنَّ نَصْرَ بْنَ عَلِيٍّ وَابْنَهُ عَلِيَّ بْنَ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ كِلَيْهِمَا مِنْ شُيُوخِ التِّرْمِذِيِّ وَمِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْهُنَائِيِّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْهُنَائِيُّ بِضَمِّ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ أَبُو عَبَّادٍ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ) بِالْمُهْمَلَةِ

باب ما جاء في الحث على تبليغ السماع

وَالرَّاءِ وَالْكَافِ مُصَغَّرًا ثِقَةٌ يُرْسِلُ مِنَ الثَّالِثَةِ وفي تهذيب التهذيب روى عن بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَلَمْ يُدْرِكْهُمَا قَوْلُهُ (مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ (لِغَيْرِ اللَّهِ) مِنْ نَحْوِ الْجَاهِ وَجَلْبِ الدُّنْيَا (أَوْ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ اللَّهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ (فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) أَيْ فَلْيَتَّخِذْ لَهُ فِيهَا مَنْزِلًا فَإِنَّهَا دَارُهُ وَقَرَارُهُ وَالْحَدِيثُ فِيهِ انْقِطَاعٌ فَإِنَّ خالد بن دريك لم يدرك بن عمر رضي الله عنه وأخرجه أيضا بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْمَذْكُورِ (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَثِّ عَلَى تَبْلِيغِ السَّمَاعِ) [2656] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ مِنْ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَيُقَالُ اسْمُهُ عَمْرٌو (سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبَانِ بْنِ عُثْمَانَ) بْنِ عَفَّانَ الْأُمَوِيَّ الْمَدَنِيَّ ثِقَةٌ مُقِلٌّ عَابِدٌ مِنَ السَّادِسَةِ (يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أُبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ الْأُمَوِيُّ أَبُو سَعِيدٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (نَضَّرَ اللَّهُ) قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ النَّضْرَةُ الْحُسْنُ وَالرَّوْنَقُ يَتَعَدَّى وَلَا يَتَعَدَّى وَرُوِيَ مُخَفَّفًا وَمُثَقَّلًا انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ التَّشْدِيدُ أَكْثَرُ وَقَالَ الْأَبْهَرِيُّ رَوَى أَبُو عُبَيْدَةَ بِالتَّخْفِيفِ قَالَ هو لازم ومتعدي وَرَوَاهُ الْأَصْمَعِيُّ بِالتَّشْدِيدِ وَقَالَ الْمُخَفَّفُ لَازِمٌ وَالتَّشْدِيدُ لِلتَّعْدِيَةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ انْتَهَى وَالْمَعْنَى خَصَّهُ اللَّهُ بِالْبَهْجَةِ وَالسُّرُورِ لِمَا رُزِقَ بِعِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ مِنَ الْقَدْرِ

وَالْمَنْزِلَةِ بَيْنَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا وَنِعَمِهِ فِي الْآخِرَةِ حَتَّى يُرَى عَلَيْهِ رَوْنَقُ الرَّخَاءِ وَالنِّعْمَةِ ثُمَّ قِيلَ إِنَّهُ إِخْبَارٌ يَعْنِي جَعَلَهُ ذَا نَضْرَةٍ وَقِيلَ دُعَاءٌ لَهُ بِالنَّضْرَةِ وَهِيَ الْبَهْجَةُ وَالْبَهَاءُ فِي الْوَجْهِ مِنْ أَثَرِ النِّعْمَةِ (فَحَفِظَهُ) أَيْ بِالْقَلْبِ أَوْ بِالْكِتَابَةِ (فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ) أَيْ عِلْمٍ (إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ) أَيْ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ قَدْ يَكُونُ فَقِيهًا وَلَا يَكُونُ أَفْقَهَ فَيَحْفَظُهُ وَيُبَلِّغُهُ إِلَى مَنْ هو أفقه منه فيستنبط منه مالا يَفْهَمُهُ الْحَامِلُ أَوْ إِلَى مَنْ يَصِيرُ أَفْقَهَ مِنْهُ إِشَارَةٌ إِلَى فَائِدَةِ النَّقْلِ وَالدَّاعِي إِلَيْهِ قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ صِفَةٌ لِمَدْخُولِ رُبَّ اسْتَغْنَى بِهَا عَنْ جَوَابِهَا أَيْ رُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ أَدَّاهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ (وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ) بَيَّنَ بِهِ أَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ لَيْسَ الْفِقْهُ مِنْ شَرْطِهِ إِنَّمَا شَرْطُهُ الْحِفْظُ وَعَلَى الْفَقِيهِ التَّفَهُّمُ وَالتَّدَبُّرُ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ [2657] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٍ أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا الْحَدِيثِ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَأَمَّا حديث أنس فأخرجه بن مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ فَأَقَرَّهُ [2658] قَوْلُهُ (سَمِعَ مِنَّا شيئا) وفي رواية بن مَاجَهْ حَدِيثًا بَدَلَ شَيْئًا قَالَ الطِّيبِيُّ يَعُمُّ الْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ الصَّادِرَةَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ صِيغَةُ الْجَمْعِ فِي مِنَّا قُلْتُ الظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّ الْمَعْنَى مَنْ سَمِعَ مِنِّي أَوْ مِنْ أَصْحَابِي حَدِيثًا مِنْ أَحَادِيثِي فَبَلَّغَهُ إِلَخْ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فَبَلَّغَهُ كَمَا سَمِعَهُ) أَيْ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ وَخَصَّ مُبَلِّغَ الْحَدِيثِ كما

باب ما جاء في تعظيم الكذب على رسول الله

سَمِعَهُ بِهَذَا الدُّعَاءِ لِأَنَّهُ سَعَى فِي نَضَارَةِ الْعِلْمِ وَتَجْدِيدِ السُّنَّةِ فَجَازَاهُ بِالدُّعَاءِ بِمَا يُنَاسِبُ حَالَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شَرَفِ الْحَدِيثِ وَفَضْلِهِ وَدَرَجَةِ طُلَّابِهِ حَيْثُ خَصَّهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُعَاءٍ لَمْ يُشْرِكْ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الْأُمَّةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي طَلَبِ الْحَدِيثِ وَحِفْظِهِ وَتَبْلِيغِهِ فَائِدَةٌ سِوَى أَنْ يَسْتَفِيدَ بَرَكَةَ هَذِهِ الدَّعْوَةِ الْمُبَارَكَةِ لَكَفَى ذَلِكَ فَائِدَةً وغنما وجل من الدَّارَيْنِ حَظًّا وَقَسَمًا وَقَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ اخْتُلِفَ فِي نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى وَإِلَى جَوَازِهِ ذَهَبَ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَالَ مُجَاهِدٌ انْقُصْ مِنَ الْحَدِيثِ مَا شِئْتَ وَلَا تَزِدْ وَقَالَ سُفْيَانُ إِنْ قُلْتُ حَدَّثْتُكُمْ كَمَا سَمِعْتُ فَلَا تُصَدِّقُونِي فَإِنَّمَا هُوَ الْمَعْنَى وَقَالَ وَكِيعٌ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْمَعْنَى وَاسِعًا فَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَقَالَ أيوب عن بن سِيرِينَ كُنْتُ أَسْمَعُ الْحَدِيثَ عَنْ عَشَرَةٍ وَاللَّفْظُ مُخْتَلِفٌ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى اتِّبَاعِ اللفظ منهم بن عمر وهو قول القاسم بن محمد وبن سيرين ومالك بن أنس وبن عُيَيْنَةَ وَقَالَ مُحْيِي السُّنَّةِ الرِّوَايَةُ بِالْمَعْنَى حَرَامٌ عِنْدَ جَمَاعَاتٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَجَائِزَةٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَالْأَوْلَى اجْتِنَابُهَا انْتَهَى قُلْتُ مَسْأَلَةُ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ أُصُولِ الْحَدِيثِ عَلَيْكَ أَنْ تراجعها (فرب) للتقليل وَقَدْ تَرِدُ لِلتَّكْثِيرِ (مُبَلَّغٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَأَوْعَى نَعْتٌ لَهُ وَالَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ رُبَّ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ يُوجَدُ أَوْ يَكُونُ وَيَجُوزُ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ فِي أَنَّ رُبَّ اسْمٌ أَنَّ تَكُونُ هِيَ مُبْتَدَأٌ وَأَوْعَى الْخَبَرُ فَلَا حَذْفَ وَلَا تَقْدِيرَ وَالْمُرَادُ رُبَّ مُبَلَّغٍ عَنِّي أَوْعَى أَيْ أَفْهَمُ لِمَا أَقُولُ مِنْ سَامِعٍ مِنِّي وَصَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ مِنْدَهْ فِي رِوَايَتِهِ من طريق هوذة عن بن عَوْنٍ وَلَفْظُهُ فَإِنَّهُ عَسَى أَنَّ بَعْضَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ أَوْعَى لِمَا أَقُولُ مِنْ بَعْضِ مَنْ شَهِدَ قَوْلُهُ (قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجة وبن حبان قال المناوي وإسناده صحيح (بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْظِيمِ الْكَذِبِ عَلَى رسول الله) صلى الله عليه وسلم [2659] قوله (أخبرنا عاصم) هو بن بَهْدَلَةَ (عَنْ زِرِّ) بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وهو بن حبيش (عن عبد الله) هو بن مسعود

[2660] قَوْلُهُ (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ مَعْنَى كَذَبَ عَلَيْهِ نَسَبَ الْكَلَامَ كَاذِبًا إِلَيْهِ سَوَاءٌ كان عليه أو له انتهى قال القارىء وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ زَعْمُ مَنْ جَوَّزَ وَضْعَ الْأَحَادِيثِ لِلتَّحْرِيضِ عَلَى الْعِبَادَةِ كَمَا وَقَعَ لِبَعْضِ الصُّوفِيَّةِ الْجَهَلَةِ فِي وَضْعِ أَحَادِيثَ فِي فَضَائِلِ السُّوَرِ وَفِي الصَّلَاةِ اللَّيْلِيَّةِ وَالنَّهَارِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّ تَعْدِيَتَهُ بِعَلَى لِتَضْمِينِ مَعْنَى الِافْتِرَاءِ (مُتَعَمِّدًا) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ وَلَيْسَ حَالًا مُؤَكِّدًا لِأَنَّ الْكَذِبَ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ النَّارِ فِيهِ (فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) أَيْ فَلْيَتَّخِذْ لِنَفْسِهِ مَنْزِلًا يُقَالُ تَبَوَّأَ الرَّجُلُ الْمَكَانَ إِذَا اتَّخَذَهُ سَكَنًا وَهُوَ أَمْرٌ بِمَعْنَى الْخَبَرِ أَيْضًا أَوْ بِمَعْنَى التَّهْدِيدِ أو بمعنى التهكم أو دعاء على فاعل ذَلِكَ أَيْ بَوَّأَهُ اللَّهُ ذَلِكَ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَالْمَعْنَى من كذب فليأمر نفسه بالتبوأ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ كَذَا قَالَ وَأَوَّلُهَا أَوْلَاهَا فَقَدْ رواه أحمد بإسناد صحيح عن بن عُمَرَ بِلَفْظِ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي النَّارِ قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَعْنَى الْقَصْدِ فِي الذَّنْبِ وَجَزَائِهِ أَيْ كَمَا أَنَّهُ قَصَدَ في الكذب التعمد فليقصد بجزائه التبوأ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ هَذَا أَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ أَيْضًا قَوْلُهُ (لَا تَكْذِبُوا عَلَيَّ) هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ كَاذِبٍ مُطْلَقٌ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنَ الْكَذِبِ وَمَعْنَاهُ لَا تَنْسُبُوا الْكَذِبَ إِلَيَّ وَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ عَلَيَّ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكْذِبَ لَهُ لِنَهْيِهِ عَنْ مُطْلَقِ الْكَذِبِ وَقَدِ اغْتَرَّ قَوْمٌ مِنَ الْجَهَلَةِ فَوَضَعُوا أحاديث في الترغيب والترهيب وقالوا نحو لَمْ نَكْذِبْ عَلَيْهِ بَلْ فَعَلْنَا ذَلِكَ لِتَأْيِيدِ شَرِيعَتِهِ وَمَا دَرَوْا أَنَّ تَقْوِيلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ يَقْتَضِي الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ إِثْبَاتُ حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْإِيجَابِ أَوِ النَّدْبِ وَكَذَا مُقَابِلُهُمَا وَهُوَ الْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ وَلَا يُعْتَدُّ بِمَنْ خَالَفَ مِنَ الْكَرَّامِيَّةِ حَيْثُ جَوَّزُوا وَضْعَ الْكَذِبِ فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ فِي تَثْبِيتِ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ كَذِبٌ لَهُ لَا عَلَيْهِ وَهُوَ جَهْلٌ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَتَمَسَّكَ بَعْضُهُمْ بِمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ مِنْ زِيَادَةٍ لَمْ تَثْبُتْ وَهِيَ ما أخرجه البزار من حديث بن مَسْعُودٍ بِلَفْظِ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ لِيُضِلَّ بِهِ النَّاسَ الْحَدِيثَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ وَرَجَّحَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْحَاكِمُ

إِرْسَالَهُ وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهِ فَلَيْسَتِ اللَّامُ فِيهِ لِلْعِلَّةِ بَلْ لِلصَّيْرُورَةِ كَمَا فُسِّرَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى الله كذبا ليضل الناس وَالْمَعْنَى أَنَّ مَآلَ أَمْرِهِ إِلَى الْإِضْلَالِ أَوْ هُوَ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعُمُومِ بِالذِّكْرِ فَلَا مَفْهُومَ لَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إملاق فَإِنَّ قَتْلَ الْأَوْلَادِ وَمُضَاعَفَةَ الرِّبَا وَالْإِضْلَالَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ إِنَّمَا هُوَ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ فِيهَا لا اختصاص الحكم (يلج في النَّارَ) أَيْ يَدْخُلُهَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ إِلَخْ) قَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَسْمَاءَ مَنْ أَخْرَجَ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى ذلك فارجع إليه قال بن الْجَوْزِيِّ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَةٌ وَتِسْعُونَ صَحَابِيًّا مِنْهُمُ الْعَشَرَةُ وَلَا يعرف ذلك لغيره وخرجه الطبراني عن نحو هذا العدد وذكر بن دحية أن أُخْرِجَ مِنْ نَحْوِ أَرْبَعِمِائَةِ طَرِيقٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ رَوَاهُ مِائَتَانِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَلْفَاظُهُمْ مُتَقَارِبَةٌ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَمِنْهَا مَنْ نَقَلَ عَنِّي مَا لَمْ أَقُلْهُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ قَالُوا وَذَا أَصْعَبُ أَلْفَاظِهِ وَأَشَقُّهَا لِشُمُولِهِ لِلْمُصَحِّفِ وَاللَّحَّانِ والمحرف وقال بن الصَّلَاحِ لَيْسَ فِي مَرْتَبَتِهِ مِنَ الْمُتَوَاتِرِ غَيْرُهُ قَوْلُهُ (وَالْمُنْقَعِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُقْنَعِ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عَلَى النُّونِ قَالَ فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الأحمدية والمنقع ذكره بن سَعْدٍ فِي طَبَقَاتِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَقَالَ الْمُنْقَعُ بْنُ حُصَيْنِ بْنِ يَزِيدَ وَلَهُ رُؤْيَةٌ ذَكَرَهُ الثَّلَاثَةُ فِي الصَّحَابَةِ بِخَطِّ شَيْخِنَا قال بن عبد البر الملفع بلام وفاء وهو بن الْحُصَيْنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ شَبِيبٍ التَّمِيمِيُّ السَّعْدِيُّ وَيُقَالُ فِيهِ الْمُنْقَعُ بِنُونٍ وَقَافٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ الْمُنْقَعُ لَهُ صُحْبَةٌ انْتَهَى رَأَيْتُ فِي بَعْضِ الْهَوَامِشِ الْمُنَقَّعَ بِالتَّشْدِيدِ وَالْمَحْفُوظُ بِالتَّخْفِيفِ هَذَا فِي حَاشِيَةِ نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ مَنْقُولَةٍ مِنَ الْعَرَبِ انْتَهَى مَا فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجة

باب ما جاء في من روى حديثا وهو يرى أنه كذب

[2661] قَوْلُهُ (مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مَنْ تَعَمَّدَ عَلَيَّ كَذِبًا (حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ مُتَعَمِّدًا) هَذَا قَوْلُ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قول بن شِهَابٍ وَالضَّمِيرُ فِي أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى أَنَسٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان (باب ما جاء في من رَوَى حَدِيثًا وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ كَذِبٌ) [2662] قَوْلُهُ (وَهُوَ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ) قَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطْنَاهُ يُرَى بِضَمِّ الْيَاءِ وَالْكَاذِبِينَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ عَلَى الْجَمْعِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي اللَّفْظَيْنِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الرِّوَايَةُ فِيهِ عِنْدَنَا الْكَاذِبِينَ عَلَى الْجَمْعِ وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسْتَخْرَجِ عَلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ الْكَاذِبَيْنِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَاحْتُجَّ بِهِ على أن الراوي له يشارك البادي بِهَذَا الْكَذِبِ ثُمَّ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةِ الْكَاذِبِينَ أَوِ الْكَاذِبَيْنِ عَلَى الشَّكِّ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ جَوَازَ فَتْحِ الْيَاءِ مَنْ يُرَى وَهُوَ ظَاهِرٌ حَسَنٌ فَأَمَّا مَنْ ضَمَّ الْيَاءَ فَمَعْنَاهُ يَظَنُّ وَأَمَّا مَنْ فَتَحَهَا فَظَاهِرٌ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ يَعْلَمُ وَيَجُوزُ أن يكون

بِمَعْنَى يَظُنُّ أَيْضًا فَقَدْ حُكِيَ رَأَى بِمَعْنَى ظَنَّ وَقُيِّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ إِلَّا بِرِوَايَتِهِ مَا يَعْلَمُهُ أَوْ يَظُنُّهُ كَذِبًا أَمَّا مَا لَا يَعْلَمُهُ وَلَا يَظُنُّهُ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ وَإِنْ ظَنَّهُ غَيْرُهُ كَذَّابًا أَوْ عَلِمَهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَمُرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَرَوَى شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ سَمُرَةَ إِلَخْ) وَصَلَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنَا وكيع عن شعبة الخ (وروى الأعمش وبن أَبِي لَيْلَى عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَلِيٍّ إِلَخْ) وَصَلَهُ بن مَاجَهْ فَقَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حدثنا علي بن هاشم عن بن أَبِي لَيْلَى عَنِ الْحَكَمِ إِلَخْ وَقَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنِ الْحَكَمِ إِلَخْ (سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبَا مُحَمَّدٍ) هُوَ الْإِمَامُ الدَّارِمِيُّ (أَتَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ دخل في الحديث النبي الخ) يعني حديث من حدث عن حَدِيثًا وَهُوَ يُرَى إِلَخْ

باب ما نهى عنه أن يقال عند حديث رسول الله

10 - (بَاب مَا نُهِيَ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ حديث رَسُولُ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2663] قَوْلُهُ (وَسَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ) يَعْنِي رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَسَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي رافع من قوله لأالفين إِلَخْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (وَغَيْرُهُ رَفَعَهُ) يَعْنِي رَوَى غَيْرُ قُتَيْبَةَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْفُوعًا كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ قَالَا أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لاألفين الحديث قوله (لا ألفين الحديث قوله لاألفين) بِالنُّونِ الْمُؤَكِّدَةِ مِنَ الْإِلْفَاءِ أَيْ لَا أَجِدَنَّ وهو كقولك لا أرينك ها هنا نَهَى نَفْسَهُ أَيْ تَرَاهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ وَالْمُرَادُ نَهْيُهُمْ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ (مُتَّكِئًا) حَالٌ أَوْ مَفْعُولٌ ثَانٍ (عَلَى أَرِيكَتِهِ) أَيْ سَرِيرِهِ الْمُزَيَّنِ بِالْحُلَلِ وَالْأَثْوَابِ فِي قُبَّةٍ أَوْ بَيْتٍ كَمَا لِلْعَرُوسِ يَعْنِي الَّذِي لَزِمَ الْبَيْتَ وَقَعَدَ عَنْ طَلَبِ الْعِلْمِ قِيلَ الْمُرَادُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ التَّرَفُّهُ وَالدَّعَةُ كَمَا هُوَ عَادَةُ الْمُتَكَبِّرِ الْمُتَجَبِّرِ الْقَلِيلِ الِاهْتِمَامِ بِأَمْرِ الدِّينِ (فَيَقُولُ لَا أَدْرِي) أَيْ لَا أَعْلَمُ غَيْرَ الْقُرْآنِ وَلَا أَتْبَعُ غَيْرَهُ أَوْ لَا أَدْرِي قَوْلَ الرَّسُولِ (مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ) مَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ يَعْنِي الَّذِي وَجَدْنَاهُ فِي الْقُرْآنِ اتَّبَعْنَا وَمَا وَجَدْنَاهُ فِي غَيْرِهِ لَا نَتَّبِعْهُ أَيْ وَهَذَا الْأَمْرُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوْ نَهَى عَنْهُ لَمْ نَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَا نَتَّبِعْهُ وَالْمَعْنَى لَا يَجُوزُ الْإِعْرَاضُ عَنْ حَدِيثِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّ الْمُعْرِضَ عَنْهُ مُعْرِضٌ عَنِ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا وَقَالَ تَعَالَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هو إلا وحي يوحى وَأَخْرَجَ الدَّارِمِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ قَالَ كَانَ جِبْرَائِيلُ يَنْزِلُ بِالسُّنَّةِ كَمَا يَنْزِلُ بِالْقُرْآنِ كذا في الدر ذكره القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ مِنْ دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَعَلَامَةٌ مِنْ عَلَامَاتِهَا فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ فَإِنَّ رَجُلًا قَدْ خَرَجَ فِي الْفِنْجَابِ مِنْ إِقْلِيمِ الْهِنْدِ وَسَمَّى نَفْسَهُ بِأَهْلِ الْقُرْآنِ وَشَتَّانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ الْقُرْآنِ بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِلْحَادِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ فَأَضَلَّهُ الشَّيْطَانُ وَأَغْوَاهُ وَأَبْعَدَهُ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فَتَفَوَّهَ بِمَا لَا يَتَكَلَّمُ بِهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ فَأَطَالَ لِسَانَهُ فِي رَدِّ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ بِأَسْرِهَا رَدًّا بَلِيغًا وَقَالَ هَذِهِ كُلُّهَا مَكْذُوبَةٌ وَمُفْتَرَيَاتٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا يَجِبُ الْعَمَلُ عَلَى الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ فَقَطْ دُونَ أَحَادِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً مُتَوَاتِرَةً وَمَنْ عَمِلَ عَلَى غَيْرِ الْقُرْآنِ فَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ

الكافرون وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِهِ الْكُفْرِيَّةِ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الْجُهَّالِ وَجَعَلُوهُ إِمَامًا وَقَدْ أَفْتَى عُلَمَاءُ الْعَصْرِ بِكُفْرِهِ وَإِلْحَادِهِ وَخَرَّجُوهُ عَنْ دَائِرَةِ الْإِسْلَامِ وَالْأَمْرُ كَمَا قَالُوا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ قَوْلُهُ (وَسَالِمٍ أبي النضر) بالجر عطف على قوله بن الْمُنْكَدِرِ (بَيَّنَ حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ مِنْ حَدِيثِ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ) أَيْ مَيَّزَهُ عَنْهُ فيقول عن بن الْمُنْكَدِرِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَلْفَيَنَّ أَحَدَكُمْ إِلَخْ وَيَقُولُ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاألفين أَحَدَكُمْ إِلَخْ وَإِذَا جَمَعَهُمَا رَوَى هَكَذَا أَيْ بعطف سالم أبي النضر على بن الْمُنْكَدِرِ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ وَرَوَى بَعْضُهُمْ عَنْ سُفْيَانَ إِلَخْ [2664] قَوْلُهُ (عَنِ الْحَسَنِ بْنِ جَابِرٍ اللَّخْمِيِّ) الْكِنْدِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَوْلُهُ (أَلَا) حَرْفُ التَّنْبِيهِ (هَلْ عَسَى) أَيْ قَدْ قَرُبَ (يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنِّي) خَبَرُ عَسَى وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانَ عَلَى أَرِيكَتِهِ قَالَ

باب ما جاء في كراهية كتابة العلم

الطِّيبِيُّ فِي تَكْرِيرِ كَلِمَةِ التَّنْبِيهِ تَوْبِيخٌ وَتَقْرِيعٌ نَشَأَ مِنْ غَضَبٍ عَظِيمٍ عَلَى مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ وَالْعَمَلَ بِالْحَدِيثِ اسْتِغْنَاءً بِالْكِتَابِ فَكَيْفَ بِمَنْ رجح الرأي على الحديث انتهى قال القارىء لِذَا رَجَّحَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ الْحَدِيثَ وَلَوْ ضَعِيفًا عَلَى الرَّأْيِ وَلَوْ قَوِيًّا انْتَهَى (فَيَقُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ فَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَلَالًا اسْتَحْلَلْنَاهُ وَمَا وَجَدْنَا فِيهِ حَرَامًا حَرَّمْنَاهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ (وَإِنَّ) هَذَا ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ وَفِيهِ الْتِفَاتٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي وَهُوَ بَعِيدٌ (مَا حَرَّمَ) قَالَ الْأَبْهَرِيُّ مَا مَوْصُولَةٌ مَعْنًى مَفْصُولَةٌ لَفْظًا أَيِ الَّذِي حَرَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ (كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ) أَيْ فِي الْقُرْآنِ وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ التَّحْلِيلِ إِشَارَةٌ إِلَى أن الأصل في الأشياء إباحتها وقال بن حَجَرٍ أَيْ مَا حَرَّمَ وَأَحَلَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ وَأَحَلَّ اللَّهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ كِتَابَةِ الْعِلْمِ) [2665] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أَسْلَمُ الْعَدَوِيُّ مَوْلَى عُمَرَ مُخَضْرَمٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانِينَ وقيل بعد سنة ستين وهو بن أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةِ سَنَةٍ قَوْلُهُ (اسْتَأْذَنَّا) أَيْ طَلَبْنَا الْإِذْنَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي الْكِتَابَةِ) أَيْ فِي كِتَابَةِ أَحَادِيثِهِ (فَلَمْ يَأْذَنْ لَنَا) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَنْعِ كِتَابَةِ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَرَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ عَمَلًا وَتَرْكًا وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ اسْتَقَرَّ وَالْإِجْمَاعُ انْعَقَدَ عَلَى جَوَازِ كِتَابَةِ الْعِلْمِ بَلْ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ بَلْ لَا يَبْعُدُ وُجُوبُهُ عَلَى مَنْ خَشِيَ النِّسْيَانَ مِمَّنْ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ تَبْلِيغُ الْعِلْم انتهى

باب ما جاء في الرخصة

قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ أَيْضًا) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ آنِفًا 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ) فِيهِ [2666] قَوْلُهُ (عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ مُرَّةَ) الضُّبَعِيِّ الْبَصْرِيِّ نَزَلَ الرَّقَّةَ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي صَالِحٍ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ يَحْيَى بْنُ أَبِي صَالِحٍ أَبُو الْخَبَّابِ وَيُقَالُ هُوَ السَّمَّانُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقِيلَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الرُّخْصَةِ فِي كِتَابَةِ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ اسْتَعِنْ بِيَمِينِكَ وَعَنْهُ الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ مَجْهُولٌ لا أعرفه وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَوْلُهُ (اسْتَعِنْ بِيَمِينِكَ) بِأَنْ تَكْتُبَ مَا تَخْشَى نِسْيَانَهُ إِعَانَةً لِحِفْظِكَ (وَأَوْمَأَ) أَيْ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِيَدِهِ الخط) أَيِ الْكِتَابَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ الْعَاصِ قَالَ كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ فَمَنَعَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا تَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ حَتَّى ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْمَأَ بِإِصْبَعِهِ إِلَى فِيهِ وَقَالَ اكْتُبْ فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقًّا أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ الْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ) فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ منكر وأخرجه الحكيم الترمذي عن بن عَبَّاسٍ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ

[2667] قَوْلُهُ (أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَذَكَرَ قِصَّةً فِي الْحَدِيثِ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ بِقِصَّتِهِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَفِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ وَمُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الْحَجِّ (فَقَالَ أَبُو شَاهٍ) بِهَاءٍ مُنَوَّنَةٍ قَالَهُ الْحَافِظُ (اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ) وَفِي مُسْلِمٍ قَالَ الْوَلِيدُ فَقُلْتُ لِلْأَوْزَاعِيِّ مَا قَوْلُهُ اكْتُبُوا لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ هَذِهِ الْخُطْبَةُ الَّتِي سَمِعَهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ) هَذَا دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى جَوَازِ كِتَابَةِ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ [2668] قَوْلُهُ (لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنِّي إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَكُنْتُ لَا أَكْتُبُ) هَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَكْثَرِيَّةِ مَا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أي بن الْعَاصِ عَلَى مَا عِنْدَهُ وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ مَعَ أَنَّ الْمَوْجُودَ الْمَرْوِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَقَلُّ مِنَ الْمَوْجُودِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ فَإِنْ قُلْنَا الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ فَلَا إِشْكَالَ إِذِ التَّقْدِيرُ لَكِنِ الَّذِي كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ لَمْ يَكُنْ مِنِّي سَوَاءٌ لَزِمَ مِنْهُ كَوْنُهُ أَكْثَرَ حَدِيثًا لِمَا تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ أَمْ لَا وَإِنْ قُلْنَا الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ فَالسَّبَبُ فِيهِ مِنْ جِهَاتٍ أَحَدُهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِبَادَةِ أَكْثَرَ مِنَ اشْتِغَالِهِ بِالتَّعْلِيمِ فَقَلَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ

ثَانِيهَا أَنَّهُ كَانَ أَكْثَرُ مُقَامِهِ بَعْدَ فُتُوحِ الْأَمْصَارِ بِمِصْرَ أَوْ بِالطَّائِفِ وَلَمْ تَكُنِ الرِّحْلَةُ إِلَيْهِمَا مِمَّنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ كَالرِّحْلَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مُتَصَدِّيًا فِيهَا لِلْفَتْوَى وَالتَّحْدِيثِ إِلَى أَنْ مَاتَ وَيَظْهَرُ هَذَا مِنْ كَثْرَةِ مَنْ حَمَلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ ذَكَرَ البخاري أنه روى عنه ثمان مائة نَفْسٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَلَمْ يَقَعْ هَذَا لِغَيْرِهِ ثَالِثُهَا مَا اخْتَصَّ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِأَنَّهُ لَا يَنْسَى مَا يُحَدِّثُهُ بِهِ رَابِعُهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ قَدْ ظَفِرَ فِي الشَّامِ بِحِمْلِ جَمَلٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ يَنْظُرُ فِيهَا وَيُحَدِّثُ مِنْهَا فَتَجَنَّبَ الْأَخْذَ عَنْهُ لِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ قَوْلُهُ وَلَا أَكْتُبُ قَدْ يُعَارِضُهُ ما أخرجه بن وَهْبٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ تُحُدِّثَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثٍ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ إِلَى بَيْتِهِ فَأَرَانَا كُتُبًا مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ هَذَا هو مكتوب عندي قال بن عَبْدِ الْبَرِّ حَدِيثُ هَمَّامٍ أَصَحُّ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَكْتُبُ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ ثُمَّ كَتَبَ بَعْدَهُ قَالَ الْحَافِظُ وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْحَدِيثِ مَكْتُوبًا عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ مَكْتُوبًا بِخَطِّهِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَكْتُبُ فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمَكْتُوبَ بِغَيْرِ خَطِّهِ وَقَالَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ يَعْنِي مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ يَعْنِي الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ الصَّحِيفَةِ وَمِنْ قِصَّةِ أَبِي شَاهٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ في كناية الْحَدِيثِ عَنْهُ وَهُوَ يُعَارِضُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِوَقْتِ نُزُولِ الْقُرْآنِ خَشْيَةَ الْتِبَاسِهِ بِغَيْرِهِ وَالْإِذْنَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ أَنَّ النَّهْيَ خَاصٌّ بِكِتَابَةِ غَيْرِ الْقُرْآنِ مَعَ الْقُرْآنِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ وَالْإِذْنَ فِي تَفْرِيقِهَا أَوِ النَّهْيَ مُتَقَدِّمٌ وَالْإِذْنَ نَاسِخٌ لَهُ عِنْدَ الْأَمْنِ مِنَ الِالْتِبَاسِ وَهُوَ أَقْرَبُهَا مَعَ أَنَّهُ لَا يُنَافِيهَا وَقِيلَ النَّهْيُ خَاصٌّ بِمَنْ خُشِيَ مِنْهُ الِاتِّكَالُ عَلَى الْكِتَابَةِ دُونَ الْحِفْظِ وَالْإِذْنُ لِمَنْ أُمِنَ مِنْهُ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَعَلَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ الصَّوَابُ وَقْفُهُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ كِتَابَةَ الْحَدِيثِ وَاسْتَحَبُّوا أَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُمْ حِفْظًا كَمَا أَخَذُوا حِفْظًا لَكِنْ لَمَّا قَصُرَتِ الْهِمَمُ وَخَشِيَ الْأَئِمَّةُ ضَيَاعَ الْعِلْمِ دونوه وأول من دون الحديث بن شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَلَى رَأْسِ الْمِائَةِ بِأَمْرِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثُمَّ كَثُرَ التَّدْوِينُ ثُمَّ التَّصْنِيفُ وَحَصَلَ بِذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

باب ما جاء في الحديث عن بني إسرائيل

13 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) [2669] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الْإِمَامُ الذُّهَلِيُّ (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمُبَلَّغُ آيَةً قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ آيَةُ الْقُرْآنِ أَيْ وَلَوْ كَانَتْ آيَةً قَصِيرَةً مِنَ الْقُرْآنِ وَالْقُرْآنُ مُبَلَّغٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنه الجاني بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيُفْهَمُ مِنْهُ تَبْلِيغُ الْحَدِيثِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّ الْقُرْآنَ مَعَ انْتِشَارِهِ وَكَثْرَةِ حَمَلَتِهِ وَتَكَفُّلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِحِفْظِهِ لَمَا أَمَرَنَا بِتَبْلِيغِهِ فَالْحَدِيثُ أَوْلَى انْتَهَى وَالْآيَةُ مَا وُزِّعَتِ السُّورَةُ عَلَيْهَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ هُنَا الْكَلَامُ الْمُفِيدُ نَحْوَ مَنْ صَمَتَ نَجَا وَالدِّينُ النَّصِيحَةُ أَيْ بَلِّغُوا عَنِّي أَحَادِيثِي لَوْ كَانَتْ قَلِيلَةً وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ الْحُكْمُ الْمُوحَى إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمَتْلُوَّةِ وَغَيْرِهَا بِحُكْمِ عُمُومِ الْوَحْيِ الْجَلِيِّ وَالْخَفِيِّ قُلْتُ الظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ (وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ) الْحَرَجُ الضِّيقُ وَالْإِثْمُ قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ وَوَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ النَّهْيِ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِمَا جَاءَ عَنْهُمْ وَبَيْنَ التَّرْخِيصِ الْمَفْهُومِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ بالتحدث ها هنا التَّحَدُّثُ بِالْقَصَصِ مِنَ الْآيَاتِ الْعَجِيبَةِ كَحِكَايَةِ عَوْجِ بْنِ عُنُقٍ وَقَتْلِ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْفُسَهُمْ فِي تَوْبَتِهِمْ مِنْ عِبَادَةِ الْعِجْلِ وَتَفْصِيلِ الْقَصَصِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ عِبْرَةً وَمَوْعِظَةً لِأُولِي الْأَلْبَابِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ هُنَاكَ النَّهْيُ عَنْ نَقْلِ أَحْكَامِ كُتُبِهِمْ لِأَنَّ جَمِيعَ الشَّرَائِعِ وَالْأَدْيَانِ مَنْسُوخَةٌ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم انتهى قال القارىء لكن قال بن قُتَيْبَةَ وَمَا رُوِيَ عَنْ عَوْجٍ أَنَّهُ رَفَعَ جَبَلًا قَدْرَ عَسْكَرِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَهُمْ كَانُوا ثَلَاثُمِائَةِ أَلْفٍ لِيَضَعَهُ عَلَيْهِمْ فَنَقَرَهُ هُدْهُدٌ بِمِنْقَارِهِ وَثَقَبَهُ وَوَقَعَ فِي عُنُقِهِ فَكَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ كَذَا نَقَلَهُ الْأَبْهَرِيُّ انْتَهَى قُلْتُ قال

باب ما جاء الدال على الخير كفاعله

بن قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ فِي كِتَابِهِ تَأْوِيلِ مُخْتَلِفِ الْحَدِيثِ قَالُوا رَوَيْتُمْ أَنَّ عَوْجًا اقْتَلَعَ جَبَلًا قَدْرُهُ فَرْسَخٌ فِي فَرْسَخٍ عَلَى قَدْرِ عَسْكَرِ مُوسَى فَحَمَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ لِيُطْبِقَهُ عَلَيْهِمْ فَصَارَ طَوْقًا فِي عُنُقِهِ حَتَّى مَاتَ وَأَنَّهُ كَانَ يَخُوضُ الْبَحْرَ فَلَا يُجَاوِزُ رُكْبَتَيْهِ وَكَانَ يَصِيدُ الْحِيتَانَ مِنْ لُجَجِهِ وَيَشْوِيهَا فِي عَيْنِ الشَّمْسِ وَأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ وَقَعَ عَلَى نِيلِ مِصْرَ فَجُسِرَ لِلنَّاسِ سَنَةً أَيْ صَارَ جِسْرًا لَهُمْ يَعْبُرُونَ عَلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ وَأَنَّ طُولَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ وَطُولُ عَصَاهُ عَشَرَةٌ وَوَثَبَ عَشْرًا لِيَضْرِبَهُ فَلَمْ يَبْلُغْ عُرْقُوبَهُ قَالُوا وَهَذَا كَذِبٌ بَيِّنٌ لَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ وَلَا عَلَى جَاهِلٍ وَكَيْفَ صَارَ فِي زَمَنِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَنْ خَالَفَ أَهْلَ الزَّمَانِ هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَدِ آدَمَ مَنْ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ هَذَا التَّفَاوُتُ وَكَيْفَ يُطِيقُ آدَمِيٌّ حَمْلَ جَبَلٍ عَلَى رَأْسِهِ قَدْرُهُ فَرْسَخٌ فِي فرسخ قال بن قُتَيْبَةَ وَنَحْنُ نَقُولُ أَنَّ هَذَا حَدِيثٌ لَمْ يَأْتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ صَحَابَتِهِ وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ مِنَ الْأَخْبَارِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي يَرْوِيهَا أَهْلُ الْكِتَابِ سَمِعَهُ قَوْمٌ مِنْهُمْ عَلَى قَدِيمِ الْأَيَّامِ فَتَحَدَّثُوا بِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ 4 - (بَاب مَا جَاءَ الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ) [2670] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ) بِالْفَتْحِ الْمَخْزُومِيُّ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ أَبُو بَكْرٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ شَبِيبِ بْنِ بِشْرٍ) قَالَ فِي التقريب شبيب بوزن طويل بن بشر أو بن بشير البجلي الكوفي صدوق يخطىء مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (يَسْتَحْمِلُهُ) أَيْ يَطْلُبُ مِنْهُ الْمَرْكَبَ (فَحَمَلَهُ) أَيْ أَعْطَاهُ الْمَرْكَبَ (فَقَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أن الدَّالَّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ) لِإِعَانَتِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ الْخَيْرُ فَلَهُ مِثْلُ ثَوَابِهِ وَإِلَّا فَلَهُ ثَوَابُ دَلَالَتِهِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ وَبُرَيْدَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالضِّيَاءُ عَنْهُ مَرْفُوعًا الدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ كَفَاعِلِهِ وَاللَّهُ يُحِبُّ إِغَاثَةَ اللَّهْفَانِ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن أَبِي الدُّنْيَا فِي قَضَاءِ الْحَوَائِجِ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ) اسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ [2671] قَوْلُهُ (فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ أُبْدِعَ بِي) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ يُقَالُ أَبْدَعَتِ الرَّاحِلَةُ إِذَا انْقَطَعَتْ عَنِ السَّيْرِ لِكَلَالٍ جَعَلَ انْقِطَاعَهَا عَمَّا كَانَتْ مُسْتَمِرَّةً عَلَيْهِ إِبْدَاعًا عَنْهَا أَيْ إِنْشَاءُ أَمْرٍ خَارِجٍ مِمَّا اعْتِيدَ مِنْهَا وَمَعْنَى أُبْدِعَ بِالرَّجُلِ انْقَطَعَ بِهِ رَاحِلَتُهُ كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ أَيِ انْقَطَعَ رَاحِلَتِي بِي وَلَمَّا حُوِّلَ لِلْمَفْعُولِ صَارَ الظَّرْفُ نَائِبَهُ كَسِيرَ بِعَمْرٍو (مَنْ دَلَّ) أَيْ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ أَوِ الْإِشَارَةِ أَوِ الْكِتَابَةِ (عَلَى خَيْرٍ) أَيْ عِلْمٍ أَوْ عَمَلٍ مِمَّا فِيهِ أَجْرٌ وَثَوَابٌ (فَلَهُ) أَيْ فَلِلدَّالِّ (مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ شَيْءٌ (أَوْ قَالَ عَامِلُهُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

[2672] قَوْلُهُ (اشْفَعُوا) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ كَانَ إِذَا أَتَاهُ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَى جُلَسَائِهِ فَقَالَ اشْفَعُوا إِلَخْ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِذَا جَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ طَالِبُ حَاجَةٍ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ اشْفَعُوا إِلَخْ (وَلْتُؤْجَرُوا) عُطِفَ عَلَى اشْفَعُوا وَاللَّامُ لَامُ الْأَمْرِ (وَلِيَقْضِيَ اللَّهُ إِلَخْ) بِلَامِ التَّأْكِيدِ أَيْ يَحْكُمُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ مِنَ اللَّهِ سَوَاءٌ كَانَ قَبُولَ الشَّفَاعَةِ أَوْ عَدَمَهُ وَفِي الْحَدِيثِ الْحَضُّ عَلَى الْخَيْرِ بِالْفِعْلِ وَبِالتَّسَبُّبِ إِلَيْهِ بِكُلِّ وَجْهٍ وَالشَّفَاعَةُ إِلَى الْكَبِيرِ فِي كَشْفِ كُرْبَةٍ وَمَعُونَةِ ضَعِيفٍ إِذْ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى الرَّئِيسِ وَلَا التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِيَلِجَ عَلَيْهِ أَوْ يُوَضِّحَ لَهُ مُرَادَهُ لِيَعْرِفَ حَالَهُ عَلَى وَجْهِهِ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْتَجِبُ قَالَ عِيَاضٌ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي تُسْتَحَبُّ الشَّفَاعَةُ فِيهَا إلا الحدود وإلا فما لأحد فيه تَجُوزُ الشَّفَاعَةُ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا مِمَّنْ وَقَعَتْ مِنْهُ الْهَفْوَةُ أَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّتْرِ وَالْعَفَافِ قَالَ وَأَمَّا الْمُصِرُّونَ عَلَى فَسَادِهِمُ الْمُشْتَهِرُونَ فِي بَاطِنِهِمْ فَلَا يُشْفَعُ فِيهِمْ لِيُزْجَرُوا عَنْ ذَلِكَ [2673] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَبُرَيْدُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُصَغَّرًا (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَدْ رَوَى عَنْهُ الثَّوْرِيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ) وَرَوَى هُوَ عَنْ جَدِّهِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَأَبِي أَيُّوبَ صَاحِبِ أَنَسٍ (وَبُرَيْدٌ يكنى أبا بردة هو بن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ) مَقْصُودُ التِّرْمِذِيِّ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ بُرَيْدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا يُكَنَّى بِأَبِي بُرْدَةَ بِكُنْيَةِ جَدِّهِ وَهُوَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ) هُوَ الْهَمْدَانِيُّ

باب ما جاء في من دعا إلى هدى

قَوْلُهُ (مَا مِنْ نَفْسٍ تُقْتَلُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (إلا كان على بن آدَمَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ الْأَوَّلَ وَهُوَ صِفَةٌ لِابْنِ آدَمَ وَهُوَ قَابِيلُ قَتَلَ أَخَاهُ هَابِيلَ (إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا ولم يتقبل من الآخر) (كِفْلٌ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ نَصِيبٌ (مِنْ دَمِهَا) أَيْ دَمِ النَّفْسِ (وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ سَنَّ الْقَتْلَ) يَعْنِي مِنَ الْمُجَرَّدِ وَأَمَّا وَكِيعٌ فَقَالَ أَسَنَّ بِالْهَمْزَةِ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَمَعْنَى سَنَّ وَأَسَنَّ وَاحِدٌ أَيْ أَوَّلُ مَنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ السَّيِّئَةَ وَأَتَى بِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجة 5 - (باب ما جاء في من دَعَا إِلَى هُدًى) فَاتُّبِعَ أَوْ إِلَى ضَلَالَةٍ [2674] قَوْلُهُ (مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى) قَالَ الطِّيبِيُّ الْهُدَى إِمَّا الدَّلَالَةُ الْمُوَصِّلَةُ أَوْ مُطْلَقُ الدَّلَالَةِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا يُهْدَى بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَهُوَ بِحَسَبِ التَّنْكِيرِ شَائِعٌ فِي جِنْسِ مَا يُقَالُ هُدًى فَأَعْظَمُهُ هُدًى مَنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَأَدْنَاهُ هُدًى مَنْ دَعَا إِلَى إِمَاطَةِ الْأَذَى عَنْ طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ (كَانَ لَهُ) أَيْ لِلدَّاعِي (مِثْلُ أُجُورِ مَنْ يَتْبَعُهُ) فَيَعْمَلُ بِدَلَالَتِهِ أَوْ يَمْتَثِلُ أَمْرَهُ (لَا يَنْقُصُ) بِضَمِّ الْقَافِ (ذَلِكَ) إِشَارَةٌ إِلَى مَصْدَرِ وكان كَذَا قِيلَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى الْأَجْرِ (من أجورهم شيئا) قال بن الْمَلَكِ هُوَ مَفْعُولٌ بِهِ أَوْ تَمْيِيزٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّقْصَ يَأْتِي لَازِمًا وَمُتَعَدِّيًا انْتَهَى قال القارىء وَالظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ شَيْئًا مَفْعُولٌ بِهِ أَيْ شَيْئًا مِنْ أُجُورِهِمْ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ شَيْئًا مِنَ النَّقْصِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب الأخذ بالنسة واجتناب البدع

[2675] قوله (عن بن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنِ جَرِيرٍ بْنِ عَبْدُ اللَّهِ الْبَجْلِيِّ الْكُوفِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً أَيْ أَتَى بِطَرِيقَةٍ مَرْضِيَّةٍ يَشْهَدُ لَهَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ (فَاتُّبِعَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالضَّمِيرُ إِلَى مَنْ (عَلَيْهَا) أَوْ عَلَى تِلْكَ السُّنَّةِ (فَلَهُ أَجْرُهُ) الضَّمِيرَانِ يَرْجِعَانِ إِلَى مَنْ سَنَّ أَيْ لَهُ أَجْرُ عَمَلِهِ بِتِلْكَ السُّنَّةِ (غَيْرَ مَنْقُوصٍ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ لَا يَنْقُصُ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا مِنَ النَّقْصِ (وَمَنْ سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سُنَّةً سَيِّئَةً وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً أَيْ طَرِيقَةً غَيْرَ مَرْضِيَّةٍ لَا يَشْهَدُ لَهَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ حُذَيْفَةَ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا وبن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أبيه 6 - (باب الأخذ بالنسة وَاجْتِنَابِ الْبِدَعِ) [2676] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَبَسَةَ (السُّلَمِيِّ) الشَّامِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثالثة (عن

الْعِرْبَاضِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَآخِرُهُ مُعْجَمَةٌ (بْنِ سَارِيَةَ) السُّلَمِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو نَجِيحٍ صَحَابِيٌّ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَنَزَلَ حِمْصَ قَوْلُهُ (ذَرَفَتْ) أَيْ دَمَعَتْ (وَوَجِلَتْ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ خَافَتْ (إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مودع) با ضافة فَإِنَّ الْمُوَدِّعَ بِكَسْرِ الدَّالِ عِنْدَ الْوَدَاعِ لَا يَتْرُكُ شَيْئًا مِمَّا يُهِمُّ الْمُوَدَّعَ بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ كَأَنَّكَ تُوَدِّعُنَا بِهَا لِمَا رَأَى مِنْ مُبَالَغَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَوْعِظَةِ (فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا) أَيْ فَبِأَيِّ شَيْءٍ تُوصِينَا (وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ) أَيْ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْأَرْبَعِينَ لِلنَّوَوِيِّ أَيْ صَارَ أَمِيرًا أَدْنَى الْخَلْقِ فَلَا تَسْتَنْكِفُوا عَنْ طَاعَتِهِ أَوْ لَوِ اسْتَوْلَى عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَأَطِيعُوهُ مَخَافَةَ إِثَارَةِ الْفِتَنِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ أَبِي دَاوُدَ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا بِالنَّصْبِ أَيْ وَإِنْ كَانَ الْمُطَاعُ عَبْدًا حَبَشِيًّا قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ بِهِ طَاعَةَ مَنْ وَلَّاهُ الإمام عليكم وإن كان عبدا حبشا وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ عَبْدًا حَبَشِيًّا وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَدْ يُضْرَبُ الْمَثَلُ فِي الشَّيْءِ بِمَا لَا يَكَادُ يَصِحُّ فِي الْوُجُودِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ مِثْلَ مَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَقَدْرُ مَفْحَصِ الْقَطَاةِ لَا يَكُونُ مَسْجِدًا لِشَخْصٍ آدَمِيٍّ وَنَظَائِرُ هَذَا الْكَلَامِ كَثِيرَةٌ (وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وكل بدعه ضلالة قال الحافظ بن رَجَبٍ فِي كِتَابِ جَامِعِ الْعُلُومِ وَالْحِكَمِ فِيهِ تَحْذِيرٌ لِلْأُمَّةِ مِنَ اتِّبَاعِ الْأُمُورِ الْمُحْدَثَةِ الْمُبْتَدَعَةِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْبِدْعَةِ مَا أُحْدِثَ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرِيعَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا كَانَ لَهُ أَصْلٌ مِنَ الشَّرْعِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ شَرْعًا وَإِنْ كَانَ بِدْعَةً لُغَةً فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لَا يَخْرُجُ عَنْهُ شَيْءٌ وَهُوَ أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي كَلَامِ السَّلَفِ مِنَ اسْتِحْسَانِ بَعْضِ الْبِدَعِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْبِدَعِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي التَّرَاوِيحِ نِعْمَتِ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ بِدْعَةً فَنِعْمَتِ الْبِدْعَةُ وَمِنْ ذَلِكَ أَذَانُ الْجُمُعَةِ الْأَوَّلُ زَادَهُ عُثْمَانُ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَيْهِ وَأَقَرَّهُ عَلِيٌّ وَاسْتَمَرَّ عَمَلُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنِ بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ هُوَ بِدْعَةٌ

وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَا أَرَادَ أَبُوهُ فِي التَّرَاوِيحِ انْتَهَى مُلَخَّصًا (فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ) أَيْ زَمَنَ الِاخْتِلَافِ الْكَثِيرِ (فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي) أَيْ فَلْيَلْزَمْ سُنَّتِي (وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ) فَإِنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا إِلَّا بِسُنَّتِي فَالْإِضَافَةُ إِلَيْهِمْ إِمَّا لِعَمَلِهِمْ بِهَا أَوْ لِاسْتِنْبَاطِهِمْ وَاخْتِيَارِهِمْ إِيَّاهَا قاله القارىء وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي الْفَتْحِ الرَّبَّانِيِّ إِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ قَدْ أَطَالُوا الْكَلَامَ فِي هَذَا وَأَخَذُوا فِي تَأْوِيلِهِ بِوُجُوهٍ أَكْثَرُهَا مُتَعَسِّفَةٌ وَالَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَالْمَصِيرُ إِلَيْهِ هُوَ الْعَمَلُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا التَّرْكِيبُ بِحَسْبِ مَا تَقْتَضِيهِ لُغَةُ الْعَرَبِ فَالسُّنَّةُ هِيَ الطَّرِيقَةُ فَكَأَنَّهُ قَالَ الْزَمُوا طَرِيقَتِي وَطَرِيقَةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَقَدْ كَانَتْ طَرِيقَتُهُمْ هِيَ نَفْسُ طَرِيقَتِهِ فَإِنَّهُمْ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصًا عَلَيْهَا وَعَمَلًا بِهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ كَانُوا يَتَوَقَّوْنَ مُخَالَفَتَهُ فِي أَصْغَرِ الْأُمُورِ فَضْلًا عَنْ أَكْبَرِهَا وَكَانُوا إِذَا أَعْوَزَهُمُ الدَّلِيلُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمِلُوا بِمَا يَظْهَرُ لَهُمْ مِنَ الرَّأْيِ بَعْدَ الْفَحْصِ وَالْبَحْثِ وَالتَّشَاوُرِ وَالتَّدَبُّرِ وَهَذَا الرَّأْيُ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ هُوَ أَيْضًا مِنْ سُنَّتِهِ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُعَاذٍ لَمَّا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بما تَقْضِي قَالَ بِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَإِنْ لم تجد قال أجتهد رأيي قال الحمدلله الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِهِ أَوْ كَمَا قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ تَكَلَّمَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فَالْحَقُّ أَنَّهُ مِنْ قِسْمِ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مَعْمُولٌ بِهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا فِي بَحْثٍ مُسْتَقِلٍّ فَإِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَ مَا عَمِلُوا فِيهِ بِالرَّأْيِ هُوَ مِنْ سُنَّتِهِ لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ثَمَرَةٌ قُلْتُ ثَمَرَتُهُ أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَدْرَكَ زَمَنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَوْ أَدْرَكَ زَمَنَهُ وَزَمَنَ الْخُلَفَاءِ وَلَكِنَّهُ حَدَثَ أَمْرٌ لَمْ يَحْدُثْ فِي زَمَنِهِ فَفَعَلَهُ الْخُلَفَاءُ فَأَشَارَ بِهَذَا الْإِرْشَادِ إِلَى سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ إِلَى دَفْعِ مَا عَسَاهُ يَتَرَدَّدُ فِي بَعْضِ النُّفُوسِ مِنَ الشَّكِّ وَيَخْتَلِجُ فِيهَا مِنَ الظُّنُونِ فَأَقَلُّ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ أَنَّ مَا يَصْدُرُ عَنْهُمْ مِنَ الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ مِنْ سُنَنِهِ كَمَا تَقَدَّمَ وَلَكِنَّهُ أَوْلَى مِنْ رَأْيِ غَيْرِهِمْ عِنْدَ عَدَمِ الدَّلِيلِ وَبِالْجُمْلَةِ فَكَثِيرًا مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْسَبُ الْفِعْلُ أَوِ التَّرْكُ إِلَيْهِ أَوْ إِلَى أَصْحَابِهِ فِي حَيَاتِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لِنِسْبَتِهِ إِلَى غَيْرِهِ مَعَ نِسْبَتِهِ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ محل القدرة وَمَكَانُ الْأُسْوَةِ فَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ أَقِفْ عِنْدَ تَحْرِيرِهِ عَلَى مَا يُوَافِقُهُ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ وَقَدْ ذَكَرْنَا كَلَامَ صَاحِبِ سُبُلِ السَّلَامِ فِي بَيَانِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ في باب آذان الجمعة وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قِيلَ هُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ الْخِلَافَةُ بَعْدِي ثَلَاثُونَ سَنَةً وَقَدِ انْتَهَى بِخِلَافَةِ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَصَفَ الرَّاشِدِينَ بِالْمَهْدِيِّينَ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُهْتَدِيًا فِي نَفْسِهِ لَمْ يَصْلُحْ

أَنْ يَكُونَ هَادِيًا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ يُوقِعُ الْخَلْقَ فِي الضَّلَالَةِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُ وَهُمُ الصِّدِّيقُ وَالْفَارُوقُ وَذُو النُّورَيْنِ وَأَبُو تُرَابٍ عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا أَفْضَلَ الصَّحَابَةِ وَوَاظَبُوا عَلَى اسْتِمْطَارِ الرَّحْمَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ النَّبَوِيَّةِ وَخَصَّهُمُ اللَّهُ بِالْمَرَاتِبِ الْعَلِيَّةِ والمناقب السنية ووطنوا أنفسهم عل مَشَاقِّ الْأَسْفَارِ وَمُجَاهَدَةِ الْقِتَالِ مَعَ الْكُفَّارِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِمَنْصِبِ الْخِلَافَةِ الْعُظْمَى وَالتَّصَدِّي إِلَى الرِّيَاسَةِ الْكُبْرَى لِإِشَاعَةِ أَحْكَامِ الدِّينِ وَإِعْلَاءِ أَعْلَامِ الشَّرْعِ الْمَتِينِ رَفْعًا لِدَرَجَاتِهِمْ وَازْدِيَادًا لِمَثُوبَاتِهِمْ انْتَهَى (عَضُّوا) بِفَتْحِ الْعَيْنِ (عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى السُّنَّةِ (بِالنَّوَاجِذِ) جَمْعُ نَاجِذَةٍ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الضِّرْسُ الْأَخِيرُ وَقِيلَ هُوَ مُرَادِفُ السِّنِّ وَقِيلَ هُوَ الناب قال الماوردي إذ تكاملت الأسنان فهي اثنتان وَثَلَاثُونَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ ثَنَايَا وَهِيَ أَوَائِلُ مَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ مُقَدَّمِ الْفَمِ ثُمَّ أَرْبَعٌ رُبَاعِيَّاتٌ ثُمَّ أَرْبَعُ أَنْيَابٍ ثُمَّ أَرْبَعُ ضَوَاحِكَ ثُمَّ اثْنَا عَشَرَ أَضْرَاسٍ وَهِيَ الطَّوَاحِنُ ثُمَّ أَرْبَعُ نَوَاجِذَ وَهِيَ أَوَاخِرُ الْأَسْنَانِ كَذَا نَقَلَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَضْرَاسَ عِشْرُونَ شَامِلَةً لِلضَّوَاحِكِ وَالطَّوَاحِنِ وَالنَّوَاجِذِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَالْعَضُّ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ مُلَازَمَةِ السُّنَّةِ وَالتَّمَسُّكِ بِهَا فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا أَخْذًا شَدِيدًا يَأْخُذُ بِأَسْنَانِهِ أَوِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِالصَّبْرِ عَلَى مُقَاسَاةِ الشَّدَائِدِ كَمَنْ أَصَابَهُ أَلَمٌ لَا يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرَهُ فَيَشْتَدُّ بِأَسْنَانِهِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ وَقَالَ وَالْخُلَفَاءُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَدُوا بالذين مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَخَصَّ اثْنَيْنِ وقال فإن لم تجدني فأتى أَبَا بَكْرٍ فَخَصَّهُ فَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمْ وَخَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانَ الْمَصِيرُ إِلَى قَوْلِهِ أَوْلَى وَالْمُحْدَثُ عَلَى قِسْمَيْنِ مُحْدَثٌ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ إِلَّا الشُّهْرَةُ وَالْعَمَلُ بِالْإِرَادَةِ فَهَذَا بَاطِلٌ وَمَا كَانَ عَلَى قَوَاعِدِ الْأُصُولِ أَوْ مَرْدُودًا إِلَيْهَا فَلَيْسَ بِبِدْعَةٍ وَلَا ضَلَالَةٍ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِذَلِكَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْخَلَّالُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ قَالُوا أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ إِلَخْ) وَرَوَاهُ بن مَاجَهْ عَنْ يَحْيَى بْنِ حَكِيمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الصَّبَاحِ الْمِسْمَعِيُّ

حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ إِلَخْ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ حُجْرِ بْنِ حُجْرٍ إِلَخْ) وَصَلَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَحُجْرُ بْنُ حُجْرٍ هَذَا بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ الْكَلَاعِيُّ بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ الْحِمْصِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ [2677] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُيَيْنَةَ) الْفَزَارِيُّ الْمَصِّيصِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ) بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسْمَاءَ الفزري أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ نَزِيلُ مَكَّةَ ثُمَّ دِمَشْقَ ثِقَةٌ حَافِظٌ وَكَانَ يُدَلِّسُ أَسْمَاءَ الشُّيُوخِ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ جَدِّهِ) هُوَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ (قَالَ لِبِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ) الْمُزَنِيِّ مَدَنِيٌّ صَحَابِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ وَلَهُ ثَمَانُونَ سَنَةً (اعْلَمْ) أَيْ تَنَبَّهْ وَتَهَيَّأْ لِحِفْظِ مَا أَقُولُ لَكَ (قَالَ أعلم) أي أنا متهيىء لِسَمَاعِ مَا تَقُولُ وَحِفْظِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَا أَعْلَمُ بِزِيَادَةِ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةِ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ أَعْلَمُ (مَنْ أَحْيَا سُنَّةً) أَيْ أَظْهَرَهَا وَأَشَاعَهَا بِالْقَوْلِ أَوِ الْعَمَلِ (من سنني) قَالَ الْأَشْرَفُ ظَاهِرُ النَّظْمِ يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ مِنْ سُنَنِي لَكِنَّ الرِّوَايَةَ بِصِيغَةِ الْإِفْرَادِ انْتَهَى فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِهَا الْجِنْسَ (قَدْ أُمِيتَتْ بَعْدِي) قال بن الْمَلَكِ أَيْ تُرِكَتْ تِلْكَ السُّنَّةُ عَنِ الْعَمَلِ بِهَا يَعْنِي مَنْ أَحْيَاهَا مِنْ بَعْدِي بِالْعَمَلِ بِهَا أَوْ حَثَّ الْغَيْرَ عَلَى الْعَمَلِ بِهَا (مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْقِصَ) مُتَعَدٍّ وَيَحْتَمِلُ اللُّزُومَ (من أجورهم) من التبعيض أَيْ مِنْ أُجُورِ مَنْ عَمِلَ بِهَا فَأَفْرَدَ أَوَّلًا رِعَايَةً لِلَفْظِهِ وَجَمَعَ ثَانِيًا لِمَعْنَاهُ (شَيْئًا) مَفْعُولٌ بِهِ أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ حَصَلَ له باعتبار الدلالة والإحياء والحق وَلِلْعَامِلَيْنِ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ فَلَمْ يَتَوَارَدَا عَلَى مَحَلٍّ وَاحِدٍ حَتَّى يُتَوَهَّمَ أَنَّ حُصُولَ أَحَدِهِمَا يُنْقِصُ الْآخَرَ (وَمَنِ ابْتَدَعَ بِدْعَةَ ضَلَالَةٍ) قَالَ صَاحِبُ الدِّينِ الْخَالِصِ قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ قَيَّدَ بِهِ لِإِخْرَاجِ الْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ وَزَادَ فِي أَشِعَّةِ اللُّمَعَاتِ لِأَنَّ فِيهَا مَصْلَحَةَ الدِّينِ وَتَقْوِيَتَهُ وَتَرْوِيجَهُ انْتَهَى وَأَقُولُ هَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ

مِنْ هَذَيْنِ الْقَائِلَيْنِ لِأَنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَرْضَيَانِ بِدْعَةً أَيَّ بِدْعَةٍ كَانَتْ وَلَوْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِخْرَاجَ الْحَسَنَةِ مِنْهَا لَمَا قَالَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ كَمَا وَرَدَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي حَدِيثٍ آخَرَ بَلْ هَذَا اللَّفْظُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فِي الْأَصْلِ هُوَ إِخْبَارٌ عَنِ الْإِنْكَارِ عَلَى الْبِدَعِ وَأَنَّهَا مِمَّا لَا يَرْضَاهُ اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى رَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا ما كتبناها عليهم وَأَمَّا ظَنُّ مَصْلَحَةِ الدِّينِ وَتَقْوِيَتِهِ فِيهَا فَمِنْ وَادِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا أَدْرِي مَا مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ (إِنَّ بعض الظن إثم) وَلَا أَدْرِي مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لكم الاسلام دينا إِنْ كَانَتْ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ فِي تَرْوِيجِ الْبِدْعَاتِ يالله الْعَجَبَ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْقَالَةِ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ فِي إِشَاعَةِ الْبِدَعِ إِمَاتَةَ السُّنَنِ وَفِي إِمَاتَتِهَا إِحْيَاءَ الدِّينِ وَعُلُومِهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ دِينَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ كَامِلٌ تَامٌّ غَيْرُ نَاقِصٍ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى شَيْءٍ فِي كَمَالِهِ وَإِتْمَامُهُ وَنُصُوصُهُ مَعَ أَدِلَّةِ السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ كَافِيَةٌ وَافِيَةٌ شَافِيَةٌ لِجَمِيعِ الْحَوَادِثِ وَالْقَضَايَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ انْتَهَى مَا فِي الدِّينِ الْخَالِصِ مُخْتَصَرًا قُلْتُ قَوْلُهُ بِدْعَةٌ ضَلَالَةٌ يُرْوَى بِالْإِضَافَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُنْصَبَ مَوْصُوفًا وَصِفَةً وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَيْسَتْ لِلِاحْتِرَازِ عَنِ الْبِدْعَةِ الْحَسَنَةِ بَلْ هِيَ صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لِلْبِدْعَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لَا يَرْضَاهَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ) هَذَا أَيْضًا صِفَةٌ كَاشِفَةٌ بِقَوْلِهِ بِدْعَةٌ قَوْلُهُ (هذا حديث حسن) وأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ لِحَدِيثِهِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ نَقْلِ تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ بَلْ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَتْرُوكٌ وَاهٍ وَلَكِنْ لِلْحَدِيثِ شَوَاهِدُ انْتَهَى قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ) هُوَ بن جُدْعَانَ [2678] قَوْلُهُ (قَالَ لِي) أَيْ وَحْدِي أَوْ مُخَاطِبًا لِي مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِي (يَا بُنَيَّ) بضم الباء تصغير بن وَهُوَ تَصْغِيرُ لُطْفٍ وَمَرْحَمَةٍ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ هَذَا لِمَنْ لَيْسَ ابْنَهُ وَمَعْنَاهُ اللُّطْفُ وَأَنَّكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ وَلَدِي فِي الشَّفَقَةِ (إِنْ قَدَرْتَ) أَيِ اسْتَطَعْتَ وَالْمُرَادُ اجْتَهِدْ قَدْرَ مَا تَقْدِرُ (أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِيَ) أَيْ تَدْخُلَ فِي

وَقْتِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ وَالْمُرَادُ جَمِيعُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ (لَيْسَ فِي قَلْبِكَ) الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ تَنَازَعَ فِيهِ الْفِعْلَانِ أَيْ وَلَيْسَ كَائِنًا فِي قَلْبِكَ (غِشٌّ) بِالْكَسْرِ ضِدُّ النُّصْحِ الَّذِي هُوَ إِرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ (لِأَحَدٍ) وَهُوَ عَامٌّ لِلْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ فَإِنَّ نَصِيحَةَ الْكَافِرِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي إِيمَانِهِ وَيَسْعَى فِي خَلَاصِهِ مِنْ وَرْطَةِ الْهَلَاكِ بِالْيَدِ وَاللِّسَانِ وَالتَّآلُفِ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ من المال كذا ذكره الطِّيبِيُّ (فَافْعَلْ) جَزَاءً كِنَايَةٌ عَمَّا سَبَقَ فِي الشَّرْطِ أَيِ افْعَلْ نَصِيحَتَكَ (وَذَلِكَ) أَيْ خُلُوُّ الْقَلْبِ مِنَ الْغِشِّ قَالَ الطِّيبِيُّ وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ رَفِيعُ الْمَرْتَبَةِ أَيْ بَعِيدُ التَّنَاوُلِ (مِنْ سُنَّتِي) أَيْ طَرِيقَتِي (وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي) أَيْ أَظْهَرَهَا وَأَشَاعَهَا بِالْقَوْلِ أَوِ الْعَمَلِ (فَقَدْ أَحْيَانِي وَمَنْ أَحْيَانِي) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ مِنَ الْإِحْيَاءِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ وَأَوْرَدَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ هَذَا الْحَدِيثَ نَقْلًا عَنِ التِّرْمِذِيِّ بِلَفْظِ مَنْ أَحَبَّ سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْإِحْبَابِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ هَكَذَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (كَانَ مَعِي فِي الْجَنَّةِ) أَيْ مَعِيَّةٌ مُقَارِبَةٌ لَا مَعِيَّةٌ مُتَّحِدَةٌ فِي الدَّرَجَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الذين أنعم الله عليهم الْآيَةَ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْقِصَّةِ الطَّوِيلَةِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ بِهَا قَوْلُهُ (وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ صَدُوقٌ) وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ (وَكَانَ رَفَّاعًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ كَانَ يَرْفَعُ الْأَحَادِيثَ الْمَوْقُوفَةَ كَثِيرًا (وَقَدْ رَوَى عَبَّادُ) بْنُ مَيْسَرَةَ (الْمِنْقِرِيُّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ الْبَصْرِيُّ الْمُعَلِّمُ لَيِّنُ الْحَدِيثِ عَابِدٌ مِنَ السَّابِعَةِ (وَلَا غَيْرَهُ) بِالنَّصْبِ عُطِفَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ (وَمَاتَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَتِسْعِينَ وَمَاتَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ بَعْدَهُ بِسَنَتَيْنِ إِلَخْ مَقْصُودُ التِّرْمِذِيِّ بِهَذَا أَنَّ الْمُعَاصَرَةَ بَيْنَ أَنَسٍ وَبَيْنَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ ثَابِتَةٌ فَيُمْكِنُ سَمَاعُهُ مِنْهُ

باب في الانتهاء عما نهى عنه رسول الله

17 - (بَاب فِي الِانْتِهَاءِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2679] قَوْلُهُ (اتْرُكُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ) أَيْ مُدَّةَ تَرْكِي إِيَّاكُمْ مِنَ التَّكْلِيفِ (فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) أَيْ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ) كَسُؤَالِ الرُّؤْيَةِ وَالْكَلَامِ وَقَضِيَّةِ الْبَقَرَةِ (وَاخْتِلَافِهِمْ) عُطِفَ عَلَى الْكَثْرَةِ لَا عَلَى السُّؤَالِ لِأَنَّ نَفْسَ الِاخْتِلَافِ مُوجِبٌ لِلْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ الْكَثْرَةِ (عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ) يَعْنِي إِذَا أَمَرَهُمُ الْأَنْبِيَاءُ بَعْدَ السُّؤَالِ أَوْ قَبْلَهُ وَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِمْ فَهَلَكُوا وَاسْتَحَقُّوا الْإِهْلَاكَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فاتوا منه اسْتَطَعْتُمْ هَذَا مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ الْمُهِمَّةِ وَمِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الَّتِي أُعْطِيَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا لَا يُحْصَى مِنَ الْأَحْكَامِ كَالصَّلَاةِ بِأَنْوَاعِهَا فَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَرْكَانِهَا أَوْ بَعْضِ شُرُوطِهَا أَتَى بِالْبَاقِي وَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوِ الْغُسْلِ غَسَلَ الْمُمْكِنَ وَإِذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ مِنَ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ أَوْ لِغَسْلِ النَّجَاسَةِ فَعَلَ الْمُمْكِنَ وَأَشْبَاهُ هَذَا غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ فَهُوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ فَإِنْ وُجِدَ عُذْرٌ يُبِيحُهُ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ عِنْدَ الْإِكْرَاهِ أَوِ التَّلَفُّظِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ إِذَا أُكْرِهَ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي هَذَا الْحَالِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي عالم المدينة) [2680] قوله (عن أبي هريرة رِوَايَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ

اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا لَكَانَ مَوْقُوفًا (يُوشِكُ) بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحُ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ أَيْ يَقْرُبُ (أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ) هُوَ فِي مَحَلِّ الرفع اسم ليوشك ولا حاجة إلى الخير لِاشْتِمَالِ الِاسْمِ عَلَى الْمُسْنَدِ وَالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ (أَكْبَادَ الْإِبِلِ) أَيِ الْمُحَاذِيَ لِأَكْبَادِهَا يَعْنِي يَرْحَلُونَ وَيُسَافِرُونَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ إِسْرَاعِ الْإِبِلِ وَإِجْهَادِهَا فِي السَّيْرِ قَالَ الطِّيبِيُّ ضَرْبُ أَكْبَادِ الْإِبِلِ كِنَايَةٌ عَنِ السَّيْرِ السَّرِيعِ لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ ذَلِكَ يَرْكَبُ الْإِبِلَ وَيَضْرِبُ عَلَى أَكْبَادِهَا بِالرِّجْلِ وَفِي إِيرَادِ هَذَا الْقَوْلِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ طَلَبَةَ الْعِلْمِ أَشَدُّ النَّاسِ حِرْصًا وَأَعَزُّهُمْ مَطْلَبًا لِأَنَّ الْجِدَّ فِي الطَّلَبِ إِنَّمَا يَكُونُ بِشِدَّةِ الْحِرْصِ وَعِزَّةِ الْمَطْلَبِ وَالْمَعْنَى قَرُبَ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يَسِيرُ النَّاسُ سَيْرًا شَدِيدًا فِي الْبُلْدَانِ الْبَعِيدَةِ (يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ) حَالٌ أَوْ بَدَلٌ (فَلَا يَجِدُونَ أَحَدًا) أَيْ فِي الْعَالَمِ (أَعْلَمَ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ) قِيلَ هَذَا فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ ظَهَرَتِ الْعُلَمَاءُ الْفُحُولُ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ أَكْثَرَ مَا كَانُوا بِالْمَدِينَةِ فَالْإِضَافَةُ لِلْجِنْسِ قَوْلُهُ (قَالَ فِي هَذَا مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ) قَوْلُهُ مِنْ عَالِمِ الْمَدِينَةِ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ هَذَا (إِنَّهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ) يَعْنِي إِمَامَ دَارِ الْهِجْرَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ (هُوَ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) كَذَا فَسَّرَ التِّرْمِذِيُّ الْعُمَرِيَّ الزَّاهِدَ بِعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ صَرَّحَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بِأَنَّ الْعُمَرِيَّ الزَّاهِدَ هُوَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ فِي تَرْجَمَتِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عبد العزيز بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيُّ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ الْمَدَنِيُّ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَسَلَّمَ مُرْسَلًا لَمَّا اسْتَعْمَلَ عَلِيًّا عَلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ قَدِّمِ الْوَضِيعَ قَبْلَ الشَّرِيفِ قَدِّمِ الضَّعِيفَ قَبْلَ الْقَوِيِّ وَعَنْ أَبِيهِ وَغَيْرِهِ وَعَنِ بن عيينة وغيره قال النسائي ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ كَانَ مِنْ أَزْهَدْ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَشَدِّهِمْ تَخَلِّيًا لِلْعِبَادَةِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أربع وثمانين ومائة وقال بن سَعْدٍ كَانَ عَابِدًا نَاسِكًا عَالِمًا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ سمعت إسحاق يقول سمعت بن عُيَيْنَةَ يَقُولُ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوشِكُ أَنْ يَضْرِبَ النَّاسُ أَكْبَادَ الابل الحديث هو العمري وقال بن أبي خثيمة

باب ما جاء في فضل الفقه على العبادة

أَخْبَرَنَا مُصْعَبٌ قَالَ كَانَ الْعُمَرِيُّ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَتَقَدَّمُ بِذَلِكَ عَلَى الْخُلَفَاءِ وَيَحْتَمِلُونَ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ الزُّبَيْرُ كَانَ أَزْهَدَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَعْبَدَهُمْ انْتَهَى مُخْتَصَرًا وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مَا لَفْظُهُ عبد العزيز بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الخطاب العدوي المدني ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَهُوَ وَالِدُ عَبْدِ اللَّهِ الزَّاهِدِ الْعُمَرِيِّ انْتَهَى فَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَالصَّوَابُ أَنَّ اسْمَ الْعُمَرِيَّ الزَّاهِدَ عَبْدُ اللَّهُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْفِقْهِ عَلَى الْعِبَادَةِ) [2681] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ البخاري رَحِمَهُ اللَّهُ (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِالصَّغِيرِ (أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ جَنَاحٍ) الْأُمَوِيُّ مولاهم أبو سعد الدمشقي ضعيف اتهمه بن حِبَّانَ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (فَقِيهٌ) وَفِي رِوَايَةِ بن مَاجَهْ فَقِيهٌ وَاحِدٌ (أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ) لِأَنَّ الْفَقِيهَ لَا يَقْبَلُ إِغْوَاءَهُ وَيَأْمُرُ النَّاسَ بِالْخَيْرِ عَلَى ضِدِّ مَا يَأْمُرُهُمْ بِالشَّرِّ (مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ) قِيلَ الْمُرَادُ الْكَثْرَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ كُلَّمَا فَتَحَ بَابًا مِنَ الْأَهْوَاءِ عَلَى النَّاسِ وَزَيَّنَ الشَّهَوَاتِ فِي قُلُوبِهِمْ بَيَّنَ الْفَقِيهُ الْعَارِفُ بِمَكَائِدِهِ وَمَكَامِنِ غَوَائِلِهِ لِلْمُرِيدِ السَّالِكِ مَا يَسُدُّ ذَلِكَ الْبَابَ وَيَجْعَلُهُ خَائِبًا خَاسِرًا بِخِلَافِ الْعَابِدِ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَشْتَغِلُ بِالْعِبَادَةِ وَهُوَ فِي حَبَائِلِ الشَّيْطَانِ وَلَا يَدْرِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ السَّاجِيُّ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ حَدِيثُ مَا عُبِدَ اللَّهُ بِشَيْءٍ أَفْضَلَ مِنْ فِقْهٍ فِي الدِّينِ وَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ وَلِكُلِّ شَيْءٍ عِمَادٌ وَعِمَادُ هَذَا الدِّينِ الْفِقْهُ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ ضَعِيفٌ وَفِي الْمَقَاصِدِ لَفَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ أَسَانِيدُهُ ضَعِيفَةٌ لَكِنَّهُ يَتَقَوَّى بَعْضُهَا بِبَعْضٍ

[2682] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ) الْكِنْدِيُّ الْفِلَسْطِينِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ كَثِيرُ بْنُ قَيْسٍ الشَّامِيُّ وَيُقَالُ قَيْسُ بْنُ كَثِيرٍ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ كَثِيرُ بْنُ قَيْسٍ وَيُقَالُ قَيْسُ بْنُ كَثِيرٍ شَامِيٌّ رَوَى عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ فِي فَضْلِ الْعِلْمِ وَعَنْهُ دَاوُدُ بْنُ جَمِيلٍ جَاءَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ كَثِيرُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الْإِسْنَادِ إِلَيْهِ وَتَفَرَّدَ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ بِتَسْمِيَةِ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ وَهُوَ وَهْمٌ قَوْلُهُ (مِنَ الْمَدِينَةِ) الْمُنَوَّرَةِ (وَهُوَ) أَيْ أَبُو الدَّرْدَاءِ (بِدِمَشْقَ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَيُكْسَرُ (مَا أَقْدَمَكَ) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ جَاءَ بِكَ هُنَا (حَدِيثٌ) أَيْ أَقْدَمَنِي حَدِيثٌ يَعْنِي جِئْتُكَ لِتُحَدِّثَنِي بِهِ (أَمَا جِئْتَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَمَا نَافِيَةٌ (مَنْ سَلَكَ) أَيْ دَخَلَ أَوْ مَشَى (طَرِيقًا) أَيْ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا (يَبْتَغِي فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ أَوْ فِي ذَلِكَ الْمَسْلَكِ أَوْ فِي سُلُوكِهِ (عِلْمًا) قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا أَطْلَقَ الطَّرِيقَ وَالْعِلْمَ لِيَشْمَلَا فِي جِنْسِهِمَا أَيَّ طَرِيقٍ كَانَ مِنْ مُفَارَقَةِ الْأَوْطَانِ وَالضَّرْبِ فِي الْبُلْدَانِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَأَيَّ عِلْمٍ كَانَ مِنْ عُلُومِ الدِّينِ قليلا أو كثيرا رفعيا أَوْ غَيْرَ رَفِيعٍ (سَلَكَ اللَّهُ بِهِ) الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى مَنْ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ جَعَلَهُ سَالِكًا وَوَفَّقَهُ أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ وَقِيلَ عَائِدٌ إِلَى الْعِلْمِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ وَسَلَكَ بِمَعْنَى سَهَّلَ وَالْعَائِدُ إِلَى مَنْ مَحْذُوفٌ وَالْمَعْنَى سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِسَبَبِ الْعِلْمِ (طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) فَعَلَى الْأَوَّلِ سَلَكَ مِنَ السُّلُوكِ وَعَلَى الثَّانِي من السلك والمفعول محذوف كقوله تعالى ويسلكه عذابا صعدا قيل عذابا مفعول ثان وعلى التقدير نِسْبَةُ سَلَكَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى طَرِيقِ الْمُشَاكَلَةِ كَذَا قَالَ الطِّيبِيُّ (لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا) جَمْعُ جَنَاحٍ (رِضًى) حَالٌ أَوْ مَفْعُولٌ لَهُ عَلَى مَعْنَى إِرَادَةِ رِضًا لِيَكُونَ فِعْلًا لِفَاعِلِ الْفِعْلِ الْمُعَلَّلِ بِهِ (لِطَالِبِ الْعِلْمِ) اللَّامُ مُتَعَلِّقٌ بِرِضًا وَقِيلَ التَّقْدِيرُ لِأَجْلِ الرِّضَا الْوَاصِلِ مِنْهَا إِلَيْهِ أَوْ لِأَجْلِ إِرْضَائِهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ بِمَا يَصْنَعُ مِنْ حِيَازَةِ الْوِرَاثَةِ الْعُظْمَى وَسُلُوكِ السَّنَنِ الْأَسْنَى قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ وَغَيْرُهُ قِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَتَوَاضَعُ لِطَالِبِهِ تَوْقِيرًا لِعِلْمِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى

واخفض لهما جناح الذل من الرحمة أَيْ تَوَاضَعْ لَهُمَا أَوِ الْمُرَادُ الْكَفُّ عَنِ الطَّيَرَانِ وَالنُّزُولُ لِلذِّكْرِ كَقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ مَعْنَاهُ الْمَعُونَةُ وتيسير المؤونة بِالسَّعْيِ فِي طَلَبِهِ أَوِ الْمُرَادُ تَلْيِينُ الْجَانِبِ وَالِانْقِيَادُ وَالْفَيْءُ عَلَيْهِ بِالرَّحْمَةِ وَالِانْعِطَافِ أَوِ الْمُرَادُ حَقِيقَتُهُ وَإِنْ لَمْ تُشَاهَدْ وَهِيَ فَرْشُ الْجَنَاحِ وَبَسْطُهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ لِتَحْمِلَهُ عَلَيْهَا وَتَبْلُغَهُ مَقْعَدَهُ مِنَ الْبِلَادِ نَقَلَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ وَنَقَلَ بن الْقَيِّمِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ بِالْبَصْرَةِ فَحَدَّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ وفي المجلس شخص من المعتزلة فجعل يستهزىء بِالْحَدِيثِ فَقَالَ وَاللَّهِ لَأَطْرُقَنَّ غَدًا نَعْلِي وَأَطَأُ بِهَا أَجْنِحَةَ الْمَلَائِكَةِ فَفَعَلَ وَمَشَى فِي النَّعْلَيْنِ فَحُفَّتْ رِجْلَاهُ وَوَقَعَتْ فِيهِمَا الْأَكَلَةُ وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ سمعت بن يَحْيَى السَّاجِيَّ يَقُولُ كُنَّا نَمْشِي فِي أَزِقَّةِ الْبَصْرَةِ إِلَى بَابِ بَعْضِ الْمُحَدِّثِينَ فَأَسْرَعْنَا الْمَشْيَ وَكَانَ مَعَنَا رَجُلٌ مَاجِنٌ مُتَّهَمٌ فِي دِينِهِ فَقَالَ ارْفَعُوا أَرْجُلَكُمْ عَنْ أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ لَا تكسروها كالمستهزىء بِالْحَدِيثِ فَمَا زَالَ عَنْ مَوْضِعِهِ حَتَّى حُفَّتْ رِجْلَاهُ وَسَقَطَ إِلَى الْأَرْضِ انْتَهَى وَالْحَفَاءُ رِقَّةُ الْقَدَمِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ أَطْلُبُ الْعِلْمَ قَالَ مَرْحَبًا بِطَالِبِ الْعِلْمِ إِنَّ طَالِبَ الْعِلْمِ لَتَحُفُّ بِهِ الْمَلَائِكَةُ وَتُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا فَيَرْكَبُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ حَتَّى تَبْلُغَ السَّمَاءَ الدُّنْيَا من حبهم لما يطلب نقله الشيخ بن الْقَيِّمِ وَقَالَ الْحَاكِمُ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ مَجَازٌ مِنْ إِرَادَةِ اسْتِقَامَةِ حَالِ الْمُسْتَغْفَرِ له انتهى قال القارىء وَالْحَقِيقَةُ أَوْلَى (حَتَّى الْحِيتَانُ) جَمْعُ الْحُوتِ خُصَّ لِدَفْعِ إِيهَامِ أَنَّ مَنْ فِي الْأَرْضِ لَا يَشْمَلُ مَنْ فِي الْبَحْرِ كَذَا قِيلَ (وَفَضْلُ الْعَالِمِ) أَيِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْعِلْمُ وَهُوَ الَّذِي يَقُومُ بِنَشْرِ الْعِلْمِ بَعْدَ أَدَائِهِ مَا تَوَجَّهَ إِلَيْهِ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ (عَلَى الْعَابِدِ) أَيِ الْغَالِبِ عَلَيْهِ الْعِبَادَةُ وَهُوَ الَّذِي يَصْرِفُ أَوْقَاتَهُ بِالنَّوَافِلِ مَعَ كَوْنِهِ عَالِمًا بِمَا تَصِحُّ بِهِ الْعِبَادَةُ (كَفَضْلِ الْقَمَرِ) أَيْ لَيْلَةَ الْبَدْرِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ) قَالَ الْقَاضِي شَبَّهَ الْعَالِمَ بِالْقَمَرِ وَالْعَابِدَ بِالْكَوَاكِبِ لِأَنَّ كَمَالَ الْعِبَادَةِ وَنُورَهَا لَا يَتَعَدَّى مِنَ الْعَابِدِ وَنُورُ الْعَالِمِ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ (إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ) وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ وَرَثَةُ الرُّسُلِ ليشمل الكل قاله بن الْمَلِكِ (لَمْ يُوَرِّثُوا) بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّوْرِيثِ (دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا) أَيْ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا وَخُصَّا لِأَنَّهُمَا أَغْلَبُ أَنْوَاعِهَا وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى زَوَالِ الدُّنْيَا وَأَنَّهُمْ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْهَا إِلَّا بِقَدْرِ ضَرُورَتِهِمْ فَلَمْ يُوَرِّثُوا شَيْئًا مِنْهَا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَطْلُبُونَ شَيْئًا مِنْهَا يُورَثُ عَنْهُمْ (فَمَنْ أَخَذَ بِهِ) أَيْ

بِالْعِلْمِ (فَقَدْ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) أَيْ أَخَذَ حَظًّا وَافِرًا يَعْنِي نَصِيبًا تَامًّا أَيْ لَا حَظَّ أَوْفَرَ مِنْهُ وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ أَوِ الْمُرَادُ أَخَذَهُ مُتَلَبِّسًا بِحَظٍّ وَافِرٍ مِنْ مِيرَاثِ النُّبُوَّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ فَمَنْ أَرَادَ أَخْذَهُ فَلْيَأْخُذْ بِحَظٍّ وَافِرٍ وَلَا يَقْتَنِعْ بِقَلِيلٍ (هَكَذَا حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ هَذَا الْحَدِيثَ) يَعْنِي عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا (وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَاصِمِ بْنِ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ) يَعْنِي بزيادة داود بن جميل بن عَاصِمِ بْنِ رَجَاءٍ وَكَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ وَكَذَلِكَ رواه أبو داود وبن مَاجَهْ وَدَاوُدُ بْنُ جَمِيلٍ هَذَا ضَعِيفٌ وَيُقَالُ اسْمُهُ الْوَلِيدُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ وَعَنْهُ عَاصِمُ بْنُ رَجَاءِ بن حيوة ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَفِي إِسْنَادِ حَدِيثِهِ اخْتِلَافٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَجْهُولٌ وَقَالَ مَرَّةً هُوَ وَمَنْ فَوْقَهُ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ ضُعَفَاءُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ خِدَاشٍ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى عَنْ عَاصِمٍ عَنْ دَاوُدَ بْنِ جَمِيلٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ خِدَاشٍ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ بِإِسْقَاطِ دَاوُدَ بْنِ جَمِيلٍ وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ قَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ثُمَّ ذَكَرَهُ مُفَصَّلًا مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَى ذَلِكَ فَلْيُرَاجِعْهُ [2683] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) اسْمُهُ سَلَّامُ بْنُ سليم (عن بن أَشْوَعَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَعِيدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَشْوَعَ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ قَاضِيهَا ثِقَةٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ سَلَمَةَ) بْنِ يَزِيدَ (الْجُعْفِيِّ) صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ وَيُقَالُ إِنَّهُ نَزَلَ الْكُوفَةَ قَوْلُهُ (أَخَافُ أَنْ يُنْسِيَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ مِنَ الْإِنْسَاءِ (أَوَّلَهُ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (آخِرُهُ) بِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ (تَكُونُ جِمَاعًا) بِكَسْرِ الْجِيمِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ الْجِمَاعُ مَا جَمَعَ عَدَدًا أَيْ كَلِمَةٌ

تَجْمَعُ كَلِمَاتٍ (اتَّقِ اللَّهَ) أَيْ خَفْهُ وَاخْشَ عِقَابَهُ (فِيمَا تَعْلَمُ) أَيْ فِي الشَّيْءِ الَّذِي تَعْلَمُهُ وَذَلِكَ بِأَنْ تَجْتَنِبَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ كُلَّهُ وَتَفْعَلَ مِنَ الْمَأْمُورِ بِهِ مَا تَسْتَطِيعَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ الكبير (وبن أَشْوَعَ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ أَشْوَعَ) أَشْوَعُ هُوَ جَدُّ سَعِيدٍ وَاسْمُ أَبِيهِ عَمْرٌو كَمَا عَرَفْتَ [2684] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ (حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ أَيُّوبَ الْعَامِرِيُّ) أَبُو سَعِيدٍ الْبَلْخِيُّ فَقِيهٌ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَرُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنَ التَّاسِعَةِ (عن عوف) هو بن أبي جميلة (عن بن سِيرِينَ) هُوَ مُحَمَّدٌ قَوْلُهُ (خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي مُنَافِقٍ) بِأَنْ تَكُونَ فِيهِ وَاحِدَةٌ دُونَ الْأُخْرَى أَوْ لَا يَكُونَا فِيهِ بِأَنْ لَا تُوجَدَ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا فِيهِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِالِاجْتِمَاعِ تَحْرِيضًا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى جَمْعِهِمَا وَزَجْرًا لَهُمْ عَنِ الِاتِّصَافِ بِأَحَدِهِمَا وَالْمُنَافِقُ إِمَّا حَقِيقِيٌّ وَهُوَ النِّفَاقُ الِاعْتِقَادِيُّ أَوْ مَجَازِيٌّ وَهُوَ الْمُرَائِي وَهُوَ النِّفَاقُ الملي (حُسْنُ سَمْتٍ) أَيْ خُلُقٌ وَسِيرَةٌ وَطَرِيقَةٌ قَالَ الطيبي هو التزيي بِزِيِّ الصَّالِحِينَ وَقَالَ مَيْرَكُ السَّمْتُ بِمَعْنَى الطَّرِيقِ أَعْنِي الْمَقْصِدَ وَقِيلَ الْمُرَادُ هَيْئَةُ أَهْلِ الْخَيْرِ والأحسن ما قاله بن حجر أنه تحرى طرق الخير والتزيي بِزِيِّ الصَّالِحِينَ مَعَ التَّنَزُّهِ عَنِ الْمَعَائِبِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ (وَلَا فِقْهٌ فِي الدِّينِ) عُطِفَ بِلَا لِأَنَّ حُسْنَ سَمْتٍ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَلَا لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ الْمُسَاقِ قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ حَقِيقَةُ الْفِقْهِ فِي الدِّينِ مَا وَقَعَ فِي الْقَلْبِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى اللِّسَانِ فَأَفَادَ الْعَمَلَ وَأَوْرَثَ الْخَشْيَةَ وَالتَّقْوَى وَأَمَّا الَّذِي يَتَدَارَسُ أَبْوَابًا مِنْهُ لِيَتَعَزَّزَ بِهِ وَيَتَأَكَّلَ بِهِ فَإِنَّهُ بِمَعْزِلٍ عَنِ الرُّتْبَةِ الْعُظْمَى لِأَنَّ الْفِقْهَ تَعَلَّقَ بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ كُلَّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ قِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ إِحْدَاهُمَا قَدْ يَحْصُلُ دُونَ الْأُخْرَى بَلْ هُوَ تَحْرِيضٌ لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى الِاتِّصَافِ بِهِمَا وَالِاجْتِنَابِ عَنْ أَضْدَادِهِمَا فَإِنَّ الْمُنَافِقَ مَنْ يَكُونُ عَارِيًا مِنْهُمَا وَهُوَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيظِ ونحوه قوله تعالى فويل للمشركين الذي لا يؤتون الزَّكَاةَ إِذْ فِيهِ حَثٌّ عَلَى أَدَائِهَا وَتَخْوِيفٌ مِنَ الْمَنْعِ حَيْثُ جَعَلَهُ مِنْ أَوْصَافِ الْمُشْرِكِينَ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَهُوَ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ (وَلَا أَدْرِي كَيْفَ هُوَ) أَيْ كَيْفَ حَالُ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ وَأَطَالَ تَرْجَمَتَهُ وَقَالَ فِيهِ فَقِيهُ أَهْلِ بَلْخٍ وَزَاهِدُهُمْ تَفَقَّهَ بِأَبِي يُوسُفَ وبن أَبِي لَيْلَى وَأَخَذَ الزُّهْدَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ رَوَى عَنْهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَذَكَرَ جَمَاعَةً قَالَ وَكَانَ قُدُومُهُ إِلَى نَيْسَابُورَ سَنَةَ 203 وَتُوُفِّيَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ 215 وَقَالَ الْعَقِيلِيُّ عَنْ أَحْمَدَ حَدَّثَ عَنْ عَوْفٍ وَقَيْسٍ بِمَنَاكِيرَ وَكَانَ مُرْجِئًا وَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْخَلِيلِيُّ صَدُوقٌ مَشْهُورٌ كَانَ يُوصَفُ بِالسَّتْرِ وَالصَّلَاحِ وَالزُّهْدِ وَكَانَ فقيها على رأي الكوفيين وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ كَانَ مُرْجِئًا غَالِيًا أَسْتَحِبُّ مُجَانَبَةَ حَدِيثِهِ لِتَعَصُّبِهِ انْتَهَى [2685] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى) هُوَ الصَّنْعَانِيُّ (أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ رَجَاءٍ) التَّمِيمِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يُغْرِبُ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (ذُكِرَ) بصيغة المجهول (رجلان) قال القارىء يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَمْثِيلًا وَأَنْ يَكُونَا مَوْجُودَيْنِ فِي الْخَارِجِ قَبْلَ زَمَانِهِ أَوْ فِي أَوَانِهِ (أَحَدُهُمَا عَابِدٌ) أَيْ كَامِلٌ فِي الْعِبَادَةِ (وَالْآخَرُ عَالِمٌ) أَيْ كَامِلٌ بِالْعِلْمِ (فَضْلُ الْعَالِمِ) بِالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ مَعَ الْقِيَامِ بِفَرَائِضِ الْعُبُودِيَّةِ (عَلَى الْعَابِدِ) أَيْ عَلَى الْمُتَجَرِّدِ لِلْعِبَادَةِ بَعْدَ تَحْصِيلِ قَدْرِ الْفَرْضِ مِنَ الْعُلُومِ (كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ) أَيْ نِسْبَةُ شَرَفِ الْعَالِمِ إِلَى شَرَفِ الْعَابِدِ كَنِسْبَةِ شَرَفِ الرَّسُولِ إِلَى شَرَفِ أَدْنَى الصَّحَابَةِ قَالَ القارىء فِيهِ مُبَالَغَةٌ لَا تَخْفَى فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ كَفَضْلِي عَلَى أَعْلَاكُمْ لَكَفَى فَضْلًا وَشَرَفًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ اللَّامَ فِيهِمَا لِلْجِنْسِ فَالْحُكْمُ عَامٌّ وَيُحْتَمَلُ الْعَهْدُ فَغَيْرُهُمَا يُؤْخَذُ بِالْمُقَايَسَةِ (ثُمَّ قَالَ رَسُولُ الله إِنَّ اللَّهَ) اسْتِئْنَافٌ فِيهِ تَعْلِيلٌ (وَمَلَائِكَتَهُ) قَالَ القارىء أي حملة العرش وقوله (وأهل السماوات) تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ انْتَهَى

(وَالْأَرَضِينَ) أَيْ أَهْلُ الْأَرَضِينَ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَجَمِيعِ الْحَيَوَانَاتِ (حَتَّى النَّمْلَةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّ حَتَّى عَاطِفَةٌ وَبِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهَا جَارَّةٌ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهَا ابْتِدَائِيَّةٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ (فِي جُحْرِهَا) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ أَيْ ثُقْبِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ وَصَلَاتُهُ بِحُصُولِ الْبَرَكَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ (وَحَتَّى الْحُوتَ) كَمَا تَقَدَّمَ وَهُمَا غَايَتَانِ مُسْتَوْعِبَتَانِ لِدَوَابِّ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (لَيُصَلُّونَ) فِيهِ تَغْلِيبٌ لِلْعُقَلَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ أَيْ يَدْعُونَ بِالْخَيْرِ (عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ) قِيلَ أَرَادَ بِالْخَيْرِ هُنَا عِلْمَ الدِّينِ وَمَا بِهِ نَجَاةُ الرَّجُلِ وَلَمْ يُطْلِقِ الْمُعَلِّمَ لِيُعْلَمَ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الدُّعَاءِ لِأَجْلِ تَعْلِيمِ عِلْمٍ مُوَصِّلٍ إِلَى الْخَيْرِ انْتَهَى وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى وَجْهِ الْأَفْضَلِيَّةِ بِأَنَّ نَفْعَ الْعِلْمِ مُتَعَدٍّ وَنَفْعَ الْعِبَادَةِ قَاصِرٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ مَكْحُولٍ مُرْسَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ رَجُلَانِ وَقَالَ فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وَسَرَدَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَا لَفْظُهُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ مُخْتَصَرًا قَالَ مُعَلِّمُ الْخَيْرِ يَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْبَحْرِ انْتَهَى قوله (يدعي كبيرا في ملكوت السماوات) أي في ملك السماوات والمعنى أن أهل السماوات يَدْعُونَهُ كَبِيرًا لِكِبَرِ شَأْنِهِ لِجَمْعِهِ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ وَالتَّعْلِيمَ وَهَذَا قَوْلُ الْفُضَيْلِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ يَدُلُّ عَلَى هَذَا [2686] قَوْلُهُ (لَنْ يَشْبَعَ الْمُؤْمِنُ) أَيِ الْكَامِلُ (مِنْ خَيْرٍ) أَيْ عِلْمٍ (حَتَّى يَكُونَ) لَمَّا كَانَ يَشْبَعَ مُضَارِعًا دَالًّا عَلَى الِاسْتِمْرَارِ تَعَلَّقَ بِهِ حَتَّى (مُنْتَهَاهُ) أَيْ غَايَتُهُ وَنِهَايَتُهُ (الْجَنَّةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ أَوِ الرَّفْعِ عَلَى الِاسْمِيَّةِ يَعْنِي حَتَّى يَمُوتَ فيدخل الجنة

[2687] قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن حِبَّانَ قَوْلُهُ (الْكَلِمَةُ الْحِكْمَةُ) قَالَ مَالِكٌ الْحِكْمَةُ هِيَ الْفِقْهُ فِي الدِّينِ قَالَ تَعَالَى يُؤْتِي الحكمة من يشاء الْآيَةَ وَقِيلَ الَّتِي أُحْكِمَتْ مَبَانِيهَا بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ دَالَّةٌ عَلَى مَعْنًى فِيهِ دِقَّةٌ مَصُونَةٌ مَعَانِيهَا عَنِ الِاخْتِلَالِ وَالْخَطَأِ وَالْفَسَادِ وَقَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ جُعِلَتِ الْكَلِمَةُ نَفْسَ الْحِكْمَةِ مُبَالَغَةً كَقَوْلِهِمْ رَجُلٌ عَدْلٌ وَيُرْوَى كَلِمَةُ الْحِكْمَةِ بِالْإِضَافَةِ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ وَيُرْوَى الْكَلِمَةُ الْحَكِيمَةُ عَلَى طَرِيقِ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ لِأَنَّ الْحَكِيمَ قَائِلُهَا كقوله تعالى يس والقرآن الحكيم كَذَا فِي شَرْحِ الطِّيبِيِّ (ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ) أَيْ مَطْلُوبُهُ (فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا) أَيْ بِقَبُولِهَا قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ يَعْنِي أَنَّ الْحَكِيمَ يَطْلُبُ الْحِكْمَةَ فَإِذَا وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا أَيْ بِالْعَمَلِ بِهَا وَاتِّبَاعِهَا أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ كَلِمَةَ الْحِكْمَةِ رُبَّمَا تَفَوَّهَ بِهَا مَنْ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ ثُمَّ وَقَعَتْ إِلَى أَهْلِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ قَائِلِهَا مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى خَسَاسَةِ مَنْ وَجَدَهَا عِنْدَهُ أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ النَّاسَ يَتَفَاوَتُونَ فِي فَهْمِ الْمَعَانِي وَاسْتِنْبَاطِ الْحَقَائِقِ الْمُحْتَجِبَةِ وَاسْتِكْشَافِ الْأَسْرَارِ الْمَرْمُوزَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُنْكِرَ مَنْ قَصُرَ فَهْمُهُ عَنْ إِدْرَاكِ حَقَائِقِ الْآيَاتِ وَدَقَائِقِ الْأَحَادِيثِ عَلَى مَنْ رُزِقَ فَهْمًا وَأُلْهِمَ تَحْقِيقًا كَمَا لَا يُنَازِعُ صَاحِبَ الضَّالَّةِ فِي ضَالَّتِهِ إِذَا وَجَدَهَا أَوْ كَمَا أَنَّ الضَّالَّةَ إِذَا وُجِدَتْ مُضَيَّعَةً فَلَا تُتْرَكُ بَلْ تُؤْخَذُ وَيُتَفَحَّصُ عَنْ صَاحِبِهَا حَتَّى تُرَدَّ عَلَيْهِ كَذَلِكَ السَّامِعُ إِذَا سَمِعَ كَلَامًا لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ وَلَا يَبْلُغُ كُنْهَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ لَا يُضَيِّعَهُ وَأَنْ يَحْمِلَهُ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ فَلَعَلَّهُ يَفْهَمُ أَوْ يَسْتَنْبِطُ مِنْهُ مَا لَا يَفْهَمُهُ وَلَا يَسْتَنْبِطُهُ هُوَ أَوْ كَمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ مَنْعُ صَاحِبِ الضَّالَّةِ عَنْهَا فَإِنَّهُ أَحَقُّ بِهَا كَذَلِكَ الْعَالِمُ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَعْنًى لَا يَحِلُّ لَهُ كِتْمَانُهُ إِذَا رَأَى فِي السَّائِلِ اسْتِعْدَادًا لِفَهْمِهِ كَذَا قَالَهُ زَيْنُ الْعَرَبِ تَبَعًا لِلطِّيبِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه بن ماجه وأخرجه بن عَسَاكِرَ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَوْلُهُ (وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ الْمَخْزُومِيُّ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ الْمَخْزُومِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ وَيُقَالُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ مَتْرُوكٌ مِنَ الثامنة

40 - كتاب الاستئذان

40 - كتاب الاستئذان (وَالْآدَابِ) بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَالْأَدَبُ اسْتِعْمَالُ مَا يُحْمَدُ قَوْلًا وَفِعْلًا وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْهُ بِأَنَّهُ الْأَخْذُ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَقِيلَ الْوُقُوفُ مَعَ الْمُسْتَحْسَنَاتِ وَقِيلَ هُوَ تَعْظِيمُ مَنْ فَوْقِكَ وَالرِّفْقُ بِمَنْ دُونَكَ وَقِيلَ إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمَأْدُبَةِ وَهِيَ الدَّعْوَةُ إِلَى الطَّعَامِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُدْعَى إِلَيْهِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (بَاب مَا جَاءَ فِي إفشاء السلام) [2688] قَوْلُهُ (لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ عِنْدَنَا بِحَذْفِ النُّونِ وَكَذَا فِي عَامَّةِ نسخ أبي داود قال القارىء وَلَعَلَّ الْوَجْهَ أَنَّ النَّهْيَ قَدْ يُرَادُ بِهِ النَّفْيُ كَعَكْسِهِ الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَا تَدْخُلُونَ بِإِثْبَاتِ النُّونِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَلَا تُؤْمِنُوا) بِحَذْفِ النُّونِ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَكَذَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ وَلَا تُؤْمِنُوا بِحَذْفِ النُّونِ مِنْ آخِرِهِ وهي لغة معروفة صحيحة انتهى وقال القارىء لَعَلَّ حَذْفَ النُّونِ لِلْمُجَانَسَةِ وَالِازْدِوَاجِ (حَتَّى تَحَابُّوا) بحذف إحدى التائين وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَضْمُومَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَيْ لَا يَكْمُلُ إِيمَانُكُمْ وَلَا

يَصْلُحُ حَالُكُمْ فِي الْإِيمَانِ إِلَّا بِالتَّحَابُبِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا فَهُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِطْلَاقِهِ فَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُؤْمِنًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَامِلَ الْإِيمَانِ فَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْحَدِيثِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو مَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يَكْمُلُ إِيمَانُكُمْ إِلَّا بِالتَّحَابُبِ وَلَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عِنْدَ دُخُولِ أَهْلِهَا إِذَا لَمْ تَكُونُوا كَذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مُحْتَمَلٌ انْتَهَى (أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ) بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ مِنَ الْإِفْشَاءِ وَهُوَ الْإِظْهَارُ وَفِيهِ الْحَثُّ الْعَظِيمُ عَلَى إِفْشَاءِ السَّلَامِ وَبَذْلِهِ لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ قَالَ الطِّيبِيُّ جَعَلَ إِفْشَاءَ السَّلَامِ سَبَبًا لِلْمَحَبَّةِ وَالْمَحَبَّةَ سَبَبًا لِكَمَالِ الْإِيمَانِ لِأَنَّ إِفْشَاءَ السَّلَامِ سَبَبٌ للتحابب والتوادد أَوْ هُوَ سَبَبُ الْأُلْفَةِ وَالْجَمْعِيَّةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ الْمُسَبِّبِ لِكَمَالِ الدِّينِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَفِي التَّهَاجُرِ وَالتَّقَاطُعِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ سَبَبٌ لانثلام الدين الوهن فِي الْإِسْلَامِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ الْإِفْشَاءُ الْإِظْهَارُ وَالْمُرَادُ نَشْرُ السَّلَامِ بَيْنَ النَّاسِ لِيُحْيُوا سُنَّتَهُ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عن بن عُمَرَ إِذَا سَلَّمْتَ فَأَسْمِعْ فَإِنَّهَا تَحِيَّةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ عَنِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ قَالَ يُكْرَهُ إِذَا لَقِيَ جَمَاعَةً أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِالسَّلَامِ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِمَشْرُوعِيَّةِ السَّلَامِ تَحْصِيلُ الْأُلْفَةِ وَفِي التَّخْصِيصِ إِيحَاشٌ لِغَيْرِ مَنْ خُصَّ بِالسَّلَامِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَشُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ وعبد الله بن عمرو والبراء وأنس وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ قَبْلَ صِفَةِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَأَمَّا حَدِيثُ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ يُوجِبُ لِيَ الْجَنَّةَ قَالَ طِيبُ الْكَلَامِ وَبَذْلُ السَّلَامِ وإطعام الطعام وأخرجه أيضا بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ فِي حَدِيثٍ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الشيخان وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ إِنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ قَالَ تُطْعِمُ الطَّعَامَ وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ كُنَّا إِذَا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُفَرِّقُ بَيْنَنَا شَجَرَةٌ فَإِذَا الْتَقَيْنَا يُسَلِّمُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْهُ مَرْفُوعًا السَّلَامُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ وَضَعَهُ اللَّهُ فِي الْأَرْضِ فَأَفْشُوهُ بَيْنَكُمْ قَالَ الحافظ سنده حسن وأما حديث بن عمر فأخرجه بن ماجه

باب ما ذكر في فضل السلام

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود وبن مَاجَهْ (بَاب مَا ذُكِرَ فِي فَضْلِ السَّلَامِ) [2689] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ (وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ) بْنِ جَعْفَرٍ (الْجَرِيرِيُّ) قَالَ فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ كَذَا فِي النُّسْخَةِ الدَّهْلَوِيَّةِ بِالْجِيمِ لَكِنْ فِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ بِالْحَاءِ أَوْ بِالْجِيمِ مُصَغَّرًا وَمُكَبَّرًا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ بَابِ رُؤْيَا النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمِيزَانِ وَالدَّلْوِ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ لَمْ يُصِبْ مَنْ ضَعَّفَهُ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ عوف) هو بن أَبِي جَمِيلَةَ الْعَبْدِيُّ الْهَجَرِيُّ قَوْلُهُ (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرٌ) أَيْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ أَوْ كُتِبَ أَوْ حَصَلَ لَهُ أَوْ ثَبَتَ عَشْرٌ أَوِ الْمَكْتُوبُ لَهُ عَشْرٌ (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثُونَ) أَيْ بِكُلِّ لَفْظٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ قَالَ الْحَافِظُ في الفتح لو زاد المبتدىء وَرَحْمَةُ اللَّهِ اسْتُحِبَّ أَنْ يُزَادَ وَبَرَكَاتُهُ فَلَوْ زَادَ وَبَرَكَاتُهُ فَهَلْ تُشْرَعُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّدِّ وكذا لو زاد المبتدىء عَلَى وَبَرَكَاتُهُ هَلْ يُشْرَعُ لَهُ ذَلِكَ أَخْرَجَ مالك في الموطأ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ انْتَهَى السَّلَامُ إِلَى الْبَرَكَةِ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بن بابيه قال جاء رجل إلى بن عُمَرَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ فَقَالَ حَسْبُكَ وَبَرَكَاتُهُ انْتَهَى إِلَى وَبَرَكَاتُهُ وَمِنْ طَرِيقِ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ انْتَهَى السَّلَامُ إِلَى وَبَرَكَاتُهُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وجاء عن بن عُمَرَ الْجَوَازُ فَأَخْرَجَ مَالِكٌ أَيْضًا فِي الْمُوَطَّأِ عَنْهُ أَنَّهُ زَادَ فِي الْجَوَابِ وَالْغَادِيَاتُ وَالرَّائِحَاتُ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ عمرو بن شعيب عن سالم مولى بن عمر قال كان بن عُمَرَ يَزِيدُ إِذَا رَدَّ السَّلَامَ فَأَتَيْتُهُ مَرَّةً فَقُلْتُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَزِدْتُ وَبَرَكَاتُهُ فَرَدَّ وَزَادَنِي وطيب صلاته ونقل بن دَقِيقِ الْعِيدِ عَنْ أَبِي

باب ما جاء في أن الا ستئذان ثلاث

الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ تعالى فحيوا بأحسن منها الْجَوَازُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْبَرَكَةِ إِذَا انْتَهَى إليها المبتدىء وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ عَنْ أَبِيهِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ نَحْوَ حَدِيثِ عِمْرَانَ وَزَادَ فِي آخِرِهِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ وَزَادَ وَمَغْفِرَتُهُ فَقَالَ أَرْبَعُونَ قال وهكذا تكون الفضائل وأخرج بن السُّنِّيِّ فِي كِتَابِهِ بِسَنَدٍ وَاهٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَجُلٌ يَمُرُّ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَيَقُولُ لَهُ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِضْوَانُهُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ كُنَّا إِذَا سَلَّمَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الضَّعِيفَةُ إِذَا انْضَمَّتْ قَوِيَ مَا اجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ مِنْ مَشْرُوعِيَّةِ الزِّيَادَةِ عَلَى وَبَرَكَاتُهُ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَحَسَّنَهُ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَلِيٍّ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي عَمَلِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ مَنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَمَنْ زَادَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ كُتِبَتْ لَهُ عِشْرُونَ حَسَنَةً وَمَنْ زَادَ وَبَرَكَاتُهُ كُتِبَتْ لَهُ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (بَاب مَا جَاءَ فِي أن الا ستئذان ثَلَاثٌ) [2690] قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ مَشْرُوعٌ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ دَلَائِلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الأمة والسنة أن يسلم ويستأذن ثلاث فَيَجْمَعُ بَيْنَ السَّلَامِ وَالِاسْتِئْذَانِ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ السَّلَامِ ثُمَّ الِاسْتِئْذَانِ أَوْ تَقْدِيمُ الِاسْتِئْذَانِ ثُمَّ السَّلَامِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَقَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ يُقَدِّمُ السَّلَامَ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ وَالثَّانِي يُقَدِّمُ الِاسْتِئْذَانَ وَالثَّالِثُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَاوَرْدِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا إِنْ وَقَعَتْ عَيْنُ الْمُسْتَأْذِنِ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ قَبْلَ دُخُولِهِ قَدَّمَ السَّلَامَ وَإِلَّا قَدَّمَ الِاسْتِئْذَانَ وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثَانِ فِي تَقْدِيمِ السلام أما إذا استأذن ثلاث فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ

فَفِيهِ ثَلَاثُ مَذَاهِبَ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ يَنْصَرِفُ وَلَا يُعِيدُ الِاسْتِئْذَانَ وَالثَّانِي يَزِيدُ فِيهِ وَالثَّالِثُ إِنْ كَانَ بِلَفْظِ الِاسْتِئْذَانِ الْمُتَقَدِّمِ لَمْ يُعِدْهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ أَعَادَهُ فَمَنْ قَالَ بِالْأَظْهَرِ فَحُجَّتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى مَنْ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ سَمِعَهُ فَلَمْ يأذن انتهى كلام النووي قوله (اخبرنا عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى) الْبَصْرِيُّ السَّاجِيُّ بِالْمُهْمَلَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ وَكَانَ يَغْضَبُ إِذَا قِيلَ لَهُ أَبُو هَمَّامٍ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنِ الْجُرَيْرِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ مُصَغَّرًا قَوْلُهُ (فَقَالَ عُمَرُ وَاحِدَةٌ) أَيْ هَذِهِ اسْتِئْذَانَةٌ وَاحِدَةٌ (ثُمَّ سَكَتَ) أي أبو موسى (فقال عمر اثنتان) أي هذه مع الأولى اثنتان (فَقَالَ عُمَرُ ثَلَاثٌ) أَيْ هَذِهِ مَعَ الْأُولَيَيْنِ ثَلَاثٌ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ عَلَيْكَ أَنْ تَقِفَ حَتَّى آذَنَ لَكَ (عَلَيَّ بِهِ) أَيِ ائْتُونِي بِهِ (مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ وَالْمَعْنَى لِمَ رَجَعَتْ بَعْدَ اسْتِئْذَانِكَ ثَلَاثًا وَلِمَ لَمْ تَقِفْ حَتَّى آذَنَ لَكَ (قَالَ) أَيْ أَبُو مُوسَى (السُّنَّةَ) بِالنَّصْبِ أَيِ اتَّبَعْتُ السُّنَّةَ فِيمَا صَنَعْتُ (قال) أي عمر (آلسنة) أي أتبعث السُّنَّةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ اشْتَدَّ عَلَيْكَ أَنْ تَحْتَبِسَ عَلَى بَابِي اعْلَمْ أَنَّ النَّاسَ كَذَلِكَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحْتَبِسُوا عَلَى بَابِكَ فَقُلْتُ بَلِ اسْتَأْذَنْتُ إِلَى آخِرِهِ قَالَ وَفِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ عُمَرَ أَرَادَ تَأْدِيبَهُ لِمَا بَلَغَهُ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَبِسُ عَلَى النَّاسِ فِي حَالِ إِمْرَتِهِ وَقَدْ كَانَ عمر استخلفه على الكوفة مَا كَانَ عُمَرُ فِيهِ مِنَ الشُّغْلِ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَالَ يَا أَبَا مُوسَى مَا رَدُّكَ كُنَّا فِي شُغْلٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا فَارْجِعْ (وَاللَّهِ لَتَأْتِيَنِّي عَلَى هَذَا بِبُرْهَانٍ وَبَيِّنَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا الشَّاهِدُ وَلَوْ كَانَ وَاحِدًا وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ لِيَزْدَادَ فِيهِ وُثُوقًا لَا لِلشَّكِّ فِي صدق خبره عنده رضي الله تعالى عنه (أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَالَ إِنْ كَانَ هَذَا شَيْءٌ حَفِظْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَا وَإِلَّا لَأَجْعَلَنَّكَ عِظَةً وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ قَالَ فَوَاَللَّهِ لَأُوجِعَنَّ ظَهْرَكَ وَبَطْنَكَ أَوْ لَتَأْتِيَنِّ بِمَنْ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا (قَالَ) أَيْ أَبُو سَعِيدٍ (فَأَتَانَا) أَيْ أَبُو مُوسَى

(وَنَحْنُ رُفْقَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ كُنْتُ جَالِسًا بِالْمَدِينَةِ فِي مَجْلِسِ الْأَنْصَارِ فَأَتَانَا أَبُو مُوسَى فَزِعًا أَوْ مَذْعُورًا (فَجَعَلَ الْقَوْمُ يُمَازِحُونَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ فَجَعَلُوا يَضْحَكُونَ قَالَ فَقُلْتُ أَتَاكُمْ أَخُوكُمُ الْمُسْلِمُ قَدْ أُفْزِعَ وَتَضْحَكُونَ قَالَ النَّوَوِيُّ سَبَبُ ضَحِكِهِمُ التَّعَجُّبُ مِنْ فَزَعِ أَبِي مُوسَى وَذُعْرِهِ وَخَوْفِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ مَعَ أَنَّهُمْ قَدْ أَمِنُوا أَنْ يَنَالَهُ عُقُوبَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِقُوَّةِ حُجَّتِهِ وَسَمَاعِهِمْ مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ مِنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى (مَا كُنْتُ عَلِمْتُ بِهَذَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا فَقَالَ عُمَرُ خَفِيَ عَلَى هَذَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْهَانِي عَنْهُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ لَا يُحْتَجُّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَزَعَمَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَدَّ حَدِيثَ أَبِي مُوسَى هَذَا لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَقَدْ أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَوُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَدَلَائِلُهُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرُوا وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ لِأَبِي مُوسَى أَقِمْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ رَدَّ خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ حَيْثُ هُوَ خَبَرُ وَاحِدٍ وَلَكِنْ خَافَ عُمَرُ مُسَارَعَةَ النَّاسِ إِلَى الْقَوْلِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَقُولَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُبْتَدِعِينَ أَوِ الْكَاذِبِينَ أَوِ الْمُنَافِقِينَ وَنَحْوِهِمْ مَا لَمْ يَقُلْ وَإِنَّ كُلَّ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ قَضِيَّةٌ وَضَعَ فِيهَا حَدِيثًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَرَادَ سَدَّ الْبَابِ خَوْفًا مِنْ غَيْرِ أَبِي مُوسَى لَا شَكًّا فِي رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى فَإِنَّهُ عِنْدَ عُمَرَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنْ يُحَدِّثَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ بَلْ أَرَادَ زَجْرَ غَيْرِهِ بِطَرِيقَةٍ فَإِنَّ مَنْ دُونَ أَبِي مُوسَى إِذَا رَأَى هَذِهِ الْقَضِيَّةَ أَوْ بَلَغَتْهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ أَوْ أَرَادَ وَضْعَ حَدِيثٍ خَافَ مِثْلَ قَضِيَّةِ أَبِي مُوسَى فَامْتَنَعَ مِنْ وَضْعِ الْحَدِيثِ وَالْمُسَارَعَةِ إِلَى الرِّوَايَةِ بِغَيْرِ يَقِينٍ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَرُدَّ خَبَرَ أَبِي مُوسَى لِكَوْنِهِ خَبَرَ وَاحِدٍ أَنَّهُ طَلَبَ مِنْهُ إِخْبَارَ رَجُلٍ آخَرَ حَتَّى يَعْمَلَ بِالْحَدِيثِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ خَبَرَ الِاثْنَيْنِ خَبَرُ وَاحِدٍ وَكَذَا مَا زَادَ حَتَّى يَبْلُغَ التَّوَاتُرَ فَمَا لَمْ يَبْلُغِ التَّوَاتُرَ فَهُوَ خَبَرُ وَاحِدٍ وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ قَضِيَّةِ أَبِي مُوسَى هَذِهِ أَنَّ أُبَيًّا رَضِيَ الله عنه قال يا بن الْخَطَّابِ فَلَا تَكُونَنَّ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّمَا سَمِعْتُ شَيْئًا فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ انتهى كلام النووي قال بن بَطَّالٍ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ التَّثَبُّتُ فِي خَبَرِ الْوَاحِدِ لِمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مِنَ السَّهْوِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ قَبِلَ عُمَرُ خَبَرَ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ بِمُفْرَدِهِ فِي تَوْرِيثِ الْمَرْأَةِ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ من المجوس

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَكِنَّهُ قَدْ يَسْتَثْبِتُ إِذَا وَقَعَ لَهُ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ انْتَهَى وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَالِمَ الْمُتَبَحِّرَ قَدْ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ مَا يَعْلَمُهُ مَنْ هُوَ دُونَهُ وَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي وَصْفِهِ بِالْعِلْمِ وَالتَّبَحُّرِ فيه قال بن بَطَّالٍ وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ عَلَى عُمَرَ فَمَا ظَنُّكَ بِمَنْ هُوَ دُونَهُ وَقَالَ الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ يَغْلُو مِنَ الْمُقَلِّدِينَ إِذَا اسْتُدِلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثٍ فَيَقُولُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَعَلِمَهُ فُلَانٌ مَثَلًا فَإِنَّ ذَلِكَ لَمَّا خَفِيَ عَنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَجَازَ عَلَيْهِمْ فَهُوَ عَلَى غَيْرِهِمْ أَجْوَزُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأُمِّ طَارِقٍ مَوْلَاةِ سَعْدٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ طَارِقٍ مولاة سعد فأخرجه الطبراني قوله (هذاحديث حسن صحيح) وأخرجه الشيخان وأبو داود وبن مَاجَهْ (اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قُطَعَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الْأُولَى وَكَذَا ضَبَطَهُ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبِحَارِ فِي كِتَابِهِ الْمُغْنِي [2691] قَوْلُهُ (عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ) الْعِجْلِيِّ الْيَمَامِيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ صَدُوقٌ يَغْلَطُ وفِي رِوَايَتِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ اضْطِرَابٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كِتَابٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (حَدَّثَنِي أَبُو زُمَيْلٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُصَغَّرًا اسْمُهُ سِمَاكُ بْنُ الْوَلِيدِ الْحَنَفِيُّ الْيَمَامِيُّ الْكُوفِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (قَالَ اسْتَأْذَنْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا فَأَذِنَ لِي) كَذَا أَخْرَجَهُ الترمذي ها هنا مُخْتَصَرًا وَأَخْرَجَهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ التَّحْرِيمِ مُطَوَّلًا وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا مُطَوَّلًا (وَإِنَّمَا أَنْكَرَ عُمَرُ

باب ما جاء كيف رد السلام

عِنْدَنَا عَلَى أَبِي مُوسَى حِينَ رَوَى إِلَخْ) قال الحافظ وقد استشكل بن الْعَرَبِيِّ إِنْكَارَ عُمَرَ عَلَى أَبِي مُوسَى حَدِيثَهُ الْمَذْكُورَ مَعَ كَوْنِهِ وَقَعَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ في حديث بن عَبَّاسٍ الطَّوِيلِ فِي هَجْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ فِي الْمَشْرَبَةِ فَإِنَّ فِيهِ أَنَّ عُمَرَ اسْتَأْذَنَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَلَمَّا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ رَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْإِذْنُ وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ قال والجواب عن ذلك أنه لم يقضى فِيهِ بِعِلْمِهِ أَوْ لَعَلَّهُ نَسِيَ مَا كَانَ وَقَعَ لَهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ شَغَلَنِي الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ قَالَ الْحَافِظُ وَالصُّورَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لِعُمَرَ لَيْسَتْ مُطَابِقَةً لِمَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى بَلِ اسْتَأْذَنَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَرَجَعَ فَلَمَّا رَجَعَ فِي الثَّالِثَةِ اسْتُدْعِيَ فَأُذِنَ لَهُ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ الَّذِي أَحَالَ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ فِيمَا قُلْتُهُ وَقَدِ اسْتَوْفَيْتُ طُرُقَهُ عِنْدَ شَرْحِ الْحَدِيثِ فِي أَوَاخِرِ النِّكَاحِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا ادَّعَاهُ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ كَيْفَ رَدُّ السَّلَامِ) [2692] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) الْكَوْسَجُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ) الْهَمْدَانِيُّ أَبُو هِشَامٍ الْكُوفِيُّ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) الْعُمَرِيُّ قَوْلُهُ (دَخَلَ رَجُلٌ) هُوَ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ وَتَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ وَصْفِ الصَّلَاةِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْكَ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي رَدِّ السَّلَامِ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ بِالْوَاوِ قَالَ النَّوَوِيُّ اعْلَمْ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَرَدَّهُ وَاجِبٌ فَإِنْ كَانَ الْمُسَلِّمُ جَمَاعَةً فَهُوَ سُنَّةُ

باب ما جاء في تبليغ السلام

كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ إِذَا سَلَّمَ بَعْضُهُمْ حَصَلَتْ سُنَّةُ السَّلَامِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ فَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الرَّدُّ وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً كَانَ الرَّدُّ فَرْضَ كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ فَإِذَا رَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ سَقَطَ الْحَرَجُ عن الباقين والأفضل أن يبتدي الْجَمِيعُ بِالسَّلَامِ وَأَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعُ وَعَنْ أَبِي يوسف أنه لابد أن يرد الجميع ونقل بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَأَنَّ رَدَّهُ فَرْضٌ وَأَقَلُّ السَّلَامِ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا فَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ لِيَتَنَاوَلَهُ وَمَلَكَيْهِ وَأَكْمَلُ مِنْهُ أَنْ يَزِيدَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَأَيْضًا وَبَرَكَاتُهُ وَلَوْ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَجْزَأَهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يقول المبتدىء عَلَيْكُمُ السَّلَامُ فَإِنْ قَالَهُ اسْتَحَقَّ الْجَوَابَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَقِيلَ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى وَأَمَّا صِفَةُ الرَّدِّ فَالْأَفْضَلُ وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَيَأْتِي بِالْوَاوِ فَلَوْ حَذَفَهَا جَازَ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ أَوْ عَلَى عَلَيْكُمُ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى عَلَيْكُمْ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَ وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ فَفِي إِجْزَائِهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا قَالُوا وإذا قال المبتدىء سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ الْمُجِيبُ مِثْلَهُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ كَانَ جَوَابًا وَأَجْزَأَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا سَلَامًا قال سلام وَلَكِنْ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ أَفْضَلُ وَأَقَلُّ السَّلَامِ ابْتِدَاءً وَرَدًّا أَنْ يُسْمِعَ صَاحِبَهُ وَلَا يُجْزِئُهُ دُونَ ذَلِكَ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي بَابِ وَصْفِ الصَّلَاةِ (بَاب مَا جَاءَ فِي تَبْلِيغِ السَّلَامِ) [2693] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ الْكُوفِيُّ) الطَّرِيقِيُّ صَدُوقٌ يَتَشَيَّعُ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ) بْنِ مَيْمُونِ بْنِ فَيْرُوزَ الْهَمْدَانِيِّ الْوَادِعِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ وَكَانَ يُدَلِّسُ وَسَمَاعُهُ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ بِأَخَرَةٍ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَامِرٍ) هُوَ الشَّعْبِيُّ

باب ما جاء فضل الذي يبدأ بالسلام

قَوْلُهُ (إِنَّ جِبْرَائِيلَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ) مِنَ الْإِقْرَاءِ ففي القاموس قرأ عليه السلام أبلغه كأقرأه أَوْ لَا يُقَالُ أَقْرَأَهُ إِلَّا إِذَا كَانَ السَّلَامُ مَكْتُوبًا انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ إِرْسَالِ السَّلَامِ وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّهُ بِالْوَدِيعَةِ أَشْبَهُ وَالتَّحْقِيقُ مِنَ الرَّسُولِ إِنِ الْتَزَمَهُ أَشْبَهَ الْأَمَانَةَ وَإِلَّا فَوَدِيعَةٌ وَالْوَدَائِعُ إِذَا لَمْ تُقْبَلْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ قَالَ وَفِيهِ إِذَا أَتَاهُ سَلَامٌ مِنْ شَخْصٍ أَوْ فِي وَرَقَةٍ وَجَبَ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُبَلِّغِ كَمَا أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَنَّهُ بَلَّغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَامَ أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ وَعَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السَّلَامُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْمَنَاقِبِ أَنَّ خَدِيجَةَ لَمَّا بَلَّغَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ جِبْرِيلَ سَلَامَ اللَّهِ عَلَيْهَا قَالَتْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السلام ومنه السلام وعليك وَعَلَى جِبْرِيلَ السَّلَامُ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهَا رَدَّتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ غَالِبٍ قَالَ إِنَّا لَجُلُوسٌ بِبَابِ الْحَسَنِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي قَالَ بَعَثَنِي أَبِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال ائته فاقرأه السَّلَامَ قَالَ فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ إِنَّ أَبِي يُقْرِئُكَ السَّلَامَ فَقَالَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السَّلَامُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ فِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ هذا الإسناد فيه محاصيل قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْهَا وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ في فضل عائشة (باب ما جاء فَضْلِ الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) [2694] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا قُرَّانُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ (بْنُ تَمَّامٍ الْأَسَدِيُّ) الْكُوفِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ) الْكَلَاعِيِّ

باب ما جاء في كراهية إشارة اليد بالسلام

قَوْلُهُ (فَقَالَ أَوْلَاهُمَا بِاللَّهِ) أَيْ أَقْرَبُ الْمُتَلَاقِيَيْنِ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ مَنْ بَدَأَ بِالسَّلَامِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ تَعَالَى مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ إِشَارَةِ الْيَدِ بِالسَّلَامِ) [2695] قَوْلُهُ (لَيْسَ مِنَّا) أَيْ من أهل طريقتنا ومراعي مُتَابَعَتَنَا (مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا) أَيْ مِنْ غَيْرِ أهل ملتنا (لا تشبهوا) بحذف إحدى التائين (بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَّارِي) زِيدَ لَا لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ (فَإِنَّ تَسْلِيمَ الْيَهُودِ الْإِشَارَةُ بِالْأَصَابِعِ وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى الْإِشَارَةُ بِالْأَكُفِّ) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ جَمْعُ كَفٍّ وَالْمَعْنَى لَا تَشَبَّهُوا بِهِمْ جَمِيعًا فِي جَمِيعِ أَفْعَالِهِمْ خُصُوصًا فِي هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ وَلَعَلَّهُمْ كَانُوا يَكْتَفُونَ فِي السَّلَامِ أَوْ رَدِّهِ أَوْ فِيهِمَا بِالْإِشَارَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ نُطْقٍ بِلَفْظِ السَّلَامِ الَّذِي هُوَ سُنَّةُ آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ قَوْلُهُ (هذا حديث إسناده ضعيف) لضعف بن لَهِيعَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي سَنَدِهِ ضَعْفٌ لَكِنْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ جَابِرٍ رَفَعَهُ لَا تسلموا تسليم اليهود فإن تسليمهم بالرؤوس والأكف الإشارة

باب ما جاء في التسليم على الصبيان

فَائِدَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ لَا يَرُدُّ عَلَى هَذَا (يَعْنِي حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا) حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ وَعُصْبَةٌ مِنَ النِّسَاءِ قُعُودٌ فَأَلْوَى بِيَدِهِ بِالتَّسْلِيمِ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِهَا بِلَفْظِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا انْتَهَى وَالنَّهْيُ عَنِ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ مَخْصُوصٌ بِمَنْ قَدَرَ عَلَى اللَّفْظِ حِسًّا وَشَرْعًا وَإِلَّا فَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِمَنْ يَكُونُ فِي شُغْلٍ يَمْنَعُهُ مِنَ التَّلَفُّظِ بِجَوَابِ السَّلَامِ كَالْمُصَلِّي وَالْبَعِيدِ وَالْأَخْرَسِ وَكَذَا السَّلَامُ عَلَى الْأَصَمِّ انْتَهَى وَحَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الْمَذْكُورُ يَأْتِي فِي بَابِ التَّسْلِيمِ عَلَى النِّسَاءِ (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى الصِّبْيَانِ) قَدْ بَوَّبَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا بِلَفْظِ بَابُ التَّسْلِيمِ عَلَى الصِّبْيَانِ قَالَ الْحَافِظُ وَكَأَنَّهُ تَرْجَمَ بِذَلِكَ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ لَا يُشْرَعُ لِأَنَّ الرَّدَّ فرض وليس الصبي من أهل القرض وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ قَالَ الْحَسَنُ لا يرى التسليم على الصبيان وعن بن سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى الصِّبْيَانِ وَلَا يُسْمِعُهُمْ انْتَهَى [2696] قَوْلُهُ (عَنْ سَيَّارٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَيَّارٌ أَبُو الْحَكَمِ الْعَنَزِيُّ وَأَبُوهُ يُكَنَّى أَبَا سَيَّارٍ وَاسْمُهُ وَرْدَانُ وَقِيلَ وَرْدٌ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَخُو مُسَاوِرٍ الْوَرَّاقِ لِأُمِّهِ ثِقَةٌ وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يَرْوِي عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ مِنَ السَّادِسَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُمْ شُعْبَةُ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ) بِكَسْرِ الصَّادِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِضَمِّهَا (فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ) قَالَ الْحَافِظُ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ حَدِيثَ الْبَابِ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ بِأَتَمَّ مِنْ سِيَاقِهِ وَلَفْظُهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزُورُ الْأَنْصَارَ فَيُسَلِّمُ على صبيانهم ويمسح على رؤوسهم وَيَدْعُو لَهُمْ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِوُقُوعِ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْرَ مَرَّةٍ بِخِلَافِ سِيَاقِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ اسْتِحْبَابُ

باب ما جاء في التسليم على النساء

السَّلَامِ عَلَى الصِّبْيَانِ الْمُمَيِّزِينَ وَالنَّدْبُ إِلَى التَّوَاضُعِ وَبَذْلِ السَّلَامِ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ وَبَيَانُ تَوَاضُعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَالِ شَفَقَتِهِ عَلَى الْعَالَمِينَ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ عَلَى الصِّبْيَانِ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى رِجَالٍ وَصِبْيَانٍ فَرَدَّ السَّلَامَ صَبِيٌّ مِنْهُمْ هَلْ يَسْقُطُ فَرْضُ الرَّدِّ عَنِ الرِّجَالِ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا يَسْقُطُ وَمِثْلُهُ الْخِلَافُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ هَلْ يَسْقُطُ فَرْضُهَا بِصَلَاةِ الصَّبِيِّ الْأَصَحُّ سُقُوطُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ سَلَّمَ صَبِيٌّ عَلَى رَجُلٍ لَزِمَ الرَّجُلَ رَدُّ السَّلَامِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يَجِبُ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (بَابَ مَا جَاءَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى النِّسَاءِ) [2697] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَهْرَامَ) الْفَزَارِيُّ الْمَدَائِنِيُّ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (وَعُصْبَةٌ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الصَّادِ أَيْ جَمَاعَةٌ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (فَأَلْوَى بِيَدِهِ بِالتَّسْلِيمِ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَلَوَى بِرَأْسِهِ وَلَوَاهُ أَمَالَهُ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ انْتَهَى وَالْمَعْنَى أَشَارَ بِيَدِهِ بِالتَّسْلِيمِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا كَمَا عَرَفْتَ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ عَقَدَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابًا بِلَفْظِ تَسْلِيمِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ وَالنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ الْأَوَّلُ

حَدِيثُ سَهْلٍ الَّذِي فِيهِ ذِكْرُ تَسْلِيمِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَلَى الْعَجُوزِ الَّتِي كَانَتْ تُقَدِّمُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ طَعَامًا فِيهِ سَلْقٌ وَالثَّانِي حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ هَذَا جِبْرِيلُ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ قَالَ الْحَافِظُ أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى رَدِّ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بَلَغَنِي أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُسَلِّمَ الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ وَالنِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ وَهُوَ مَقْطُوعٌ أَوْ مُعْضَلٌ وَالْمُرَادُ بِجَوَازِهِ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَذَكَرَ فِي الْبَابِ حَدِيثَيْنِ يُؤْخَذُ الْجَوَازُ مِنْهُمَا وَوَرَدَ فِيهِ حَدِيثٌ لَيْسَ عَلَى شَرْطِهِ وَهُوَ حَدِيثُ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ مَرَّ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَيْسَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فَاكْتَفَى بِمَا هُوَ عَلَى شَرْطِهِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعِصْمَةِ مَأْمُونًا مِنَ الْفِتْنَةِ فَمَنْ وَثِقَ مِنْ نَفْسِهِ بِالسَّلَامَةِ فَلْيُسَلِّمْ وَإِلَّا فَالصَّمْتُ أَسْلَمُ وَأَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي عَمَلِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ مَرْفُوعًا يُسَلِّمُ الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا يُسَلِّمُ النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ وَسَنَدُهُ وَاهٍ وَمِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ مِثْلُهُ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ وَثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِنْ كُنَّ النِّسَاءُ جَمْعًا سَلَّمَ عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً سَلَّمَ عَلَيْهَا النِّسَاءُ وَزَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا وَمَحْرَمُهَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ جَمِيلَةً أَوْ غَيْرَهَا وَأَمَّا الْأَجْنَبِيُّ فَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى اسْتُحِبَّ السَّلَامُ عَلَيْهَا وَاسْتُحِبَّ لَهَا السَّلَامُ عَلَيْهِ وَمَنْ سَلَّمَ مِنْهُمَا لَزِمَ الْآخَرَ رَدُّ السَّلَامِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا تُشْتَهَى لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهَا الْأَجْنَبِيُّ وَلَمْ تُسَلِّمْ عَلَيْهِ وَمَنْ سَلَّمَ مِنْهُمَا لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا وَيُكْرَهُ رَدُّ جَوَابِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ رَبِيعَةُ لَا يُسَلِّمُ الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ وَهَذَا غَلَطٌ وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ لَا يُسَلِّمُ الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ مَحْرَمٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ (قَالَ مُحَمَّدٌ) يَعْنِي الْبُخَارِيَّ (وَقَوَّى) أَيْ مُحَمَّدٌ (أَمْرَهُ) أَيْ جَعَلَهُ قَوِيًّا غَيْرَ ضَعِيفٍ (وَقَالَ) أي محمد (إنما تكلم فيه بن عَوْنٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ الْإِمَامُ الْجَلِيلُ الْمُجْمَعُ عَلَى جَلَالَتِهِ وَوَرَعِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَرْطَبَانَ أَبُو عَوْنٍ الْبَصْرِيُّ كَانَ يُسَمَّى سَيِّدَ الْقُرَّاءِ أَيِ الْعُلَمَاءِ وَأَحْوَالُهُ وَمَنَاقِبُهُ أَكْثَرُ من أن تحصر (ثم روى) أي بن عَوْنٍ (عَنْ هِلَالِ بْنِ أَبِي زَيْنَبَ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي

باب ما جاء في التسليم إذا دخل بيته

هريرة في فضل الشهيد وعنه بن عَوْنٍ قَالَ أَبُو دَاوُدَ لَا أَعْلَمُ رَوَى عنه غيره وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ هِلَالُ بْنُ أَبِي زَيْنَبَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ تَرَكُوهُ قال لا يعرف تفرد عنه بن عَوْنٍ لَهُ حَدِيثٌ فِي الشُّهَدَاءِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شَهْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ) اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَسْلَمَ الْبَلْخِيُّ الْمَصَاحِفِيُّ (إِنَّ شَهْرًا نَزَكُوهُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالزَّايِ (نَزَكُوهُ أَيْ طَعَنُوا فِيهِ) وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ بَعْدَ ذِكْرِ قول بن عَوْنٍ إِنَّ شَهْرًا نَزَكُوهُ يَقُولُ أَخَذَتْهُ أَلْسِنَةُ النَّاسِ تَكَلَّمُوا فِيهِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ نَزَكُوهُ هُوَ بِالنُّونِ وَالزَّايِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ مَعْنَاهُ طَعَنُوا فِيهِ وَتَكَلَّمُوا بِجَرْحِهِ فَكَأَنَّهُ يَقُولُ طَعَنُوهُ بِالنَّيْزَكِ بِفَتْحِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِ وَفَتْحِ الزَّايِ وَهُوَ رُمْحٌ قَصِيرٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَكَذَا ذَكَرَهَا مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ وَاللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ الْهَرَوِيُّ فِي غَرِيبِهِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ رُوَاةِ مُسْلِمٍ أَنَّهُمْ رَوَوْهُ تَرَكُوهُ بِالتَّاءِ وَالرَّاءِ وَضَعَّفَهُ الْقَاضِي وَقَالَ الصَّحِيحُ بِالنُّونِ وَالزَّايِ قَالَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِسِيَاقِ الْكَلَامِ وَقَالَ غَيْرُ الْقَاضِي رِوَايَةُ التَّاءِ تَصْحِيفٌ وَتَفْسِيرُ مُسْلِمٍ يَرُدُّهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّ شَهْرًا لَيْسَ مَتْرُوكًا بَلْ وَثَّقَهُ كَثِيرٌ مِنْ كِبَارِ الْأَئِمَّةِ السَّلَفِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْلِيمِ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ) [2698] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِمٍ الْأَنْصَارِيُّ الْبَصْرِيُّ مُسْلِمُ بْنُ حَاتِمٍ) صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهَمَ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ الْمُثَنَّى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى وَهُوَ صدوق كثير الغلط من السادسة

باب ما جاء في السلام قبل الكلام

قوله (يكون بَرَكَةً) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ مُتَضَمَّنَةٌ لِلْعِلَّةِ أَيْ فَإِنَّهُ يَكُونُ أَيِ السَّلَامُ سَبَبَ زِيَادَةِ بَرَكَةٍ وَكَثْرَةِ خَيْرٍ وَرَحْمَةٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي سَنَدِهِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ قُلْتُ عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ هَذَا صَدُوقٌ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ كَمَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السَّلَامِ قَبْلَ الْكَلَامِ) [2699] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ زكريا) القرشي المائني صَدُوقٌ لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيِّ مَتْرُوكٌ رَمَاهُ أَبُو حَاتِمٍ بِالْوَضْعِ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَاذَانَ) الْمَدَنِيِّ مَتْرُوكٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ) أَيِ السُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ قَبْلَ الْكَلَامِ لِأَنَّ فِي الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ إِشْعَارًا بِالسَّلَامَةِ وَتَفَاؤُلًا بِهَا وَإِينَاسًا لِمَنْ يُخَاطِبُهُ وتبركا بالابتداء بذكر الله وقال القارىء لِأَنَّهُ تَحِيَّةٌ يُبْدَأُ بِهِ فَيَفُوتُ بِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ كَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهَا قَبْلَ الْجُلُوسِ قَوْلُهُ (لَا تَدْعُوا أَحَدًا إِلَى الطَّعَامِ) أَيْ إِلَى أَكْلِهِ (حَتَّى يُسَلِّمَ) فَإِنَّ السَّلَامَ تَحِيَّةُ الْإِسْلَامِ فَمَا لَمْ يُظْهِرِ الْإِنْسَانُ شِعَارَ الْإِسْلَامِ لَا يُكْرَمْ ولا يقرب

باب ما جاء في التسليم على أهل الذمة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَحَكَمَ عَلَيْهِ بن الجوزي بالوضع وذكره بن عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الْأَيْلِيِّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ بِلَفْظِ السَّلَامُ قَبْلَ السُّؤَالِ مَنْ بَدَأَكُمْ بِالسُّؤَالِ فَلَا تُجِيبُوهُ انْتَهَى 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْلِيمِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ) [2700] قَوْلُهُ (لا تبدأوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى) قَدْ سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي باب التسليم على أهل الكتاب من أبوب السِّيَرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (السَّامُ عَلَيْكَ) مَعْنَى السَّامِ الْمَوْتُ وَأَلِفُهُ عَنْ وَاوٍ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ) أَيْ لِينَ الْجَانِبِ وَأَصْلُ الرِّفْقِ ضِدُّ الْعُنْفِ (قَدْ قُلْتُ عَلَيْكُمْ) أَيْ فِقْهًا لِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مسلم أتفق العلماء عن الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا سَلَّمُوا لَكِنْ لَا يُقَالُ لَهُمْ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ بَلْ

يقال عليكم فقط أو عليكم وَقَدْ جَاءَتِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ عَلَيْكُمْ وَعَلَيْكُمْ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا وَأَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ بِإِثْبَاتِهَا وَعَلَى هَذَا فِي مَعْنَاهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالُوا عَلَيْكُمُ الْمَوْتُ فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ أَيْضًا أَيْ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ وَكُلُّنَا نموت والثاني أن الواو ها هنا لِلِاسْتِئْنَافِ لَا لِلْعَطْفِ وَالتَّشْرِيكِ وَتَقْدِيرُهُ وَعَلَيْكُمْ مَا تَسْتَحِقُّونَهُ مِنَ الذَّمِّ وَأَمَّا مَنْ حَذَفَ الْوَاوَ فَتَقْدِيرُهُ بَلْ عَلَيْكُمُ السَّامُّ قَالَ الْقَاضِي اخْتَارَ بعض العلماء منهم بن حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ حَذْفَ الْوَاوِ لِئَلَّا يَقْتَضِيَ التَّشْرِيكَ وَقَالَ غَيْرُهُ بِإِثْبَاتِهَا كَمَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ عَلَيْكُمُ السِّلَامُ بِكَسْرِ السِّينِ أَيِ الْحِجَارَةُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ عَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَرْوُونَ هَذَا الْحَرْفَ وَعَلَيْكُمْ بالواو وكان بن عُيَيْنَةَ يَرْوِيهِ بِغَيْرِ وَاوٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا هُوَ الْأَصْوَبُ لِأَنَّهُ إِذَا حَذَفَ الْوَاوَ صَارَ كَلَامُهُمْ بِعَيْنِهِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ خَاصَّةً وَإِذَا أَثْبَتَ الْوَاوَ اقْتَضَى الْمُشَارَكَةَ مَعَهُمْ فِيمَا قَالُوهُ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَالصَّوَابُ أَنَّ إِثْبَاتَ الْوَاوِ وَحَذْفَهَا جَائِزَانِ كَمَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ وَأَنَّ الْوَاوَ أَجْوَدُ كَمَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ لِأَنَّ السَّامَ الْمَوْتُ وَهُوَ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ وَلَا ضَرَرَ فِي قَوْلِهِ بِالْوَاوِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي رَدِّ السَّلَامِ عَلَى الْكُفَّارِ وَابْتِدَائِهِمْ بِهِ فَمَذْهَبُنَا تَحْرِيمُ ابْتِدَائِهِمْ بِهِ وَوُجُوبُ رَدِّهِ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ فَقَطْ وَدَلِيلُنَا فِي الِابْتِدَاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم لا تبدأوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَفِي الرَّدِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ مَذْهَبِنَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَعَامَّةُ السَّلَفِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى جَوَازِ ابْتِدَائِنَا لهم بالسلام روى ذلك عن بن عباس وأبي أمامة وبن أَبِي مُحَيْرِيزٍ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَكِنَّهُ قَالَ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَلَا يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمْعِ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ بِإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَهِيَ حُجَّةٌ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ عَامٌّ مخصوص بحديث لا تبدأوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن أبي بصرة الغفاري وبن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُهَنِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيِّ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ التَّسْلِيمِ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان وأبو داود وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُهَنِيِّ فأخرجه بن مَاجَهْ [2701] قَوْلُهُ (حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان والنسائي وبن ماجه

باب ما جاء في السلام

13 - (بَاب مَا جَاءَ فِي السَّلَامِ) عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَغَيْرُهُمْ [2702] قَوْلُهُ (مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ خِلْطٌ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْخِلْطُ بِالْكَسْرِ كُلُّ مَا خَالَطَ الشَّيْءَ وَمِنَ التَّمْرِ الْمُخْتَلَطُ مِنْ أَنْوَاعٍ شَتَّى وَجَمْعُهُ أَخْلَاطٌ انْتَهَى وَالْمُرَادُ هُنَا الْمُخْتَلِطُونَ (مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ (فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ) قَالَ النَّوَوِيُّ السُّنَّةُ إِذَا مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ أَنْ يُسَلِّمَ بِلَفْظِ التَّعْمِيمِ وَيَقْصِدَ بِهِ الْمُسْلِمَ قال بن الْعَرَبِيِّ وَمِثْلُهُ إِذَا مَرَّ بِمَجْلِسٍ يَجْمَعُ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْبِدْعَةِ وَبِمَجْلِسٍ فِيهِ عُدُولٌ وَظَلَمَةٌ وَبِمَجْلِسٍ فِيهِ مُحِبٌّ وَمُبْغِضٌ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مُطَوَّلًا 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَسْلِيمِ الرَّاكِبِ عَلَى الْمَاشِي) [2703] قَوْلُهُ (يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ تَكَلَّمَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْحِكْمَةِ فِيمَنْ شُرِعَ لَهُمُ الِابْتِدَاءُ فقال بن بَطَّالٍ عَنِ الْمُهَلَّبِ تَسْلِيمُ الصَّغِيرِ لِأَجْلِ حَقِّ الْكَبِيرِ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِتَوْقِيرِهِ وَالتَّوَاضُعِ لَهُ وَتَسْلِيمُ الْقَلِيلِ لِأَجْلِ حَقِّ الْكَثِيرِ لِأَنَّ حَقَّهُمْ أَعْظَمُ وتسليم المار شبهه بِالدَّاخِلِ عَلَى أَهْلِ الْمَنْزِلِ وَتَسْلِيمُ الرَّاكِبِ لِئَلَّا يتكبر بركوبه فيرجع إلى التواضع وقال بن الْعَرَبِيِّ حَاصِلُ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الفضول بِنَوْعٍ مَا يَبْدَأُ الْفَاضِلَ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ أَمَّا

أَمْرُ الرَّاكِبِ فَلِأَنَّ لَهُ مَزِيَّةً عَلَى الْمَاشِي فَعَوَّضَ الْمَاشِيَ بِأَنْ يَبْدَأَهُ الرَّاكِبُ بِالسَّلَامِ احْتِيَاطًا عَلَى الرَّاكِبِ مِنَ الزَّهْوِ أَنْ لَوْ حَازَ الْفَضِيلَتَيْنِ وَأَمَّا الْمَاشِي فَلِمَا يَتَوَقَّعُ الْقَاعِدُ مِنْهُ مِنَ الشَّرِّ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ رَاكِبًا فَإِذَا ابْتَدَأَ بِالسَّلَامِ أَمِنَ مِنْهُ ذَلِكَ وَأَنِسَ إِلَيْهِ أَوْ لِأَنَّ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْحَاجَاتِ امْتِهَانًا فَصَارَ لِلْقَاعِدِ مَزِيَّةٌ فَأُمِرَ بِالِابْتِدَاءِ أَوْ لِأَنَّ الْقَاعِدَ يَشُقُّ عَلَيْهِ مُرَاعَاةُ الْمَارِّينَ مَعَ كَثْرَتِهِمْ فَسَقَطَتِ الْبُدَاءَةُ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الْمَارِّ فَلَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْقَلِيلُ فَلِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ أو لأن الجماعة لو ابتدأوا لَخِيفَ عَلَى الْوَاحِدِ الزَّهْوُ فَاحْتِيطَ لَهُ وَلَمْ يَقَعْ تَسْلِيمُ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكَأَنَّهُ لِمُرَاعَاةِ السِّنِّ فَإِنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ فِي الشَّرْعِ فَلَوْ تَعَارَضَ الصِّغَرُ الْمَعْنَوِيُّ وَالْحِسِّيُّ كَأَنْ يَكُونَ الْأَصْغَرُ أَعْلَمَ مَثَلًا فِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَالَّذِي يَظْهَرُ اعْتِبَارُ السِّنِّ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ كَمَا تُقَدَّمُ الحقيقة على المجاز ونقل بن دقيق العيد عن بن رُشْدٍ أَنَّ مَحَلَّ الْأَمْرِ فِي تَسْلِيمِ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ إِذَا الْتَقَيَا فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا رَاكِبًا وَالْآخَرُ مَاشِيًا بَدَأَ الرَّاكِبُ وَإِنْ كَانَا رَاكِبَيْنِ أَوْ مَاشِيَيْنِ بَدَأَ الصَّغِيرُ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ وَفُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ فَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الرَّاجِلِ وَالرَّاجِلُ عَلَى الْجَالِسِ وَالْأَقَلُّ عَلَى الْأَكْثَرِ فَمَنْ أَجَابَ كَانَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يُجِبْ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَأَمَّا حَدِيثُ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (هَذَا حَدِيثٌ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ (وَقَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ إِلَخْ) فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ مُنْقَطِعٌ [2705] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْجَنْبِيِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيُّ الْمُرَادِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ

باب ما جاء التسليم عند القيام والقعود

قَوْلُهُ (وَالْمَاشِي عَلَى الْقَائِمِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَائِمِ الْمُسْتَقِرُّ فِي مَكَانِهِ سَوَاءٌ كَانَ جَالِسًا أَوْ وَاقِفًا أَوْ مُضْطَجِعًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ والنسائي وبن حبان في صحيحه قَوْلُهُ (وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْأَدَبُ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا إِذَا تَلَاقَى اثْنَانِ فِي طَرِيقٍ أَمَّا إِذَا وَرَدَ عَلَى قُعُودٍ أو قاعد فإن لوارد يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ 5 - (باب ما جاء التسليم عند القيام والقعود) [2706] قَوْلُهُ (إِذَا انْتَهَى) أَيْ جَاءَ وَوَصَلَ (فَإِنْ بَدَا) بِالْأَلِفِ أَيْ ظَهَرَ (ثُمَّ إِذَا قَامَ) أَيْ بَعْدَ أَنْ يَجْلِسَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ وَلَوْ لَمْ يَجْلِسْ (فَلَيْسَتِ الْأُولَى) أَيِ التَّسْلِيمَةُ الْأُولَى (بِأَحَقَّ) أَيْ بِأَوْلَى وَأَلْيَقَ (مِنَ الْآخِرَةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ كَمَا أَنَّ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى إِخْبَارٌ عن

باب ما جاء في الاستئذان قبالة البيت

سَلَامَتِهِمْ مِنْ شَرِّهِ عِنْدَ الْحُضُورِ فَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ إِخْبَارٌ عَنْ سَلَامَتِهِمْ مِنْ شَرِّهِ عِنْدَ الْغَيْبَةِ وَلَيْسَتِ السَّلَامَةُ عِنْدَ الْحُضُورِ أَوْلَى مِنَ السَّلَامَةِ عِنْدَ الْغَيْبَةِ بَلِ الثَّانِيَةُ أَوْلَى انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْجَمَاعَةِ رَدُّ السَّلَامِ عَلَى الَّذِي يُسَلِّمُ عَلَى الْجَمَاعَةِ عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَأَبُو سَعِيدٍ الْمُتَوَلِّي جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ بِالسَّلَامِ عِنْدَ الْمُفَارَقَةِ وَذَلِكَ دُعَاءٌ يُسْتَحَبُّ جَوَابُهُ وَلَا يَجِبُ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ إِنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ اللِّقَاءِ لَا عِنْدَ الِانْصِرَافِ وَأَنْكَرَهُ الشَّاشِيُّ وَقَالَ إِنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ عِنْدَ الِانْصِرَافِ كَمَا هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ فَكَمَا يَجِبُ الرَّدُّ عِنْدَ اللِّقَاءِ كَذَلِكَ عِنْدَ الِانْصِرَافِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ بن عَجْلَانَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَمِنَ الطَّرِيقِ السَّابِقِ أَيْضًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ وَصْفِ الصَّلَاةِ وَسَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ قَدْ سَمِعَ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الِاسْتِئْذَانِ قُبَالَةَ الْبَيْتِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ قُبَالَتُهُ بِالضَّمِّ تُجَاهَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَقْصُودَ التِّرْمِذِيِّ بِهَذَا الْبَابِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُسْتَأْذِنِ أَنْ يَقُومَ تُجَاهَ الْبَابِ لِلِاسْتِئْذَانِ بَلْ يَقُومَ فِي أَحَدِ جَانِبَيْهِ كَمَا رَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الله بن يسر كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَ الْبَابَ يَسْتَأْذِنُ لَمْ يَسْتَقْبِلْهُ يَقُولُ يَمْشِي مَعَ الْحَائِطِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ فَيُؤْذَنَ لَهُ أَوْ يَنْصَرِفَ [2707] قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ) الْمِصْرِيِّ أَبِي بَكْرٍ الْفَقِيهِ مَوْلَى بَنِي كِنَانَةَ أَوْ أُمَيَّةَ قِيلَ اسْمُ أَبِيهِ يَسَارٌ ثِقَةٌ وَقِيلَ عَنْ أَحْمَدَ إِنَّهُ لَيَّنَهُ وَكَانَ فَقِيهًا عَابِدًا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ مِثْلُ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (مَنْ كَشَفَ) أَيْ رَفَعَ وَأَزَالَ (سِتْرًا) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ سِتَارَةً وَحَاجِزًا (فَأَدْخَلَ بَصَرَهُ

فِي الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ) أَيْ فِي الْكَشْفِ وَالدُّخُولِ (فَرَأَى عَوْرَةَ أَهْلِ الْبَيْتِ) وهي كل ما يستحيي مِنْهُ إِذَا ظَهَرَ (فَقَدْ أَتَى حَدًّا) أَيْ فَعَلَ شَيْئًا يُوجِبُ الْحَدَّ أَيِ التَّعْزِيرَ (لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ) اسْتِئْنَافٌ مُتَضَمِّنٌ لِلْعِلَّةِ أَوْ مَعْنَاهُ أَتَى أَمْرًا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ وَإِلَيْهِ يَنْظُرُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (لَوْ أَنَّهُ حِينَ أَدْخَلَ بَصَرَهُ فَاسْتَقْبَلَهُ رَجُلٌ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ (فَفَقَأَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ فَقَأَ الْعَيْنَ كَمَنَعَ كَسَرَهَا أو قلعها أو بحقها (عَيْنَيْهِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ عَيْنَهُ بِالْإِفْرَادِ (مَا عِيرَتْ عَلَيْهِ) أَيْ مَا نَسَبَتْهُ إِلَى الْعَيْبِ قَالَ الطِّيبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْعُقُوبَةُ الْمَانِعَةُ عَنْ إِعَادَةِ الْجَانِي فَالْمَعْنَى فَقَدْ أَتَى مُوجِبَ حَدٍّ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَشْرَفُ وَالْمُظْهِرُ وَأَنْ يُرَادَ بِهِ الْحَاجِزُ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ كَالْحِمَى فَقَوْلُهُ لَا يَحِلُّ صِفَةٌ فَارِقَةٌ تُخَصِّصُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ بِالْمُرَادِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إِيقَاعُ قَوْلِهِ (وَإِنْ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى بَابٍ لَا سِتْرَ لَهُ) مُقَابِلًا لِقَوْلِهِ مَنْ كَشَفَ سِتْرًا إِلَخْ (غَيْرَ مُغْلَقٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ غَيْرَ مَرْدُودٍ وَغَيْرَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِيَّةِ وَقِيلَ مَجْرُورٌ عَلَى أَنَّهُ صِفَةُ بَابٍ (فَنَظَرَ) أَيْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ (فَلَا خَطِيئَةَ عَلَيْهِ إِنَّمَا الْخَطِيئَةُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ) فِيهِ أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَاجِبٌ إِمَّا السِّتْرُ وَإِمَّا الْغَلْقُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هريرة فأخرجه الشيخان وغيرهما ولفظ البخاري قال أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَحَذَفْتُهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ وَلَا يُدْخِلُ عَيْنَيْهِ بَيْتًا حَتَّى يَسْتَأْذِنَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرُوَاتُهُ رواة الصحيح إلا بن لهيمة وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ

باب من اطلع في دار قوم بغير إذنهم

17 - (بَاب مَنْ اطَّلَعَ فِي دَارِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذنهم) [2709] وله (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي بَيْتِهِ فَاطَّلَعَ عَلَيْهِ رَجُلٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ فِي جُحْرٍ فِي بَعْضِ حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَهْوَى إِلَيْهِ بِمِشْقَصٍ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَهْوَى بِيَدِهِ إِلَيْهِ أَيْ مَدَّهَا نَحْوَهُ وَأَمَالَهَا إِلَيْهِ انْتَهَى وَالْمِشْقَصُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ نَصْلُ السَّهْمِ إِذَا كَانَ طَوِيلًا غَيْرَ عَرِيضٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَقَامَ إِلَيْهِ بِمِشْقَصٍ أَوْ مَشَاقِصَ وَجَعَلَ يَخْتِلُهُ لِيَطْعَنَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جُحْرٍ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ كُلُّ ثُقْبٍ مُسْتَدِيرٍ فِي أَرْضٍ أَوْ حَائِطٍ وَأَصْلُهَا مَكَامِنُ الْوَحْشِ (فِي حُجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ (وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرَاةٌ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مِدْرًى قَالَ الْحَافِظُ الْمِدْرَى بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ عُودٌ تُدْخِلُهُ الْمَرْأَةُ فِي رَأْسِهَا لِتَضُمَّ بَعْضَ شَعْرِهَا إِلَى بَعْضٍ وَهُوَ يُشْبِهُ الْمِسَلَّةَ يُقَالُ مَدِرَتِ الْمَرْأَةُ سَرَّحَتْ شَعْرَهَا وَقِيلَ مُشْطٌ لَهُ أَسْنَانٌ يَسِيرَةٌ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ هُوَ الْمُشْطُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَصْلُ الْمِدْرَى الْقَرْنُ كَذَلِكَ الْمِدْرَاةُ وَقِيلَ هُوَ عُودٌ أَوْ حَدِيدَةٌ كما كَالْخِلَالِ لَهَا رَأْسٌ مُحَدَّدٌ وَقِيلَ خَشَبَةٌ عَلَى شَكْلِ شَيْءٍ مِنْ أَسْنَانِ الْمُشْطِ وَلَهَا سَاعِدٌ جَرَتْ عَادَةُ الْكَبِيرِ أَنْ يَحُكَّ بِهَا مَا لَا تَصِلُ إِلَيْهِ يَدُهُ مِنْ جَسَدِهِ وَيُسَرِّحُ بِهَا الشَّعْرَ الْمُلَبَّدَ مَنْ لَا يَحْضُرُهُ الْمُشْطُ وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ لِعَائِشَةَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمِدْرَى غَيْرُ الْمُشْطِ أَخْرَجَهُ الْخَطِيبُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْهَا قَالَتْ خَمْسٌ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُنَّ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ الْمَرْأَةُ وَالْمُكْحُلَةُ وَالْمُشْطُ وَالْمِدْرَى وَالسِّوَاكُ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو أُمَيَّةَ بْنُ يَعْلَى وهو ضعيف وأخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ أَيْضًا وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُسْنَدِ الشَّامِيِّينَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ أَقْوَى مِنْ هَذَا لَكِنْ فِيهِ

باب ما جاء التسليم قبل الاستئذان

قَارُورَةُ دُهْنٍ بَدَلَ الْمِدْرَى (يَحُكُّ) بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ (بِهَا) أَيْ بِالْمِدْرَاةِ (لَوْ عَلِمْتُ) أَيْ يَقِينًا (أَنَّكَ تَنْظُرُ) أَيْ قَصْدًا وَعَمْدًا (لَطَعَنْتُ بِهَا فِي عَيْنِكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ دَلَّ عَلَى أَنَّ الِاطِّلَاعَ مَعَ غَيْرِ قَصْدِ النَّظَرِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ كَالْمَارِّ (إِنَّمَا جُعِلَ) أَيْ شُرِعَ (الاستيذان مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ مَشْرُوعٌ وَمَأْمُورٌ بِهِ وَإِنَّمَا جُعِلَ لِئَلَّا يَقَعَ الْبَصَرُ عَلَى الْحَرَمِ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَنْظُرَ فِي جُحْرِ بَابٍ وَلَا حَفِيرَةٍ مِمَّا هُوَ مُتَعَرِّضٌ فِيهِ لِوُقُوعِ بَصَرِهِ عَلَى امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يُشْرَعُ الِاسْتِئْذَانُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ حَتَّى الْمَحَارِمِ لِئَلَّا تَكُونَ مُنْكَشِفَةَ الْعَوْرَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ نَافِعٍ كَانَ بن عُمَرَ إِذَا بَلَغَ بَعْضُ وَلَدِهِ الْحُلُمَ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ إِلَّا بِإِذْنٍ وَمِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ جاء رجل إلى بن مَسْعُودٍ فَقَالَ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي فَقَالَ مَا عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهَا تُرِيدُ أَنْ تَرَاهَا وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ نَذِيرٍ سَأَلَ رَجُلٌ حُذَيْفَةَ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُمِّي قَالَ إِنْ لَمْ تَسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا رَأَيْتَ مَا تَكْرَهُ وَمِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلَى أُمِّي فَدَخَلَ وَاتَّبَعْتُهُ فَدَفَعَ فِي صَدْرِي وَقَالَ تَدْخُلُ بغير إذن ومن طريق عطاء سألت بن عَبَّاسٍ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُخْتِي قَالَ نَعَمْ قُلْتُ إِنَّهَا فِي حِجْرِي قَالَ أَتُحِبُّ أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةَ وَأَسَانِيدُ هَذِهِ الْآثَارِ كُلُّهَا صَحِيحَةٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) لَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى حَدِيثِهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ وَقَدْ ذَكَرْنَا لَفْظَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا 8 - (بَاب ما جاء التَّسْلِيمِ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ) [2710] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الخامسة روى عن أمية بن صفوان وبن عَمِّ أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صفوان

وغيرهما وعنه أخوه حنظلة وبن جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُمَا (أَنَّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ) بْنِ أُمَيَّةَ بن خلف الجمحي الْمَكِّيَّ صَدُوقٌ شَرِيفٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (أَنَّ كَلَدَةَ) بِكَافٍ وَلَامٍ مَفْتُوحَتَيْنِ (بْنَ حَنْبَلٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ كلدة بن الحنبل ويقال بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَنْبَلِ الْجُمَحِيُّ الْمَكِّيُّ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ وَهُوَ أَخُو صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ لِأُمِّهِ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صِفَةِ الِاسْتِئْذَانِ وَالسَّلَامِ وَعَنْهُ أُمَيَّةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ انْتَهَى (أَنَّ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ) بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبٍ بن حذافة بن جمع الْقُرَشِيَّ الْجُمَحِيَّ كُنْيَتُهُ أَبُو وَهْبٍ وَقِيلَ أَبُو أُمَيَّةَ قُتِلَ أَبُوهُ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا وَأَسْلَمَ هُوَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَكَانَ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ وَشَهِدَ الْيَرْمُوكَ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ أَوْلَادُهُ أُمَيَّةُ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُمْ (بَعَثَهُ) أَيْ أَرْسَلَهُ زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَتِهِ فِي الْفَتْحِ (وَلِبَأٍ) كَعِنَبٍ وَهُوَ أَوَّلُ مَا يُحْلَبُ عِنْدَ الْوِلَادَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَضَغَابِيسَ) جَمْعُ ضُغْبُوسٍ بِالضَّمِّ وَهِيَ صِغَارُ الْقِثَّاءِ وَقِيلَ هِيَ نَبْتٌ يَنْبُتُ فِي أُصُولِ الثُّمَامِ يُشْبِهُ الْهِلْيُونَ يُسْلَقُ بِالْخَلِّ وَالزَّيْتِ وَيُؤْكَلُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْلَى الْوَادِي) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ بأعلى مكة قوله (قال عمرو) أي بن أَبِي سُفْيَانَ (وَأَخْبَرَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ أُمَيَّةُ بْنُ صفوان) بن أمية بن خلف الجمحي المكي مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (وَلَمْ يَقُلْ سَمِعْتُهُ مِنْ كَلَدَةَ) أَيْ لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْإِخْبَارِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الحديث ما لفظه قال عمرو وأخبرني بن صَفْوَانَ بِهَذَا أَجْمَعَ عَنْ كَلَدَةَ بْنِ الْحَنْبَلِ وَلَمْ يَقُلْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ انْتَهَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ شَيْخَيْنِ لَهُ أَحَدُهُمَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَثَانِيهِمَا أُمَيَّةُ بْنُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَكِلَاهُمَا رَوَيَاهُ عَنْ كَلَدَةَ لَكِنَّ الْأَوَّلَ رَوَى عَنْهُ بِلَفْظِ الْإِخْبَارِ وَالثَّانِيَ بِلَفْظِ عَنْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ

[2711] قَوْلُهُ (اسْتَأْذَنْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي فَدَقَقْتُ الباب قال بن الْعَرَبِيِّ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَشْرُوعِيَّةُ دَقِّ الْبَابِ وَلَمْ يَقَعْ فِي الْحَدِيثِ بَيَانُ هَلْ كَانَ بِآلَةٍ أَوْ بِغَيْرِ آلَةٍ قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ أَبْوَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ تُقْرَعُ بِالْأَظَافِيرِ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَهَذَا مَحْمُولٌ مِنْهُمْ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْأَدَبِ وَهُوَ حَسَنٌ لِمَنْ قَرُبَ مَحَلُّهُ مِنْ بَابِهِ أَمَّا مَنْ بَعُدَ عَنِ الْبَابِ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُهُ صَوْتُ الْقَرْعِ بِالظَّفْرِ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَعَ بِمَا فَوْقَ ذَلِكَ بِحَسْبِهِ وَذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ السَّبَبَ فِي قَرْعِهِمْ بَابَهُ بِالْأَظَافِيرِ أَنَّ بَابَهُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَلْقٌ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ فَعَلَهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ذلك توقيرا وإجلالا وأدبا انتهى (فقال من هذا) أي الذي يستأذن (فقال أَنَا أَنَا) إِنْكَارٌ عَلَيْهِ أَيْ قَوْلُكَ أَنَا مَكْرُوهٌ فَلَا تَعُدْ وَأَنَا الثَّانِي تَأْكِيدٌ لِلْأَوَّلِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَنَا أَنَا أَنَّ كَلِمَةَ أَنَا عَامَّةٌ كَمَا تَصْدُقُ عَلَيْكَ تَصْدُقُ عَلَيَّ أَيْضًا فَلَا تُغْنِي عَنْ سُؤَالِ السَّائِلِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدٌ فَقِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ أَوْ مَنْ هَذَا كُرِهَ أَنْ يَقُولَ أَنَا لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِقَوْلِهِ أَنَا فَائِدَةٌ وَلَا زِيَادَةٌ بَلِ الْإِبْهَامُ بَاقٍ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فُلَانٌ بِاسْمِهِ وَإِنْ قَالَ أَنَا فُلَانٌ فَلَا بَأْسَ كَمَا قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ حِينَ اسْتَأْذَنَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ هَذِهِ فَقَالَتْ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ أَنَا أَبُو فُلَانٍ أَوِ الْقَاضِي فُلَانٌ أَوِ الشَّيْخُ فُلَانٌ إِذَا لَمْ يَحْصُلِ التَّعْرِيفُ بِالِاسْمِ لِخَفَائِهِ وَالْأَحْسَنُ فِي هَذَا أَنْ يَقُولَ أَنَا فُلَانٌ الْمَعْرُوفُ بِكَذَا انْتَهَى (كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ أَيْ قَوْلَهُ أَنَا فِي جَوَابِ مَنْ هَذَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ إِلَّا إِنْ كَانَ الْمُسْتَأْذِنُ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْمُسْتَأْذَنُ عَلَيْهِ صَوْتَهُ وَلَا يَلْتَبِسُ بِغَيْرِهِ وَالْغَالِبُ الِالْتِبَاسُ قَالَهُ الْمُهَلَّبُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي وبن ماجه

باب ما جاء كراهية طروق الرجل أهله ليلا

19 - (باب ما جاء كَرَاهِيَةِ طُرُوقِ الرَّجُلِ أَهْلَهُ لَيْلًا) [2712] قَوْلُهُ (نَهَاهُمْ أَنْ يَطْرُقُوا) مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الطُّرُوقُ بِالضَّمِّ الْمَجِيءُ بِاللَّيْلِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى غَفْلَةٍ وَيُقَالُ لِكُلِّ آتٍ بِاللَّيْلِ طَارِقٌ وَلَا يُقَالُ بِالنَّهَارِ إِلَّا مَجَازًا وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَصْلُ الطُّرُوقِ الدَّفْعُ وَالضَّرْبُ وَبِذَلِكَ سُمِّيَتِ الطَّرِيقُ لِأَنَّ الْمَارَّةَ تَدُقُّهَا بِأَرْجُلِهَا وَسُمِّيَ الْآتِي بِاللَّيْلِ طَارِقًا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ غَالِبًا إِلَى دَقِّ الْبَابِ وَقِيلَ أَصْلُ الطُّرُوقِ السُّكُونُ وَمِنْهُ أَطْرَقَ رَأْسَهُ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ يُسْكَنُ فِيهِ سُمِّيَ الْآتِي فِيهِ طَارِقًا انْتَهَى وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرٍ بِأَلْفَاظٍ فَرَوَى مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ سَيَّارٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْهُ بِلَفْظِ إِذَا قَدِمَ أَحَدُكُمْ لَيْلًا فَلَا يَأْتِيَنَّ أَهْلَهُ طُرُوقًا حَتَّى تَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ وَتَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَمِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْهُ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا أَطَالَ الرَّجُلُ الْغَيْبَةَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ طُرُوقًا وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ عَنْ مُحَارِبٍ عَنْهُ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا يَتَخَوَّنُهُمْ أَوْ يَطْلُبُ عَثَرَاتِهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِمَنْ طَالَ سَفَرُهُ أَنْ يَقْدُمَ عَلَى امْرَأَتِهِ لَيْلًا بَغْتَةً فَأَمَّا مَنْ كَانَ سَفَرُهُ قَرِيبًا تَتَوَقَّعُ امْرَأَتُهُ إِتْيَانَهُ لَيْلًا فَلَا بَأْسَ كَمَا قَالَ فِي إِحْدَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ إِذَا أَطَالَ الرَّجُلُ الْغَيْبَةَ وَإِذَا كَانَ فِي قَفْلٍ عَظِيمٍ أَوْ عَسْكَرٍ وَنَحْوِهِمْ وَاشْتُهِرَ قُدُومُهُمْ وَوُصُولُهُمْ وَعَلِمَتِ امْرَأَتُهُ وَأَهْلُهُ أَنَّهُ قَادِمٌ مَعَهُمْ وَأَنَّهُمُ الْآنَ دَاخِلُونَ فَلَا بَأْسَ بِقُدُومِهِ مَتَى شَاءَ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الَّذِي نُهِيَ بِسَبَبِهِ فَإِنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَتَأَهَّبُوا وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْدُمْ بَغْتَةً وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَمْهِلُوا حَتَّى نَدْخُلَ لَيْلًا أَيْ عِشَاءً كَيْ تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ فَهَذَا تَصْرِيحٌ فِيمَا قُلْنَاهُ وَهُوَ مَفْرُوضٌ فِي أَنَّهُمْ أَرَادُوا الدُّخُولَ فِي أَوَائِلِ النَّهَارِ بَغْتَةً فَأَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ إِلَى آخِرِ النَّهَارِ لِيَبْلُغَ خَبَرُ قُدُومِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَتَأَهَّبُ النِّسَاءُ وَغَيْرُهُنَّ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أنس وبن عمر وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ والنسائي وأما حديث بن عمر فأخرجه بن خزيمة في صحيحه وأما حديث بن عباس فأخرجه أيضا بن خزيمة

باب ما جاء في تتريب الكتاب

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان قوله (وقد روي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَاهُمْ أَنْ يَطْرُقُوا النِّسَاءَ لَيْلًا قَالَ فَطَرَقَ رجلان الخ) رواه بن خزيمة ورواه عن بن عُمَرَ أَيْضًا كَمَا فِي الْفَتْحِ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَتْرِيبِ الْكِتَابِ) [2713] قَوْلُهُ (عَنْ حَمْزَةَ) بْنِ أَبِي حَمْزَةَ الْجُعْفِيِّ الْجَزَرِيِّ النَّصِيبِيِّ وَاسْمُ أبيه ميمون وقيل عمرو متروك متهم الوضع مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (فَلْيُتَرِّبْهُ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ مِنَ التَّتْرِيبِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِتْرَابِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ لِيُسْقِطْهُ عَلَى التُّرَابِ اعْتِمَادًا عَلَى الْحَقِّ تَعَالَى فِي إِيصَالِهِ إِلَى الْمَقْصِدِ أَوْ أَرَادَ ذَرَّ التُّرَابِ عَلَى الْمَكْتُوبِ أَوْ لِيُخَاطِبِ الْكَاتِبُ خِطَابًا عَلَى غَايَةِ التَّوَاضُعِ أَقْوَالٌ انْتَهَى وَقَالَ الْمُظْهِرُ قِيلَ مَعْنَاهُ فَلْيُخَاطِبْ خِطَابًا عَلَى غَايَةِ التَّوَاضُعِ وَالْمُرَادُ بِالتَّتْرِيبِ الْمُبَالَغَةُ فِي التواضع في الخطاب قال القارىء هَذَا مُوَافِقٌ لِمُتَعَارَفِ الزَّمَانِ لَا سِيَّمَا فِيمَا بَيْنَ أَرْبَابِ الدُّنْيَا وَأَصْحَابِ الْجَاهِ لَكِنَّهُ مَعَ بعد مَأْخَذِ هَذَا الْمَعْنَى مِنَ الْمَبْنَى مُخَالِفٌ لِمُكَاتَبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُلُوكِ وَكَذَا إِلَى الْأَصْحَابِ انْتَهَى قِيلَ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْغَرَضُ مِنَ التَّتْرِيبِ تَجْفِيفَ بِلَّةِ الْمِدَادِ صِيَانَةً عَنْ طَمْسِ الْكِتَابَةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ بَقَاءَ الْكِتَابَةِ عَلَى حَالِهَا أَنْجَحُ لِلْحَاجَةِ وَطُمُوسُهَا مُخِلٌّ لِلْمَقْصُودِ قُلْتُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُرَادَ بِتَتْرِيبِ الْكِتَابِ ذَرُّ التُّرَابِ عَلَيْهِ لِلتَّجْفِيفِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَتْرَبَهُ جَعَلَ عَلَيْهِ التُّرَابَ انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ أَتْرَبْتُ الشيء إذا جعلت عليه التراب (فإنه نجح لِلْحَاجَةِ) بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْحَاءِ أَيْ أَقْرَبُ لِقَضَاءِ مَطْلُوبِهِ وَتَيَسُّرِ مَأْرَبِهِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ) لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ حَمْزَةَ بْنَ أَبِي حَمْزَةَ النَّصِيبِيَّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ مُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ كَمَا عَرَفْتَ وَالْحَدِيثُ قَدْ أَخْرَجَهُ أيضا بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الدِّمَشْقِيِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ وَلَفْظُهُ تربوا صحفكم أتجح لَهَا إِنَّ التُّرَابَ مُبَارَكٌ وَأَبُو أَحْمَدَ الدِّمَشْقِيُّ مَجْهُولٌ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ إِذَا كَتَبَ أَحَدُكُمْ إِلَى إِنْسَانٍ فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ وَإِذَا كَتَبَ فَلْيُتَرِّبْ كِتَابَهُ فَهُوَ أَنْجَحُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ كما بينه الهيثمي (وحمزة هو بن عَمْرٍو النَّصِيبِيُّ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ الْمَزِّيُّ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ فِيهِ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو إِلَّا التِّرْمِذِيُّ وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِحَمَّادِ بْنِ عَمْرٍو النَّصِيبِيِّ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْعَقِيلِيُّ فَقَالَ حَمْزَةُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ النَّصِيبِيُّ وَهُوَ حَمْزَةُ بْنُ مَيْمُونٍ ثُمَّ سَاقَ لَهُ الْحَدِيثَ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ) وَاسْمُ أَبِيهِ مَيْمُونٌ وقيل عمر وكما عرفت آنفا 1 - باب [2714] قوله (حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ) بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمَخْزُومِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ غَلَطٌ (عَنْ أُمِّ سَعْدٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أُمُّ سَعْدٍ قِيلَ إِنَّهَا بِنْتُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَقِيلَ امْرَأَتُهُ وَقِيلَ إِنَّهَا مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ رَوَى حَدِيثَهَا عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحَدُ الْمَتْرُوكِينَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَاذَانَ عَنْهَا وَقِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَرْدَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَارِجَةَ عَنْهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (فَسَمِعْتُهُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَقُولُ) أَيْ لَهُ (ضَعِ الْقَلَمَ عَلَى أُذُنِكَ) بِضَمِّ الذَّالِ

باب ما جاء في تعليم السريانية

وَيُسَكَّنُ أَيْ فَوْقَ أُذُنِكَ مُعْتَمِدًا عَلَيْهَا (فَإِنَّهُ أَذْكَرُ لِلْمُمْلِي) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْمَالِي قَالَ فِي الْمَجْمَعِ هُوَ فَاعِلٌ مِنْ مَلَا يُمْلِي ولم يجيء في اللغة وإنما فيها ممل ومملىء وفيه أذكر للمملي وروى المعلي وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَاتِبُ مَجَازًا يُرِيدُ وَضْعُ الْقَلَمِ عَلَى الْأُذُنِ أَسْرَعُ تَذَكُّرًا فِيمَا يُرِيدُ الْكَاتِبُ إِنْشَاءَهُ مِنَ الْعِبَارَاتِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي التَّأَنِّي وَعَدَمَ الْعَجَلَةِ وَكَوْنُ الْقَلَمِ فِي الْيَدِ يَحْمِلُ عَلَى الْكَتْبِ بِأَدْنَى تَفَكُّرٍ فَلَا يُحْسِنُ عِبَارَتَهُ وَفِي وَضْعِهِ عَلَى الْأَرْضِ صُورَةُ الْفَرَاغِ عَنِ الْكِتَابَةِ فَتَقَاعَدُ النَّفْسُ عَنِ التَّأَمُّلِ كَذَا قِيلَ انْتَهَى وقال القارىء مَعْنَاهُ أَنَّ وَضْعَ الْقَلَمِ عَلَى الْأُذُنِ أَقْرَبُ تَذَكُّرًا لِمَوْضِعِهِ وَأَيْسَرُ مَحَلًّا لِتَنَاوُلِهِ بِخِلَافِ مَا إِذَا وَضَعَهُ فِي مَحَلٍّ آخَرَ فَإِنَّهُ رُبَّمَا يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ حُصُولُهُ بِسُرْعَةٍ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ انْتَهَى وَوَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ فَإِنَّهُ أَذْكَرُ لِلْمَآلِ قال القارىء أَيْ لِعَاقِبَةِ الْأَمْرِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَسْرَعُ تَذْكِيرًا فِيمَا يُرَادُ مِنْ إِنْشَاءِ الْعِبَارَةِ فِي الْمَقْصُودِ ثُمَّ قَالَ لَعَلَّ لَفْظَ الْمُمْلِي هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْحَدِيثِ وَأَنَّ لَفْظَ لِلْمَآلِ مُصَحَّفٌ عَنْ هذا المقال ويؤيده رواية بن عَسَاكِرَ عَنْ أَنَسٍ بِلَفْظِ أَذْكَرُ لَكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوجه وهو إسناد ضعيف) قال القارىء لكن يعضده أن بن عَسَاكِرَ رَوَى عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ إِذَا كَتَبْتَ فَضَعْ قَلَمَكَ عَلَى أُذُنِكَ فَإِنَّهُ أَذْكَرُ لَكَ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي تَعَقُّبَاتِهِ عَلَى مَوْضُوعَاتِ بن الْجَوْزِيِّ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ضَعِ الْقَلَمَ عَلَى أُذُنِكَ الْحَدِيثَ فِيهِ عَنْبَسَةُ مَتْرُوكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَاذَانَ لَا يُكْتَبُ حَدِيثُهُ قَالَ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَخْرَجَهُ الدَّيْلَمِيُّ انْتَهَى 2 - (باب ما جاء في تعليم السُّرْيَانِيَّةِ) بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَهِيَ لُغَةُ الْإِنْجِيلِ وَالْعِبْرَانِيَّةُ لُغَةُ التَّوْرَاةِ [2715] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتِ) بْنِ الضَّحَّاكِ بْنِ لُوذَانَ الْأَنْصَارِيِّ النَّجَّارِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو سَعِيدٍ وَيُقَالُ أَبُو خَارِجَةَ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ كَتَبَ الْوَحْيَ قَالَ مَسْرُوقٌ كَانَ مِنَ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ

قَوْلُهُ (وَقَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَعْلِيلِ الْأَمْرِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِئْنَافِ الْمُبَيِّنِ (إِنِّي وَاللَّهِ مَا آمَنُ) بِمَدِّ هَمْزٍ وَفَتْحِ مِيمٍ مُضَارِعٌ مُتَكَلِّمٌ مِنْ أَمِنَ الثُّلَاثِيِّ ضِدَّ خَافَ (يَهُودَ) أَيْ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ (عَلَى كِتَابِي) أَيْ لَا فِي قِرَاءَتِهِ وَلَا فِي كِتَابَتِهِ قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ أَخَافُ إِنْ أَمَرْتُ يَهُودِيًّا بِأَنْ يَكْتُبَ مِنِّي كِتَابًا إِلَى الْيَهُودِ أَنْ يُزِيدَ فِيهِ أَوْ يُنْقِصَ وَأَخَافُ إِنْ جَاءَ كِتَابٌ مِنَ الْيَهُودِ فَيَقْرَأَهُ يَهُودِيٌّ فَيُزِيدَ وَيُنْقِصَ فِيهِ (قَالَ) أَيْ زَيْدٌ (فَمَا مَرَّ بِي) أَيْ مَا مَضَى عَلَيَّ مِنَ الزَّمَانِ (حَتَّى تَعَلَّمْتُهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ مُغَيَّاهُ مُقَدَّرٌ أَيْ مَا مَرَّ بِي نِصْفُ شَهْرٍ فِي التعلم حتى كمل تعلمي قال القارىء قِيلَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ تَعَلُّمِ مَا هُوَ حَرَامٌ فِي شَرْعِنَا لِلتَّوَقِّي وَالْحَذَرِ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الشَّرِّ كَذَا ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ فِي ذَيْلِ كَلَامِ الْمُظْهِرِ وَهُوَ غَيْرُ ظَاهِرٍ إِذْ لَا يُعْرَفُ فِي الشَّرْعِ تَحْرِيمُ تَعَلُّمِ لُغَةٍ مِنَ اللُّغَاتِ سُرْيَانِيَّةً أَوْ عِبْرَانِيَّةً أَوْ هِنْدِيَّةً أَوْ تُرْكِيَّةً أَوْ فَارِسِيَّةً وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم أَيْ لُغَاتُكُمْ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُبَاحَاتِ نَعَمْ يُعَدُّ مِنَ اللَّغْوِ وَمِمَّا لَا يَعْنِي وَهُوَ مَذْمُومٌ عِنْدَ أَرْبَابِ الْكَمَالِ إِلَّا إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ فَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْحَدِيثِ انْتَهَى (كَانَ) أَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا كَتَبَ إِلَى يَهُودَ) أَيْ أَرَادَ أَنْ يَكْتُبَ إِلَيْهِمْ أَوْ إِذَا أَمَرَ بِالْكِتَابَةِ إِلَيْهِمْ (كَتَبْتُ إِلَيْهِمْ) أَيْ بِلِسَانِهِمْ (قَرَأْتُ لَهُ) أَيْ لِأَجْلِهِ (كِتَابَهُمْ) أَيْ مَكْتُوبَهُمْ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مُعَلَّقًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذَا التَّعْلِيقُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي لَمْ يُخْرِجْهَا الْبُخَارِيُّ إِلَّا مُعَلَّقَةً وَقَدْ وَصَلَهُ مُطَوَّلًا فِي كِتَابِ التَّارِيخِ قَالَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ الْأَعْمَشُ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يَقُولُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَتَعَلَّمَ السُّرْيَانِيَّةَ) قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ هَذِهِ الطُّرِيقُ

باب في مكاتبة المشركين

وَقَعَتْ لِي بِعُلُوٍّ فِي فَوَائِدِ هِلَالٍ الْحَفَّارِ قَال وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَصَاحِف انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا فَائِدَةٌ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَارِجَةَ لَفْظُ أَنْ أَتَعَلَّمَ لَهُ كَلِمَاتٍ مِنْ كِتَابِ يَهُودَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ أَنْ أَتَعَلَّمَ السُّرْيَانِيَّةَ قَالَ الْحَافِظُ قِصَّةُ ثَابِتٍ يُمْكِنُ أَنْ تُتَّخَذَ مَعَ قِصَّةِ خَارِجَةَ بِأَنَّ مِنْ لَازِمِ تَعَلُّمِ كِتَابَةِ الْيَهُودِيَّةِ تَعَلُّمَ لِسَانِهِمْ وَلِسَانُهُمُ السُّرْيَانِيَّةُ لَكِنَّ الْمَعْرُوفَ أَنَّ لِسَانَهُمُ الْعِبْرَانِيَّةُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ زَيْدًا تَعَلَّمَ اللِّسَانَيْنِ لِاحْتِيَاجِهِ إِلَى ذَلِكَ 3 - (بَاب فِي مُكَاتَبَةِ الْمُشْرِكِينَ) [2716] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ حماد البصري) المعنى ثقة من العاشرة (أخبرنا عَبْدُ الْأَعْلَى) بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَوْلُهُ (كَتَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَبَعْدَ الْأَلِفِ شِينٌ مُعْجَمَةٌ ثُمَّ يَاءٌ ثَقِيلَةٌ كَيَاءِ النَّسَبِ وقبل بِالتَّخْفِيفِ وَرَجَّحَهُ الصَّغَانِيُّ وحَكَى الْمُطَرِّزِيُّ تَشْدِيدَ الْجِيمِ عَنْ بَعْضِهِمْ وَخَطَّأَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ أَمَّا كِسْرَى فبفتح الكاف وكسرها وهو لقب لكل من مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْفُرْسِ وَقَيْصَرُ لَقَبٌ مَنْ مَلَكَ الرُّومَ وَالنَّجَاشِيُّ لَقَبُ مَنْ مَلَكَ الْحَبَشَةَ وَخَاقَانُ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ التُّرْكَ وَفِرْعَوْنُ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ الْقِبْطَ وَالْعَزِيزُ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ مِصْرَ وَتُبَّعُ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ حِمْيَرَ (وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ) رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى أَصْحَابِهِ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي لِلنَّاسِ كَافَّةً فَأَدُّوا عَنِّي وَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيَّ فَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حُذَافَةَ إِلَى كِسْرَى وَسَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو إِلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ بِالْيَمَامَةِ وَالْعَلَاءَ بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوي يهجر وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إِلَى جَيْفَرَ وَعَبَاءَ ابْنَيِ الْجَلَنْدِيِّ بِعَمَّانَ وَدِحْيَةَ إِلَى قَيْصَرَ وَشُجَاعَ بْنَ وهب إلى بن أَبِي شِمْرٍ الْغَسَّانِيِّ وَعَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ

باب ما جاء كيف يكتب إلى أهل الشرك

إِلَى النَّجَاشِيِّ فَرَجَعُوا جَمِيعًا قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَزَادَ أَصْحَابُ السِّيَرِ أَنَّهُ بَعَثَ الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كَلَالٍ وَجَرِيرَ إِلَى ذِي الْكُلَاعِ وَالسَّائِبَ إِلَى مُسَيْلِمَةَ وَحَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى الْمُقَوْقِسِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ) أَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ أَنَّ النَّجَاشِيَّ الَّذِي بَعَثَ إِلَيْهِ غَيْرَ النَّجَاشِيِّ الَّذِي أَسْلَمَ وَصَلَّى عَلَيْهِ وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ بِوَزْنِ أَفْعَلَةٍ مَفْتُوحَ الْعَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ في هذا الحديث جوار مُكَاتَبَةِ الْكُفَّارِ وَدُعَائِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَبِخَبَرِ الْوَاحِدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 4 - (بَاب مَا جَاءَ كَيْفَ يُكْتَبُ إِلَى أَهْلِ الشِّرْكِ) [2717] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ) بْنِ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ ثَبْتٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ) اسْمُهُ صَخْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْأُمَوِيُّ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ أَسْلَمَ عَامَ الْفَتْحِ قَوْلُهُ (أَنَّ هِرَقْلَ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَيُقَالُ هِرْقِلُ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ حَكَاهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ وَهُوَ اسْمُ عَلَمٍ لَهُ وَلَقَبُهُ قَيْصَرُ وَكَذَا كُلُّ مَنْ مَلَكَ الرُّومَ يُقَالُ لَهُ قَيْصَرُ (أَرْسَلَ إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى أَبِي سفيان (في نفر من قريش) وفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي رَكْبٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ الْحَافِظُ جَمْعُ رَاكِبٍ كَصَحْبٍ وَصَاحِبٍ وَهُمْ أُولُو الْإِبِلِ الْعَشَرَةِ فَمَا فَوْقَهَا وَالْمَعْنَى أَرْسَلَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ حَالَ كَوْنِهِ فِي جُمْلَةِ الرَّكْبِ وَذَاكَ لِأَنَّهُ كَانَ كَبِيرَهُمْ فَلِهَذَا خَصَّهُ وَكَانَ عَدَدُ الرَّكْبِ ثَلَاثِينَ رَجُلًا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ انْتَهَى (وَكَانُوا تُجَّارًا) بِضَمِّ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ أَوْ كَسْرِهَا وَالتَّخْفِيفُ جَمْعُ تَاجِرٍ (فَذَكَرَ الْحَدِيثَ) وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ بِطُولِهِ (ثُمَّ دَعَا) أَيْ مَنْ وُكِلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَلِهَذَا عُدِّيَ إِلَى الْكِتَابِ بِالْبَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقرىء) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ مَعَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيِّ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ (فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ) وَتَمَامُهُ فَإِنِّي أَدْعُوَكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْيَرِيسِيِّينَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ كَذَا فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْكِتَابِ جُمَلٌ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَأَنْوَاعٌ مِنَ الفوائد منها استحباب الْكِتَابِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَإِنْ كَانَ الْمَبْعُوثُ إِلَيْهِ كَافِرًا وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ فَهُوَ أَجْزَمُ الْمُرَادُ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا الْكِتَابُ كَانَ ذَا بَالٍ مِنَ الْمُهِمَّاتِ الْعِظَامِ وَبَدَأَ فِيهِ بِالْبَسْمَلَةِ دُونَ الْحَمْدِ وَمِنْهَا أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمُكَاتَبَةِ وَالرَّسَائِلِ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ يَبْدَأَ الْكَاتِبُ بِنَفْسِهِ فَيَقُولَ مِنْ زَيْدٍ إِلَى عَمْرٍو وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ فِي كِتَابِهِ صِنَاعَةِ الْكِتَابِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِنَفْسِهِ كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ رَوَى فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً وَآثَارًا قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ قَالَ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا تَصْدِيرُ الْكِتَابِ وَالْعِنْوَانُ قَالَ وَرَخَّصَ جَمَاعَةٌ فِي أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَكْتُوبِ إِلَيْهِ فَيَقُولَ فِي التَّصْدِيرِ وَالْعِنْوَانِ إِلَى فُلَانٍ مِنْ فُلَانٍ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ كَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَبَدَأَ بِاسْمِ مُعَاوِيَةَ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ الله وأيوب السختياتي أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَالَ وَأَمَّا الْعِنْوَانُ فَالصَّوَابُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ إِلَى فُلَانٍ وَلَا يَكْتُبَ لِفُلَانٍ لِأَنَّهُ إِلَيْهِ لَا لَهُ إِلَّا عَلَى مَجَازٍ قَالَ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمِنْهَا التَّوَقِّي فِي الْمُكَاتَبَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْوَرَعِ فِيهَا فَلَا يفرط ولا يفرط ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ فَلَمْ يَقُلْ مَلِكَ الرُّومِ لِأَنَّهُ لَا مُلْكَ لَهُ وَلَا لِغَيْرِهِ إِلَّا بِحُكْمِ دِينِ الْإِسْلَامِ وَلَا سُلْطَانَ لِأَحَدٍ إِلَّا مَنْ وَلَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ وَلَّاهُ مَنْ أَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرْطِهِ وَإِنَّمَا يُنْفِذُ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الْكُفَّارِ مَا يُنْفِذُهُ لِلضَّرُورَةِ وَلَمْ يَقُلْ إِلَى هِرَقْلَ فَقَطْ بَلْ أَتَى بِنَوْعٍ مِنَ الْمُلَاطَفَةِ فَقَالَ عَظِيمَ الرُّومِ أَيِ الَّذِي يُعَظِّمُونَهُ وَيُقَدِّمُونَهُ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِلَانَةِ الْقَوْلِ لِمَنْ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ تَعَالَى ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ والموعظة الحسنة وَقَالَ تَعَالَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يتذكر أو يخشى وَغَيْرَ ذَلِكَ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ الْبَلَاغَةِ وَالْإِيجَازِ وَتَحَرِّي الْأَلْفَاظِ الْجَزِلَةِ فِي الْمُكَاتَبَةِ فَإِنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْلِمْ تَسْلَمْ فِي نِهَايَةٍ مِنَ الِاخْتِصَارِ وَغَايَةٍ مِنَ الْإِيجَازِ وَالْبَلَاغَةِ وَجَمْعِ الْمَعَانِي مَعَ مَا فِيهِ

باب ما جاء في ختم الكتاب

مِنْ بَدِيعِ التَّجْنِيسِ وَشُمُولِهِ لِسَلَامَتِهِ مِنْ خِزْيِ الدُّنْيَا بِالْحَرْبِ وَالسَّبْيِ وَالْقَتْلِ وَأَخْذِ الدِّيَارِ وَالْأَمْوَالِ وَمِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ أَمَّا بَعْدُ فِي الْخُطَبِ وَالْمُكَاتَبَاتِ وَقَدْ تَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ لِهَذِهِ بَابًا فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ ذَكَرَ فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ وَفِيهِ أَنَّ السُّنَّةَ إِذَا كَتَبَ كِتَابًا إِلَى الْكُفَّارِ أَنْ يَكْتُبَ السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَوِ السَّلَامُ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِالْحَقِّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ قال بن بَطَّالٍ فِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَ مُكَاتَبَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالسَّلَامِ عِنْدَ الْحَاجَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي جَوَازِ السَّلَامِ عَلَى الْإِطْلَاقِ نَظَرٌ وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ السَّلَامُ الْمُقَيَّدُ مِثْلَ مَا فِي الْخَبَرِ السَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى أَوِ السَّلَامُ عَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِالْحَقِّ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي خَتْمِ الْكِتَابَ) [2718] قَوْلُهُ (إِلَى الْعَجَمِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِلَى رَهْطٍ أَوْ أُنَاسٍ مِنَ الْأَعَاجِمِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَالنَّجَاشِيِّ (إِلَّا كِتَابًا عَلَيْهِ خَاتَمٌ) فِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ أَيْ عَلَيْهِ نَقْشُ خَاتَمٍ (فَاصْطَنَعَ خَاتَمًا) أَيْ أَمَرَ أَنْ يُصْنَعَ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَاتَّخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاتَمًا مِنْ فِضَّةٍ نَقْشُهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ الْحَافِظُ جَزَمَ أَبُو الْفَتْحِ الْيَعْمُرِيُّ أَنَّ اتِّخَاذَ الْخَاتَمِ كَانَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ وَجَزَمَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي السَّادِسَةِ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَاخِرِ السَّادِسَةِ وَأَوَائِلِ السَّابِعَةِ لِأَنَّهُ إِنَّمَا اتَّخَذَهُ عِنْدَ إِرَادَتِهِ مُكَاتَبَةَ الْمُلُوكِ وَكَانَ إِرْسَالُهُ إِلَى الْمُلُوكِ فِي مُدَّةِ الْهُدْنَةِ وَكَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَوَجَّهَ الرُّسُلَ فِي الْمُحَرَّمِ مِنَ السَّابِعَةِ وَكَانَ اتِّخَاذُهُ الْخَاتَمَ قَبْلَ إِرْسَالِهِ الرُّسُلَ إِلَى الْمُلُوكِ انْتَهَى (فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِهِ فِي كَفِّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَكَأَنِّي بِوَبِيصِ

باب كيف السلام

أَوْ بَصِيصِ الْخَاتَمِ فِي أُصْبُعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ فِي كَفِّهِ وَفِي أُخْرَى لَهُ فَإِنِّي لَأَرَى بَرِيقَهُ فِي خِنْصَرِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 6 - (بَاب كَيْفَ السَّلَامُ) [2719] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةَ) الْقَيْسِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ أَبُو سَعِيدٍ ثِقَةٌ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ مِنَ السَّابِعَةِ أَخْرَجَ له البخاري مقرونا وتعليقا (أخبرنا بن أَبِي لَيْلَى) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى قَوْلُهُ (قَدْ ذَهَبَتْ أَسْمَاعُنَا وَأَبْصَارُنَا مِنَ الْجَهْدِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ وَالْجُوعُ (فَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْبَلُنَا) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ عَرَضُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ كَانُوا مُقِلِّينَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ يُوَاسُونَ (فَإِذَا ثَلَاثَةُ أَعْنُزٍ) كَذَا فِي النسخ الموجودة بالتاءوكذلك فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَ أَعْنُزٍ بِغَيْرِ التَّاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَنْزُ الْأُنْثَى مِنَ الْمَعْزِ وَالْجَمْعُ أَعْنُزٌ وَعُنُوزٌ وَعِنَازٌ (احْتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ) زَادَ مُسْلِمٌ بَيْنَنَا (فَيَشْرَبُ كُلُّ إِنْسَانٍ) أَيْ مِنَّا كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (وَنَرْفَعُ) بِالنُّونِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْيَاءِ في صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِالنُّونِ (فَيُسَلِّمُ تَسْلِيمًا لَا يُوقِظُ النَّائِمَ وَيُسْمِعُ الْيَقْظَانَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ أَدَبُ السَّلَامِ عَلَى الْأَيْقَاظِ فِي مَوْضِعٍ فِيهِ نِيَامٌ أَوْ مَنْ فِي مَعْنَاهُمْ وَأَنْ يَكُونَ سَلَامًا مُتَوَسِّطًا بَيْنَ الرَّفْعِ وَالْمُخَافَتَةِ بِحَيْثُ يُسْمِعُ الْأَيْقَاظَ وَلَا يُهَوِّشُ عَلَى غَيْرِهِمْ

باب ما جاء في كراهية التسليم على من يبول

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا فِي بَابِ إِكْرَامِ الضَّيْفِ وَفَضْلِ إِيثَارِهِ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ التَّسْلِيمِ عَلَى مَنْ يَبُولُ) [2720] قَوْلُهُ (إِنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ إِلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ كَرَاهَةِ رَدِّ السَّلَامِ غَيْرَ مُتَوَضِّئٍ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ عَلْقَمَةَ بْنِ الْفَغْوَاءِ إِلَخْ) وَقَدْ تَقَدَّمَ تَخْرِيجُ أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ فِي الباب المذكرو عَلْقَمَةُ بْنُ الشَّفْوَاءِ بِالشِّينِ وَالْفَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ والصحيح علقمة بن الغفواء بِفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ كَمَا وَقَعَ فِي هَذَا الْبَابِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ بِالْفَاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ فِي بَابِ قِرَاءَةِ الْجُنُبِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ الفغواء عن أبيه وقال بن حِبَّانَ عَلْقَمَةُ بْنُ الْفَغْوَاءِ بِفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ لَهُ صُحْبَةٌ وَكَذَا ضَبَطَهُ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبِحَارِ فِي الْمُغْنِي بِفَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَسُكُونِ غَيْنٍ معجمة

باب ما جاء في كراهية أن يقول عليك السلام مبتدئا

28 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يَقُولَ عَلَيْكَ السَّلَامُ مُبْتَدِئًا) [2721] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ اسْمُهُ طَرِيفُ بْنُ مُجَالِدٍ (الْهُجَيْمِيُّ) بِالْجِيمِ مُصَغَّرًا الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (وَلَا أَعْرِفُهُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ إِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَيِّتِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا يُوهِمُ أَنَّ السُّنَّةَ فِي تَحِيَّةِ الْمَيِّتِ أَنْ يُقَالَ لَهُ عَلَيْكَ السَّلَامُ كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعَامَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ دَارِ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ فَقَدَّمَ الدُّعَاءَ عَلَى اسْمِ الْمَدْعُوِّ له هو فِي تَحِيَّةِ الْأَحْيَاءِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ الْقَوْلُ مِنْهُ إِشَارَةً إِلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْهُمْ فِي تَحِيَّةِ الْأَمْوَاتِ إِذْ كَانُوا يُقَدِّمُونَ اسْمَ الْمَيِّتِ عَلَى الدُّعَاءِ وَهُوَ مَذْكُورٌ فِي أَشْعَارِهِمْ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ عَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ وَرَحْمَتُهُ إِنْ شَاءَ أَنْ يَتَرَحَّمَا وَكَقَوْلِ الشَّمَّاخِ عَلَيْكَ السَّلَامُ مِنْ أَمِيرٍ وَبَارَكَتْ يَدُ اللَّهِ ذَلِكَ الْأَدِيمَ الْمُمَزَّقَ وَالسُّنَّةُ لَا تَخْتَلِفُ فِي تَحِيَّةِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ بِدَلِيلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى وقال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ زَادِ الْمَعَادِ وَكَانَ هَدْيُهُ فِي ابْتِدَاءِ السَّلَامِ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ورحمة الله وكان يكره أن يقول المبتدىء عليك السلام قال أبو جري الْهُجَيْمِيُّ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ لِأَنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى طَائِفَةٍ وَظَنُّوهُ مُعَارِضًا لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّلَامِ عَلَى الْأَمْوَاتِ بِلَفْظِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بِتَقْدِيمِ السَّلَامُ فظنوا أن قوله فإن عليك السلام فحية الْمَوْتَى إِخْبَارٌ عَنِ الْمَشْرُوعِ وَغَلِطُوا فِي ذَلِكَ غَلَطًا أَوْجَبَ لَهُمْ ظَنَّ التَّعَارُضِ

وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاقِعِ لَا الْمَشْرُوعِ أَيْ أَنَّ الشُّعَرَاءَ وَغَيْرَهُمْ يُحَيُّونَ الْمَوْتَى بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ كَقَوْلِ قَائِلِهِمْ عَلَيْكَ سَلَامُ اللَّهِ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ وَرَحْمَتُهُ مَا شَاءَ أَنْ يَتَرَحَّمَا فَمَا كَانَ قَيْسٌ هَلْكُهُ هَلْكَ وَاحِدٍ وَلَكِنَّهُ بُنْيَانُ قَوْمٍ تَهَدَّمَا فَكَرِهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُحَيَّا بِتَحِيَّةِ الْأَمْوَاتِ وَمِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ لَمْ يَرُدَّ عَلَى الْمُسَلِّمِ وَكَانَ يَرُدُّ عَلَى الْمُسَلِّمِ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ بِالْوَاوِ وَبِتَقْدِيمِ عَلَيْكَ عَلَى لَفْظِ السَّلَامُ انْتَهَى قُلْتُ فِي قَوْلِهِ وَمِنْ كَرَاهَتِهِ لِذَلِكَ لَمْ يَرُدَّ عَلَى الْمُسَلِّمِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ [2722] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي غِفَارٍ الْمُثَنَّى بْنِ سَعِيدٍ الطَّائِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْمُثَنَّى بْنُ سَعْدٍ أَوْ سَعِيدٍ الطَّائِيُّ أَبُو غِفَارٍ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ آخِرُهُ رَاءٌ وَقِيلَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّشْدِيدِ آخِرُهُ نُونٌ بَصْرِيٌّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ) كُنْيَتُهُ أَبُو جُرَيٍّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُصَغَّرًا قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو جُرَيٍّ بِالتَّصْغِيرِ الْهُجَيْمِيُّ بِالتَّصْغِيرِ أَيْضًا اسْمُهُ جَابِرُ بْنُ سُلَيْمٍ وَقِيلَ سُلَيْمُ بْنُ جَابِرٍ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ الْبُخَارِيُّ جَابِرُ بْنُ سليم أصح وكذا ذكره البغوي والترمذي وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَذَكَرَ قِصَّةً طَوِيلَةً) كَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مُطَوَّلًا بِالْقِصَّةِ الطَّوِيلَةِ فِي بَابِ إِسْبَالِ الْإِزَارِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ

[2723] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَّمَ ثَلَاثًا) قَالَ الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ كَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ يُسَلِّمَ ثَلَاثًا كَمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ ثَلَاثًا حَتَّى يُفْهَمَ وَلَعَلَّ هَذَا كَانَ هَدْيَهُ فِي السَّلَامِ عَلَى الْجَمْعِ الْكَثِيرِ الَّذِينَ لَا يَبْلُغُهُمْ سَلَامٌ وَاحِدٌ أَوْ هَدْيَهُ فِي إِسْمَاعِ السَّلَامِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ إِنْ ظَنَّ أَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْإِسْمَاعُ كَمَا سَلَّمَ لَمَّا انْتَهَى إِلَى مَنْزِلِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ثَلَاثًا فَلَمَّا لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ هَدْيُهُ الدَّائِمُ التَّسْلِيمَ ثَلَاثًا لَكَانَ أَصْحَابُهُ يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَكَانَ يُسَلِّمُ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَهُ ثَلَاثًا وَإِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ ثَلَاثًا وَمَنْ تَأَمَّلَ هَدْيَهُ عَلِمَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَأَنَّ تَكْرَارَ السَّلَامِ مِنْهُ كَانَ أَمْرًا عَارِضًا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ انْتَهَى (وَإِذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ) أَيْ جُمْلَةٍ مُفِيدَةٍ (أَعَادَهَا ثَلَاثًا) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ حتى تفهم عنه 9 - باب [2724] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ (عَنْ أَبِي مُرَّةَ) اسْمُهُ يَزِيدُ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَيُقَالُ مَوْلَى أُخْتِهِ أُمِّ هَانِئٍ مَدَنِيٌّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِذْ أَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ) النَّفَرُ بِالتَّحْرِيكِ لِلرِّجَالِ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ وَالْمَعْنَى ثَلَاثَةٌ هُمْ نَفَرٌ وَالنَّفَرُ اسْمُ جَمْعٍ وَلِهَذَا وَقَعَ مُمَيِّزًا لِلْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَتِسْعَةُ رَهْطٍ (فَأَقْبَلَ اثْنَانِ) بَعْدَ قَوْلِهِ أَقْبَلَ ثَلَاثَةٌ هُمَا إِقْبَالَانِ كَأَنَّهُمْ أَقْبَلُوا أَوَّلًا مِنَ الطَّرِيقِ فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ مَارِّينَ كَمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فَإِذَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَمُرُّونَ فَلَمَّا رَأَوْا مَجْلِسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبَلَ إِلَيْهِ اثْنَانِ مِنْهُمْ وَاسْتَمَرَّ الثَّالِثُ ذَاهِبًا كَذَا

فِي الْفَتْحِ (فَلَمَّا وَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ عَلَى مَجْلِسِ رَسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَلَى بِمَعْنَى عِنْدَ (فَرَأَى فُرْجَةً) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ وَهِيَ الْخَلَلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا فُرْجٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ جَمْعُ فُرْجٍ وَأَمَّا الْفُرْجَةُ بِمَعْنَى الرَّاحَةِ مِنَ الْغَمِّ فَذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ فِيهَا فَتْحَ الْفَاءِ وَضَمَّهَا وَكَسْرَهَا وَقَدْ فَرَجَ لَهُ فِي الْحَلْقَةِ وَالصَّفِّ وَنَحْوِهِمَا بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ يَفْرُجُ بِضَمِّهَا (فِي الْحَلْقَةِ) بِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَدِيرٍ خَالِي الْوَسَطِ وَالْجَمْعُ حَلَقٌ بِفَتْحَتَيْنِ وَحُكِيَ فَتْحُ اللَّامِ فِي الْوَاحِدِ وَهُوَ نَادِرٌ (أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ لَفْظُهُ أَوَى بِالْقَصْرِ وَآوَاهُ بِالْمَدِّ هَكَذَا الرِّوَايَةُ وَهَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ لَازِمًا كَانَ مَقْصُورًا وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا كَانَ مَمْدُودًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ وَقَالَ تَعَالَى إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ وَقَالَ فِي التَّعَدِّي وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ وَقَالَ تعالى ألم يجدك يتيما فآوى قَالَ الْقَاضِي وَحَكَى بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِمَا جَمِيعًا لُغَتَيْنِ الْقَصْرَ وَالْمَدَّ فَيُقَالُ أَوَيْتُ إِلَى الرَّجُلِ بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ وَآوَيْتُهُ وَأَوَيْتُهُ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ وَالْمَشْهُورُ الْفَرْقُ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى أَوَى إِلَى اللَّهِ أَيْ لَجَأَ إِلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ هُنَا دَخَلَ مَجْلِسَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ دَخَلَ مَجْلِسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَجْمَعَ أَوْلِيَائِهِ وَانْضَمَّ إِلَيْهِ وَمَعْنَى آوَاهُ اللَّهُ أَيْ قَبِلَهُ وَقَرَّبَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ رَحِمَهُ أَوْ آوَاهُ إِلَى جنته أو كتبها له (وأما الاخر فاستحيى فاستحيى اللَّهُ مِنْهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ تَرَكَ الْمُزَاحَمَةَ وَالتَّخَطِّيَ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَاضِرِينَ أَوِ اسْتِحْيَاءً مِنْهُمْ أَنْ يُعْرِضَ ذَاهِبًا كَمَا فَعَلَ الثَّالِثُ فاستحيى اللَّهُ مِنْهُ أَيْ رَحِمَهُ وَلَمْ يُعَذِّبْهُ بَلْ غَفَرَ ذُنُوبَهُ وَقِيلَ جَازَاهُ بِالثَّوَابِ قَالُوا وَلَمْ يُلْحِقْهُ بِدَرَجَةِ صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ فِي الْفَضِيلَةِ الَّذِي آوَاهُ وَبَسَطَ لَهُ اللُّطْفَ وَقَرَّبَهُ قَالَ وَهَذَا دَلِيلُ اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْجَمَاعَةِ أَنْ يُقَالَ فِي غَيْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُمُ الْآخَرُ فَيُقَالُ حَضَرَنِي ثَلَاثَةٌ أَمَّا أَحَدُهُمْ فَقُرَشِيٌّ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَنْصَارِيٌّ وَأَمَّا الْآخَرُ فَتَيْمِيٌّ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يُسْتَعْمَلُ الْآخَرُ إِلَّا فِي الْأَخِيرِ خَاصَّةً وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ انْتَهَى (وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ) أَيْ لَمْ يَرْحَمْهُ وَقِيلَ سَخِطَ عَلَيْهِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى إِنَّهُ ذَهَبَ مُعْرِضًا لَا لِعُذْرٍ وَضَرُورَةٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ أَيْ سَخِطَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ ذَهَبَ مُعْرِضًا لَا لِعُذْرٍ هَذَا إِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُنَافِقًا وَاطَّلَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَمْرِهِ كَمَا

باب ما جاء في الجالس على الطريق

يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ إِخْبَارًا أَوْ دُعَاءً وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فَاسْتَغْنَى فَاسْتَغْنَى اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا يُرَشِّحُ كَوْنَهُ خَبَرًا وَإِطْلَاقُ الْإِعْرَاضِ وَغَيْرِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى سَبِيلِ الْمُقَابَلَةِ وَالْمُشَاكَلَةِ فَيُحْمَلُ كُلُّ لَفْظٍ مِنْهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِجَلَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَفَائِدَةُ إِطْلَاقِ ذَلِكَ بَيَانُ الشَّيْءِ بِطَرِيقٍ وَاضِحٍ انْتَهَى وَفِي الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ جُلُوسِ الْعَالِمِ لِأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ فِي مَوْضِعٍ بَارِزٍ ظَاهِرٍ لِلنَّاسِ وَالْمَسْجِدُ أَفْضَلُ فَيُذَاكِرُهُمُ الْعِلْمَ وَالْخَيْرَ وَفِيهِ جَوَازُ حَلَقِ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتِحْبَابُ دُخُولِهَا وَمُجَالَسَةُ أَهْلِهَا وَكَرَاهَةُ الِانْصِرَافِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَاسْتِحْبَابُ الْقُرْبِ مِنْ كَبِيرِ الْحَلْقَةِ لِيَسْمَعَ كَلَامَهُ سَمَاعًا بَيِّنًا وَيَتَأَدَّبَ بِأَدَبِهِ وَأَنَّ قَاصِدَ الْحَلْقَةِ إِنْ رَأَى فرجة دَخَلَ فِيهَا وَإِلَّا جَلَسَ وَرَاءَهُمْ وَفِيهِ الثَّنَاءُ عَلَى مَنْ فَعَلَ جَمِيلًا فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْنَى عَلَى الِاثْنَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا فَعَلَ قَبِيحًا وَمَذْمُومًا وَبَاحَ بِهِ جَازَ أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْعِلْمِ وَفِي الصَّلَاةِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ السَّلَامِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي الْعِلْمِ [2725] قَوْلُهُ (كُنَّا إِذَا أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مَجْلِسَهُ الشَّرِيفَ (جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي) أَيْ هُوَ إِلَيْهِ مِنَ الْمَجْلِسِ أَوْ حَيْثُ يَنْتَهِي الْمَجْلِسُ إِلَيْهِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّمُ على أحد من حضارة نأدبا وَتَرْكًا لِلتَّكَلُّفِ وَمُخَالَفَةً لِحَظِّ النَّفْسِ مِنْ طَلَبِ الْعُلُوِّ كَمَا هُوَ شَأْنُ أَرْبَابِ الْجَاهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْجَالِسِ عَلَى الطَّرِيقِ) [2726] قَوْلُهُ (وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ) أَيْ لَمْ يَسْمَعْ أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنَ الْبَرَاءِ (إِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ

باب ما جاء في المصافحة

فَاعِلِينَ) أَيِ الْجُلُوسَ فِي الطَّرِيقِ (فَرُدُّوا السَّلَامَ) أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ (وَاهْدُوا السَّبِيلَ) أَيْ لِلضَّالِّ وَالْأَعْمَى وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةَ حُقُوقٍ مِنْ حُقُوقِ الطَّرِيقِ وَقَدْ جَاءَتْ فِي الْأَحَادِيثِ حُقُوقٌ أُخْرَى غَيْرُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا لَفْظُهُ وَمَجْمُوعُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَدَبًا وَقَدْ نَظَمْتُهَا فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ وَهِيَ جَمَعْتُ آدَابَ مَنْ رَامَ الْجُلُوسَ عَلَى الطَّرِيقِ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْخَلْقِ إِنْسَانَا أَفْشِ السلام وأحسن في الكلام وشم ت عَاطِسًا وَسَلَامًا رُدَّ إِحْسَانًا فِي الْحَمْلِ عَاوِنْ وَمَظْلُومًا أَعِنْ وَأَغِثْ لَهْفَانَ وَاهْدِ سَبِيلًا وَاهْدِ حَيْرَانَا بِالْعُرْفِ مُرْ وَانْهَ عَنْ نُكْرٍ وَكُفَّ أَذَى وَغُضَّ طَرَفًا وَأَكْثِرْ ذِكْرَ مَوْلَانَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن حِبَّانَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ فَتَحْسِينُهُ لِشَوَاهِدِهِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُصَافَحَةِ) قَالَ فِي تَاجِ الْعَرُوسِ شَرْحِ الْقَامُوسِ الرَّجُلُ يُصَافِحُ الرَّجُلَ إِذَا وَضَعَ صَفْحَ كَفِّهِ فِي صَفْحِ كَفِّهِ وَصَفْحَا كَفَّيْهِمَا وَجْهَاهُمَا وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُصَافَحَةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ إِلْصَاقِ صَفْحِ الْكَفِّ بِالْكَفِّ وَإِقْبَالِ الْوَجْهِ عَلَى الْوَجْهِ كَذَا فِي اللِّسَانِ وَالْأَسَاسِ وَالتَّهْذِيبِ فَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُصَافَحَةَ غَيْرُ عَرَبِيٍّ انْتَهَى وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَمِنْهُ حَدِيثُ الْمُصَافَحَةِ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ إِلْصَاقِ صَفْحِ الْكَفِّ بِالْكَفِّ وَإِقْبَالِ الْوَجْهِ عَلَى الْوَجْهِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الصَّفْحَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْإِفْضَاءُ بِصَفْحَةِ الْيَدِ إِلَى صَفْحَةِ الْيَدِ وَكَذَا قَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَالطَّحَاوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ [2727] قوله (أخبرنا عبد الله) هو بن الْمُبَارَكِ (أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ) قَالَ الذهبي في

الميزان حنظلة السدوسي البصري يقال بن عبد الله ويقال بن عبيد الله وقيل بن أَبِي صَفِيَّةَ قَالَ يَحْيَى تَرَكْتُهُ عَمْدًا كَانَ قَدِ اخْتَلَطَ وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ يحدث بأعاجيب وقال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَقَالَ مَرَّةً ضَعِيفٌ قال له في الكتابين يعني الترمذي وبن مَاجَهْ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَيَنْحَنِي بَعْضُنَا لِبَعْضٍ حديث قَالَ لَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى [2728] قَوْلُهُ (الرَّجُلُ مِنَّا) أَيْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (يَلْقَى أَخَاهُ) أَيْ فِي الدِّينِ (أَوْ صَدِيقَهُ) أَيْ حَبِيبَهُ وَهُوَ أَخَصُّ مِمَّا قَبْلَهُ (أَيَنْحَنِي لَهُ) مِنَ الِانْحِنَاءِ وَهُوَ إِمَالَةُ الرَّأْسِ وَالظَّهْرِ (قَالَ لَا) فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الرُّكُوعِ وَهُوَ كَالسُّجُودِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ (قَالَ أَفَيَلْتَزِمُهُ) أَيْ يَعْتَنِقُهُ وَيَضُمُّهُ إِلَى نَفْسِهِ (وَيُقَبِّلُهُ) مِنَ التَّقْبِيلِ (قَالَ لَا) اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ كَرِهَ الْمُعَانَقَةَ وَالتَّقْبِيلَ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ (قَالَ فَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ) عَطْفُ تفسير أو الثاني أخص وأتم قال القارىء قلت بل الثاني المتعين فإن الْأَخْذِ بِالْيَدِ وَالْمُصَافَحَةِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا قَوْلُهُ (هذا حديث حسن) وأخرجه بن مَاجَهْ فِي الْأَدَبِ وَمَدَارُهُ عَلَى حَنْظَلَةَ السُّدُوسِيِّ وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ [2729] قَوْلُهُ (قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ هَلْ كَانَتِ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ الله قال نعم) فيه مشروعية المصافحة قال بن بَطَّالٍ الْمُصَافَحَةُ حَسَنَةٌ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَدِ اسْتَحَبَّهَا مَالِكٌ بَعْدَ كَرَاهَتِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُصَافَحَةُ سُنَّةٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا عِنْدَ التَّلَاقِي قَالَ الْحَافِظُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ عُمُومِ الْأَمْرِ بِالْمُصَافَحَةِ الْمَرْأَةُ الْأَجْنَبِيَّةُ وَالْأَمْرَدُ الْحَسَنُ انْتَهَى تَنْبِيهٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمُصَافَحَةَ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ كُلِّ لِقَاءٍ وَأَمَّا مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ مِنَ الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ صَلَاتَيِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّ أَصْلَ الْمُصَافَحَةِ سُنَّةٌ وَكَوْنُهُمْ حَافَظُوا عَلَيْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ وَفَرَّطُوا فيها

فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْوَالِ أَوْ أَكْثَرِهَا لَا يُخْرِجُ ذَلِكَ الْبَعْضَ عَنْ كَوْنِهِ مِنَ الْمُصَافَحَةِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِأَصْلِهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْبِدَعَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ وَمَكْرُوهَةٍ وَمُسْتَحَبَّةٍ وَمُبَاحَةٍ قَالَ وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْبِدَعِ الْمُبَاحَةِ الْمُصَافَحَةُ عَقِبَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ النَّوَوِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَلِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ فَإِنَّ أَصْلَ صَلَاةِ النَّافِلَةِ سُنَّةٌ مُرَغَّبٌ فِيهَا وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ كَرِهَ الْمُحَقِّقُونَ تَخْصِيصَ وَقْتٍ بِهَا دُونَ وَقْتٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ مِثْلَ ذَلِكَ كَصَلَاةِ الرَّغَائِبِ الَّتِي لَا أصل لها انتهى وقال القارىء بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ نَوْعَ تَنَاقُضٍ لِأَنَّ إِتْيَانَ السُّنَّةِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ لَا يُسَمَّى بِدْعَةً مَعَ أَنَّ عَمَلَ النَّاسِ فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ الْمَشْرُوعِ فَإِنَّ مَحَلَّ الْمُصَافَحَةِ الْمَشْرُوعَةِ أَوَّلُ الْمُلَاقَاةِ وَقَدْ يَكُونُ جَمَاعَةٌ يَتَلَاقَوْنَ مِنْ غَيْرِ مُصَافَحَةٍ وَيَتَصَاحَبُونَ بِالْكَلَامِ وَمُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ وَغَيْرِ مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ ثُمَّ إِذَا صَلَّوْا يَتَصَافَحُونَ فَأَيْنَ هَذَا مِنَ السُّنَّةِ الْمَشْرُوعَةِ وَلِهَذَا صَرَّحَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا بِأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ حِينَئِذٍ وَأَنَّهَا مِنَ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قال القارىء وَالْحَافِظُ وَقَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ وَتَقْسِيمُ الْبِدَعِ إلى خمسة أقسام كما ذهب إليه بن عَبْدِ السَّلَامِ وَتَبِعَهُ النَّوَوِيُّ أَنْكَرَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْمُحَقِّقِينَ وَمِنْ آخِرِهِمْ شَيْخُنَا الْقَاضِي الْعَلَّامَةُ بَشِيرُ الدِّينِ الْقَنُوجِيُّ فَإِنَّهُ رَدَّ عَلَيْهِ رَدًّا بَلِيغًا قَالَ وَكَذَا الْمُصَافَحَةُ وَالْمُعَانَقَةُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ مِنَ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرْعِ انْتَهَى قُلْتُ وَقَدْ أَنْكَرَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ أَيْضًا عَلَى تَقْسِيمِ الْبِدْعَةِ إِلَى الْأَقْسَامِ الْخَمْسَةِ فِي نَيْلِ الْأَوْطَارِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبِ الْحَرِيرِ وَالْقَصَبِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَيْضًا صَاحِبُ الدِّينِ الْخَالِصِ وَرَدَّهُ بِسِتَّةِ وُجُوهٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [2730] قَوْلُهُ (عَنْ سُفْيَانَ) هو الثوري (عن خيثمة) الظاهر أنه بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ وَكَانَ يُرْسِلُ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مِنْ تَمَامِ التَّحِيَّةِ الْأَخْذُ بِالْيَدِ) أَيْ إِذَا لَقِيَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلِمَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَمِنْ تَمَامِ السَّلَامِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ فَيُصَافِحَهُ فَإِنَّ الْمُصَافَحَةَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ

قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ رَجُلٌ لَمْ يُسَمَّ (وَقَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ (إِنَّمَا أَرَادَ) أَيْ يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ الطَّائِفِيُّ (حَدِيثَ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ إِلَخْ) يَعْنِي أَرَادَ يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ أَنْ يَرْوِيَ بِهَذَا السَّنَدِ حَدِيثُ لَا سَمَرَ إِلَّا لِمُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ فَوَهَمَ فَرَوَى بِهَذَا السَّنَدِ حَدِيثَ مِنْ تَمَامِ التَّحِيَّةِ الْأَخْذُ بِالْيَدِ وَأَمَّا حَدِيثُ لَا سَمَرَ إِلَّا لِمُصَلٍّ أَوْ مُسَافِرٍ بِهَذَا السَّنَدِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (قَالَ مُحَمَّدٌ وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ مِنْ تَمَامِ التَّحِيَّةِ الْأَخْذُ بِالْيَدِ) يَعْنِي حَدِيثَ مِنْ تَمَامِ التَّحِيَّةِ الْأَخْذُ بِالْيَدِ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَوْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ هُوَ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الحديث حَكَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ رَجَّحَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ النَّخَعِيِّ أَحَدِ التَّابِعِينَ انْتَهَى [2731] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ) هو بن مبارك (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ) هُوَ الْغَافِقِيُّ قَوْلُهُ (مِنْ تَمَامِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ) أَيْ كَمَالِهَا (أَنْ يضع أحدكم) يعني العائد له (يده) والأولى كَوْنُهَا الْيُمْنَى (عَلَى جَبْهَتِهِ) حَيْثُ لَا عُذْرَ (أَوْ قَالَ عَلَى يَدِهِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (فَيَسْأَلَهُ) بِالنَّصْبِ (كَيْفَ هُوَ) أَيْ كَيْفَ حَالُهُ أَوْ مَرَضُهُ (وَتَمَامُ تَحِيَّتِكُمْ بَيْنَكُمْ) أَيِ الْوَاقِعَةُ فِيمَا بَيْنَكُمْ (الْمُصَافَحَةُ) قَالَ الطِّيبِيُّ يَعْنِي لَا مَزِيدَ عَلَى هَذَيْنِ فَلَوْ زِدْتُمْ عَلَى هَذَا دَخَلَ فِي التَّكَلُّفِ وَهُوَ بَيَانٌ لِقِصَّةِ الْأُمُورِ لَا أَنَّهُ نَهْيٌ عَنِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا إِسْنَادٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ) لِضَعْفِ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ صَاحِبِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا (وَالْقَاسِمُ شَامِيٌّ) يَعْنِي القاسم هذا شامي قَوْلُهُ (مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ) مِنْ مَزِيدَةٌ لِمَزِيدِ الاستغراق (يلتقيان) أي يتلاقيان (فيتصافحان) زاد بن السُّنِّيِّ وَيَتَكَاشَفَانِ بِوُدٍّ وَنَصِيحَةٍ (إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا) بِالْأَبْدَانِ أَوْ بِالْفَرَاغِ عَنِ الْمُصَافَحَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ فِي إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَاهُ غُفِرَ لَهُمَا وَفِيهِ سُنِّيَّةُ الْمُصَافَحَةِ عِنْدَ الْمُلْتَقَى وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عند المصافحة حمدالله تَعَالَى وَالِاسْتِغْفَارُ وَهُوَ قَوْلُهُ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا ولكم وأخرج بن السُّنِّيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَا أَخَذَ رَسُولُ الله بِيَدِ رَجُلٍ فَفَارَقَهُ حَتَّى قَالَ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَفِيهِ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ قَالَ مَا مِنْ عَبْدَيْنِ مُتَحَابَّيْنِ فِي اللَّهِ يَسْتَقْبِلُ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ فَيُصَافِحُهُ فَيُصَلِّيَانِ عَلَى النَّبِيِّ إلا لم يتفرقا حتى تغفر ذنوبهما ما تَقَدَّمَ مِنْهَا وَمَا تَأَخَّرَ وَفِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنه عن النبي قَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَصَافَحَهُ تَنَاثَرَتْ خَطَايَاهُمَا كَمَا يَتَنَاثَرُ وَرَقُ الشَّجَرِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَرُوَاتُهُ لَا أَعْلَمُ فِيهِمْ مَجْرُوحًا وَعَنْ سَلْمَانَ الفارسي رضي الله عنه أن النبي قال إن المسلم الْمُسْلِمَ إِذَا لَقِيَ أَخَاهُ فَأَخَذَ بِيَدِهِ تَحَاتَّتْ عَنْهُمَا ذُنُوبُهُمَا كَمَا يَتَحَاتُّ الْوَرَقُ عَنِ الشَّجَرَةِ الْيَابِسَةِ فِي رِيحِ يَوْمٍ عَاصِفٍ وَإِلَّا غُفِرَ لَهُمَا وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُمَا مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالضِّيَاءُ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَائِدَةٌ فِي بَيَانِ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمُصَافَحَةِ أَنْ تَكُونَ بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ اعْلَمْ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ تَكُونَ الْمُصَافَحَةُ بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ أَعْنِي الْيُمْنَى مِنَ الْجَانِبَيْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَ اللِّقَاءِ أَوْ عِنْدَ الْبَيْعَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْعُلَمَاءُ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنْبَلِيَّةُ قَالَ الْفَقِيهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ أَمِينٌ

الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عَابِدِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي رَدِّ المحتار على الدار الْمُخْتَارِ قَوْلُهُ (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ) أَيْ عَلَى تَقْبِيلِهِ إِلَّا بِالْإِيذَاءِ أَوْ مُطْلَقًا يَضَعُ يَدَيْهِ عليه ثم يقبلهما أو يضع إحدهما وَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْيُمْنَى لِأَنَّهَا الْمُسْتَعْمَلَةُ فِيمَا فِيهِ شَرَفٌ وَلِمَا نُقِلَ عَنِ الْبَحْرِ الْعَمِيقِ مِنْ أَنَّ الْحَجَرَ يَمِينُ اللَّهِ يُصَافِحُ بِهَا عِبَادَهُ وَالْمُصَافَحَةُ بِالْيُمْنَى انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ ضِيَاءُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ النَّقْشَبَنْدِيُّ فِي كِتَابِهِ لَوَامِعِ الْعُقُولِ شرح راموز الْحَدِيثِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَتَصَافَحَا وَحَمِدَا اللَّهَ الْحَدِيثَ مَا لَفْظُهُ وَالظَّاهِرُ مِنْ آدَابِ الشَّرِيعَةِ تَعَيُّنُ الْيُمْنَى مِنَ الْجَانِبَيْنِ لِحُصُولِ السُّنَّةِ كَذَلِكَ فَلَا تَحْصُلُ بِالْيُسْرَى فِي الْيُسْرَى وَلَا فِي الْيُمْنَى انْتَهَى وَقَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ الْمُصَافَحَةُ بِالْيُمْنَى وَهُوَ أَفْضَلُ انْتَهَى ذَكَرَهُ الشَّيْخُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلْمَانَ الْيَمَنِيُّ الزَّبِيدِيُّ فِي رِسَالَتِهِ فِي الْمُصَافَحَةِ وقال الشيخ عبد الرؤوف الْمُنَاوِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الرَّوْضِ النَّضِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلَا تَحْصُلُ السُّنَّةُ إِلَّا بِوَضْعِ الْيُمْنَى فِي الْيُمْنَى حَيْثُ لَا عُذْرَ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْعَزِيزِيُّ فِي كِتَابِهِ السِّرَاجِ الْمُنِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إِذَا لَقِيتَ الْحَاجَّ أَيْ عِنْدَ قُدُومِهِ مِنْ حَجِّهِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَصَافِحْهُ أَيْ ضَعْ يَدَكَ الْيُمْنَى فِي يَدِهِ الْيُمْنَى انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ الْعَلْقَمِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْكَوْكَبِ الْمُنِيرِ شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ إِذَا الْتَقَى المسلمان فتصافحا الخ قال بن رَسْلَانَ وَلَا تَحْصُلُ هَذِهِ السُّنَّةُ إِلَّا بِأَنْ يَقَعَ بَشَرَةُ أَحَدِ الْكَفَّيْنِ عَلَى الْآخَرِ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ الْعَالِمُ الرَّبَّانِيُّ السَّيِّدُ عَبْدُ الْقَادِرِ الْجِيلَانِيُّ فِي كِتَابِهِ غُنْيَةِ الطَّالِبِينَ فَصْلٌ فِيمَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ بِيَمِينِهِ وَمَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ بِشِمَالِهِ يستحب له تناول الأشياء بِيَمِينِهِ وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْمُصَافَحَةُ وَالْبُدَاءَةُ بِهَا فِي الْوُضُوءِ وَالِانْتِعَالِ وَلُبْسِ الثِّيَابِ إِلَخْ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمُصَافَحَةِ أَنْ تَكُونَ بِالْيُمْنَى مِنَ الْجَانِبَيْنِ سَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَ اللِّقَاءِ أَوْ عِنْدَ الْبَيْعَةِ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ قَالَ حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ نُوحٍ حِمْصِيٌّ قَالَ رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ يَقُولُ تَرَوْنَ كَفِّي هَذِهِ فَأُشْهِدُ أَنِّي وَضَعْتُهَا عَلَى كَفِّ مُحَمَّدٍ الحديث إسناده صحيح ورواه الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِهِ التَّمْهِيدِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنَا قَاسِمُ بن أصبغ حدثنا بن وَضَّاحٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ كَعْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ حَسَّانِ بْنِ نُوحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ قَالَ تَرَوْنَ يَدِي هَذِهِ صَافَحْتُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَدِيثَ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَإِسْنَادُهُ مُتَّصِلٌ أَمَّا الحافظ بن عَبْدِ الْبَرِّ فَهُوَ ثِقَةٌ حُجَّةٌ كَمَا فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ وَأَمَّا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ فَهُوَ مِنْ شُيُوخَةِ الْكِبَارِ قَدْ أَكْثَرَ الرِّوَايَةَ عَنْهُ فِي مَعْرِضِ الِاحْتِجَاجِ فِي

التمهيد والاستيعاب وغيرهما وأما بن وَضَّاحٍ فَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ قَالَ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ هُوَ الْحَافِظُ الْكَبِيرُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقُرْطُبِيُّ قال بن الْفَرْضِيِّ كَانَ عَالِمًا بِالْحَدِيثِ بَصِيرًا بِطُرُقِهِ مُتَكَلِّمًا بِعِلَلِهِ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ الْحُبَابِ لَا يُقَدِّمُ عَلَيْهِ أَحَدًا مِمَّنْ أَدْرَكَهُ انْتَهَى وَقَدْ صَحَّحَ بن الْقَطَّانِ إِسْنَادًا لِحَدِيثِ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَقَعَ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ هَذَا حَيْثُ قَالَ وَلَهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ مِنْ رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي سَكِينَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ إِلَخْ ذَكَرَ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ كلام بن الْقَطَّانِ هَذَا فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ وَأَقَرَّهُ وَأَمَّا يعقوب بن كعب ومبشر بن إسماعيل وحنان بْنُ نُوحٍ فَهُمْ أَيْضًا ثِقَاتٌ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْحَافِظُ الدُّولَابِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو هَاشِمٍ زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنَا مُبَشِّرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْحَلَبِيُّ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ حَسَّانِ بْنِ نُوحٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ يَقُولُ تَرَوْنَ هَذِهِ الْيَدَ فَإِنِّي وَضَعْتُهَا عَلَى يَدِ رَسُولِ اللَّهِ الْحَدِيثَ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا الْحَافِظَ الدُّولَابِيَّ فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ تَكَلَّمُوا فِيهِ وَمَا يَتَبَيَّنُ مِنْ أَمْرِهِ إِلَّا خَيْرٌ وَقَالَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ يُونُسَ كَانَ أَبُو بِشْرٍ يَعْنِي الدُّولَابِيَّ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ وَكَانَ يُضَعَّفُ كَذَا فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ وَيُؤَيِّدُ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ هَذَا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ تَمَامُ التَّحِيَّةِ الْأَخْذُ بِالْيَدِ وَالْمُصَافَحَةُ بِالْيُمْنَى رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْكُنَى كَذَا فِي كَنْزِ الْعُمَّالِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ صَافَحْتُ بِكَفِّي هَذِهِ كَفَّ رسول الله فمامست خزا ولا حريرا ألين من كفه ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ عَابِدٍ السِّنْدِيُّ فِي حَصْرِ الشَّارِدِ وَالْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ فِي إِتْحَافِ الْأَكَابِرِ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ إِنَّمَا ذَكَرْنَاهُمَا لِلتَّأْيِيدِ وَالِاسْتِشْهَادِ لِأَنَّ فِي أَسَانِيدِهِمَا ضَعْفًا وَكَلَامًا وَالدَّلِيلُ الثَّانِي عَلَى مَا قُلْنَا مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمُصَافَحَةِ أَنْ تَكُونَ بِالْيُمْنَى سَوَاءٌ كَانَتْ عِنْدَ اللِّقَاءِ أَوْ عِنْدَ الْبَيْعَةِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ فَقُلْتُ ابْسُطْ يَمِينَكَ فَلْأُبَايِعْكَ فَبَسَطَ يَمِينَهُ فَقَبَضْتُ يدي فقال مالك يَا عَمْرُو قُلْتُ أَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِطَ قَالَ تَشْتَرِطُ مَاذَا قُلْتُ أَنْ يُغْفَرَ لِي قَالَ أَمَا عَلِمْتَ يَا عَمْرُو أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ وَفِيهِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابسط يدك لأبايعك فبسط يمينه قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ ابْسُطْ يَمِينَكَ أَيِ افْتَحْهَا وَمُدَّهَا لِأَضَعَ يَمِينِي عَلَيْهَا كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فِي الْبَيْعَةِ انْتَهَى وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ السُّنَّةَ فِي المصافحة عند البيعة باليد اليمن مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَقَدْ صَحَّتْ فِي هَذَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ذَكَرْنَاهَا فِي رِسَالَتِنَا الْمُسَمَّاةِ بِالْمَقَالَةِ الْحُسْنَى فِي سُنِّيَّةِ الْمُصَافَحَةِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ

صَحِيحٍ عَنْ أَبِي غَادِيَةَ يَقُولُ بَايَعْتُ رَسُولَ الله قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَقُلْتُ لَهُ بِيَمِينِكَ قَالَ نَعَمْ الْحَدِيثَ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يقول بايعت رسول الله بِيَدِي هَذِهِ يَعْنِي الْيُمْنَى عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِيمَا اسْتَطَعْتُ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ زِيَادِ بْنِ عَلَاقَةَ قَالَ سَمِعْتُ جَرِيرًا يَقُولُ حِينَ مَاتَ الْمُغِيرَةُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَتَيْتُ رَسُولَ الله أُبَايِعُهُ بِيَدِي هَذِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ النُّصْحَ فَإِنْ قُلْتَ أَحَادِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي غَادِيَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَجَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى سُنِّيَّةِ الْمُصَافَحَةِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى عِنْدَ الْبَيْعَةِ لَا عِنْدَ اللِّقَاءِ قُلْتُ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كَمَا تَدُلُّ عَلَى سُنِّيَّةِ الْمُصَافَحَةِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى عِنْدَ الْبَيْعَةِ كَذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى سُنِّيَّتِهَا بِالْيَدِ الْيُمْنَى عِنْدَ اللِّقَاءِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُصَافَحَةَ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَالْمُصَافَحَةَ عِنْدَ الْبَيْعَةِ مُتَّحِدَتَانِ فِي الْحَقِيقَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ تَخَالُفُ حَقِيقَتِهِمَا بِدَلِيلٍ أَصْلًا وَالدَّلِيلُ الثَّالِثُ أَنَّ الْمُصَافَحَةَ هِيَ إِلْصَاقُ صَفْحِ الْكَفِّ بِصَفْحِ الْكَفِّ فَالْمُصَافَحَةُ الْمَسْنُونَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ أَوْ بِالْيَدَيْنِ وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ الْمَطْلُوبُ ثَابِتٌ أَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي فَإِنْ كَانَتْ بِإِلْصَاقِ صَفْحِ كَفِّ الْيُمْنَى بِصَفْحِ كَفِّ الْيُمْنَى وَبِإِلْصَاقِ صَفْحِ كَفِّ الْيُسْرَى بِصَفْحِ كَفِّ الْيُسْرَى عَلَى صُورَةِ الْمِقْرَاضِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ مُصَافَحَتَانِ وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِمُصَافَحَةٍ وَاحِدَةٍ لَا بِمُصَافَحَتَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ بِإِلْصَاقِ صَفْحِ كَفِّ الْيُمْنَى بِصَفْحِ كَفِّ الْيُمْنَى وَإِلْصَاقِ صَفْحِ كَفِّ الْيُسْرَى بِظَهْرِ كَفِّ الْيُمْنَى مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَالْمُصَافَحَةُ هِيَ إِلْصَاقُ صَفْحِ كَفِّ الْيُمْنَى بصفح كف اليمنى ولا عبرة لصاق صَفْحِ كَفِّ الْيُسْرَى بِظَهْرِ كَفِّ الْيُمْنَى لِأَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ حَقِيقَةِ الْمُصَافَحَةِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ عَرَّفَ الْمُصَافَحَةَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ بِأَخْذِ الْيَدِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمُصَافَحَةُ الْأَخْذُ بِالْيَدِ كَالتَّصَافُحِ انْتَهَى وَالْأَخْذُ بِالْيَدِ عَامٌّ شَامِلٌ لِأَخْذِ الْيَدِ واليدين بإلصاق صفح الكف يصفح الْكَفِّ أَوْ بِظَهْرِهَا قُلْتُ هَذَا تَعْرِيفٌ بِالْأَعَمِّ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى أَخْذِ الْعَضُدِ وَعَلَى أَخْذِ الْمِرْفَقِ وَعَلَى أَخْذِ السَّاعِدِ لِأَنَّ الْيَدَ فِي اللُّغَةِ الْكَفُّ وَمِنْ أَطْرَافِ الْأَصَابِعِ إِلَى الْكَتِفِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُصَافَحَةٍ بِالِاتِّفَاقِ وَالتَّعْرِيفُ الصَّحِيحُ الْجَامِعُ الْمَانِعُ هُوَ مَا فَسَّرَ بِهِ أَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ لَفْظُ الْمُصَافَحَةِ وَالتَّصَافُحِ فَبَيْنَ الْمُصَافَحَةِ وَالْأَخْذِ بِالْيَدِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ وَأَمَّا قول بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَّمَنِي النَّبِيُّ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ فَلَيْسَ مِنَ الْمُصَافَحَةِ فِي شَيْءٍ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْأَخْذِ بِالْيَدِ عِنْدَ التَّعْلِيمِ لِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ وَالِاهْتِمَامِ بِهِ قَالَ الْفَاضِلُ اللَّكْنَوِيُّ فِي بَعْضِ فَتَاوَاهُ واتجه در صَحِيحٌ بُخَارِيٌّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مسعود مروى است علمني رسول الله وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ الْحَدِيثَ لَيْسَ ظَاهِرٌ أَنَّ است كه مُصَافَحَةٌ

باب ما جاء في المعانقة والقبلة

مُتَوَارَثَةٌ كه بِوَقْتِ تَلَاقِي مَسْنُونٍ است نبوده بدكه طريقه تعليميه بوده كه أكابر بِوَقْتِ اهتمام تعليم جيزي ازهردودست يايكدست دست اصاغر كرفته تعليم ميسازند وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا رُوِيَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ وَكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ إِلَخْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمُصَافَحَةِ الْمَسْنُونَةِ عِنْدَ التَّلَاقِي بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ أَخْذِ الْيَدِ عِنْدَ الِاهْتِمَامِ بِالتَّعْلِيمِ كَمَا يَصْنَعُهُ الْأَكَابِرُ عِنْدَ تَعْلِيمِ الْأَصَاغِرِ فَيَأْخُذُونَ بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ أَوْ بِالْيَدَيْنِ يَدَ الْأَصَاغِرِ وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا بِأَنَّ كَوْنَ كف بن مسعود بين كفيه كَانَ لِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ وَالِاهْتِمَامِ بِتَعْلِيمِهِ التَّشَهُّدَ وَقَدْ ثبت عن رسول الله الْأَخْذُ بِالْيَدِ عِنْدَ التَّعْلِيمِ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي قتادة وأبي الدهماء قالا كان يُكْثِرَانِ السَّفَرَ نَحْوَ هَذَا الْبَيْتِ قَالَا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَقَالَ الْبَدَوِيُّ أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ بِيَدِي فَجَعَلَ يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْحَدِيثَ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ شَكْلِ بْنِ حُمَيْدٍ قَالَ أتيت النبي فقلت يا رسول الله علمني تعوذ أَتَعَوَّذُ بِهِ قَالَ فَأَخَذَ بِكَفِّي وَقَالَ قُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي الْحَدِيثَ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ قُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا فَقَالَ اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ الْحَدِيثَ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُعَانَقَةِ وَالْقُبْلَةِ) [2732] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ البخاري (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عباد) بن هَانِئٍ الشَّجَرِيُّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ وَأَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا (حَدَّثَنِي أَبِي يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ ضَعِيفٌ وَكَانَ ضَرِيرًا يَتَلَقَّنُ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) هُوَ صَاحِبُ الْمَغَازِي قَوْلُهُ (قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ) أَيْ مِنْ غَزْوَةٍ أَوْ سَفَرٍ (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي) الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ حَالِيَّةٌ (فَأَتَاهُ) أَيْ فَجَاءَ زَيْدٌ (فَقَرَعَ الْبَابَ) أَيْ قَرْعًا مُتَعَارَفًا لَهُ أَوْ مَقْرُونًا بِالسَّلَامِ

وَالِاسْتِئْذَانِ (فَقَامَ إِلَيْهِ) أَيْ مُتَوَجِّهًا إِلَيْهِ (عُرْيَانًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ) أَيْ رِدَاءَهُ مِنْ كَمَالِ فَرَحِهِ بِقُدُومِهِ وَمَأْتَاهُ قَالَ فِي الْمَفَاتِيحِ تُرِيدُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ سَاتِرًا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَلَكِنْ سَقَطَ رِدَاءَهُ عَنْ عَاتِقِهِ فَكَانَ مَا فَوْقَ سُرَّتِهِ عُرْيَانًا انْتَهَى (وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُهُ عُرْيَانًا) أَيْ يَسْتَقْبِلُ أَحَدًا (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ (وَلَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ (فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَحْلِفُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرَهُ عُرْيَانًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مَعَ طُولِ الصُّحْبَةِ وَكَثْرَةِ الِاجْتِمَاعِ فِي لِحَافٍ وَاحِدٍ قِيلَ لَعَلَّهَا أَرَادَتْ عُرْيَانًا اسْتَقْبَلَ رَجُلًا وَاعْتَنَقَهُ فَاخْتَصَرَتِ الْكَلَامَ لِدَلَالَةِ الْحَالِ أَوْ عُرْيَانًا مِثْلَ ذَلِكَ الْعُرْيِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي الْأَوَّلَ وَقَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ لِمَا يُشَمُّ مِنْ سِيَاقِ كَلَامِهَا رَائِحَةُ الْفَرَحِ وَالِاسْتِبْشَارِ بِقُدُومِهِ وَتَعْجِيلِهِ لِلِقَائِهِ بِحَيْثُ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَمَامِ التَّرَدِّي بِالرِّدَاءِ حَتَّى جَرَّهُ وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ مِثْلُ هَذَا انْتَهَى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ الْمُعَانَقَةِ لِلْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا فِي الْمُعَانَقَةِ حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ مِنْ عَنَزَةَ لَمْ يُسَمَّ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَافِحُكُمْ إِذَا لَقِيتُمُوهُ قَالَ مَا لَقِيتُهُ قَطُّ إِلَّا صَافَحَنِي وَبَعَثَ إِلَيَّ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ أَكُنْ فِي أَهْلِي فَلَمَّا جِئْتُ أُخْبِرْتُ أَنَّهُ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُ وَهُوَ عَلَى سَرِيرِهِ فَالْتَزَمَنِي فَكَانَ أَجْوَدَ وَأَجْوَدَ وَأَجْوَدَ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا هَذَا الرَّجُلَ الْمُبْهَمَ وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَانُوا إِذَا تَلَاقَوْا تَصَافَحُوا وَإِذَا قَدِمُوا مِنْ سَفَرٍ تَعَانَقُوا وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدَيْهِمَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ بَلَغَنِي عَنْ رَجُلٍ حَدِيثٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَرَيْتُ بَعِيرًا ثُمَّ شَدَدْتُ رَحْلِي فَسِرْتُ إِلَيْهِ شَهْرًا حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فَقُلْتُ لِلْبَوَّابِ قل له جابر على الباب فقال بن عَبْدِ اللَّهِ قُلْتُ نَعَمْ فَخَرَجَ فَاعْتَنَقَنِي فَقُلْتُ حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَشِيتُ الْحَدِيثَ فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمِ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مَشْرُوعِيَّةِ الْمُعَانَقَةِ قُلْتُ حَدِيثُ أَنَسٍ لِغَيْرِ الْقَادِمِ مِنَ السَّفَرِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ لِلْقَادِمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْفَتْحِ وَنَقَلَ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ لَهُ وَسَكَتَ عَنْهُ

باب ما جاء في قبلة اليد والرجل

33 - (باب ما جاء في قبلة اليد والرجل) أَيْ فِي تَقْبِيلِهِمَا [2733] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ) هُوَ الْأَوْدِيُّ الْمَعَافِرِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ (وَأَبُو أُسَامَةَ) هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ الْكُوفِيُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ) بِكَسْرِ اللَّامِ الْمُرَادِيِّ الْكُوفِيِّ تَنْبِيهٌ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ شَرْحِ مُسْلِمٍ سَلَمَةُ كُلُّهُ بِفَتْحِ اللَّامِ إِلَّا عَمْرَو بْنَ سَلِمَةَ إِمَامَ قَوْمِهِ وَبَنِي سَلِمَةَ الْقَبِيلَةُ مِنَ الْأَنْصَارِ فَبِكَسْرِ اللَّامِ وَفِي عَبْدِ الْخَالِقِ بْنِ سَلَمَةَ الْوَجْهَانِ انْتَهَى قُلْتُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلِمَةَ هَذَا أَيْضًا بِكَسْرِ اللَّامِ كَمَا فِي التَّقْرِيبِ وَالْخُلَاصَةِ قَوْلُهُ (قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ) أَيْ مِنَ الْيَهُودِ (اذْهَبْ بِنَا) الْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ أَوِ التَّعْدِيَةِ (إِلَى هذا النبي) أَيْ لِنَسْأَلَهُ عَنْ مَسَائِلَ (فَقَالَ صَاحِبُهُ لَا تَقُلْ) أَيْ لَهُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (نَبِيٌّ) أَيْ هُوَ نَبِيٌّ (إِنَّهُ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ اسْتِئْنَافٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ أَيْ لِأَنَّهُ (لَوْ سَمِعَكَ) أَيْ سَمِعَ قَوْلَكَ إِلَى هَذَا النَّبِيِّ (كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ) هَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ وَوَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ أَرْبَعُ أَعْيُنٍ بِغَيْرِ التَّاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ يَعْنِي يُسَرُّ بِقَوْلِكَ هَذَا النَّبِيُّ سُرُورًا يَمُدُّ الْبَاصِرَةَ فَيَزْدَادُ بِهِ نُورًا عَلَى نُورٍ كَذِي عَيْنَيْنِ أَصْبَحَ يُبْصِرُ بِأَرْبَعٍ فَإِنَّ الْفَرَحَ يَمُدُّ الْبَاصِرَةَ كَمَا أَنَّ الْهَمَّ وَالْحُزْنَ يُخِلُّ بِهَا وَلِذَا يُقَالُ لِمَنْ أَحَاطَتْ بِهِ الْهُمُومُ أَظْلَمَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا (فَسَأَلَاهُ) أَيِ امْتِحَانًا (عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ) أَيْ وَاضِحَاتٍ وَالْآيَةُ الْعَلَامَةُ الظَّاهِرَةُ تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَحْسُوسَاتِ كَعَلَامَةِ الطَّرِيقِ وَالْمَعْقُولَاتِ كَالْحُكْمِ الْوَاضِحِ وَالْمَسْأَلَةِ الْوَاضِحَةِ فَيُقَالُ لِكُلِّ مَا تَتَفَاوَتُ فِيهِ الْمَعْرِفَةُ بِحَسَبِ التَّفَكُّرِ فِيهِ وَالتَّأَمُّلِ وَحَسَبِ مَنَازِلِ النَّاسِ فِي الْعِلْمِ آيَةٌ وَالْمُعْجِزَةُ آيَةٌ وَلِكُلِّ جُمْلَةٍ دَالَّةٍ عَلَى حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ اللَّهِ آيَةٌ وَلِكُلِّ كَلَامٍ منفصل بفصل لفظي آية والمراد بالآيات ها هنا إِمَّا الْمُعْجِزَاتُ التِّسْعُ وَهِيَ الْعَصَا وَالْيَدُ وَالطُّوفَانُ وَالْجَرَادُ وَالْقُمَّلُ وَالضَّفَادِعُ وَالدَّمُ وَالسُّنُونَ وَنَقْصٌ مِنَ الثَّمَرَاتِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ لَا تُشْرِكُوا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ ذَكَرَهُ عَقِيبَ الْجَوَابِ وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّاوِي الْجَوَابَ اسْتِغْنَاءً بِمَا فِي

الْقُرْآنِ أَوْ بِغَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فِي التَّفْسِيرِ فَسَأَلَاهُ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بينات وَأَمَّا الْأَحْكَامُ الْعَامَّةُ الشَّامِلَةُ لِلْمِلَلِ الثَّابِتَةِ فِي كُلِّ الشَّرَائِعِ وَبَيَانُهَا مَا بَعْدَهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى حَالِ الْمُكَلَّفِ بِهَا عَنِ السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَقَوْلُهُ وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً حُكْمٌ مُسْتَأْنَفٌ زَائِدٌ عَلَى الْجَوَابِ وَلِذَا غَيَّرَ السِّيَاقَ (لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ) أَيْ بِذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ وَعِبَادَتِهِ (شَيْئًا) مِنَ الْأَشْيَاءِ أَوِ الْإِشْرَاكِ (وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ) بهمزة وإدغام أي بمتبرىء من الإثم والباء للتعدية أي لاتسعوا ولا تتكلموا بسوء لَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ (إِلَى ذِي سُلْطَانٍ) أَيْ صَاحِبِ قُوَّةٍ وَقُدْرَةٍ وَغَلَبَةٍ وَشَوْكَةٍ (وَلَا تَسْحَرُوا) بِفَتْحِ الْحَاءِ (وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا) فَإِنَّهُ سَحْقٌ وَمَحْقٌ (وَلَا تَقْذِفُوا) بِكَسْرِ الذَّالِ (مُحْصَنَةً) بِفَتْحِ الصاد ويكسر أي لا ترموا بالزنى عَفِيفَةً (وَلَا تُوَلُّوا) بِضَمِّ التَّاءِ وَاللَّامِ مِنْ وَلِيَ تَوْلِيَةً إِذَا أَدْبَرَ أَيْ وَلَا تُوَلُّوا أَدْبَارَكُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَاللَّامِ مِنَ التَّوَلِّي وَهُوَ الْإِعْرَاضُ وَالْإِدْبَارُ أَصْلُهُ تَتَوَلَّوْا فحذف إحدى التائين (الْفِرَارَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ لِأَجْلِ الْفِرَارِ (يَوْمَ الزَّحْفِ) أَيِ الْحَرْبِ مَعَ الْكُفَّارِ (وَعَلَيْكُمْ) ظَرْفٌ وَقَعَ خَبَرًا مُقَدَّمًا (خَاصَّةً) مُنَوَّنًا حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ وَالْمُسْتَتِرُ فِي الظَّرْفِ عَائِدٌ إِلَى الْمُبْتَدَأِ أَيْ مَخْصُوصِينَ بِهَذِهِ الْعَاشِرَةِ أَوْ حَالُ كَوْنِ الِاعْتِدَاءِ مُخْتَصًّا بِكُمْ دُونَ غَيْرِكُمْ مِنَ الْمِلَلِ أَوْ تَمْيِيزٌ وَالْخَاصَّةُ ضِدُّ الْعَامَّةِ (الْيَهُودَ) نُصِبَ عَلَى التَّخْصِيصِ وَالتَّفْسِيرِ أَيْ أَعْنِي الْيَهُودَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خَاصَّةً بِمَعْنَى خُصُوصًا وَيَكُونَ الْيَهُودُ مَعْمُولًا لِفِعْلِهِ أَيْ أَخُصُّ الْيَهُودَ خُصُوصًا (أَلَّا تَعْتَدُوا) بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ فِي مَحَلِّ الرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مِنَ الِاعْتِدَاءِ (فِي السَّبْتِ) أَيْ لَا تَتَجَاوَزُوا أَمْرَ اللَّهِ فِي تَعْظِيمِ السَّبْتِ بِأَنْ لَا تَصِيدُوا السَّمَكَ فِيهِ وَقِيلَ عَلَيْكُمْ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى خُذُوا أَوْ أَنْ لَا تَعْتَدُوا مَفْعُولُهُ أَيِ الْزَمُوا تَرْكَ الِاعْتِدَاءِ (قَالَ) أَيْ صَفْوَانُ (فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَالُوا) وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فِي التَّفْسِيرِ فَقَبَّلَا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَقَالَا (نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ) إِذْ هَذَا الْعِلْمُ مِنَ الْأُمِّيِّ مُعْجِزَةٌ لَكِنْ نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ إِلَى الْعَرَبِ (أَنْ تَتَّبِعُونِي) بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَقِيلَ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ مِنْ أَنْ تَقْبَلُوا نُبُوَّتِي بِالنِّسْبَةِ إِلَيْكُمْ وَتَتَّبِعُونِي فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَيْكُمْ (قَالَ) لَمْ يَقَعْ هَذَا اللَّفْظُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ (دَعَا رَبَّهُ أَنْ لَا يَزَالَ) أَيْ بِأَنْ لَا يَنْقَطِعَ (مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُ مُسْتَجَابًا

فَيَكُونُ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ وَيَتَّبِعُهُ الْيَهُودُ وَرُبَّمَا يَكُونُ لَهُمُ الْغَلَبَةُ وَالشَّوْكَةُ (وَإِنَّا نَخَافُ إِنْ تبعناك تقتلتنا اليهود) أي فإن تركتا دِينَهُمْ وَاتَّبَعْنَاكَ لَقَتَلَنَا الْيَهُودُ إِذَا ظَهَرَ لَهُمْ نَبِيٌّ وَقُوَّةٌ وَهَذَا افْتِرَاءٌ مَحْضٌ عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّهُ قَرَأَ فِي التَّوْرَاةِ وَالزَّبُورِ بَعْثَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّبِيِّ وَأَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَأَنَّهُ يُنْسَخُ بِهِ الْأَدْيَانُ فَكَيْفَ يَدْعُو بِخِلَافِ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ شَأْنِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَئِنْ سَلِمَ فَعِيسَى مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَهُوَ نَبِيٌّ بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَقْبِيلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَالَ بن بَطَّالٍ اخْتَلَفُوا فِي تَقْبِيلِ الْيَدِ فَأَنْكَرَهُ مَالِكٌ وَأَنْكَرَ مَا رُوِيَ فِيهِ وَأَجَازَهُ آخَرُونَ وَاحْتَجُّوا بما روى عن بن عُمَرَ أَنَّهُمْ لَمَّا رَجَعُوا مِنَ الْغَزْوِ حَيْثُ فَرُّوا قَالُوا نَحْنُ الْفَرَّارُونَ فَقَالَ بَلْ أَنْتُمُ الْكَرَّارُونَ إِنَّا فِئَةُ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ فَقَبَّلْنَا يَدَهُ قَالَ وَقَبَّلَ أَبُو لُبَابَةَ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ صَاحِبَاهُ يَدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين تاب الله عليه ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَقَبَّلَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَدَ عُمَرَ حِينَ قَدِمَ وَقَبَّلَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ يَدَ بن عباس حين أخذ بن عَبَّاسٍ بِرِكَابِهِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَإِنَّمَا كَرِهَهَا مَالِكٌ إِذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ وَالتَّكَبُّرِ وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ إِلَى اللَّهِ لِدِينِهِ أَوْ لِعِلْمِهِ أَوْ لِشَرَفِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ جائز قال بن بَطَّالٍ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ أَنَّ يَهُودِيَّيْنِ أَتَيَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَقَبَّلَا يَدَهُ وَرِجْلَهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حسن صحيح قال الحافظ حديث بن عُمَرَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو دَاوُدَ وَحَدِيثُ أَبِي لُبَابَةَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدلائل وبن المقرئ وحديث كعب وصاحبيه أخرجه بن المقرئ وَحَدِيثُ أَبِي عُبَيْدَةَ أَخْرَجَهُ سُفْيَانُ فِي جَامِعِهِ وحديث بن عباس أخرجه الطبراني وبن المقرئ وحديث صفوان أخرجه أيضا النسائي وبن مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَقَدْ جَمَعَ الْحَافِظُ أَبُو بكر بن المقرئ جُزْءًا فِي تَقْبِيلِ الْيَدِ سَمِعْنَاهُ أَوْرَدَ فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً وَآثَارًا فَمِنْ جَيِّدِهَا حَدِيثُ الزَّارِعِ الْعَبْدِيِّ وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالَ فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَهُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَمِنْ حَدِيثِ فَرِيدَةِ الْعَصْرِ مِثْلُهُ وَمِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ قُمْنَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلْنَا يَدَهُ وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ وَمِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ قَامَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبَّلَ يَدَهُ وَمِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ وَالشَّجَرَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي أَنْ أُقَبِّلَ رَأْسَكَ وَرِجْلَيْكَ فَأَذِنَ لَهُ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَزِينٍ قَالَ أَخْرَجَ لَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ كَفًّا لَهُ ضَخْمَةً كَأَنَّهَا كَفُّ بَعِيرٍ فَقُمْنَا إِلَيْهَا فَقَبَّلْنَاهَا وَعَنْ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَبَّلَ يَدَ أَنَسٍ وَأَخْرَجَ أَيْضًا أَنَّ عليا قبل يد العباس ورجله وأخرجه بن المقرئ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ أَبِي أَوْفَى نَاوِلْنِي يَدَكَ الَّتِي بَايَعْتَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَاوَلَنِيهَا فَقَبَّلْتُهَا قَالَ النَّوَوِيُّ تَقْبِيلُ يَدِ الرَّجُلِ لِزُهْدِهِ وَصَلَاحِهِ أَوْ عِلْمِهِ أَوْ شَرَفِهِ أَوْ صِيَانَتِهِ أَوْ نَحْوِ

ذَلِكَ مِنَ الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ لَا يُكْرَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ فَإِنْ كَانَ لِغِنَاهُ أَوْ شَوْكَتِهِ أَوْ جَاهِهِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا فَمَكْرُوهٌ شَدِيدُ الْكَرَاهَةِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْمُتَوَلِّي لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ يَزِيدَ بن الأسود وبن عُمَرَ وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا حَدِيثُ يَزِيدَ بن الأسود فأخرجه أحمد وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ الْجِهَادِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ التَّقْبِيلِ وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مالك فأخرجه بن المقرئ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ

باب ما جاء في مرحبا

34 - (بَاب مَا جَاءَ فِي مَرْحَبًا) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي النَّضْرِ) اسْمُهُ سَالِمُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ (أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ) بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيَّةَ اسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ هِنْدٌ لَهَا صُحْبَةٌ وَأَحَادِيثُ مَاتَتْ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ (وَفَاطِمَةُ تستره) أي عنها وعن غيرها (قال مَرْحَبًا بِأُمِّ هَانِئٍ) الْبَاءُ إِمَّا زَائِدَةٌ فِي الْفَاعِلِ أَيْ أَتَتْ أُمُّ هَانِئٍ مَرْحَبًا أَيْ مَوْضِعًا رَحْبًا أَيْ وَاسِعًا لَا ضَيِّقًا أَوْ لِلتَّعْدِيَةِ أَيْ أَتَى اللَّهُ بِأُمِّ هَانِئٍ مَرْحَبًا فَمَرْحَبًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ بِهِ وَهَذِهِ كَلِمَةُ إِكْرَامٍ وَالتَّكَلُّمُ بِهَا سُنَّةٌ (فَذَكَرَ قِصَّةً فِي الْحَدِيثِ) رَوَى الشَّيْخَانِ هَذَا الْحَدِيثَ مُطَوَّلًا بِذِكْرِ الْقِصَّةِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ) النَّهْدِيُّ أبو حذيفة البصري صدوق سيىء الْحِفْظِ وَكَانَ يُصَحِّفُ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلِ) بْنِ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيِّ صَحَابِيٌّ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَاسْتُشْهِدَ بِالشَّامِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الصَّحِيحِ

قَوْلُهُ (يَوْمَ جِئْتُهُ) أَيْ عَامَ الْفَتْحِ وَزَادَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَ إِلَيْهِ فَرِحًا وَمَا عَلَيْهِ رِدَاءٌ حَتَّى بَايَعَهُ (مَرْحَبًا) مَقُولُ الْقَوْلِ أَيْ جِئْتَ مَرْحَبًا أَيْ مَوْضِعًا وَاسِعًا قَالَ الْحَافِظُ هُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ أَيْ صَادَفْتَ رُحْبًا بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ سَعَةً وَالرَّحْبُ بِالْفَتْحِ الشَّيْءُ الْوَاسِعُ وَقَدْ يَزِيدُونَ مَعَهَا أَهْلًا أَيْ وَجَدْتَ أَهْلًا فَاسْتَأْنِسْ وَأَفَادَ الْعَسْكَرِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ قَالَ مَرْحَبًا سَيْفُ بْنُ ذِي يَزَنَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَأْنِيسِ الْقَادِمِ وَقَدْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ) أَيْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ أَوْ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ أَيْ مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّهَا صَارَتْ دَارَ الْإِسْلَامِ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الْفَتْحِ فَإِنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً بَلْ شَرْطًا وَأَمَّا الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَوُجُوبُهَا بَاقٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي الْإِكْمَالِ هُوَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَاسْمُ أَبِي جَهْلٍ عُرْوَةُ بْنُ هِشَامٍ الْمَخْزُومِيُّ الْقُرَشِيُّ كَانَ شَدِيدَ الْعَدَاوَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَبُوهُ وَكَانَ فَارِسًا مَشْهُورًا وَهَرَبَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَلَحِقَ بِالْيَمَنِ فَلَحِقَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ أُمُّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ فَأَتَتْ بِهِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ مَرْحَبًا بِالرَّاكِبِ الْمُهَاجِرِ فَأَسْلَمَ بَعْدَ الْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَقُتِلَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسِتُّونَ سَنَةً قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأيت لأبي جهل عذفا فِي الْجَنَّةِ فَلَمَّا أَسْلَمَ عِكْرِمَةُ قَالَ يَا أُمَّ سَلَمَةَ هَذَا هُوَ قَالَتْ وَشَكَا عِكْرِمَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه إذا مر بالمدينة قالوا هذا بن عَدُوِّ اللَّهِ أَبِي جَهْلٍ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَقَالَ النَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا انْتَهَى قوله (وفي الباب عن بريدة وبن عَبَّاسٍ وَأَبِي جُحَيْفَةَ) أَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ بن أَبِي عَاصِمٍ عَنْهُ أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا خَطَبَ فَاطِمَةَ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْحَبًا وَأَهْلًا وَهُوَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَصَحَّحَهُ الحاكم وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَالْأَشْرِبَةِ وَالْأَدَبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى أخرجها بن أبي عاصم وبن السُّنِّيِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عن بن شِهَابٍ عَنْ أُمِّ حَكِيمٍ زَوْجِ عِكْرِمَةَ بْنِ أبي جهل مطولا

41 - كتاب الأدب

قوله (وموسى بْنُ مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ قَدْ أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ كَثِيرُ الْوَهْمِ تَكَلَّمُوا فِيهِ قَالَ الْحَافِظُ مَا لَهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ سُفْيَانَ سِوَى ثَلَاثَةِ أَحَادِيثَ مُتَابَعَةً وَلَهُ عِنْدَهُ آخَرُ عن زائدة متابعة أيضا انتهى 41 - كتاب الأدب 35 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ) التَّشْمِيتُ جواب العاطس بيرحمك اللَّهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ التَّشْمِيتُ بِالشِّينِ وَالسِّينِ الدُّعَاءُ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَةِ وَالْمُعْجَمَةِ أَعْلَاهُمَا يُقَالُ شَمَّتُ فُلَانًا وَشَمَتُّ عَلَيْهِ تَشْمِيتًا فَهُوَ مُشَمِّتٌ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الشَّوَامِتِ وَهِيَ الْقَوَائِمُ كَأَنَّهُ دَعَا لِلْعَاطِسِ بِالثَّبَاتِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَبْعَدَكَ اللَّهُ عَنِ الشَّمَاتَةِ وَجَنَّبَكَ مَا يُشَمَّتُ به عليك انتهى قوله (عن الحارث) عن عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْوَرِ الْهَمْدَانِيِّ الْحَارِثِيِّ الْكُوفِيِّ صَاحِبِ عَلِيٍّ كَذَّبَهُ الشَّعْبِيُّ فِي رَأْيِهِ وَرُمِيَ بِالرَّفْضِ وَفِي حَدِيثِهِ ضَعْفٌ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ النَّسَائِيِّ سِوَى حَدِيثَيْنِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ بن الزُّبَيْرِ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ بِالْمَعْرُوفِ) صِفَةٌ بَعْدَ صِفَةٍ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ يَعْنِي لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خِصَالٌ سِتٌّ مُتَلَبِّسَةٌ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ مَا يَرْضَاهُ اللَّهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْبَاءُ بِمَعْنَى مِنْ (يُسَلِّمُ عَلَيْهِ) جُمْلَةٌ اسْتِئْنَافِيَّةٌ مُبَيِّنَةٌ أَوْ تَقْدِيرُهُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْمُسْلِمِ سَوَاءٌ عَرَفَهُ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُ (وَيُجِيبُهُ إِذَا دَعَاهُ) أَيْ إِلَى دَعْوَةٍ أَوْ حَاجَةٍ (وَيُشَمِّتُهُ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ يَدْعُو لَهُ بِقَوْلِهِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ (إِذَا عَطَسَ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَيُكْسَرُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ يَعْنِي فَحَمِدَ الله كما

فِي رِوَايَةٍ (وَيَتَّبِعُ) بِتَشْدِيدِ التَّاءِ مِنَ الِاتِّبَاعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِسُكُونِهَا وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَشْهَدُ وَيُشَيِّعُ (جِنَازَتَهُ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيُفْتَحُ (وَيُحِبُّ لَهُ مَا يُحِبُّ) أَيْ مِثْلَ مَا يُحِبُّ (لِنَفْسِهِ) مِنَ الْخَيْرِ وَهَذَا فَذْلَكَةُ الْكُلِّ وَلِذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا بِرِوَايَةِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِ السِّتِّ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ أَمَرَنَا بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ قَالَ بن دَقِيقِ الْعِيدِ ظَاهِرُ الْأَمْرِ الْوُجُوبُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ فَذَكَرَ فِيهَا وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ وَلِلْبُخَارِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ فَذَكَرَ مِنْهَا التَّشْمِيتَ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَيْضًا وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ مَنْ عِنْدَهُ يَرْحَمُكَ الله وقد أخذ بظاهرها بن مُزَيْنٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ بِهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الظاهر وقال بن أَبِي جَمْرَةَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا إِنَّهُ فرض عين وقواه بن الْقَيِّمِ فِي حَوَاشِي السُّنَنِ فَقَالَ جَاءَ بِلَفْظِ الْوُجُوبِ الصَّرِيحِ وَبِلَفْظِ الْحَقِّ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَبِلَفْظٍ عَلَى الظَّاهِرَةِ فِيهِ وَبِصِيغَةِ الْأَمْرِ الَّتِي هِيَ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَبِقَوْلِ الصَّحَابِيِّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا رَيْبَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ أَثْبَتُوا وُجُوبَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ بِدُونِ مَجْمُوعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ إِذَا قَامَ بِهِ الْبَعْضُ سَقَطَ عَنِ الْبَاقِينَ وَرَجَّحَهُ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَقَالَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وجمهور الحنابلة عَبْدُ الْوَهَّابِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ مستحب ويجزىء الْوَاحِدُ عَنِ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَالرَّاجِحُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ الْقَوْلُ الثَّانِي وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الدَّالَّةُ عَلَى الْوُجُوبِ لَا تُنَافِي كَوْنَهُ عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَإِنْ وَرَدَ فِي عُمُومِ الْمُكَلَّفِينَ فَفَرْضُ الْكِفَايَةِ يُخَاطَبُ بِهِ الْجَمِيعُ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ إِنَّهُ فَرْضٌ عَلَى مُبْهَمٍ فَإِنَّهُ يُنَافِي كَوْنَهُ فَرْضَ عَيْنٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وقال بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ بَعْدَ ذِكْرِ عِدَّةِ أَحَادِيثِ التَّشْمِيتِ مَا لَفْظُهُ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَبْدُوءِ بِهِ (يَعْنِي حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ الْحَدِيثَ) أَنَّ التَّشْمِيتَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ الْعَاطِسَ يَحْمَدُ اللَّهَ وَلَا يُجْزِئُ تَشْمِيتُ الْوَاحِدِ عَنْهُمْ وَهَذَا أحد قولي العلماء واختاره بن أبي زيد وبن الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ وَلَا دَافِعَ لَهُ انْتَهَى قُلْتُ الظاهر ما قاله بن الْقَيِّمِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَالْبَرَاءِ وَأَبِي مَسْعُودٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ كَيْفَ يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ وهو بن عُقْبَةَ الْأَنْصَارِيُّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حسن) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ) إِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَارْجِعْ إِلَى تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَمُقَدِّمَةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَشَرْحِهِ لِلنَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْمَخْزُومِيُّ الْمَدِينِيُّ) الْفِطْرِيُّ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (وَيَشْهَدُهُ) أَيْ وَيَحْضُرُ وَقْتَ نَزْعِهِ (إِذَا مَاتَ) أَيْ قَرُبَ مَوْتُهُ أَوْ يَحْضُرُ زَمَانَ الصَّلَاةِ عَلَى جِنَازَتِهِ إِذَا مَاتَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ (وَيَنْصَحُ لَهُ) أَيْ يُرِيدُ الْخَيْرَ لِلْمُؤْمِنِ وَيُرْشِدُهُ إِلَيْهِ (إِذَا غَابَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (أَوْ شَهِدَ) أَيْ حَضَرَ وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ يُرِيدُ خَيْرَهُ فِي حُضُورِهِ وَغَيْبَتِهِ فَلَا يَتَمَلَّقُ فِي حُضُورِهِ وَيَغْتَابُ فِي غَيْبَتِهِ فَإِنَّ هَذَا صِفَةُ الْمُنَافِقِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ قِيلَ مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ

باب ما يقول العاطس إذا عطس

36 - (بَاب مَا يَقُولُ الْعَاطِسُ إِذَا عَطَسَ) اعْلَمْ أَنَّ الْعُطَاسَ نِعْمَةٌ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ فَلَا بُدَّ لِلْعَاطِسِ إِذَا عَطَسَ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تعالى قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ الْعَاطِسُ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ بِالْعُطَاسِ نِعْمَةٌ وَمَنْفَعَةٌ بِخُرُوجِ الْأَبْخِرَةِ الْمُحْتَقِنَةِ فِي دِمَاغِهِ الَّتِي لَوْ بَقِيَتْ فِيهِ أَحْدَثَتْ لَهُ أَدْوَاءَ عَسِرَةً شُرِعَ لَهُ حَمْدُ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ مَعَ بَقَاءِ أَعْضَائِهِ عَلَى الْتِئَامِهَا وَهَيْئَتِهَا عَلَى هَذِهِ الزَّلْزَلَةِ الَّتِي هِيَ لِلْبَدَنِ كَزَلْزَلَةِ الْأَرْضِ لَهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ) هُوَ أَبُو خِدَاشٍ الْيَحْمَدِيُّ الْبَصْرِيُّ (أَخْبَرَنَا حَضْرَمِيٌّ) بِسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بِلَفْظِ النِّسْبَةِ بن عَجْلَانَ مَوْلَى الْجَارُودِ مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ في ترجمته روى عن نافع مولى بن عُمَرَ وَعَنْهُ زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ الْيَحْمَدِيُّ وَغَيْرُهُ ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا فِيمَا يَقُولُهُ الْعَاطِسُ انْتَهَى قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا عطس إلى جنب بن عُمَرَ) أَيْ مُنْتَهِيًا جُلُوسُهُ إِلَى جَنْبِهِ (فَقَالَ) أَيِ الْعَاطِسُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جَهْلِهِ بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ زِيَادَةُ السَّلَامِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْأَذْكَارِ (فَقَالَ) أَيْ (بن عمر وأنا أقول) كما تَقُولُ أَيْضًا (الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ) لِأَنَّهُمَا ذِكْرَانِ شَرِيفَانِ كُلُّ أَحَدٍ مَأْمُورٌ بِهِمَا لَكِنْ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِأَنَّ يُضَمَّ السَّلَامُ مَعَ الْحَمْدِ عِنْدَ الْعَطْسَةِ بَلِ الْأَدَبُ مُتَابَعَةُ الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ مِنْ تِلْقَاءِ النَّفْسِ إِلَّا بِقِيَاسٍ جَلِيٍّ (عَلَّمَنَا أَنْ نَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ) فَالزِّيَادَةُ الْمَطْلُوبَةُ إِنَّمَا هِيَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْحَمْدَلَةِ سَوَاءٌ وَرَدَ أَوْ لَا وَأَمَّا زِيَادَةُ ذِكْرٍ آخَرَ بِطَرِيقِ الضَّمِّ إِلَيْهِ فَغَيْرُ مُسْتَحْسَنٍ لِأَنَّ مَنْ سَمِعَ رُبَّمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَأْمُورَاتِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَقُولُ الْعَاطِسُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رفعه إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله عَلَى كُلِّ حَالٍ وَمِثْلُهُ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ

مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَفْعَهُ يَقُولُ الْعَاطِسُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلِابْنِ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ مِثْلُهُ وَلِأَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ مِنْ حَدِيثِ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ رَفَعَهُ إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَوِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ إِنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى الْحَمْدُ لِلَّهِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَدِيثَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَرَدَ ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ لِابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَوَرَدَ الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ فَعِنْدَهُ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ مَنْ قَالَ عِنْدَ عَطْسَةٍ سَمِعَهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى كُلِّ حَالٍ مَا كَانَ لِيَجِدَ وَجَعَ الضِّرْسِ وَلَا الْأُذُنِ أَبَدًا وَهَذَا مَوْقُوفٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ فَلَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مَا زَادَ مِنَ الثَّنَاءِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَمْدِ كَانَ حَسَنًا فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ فِي التَّهْذِيبِ بِسَنَدٍ لَا بَأْسَ بِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ الحمد لله فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَعَطَسَ آخَرُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ فَقَالَ ارْتَفَعَ هَذَا عَلَى هَذَا تِسْعَ عَشْرَةَ دَرَجَةً وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَطَسْتُ فَقُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مُبَارَكًا عَلَيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَنِ الْمُتَكَلِّمُ ثَلَاثًا فَقُلْتُ أَنَا فَقَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدِ ابْتَدَرَهَا بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ مَلَكًا أَيُّهُمْ يَصْعَدُ بِهَا وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَبَيَّنَ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمَذْكُورَةَ الْمَغْرِبُ وَسَنَدُهُ لَا بَأْسَ به وأخرج بن السُّنِّيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَطَسَ فَخَلَّى يَدِي ثُمَّ قَامَ فَقَالَ شَيْئًا لَمْ أَفْهَمْهُ فَسَأَلْته فَقَالَ أَتَانِي جِبْرِيلُ فقال إِذَا أَنْتَ عَطَسْتَ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ لِكَرَمِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ لِعِزِّ جَلَالِهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ صَدَقَ عَبْدِي ثَلَاثًا مَغْفُورًا لَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا كله ما لفظه ونقل بن بَطَّالٍ عَنِ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّ الْعَاطِسَ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ يَزِيدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَوْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَالَّذِي يَتَحَرَّرُ من الأدلة أن كل ذلك مجزىء لَكِنْ مَا كَانَ أَكْثَرَ ثَنَاءً أَفْضَلُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَأْثُورًا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ عُطَاسِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَكَانَ أَحْسَنَ فَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَانَ أَفْضَلَ كَذَا قَالَ وَالْأَخْبَارُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ ثُمَّ الْأَوْلَوِيَّةَ كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ

باب ما جاء كيف تشميت العاطس

37 - (بَاب مَا جَاءَ كَيْفَ تَشْمِيتُ الْعَاطِسِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ حَكِيمِ بْنِ ديلم) هو المدائني (عن أبي بردة بن أَبِي مُوسَى) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قِيلَ اِسْمُهُ عَامِرٌ وَقِيلَ الْحَارِثُ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِي مُوسَى) الْأَشْعَرِيِّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَمَّرَهُ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ وَهُوَ أَحَدُ الْحَكَمَيْنِ بِصِفِّينَ قَوْلُهُ (كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ) أَيْ يَطْلُبُونَ الْعَطْسَةَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (يَرْجُونَ) أَيْ يَتَمَنَّوْنَ بِهَذَا السَّبَبِ (فَيَقُولُ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ عُطَاسِهِمْ وَحَمْدِهِمْ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَلَا يَقُولُ لَهُمْ يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْمُؤْمِنِينَ بَلْ يَدْعُو لَهُمْ بِمَا يُصْلِحُ بَالَهُمْ مِنَ الْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالْإِيمَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي أَيُّوبَ وَسَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ وَحَدِيثُ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ فَأَخْرَجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمِ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي والحاكم وَصَحَّحَهُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ منصور) هو بن الْمُعْتَمِرِ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ) الْأَشْجَعِيِّ صَحَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ

قَوْلُهُ (أَنَّهُ كَانَ) أَيْ سَالِمُ بْنُ عُبَيْدٍ (فَقَالَ) أَيِ الْعَاطِسُ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ) ظَنًّا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بَدَلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ذَكَرَهُ بن الْمَلَكِ (فَقَالَ) أَيْ سَالِمٌ (عَلَيْكَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَعَلَيْكَ بِالْوَاوِ (فَكَأَنَّ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (الرَّجُلَ) أَيِ الْعَاطِسَ (وَجَدَ) أَيِ الْكَرَاهَةَ أَوِ الْخَجَالَةَ أَوِ الْحُزْنَ لِمَا قَالَ سَالِمٌ (فِي نَفْسِهِ) لَكِنْ لَمْ يُظْهِرْهُ وَظَهَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ آثَارِهِ وَقِيلَ أَيْ غَضِبَ أَوْ حَزِنَ مِنْ الْمُوجَدَةِ وَهُوَ الْغَضَبُ أَوِ الْوَجْدُ وَهُوَ الْحُزْنُ (فَقَالَ) أَيْ سَالِمٌ (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنِّي لَمْ أَقُلْ إِلَّا مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ فَأَنَا مُتَّبِعٌ لَا مُبْتَدِعٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليك وعلى أمك قال بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ وَفِي السَّلَامِ عَلَى أُمِّ هَذَا الْمُسَلِّمِ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ وَهِيَ إِشْعَارُهُ بِأَنَّ سَلَامَهُ قَدْ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَوْقِعِهِ اللَّائِقِ بِهِ كَمَا وَقَعَ هَذَا السَّلَامُ عَلَى أُمِّهِ فَكَمَا أَنَّ هَذَا سَلَامُهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَهَكَذَا سَلَامُهُ هُوَ وَنُكْتَةٌ أُخْرَى أَلْطَفُ مِنْهَا وَهِيَ تَذْكِيرُهُ بِأُمِّهِ وَنِسْبَتُهُ لَهُ إِلَيْهَا فَكَأَنَّهُ أُمِّيٌّ مَحْضٌ مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمِّ بَاقٍ عَلَى تَرْبِيَتِهَا لَمْ تُرَبِّهِ الرِّجَالُ انْتَهَى (وَلْيَقُلْ لَهُ) أَيْ لِلْعَاطِسِ وَلْيَقُلْ يَغْفِرُ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ أَيْ وَلْيَقُلِ الْعَاطِسُ يَغْفِرُ اللَّهُ إِلَخْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ اخْتَلَفُوا فِي رِوَايَتِهِ عَنْ مَنْصُورٍ وَقَدْ أَدْخَلُوا بَيْنَ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ وَبَيْنَ سَالِمٍ رَجُلًا) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفَظُهُ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ عَنْ سَالِمٍ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ سَالِمٍ وَرَوَاهُ مُسَدِّدٌ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ آلِ خَالِدِ بْنِ عُرْفُطَةَ عَنْ آخَرَ مِنْهُمْ قَالَ كُنَّا مَعَ سَالِمٍ وَرَوَاهُ زَائِدَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَشْجَعَ عَنْ سَالِمٍ وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالٍ مِنْ آلِ عُرْفُطَةَ عَنْ سَالِمٍ وَاخْتُلِفَ عَلَى وَرْقَاءَ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ خَالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ أَوْ عَرْفَجَةَ وَيُشْبِهُ أَنْ

يَكُونَ خَالِدٌ هَذَا مَجْهُولًا فَإِنَّ أَبَا حَاتِمٍ الرَّازِيَّ قَالَ لَا أَعْرِفُ وَاحِدًا يُقَالُ لَهُ خَالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ إِلَّا وَاحِدًا الَّذِي لَهُ صُحْبَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قُلْتَ وَحَدِيثُ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ وَرْقَاءَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْفَجَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ يَسَافٍ قَالَ كُنَّا مَعَ سَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ الخ قوله (أخبرني بن أَبِي لَيْلَى) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَوْلُهُ (يَرْحَمُكَ اللَّهُ) خَبَرٌ مَعْنَاهُ الدُّعَاءُ (وَلْيَقُلْ هُوَ) أَيِ الْعَاطِسُ (يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) الْبَالُ الْقَلْبُ يَقُولُ فُلَانٌ مَا يَخْطِرُ بِبَالِي أَيْ قَلْبِي وَالْبَالُ رَخَاءُ الْعَيْشِ يُقَالُ فُلَانٌ رَخِيُّ الْبَالِ أَيْ وَاسِعُ الْعَيْشِ وَالْبَالُ الْحَالُ يَقُولُ مَا بَالُكَ أَيْ حَالُكَ وَالْبَالُ فِي الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ الْمَعَانِيَ الثَّلَاثَةَ وَالْأَوْلَى أَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْمَعْنَى الثَّالِثِ أَنْسَبُ لعمومه المعنيين الأوليين أَيْضًا كَذَا فِي الْمَفَاتِيحِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمِ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ قال بن بَطَّالٍ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يَقُولُ الْعَاطِسُ فِي جَوَابِ الْمُشَمِّتِ يَهْدِيكُمِ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَذَهَبَ الْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّهُ يَقُولُ يَغْفِرُ اللَّهُ لنا ولكم وأخرجه الطبري عن بن مسعود وبن عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ انْتَهَى وَقِيلَ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا قلت

باب ما جاء في إيجاب التشميت بحمد العاطس

أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي جَوَابِ الْمُشَمِّتِ هُوَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَهَذَا أَثْبَتُ مَا يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ هُوَ مِنْ أَثْبَتِ الْأَخْبَارِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ وَرَدَ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ أَخَذَ بِهِ الطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ أَيْضًا 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِيجَابِ التَّشْمِيتِ بِحَمْدِ الْعَاطِسِ) قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلَيْنِ) وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُمَا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ وبن أَخِيهِ (فَشَمَّتَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (أحدهما) بالنصب على المفعولية (شمت) بتشديدتين (وَلَمْ تُشَمِّتْنِي) أَيْ مَا الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ (إنه حمد الله وإنك لم تحمده) فِيهِ أَنَّ مَنْ عَطَسَ وَحَمِدَ اللَّهَ يَسْتَحِقُّ التَّشْمِيتَ وَمَنْ عَطَسَ وَلَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ لَا يَسْتَحِقُّهُ وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ وَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 9 - (بَاب مَا جَاءَ كَمْ يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ) هو بن الْمُبَارَكِ (وَأَنَا شَاهِدٌ) أَيْ حَاضِرٌ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (ثُمَّ عَطَسَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ) وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانِ الْآتِيَةِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ أنت مزكوم وقال الترمذي هذا الرِّوَايَةُ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ المبارك

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ الْحَكَمِ الْبَصْرِيُّ) هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ فَرْوَةَ الْهَاشِمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْكُرْدِيِّ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ غُنْدَرٍ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ ثِقَةٌ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ قَوْلُهُ (عَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ) الْمَدَنِيِّ مَجْهُولُ الْحَالِ (عَنْ أُمِّهِ) اسْمُهَا حَمِيدَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ الْأَنْصَارِيَّةُ مَقْبُولَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِيهَا) هُوَ عُبَيْدُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ الزُّرَقِيِّ وَيُقَالُ فِيهِ عُبَيْدُ اللَّهِ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ قَوْلُهُ (فَإِذَا زَادَ فَإِنْ شِئْتَ فَشَمِّتْهُ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا) وقد أخرج أبو يعلي وبن السُّنِّيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ النَّهْيَ عَنِ التَّشْمِيتِ بعد ثلاث ولفظ إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيُشَمِّتْهُ جَلِيسُهُ فَإِنْ زَادَ على ثلاث

فَهُوَ مَزْكُومٌ وَلَا يُشَمِّتْهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ رَجُلٌ لَمْ أَتَحَقَّقْ حَالَهُ وَبَاقِي إِسْنَادِهِ صَحِيحٌ قَالَ الْحَافِظُ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ الْحَرَّانِيُّ وَالْحَدِيثُ عِنْدَهُمَا مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدٌ مُوَثَّقٌ وَأَبُوهُ يُقَالُ لَهُ الْحَرَّانِيُّ ضَعِيفٌ قَالَ فِيهِ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَلَا مَأْمُونٍ قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا الَّذِي رُوِّينَاهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ الصَّحَابِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ ثَلَاثًا فَإِنْ زَادَ فَإِنْ شِئْتَ فَشَمِّتْهُ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَإِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ قَالَ الْحَافِظُ إِطْلَاقُهُ عَلَى الضَّعْفِ لَيْسَ بِجَيِّدٍ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْغَرَابَةِ الضَّعْفُ وَأَمَّا وَصْفُ التِّرْمِذِيِّ إِسْنَادَهُ بِكَوْنِهِ مَجْهُولًا فَلَمْ يُرِدْ جَمِيعَ رِجَالِ الْإِسْنَادِ فَإِنَّ مُعْظَمَهُمْ مُوَثَّقُونَ وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ تَغْيِيرُ اسْمِ بَعْضِ رُوَاتِهِ وَإِبْهَامُ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيَّ أَخْرَجَاهُ مَعًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَأَمَّا رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ فَفِيهَا عَنْ يَحْيَى بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أُمِّهِ حَمِيدَةَ أَوْ عُبَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهَا وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ وَالْحَدِيثُ مَعَ ذَلِكَ مُرْسَلٌ وَعَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ وَيَزِيدُ هُوَ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ وَهُوَ صَدُوقٌ فِي حِفْظِهِ شَيْءٌ وَيَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَأُمُّهُ حَمِيدَةُ رَوَى عَنْهَا أَيْضًا زَوْجُهَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَذَكَرَهَا بن حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ وَأَبُوهَا عُبَيْدُ بْنِ رِفَاعَةَ ذَكَرُوهُ فِي الصَّحَابَةِ لِكَوْنِهِ وُلِدَ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ رؤية قاله بن السَّكَنِ قَالَ وَلَمْ يَصِحَّ سَمَاعُهُ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ رِوَايَتُهُ مُرْسَلَةٌ وَحَدِيثُهُ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَأَمَّا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ فَفِيهَا عَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أَبِيهَا كَذَا سَمَّاهُ عُمَرُ وَلَمْ يُسَمِّ أُمَّهُ وَلَا أَبَاهُ وَكَأَنَّهُ لَمْ يُمْعِنِ النَّظَرَ فَمِنْ ثَمَّ قَالَ إِسْنَادُهُ مَجْهُولٌ وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَجْهُولٍ وَأَنَّ الصَّوَابَ يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ لَا عُمَرُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ حَسَنُ بن سفيان وبن السُّنِّيِّ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ حَرْبٍ فَقَالُوا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ وَقَالُوا حَمِيدَةُ بِغَيْرِ شَكٍّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ هَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَجْهُولٌ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْعَمَلُ بِهِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِخَيْرٍ وَصِلَةٍ وَتَوَدُّدٍ لِلْجَلِيسِ فَالْأَوْلَى الْعَمَلُ بِهِ وَقَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ دَلَّ حَدِيثُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَلَى أَنَّهُ يُشَمَّتُ ثَلَاثًا وَيُقَالُ أَنْتَ مَزْكُومٌ بَعْدَ ذَلِكَ وَهِيَ زِيَادَةٌ يَجِبُ قَبُولُهَا فَالْعَمَلُ بها أولى ثم حكى النووي عن بن الْعَرَبِيِّ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا هَلْ يَقُولُ لِمَنْ تَتَابَعَ عُطَاسُهُ أَنْتَ مَزْكُومٌ فِي الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ عَلَى أَقْوَالٍ وَالصَّحِيحُ فِي الثَّالِثَةِ قَالَ وَمَعْنَاهُ أَنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يُشَمَّتُ بَعْدَهَا لِأَنَّ الَّذِي بِكَ مَرَضٌ وَلَيْسَ مِنَ الْعُطَاسِ الْمَحْمُودِ النَّاشِئِ عَنْ خِفَّةِ الْبَدَنِ انْتَهَى

باب ما جاء إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب

40 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي خَفْضِ الصَّوْتِ) أَيْ غَضِّهِ (وَتَخْمِيرُ الْوَجْهِ) أَيْ تَغْطِيَتُهُ بِالْيَدِ أَوْ بِالثَّوْبِ (عِنْدَ الْعُطَاسِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ انْدِفَاعُ الْهَوَاءِ بِعَزْمٍ مِنَ الْأَنْفِ مَعَ صَوْتٍ يُسْمَعُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (عَنْ سُمَيٍّ) هُوَ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) اسْمُهُ ذَكْوَانُ قَوْلُهُ (إِذَا عَطَسَ) بِفَتْحِ الطَّاءِ وَجُوِّزَ كَسْرُهُ (وَغَضَّ) أَيْ خَفَضَ (بِهَا) أَيْ بِالْعَطْسَةِ (صَوْتَهُ) والمعنى لَمْ يَرْفَعْهُ بِصَيْحَةٍ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِصَوْتِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَمِنْ آدَابِ الْعَاطِسِ أَنْ يَخْفِضَ بِالْعَطْسِ صَوْتَهُ وَيَرْفَعَهُ بِالْحَمْدِ وَأَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَهُ لِئَلَّا يَبْدُوَ مِنْ فِيهِ أَوْ أَنْفِهِ مَا يُؤْذِي جَلِيسَهُ وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ يَمِينًا وَلَا شمالا لئلا يتضرر بذلك قال بن الْعَرَبِيِّ الْحِكْمَةُ فِي خَفْضِ الصَّوْتِ بِالْعُطَاسِ أَنَّ فِي رَفْعِهِ إِزْعَاجًا لِلْأَعْضَاءِ وَفِي تَغْطِيَةِ الْوَجْهِ أَنَّهُ لَوْ بَدَرَ مِنْهُ شَيْءٌ آذَى جَلِيسَهُ وَلَوْ لَوَى عُنُقَهُ صِيَانَةً لِجَلِيسِهِ لَمْ يَأْمَنْ مِنَ الِالْتِوَاءِ وَقَدْ شَاهَدْنَا مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ وَخَفَضَ صَوْتَهُ وَلَهُ شَاهِدٌ من حديث بن عُمَرَ بِنَحْوِهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ 1 - (بَاب مَا جَاءَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ) قَوْلُهُ (عَنِ الْمَقْبُرِيِّ) هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ (الْعُطَاسُ مِنَ اللَّهِ والتثاؤب من

الشَّيْطَانِ) لِأَنَّ الْعُطَاسَ يَنْشَأُ عَنْهُ النَّشَاطُ لِلْعِبَادَةِ فَلِذَلِكَ أُضِيفَ إِلَى اللَّهِ وَالتَّثَاؤُبُ يَنْشَأُ مِنَ الِامْتِلَاءِ فَيُورِثُ الْكَسَلَ فَأُضِيفَ لِلشَّيْطَانِ (فَلْيَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيهِ) أَيْ فَمِهِ لِيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ (وَإِذَا قَالَ آهْ آهْ) حِكَايَةُ صَوْتِ الْمُتَثَائِبِ (فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَضْحَكُ مِنْ جَوْفِهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ يَضْحَكُ مِنْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ يَرْضَى بِتِلْكَ الْغَفْلَةِ وَبِدُخُولِهِ فَمَهُ لِلْوَسْوَسَةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَمَرَ بِكَظْمِ التَّثَاؤُبِ وَرَدِّهِ وَوَضْعِ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ لِئَلَّا يَبْلُغَ الشَّيْطَانُ مُرَادَهُ مِنْ تَشْوِيهِ صُورَتِهِ وَدُخُولِهِ فَمَهُ وَضَحِكِهِ مِنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ) السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي (أخبرني بن أَبِي ذِئْبٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمُغِيرَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أَبُو سَعِيدٍ وَاسْمُهُ كَيْسَانُ قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ) لِأَنَّهُ سَبَبُ خِفَّةِ الدِّمَاغِ وَصَفَاءِ الْقُوَى الْإِدْرَاكِيَّةِ فَيَحْمِلُ صَاحِبَهُ عَلَى الطَّاعَةِ (وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ عَنِ النَّشَاطِ فِي الطَّاعَةِ وَيُوجِبُ الْغَفْلَةَ وَلِذَا يَفْرَحُ بِهِ الشَّيْطَانُ وَهُوَ الْمَعْنَى فِي ضَحِكِهِ الْآتِي قَالَ الْقَاضِي التَّثَاؤُبُ بِالْهَمْزِ التَّنَفُّسُ الَّذِي يُفْتَحُ عَنْهُ الْفَمُ وَهُوَ إِنَّمَا يَنْشَأُ مِنَ الِامْتِلَاءِ وَثِقَلِ النَّفْسِ وَكُدُورَةِ الْحَوَاسِّ وَيُورِثُ الْغَفْلَةَ وَالْكَسَلَ وَسُوءَ الْفَهْمِ وَلِذَا كَرِهَهُ اللَّهُ وَأَحَبَّهُ الشَّيْطَانُ وَضَحِكَ مِنْهُ وَالْعُطَاسُ لِمَا كَانَ سَبَبًا لِخِفَّةِ الدِّمَاغِ

وَاسْتِفْرَاغِ الْفَضَلَاتِ عَنْهُ وَصَفَاءِ الرُّوحِ وَتَقْوِيَةِ الْحَوَاسِّ كَانَ أَمْرُهُ بِالْعَكْسِ (فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ) احْتِرَازٌ مِنْ حَالِ عَدَمِ سَمَاعِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ (فَإِذَا تَثَاءَبَ أحدكم) قال الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الترمذي وقع في رواية المحبوبي عن التِّرْمِذِيِّ بِالْوَاوِ وَفِي رِوَايَةِ السِّنْجِيِّ بِالْهَمْزِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ بِالْهَمْزِ وَكَذَا فِي حديث أبي سعيد عند أبو دَاوُدَ وَأَمَّا عِنْدَ مُسْلِمٍ فَبِالْوَاوِ قَالَ وَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ مُسْلِمٍ وَفِي بَعْضِهَا بِالْهَمْزِ وَقَدْ أَنْكَرَ الْجَوْهَرِيُّ كَوْنَهُ بِالْوَاوِ قَالَ تَقُولُ تَثَاءَبَتْ عَلَى وَزْنِ تَفَاعَلَتْ وَلَا تَقُلْ تَثَاوَبَتْ قَالَ وَالتَّثَاؤُبُ أَيْضًا مَهْمُوزٌ وَقَدْ يَقْلِبُونَ الهمز المضمومة واوا والاسم الثوباء بِالضَّمِّ ثُمَّ هَمْزٍ عَلَى وَزْنِ الْخُيَلَاءِ وَجَزَمَ بن دُرَيْدٍ وَثَابِتُ بْنُ قَاسِمٍ فِي الدَّلَائِلِ بِأَنَّ الَّذِي بِغَيْرِ وَاوٍ بِوَزْنِ تَيَمَّمَتْ فَقَالَ ثَابِتٌ لَا يُقَالُ تَثَآبَ بِالْمَدِّ مُخَفَّفًا بَلْ يُقَالُ تثأب بالتشديد وقال بن دُرَيْدٍ أَصْلُهُ مِنْ ثُئِبَ فَهُوَ مَثْئُوبٌ إِذَا اسْتَرْخَى وَكَسِلَ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ إِنَّهُمَا لُغَتَانِ وَبِالْهَمْزِ وَالْمَدُّ أَشْهَرُ انْتَهَى (فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ) أَيْ فَلْيَكْظِمْ فَمَهُ وَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَيْهِ (وَلَا يَقُولُ هَاهْ هَاهْ) حِكَايَةٌ لِصَوْتِ الْمُتَثَائِبِ (فَإِنَّمَا ذَلِكَ) أَيِ التَّثَاؤُبُ (مِنَ الشَّيْطَانِ) قَالَ النَّوَوِيُّ أُضِيفَ التَّثَاؤُبُ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ يَدْعُو إِلَى الشَّهَوَاتِ إِذْ يَكُونُ عَنْ ثِقَلِ الْبَدَنِ وَاسْتِرْخَائِهِ وَامْتِلَائِهِ وَالْمُرَادُ التَّحْذِيرُ مِنَ السَّبَبِ الَّذِي يَتَوَلَّدُ مِنْهُ وَهُوَ التَّوَسُّعُ فِي الْمَأْكَلِ وَإِكْثَارِ الْأَكْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو داود والنسائي (وهذا) أي حديث بن أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (أصح من حديث بن عَجْلَانَ) أَيْ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْقَاطِ عَنْ أَبِيهِ وَقَدْ بَيَّنَ التِّرْمِذِيُّ وجه كونه أصح منه بقوله وبن أَبِي ذِئْبٍ أَحْفَظُ إِلَخْ (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ أَحَادِيثُ سَعِيدِ الْمَقْبُرِيِّ رَوَى بَعْضَهَا سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبَعْضَهَا سَعِيدٌ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَخْ) وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ بن عجلان قال يحيى القطان عن بن عَجْلَانَ كَانَ سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ

باب ما جاء أن العطاس في الصلاة من الشيطان

يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَاخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ فَجَعَلَهَا كُلَّهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى 2 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْعُطَاسَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّيْطَانِ) قَوْلُهُ (عَنْ عَدِيٍّ وَهُوَ بن ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيُّ ثِقَةٌ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ ثَابِتٌ الأنصاري ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ هُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ جَدِّ عَدِيٍّ (رَفَعَهُ) أَيْ رَفَعَ جَدُّهُ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْلَا هَذَا الْقَيْدُ لَأَوْهَمَ قَوْلُهُ (قَالَ الْعُطَاسُ) أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابِيِّ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا قَالَهُ الطِّيبِيُّ (وَالنُّعَاسُ) هُوَ النَّوْمُ الْخَفِيفُ أَوْ مُقَدِّمَةُ النَّوْمِ وَهُوَ السِّنَةُ (وَالتَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّمَا فَصَلَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَالْأَخِيرَةِ بِقَوْلِهِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ الْأَخِيرَةَ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ الْأُولَى (وَالْحَيْضُ وَالْقَيْءُ وَالرُّعَافُ) بِضَمِّ الرَّاءِ دَمُ الْأَنْفِ (مِنَ الشَّيْطَانِ) قَالَ الْقَاضِي أَضَافَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إِلَى الشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ يُحِبُّهَا وَيَتَوَسَّلُ بِهَا إِلَى مَا يَبْتَغِيهِ مِنْ قَطْعِ الصَّلَاةِ والمنع عن العبادة ولأنها تغلب فِي غَالِبِ الْأَمْرِ مِنْ شَرَهِ الطَّعَامِ الَّذِي هومن أَعْمَالِ الشَّيْطَانِ وَزَادَ التُّورْبَشْتِيُّ وَمِنِ ابْتِغَاءِ الشَّيْطَانِ الْحَيْلُولَةُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ مَا نُدِبَ إِلَيْهِ مِنَ الْحُضُورِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَالِاسْتِغْرَاقِ فِي لَذَّةِ الْمُنَاجَاةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنَ الْعُطَاسِ كَثْرَتُهُ فَلَا يُنَافِيهِ الْخَبَرُ السَّابِقُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِي الْعُطَاسِ الْمُعْتَدِلِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَبْلُغُ الثَّلَاثَ عَلَى التَّوَالِي بِدَلِيلِ أنه يسن تشميته حينئذ بعافاك اللَّهُ وَشَفَاكَ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَرَضٌ انتهى قال القارىء وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ بِأَنْ يَحْمِلَ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى الْعُطَاسَ مُطْلَقًا عَلَى خَارِجِ الصَّلَاةِ وَكَرَاهَتَهُ مُطْلَقًا فِي دَاخِلِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ في الصلاة لا يخلو عن اشتغال بال بِهِ وَهَذَا الْجَمْعُ كَانَ مُتَعَيِّنًا لَوْ كَانَ الْحَدِيثَانِ مُطْلَقَيْنِ فَكَيْفَ مَعَ التَّقْيِيدِ بِهَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ لَا يُعَارِضُ هَذَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ لكونه مقيدا بحبال الصَّلَاةِ فَقَدْ يَتَسَبَّبُ الشَّيْطَانُ فِي حُصُولِ الْعُطَاسِ لِلْمُصَلِّي لِيَشْغَلَهُ عَنْ صَلَاتِهِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ

باب كراهية أن يقام الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَلَهُ شَاهِدٌ عن بن مَسْعُودٍ فِي الطَّبَرَانِيِّ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرِ النُّعَاسَ وَهُوَ مَوْقُوفٌ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا (وَذُكِرَ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ قَالَ اسْمُهُ دِينَارٌ) وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَذَكَرْتُ لِمُحَمَّدٍ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ قَوْلَ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ اسْمُهُ دِينَارٌ فَلَمْ يَعْبَأْ بِهِ انْتَهَى وَذَكَرَ الْحَافِظُ أَقْوَالًا عَدِيدَةً فِي اسْمِ جَدِّ عَدِيٍّ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ ثُمَّ قَالَ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ لِي فِي اسْمِ جَدِّهِ إِلَى الْآنَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا إِلَّا أَنَّ أَقْرَبَهَا إِلَى الصَّوَابِ أَنَّ جَدَّهُ هُوَ جَدُّهُ لِأُمِّهِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ الْخَطْمِيَّ انْتَهَى 3 - (بَاب كَرَاهِيَةِ أَنْ يُقَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يُجْلَسُ فِيهِ) قوله (عن أيوب) هو بن أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ (عَنْ نَافِعٍ) هُوَ أَبُو عبد الله المدني مولى بن عُمَرَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ مَشْهُورٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (لَا يُقِيمُ) مِنَ الْإِقَامَةِ (أَخَاهُ) فِي الدِّينِ (مِنْ مَجْلِسِهِ) أَيْ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي سَبَقَهُ إِلَيْهِ مِنْ مَوْضِعٍ مُبَاحٍ (ثُمَّ يَجْلِسُ) أَيِ الْمُقِيمُ (فِيهِ) قَيْدٌ وَاقِعِيٌّ غَالِبِيٌّ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ فَمَنْ سَبَقَ إِلَى مَوْضِعٍ مُبَاحٍ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ إِقَامَتُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا اسْتَثْنَوْا مِنْهُ مَا إِذَا أَلِفَ مِنَ الْمَسْجِدِ مَوْضِعًا يُفْتِي فِيهِ أَوْ يَقْرَأُ قُرْآنًا أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَإِذَا حَضَرَ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَقْعُدَ فِيهِ وَفِي مَعْنَاهُ مَنْ سَبَقَ إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ الشَّوَارِعِ وَمَقَاعِدِ الْأَسْوَاقِ لمعاملة انتهى وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ النَّوَوِيِّ هَذَا وَفِيهِ بَحْثٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّعْلِيلِ هَلْ يَصْلُحُ لِتَخْصِيصِ الْعَامِ الْمُسْتَفَادِ

مِنَ النَّهْيِ الصَّرِيحِ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَعَ مَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ أَخْذِ مَكَانٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الْمَسْجِدِ لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الرِّيَاءِ المنافي للإخلاص وقد كان بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا إِذَا قَامَ لَهُ رَجُلٌ عَنْ مَجْلِسِهِ لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان قوله (لا يقم أَحَدُكُمْ أَخَاهُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ) قال بن أَبِي جَمْرَةَ هَذَا اللَّفْظُ عَامٌّ فِي الْمَجَالِسِ وَلَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْمَجَالِسِ الْمُبَاحَةِ إِمَّا عَلَى الْعُمُومِ كَالْمَسَاجِدِ وَمَجَالِسِ الْحُكَّامِ وَالْعِلْمِ وَإِمَّا عَلَى الْخُصُوصِ كَمَنْ يَدْعُو قَوْمًا بِأَعْيَانِهِمْ إِلَى مَنْزِلِهِ لِوَلِيمَةٍ وَنَحْوِهَا وَأَمَّا الْمَجَالِسُ الَّتِي لَيْسَ لِلشَّخْصِ فِيهَا مِلْكٌ وَلَا إِذْنٌ لَهُ فِيهَا فَإِنَّهُ يُقَامُ وَيُخْرَجُ مِنْهَا ثُمَّ هُوَ فِي الْمَجَالِسِ الْعَامَّةِ وَلَيْسَ عَامًّا فِي النَّاسِ بَلْ هُوَ خَاصٌّ بِغَيْرِ الْمَجَانِينِ وَمَنْ يَحْصُلُ مِنْهُ الْأَذَى كَآكْلِ الثُّومِ النَّيءِ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالسَّفِيهِ إِذَا دَخَلَ مَجْلِسَ الْعِلْمِ أَوِ الْحُكْمِ قَالَ وَالْحِكْمَةُ فِي هَذَا النَّهْيِ مَنْعُ اسْتِنْقَاصِ حَقِّ الْمُسْلِمِ المقتضي للضغائن والحث على التواضع المقتضي للمواددة وَأَيْضًا فَالنَّاسُ فِي الْمُبَاحِ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ فَمَنْ سَبَقَ إِلَى شَيْءٍ اسْتَحَقَّهُ وَمَنِ اسْتَحَقَّ شَيْئًا فَأُخِذَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَهُوَ غَصْبٌ وَالْغَصْبُ حَرَامٌ فَعَلَى هَذَا قَدْ يَكُونُ بَعْضُ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْكَرَاهَةِ وَبَعْضُهُ عَلَى سَبِيلِ التَّحْرِيمِ (قَالَ) أَيْ سَالِمٌ (وَكَانَ الرَّجُلُ يَقُومُ لِابْنِ عُمَرَ فَمَا يَجْلِسُ فِيهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وكان بن عُمَرَ يَكْرَهُ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ مِنْ مَكَانِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ مَكَانَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا مَا نسب إلى بن عُمَرَ فَهُوَ وَرَعٌ مِنْهُ وَلَيْسَ قُعُودُهُ فِيهِ حَرَامًا إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِرِضَا الَّذِي قَامَ وَلَكِنَّهُ تَوَرَّعَ مِنْهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي قام لأجله استحيى مِنْهُ فَقَامَ عَنْ غَيْرِ طِيبِ قَلْبِهِ فَسَدَّ الْبَابَ لِيَسْلَمَ مِنْ هَذَا أَوْ رَأَى أَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرَبِ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى فَكَانَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَرْتَكِبَ أَحَدٌ بِسَبَبِهِ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى بِأَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ مَوْضِعِهِ مِنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَيُؤْثِرَهُ بِهِ وَشِبْهِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُحْمَدُ الْإِيثَارُ بِحُظُوظِ النُّفُوسِ وَأُمُورِ الدُّنْيَا دُونَ الْقُرَبِ انْتَهَى قُلْتَ وقد ورد ذلك عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أبي الخصيب عن بن عُمَرَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ فَذَهَبَ لِيَجْلِسَ فَنَهَاهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب ما جاء إذا قام الرجل من مجلسه ثم رجع

44 - (بَاب مَا جَاءَ إِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ) إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ قَوْلُهُ (عَنْ وَهْبِ بْنِ حُذَيْفَةَ) الْغِفَارِيِّ صَحَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ عَاشَ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ (الرَّجُلُ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ وَإِنْ خَرَجَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَجْلِسِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا فِي حَقِّ مَنْ جَلَسَ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهِ لِصَلَاةٍ مَثَلًا ثُمَّ فَارَقَهُ لِيَعُودَ بِأَنْ فَارَقَهُ لِيَتَوَضَّأَ أَوْ يَقْضِيَ شُغْلًا يَسِيرًا ثُمَّ يَعُودَ لَمْ يَبْطُلِ اخْتِصَاصُهُ بَلْ إِذَا رَجَعَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَعَدَ فِيهِ غَيْرُهُ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ وَعَلَى الْقَاعِدِ أَنْ يُفَارِقَهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى مَنْ قَعَدَ فِيهِ مُفَارَقَتُهُ إِذَا رَجَعَ الْأَوَّلُ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ هَذَا مُسْتَحَبٌّ وَلَا يَجِبُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقُومَ مِنْهُ وَيَتْرُكَ لَهُ فِيهِ سَجَّادَةً وَنَحْوَهَا أَمْ لَا فَهَذَا أَحَقُّ بِهِ فِي الْحَالَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَحْدَهَا دُونَ غَيْرِهَا انْتَهَى وَقَالَ عِيَاضٌ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنِ اعْتَادَ بِمَوْضِعٍ مِنَ الْمَسْجِدِ لِلتَّدْرِيسِ وَالْفَتْوَى فَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ إِذَا عُرِفَ بِهِ قَالَ وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَلَيْسَ بِحَقٍّ وَاجِبٍ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ مَالِكٍ وَكَذَا قَالُوا فِي مَقَاعِدِ الْبَاعَةِ مِنَ الْأَفْنِيَةِ وَالطُّرُقِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُتَمَلَّكَةٍ قَالُوا مَنِ اعْتَادَ بِالْجُلُوسِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ حَتَّى يُتِمَّ غَرَضَهُ قَالَ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مَالِكٍ قَطْعًا لِلتَّنَازُعِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ

باب ما جاء في كراهية القعود وسط الحلقة

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الأدب المفرد ومسلم وأبو داود وبن مَاجَهْ وَلَفْظُهُ مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ بِغَيْرِ إذنهم) اقوله (حدثنا سويد) هو بْنُ نَصْرِ بْنِ سُوَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الله) هو بن الْمُبَارَكِ (أَخْبَرَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ) اللَّيْثِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو زَيْدٍ الْمَدَنِيُّ قَوْلُهُ (لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُفَرِّقَ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ (بَيْنَ اثْنَيْنِ) أَيْ بِأَنْ يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا (إِلَّا بِإِذْنِهِمَا) لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَحَبَّةٌ وَمَوَدَّةٌ وَجَرَيَانُ سِرٍّ وَأَمَانَةٍ فَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا التَّفَرُّقُ بِجُلُوسِهِ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ (وَقَدْ رَوَاهُ عَامِرٌ الْأَحْوَلُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَيْضًا) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ وَلَفْظُهُ لَا يَجْلِسُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْقُعُودِ وَسْطَ الْحَلْقَةِ) قَوْلُهُ (أَوْ لَعَنَ اللَّهُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (مَنْ قَعَدَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ) بِسُكُونِ السِّينِ وَاللَّامِ قال

باب ما جاء في كراهية قيام الرجل للرجل

الْخَطَّابِيُّ هَذَا يُتَأَوَّلُ فِيمَنْ يَأْتِي حَلْقَةَ قَوْمٍ فَيَتَخَطَّى رِقَابَهُمْ وَيَقْعُدُ وَسْطَهَا وَلَا يَقْعُدُ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ فَلُعِنَ لِلْأَذَى وَقَدْ يَكُونُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا قَعَدَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ حَالَ بَيْنَ الْوُجُوهِ فَحَجَبَ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَيَتَضَرَّرُونَ بِمَكَانِهِ وَبِمَقْعَدِهِ هُنَاكَ انْتَهَى وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ الْمُرَادُ بِهِ الْمَاجِنُ الَّذِي يُقِيمُ نَفْسَهُ مَقَامَ السُّخْرِيَةِ لِيَكُونَ ضُحْكَةً بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُ مِنَ الْمُتَآكِلِينَ بِالشَّعْوَذَةِ انْتَهَى وَالشَّعْوَذَةُ خِفَّةٌ فِي الْيَدِ وَأَخْذٌ كَالسِّحْرِ يُرِي الشَّيْءَ بِغَيْرِ ما عليه أصله في رؤى الْعَيْنِ وَالْمَاجِنُ مَنْ لَا يُبَالِي قَوْلًا وَفِعْلًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ قِيَامِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَفَّانُ) هو بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ (لَمْ يَكُنْ شَخْصٌ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ) أَيْ إِلَى الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ (وَكَانُوا) أَيْ جَمِيعًا (إِذَا رَأَوْهُ) أَيْ مُقْبِلًا (لَمْ يَقُومُوا لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ كَرَاهِيَتِهِ لِذَلِكَ) أَيْ لقيامهم تواضعا لربه ومخالفته لِعَادَةِ الْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ بَلِ اخْتَارَ الثَّبَاتَ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي تَرْكِ التَّكَلُّفِ فِي قِيَامِهِمْ وَجُلُوسِهِمْ وَأَكْلِهِمْ وَشُرْبِهِمْ وَلُبْسِهِمْ وَمَشْيِهِمْ وَسَائِرِ أَفْعَالِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَنُقِلَ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وأقره قوله (أخبرنا قبيصة) هو بن عُقْبَةَ بْنِ مُحَمَّدٍ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ

قَوْلُهُ (خَرَجَ مُعَاوِيَةُ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزبير وبن صَفْوَانَ حِينَ رَأَوْهُ) يَثْبُتُ مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ قَدْ قَامَ حِينَ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ وَرِوَايَاتُ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ وَرَجَّحَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ النَّافِيَةَ فَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَسُفْيَانُ وَإِنْ كَانَ مِنْ جِبَالِ الْحِفْظِ إِلَّا أَنَّ الْعَدَدَ الْكَثِيرَ وَفِيهِمْ مِثْلُ شُعْبَةَ أَوْلَى بِأَنْ تَكُونَ رِوَايَتُهُمْ مَحْفُوظَةً مِنَ الواحد وقد اتفقوا على أن بن الزُّبَيْرِ لَمْ يَقُمْ (مَنْ سَرَّهُ) أَيْ أَعْجَبَهُ وَجَعَلَهُ مَسْرُورًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مَنْ أَحَبَّ (أَنْ يَتَمَثَّلَ) أَيْ يَنْتَصِبَ (لَهُ الرِّجَالُ قِيَامًا) أَيْ يَقِفُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَائِمِينَ لِتَعْظِيمِهِ مِنْ قَوْلِهِمْ مَثُلَ بَيْنَ يَدَيْهِ مُثُولًا أَيِ انْتَصَبَ قَائِمًا قَالَ الطِّيبِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ قِيَامًا مَفْعُولًا مُطْلَقًا لِمَا فِي الِانْتِصَابِ مِنْ مَعْنَى الْقِيَامِ وَأَنْ يَكُونَ تَمْيِيزُ الِاشْتِرَاكِ المثول بين المعنيين (فليتبوأ) أي فليهيىء (مقعده من النار) لفظه الأمر معناه الْخَبَرُ كَأَنَّهُ قَالَ مَنْ سَرَّهُ ذَلِكَ وَجَبَ لَهُ أَنْ يَنْزِلَ مَنْزِلَةً مِنَ النَّارِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَكِّئًا عَلَى عَصًا فَقُمْنَا لَهُ فَقَالَ لَا تَقُومُوا كَمَا يَقُومُ الْأَعَاجِمُ يُعَظِّمُ بَعْضُهَا بَعْضًا قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي قِيَامِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ فَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ كَالنَّوَوِيِّ وَغَيْرِهِ وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ كَالشَّيْخِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَاجِّ الْمَالِكِيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ وَأَمَّا إِكْرَامُ الدَّاخِلِ بِالْقِيَامِ فَالَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِمَنْ كَانَ فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ شَرَفٍ أَوْ وِلَايَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَكُونُ هَذَا الْقِيَامُ لِلْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ وَالِاحْتِرَامِ لَا لِلرِّيَاءِ وَالْإِعْظَامِ وَعَلَى هَذَا اسْتَمَرَّ عَمَلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَدْ جَمَعْتُ فِي ذَلِكَ جُزْءًا جَمَعْتُ فِيهِ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ وَأَقْوَالَ السَّلَفِ وَأَفْعَالَهُمِ الدَّالَّةَ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ وَذَكَرْتُ فِيهِ مَا خَالَفَهَا وَأَوْضَحْتُ الْجَوَابَ عَنْهُ فَمَنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَرَغِبَ فِي مُطَالَعَتِهِ رَجَوْتُ أَنْ يَزُولَ إِشْكَالُهُ انْتَهَى قُلْتُ وَقَدْ نَقَلَ بن الحاج ذلك الجزء في كتابه المدخل وتعقب عَلَى كُلِّ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ النَّوَوِيُّ فَمِنْ أَقْوَى مَا تَمَسَّكَ بِهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ أَهْلَ قُرَيْظَةَ نَزَلُوا عَلَى حكم

سَعْدٍ فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ فَجَاءَ فَقَالَ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ الْحَدِيثَ وقد أجاب عنه بن الْحَاجِّ بِأَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْقِيَامِ لِغَيْرِ مَا وَقَعَ فِيهِ النِّزَاعُ وَإِنَّمَا هُوَ لِيُنَزِّلُوهُ عَنْ دَابَّتِهِ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْمَرَضِ كَمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ قَدْ وَقَعَ فِي مُسْنَدِ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ عَنْهَا فِي قِصَّةِ غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَقِصَّةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَمَجِيئِهِ مُطَوَّلًا وَفِيهِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَلَمَّا طَلَعَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ فَأَنْزَلُوهُ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ تَخْدِشُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِقِصَّةِ سَعْدٍ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقِيَامِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ انْتَهَى وَمِمَّا تَمَسَّكَ بِهِ النَّوَوِيُّ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ تَوْبَتِهِ وَفِيهِ فَقَامَ إِلَيَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ فَصَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي وأجاب عنه بن الْحَاجِّ بِأَنَّ طَلْحَةَ إِنَّمَا قَامَ لِتَهْنِئَتِهِ وَمُصَافَحَتِهِ وَلَوْ كَانَ قِيَامُهُ مَحَلَّ النِّزَاعِ لَمَا انْفَرَدَ بِهِ فَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَهُ وَلَا أَمَرَ بِهِ وَلَا فَعَلَهُ أَحَدٌ مِمَّنْ حَضَرُوا وَإِنَّمَا انْفَرَدَ طَلْحَةُ لِقُوَّةِ الْمَوَدَّةِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ أَنَّ التَّهْنِئَةَ وَالْبِشَارَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ تَكُونُ عَلَى قَدْرِ الْمَوَدَّةِ وَالْخُلْطَةِ بِخِلَافِ السَّلَامِ فَإِنَّهُ مَشْرُوعٌ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ وَمِمَّا تَمَسَّكَ بِهِ النَّوَوِيُّ حَدِيثُ عَائِشَةَ قالت ما رأيت أحد كَانَ أَشْبَهَ سَمْتًا وَدَلًّا وَهَدْيًا بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ فَاطِمَةَ كَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَامَ إِلَيْهَا فَأَخَذَ بِيَدِهَا فَقَبَّلَهَا وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ وَكَانَ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا قَامَتْ إِلَيْهِ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ وَأَجْلَسَتْهُ فِي مَجْلِسِهَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وغيرهم وأجاب عنه بن الْحَاجِّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقِيَامُ لَهَا لِأَجْلِ إِجْلَاسِهَا فِي مَكَانِهِ إِكْرَامًا لَهَا لَا عَلَى وَجْهِ الْقِيَامِ الْمُنَازَعِ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا مَا عُرِفَ مِنْ ضِيقِ بُيُوتِهِمْ وَقِلَّةِ الْفُرُشِ فِيهَا فَكَانَتْ إِرَادَةُ إِجْلَاسِهِ لَهَا فِي مَوْضِعِهِ مُسْتَلْزِمَةً لِقِيَامِهِ وَمِمَّا تَمَسَّكَ بِهِ النَّوَوِيُّ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ السَّائِبِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جَالِسًا يَوْمًا فَأَقْبَلَ أَبُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَوَضَعَ لَهُ بَعْضَ ثَوْبِهِ فَقَعَدَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّهُ فَوَضَعَ لَهَا شِقَّ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الْآخَرِ فَجَلَسَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ أَخُوهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجلسه بين يديه وأجاب عنه بن الْحَاجِّ بِأَنَّ هَذَا الْقِيَامَ لَوْ كَانَ مَحَلَّ النِّزَاعِ لَكَانَ الْوَالِدَانِ أَوْلَى بِهِ مِنَ الْأَخِ وَإِنَّمَا قَامَ لِلْأَخِ إِمَّا لِأَنْ يُوَسِّعَ لَهُ فِي الرِّدَاءِ أَوْ فِي الْمَجْلِسِ قُلْتُ هَذَا الحديث معضل كما صرح به بن الْمُنْذِرِيِّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ فَلَا يَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ وتمسك النووي بروايات أخرى وأجاب عنها بن الْحَاجِّ بِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَالْأَمْرُ كما قال بن الْحَاجِّ وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ عَنْ أَحَادِيثِ كَرَاهَةِ قِيَامِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ بِمَا لَا يَشْفِي الْعَلِيلَ وَلَا يروي الغليل كما بينه بن الحاج مفصلا

باب ما جاء في تقليم الأظافر

قُلْتُ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ يَدُلُّ عَلَى كَرَاهَةِ الْقِيَامِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ وَهُوَ قِيَامُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَظَاهِرُ حَدِيثِ عَائِشَةَ يَدُلُّ عَلَى جوازه وجواب بن الْحَاجِّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَقِيلَ حَدِيثُ أَنَسٍ مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَقِيلَ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْقِيَامِ عَلَى طَرِيقِ الْإِعْظَامِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عَلَى الْقِيَامِ عَلَى طَرِيقِ الْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ أَمَّا قِيَامُ الرَّجُلِ لِإِنْزَالِ الْمَرِيضِ عَنْ مَرْكُوبِهِ أَوِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ أَوْ للتهنئة لمن حدثت له نعمة أو لتوسع الْمَجْلِسِ فَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ نَقَلَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ بْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْقِيَامَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ الْأَوَّلُ مَحْظُورٌ وَهُوَ أَنْ يَقَعَ لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يُقَامَ إِلَيْهِ تَكَبُّرًا وَتَعَاظُمًا عَلَى الْقَائِمِينَ إِلَيْهِ وَالثَّانِي مَكْرُوهٌ وَهُوَ أَنْ يَقَعَ لِمَنْ لَا يَتَكَبَّرُ وَلَا يَتَعَاظَمُ عَلَى الْقَائِمِينَ وَلَكِنْ يُخْشَى أَنْ يَدْخُلَ نَفْسَهُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَا يَحْذَرُ وَلِمَا فِيهِ مِنَ التَّشَبُّهِ بِالْجَبَابِرَةِ وَالثَّالِثُ جَائِزٌ وَهُوَ أَنْ يَقَعَ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ لِمَنْ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ وَيُؤْمَنُ مَعَهُ التَّشَبُّهَ بِالْجَبَابِرَةِ وَالرَّابِعُ مَنْدُوبٌ وَهُوَ أَنْ يَقُومَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَرَحًا بِقُدُومِهِ لِيُسَلِّمَ عَلَيْهِ أَوْ إِلَى مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ فَيُهَنِّئَهُ بِحُصُولِهَا أَوْ مُصِيبَةٌ فَيُعَزِّيَهُ بِسَبَبِهَا انْتَهَى وَقَالَ الْغَزَالِيُّ الْقِيَامُ عَلَى سَبِيلِ الْإِعْظَامِ مَكْرُوهٌ وَعَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ وَالْإِكْرَامِ لَا يُكْرَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ 8 - (بَاب مَا جَاءَ في تقليم الأظافر) قَوْلُهُ (خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ مِنَ السُّنَّةِ يَعْنِي سُنَنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ الَّتِي أُمِرْنَا أَنْ نَقْتَدِيَ بِهِمْ وَقَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ أَيْ مِنَ السُّنَّةِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي اخْتَارَهَا الْأَنْبِيَاءُ عَلَيْهِمِ السَّلَامُ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهَا الشَّرَائِعُ فَكَأَنَّهَا أَمْرٌ جِبِلِّيٌّ فُطِرُوا عَلَيْهِ مِنْهَا قَصُّ الشَّارِبِ فَسُبْحَانَهُ مَا أَسْخَفَ عُقُولَ قَوْمٍ طَوَّلُوا الشَّارِبَ وَأَحْفُوا اللِّحْيَةَ عَكْسُ مَا عَلَيْهِ فِطْرَةُ جَمِيعِ الْأُمَمِ قَدْ بَدَّلُوا فِطْرَتَهُمْ نَعُوذُ بِاَللَّهِ انْتَهَى وَيُسَوِّغُ الِابْتِدَاءَ بِالنَّكِرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ خَمْسٌ صِفَةُ مَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ خِصَالٌ خَمْسٌ ثُمَّ فَسَّرَهَا أَوْ عَلَى الْإِضَافَةِ أَيْ خَمْسُ خِصَالٍ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالتَّقْدِيرُ الَّذِي شُرِعَ لَكُمْ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ (الِاسْتِحْدَادُ) أَيْ حَلْقُ الْعَانَةِ سُمِّيَ

اسْتِحْدَادًا لِاسْتِعْمَالِ الْحَدِيدَةِ وَهِيَ الْمُوسَى وَهُوَ سُنَّةٌ وَالْمُرَادُ بِهِ نَظَافَةُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَالْأَفْضَلُ فِيهِ الْحَلْقُ وَيَجُوزُ بِالْقَصِّ وَالنَّتْفِ وَالنُّورَةِ وَالْمُرَادُ بِالْعَانَةِ الشَّعْرُ فَوْقَ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَحَوَالَيْهِ وَكَذَلِكَ الشَّعْرُ الَّذِي حَوْلَ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَنُقِلَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ الشَّعْرُ النَّابِتُ حَوْلَ حَلْقَةِ الدُّبُرِ فَيَحْصُلُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذَا اسْتِحْبَابُ حَلْقِ جَمِيعِ مَا عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ وَحَوْلَهُمَا (وَالْخِتَانُ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُثَنَّاةِ مَصْدَرُ خَتَنَ أَيْ قَطَعَ وَالْخَتْنُ بِفَتْحٍ ثُمَّ سُكُونٍ قَطْعُ بَعْضٍ مَخْصُوصٍ عَنْ عُضْوٍ مَخْصُوصٍ وَالْخِتَانُ اسْمٌ لِفِعْلِ الْخَاتِنِ وَلِمَوْضِعِ الْخِتَانِ أَيْضًا كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَالْأَوَّلُ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ خِتَانُ الذَّكَرِ قَطْعُ الْجِلْدَةِ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَوْعِبَ مِنْ أَصْلِهَا عِنْدَ أَوَّلِ الْحَشَفَةِ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهَا مَا يَتَغَشَّى بِهِ شَيْءٌ مِنَ الْحَشَفَةِ وَقَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمُسْتَحَقُّ فِي الرِّجَالِ قَطْعُ الْقُلْفَةِ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي تُغَطِّي الْحَشَفَةَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنَ الجلدة شيء متدل وقال بن الصَّبَّاغِ حَتَّى تَنْكَشِفَ جَمِيعُ الْحَشَفَةِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْمُسْتَحَقُّ مِنْ خِتَانِ الْمَرْأَةِ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ خِتَانُهَا قَطْعُ جِلْدَةٍ تَكُونُ فِي أَعْلَى فَرْجِهَا فَوْقَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ كَالنَّوَاةِ أَوْ كَعُرْفِ الدِّيكِ وَالْوَاجِبُ قَطْعُ الْجِلْدَةِ الْمُسْتَعْلِيَةِ مِنْهُ دُونَ اسْتِئْصَالِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تَخْتِنُ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُنْهِكِي فَإِنَّ ذَلِكَ أَحْظَى لِلْمَرْأَةِ وَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ الْحَافِظُ لَهُ شَاهِدَانِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمِنْ حَدِيثِ أُمِّ أَيْمَنَ عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَقِيقَةِ وَآخَرُ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْخِتَانِ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مُدَّةَ الْخِتَانِ لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ وَاسْتُدِلَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اخْتُتِنَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ مَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَنَةً وَاخْتُتِنَ بِالْقَدُومِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إِلَّا أَنَّ مُسْلِمًا لَمْ يَذْكُرِ السِّنِينَ وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَخْتِنَ الصَّغِيرَ قَبْلَ بُلُوغِهِ وَيَرُدُّهُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عن سعيد بن جبير قال سئل بن عَبَّاسٍ مِثْلُ مَنْ أَنْتَ حِينَ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا يَوْمئِذٍ مَخْتُونٌ وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ وَلَهُمْ أَيْضًا وَجْهٌ أَنَّهُ يَحْرُمُ قَبْلَ عَشْرِ سِنِينَ وَيَرُدُّهُ حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَتَنَ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ يَوْمَ السَّابِعِ مِنْ وِلَادَتِهِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ اسْتُحِبَّ أَنْ يُخْتَتَنَ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ وِلَادَتِهِ وَهَلْ يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلَادَةِ مِنَ السَّبْعِ أَوْ يَكُونُ سَبْعَةً سِوَاهُ فِيهِ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا يُحْسَبُ انْتَهَى وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ

وَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ الْخِتَانَ وَاجِبٌ أَوْ سُنَّةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الْخِتَانِ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَقَالَ بِهِ مِنَ الْقُدَمَاءِ عَطَاءٌ حَتَّى قَالَ لَوْ أَسْلَمَ الْكَبِيرُ لَمْ يَتِمَّ إِسْلَامُهُ حَتَّى يَخْتَتِنَ وَعَنْ أَحْمَدَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ وَعَنْهُ سُنَّةٌ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَفِي وَجْهٍ لِلشَّافِعِيَّةِ لَا يَجِبُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ وَهُوَ الَّذِي أَوْرَدَهُ صَاحِبُ الْمُغْنِي عَنْ أَحْمَدَ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ بِرِوَايَاتٍ لَا يَخْلُو وَاحِدَةٌ مِنْهَا عَنْ مَقَالٍ وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَالْمُتَيَقَّنُ السُّنَّةُ كَمَا فِي حَدِيثِ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ وَالْوَاجِبُ الْوُقُوفُ عَلَى الْمُتَيَقَّنِ إِلَى أَنْ يَقُومَ مَا يُوجِبُ الِانْتِقَالَ عَنْهُ انْتَهَى (وَقَصُّ الشَّارِبِ) أَيْ قَطْعُ الشَّعْرِ النَّابِتِ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْصَالٍ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُفَصَّلًا بَعْدَ بَابٍ (وَنَتْفُ الْإِبِطِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِهَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَصَوَّبَهُ الْجَوَالِيقِيُّ وَهُوَ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَتَأَبُّطُ الشَّيْءِ وَضْعُهُ الشَّيْءَ تَحْتَ إِبِطِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ فِيهِ بِالْيُمْنَى وَيَتَأَدَّى أَصْلُ السُّنَّةِ بِالْحَلْقِ وَلَا سِيَّمَا مَنْ يُؤْلِمُهُ النَّتْفُ وَقَدْ أَخْرَجَ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ دَخَلْتُ عَلَى الشَّافِعِيِّ وَرَجُلٌ يَحْلِقُ إِبِطَهُ فَقَالَ إِنِّي عَلِمْتُ أَنَّ السُّنَّةَ النَّتْفُ وَلَكِنْ لَا أَقْوَى عَلَى الْوَجَعِ قَالَ الْغَزَالِيُّ هُوَ فِي الِابْتِدَاءِ مُوجِعٌ وَلَكِنْ يَسْهُلُ عَلَى مَنِ اعْتَادَهُ قَالَ وَالْحَقُّ كَافٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّظَافَةُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي نَتْفِهِ أَنَّهُ مَحَلٌّ لِلرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَإِنَّمَا يَنْشَأُ ذَلِكَ مِنَ الْوَسَخِ الَّذِي يَجْتَمِعُ بِالْعَرَقِ فِيهِ فَيَتَلَبَّدُ وَيَهِيجُ فَشُرِعَ فِيهِ النَّتْفُ الَّذِي يُضْعِفُهُ فَتَخِفُّ الرَّائِحَةُ بِهِ بِخِلَافِ الْحَلْقِ فَإِنَّهُ يُقَوِّي الشعر ويهيجه فتكثر الرائحة لذلك وقال بن دقيق العيد من نظرإلى اللَّفْظِ وَقَفَ مَعَ النَّتْفِ وَمَنْ نَظَرَ إِلَى الْمَعْنَى أَجَازَهُ بِكُلِّ مُزِيلٍ لَكِنْ بَيَّنَ أَنَّ النَّتْفَ مَقْصُودٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ قَالَ وَهُوَ مَعْنًى ظَاهِرٌ لَا يُهْمَلُ فَإِنَّ مَوْرِدَ النَّصِّ إِذَا احْتَمَلَ مَعْنًى مُنَاسِبًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا فِي الْحُكْمِ لَا يُتْرَكُ وَالَّذِي يَقُومُ مَقَامَ النَّتْفِ فِي ذَلِكَ التَّنَوُّرُ لَكِنَّهُ يُرِقُّ الْجِلْدَ فَقَدْ يَتَأَذَّى صَاحِبُهُ بِهِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ جِلْدُهُ رَقِيقًا وَتُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ فِي إِزَالَتِهِ بِالْيَدِ الْيُمْنَى وَيُزِيلُ مَا فِي الْيُمْنَى بِأَصَابِعِ الْيُسْرَى وَكَذَا الْيُسْرَى إِنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا فَبِالْيُمْنَى (وَتَقْلِيمُ الْأَظْفَارِ) هُوَ تَفْعِيلٌ مِنَ الْقَلْمِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَالْأَظْفَارُ جَمْعُ ظُفُرٍ بِضَمِّ الظَّاءِ وَالْفَاءِ وَبِسُكُونِهَا وَالْمُرَادُ إِزَالَةُ مَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُلَابِسُ رَأْسَ الْأُصْبُعِ مِنَ الظُّفْرِ لِأَنَّ الْوَسَخَ يَجْتَمِعُ فِيهِ فَيُسْتَقْذَرُ وَقَدْ يَنْتَهِي إِلَى حَدٍّ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْمَاءِ إِلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الطَّهَارَةِ قَالَ الْحَافِظُ لَمْ يَثْبُتْ فِي تَرْتِيبِ الْأَصَابِعِ عِنْدَ الْقَصِّ شَيْءٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ لَكِنْ جَزَمَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِمُسَبِّحَةِ الْيُمْنَى ثُمَّ بِالْوُسْطَى ثُمَّ الْبِنْصَرِ ثُمَّ الْخِنْصَرِ ثُمَّ

الْإِبْهَامِ وَفِي الْيُسْرَى بِالْبُدَاءَةِ بِخِنْصَرِهَا ثُمَّ بِالْبِنْصَرِ إلى الابهام فيبدأ فِي الرِّجْلَيْنِ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى إِلَى الْإِبْهَامِ وَفِي الْيُسْرَى بِإِبْهَامِهَا إِلَى الْخِنْصَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِلِاسْتِحْبَابِ مُسْتَنَدًا انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَسْطًا حَسَنًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ شَيْبَةَ) بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدَرِيِّ الْمَكِّيِّ الحجي لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ طَلْقِ) بِسُكُونِ اللَّامِ (بْنِ حَبِيبٍ) الْعَنَزِيِّ بَصْرِيٌّ صَدُوقٌ عَابِدٌ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ) فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ بِلَفْظِ خَمْسٌ مِنَ الْفِطْرَةِ قُلْتُ قِيلَ فِي وَجْهِ الْجَمْعِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أُعْلِمَ أَوَّلًا بِالْخَمْسِ ثُمَّ أُعْلِمَ بِالزِّيَادَةِ وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ فِي ذَلِكَ بِحَسَبِ الْمَقَامِ فَذَكَرَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ اللَّائِقَ بِالْمُخَاطَبِينَ وَقِيلَ ذِكْرُ الْخَمْسِ لَا يُنَافِي الزَّائِدَ لِأَنَّ الْأَعْدَادَ لَا مَفْهُومَ لَهَا (وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ) هُوَ أَنْ يُوَفَّرَ شَعْرُهَا وَلَا يُقَصُّ كَالشَّوَارِبِ مِنْ عَفَا الشَّيْءُ إِذَا كَثُرَ وَزَادَ يُقَالُ أَعْفَيْتُه وَعَفَّيْتُهُ كَذَا فِي النهاية وفي حديث بن عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَفِّرُوا اللِّحَى (وَالسِّوَاكُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ السِّوَاكُ بِكَسْرِ السِّينِ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ وَعَلَى الْعُودِ الَّذِي يُتَسَوَّكُ بِهِ وَهُوَ مُذَكَّرٌ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ يُؤَنَّثُ وَيُذَكَّرُ وَالسِّوَاكُ فِعْلُكَ بِالْمِسْوَاكِ وَيُقَالُ سَاكَ فَمَه يَسُوكُهُ سَوْكًا فَإِنْ قُلْتَ أَسْتَاكُ لَمْ تَذْكُرِ الْفَمَ وَجَمْعُ السِّوَاكِ سُوُكٌ بِضَمَّتَيْنِ كَكِتَابٍ وَكُتُبٍ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ أَنَّهُ يَجُوزُ سُؤُكٌ بِالْهَمْزَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ ثُمَّ قِيلَ إِنَّ السِّوَاكَ مَأْخُوذٌ مِنْ سَاكَ إِذَا دَلَكَ وَقِيلَ مِنْ جَاءَتِ الْإِبِلُ تَسْتَاكُ أَيْ تَتَمَايَلُ هُزَالًا وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْعُلَمَاءِ اسْتِعْمَالُ عُودٍ أَوْ نَحْوِهِ فِي الْأَسْنَانِ لِيُذْهِبَ الصُّفْرَةَ أَوْ غَيْرَهَا عَنْهَا (وَالِاسْتِنْشَاقُ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ اسْتَنْشَقَ أَيْ أَدْخَلَ الْمَاءَ فِي أَنْفِهِ بِأَنْ جَذَبَهُ بِرِيحِ أَنْفِهِ وَاسْتَنْثَرَ بِمُثَنَّاةٍ فَنُونٍ فَمُثَلَّثَةٍ أَيْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ بِرِيحِهِ بِإِعَانَةِ يَدِهِ أَوْ بِغَيْرِهَا بَعْدَ إِخْرَاجِ الْأَذَى لِمَا فِيهِ مِنْ تَنْقِيَةِ مَجْرَى النَّفَسِ انْتَهَى وَالْمُرَادُ هُنَا الِاسْتِنْشَاقُ مَعَ الِاسْتِنْثَارِ وَقَالَ فِيهِ الِاسْتِنْشَاقُ فِي حَدِيثِ عَشْرَةٌ مِنَ الْفِطْرَةِ يُحْتَمَلُ حمله على

ما ورد فيه الشَّرْعِ بِاسْتِحْبَابِهِ مِنَ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِيقَاظِ وَعَلَى مُطْلَقِهِ وَعَلَى حَالِ الِاحْتِيَاجِ بِاجْتِمَاعِ الْأَوْسَاخِ فِي الْأَنْفِ وكذا السواك يحتمل كلا مِنْهَا انْتَهَى (وَقَصُّ الْأَظْفَارِ) أَيْ تَقْلِيمُهَا (وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ) هِيَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْجِيمِ جَمْعُ بُرْجُمَةٍ بِضَمِّ الْبَاءِ وَالْجِيمِ وَهِيَ عَقْدُ الْأَصَابِعِ وَمَفَاصِلُهَا كُلُّهَا وَغَسْلُهَا سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَيَلْتَحِقُ بِالْبَرَاجِمِ مَا يَجْتَمِعُ مِنَ الْوَسَخِ فِي مَعَاطِفِ الْأُذُنِ وَقَعْرِ الصِّمَاخِ فَيُزِيلُهُ بِالْمَسْحِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَضَرَّتْ كَثْرَتُهُ بِالسَّمْعِ وَكَذَلِكَ مَا يَجْتَمِعُ فِي دَاخِلِ الْأَنْفِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْوَسَخِ الْمُجْتَمِعِ عَلَى أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ مِنَ الْبَدَنِ بِالْعَرَقِ وَالْغُبَارِ وَنَحْوِهِمَا (وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ) بِالْقَافِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ تَفْسِيرَهُ بِأَنَّهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَكَذَلِكَ فَسَّرَهُ وَكِيعٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ انْتِقَاصُ الْبَوْلِ بِالْمَاءِ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي غَسْلِ الْمَذَاكِيرِ وَقَطْعِهِ لِيَرْتَدَّ الْبَوْلُ بِرَدْعِ الْمَاءِ وَلَوْ لَمْ يُغْسَلْ لَنَزَلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَشَيْءٌ فَيَعْسُرُ الِاسْتِبْرَاءُ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ عَلَى الْأَوَّلِ الْمُسْتَنْجَى بِهِ وَعَلَى الثَّانِي الْبَوْلُ فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَاءُ الْمَغْسُولُ بِهِ فَالْإِضَافَةُ إِلَى الْفَاعِلِ أَيْ وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ الْبَوْلَ وَانْتَقَصَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ وَاللُّزُومُ أَكْثَرُ وَقِيلَ هُوَ تَصْحِيفٌ وَالصَّحِيحُ وَانْتِفَاضُ بِالْفَاءِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ أَيْضًا وَهُوَ الِانْتِضَاحُ بِالْمَاءِ عَلَى الذَّكَرِ وَهَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّ فِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ وَالِانْتِضَاحُ وَلَمْ يَذْكُرِ انْتِقَاصَ الْمَاءِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ) أَيِ الْعَاشِرَةُ (الْمَضْمَضَةَ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا شَكٌّ مِنْهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَعَلَّهَا الْخِتَانُ الْمَذْكُورُ مَعَ الْخَمْسِ وَهُوَ أَوْلَى انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ فَأَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود وبن ماجه وأما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ فَإِنْ قُلْتُ كَيْفَ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَفِي سَنَدِهِ مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ وَهُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ وَكَيْفَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قُلْتَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مُصْعَبُ بْنُ شيبة وثقه بن مَعِينٍ وَالْعِجْلِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَيَّنَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا فَحَدِيثُهُ حَسَنٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ فَالْحُكْمُ بِصِحَّتِهِ مِنْ هَذِهِ الحيثية سائغ انتهى

باب ما جاء في التوقيت في تقليم الأظفار وأخذ الشارب

49 - (باب ما جاء فِي التَّوْقِيتِ فِي تَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَأَخْذِ الشَّارِبِ) قوله (أخبرنا عبد الصمد) هو بْنِ عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ ذَكْوَانَ التَّمِيمِيُّ (أخبرنا أبو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ) اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ (أَنَّهُ وَقَّتَ) أَيْ بَيَّنَ وَعَيَّنَ (لَهُمْ) أَيْ لِأَجْلِهِمْ (فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) فَلَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عَنْ هَذِهِ الْمُدَّةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ) هُوَ الضُّبَعِيُّ قَوْلُهُ (وُقِّتَ لَنَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّوْقِيتِ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ مِثْلُ قَوْلِهِ أُمِرْنَا بِكَذَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذَا فِي الْفُصُولِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ انْتَهَى وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ بِأَنَّ الْمُؤَقِّتَ هُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْ لَا نَتْرُكَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ لَا نَتْرُكُ تَرْكًا نَتَجَاوَزُ بِهِ أَرْبَعِينَ لَا أَنَّهُ وَقَّتَ لَهُمِ التَّرْكَ أَرْبَعِينَ قَالَ والْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُضْبَطُ بِالْحَاجَةِ وَالطُّولِ فَإِذَا طَالَ حَلَقَ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ بَلِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُضْبَطُ بِالْأَرْبَعِينَ الَّتِي ضَبَطَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَجُوزُ تَجَاوُزُهَا وَلَا يُعَدُّ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ مَنْ تَرَكَ الْقَصَّ وَنَحْوَهُ بَعْدَ الطُّولِ إِلَى انْتِهَاءِ تِلْكَ الْغَايَةِ انْتَهَى فائدة قَالَ الْحَافِظُ لَمْ يَثْبُتْ فِي اسْتِحْبَابِ قَصِّ الظُّفْرِ يَوْمَ الْخَمِيسِ حَدِيثٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ جَعْفَرٌ الْمُسْتَغْفِرِيُّ بِسَنَدٍ مَجْهُولٍ وَرَوَيْنَاهُ فِي مُسَلْسَلَاتِ التَّمِيمِيِّ مِنْ طَرِيقِهِ وَأَقْرَبُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ مُرْسَلِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَظْفَارِهِ وَشَارِبِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَهُ شَاهِدٌ مَوْصُولٌ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنَّ سَنَدَهُ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ

الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا فِي الشُّعَبِ وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْهُ فَقَالَ يُسَنُّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَعَنْهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَعَنْهُ يَتَخَيَّرُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَيْفَ مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بِلَفْظِهِ قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِلَفْظِ كَانَ يُقَلِّمُ أظافيره وَيَقُصُّ شَارِبَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يَرُوحَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ الْمَنَاوِيُّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ فَائِدَةٌ أُخْرَى قَالَ الْحَافِظُ فِي سُؤَالَاتٍ هَا هُنَا عَنْ أَحْمَدَ قُلْتُ لَهُ يَأْخُذُ مِنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ أَيَدْفِنُهُ أَمْ يُلْقِيهِ قَالَ يَدْفِنُهُ قلت بلغك فيه شيء قال كان بن عُمَرَ يَدْفِنُهُ وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِدَفْنِ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ وَقَالَ لَا يَتَلَعَّبُ بِهِ سَحَرَةُ بَنِي آدَمَ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ نَحْوَهُ وَقَدِ اسْتَحَبَّ أَصْحَابُنَا دَفْنَهَا لِكَوْنِهَا أَجْزَاءً مِنَ الْآدَمِيِّ قَالَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ الْحَكِيمِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ رفعه قصوا أظافركم وادفنوا أقلامكم وَنَقُّوا بَرَاجِمَكُمْ وَفِي سَنَدِهِ رَاوٍ مَجْهُولٌ قَوْلُهُ (هَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) أَيْ حَدِيثُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ صَدَقَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ وَحَدِيثُ صدقة بن موسى عن بن عِمْرَانَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَحَدِيثُ جعفر بن سليمان عنه أخرجه مسلم وبن مَاجَهْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ الْعُقَيْلِيُّ فِي حَدِيثِ جَعْفَرٍ هَذَا نَظَرٌ قَالَ وَقَالَ أَبُو عمر يعني بن عَبْدِ الْبَرِّ لَمْ يَرْوِهِ إِلَّا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لِسُوءِ حِفْظِهِ وَكَثْرَةِ غَلَطِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَدْ وَثَّقَ كَثِيرٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ جَعْفَرَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَيَكْفِي فِي تَوْثِيقِهِ احْتِجَاجُ مُسْلِمٍ بِهِ وَقَدْ تَابَعَهُ غَيْرُهُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ العقيلي وبن عَبْدِ الْبَرِّ مَا لَفْظُهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ أَبَا دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيَّ أَخْرَجَاهُ مِنْ رِوَايَةِ صَدَقَةَ بْنِ مُوسَى عَنْ أَبِي عِمْرَانَ وَصَدَقَةُ بْنُ مُوسَى وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَالٌ لَكِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ جعفر لم ينفرد به وقد أخرج بن مَاجَهْ نَحْوَهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَنَسٍ وَفِي عَلِيٍّ أَيْضًا ضعف وأخرجه بن عَدِيٍّ مِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ مِنْ جِهَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِمْرَانَ شَيْخٍ مِصْرِيٍّ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ لَكِنْ أَتَى فِيهِ بِأَلْفَاظٍ مُسْتَغْرَبَةٍ قَالَ أَنْ يَحْلِقَ الرَّجُلُ عَانَتَهُ كُلَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَنْ يَنْتِفَ إِبِطَهُ كُلَّمَا طَلَعَ وَلَا يَدَعُ شَارِبَيْهِ يَطُولَانِ وَأَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ مِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَعَبْدُ اللَّهِ وَالرَّاوِي عَنْهُ مجهولان انتهى

باب ما جاء في قص الشارب

50 - (بَاب مَا جَاءَ فِي قَصِّ الشَّارِبِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ) أَبُو زَكَرِيَّا الْكُوفِيُّ (عن إسرائيل) هو بن يونس الكوفي (عن سماك) هو بن حَرْبٍ قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُصُّ أَوْ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وكان إبراهيم خليل الرحمن إبراهيم يَفْعَلُهُ) أَيِ الْقَصَّ أَوِ الْأَخْذَ أَيْضًا قَالَ الطِّيبِيُّ يَعْنِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْبَعُ سُنَّةَ أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصلاة والسلام كما ينبىء عنه قوله تعالى وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قِيلَ الْكَلِمَاتُ خَمْسٌ فِي الرَّأْسِ وَالْفَرْقِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَالسِّوَاكِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْفَتْحِ وَنَقَلَ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبِيدَةُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (بْنُ حُمَيْدٍ) الْكُوفِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْحَذَّاءِ (عَنْ يُوسُفَ بْنِ صُهَيْبٍ) الْكِنْدِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ حَبِيبِ بْنِ يَسَارٍ) الْكِنْدِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تهذيب التهذيب في تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يُوسُفُ بْنُ صُهَيْبٍ وَغَيْرُهُ أَخْرَجَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي أَخْذِ الشَّارِبِ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ أَوَّلُ مَشَاهِدِهِ الْخَنْدَقُ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَهُ فِي سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ قَوْلُهُ (مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا) أَيْ فَلَيْسَ مِنَ الْعَامِلِينَ بِسُنَّتِنَا وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ

يَدُلَّانِ عَلَى جَوَازِ قَصِّ الشَّارِبِ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَدِّ مَا يُقَصُّ مِنْهُ وَقَدْ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى اسْتِئْصَالِهِ وَحَلْقِهِ لِظَاهِرِ قَوْلِهِ احْفُوا وَانْهَكُوا وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ وَذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ إِلَى مَنْعِ الْحَلْقِ وَالِاسْتِئْصَالِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَكَانَ يَرَى تَأْدِيبَ مَنْ حَلَقَهُ وروى عنه بن الْقَاسِمِ أَنَّهُ قَالَ إِحْفَاءُ الشَّارِبِ مُثْلَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَقُصُّ حَتَّى يَبْدُوَ طَرَفُ الشَّفَةِ وَلَا يُحْفِيهِ مِنْ أَصْلِهِ قَالَ وَأَمَّا رِوَايَةُ احْفُوا الشَّوَارِبَ فَمَعْنَاهَا احْفُوا مَا طَالَ عَنِ الشَّفَتَيْنِ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ يُؤْخَذُ مِنَ الشَّارِبِ حَتَّى يَبْدُوَ أَطْرَافُ الشَّفَةِ قال بن الْقَيِّمِ وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فَكَانَ مَذْهَبُهُمْ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ وَالشَّوَارِبِ أَنَّ الْإِحْفَاءَ أَفْضَلُ مِنَ التَّقْصِيرِ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَذْهَبَهُ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَلْقِ الشَّارِبِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَلَمْ أَجِدْ عَنِ الشَّافِعِيِّ شَيْئًا مَنْصُوصًا فِي هَذَا وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ رَأَيْنَاهُمِ الْمُزَنِيُّ وَالرَّبِيعُ كَانَا يُحْفِيَانِ شَوَارِبَهُمَا وَيَدُلُّ ذَلِكَ أَنَّهُمَا أَخَذَاهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَانَ يحفي شاربه إحفاءا شَدِيدًا وَسَمِعْتُهُ يُسْأَلُ عَنِ السُّنَّةِ فِي إِحْفَاءِ الشارب فقال يحفى وَقَالَ حَنْبَلٌ قِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ تَرَى لِلرَّجُلِ يَأْخُذُ شَارِبَهُ وَيُحْفِيهِ أَمْ كَيْفَ يَأْخُذُهُ قَالَ إِنْ أَحْفَاهُ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ أَخَذَهُ قَصًّا فَلَا بَأْسَ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْمُغْنِي هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُحْفِيَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَقُصَّهُ وَقَدْ رَوَى النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ الْإِحْفَاءِ وَعَدَمِهِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ الْإِحْفَاءَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي أُسَيْدٍ وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَأَبِي هريرة قال بن الْقَيِّمِ وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يَرَ إِحْفَاءَ الشَّوَارِبِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعَيْنِ عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ فَذَكَرَ مِنْهَا قَصَّ الشَّارِبِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْفِطْرَةَ خَمْسٌ وَذَكَرَ مِنْهَا قَصَّ الشَّارِبِ وَاحْتَجَّ الْمُحِفُّونَ بِأَحَادِيثِ الْأَمْرِ بِالْإِحْفَاءِ وهي صحيحة وبحديث بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحْفِي شَارِبَهُ انْتَهَى قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَالْإِحْفَاءُ لَيْسَ كَمَا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ مِنْ أَنَّ مَعْنَاهُ احْفُوا مَا طَالَ عَنِ الشَّفَتَيْنِ بَلِ الْإِحْفَاءُ الِاسْتِئْصَالُ كَمَا فِي الصِّحَاحِ وَالْقَامُوسِ وَالْكَشَّافِ وَسَائِرِ كُتُبِ اللُّغَةِ قَالَ وَرِوَايَةُ الْقَصِّ لَا تُنَافِيهِ لِأَنَّ الْقَصَّ قَدْ يَكُونُ عَلَى جِهَةِ الْإِحْفَاءِ وَقَدْ لَا يَكُونُ وَرِوَايَةُ الْإِحْفَاءِ مُعَيِّنَةٌ لِلْمُرَادِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ شَارِبِهِ فَلَيْسَ مِنَّا لَا يُعَارِضُ رِوَايَةَ الْإِحْفَاءِ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةً يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا وَلَوْ فُرِضَ التَّعَارُضُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَكَانَتْ رِوَايَةُ الْإِحْفَاءِ أَرْجَحَ لِأَنَّهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَخَذَ مِنْ شَارِبِ الْمُغِيرَةِ عَلَى سِوَاكِهِ قَالَ وَهَذَا لَا يَكُونُ مَعَهُ إِحْفَاءٌ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَدَعْوَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَهُ إِحْفَاءٌ مَمْنُوعَةٌ وَهُوَ إِنْ صَحَّ كَمَا ذَكَرَهُ لَا يُعَارِضُ تِلْكَ الْأَقْوَالَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَذَهَبَ الطَّبَرِيُّ إِلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْإِحْفَاءِ وَالْقَصِّ وَقَالَ دَلَّتِ السُّنَّةُ عَلَى الْأَمْرَيْنِ وَلَا تَعَارُضَ فَإِنَّ الْقَصَّ

باب ما جاء في الأخذ من اللحية

يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْبَعْضِ وَالْإِحْفَاءَ يَدُلُّ عَلَى أَخْذِ الْكُلِّ وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ فَيَتَخَيَّرُ فِيمَا شَاءَ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَيُرَجِّحُ قَوْلَ الطَّبَرِيِّ ثُبُوتُ الْأَمْرَيْنِ مَعًا فِي الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ قُلْتُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الطَّبَرِيُّ هُوَ الظَّاهِرُ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّوْكَانِيِّ وَدَعْوَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَعَهُ إِحْفَاءٌ مَمْنُوعَةٌ إِلَخْ فَفِيهِ أَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ مَا قَالَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ أَنَّ هَذَا لَا يَكُونُ مَعَهُ إِحْفَاءٌ قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ نَقْلِ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ ضِفْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ شَارِبِي وَفَى فَقَصَّهُ عَلَى سِوَاكٍ مَا لَفْظُهُ وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ عَلَى سِوَاكٍ فَالرَّاجِحُ أَنَّهُ وَضَعَ سِوَاكًا عِنْدَ الشَّفَةِ تَحْتَ الشَّعْرِ وَأَخَذَ الشَّعْرَ بِالْمِقَصِّ قِيلَ الْمَعْنَى قَصَّهُ عَلَى أَثَرِ سِوَاكٍ أَيْ بَعْدَ مَا تَسَوَّكَ ويؤيد الْأَوَّلَ مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فِيهِ فَوَضَعَ السِّوَاكَ تَحْتَ الشَّارِبِ وَقَصَّ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ رَجُلًا وَشَارِبُهُ طَوِيلٌ فَقَالَ ائْتُونِي بِمِقَصٍّ وَسِوَاكٍ فَجَعَلَ السِّوَاكَ عَلَى طَرَفِهِ ثُمَّ أَخَذَ مَا جَاوَزَهُ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالضِّيَاءُ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْأَخْذِ مِنْ اللِّحْيَةِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ هَارُونَ) بْنِ يَزِيدَ الثَّقَفِيِّ مَوْلَاهُمِ الْبَلْخِيُّ مَتْرُوكٌ وَكَانَ حَافِظًا مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا) بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْعَامِلِ قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْفُوا اللِّحَى لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ هُوَ قَصُّهَا كَفِعْلِ الْأَعَاجِمِ أَوْ جَعْلُهَا كَذَنَبِ الْحَمَامِ

وَالْمُرَادُ بِالْإِعْفَاءِ التَّوْفِيرُ مِنْهَا كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالْأَخْذُ مِنَ الْأَطْرَافِ قَلِيلًا لَا يَكُونُ مِنَ الْقَصِّ فِي شَيْءٍ انْتَهَى قُلْتُ كَلَامُ الطِّيبِيِّ هَذَا حَسَنٌ إِلَّا أَنَّ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عُمَرَ بْنِ هَارُونَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَمَا عَرَفْتَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَنُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ لَا أَعْلَمُ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا إِلَّا هَذَا قَوْلُهُ (وَرَأَيْتُهُ) هَذَا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِمُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيِّ (وَكَانَ صَاحِبَ حَدِيثٍ) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ كَانَ صَاحِبَ حَدِيثٍ بِغَيْرِ الْوَاوِ وَهُوَ الظَّاهِرَ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ) بِفَتْحِ مِيمِ وَجِيمٍ وَسُكُونِ نُونٍ بَيْنَهُمَا مَا يُرْمَى بِهِ الْحِجَارَةُ قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ المنجنيق بكسر الْمِيمُ آلَةٌ تُرْمَى بِهَا الْحِجَارَةُ كَالْمَنْجَنُوقِ مُعَرَّبَةٌ وَقَدْ تُذْكَرُ فَارِسِيَّتُهَا من جه نيك أَيْ أَنَا مَا أَجْوَدَنِي جَمْعُهُ مَنْجَنِيقَاتٌ وَمَجَانِقُ وَمَجَانِيقُ انْتَهَى (مَنْ هَذَا) أَيْ مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي تَرْوِي حَدِيثَ الْمَنْجَنِيقِ عَنْهُ (قَالَ) أَيْ وَكِيعٌ (صَاحِبُكُمْ عُمَرُ بْنُ هَارُونَ) أَيِ الْمَذْكُورُ فِي سَنَدِ حَدِيثِ الْبَابِ فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ ذِكْرِ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا الْمَقَامِ حَدِيثَ الْمَنْجَنِيقِ قُلْتَ لَعَلَّ وَجْهَ ذِكْرِهِ هَا هُنَا أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ فِي حَدِيثِ الْمَنْجَنِيقِ هُوَ عُمَرُ بْنُ هَارُونَ الْمَذْكُورُ فِي سَنَدِ حَدِيثِ الْبَابِ أَوْ وَجْهُ ذِكْرِهِ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ وَكِيعًا مَعَ جَلَالَةِ قَدْرِهِ قَدْ رَوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ هَارُونَ حَدِيثَ الْمَنْجَنِيقِ واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ تَنْبِيهٌ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنْ ثَوْرٍ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَبَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ الْمَنْجَنِيقَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فَلَمْ يَذْكُرْ مَكْحُولًا ذَكَرَهُ مُعْضِلًا عَنْ ثَوْرٍ وَرَوَى أَبُو داود من

باب ما جاء في إعفاء اللحية

مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ شَهْرًا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فَقُلْتُ لِيَحْيَى أَبَلَغَكَ أَنَّهُ رَمَاهُمْ بِالْمَجَانِيقِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ وَقَالَ مَا نَعْرِفُ مَا هَذَا انْتَهَى كَذَا فِي التَّلْخِيصِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِعْفَاءِ اللِّحْيَةِ) قَوْلُهُ (احْفُوا الشَّوَارِبَ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا مِنَ الْإِحْفَاءِ أَوِ الْحَفْوِ وَالْمُرَادُ الْإِزَالَةُ قَالَهُ الْحَافِظُ قُلْتُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ثُلَاثِيًّا وَرُبَاعِيًّا ثُلَاثِيًّا مُجَرَّدًا وَثُلَاثِيًّا مَزِيدًا فِيهِ وَالشَّوَارِبُ جَمْعُ الشَّارِبِ وَالْمُرَادُ بِهِ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الشَّفَةِ الْعُلْيَا وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطًا فِي بَابِ قَصِّ الشَّارِبِ (وَاعْفُوا اللِّحَى) مِنَ الْإِعْفَاءِ وَهُوَ التَّرْكُ وَقَدْ حَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ خَمْسُ رِوَايَاتٍ اعْفُوا وَأَوْفُوا وَأَرْخُوا وَارْجُوا وَوَفِّرُوا وَمَعْنَاهَا كُلُّهَا تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا قَالَ بن السِّكِّيتِ وَغَيْرُهُ يُقَالُ فِي جَمْعِ اللِّحْيَةِ لِحًى وَلُحًى بِكَسْرِ اللَّامِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ قَالَ الْحَافِظُ قَالَ الطَّبَرِيُّ ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَكَرِهُوا تَنَاوُلَ شَيْءٍ مِنَ اللِّحْيَةِ مِنْ طُولِهَا وَمِنْ عَرْضِهَا وَقَالَ قَوْمٌ إِذَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ يُؤْخَذُ الزَّائِدُ ثُمَّ سَاقَ بسنده إلى بن عُمَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَإِلَى عُمَرَ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ وَمِنْ طَرِيقِ أبي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ فَعَلَهُ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ بِسَنَدٍ حَسَنٍ قَالَ كُنَّا نُعَفِّي السِّبَالَ إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَوْلُهُ نُعَفِّي بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيْ نَتْرُكُهُ وَافِرًا وهذا يؤيد ما نقل عن بن عُمَرَ فَإِنَّ السِّبَالَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ سَبَلَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ مَا طَالَ مِنْ شَعْرِ اللِّحْيَةِ فَأَشَارَ جَابِرٌ إِلَى أَنَّهُمْ يُقَصِّرُونَ مِنْهَا فِي النُّسُكِ ثُمَّ حَكَى الطَّبَرِيُّ اخْتِلَافًا فِيمَا يُؤْخَذُ مِنَ اللِّحْيَةِ هَلْ لَهُ حَدٌّ أَمْ لَا فَأَسْنَدَ عَنْ جَمَاعَةٍ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَخْذِ الَّذِي يَزِيدُ مِنْهَا عَلَى قَدْرِ الْكَفِّ وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا مَا لَمْ يَفْحُشْ وَعَنْ عَطَاءٍ نَحْوُهُ قَالَ وَحَمَلَ هَؤُلَاءِ النَّهْيَ عَلَى مَنْعِ مَا كَانَتِ الْأَعَاجِمُ تَفْعَلُهُ مِنْ قَصِّهَا وَتَخْفِيفِهَا قَالَ وَكَرِهَ آخَرُونَ التَّعَرُّضَ لَهَا إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَأَسْنَدَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ وَاخْتَارَ قَوْلَ عَطَاءٍ وَقَالَ إِنَّ الرَّجُلَ لَوْ تَرَكَ لِحْيَتَهُ لَا يَتَعَرَّضُ لَهَا حَتَّى أَفْحَشَ طُولُهَا وَعَرْضُهَا لَعَرَّضَ نَفْسَهُ لِمَنْ يَسْخَرُ بِهِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا انْتَهَى ثُمَّ تَكَلَّمَ الْحَافِظُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُهُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ ثُمَّ قَالَ وقال

عِيَاضٌ يُكْرَهُ حَلْقُ اللِّحْيَةِ وَقَصُّهَا وَتَحْذِيفُهَا وَأَمَّا الْأَخْذُ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا إِذَا عَظُمَتْ فَحَسَنٌ بَلْ تُكْرَهُ الشُّهْرَةُ فِي تَعْظِيمِهَا كَمَا يُكْرَهُ فِي تَقْصِيرِهَا كَذَا قَالَ وَتَعَقَّبَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ الْخَبَرِ فِي الْأَمْرِ بِتَوْفِيرِهَا قَالَ وَالْمُخْتَارُ تَرْكُهَا عَلَى حَالِهَا وَأَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهَا بِتَقْصِيرٍ وَلَا غَيْرِهِ وَكَانَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ فِي غَيْرِ النُّسُكِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ فِيهِ قُلْتُ لَوْ ثَبَتَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ لَكَانَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ أَحْسَنَ الْأَقْوَالِ وَأَعْدَلَهَا لَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ إِذَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ يُؤْخَذُ الزائد واستدل بآثار بن عُمَرَ وَعُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ أَحَادِيثَ الْإِعْفَاءِ الْمَرْفُوعَةِ الصَّحِيحَةِ تَنْفِي هَذِهِ الْآثَارَ فَهَذِهِ الْآثَارُ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهَا مَعَ وُجُودِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ الصَّحِيحَةِ فَأَسْلَمُ الْأَقْوَالِ هُوَ قَوْلُ مِنْ قَالَ بِظَاهِرِ أَحَادِيثِ الْإِعْفَاءِ وَكَرِهَ أَنْ يُؤْخَذَ شَيْءٌ مِنْ طُولِ اللِّحْيَةِ وَعَرْضِهَا واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ اعلم أن أثر بن عُمَرَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الطَّبَرِيُّ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ في صحيحه بلفظ وكان بن عُمَرَ إِذَا حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ فَمَا فَضَلَ أَخَذَهُ قَالَ الْحَافِظُ هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إِلَى نَافِعٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ كَانَ بن عُمَرَ إِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَخَذَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَفِي حَدِيثِ الباب مقدار المأخوذ قال الكرماني لعل بن عُمَرَ أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ فِي النُّسُكِ فَحَلَقَ رَأْسَهُ كُلَّهُ وَقَصَّرَ مِنْ لِحْيَتِهِ ليدخل في عموم قوله تعالى محلقين رؤوسكم ومقصرين وَخَصَّ ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ وَوَفِّرُوا اللِّحَى فَحَمَلَهُ عَلَى حَالَةٍ غَيْرِ حَالَةِ النُّسُكِ قَالَ الحافظ الذي يظهر أن بن عُمَرَ كَانَ لَا يَخُصُّ هَذَا التَّخْصِيصَ بِالنُّسُكِ بَلْ كَانَ يَحْمِلُ الْأَمْرَ بِالْإِعْفَاءِ عَلَى غَيْرِ الْحَالَةِ الَّتِي تَتَشَوَّهُ فِيهَا الصُّورَةُ بِإِفْرَاطِ طُولِ شَعْرِ اللِّحْيَةِ أَوْ عَرْضِهِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَوْلُهُ إِنَّ الْمَسْنُونَ فِي اللِّحْيَةِ أَنْ تَكُونَ قَدْرَ الْقَبْضَةِ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ من طريق مروان بن سالم رأيت بن عُمَرَ يَقْبِضُ عَلَى لِحْيَتِهِ لِيَقْطَعَ مَا زَادَ على الكف وأخرجه بن أبي شيبة وبن سعد ومحمد بن الحسن وروى بن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ وَهَذَا مِنْ فِعْلِ هَذَيْنِ الصَّحَابِيَّيْنِ يُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا احْفُوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى أَخْرَجَهُ مسلم وفي الصحيحين عن بن عُمَرَ مَرْفُوعًا خُذُوا الشَّوَارِبَ وَاعْفُوا اللِّحَى وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ النَّهْيِ عَلَى الِاسْتِئْصَالِ أَوْ مَا قَارَبَهُ بِخِلَافِ الْأَخْذِ الْمَذْكُورِ وَلَا سِيَّمَا أَنَّ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي رَوَاهُ انْتَهَى قُلْتُ فِي هَذَا الْجَمْعِ نَظَرٌ كَمَا لَا يَخْفَى

باب ما جاء في وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ) الْعَدَوِيِّ مَوْلَى بن عُمَرَ مَدَنِيٌّ صَدُوقٌ يُقَالُ اسْمُهُ عُمَرُ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ مُرْسَلَةٌ قَوْلُهُ (أَمَرَ بِإِحْفَاءِ الشَّوَارِبِ وَإِعْفَاءِ اللِّحَى) قَالَ الْخَطَّابِيُّ إِحْفَاءُ الشَّارِبِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ حَتَّى يُحْفَى وَيُرَقَّ وَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا مَعْنَاهُ الِاسْتِقْصَاءُ فِي أَخْذِهِ مِنْ قَوْلِك أَحْفَيْتُ فِي الْمَسْأَلَةِ إِذَا اسْتَقْصَيْتَ فِيهَا وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ تَوْفِيرُهَا مِنْ قَوْلِك عَفَى الْبَثُّ إِذَا طَالَ وَيُقَالُ عَفَى الشَّيْءُ بِمَعْنَى كَثُرَ قَالَ اللَّهُ تعالى حتى عفوا أَيْ كَثُرُوا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَعُمَرُ بْنُ نَافِعٍ ثِقَةٌ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُمَرُ بن نافع العدوي مولى بن عُمَرَ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ المنصور (وعبد الله بن نافع مولى بن عُمَرَ يُضَعَّفُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بن نافع مولى بن عُمَرَ الْمَدَنِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي وَضْعِ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مُسْتَلْقِيًا) قَوْلُهُ (عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمِ) بْنِ غَزِيَّةَ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ (عَنْ عَمِّهِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ أَبُو مُحَمَّدٍ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ رَوَى صِفَةَ الْوُضُوءِ وَغَيْرَ ذَلِكَ وَيُقَالُ إِنَّهُ هُوَ الَّذِي قَتَلَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ وَاسْتُشْهِدَ بِالْحَرَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ قَوْلُهُ (مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُضْطَجِعًا عَلَى ظَهْرِهِ وَالِاسْتِلْقَاءُ هُوَ

الِاضْطِجَاعُ عَلَى الْقَفَا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ نَوْمٌ أَمْ لَا (وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى) حَالٌ مُتَدَاخِلَةٌ أَوْ مُتَرَادِفَةٌ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ اسْتِلْقَاءِ الرَّجُلِ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ الْآتِي فِي النَّهْيِ عَنْ أَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ قُلْتُ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنَّ وَضْعَ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى يَكُونُ عَلَى نَوْعَيْنِ أَنْ تَكُونَ رِجْلَاهُ مَمْدُودَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى وَلَا بَأْسَ بِهَذَا فَإِنَّهُ لَا يَنْكَشِفُ مِنَ الْعَوْرَةِ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ وَأَنْ يَكُونَ نَاصِبًا سَاقَ إِحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَيَضَعُ الرِّجْلَ الْأُخْرَى عَلَى الرُّكْبَةِ الْمَنْصُوبَةِ وَعَلَى هَذَا فَإِنْ لَمْ يَكُنِ انْكِشَافُ الْعَوْرَةِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ سَرَاوِيلُ أَوْ يَكُونَ إِزَارُهُ أَوْ ذَيْلُهُ طَوِيلَيْنِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ أَنَّ النَّهْيَ الْوَارِدَ عَنْ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ أَوْ يُحْمَلُ النَّهْيُ حَيْثُ يُخْشَى أَنْ تَبْدُوَ الْعَوْرَةُ وَالْجَوَازُ حَيْثُ يُؤْمَنُ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ الثَّانِي أَوْلَى مِنَ ادِّعَاءِ النَّسْخِ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وغيرهما من المحدثين وجزم بن بَطَّالٍ وَمَنْ تَبِعَهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو داود والنسائي 4 - باب ما فِي الْكَرَاهِيَةِ فِي ذَلِكَ (عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) هُوَ الْمَكِّيُّ قَوْلُهُ (نَهَى عَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَالِاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ اشْتِمَالِ الصماء

باب ما جاء في كراهية الاضطجاع على البطن

وَالِاحْتِبَاءِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ (وَأَنْ يَرْفَعَ الرَّجُلُ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى وَهُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ) قَدْ تَقَدَّمَ الْجَمْعُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ قَوْلُهُ (وَلَا نَعْرِفُ خِدَاشًا هَذَا مَنْ هُوَ) هو بن عَيَّاشٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ خِدَاشُ بْنُ عَيَّاشٍ الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَعَنْهُ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ العبدي ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُ خِدَاشًا هَذَا مَنْ هُوَ وَقَدْ رَوَى عَنْهُ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ غَيْرَ حَدِيثٍ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ لَيِّنُ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الِاضْطِجَاعِ عَلَى الْبَطْنِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ) الْكِلَابِيُّ الْكُوفِيُّ (وَعَبْدُ الرَّحِيمِ) بْنُ سُلَيْمَانَ أَبُو عَلِيٍّ الْأَشَلُّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ (فَقَالَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ أَوْ لِغَيْرِهِ إِعْرَاضًا عَنْهُ وَاعْتِرَاضًا عَلَيْهِ (إِنَّ هَذِهِ) أَيْ هَذَا الِاضْطِجَاعَ وَتَأْنِيثَهُ لِتَأْنِيثِ خَبَرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ (ضِجْعَةٌ) وَهِيَ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ لِلنَّوْعِ (لَا يُحِبُّهَا اللَّهُ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ بن مَاجَهْ إِنَّمَا هِيَ ضِجْعَةُ أَهْلِ النَّارِ قَوْلُهُ (وفي الباب عن طهفة وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ طِهْفَةَ وَهُوَ بِكَسْرِ الطَّاءِ المهملة وسكون

باب ما جاء في حفظ العورة

الهاء وبالفاء فأخرجه أبو داود والنسائي وبن ماجه وأما حديث بن عُمَرَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ (وَرَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ يَعِيشَ بْنِ طِهْفَةَ عَنْ أَبِيهِ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ إِلَّا أَنَّ فِيهِ عَنْ يَعِيشَ بْنِ طِخْفَةَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ مَكَانَ الْهَاءِ (وَيُقَالُ طِخْفَةُ) أَيْ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (وَالصَّحِيحُ طِهْفَةُ) يَعْنِي بِالْهَاءِ (وَيُقَالُ طِغْفَةُ) يَعْنِي بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (وَقَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ الصَّحِيحُ طِخْفَةُ) يَعْنِي بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ ما لفظه وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِيهِ وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ طهفة قال حدثني أبي وعند بن مَاجَهْ عَنْ قَيْسِ بْنِ طِهْفَةَ مُخْتَصَرًا فِيهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ جِدًّا وَقَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ اخْتُلِفَ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَاضْطُرِبَ فِيهِ اضْطِرَابًا شَدِيدًا فَقِيلَ طِهْفَةُ بِالْهَاءِ وَقِيلَ طِخْفَةُ بِالْخَاءِ وَقِيلَ طِغْفَةُ بِالْغَيْنِ وَقِيلَ طِقْفَةُ بِالْقَافِ وَقِيلَ قَيْسُ بْنُ طِخْفَةَ وَقِيلَ يَعِيشُ بْنُ طِخْفَةَ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طِخْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَدِيثُهُمْ كُلُّهُمْ وَاحِدٌ قَالَ كُنْتُ نَائِمًا فِي الصُّفَّةِ فَرَكَضَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرِجْلِهِ وَقَالَ هَذِهِ نَوْمَةٌ يُبْغِضُهَا اللَّهُ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَمِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الصُّحْبَةَ لِأَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَّهُ صَاحِبُ الْقِصَّةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَقَالَ طِغْفَةُ خَطَأٌ وَذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ يَعِيشَ بْنِ طِخْفَةَ عَنْ قَيْسٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ كَانَ أَبِي وَقَالَ لَا يَصِحُّ قَيْسٌ فِيهِ وَذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَلَا يَصِحُّ أَبُو هُرَيْرَةَ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ طِخْفَةُ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ فَاءٌ وَيُقَالُ بِالْهَاءِ ويقال بالغين المعجمة بن قَيْسٍ الْغِفَارِيُّ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ فِي النَّوْمِ عَلَى الْبَطْنِ مَاتَ بَعْدَ السِّتِّينَ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حِفْظِ الْعَوْرَةِ) قَوْلُهُ (عَوْرَاتُنَا مَا نَأْتِي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ) الْعَوْرَاتُ جَمْعُ عَوْرَةٍ وهي كل ما يستحيي مِنْهُ إِذَا ظَهَرَ

وَهِيَ مِنَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَمِنَ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ جَمِيعُ جَسَدِهَا إِلَّا الْوَجْهُ وَالْيَدَيْنِ إِلَى الْكُوعَيْنِ وَفِي أَخْمُصِهَا خِلَافٌ وَمِنَ الْأَمَةِ كَالرَّجُلِ وَمَا يَبْدُو فِي حَالِ الْخِدْمَةِ كَالرَّأْسِ وَالرُّكْبَةِ وَالسَّاعِدِ فَلَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ وَفِيهِ عِنْدَ الْخَلْوَةِ خِلَافٌ قَالَهُ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ نَذَرُ أَيْ نَتْرُكُ وَأَمَاتَ الْعَرَبُ مَاضِيَ يَذَرُ وَيَدَعُ إِلَّا مَا جَاءَ فِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَا وَدَعَكَ بِالتَّخْفِيفِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ وَالْمَعْنَى أَيُّ عَوْرَةٍ نَسْتُرُهَا وَأَيُّ عَوْرَةٍ نَتْرُكُ سَتْرَهَا (احْفَظْ) أَيِ اسْتُرْ وَصُنْ (عَوْرَتَكَ) مَا بَيْنَ سُرَّتِكَ وَرُكْبَتِكَ (إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا) أَيْ وَالْأَمَةِ الَّتِي (مَلَكَتْ يَمِينُكَ) وَحَلَّ لَكَ وَطْؤُهَا وَعَبَّرَ بِالْيَمِينِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَصَافَحُونَ بِهَا عِنْدَ الْعُقُودِ (فَقَالَ) أَيْ جَدُّ بَهْزٍ (الرَّجُلُ يَكُونُ مَعَ الرَّجُلِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ عِدَّةِ أَبْوَابٍ قَالَ قُلْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ أَيْ مُخْتَلِطُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَا يَقُومُونَ مِنْ مَوْضِعِهِمْ فَلَا نَقْدِرُ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَعَلَى الْحِجَابِ منهم على الوجه الأتم والكمال فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ لِضِيقِ الْإِزَارِ أَوْ لِانْحِلَالِهِ لِبَعْضِ الضَّرُورَةِ فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَكَيْفَ نَحْجُبُ مِنْهُمْ (قَالَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَافْعَلْ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ قَالَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَاهَا أَحَدٌ فَلَا تُرَيْنَهَا (قُلْتُ فَالرَّجُلُ يَكُونُ خَالِيًا) أَيْ فِي خَلْوَةٍ فَمَا حِكْمَةُ الستر حينئذ (فالله أحق أن يستحا مِنْهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ فَاسْتُرْ طَاعَةً لَهُ وَطَلَبًا لِمَا يُحِبُّهُ مِنْكَ وَيُرْضِيهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ فَاسْتُرْ مِنْهُ إِذْ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِتَارُ مِنْهُ تَعَالَى قَالَهُ السِّنْدِيُّ قَالَ الْحَافِظُ مَفْهُومُ قَوْلِهِ إِلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا النَّظَرُ إِلَى ذَلِكَ مِنْهُ وَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّظَرُ لِغَيْرِ مَنِ اسْتَثْنَى وَمِنْهُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ لِلْمَرْأَةِ وَفِيهِ حَدِيثٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (يَعْنِي بِهِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ مُبَاشَرَةِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ) ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ حَدِيثِ بَهْزٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّعَرِّي فِي الْخَلْوَةِ غَيْرُ جَائِزٍ مُطْلَقًا لَكِنِ اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَلَى جَوَازِهِ فِي الْغُسْلِ بِقِصَّةِ مُوسَى وَأَيُّوبَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ عَلَى مَا قال بن بَطَّالٍ أَنَّهُمَا مِمَّا أُمِرْنَا بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ وَهَذَا إِنَّمَا يَأْتِي عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَّ الْقِصَّتَيْنِ وَلَمْ يَتَعَقَّبْ شَيْئًا مِنْهُمَا فَدَلَّ عَلَى مُوَافَقَتِهِمَا لِشَرْعِنَا وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ فِيهِمَا شَيْءٌ غَيْرُ مُوَافِقٍ لَبَيَّنَهُ فَعَلَى هَذَا فَيُجْمَعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ

باب ما جاء في الاتكاء

بِحَمْلِ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَلَى الْأَفْضَلِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ فِي التَّرْجَمَةِ أَيْ بِقَوْلِهِ بَابُ مَنِ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي خَلْوَةٍ وَمَنْ تَسَتَّرَ وَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْحَمَّامِ والنسائي في عشرة النساء وبن مَاجَهْ فِي النِّكَاحِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الِاتِّكَاءِ) قَوْلُهُ (مُتَّكِئًا) حَالٌ مِنْ مَفْعُولِ رَأَيْتَ (على وسادة) متعلق بمتكأ (عَلَى يَسَارِهِ) أَيْ كَائِنَةً عَلَى جَانِبِ يَسَارِهِ أو متعلق بمتكئا بَعْدَ تَقَيُّدِهِ بِالظَّرْفِ الْأَوَّلِ وَهُوَ لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلتَّقْيِيدِ فَيَجُوزُ الِاتِّكَاءُ عَلَى الْوِسَادَةِ يَمِينًا وَيَسَارًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي شَمَائِلِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَبِزِيَادَةٍ عَلَى يَسَارِهِ وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ وَلِذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ غَرِيبٌ قَوْلُهُ (مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ كُلُّ مُعْتَمِدٍ عَلَى شيء متمكن منه فهو متكىء قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَهُ أبو عوانة وبن حبان

باب ما جاء أن الرجل أحق بصدر دابته

58 - باب قَوْلُهُ (عَنْ أَوْسِ بْنِ ضَمْعَجٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ جِيمٌ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ قَوْلُهُ (لَا يُؤَمُّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ) أَيْ فِي مَوْضِعٍ يَمْلِكُهُ أَوْ يَتَسَلَّطُ عَلَيْهِ بِالتَّصَرُّفِ كَصَاحِبِ الْمَجْلِسِ وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَقْرَأَ أَوْ أَعْلَمَ بِالسُّنَّةِ مِنْهُ فَإِنْ شَاءَ تَقَدَّمَ وَإِنْ شَاءَ يُقَدِّمُ غَيْرَهُ وَلَوْ مَفْضُولًا (ولا يجلس) بالبناء المفعول (عَلَى تَكْرِمَتِهِ) التَّكْرِمَةُ الْمَوْضِعُ الْخَاصُّ لِجُلُوسِ الرَّجُلِ مِنْ فِرَاشٍ أَوْ سَرِيرٍ مِمَّا يَعُدُّهُ كَرَامَةً وَهِيَ تَفْعِلَةٌ مِنَ الْكَرَامَةِ (إِلَّا بِإِذْنِهِ) مُتَعَلِّقٌ بِالْجَمِيعِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يُصَلِّ بِهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 9 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الرَّجُلَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِهِ) قَوْلُهُ (بُرَيْدَةَ) بَدَلٌ مِنْ أَبِي قَوْلُهُ (وَتَأَخَّرَ الرَّجُلُ) أَيْ وَأَرَادَ أَنْ يَرْكَبَ خَلْفَهُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ أَوْ تَأَخَّرَ الرَّجُلُ عَنْ حِمَارِهِ أَدَبًا عَنْ أَنْ يَرْكَبَ مَعَهُ فَيَكُونُ كِنَايَةً عَنِ التَّخْلِيَةِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا) أَيْ لَا أَرْكَبُ وَحْدِي أَوْ فِي الصَّدْرِ (أَنْتَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِكَ) صَدْرُهَا مِنْ ظَهْرِهَا مَا يَلِي عُنُقَهَا قَالَ الطيبي لا ها هنا حذف

باب ما جاء في الرخصة في اتخاذ الأنماط

فعله وأنت أَحَقُّ تَعْلِيلٌ لَهُ أَيْ لَا أَرْكَبُ وَأَنْتَ تَأَخَّرْتَ لِأَنَّكَ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِكَ (إِلَّا أَنْ تَجْعَلَهُ) أَيِ الصَّدْرَ (لِي) أَيْ صَرِيحًا (فَرَكِبَ) أَيْ عَلَى صَدْرِهَا فِيهِ بَيَانُ إِنْصَافِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَوَاضُعِهِ وَإِظْهَارِ الْحَقِّ الْمُرِّ حَيْثُ رَضِيَ أَنْ يَرْكَبَ خَلْفَهُ وَلَمْ يَعْتَمِدْ عَلَى غَالِبِ رِضًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي اتِّخَاذِ الْأَنْمَاطِ) قَوْلُهُ (هَلْ لَكُمْ أَنْمَاطٌ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجْتُ اتَّخَذْتُ أَنْمَاطًا قَالَ النَّوَوِيُّ الْأَنْمَاطُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ نَمَطٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمِيمِ وَهُوَ ظِهَارَةُ الْفِرَاشِ وَقِيلَ ظَهْرُ الْفِرَاشِ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى بِسَاطٍ لَطِيفٍ لَهُ خَمْلٌ يُجْعَلُ عَلَى الْهَوْدَجِ وَقَدْ يُجْعَلُ سِتْرًا وَمِنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي بَابِ الصُّوَرِ قَالَتْ فَأَخَذْتَ نَمَطًا فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ وَالْمُرَادُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هُوَ النَّوْعُ الْأَوَّلُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ النَّمَطُ بِسَاطٌ لَهُ خَمْلٌ رَقِيقٌ (وَأَنَّى تَكُونُ لَنَا أَنْمَاطٌ) بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ التَّحْتِيَّةِ (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّهَا) الضَّمِيرُ لِلْقِصَّةِ (سَتَكُونُ) تَامَّةً قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ جَوَازُ اتِّخَاذِ الْأَنْمَاطِ إِذْ لَمْ تَكُنْ مِنْ حَرِيرٍ وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ بِإِخْبَارِهِ بِهَا وَكَانَتْ كَمَا أَخْبَرَ قَالَ الْحَافِظُ وَفِي اسْتِدْلَالِهَا عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِ الْأَنْمَاطِ بِإِخْبَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهَا سَتَكُونُ نَظَرٌ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ بِأَنَّ الشَّيْءَ سَيَكُونُ لَا يَقْتَضِي إِبَاحَتَهُ إِلَّا إِنِ اسْتَدَلَّ الْمُسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى التَّقْرِيرِ فَيَقُولُ أَخْبَرَ الشَّارِعُ بِأَنَّهُ سَيَكُونُ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ فَكَأَنَّهُ أَقَرَّهُ

باب ما جاء في ركوب ثلاثة على دابة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ حَسَنٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رُكُوبِ ثَلَاثَةٍ عَلَى دَابَّةٍ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ مُوسَى الْجُرَشِيُّ بِالْجِيمِ الْمَضْمُومَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَبُو مُحَمَّدٍ الْيَمَامِيُّ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ ثِقَةٌ لَهُ أَفْرَادٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَوْلُهُ (لَقَدْ قُدْتُ) مِنَ الْقَوْدِ وَهُوَ نَقِيضُ السَّوْقِ فَهُوَ مِنْ أَمَامٍ وَذَاكَ مِنْ خَلْفٍ كَالْقِيَادَةِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ قود كشيدن ستور وجزآن مِنْ بَابِ نَصَرَ يَنْصُرُ (بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَى بَغْلَتِهِ الشَّهْبَاءِ) الشُّهْبَةُ فِي الْأَلْوَانِ الْبَيَاضُ الْغَالِبُ عَلَى السَّوَادِ (هَذَا قُدَّامُهُ) أَيْ قُدَّامُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ) أَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ قَالَ لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ اسْتَقْبَلَتْهُ أُغَيْلِمَةُ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَحَمَلَ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِنَا فَيُلَقَّى بِي أَوْ بِالْحَسَنِ أَوْ بِالْحُسَيْنِ فَجَعَلَ أَحَدَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْآخَرَ خَلْفَهُ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (تَنْبِيهٌ) اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ عَنْ رُكُوبِ الثَّلَاثَةِ عَلَى الدَّابَّةِ الْوَاحِدَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ أَنَّ الْجَوَازَ إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مُطِيقَةً وَالْمَنْعَ إِذَا كَانَتْ عَاجِزَةً غَيْرَ

باب ما جاء في نظر الفجاءة

مُطِيقَةٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ عَنْ جَابِرٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْكَبَ ثَلَاثَةٌ عَلَى دَابَّةٍ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ لَا يَرْكَبُ الدَّابَّةَ فَوْقَ اثْنَيْنِ وفي سنده لين وأخرج بن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ مُرْسَلِ زَاذَانَ أَنَّهُ رَأَى ثَلَاثَةً عَلَى بَغْلٍ فَقَالَ لِيَنْزِلْ أَحَدُكُمْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ الثَّالِثَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِرَفْعِهِ وَمِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَوْلَهُ مِثْلَهُ وَمِنْ حَدِيثِ الْمُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ أَنَّهُ لَعَنَ فَاعِلَ ذَلِكَ وَقَالَ إِنَّا قَدْ نُهِينَا أَنْ يَرْكَبَ الثَّلَاثَةُ عَلَى الدَّابَّةِ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمْ ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ فَارْجُمُوهُمْ حَتَّى يَنْزِلَ أَحَدُهُمْ وَعَكْسُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا بِسَنَدٍ جيد عن بن مَسْعُودٍ قَالَ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةٌ عَلَى بعير وأخرج الطبراني وبن أَبِي شَيْبَةَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ عَنِ بن عُمَرَ قَالَ مَا أُبَالِي أَنْ أَكُونَ عَاشِرَ عَشْرَةٍ عَلَى دَابَّةٍ إِذَا أَطَاقَتْ حَمْلَ ذَلِكَ وَبِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُخْتَلِفِ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ فَيُحْمَلُ مَا وَرَدَ فِي الزَّجْرِ عَنْ ذَلِكَ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ غَيْرَ مُطِيقَةٍ كَالْحِمَارِ مَثَلًا وَعَكْسُهُ عَلَى عَكْسِهِ كَالنَّاقَةِ وَالْبَغْلَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً جَوَازُ رُكُوبِ ثَلَاثَةٍ عَلَى الدَّابَّةِ إِذَا كَانَتْ مُطِيقَةً وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ مَنْعَهُ عَنْ بَعْضِهِمْ مُطْلَقًا وَهُوَ فَاسِدٌ قَالَ الْحَافِظُ لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ بِالْجَوَازِ مَعَ الْعَجْزِ وَلَا بِالْمَنْعِ مَعَ الطَّاقَةِ بَلِ الْمَنْقُولُ مِنَ الْمُطْلَقِ فِي الْمَنْعِ وَالْجَوَازِ مَحْمُولٌ عَلَى الْقَيْدِ انْتَهَى 2 - (بَاب مَا جَاءَ في نظر الفجاءة) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ) بْنُ بَشِيرِ بْنِ الْقَاسِمِ (أَخْبَرَنَا يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ) بْنِ دِينَارٍ الْعَبْدِيِّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ) الْقُرَشِيِّ أَوِ الثَّقَفِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظْرَةِ الْفُجَاءَةِ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ وَمَدٍّ بِفَتْحٍ وَسُكُونٍ وَقَصْرٍ أَيْ أَنْ يَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ قَالَ في النهاية يقال فجأه الأمر وفجاءة بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ وَفَاجَأَهُ مُفَاجَأَةً إِذَا جَاءَهُ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ سَبَبٍ وَقَيَّدَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ عَلَى الْمَرْأَةِ انْتَهَى (فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي) أَيْ لَا أَنْظُرُ مَرَّةً ثَانِيَةً لِأَنَّ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَكُنْ بِالِاخْتِيَارِ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهَا فَإِنْ أَدَامَ النَّظَرَ أَثِمَ وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَقُلْ للمؤمنين يغضوا من أبصارهم

باب ما جاء في احتجاب النساء من الرجال

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالُوا فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لَهَا وَيَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إِلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي قوله (أخبرنا شريك) هو بن عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيِّ الْقَاضِي (عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ) الْإِيَادِي مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قِيلَ اسْمُهُ عُمَرُ بن ربيعة (عن بن بُرَيْدَةَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ قَوْلُهُ (لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ) مِنَ الْإِتِّبَاعِ أَيْ لَا تُعْقِبْهَا إِيَّاهَا وَلَا تَجْعَلْ أُخْرَى بَعْدَ الْأُولَى (فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى) أَيِ النَّظْرَةَ الْأُولَى إِذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ (وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ) أَيِ النَّظْرَةُ الْآخِرَةُ لِأَنَّهَا بِاخْتِيَارِكَ فَتَكُونُ عَلَيْك قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالدَّارِمِيُّ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي احْتِجَابِ النِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ) الْأَيْلِيُّ (عَنْ نَبْهَانَ) الْمَخْزُومِيِّ مَوْلَاهُمْ كُنْيَتُهُ أَبُو يَحْيَى الْمَدَنِيُّ مُكَاتَبُ أُمِّ سَلَمَةَ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَيْمُونَةُ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمُسْتَتِرِ فِي كَانَتْ وَسَوَّغَهُ الْفِعْلُ وَتُرْوَى مَنْصُوبَةً عَطْفًا عَلَى اسْمِ أَنَّ وَمَجْرُورَةً عَطْفًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْأَوْجَهُ الْعَطْفُ عَلَى اسْمِ أَنَّ لِيُشْعِرَ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةُ دَاخِلَةٌ عَلَيْهَا لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْمَعْطُوفِ وَإِيقَاعَ الْفَصْلِ يَدُلُّ عَلَى أَصَالَةِ الْأُولَى وَتَبَعِيَّةِ الثَّانِيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ البيت وإسماعيل أَوْقَعَ الْفَصْلَ لِيَدُلَّ

عَلَى أَنَّ إِسْمَاعِيلَ تَابِعٌ لَهُ فِي الرَّفْعِ وَلَوْ عَطَفَ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ أَوْهَمَ الشَّرِكَةَ (أقبل بن أُمِّ مَكْتُومٍ) وَهُوَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ أَنْ جاءه الأعمى (فدخل عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَفَعَمْيَاوَانِ) تَثْنِيَةُ عَمْيَاءَ تَأْنِيثُ أَعْمَى (أَلَسْتُمَا تُبْصِرَانِهِ) قِيلَ فِيهِ تَحْرِيمُ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الْأَجْنَبِيِّ مُطْلَقًا وَبَعْضٌ خَصَّهُ بِحَالِ خَوْفِ الْفِتْنَةِ عَلَيْهَا جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ عَائِشَةَ كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ وَمَنْ أَطْلَقَ التَّحْرِيمَ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ آيَةِ الْحِجَابِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ نَظَرُ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ فِيمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ بِلَا شَهْوَةٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْوَرَعِ وَالتَّقْوَى قَالَ السُّيُوطِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ كَانَ النَّظَرُ إِلَى الْحَبَشَةِ عَامَ قُدُومِهِمْ سَنَةَ سَبْعٍ وَلِعَائِشَةَ يَوْمئِذٍ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَذَلِكَ بَعْدَ الْحِجَابِ فَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الرَّجُلِ انْتَهَى وَبِدَلِيلِ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَحْضُرْنَ الصَّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الْمَسْجِدِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَقَعَ نَظَرُهُنَّ إِلَى الرِّجَالِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَمْ يُؤْمَرْنَ بِحُضُورِ الْمَسْجِدِ وَالْمُصَلَّى وَلِأَنَّهُ أُمِرَتِ النِّسَاءُ بِالْحِجَابِ عَنِ الرِّجَالِ وَلَمْ يُؤْمَرِ الرِّجَالُ بِالْحِجَابِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا مَا لَفْظُهُ هَذَا لِأَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً أَلَا تَرَى إِلَى اعْتِدَادِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قيس عند بن أُمِّ مَكْتُومٍ قَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ اعْتَدِّي عِنْدَ بن أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ عِنْدَهُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ هَذَا جَمْعٌ حَسَنٌ وَبِهِ جَمَعَ الْمُنْذِرِيُّ فِي حَوَاشِيهِ وَاسْتَحْسَنَهُ شَيْخُنَا انْتَهَى وَقَالَ فِي الْفَتْحِ الْأَمْرُ بالاحتجاب من بن مكتوم لعلمه لكون الْأَعْمَى مَظِنَّةَ أَنْ يَنْكَشِفَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَشْعُرُ بِهِ فَلَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمُ جَوَازِ النَّظَرِ مُطْلَقًا قَالَ وَيُؤَيِّدُ الْجَوَازَ اسْتِمْرَارُ الْعَمَلِ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَالْأَسْفَارِ مُنْتَقِبَاتٍ لِئَلَّا يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ وَلَمْ يُؤْمَرِ الرِّجَالُ قَطُّ بِالِانْتِقَابِ لِئَلَّا يَرَاهُمْ النِّسَاءُ فَدَلَّ عَلَى مُغَايَرَةِ الْحُكْمِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ نَبْهَانَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْهَا وَإِسْنَادُهُ قَوِيٌّ وَأَكْثَرُ مَا عُلِّلَ بِهِ

باب ما جاء في النهي عن الدخول على النساء

انْفِرَادُ الزُّهْرِيِّ بِالرِّوَايَةِ عَنْ نَبْهَانَ وَلَيْسَتْ بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ فَإِنَّ مَنْ يَعْرِفُهُ الزُّهْرِيُّ وَيَصِفُهُ بِأَنَّهُ مُكَاتَبُ أُمِّ سَلَمَةَ وَلَمْ يُجَرِّحْهُ أَحَدٌ لَا تُرَدُّ رِوَايَتُهُ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عن الدُّخُولُ عَلَى النِّسَاءِ) إِلَّا بِإِذْنِ أَزْوَاجِهِنَّ قَوْلُهُ (عَنِ الْحَكَمِ) بْنِ عُتَيْبَةَ (عَنْ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ) كُنْيَتُهُ أَبُو قَيْسٍ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرحمن بن ثابت وقيل بن الْحَكَمِ وَهُوَ غَلَطٌ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (أَرْسَلَهُ) أَيْ أَرْسَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مَوْلَاهُ (يَسْتَأْذِنُهُ عَلَى أَسْمَاءَ ابْنَةِ عُمَيْسٍ) الْخَثْعَمِيَّةِ صَحَابِيَّةٌ تَزَوَّجَهَا جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عَلِيٌّ وَوَلَدَتْ لَهُمْ وَهِيَ أُخْتُ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لِأُمِّهَا مَاتَتْ بَعْدَ عَلِيٍّ وَالْمَعْنَى أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ أَرْسَلَ مَوْلَاهُ لِيَسْتَأْذِنَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَدْخُلَ هُوَ عَلَى زَوْجَتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ لِحَاجَةٍ لَهُ (فَأَذِنَ) أَيْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (لَهُ) أَيْ لِدُخُولِهِ عَلَيْهَا (حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ) أَيْ فَدَخَلَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ عَلَى أَسْمَاءَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ إِلَخْ (نَهَانَا أَوْ نَهَى أَنْ نَدْخُلَ عَلَى النِّسَاءِ بِغَيْرِ إِذْنِ أَزْوَاجِهِنَّ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدُّخُولُ عَلَى النِّسَاءِ إِلَّا بِإِذْنِ أَزْوَاجِهِنَّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ

باب ما جاء في تحذير فتنة النساء

65 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَحْذِيرِ فِتْنَةِ النِّسَاءِ) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ) النَّهْدِيِّ قَوْلُهُ (مَا تَرَكْتُ بَعْدِي) أَيْ مَا أَتْرُكُ وَعَبَّرَ بِالْمَاضِي لِتَحَقُّقِ الْمَوْتِ (فِتْنَةً) أَيِ امْتِحَانًا وَبَلِيَّةً (أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ) لِأَنَّ الطِّبَاعَ كَثِيرًا تَمِيلُ إِلَيْهِنَّ وَتَقَعُ فِي الْحَرَامِ لِأَجْلِهِنَّ وَتَسْعَى لِلْقِتَالِ وَالْعَدَاوَةِ بِسَبَبِهِنَّ وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ تُرَغِّبَهُ فِي الدُّنْيَا وَأَيُّ فَسَادٍ أَضَرُّ مِنْ هَذَا وَإِنَّمَا قال بعدي لأن كونهن فتنة أضر ظهر بَعْدَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْحَدِيثِ إِنَّ الْفِتْنَةَ بِالنِّسَاءِ أَشَدُّ مِنَ الْفِتْنَةِ بِغَيْرِهِنَّ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ فَجَعَلَهُنَّ مِنْ عَيْنِ الشَّهَوَاتِ وَبَدَأَ بِهِنَّ قَبْلَ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُنَّ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ النِّسَاءُ شَرٌّ كُلُّهُنَّ وَأَشَرُّ مَا فِيهِنَّ عَدَمُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُنَّ وَمَعَ أَنَّهَا نَاقِصَةُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ تَحْمِلُ الرَّجُلَ عَلَى تَعَاطِي مَا فِيهِ نَقْصُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ كَشَغْلِهِ عَنْ طَلَبِ أُمُورِ الدِّينِ وَحَمْلِهِ عَلَى التَّهَالُكِ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا وَذَلِكَ أَشَدُّ الْفَسَادِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي النِّكَاحِ وَمُسْلِمٌ فِي آخِرِ الدَّعَوَاتِ والنسائي في عشرة النساء وبن مَاجَهْ فِي الْفِتَنِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَسَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ

باب ما جاء في كراهية اتخاذ القصة

66 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ اتِّخَاذِ الْقُصَّةِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حُمَيْدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ قَوْلُهُ (خَطَبَ بِالْمَدِينَةِ) أَيْ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ آخِرَ قَدَمَةٍ قَدِمَهَا وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَهِيَ آخِرُ حَجَّةٍ حَجَّهَا مُعَاوِيَةُ فِي خِلَافَتِهِ (أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعُلَمَاءَ إِذْ ذَاكَ فِيهِمْ كَانُوا قَدْ قَلُّوا وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ غَالِبَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يَوْمئِذٍ قَدْ مَاتُوا وَكَأَنَّهُ رَأَى جُهَّالَ عَوَامِّهِمْ صَنَعُوا ذَلِكَ فَأَرَادَ أَنْ يُذَكِّرَ عُلَمَاءَهُمْ وَيُنَبِّهَهُمْ بِمَا تَرَكُوهُ مِنْ إِنْكَارِ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ مَنْ بَقِيَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمِنْ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ إِذْ ذَاكَ الْإِنْكَارَ إِمَّا لِاعْتِقَادِ عَدَمِ التَّحْرِيمِ مِمَّنْ بَلَغَهُ الْخَبَرُ فَحَمَلَهُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ أَوْ كَانَ يَخْشَى مِنْ سَطْوَةِ الْأُمَرَاءِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عَلَى مَنْ يَسْتَبِدُّ بِالْإِنْكَارِ لِئَلَّا يُنْسَبَ إِلَى الِاعْتِرَاضِ عَلَى أُولِي الْأَمْرِ أَوْ كَانُوا مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْهُمُ الْخَبَرُ أَصْلًا أَوْ بَلَغَ بَعْضَهُمْ لَكِنْ لَمْ يَتَذَكَّرُوهُ حَتَّى ذَكَّرَهُمْ بِهِ مُعَاوِيَةُ فَكُلُّ هَذِهِ أَعْذَارٌ مُمْكِنَةٌ لِمَنْ كَانَ مَوْجُودًا إِذْ ذَاكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا مَنْ حَضَرَ خُطْبَةَ مُعَاوِيَةَ وَخَاطَبَهُمْ بِقَوْلِهِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ فَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي خُطْبَةٍ غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَتَّفِقْ أَنْ يَحْضُرَهُ إِلَّا مَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فَقَالَ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ لِأَنَّ الْخِطَابَ بِالْإِنْكَارِ لَا يَتَوَجَّهُ إِلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ الْحُكْمَ وَأَقَرَّهُ (عَنْ هَذِهِ الْقُصَّةِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْخُصْلَةُ مِنَ الشَّعْرِ وَفِي رِوَايَةٍ كُبَّةٌ مِنْ شَعْرٍ (وَيَقُولُ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى يَنْهَى وَفَاعِلُ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا فَعَلُوهُ كَانَ سَبَبًا لِهَلَاكِهِمْ مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَى ذَلِكَ مِنَ ارْتِكَابِهِمْ مَا ارْتَكَبُوهُ مِنَ الْمَنَاهِي قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ فِي مَنْعِ وَصْلِ الشَّعْرِ بِشَيْءٍ آخَرَ سَوَاءٌ كَانَ شَعْرًا أَمْ لَا وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ زَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِشَعْرِهَا شَيْئًا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَذَهَبَ اللَّيْثُ وَنَقَلَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ وَصْلُ الشَّعْرِ بِالشَّعْرِ وَأَمَّا إِذَا وَصَلَتْ شَعْرَهَا بِغَيْرِ الشَّعْرِ مِنْ خِرْقَةٍ وَغَيْرِهَا فَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ لَا بَأْسَ بِالْقَرَامِلِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ

باب ما جاء في الواصلة والمستوصلة والواشمة

وَالْقَرَامِلُ جَمْعُ قَرْمَلَةٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ نَبَاتٌ طَوِيلُ الْفُرُوعِ لَيِّنٌ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا خُيُوطٌ مِنْ حَرِيرٍ أَوْ صُوفٍ يُعْمَلُ ضَفَائِرَ تَصِلُ بِهِ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا وَفَصَلَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ مَا وُصِلَ بِهِ الشَّعْرَ مِنْ غَيْرِ الشَّعْرِ مَسْتُورًا بَعْدَ عَقْدِهِ مَعَ الشَّعْرِ بِحَيْثُ يُظَنُّ أَنَّهُ مِنَ الشَّعْرِ وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ ظَاهِرًا فَمَنَعَ الْأَوَّلَ قَوْمٌ فَقَطْ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّدْلِيسِ وَهُوَ قَوِيٌّ وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ الْوَصْلَ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِشَعْرٍ آخَرَ أَوْ بِغَيْرِ شَعْرٍ إِذَا كَانَ بِعِلْمِ الزَّوْجِ وَبِإِذْنِهِ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 7 - (بَابَ مَا جَاءَ فِي الْوَاصِلَةِ وَالْمُسْتَوْصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ) وَالْمُسْتَوْشِمَةِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبِيدَةُ) بفتح العين (عن عبد الله) أي بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (لَعَنَ الْوَاشِمَاتِ) جَمْعُ وَاشِمَةٍ بِالشِّينِ المعجمة وهي التي تشم (والمستوشمات) جمع مُسْتَوْشِمَةٍ وَهِيَ الَّتِي تَطْلُبُ الْوَشْمَ (وَالْمُتَنَمِّصَاتِ) جَمْعُ مُتَنَمِّصَةٍ وَالْمُتَنَمِّصَةُ الَّتِي تَطْلُبُ النِّمَاصَ وَالنَّامِصَةُ الَّتِي تَفْعَلُهُ وَالنِّمَاصُ إِزَالَةُ شَعْرِ الْوَجْهِ بِالْمِنْقَاشِ وَيُسَمَّى الْمِنْقَاشُ مِنْمَاصًا لِذَلِكَ وَيُقَالُ إِنَّ النِّمَاصَ يَخْتَصُّ بِإِزَالَةِ شَعْرِ الْحَاجِبَيْنِ لِتَرْقِيقِهِمَا أَوْ تَسْوِيَتِهِمَا قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي السُّنَنِ النَّامِصَةُ الَّتِي تَنْقُشُ الْحَاجِبَ حَتَّى تُرِقَّهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ تَغْيِيرُ شَيْءٍ مِنْ خِلْقَتِهَا الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ عَلَيْهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ الْتِمَاسَ الْحُسْنِ لَا لِلزَّوْجِ وَلَا لِغَيْرِهِ كَمَنْ تَكُونُ مَقْرُونَةَ الْحَاجِبَيْنِ فَتُزِيلُ مَا بَيْنَهُمَا تُوهِمُ الْبُلْجَ وَعَكْسُهُ وَمَنْ تَكُونُ لَهَا سِنٌّ زَائِدَةٌ فَتَقْلَعُهَا أَوْ طَوِيلَةٌ فَتَقْطَعُ مِنْهَا أَوْ لِحْيَةٌ أَوْ شَارِبٌ أَوْ عَنْفَقَةٌ فَتُزِيلُهَا بِالنَّتْفِ وَمَنْ يَكُونُ شَعْرُهَا قَصِيرًا أَوْ حَقِيرًا فَتُطَوِّلُهُ أَوْ تُغْزِرُهُ بِشَعْرِ غَيْرِهَا فَكُلُّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي النَّهْيِ وَهُوَ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الضَّرَرُ وَالْأَذِيَّةُ كَمَنْ يَكُونُ لَهَا سِنٌّ زَائِدَةٌ أَوْ طَوِيلَةٌ تُعِيقُهَا فِي الْأَكْلِ أَوْ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ تُؤْذِيهَا أَوْ تُؤْلِمُهَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ وَالرَّجُلُ فِي هَذَا الأخير كالمرأة

باب ما جاء في المتشبهات بالرجال من النساء

وَقَالَ النَّوَوِيُّ يُسْتَثْنَى مِنَ النِّمَاصِ مَا إِذَا نَبَتَ لِلْمَرْأَةِ لِحْيَةٌ أَوْ شَارِبٌ أَوْ عَنْفَقَةٌ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا إِزَالَتُهَا بَلْ يُسْتَحَبُّ (مُبْتَغِيَاتٌ لِلْحُسْنِ) أَيْ طَالِبَاتٌ لَهُ حَالٌ عَنِ الْمَذْكُورَاتِ (مُغَيِّرَاتٌ خَلْقَ اللَّهِ) هِيَ أَيْضًا حَالٌ وَهِيَ كَالتَّعْلِيلِ لِوُجُوبِ اللَّعْنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُوَيْدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ مُوَاصَلَةِ الشَّعْرِ مِنْ أَبْوَابِ اللِّبَاسِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ إِلَخْ) تَقَدَّمَ تخريج أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ 8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُتَشَبِّهَاتِ بِالرِّجَالِ مِنْ النِّسَاءِ) قَوْلُهُ (وَهَمَّامٌ) هُوَ بن يَحْيَى الْأَزْدِيُّ الْعَوْذِيُّ قَوْلُهُ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُتَشَبِّهَاتِ بِالرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ

قَالَ الطَّبَرِيُّ الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ التَّشَبُّهُ بِالنِّسَاءِ فِي اللِّبَاسِ وَالزِّينَةِ الَّتِي تَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ وَلَا الْعَكْسُ قَالَ الْحَافِظُ وَكَذَا فِي الْكَلَامِ وَالْمَشْيِ فَأَمَّا هَيْئَةُ اللِّبَاسِ فَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ عَادَةِ كُلِّ بَلَدٍ فَرُبَّ قَوْمٍ لَا يَفْتَرِقُ زِيُّ نِسَائِهِمْ مِنْ رِجَالِهِمْ فِي اللُّبْسِ لَكِنْ يَمْتَازُ النِّسَاءُ بِالِاحْتِجَابِ وَالِاسْتِتَارِ وَأَمَّا ذَمُّ التَّشَبُّهِ بِالْكَلَامِ وَالْمَشْيِ فَمُخْتَصٌّ بِمَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَأَمَّا مَنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ فَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِتَكَلُّفِ تَرْكِهِ وَالْإِدْمَانُ عَلَى ذَلِكَ بِالتَّدْرِيجِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَتَمَادَى دَخَلَهُ الذَّمُّ وَلَا سِيَّمَا إِنْ بَدَا مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بِهِ وَأَخْذُ هَذَا وَاضِحٌ مِنْ لَفْظِ الْمُتَشَبِّهِينَ وَأَمَّا إِطْلَاقُ مَنْ أَطْلَقَ كَالنَّوَوِيِّ أَنَّ الْمُخَنَّثَ الْخِلْقِيَّ لَا يُتَّجَهُ عَلَيْهِ اللَّوْمُ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَرْكِ التَّثَنِّي وَالتَّكَسُّرِ فِي الْمَشْيِ وَالْكَلَامِ بَعْدَ تَعَاطِيهِ الْمُعَالَجَةَ لِتَرْكِ ذَلِكَ وَإِلَّا مَتَى كَانَ تَرْكُ ذَلِكَ مُمْكِنًا وَلَوْ بِالتَّدْرِيجِ فَتَرَكَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ لَحِقَهُ اللَّوْمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والبخاري وأبو داود وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ) بِفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ وَكَسْرِهَا وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ أَيِ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ فِي الزِّيِّ وَاللِّبَاسِ وَالْخِضَابِ وَالصَّوْتِ وَالصُّورَةِ وَالتَّكَلُّمِ وَسَائِرِ الْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ مِنْ خَنِثَ يَخْنَثُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ إِذَا لَانَ وَتَكَسَّرَ فَهَذَا الْفِعْلُ مَنْهِيٌّ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخَنَّثُ ضِرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَنْ خُلِقَ كَذَلِكَ وَلَمْ يَتَكَلَّفِ التَّخَلُّقَ بِأَخْلَاقِ النِّسَاءِ وَزِيِّهِنَّ وَكَلَامِهِنَّ وَحَرَكَاتِهِنَّ وَهَذَا لَا ذَمَّ عَلَيْهِ وَلَا إِثْمَ وَلَا عَيْبَ وَلَا عُقُوبَةَ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَالثَّانِي مَنْ يَتَكَلَّفُ أَخْلَاقَ النِّسَاءِ وَحَرَكَاتِهِنَّ وَسَكَنَاتِهِنَّ وَكَلَامَهُنَّ وَزِيَّهُنَّ فَهَذَا هُوَ الْمَذْمُومُ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ لَعْنُهُ (وَالْمُتَرَجِّلَاتِ) بِكَسْرِ الْجِيمِ الْمُشَدَّدَةِ أَيِ الْمُتَشَبِّهَاتِ بِالرِّجَالِ (مِنَ النِّسَاءِ) زِيًّا وَهَيْئَةً وَمِشْيَةً وَرَفْعَ صَوْتٍ وَنَحْوَهَا لَا رَأْيًا وَعِلْمًا فَإِنَّ التَّشَبُّهَ بِهِمْ مَحْمُودٌ كَمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ رَجِلَةَ الرَّأْيِ أَيْ رَأْيُهَا كَرَأْيِ الرِّجَالِ عَلَى مَا فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو داود

باب ما جاء في كراهية خروج المرأة متعطرة

69 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ مُتَعَطِّرَةً) قَوْلُهُ (عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُمَارَةَ الْحَنَفِيِّ) الْبَصْرِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو مَالِكٍ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ غُنَيْمِ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ النُّونِ مُصَغَّرًا (بْنِ قَيْسٍ) الْمَازِنِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْعَنْبَرِ الْبَصْرِيُّ مُخَضْرَمٌ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ) أَيْ كُلُّ عَيْنٍ نَظَرَتْ إِلَى أَجْنَبِيَّةٍ عَنْ شَهْوَةٍ فَهِيَ زَانِيَةٌ (إِذَا اسْتَعْطَرَتْ) أَيِ اسْتَعْمَلَتِ الْعِطْرَ (فَمَرَّتْ بِالْمَجْلِسِ) أَيْ مَجْلِسِ الرِّجَالِ (يَعْنِي زَانِيَةً) لِأَنَّهَا هَيَّجَتْ شَهْوَةَ الرِّجَالِ بِعِطْرِهَا وَحَمَلَتْهُمْ عَلَى النَّظَرِ إِلَيْهَا وَمَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا فَقَدْ زَنَى بِعَيْنَيْهِ فَهِيَ سَبَبُ زِنَى الْعَيْنِ فَهِيَ آثِمَةٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَفِي إِسْنَادِهِ عَاصِمُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَصْحِيحَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي طِيبِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ) قَوْلُهُ (طِيبُ الرِّجَالِ) الطِّيبُ قَدْ جَاءَ مَصْدَرًا وَاسْمًا وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَمَعْنَاهُ مَا يُتَطَيَّبُ بِهِ عَلَى

مَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ (مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ) كَمَاءِ الْوَرْدِ وَالْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ وَالْكَافُورِ (وَطِيبُ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ وَخَفِيَ رِيحُهُ) كَالزَّعْفَرَانِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ قَالَ سَعْدٌ أَرَاهُمْ حَمَلُوا قَوْلَهُ وَطِيبُ النِّسَاءِ عَلَى مَا إِذَا أَرَادَتْ أَنْ تَخْرُجَ فَأَمَّا إِذَا كَانَتْ عِنْدَ زَوْجِهَا فلتطيب بِمَا شَاءَتْ انْتَهَى قُلْتُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ (عَنِ الطَّفَاوِيَّ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ الطَّفَاوِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْهُ أَبُو نَضْرَةَ الْعَبْدِيُّ لَمْ يُسَمَّ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ هُوَ شَيْخٌ لِأَبِي نضرة لَمْ يُسَمَّ مِنَ الثَّالِثَةِ لَا يُعْرَفُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَالَ مَيْرَكُ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَجْهُولٌ لِأَنَّهُ تَابِعِيٌّ وَالرَّاوِي عَنْهُ ثِقَةٌ فجهالته تنتفي من هذه الجهة قال القارىء أَوْ بِالنَّظَرِ إِلَى تَعَدُّدِ أَسَانِيدِهِ فَيَكُونُ حَسَنًا لِغَيْرِهِ انْتَهَى قُلْتُ تَحْسِينُ التِّرْمِذِيِّ لِشَوَاهِدِهِ وَأَمَّا انتفاء جهالة التابعي المجهول الرواية الثِّقَةِ عَنْهُ كَمَا قَالَ مَيْرَكُ فَمَمْنُوعٌ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالضِّيَاءُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ الْمَنَاوِيُّ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ (وَحَدِيثُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَتَمُّ وَأَطْوَلُ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِطُولِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ النِّكَاحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (حدثنا سعيد) هو بن أَبِي عَرُوبَةَ (عَنِ الْحَسَنِ) الْبَصْرِيِّ قَوْلُهُ (وَنَهَى عَنِ الْمَيْثَرَةِ الْأُرْجُوَانِ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْمِيثَرَةِ فِي بَابِ رُكُوبِ الْمَيَاثِرِ مِنْ أَبْوَابِ

باب ما جاء في كراهية رد الطيب

اللِّبَاسِ وَأَمَّا الْأُرْجُوَانُ فَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْجِيمِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ وَاوٌ خَفِيفَةٌ وَحَكَى عِيَاضٌ ثُمَّ الْقُرْطُبِيُّ فَتْحَ الْهَمْزَةِ وَأَنْكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَصَوَّبَ أَنَّ الضَّمَّ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَاللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ هُوَ صِبْغٌ أَحْمَرُ شَدِيدُ الْحُمْرَةِ وَهُوَ شَجَرٌ مِنْ أَحْسَنِ الْأَلْوَانِ وَقِيلَ الصُّوفُ الْأَحْمَرُ وَقِيلَ كُلُّ شَيْءٍ أَحْمَرَ فَهُوَ أُرْجُوَانٌ وَيُقَالُ ثَوْبٌ أُرْجُوَانٌ وَقَطِيفَةٌ أُرْجُوَانٌ وَحَكَى السِّيرَافِيُّ أَحْمَرُ أُرْجُوَانٌ فَكَأَنَّهُ وَصْفٌ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْحُمْرَةِ كَمَا يُقَالُ أَبْيَضُ يَقَقٌ وَأَصْفَرُ فَاقِعٌ وَاخْتَلَفُوا هَلِ الْكَلِمَةُ عَرَبِيَّةٌ أَوْ مُعَرَّبَةٌ فَإِنْ قُلْنَا بِاخْتِصَاصِ النَّهْيِ بِالْأَحْمَرِ مِنَ الْمَيَاثِرِ فَالْمَعْنَى فِي النَّهْيِ عَنْهَا مَا فِي غَيْرِهَا وَإِنْ قُلْنَا لَا يَخْتَصُّ بِالْأَحْمَرِ فَالْمَعْنَى بِالنَّهْيِ عَنْهَا مَا فِيهِ مِنَ التَّرَفُّهِ وَقَدْ يَعْتَادُهَا الشَّخْصُ فَتَعُوزُهُ فَيَشُقُّ عَلَيْهِ تَرْكُهَا فَيَكُونُ النَّهْيُ نَهْيَ إِرْشَادٍ لِمَصْلَحَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ وَإِنْ قُلْنَا النَّهْيُ عنها من أجل التشبيه بِالْأَعَاجِمِ فَهُوَ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ لَكِنْ كَانَ ذَلِكَ شِعَارَهُمْ حِينَئِذٍ وَهُمْ كُفَّارٌ ثُمَّ لَمَّا لَمْ يَصِرِ الْآنَ يَخْتَصُّ بِشِعَارِهِمْ زَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فَتَزُولُ الْكَرَاهَةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَفِيهِ لَا أَرْكَبُ الْأُرْجُوَانَ وَفِيهِ أَلَا وَطِيبُ الرِّجَالِ رِيحٌ لَا لَوْنَ لَهُ أَلَا وَطِيبُ النِّسَاءِ لَوْنٌ لَا رِيحَ لَهُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَسَنُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ رَدِّ الطِّيبِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَزْرَةُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ ثُمَّ هَاءٌ (بن ثَابِتِ) بْنِ أَبِي زَيْدِ بْنِ أَخْطَبَ الْأَنْصَارِيُّ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَرُدُّ الطيب) قال بن بَطَّالٍ إِنَّمَا كَانَ لَا يَرُدُّ الطِّيبَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مُلَازِمٌ لِمُنَاجَاةِ الْمَلَائِكَةِ وَلِذَلِكَ كَانَ لَا يَأْكُلُ الثُّومَ وَنَحْوَهُ قَالَ الْحَافِظُ لَوْ كَانَ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ لَكَانَ مِنْ خَصَائِصِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ النِّسَاءَ تَقْتَدِي بِهِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ رَدِّهِ مَقْرُونًا بِبَيَانِ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ

عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ طِيبٌ فَلَا يَرُدُّهُ فَإِنَّهُ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَكِنْ قَالَ رَيْحَانٌ بَدَلَ طِيبٍ وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ أَثْبَتُ فَإِنَّ أَحْمَدَ وَسَبْعَةَ أَنْفُسٍ مَعَهُ رَوَوْهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بن أبي أيوب بلفظ الطيب ووافقه بن وهب عن سعيد عند بن حِبَّانَ وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنَ الْوَاحِدِ وقد قال الترمذي عقب حديث أنس وبن عُمَرَ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَشَارَ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ آنِفًا فِي كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسلم) بن جندب الهذلي المدني المقرئ لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ مُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ الْقَاصُّ ثِقَةٌ فَصِيحٌ قَارِئٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ) أَيْ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُرَدَّ لِقِلَّةِ مِنَّتِهَا وَتَأَذِّي الْمُهْدِي إِيَّاهَا (الْوَسَائِدُ) جَمْعُ وِسَادَةٍ بِالْكَسْرِ الْمِخَدَّةُ (وَالدُّهْنُ وَاللَّبَنُ) قَالَ الطِّيبِيُّ يُرِيدُ أَنْ يُكْرِمَ الضَّيْفَ بِالْوِسَادَةِ وَالطِّيبِ وَاللَّبَنِ وَهِيَ هَدِيَّةٌ قَلِيلَةُ الْمِنَّةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُرَدَّ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمَنَاوِيُّ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَهْدِيٍّ) لَمْ أَجِدْ تَرْجَمَتَهُ فِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالْخُلَاصَةِ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ رَاوٍ اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ مَهْدِيٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ هُوَ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلِيفَةَ) الْبَصْرِيُّ الصَّيْرَفِيُّ مَقْبُولٌ مِنْ الْعَاشِرَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ وَعَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَجَعْفَرُ بْنُ أَحْمَدَ الْجَرْجَرَائِيُّ (عَنْ حَنَانٍ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ الْأَسَدِيُّ

باب ما جاء في كراهية مباشرة الرجل للرجل

عَمُّ وَالِدِ مُسَدِّدٍ كُوفِيٌّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالْخُلَاصَةِ عَمُّ مُسَدِّدٍ قَوْلُهُ (إِذَا أُعْطِيَ أَحَدُكُمْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (الرَّيْحَانَ) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ كُلُّ نَبْتٍ طَيِّبُ الرِّيحِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَشْمُومِ (فَإِنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْجَنَّةِ) أَيْ أَصْلُهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ خَفِيفُ الْمَحْمَلِ أَيْ قَلِيلُ الْمُؤْنَةِ وَالْمِنَّةِ فَلَا يُرَدُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَشْيَاءِ خَرَجَ أَصْلُهُ مِنَ الْجَنَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ) هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي مراسيله 2 - (باب ما جاء في كراهية مباشرة الرجل للرجل) والمرأة للمرأة قوله (عن عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ) زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ قِيلَ لَا نَافِيَةٌ بِمَعْنَى النَّاهِيَةِ وَقِيلَ نَاهِيَةٌ وَالْمُبَاشَرَةُ بِمَعْنَى الْمُخَالَطَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَأَصْلُهُ مِنْ لَمْسِ الْبَشَرَةِ الْبَشَرَةَ وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرَةُ جِلْدِ الْإِنْسَانِ أَيْ لَا تَمَسُّ بَشَرَةُ امْرَأَةٍ بَشَرَةَ أُخْرَى (حَتَّى تَصِفَهَا) أَيْ تَصِفُ نُعُومَةَ بَدَنِهَا وَلُيُونَةَ جَسَدِهَا (وَكَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا) فَيَتَعَلَّقُ قَلْبُهُ بِهَا وَيَقَعُ بِذَلِكَ فِتْنَةٌ وَالْمَنْهِيُّ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ قَالَ الْقَابِسِيُّ هَذَا أَصْلٌ لِمَالِكٍ فِي سَدِّ الذَّرَائِعِ فَإِنَّ الْحِكْمَةَ فِي هَذَا النَّهْيِ خَشْيَةُ أَنْ يُعْجِبَ الزَّوْجَ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ فَيُفْضِي ذَلِكَ إِلَى تَطْلِيقِ الْوَاصِفَةِ أَوِ الِافْتِتَانِ بِالْمَوْصُوفَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ عَنِ بن مَسْعُودٍ بِلَفْظِ لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ وَلَا الرجل الرجل

باب ما جاء في حفظ العورة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (عَنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) الْخُدْرِيِّ وَاسْمُهُ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (وَلَا يُفْضِي) بِضَمِّ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يَصِلُ (الرَّجُلُ إِلَى الرَّجُلِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ) أَيْ لَا يَضْطَجِعَانِ مُتَجَرِّدَيْنِ تَحْتَ ثَوْبٍ وَاحِدٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ تَحْرِيمِ نَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَذَا الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَنَبَّهَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَظَرِ الرَّجُلِ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَيُسْتَثْنَى الزَّوْجَانِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا النَّظَرُ إِلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنَّ فِي السَّوْأَةِ اخْتِلَافًا وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ لَكِنْ يُكْرَهُ حَيْثُ لَا سَبَبَ وَأَمَّا الْمَحَارِمُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُبَاحُ نَظَرُ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ لِمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ قَالَ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا مِنَ التَّحْرِيمِ حَيْثُ لَا حَاجَةَ مِنَ الْجَوَازِ حَيْثُ لَا شَهْوَةَ وَفِي الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ مُلَاقَاةِ بَشَرَتَيِ الرَّجُلَيْنِ بِغَيْرِ حَائِلٍ إِلَّا عِنْدَ ضَرُورَةٍ وَيُسْتَثْنَى الْمُصَافَحَةُ وَيَحْرُمُ لَمْسُ عَوْرَةِ غَيْرِهِ بِأَيِّ مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ كَانَ بِالِاتِّفَاقِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي حِفْظِ الْعَوْرَةِ) اعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَدْ عَقَدَ قَبْلَ هَذَا بَابًا بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَفِي عَقْدِ هَذَا الْبَابِ هُنَا وَإِيرَادُ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ تَكْرَارٌ مَحْضٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ) الْعَنْبَرِيُّ التَّمِيمِيُّ

باب ما جاء أن الفخذ عورة

قَوْلُهُ (فَلَا تُرِيَنَّهَا) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ من الأراءة وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَلَا يَرَيَنَّهَا بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مِنَ الرُّؤْيَةِ (مِنَ النَّاسِ) مُتَعَلِّقٌ بقوله أحق ومنه متعلق بقوله يستحي 4 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) اسْمُهُ سَالِمُ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَدَنِيُّ (عَنْ زُرْعَةَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ جَرْهَدٍ الْأَسْلَمِيِّ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ زُرْعَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ الْأَسْلَمِيِّ الْمَدَنِيِّ وَيُقَالُ زُرْعَةُ بْنُ جَرْهَدٍ رَوَى عَنْ جَرْهَدٍ وَيُقَالُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَرْهَدٍ حَدِيثَ الْفَخِذُ عَوْرَةٌ وَعَنْهُ سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ وَأَبُو الزِّنَادِ قَالَ النَّسَائِيُّ ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ بن مُسْلِمٍ فَقَدْ وَهِمَ انْتَهَى (عَنْ جَرْهَدٍ) بِجِيمٍ وهاء مفتوحتين بينهما راء ساكنة بن رِزَاحٍ بِكَسْرِ الرَّاءِ بَعْدَهَا زَايٌ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ الْأَسْلَمِيِّ مَدَنِيٌّ لَهُ صُحْبَةٌ وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ قَوْلُهُ (إِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ) هَذَا مِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ وَهُمِ الْجُمْهُورُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ زرعة بن

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ جَرْهَدٌ هَذَا مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ إِنَّهُ قَالَ جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا وَفَخِذِي مُنْكَشِفَةٌ الْحَدِيثَ (مَا أَرَى إِسْنَادَهُ بِمُتَّصِلٍ) لِلِانْقِطَاعِ بَيْنَ زُرْعَةَ وَجَرْهَدٍ وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ هَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا قَالَ الْحَافِظُ حَدِيثُهُ مَوْصُولٌ عِنْدَ مَالِكٍ فِي الموطأ والترمذي وحسنه وبن حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ وَضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْبُخَارِيَّ فِي التَّارِيخِ لِلِاضْطِرَابِ فِي إِسْنَادِهِ وَقَدْ ذَكَرْتَ كَثِيرًا مِنْ طُرُقِهِ فِي تَعْلِيقِ التَّعْلِيقِ انْتَهَى قَوْلُهُ (أخبرني بن جَرْهَدٍ) اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جَرْهَدٍ الْأَسْلَمِيُّ عَنْ أَبِيهِ بِحَدِيثِ الْفَخِذُ عَوْرَةٌ وَعَنْهُ ابْنُهُ زُرْعَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَفِي إِسْنَادِ حَدِيثِهِ اخْتِلَافٌ كَثِيرٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ) حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ وَمِنَ الطَّرِيقِ الْآتِيَةِ وَمِنْ طُرُقٍ أُخْرَى قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَرْهَدٍ الْأَسْلَمِيِّ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَرْهَدٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ حَدِيثَ الْفَخِذُ عَوْرَةٌ وَعَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ محمد بن عقيل وقيل عن بن عُقَيْلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ جَرْهَدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَالَ الْحَافِظُ قَالَ الْبُخَارِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمٍ أَصَحُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي يَحْيَى) هُوَ الْقَتَّاتُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَوْقِيَّةِ لَيِّنُ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ عَنْهُ مَرْفُوعًا يَا عَلِيُّ لَا تُبْرِزْ فَخِذَكَ وَلَا تَنْظُرْ إِلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَالْبَزَّارُ قَالَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ نَكَارَةٌ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وفيه بن جُرَيْجٍ عَنْ حَبِيبٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ من طريق حجاج بن محمد عن بن جُرَيْجٍ قَالَ أُخْبِرْتُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ فِي الْعِلَلِ إِنَّ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا هُوَ

الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ قَالَ وَلَا يَثْبُتُ لِحَبِيبٍ رِوَايَةٌ عَنْ عَاصِمٍ فَهَذِهِ عِلَّةٌ أُخْرَى وَكَذَا قال بن مَعِينٍ إِنَّ حَبِيبًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَاصِمٍ وَإِنَّ بَيْنَهُمَا رَجُلًا لَيْسَ بِثِقَةٍ وَبَيَّنَ الْبَزَّارُ أَنَّ الْوَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا هُوَ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ وَوَقَعَ فِي زِيَادَاتِ الْمُسْنَدِ وَفِي الدَّارَقُطْنِيِّ ومسند الهيثم بن كليب تصريح بن جُرَيْجٍ بِإِخْبَارِ حَبِيبٍ لَهُ وَهُوَ وَهْمٌ فِي نَقْدِي انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْهُ قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَعْمَرٍ وَفَخِذَاهُ مَكْشُوفَتَانِ فَقَالَ يَا مَعْمَرُ غَطِّ عَلَيْكَ فَخِذَيْك فَإِنَّ الْفَخِذَيْنِ عَوْرَةٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ مَوْلَى مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ عَنْهُ فَذَكَرَهُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رِجَالُهُ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ غَيْرَ أَبِي كَثِيرٍ فَقَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ لَكِنْ لَمْ أَجِدْ فيه تصريحا بتعديل وقد أخرج بن قَانِعٍ مِنْ طَرِيقِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِلَفْظِ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَجُلٍ وَفَخِذُهُ خَارِجَةٌ فَقَالَ غَطِّ فَخِذَيْكَ فَإِنَّ فَخِذَ الرَّجُلِ مِنْ عَوْرَتِهِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا قَالَ الْحَافِظُ وَفِي إِسْنَادِهِ أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ وَهُوَ ضَعِيفٌ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَشْهَرُهَا دِينَارٌ انْتَهَى وَأَحَادِيثُ الْبَابِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ إِلَى أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ وَعَنْ أَحْمَدَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ الْعَوْرَةُ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فَقَطْ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وبن جَرِيرٍ وَالْإِصْطَخْرِيُّ قَالَ الْحَافِظُ فِي ثُبُوتِ ذَلِكَ عن بن جَرِيرٍ نَظَرٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي تَهْذِيبِهِ وَرَدَّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَالْحَقُّ أَنَّ الْفَخِذَ مِنَ الْعَوْرَةِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ يَعْنِي الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَذَكَرْنَا لَفْظَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْتَهِضٍ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ فَفِي الْبَابِ مِنَ الْأَحَادِيثِ مَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ فَهُمَا وَارِدَانِ فِي قَضَايَا مُعَيَّنَةٍ مَخْصُوصَةٍ يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا مِنَ احْتِمَالِ الْخُصُوصِيَّةِ أَوِ الْبَقَاءِ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ مَا لَا يَتَطَرَّقُ إِلَى الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهَا تَتَضَمَّنُ إِعْطَاءَ حُكْمٍ كُلِّيٍّ وَإِظْهَارَ شَرْعٍ عَامٍّ فَكَانَ الْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى كَمَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ عَلَى أَنَّ طَرَفَ الْفَخِذِ قَدْ يُتَسَامَحُ فِي كَشْفِهِ لَا سِيَّمَا فِي مَوَاطِنِ الْحَرْبِ وَمَوَاقِفِ الْخِصَامِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْقَوْلَ أَرْجَحُ مِنَ الْفِعْلِ انْتَهَى كَلَامُ الشوكاني

باب ما جاء في النظافة

قُلْتُ أَرَادَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ حَدِيثَهَا الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ جَالِسًا كَاشِفًا عَنْ فَخِذِهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى حَالِهِ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ فَأَرْخَى عَلَيْهِ ثِيَابَهُ الْحَدِيثَ وَأَرَادَ بِحَدِيثِ أَنَسٍ حَدِيثَهُ الَّذِي أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ حَسِرَ الْإِزَارُ عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى أَنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ فَخِذِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ مَا يُذْكَرُ فِي الْفَخِذِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ويروى عن بن عَبَّاسٍ وَجَرْهَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَخِذُ عَوْرَةٌ وَقَالَ أَنَسٌ حَسِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ فَخِذِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ حَتَّى نَخْرُجَ مِنَ اخْتِلَافِهِمْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ أَيْ أَصَحُّ إِسْنَادًا كَأَنَّهُ يَقُولُ حَدِيثُ جَرْهَدٍ وَلَوْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ فَهُوَ مَرْجُوحٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قُلْتُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ إِنْ صَلَحَتْ بِمَجْمُوعِهَا لِلِاحْتِجَاجِ فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَإِلَّا فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ فَتَفَكَّرْ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّظَافَةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ النَّظَافَةُ النَّقَاوَةُ نَظُفَ كَكَرُمَ فَهُوَ نَظِيفٌ وَنَظَّفَهُ تَنْظِيفًا فَتَنَظَّفَ انْتَهَى قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ) الْعَقَدِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو (عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانٍ) الْمَدَنِيُّ قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ) أَيْ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ مُقَدَّسٌ عَنِ الْعُيُوبِ (يُحِبُّ الطِّيبَ) بِكَسْرِ الطَّاءِ أَيْ طِيبَ الْحَالِ وَالْقَالِ أَوِ الرِّيحَ الطَّيِّبَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُحِبُّ اسْتِعْمَالَهُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَرْضَى عَنْهُمْ بِهَذَا الْفِعْلِ وَهَذَا يُلَائِمُ معنى قول نَظِيفٍ (نَظِيفٌ) أَيْ طَاهِرٌ (يُحِبُّ النَّظَافَةَ) أَيِ الطَّهَارَةَ الظَّاهِرَةَ وَالْبَاطِنَةَ (كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ جَوَادٌ) بِفَتْحِ جِيمٍ وَتَخْفِيفِ وَاوٍ (يُحِبُّ الْجُودَ) قَالَ الرَّاغِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجُودِ وَالْكَرَمِ أَنَّ الْجُودَ بَذْلُ الْمُقْتَنَيَاتِ وَيُقَالُ رَجُلٌ جَوَادٌ وَفَرَسُ جَوَادٌ يَجُودُ بِمُدَّخَرِ عَدُوِّهِ وَالْكَرَمُ

باب ما جاء في الاستتار عند الجماع

إِذَا وُصِفَ الْإِنْسَانُ بِهِ فَهُوَ اسْمٌ لِلْأَخْلَاقِ وَالْأَفْعَالِ الْمَحْمُودَةِ الَّتِي تَظْهَرُ مِنْهُ وَلَا يُقَالُ هُوَ كَرِيمٌ حَتَّى يَظْهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ (فَنَظِّفُوا) قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ فِيهِ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَطَيِّبُوا كُلَّ مَا أَمْكَنَ تَطْيِيبُهُ وَنَظِّفُوا كُلَّ مَا سَهُلَ لَكُمْ تَنْظِيفُهُ حَتَّى أَفَنِيَّةَ الدَّارِ وَهِيَ مُتَّسَعٌ أَمَامَ الدَّارِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ نِهَايَةِ الْكَرَمِ وَالْجُودِ فَإِنَّ سَاحَةَ الدَّارِ إِذَا كَانَتْ وَاسِعَةً نَظِيفَةً طَيِّبَةً كَانَتْ أَدْعَى بِجَلْبِ الضِّيفَانِ وَتَنَاوُبِ الْوَارِدِينَ وَالصَّادِرِينَ انْتَهَى (أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهُ وَالْقَائِلُ هُوَ صَالِحُ بْنُ أَبِي حَسَّانَ السَّامِعُ من بن المسيب أي أظن بن الْمُسَيَّبِ (قَالَ أَفْنِيَتَكُمْ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ نَظِّفُوا وَهِيَ جَمْعُ الْفِنَاءِ بِالْكَسْرِ أَيْ سَاحَةُ الْبَيْتِ وَقُبَالَتُهُ وَقِيلَ عَتَبَتُهُ وَسُدَّتُهُ (وَلَا تَشَبَّهُوا) بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ عَطْفًا أَيْ لَا تَكُونُوا مُتَشَبِّهِينَ (بِالْيَهُودِ) أَيْ فِي عَدَمِ النَّظَافَةِ وَالطَّهَارَةِ وَقِلَّةِ التَّطَيُّبِ وَكَثْرَةِ الْبُخْلِ وَالْخِسَّةِ وَالدَّنَاءَةِ (قَالَ) أَيْ صَالِحُ بْنُ أَبِي حَسَّانَ (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ) أي المقال المذكور المسموع من بن الْمُسَيَّبِ (لِمُهَاجِرِ بْنِ مِسْمَارٍ) الْأَوَّلُ بِضَمِّ مِيمٍ وَكَسْرِ جِيمٍ وَالثَّانِي بِكَسْرِ أَوَّلِهِ هُوَ الزُّهْرِيُّ مَوْلَى سَعْدٍ الْمَدَنِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ (فَقَالَ) أَيْ مُهَاجِرٌ (حَدَّثَنِيهِ عَامِرُ بْنِ سَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (مِثْلَهُ) أَيْ مِثْلَ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ (إِلَّا أَنَّهُ) أَيْ مُهَاجِرًا (قَالَ) أَيْ فِي رِوَايَتِهِ (نَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ) أَيْ بِلَا تَرَدُّدٍ وَشَكٍّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَخَالِدُ بن إلياس يضعف الخ) قال بن حِبَّانَ يَرْوِي الْمَوْضُوعَاتِ عَنِ الثِّقَاتِ حَتَّى يَسْبِقَ إِلَى الْقَلْبِ أَنَّهُ الْوَاضِعُ لَهَا لَا يُكْتَبُ حَدِيثَهُ إِلَّا عَلَى جِهَةِ التَّعَجُّبِ وَهُوَ الَّذِي رَوَى إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطِّيبَ إِلَخْ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ النَّسَائِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَقَالَ مُرَّةُ لَيْسَ بِثِقَةٍ وَلَا يَكْتُبُ حَدِيثَهُ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الِاسْتِتَارِ عِنْدَ الْجِمَاعِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ) لَقَبُهُ شَاذَانُ (أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَيَّاةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَآخِرُهُ هَاءٌ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ يَعْلَى التَّيْمِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ ليث) هو

باب ما جاء في دخول الحمام

بن أَبِي سُلَيْمٍ قَوْلُهُ (إِيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي) أَيِ احْذَرُوا مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ (فَإِنَّ مَعَكُمْ) أَيْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ (مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إِلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ) قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُمِ الْحَفَظَةُ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ (وَحِينَ يُفْضِي) أَيْ يَصِلُ (فَاسْتَحْيُوهُمْ) أَيْ مِنْهُمْ (وَأَكْرِمُوهُمْ) أَيْ بِالتَّغَطِّي وَغَيْرِهِ مِمَّا يُوجِبُ تعظيمهم وتكريمهم قال بن الْمَلَكِ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْمُجَامَعَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَكَانَ قَدِ اخْتَلَطَ أَخِيرًا وَلَمْ يَتَمَيَّزْ حَدِيثُهُ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ) قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْحَمَّامُ مُثَقَّلٌ مَعْرُوفَةٌ وَالتَّأْنِيثُ أَغْلَبُ فَيُقَالُ هِيَ الْحَمَّامُ وَجَمْعُهَا حَمَّامَاتٌ عَلَى الْقِيَاسِ وَيُذَكَّرُ فَيُقَالُ هُوَ الْحَمَّامُ انْتَهَى قَوْلُهُ (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) ذَكَرَ طَرَفَيِ الْإِيمَانِ اخْتِصَارًا أَوْ إِشْعَارًا بِأَنَّهُمَا الْأَصْلُ وَالْمُرَادُ بِهِ كَمَالُ الْإِيمَانِ أَوْ أُرِيدَ بِهِ التَّهْدِيدُ (فَلَا يُدْخِلْ) مِنْ بَابِ الْإِدْخَالِ أَيْ فَلَا يَأْذَنْ بِالدُّخُولِ (حَلِيلَتَهُ الْحَمَّامَ) أَيِ امْرَأَتَهُ (فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا الْخَمْرُ) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ مَعَهُمْ كَأَنَّهُ تَقْرِيرٌ عَلَى مُنْكَرٍ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ من طريق بن لهيعة عن أبي يزيد الزبير جابر (وَقَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَيْثٌ لَا يُفْرَحُ بِحَدِيثِهِ) قَدْ عَرَفْتَ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّهُ قَدِ اخْتَلَطَ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ حَدِيثُهُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عُذْرَةَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ لَهُ حَدِيثٌ فِي الْحَمَّامِ وَهُوَ مَجْهُولٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَوَهِمَ مَنْ قَالَ لَهُ صُحْبَةً كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَمَّاهُ وكذا ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ يُقَالُ لَهُ صُحْبَةٌ وَيُقَالُ جَزَمَ بِصُحْبَتِهِ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجَالِ فِي الْمَيَازِرِ) جَمْعُ مِئْزَرٍ وَهُوَ الْإِزَارُ قَالَ الْمُظْهِرُ وَإِنَّمَا لَمْ يُرَخِّصْ لِلنِّسَاءِ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ لِأَنَّ جَمِيعَ أَعْضَائِهِنَّ عَوْرَةٌ وَكَشْفُهَا غَيْرُ جَائِزٍ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ مِثْلُ أَنْ تكون مريضة تدخل الدواء أَوْ تَكُونَ قَدِ انْقَطَعَ نِفَاسُهَا تَدْخُلُ لِلتَّنْظِيفِ أَوْ تَكُونُ جُنُبًا وَالْبَرْدُ شَدِيدٌ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى تَسْخِينِ الْمَاءِ وَتَخَافُ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْبَارِدِ ضَرَرًا أَوْ لَا يَجُوزُ لِلرِّجَالِ الدُّخُولُ بِغَيْرِ إِزَارٍ سَاتِرٍ لِمَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ تَحْتَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ ذُكُورِ أُمَّتِي فَلَا يَدْخُلِ الْحَمَّامَ إِلَّا بِمِئْزَرٍ وَمَنْ كَانَتْ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ إِنَاثِ أُمَّتِي فَلَا تَدْخُلِ الْحَمَّامَ رَوَاهُ أَحْمَدُ مَا لَفْظُهُ هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الدُّخُولِ لِلذُّكُورِ بِشَرْطِ لُبْسِ الْمَآزِرِ وَتَحْرِيمِ الدُّخُولِ بِدُونِ مِئْزَرٍ وَعَلَى تَحْرِيمِهِ عَلَى النِّسَاءِ مُطْلَقًا وَاسْتِثْنَاءُ الدُّخُولِ مِنْ عُذْرٍ لَهُنَّ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ طَرِيقٍ تَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا فَالظَّاهِرُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا سَلَفَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي رَوَتْهُ لِنِسَاءِ الْكُورَةِ وَهُوَ أَصَحُّ مَا فِي الْبَابِ إِلَّا لِمَرِيضَةٍ أَوْ نُفَسَاءَ كَمَا سَيَأْتِي

فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا إِنْ صَحَّ انْتَهَى قُلْتُ أَشَارَ الشَّوْكَانِيُّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ إِلَى حديثها الاتي في هذا الباب وأشار الحديث الَّذِي فِيهِ إِلَّا مَرِيضَةٌ أَوْ نُفَسَاءُ إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّهَا سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إِلَّا بِالْأُزُرِ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إِلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ رَوَاهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ الْإِفْرِيقِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِمَا غَيْرُ وَاحِدٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَافِعٍ التنوخي قاضي إفريقية وقد غمزه البخاري وبن أَبِي حَاتِمٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ إِلَخْ) وأخرجه أبو داود وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ أَبِي عُذْرَةَ هَلْ يُسَمَّى فَقَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَمَّاهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقِيلَ إِنَّ أَبَا عُذْرَةَ أَدْرَكَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ حَازِمٍ الْحَافِظُ لَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَأَبُو عُذْرَةَ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَأَحَادِيثُ الْحَمَّامِ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مِنْهَا عَنِ الصَّحَابَةِ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْفُوظًا فَهُوَ صَرِيحٌ انْتَهَى قوله (عن منصور) هو بن الْمُعْتَمِرِ قَوْلُهُ (أَنَّ نِسَاءً مِنْ أَهْلِ حِمْصٍ) بِكَسْرِ مُهْمَلَةٍ وَسُكُونِ مِيمٍ فَمُهْمَلَةٌ هِيَ بَلْدَةٌ مِنَ الشَّامِ (أَوْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (تَضَعُ ثِيَابَهَا) أَيِ السَّاتِرَةَ لَهَا (إِلَّا هَتَكَتِ السِّتْرَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ حِجَابَ الْحَيَاءِ (بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا) لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالتَّسَتُّرِ وَالتَّحَفُّظِ مِنْ أَنْ يَرَاهَا أَجْنَبِيٌّ حَتَّى لَا يَنْبَغِي لَهُنَّ أَنْ يَكْشِفْنَ عَوْرَتَهُنَّ فِي الْخَلْوَةِ أَيْضًا إِلَّا عِنْدَ أَزْوَاجِهِنَّ فَإِذَا كَشَفَتْ أَعْضَاءَهَا فِي الْحَمَّامِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَقَدْ هَتَكَتِ السِّتْرَ الَّذِي أَمَرَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ لِبَاسًا لِيُوَارِيَ بِهِ سَوْآتِهِنَّ وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى فَإِذَا لَمْ يَتَّقِينَ اللَّهَ تَعَالَى وَكَشَفْنَ سَوْآتِهِنَّ هَتَكْنَ السِّتْرَ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى

باب ما جاء أن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة

قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه بن مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ 8 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ) وَلَا كَلْبٌ قَوْلُهُ (لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ) أَيْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ لَا الْحَفَظَةُ وَمَلَائِكَةُ الْمَوْتِ (بَيْتًا) أَيْ مَسْكَنًا (فِيهِ كَلْبٌ) أَيْ إِلَّا كَلْبُ الصَّيْدِ وَالْمَاشِيَةِ وَالزَّرْعِ وَقِيلَ إِنَّهُ مَانِعٌ أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَكُنِ اتِّخَاذُهُ حَرَامًا (وَلَا صُورَةُ تَمَاثِيلَ) جَمْعُ تِمْثَالٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الصُّورَةُ كَمَا فِي الْقَامُوسِ وَغَيْرِهِ وَالْمَعْنَى صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الْإِنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ صُورَةٌ كَوْنُهَا مَعْصِيَةً فَاحِشَةً وَفِيهَا مُضَاهَاةٌ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَبَعْضُهَا فِي صُورَةِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِسَبَبِ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ بَيْتٍ فِيهِ كَلْبٌ لِكَثْرَةِ أَكْلِهِ النَّجَاسَاتِ وَلِأَنَّ بَعْضَهَا يُسَمَّى شَيْطَانًا كَمَا جَاءَ بِهِ الْحَدِيثِ وَالْمَلَائِكَةُ ضِدُّ الشَّيَاطِينِ وَلِقُبْحِ رَائِحَةِ الْكَلْبِ وَالْمَلَائِكَةُ تَكْرَهُ الرَّائِحَةَ الْقَبِيحَةَ وَلِأَنَّهَا مَنْهِيٌّ عَنِ اتِّخَاذِهَا فَعُوقِبَ مُتَّخِذُهَا بِحِرْمَانِهِ دُخُولَ الْمَلَائِكَةِ بَيْتَهُ وَصَلَاتَهَا فِيهِ وَاسْتِغْفَارَهَا لَهُ وَتَبْرِيكَهَا عَلَيْهِ وَفِي بَيْتِهِ وَدَفْعَهَا أَذَى الشَّيْطَانِ وَأَمَّا هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ لَا يَدْخُلُونَ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ فَهُمْ مَلَائِكَةٌ يَطُوفُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّبْرِيكِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَأَمَّا الْحَفَظَةُ فَيَدْخُلُونَ فِي كُلِّ بَيْتٍ وَلَا يُفَارِقُونَ بَنِي آدَمَ فِي كُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِإِحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ وَكِتَابَتِهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَإِنَّمَا لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ أَوْ صُورَةٌ مِمَّا يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ مِنَ الْكِلَابِ وَالصُّوَرِ فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِحَرَامٍ مِنْ كَلْبِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ وَالصُّورَةِ الَّتِي تُمْتَهَنُ فِي الْبِسَاطِ وَالْوِسَادَةِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا يَمْتَنِعُ دُخُولُ الْمَلَائِكَةِ بِسَبَبِهِ وَأَشَارَ الْقَاضِي إِلَى نَحْوِ مَا قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي كُلِّ كَلْبٍ وَكُلِّ صُورَةٍ وَأَنَّهُمْ يَمْتَنِعُونَ مِنَ الْجَمِيعِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ الْجَرْوَ الَّذِي كَانَ فِي بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحت

السَّرِيرِ كَانَ لَهُ فِيهِ عُذْرٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَمَعَ هَذَا امْتَنَعَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ دُخُولِ الْبَيْتِ وَعَلَّلَ بِالْجَرْوِ فَلَوْ كَانَ الْعُذْرُ فِي وُجُودِ الصُّورَةِ وَالْكَلْبِ لَا يَمْنَعُهُمْ لَمْ يَمْتَنِعْ جَبْرَائِيلُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (أَنَّ رَافِعَ بْنَ إِسْحَاقَ) الْمَدَنِيَّ مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ) أَيِ اللَّيْلَةَ الْمَاضِيَةَ (فَلَمْ يَمْنَعْنِي) أَيْ مَانِعٌ (أَنْ أَكُونَ) أَيْ مِنْ أَنْ أَكُونَ (إِلَّا أَنَّهُ) أَيِ الشَّأْنَ (كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ) أَيْ فِي سِتْرِهِ (تِمْثَالُ الرِّجَالِ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ تَصْوِيرُ الرِّجَالِ (وَكَانَ) عَطْفٌ عَلَى كَانَ الْأُولَى فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِ جَبْرَائِيلَ أَيْ وَكَانَ أَيْضًا (فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ) بِكَسْرِ السِّينِ وَالْقِرَامُ بِكَسْرِ الْقَافِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقِرَامُ كَكِتَابٍ السِّتْرُ الْأَحْمَرُ أَوْ ثَوْبٌ مُلَوَّنٌ مِنْ صُوفٍ فِيهِ رَقْمٌ وَنُقُوشٌ أَوْ سِتْرٌ رَقِيقٌ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْقِرَامُ السِّتْرُ الرَّقِيقُ وَقِيلَ الصَّفِيقُ مِنْ صُوفٍ ذِي أَلْوَانٍ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ كَقَوْلِك ثَوْبُ قَمِيصٍ وَقِيلَ الْقِرَامُ السِّتْرُ الرَّقِيقُ وَرَاءَ السِّتْرِ الْغَلِيظِ وَلِذَلِكَ أَضَافَ (فِيهِ تَمَاثِيلُ) جَمْعُ تِمْثَالٍ أَيْ تَصَاوِيرُ (وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ) أَيْ أَيْضًا (فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ) قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصُّورَةَ إِذَا غُيِّرَتْ هَيْئَتُهَا بِأَنْ قُطِعَتْ رَأْسُهَا أَوْ حُلَّتْ أَوْصَالُهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا الْأَثَرُ عَلَى شِبْهِ الصُّوَرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَعَلَى أَنَّ مَوْضِعَ

باب ما جاء في كراهية لبس المعصفر للرجال والقسي

التصوير إذا نقض حتى تنقطع أَوْصَالُهُ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ (مُنْتَبِذَتَيْنِ) أَيْ مَطْرُوحَتَيْنِ مَفْرُوشَتَيْنِ (تُوطَآنِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تُهَانَانِ بِالْوَطْءِ عَلَيْهِمَا والقعود فوقهما والاستناد عليهما وأصل الوطأ الضَّرْبُ بِالرِّجْلِ (فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ (وَكَانَ ذلك الكلب جرو لِلْحُسَيْنِ أَوْ لِلْحَسَنِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْجَرْوُ مُثَلَّثَةٌ صَغِيرُ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى الْحَنْظَلَ وَالْبِطِّيخَ وَنَحْوَهُ وَوَلَدُ الْكَلْبِ (تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ تَحْتَ مَتَاعِ الْبَيْتِ الْمَنْضُودِ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ وَقِيلَ هُوَ السَّرِيرُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّضَدَ يُوضَعُ عَلَيْهِ أَيْ يُجْعَلُ بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 9 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ للرجال وَالْقَسِّيِّ) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغْدَادِيُّ) هُوَ الدَّوْرِيُّ (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) هُوَ السلولى (أخبرنا إسرائيل) هو بن يُونُسَ (عَنْ أَبِي يَحْيَى) هُوَ الْقَتَّاتُ قَوْلُهُ (مَرَّ رَجُلٌ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَحْمَرَانِ إِلَخْ) احْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْقَائِلُونَ بِكَرَاهَةِ لُبْسِ الْأَحْمَرِ وَأَجَابَ الْمُبِيحُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ ضَعِيفٌ لَا يَنْتَهِضُ لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ لِلرِّجَالِ مِنْ أَبْوَابِ اللِّبَاسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي

تَلْخِيصِ السُّنَنِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا فِي إِسْنَادِهِ أَبُو يَحْيَى الْقَتَّاتُ وَهُوَ كُوفِيٌّ وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ وَإِنْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ قَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَوْلُهُ (وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ كَرِهَ لُبْسَ الْمُعَصْفَرِ وَرَأَوْا أَنَّ مَا صُبِغَ بِالْحُمْرَةِ بِالْمَدَرِ إِلَخْ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَدَرُ مُحَرَّكَةٌ قِطَعُ الطِّينِ الْيَابِسِ انْتَهَى وَمُرَادُ الترمذي بالمدر ها هنا هُوَ الطِّينُ الْأَحْمَرُ الَّذِي يُصْبَغُ بِهِ الثَّوْبُ فيصير أحمرا وَحَاصِلُ كَلَامِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالثَّوْبِ الْأَحْمَرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ هُوَ الْمُعَصْفَرُ أَيِ الْمَصْبُوغُ بِالْعُصْفُرِ وَهُوَ الْمَمْنُوعُ وَأَمَّا الْمَصْبُوغُ بِالْحُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ الْعُصْفُرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ الْمُعَصْفَرِ لِلرِّجَالِ مِنْ أَبْوَابِ اللِّبَاسِ قَوْلُهُ (عَنْ هُبَيْرَةَ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا (بْنِ يَرِيمَ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ بِوَزْنِ عَظِيمٍ قَوْلُهُ (وَعَنِ الْقِسِيِّ وَعَنِ الْمَيْثَرَةِ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُمَا فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ (وَعَنِ الْجُعَّةِ) كَعُدَّةٍ هِيَ النَّبِيذُ الْمُتَّخَذُ مِنَ الشَّعِيرِ قَالَهُ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنِ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِلَفْظِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِ الْقِسِيِّ وَالْمُعَصْفَرِ وَعَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَعَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ (عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ) هُوَ أَشْعَثُ بْنُ أَبِي الشَّعْثَاءِ الْمُحَارِبِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ) الْمُزَنِيُّ الكوفي ثقة من الثالثة

باب ما جاء في لبس البياض

قوله (وإبرار المقسم) أَيِ الْحَالِفِ يَعْنِي جَعَلَهُ بَارًّا صَادِقًا فِي قَسَمِهِ أَوْ جَعَلَ يَمِينَهُ صَادِقَةً وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ أَحَدٌ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ وَأَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى تَصْدِيقِ يَمِينِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَعْصِيَةٌ كَمَا لَوْ أَقْسَمَ أَنْ لَا يُفَارِقَكَ حَتَّى تَفْعَلَ كَذَا وَأَنْتَ تَسْتَطِيعُ فِعْلَهُ فَافْعَلْ كيلا يَحْنَثَ وَقِيلَ هُوَ إِبْرَارُهُ فِي قَوْلِهِ واللَّهُ لَتَفْعَلَن كَذَا قَالَ الطِّيبِيُّ قِيلَ هُوَ تَصْدِيقُ مَنْ أَقْسَمَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنْ يَفْعَلَ مَا سَأَلَهُ الْمُلْتَمِسُ وَأَقْسَمَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَهُ يُقَالُ بَرَّ وَأَبَرَّ الْقَسَمَ إِذَا صَدَّقَهُ (عَنْ خَاتَمِ الذَّهَبِ أَوْ حَلْقَةِ الذَّهَبِ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (وَلُبْسِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالْإِسْتَبْرَقِ) بِكَسْرِ هَمْزَةٍ مَا غَلُظَ مِنَ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجُ مَا رَقَّ وَالْحَرِيرُ أَعَمُّ وَذَكَرَهُمَا مَعَهُ لِأَنَّهُمَا لَمَّا خُصَّا بِوَصْفٍ صَارَا كَأَنَّهُمَا جِنْسَانِ آخَرَانِ قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ النَّهْيُ عَنِ الْمَيَاثِرِ الْحُمْرِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ مناسبة الحديث للباب وروى أو يعلى الموصلي في مسنده من حديث بن عَبَّاسٍ قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ وَالْقِسِيَّةِ وَالْمَيْثَرَةِ الْحَمْرَاءِ الْمُصْبَغَةِ مِنَ الْعُصْفُرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي لُبْسِ الْبَيَاضِ) قَوْلُهُ (الْبَسُوا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ (الْبَيَاضَ) أَيِ الثِّيَابَ الْبِيضَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (فَإِنَّهَا أَطْهَرُ) أَيْ لَا دَنَسَ وَلَا وَسَخَ فِيهَا قَالَ الطِّيبِيُّ لِأَنَّ الْبِيضَ أَكْثَرُ تَأَثُّرًا مِنَ الثِّيَابِ الْمُلَوَّنَةِ فَتَكُونُ أَكْثَرَ غُسْلًا مِنْهَا فَتَكُونُ أَطْهَرَ (وَأَطْيَبَ) أَيْ أَحْسَنَ طَبْعًا أَوْ شَرْعًا وَيُمْكِنُ أَنْ يكون

باب ما جاء في الرخصة في لبس الحمرة للرجال

تَأْكِيدًا لِمَا قَبْلَهُ لَكِنَّ التَّأْسِيسَ أَوْلَى مِنَ التَّأْكِيدِ وَقِيلَ أَطْيَبُ لِدَلَالَتِهِ غَالِبًا عَلَى التَّوَاضُعِ وَعَدَمِ الْكِبْرِ وَالْخُيَلَاءِ وَالْعُجْبِ وَسَائِرِ الْأَخْلَاقِ الطَّيِّبَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي وبن ماجه قوله (وفي الباب عن بن عباس وبن عمر) أما حديث بْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَا يُسْتَحَبُّ من الأكفان وأما حديث بن عمر فأخرجه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي لُبْسِ الْحُمْرَةِ لِلرِّجَالِ) اعْلَمْ أَنَّ الترمذي قد عقد بابا في أبواب اللِّبَاسِ بِلَفْظِ بَاب مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ لِلرِّجَالِ وَأَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ الْبَرَاءِ فَفِي عَقْدِهِ هُنَا فِي هَذَا الْبَابِ تَكْرَارٌ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السُّبَيْعِيُّ قَوْلُهُ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ إِضْحِيَانٍ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتِيَّةِ وَهُوَ مُنْصَرِفٌ وَإِنْ كَانَ أَلِفُهُ وَنُونُهُ زَائِدَتَيْنِ لِوُجُودِ إِضْحِيَانَةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ لَيْلَةٌ ضَحْيَاءُ وَإِضْحِيَانَةٌ وَإِضْحِيَةٌ بِكَسْرِهِمَا مُضِيئَةٌ وَيَوْمٌ ضَحْيَاةٌ وَقَالَ فِي الْفَائِقِ أَيْ مُقْمِرَةٌ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا وَإِفْعِلَانُ مِمَّا قَلَّ فِي كَلَامِهِمْ (فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ نَظْرَةً (وَإِلَى الْقَمَرِ) أَيْ أُخْرَى لِأَنْظُرَ التَّرْجِيحَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُسْنِ الصُّورِيِّ (وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ حَمْرَاءُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ اسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى جَوَازِ لُبْسِ الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ لِلرِّجَالِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطًا فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ لِلرِّجَالِ (فَإِذَا هُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ) أَيْ فِي نَظَرِي أَوْ مُعْتَقِدِي وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ فِي الشَّمَائِلِ فَلَهُوَ عِنْدِي أَحْسَنُ مِنَ الْقَمَرِ أَيْ لِزِيَادَةِ الْحُسْنِ الْمَعْنَوِيِّ فِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب ما جاء في الثوب الأخضر

قَوْلُهُ هَذَا (حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا) يَعْنِي أَنَّ حَدِيثَ الْبَرَاءِ مُطَوَّلٌ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ الْمُطَوَّلَ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ لِلرِّجَالِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الْبَرَاءِ وَأَبِي جُحَيْفَةَ) أَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ حَدِيثِهِ الْمَذْكُورِ وَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُحَيْفَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الثَّوْبِ الْأَخْضَرِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ إِيَادِ بْنِ لَقِيطٍ) السَّدُوسِيُّ أَبُو السَّلِيلِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَآخِرُهُ لَامٌ أَيْضًا الْكُوفِيُّ كَانَ عَرِيفَ قَوْمِهِ صَدُوقٌ لَيَّنَهُ الْبَزَّارُ وَحْدَهُ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ إِيَادٌ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ ثُمَّ تحتانية بن لَقِيطٍ السَّدُوسِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي رِمْثَةَ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ صَحَابِيٌّ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ إِيَادُ بْنُ لَقِيطٍ وَثَابِتُ بْنُ أَبِي مُنْقِذٍ قَوْلُهُ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ بُرْدَانِ أَخْضَرَانِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَخْضَرَانِ أَيْ مَصْبُوغَانِ بِلَوْنِ الْخُضْرَةِ وَهُوَ أَكْثَرُ لِبَاسِ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَمَا وَرَدَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ ذَكَرَهُ

باب ما جاء في الثوب الأسود

مَيْرَكُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خضر وَهُوَ أَيْضًا مِنْ أَنْفَعِ الْأَلْوَانِ لِلْأَبْصَارِ وَمِنْ أجملها في أعين الناظرين قال القارىء وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا كَانَا مَخْطُوطَيْنِ بِخُطُوطٍ خُضْرٍ كَمَا وَرَدَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ بُرْدَانِ بَدَلَ ثَوْبَانِ وَالْغَالِبُ أَنَّ الْبُرُودَ ذَوَاتُ الْخُطُوطِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الِاحْتِمَال بَعِيدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا كَانَا أَخْضَرَيْنِ بَحْتَيْنِ قَالَ الْعِصَامُ الْمُرَادُ بِالثَّوْبَيْنِ الْإِزَارُ وَالرِّدَاءُ وَمَا قِيلَ فِيهِ إِنَّ لُبْسَ الثَّوْبِ الْأَخْضَرِ سُنَّةٌ ضَعْفُهُ ظَاهِرٌ إِذْ غَايَةُ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ انْتَهَى قال القارىء وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ مُبَاحَةٌ عَلَى أَصْلِهَا فَإِذَا اخْتَارَ الْمُخْتَارُ شَيْئًا مِنْهَا يَلْبَسُهُ لَا شَكَّ فِي إِفَادَةِ الِاسْتِحْبَابِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الثَّوْبِ الْأَسْوَدِ) قَوْلُهُ (وَعَلَيْهِ مِرْطٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ هُوَ كِسَاءٌ يَكُونُ تَارَةً مِنْ صُوفٍ وَتَارَةً مِنْ شَعْرٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ خَزٍّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ كِسَاءٌ يُؤْتَزَرُ بِهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ قَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي رَوَاهُ الْجُمْهُورُ وَضَبَطَهُ الْمُتْقِنُونَ وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ بِالْجِيمِ أَيْ عَلَيْهِ صُوَرُ الرِّجَالِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَمَعْنَاهُ عَلَيْهِ صُورَةُ رِحَالِ الْإِبِلِ وَلَا بَأْسَ بِهَذِهِ الصُّوَرِ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ تَصْوِيرُ الْحَيَوَانِ انْتَهَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَحَّلُ هُوَ الَّذِي فِيهِ خُطُوطٌ وَيُقَالُ إِنَّمَا سُمِّيَ مُرَحَّلًا لِأَنَّ عَلَيْهِ تَصَاوِيرَ رَحْلٍ أَوْ مَا يُشْبِهُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ

باب ما جاء في الثوب الأصفر

84 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الثَّوْبِ الْأَصْفَرِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَّانٍ) التَّمِيمِيُّ أَبُو الْجُنَيْدِ الْعَنْبَرِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ (أَنَّهُ حَدَّثَتْهُ جَدَّتَاهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ عُلَيْبَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (وَدُحَيْبَةُ) بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْعَنْبَرِيَّةُ مَقْبُولَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ قَيْلَةَ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ (بِنْتِ مَخْرَمَةَ) الْعَنْبَرِيَّةِ صَحَابِيَّةٌ لَهَا حَدِيثٌ طَوِيلٌ هَاجَرَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ حُرَيْثِ بْنِ حَسَّانٍ وَافِدِ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ قَوْلُهُ (فَذَكَرْتَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ) أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ طَرَفًا مِنْهُ فِي بَابِ الْقُرْفُصَاءِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مُخْتَصَرًا فِي بَابِ إِقْطَاعِ الْأَرَضِينَ مِنْ كِتَابِ الْخَرَاجِ وَفِي بَابِ جُلُوسِ الرَّجُلِ مِنْ كِتَابِ الْأَدَبِ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَهُ بِطُولِهِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَدْ شَرَحَ حَدِيثَ قَيْلَةَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْغَرِيبِ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ تُرِيدُ قَيْلَةُ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَجْرُورَ فِي قَوْلِهَا وَعَلَيْهِ رَاجِعٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَسْمَالُ مُلَيَّتَيْنِ) جَمْعُ سَمَلٍ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَهُوَ الثَّوْبُ الْخَلِقُ وَالْمُرَادُ بِالْجَمْعِ مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ عَلَى أَنَّ الثَّوْبَ الْوَاحِدَ قَدْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَسْمَالٌ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهِ عَلَى أَجْزَاءٍ وَحِينَئِذٍ فَلَا إِشْكَالَ فِي إِضَافَتِهِ إِضَافَةً بَيَانِيَّةً إِلَى مُلَيَّتَيْنِ تَصْغِيرُ مُلَاءَةٍ بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ لَكِنْ بَعْدَ حَذْفِ الْأَلِفِ وَهِيَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ الْإِزَارُ وَالرَّيْطَةُ وَفِي الصِّحَاحِ هِيَ الْمِلْحَفَةُ كَذَا فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ لِابْنِ حَجَرٍ الْمَكِّيِّ (كَانَتَا بِزَعْفَرَانٍ) أَيْ مَصْبُوغَتَيْنِ بِزَعْفَرَانٍ (وَقَدْ نَفَضَتَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ نُصِلَ لَوْنُ صَبْغِهِمَا وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْأَثَرُ انْتَهَى فَلَا يُنَافِي لُبْسُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَاتَيْنِ الْمُلَيَّتَيْنِ مَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ لُبْسِ الْمُزَعْفَرِ (وَمَعَهُ) أَيْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عُسَيْبُ نَخْلَةٍ) بِضَمِّ

باب ما جاء في كراهية التزعفر والخلوق للرجال

الْعَيْنِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ تَصْغِيرُ عَسِيبٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَسِيبُ جَرِيدَةٌ مِنَ النَّخْلِ مُسْتَقِيمَةٌ دَقِيقَةٌ يُكْشَطُ خُوصُهَا وَالَّذِي لَمْ يَنْبُتْ عَلَيْهِ الْخُوصُ مِنَ السَّعَفِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ التَّزَعْفُرِ وَالْخَلُوقِ لِلرِّجَالِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْخَلُوقُ طِيبٌ مَعْرُوفٌ مُرَكَّبٌ يُتَّخَذُ مِنَ الزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الطِّيبِ وَتَغْلِبُ عَلَيْهِ الْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَقَدْ وَرَدَ تَارَةً بِإِبَاحَتِهِ وَتَارَةً بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَالنَّهْيُ أَكْثَرُ وَأَثْبَتُ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ طِيبِ النِّسَاءِ وَكُنَّ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالًا لَهُ مِنْهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ نَاسِخَةٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ) أَيْ عَنِ اسْتِعْمَالِ الزَّعْفَرَانِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُمَا فِي تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ الرَّجُلِ الزَّعْفَرَانَ فِي ثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ وَلَهُمَا أَحَادِيثُ أُخْرَى صَحِيحَةٌ وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمَمْنُوعَ إِنَّمَا هُوَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْبَدَنِ دُونَ الثَّوْبِ وَدَلِيلُهُمْ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَنْ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ رَجُلٍ فِي جَسَدِهِ شَيْءٌ مِنْ خَلُوقٍ فَإِنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَا عَدَا الْجَسَدَ لَا يَتَنَاوَلُهُ الْوَعِيدُ وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى هَذَا بِأَنَّ فِي سَنَدِهِ أَبَا جَعْفَرٍ الرَّازِيَّ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَأَحَادِيثُ النَّهْيِ عَنِ التَّزَعْفُرِ مُطْلَقًا أَصَحُّ وَأَرْجَحُ فَإِنْ قُلْتَ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَسَأَلَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْبِرُهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً الْحَدِيثَ وَفِي رِوَايَةٍ وَعَلَيْهِ رَدْعُ زَعْفَرَانٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّزَعْفُرِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا وَبَيْنَ حَدِيثِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ قُلْتُ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ إِلَى الْجَمْعِ بِأَنَّ حَدِيثَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِلْمُتَزَوِّجِ وَأَحَادِيثَ النَّهْيِ لِغَيْرِهِ حَيْثُ تَرْجَمَ بِقَوْلِهِ بَابُ الصُّفْرَةِ لِلْمُتَزَوِّجِ وَقَالَ الْحَافِظُ إِنَّ أَثَرَ الصُّفْرَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَعَلَّقَتْ بِهِ مِنْ جِهَةِ زَوْجَتِهِ فَكَانَ

ذَلِكَ غَيْرَ مَقْصُودٍ لَهُ قَالَ وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِوُجُوهٍ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ وَلَوْ بِشَاةٍ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ فَإِنْ قُلْتَ روى الشيخان عن بن عُمَرَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ مِنَ الثِّيَابِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَلْبَسُ الْقُمُصَ وَلَا الْعَمَائِمَ وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا الْبَرَانِسَ وَلَا الْخِفَافَ إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ وَلَا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ أَوْ وَرْسٌ فَيُسْتَفَادُ مِنْ ظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ لُبْسِ الْمُزَعْفَرِ لِغَيْرِ الرَّجُلِ الْمُحْرِمِ لِأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ عَمَّا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِ لِغَيْرِهِ قُلْتُ قَالَ الْعِرَاقِيُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ جَوَابَ سُؤَالِهِمْ انْتَهَى عِنْدَ قَوْلِهِ أَسْفَلُ مِنَ الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بِهَذَا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ فَقَالَ وَلَا تَلْبَسُوا شَيْئًا مِنَ الثِّيَابِ إِلَى آخِرِهِ انْتَهَى قُلْتُ وَالْأَوْلَى في الجواب أن يقال إن الجواز للحلال مستفاد من حديث بن عُمَرَ بِالْمَفْهُومِ وَالنَّهْيُ ثَابِتٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِالْمَنْطُوقِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْمَنْطُوقَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَفْهُومِ فَإِنْ قُلْتَ رَوَى النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عبد الله بن زيد عن أبيه عن بن عُمَرَ كَانَ يَصْبُغُ ثِيَابَهُ بِالزَّعْفَرَانِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْبُغُ قُلْتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحِ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الصُّفْرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (قَالَ وَمَعْنَى كَرَاهِيَةِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ أَنْ يَتَزَعْفَرَ الرَّجُلُ يَعْنِي أَنْ يَتَطَيَّبَ بِهِ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلُهُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّزَعْفُرِ لِلرِّجَالِ هُوَ النَّهْيُ عَنِ اسْتِعْمَالِ الزَّعْفَرَانِ مُطْلَقًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَفِي الْبَدَنِ كَانَ أَوْ فِي الثوب

قَوْلُهُ (سَمِعْتَ أَبَا حَفْصِ بْنِ عُمَرَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي بَابِ الْكُنَى أبو حفص بن عمرو وقيل بن عُمَرَ وَقِيلَ أَبُو عُمَرَ بْنُ حَفْصٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَفْصٍ رَوَى عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ فِي النَّهْيِ عَنِ الْخَلُوقِ وَعَنْهُ عَطَاءُ بْنُ السائب قاله بن عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ عَنْهُ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْهُ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي حَفْصِ بْنِ عَمْرٍو وَقِيلَ عَنْهُ غَيْرُ ذَلِكَ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ انْتَهَى وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصٍ وَقِيلَ حَفْصُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (أَبْصَرَ رَجُلًا مُتَخَلِّقًا) أَيْ مَطْلِيًّا بِالْخَلُوقِ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ (فَاغْسِلْهُ ثُمَّ اغْسِلْهُ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَاغْسِلْهُ ثُمَّ اغْسِلْهُ ثُمَّ اغْسِلْهُ قَالَ الْمُظْهِرُ أَمَرَهُ بِغَسْلِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِلْمُبَالَغَةِ وَقِيلَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ لَوْنُهُ إِلَّا بِغَسْلِهِ ثَلَاثًا (ثُمَّ لَا تَعُدْ) بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ لَا تَرْجِعُ إِلَى اسْتِعْمَالِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلِيقُ بِالرِّجَالِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَقَدِ اخْتَلَفَ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ) قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ (بِأَخَرَةِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ أَيْ فِي آخِرِ عُمْرِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمَّارٍ وَأَبِي مُوسَى وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَدْ تَقَدَّمَ لَفْظُهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَلْمٍ الْعَلَوِيِّ عَنْهُ دَخَلَ رَجُلٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَقَلَّمَا كَانَ يُوَاجِهُ أَحَدًا بِشَيْءٍ يَكْرَهُهُ فَلَمَّا قَامَ قَالَ لَوْ أَمَرْتُمْ هَذَا أَنْ يَتْرُكَ هَذِهِ الصُّفْرَةَ وَسَلْمٌ هَذَا بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ فِيهِ لِينٌ

باب ما جاء في كراهية الحرير والديباج

86 - (بَاب مَا جَاءَ فِي كَرَاهِيَةِ الْحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ) أَيْ فِي كَرَاهِيَةِ لُبْسِهِمَا وَالْحَرِيرُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ عَرَبِيٌّ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِخُلُوصِهِ يُقَالُ لِكُلِّ خَالِصٍ مُحَرَّرٌ وَحَرَّرْتَ الشَّيْءَ خَلَّصْته مِنَ الِاخْتِلَاطِ بِغَيْرِهِ وَقِيلَ هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالدِّيبَاجُ نَوْعٌ مِنْهُ قَوْلُهُ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ مَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ مَعْنَاهُ فِي أَوَّلِ أَبْوَابِ الْأَشْرِبَةِ قَالَ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ دُخُولِ الْجَنَّةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حرير فَمَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ رَوَى ذَلِكَ النَّسَائِيُّ عَنِ الزُّبَيْرِ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ واللَّهِ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَذَكَرَ الْآيَةَ وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ وَإِنْ دَخَلَ الْجَنَّةَ لَبِسَهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَلْبَسْهُ انْتَهَى وَقَالَ السُّيُوطِيُّ تَأْوِيلُ الْأَكْثَرِينَ هُوَ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْجَنَّةَ مَعَ السَّابِقِينَ الْفَائِزِينَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ جُوَيْرِيَّةَ مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبًا مِنْ نَارٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةَ وَأَنَسٍ وَغَيْرِ وَاحِدٍ قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ) يَعْنِي فِي بَابِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ لِلرِّجَالِ وَقَدْ ذَكَرْنَا هُنَاكَ تَخْرِيجَ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَيْسَانَ التَّيْمِيُّ أَبُو عُمَرَ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بكر ثقة من الثالثة

87 - باب قَوْلُهُ (قَسَمَ أَقْبِيَةً) قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ حَاتِمٍ قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ وَفِي رِوَايَةِ حَمَّادٍ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مَزْرُورَةٌ بِالذَّهَبِ فَقَسَمَهَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ (وَلَمْ يُعْطِ مَخْرَمَةَ شَيْئًا) أَيْ فِي حَالِ تِلْكَ الْقِسْمَةِ وَإِلَّا فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِدًا لِمَخْرَمَةَ (انْطَلِقْ بِنَا) فِي رِوَايَةِ حَاتِمٍ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا (ادْخُلْ فَادْعُهُ لِي) فِي رِوَايَةِ حَاتِمٍ فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ فَتَكَلَّمَ فَعَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم صوته قال بن التِّينِ لَعَلَّ خُرُوجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سَمَاعِ صَوْتِ مَخْرَمَةَ صَادَفَ دُخُولَ الْمِسْوَرِ إِلَيْهِ (خَبَّأْتَ لَكَ هَذَا) إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِلْمُلَاطَفَةِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي خُلُقِهِ شِدَّةٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ (قَالَ) أَيِ الْمِسْوَرُ (فَنَظَرَ) أَيْ مَخْرَمَةُ (فَقَالَ) أَيْ مخرمة (رضي مخرمة) قال الداؤدي هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ هَلْ رَضِيتَ وقال بن التِّينِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِ مَخْرَمَةَ قَالَ الْحَافِظُ هُوَ الْمُتَبَادَرُ لِلذِّهْنِ انْتَهَى وَمِنْ فَوَائِدِ الْحَدِيثِ الِاسْتِئْلَافُ لِلْقُلُوبِ وَالْمُدَارَاةُ مَعَ النَّاسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْهِبَةِ وَفِي الشَّهَادَاتِ وَفِي الْخُمْسِ وَفِي الْأَدَبِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي الزَّكَاةِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي اللِّبَاسِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ

باب ما جاء إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته

88 - (بَاب مَا جَاءَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ) عَلَى عَبْدِهِ قَوْلُهُ (أخبرنا همام) هو بن يَحْيَى الْأَزْدِيُّ الْعَوْذِيُّ قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُرَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُبْصَرُ وَيُظْهَرُ (أَثَرُ نِعْمَتِهِ) أَيْ إِحْسَانِهِ وَكَرَمِهِ تَعَالَى فَمِنْ شُكْرِهَا إِظْهَارُهَا وَمِنْ كُفْرَانِهَا كِتْمَانُهَا قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي إِذَا أَتَى اللَّهُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا فَلْيُظْهِرْهَا مِنْ نَفْسِهِ بِأَنْ يَلْبَسَ لِبَاسًا يَلِيقُ بِحَالِهِ لِإِظْهَارِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَلِيَقْصِدَهُ الْمُحْتَاجُونَ لِطَلَبِ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ يُظْهِرُوا عِلْمَهُمْ لِيَسْتَفِيدَ النَّاسُ مِنْهُمْ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ أَلَيْسَ إِنَّهُ حَثَّ عَلَى الْبَذَاذَةِ قُلْتُ إِنَّمَا حَثَّ عَلَيْهَا لِئَلَّا يَعْدِلَ عَنْهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا يَتَكَلَّفُ لِلثِّيَابِ الْمُتَكَلَّفَةِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي عَادَةِ النَّاسِ حَتَّى فِي الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ فَأَمَّا مَنِ اتَّخَذَ ذَلِكَ دَيْدَنًا وَعَادَةً مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْجَدِيدِ وَالنَّظَافَةِ فَلَا لِأَنَّهُ خِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُؤْمِنَ الْمُتَبَذِّلَ الَّذِي لَا يُبَالِي مَا لَبِسَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ هَذَا الْحَدِيثُ رواه البيهقي في شعب الإيمان وإسناده ضَعِيفٌ قَالَهُ الْمَنَاوِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وبن مَسْعُودٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فَأَخْرَجَهُ أحمد وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه الحاكم عن بن عمر

باب ما جاء في الخف الأسود

89 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْخُفِّ الْأَسْوَدِ) قَوْلُهُ (عَنْ دَلْهَمَ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَالْهَاءِ بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ (بْنِ صَالِحٍ) الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ من السادسة (عن حجين) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ مُصَغَّرًا (بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الْكِنْدِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنِ بن بُرَيْدَةَ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ قَوْلُهُ (سَاذَجَيْنِ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مُعَرَّبٌ ساده عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ أَيْ غَيْرِ مَنْقُوشَيْنِ إِمَّا بِالْخِيَاطَةِ أَوْ بغيرها أو لاشية فِيهِمَا تُخَالِفُ لَوْنَهُمَا أَوْ مُجَرَّدَيْنِ عَنِ الشَّعْرِ قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه بن مَاجَهْ (إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ دَلْهَمَ) وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ وَقَالَ مَيْرَكُ وَقَدْ أَخْرَجَ بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ عَنْ دَلْهَمَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنَّ النَّجَاشِيَّ كَتَبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي قَدْ زَوَّجْتُكَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِكَ وَهِيَ عَلَى دِينِكَ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَهْدَيْتُكَ هدية جامعة قميص وسراويل وعطاف وَخُفَّيْنِ سَاذَجَيْنِ فَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَلَيْهِمَا قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ رواية عَنِ الْهَيْثَمِ قُلْتُ لِلْهَيْثَمِ مَا الْعِطَافُ قَالَ الطَّيْلَسَانُ 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي النَّهْيِ عَنْ نتف الشيب) قوله (أخبرنا عبدة) هو بن سُلَيْمَانَ الْكُلَابِيُّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) هُوَ إِمَامُ الْمَغَازِي

باب ما جاء أن المستشار مؤتمن

قَوْلُهُ (نَهَى عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ) أَيِ الشَّعْرِ الْأَبْيَضِ مِنَ اللِّحْيَةِ أَوِ الرَّأْسِ (قَالَ إِنَّهُ نُورُ الْمُسْلِمِ) الْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ وَقَارُهُ الْمَانِعُ مِنَ الْغُرُورِ بِسَبَبِ انْكِسَارِ النَّفْسِ عَنِ الشَّهَوَاتِ وَالْفُتُورِ وَهُوَ الْمُؤَدِّي إِلَى نُورِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَيَصِيرُ نُورًا فِي قَبْرِهِ وَيَسْعَى بَيْنَ يَدَيْهِ في ظلمات حشره قال بن الْعَرَبِيِّ إِنَّمَا نَهَى عَنِ النَّتْفِ دُونَ الْخَضْبِ لِأَنَّ فِيهِ تَغْيِيرَ الْخِلْقَةِ عَنْ أَصْلِهَا بِخِلَافِ الْخَضْبِ فَإِنَّهُ لَا يُغَيِّرُ الْخِلْقَةَ عَلَى النَّاظِرِ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كُنَّا نَكْرَهُ أَنْ يَنْتِفَ الرَّجُلُ الشَّعْرَةَ الْبَيْضَاءَ مِنْ رأسه ولحيته (وقد رواه عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أبي ربيعة 1 - (باب ما جاء أن المستشار مؤتمن) قَوْلُهُ (عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ) مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنِ بن جدعان) بن جُدْعَانَ هَذَا لَيْسَ هُوَ عَلِيَّ بْنَ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ بَلْ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ جَدَّتِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَنْهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَبَيَّنَ فِي التَّارِيخِ أَنَّهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بن جدعان وعند الترمذي عن بن جُدْعَانَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ جَدَّتِهِ) لَا تُعْرَفُ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (الْمُسْتَشَارُ) مِنَ اسْتَشَارَهُ طَلَبَ رَأْيَهُ فِيمَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ (مُؤْتَمَنٌ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْأَمَانَةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسْتَشَارَ أَمِينٌ فِيمَا يُسْأَلُ مِنَ الْأُمُورِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَخُونَ الْمُسْتَشِيرَ بِكِتْمَانِ مصلحته

باب ما جاء في الشؤم

قوله (وفي الباب عن بن مسعود وأبي هريرة وبن عمر) أما حديث بن مَسْعُودٍ فَلَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ وبن ماجه عن بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَفِي سنده جدة بن جدعان وهي مجهولة كما عرفت قوله (أخبرنا شيبان) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيُّ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ) اللَّخْمِيُّ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِلَخْ) وأخرجه أبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (فَمَا أَخْرِمُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ لَا أَنْقُصُ (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْحَدِيثِ (حَرْفًا) أَيْ لَفْظًا بل أحدثه بغير زيادة ونقص 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الشُّؤْمِ) قَوْلُهُ (عَنْ سَالِمٍ وَحَمْزَةَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) حَمْزَةُ هَذَا هُوَ شَقِيقُ سَالِمٍ ثِقَةٌ مِنَ الثالثة

قَوْلُهُ (الشُّؤْمُ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَقَدْ تُسَهَّلُ فَتَصِيرُ وَاوًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْوَاوُ فِي الشُّؤْمِ هَمْزَةٌ وَلَكِنَّهَا خُفِّفَتْ فَصَارَتْ وَاوًا وَغَلَبَ عَلَيْهَا التَّخْفِيفُ حَتَّى لَمْ يُنْطَقْ بِهَا مهموزة ولذلك أثبتناها ها هنا وَالشُّؤْمُ ضِدُّ الْيُمْنِ يُقَالُ تَشَاءَمْتَ بِالشَّيْءِ وَتَيَمَّنْتَ بِهِ (فِي ثَلَاثَةٍ) أَيْ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ (فِي الْمَرْأَةِ وَالْمَسْكَنِ وَالدَّابَّةِ) بَدَلٌ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الدَّارَ قَدْ يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى سُكْنَاهَا سَبَبًا لِلضَّرَرِ أَوِ الْهَلَاكِ وَكَذَا اتِّخَاذُ الْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ أَوِ الْفَرَسِ أَوِ الْخَادِمِ قَدْ يَحْصُلُ الْهَلَاكُ عِنْدَهُ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ قَدْ يَحْصُلُ الشُّؤْمُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ إِنْ يَكُنِ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَثِيرُونَ هُوَ فِي مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الطِّيَرَةِ أَيِ الطِّيَرَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ يَكْرَهُ سُكْنَاهَا أَوِ امْرَأَةٌ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا أَوْ فَرَسٌ أَوْ خَادِمٌ فَلْيُفَارِقِ الْجَمِيعَ بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَطَلَاقُ الْمَرْأَةِ وَقَالَ آخَرُونَ شُؤْمُ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِيرَانِهَا وَأَذَاهُمْ وَشُؤْمُ الْمَرْأَةِ عَدَمُ وِلَادَتِهَا وَسَلَاطَةُ لِسَانِهَا وَتَعَرُّضُهَا لِلرِّيَبِ وَشُؤْمُ الْفَرَسِ أَنْ لَا يُغْزَى عَلَيْهَا وَقِيلَ حِرَانُهَا وَغَلَاءُ ثَمَنِهَا وَشُؤْمُ الْخَادِمِ سُوءُ خُلُقِهِ وَقِلَّةُ تَعَهُّدِهِ لِمَا فوض إليه وقيل المراد بالشؤم ها هنا عَدَمُ الْمُوَافَقَةِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ بِحَدِيثِ لَا طيرة على هذا فأجاب بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ هَذَا مَخْصُوصٌ مِنْ حَدِيثِ لَا طِيَرَةَ أَيْ لَا طِيَرَةَ إِلَّا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَرِوَايَةُ سَعِيدٍ أَصَحُّ) أَيْ رِوَايَةُ سَعِيدٍ عَنْ سُفْيَانَ بِدُونِ ذِكْرِ حَمْزَةَ أَصَحُّ من رواية بن أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ بِذِكْرِ حَمْزَةَ مَعَ سَالِمٍ (لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ وَالْحُمَيْدِيَّ رَوَيَا عَنْ سُفْيَانَ وَلَمْ يَرْوِ لَنَا الزُّهْرِيُّ هَذَا الحديث إلا عن سالم عن بن

عُمَرَ) يَعْنِي أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ وَالْحُمَيْدِيَّ رَوَيَا عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَرْوِ لَنَا الزُّهْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا عَنْ سَالِمٍ عن بن عُمَرَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عن بن الْمَدِينِيِّ وَالْحُمَيْدِيِّ أَنَّ سُفْيَانَ كَانَ يَقُولُ لَمْ يَرْوِ الزُّهْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَّا عَنْ سَالِمٍ انْتَهَى وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ عَنْ سُفْيَانَ إِنَّمَا تَحْفَظُهُ عَنْ سَالِمٍ قَالَ الْحَافِظُ لَكِنَّ هَذَا الْحَصْرَ مَرْدُودٌ فَقَدْ حَدَّثَ بِهِ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَحَمْزَةَ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِمَا وَمَالِكٌ مِنْ كِبَارِ الْحُفَّاظِ وَلَا سِيَّمَا فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ وَكَذَا رواه بن أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ نَفْسِهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْهُ وَهُوَ يَقْتَضِي رُجُوعَ سُفْيَانَ عَمَّا سَبَقَ مِنَ الْحَصْرِ وَأَمَّا التِّرْمِذِيُّ فَجَعَلَ رِوَايَةَ بن أَبِي عُمَرَ هَذِهِ مَرْجُوحَةً وَقَدْ تَابَعَ مَالِكًا أيضا يونس من رواية بن وَهْبٍ عَنْهُ كَمَا سَيَأْتِي فِي الطِّبِّ وَصَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبُو أُوَيْسٍ عِنْدَ أحمد ويحيى بن سعيد وبن أَبِي عَتِيقٍ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ثَلَاثَتِهِمْ عِنْدَ النَّسَائِيِّ كُلِّهِمْ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْهُمَا وَرَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَاقْتَصَرَ عَلَى حَمْزَةَ أخرجه النسائي وكذا أخرجه بن خُزَيْمَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ عُقَيْلٍ وَأَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ وَرَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ مَبْرُورٍ عَنْ يُونُسَ فَاقْتَصَرَ عَلَى حَمْزَةَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ رَبَاحِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مَعْمَرٍ مُقْتَصِرًا عَلَى حَمْزَةَ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ مَعْمَرٍ فاقتصر على سالم فالظاهر أن الزهري يجمعها تَارَةً وَيُفْرِدُ أَحَدَهُمَا أُخْرَى وَقَدْ رَوَاهُ إِسْحَاقُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَنْ سَالِمٍ أَوْ حَمْزَةَ أَوْ كِلَاهُمَا وَلَهُ أَصْلٌ عَنْ حَمْزَةَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عُتْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَعَائِشَةَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَلَفْظُهُ الشُّؤْمُ سُوءُ الْخُلُقِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا كُنَّا فِي دَارٍ كَثِيرٌ فِيهَا عَدَدُنَا وَكَثِيرٌ فِيهَا أَمْوَالُنَا فَتَحَوَّلْنَا إِلَى دَارٍ أُخْرَى فَقَلَّ فِيهَا عَدَدُنَا وَقَلَّتْ فِيهَا أَمْوَالُنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَرُوهَا ذَمِيمَةً وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي المرأة والدابة والسكن رواه الشيخان عن بن عُمَرَ وَكَذَا عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ إِنْ فُرِضَ وُجُودُ الشُّؤْمِ يَكُونُ في هذه

الثَّلَاثَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ نَفْيُ صِحَّةِ الشُّؤْمِ وَوُجُودُهُ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقٌ الْقَدَرَ لَسَبَقَتْهُ الْعَيْنُ فَلَا يُنَافِيهِ حِينَئِذٍ عُمُومُ نَفْيِ الطِّيَرَةِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ فَإِنْ قُلْتَ فَمَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قوله صلى الله عليه وسلم الشؤم في ثَلَاثَةٍ إِلَخْ قُلْتُ قَدْ جَمَعُوا بَيْنَهُمَا بِوُجُوهٍ مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ إِلَخْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أنفسكم إلا في كتاب الاية حكاه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَالنَّسْخُ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ لَا سِيَّمَا مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ ورد في حديث بن عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ نَفْيُ التَّطَيُّرِ ثُمَّ إِثْبَاتُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ وَلَفْظُهُ لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَالشُّؤْمُ فِي ثَلَاثٍ فِي الْمَرْأَةِ وَالدَّارِ وَالدَّابَّةِ وَمِنْهَا مَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ مَعْنَاهُ إِبْطَالُ مَذْهَبِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي التَّطَيُّرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إِنْ كَانَتْ لِأَحَدِكُمْ دَارٌ يَكْرَهُ سُكْنَاهَا أَوِ امْرَأَةٌ يَكْرَهُ صُحْبَتَهَا أَوْ فَرَسٌ يَكْرَهُ سَيْرَهُ فَلْيُفَارِقْهُ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالشُّؤْمِ فِي قَوْلِهِ الشُّؤْمُ فِي ثَلَاثَةٍ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ بَلِ الْمُرَادُ مِنْ شُؤْمِ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِوَارِهَا وَمِنْ شُؤْمِ الْمَرْأَةِ أَنْ لَا تَلِدَ وَأَنْ تَحْمِلَ لِسَانَهَا عَلَيْك وَمِنْ شُؤْمِ الْفَرَسِ أَنْ لَا يُغْزَى عَلَيْهِ وَقِيلَ حِرَانُهَا وَغَلَاءُ ثَمَنِهَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْجَمْعَ ما أخرجه أحمد وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا مِنْ سعادة بن آدَمَ ثَلَاثَةٌ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ وَالْمَسْكَنُ الصَّالِحُ وَالْمَرْكَبُ الصالح ومن شقاوة بن آدَمَ ثَلَاثَةٌ الْمَرْأَةُ السُّوءُ وَالْمَسْكَنُ السُّوءُ وَالْمَرْكَبُ السوء وفي رواية بن حِبَّانَ الْمَرْكَبُ الْهَنِيءُ وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْحَاكِمِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الشَّقَاءِ الْمَرْأَةُ تَرَاهَا فَتَسُوؤُكَ وَتَحْمِلُ لِسَانَهَا عَلَيْك وَالدَّابَّةُ تَكُونُ قَطُوفًا فَإِنْ ضَرَبْتَهَا أَتْعَبَتْكَ وَإِنْ تَرَكْتَهَا لَمْ تَلْحَقْ أَصْحَابَك وَالدَّارُ تَكُونُ ضَيِّقَةً قَلِيلَةَ الْمَرَافِقِ قَوْلُهُ (لَا شُؤْمَ) أَيْ فِي شَيْءٍ (وَقَدْ يَكُونُ الْيُمْنُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ (فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ) أَيْ قَدْ تَكُونُ الْبَرَكَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالْيُمْنُ ضِدُّ الشُّؤْمِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ) بِضَمِّ السِّينِ مُصَغَّرًا الْكِنَانِيُّ الْكَلْبِيُّ الشَّامِيُّ الْقَاضِي بِحِمْصٍ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَكِيمِ) بْنِ مُعَاوِيَةَ النُّمَيْرِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ

باب لا يتناجى اثنان دون ثالث

كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَقِيلَ عَنْ عَمِّهِ وَعَنْهُ يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ الطَّائِيُّ قَاضِي حِمْصٍ (عَنْ عَمِّهِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ) النُّمَيْرِيِّ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ لَهُ حَدِيثٌ وَقِيلَ إِنَّمَا يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ أَوْ عَنْ عَمِّهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ تَابِعِيٌّ مِنَ الثَّانِيَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ مُخْتَلَفٌ في صحبته وروى عنه بن أَخِيهِ مُعَاوِيَةُ قَالَهُ يَحْيَى بْنُ جَابِرٍ عَنْهُ وَقِيلَ عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ عَمِّهِ مَعْمَرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ عَلَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ يَحْيَى وَرَوَاهُ بَقِيَّةُ عن سليمان عن يحيى عن بن معاوية حكيم عن أبيه انتهى 3 - (باب لَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ ثَالِثٍ) قَوْلُهُ (عَنْ شقيق) يعني بن سلمة (عن عبد الله) أي بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً) أَيْ فِي الْمُصَاحَبَةِ سَفَرًا أَوْ حَضَرًا (فلا ينتجي) مِنَ الِانْتِجَاءِ وَهُوَ التَّنَاجِي (اثْنَانِ) أَيْ لَا يَتَكَلَّمَا بِالسِّرِّ يُقَالُ انْتَجَى الْقَوْمُ وَتَنَاجَوْا أَيْ سَارَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (دُونَ صَاحِبِهِمَا) أَيِ الثَّالِثِ (فلا يتناجى اثْنَانِ) أَيْ لَا يَتَكَلَّمَا بِالسِّرِّ (دُونَ الثَّالِثِ) أَيْ مُجَاوِزَيْنِ عَنْهُ غَيْرَ مُشَارِكَيْنِ لَهُ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ نَجْوَاهُمَا لِشَرٍّ مُتَعَلِّقٍ بِهِ (فَإِنَّ ذَلِكَ) أَيْ تَنَاجِي الِاثْنَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ (يَحْزُنُهُ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الزَّايِ وَيَجُوزُ ضَمُّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرُ الزَّايِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ حَزَنَهُ الْأَمْرُ حُزْنًا بِالضَّمِّ وَأَحْزَنَهُ جَعَلَهُ حَزِينًا انْتَهَى وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي قَوْلِهِ يَحْزُنُهُ لِلثَّالِثِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنْ تَنَاجِي اثْنَيْنِ بِحَضْرَةِ ثَالِثٍ وَكَذَا ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ بِحَضْرَةِ وَاحِدٍ وَهُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ فَيَحْرُمُ عَلَى الْجَمَاعَةِ الْمُنَاجَاةُ دُونَ واحد منهم إلا أن يأذن ومذهب بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَالِكٌ وَأَصْحَابُنَا وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّهْيَ عَامٌّ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ وَفِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ الْمُنَاجَاةُ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ لِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ

باب ما جاء في العدة

الْخَوْفِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ وَأَنَّهُ كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَلَمَّا فَشَا الْإِسْلَامُ وَأَمِنَ النَّاسُ سَقَطَ النَّهْيُ وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْمُؤْمِنِينَ لِيُحْزِنُوهُمْ أَمَّا إِذَا كَانُوا أَرْبَعَةً فَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ اثْنَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى قُلْتُ دَعْوَى نَسْخِ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَوْ تَخْصِيصِهَا بِالسَّفَرِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا فَالْقَوْلُ الْمُعْتَمَدُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ النَّهْيَ عَامٌّ فِي كُلِّ الْأَزْمَانِ وَفِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان وأبو داود وبن ماجه قوله (وفي الباب عن بن عمر وأبي هريرة وبن عباس) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أبي هريرة وحديث بن عَبَّاسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُمَا 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْعِدَةِ) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ) بِضَمِّ جِيمٍ فَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَيَاءٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَهَا فَاءٌ صَحَابِيٌّ مَعْرُوفٌ (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْيَضَ) أَيْ مَائِلًا إِلَى الْحُمْرَةِ (قَدْ شَابَ) أَيْ ظَهَرَ فِيهِ شَيْبٌ (وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ يُشْبِهُهُ) أَيْ فِي النِّصْفِ الْأَعْلَى فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْحَسَنُ أَشْبَهَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إلى الرأس والحسين أَشْبَهَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ (وَأَمَرَ لَنَا) أَيْ لَهُ وَلِقَوْمِهِ مِنْ بَنِي سِوَاءَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَكَانَ أَمَرَ لَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ جَائِزَةِ الْوَفْدِ (قَلُوصًا) بِفَتْحٍ فَضَمٍّ أَيْ نَاقَةٍ شَابَّةٍ (فَذَهَبْنَا نَقْبِضُهَا) أَيْ فَشَرَعْنَا في

الذَّهَابِ إِلَى الْمَأْمُورِ لِنَقْبِضَ الْعَطَاءَ الْمَذْكُورَ (فَأَتَانَا مَوْتُهُ) أَيْ خَبَرُ مَوْتِهِ قَبْلَ أَنْ نَقْبِضَهَا (فَلَمَّا قَامَ أَبُو بَكْرٍ) أَيْ خَطِيبًا أَوْ قام بأمر الخلافة (فليجىء) أَيْ فَلْيَأْتِ إِلَيْنَا فَإِنَّ وَفَاءَهُ عَلَيْنَا وَلَعَلَّ الِاكْتِفَاءَ بِهَا وَعَدَمَ ذِكْرِ الدَّيْنِ هُنَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهَا بِالْأَوْلَى وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ اقْتِصَارًا مِنَ الرَّاوِي لَا سِيَّمَا وَكَلَامُهُ فِي الْعِدَةِ (فَقُمْتَ إِلَيْهِ) أَيْ مُتَوَجِّهًا (فَأَخْبَرْته) أَيْ بِمَا سَبَقَ (فَأَمَرَ لَنَا بِهَا) أَيْ بِالْقَلُوصِ الْمَوْعُودَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ فِي جَامِعِ الْأُصُولِ اتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ عَلَى الْفَصْلِ الْأَوَّلِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُحَيْفَةَ وَاتَّفَقَ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَلَى الْفَصْلِ الثَّانِي وَانْفَرَدَ التِّرْمِذِيُّ بِذِكْرِ أَبِي بَكْرٍ وَإِعْطَائِهِ إِيَّاهُمْ كَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ الْجَزَرِيُّ فِي تَصْحِيحِ الْمَصَابِيحِ قَالَ مَيْرَكُ وَلِذَا قَالَ الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْمِشْكَاةِ فِي آخِرِ مَجْمُوعِ الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَلَمْ يَزِيدُوا) أَيْ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ (عَلَى هَذَا) أَيْ عَلَى هَذَا الْقَدْرِ وَلَمْ يَذْكُرُوا قَوْلَهُ وَأَمَرَنَا إِلَخْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَهْبٌ السُّوَائِيُّ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ والمد

باب ما جاء في فداك أبي وأمي

95 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) قَوْلُهُ (جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ) أَيْ فِي الْفِدَاءِ (غَيْرَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) يَعْنِي أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَقُلْ لِأَحَدٍ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي إِلَّا لِسَعْدٍ قوله (عن بن جدعان) هو علي زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قَوْلُهُ (فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ أَبِي وَأُمِّي مُفَدًّى لَك وَفِي هَذِهِ التَّفْدِيَةِ تَعْظِيمٌ لِقَدْرِهِ وَاعْتِدَادٌ بِعَمَلِهِ وَاعْتِبَارٌ بِأَمْرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَفْدِي إِلَّا مَنْ يُعَظِّمُهُ فَيَبْذُلُ نَفْسَهُ أَوْ أَعَزَّ أَهْلِهُ لَهُ (ارْمِ أَيُّهَا الْغُلَامُ الْحَزَوَّرُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَالْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ وَالْجَمْعُ الْحَزَاوِرَةُ قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ هَذَا أَصْلُ مَعْنَاهُ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا لِلشَّابِّ لِأَنَّ سَعْدًا جَاوَزَ الْبُلُوغَ يَوْمئِذٍ انْتَهَى قُلْتَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ لِأَنَّ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهُوَ بن سَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَدْ يَجِيءُ الْحَزَوَّرُ بِمَعْنَى الرَّجُلِ الْقَوِيِّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحَزَوَّرُ كَعَمَلَّسٍ الْغُلَامُ الْقَوِيُّ وَالرَّجُلُ الْقَوِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الزُّبَيْرِ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ الزُّبَيْرِ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَأْتِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَيَأْتِينِي بِخَبَرِهِمْ فَانْطَلَقْتَ فَلَمَّا رَجَعْتَ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ فَقَالَ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُ عَلِيٍّ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ لِأَحَدٍ إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يُخَالِفُ حَدِيثَ الزُّبَيْرِ هَذَا فَمَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَهُمَا

قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ حَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا مَا لَفْظُهُ فِي هَذَا الْحَصْرِ نَظَرٌ لِمَا تَقَدَّمَ فِي تَرْجَمَةِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ لَهُ أَبَوَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ عَلِيًّا رضِيَ الله تعالى عَنْهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ أَوْ مُرَادُهُ بِذَلِكَ بِقَيْدِ يَوْمِ أُحُدٍ انْتَهَى وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِذَلِكَ قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحٌ) أَيْ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ عَلِيٍّ وَحَدِيثُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ 6 - بَاب مَا جَاءَ فِي يَا بُنَيَّ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ) اسْمُهُ الْجَعْدُ بْنُ دِينَارٍ الْيَشْكُرِيُّ الصَّيْرَفِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْحُلَا بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ ثِقَةٌ من الرابعة قوله (قال له يابني) بفتح الياء المشددة وكسرها وقرىء بِهِمَا فِي السَّبْعِ الْأَكْثَرُونَ بِالْكَسْرِ وَبَعْضُهُمْ بِإِسْكَانِهَا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ قَوْلِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِ ابْنِهِ مِمَّنْ هُوَ أَصْغَرُ سِنًّا مِنْهُ يَا ابْنِي وَيَا بُنَيَّ مُصَغَّرًا وَيَا وَلَدِي وَمَعْنَاهُ تَلَطُّفٌ وَأَنَّكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ وَلَدِي فِي الشَّفَقَةِ وَكَذَا يُقَالُ لَهُ

باب ما جاء في تعجيل اسم المولود

وَلِمَنْ هُوَ فِي مِثْلِ سِنِّ الْمُتَكَلِّمِ يَا أَخِي لِلْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَإِذَا قَصَدَ التَّلَطُّفَ كَانَ مُسْتَحَبًّا كَمَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ الْمُغِيرَةِ وَعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ) أَمَّا حديث المغيرة وهو بن شُعْبَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ التَّسْمِيَةِ عَلَى الطَّعَامِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 7 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْجِيلِ اسْمِ الْمَوْلُودِ) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ إِلَخْ) كُنْيَتُهُ أَبُو الْفَضْلِ الْبَغْدَادِيُّ قَاضِي أَصْبَهَانَ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عشرة (أخبرنا شريك) هو بن عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) هُوَ صَاحِبُ الْمَغَازِي قَوْلُهُ (أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ السَّابِعِ وَقَدْ وَرَدَ فِيهِ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ ثَبَتَ تَسْمِيَةُ الْمَوْلُودِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ أَيْضًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا فِي آخِرِ أَبْوَابِ الْأَضَاحِيِّ (وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ) عَطْفٌ عَلَى تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ وَالْمُرَادُ بِوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ إِمَاطَتُهُ وَإِزَالَتُهُ كَمَا فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ أَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى أَيْ أَزِيلُوا وَزْنًا وَمَعْنًى قَالَ وَقَعَ عِنْدَ

باب ما جاء ما يستحب من الأسماء

أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عروبة وبن عَوْنٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَذَى حَلْقَ الرَّأْسِ فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ وَأَخْرَجَ الطَّحَاوِيُّ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ لَمْ أَجِدْ مَنْ يُخْبِرُنِي عَنْ تَفْسِيرِ الْأَذَى انْتَهَى وَقَدْ جَزَمَ الْأَصْمَعِيُّ بِأَنَّهُ حَلْقُ الرَّأْسِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ كَذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ وأمر أن يماط عن رؤوسهما الْأَذَى وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ فِي حَلْقِ الرأس فقد وقع في حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَيُمَاطُ عَنْهُ الْأَذَى وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ فَعَطَفَهُ عَلَيْهِ فَالْأَوْلَى حَمْلُ الْأَذَى عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ حَلْقِ الرَّأْسِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَيُمَاطُ عَنْهُ أَقْذَارُهُ رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ انْتَهَى (وَالْعَقِّ) أَيِ الذَّبْحِ بِشَاةٍ أَوْ شَاتَيْنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ شَرِيكٌ الْقَاضِي وَقَدْ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بِالْكُوفَةِ وَفِي سَنَدِهِ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ يُدَلِّسُ وَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ بِالْعَنْعَنَةِ لَكِنْ لِلْحَدِيثِ شَوَاهِدُ وَلِذَلِكَ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ 8 - (بَاب مَا جَاءَ مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ الْأَسْمَاءِ) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ) بْنِ الْمَأْمُونِ الْهَاشِمِيُّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا مُعَمَّرُ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ (بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّقِّيُّ) النَّخَعِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ أخطأ الأزدي في تبينه وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَ لَهُ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ الزِّنْجِيِّ) الْمَكِّيِّ الْعَابِدِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ) بْنِ خُثَيْمٍ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ مُصَغَّرًا قَوْلُهُ (أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ) فِيهِ التَّسْمِيَةُ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ وتفضيلهما

باب ما جاء ما يكره من الأسماء

عَلَى سَائِرِ مَا يُسَمَّى بِهِ وَقَدْ بَيَّنَ الحافظ بن الْقَيِّمِ وَجْهَ التَّفْضِيلِ فِي كِتَابِهِ زَادِ الْمَعَادِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ يُلْتَحَقُ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ مَا كَانَ مِثْلَهُمَا كَعَبْدِ الرَّحِيمِ وَعَبْدِ الْمَلِكِ وَعَبْدِ الصَّمَدِ وَإِنَّمَا كَانَتْ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ مَا هُوَ وَصْفٌ وَاجِبٌ لِلَّهِ وَمَا هُوَ وَصْفٌ لِلْإِنْسَانِ وَوَاجِبٌ لَهُ وَهُوَ الْعُبُودِيَّةُ ثُمَّ أُضِيفَ الْعَبْدُ إِلَى الرَّبِّ إِضَافَةً حَقِيقِيَّةً فَصَدَقَتْ أَفْرَادُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَشَرُفَتْ بِهَذَا التَّرْكِيبِ فَحَصَلَتْ لَهَا هَذِهِ الْفَضِيلَةُ وَقَالَ غَيْرُهُ الْحِكْمَةُ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الِاسْمَيْنِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الْقُرْآنِ إِضَافَةُ عَبْدٍ إِلَى اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُهُمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنَّهُ لما قام عبد الله يدعوه وقال في آية أخرى وعباد الرحمن وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادعوا الرحمن وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي زُهَيْرٍ الثَّقَفِيِّ رَفْعُهُ إِذَا سَمَّيْتُمْ فَعَبِّدُوا وَمِنْ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ رَفْعُهُ أَحَبُّ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ مَا تُعَبِّدُونَهُ وَفِي إِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعْفٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داود وبن ماجه 9 - (باب ما جاء مَا يُكْرَهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ قَوْلُهُ (لَأَنْهَيَنَّ أَنْ يُسَمَّى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (رَافِعٌ وبركة ويسار) وفي رواية بن مَاجَهْ لَئِنْ عِشْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْهَيَنَّ أَنْ يُسَمَّى رَبَاحٌ وَنَجِيحٌ وَأَفْلَحُ وَنَافِعٌ وَيَسَارٌ وَعِلَّةُ النَّهْيِ عَنِ التَّسْمِيَةِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ تَأْتِي فِي حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ الْآتِي قَوْلُهُ (هذا حديث غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ (وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ النَّاسِ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس فيه عمر) أخرجه مسلم من طريق بن جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ

سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْهَى أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى وَبِبَرَكَةَ وَبِأَفْلَحَ وَبِيَسَارٍ وَبِنَافِعٍ وَبِنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَيْته سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَنْهَى عَنِ التَّسْمِيَةِ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَحَدِيثُ سَمُرَةَ الْآتِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ نَهَى عَنِ ذَلِكَ فَمَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا قُلْتُ وَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يَنْهَى نَهْيَ تَحْرِيمٍ ثُمَّ سَكَتَ بَعْدَ ذَلِكَ رَحْمَةً عَلَى الْأُمَّةِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى وَإِيقَاعِ الْحَرَجِ لَا سِيَّمَا وَأَكْثَرُ النَّاسِ مَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْأَسْمَاءِ مِنَ الْقُبْحِ وَالْحُسْنِ فَالنَّهْيُ الْمَنْفِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْمُثْبَتِ عَلَى التَّنْزِيهِ قَوْلُهُ (لَا تُسَمِّ غُلَامَكَ) أَيْ صَبِيَّكَ أَوْ عَبْدَكَ (رَبَاحَ) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ رَبَاحَ وَيَسَارَ وَنَجِيحَ بِغَيْرِ الْأَلِفِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ رَبَاحًا وَيَسَارًا وَنَجِيحًا بِالْأَلِفِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَرَبَاحٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ مِنَ الرِّبْحِ ضِدُّ الْخَسَارَةِ (وَلَا أَفْلَحَ) مِنَ الْفَلَاحِ وَهُوَ الْفَوْزُ (وَلَا يَسَارَ) مِنَ الْيُسْرِ ضِدُّ الْعُسْرِ (وَلَا نَجِيحَ) مِنَ النَّجْحِ وَهُوَ الظَّفَرُ (أَثَمَّ) أَيْ أَهُنَاكَ (هُوَ) أَيِ الْمُسَمَّى بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ (فَيُقَالُ لَا) أَيْ لَيْسَ هُنَاكَ رَبَاحٌ أَوْ أَفْلَحُ أَوْ يَسَارٌ أَوْ نَجِيحٌ فَلَا يَحْسُنُ مِثْلُ هَذَا فِي التَّفَاؤُلِ أَوْ فَيُكْرَهُ لِشَنَاعَةِ الْجَوَابِ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ مَعْنَى هَذَا أَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ التَّفَاؤُلَ بِحُسْنِ أَلْفَاظِهَا أَوْ مَعَانِيهَا وَرُبَّمَا يَنْقَلِبُ عَلَيْهِمْ مَا قَصَدُوهُ إِلَى الضِّدِّ إِذَا سَأَلُوا فَقَالُوا أَثَمَّ يَسَارٌ أَوْ نَجِيحٌ فَقِيلَ لَا تَتَطَيَّرُوا بِنَفْيِهِ وَاضْمُرُوا الْيَأْسَ مِنَ الْيُسْرِ وَغَيْرِهِ فَنَهَاهُمْ عَنِ السَّبَبِ الَّذِي يَجْلِبُ سُوءَ الظَّنِّ وَالْإِيَاسَ مِنَ الْخَيْرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ

قَوْلُهُ (أَخْنَعُ اسْمٍ) أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مِنَ الْخُنُوعِ وَهُوَ الذُّلُّ وَقَدْ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ الْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ عَقِبَ رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ سُفْيَانَ قَالَ أَخْنَعُ أَذَلُّ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ سَأَلْتَ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يَعْنِي إِسْحَاقَ اللُّغَوِيَّ عَنْ أَخْنَعُ فَقَالَ أَوْضَعُ قَالَ عِيَاضٌ مَعْنَاهُ أَشَدُّ الْأَسْمَاءِ صَغَارًا وَبِنَحْوِ ذَلِكَ فَسَّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْخَانِعُ الذَّلِيلُ وَخَنَعَ الرَّجُلُ ذل قال بن بَطَّالٍ وَإِذَا كَانَ الِاسْمُ أَذَلَّ الْأَسْمَاءِ كَانَ مَنْ تَسَمَّى بِهِ أَشَدَّ ذُلًّا وَقَدْ فَسَّرَ الْخَلِيلُ أَخْنَعَ بِأَفْجَرَ فَقَالَ الْخَنْعُ الْفُجُورُ يُقَالُ أَخْنَعَ الرَّجُلُ إِلَى الْمَرْأَةِ إِذَا دَعَاهَا لِلْفُجُورِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَيَأْتِي فِي آخِرِ الْحَدِيثِ تَفْسِيرُهُ بِأَقْبَحَ وَهُوَ تَفْسِيرٌ بِالْمَعْنَى اللَّازِمِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَخْنَى الْأَسْمَاءِ وَهُوَ مِنَ الْخَنَا بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ مَقْصُورٌ وَهُوَ الْفُحْشُ فِي الْقَوْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ أَخْنَى عَلَيْهِ الدَّهْرُ أَيْ أَهْلَكَهُ وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ أَخْبَثُ بِمُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ وَبِلَفْظِ أَغْيَظُ وَهُمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ (تُسَمَّى) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَعْلُومِ مِنَ التَّسَمِّي أَيْ سَمَّى نَفْسَهُ أَوْ سمي بذلك فرضى به واستمر عليه (ملك الْأَمْلَاكِ) بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ مَلِكٍ وَالْأَمْلَاكُ جَمْعُ مِلْكٍ بِالْكَسْرِ وَبِالْفَتْحِ وَجَمْعُ مَلِيكٍ (قَالَ سُفْيَانُ شاهان شاه) وَقَدْ تَعَجَّبَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ مِنْ تفسير سفيان بن عيينة اللفظة العربية باللفظية العجمية وأنكر ذلك آخرون وهو غفلة منهم عَنْ مُرَادِهِ وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ شاهان شاه كَانَ قَدْ كَثُرَ التَّسْمِيَةُ بِهِ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ فَنَبَّهَ سُفْيَانُ عَلَى أَنَّ الِاسْمَ الَّذِي وَرَدَ الْخَبَرُ بِذَمِّهِ لَا يَنْحَصِرُ فِي مَلِكِ الْأَمْلَاكِ بَلْ كُلُّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ فَهُوَ مُرَادٌ بِالذَّمِّ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الصَّوَابَ شاه شاهان وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ قَاعِدَةَ الْعَجَمِ تَقْدِيمُ الْمُضَافِ إِلَيْهِ عَلَى الْمُضَافِ فَإِذَا أَرَادُوا قَاضِي الْقُضَاةِ بِلِسَانِهِمْ قَالُوا موبذان موبذ فموبذ هُوَ الْقَاضِي وموبذان جَمْعُهُ فَكَذَا شاه هُوَ الْمَلِكُ وشاهان هُوَ الْمُلُوكُ وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى تَحْرِيمِ التَّسَمِّي بِهَذَا الِاسْمِ لِوُرُودِ الْوَعْدِ الشَّدِيدِ وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِثْلُ خَالِقِ الْخَلْقِ وَأَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ وَسُلْطَانُ السَّلَاطِينِ وَأَمِيرُ الْأُمَرَاءِ وَقِيلَ يَلْتَحِقُ بِهِ أَيْضًا مَنْ تَسَمَّى بِشَيْءٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ الْخَاصَّةِ بِهِ كَالرَّحْمَنِ وَالْقُدُّوسِ وَالْجَبَّارِ وَهَلْ يَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ تَسَمَّى قَاضِيَ الْقُضَاةِ أَوْ حَاكِمَ الْحُكَّامِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَذَكَرَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فَمَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فَلْيُرَاجِعْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ

باب ما جاء في تغيير الأسماء

100 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَغْيِيرِ الْأَسْمَاءِ) قَوْلُهُ (وَأَبُو بَكْرٍ بُنْدَارٌ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَبُنْدَارٌ لَقَبُهُ (عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) هُوَ الْعُمَرِيُّ قَوْلُهُ (غَيَّرَ اسْمَ عَاصِيَةَ وَقَالَ أَنْتِ جَمِيلَةُ) قِيلَ كَانُوا يُسَمُّونَ بِالْعَاصِ وَالْعَاصِيَةِ ذَهَابًا إِلَى مَعْنَى الْإِبَاءِ عَنْ قَبُولِ النَّقَائِصِ وَالرِّضَاءِ بِالضَّيْمِ فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ نُهُوا عَنْهُ وَلَعَلَّهُ لَمْ يُسَمِّهَا مُطِيعَةَ مَعَ أَنَّهَا ضِدُّ الْعَاصِيَةِ مَخَافَةَ التَّزْكِيَةِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ إِنَّمَا غَيَّرَهُ لِأَنَّ شِعَارَ الْمُؤْمِنَ الطَّاعَةُ وَالْعِصْيَانُ ضِدُّهَا انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ تَغْيِيرُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ أَوِ الْمَكْرُوهِ إِلَى حَسَنٍ وَقَدْ ثَبَتَ أَحَادِيثُ بِتَغْيِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْمَاءَ جَمَاعَةٍ كَثِيرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَقَدْ بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِلَّةَ فِي النَّوْعَيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا وَهِيَ التَّزْكِيَةُ أَوْ خَوْفَ التَّطَيُّرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود وبن مَاجَهْ (وَإِنَّمَا أَسْنَدَهُ) أَيْ رَوَاهُ مُتَّصِلًا (وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلًا) أَيْ مُنْقَطِعًا لِأَنَّ نَافِعًا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَافِعٌ عَنْ عُمَرَ مُنْقَطِعٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَّامٍ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سلام فأخرجه بن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ أُسَامَةَ بْنِ أَخْدَرِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا أَحَادِيثُ بَاقِي الصَّحَابَةِ فَلْيُنْظَرْ من أخرجها

باب ما جاء في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

قَوْلُهُ (كَانَ يُغَيِّرُ الِاسْمَ الْقَبِيحَ) أَيْ يُبَدِّلُهُ بِالِاسْمِ الْحَسَنِ وَالْحَدِيثُ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ بِشَيْءٍ وَفِي سَنَدِهِ عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَرَوَاهُ عَنْ هِشَامٍ بِالْعَنْعَنَةِ قَالَ بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً وَكَانَ يُدَلِّسُ تَدْلِيسًا شَدِيدًا يَقُولُ سَمِعْتَ وَحَدَّثَنَا ثُمَّ يَسْكُتُ فَيَقُولُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ وَالْأَعْمَشُ وَقَالَ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا 01 - (بَاب مَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) النَّوْفَلِيُّ ثِقَةٌ عَارِفٌ بِالنَّسَبِ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ النَّوْفَلِيُّ صَحَابِيٌّ عَارِفٌ بِالْأَنْسَابِ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ قَوْلُهُ (إِنَّ لِيَ أَسْمَاءً) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ لِيَ خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ قَالَ الْحَافِظُ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ لِيَ خَمْسَةً أَخْتَصُّ بِهَا لَمْ يُسَمَّ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي أَوْ مُعَظَّمَةٌ أَوْ مَشْهُورَةٌ فِي الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ لَا أَنَّهُ أَرَادَ الْحَصْرَ فِيهَا قَالَ عِيَاضٌ حَمَى اللَّهُ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ أَنْ يُسَمَّى بِهَا أحد قبله وإنما تسمى بَعْضُ الْعَرَبِ مُحَمَّدًا قُرْبَ مِيلَادِهِ لَمَّا سَمِعُوا مِنَ الْكُهَّانِ وَالْأَحْبَارِ أَنَّ نَبِيًّا سَيُبْعَثُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ يُسَمَّى مُحَمَّدًا فَرَجَوْا أَنْ يَكُونُوا هُمْ فَسَمَّوْا أَبْنَاءَهُمْ بِذَلِكَ قَالَ وَهُمْ سِتَّةٌ لاسابع لَهُمْ قَالَ الْحَافِظُ قَدْ جَمَعْتَ أَسْمَاءَ مَنْ تَسَمَّى بِذَلِكَ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ فَبَلَغُوا نَحْوَ الْعِشْرِينَ لَكِنْ مَعَ تَكْرَارٍ فِي بَعْضِهِمْ وَوَهْمٍ فِي بَعْضٍ فَيَتَلَخَّصُ مِنْهُمْ خَمْسَةُ عَشْرَ نَفْسًا انْتَهَى (أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَنَا أَحْمَدُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ رَجُلٌ مُحَمَّدٌ وَمَحْمُودٌ إِذَا كَثُرَتْ خِصَالُهُ المحمودة قال بن فَارِسَ وَغَيْرُهُ وَبِهِ سُمِّيَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا وَأَحْمَدَ أَيْ أَلْهَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَهُ أَنْ

سَمُّوهُ بِهِ لِمَا عَلِمَ مِنْ جَمِيلِ صِفَاتِهِ وَقَالَ الْحَافِظُ إِنَّ هَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ أَشْهَرُ أَسْمَائِهِ وَأَشْهَرُهُمَا مُحَمَّدٌ وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ وَأَمَّا أَحْمَدُ فَذُكِرَ فِيهِ حِكَايَةٌ عَنْ قَوْلِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَمِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ لِلْمُبَالَغَةِ وَأَمَّا أَحْمَدُ فَمِنْ بَابِ التَّفْضِيلِ وَقِيلَ سُمِّيَ أَحْمَدُ لِأَنَّهُ عَلَمٌ مَنْقُولٌ مِنْ صِفَةٍ وَهِيَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ وَمَعْنَاهُ أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ يُفْتَحُ عَلَيْهِ فِي الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ بِمَحَامِدَ لَمْ يُفْتَحْ بِهَا عَلَى أَحَدٍ قَبْلَهُ وَقِيلَ الْأَنْبِيَاءُ حَمَّادُونَ وَهُوَ أَحْمَدُهُمْ أَيْ أَكْثَرُهُمْ حَمْدًا أَوْ أَعْظَمُهُمْ فِي صِفَةِ الْحَمْدِ وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَهُوَ مَنْقُولٌ مِنْ صِفَةِ الْحَمْدِ أَيْضًا وَهُوَ بِمَعْنَى مَحْمُودٍ وَفِيهِ مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ وَالْمُحَمَّدُ الَّذِي حُمِدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ كَالْمُمَدَّحِ قَالَ الْأَعْشَى إِلَيْكَ أَبَيْتَ اللَّعْنَ كَانَ وَجِيَفُهَا إِلَى الْمَاجِدِ الْقَرْمِ الْجَوَادِ الْمُحَمَّدِ أَيِ الَّذِي حُمِدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ أَوِ الَّذِي تَكَامَلَتْ فِيهِ الْخِصَالُ الْمَحْمُودَةُ (وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ مَحْوُ الْكُفْرِ مِنْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَسَائِرِ بِلَادِ الْعَرَبِ وَمَا زُوِيَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَرْضِ وَوُعِدَ أَنْ يَبْلُغَهُ مُلْكُ أُمَّتِهِ قَالُوا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَحْوُ الْعَامُّ بِمَعْنَى الظُّهُورِ بِالْحُجَّةِ وَالْغَلَبَةِ كَمَا قال تعالى ليظهره على الدين كله وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ تَفْسِيرُ الْمَاحِي بِأَنَّهُ الَّذِي مُحِيَتْ بِهِ سَيِّئَاتُ مَنِ اتَّبَعَهُ فَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِمَحْوِ الْكُفْرِ هَذَا وَيَكُونُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لهم ما قد سلف وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ (وَأَنَا الْحَاشِرُ) أَيْ ذُو الْحَشْرِ (الَّذِي يُحْشَرُ) أَيْ يُجْمَعُ (عَلَى قَدَمِي) قَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطُوهُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى الْإِفْرَادِ وَتَشْدِيدِهَا عَلَى التَّثْنِيَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَالظَّاهِرُ عَلَى قَدَمَيْهِ اعْتِبَارًا لِلْمَوْصُولِ إِلَّا أَنَّهُ اعْتُبِرَ الْمَعْنَى الْمَدْلُولُ لِلَفْظَةِ أَنَا وفي شرح السنة أي يحشر أول النَّاسُ لِقَوْلِهِ أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عَلَى قَدَمِي أَيْ عَلَى أَثَرِي أَيْ أَنَّهُ يُحْشَرُ قَبْلَ النَّاسِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى عَقِبِي انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ مِنَ الْإِسْنَادِ الْمَجَازِيِّ لِأَنَّهُ سَبَبٌ فِي حَشْرِ النَّاسِ لِأَنَّ النَّاسَ لَمْ يُحْشَرُوا مَا لَمْ يُحْشَرْ (وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ) قَالَ النَّوَوِيُّ أَمَّا الْعَاقِبُ فَفَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ أَيْ جَاءَ عقبهم قال بن الْأَعْرَابِيِّ الْعَاقِبُ وَالْعُقُوبُ الَّذِي يَخْلُفُ فِي الْخَيْرِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وغيره

باب ما جاء في كراهية الجمع بين اسم النبي

102 - (باب ما جاء في كراهية الجمع بين اسْمِ النَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْيَتِهِ اعْلَمْ أَنَّ عُلَمَاءَ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا الْعَلَمُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُشْعِرًا بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ وَهُوَ اللَّقَبُ وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ فَإِمَّا أَنْ يصدر بأب أو أم أو بن كأبي بكر وأم كلثوم وبن عَبَّاسٍ وَهُوَ الْكُنْيَةُ أَوْ لَا وَهُوَ الِاسْمُ فَاسْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدٌ وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْقَاسِمِ وَلَقَبُهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا كُنِّيَ بِأَكْبَرِ أَوْلَادِهِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي التَّسَمِّي بِاسْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ وَلِذَلِكَ اخْتَلَفَ أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيهِ قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَذَاهِبَ كَثِيرَةٍ وَجَمَعَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَحَدُهَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ لِأَحَدٍ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا أَوْ أَحْمَدَ أَمْ لَمْ يَكُنْ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَنَسٍ يَعْنِي الْآتِي فِي هَذَا الْبَابِ الثَّانِي أَنَّ هَذَا النَّهْيَ مَنْسُوخٌ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ لِهَذَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ نُسِخَ قَالُوا فَيُبَاحُ التَّكَنِّي الْيَوْمَ بِأَبِي الْقَاسِمِ لِكُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ مَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ أَوْ أَحْمَدُ أَوْ غَيْرُهُ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَفُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا وَقَدِ اشْتُهِرَ أَنَّ جَمَاعَةً تَكَنَّوْا بِأَبِي الْقَاسِمِ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ وَفِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْيَوْمِ مَعَ كَثْرَةِ فَاعِلِ ذَلِكَ وعدم الإنكار الثالث مذهب بن جَرِيرٍ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَنْسُوخٍ وَإِنَّمَا كَانَ النَّهْيُ لِلتَّنْزِيهِ وَالْأَدَبِ لَا لِلتَّحْرِيمِ الرَّابِعُ أَنَّ النَّهْيَ عَنِ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ مُخْتَصٌّ بِمَنِ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ أَوْ أَحْمَدُ وَلَا بَأْسَ بِالْكُنْيَةِ وَحْدَهَا لِمَنْ لَا يُسَمَّى بِوَاحِدٍ مِنَ الِاسْمَيْنِ وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ السَّلَفِ وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ عَنْ جَابِرٍ الْخَامِسُ أَنَّهُ يَنْهَى عَنِ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ مُطْلَقًا وَيَنْهَى عَنِ التَّسْمِيَةِ بِالْقَاسِمِ لِئَلَّا يُكَنَّى أَبُوهُ بِأَبِي الْقَاسِمِ وَقَدْ غَيَّرَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ اسْمَ ابْنِهِ عَبْدِ الْمَلِكِ حِينَ بَلَغَهُ هَذَا الْحَدِيثُ فَسَمَّاهُ عَبْدَ الْمَلِكِ وَكَانَ سَمَّاهُ أَوَّلًا الْقَاسِمَ وَقَدْ فَعَلَهُ بَعْضُ الْأَنْصَارِ أَيْضًا السَّادِسُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ بِمُحَمَّدٍ مَمْنُوعَةٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ لَهُ كُنْيَةٌ أَمْ لَا وَجَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ عَنْ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُسَمُّونَ أَوْلَادَكُمْ ثُمَّ تَلْعَنُونَهُمْ وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى الْكُوفَةِ لَا تُسَمُّوا أَحَدًا بِاسْمِ نَبِيٍّ وَأَمَرَ جَمَاعَةً بِالْمَدِينَةِ بِتَغْيِيرِ أَسْمَاءِ أَبْنَائِهِمْ مُحَمَّدٍ حَتَّى ذَكَرَ لَهُ جَمَاعَةٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ وَسَمَّاهُمْ بِهِ فَتَرَكَهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَالْأَشْبَهُ أَنَّ فِعْلَ عُمَرَ هَذَا إِعْظَامٌ لِاسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِئَلَّا يُنْتَهَكَ الِاسْمُ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ تُسَمُّونَهُمْ مُحَمَّدًا ثُمَّ تَلْعَنُونَهُمْ وَقِيلَ سَبَبُ نَهْيِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ لِمُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ فَعَلَ اللَّهُ بِكَ يَا مُحَمَّدُ فَدَعَاهُ عُمَرُ فَقَالَ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبُّ بِكَ واللَّهِ لَا تُدْعَى مُحَمَّدًا مَا بَقِيتَ وَسَمَّاهُ عَبْدَ الرحمن انتهى كلام النووي وقال القارىء مُتَعَقِّبًا عَلَى مَنِ ادَّعَى النَّسْخَ مَا لَفْظُهُ دَعْوَى النَّسْخِ مَمْنُوعَةٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَنْتَفِي الْحُكْمُ بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ وَالْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ الِاشْتِبَاهُ وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ فِي حَالِ الْحَيَاةِ انْتَهَى قُلْتُ وَدَعْوَى انْتِفَاءِ الْحُكْمِ بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ مُطْلَقًا أَيْضًا مَمْنُوعَةٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ نَقْلًا عَنِ الْخَطَّابِيِّ قَدْ يَحْدُثُ شَيْءٌ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ بِسَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ فَيَزُولُ ذَلِكَ السَّبَبُ وَلَا يَزُولُ حُكْمُهُ كَالْعَرَايَا وَالِاغْتِسَالِ لِلْجُمْعَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (بَيْنَ اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ) أَيْ بَيْنَ اسْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْيَتِهِ (وَيُسَمِّي) بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ عَطْفٌ عَلَى يَجْمَعَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ المفرد وأبو يعلى قوله إذا سميتم بِي فَلَا تَكَنَّوْا بِي بِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ مِنَ التَّكَنِّي وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِي فَلَا يُكَنَّى بِكُنْيَتِي وَمَنِ اكْتَنَى بِكُنْيَتِي فَلَا يَتَسَمَّى بِاسْمِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وصححه بن حبان

قَوْلُهُ (وَقَدْ كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَيْنَ اسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْيَتِهِ) وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورَيْنِ (وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ) أَيْ جَمَعَ بَيْنَ اسْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنْيَتِهِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ كَانَ فِي زَمَنِ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جَمَاعَةٌ كَانُوا مُتَسَمِّينَ بِمُحَمَّدٍ مُكْتَنِينَ بِأَبِي الْقَاسِمِ مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْأَشْعَثِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَمِنْ جُمْلَةِ مَنْ تَسَمَّى بِمُحَمَّدٍ وَتَكَنَّى بِأَبِي الْقَاسِمِ مِنْ أَبْنَاءِ وُجُوهِ الصَّحَابَةِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ حَاطِبٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْتَشِرِ ذَكَرَهُمِ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ مَنْ رَخَّصَ الْجَمْعَ بَيْنَ التَّسَمِّي بِمُحَمَّدٍ وَالتَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ قَوْلُهُ (فَقَالَ) أَيْ ذَلِكَ الرَّجُلُ (لَمْ أَعْنِكَ) مِنْ عَنَى يَعْنِي أَيْ لَمْ أَقْصِدْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ (لَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي) وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ سَمُّوا بِاسْمِي وَلَا تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي وَحَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ أَيْضًا قَوْلُهُ (وفي الحديث كَرَاهِيَةِ أَنْ يُكَنَّى أَبَا الْقَاسِمِ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ لِأَحَدٍ أَصْلًا سَوَاءٌ كان اسمه محمدا أو أحمدا أَمْ لَمْ يَكُنْ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ أَيْ حَدِيثِ أنس المذكور قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي مُنْذِرُ) بْنُ يَعْلَى الثَّوْرِيُّ بِالْمُثَلَّثَةِ أَبُو يَعْلَى الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (إِنْ وُلِدَ لِي) أَيْ وَلَدٌ (بَعْدَكَ) أَيْ بَعْدَ وَفَاتِكَ (قَالَ نَعَمْ) فيه أن

باب ما جاء إن من الشعر حكمة

النَّهْيَ مَقْصُورٌ عَلَى زَمَانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بَعْدَهُ لِرَفْعِ الِالْتِبَاسِ وبه قال مالك قاله القارىء قُلْتُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كَمَا عَرَفْتَ فِي كَلَامِ النَّوَوِيِّ وَلَكِنْ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ عَلِيٍّ هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ قَوْلَهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَكَانَتْ رُخْصَةً لِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْجَوَازَ كَانَ خَاصًّا لَهُ فَالْأَحْوَطُ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ مَا قَالَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ التَّكَنِّي بِأَبِي الْقَاسِمِ لِأَحَدٍ أَصْلًا سَوَاءٌ كَانَ اسْمُهُ مُحَمَّدًا أَوْ أَحْمَدَ أَمْ لَمْ يَكُنْ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ في الباب وصوب هذا القول بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ حَيْثُ قَالَ وَالصَّوَابُ أَنَّ التَّسَمِّيَ بِاسْمِهِ جَائِزٌ وَالتَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَالْمَنْعُ فِي حَيَاتِهِ أَشَدُّ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مَمْنُوعٌ مِنْهُ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ غَرِيبٌ لَا يُعَارَضُ بِمِثْلِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي صِحَّتِهِ نَظَرٌ وَالتِّرْمِذِيُّ فِيهِ نَوْعُ تَسَاهُلٍ فِي التَّصْحِيحِ وَقَدْ قَالَ عَلِيٌّ إِنَّهَا رُخْصَةٌ لَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِبْقَاءِ الْمَنْعِ لِمَنْ سِوَاهُ انْتَهَى قُلْتُ أَرَادَ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهَا قَالَتْ جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَدْ وَلَدْتَ غُلَامًا فَسَمَّيْته مُحَمَّدًا وَكَنَّيْته أَبَا الْقَاسِمِ فَذُكِرَ لِي أَنَّكَ تَكْرَهُ ذَلِكَ فَقَالَ مَا الَّذِي أَحَلَّ اسْمِي وَحَرَّمَ كُنْيَتِي أَوْ مَا الَّذِي حَرَّمَ كُنْيَتِي وَأَحَلَّ اسْمِي وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ الْحَجَبِيُّ ذَكَرَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عِمْرَانَ الْحَجَبِيَّ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ وَمُحَمَّدٌ الْمَذْكُورُ مَجْهُولٌ انتهى وأما قول بن الْقَيِّمِ بِأَنَّ فِي صِحَّةِ حَدِيثِ عَلِيٍّ نَظَرٌ فَلَا وَجْهَ لِلنَّظَرِ لِأَنَّ رِجَالَهُ كُلَّهُمْ ثِقَاتٌ وَسَنَدُهُ مُتَّصِلٌ 03 - (بَاب مَا جَاءَ إِنَّ مِنْ الشِّعْرِ حِكْمَةً) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ الْخُزَاعِيُّ الْكُوفِيُّ أَصْلُهُ مِنْ أَصْبَهَانَ صَدُوقٌ لَهُ أَفْرَادٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ ثِقَةٌ مِنَ السابعة (عن عاصم) هو بن بهدلة (عن زر) هو بن حبيش (عن عبد الله) أي بن مسعود

قَوْلُهُ (إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً) أَيْ قَوْلًا صَادِقًا مُطَابِقًا لِلْحَقِّ وَقِيلَ أَصْلُ الْحِكْمَةِ الْمَنْعُ فَالْمَعْنَى أَنَّ مِنَ الشِّعْرِ كَلَامًا نَافِعًا يَمْنَعُ مِنَ السَّفَهِ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ صَخْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلًا وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا وَإِنَّ مِنَ القول عيالا فَقَالَ صَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا فَالرَّجُلُ يَكُونُ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ أَلْحَنُ بِالْحِجَجِ مِنْ صَاحِبِ الْحَقِّ فَيَسْحَرُ الْقَوْمَ بِبَيَانِهِ فَيَذْهَبُ بِالْحَقِّ وَإِنَّ قَوْلَهُ وَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ جَهْلًا فَيُكَلَّفُ الْعَالِمُ إِلَى عِلْمِهِ مَا لَا يَعْلَمُ فَيَجْهَلُ ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا فَهِيَ هَذِهِ الْمَوَاعِظُ وَالْأَمْثَالُ الَّتِي يَتَّعِظُ بِهَا النَّاسُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ مِنَ الْقَوْلِ عَيْلًا فَعَرْضُكَ كَلَامَكَ عَلَى من لا يريده وقال بن التِّينِ مَفْهُومُهُ أَنَّ بَعْضَ الشِّعْرِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ مِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وبن عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَبُرَيْدَةَ وَكَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ) أَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بن كعب فأخرجه البخاري وأبو داود وبن ماجه وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيه وَأَمَّا حديث بريدة فأخرجه أبو داود وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حُكْمًا) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ أَيْ حِكْمَةً كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وآتيناه الحكم صبيا أي الحكمة كذا قال القارىء وَقَالَ الْعَزِيزِيُّ فِي السِّرَاجِ الْمُنِيرِ فِي شَرْحِ هذا

باب ما جاء في إنشاد الشعر

الْحَدِيثِ بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ جَمْعُ حِكْمَةٍ أَيْ حِكْمَةً وَكَلَامًا نَافِعًا فِي الْمَوَاعِظِ وَذَمِّ الدُّنْيَا وَالتَّحْذِيرِ مِنْ غُرُورِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود وبن مَاجَهْ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ 04 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِنْشَادِ الشِّعْرِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَنْشَدَ الشِّعْرَ قَرَأَهُ وَأَنْشَدَ بِهِمْ هَجَاهُمْ قَوْلُهُ (يَضَعُ لِحَسَّانَ مِنْبَرًا فِي الْمَسْجِدِ) أَيْ يَأْمُرُ بوضعه وحسان هو بن ثَابِتٍ أَنْصَارِيٌّ خَزْرَجِيٌّ شَاعِرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِنْ فُحُولِ الشُّعَرَاءِ أَجْمَعَتِ الْعَرَبُ عَلَى أَنَّ أَشْعَرَ أَهْلِ الْمَدَرِ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ (يَقُومُ عَلَيْهِ قَائِمًا) أَيْ قِيَامًا فَفِي الْمُفَصَّلِ قَدْ يَرِدُ الْمَصْدَرُ عَلَى وَزْنِ اسْمِ الْفَاعِلِ نَحْوُ قُمْتَ قَائِمًا (يُفَاخِرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ لِأَجْلِهِ وَعَنْ قِبَلِهِ (أَوْ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (يُنَافِحُ) بِنُونٍ ثُمَّ فَاءٍ فَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ يُدَافِعُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُخَاصِمُ الْمُشْرِكِينَ وَيَهْجُوهُمْ مُجَازَاةً لَهُمْ (يُؤَيَّدُ حَسَّانٌ بِرُوحِ الْقُدُسِ) بِضَمِّ الدَّالِ وَيُسَكَّنُ أَيْ بِجِبْرِيلَ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَأْتِي الْأَنْبِيَاءَ بِمَا فِيهِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ فَهُوَ كَالْمَبْدَأِ لِحَيَاةِ الْقَلْبِ كَمَا أَنَّ الرُّوحَ مَبْدَأُ حَيَاةِ الْجَسَدِ وَالْقُدُسُ صِفَةٌ لِلرُّوحِ وَإِنَّمَا أُضِيفَ إِلَيْهِ لِأَنَّهُ مَجْبُولٌ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالنَّزَاهَةِ عَنِ الْعُيُوبِ وَقِيلَ الْقُدُسُ بِمَعْنَى الْمُقَدَّسِ وَهُوَ اللَّهُ فَإِضَافَةُ الرُّوحِ إِلَيْهِ لِلتَّشْرِيفِ ثُمَّ تَأْيِيدُهُ إِمْدَادُهُ لَهُ بِالْجَوَابِ وَإِلْهَامُهُ لِمَا هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ (مَا يُفَاخِرُ أَوْ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مَا دَامَ مُشْتَغِلًا بِتَأْيِيدِ دِينِ اللَّهِ وَتَقْوِيَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْبَرَاءِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) قَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِهِ وَعَزْوِهِ إِلَى التِّرْمِذِيِّ مَا لَفْظُهُ وَذَكَرَ الْمُزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ تَعْلِيقًا نَحْوَهُ وَأَتَمَّ مِنْهُ لَكِنِّي لَمْ أَرَهُ فِيهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) هُوَ الْكَوْسَجُ (أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ) هُوَ الضُّبَعِيُّ قَوْلُهُ (خَلُّوا بَنِي الْكُفَّارِ) أَيْ يَا بَنِي الْكُفَّارِ (عَنْ سَبِيلِهِ) أَيْ عَنْ سَبِيلِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْيَوْمَ نَضْرِبْكُمْ) بِتَسْكِينِ الْمُوَحَّدَةِ لِضَرُورَةِ الشِّعْرِ بَلْ هِيَ لُغَةٌ قُرِئَ بِهَا فِي الْمَشْهُورِ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَلَى تَنْزِيلِهِ) أَيْ عَلَى حُكْمِ تَنْزِيلِهِ (ضَرْبًا) مَفْعُولٌ مطلق لنضربكم (يزيل) من الازالة والجملة صفة لضربا (الْهَامَ) جَمْعُ هَامَةٍ وَهِيَ أَعْلَى الرَّأْسِ وَهِيَ النَّاصِيَةُ وَالْمَفْرِقُ (عَنْ مَقِيلِهِ) أَيْ مَوْضِعِهِ نَقْلًا عَنْ مَوْضِعِ الْقَائِلَةِ لِلْإِنْسَانِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ) مِنَ الْإِذْهَالِ عَطْفٌ عَلَى يُزِيلُ أَيْ يُنْسِي ذَلِكَ الضَّرْبُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ (فَلَهِيَ) بِلَامِ التَّأْكِيدِ أَيْ أَشْعَارُهُ (أَسْرَعُ فِيهِمْ) أَيْ فِي الْكُفَّارِ (مِنْ نَضْحِ النَّبْلِ) أَيْ أَشْعَارُهُ تُؤَثِّرُ فِيهِمْ تَأْثِيرًا أَسْرَعَ مِنْ تَأْثِيرِ النَّبْلِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَ هَذَا) ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي بَابِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَقَدْ بَسَطَ الْكَلَامَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا (وَرُوِيَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ مَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ وَإِنَّمَا كَانَتْ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ) قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ هُوَ ذُهُولٌ شَدِيدٌ وَغَلَطٌ مَرْدُودٌ وَمَا أَدْرِي كَيْفَ وَقَعَ التِّرْمِذِيُّ فِي ذَلِكَ مَعَ وُفُورِ مَعْرِفَتِهِ وَمَعَ أَنَّ فِي قِصَّةِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ اخْتِصَامُ جَعْفَرٍ وَأَخِيهِ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي بِنْتِ حَمْزَةَ وَجَعْفَرٌ قُتِلَ هُوَ وَزَيْدٌ وبن رَوَاحَةَ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ وَكَيْفَ يَخْفَى عَلَيْهِ أَعْنِي التِّرْمِذِيَّ مِثْلُ هَذَا ثُمَّ وَجَدْتَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الَّذِي عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي فَتْحِ مَكَّةَ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ اتَّجَهَ اعْتِرَاضُهُ لَكِنَّ الْمَوْجُودَ بِخَطِّ الْكَرُوخِيِّ رَاوِي التِّرْمِذِيِّ مَا تَقَدَّمَ انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُ الْحَافِظِ وَمَعَ أَنَّ فِي قِصَّةِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ اخْتِصَامُ جَعْفَرٍ وَأَخِيهِ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي بِنْتِ حَمْزَةَ أَشَارَ بِهِ إِلَى مَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مِنْ قَوْلِهِ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ حَمْزَةَ تُنَادِي يَا عَمِّ يَا عَمُّ فَتَنَاوَلَهَا عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ دُونَكَ ابْنَةُ عَمِّكَ حَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ وَجَعْفَرٌ قَالَ عَلِيٌّ أَنَا أَخَذْتهَا وَهِيَ بِنْتُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ ابْنَةُ عَمِّي وَخَالَتُهَا تَحْتِي وَقَالَ زَيْدٌ ابْنَةُ أَخِي فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخَالَتِهَا وَقَالَ الْخَالَةُ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَجَعْفَرٌ قُتِلَ هُوَ وَزَيْدٌ وبن رَوَاحَةَ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ فَأَشَارَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا وجعفرا وبن رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فأصيب ثم أخذ بن رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ

قَوْلُهُ (يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ) أَيْ يَنْشُدُ بِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ تَمَثَّلَ أَنْشَدَ بَيْتًا ثُمَّ آخَرَ انْتَهَى وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ تَمَثَّلَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَتَمَثَّلَ هَذَا الْبَيْتَ بِمَعْنَى (بِشِعْرِ بن رَوَاحَةَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ الْخَزْرَجِيُّ الْأَنْصَارِيُّ الشَّاعِرُ أَحَدُ السَّابِقِينَ شَهِدَ بَدْرًا وَاسْتُشْهِدَ بِمُؤْتَةَ وَكَانَ ثَالِثَ الْأُمَرَاءِ بِهَا (وَيَقُولُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تَزَوَّدِ) مِنَ التَّزْوِيدِ وَهُوَ إِعْطَاءُ الزَّادِ يُقَالُ أَزَادَهُ وَزَوَّدَهُ أَيْ أَعْطَاهُ الزَّادَ وَهُوَ طَعَامٌ يُتَّخَذُ لِلسَّفَرِ وَضَمِيرُ الْمَفْعُولِ مَحْذُوفٌ أَيْ مَنْ لَمْ تُزَوِّدْهُ وَهَذَا مِصْرَاعٌ ثَانٍ مِنْ بَيْتِ بن رواحة والمصرع الْأَوَّلُ مِنْهُ سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا وَقَوْلُهُ سَتُبْدِي مِنَ الْإِبْدَاء يَقُولُ سَتُظْهِرُ لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ غَافِلًا عَنْهُ وَيَنْقُلُ إِلَيْكَ الْأَخْبَارَ مَنْ لَمْ تُعْطِهِ الزَّادَ قَوْلُهُ (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَرَابَ الْخَبَرَ تَمَثَّلَ فِيهِ بِبَيْتِ طَرَفَةَ وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْهَا وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ انْتَهَى تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ نِسْبَةَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الشعر المذكور إلى بن رَوَاحَةَ نِسْبَةٌ مَجَازِيَّةٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ بَلْ هُوَ لِطَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ الْبَكْرِيِّ فِي مُعَلَّقَتِهِ الْمَشْهُورَةِ وَقَدْ نَسَبَتْهُ عَائِشَةُ إِلَى طَرَفَةَ أَيْضًا كَمَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ (أَشْعَرُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَتْ بِهَا الْعَرَبُ) أَيْ أَحْسَنُهَا وَأَجْوَدُهَا وَفِي رِوَايَةٍ أَصْدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا الشَّاعِرُ وَالْمُرَادُ بِالشَّاعِرِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ جِنْسُ الشَّاعِرِ وَفِي رِوَايَةٍ أَصْدَقُ بَيْتٍ قَالَتْهُ الشُّعَرَاءُ

وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا فِي الصَّحِيحِ وَالْمُرَادُ بِالْكَلِمَةِ ها هنا القطعة من الكلام (قوله لبيد) هو بن رَبِيعَةَ الشَّاعِرُ الْعَامِرِيُّ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ وَفَدَ قَوْمُهُ بَنُو جَعْفَرِ بْنُ كِلَابٍ وَكَانَ شَرِيفًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَلَهُ مِنَ الْعُمْرِ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ سَنَةً وَقِيلَ مِائَةٌ وَسَبْعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ وَمِنْ جُمْلَةِ فَضَائِلِهِ أَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ لَمْ يَقُلْ شِعْرًا وَقَالَ يَكْفِينِي الْقُرْآنُ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (كُلُّ شَيْءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلُ) أَيْ فَانٍ مُضْمَحِلٌّ قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ أَصْدَقَ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِأَصْدَقِ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ تعالى كل من عليها فان وَتَمَامُ كَلَامِ لَبِيدٍ وَكُلُّ نَعِيمٍ لَا مَحَالَةَ زَائِلُ نَعِيمُكَ فِي الدُّنْيَا غُرُورٌ وَحَسْرَةٌ وَعَيْشُكَ فِي الدُّنْيَا مُحَالٌ وَبَاطِلُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ) أَيْ يُنْشِدُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا (وَيَتَذَاكَرُونَ أَشْيَاءَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ جُمْلَةِ مَا يَتَحَدَّثُونَ بِهِ أَنَّهُ قَالَ وَاحِدٌ مَا نَفَعَ أَحَدًا صَنَمُهُ مِثْلُ مَا نَفَعَنِي قَالُوا كَيْفَ هَذَا قَالَ صَنَعْته مِنَ الْحَيْسِ فَجَاءَ الْقَحْطُ فَكُنْتَ آكُلُهُ يَوْمًا فَيَوْمًا وَقَالَ آخَرُ رَأَيْتَ ثَعْلَبَيْنِ جَاءَا وَصَعِدَا فَوْقَ رَأْسِ صَنَمٍ لِي وَبَالَا عَلَيْهِ فَقُلْتَ أَرَبٌّ يَبُولُ الثَّعْلَبَانِ بِرَأْسِهِ فَجِئْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَسْلَمْتَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ يَتَنَاشَدُونَ الشِّعْرَ

باب ما جاء لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا

105 - (باب ما جاء لأن يمتلىء جوف أحدكم قيحا) خير من أن يمتلىء شعرا قوله (لأن يمتلىء) مِنَ الِامْتِلَاءِ (جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَيْ مِدَّةٌ لَا يُخَالِطُهَا دَمٌ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ (خَيْرٌ له من أن يمتلىء) أَيْ جَوْفُهُ (شِعْرًا) ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ فِي كُلِّ شِعْرٍ لَكِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا لَمْ يَكُنْ مَدْحًا حَقًّا كَمَدْحِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَى الذِّكْرِ وَالزُّهْدِ وَسَائِرِ الْمَوَاعِظِ مِمَّا لَا إِفْرَاطَ فِيهِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَدِفْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيَّةَ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ شَيْءٌ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ هِيهِ فَأَنْشَدْته بَيْتًا فَقَالَ هِيهِ ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتًا فَقَالَ هِيهِ حَتَّى أَنْشَدْته مائة بيت رواه مسلم قال بن بَطَّالٍ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ خَيْرٌ له من أن يمتلىء شِعْرًا يَعْنِي الشِّعْرَ الَّذِي هُجِيَ بِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَالَّذِي عِنْدِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ غَيْرُ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّ الَّذِي هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ شَطْرَ بَيْتٍ لَكَانَ كُفْرًا فَكَأَنَّهُ إِذَا حَمَلَ وَجْهَ الْحَدِيثِ عَلَى امْتِلَاءِ الْقَلْبِ مِنْهُ أَنَّهُ قَدْ رُخِّصَ فِي الْقَلِيلِ مِنْهُ وَلَكِنْ وَجْهُهُ عِنْدِي أَنْ يمتلىء قَلْبُهُ مِنَ الشِّعْرِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَيْهِ فَيَشْغَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ وَعَنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَيَكُونُ الْغَالِبَ عَلَيْهِ فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْقُرْآنُ وَالْعِلْمُ الْغَالِبَيْنِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ جَوْفُهُ مُمْتَلِئًا مِنَ الشِّعْرِ قَالَ الْحَافِظُ وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ التَّأْوِيلَ الْمَذْكُورَ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ مُرْسَلًا فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي آخِرِهِ يَعْنِي مِنَ الشِّعْرِ الَّذِي هُجِيَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَقَعَ لَنَا ذَلِكَ مَوْصُولًا مِنْ وَجْهَيْنِ آخَرَيْنِ فَذَكَرَهُمَا الْحَافِظُ وَضَعَّفَهُمَا قُلْتُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الِامْتِلَاءِ أَنْ يَكُونَ الشِّعْرُ مُسْتَوْلِيًا عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَشْغَلُهُ عَنِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ وَهُوَ مَذْمُومٌ مِنْ أَيِّ شِعْرٍ كَانَ وَقَدْ تَرْجَمَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صحيحه على هذا الحديث من رواية بن عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ بَابُ مَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ الشِّعْرَ حَتَّى يَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالْعِلْمِ وَالْقُرْآنِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّمْلِيُّ) النَّهْشَلِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا عَمِّي يَحْيَى بن عيسى) التميمي النهشلي الفاخوري بالفاء والخاء الْمُعْجَمَةِ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الرَّمْلَةِ صَدُوقٌ يُخْطِي وَرُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (يَرِيهِ) بِفَتْحِ يَاءٍ وَكَسْرِ رَاءٍ وَسُكُونِ يَاءٍ أُخْرَى صِفَةُ قَيْحٍ أَيْ يُفْسِدُهُ مِنَ الْوَرْيِ وَهُوَ دَاءٌ يُفْسِدُ الْجَوْفَ وَمَعْنَاهُ قَيْحًا يَأْكُلُ جَوْفَهُ وَيُفْسِدُهُ وَقِيلَ أَيْ يَصِلُ إِلَى الرِّئَةِ وَيُفْسِدُهَا وَرُدَّ بِأَنَّ المشهور في الرئة الهمز (أن يمتلىء) أي جوفه قال بن أَبِي حَمْزَةَ قَوْلُهُ جَوْفُ أَحَدِكُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ جَوْفَهُ كُلَّهُ وَمَا فِيهِ مِنَ الْقَلْبِ وَغَيْرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْقَلْبَ خَاصَّةً وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ أَهْلَ الطِّبِّ يَزْعُمُونَ أَنَّ الْقَيْحَ إِذَا وَصَلَ إِلَى الْقَلْبِ شَيْءٌ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَإِنَّ صَاحِبَهُ يَمُوتُ لَا مَحَالَةَ بِخِلَافِ غَيْرِ الْقَلْبِ مِمَّا فِي الْجَوْفِ مِنَ الْكَبِدِ وَالرِّئَةِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُقَوِّي الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ لَأَنْ يمتلىء جَوْفُ أَحَدِكُمْ مِنْ عَانَتِهِ إِلَى لَهَاتِهِ وَتَظْهَرُ مُنَاسَبَتُهُ لِلثَّانِي لِأَنَّ مُقَابِلَهُ وَهُوَ الشِّعْرُ مَحَلُّهُ القلب لأنه ينشأ عن الفكر وأشار بن أَبِي جَمْرَةَ إِلَى عَدَمِ الْفَرْقِ فِي امْتِلَاءِ الْجَوْفِ مِنَ الشِّعْرِ بَيْنَ مَنْ يُنْشِئُهُ أَوْ يَتَعَانَى حِفْظَهُ مِنْ شِعْرِ غَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظاهر قوله (وفي الباب عن سعد وبن عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ) أَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ حَدِيثًا آخَرَ لَهُ غَيْرَ حَدِيثِهِ الْمَذْكُورِ وَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وبن ماجه

باب ما جاء في الفصاحة والبيان

106 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْفَصَاحَةِ وَالْبَيَانِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَمِيلٍ الْجُمَحِيُّ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ (عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمِ) بْنِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ الثَّقَفِيِّ الطَّائِفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَاصِمُ بْنُ سُفْيَانَ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الباء وكسر الغين وكذا هُوَ مَضْبُوطٌ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ بِالْقَلَمِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَبْغَضُوهُ مَقَتُوهُ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ إبغاض دشمن داشتن (الْبَلِيغَ) أَيِ الْمُبَالِغَ فِي فَصَاحَةِ الْكَلَامِ وَبَلَاغَتِهِ (مِنَ الرِّجَالِ) أَيْ مِمَّا بَيْنَهُمْ وَخُصُّوا لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِيهِمْ (الَّذِي يَتَخَلَّلُ بِلِسَانِهِ) أَيْ يَأْكُلُ بِلِسَانِهِ أَوْ يُدِيرُ لِسَانَهُ حَوْلَ أَسْنَانِهِ مُبَالَغَةً فِي إِظْهَارِ بَلَاغَتِهِ وَبَيَانِهِ (كما يتخلل الْبَقَرَةُ) أَيْ بِلِسَانِهَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ يَتَشَدَّقُ فِي الْكَلَامِ بِلِسَانِهِ وَيَلُفُّهُ كَمَا تَلُفُّ الْبَقَرَةُ الْكَلَأَ بِلِسَانِهَا لَفًّا انْتَهَى وَخَصَّ الْبَقَرَةَ لِأَنَّ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ تَأْخُذُ النَّبَاتَ بِأَسْنَانِهَا وَهِيَ تَجْمَعُ بِلِسَانِهَا وَأَمَّا مَنْ بَلَاغَتُهُ خِلْقِيَّةٌ فَغَيْرُ مَبْغُوضٍ كَذَا فِي السِّرَاجِ الْمُنِيرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سعد) أي بن أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ مَرْفُوعًا لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ قَوْمٌ يَأْكُلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ كما تأكل البقرة بألسنتها

107 - باب قوله (عن كثير بن شنطير) بِكَسْرِ مُعْجَمَةٍ وَسُكُونِ نُونٍ وَكَسْرِ ظَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ وَبِرَاءٍ الْمَازِنِيِّ هُوَ أَبُو قُرَّةَ البصري صدوق يخطىء مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (خَمِّرُوا الْآنِيَةَ) بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ وَتَشْدِيدِ مِيمٍ أَيْ غَطُّوهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ أَنْ تَعْرِضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا (وَأَوْكُوا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْكَافِ مِنَ الْإِيكَاءِ (الْأَسْقِيَةَ) جَمْعُ السِّقَاءَ بِكَسْرِ السِّينِ أَيْ شُدُّوا وَارْبُطُوا رَأْسَ السِّقَاءِ بِالْوِكَاءِ وهو ما يشد به الْقِرْبَةِ وَزَادَ مُسْلِمٌ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ (وَأَجِيفُوا الْأَبْوَابَ) أَيْ أَغْلِقُوهَا زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ (وَأَطْفِئُوا) بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَكَسْرِ فَاءٍ فَهَمْزَةٍ مَضْمُومَةٍ (الْمَصَابِيحَ) جَمْعُ الْمِصْبَاحِ أَيِ السِّرَاجِ (فَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ) تَصْغِيرُ الْفَاسِقَةِ وَالْمُرَادُ الْفَأْرَةُ لِخُرُوجِهَا مِنْ جُحْرِهَا عَلَى النَّاسِ وَإِفْسَادُهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي وبن ماجه 08 - باب (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ قَوْلُهُ (إِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ زَمَانَ كَثْرَةِ الْعَلَفِ وَالنَّبَاتِ (فَأَعْطُوا

الْإِبِلَ حَظَّهَا مِنَ الْأَرْضِ) أَيْ مِنْ نَبَاتِهَا يَعْنِي دَعُوهَا سَاعَةً فَسَاعَةً تَرْعَى إِذْ حَقُّهَا من الأرض (فَبَادِرُوا بِهَا بِنِقْيِهَا) بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ بَعْدَهَا تَحْتِيَّةٌ أَيْ أَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ مَا دامت قوية النقي وهو المخ قال القارىء وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ بَادِرُوا وَعَلَيْهِ الْأُصُولُ مِنَ النُّسَخِ الْمَضْبُوطَةِ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ يَحْتَمِلُ الْحَرَكَاتِ الثَّلَاثَ أَنْ يكون منصوبا مفعولا به وبها حَالٌ مِنْهُ أَيْ بَادِرُوا نِقْيَهَا إِلَى الْمَقْصِدِ مُلْتَبِسًا بِهَا أَوْ مِنَ الْفَاعِلِ أَيْ مُلْتَبِسِينَ بِهَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ سَبَبِيَّةً أَيْ بادروا بسبب سَيْرِهَا نِقْيَهَا وَأَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِعَانَةِ أَيْ بَادِرُوا نِقْيَهَا مُسْتَعِينِينَ بِسَيْرِهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا فاعلا للظرف وهو حال أيي بَادِرُوا إِلَى الْمَقْصِدِ مُلْتَبِسًا بِهَا نِقْيُهَا أَوْ مُبْتَدَأٌ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ كَقَوْلِهِمْ فُوهُ إِلَى فِي وَأَنْ يَكُونَ مَجْرُورًا بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ وَالْمَعْنَى سَارِعُوا بِنِقْيِهَا إِلَى الْمَقْصِدِ بَاقِيَةَ النِّقْيِ فَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ حَالٌ (وَإِذَا عرستم) بتشديد الراء أي نزلتم بالليل قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَعْرَسَ الْقَوْمُ نَزَلُوا فِي آخِرِ اللَّيْلِ لِلِاسْتِرَاحَةِ كَعَرَّسُوا (فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ) أَيْ دَوَابِّ الْمُسَافِرِينَ أَوْ دَوَابِّ الْأَرْضِ مِنَ السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا (وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ) وَهِيَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ جَمْعُ هَامَةٍ كُلُّ ذَاتِ سُمٍّ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا أَدَبٌ مِنْ آدَابِ السَّيْرِ وَالنُّزُولِ أَرْشَدَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ الْحَشَرَاتِ وَدَوَابَّ الْأَرْضِ مِنْ ذَوَاتِ السُّمُومِ وَالسِّبَاعِ تَمْشِي فِي اللَّيْلِ عَلَى الطُّرُقِ لِسُهُولَتِهَا وَلِأَنَّهَا تَلْتَقِطُ مِنْهَا مَا يَسْقُطُ مِنْ مَأْكُولٍ وَنَحْوِهِ وما يجد فِيهَا مِنْ رِمَّةٍ وَنَحْوِهَا فَإِذَا عَرَّسَ الْإِنْسَانُ على الطَّرِيقِ رُبَّمَا مَرَّ بِهِ مِنْهَا مَا يُؤْذِيهِ فينبغي أن يتباعد عن الطريق انتهى وقوله (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وقوله وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه

109 - باب قَوْلُهُ (أَنْ يَنَامَ الرَّجُلُ) أَيْ لَيْلًا أَوْ مطلقا (ليس بمحجوز عَلَيْهِ) أَيْ لَيْسَ حَوْلَهُ جِدَارٌ مَانِعٌ مِنَ الْوُقُوعِ عَنِ السَّطْحِ قَوْلُهُ (وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ الْأَيْلِيُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ الْأُمَوِيُّ مولاهم (يضعف) بصبغة الْمَجْهُولِ مِنَ التَّضْعِيفِ وَقَدْ ضَعَّفَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ كَمَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ ذَكَرَهَا الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (يَتَخَوَّلُنَا) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ يَتَعَاهَدُنَا (بِالْمَوْعِظَةِ) أَيِ النُّصْحِ وَالتَّذْكِيرِ (الْأَيَّامِ) صِفَةٌ لِلْمَوْعِظَةِ أَيْ بِالْمَوْعِظَةِ الْكَائِنَةِ فِي الْأَيَّامِ (مَخَافَةَ السَّآمَةِ) كَلَامٌ إِضَافِيٌّ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ لِأَجْلِ مَخَافَةِ السَّآمَةِ وَالسَّآمَةُ مِثْلُ الْمَلَالَةِ لَفْظًا ومعنى وصلة السآمة محذوفة لأنه يقال سأمت مِنَ الشَّيْءِ وَالتَّقْدِيرُ مَخَافَةَ السَّآمَةِ مِنَ الْمَوْعِظَةِ (عَلَيْنَا) إِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالسَّآمَةِ عَلَى تَضْمِينِ السَّآمَةِ مَعْنَى الْمَشَقَّةِ أَيْ مَخَافَةَ الْمَشَقَّةِ عَلَيْنَا إِذِ الْمَقْصُودُ بَيَانُ رِفْقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأُمَّةِ وَشَفَقَتِهِ عَلَيْهِمْ لِيَأْخُذُوا مِنْهُ بِنَشَاطٍ وَحِرْصٍ لَا عَنْ ضَجَرٍ وَمَلَلٍ وَإِمَّا يُجْعَلُ صِفَةً وَالتَّقْدِيرُ مَخَافَةَ السَّآمَةِ الطَّارِئَةِ عَلَيْنَا وَإِمَّا يُجْعَلُ حَالًا وَالتَّقْدِيرُ مَخَافَةَ السَّآمَةِ حَالَ كَوْنِهَا طَارِئَةً عَلَيْنَا وَإِمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَحْذُوفِ وَالتَّقْدِيرُ مَخَافَةَ السَّآمَةِ شَفَقَةً عَلَيْنَا فَافْهَمْ وَفِي الْحَدِيثِ الِاقْتِصَادُ فِي الْمَوْعِظَةِ لِئَلَّا تَمَلَّهَا الْقُلُوبُ فَيَفُوتَ مَقْصُودُهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

110 - باب قَوْلُهُ (مَا دِيمَ عَلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَجْهُولِ مِنْ دَامَ يَدُومُ أَيِ الْعَمَلُ الَّذِي دُووِمَ عَلَيْهِ (وَإِنْ قَلَّ) أَيْ وَلَوْ قَلَّ الْعَمَلُ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ مَعَ الْمُدَاوَمَةِ وَالْمُوَاظَبَةِ خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ مَعَ تَرْكِ الْمُرَاعَاةِ وَالْمُحَافَظَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ) هُوَ بن سُلَيْمَانَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

أبواب الأمثال

43 - (أَبْوَابُ الْأَمْثَالِ) جَمْعُ الْمَثَلِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ تَشْبِيهُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ فِي حُكْمِهِ وَتَقْرِيبُ الْمَعْقُولِ مِنَ الْمَحْسُوسِ أَوْ أَحَدِ الْمَحْسُوسَيْنِ مِنَ الْآخَرِ وَاعْتِبَارُ أحدهما بالاخر قاله بن الْقَيِّمِ فِي الْإِعْلَامِ وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ أَكْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كُتُبِهِ الْأَمْثَالَ وَفَشَتْ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْحُكَمَاءِ وَالْمِثْلُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى النَّظِيرِ يُقَالُ مِثْلٌ وَمَثَلٌ وَمَثِيلٌ كَشِبْهٍ وَشَبَهٍ وَشَبِيهٍ ثُمَّ قِيلَ لِلْقَوْلِ السَّائِرِ الْمُمَثَّلِ مَضْرِبُهُ بِمَوْرِدِهِ وَلَا يُضْرَبُ إِلَّا مَا فِيهِ غَرَابَةٌ وَلِذَلِكَ حُوفِظَ عَلَيْهِ مِنَ التَّغَيُّرِ ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِكُلِّ حَالٍ أَوْ قِصَّةٍ أَوْ صِفَةٍ لَهَا شَأْنٌ وَفِيهَا غَرَابَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى مَثَلُ الجنة التي وعد المتقون وقوله تعالى ولله المثل الأعلى انتهى (باب ما جاء في مثل الله عز وجل لعباده) قوله (عن بجير بْنِ سَعِيدٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ السَّحُولِيِّ (عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ) الْكُلَاعِيِّ الْحِمْصِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ عَابِدٌ يُرْسِلُ كَثِيرًا مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنِ النَّوَّاسِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ (بْنِ سِمْعَانَ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ سَكَنَ الشَّامَ قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ ضَرَبَ مَثَلًا) أَيْ بَيَّنَ مَثَلًا (صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا) بَدَلٌ مِنْ مَثَلًا لَا عَلَى إِهْدَامِ

الْمُبْدَلِ كَمَا فِي قَوْلِك زَيْدٌ رَأَيْتَ غُلَامَهُ رَجُلًا صَالِحًا (عَلَى كَنَفَيِ الصِّرَاطِ) أَيْ عَلَى جَانِبَيْهَا وَالْكَنَفُ مُحَرَّكَةً الْجَانِبُ (زُورَانِ) بِضَمِّ الزَّايِ تثنية زور أي جداران وفي حديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ رَزِينٍ سُورَانِ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ تَثْنِيَةُ سُورٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ السِّينَ قَدْ أُبْدِلَتْ بِالزَّايِ كَمَا يُقَالُ فِي الْأَسَدِيِّ الْأَزْدِيُّ (لَهُمَا) أي للزورين وفي حديث بن مَسْعُودٍ فِيهِمَا (عَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ) جَمْعُ السِّتْرِ بِالْكَسْرِ (وَدَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ) وَفِي حديث بن مَسْعُودٍ وَعِنْدَ رَأْسِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ اسْتَقِيمُوا عَلَى الصِّرَاطِ وَلَا تَعْوَجُّوا (وَدَاعٍ يَدْعُو فَوْقَهُ) أَيْ فَوْقَ الدَّاعِي الْأَوَّلِ (واللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مستقيم) وفي حديث بن مَسْعُودٍ وَفَوْقَ ذَلِكَ دَاعٍ يَدْعُو كُلَّمَا هَمَّ عَبْدٌ أَنْ يَفْتَحَ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ وَيْحَكَ لَا تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ (وَالْأَبْوَابُ الَّتِي عَلَى كَنَفَيِ الصِّرَاطِ حُدُودُ اللَّهِ) أَيْ مَحَارِمُهُ (وَالَّذِي يَدْعُو مِنْ فَوْقِهِ واعظ ربه) وفي حديث بن مَسْعُودٍ ثُمَّ فَسَّرَهُ فَأَخْبَرَ أَنَّ الصِّرَاطَ هُوَ الْإِسْلَامُ وَأَنَّ الْأَبْوَابَ الْمُفَتَّحَةَ مَحَارِمُ اللَّهِ وَأَنَّ السُّتُورَ الْمُرْخَاةَ حُدُودُ اللَّهِ وَأَنَّ الدَّاعِيَ عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ هُوَ الْقُرْآنُ وَأَنَّ الدَّاعِيَ مِنْ فَوْقِهِ هُوَ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ هُوَ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ هُوَ لَمَّةُ الْمَلَكِ فِي قَلْبِ الْمُؤْمِنِ وَاللَّمَّةُ الْأُخْرَى هِيَ لَمَّةُ الشَّيْطَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ (سَمِعْتُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ (يَقُولُ سَمِعْتُ زَكَرِيَّا بْنَ عَدِيٍّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيِّ بْنِ الصَّلْتِ التَّيْمِيُّ مَوْلَاهُمْ أبو يحيى نزيل بغداد وهو آخر يُوسُفَ ثِقَةٌ جَلِيلٌ يَحْفَظُ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي عدي بزيادة أبي بين بن وَعَدِيٍّ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شُيُوخِ الدَّارِمِيِّ وَلَا فِي أَصْحَابِ أَبِي إِسْحَاقَ الْفَزَارِيِّ مَنْ يُسَمَّى بِزَكَرِيَّا بْنِ أَبِي عَدِيٍّ (يَقُولُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ) اسْمُهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسْمَاءَ بْنِ خَارِجَةَ بْنِ حَفْصِ بْنِ حُذَيْفَةَ ثِقَةٌ حَافِظٌ لَهُ تَصَانِيفُ مِنَ الثَّامِنَةِ (خُذُوا عَنْ بَقِيَّةَ مَا حَدَّثَكُمْ عَنِ الثِّقَاتِ) وَكَذَلِكَ قَالَ غَيْرُ

وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَةِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ هَذَا إِنَّهُ صَدُوقٌ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ انْتَهَى فَعَنْعَنَتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَإِنْ كَانَتْ عَنِ الثِّقَاتِ وَرُوِيَ هَذَا الحديث عن بجير بن سعد بِالْعَنْعَنَةِ (وَلَا تَأْخُذُوا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ مَا حَدَّثَكُمْ عَنِ الثِّقَاتِ وَلَا غَيْرِ الثِّقَاتِ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ خِلَافُ قَوْلِ جُمْهُورِ الْأَئِمَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ مِنْ أَبْوَابِ الْوَصَايَا قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ) بْنُ سَعْدٍ (عَنْ خَالِدِ بْنِ يزيد) الجمحي المصري قوله (كأن جبرائيل) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (وَمِيكَائِيلَ عِنْدَ رِجْلِي) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ جَاءَتْ مَلَائِكَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ نائم وفي حديث بن مَسْعُودٍ الْآتِي إِذَا أَنَا بِرِجَالٍ عَلَيْهِمْ ثِيَابٌ بِيضٌ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُهُ وَاقْتَصَرَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ عَلَى مَنْ بَاشَرَ الْكَلَامَ مِنْهُمِ ابْتِدَاءً وَجَوَابًا (اضْرِبْ) أَيْ بَيِّنْ (لَهُ) أَيْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلًا أَيْ تَمْثِيلًا وَتَصْوِيرًا لِلْمَعْنَى الْمَعْقُولِ فِي صُورَةِ الْأَمْرِ الْمَحْسُوسِ لِيَكُونَ أَوْقَعَ تَأْثِيرًا فِي النُّفُوسِ (فَقَالَ اسْمَعْ) خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَمِعَتْ أُذُنُكَ) جُمْلَةٌ دُعَائِيَّةٌ (وَاعْقِلْ) أَيِ افْهَمْ وَفِي حَدِيثِ رَبِيعَةَ الْجُرَشِيِّ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ لِتَنَمْ عَيْنُكَ وَلْتَسْمَعْ أُذُنُكَ وَلْيَعْقِلْ قَلْبُكَ قَالَ الْمُظْهِرُ مَعْنَاهُ لَا تَنْظُرْ بِعَيْنِكَ إِلَى شَيْءٍ وَلَا تُصْغِ بِأُذُنِكَ إِلَى شَيْءٍ وَلَا تُجْرِ شَيْئًا فِي قَلْبِكَ أَيْ كُنْ حَاضِرًا حُضُورًا تَامًّا لِتَفْهَمَ هَذَا الْمَثَلَ (إِنَّمَا مَثَلُكَ وَمَثَلُ أُمَّتِكَ) أَيْ صِفَتُكَ وَصِفَةُ أُمَّتِكَ (كَمَثَلِ مَلِكٍ) أَيْ كَصِفَةِ مَلِكٍ بِكَسْرِ اللَّامِ (اتَّخَذَ دَارًا) أَيْ بَنَاهَا (ثُمَّ بَنَى فِيهَا بَيْتًا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الدَّارُ الْمَحَلُّ يَجْمَعُ الْبِنَاءَ وَالْعَرْصَةَ كَالدَّائِرَةِ انْتَهَى وَالْبَيْتُ قِطْعَةٌ مِنَ الدَّارِ (ثُمَّ جَعَلَ فِيهَا مَائِدَةً) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَائِدَةُ الطَّعَامُ وَالْخِوَانُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ كَالْمَيْدَةِ فِيهِمَا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَجَعَلَ فِيهَا مَأْدُبَةَ وَالْمَأْدُبَةُ بِضَمِّ الدَّالِ وَتُفْتَحُ طَعَامٌ عَامٌّ يُدْعَى النَّاسُ إِلَيْهِ لِوَلِيمَةٍ (ثُمَّ بَعَثَ رَسُولًا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ دَاعِيًا (إِلَى طَعَامِهِ) أَيْ إِلَى طَعَامِ الْمَلِكِ (فَمِنْهُمْ مَنْ

أَجَابَ الرَّسُولَ) أَيْ قَبِلَ دُعَاءَهُ (وَمِنْهُمْ مَنْ تركه) أي لم يجبه وفي حديث بن مَسْعُودٍ الْآتِي وَمَنْ لَمْ يُجِبْهُ عَاقَبَهُ أَوْ قَالَ عَذَّبَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ عُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ) أَيْ مُنْقَطِعٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَقَدِ اعْتُضِدَ هَذَا المنقطع بحديث ربيعة الجرشي عند الطبراني بنحو فإنه سِيَاقَهُ وَسَنَدَهُ جَيِّدٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ بِإِسْنَادٍ أَصَحَّ مِنْ هَذَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَيْمُونَ) التَّمِيمِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَلِيٍّ وَيُقَالُ أَبُو العوام بياع الأنماط صدوق يخطىء مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (خَرَجَ بِهِ إِلَى بَطْحَاءِ مَكَّةَ) أَيْ مَسِيلِ وَادِيهَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْبَطِحُ كَكَتِفٍ وَالْبَطِيحَةُ وَالْبَطْحَاءُ وَالْأَبْطَحُ مَسِيلٌ وَاسِعٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصَى (ثُمَّ خَطَّ عَلَيْهِ) أَيْ خَطَّ حَوْلَهُ (خَطًّا) أَيْ خَطًّا مُسْتَدِيرًا مُحِيطًا بِهِ (لَا تَبْرَحَنَّ خَطَّكَ) أَيْ لَا تُفَارِقَنَّ الْخَطَّ الَّذِي خُطَّ لَكَ (فَإِنَّهُ سَيَنْتَهِي إِلَيْكَ) أَيْ سَيَصِلُ إِلَيْكَ (كَأَنَّهُمِ الزُّطُّ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الزُّطُّ بِالضَّمِّ جَبَلٌ مِنَ الْهِنْدِ مُعَرَّبُ جت

بِالْفَتْحِ وَالْقِيَاسُ يَقْتَضِي فَتْحَ مُعَرَّبِهِ أَيْضًا وَالْوَاحِدَةُ زُطِّيٌّ انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الزُّطُّ هُمْ جِنْسٌ مِنَ السُّودَانِ وَالْهُنُودِ (أَشْعَارَهُمْ وَأَجْسَامَهُمْ) يَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ كَأَنَّهُمِ الزُّطُّ فِي أَشْعَارِهِمْ وَأَجْسَامِهِمْ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَشْعَارُهُمْ وَأَجْسَامُهُمْ مِثْلُ الزُّطِّ (لا أرى عورة ولا أرى قشرة) بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ غِشَاءُ الشَّيْءِ خِلْقَةً أَوْ عَرَضًا وَكُلُّ مَلْبُوسٍ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ لَا أَرَى مِنْهُمْ عَوْرَةً مُنْكَشِفَةً وَلَا أَرَى عَلَيْهِمْ ثِيَابًا (ثُمَّ يَصْدُرُونَ) أَيْ يَرْجِعُونَ (لَكِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَنِي) أَيْ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخر الليل ما جاؤا وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ جَاءَنِي (فَقَالَ لَقَدْ أُرَانِي مُنْذُ اللَّيْلَةِ) أَيْ لَمْ أَنَمْ (فَتَوَسَّدَ فَخِذِي) أَيْ جَعَلَ فَخِذِي وِسَادَةً (إِذَا أَنَا بِرِجَالٍ) إِذَا لِلْمُفَاجَأَةِ (إن عينيه تنامان والقلب يَقْظَانُ) غَيْرُ مُنْصَرِفٍ وَقِيلَ مُنْصَرِفٌ لِمَجِيءِ فَعْلَانَةٍ مِنْهُ قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ يَقْظَانٌ مُنْصَرِفٌ لِمَجِيءِ فَعْلَانَةٍ لَكِنَّهُ قَدْ صَحَّ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ يَعْنِي فَلَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِمَّا تَقُولُ (مَثَلُ سَيِّدٍ) أَيْ مَثَلُهُ مَثَلُ سَيِّدٍ

باب ما جاء في مثل النبي والأنبياء

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن خُزَيْمَةَ وَصَحَّحَهُ (وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَلٍّ) بِلَامٍ ثَقِيلَةٍ وَالْمِيمُ مُثَلَّثَةٌ (وسليمان التيمي هو بن طِرْخَانَ إِلَخْ) لَيْسَ لِسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ذِكْرٌ فِي هذا الباب أصلا فإيراد الترمذي ترجمته ها هنا لَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ فَتَأَمَّلْ (بَاب مَا جاء في مثل النبي والأنبياء) صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وسلم قَبْلَهُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ) الْبَاهِلِيُّ أَبُو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ الْعَوْفِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْوَاوُ بَعْدَهَا فَاءٌ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا سَلِيمُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ (بْنُ حَيَّانَ) بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَتَحْتَانِيَّةٍ ثَقِيلَةٍ الْهُذَلِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَمَدِّ النُّونِ مَوْلَى الْبَخْتَرِيِّ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ الْحِجَازِيِّ مَكِّيٌّ أَوْ مَدَنِيٌّ يُكَنَّى أَبَا الْوَلِيدِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الْأَنْبِيَاءِ كَرَجُلٍ بَنَى دَارًا) قِيلَ الْمُشَبَّهُ بِهِ وَاحِدٌ وَالْمُشَبَّهُ جَمَاعَةٌ فَكَيْفَ صَحَّ التَّشْبِيهُ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْأَنْبِيَاءَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ مَا أَرَادَ مِنَ التَّشْبِيهِ إِلَّا بِاعْتِبَارِ الْكُلِّ وَكَذَلِكَ الدَّارُ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِاجْتِمَاعِ الْبُنْيَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّشْبِيهِ التَّمْثِيلِيِّ وَهُوَ أَنْ يُؤْخَذَ وَصْفٌ مِنْ أَوْصَافِ الْمُشَبَّهِ وَيُشَبَّهُ بِمِثْلِهِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشَبَّهِ بِهِ فَكَأَنَّهُ شَبَّهَ الْأَنْبِيَاءَ وَمَا بُعِثُوا بِهِ مِنْ إِرْشَادِ النَّاسِ بِبَيْتٍ أُسِّسَتْ قَوَاعِدُهُ وَرُفِعَ بُنْيَانُهُ وَبَقِيَ مِنْهُ مَوْضِعٌ بِهِ يَتِمُّ صَلَاحُ ذلك البيت وزعم بن الْعَرَبِيِّ أَنَّ اللَّبِنَةَ الْمُشَارَ إِلَيْهَا كَانَتْ فِي رَأْسِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ وَأَنَّهَا لَوْلَا وَضْعُهَا لَانْقَضَّتْ

باب ما جاء مثل الصلاة والصيام والصدقة

تِلْكَ الدَّارُ قَالَ وَبِهَذَا يَتِمُّ الْمُرَادُ مِنَ التَّشْبِيهِ الْمَذْكُورِ انْتَهَى وَهَذَا إِنْ كَانَ مَنْقُولًا فَهُوَ حَسَنٌ وَإِلَّا فَلَيْسَ بِلَازِمٍ نَعَمْ ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنْ تَكُونَ اللَّبِنَةُ فِي مَكَانٍ يَظْهَرُ عَدَمُ الْكَمَالِ فِي الدَّارِ بِفَقْدِهَا وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِلَّا مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا فَيَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهَا مُكَمِّلَةٌ مُحَسِّنَةٌ وَإِلَّا لَاسْتَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِدُونِهَا كَانَ نَاقِصًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ شَرِيعَةَ كُلِّ نَبِيٍّ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَامِلَةٌ فَالْمُرَادُ هُنَا النَّظَرُ إِلَى الْأَكْمَلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّرِيعَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مَعَ مَا مَضَى مِنَ الشَّرَائِعِ الْكَامِلَةِ (لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا نُونٌ وَبِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أيضا هي القطعة من الطين تعجن وتجعل وَتُعَدُّ لِلْبِنَاءِ وَيُقَالُ لَهَا مَا لَمْ تُحْرَقْ لَبِنَةٌ فَإِذَا أُحْرِقَتْ فَهِيَ آجُرَّةٌ وَقَوْلُهُ مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَوْلَا مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ يُوهِمُ النَّقْصَ لَكَانَ بِنَاءُ الدَّارِ كَامِلًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَوْلَا تَحْضِيضِيَّةً وَفِعْلُهَا مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ لَوْلَا أَكْمَلَ وَضْعَ اللَّبِنَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عِنْدَ أَحْمَدَ ألا وضعت ها هنا لَبِنَةً فَيَتِمُّ بُنْيَانُكَ وَفِي الْحَدِيثِ ضَرْبُ الْأَمْثَالِ لِلتَّقْرِيبِ لِلْأَفْهَامِ وَفَضْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ وَأَنَّ اللَّهَ خَتَمَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ وَأَكْمَلَ بِهِ شَرَائِعَ الدِّينِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي بْنِ كَعْبٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَائِلِ الْمَنَاقِبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (بَاب مَا جاء مَثَلِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْمِنْقَرِيُّ (أَخْبَرَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ) هُوَ الْعَطَّارُ الْبَصْرِيُّ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ) هُوَ الطَّائِيُّ (عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ) بْنِ أَبِي سَلَّامٍ مَمْطُورٍ الْحَبَشِيِّ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُعْجَمَةِ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبِحَارِ فِي الْمُغْنِي الْحَبَشِيُّ بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَمُعْجَمَةٍ

مَنْسُوبٌ إِلَى الْحَبَشِ أَيِ الْجَبَلِ الْأَسْوَدِ وَإِلَى حَبَشٍ حَيٍّ مِنَ الْيَمَنِ مِنْهُمْ أَبُو سَلَّامٍ مَمْطُورٌ الْأَعْرَجُ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ قَالَ الْأَصِيلِيُّ الْحُبْشِيُّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ انْتَهَى (أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَاسْمُهُ مَمْطُورٌ هُوَ جَدُّ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ (أَنَّ الْحَارِثَ الْأَشْعَرِيَّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَشْعَرِيُّ الشَّامِيُّ صَحَابِيٌّ يُكَنَّى أَبَا مَالِكٍ تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عَنْهُ أَبُو سَلَّامٍ وَفِي الصَّحَابَةِ أَبُو مَالِكٍ الْأَشْعَرِيُّ اثْنَانِ غَيْرُ هَذَا قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا) أَيْ أَوْحَى إِلَيْهِ كما في رواية بن خزيمة (وإنه كاد أن يبطىء بِهَا) مِنَ الْإِبْطَاءِ وَهُوَ ضِدُّ الْإِسْرَاعِ وَفِي رواية بن خُزَيْمَةَ فَكَأَنَّهُ أَبْطَأَ بِهِنَّ (فَقَالَ يَحْيَى أَخْشَى إن سبقتني بها الخ) وفي رواية بن خُزَيْمَةَ فَقَالَ يَا أَخِي لَا تَفْعَلْ فَإِنِّي أَخَافُ إِنْ سَبَقْتَنِي بِهِنَّ إِلَخْ (فَجَمَعَ النَّاسَ) أي بنى إسرائيل كما في رواية بن خُزَيْمَةَ (فَامْتَلَأَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَامْتَلَأَ الْمَسْجِدُ (وَقَعَدُوا عَلَى الشُّرَفِ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ شُرْفَةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ شُرْفَةُ الْقَصْرِ بِالضَّمِّ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ شُرَفٌ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ شُرْفَةٌ بِالضَّمِّ كَنُكْرَةٍ (فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يكون عبده كذلك) زاد في رواية بن خُزَيْمَةَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ فَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا (فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عبده) وفي رواية بن خزيمة فإن الله يقبل بوجه إِلَى وَجْهِ عَبْدِهِ (فِي عِصَابَةٍ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ جَمَاعَةٍ (مَعَهُ صُرَّةٌ) بِضَمِّ الصَّادِ وَشِدَّةِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ هِيَ شَرْحُ

الدَّرَاهِمِ وَنَحْوِهَا (فَكُلُّهُمْ يُعْجَبُ أَوْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا) أو للشك من الراوي وفي رواية بن خُزَيْمَةَ كُلُّهُمْ يُحِبُّ أَنْ يَجِدَ رِيحَهَا (أَنَا أَفْدِيهِ) مِنَ الْفِدَاءِ وَهُوَ فِكَاكُ الْأَسِيرِ أَيْ أَفُكُّ عُنُقِي (بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ) أَيْ بِجَمِيعِ مَالِي (خَرَجَ الْعَدُوُّ فِي أَثَرِهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ خَرَجَ فِي إِثْرِهِ وَأَثَرِهِ أَيْ بَعْدَهُ (سِرَاعًا) بِكَسْرِ السِّينِ حَالٌ مِنَ الْعَدُوِّ أَيْ مُسْرِعِينَ (حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ) الْحِصْنُ بِالْكَسْرِ كُلُّ مَكَانٍ مَحْمِيٍّ مَنِيعٍ لَا يُوصَلُ إِلَى جَوْفِهِ وَالْحَصِينُ مِنَ الْأَمَاكِنِ الْمَنِيعُ يُقَالُ دِرْعٌ حَصِينٌ أَيْ مُحْكَمَةٌ وَحِصْنٌ حَصِينٌ لِلْمُبَالَغَةِ (فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ) أَيْ حَفِظَهَا مِنْهُمْ (السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ) أَيْ لِلْأَمِيرِ فِي غَيْرِ الْمَعْصِيَةِ (وَالْجِهَادُ) أَيْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ (وَالْهِجْرَةُ) أَيِ الِانْتِقَالُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَمِنْ دَارِ الْكُفْرِ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمِنْ دَارِ الْبِدْعَةِ إِلَى دَارِ السُّنَّةِ وَمِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى التَّوْبَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ (وَالْجَمَاعَةُ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ بِالْجَمَاعَةِ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ التَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ أَيْ آمُرُكُمْ بِالتَّمَسُّكِ بِهَدْيِهِمْ وَسِيرَتِهِمْ وَالِانْخِرَاطِ فِي زُمْرَتِهِمْ (فَإِنَّهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ اسْمُ إِنَّ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهُ تَفْسِيرُهُ وَهُوَ كَالتَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ بِالتَّمَسُّكِ بِعُرَى الْجَمَاعَةِ (قِيدَ شِبْرٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ قَدْرَهُ وَأَصْلُهُ الْقَوَدُ مِنَ الْقَوَدِ وَهُوَ الْمُمَاثَلَةُ وَالْقِصَاصُ وَالْمَعْنَى مَنْ فَارَقَ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ بِتَرْكِ السُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ الْبِدْعَةِ وَنَزَعَ الْيَدَ عَنِ الطَّاعَةِ وَلَوْ كَانَ بِشَيْءٍ يَسِيرٍ يُقَدَّرُ فِي الشَّاهِدِ بِقَدْرِ شِبْرٍ (فَقَدْ خَلَعَ) أَيْ نَزَعَ (رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ عُرْوَةٌ فِي حَبْلٍ يُجْعَلُ فِي عُنُقِ الْبَهِيمَةِ أَوْ يَدِهَا تُمْسِكُهَا فَاسْتَعَارَهَا لِلْإِسْلَامِ يَعْنِي مَا شَدَّ الْمُسْلِمُ بِهِ نَفْسَهُ مِنْ عُرَى الْإِسْلَامِ أَيْ حُدُودِهِ وَأَحْكَامِهِ وَأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمَعْنَى فَقَدْ نَبَذَ عَهْدَ اللَّهِ وَأَخْفَرَ ذِمَّتَهُ الَّتِي لَزِمَتْ أَعْنَاقَ الْعِبَادِ لُزُومَ الرِّبْقَةِ بِالْكَسْرِ وَهِيَ وَاحِدَةُ الرِّبْقِ وَهُوَ حَبْلٌ فِيهِ عِدَّةُ عُرًى يُشَدُّ بِهِ الْبُهْمُ أَيْ أَوْلَادُ الضَّأْنِ وَالْوَاحِدَةُ مِنْ تِلْكَ الْعُرَى رِبْقَةٌ (وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ عَطْفٌ عَلَى الجملة التي

وَقَعَتْ مُفَسِّرَةً لِضَمِيرِ الشَّأْنِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ التَّمَسُّكَ بِالْجَمَاعَةِ وَعَدَمَ الْخُرُوجِ عَنْ زُمْرَتِهِمْ مِنْ شَأْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْخُرُوجَ مِنْ زُمْرَتِهِمْ مِنْ هِجِّيرَى الْجَاهِلِيَّةِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ بِسُنَنِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّهَا تَدْعُو إِلَيْهَا وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْ مَا قَالَ الْقَاضِي وَالْوَجْهُ الْآخَرُ الدَّعْوَى تُطْلَقُ عَلَى الدُّعَاءِ وَهُوَ النِّدَاءُ وَالْمَعْنَى مَنْ نَادَى فِي الْإِسْلَامِ بِنِدَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِ خَصْمُهُ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ قَوْمَهُ يَا آلَ فُلَانٍ فَيَبْتَدِرُونَ إِلَى نَصْرِهِ ظَالِمًا كَانَ أَوْ مَظْلُومًا جَهْلًا مِنْهُمْ وَعَصَبِيَّةً وَحَاصِلُ هَذَا الْوَجْهِ يَرْجِعُ أَيْضًا إِلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ (فَإِنَّهُ) أَيِ الدَّاعِيَ الْمَذْكُورَ (مِنْ جُثَى جَهَنَّمَ) بِضَمِّ الْجِيمِ مَقْصُورٌ أَيْ مِنْ جَمَاعَاتِهَا جَمْعُ جَثَوَةٍ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمَجْمُوعَةُ وَرُوِيَ مِنْ جُثِيِّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وضم الجيم جمع جاث من جثى عَلَى رُكْبَتَيْهِ يَجْثُو وَيَجْثِي وَكَسْرُ الْجِيمِ جَائِزٌ لما بعدها من الكسرة وقرىء بِهِمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جثيا (وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ) أَيْ وَلَوْ صَلَّى وَصَامَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن خزيمة وبن حبان في صحيحهما وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِبَعْضِهِ

باب ما جاء في مثل المؤمن القارىء للقرآن

4 - (باب ما جاء في مثل المؤمن القارىء للقرآن) وغير القارىء قَوْلُهُ (مَثَلُ الْمُؤْمِنَ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ) عَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ تَكْرِيرِهِ لَهَا وَمُدَاوَمَتِهِ عَلَيْهَا حَتَّى صَارَتْ دَأْبَهُ وَعَادَتَهُ كَفُلَانٍ يَقْرِي الضَّيْفَ وَيَحْمِي الحريم يعطي وَفِي رِوَايَةٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَعْمَلُ بِهِ (كَمَثَلِ الْأُتْرُنْجَةِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَفِيهِ لُغَاتٌ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْأُتْرُجُّ وَالْأُتْرُجَّةُ وَالتُّرُنْجَةُ وَالتُّرُنْجُ مَعْرُوفٌ وَهِيَ أَحْسَنُ الثِّمَارِ الشَّجَرِيَّةِ وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ الْعَرَبِ انْتَهَى وَوَجْهُ التَّشْبِيهِ بِالْأُتْرُنْجَةِ لِأَنَّهَا أَفْضَلُ مَا يُوجَدُ مِنَ الثِّمَارِ فِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ وَأَجْدَى لِأَسْبَابِ كَثِيرَةٍ جَامِعَةٍ لِلصِّفَاتِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهَا وَالْخَوَاصِّ الْمَوْجُودَةِ فِيهَا فَمِنْ ذَلِكَ كُبْرُ جِرْمِهَا وَحُسْنُ مَنْظَرِهَا وَطِيبُ مَطْعَمِهَا وَلِينُ مَلْمَسِهَا تَأْخُذُ الْأَبْصَارَ صِبْغَةً وَلَوْنًا فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ تَتُوقُ إِلَيْهَا النَّفْسُ قَبْلَ التَّنَاوُلِ تُفِيدُ آكِلَهَا بَعْدَ الالتذاذ بذوقها طيب نكهة ودباغ معدة وهضم وَاشْتِرَاكَ الْحَوَاسِّ الْأَرْبَعِ الْبَصَرُ وَالذَّوْقُ وَالشَّمُّ وَاللَّمْسُ فِي الِاحْتِظَاءِ بِهَا (وَمَثَلُ الْمُؤْمِنَ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ) أَيْ وَيَعْمَلُ بِهِ كَمَا فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَالَ الطِّيبِيُّ التَّمْثِيلُ فِي الْحَقِيقَةِ وَصْفٌ لِمَوْصُوفٍ اشْتَمَلَ عَلَى مَعْنًى مَعْقُولٍ صِرْفٍ لَا يُبْرِزُهُ عَنْ سكنونة إِلَّا تَصْوِيرُهُ بِالْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ ثُمَّ إِنَّ كَلَامَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ تَأْثِيرٌ فِي بَاطِنِ الْعَبْدِ وَظَاهِرِهِ وَإِنَّ الْعِبَادَ مُتَفَاوِتُونَ فِي ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ لَهُ النَّصِيبُ الْأَوْفَرُ مِنْ ذَلِكَ التَّأْثِيرِ وهو المؤمن القارىء وَمِنْهُمْ مَنْ لَا نَصِيبَ لَهُ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ الْمُنَافِقُ الْحَقِيقِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَثَّرَ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَهُوَ الْمُرَائِي أَوْ بِالْعَكْسِ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الذي لا يقرأه وَإِبْرَازُ هَذِهِ الْمَعَانِي وَتَصْوِيرُهَا إِلَى الْمَحْسُوسَاتِ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوَافِقُهَا وَيُلَائِمُهَا أَقْرَبُ وَلَا أَحْسَنُ وَلَا أَجْمَعُ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُشَبَّهَاتِ وَالْمُشَبَّهَ بِهَا وَارِدَةٌ عَلَى تَقْسِيمِ الْحَاصِلِ لِأَنَّ النَّاسَ إِمَّا مُؤْمِنٌ أَوْ غَيْرُ مُؤْمِنٍ وَالثَّانِي إِمَّا مُنَافِقٌ صِرْفٌ أَوْ مُلْحَقٌ بِهِ وَالْأَوَّلُ إِمَّا مُوَاظِبٌ عَلَى الْقِرَاءَةِ أَوْ غَيْرُ مُوَاظِبٍ عَلَيْهَا وَعَلَى هَذَا فَقِسِ الْأَثْمَارَ الْمُشَبَّهَ بِهَا وَوَجْهُ الشَّبَهِ فِي الْمَذْكُورَاتِ مُنْتَزَعٌ مِنْ أَمْرَيْنِ مَحْسُوسَيْنِ طَعْمٌ وَرِيحٌ وليس بمفرق كما في قوله أمرىء الْقَيْسِ كَأَنَّ قُلُوبَ الطَّيْرِ رَطْبًا وَيَابِسًا لَدَى وَكْرِهَا الْعُنَّابُ وَالْحَشَفُ الْبَالِي

(كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ) هِيَ كُلُّ نَبْتٍ طَيِّبِ الرِّيحِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَشْمُومِ (كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ) الْحَنْظَلُ نَبَاتٌ يَمْتَدُّ عَلَى الْأَرْضِ كَالْبِطِّيخِ وَثَمَرُهُ يُشْبِهُ ثَمَرَ الْبِطِّيخِ لَكِنَّهُ أَصْغَرُ مِنْهُ جِدًّا وَيُضْرَبُ الْمَثَلُ بمرارته (ريحها مر وطعمها مُرٌّ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مُرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا قَالَ الْعَيْنِيُّ قِيلَ الَّذِي عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَحْسَنُ لِأَنَّ الرِّيحَ لَا طَعْمَ لَهُ إِذِ الْمَرَارَةُ عَرَضٌ وَالرِّيحُ عَرَضٌ وَالْعَرَضُ لَا يَقُومُ بِالْعَرَضِ وَوُجِّهَ هَذَا بِأَنَّ ريحها لما كان كريحا اسْتُعِيرَ لِلْكَرَاهَةِ لَفْظُ الْمَرَارَةِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْكَرَاهَةِ الْمُشْتَرَكَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (لَا تَزَالُ الرِّيَاحُ تُفَيِّئُهُ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ تُحَرِّكُهُ وَتُمِيلُهُ يَمِينًا وَشِمَالًا (وَلَا يَزَالُ الْمُؤْمِنُ يُصِيبُهُ بَلَاءٌ) قَالَ الطِّيبِيُّ التَّشْبِيهُ إِمَّا مُفَرَّقٌ فَيُقَدَّرُ لِلْمُشَبَّهِ مَعَانٍ بِإِزَاءِ مَا لِلْمُشَبَّهِ بِهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَنْبَغِي أَنْ يَرَى نَفْسَهُ عَارِيَةً مَعْزُولَةً عَنِ اسْتِيفَاءِ اللَّذَّاتِ وَالشَّهَوَاتِ مَعْرُوضَةً لِلْحَوَادِثِ وَالْمُصِيبَاتِ مَخْلُوقَةً لِلْآخِرَةِ لِأَنَّهَا دَارُ خُلُودٍ (كَمَثَلِ شَجَرَةِ الْأَرْزِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْأَرْزُ وَيُضَمُّ شَجَرُ الصَّنَوْبَرِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْأَرْزَةُ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا شَجَرَةُ الْأَرْزَنِ وَهُوَ خَشَبٌ مَعْرُوفٌ وَقِيلَ هُوَ الصَّنَوْبَرُ (لَا تَهْتَزُّ) أَيْ لَا تَتَحَرَّكُ (حَتَّى تُسْتَحْصَدَ) على بناء المفعول وقال بن الْمَلَكِ بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَيْ يَدْخُلُ وَقْتُ حَصَادِهَا فَتُقْطَعُ انْتَهَى فَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُ يَقِلُّ بَلَاؤُهُ فِي الدُّنْيَا لِئَلَّا يَخِفَّ عَذَابُهُ فِي الْعُقْبَى قَالَ الطِّيبِيُّ شَبَّهَ قَلْعَ شَجَرَةِ الصَّنَوْبَرِ وَالْأَرْزَنِ فِي سُهُولَتِهِ بِحَصَادِ الزَّرْعِ فَدَلَّ عَلَى سُوءِ خَاتِمَةِ الْكَافِرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى) الْأَنْصَارِيُّ (أَخْبَرَنَا معن) هو بن عِيسَى الْقَزَّازُ (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) إِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ شَجَرَةً) زَادَ فِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْفَهْمِ في العلم قال صحبت بن عُمَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ وَلَهُ عَنْهُ فِي الْبُيُوعِ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَأْكُلُ جُمَّارًا (لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مِثْلُ الْمُؤْمِنِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ أَوْ بفتح الميم والمثلثة وهما بمعنى قال الجوهر مِثْلُهُ وَمَثَلُهُ كَلِمَةُ تَسْوِيَةٍ كَمَا يُقَالُ شِبْهُهُ وَشَبَهُهُ بِمَعْنًى قَالَ وَالْمَثَلُ بِالتَّحْرِيكِ أَيْضًا مَا يُضْرَبُ مِنَ الْأَمْثَالِ انْتَهَى وَوَجْهُ الشَّبَهِ بَيْنَ النَّخْلَةِ وَالْمُؤْمِنِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ سُقُوطِ الْوَرَقِ ما رواه الحرث بْنُ أُسَامَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهٍ آخر عن بن عُمَرَ وَلَفْظُهُ قَالَ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ كَمَثَلِ شَجَرَةٍ لَا تَسْقُطُ لَهَا أُنْمُلَةٌ أَتَدْرُونَ مَا هِيَ قَالُوا لَا قَالَ هِيَ النَّخْلَةُ لَا تَسْقُطُ لَهَا أُنْمُلَةٌ وَلَا تَسْقُطُ لِمُؤْمِنٍ دَعْوَةٌ وَوَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ قَالَ حَدَّثَنِي مجاهد عن بن عُمَرَ قَالَ بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أُتِيَ بِجُمَّارٍ فَقَالَ إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ الْمُسْلِمِ وَهَذَا أَعَمُّ مِنَ الَّذِي قَبْلَهُ وَبَرَكَةُ النَّخْلِ موجودة في جميع أجزائها مستمر فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا فَمِنْ حِينِ تَطْلُعُ إِلَى أَنْ تَيْبَسَ تُؤْكَلُ أَنْوَاعًا ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُنْتَفَعُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا حَتَّى النَّوَى فِي عَلَفِ الدَّوَابِّ وَاللِّيفُ فِي الْحِبَالِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْفَى وَكَذَلِكَ بَرَكَةُ الْمُؤْمِنِ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَنَفْعُهُ مُسْتَمِرٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ حَتَّى بَعْدَ مَوْتِهِ (حَدِّثُونِي) أَيْ أَخْبِرُونِي (فَوَقَعَ النَّاسُ) أَيْ ذَهَبَتْ أَفْكَارُهُمْ فِي أَشْجَارِ الْبَادِيَةِ فَجَعَلَ كُلٌّ مِنْهُمْ يُفَسِّرُهَا بِنَوْعٍ مِنَ الْأَنْوَاعِ وَذَهِلُوا عَنِ النَّخْلَةِ يُقَالُ وَقَعَ الطَّائِرُ عَلَى الشَّجَرَةِ إذ نَزَلَ عَلَيْهَا (وَوَقَعَ فِي نَفْسِي) بَيَّنَ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ عَنِ بن عُمَرَ وَجْهَ ذَلِكَ قَالَ فَظَنَنْتَ أَنَّهَا النَّخْلَةُ مِنْ أَجْلِ الْجُمَّارِ الَّذِي أُتِيَ بِهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُلْغَزَ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتَفَطَّنَ لِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ الْوَاقِعَةِ عِنْدَ السُّؤَالِ وَأَنَّ الْمُلْغِزَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يُبَالِغَ فِي التَّعْمِيَةِ بِحَيْثُ لَا يَجْعَلُ لِلْمُلْغَزِ بَابًا يَدْخُلُ مِنْهُ بَلْ كُلَّمَا قَرَّبَهُ كَانَ أَوْقَعَ فِي نَفْسِ سَامِعِهِ (فَاسْتَحْيَيْتَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ الْفَهْمِ فِي الْعِلْمِ

باب ما جاء مثل الصلوات الخمس

فَأَرَدْتَ أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ (أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لي كذا وكذا) زاد بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَحْسَبُهُ قَالَ حُمْرُ النَّعَمِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ امْتِحَانُ الْعَالِمِ أَذْهَانَ الطَّلَبَةِ بِمَا لَا يَخْفَى مَعَ بَيَانِهِ لَهُمْ إِنْ لَمْ يَفْهَمُوهُ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنِ الْأُغْلُوطَاتِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَحَدُ رُوَاتِهِ هِيَ صِعَابُ الْمَسَائِلِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا لَا نَفْعَ فِيهِ أَوْ مَا خَرَجَ عَلَى سَبِيلِ تَعَنُّتِ الْمَسْئُولِ أَوْ تَعْجِيزِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى حَدِيثٍ مُخْتَصَرٍ لِأَبِي هُرَيْرَةَ أَوْرَدَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِ لَفْظِهِ مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مثل النخلة (باب ما جاء مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ) هُوَ بن سعد (عن بن الْهَادِ) اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ (عَنْ محمد بن إبراهيم) هو بن الْحَارِثِ قَوْلُهُ (أَرَأَيْتُمْ) أَيْ أَخْبِرُونِي هُوَ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ مُتَعَلِّقٌ بِالِاسْتِخْبَارِ أَيْ أَخْبِرُونِي هَلْ يَبْقَى (لَوْ أَنَّ نَهَرًا) قَالَ الطِّيبِيُّ لَفْظُ لَوْ يَقْتَضِي أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْفِعْلِ وَأَنْ يُجَابَ لَكِنَّهُ وَضَعَ الِاسْتِفْهَامَ مَوْضِعَهُ تَأْكِيدًا وَتَقْرِيرًا وَالتَّقْدِيرُ لَوْ ثَبَتَ نَهَرٌ صِفَتُهُ كَذَا لَمَا بَقِيَ وَالنَّهَرُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِهَا مَا بَيْنَ جَنْبَيِ الْوَادِي سُمِّيَ بِذَلِكَ لِسِعَتِهِ وَكَذَلِكَ سُمِّيَ النَّهَارُ لِسِعَةِ ضَوْئِهِ قَالَهُ الْحَافِظُ (هَلْ يَبْقَى) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ (مِنْ دَرَنِهِ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَالرَّاءِ أَيْ وَسَخِهِ يَعْنِي هَلْ يَبْقَى عَلَى جَسَدِهِ شَيْءٌ مِنْ دَرَنِهِ (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَذَلِكَ) أَيِ النَّهَرُ الْمَذْكُورُ قاله بن الملك قال القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إِلَى

مَا ذُكِرَ مِنَ الْغَسْلِ فِي النَّهَرِ خَمْسَ مَرَّاتٍ قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ جَزَاءُ شَرْطٍ أَيْ إِذَا أَقْرَرْتُمْ بِذَلِكَ وَصَحَّ عِنْدَكُمْ فَذَلِكَ (مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ) عَكَسَ فِي التَّشْبِيهِ حَيْثُ إِنَّ الْأَصْلَ تَشْبِيهُ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ مُبَالَغَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى قالوا إنما البيع مثل الربا (يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ) أَيْ بِالصَّلَوَاتِ (الْخَطَايَا) أَيِ الصغائر قال بن الْعَرَبِيِّ وَجْهُ التَّمْثِيلِ أَنَّ الْمَرْءَ كَمَا يَتَدَنَّسُ بِالْأَقْذَارِ الْمَحْسُوسَةِ فِي بَدَنِهِ وَثِيَابِهِ وَيُطَهِّرُهُ الْمَاءُ الكثير فكذلك الصلوات تطهر العبد عن أَقْذَارِ الذُّنُوبِ حَتَّى لَا تُبْقِي لَهُ ذَنْبًا إِلَّا أَسْقَطَتْهُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَطَايَا فِي الْحَدِيثِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنَ الصَّغِيرَةِ وَالْكَبِيرَةِ لَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ قَبْلَهُ حديث العلاء عن أبيه عن أبي هريرة مَرْفُوعًا الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهَا مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ فَعَلَى هَذَا الْمُقَيَّدِ يُحْمَلُ الْمُطْلَقُ في غيره فائدة قال بن بزبزة فِي شَرْحِ الْأَحْكَامِ يَتَوَجَّهُ عَلَى حَدِيثِ الْعَلَاءِ إِشْكَالٌ يَصْعُبُ التَّخَلُّصُ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّ الصَّغَائِرَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ مُكَفَّرَةٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَا الَّذِي تُكَفِّرُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ أَجَابَ عَنْهُ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ السُّؤَالَ غَيْرُ وَارِدٍ لِأَنَّ مُرَادَ اللَّهِ أَنْ تَجْتَنِبُوا أَيْ فِي جَمِيعِ الْعُمْرِ وَمَعْنَاهُ الْمُوَافَاةُ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مِنْ وَقْتِ الْإِيمَانِ أَوِ التَّكْلِيفِ إِلَى الْمَوْتِ وَالَّذِي فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ تُكَفِّرُ مَا بَيْنَهَا أَيْ فِي يَوْمِهَا إِذَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَعَلَى هَذَا لَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ انْتَهَى وَعَلَى تَقْدِيرِ وُرُودِ السُّؤَالِ فَالتَّخَلُّصُ مِنْهُ بِحَمْدِ اللَّهِ سَهْلٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ إِلَّا بِفِعْلِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَمَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا لَمْ يُعَدَّ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ لِأَنَّ تَرْكَهَا مِنَ الْكَبَائِرِ فَوَقَفَ التَّكْفِيرُ عَلَى فِعْلِهَا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي

6 - باب قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ يَحْيَى الْأَبَحُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ أَبُو بَكْرٍ السُّلَمِيُّ البصري صدوق يخطىء مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ الْمَطَرِ) أَيْ فِي حُكْمِ إِبْهَامِ أَفْرَادِ الْجِنْسِ (لَا يُدْرَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (أَوَّلُهُ) أَيْ أَوَائِلُ الْمَطَرِ أَوِ الْمَطَرُ الْأَوَّلُ (خَيْرٌ) أَيْ أَنْفَعُ (أَمْ آخِرُهُ) أَيْ أَوَاخِرُهُ أَوِ الْمَطَرُ الْآخِرُ قَالَ التوربشتي لَا يُحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى التَّرَدُّدِ فِي فَضْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْآخِرِ فَإِنَّ الْقَرْنَ الْأَوَّلَ هُمِ الْمُفَضَّلُونَ عَلَى سَائِرِ الْقُرُونِ مِنْ غَيْرِ شُبْهَةٍ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ وَفِي الرَّابِعِ اشْتِبَاهٌ مِنْ قِبَلِ الرَّاوِي وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِمْ نَفْعُهُمْ فِي بَثِّ الشَّرِيعَةِ وَالذَّبِّ عَنِ الْحَقِيقَةِ قَالَ الْقَاضِي نَفَى تَعَلُّقَ الْعِلْمِ بِتَفَاوُتِ طَبَقَاتِ الْأُمَّةِ فِي الْخَيْرِيَّةِ وَأَرَادَ بِهِ نَفْيَ التَّفَاوُتِ كَمَا قَالَ تَعَالَى قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ أَيْ بِمَا لَيْسَ فِيهِنَّ كَأَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ لَعُلِمَ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يَخْفَى وَلَكِنْ لَا يُعْلَمُ لِاخْتِصَاصِ كُلِّ طَبَقَةٍ مِنْهُمْ بِخَاصِّيَّةٍ وَفَضِيلَةٍ تُوجِبُ خَيْرِيَّتَهَا كَمَا أَنَّ كُلَّ نَوْبَةٍ من نوب المطر لها فائدة في النشو وَالنَّمَاءِ لَا يُمْكِنُكَ إِنْكَارُهَا وَالْحُكْمُ بِعَدَمِ نَفْعِهَا فَإِنَّ الْأَوَّلِينَ آمَنُوا بِمَا شَاهَدُوا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ وتلقوا دعوة الرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِجَابَةِ وَالْإِيمَانِ وَالْآخِرِينَ آمَنُوا بِالْغَيْبِ لِمَا تَوَاتَرَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْآيَاتِ وَاتَّبَعُوا مَنْ قَبْلَهُمْ بِالْإِحْسَانِ وَكَمَا أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ اجْتَهَدُوا فِي التَّأْسِيسِ وَالتَّمْهِيدِ فَالْمُتَأَخِّرُونَ بَذَلُوا وُسْعَهُمْ فِي التَّلْخِيصِ وَالتَّجْرِيدِ وَصَرَفُوا عُمْرَهُمْ فِي التَّقْرِيرِ وَالتَّأْكِيدِ فَكُلُّ ذَنْبِهِمْ مَغْفُورٌ وَسَعْيُهُمْ

مَشْكُورٌ وَأَجْرُهُمْ مَوْفُورٌ انْتَهَى قَالَ الطِّيبِيُّ وَتَمْثِيلُ الْأُمَّةِ بِالْمَطَرِ إِنَّمَا يَكُونُ بِالْهُدَى وَالْعِلْمِ كَمَا أَنَّ تَمْثِيلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَيْثَ بِالْهُدَى وَالْعِلْمِ فَتَخْتَصُّ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْمُشَبَّهَةُ بِالْمَطَرِ بِالْعُلَمَاءِ الْكَامِلِينَ مِنْهُمِ الْمُكَمِّلِينَ لِغَيْرِهِمْ فَيَسْتَدْعِي هَذَا التَّفْسِيرُ أَنْ يُرَادَ بِالْخَيْرِ النَّفْعُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا الْمُسَاوَاةُ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ وَلَوْ ذُهِبَ إِلَى الْخَيْرِيَّةِ فَالْمُرَادُ وَصْفُ الْأُمَّةِ قَاطِبَةً سَابِقِهَا ولا حقها وَأَوَّلِهَا وَآخِرِهَا بِالْخَيْرِ وَأَنَّهَا مُلْتَحِمَةٌ بَعْضُهَا مَعَ بعض مرصوصة بالبنيان مُفَرَّغَةٌ كَالْحَلْقَةِ الَّتِي لَا يُدْرَى أَيْنَ طَرَفَاهَا وَفِي أُسْلُوبِ هَذَا الْكَلَامِ قَوْلُ الْأَنْمَارِيَّةِ هُمْ كَالْحَلْقَةِ الْمُفَرَّغَةِ لَا يُدْرَى أَيْنَ طَرَفَاهَا تُرِيدُ المكملة ويلح إِلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الشَّاعِرِ إِنَّ الْخِيَارَ مِنَ الْقَبَائِلِ وَاحِدٌ وَبَنُو حَنِيفَةَ كُلُّهُمْ أَخْيَارُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأُمَّةَ مُرْتَبِطٌ بَعْضُهَا مَعَ بَعْضٍ فِي الْخَيْرِيَّةِ بِحَيْثُ أُبْهِمَ أَمْرُهَا فِيهَا وَارْتَفَعَ التَّمْيِيزُ بَيْنَهَا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَفْضَلَ مِنْ بَعْضٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ سَوْقِ الْمَعْلُومِ مَسَاقَ غَيْرِهِ وَفِي مَعْنَاهُ أَنْشَدَ مَرْوَانُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ تَشَابَهَ يَوْمَاهُ عَلَيْنَا فَأَشْكَلَا فَمَا نَحْنُ نَدْرِي أَيُّ يَوْمَيْهِ أَفْضَلُ يَوْمُ بَدَاءِ الْعُمْرِ أَمْ يَوْمُ يَأْسِهِ وَمَا مِنْهُمَا إِلَّا أَغَرُّ مُحَجَّلُ وَمِنَ الْمَعْلُومِ عِلْمًا جَلِيًّا أَنَّ يَوْمَ بُدَاءَةِ الْعُمْرِ أَفْضَلُ مِنْ يوم يأسه لكن البدء لما يَكُنْ يَكْمُلُ وَيَسْتَتِبُّ إِلَّا بِالْيَأْسِ أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَقَالَ مَا قَالَ وَكَذَا أَمْرُ الْمَطَرِ وَالْأُمَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمَّارٍ وعبد الله بن عمرو وبن عمر) أما حديث عمار وهو بن يَاسِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ الطبراني وأما حديث بن عُمَرَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ لَهُ طُرُقٌ قَدْ يَرْتَقِي بِهَا إِلَى الصِّحَّةِ وَأَغْرَبَ النَّوَوِيُّ فَعَزَاهُ فِي فَتَاوَاهُ إِلَى مُسْنَدِ أَبِي يَعْلَى مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مَعَ أَنَّهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِإِسْنَادٍ أَقْوَى مِنْهُ مِنْ حديث أنس وصححه بن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ

باب ما جاء مثل آبن ادم وأجله وأمله

7 - (باب ما جاء مَثَلِ ابْنِ آدَمَ وَأَجَلِهِ وَأَمَلِهِ) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (أَخْبَرَنَا خلاد بن يحيى) بن صَفْوَانَ السُّلَمِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا بَشِيرُ بْنُ الْمُهَاجِرِ) الْكُوفِيُّ الْغَنَوِيُّ بِالْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ صَدُوقٌ لَيِّنُ الْحَدِيثِ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (مَا مَثَلُ هَذِهِ وَهَذِهِ) أَيْ هَذِهِ الْحَصَاةِ وَهَذِهِ الْحَصَاةِ (وَرَمَى بِحَصَاتَيْنِ) أَيْ إِحْدَاهُمَا قَرِيبَةٌ وَالْأُخْرَى بَعِيدَةٌ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (هَذَاكَ) أَصْلُهُ ذَا فَزِيدَتِ الْهَاءُ فِي أَوَّلِهِ وَالْكَافُ فِي آخِرِهِ أَيْ هَذَا الْحَصَاءُ الْمَرْمِيُّ بَعِيدًا (الْأَمَلُ) أَيْ مَرْجُوُّهُ وَمَأْمُولُهُ الذي يظن أنه يدركه قبل حلول أجله (وَهَذَاكَ) أَيِ الْحَصَاءُ الْمَرْمِيُّ قَرِيبًا (الْأَجَلُ) أَيْ مَوْتُهُ فَيَشْتَغِلُ الْإِنْسَانُ بِمَا يَأْمُلُهُ وَيُرِيدُ أَنْ يُحَصِّلَهُ فَيَلْحَقُهُ الْمَوْتُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَذَكَرَ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَوْلُهُ (إِنَّمَا النَّاسُ) أَيْ فِي اخْتِلَافِ حَالَاتِهِمْ وَتَغَيُّرِ صِفَاتِهِمْ (كَإِبِلٍ مِائَةٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْعَرَبُ تَقُولُ لِلْمِائَةِ مِنَ الْإِبِلِ إبل يقولون لفلان إبل أي مائة بغير وَلِفُلَانِ إِبِلَانِ أَيْ مِائَتَانِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فَعَلَى هَذَا فَالرِّوَايَةِ الَّتِي بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ يَكُونُ قَوْلُهُ مِائَةٍ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ إِبِلٍ لِأَنَّ قَوْلَهُ كَإِبِلٍ أَيْ كَمِائَةِ بَعِيرٍ وَلَمَّا كَانَ مُجَرَّدَ لَفْظِ إِبِلٍ لَيْسَ مَشْهُورَ

الِاسْتِعْمَالِ فِي الْمِائَةِ ذَكَرَ الْمِائَةَ تَوْضِيحًا وَرَفْعًا للإلباس وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَاللَّامُ لِلْجِنْسِ (لَا يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا) أَيْ فِي مِائَةٍ مِنَ الْإِبِلِ رَاحِلَةً أَيْ نَاقَةً شَابَّةً قَوِيَّةً مُرْتَاضَةً تصلح المركوب فَكَذَلِكَ لَا تَجِدُ فِي مِائَةٍ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَصْلُحُ لِلصُّحْبَةِ وَحَمْلِ الْمَوَدَّةِ وَرُكُوبِ الْمَحَبَّةِ فيعاون صاحبه ويلين له جانبه قاله القارىء وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالُوا الرَّاحِلَةُ هِيَ الْبَعِيرُ الْكَامِلُ الْأَوْصَافِ الْحَسَنُ الْمَنْظَرِ الْقَوِيُّ على الأحمال والأسفار سميت راحلة لأنها ترحل أَيْ يُجْعَلُ عَلَيْهَا الرَّحْلُ فَهِيَ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أَيْ مَرْضِيَّةٍ وَنَظَائِرِهِ وَالْمَعْنَى الْمَرْضِيُّ الْأَحْوَالِ مِنَ النَّاسِ الْكَامِلُ الْأَوْصَافِ قَلِيلٌ فِيهِمْ جِدًّا كَقِلَّةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِلِ انْتَهَى وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الرَّاحِلَةُ مِنَ الْإِبِلِ الْبَعِيرُ الْقَوِيُّ عَلَى الْأَسْفَارِ وَالْأَحْمَالِ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ وَهِيَ الَّتِي يَخْتَارُهَا الرَّجُلُ لِمَرْكَبِهِ وَرَحْلِهِ عَلَى النَّجَابَةِ وَتَمَامِ الْخَلْقِ وَحُسْنِ الْمَنْظَرِ فَإِذَا كَانَتْ فِي جَمَاعَةِ الْإِبِلِ عَرَفْتَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قوله (عن سالم عن بن عُمَرَ إِلَخْ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْحِزَامِيُّ الْمَدَنِيُّ قَوْلُهُ (إِنَّمَا مَثَلِي) أَيْ صِفَتِي الْعَجِيبَةُ الشَّأْنِ مَعَكُمْ أَيُّهَا الْأُمَّةُ أَوْ مَعَ النَّاسِ (كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ) أَيْ أَوْقَدَ وَزِيدَتِ السِّينُ لِلتَّأْكِيدِ (نَارًا) أَيْ عَظِيمَةً (فَجَعَلَتْ) أَيْ شَرَعَتْ (الدَّوَابُّ) جَمْعُ دَابَّةٍ وَالْمُرَادُ مِنَ الدَّوَابِّ الَّتِي تَقَعُ فِي النَّارِ إِذَا أَضَاءَتْ (وَالْفَرَاشُ) هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ دُوَيْبَةٌ طَيْرٌ تَتَسَاقَطُ

في النار يقال بالفارسي يروانه (فأنا آخِذٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ يُرْوَى عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا اسم فاعل بكسر الخاء وتنوين الدار وَالثَّانِي فِعْلٌ مُضَارِعٌ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَهُمَا صَحِيحَانِ (بِحُجُزِكُمْ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْجِيمِ بَعْدَهَا زَايٌ جَمْعُ الْحُجْزَةِ وَهِيَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَمِنَ السَّرَاوِيلِ مَوْضِعُ التِّكَّةِ قَالَ الْأَبْهَرِيُّ وَيَجُوزُ ضَمُّ الْجِيمِ فِي الْجَمْعِ (وَأَنْتُمْ تَقَحَّمُونَ فِيهَا) من باب التفعل بحذف إحدى التائين أَيْ تَدْخُلُونَ فِيهَا بِشِدَّةٍ وَمُزَاحَمَةٍ قِيلَ التَّقَحُّمُ هُوَ الدُّخُولُ فِي الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ وَيُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْهَلَاكِ وَإِلْقَاءِ النَّفْسِ فِي الْهَلَاكِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ التَّقَحُّمُ الْإِقْدَامُ وَالْوُقُوعُ فِي أَمْرٍ شَاقٍّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَ تَسَاقُطَ الْجَاهِلِينَ وَالْمُخَالِفِينَ بِمَعَاصِيهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ فِي نَارِ الْآخِرَةِ وَحِرْصَهُمْ عَلَى الْوُقُوعِ فِي ذَلِكَ مَعَ مَنْعِهِ إِيَّاهُمْ وَقَبْضِهِ عَلَى مَوَاضِعِ الْمَنْعِ مِنْهُمْ بِتَسَاقُطِ الْفَرَاشِ فِي نَارِ الدُّنْيَا لِهَوَاهُ وَضَعْفِ تَمْيِيزِهِ فَكِلَاهُمَا حَرِيصٌ عَلَى هَلَاكِ نَفْسِهِ سَاعٍ فِي ذَلِكَ لِجَهْلِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (إِنَّمَا أَجَلُكُمْ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْأَجَلُ الْمُدَّةُ الْمَضْرُوبَةُ لِلشَّيْءِ قَالَ تَعَالَى وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَيُقَالُ لِلْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ لِحَيَاةِ الْإِنْسَانِ أَجَلٌ فَيُقَالُ دنا أجله وهو عبارة من دُنُوِّ الْمَوْتِ وَأَصْلُهُ اسْتِيفَاءُ الْأَجَلِ أَيْ مُدَّةِ الْحَيَاةِ وَالْمَعْنَى مَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ مَضَى مِنَ الْأُمَمِ السَّابِقَةِ فِي الطُّولِ وَالْقِصَرِ إِلَّا مِقْدَارُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى صَلَاةِ الْمَغْرِبِ مِنَ الزَّمَانِ (فِيمَا خَلَا مِنَ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُهُ أَنَّ بَقَاءَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَقَعَ فِي زَمَانِ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ الْمُرَادَ قَطْعًا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ نِسْبَةَ مُدَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى مُدَّةِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْأُمَمِ مِثْلُ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى بَقِيَّةِ النَّهَارِ فَكَأَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا سَلَفَ إِلَى آخِرِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ فِي بِمَعْنَى إِلَى وَحَذَفَ الْمُضَافَ وَهُوَ لَفْظُ نِسْبَةٍ (وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) أَيْ مَعَ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالًا) بِضَمٍّ فَتَشْدِيدٍ جَمْعُ عَامِلٍ

أَيْ طَلَبَ مِنْهُمِ الْعَمَلَ (فَقَالَ) أَيْ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ (مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ) وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى زَوَالِهَا فَالْمُرَادُ بِالنَّهَارِ الْعُرْفِيُّ لِأَنَّهُ عَرَفَ عَمَلَ الْعُمَّالِ (عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ) أَيْ نِصْفِ دَانِقٍ عَلَى مَا فِي الصِّحَاحِ وَقِيلَ الْقِيرَاطُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدِّينَارِ وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِهِ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ وَالْيَاءُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الرَّاءِ كَمَا أَنَّهَا بَدَلٌ مِنَ النُّونِ فِي الدِّينَارِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ جَمْعُهُمَا عَلَى دَنَانِيرَ وَقَرَارِيطَ وَكَرَّرَ قِيرَاطٍ الدلالة عَلَى أَنَّ الْأَجْرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِيرَاطٌ لَا أَنَّ مَجْمُوعَ الطَّائِفَةِ قِيرَاطٌ (ثُمَّ قَالَ) أَيِ الرَّجُلُ الْمُسْتَعْمِلُ لِلْعُمَّالِ (فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً) أَيْ قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ رَبَّنَا أَعْطَيْتَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ثَوَابًا كَثِيرًا مَعَ قِلَّةِ أَعْمَالِهِمْ وَأَعْطَيْتنَا ثَوَابًا قَلِيلًا مَعَ كَثْرَةِ أَعْمَالِنَا وَلَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ يوم القيامة وقد حكي عن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِتَحَقُّقِ ذَلِكَ أَوْ صَدَرَ عَنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ لَمَّا اطَّلَعُوا عَلَى فَضَائِلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كُتُبِهِمْ أَوْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِمْ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ لِلْأَعْمَالِ لَيْسَ عَلَى قَدْرِ التَّعَبِ وَلَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَوْلَاهُ لِخِدْمَتِهِ أُجْرَةً بَلِ الْمَوْلَى يُعْطِيه مِنْ فَضْلِهِ وَلَهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنَ الْعَبِيدِ عَلَى وَجْهِ الْمَزِيدِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ قَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّ هَذَا تَخْيِيلٌ وَتَصْوِيرٌ لَا أَنَّ ثَمَّةَ مُقَاوَلَةً وَمُكَالَمَةً حَقِيقِيَّةً اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى حُصُولِهَا عِنْدَ إِخْرَاجِ الذَّرِّ فَيَكُونُ حَقِيقَةً انْتَهَى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَقَالَ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ) أَيْ هَلْ نَقَصْتُكُمْ (شَيْئًا) مَفْعُولٌ بِهِ أَوْ مُطْلَقٌ (قَالُوا) أَيْ أَهْلُ الْكِتَابِ (فَإِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنَ (فَضْلِي) أَيْ عَطَائِي الزَّائِدُ (أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ) أَوِ التَّقْدِيرُ فَإِنَّ الْعَطَاءَ الْكَثِيرَ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِالسِّيَاقِ فَضْلِي وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إن أوله الْعَصْرِ بِصَيْرُورَةِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ جَوَابُهُمْ وُجُوهٍ مُفَصَّلًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ

42 - كتاب فضائل القرآن

42 - كِتَاب فَضَائِلِ الْقُرْآنِ (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إِلَخْ) وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ كُنْتَ أُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَلِأَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَى ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ مَخْرَجِ الْحَدِيثَيْنِ وَاخْتِلَافِ سِيَاقِهِمَا (وَالْتَفَتَ أُبَيٌّ فَلَمْ يُجِبْهُ) أَيْ لَمْ يَأْتِهِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ ثُمَّ أَتَيْتُهُ (أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ أَنْ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يحييكم) أَيْ إِلَى مَا يُحْيِيكُمْ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ إِجَابَةَ الرَّسُولِ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ كَمَا أَنَّ خِطَابَهُ بِقَوْلِكَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ لَا تَقْطَعُهَا قال الحافظ في الفتح فيه بحث لاحتماله أَنْ تَكُونَ إِجَابَتُهُ وَاجِبَةً مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ الْمُخَاطَبُ مُصَلِّيًا أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ أَمَّا كَوْنُهُ

يَخْرُجُ بِالْإِجَابَةِ مِنَ الصَّلَاةِ أَوْ لَا يَخْرُجُ فليس في الْحَدِيثِ مَا يَسْتَلْزِمُهُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ تَجِبَ الْإِجَابَةُ وَلَوْ خَرَجَ الْمُصَلِّي مِنَ الصَّلَاةِ وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ انْتَهَى (وَلَا فِي الْقُرْآنِ) أَيْ فِي بَقِيَّةِ الْقُرْآنِ (مِثْلُهَا) أَيْ سُورَةٌ مِثْلُهَا (كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ) يَعْنِي الْفَاتِحَةَ وَسُمِّيَتْ بِهَا لِاحْتِوَائِهَا وَاشْتِمَالِهَا عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ إِجْمَالًا أَوِ الْمُرَادُ بِالْأُمِّ الْأَصْلُ فَهِيَ أَصْلُ قَوَاعِدِ الْقُرْآنِ وَيَدُورُ عَلَيْهَا أَحْكَامُ الْإِيمَانِ قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ طَابَقَ هَذَا جَوَابًا عَنِ السُّؤَالِ بِقَوْلِهِ كَيْفَ تَقْرَأُ لِأَنَّهُ سُؤَالٌ عَنْ حَالَةِ الْقِرَاءَةِ لَا نَفْسِهَا قُلْتُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَدَّرَ فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ مُرَتِّلًا وَمُجَوِّدًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ سَأَلَ عَنْ حَالِ مَا يقرأه فِي الصَّلَاةِ أَهِيَ سُورَةٌ جَامِعَةٌ حَاوِيَةٌ لِمَعَانِي القرآن أم لا فلذلك بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَخَصَّهَا بِالذَّكَرِ أَيْ هِيَ جَامِعَةٌ لِمَعَانِي الْقُرْآنِ وَأَصْلٌ لَهَا (وَإِنَّهَا سَبْعٌ مِنَ الْمَثَانِي) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَيَانِيَّةً أَوْ تَبْعِيضِيَّةً وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تعالى ولقد آتيناك سبعا من المثاني هِيَ الْفَاتِحَةُ وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ السَّبْعَ الْمَثَانِيَ هِيَ السَّبْعُ الطِّوَالُ أَيِ السُّوَرُ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ إِلَى آخِرِ الْأَعْرَافِ ثُمَّ بَرَاءَةٌ وَقِيلَ يُونُسَ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِالسَّبْعِ الْآيُ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَاخْتُلِفَ فِي تسميتها مثاني فقيل فَقِيلَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَيْ تُعَادُ وَقِيلَ لِأَنَّهَا يُثْنَى بِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ لِأَنَّهَا اسْتُثْنِيَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى مَنْ قَبْلَهَا وَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي هَذَا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحِجْرِ (وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُعْطِيتُهُ) قِيلَ هُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ لِلْمُبَالَغَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ هِيَ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ وَأَنَّ الْوَاوَ لَيْسَتْ بِالْعَاطِفَةِ الَّتِي تَفْصِلُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَإِنَّمَا هِيَ الَّتِي تَجِيءُ بِمَعْنَى التَّفْصِيلِ كقوله تعالى فاكهة ونخل ورمان وقوله وملائكته ورسله وجبريل وميكائيل انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ بَحْثٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ مَحْذُوفَ الْخَبَرِ وَالتَّقْدِيرُ مَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَثَلًا فَيَكُونُ وَصْفُ الْفَاتِحَةِ انْتَهَى بِقَوْلِهِ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي ثُمَّ عَطَفَ قَوْلَهُ وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ أَيْ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَذَكَرَ ذَلِكَ رِعَايَةً لِنَظْمِ الْآيَةِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ هُوَ الَّذِي أُوتِيته زِيَادَةً على الفاتحة ث قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ مِنْ قَوْلِهِ مَا أُنْزِلَتْ وَلَمْ يَذْكُرْ أُبَيَّ بن

باب ما جاء في سورة البقرة وآية الكرسي

كَعْبٍ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي الترغيب ورواه بن خزيمة وبن حبان في صحيحهما وَالْحَاكِمُ بِاخْتِصَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أُبَيٍّ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِيهِ أَلَا أُخْبِرُكَ بِأَفْضَلِ الْقُرْآنِ قَالَ بَلَى فَتَلَا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (باب ما جاء في سورة البقرة وآية الكرسي) قَوْلُهُ (لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ) أَيْ خَالِيَةً عَنِ الذِّكْرِ وَالطَّاعَةِ فَتَكُونُ كَالْمَقَابِرِ وَتَكُونُونَ كَالْمَوْتَى فِيهَا أَوْ مَعْنَاهُ لَا تَدْفِنُوا مَوْتَاكُمْ فِيهَا وَيَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ (وَإِنَّ الْبَيْتَ الَّذِي تُقْرَأُ الْبَقَرَةُ فِيهِ لَا يَدْخُلُهُ الشَّيْطَانُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي يُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَفِي حديث سهل بن سعد عند بن حِبَّانَ مَنْ قَرَأَهَا يَعْنِيَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لَيْلًا لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ بَيْتَهُ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَمِنْ قَرَأَهَا نَهَارًا لَمْ يَدْخُلِ الشَّيْطَانُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَخَصَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ بِذَلِكَ لِطُولِهَا وَكَثْرَةِ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَحْكَامِ فِيهَا وَقَدْ قِيلَ فِيهَا أَلْفُ أَمْرٍ وَأَلْفُ نَهْيٍ وَأَلْفُ حُكْمٍ وَأَلْفُ خَبَرٍ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (لِكُلِّ شَيْءٍ سَنَامٌ) بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ رِفْعَةٌ وَعُلُوٌّ اسْتُعِيرَ مِنْ سَنَامِ الْجَمَلِ ثُمَّ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِيهَا حَتَّى صَارَ مَثَلًا وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْبَقَرَةُ سَنَامَ الْقُرْآنِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ

وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ سَنَامُ كُلِّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ وَفِي شِعْرِ حَسَّانَ وَإِنَّ سَنَامَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ بَنُو بِنْتِ مَخْزُومٍ وَوَالِدُكَ الْعَبْدُ أَيْ أَعْلَى الْمَجْدِ (وَإِنَّ سَنَامَ الْقُرْآنِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ) إِمَّا لِطُولِهَا وَاحْتِوَائِهَا عَلَى أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ أَوْ لِمَا فِيهَا مِنَ الْأَمْرِ بِالْجِهَادِ وَبِهِ الرِّفْعَةُ الْكَبِيرَةُ (هِيَ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ) جَمْعُ آيَةٍ (آيَةُ الْكُرْسِيِّ) بِالرَّفْعِ أَيْ هِيَ آيَةُ الْكُرْسِيِّ وَفِيهِ إِثْبَاتُ السِّيَادَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى جَمِيعِ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَذَلِكَ شَرَفٌ عَظِيمٌ فَإِنَّ سَيِّدَ الْقَوْمِ لَا يَكُونُ إِلَّا أَشْرَفَهُمْ خِصَالًا وَأَكْمَلَهُمْ حَالًا وَأَكْثَرَهُمْ جَلَالًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ حكيم بن جبير) وأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ وَلَفْظُهُ سُورَةُ الْبَقَرَةِ فِيهَا آيَةٌ سَيِّدَةُ آيِ الْقُرْآنِ لَا تُقْرَأُ فِي بَيْتٍ وَفِيهِ شَيْطَانٌ إِلَّا خَرَجَ مِنْهُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (وَقَدْ تَكَلَّمَ فيه شعبة وضعفه) وأيضا ضعفه أحمد وبن مَعِينٍ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ أَبُو سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ الْمَدِينِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ صَدُوقٌ رَوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ وَآخَرِينَ وَعَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَغَيْرُهُمَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَدُوقٌ ثِقَةٌ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ ومائتين (أخبرنا بن أَبِي فُدَيْكٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي فُدَيْكٍ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُلَيْكِيِّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ هُوَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ الْمَدَنِيُّ ضَعِيفٌ (عَنْ زُرَارَةَ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الرَّاءِ (بْنِ مُصْعَبٍ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (مَنْ قَرَأَ حم الْمُؤْمِنُ) أَيْ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ حم الَّتِي يُقَالُ لَهَا الْمُؤْمِنُ (إِلَى إِلَيْهِ المصير) يَعْنِي حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ المصير (وَآيَةَ الْكُرْسِيِّ) الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهَا وَتَأْخِيرُهَا وَيَدُلُّ عَلَى

ذَلِكَ تَقْدِيمُ آيَةِ الْكُرْسِيِّ فِي الْحِصْنِ قَالَهُ القارىء (حِينَ يُصْبِحُ) أَيْ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَوْ بَعْدَهَا وَهُوَ ظَرْفُ يَقْرَأُ (حُفِظَ بِهِمَا) أَيْ بِقِرَاءَتِهِمَا وَبَرَكَتِهِمَا (حَتَّى يُمْسِيَ) أَيْ يَدْخُلَ اللَّيْلُ لِأَنَّ الْإِمْسَاءَ ضِدُّ الْإِصْبَاحِ كَمَا أَنَّ الْمَسَاءَ ضِدُّ الصَّبَاحِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ وَالصِّحَاحِ قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه الدارمي باب قوله (أخبرنا سفيان) هو الثوري (عن بن أَبِي لَيْلَى) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي أَبُو عبد الرحمن صدوق سيىء الْحِفْظِ جِدًّا (عَنْ أَخِيهِ) هُوَ عِيسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى) الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثُمَّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ كِبَارِ التابعين فائدة بن أَبِي لَيْلَى إِذَا أُطْلِقَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فَالْمُرَادُ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَسَارٍ الْكُوفِيُّ وَإِذَا أُطْلِقَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ فَالْمُرَادُ بِهِ أَبُوهُ كَذَا فِي جَامِعِ الْأُصُولِ لابن الأثير الجزري فائدة أخرى يطلق بن أَبِي لَيْلَى عَلَى أَرْبَعَةِ رِجَالٍ الْأَوَّلُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْكُوفِيُّ الْقَاضِي الْمَذْكُورُ وَكَانَ قَاضِيَ الْكُوفَةِ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَكَانَ عَلَى الْقَضَاءِ وَجَعَلَ أبو جعفر المنصور بن أخيه مكانه ذكره بن قُتَيْبَةَ وَفِي طَبَقَاتِ الْقُرَّاءِ لِلذَّهَبِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَاضِي الْكُوفَةِ قَرَأَ عَلَى أَخِيهِ عِيسَى وَغَيْرِهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِ حَمْزَةُ الزَّيَّاتُ وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ كَبِيرُ الْقَدْرِ مِنْ نُظَرَاءِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْفِقْهِ يُكَنَّى أبا عبد الرحمن وفي الكاشف الذهبي بن أَبِي لَيْلَى أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَن الْأَنْصَارِيُّ الْقَاضِي عَنِ الشَّعْبِيِّ وَخَلْقٍ وَعَنْهُ شُعْبَةُ وَوَكِيعٌ وَأَبُو نعيم وخلق قال أحمد سيىء الْحِفْظِ انْتَهَى وَالثَّانِي أَخُوهُ عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْمَذْكُورُ والثالث بن أخيه أعني بن عِيسَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ

وَالرَّابِعُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى الْمَذْكُورُ أَعْنِي وَالِدَ مُحَمَّدٍ وَعِيسَى الْمَذْكُورَيْنِ قَوْلُهُ (أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ سَهْوَةٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ السَّهْوَةُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ الطَّاقُ فِي الْحَائِطِ يُوضَعُ فِيهَا الشَّيْءُ وَقِيلَ هِيَ الصُّفَّةُ وَقِيلَ الْمُخْدَعُ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ وَقِيلَ هُوَ شَيْءٌ شَبِيهٌ بِالرَّفِّ وَقِيلَ بَيْتٌ صَغِيرٌ كَالْخِزَانَةِ الصَّغِيرَةِ قَالَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ يُسَمَّى السَّهْوَةَ وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَحْتَمِلُ الْكُلَّ وَلَكِنْ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ انْتَهَى وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ السَّهْوَةُ بَيْتٌ صَغِيرٌ مُنْحَدِرٌ فِي الْأَرْضِ قَلِيلًا شَبِيهٌ بِالْمُخْدَعِ وَالْخِزَانَةِ وَقِيلَ هُوَ كَالصُّفَّةِ تَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ البيت وقيل شبيه بالرف أو الطابق يُوضَعُ فِيهِ الشَّيْءُ انْتَهَى (فَكَانَتْ تَجِيءُ الْغُولُ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ شَيْطَانٌ يَأْكُلُ النَّاسِ وَقِيلَ هُوَ مَنْ يَتَلَوَّنُ مِنَ الْجِنِّ انْتَهَى وَقَالَ الْجَزَرِيُّ الْغُولُ أَحَدُ الْغِيلَانِ وَهِيَ جِنْسٌ مِنَ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ كَانَتِ الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ الْغُولَ فِي الْفَلَاةِ تَتَرَاءَى لِلنَّاسِ فتتغول تغولا أي تتولن تَلَوُّنًا فِي صُوَرٍ شَتَّى وَتَغُولُهُمْ أَيْ تُضِلُّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ وَتُهْلِكُهُمْ فَنَفَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبْطَلَهُ يَعْنِي بِقَوْلِهِ لَا غُولَ وَلَا صَفَرَ وَقِيلَ قَوْلُهُ لَا غُولَ لَيْسَ نَفْيًا لِعَيْنِ الْغُولِ وَوُجُودِهِ وَإِنَّمَا فِيهِ إِبْطَالُ زَعْمِ الْعَرَبِ فِي تَلَوُّنِهِ بِالصُّوَرِ الْمُخْتَلِفَةِ وَاغْتِيَالِهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ لَا غُولَ أَنَّهَا لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تُضِلَّ أَحَدًا ثُمَّ ذَكَرَ الْجَزَرِيُّ حَدِيثَ إِذَا تَغَوَّلَتِ الْغِيلَانُ فَبَادِرُوا بِالْأَذَانِ وَقَالَ أي ادفعوا شرها بذكر الله وهذا يدل على أنها لَمْ يُرِدْ بِنَفْيِهَا عَدَمَهَا ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي أَيُّوبَ كَانَ لِي تَمْرٌ فِي سَهْوَةٍ فَكَانَتِ الْغُولُ تَجِيءُ فَتَأْخُذُ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْجَزَرِيُّ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا غُولَ نَفْيُ وُجُودِهَا بَلْ نَفْيُ مَا زَعَمَتِ الْعَرَبُ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ مِنَ الشَّرْعِ (وَهِيَ مُعَاوِدَةٌ لِلْكَذِبِ) أَيْ مُعْتَادَةٌ لَهُ وَمُوَاظِبَةٌ عَلَيْهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ تَعُودهُ وَعَاوَدَهُ مُعَاوَدَةً وَعِوَادًا وَاعْتَادَهُ وَاسْتَعَادَهُ جَعَلَهُ مِنْ عَادَتِهِ وَالْمُعَاوِدُ

الْمُوَاظِبُ انْتَهَى (آيَةَ الْكُرْسِيِّ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ شَيْئًا (وَلَا غَيْرُهُ) أَيْ مِمَّا يَضُرُّكَ (صَدَقَتْ وَهِيَ كَذُوبٌ) هُوَ مِنَ التَّتْمِيمِ الْبَلِيغِ لِأَنَّهُ لما أوهم مدحها بوصفه الصدق فِي قَوْلِهِ صَدَقَتْ اسْتَدْرَكَ نَفْيَ الصِّدْقِ عَنْهَا بِصِيغَةِ مُبَالَغَةٍ وَالْمَعْنَى صَدَقَتْ فِي هَذَا الْقَوْلِ مَعَ أَنَّهَا عَادَتُهَا الْكَذِبُ الْمُسْتَمِرُّ وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ قَدْ يَصْدُقُ الْكَذُوبُ وَقَدْ وَقَعَ أَيْضًا لِأَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَأَبِي أَسِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عِنْدَ أَبِي الدُّنْيَا قِصَصٌ فِي ذَلِكَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّعَدُّدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَرْغِيبِهِ وذكر تحسين الترمذي وأقره قَوْلُهُ (عَنْ عَطَاءٍ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عَطَاءٌ مَوْلَى أَبِي أحمد أو بن أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ حِجَازِيٌّ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثَ تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَقُومُوا بِهِ الحديث وعنه سعيد المقبري ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ أَخْرَجُوا لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ قَالَ الْحَافِظُ قَرَأْتَ بِخَطِّ الذَّهَبِيِّ لَا يُعْرَفُ انْتَهَى قَوْلُهُ (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثًا) أَيْ أَرَادَ أَنْ يُرْسِلَ جَيْشًا وَالْبَعْثُ بِمَعْنَى الْمَبْعُوثِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْجَيْشُ (وَهُمْ) أَيِ الْجَيْشُ الْمَبْعُوثُ (فاستقرأهم) أي طلب منهم أن يقرأوا (فَاسْتَقْرَأَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ) أَيْ وَاحِدًا وَاحِدًا مِنْهُمْ (فَأَتَى) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنْ لَا أَقُومَ بِهَا) أَيْ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ (تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ) أَيْ لَفْظَهُ وَمَعْنَاهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ تَعَلُّمُ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ عَدَدُ التَّوَاتُرِ فِيهِ فَلَا يَتَطَرَّقَ إِلَيْهِ تَبْدِيلٌ وَتَحْرِيفٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ أَوِ الْقَرْيَةِ من

يتلو القرآن أثموا بأسرهم (وأقرأوه) وفي رواية فاقرأوه بالفاء قال الطيبي الفاء في قوله فاقرأوه كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إليه أَيْ تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَدَاوِمُوا تِلَاوَتَهُ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ بِقَوْلِهِ (فَإِنَّ مَثَلَ الْقُرْآنِ لِمَنْ تَعَلَّمَهُ فَقَرَأَهُ وَقَامَ بِهِ) أَيْ دَاوَمَ عَلَى قِرَاءَتِهِ أَوْ عَمِلَ بِهِ (كَمَثَلِ جِرَابٍ) بِالْكَسْرِ وَالْعَامَّةُ تَفْتَحُهُ قِيلَ لَا تَفْتَحِ الْجِرَابَ وَلَا تَكْسِرِ الْقَنْدِيلَ وَخَصَّ الْجِرَابَ هُنَا بِالذِّكْرِ احْتِرَامًا لِأَنَّهُ مِنْ أَوْعِيَةِ الْمِسْكِ قَالَ الطِّيبِيُّ التَّقْدِيرُ فَإِنَّ ضَرْبَ الْمَثَلِ لِأَجْلِ مَنْ تَعَلَّمَهُ كَضَرْبِ الْمَثَلِ لِلْجِرَابِ فَمَثَلُ مُبْتَدَأٌ وَالْمُضَافُ مَحْذُوفٌ وَاللَّامُ فِي لِمَنْ تَعَلَّمَ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ كَمَثَلِ عَلَى تَقْدِيرِ الْمُضَافِ أَيْضًا وَالتَّشْبِيهُ إِمَّا مُفْرَدٌ وَإِمَّا مُرَكَّبٌ (مَحْشُوٍّ) أَيْ مَمْلُوءٍ مَلْأً شَدِيدًا بِأَنْ حُشِيَ بِهِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ فِيهِ مُتَّسَعٌ لِغَيْرِهِ (مِسْكًا) نَصَبَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ (يَفُوحُ رِيحُهُ) أَيْ يَظْهَرُ وَيَصِلُ رَائِحَتُهُ (في كل مكان) قال بن الملك يعني صدر القارىء كَجِرَابٍ وَالْقُرْآنُ فِيهِ كَالْمِسْكِ فَإِنَّهُ إِذَا قَرَأَ وَصَلَتْ بَرَكَتُهُ إِلَى تَالِيه وَسَامِعِيهِ انْتَهَى قَالَ القارىء وَلَعَلَّ إِطْلَاقَ الْمَكَانِ لِلْمُبَالَغَةِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى تدمر كل شيء وأنبتنا فيها من كل شيء مَعَ أَنَّ التَّدْمِيرَ وَالْإِيتَاءَ خَاصٌّ (وَمَثَلُ مَنْ تَعَلَّمَهُ) بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ أَيْ مَثَلُ رِيحِ مَنْ تعلمه (فيرقد) أي ينوم عَنِ الْقِيَامِ وَيَغْفُلُ عَنِ الْقِرَاءَةِ أَوْ كِنَايَةٌ عَنْ تَرْكِ الْعَمَلِ (وَهُوَ) أَيِ الْقُرْآنُ (فِي جَوْفِهِ) أَيْ فِي قَلْبِهِ (أُوكِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ رُبِطَ (عَلَى مِسْكٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ شُدَّ بِالْوِكَاءِ وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْأَوْعِيَةُ قَالَ الْمُظْهِرُ فَإِنَّ مَنْ قَرَأَ يَصِلُ بَرَكَتُهُ مِنْهُ إِلَى بَيْتِهِ وَإِلَى السَّامِعِينَ وَيَحْصُلُ اسْتِرَاحَةٌ وَثَوَابٌ إِلَى حَيْثُ يَصِلُ صَوْتُهُ فَهُوَ كَجِرَابٍ مَمْلُوءٍ مِنَ الْمِسْكِ إِذَا فُتِحَ رَأْسُهُ تَصِلُ رَائِحَتُهُ إِلَى كُلِّ مَكَانٍ حَوْلَهُ وَمَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَقْرَأْ لَمْ يَصِلْ بَرَكَتُهُ مِنْهُ لَا إِلَى نَفْسِهِ وَلَا إِلَى غَيْرِهِ فَيَكُونُ كَجِرَابٍ مَشْدُودٍ رَأْسُهُ وَفِيهِ مِسْكٌ فَلَا يَصِلُ رَائِحَتُهُ مِنْهُ إِلَى أَحَدٍ قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن) وأخرجه النسائي وبن ماجه وبن حبان في صحيحه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَكَ أَعْظَمُ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَكَ أَعْظَمُ قُلْتُ اللَّهُ لا إله إلا هو الحي القيوم قال

باب ما جاء في آخر سورة البقرة

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِي قَالَ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ يَا أبا المنذر (بَاب مَا جَاءَ فِي آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) قَوْلُهُ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ) هُمَا النَّخَعِيَّانِ قَوْلُهُ (مَنْ قَرَأَ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) أَيْ آمن الرسول إِلَى آخِرِهِ (فِي لَيْلَةٍ) وَقَدْ أَخْرَجَ عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الْعَسْكَرِيُّ بِلَفْظِ مَنْ قَرَأَهُمَا بَعْدَ العشاء الاخرة أجزأنا آمن الرسول إِلَى آخِرِ السُّورَةِ ذَكَرَهُ الْحَافِظُ (كَفَتَاهُ) أَيْ أَجْزَأَتَا عَنْهُ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَقِيلَ أَجْزَأَتَا عَنْهُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ دَاخِلَ الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجَهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَجْزَأَتَاهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ لِمَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ إِجْمَالًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ كُلَّ سُوءٍ وَقِيلَ كَفَتَاهُ شَرَّ الشَّيْطَانِ وَقِيلَ دَفَعَتَا عَنْهُ شَرَّ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ كَفَتَاهُ مَا حَصَلَ لَهُ بِسَبَبِهِمَا مِنَ الثَّوَابِ عَنْ طَلَبِ شَيْءٍ آخِرَ وَكَأَنَّهُمَا اخْتَصَّتَا بِذَلِكَ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى الصَّحَابَةِ بِجَمِيلِ انْقِيَادِهِمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَابْتِهَالِهِمْ وَرُجُوعِهِمْ إِلَيْهِ وَمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْإِجَابَةِ إِلَى مَطْلُوبِهِمْ قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَرَدَ صَرِيحًا مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ رَفَعَهُ مَنْ قَرَأَ خَاتِمَةَ الْبَقَرَةِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ قِيَامَ لَيْلَةٍ قَالَ وَيُؤَيِّدُ الرَّابِعَ حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الْوُجُوهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ إِرَادَةِ هَذِهِ الْأُمُورِ جَمِيعِهَا وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا تَقَرَّرَ فِي علم المعاني والبيان من أن أحذف الْمُتَعَلِّقِ مُشْعِرٌ بِالتَّعْمِيمِ فَكَأَنَّهُ قَالَ كَفَتَاهُ مِنْ كُلِّ شَرٍّ وَمِنْ كُلِّ مَا يَخَافُ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ

قَوْلُهُ (عَنْ أَشْعَثَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَرْمِيِّ) رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَعَنْهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ أَحْمَدُ مَا بِهِ باس وقال بن مَعِينٍ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ فِي صَحِيحِهِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ الْجَرْمِيِّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ صَوَابُهُ الصَّنْعَانِيُّ لَمْ يَقُلْ فِيهِ الْجَرْمِيِّ غَيْرُ التِّرْمِذِيِّ انْتَهَى قُلْتُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا الصَّنْعَانِيُّ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي إِسْنَادِ حَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنِ الْمُثْلَةِ مِنْ أَبْوَابِ الدِّيَاتِ وَأَبُو الْأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيُّ هَذَا اسْمُهُ شَرَاحِيلُ بْنُ آدَةَ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ وَيُقَالُ آدَةُ جَدُّ أَبِيهِ وَهُوَ بن شَرَاحِيلَ بْنِ كَلْبٍ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ شَهِدَ فَتْحَ دِمَشْقَ قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا) أَيْ أَجْرَى الْقَلَمَ عَلَى اللَّوْحِ وَأَثْبَتَ فِيهِ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ عَلَى وَفْقِ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْإِرَادَةُ (قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ) كَنَّى بِهِ عَنْ طُولِ الْمُدَّةِ وَتَمَادِي مَا بَيْنَ التَّقْدِيرِ وَالْخَلْقِ مِنَ الزَّمَنِ فَلَا يُنَافِي عَدَمَ تَحَقُّقِ الْأَعْوَامِ قَبْلَ السَّمَاءِ وَالْمُرَادُ مُجَرَّدُ الْكَثْرَةِ وَعَدَمُ النِّهَايَةِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَقَالَ الطِّيبِيُّ كِتَابَةُ مَقَادِيرِ الْخَلْقِ قَبْلَ خَلْقِهَا بِخَمْسِينَ أَلْفِ سَنَةٍ كَمَا وَرَدَ لَا تُنَافِي كِتَابَةَ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ بِأَلْفَيْ عَامٍ لِجَوَازِ اخْتِلَافِ أَوْقَاتِ الْكِتَابَةِ فِي اللَّوْحِ وَلِجَوَازِ أَنْ لَا يُرَادَ به التجديد بَلْ مُجَرَّدُ السَّبْقِ الدَّالِّ عَلَى الشَّرَفِ انْتَهَى قَالَ بَعْضُهُمْ وَلِجَوَازِ مُغَايَرَةِ الْكِتَابَيْنِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ انْتَهَى (أَنْزَلَ) أَيِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (مِنْهُ) أَيْ مِنْ جُمْلَةِ مَا فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ المذكور (ايتين) هما آمن الرسول إِلَى آخِرِهِ (خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ) أَيْ جَعَلَهُمَا خَاتِمَتَهَا قَالَ الطِّيبِيُّ وَلَعَلَّ الْخُلَاصَةَ أَنَّ الْكَوَائِنَ كُتِبَتْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ بِخَمْسِينَ أَلْفِ عَامٍ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الْقُرْآنُ ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ فَأَظْهَرَ كِتَابَةَ الْقُرْآنِ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ وَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ هَاتَانِ الْآيَتَانِ وَأَنْزَلَهُمَا مَخْتُومًا بِهِمَا أُولَى الزَّهْرَاوَيْنِ (وَلَا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ) أَيْ فِي مَكَانٍ في بَيْتٍ وَغَيْرِهِ (ثَلَاثَ لَيَالٍ) أَيْ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْهَا (فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ) فَضْلًا عَنْ أَنْ يَدْخُلَهَا فَعَبَّرَ بِنَفْيِ الْقُرْبِ لِيُفِيدَ نَفْيَ الدُّخُولِ بالأولى

باب ما جاء في سورة آل عمران

قَالَ الطِّيبِيُّ لَا تُوجَدُ قِرَاءَةٌ يَعْقُبُهَا قُرْبَانٌ يَعْنِي أَنَّ الْفَاءَ لِلتَّعْقِيبِ عَطْفًا عَلَى النَّفْيِ وَالنَّفْيُ سُلِّطَ عَلَى الْمَجْمُوعِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلْجَمْعِيَّةِ أَيْ لَا تَجْتَمِعُ الْقِرَاءَةُ وَقُرْبُ الشَّيْطَانِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وأخرجه النسائي والدارمي وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ إِلَّا أَنَّ عِنْدَهُ وَلَا يُقْرَآنِ فِي بَيْتٍ فَيَقْرَبُهُ شَيْطَانٌ ثَلَاثَ لَيَالٍ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ لِلْمُنْذِرِيِّ وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَكِنْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) بْنِ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمَانَ (أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ العطا) الدِّمَشْقِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ عَابِدٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ) بْنُ شَابُورٍ بِالْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمِ الدِّمَشْقِيُّ نَزِيلُ بَيْرُوتَ صَدُوقٌ صَحِيحُ الْكِتَابِ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ) الْأَفْطَسُ الدِّمَشْقِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ إِلَّا أَنَّهُ يُرْسِلُ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْجُرَشِيِّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ الْحِمْصِيِّ الزَّجَّاجِ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (يَأْتِي الْقُرْآنُ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَأَهْلُهُ) عَطْفٌ عَلَى الْقُرْآنِ (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِهِ) دَلَّ عَلَى مَنْ قَرَأَ وَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ وَلَا يَكُونُ شَفِيعًا لَهُمْ بَلْ يَكُونُ الْقُرْآنُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ (تَقْدَمُهُ) أَيْ تَتَقَدَّمُ أَهْلَهُ أَوِ الْقُرْآنَ (سُورَةُ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ) بِالْجَرِّ وَقِيلَ بِالرَّفْعِ قَالَ الطِّيبِيُّ الضَّمِيرُ فِي تَقْدَمُهُ لِلْقُرْآنِ أَيْ يَقْدَمُ ثَوَابُهُمَا ثَوَابَ الْقُرْآنِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ أَنَّ ثَوَابَهُمَا يَأْتِي كَغَمَامَتَيْنِ انْتَهَى وَقِيلَ يُصَوِّرُ الْكُلَّ بِحَيْثُ يَرَاهُ النَّاسُ كَمَا يُصَوِّرُ الْأَعْمَالَ لِلْوَزْنِ فِي

الْمِيزَانِ وَمِثْلُ ذَلِكَ يَجِبُ اعْتِقَادُهُ إِيمَانًا فَإِنَّ الْعَقْلَ يَعْجِزُ عَنْ أَمْثَالِهِ (وَضَرَبَ لَهُمَا) أَيْ بين لهما (غيايتان) الغياية كُلُّ مَا أَظَلَّ الْإِنْسَانَ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ كَالسَّحَابَةِ وَنَحْوِهَا كَذَا فِي الْقَامُوسِ (وَبَيْنَهُمَا شَرْقٌ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ وَقَدْ رُوِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ أَيْ ضَوْءٌ وَنُورٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الشَّرْقُ هَا هُنَا الضَّوْءُ وَهُوَ الشَّمْسُ وَالشِّقُّ أَيْضًا انْتَهَى وَقِيلَ أَرَادَ بِالشَّرْقِ الشِّقَّ وَهُوَ الِانْفِرَاجُ أَيْ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ وَفَصْلٌ كَتَمَيُّزِهِمَا بِالْبَسْمَلَةِ فِي الْمُصْحَفِ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ (أَوْ) لِلتَّنْوِيعِ لَا لِشَكِّ الرَّاوِي (غمامتان) أي سحابتان (سوداوان) لكثافتهما وارتكام البعض منهما على بعض (أوكأنهما ظُلَّةٌ) بِالضَّمِّ وَهِيَ كُلُّ مَا أَظَلَّكَ مِنْ شَجَرٍ وَغَيْرِهِ (مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ) جَمْعُ صَافَّةٍ أَيْ بَاسِطَاتٍ أَجْنِحَتَهَا فِي الطَّيَرَانِ (تُجَادِلَانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا) أَيْ تُحَاجَّانِ عَنْهُ كَمَا هُوَ فِي رِوَايَةٍ وَالْمُحَاجَّةُ الْمُخَاصَمَةُ وَإِظْهَارُ الْحُجَّةِ وَصَاحِبُهُمَا هُوَ الْمُسْتَكْثِرُ مِنْ قِرَاءَتِهِمَا وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُمَا يَتَجَسَّمَانِ حَتَّى يَكُونَا كَأَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي شَبَّهَهَا بِهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يُقْدِرُهُمَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَى النُّطْقِ بِالْحُجَّةِ وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ مِنْ قُدْرَةِ الْقَادِرِ الْقَوِيِّ الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ) أَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (فَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ يَجِيءُ ثَوَابُ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ الدَّلَالَةِ خَفَاءٌ كما لا يخف) قوله (وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ الله

باب ما جاء في فضل سورة الكهف

قَوْلُهُ (مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ سَمَاءٍ وَلَا أَرْضٍ أَعْظَمَ مِنْ آيَةِ الْكُرْسِيِّ) فَإِنَّهَا جَمَعَتْ أُصُولَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ مِنَ الْإِلَهِيَّةِ وَالْوَحْدَانِيَّةِ وَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ وَالْقَيُّومَةِ وَالْمُلْكِ وَالْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ فَهَذِهِ أُصُولُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ (قَالَ سُفْيَانُ لِأَنَّ آيَةَ الْكُرْسِيِّ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَكَلَامُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) وَفِي قَوْلِ سُفْيَانَ هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنْ لَا تَكُونَ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ مُخْتَصَّةً بِآيَةِ الْكُرْسِيِّ بَلْ تَعُمُّ كُلَّ آيَةٍ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ سُورَةِ الْكَهْفِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ (إِذْ رَأَى دَابَّتَهُ) أَيْ فَرَسَهُ (تَرْكُضُ) مِنَ الرَّكْضِ وَهُوَ تحريك الرجل ومنه أركض برجلك (فَنَظَرَ) أَيِ الرَّجُلُ (فَإِذَا مِثْلُ الْغَمَامَةِ أَوِ السَّحَابَةِ) الظَّاهِرُ أَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي (فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَإِلَى جَانِبِهِ حِصَانٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو وَتَدْنُو وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تلك السكينة قال القارىء أَيِ السُّكُونُ وَالطُّمَأْنِينَةُ الَّتِي يَطْمَئِنُّ إِلَيْهَا الْقَلْبُ وَيَسْكُنُ بِهَا عَنِ الرُّعْبِ قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنَّ المؤمن تزداد طمأنينه بِأَمْثَالِ هَذِهِ الْآيَاتِ إِذَا كُوشِفَ بِهَا وَقِيلَ هِيَ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ الْوَقَارُ وَقِيلَ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ أَنَّهَا شَيْءٌ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ فِيهِ طُمَأْنِينَةٌ وَرَحْمَةٌ وَمَعَهُ الْمَلَائِكَةُ (نَزَلَتْ مَعَ الْقُرْآنِ أَوْ نَزَلَتْ عَلَى الْقُرْآنِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ تَنَزَّلَتْ بِالْقُرْآنِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت الْحَدِيثَ قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ كَانَ رَجُلٌ قِيلَ هُوَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ كَمَا سَيَأْتِي مِنْ حَدِيثِهِ نَفْسِهِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ لَكِنْ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفِي هَذَا أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَهَذَا ظَاهِرُهُ التَّعَدُّدُ وَقَدْ وَقَعَ قَرِيبٌ مِنَ الْقِصَّةِ الَّتِي لِأُسَيْدٍ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ لَكِنْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَيْضًا وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقٍ مرسلة قال لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَمْ تَرَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ لَمْ تَزَلْ دَارُهُ الْبَارِحَةَ تُزْهِرُ بِمَصَابِيحَ قَالَ فَلَعَلَّهُ قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ فسئل قال قرأت سورة القرة وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَسُورَةَ الْكَهْفِ جَمِيعًا أَوْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا انْتَهَى قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ قَوْلُهُ (مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ) أَيْ حُفِظَ عَنْ فِتْنَتِهِ وَشَرِّهِ قَالَ النَّوَوِيُّ قِيلَ سَبَبُ ذَلِكَ مَا فِي أَوَّلِهَا مِنَ الْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ فَمَنْ تَدَبَّرَهَا لَمْ يَفْتَتِنْ بِالدَّجَّالِ وَكَذَا فِي آخِرِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يتخذوا انْتَهَى وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ اخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ فَقِيلَ لنا في قصة أصحاب الكهف من العجائب وا يات فَمَنْ وَقَفَ عَلَيْهَا لَمْ يَسْتَغْرِبْ أَمْرَ الدَّجَّالِ ولم يهله ذلك فلم يفتن بِهِ وَقِيلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا من لدنه تَمَسُّكًا بِتَخْصِيصِ الْبَأْسِ بِالشِّدَّةِ وَاللَّدُنِيَّةِ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِمَا يَكُونُ مِنَ الدَّجَّالِ مِنْ دَعْوَى الْإِلَهِيَّةِ وَاسْتِيلَائِهِ وَعِظَمِ فِتْنَتِهِ وَلِذَلِكَ عَظَّمَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أمره وحذر عنه وَتَعَوَّذَ مِنْ فِتْنَتِهِ فَيَكُونُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَتَدَبَّرَهَا وَوَقَفَ عَلَى مَعْنَاهَا حَذِرَهُ فَأَمِنَ مِنْهُ وَقِيلَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ السُّورَةِ كُلِّهَا فَقَدْ رُوِيَ مَنْ حَفِظَ سُورَةَ الْكَهْفِ ثُمَّ أَدْرَكَهُ الدَّجَّالُ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا يَجْتَمِعُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى أَوَّلَ سُورَةِ الْكَهْفِ مَعَ مَنْ رَوَى مِنْ آخِرِهَا وَيَكُونُ ذِكْرُ الْعَشْرِ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِدْرَاجِ فِي حِفْظِهَا كُلِّهَا انْتَهَى

باب ما جاء في فضل يس

تَنْبِيهَانِ الْأَوَّلُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ مَنْ قَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ فَقِيلَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الثَّلَاثِ وَبَيْنَ الْعَشْرِ أَنَّ حَدِيثَ الْعَشْرِ مُتَأَخِّرٌ وَمَنْ عَمِلَ بِالْعَشْرِ فَقَدْ عَمِلَ بِالثَّلَاثِ وَقِيلَ حَدِيثُ الثَّلَاثِ مُتَأَخِّرٌ وَمَنْ عُصِمَ بِثَلَاثٍ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْعَشْرِ وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى أَحْكَامِ النَّسْخِ قَالَ مَيْرَكُ بِمُجَرَّدِ الِاحْتِمَالِ لا يحكم بالنسخ قال القارىء النَّسْخُ لَا يَدْخُلُ فِي الْأَخْبَارِ وَقِيلَ حَدِيثُ الْعَشْرِ فِي الْحِفْظِ وَحَدِيثُ الثَّلَاثِ فِي الْقِرَاءَةِ فَمَنْ حَفِظَ الْعَشْرَ وَقَرَأَ الثَّلَاثَ كُفِيَ وَعُصِمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ انْتَهَى الثَّانِي قَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ قَتَادَةَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ فَفِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ مَعْدَانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مِنْ أَوَّلِ الْكَهْفِ وَفِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ آخِرِ الْكَهْفِ وَفِي رِوَايَةِ هَشَّامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَفِي رِوَايَتِهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ خَوَاتِيمِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَفِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ عَنْ قَتَادَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْجَمْعِ فِي كَلَامِ السُّيُوطِيِّ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ يس) قَوْلُهُ (وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ) هُوَ الرُّؤَاسِيُّ الْكُوفِيُّ (أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (الرُّؤَاسِيُّ) بِضَمِّ الرَّاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ خَفِيفَةٌ أَبُو عَوْفٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَهُوَ حَيَّانُ بْنُ شُفَيٍّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْفَاءِ مُصَغَّرًا الْهَمْدَانِيُّ بِسُكُونِ الْمِيمِ الثَّوْرِيُّ ثِقَةٌ فَقِيهٌ عَابِدٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ هَارُونَ أَبِي مُحَمَّدٍ) مَجْهُولٌ قَوْلُهُ (وَقَلْبُ الْقُرْآنِ يس) أَيْ لُبُّهُ وَخَالِصُهُ سُورَةُ يس قَالَ الْغَزَالِيُّ إِنَّ الْإِيمَانَ صِحَّتُهُ

بِالِاعْتِرَافِ بِالْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَهُوَ مُقَرَّرٌ فِيهَا بِأَبْلَغِ وَجْهٍ فَكَانَتْ قَلْبَ الْقُرْآنِ لِذَلِكَ وَاسْتَحْسَنَهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ قَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّهُ لِاحْتِوَائِهَا مَعَ قِصَرِهَا عَلَى الْبَرَاهِينِ السَّاطِعَةِ وَالْآيَاتِ الْقَاطِعَةِ وَالْعُلُومِ الْمَكْنُونَةِ وَالْمَعَانِي الدَّقِيقَةِ وَالْمَوَاعِيدِ الْفَائِقَةِ وَالزَّوَاجِرِ الْبَالِغَةِ (كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِقِرَاءَتِهَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ) أَيْ ثَوَابَهَا (عَشْرَ مَرَّاتٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِهَا وَلِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَخُصَّ مَا شَاءَ مِنَ الْأَشْيَاءِ بِمَا أَرَادَ مِنْ مَزِيدِ الْفَضْلِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنَ الْأَزْمِنَةِ وَالْحَرَمِ مِنَ الْأَمْكِنَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ (وَبِالْبَصْرَةِ لَا يَعْرِفُونَ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) لَعَلَّ مَقْصُودَ التِّرْمِذِيِّ بِهَذَا الْكَلَامِ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ بِالْبَصْرَةِ لَا يَعْرِفُونَ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ صَحَابِيٍّ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَيْ إِلَّا عَنْ أَنَسٍ لِأَنَّ قَتَادَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ صَحَابِيٍّ غَيْرِ أَنَسٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ لَمْ يَسْمَعْ قَتَادَةُ مِنْ صَحَابِيٍّ غَيْرِ أنس وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ أَنْبَأَ حَرْبُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ قَالَ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مَا أَعْلَمُ قَتَادَةَ رَوَى عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قِيلَ فَابْنُ سَرْجِسَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَهُ سَمَاعًا انْتَهَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَخْ) قَالَ الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا أَمَّا حَدِيثُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَوَاهُ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ نَوَادِرِ الْأُصُولِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْفَضْلِ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ بِلَفْظِ إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا وَقَلْبُ الْقُرْآنِ يس

باب ما جاء في فضل حم الدخان

8 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ حم الدُّخَانِ) قَوْلُهُ (مَنْ قَرَأَ حم الدُّخَانُ فِي لَيْلَةٍ) أَيِّ لَيْلَةٍ كَانَتْ وَقَالَ فِي الْأَزْهَارِ الْمُرَادُ بِاللَّيْلَةِ الْمُبْهَمَةِ لَيْلَةُ الْجُمْعَةِ الْمُبَيَّنَةِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ يَعْنِي هَذَا الْحَدِيثَ يَسْتَغْفِرُ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي يَعْنِي الْآتِي غُفِرَ لَهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مُبَيِّنٌ انْتَهَى قُلْتُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ فِي لَيْلَةٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبْهَامٌ حَتَّى يُقَالَ إِنَّ قَوْلَهُ فِي لَيْلَةِ الْجُمْعَةِ فِي الْحَدِيثِ الْآتِي مُبَيِّنٌ لَهُ فَتَفَكَّرْ (يَسْتَغْفِرُ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ) أَيْ يَطْلُبُونَ لَهُ مِنَ اللَّهِ الْمَغْفِرَةَ قَوْلُهُ (غُفِرَ لَهُ) ذُنُوبُهُ أَيِ الصَّغَائِرُ قَوْلُهُ (وَهِشَامٌ أَبُو الْمِقْدَامِ يُضَعَّفُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ هِشَامُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ وَهُوَ هِشَامُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ أَبُو الْمِقْدَامِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا هِشَامُ بْنُ أَبِي الْوَلِيدِ الْمَدَنِيُّ مَتْرُوكٌ مِنَ السَّادِسَةِ (وَلَمْ يَسْمَعِ الْحَسَنُ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (هَكَذَا قَالَ أَيُّوبُ وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ وَعَلِيُّ بْنِ زَيْدٍ) هو بن جُدْعَانَ يَعْنِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ قَالُوا إِنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

باب ما جاء في فضل سورة الملك

9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ سُورَةِ الْمُلْكِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ النُّكْرِيُّ) بِضَمِّ النُّونِ الْبَصْرِيُّ ضَعِيفٌ وَيُقَالُ إِنَّ حَمَّادَ بْنَ زَيْدٍ كَذَّبَهُ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ النُّكْرِيُّ أَبُو يَحْيَى أَوْ أَبُو مَالِكٍ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي الْجَوْزَاءِ) بِالْجِيمِ وَالزَّايِ اسْمُهُ أَوْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّبَعِيُّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ بَصْرِيٌّ يُرْسِلُ كَثِيرًا ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (ضَرَبَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِبَاءَهُ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَدِّ أَيْ خَيْمَتَهُ قَالَ الطِّيبِيُّ الْخِبَاءُ أَحَدُ بُيُوتِ الْعَرَبِ مِنْ وَبَرٍ أَوْ صُوفٍ وَلَا يَكُونُ مِنْ شَعْرٍ وَيَكُونُ عَلَى عَمُودَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ (عَلَى قَبْرٍ) أَيْ عَلَى مَوْضِعِ قَبْرٍ (وَهُوَ) أَيِ الصَّحَابِيُّ (لَا يَحْسَبُ) بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا أَيْ لَا يَظُنُّ (أَنَّهُ قَبْرٌ) أَيْ أَنَّ ذَلِكَ الْمَكَانَ مَوْضِعُ قَبْرٍ (فَإِذَا) لِلْمُفَاجَأَةِ (قَبْرُ إِنْسَانٍ) أَيْ مَكَانُهُ (فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ صَاحِبُ الْخَيْمَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ أَيْ سُورَةُ الْمُلْكِ (الْمَانِعَةُ) أَيْ تَمْنَعُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ أَوْ مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي تُوجِبُ عَذَابَ الْقَبْرِ (هِيَ الْمُنْجِيَةُ) يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مُؤَكِّدَةً لِقَوْلِهِ هِيَ الْمَانِعَةُ وَأَنْ تَكُونَ مُفَسِّرَةً وَمِنْ ثَمَّةَ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ تُنْجِيه مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ يَحْيَى بْنُ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا

قَوْلُهُ (عَنْ عَبَّاسٍ الْجُشَمِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ يُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (قَالَ إِنَّ سُورَةً) أَيْ عَظِيمَةً (مِنَ الْقُرْآنِ) أَيْ كَائِنَةً مِنَ الْقُرْآنِ (ثَلَاثُونَ آيَةً) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ ثَلَاثُونَ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِاسْمِ إِنَّ (شَفَعَتْ) بِالتَّخْفِيفِ خَبَرُ إِنَّ وَقِيلَ خَبَرُ إِنَّ هُوَ ثَلَاثُونَ وَقَوْلُهُ شَفَعَتْ خَبَرٌ ثَانٍ (لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ) مُتَعَلِّقٌ بِشَفَعَتْ وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ فِي الْخَبَرِ يَعْنِي كَانَ رَجُلٌ يَقْرَؤُهَا وَيُعَظِّمُ قَدْرَهَا فَلَمَّا مَاتَ شَفَعَتْ لَهُ حَتَّى دُفِعَ عَنْهُ عَذَابُهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْمُسْتَقْبَلِ أَيْ تَشْفَعُ لِمَنْ يَقْرَؤُهَا فِي الْقَبْرِ أَوْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَهِيَ تَبَارَكَ الَّذِي بيده الملك) أَيْ إِلَى آخِرِهَا وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ الْبَسْمَلَةُ لَيْسَتْ مِنَ السُّورَةِ وَآيَةٌ تَامَّةٌ مِنْهَا لِأَنَّ كَوَّنَهَا ثَلَاثِينَ آيَةً إِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهَا آيَةً تَامَّةً مِنْهَا وَالْحَالُ أَنَّهَا ثَلَاثُونَ مِنْ غَيْرِ كَوْنِهَا آيَةً تَامَّةً مِنْهَا فَهِيَ إِمَّا لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنْهَا كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالْأَكْثَرِينَ وَإِمَّا لَيْسَتْ بِآيَةٍ تَامَّةٍ بَلْ هِيَ جُزْءٌ مِنَ الْآيَةِ الْأُولَى كَرِوَايَةٍ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قوله (أخبرنا الفضيل بن عياض) هو بن مسعود التميمي الزاهد (عن ليث) هو بن أَبِي سُلَيْمٍ قَوْلُهُ (كَانَ لَا يَنَامُ إِلَخْ) يَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ بَابِ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَنَامِ مِنْ أَبْوَابِ الدَّعَوَاتِ (وَرَوَاهُ مُغِيرَةُ بْنُ مُسْلِمٍ) الْقَسْمَلِيُّ بِقَافٍ وَمِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ أَبُو سَلَمَةَ السَّرَّاجُ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَدَائِنِيُّ أَصْلُهُ مِنْ مَرْوٍ صَدُوقٌ

باب ما جاء في إذا زلزلت

من السادسة (إنما أخبرنيه صفوان أو بن صَفْوَانَ) أَوْ لِلشَّكِّ أَيْ قَالَ أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ أو قال أخبرني بن صَفْوَانَ وَصَفْوَانُ هَذَا هُوَ صَفْوَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ الْقُرَشِيُّ ثِقَةٌ من الثالثة والمراد من بن صَفْوَانَ هُوَ صَفْوَانُ هَذَا قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بن صَفْوَانَ شَيْخُ أَبِي الزُّبَيْرِ هُوَ صَفْوَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ نُسِبَ لِجَدِّهِ قَوْلُهُ (قال تفضلان) أي سورة ألم تنزيل وسورة تبارك الذي بيده الملك (عَلَى كُلِّ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ بِسَبْعِينَ حسنة) قال القارىء هَذَا لَا يُنَافِي الْخَبَرَ الصَّحِيحَ أَنَّ الْبَقَرَةَ أَفْضَلُ سُوَرِ الْقُرْآنِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ إِذْ قَدْ يَكُونُ فِي الْمَفْضُولِ مَزِيَّةٌ لَا تُوجَدُ فِي الفاضل أوله خُصُوصِيَّةٌ بِزَمَانٍ أَوْ حَالٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَرْبَابِ الْكَمَالِ أَمَّا تَرَى أَنَّ قِرَاءَةَ سَبِّحْ وَالْكَافِرُونَ وَالْإِخْلَاصِ فِي الْوِتْرِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا وَكَذَا سُورَةُ السَّجْدَةِ وَالدَّهْرِ بِخُصُوصِ فَجْرِ الْجُمْعَةِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمَا فَلَا يُحْتَاجُ فِي الجواب إلى ما قاله بن حَجَرٍ إِنَّ ذَاكَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهَذَا لَيْسَ كذلك انتهى كلام القارىء قلت ما ذكره القارىء مِنْ وَجْهِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ لَا ينفي الاحتياج إلى ما ذكر بن حَجَرٍ فَتَفَكَّرْ وَأَثَرُ طَاوُسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ بِلَفْظِ فُضِّلَتَا عَلَى كُلِّ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ بِسِتِّينَ حَسَنَةً 0 - (بَاب مَا جَاءَ فِي إِذَا زُلْزِلَتْ) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْجُرَشِيُّ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَذَا فِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ وَوَقَعَ فِي الْخُلَاصَةِ بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَاتِ وَضَبَطَهُ الْخَزْرَجِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَوَقَعَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالتَّقْرِيبِ بِالْحَاءِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَضَبَطَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ بِقَوْلِهِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى

هذا هو بن نُفَيْعٍ (أخبرنا الْحَسَنُ بْنُ سَلْمِ بْنِ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ) وَيُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ سَيَّارٌ وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ مَجْهُولٌ مِنَ الثَّامِنَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَهُوَ شَيْخٌ مَجْهُولٌ لَهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي فَضْلِ إِذَا زُلْزِلَتْ رَوَاهُ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَعَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْجُرَشِيُّ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاسْتَغْرَبَهُ وَكَذَا فَعَلَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ انْتَهَى قَوْلُهُ (مَنْ قرأ إذا زلزلت عُدِلَتْ لَهُ بِنِصْفِ الْقُرْآنِ إِلَخْ) قَالَ الطِّيبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ الْمَقْصُودُ الْأَعْظَمُ بِالذَّاتِ مِنَ القرآن بيان المبدأ والمعاد وإذا زلزلت مَقْصُورَةٌ عَلَى ذِكْرِ الْمَعَادِ مُسْتَقِلَّةٌ بِبَيَانِ أَحْوَالِهِ فَيُعَادِلُ نِصْفَهُ وَمَا جَاءَ أَنَّهَا رُبْعُ الْقُرْآنِ فَتَقْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ الْقُرْآنُ يَشْتَمِلُ عَلَى تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّاتِ وَبَيَانِ أَحْكَامِ الْمَعَاشِ وَأَحْوَالِ الْمَعَادِ وَهَذِهِ السُّورَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْقِسْمِ الْأَخِيرِ مِنَ الأربع وقل يا أيها الكافرون مُحْتَوِيَةٌ عَلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ مِنْهَا لِأَنَّ البراءة عن الشِّرْكِ إِثْبَاتٌ لِلتَّوْحِيدِ لِيَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا كَأَنَّهَا رُبْعُ الْقُرْآنِ وَهَذَا تَلْخِيصُ كَلَامِ الشَّيْخِ التُّورْبِشْتِيِّ فَإِنْ قُلْتَ هَلَّا حَمَلُوا الْمُعَادَلَةَ عَلَى التَّسْوِيَةِ فِي الثَّوَابِ عَلَى الْمِقْدَارِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ قُلْتُ مَنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ لُزُومُ فَضْلِ إِذَا زلزلت عَلَى سُورَةِ الْإِخْلَاصِ وَالْقَوْلُ الْجَامِعُ فِيهِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ التوربشتي مِنْ قَوْلِهِ نَحْنُ وَإِنْ سَلَكْنَا هَذَا الْمَسْلَكَ بِمَبْلَغِ عِلْمِنَا نَعْتَقِدُ وَنَعْتَرِفُ أَنَّ بَيَانَ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا يُتَلَقَّى من قبل الرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُنْتَهَى إِلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ حَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ وَالْكَشْفِ عَنْ خَفِيَّاتِ الْعُلُومِ فَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِهِ وَنَحُومُ حَوْلَهُ عَلَى مِقْدَارِ فَهْمِنَا وَإِنْ سَلِمَ مِنَ الْخَلَلِ وَالزَّلَلِ لَا يَتَعَدَّى عَنْ ضَرْبٍ مِنَ الِاحْتِمَالِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَذَا الشَّيْخِ الْحَسَنِ بْنِ سَلْمٍ) وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا عرفت والحديث أخرجه أيضا بن مردويه والبيهقي قوله (وفي الباب عن بن عباس) أخرجه الترمذي فِي الْبَابِ الْآتِي

باب ما جاء في سورة الإخلاص وفي سورة إذا زلزلت

11 - (باب ما جاء في سورة الإخلاص وفي سورة إذا زلزلت) قَوْلُهُ (تَزَوَّجْ تَزَوَّجْ) أَيْ تَزَوَّجْ بِمَا مَعَكَ مِنَ السُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنِّي وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ فَقَامَتْ طَوِيلًا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهَ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ قَالَ نَعَمْ سورة كذا وسور كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه بن أَبِي شَيْبَةَ وَذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي كتاب النكاح وعزاه للترمذي وبن أَبِي شَيْبَةَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَذَكَرَهُ فِي فَضَائِلِ القرآن وعزاه للترمذي وبن أبي شيبة وأبي الشيخ قال وزاد بن شَيْبَةَ وَأَبِي الشَّيْخِ وَآيَةُ الْكُرْسِيِّ تَعْدِلُ رُبُعَ الْقُرْآنِ ثُمَّ قَالَ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ وَإِنْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ فَلَعَلَّهُ تَسَاهَلَ فِيهِ لِكَوْنِهِ مِنْ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ انْتَهَى قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ الْعَنَزِيُّ) الْبَصْرِيُّ أبو حذيفة ضعيف من السادسة (أخبرنا عطاء) هو بن أبي رباح

باب ما جاء في سورة الإخلاص

قوله (إذا زلزلت) أَيْ سُورَةُ إِذَا زُلْزِلَتْ (تَعْدِلُ) أَيْ تُمَاثِلُ (نِصْفَ الْقُرْآنِ) تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ (وقل هو الله أحد تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) لِأَنَّ عُلُومَ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ عِلْمُ التَّوْحِيدِ وَعِلْمُ الشَّرَائِعِ وَعِلْمُ تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وهي مشتملة على الأول (وقل يا أيها الكافرون تَعْدِلُ رُبْعَ الْقُرْآنِ) لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَحْكَامِ الشَّهَادَتَيْنِ وَأَحْوَالِ النَّشْأَتَيْنِ فَهِيَ لِتَضَمُّنِهَا الْبَرَاءَةَ مِنَ الشِّرْكِ رُبُعٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَتَصْحِيحُ الْحَاكِمِ مَرْدُودٌ انْتَهَى وَذَكَرَ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْفَتْحِ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَعَزَاهُ لِلتِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ وَأَبِي الشَّيْخِ وَقَالَ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَفِي سَنَدِهِ يَمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ انْتَهَى لَا نَعْرِفهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ يَمَانِ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ يَرْوِي الْمَنَاكِيرَ الَّتِي لَا أُصُولَ لَهَا فاستحق الترك كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ) قَوْلُهُ (أخبرنا زَائِدَةُ) هُوَ بن قدامة (عن منصور) هو بن الْمُعْتَمِرِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ) هُوَ الْأَوْدِيُّ (عَنِ امْرَأَةِ أَبِي أَيُّوبَ) هِيَ أُمُّ أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيَّةُ صَحَابِيَّةٌ (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) الْأَنْصَارِيُّ اسْمُهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ قَوْلُهُ (أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَزَادَ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَسَأَلُوا أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ (مَنْ قَرَأَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مَنْ قَرَأَ قُلْ هُوَ الله أحد الله الصمد وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الْمَذْكُورِ فَقَالَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رواية أبي

خَالِدٍ الْأَحْمَرِ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ يَقْرَأُ قُلْ هو الله أحد فَهِيَ ثُلُثُ الْقُرْآنِ فَكَأَنَّ رِوَايَةَ الْبَابِ بِالْمَعْنَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمَّى السُّورَةَ بِهَذَا الِاسْمِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الصِّفَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ أَوْ يَكُونَ بَعْضُ رواته كان يقرأها كَذَلِكَ فَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يقرأ الله أحد الله الصمد بِغَيْرِ قُلْ فِي أَوَّلِهَا (فَقَدْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ) كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي أَيُّوبَ فَقَدْ قرأ ثلث القرآن وفي حديث أي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ فَقَالَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ كَمَا عَرَفْتَ قَالَ الْحَافِظُ حَمَلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ هِيَ ثُلُثٌ بِاعْتِبَارِ مَعَانِي الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ أَحْكَامٌ وَأَخْبَارٌ وَتَوْحِيدٌ وَقَدِ اشْتَمَلَتْ هِيَ عَلَى الْقِسْمِ الثَّالِثِ فَكَانَتْ ثُلُثًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَيُسْتَأْنَسُ لِهَذَا بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ جَزَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ ثَلَاثَةَ أجزاء فجعل قل هو الله أحد جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ الْقُرْآنِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ اشْتَمَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى اسْمَيْنِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى يَتَضَمَّنَانِ جَمِيعَ أَوْصَافِ الْكَمَالِ لَمْ يُوجَدَا فِي غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ وَهُمَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ لِأَنَّهُمَا يَدُلَّانِ عَلَى أَحَدِّيَّةِ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِجَمِيعِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَحَدَ يُشْعِرُ بِوُجُودِهِ الْخَاصِّ الَّذِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَالصَّمَدُ يُشْعِرُ بِجَمِيعِ أَوْصَافِ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ سُؤْدُدُهُ فَكَانَ مَرْجِعُ الطَّلَبِ مِنْهُ وَإِلَيْهِ وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التحقيق إلا لمن جاز جَمِيعَ خِصَالِ الْكَمَالِ وَذَلِكَ لَا يَصْلُحُ إِلَّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَمَّا اشْتَمَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى مَعْرِفَةِ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ كَانَتْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَمَامِ الْمَعْرِفَةِ بِصِفَاتِ الذَّاتِ وَصِفَاتِ الْفِعْلِ ثُلُثًا انْتَهَى وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْمِثْلِيَّةَ عَلَى تَحْصِيلِ الثَّوَابِ فَقَالَ مَعْنَى كَوْنِهَا ثُلُثَ الْقُرْآنِ أَنَّ ثَوَابَ قراءتها يحصل للقارى مِثْلُ ثَوَابِ مَنْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَقِيلَ مِثْلُهُ بِغَيْرِ تَضْعِيفٍ وَهِيَ دَعْوَى بِغَيْرِ دَلِيلٍ وَيُؤَيِّدُ الْإِطْلَاقَ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الأخير وقال فيه قل هو الله تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَلِمُسْلِمٍ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْشُدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَخَرَجَ فَقَرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد ثُمَّ قَالَ أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَلِأَبِي عُبَيْدٍ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ من قرأ قل هو الله أحد فَكَأَنَّمَا قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَإِذَا حُمِلَ ذَلِكَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَهَلْ ذَلِكَ لِثُلُثٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُعَيَّنٍ أَوْ لِأَيِّ ثُلُثٍ فُرِضَ مِنْهُ فِيهِ نَظَرٌ وَيَلْزَمُ عَلَى الثَّانِي أَنَّ مَنْ قَرَأَهَا ثَلَاثًا كَانَ كَمَنْ قَرَأَ خَتْمَةً كَامِلَةً وَقِيلَ الْمُرَادُ مَنْ عَمِلَ بِمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنَ الْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ كَانَ كَمَنْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ يَخْتَصُّ بِصَاحِبِ الْوَاقِعَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا رَدَّدَهَا فِي لَيْلَتِهِ كَانَ كَمَنْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ تَرْدِيدٍ قَالَ الْقَابِسِيُّ وَلَعَلَّ الرَّجُلَ الَّذِي جَرَى لَهُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَحْفَظُ غَيْرَهَا فَلِذَلِكَ اسْتَقَلَّ عَمَلُهُ فَقَالَ لَهُ الشَّارِعُ ذَلِكَ تَرْغِيبًا لَهُ في عمل الخير وإن قل وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ مَنْ لَمْ يَتَأَوَّلْ هَذَا الْحَدِيثَ أَخْلَصُ مِمَّنْ أَجَابَ فِيهِ بِالرَّأْيِ

قُلْتُ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْمَذْكُورُ بِلَفْظِ مَنْ قرأ قل هو الله أحد فَقَدْ قَرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قراءة سورة قل هو الله أحد تَعْدِلُ قِرَاءَةَ ثُلُثِ الْقُرْآنِ وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي فِي هَذَا الْبَابِ يَدُلَّانِ عَلَى ذَلِكَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ هو الله أحد تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ قِرَاءَتَهَا تَعْدِلُ قِرَاءَةَ ثُلُثِ الْقُرْآنِ وَيَحْصُلُ لِقَارِئِهَا ثَوَابُ قِرَاءَةِ ثُلُثِ الْقُرْآنِ فَالرِّوَايَاتُ بَعْضُهَا يُفَسِّرُ بَعْضًا هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي سَعِيدِ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ قَالُوا وَكَيْفَ يَقْرَأُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ قال قل هو الله أحد تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَحَدِيثُ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ فَأَخْرَجَهُمَا الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ قرأ قل هو الله أحد عَشِيَّةَ عَرَفَةَ أَلْفَ مَرَّةٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ مَا سَأَلَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَرْغِيبِهِ وَنَقَلَ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ) الرَّازِيُّ أَبُو يَحْيَى (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) يُقَالُ اسْمُ جَدِّهِ السَّائِبُ بْنُ عمير صدوق من السادسة (عن بن حُنَيْنٍ) اسْمُهُ عُبَيْدٌ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ وَصَرَّحَ مَالِكٌ أَيْضًا فِي رِوَايَتِهِ حَيْثُ قَالَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى آلِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَخْ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ بِنُونَيْنِ مُصَغَّرًا الْمَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ قَلِيلُ الْحَدِيثِ مِنَ الثَّالِثَةِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عَنْ أَبِي حُنَيْنٍ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ رَاوٍ كُنْيَتُهُ أَبُو حُنَيْنٍ

قوله (وجبت) أي له (قلت ما وجبت) أي ما مَعْنَى قَوْلِكَ جَزَاءً لِقِرَاءَتِهِ وَجَبَتْ أَوْ مَا فَاعِلُ وَجَبَتْ (قَالَ الْجَنَّةُ) أَيْ بِمُقْتَضَى وَعْدِ اللَّهِ وَفَضْلِهِ الَّذِي لَا يُخْلِفُهُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مالك والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد (وبن حُنَيْنٍ هُوَ إِلَخْ) وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ أبو حنين مكان بن حُنَيْنٍ وَهُوَ غَلَطٌ كَمَا عَرَفْتَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ) نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ وَاسْمُ أَبِيهِ مُحَمَّدٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ محمد بن مرزوق الباهلي البصري بن بِنْتِ مَهْدِيٍّ وَقَدْ يُنْسَبُ لِجَدِّهِ مَرْزُوقٍ صَدُوقٌ له أوهام من الحادية عشرة (أخبرنا حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ أَبُو سَهْلٍ) الْكِلَابِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ السَّقَطِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (مَنْ قَرَأَ كُلَّ يَوْمٍ مِائَتَيْ مرة قل هو الله أحد) أَيْ إِلَى آخِرِهِ أَوْ هَذِهِ السُّورَةَ (مُحِيَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ كِتَابِ أَعْمَالِهِ (إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ مَا مُحَصَّلُهُ إِنَّ لِهَذَا الِاسْتِثْنَاءِ مَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ هَذَا الذَّنْبَ أَيِ الدَّيْنَ لَا يُمْحَى عَنْهُ وَلَا يُغْفَرُ وَجَعَلَ الدَّيْنَ مِنْ جِنْسِ الذُّنُوبِ تَهْوِيلًا لِأَمْرِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَحَى عَنْهُ ذُنُوبَهُ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَلَا تُؤَثِّرُ قِرَاءَةُ هَذِهِ السُّورَةِ فِي مَحْوِهَا قَوْلُهُ (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَامَ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَامَ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ وَجَزَاءُ الشَّرْطِ شَرْطٌ مَعَ جَزَائِهِ أَيْ قَوْلُهُ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يَعْمَلِ الشَّرْطُ الثَّانِي فِي جَزَائِهِ أَعْنِي يَقُولُ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَاضٍ فَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ إِذَا فَلَا يَعْمَلْ فِي الْجَزَاءِ كَمَا فِي قول الشاعر

وَإِنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْغَبَةٍ يَقُولُ لَا غَائِبٌ مَالِي وَلَا حَرَمُ (عَلَى يَمِينِهِ) أَيْ عَلَى وَجْهِ السُّنَّةِ (ادْخُلْ عَلَى يَمِينِكَ الْجَنَّةَ) قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ عَلَى يَمِينِكَ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ ادْخُلْ فَطَابَقَ هَذَا قَوْلَهُ فَنَامَ عَلَى يَمِينِهِ يَعْنِي إِذَا أَطَعْتَ رَسُولِي وَاضْطَجَعْتَ عَلَى يَمِينِكَ وَقَرَأْتَ السُّورَةَ الَّتِي فِيهَا صِفَاتِي فَأَنْتَ الْيَوْمَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَاذْهَبْ مِنْ جَانِبِ يَمِينِكَ إِلَى الْجَنَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ حَاتِمُ بْنُ مَيْمُونٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كما عرفت قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ كَيْسَانَ) الْيَشْكُرِيِّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ أَوْ أَبُو مُنَيْنٍ بِنُونٍ مُصَغَّرًا الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يخطىء مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (احْشُدُوا) أَيِ اجْتَمِعُوا وَاسْتَحْضِرُوا الناس والحشد والجماعة وَاحْتَشَدَ الْقَوْمُ لِفُلَانٍ تَجَمَّعُوا لَهُ وَتَأَهَّبُوا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الصُّرَاحِ الْحَشْدُ مِنْ باب ضرب يضرب ونصر يننصر وَحَشَدُوا أَيِ اجْتَمَعُوا وَاحْتَشَدُوا وَتَحَشَّدُوا كَذَلِكَ انْتَهَى (ثُمَّ خَرَجَ) أَيْ مِنَ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ (إِنِّي لَأُرَى) بِفَتْحِ اللَّامِ وَضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ لَأَظُنُّ (هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ) زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَذَلِكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم

قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ) الْقَطَوَانِيُّ بِفَتْحِ القاف والطاء أبو الهيثم البجلي مولاهم الكوفي صدوق يتشبع وَلَهُ أَفْرَادٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح) وأخرجه بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ (عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ) هُوَ الْعُمَرِيُّ قَوْلُهُ (فَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ يَقْرَأُ بِهَا افْتَتَحَ بِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ أَيْ مِنَ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ هَذَا مَعْنَاهُ وَاضِحٌ وَأَمَّا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ فَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ يَقْرَأُ بِهَا تَكْرَارًا فَتَفَكَّرْ (فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ) يَظْهَرُ مِنْهُ أَنَّ صَنِيعَهُ ذَلِكَ خِلَافَ مَا أَلِفُوهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالُوا إِنَّكَ تَقْرَأُ بِهَذِهِ السُّورَةِ) أَيْ سورة قل هو الله أحد (مِمَّا يَأْمُرُ بِهِ أَصْحَابُكَ) أَيْ يَقُولُونَ لَكَ وَلَمْ يَرِدِ الْأَمْرُ بِالصِّيغَةِ الْمَعْرُوفَةِ لَكِنَّهُ لَازِمٌ مِنَ التَّخْيِيرِ الَّذِي ذَكَرُوهُ كَأَنَّهُمْ

قَالُوا لَهُ افْعَلْ كَذَا وَكَذَا (وَمَا يَحْمِلُكَ أَنْ تَقْرَأَ هَذِهِ السُّورَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَالَ الْحَافِظُ سَأَلَهُ عَنْ أَمْرَيْنِ فَأَجَابَهُ بِقَوْلِهِ إِنِّي أُحِبُّهَا وَهُوَ جَوَابٌ عَنِ الثَّانِي مُسْتَلْزِمٌ لِلْأَوَّلِ بِانْضِمَامِ شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ إِقَامَتُهُ السُّنَّةَ الْمَعْهُودَةَ فِي الصَّلَاةِ فَالْمَانِعُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْمَحَبَّةِ وَالْأَمْرِ الْمَعْهُودِ وَالْحَامِلُ عَلَى الْفِعْلِ الْمَحَبَّةُ وَحْدَهَا (إِنَّ حُبَّهَا أَدْخَلَكَ الْجَنَّةَ) دَلَّ تَبْشِيرُهُ لَهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى الرِّضَا بِفِعْلِهِ وَعَبَّرَ بِالْفِعْلِ الْمَاضِي فِي قَوْلِهِ أَدْخَلَكَ وَإِنْ كَانَ دُخُولُ الْجَنَّةِ مُسْتَقْبَلًا تَحْقِيقًا لِوُقُوعِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا وَالْبَزَّارُ وَالْبَيْهَقِيُّ تَنْبِيهٌ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ وَكَانَ يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قِصَّةَ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا وَقِصَّةَ حَدِيثِ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْبَابِ قِصَّتَانِ مُتَغَايِرَتَانِ لَا أَنَّهُمَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ وَيَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِهِمَا أَنَّ فِي حَدِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ كَانَ يَبْدَأُ بِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ أَمِيرَ السَّرِيَّةِ كَانَ يَخْتِمُ بِهَا وَفِي هَذَا أَنَّهُ كَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِذَلِكَ فِي قِصَّةِ الْآخَرِ وَفِي هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَسْأَلُوا أَمِيرَهُمْ وَفِي هَذَا أَنَّهُ قَالَ إِنَّهُ يُحِبُّهَا فَبَشَّرَهُ بِالْجَنَّةِ وَأَمِيرُ السَّرِيَّةِ قَالَ إِنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ فَبَشَّرَهُ بِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ

باب ما جاء في المعوذتين

13 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الْمُعَوِّذَتَيْنِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ المشددة أي قل أعوذ برب القلق وقل أعوذ برب الناس قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ قَوْلُهُ (لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَبِرَفْعِ مِثْلُهُنَّ أَيْ فِي بَابِهَا وَهُوَ التَّعَوُّذُ يَعْنِي لَمْ يَكُنْ آيَاتُ سُورَةٍ كُلُّهُنَّ تَعْوِيذًا للقارىء غَيْرُ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ وَلِذَلِكَ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَيْنِ الْجَانِّ وَعَيْنِ الْإِنْسَانِ فَلَمَّا نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ أَخَذَهُمَا وَتَرَكَ مَا سواهما ولما سحر استشفى بهما وإنما كان كَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا مِنَ الْجَوَامِعِ فِي هَذَا الْبَابِ (قل أعوذ برب الناس إِلَى آخِرِ السُّورَةِ إِلَخْ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ أي هي قل أعوذ برب الناس إِلَخْ وَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ عِظَمِ فَضْلِ هَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ وَفِيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى كَوْنِهِمَا مِنَ الْقُرْآنِ وَفِيهِ أَنَّ لَفْظَةَ قُلْ مِنَ القران ثابتة من أول السورتين بعد البسلمة وَقَدِ اجْتَمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى هَذَا كُلِّهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاحٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ مُكَبَّرًا وَالْمَشْهُورُ بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرًا وَكَانَ يَغْضَبُ مِنْهَا (فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ) بِضَمِّ الدَّالِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ فِي عَقِبِ كُلِّ صَلَاةٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ

باب ما جاء في فضل قارئ القرآن

14 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ قَارِئِ الْقُرْآنِ) قَوْلُهُ (وَهِشَامٌ) هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ قَوْلُهُ (الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمَاهِرُ الْحَاذِقُ الْكَامِلُ الْحِفْظِ الَّذِي لَا يَتَوَقَّفُ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ لِجَوْدَةِ حِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ (مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ) السَّفَرَةُ جَمْعُ سَافِرٍ كَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ وَالسَّافِرُ الرَّسُولُ وَالسَّفَرَةُ الرُّسُلُ لِأَنَّهُمْ يَسْفِرُونَ إِلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِ اللَّهِ وَقِيلَ السَّفَرَةُ الْكَتَبَةُ وَالْكِرَامُ جَمْعُ الْكَرِيمِ أَيِ الْمُكَرَّمِينَ عَلَى اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ عِنْدَهُ لِعِصْمَتِهِمْ وَنَزَاهَتِهِمْ عَنْ دَنَسِ الْمَعْصِيَةِ وَالْمُخَالَفَةِ وَالْبَرَرَةُ جَمْعُ الْبَارِّ وَهُمِ الْمُطِيعُونَ مِنَ الْبِرِّ وَهُوَ الطَّاعَةُ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَوْنِهِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ أَنَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مَنَازِلَ يَكُونُ فِيهَا رَفِيقًا لِلْمَلَائِكَةِ السَّفَرَةِ لِاتِّصَافِهِ بِصِفَتِهِمْ مِنْ حَمْلِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُ عَامِلٌ بِعَمَلِهِمْ وَسَالِكٌ مَسْلَكَهُمْ وَالَّذِي يقرأه قَالَ هِشَامٌ) أَيْ فِي رِوَايَتِهِ (وَهُوَ شَدِيدٌ عَلَيْهِ) أَيْ يُصِيبُهُ شِدَّةٌ وَمَشَقَّةٌ (قَالَ شُعْبَةُ) أَيْ فِي رِوَايَتِهِ (وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ قَالَ النَّوَوِيُّ وَأَمَّا الَّذِي يَتَتَعْتَعُ فِيهِ فَهُوَ الَّذِي يَتَرَدَّدُ فِي تِلَاوَتِهِ لِضَعْفِ حِفْظِهِ (فَلَهُ أَجْرَانِ) أَجْرُ الْقِرَاءَةِ وَأَجْرٌ بِتَعْتَعَتِهِ فِي تِلَاوَتِهِ وَمَشَقَّتِهِ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِي يَتَتَعْتَعُ عَلَيْهِ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ أَكْثَرُ مِنَ الْمَاهِرِ بِهِ بَلِ الْمَاهِرُ أَفْضَلُ وَأَكْثَرُ أَجْرًا لِأَنَّهُ مَعَ السَّفَرَةِ وَلَهُ أُجُورٌ كَثِيرَةٌ وَلَمْ يُذْكَرْ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ لِغَيْرِهِ وَكَيْفَ يَلْحَقُ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْتَنِ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَحِفْظِهِ وَإِتْقَانِهِ وَكَثْرَةِ تِلَاوَتِهِ وَدِرَايَتِهِ كَاعْتِنَائِهِ حَتَّى مَهَرَ فِيهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَاذَانَ) النَّخَعِيِّ الْكُوفِيِّ مَجْهُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ

باب ما جاء في فضل القرآن

قَوْلُهُ (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَاسْتَظْهَرَهُ) أَيْ حَفِظَهُ تَقُولُ قَرَأْتُ الْقُرْآنَ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِي أَيْ قَرَأْتُهُ مِنْ حِفْظِي قَالَهُ الْجَزَرِيُّ (فَأَحَلَّ حَلَالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ) أَيِ اعْتَقَدَ حَلَالَهُ حَلَالًا وَحَرَامَهُ حلااما (أَدْخَلَهُ اللَّهُ بِهِ الْجَنَّةَ) أَيْ فِي أَوَّلِ الْوَهْلَةِ (وَشَفَّعَهُ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ قَبِلَ شَفَاعَتَهُ (فِي عَشْرَةٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ كُلُّهُمْ) أَيْ كُلُّ الْعَشَرَةِ (قَدْ وَجَبَتْ لَهُ النَّارُ) إِفْرَادُ الضَّمِيرِ لِلَفْظِ الْكُلِّ قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الشَّفَاعَةَ إِنَّمَا تَكُونُ فِي رَفْعِ الْمَنْزِلَةِ دُونَ حَطِّ الْوِزْرِ بِنَاءً عَلَى مَا افْتَرَوْهُ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَةِ يَجِبُ خُلُودُهُ فِي النَّارِ وَلَا يُمْكِنُ الْعَفْوُ عَنْهُ وَالْوُجُوبُ هُنَا عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاعَدَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ (وَحَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ إِلَخْ) قَالَ في التقريب حفص بن سلمان الأسدي أبو عمر البزار الْكُوفِيُّ الْغَاضِرِيُّ بِمُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ حَفْصُ بْنُ أَبِي داود القارىء صَاحِبُ عَاصِمٍ وَيُقَالُ لَهُ حُفَيْصٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ مَعَ إِمَامَتِهِ فِي الْقِرَاءَةِ مِنَ الثَّامِنَةِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الْقُرْآنِ) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمُخْتَارِ الطَّائِيِّ) قِيلَ اسْمُهُ سَعْدٌ مَجْهُولٌ من السادسة (عن بن أَخِي حَارِثٍ الْأعْوَرِ) مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَالَ في تهذيب التهذيب بن أَخِي الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ رَوَى عَنِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو الْمُخْتَارِ الطَّائِيُّ لَمْ يُسَمَّ لَا هُوَ وَلَا أَبُوهُ قَوْلُهُ (مَرَرْتَ فِي الْمَسْجِدِ) قَالَ الطِّيبِيُّ فِي الْمَسْجِدِ ظَرْفٌ والمرور بِهِ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ

قَوْلُهُ (فَإِذَا النَّاسُ يَخُوضُونَ فِي الْأَحَادِيثِ) أَيْ أَحَادِيثِ النَّاسِ وَأَبَاطِيلِهِمْ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْحِكَايَاتِ وَالْقَصَصِ وَيَتْرُكُونَ تِلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَمَا يَقْتَضِيه مِنَ الْأَذْكَارِ وَالْآثَارِ وَالْخَوْضُ أَصْلُهُ الشُّرُوعُ فِي الْمَاءِ وَالْمُرُورُ فيه ويستعار الشروع فِي الْأُمُورِ وَأَكْثَرُ مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ وَرَدَ فِيمَا يُذَمُّ الشُّرُوعُ فِيهِ نَحْوُ قَوْلِهِ تعالى فذرهم في خوضهم يلعبون (وقد فَعَلُوهَا) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيِ ارْتَكَبُوا هَذِهِ الشَّنِيعَةَ وَخَاضُوا فِي الْأَبَاطِيلِ فَإِنَّ الْهَمْزَةَ وَالْوَاوَ الْعَاطِفَةَ يَسْتَدْعِيَانِ فِعْلًا مُنْكَرًا مَعْطُوفًا عَلَيْهِ أَيْ فَعَلُوا هذه الفعلة الشنيعة وقال القارىء أَيْ أَتَرَكُوا الْقُرْآنَ وَقَدْ فَعَلُوهَا أَيْ وَخَاضُوا فِي الْأَحَادِيثِ (أَمَا) لِلتَّنْبِيهِ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ أَيْضًا (إِنَّهَا) الضَّمِيرُ لِلْقِصَّةِ (سَتَكُونُ فِتْنَةٌ) أَيْ عَظِيمَةٌ قال بن الْمَلِكِ يُرِيدُ بِالْفِتْنَةِ مَا وَقَعَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ أَوْ خُرُوجَ التَّتَارِ أَوِ الدَّجَّالِ أَوْ دَابَّةِ الأرض انتهى قال القارىء وَغَيْرُ الْأَوَّلِ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ كَمَا لَا يَخْفَى (فَقُلْتَ مَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا) بِفَتْحِ الْمِيمِ اسْمُ ظَرْفٍ أَوْ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ أَيْ مَا طَرِيقُ الْخُرُوجِ وَالْخَلَاصِ مِنَ الْفِتْنَةِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ مَوْضِعُ الْخُرُوجِ أَوِ السَّبَبُ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْخُرُوجِ عَنِ الْفِتْنَةِ (قَالَ كِتَابُ اللَّهِ) أَيْ طَرِيقُ الْخُرُوجِ مِنْهَا تَمَسُّكُ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ (فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ) أَيْ مِنْ أَحْوَالِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ (وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ) وَهِيَ الْأُمُورُ الْآتِيَةُ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَأَحْوَالِ الْقِيَامَةِ وَفِي الْعِبَارَةِ تَفَنُّنٌ (وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ أَيْ حَاكِمُ مَا وَقَعَ أَوْ يَقَعُ بَيْنَكُمْ مِنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَالطَّاعَةِ وَالْعِصْيَانِ والحلال والحرام وسائر شرئع الْإِسْلَامِ (وَهُوَ الْفَصْلُ) أَيِ الْفَاصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ أَوِ الْمَفْصُولُ وَالْمُمَيَّزُ فِيهِ الْخَطَأُ وَالصَّوَابُ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ وَالْعَذَابُ وَصَفَ بِالْمَصْدَرِ مُبَالَغَةً (لَيْسَ بِالْهَزْلِ) أَيْ جِدٌّ كُلُّهُ وَحَقٌّ جَمِيعُهُ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ وَالْهَزْلُ فِي الْأَصْلِ الْقَوْلُ الْمُعَرَّى عَنِ الْمَعْنَى الْمَرْضِيِّ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْهُزَالِ ضِدِّ السِّمَنِ وَالْحَدِيثُ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى إنه لقول فصل وما هو بالهزل (مَنْ تَرَكَهُ) أَيِ الْقُرْآنَ إِيمَانًا وَعَمَلًا (مِنْ جبار) بين التارك بمن جَبَّارٍ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى التَّرْكِ إِنَّمَا هُوَ التَّجَبُّرُ وَالْحَمَاقَةُ قَالَ الطِّيبِيُّ مَنْ تَرَكَ الْعَمَلَ بِآيَةٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ مِمَّا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ أَوْ تَرَكَ قِرَاءَتَهَا مِنَ التَّكَبُّرِ كَفَرَ وَمَنْ تَرَكَ عَجْزًا أَوْ كَسَلًا أَوْ ضَعْفًا مَعَ اعْتِقَادِ تَعْظِيمِهِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ أَيْ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَلَكِنَّهُ مَحْرُومٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (قَصَمَهُ) أَيْ أَهْلَكَهُ أَوْ كَسَرَ عُنُقَهُ وَأَصْلُ الْقَصْمِ الْكَسْرُ وَالْإِبَانَةُ

(وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى) أَيْ طَلَبَ الْهِدَايَةَ مِنَ الضَّلَالَةِ (فِي غَيْرِهِ) مِنَ الْكُتُبِ وَالْعُلُومِ الَّتِي غَيْرُ مَأْخُوذَةٍ مِنْهُ وَلَا مُوَافِقَةٍ مَعَهُ (أَضَلَّهُ اللَّهُ) أَيْ عَنْ طَرِيقِ الْهُدَى وَأَوْقَعَهُ فِي سَبِيلِ الرَّدَى (وَهُوَ) أَيِ الْقُرْآنُ (حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ) أَيِ الْحُكْمُ الْقَوِيُّ وَالْحَبْلُ مُسْتَعَارٌ لِلْوَصْلِ وَلِكُلِّ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى شَيْءٍ أَيِ الْوَسِيلَةُ الْقَوِيَّةُ إِلَى مَعْرِفَةِ رَبِّهِ وَسَعَادَةِ قُرْبِهِ (وَهُوَ الذِّكْرُ) أَيْ مَا يُذْكَرُ بِهِ الْحَقُّ تَعَالَى أَوْ مَا يَتَذَكَّرُ بِهِ الْخَلْقُ أَيْ يَتَّعِظُ (الْحَكِيمُ) أَيْ ذُو الْحِكْمَةِ (هُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ) بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ أَيْ لَا تَمِيلُ عَنِ الْحَقِّ (بِهِ) أَيْ بِاتِّبَاعِهِ (الْأَهْوَاءُ) أَيِ الْهَوَى إِذَا وَافَقَ هَذَا الْهُدَى حُفِظَ مِنَ الرَّدَى وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَصِيرُ بِهِ مُبْتَدِعًا وَضَالًّا يَعْنِي لَا يَمِيلُ بِسَبَبِهِ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ وَالْآرَاءِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا يَقْدِرُ أَهْلُ الْأَهْوَاءِ عَلَى تَبْدِيلِهِ وَتَغْيِيرِهِ وَإِمَالَتِهِ وَذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى وُقُوعِ تَحْرِيفِ الْغَالِينَ وَانْتِحَالِ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلِ الْجَاهِلِينَ فَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ وَقِيلَ الرِّوَايَةُ مِنَ الْإِزَاغَةِ بِمَعْنَى الْإِمَالَةِ وَالْبَاءُ لِتَأْكِيدِ التَّعْدِيَةِ أَيْ لَا تُمِيلُهُ الْأَهْوَاءُ الْمُضِلَّةُ عَنْ نَهْجِ الِاسْتِقَامَةِ إِلَى الِاعْوِجَاجِ وَعَدَمِ الْإِقَامَةِ كَفِعْلِ الْيَهُودِ بِالتَّوْرَاةِ حِينَ حَرَّفُوا الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى تَكَفَّلَ بِحِفْظِهِ قَالَ تَعَالَى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإنا له لحافظون (وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ) أَيْ لَا تَتَعَسَّرُ عَلَيْهِ أَلْسِنَةُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَوْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ العرب قال تعالى فإنما يسرناه بلسانك ولقد يسرنا القرآن للذكر وقيل لا يختلط غيره بِحَيْثُ يَشْتَبِهُ الْأَمْرُ وَيَلْتَبِسُ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْفَظُهُ أَوْ يَشْتَبِهُ كَلَامُ الرَّبِّ بِكَلَامِ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ كَلَامًا مَعْصُومًا دَالًّا عَلَى الْإِعْجَازِ (وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ) أَيْ لَا يَصِلُونَ إِلَى الْإِحَاطَةِ بِكُنْهِهِ حَتَّى يَقِفُوا عَنْ طَلَبِهِ وُقُوفَ مَنْ يَشْبَعُ مِنْ مَطْعُومٍ بَلْ كُلَّمَا اطَّلَعُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ حَقَائِقِهِ اشْتَاقُوا إِلَى آخَرَ أَكْثَرَ مِنَ الْأَوَّلِ وَهَكَذَا فَلَا شِبَعَ وَلَا سَآمَةَ (وَلَا يَخْلُقُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ اللَّامِ وَبِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ مِنْ خَلُقَ الثَّوْبُ إِذَا بَلِيَ وَكَذَلِكَ أَخْلَقَ (عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ) أَيْ لَا تَزُولُ لَذَّةُ قِرَاءَتِهِ وَطَرَاوَةُ تِلَاوَتِهِ وَاسْتِمَاعُ أَذْكَارِهِ وَأَخْبَارِهِ مِنْ كَثْرَةِ تكراره قال القارىء وعن عَلَى بَابهَا أَيْ لَا يُصْدِرُ الْخَلْقُ مِنْ كَثْرَةِ تَكْرَارِهِ كَمَا هُوَ شَأْنُ كَلَامِ غَيْرِهِ تعالى وهذا أولى مما قاله بن حَجَرٍ مِنْ أَنَّ عَنْ بِمَعْنَى مَعَ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى مَكَانَ عَنْ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ بن حَجَرٍ (وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ) أَيْ لَا تَنْتَهِي غَرَائِبُهُ الَّتِي يُتَعَجَّبُ مِنْهَا قِيلَ كَالْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ لِلْقَرِينَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (هُوَ الَّذِي لَمْ تنته الجن

باب ما جاء في تعليم القرآن

أَيْ لَمْ يَقِفُوا وَلَمْ يَلْبَثُوا (إِذْ سَمِعَتْهُ) أَيِ الْقُرْآنَ (حَتَّى قَالُوا) أَيْ لَمْ يَتَوَقَّفُوا وَلَمْ يَمْكُثُوا وَقْتَ سَمَاعِهِمْ لَهُ عَنْهُ بَلْ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ لِمَا بَهَرَهُمْ مِنْ شَأْنِهِ فَبَادَرُوا إِلَى الْإِيمَانِ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَاهَةِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ وَبَالَغُوا فِي مَدْحِهِ حَتَّى قَالُوا (إِنَّا سمعنا قرانا عجبا) أَيْ شَأْنُهُ مِنْ حَيْثِيَّةِ جَزَالَةِ الْمَبْنَى وَغَزَارَةِ المعنى (يهدي إلى الرشد) أَيْ يَدُلُّ عَلَى سَبِيلِ الصَّوَابِ أَوْ يَهْدِي اللَّهُ بِهِ النَّاسَ إِلَى طَرِيقِ الْحَقِّ (فَآمَنَّا به) أي بأنه عن عبد اللَّهِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْإِيمَانُ بِرَسُولِ اللَّهِ (مَنْ قَالَ بِهِ) مَنْ أَخْبَرَ بِهِ (صَدَقَ) أَيْ فِي خَبَرِهِ أَوْ مَنْ قَالَ قَوْلًا مُلْتَبِسًا بِهِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى قَوَاعِدِهِ وَوَفْقَ قَوَانِينِهِ وَضَوَابِطِهِ صَدَقَ (وَمَنْ عَمِلَ بِهِ) أَيْ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ (أُجِرَ) أَيْ أُثِيبَ فِي عَمَلِهِ أَجْرًا عَظِيمًا وَثَوَابًا جَسِيمًا لِأَنَّهُ لَا يَحُثُّ إِلَّا عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْأَعْمَالِ وَمَحَاسِنِ الْآدَابِ (وَمَنْ حَكَمَ بِهِ) أَيْ بَيْنَ النَّاسِ (عَدَلَ) أَيْ فِي حُكْمِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْحَقِّ (وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ رُوِيَ مَجْهُولًا أَيْ مَنْ دَعَا النَّاسَ إِلَى الْقُرْآنِ وُفِّقَ لِلْهِدَايَةِ وَرُوِيَ مَعْرُوفًا كَأَنَّ الْمَعْنَى مَنْ دَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ هَدَاهُمْ انْتَهَى (خُذْهَا) أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الطيبات واحفظها (يا أعور) هوالحارث الْأَعْوَرُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ (وإسناده مجهول) لجهالة أبي المختار الطائي وبن أَخِي الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ (وَفِي حَدِيثِ الْحَارِثِ مَقَالٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَرْجَمَتِهِ كَذَّبَهُ الشَّعْبِيُّ فِي رَأْيِهِ وَرُمِيَ بِالرَّفْضِ وَفِي حَدِيثِهِ ضَعْفٌ 6 - (بَاب مَا جَاءَ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (قَالَ سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ مُصَغَّرًا السُّلَمِيَّ (يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ

قَوْلُهُ (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ خَيْرُ النَّاسِ بِاعْتِبَارِ التَّعَلُّمِ وَالتَّعْلِيمِ من تعلم القرآن وعلمه انتهى قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْعَمَلَ خَارِجٌ عنهما لأن العلم إذا لم يكن مؤرثا لِلْعَمَلِ لَيْسَ عِلْمًا فِي الشَّرِيعَةِ إِذْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فَإِنْ قِيلَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِئُ أَفْضَلَ مِنَ الْفَقِيهِ قُلْنَا لَا لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ بِذَلِكَ كَانُوا فُقَهَاءَ النُّفُوسِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ اللِّسَانِ فَكَانُوا يَدْرُونَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ بِالسَّلِيقَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَدْرِيهَا مَنْ بَعْدَهُمْ بِالِاكْتِسَابِ فَكَانَ الْفِقْهُ لَهُمْ سَجِيَّةً فَمَنْ كَانَ فِي مِثْلِ شَأْنِهِمْ شَارَكَهُمْ فِي ذَلِكَ لَا مَنْ كَانَ قَارِئًا أَوْ مُقْرِئًا مَحْضًا لَا يَفْهَمُ شيئا من معاني ما يقرأه أَوْ يُقْرِئُهُ فَإِنْ قِيلَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِئُ أَفْضَلَ مِمَّنْ هُوَ أَعْظَمُ عَنَاءً فِي الْإِسْلَامِ بِالْمُجَاهِدَةِ وَالرِّبَاطِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مَثَلًا قُلْنَا حَرْفُ الْمَسْأَلَةِ يَدُورُ عَلَى النَّفْعِ الْمُتَعَدِّي فَمَنْ كَانَ حُصُولُهُ عِنْدَهُ أَكْثَرَ كَانَ أَفْضَلَ فَلَعَلَّ مِنْ مُضْمَرَةٌ فِي الْخَبَرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْخَيْرِيَّةُ وَإِنْ أُطْلِقَتْ لَكِنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِنَاسٍ مَخْصُوصِينَ خُوطِبُوا بِذَلِكَ كَانَ اللَّائِقُ بِحَالِهِمْ ذَلِكَ أَوِ الْمُرَادُ خَيْرُ الْمُتَعَلِّمِينَ مَنْ يُعَلِّمُ غَيْرَهُ لَا مَنْ يَقْتَصِرُ عَلَى نَفْسِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَذَاكَ الَّذِي أَقْعَدَنِي مَقْعَدِي هَذَا) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ عُثْمَانُ هُوَ الَّذِي أَجْلَسَنِي مَجْلِسِي هَذَا يَعْنِي هُوَ الَّذِي حَمَلَنِي عَلَى جُلُوسِي مَجْلِسِي هَذَا لِلْإِقْرَاءِ (وَعَلَّمَ) أَيْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ (فِي زَمَانِ عُثْمَانَ حَتَّى بَلَغَ الْحَجَّاجَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَقْرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي إِمْرَةِ عُثْمَانَ حَتَّى كَانَ الْحَجَّاجُ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ حَتَّى وُلِّيَ الْحَجَّاجُ عَلَى الْعِرَاقِ قَالَ بَيْنَ أَوَّلِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَآخِرِ وِلَايَةِ الْحَجَّاجِ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً إِلَّا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَبَيْنَ آخِرِ خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَأَوَّلِ وِلَايَةِ الْحَجَّاجِ الْعِرَاقَ ثَمَانٍ وَثَلَاثُونَ سَنَةً وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِ ابْتِدَاءِ إِقْرَاءِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَآخِرِهِ فاللَّهُ أَعْلَمُ بِمِقْدَارِ ذَلِكَ وَيُعْرَفُ مِنَ الَّذِي ذَكَرْته أَقْصَى الْمُدَّةِ وَأَدْنَاهَا وَالْقَائِلُ وَأَقْرَأَ إِلَخْ هُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) لَمْ يَذْكُرْ سُفْيَانُ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ بَيْنَ عَلْقَمَةَ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (خَيْرُكُمْ أَوْ أَفْضَلُكُمْ) شَكٌّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَأَصْحَابُ سُفْيَانَ لَا يَذْكُرُونَ فِيهِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَهُوَ أَصَحُّ) وَهَكَذَا حَكَمَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ عَلَى يَحْيَى القطان فيه بالوهم وقال بن عَدِيٍّ جَمَعَ يَحْيَى الْقَطَّانُ بَيْنَ شُعْبَةَ وَسُفْيَانَ فَالثَّوْرِيُّ لَا يَذْكُرُ فِي إِسْنَادِهِ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ وَهَذَا مِمَّا عُدَّ فِي خَطَأِ يَحْيَى القطان على الثوري قال بن عدي إن يحيى القطان لم يخطىء قَطُّ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَذَا فِي الفتح وقال أَبُو عِيسَى (وَقَدْ زَادَ شُعْبَةُ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ سَعْدَ بْنَ عُبَيْدَةَ وَكَانَ حَدِيثُ سُفْيَانَ أَشْبَهَ) وَالْبُخَارِيُّ أَخْرَجَ الطَّرِيقَيْنِ فَكَأَنَّهُ تَرَجَّحَ

عِنْدَهُ أَنَّهُمَا جَمِيعًا مَحْفُوظَانِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ عَلْقَمَةَ سَمِعَهُ أَوَّلًا مِنْ سَعْدٍ ثُمَّ لَقِيَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَحَدَّثَهُ بِهِ أَوْ سَمِعَهُ مَعَ سَعْدٍ مِنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَثَبَّتَهُ فِيهِ سَعْدٌ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (قَالَ عَلِيُّ بن عبد الله هو بن الْمَدِينِيِّ) (قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (مَا أَحَدٌ يَعْدِلُ عِنْدِي شُعْبَةَ) أَيْ لَيْسَ عِنْدِي أَحَدٌ يُسَاوِي شُعْبَةَ فِي الْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ (وَإِذَا خَالَفَهُ سُفْيَانُ أَخَذْتُ بِقَوْلِ سُفْيَانَ) لِأَنَّ سُفْيَانَ أَحْفَظُ وَأَتْقَنُ مِنْ شُعْبَةَ وَقَدِ اعْتَرَفَ بِهِ شُعْبَةُ نَفْسُهُ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ (سَمِعْتُ أَبَا عَمَّارٍ يَذْكُرُ عَنْ وَكِيعٍ إِلَخْ) (وَمَا حَدَّثَنِي سُفْيَانُ عَنْ أَحَدٍ بِشَيْءٍ فَسَأَلْتُهُ إِلَّا وَجَدْته كَمَا حَدَّثَنِي) هَذَا دَلِيلُ شُعْبَةَ عَلَى أَنَّ سُفْيَانَ أَحْفَظُ مِنْهُ يَعْنِي لَمْ يُحَدِّثْنِي سُفْيَانُ بِشَيْءٍ عَنْ رَجُلٍ فَسَأَلْتَ ذَلِكَ الرَّجُلَ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ إِلَّا وَجَدْتُ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ كَمَا حَدَّثَنِي بِهِ سُفْيَانُ فَبَطَلَ قَوْلُ بَعْضِ الْجَهَلَةِ أَنَّ قَوْلَ شُعْبَةَ سُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنِّي مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَالَهُ هَضْمًا لِنَفْسِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعْدٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ) الْعَبْدِيُّ مَوْلَاهُمِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ فِي حَدِيثِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ وَحْدَهُ مَقَالٌ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ) بْنِ الْحَارِثِ الْوَاسِطِيِّ يُكَنَّى بِأَبِي شَيْبَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ عَنْ أَبِيهِ لَيْسَ بِذَاكَ وَهُوَ الَّذِي يُحَدِّثُ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ انْتَهَى (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْكُوفِيِّ رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وغيره وعنه بن أُخْتِهِ أَبُو شَيْبَةَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الْكُوفِيُّ وَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُهُ فِيمَا قَالَ أبو حاتم وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالرَّاوِي عَنْهُ ضَعِيفٌ فَلَا يُحْتَجُّ بِخَبَرِهِ انتهى

باب ما جاء في من قرأ حرفا من القرآن

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَخْ) لَمْ يَحْكُمِ التِّرْمِذِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِشَيْءٍ مِنَ الضَّعْفِ أَوِ الصِّحَّةِ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ الْوَاسِطِيِّ 7 - (بَاب مَا جاء في من قَرَأَ حَرْفًا مِنْ الْقُرْآنِ) مَالَهُ مِنْ الْأَجْرِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ) اسْمُهُ عَبْدُ الْكَبِيرِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ الْحَنَفِيُّ الصَّغِيرُ قَوْلُهُ (مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ) أَيِ الْقُرْآنِ (وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا) أَيْ مُضَاعَفَةٌ بِالْعَشْرِ وَهُوَ أَقَلُّ التَّضَاعُفِ الْمَوْعُودِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَاللَّهُ يضاعف لمن يشاء وَالْحَرْفُ يُطْلَقُ عَلَى حَرْفِ الْهِجَاءِ وَالْمَعَانِي وَالْجُمْلَةِ الْمُفِيدَةِ وَالْكَلِمَةِ الْمُخْتَلَفِ فِي قِرَاءَتِهَا وَعَلَى مُطْلَقِ الْكَلِمَةِ وَلِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَقُولُ ألم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ وَفِي رواية بن أَبِي شَيْبَةَ وَالطَّبَرَانِيِّ مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنَ الْقُرْآنِ كُتِبَ لَهُ بِهِ حَسَنَةٌ لَا أَقُولُ ألم ذلك الكتاب وَلَكِنِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ وَالذَّالُ وَاللَّامُ وَالْكَافُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ لَا أَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ وَلَكِنْ بَاءٌ وَسِينٌ وَمِيمٌ وَلَا أَقُولُ الم وَلَكِنِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ وَالْمِيمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ قُتَيْبَةَ بْنَ سَعِيدٍ) يَقُولُ بَلَغَنِي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرُظِيَّ وُلِدَ فِي حَيَاةِ

النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ وَإِنَّمَا الَّذِي وُلِدَ فِي عَهْدِهِ هُوَ أَبُوهُ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ مِنْ سَبْيِ قُرَيْظَةَ مِمَّنْ لَمْ يَحْتَلِمْ وَلَمْ يُنْبِتْ فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ حَكَى ذَلِكَ الْبُخَارِيُّ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدٍ انْتَهَى (وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ يُكَنَّى أَبَا حَمْزَةَ) وَقِيلَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مَدَنِيٌّ مِنْ حُلَفَاءِ الْأَوْسِ وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ سَبْيِ قُرَيْظَةَ سَكَنَ الكوفة ثم المدينة قال بن سَعْدٍ كَانَ ثِقَةً عَالِمًا كَثِيرَ الْحَدِيثِ وَرِعًا قَالَ الْعِجْلِيُّ مَدَنِيٌّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ رَجُلٌ صَالِحٌ عَالِمٌ بِالْقُرْآنِ وَقَالَ عَوْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَا رَأَيْتَ أَحَدًا أَعْلَمَ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ مِنْهُ وقال بن حِبَّانَ كَانَ مِنْ أَفَاضِلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عِلْمًا وَفِقْهًا وَكَانَ يَقُصُّ فِي الْمَسْجِدِ فَسَقَطَ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ سَقْفٌ فَمَاتَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مَعَهُ تحت الهدم سنة ثمان عشرة قوله (عن عاصم) بن بهدلة وهو بن أَبِي النَّجُودِ قَوْلُهُ (يَا رَبِّ حَلِّهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَمْرٌ مِنَ التَّحْلِيَةِ يُقَالُ حَلَّيْتُهُ أُحَلِّيهِ تَحْلِيَةً إِذَا أَلْبَسْتُهُ الْحِلْيَةَ وَالْمَعْنَى يَا رَبِّ زَيِّنْهُ (اقْرَأْ) أَمْرٌ مِنَ الْقِرَاءَةِ أَيِ اتْلُ (وارق) أمر من رقأ يرقا رقا أَيِ اصْعَدْ قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَقَأَ فِي الدَّرَجَةِ صَعِدَ وَهِيَ الْمَرْقَأَةُ وَتُكْسَرُ أَيْ يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ اقْرَأِ الْقُرْآنَ وَاصْعَدْ عَلَى دَرَجَاتِ الْجَنَّةِ وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ عَنْ قَرِيبٍ فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن) وأخرجه بن خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ للمنذري

قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَنَا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ شُعْبَةَ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ الْمَوْقُوفُ الَّذِي رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الصَّمَدِ عَنْ شُعْبَةَ الْمَرْفُوعِ الْمَذْكُورِ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَ الصَّمَدِ وإِنْ كَانَ ثِقَةً فِي شُعْبَةَ لَكِنْ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَدَنِيُّ الْبَصْرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ أَوْثَقُ وَأَتْقَنُ مِنْهُ فِي شُعْبَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ صَاحِبُ الْكَرَابِيسِ رَوَى عَنْ شُعْبَةَ فَأَكْثَرَ وَجَالَسَهُ نَحْوًا مِنْ عِشْرِينَ سَنَةً وَكَانَ رَبِيبَهُ وَقَالَ الْعِجْلِيُّ بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ وَكَانَ مِنْ أَثْبَتِ النَّاسِ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ وقال بن الْمُبَارَكِ إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي حَدِيثِ شُعْبَةَ فكتاب غندر حكم بينهم 8 - باب قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ) اسْمُهُ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ اللَّيْثِيُّ (أَخْبَرَنَا بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالنُّونِ مُصَغَّرًا كُوفِيٌّ عَابِدٌ سَكَنَ بَغْدَادَ صدوق له أغلاط أفرط فيه بن حِبَّانَ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (مَا أَذِنَ اللَّهُ) أَيْ مَا أَصْغَى وَمَا اسْتَمَعَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَذِنَ إِلَيْهِ وَلَهُ كَفَرِحَ استمع قال الطيبي وههنا أَذِنَ عِبَارَةٌ عَنِ الْإِقْبَالِ مِنَ اللَّهِ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ عَلَى الْعَبْدِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ فَرَغَ مِنَ الشَّوَاغِلِ مُتَوَجِّهًا إِلَى مَوْلَاهُ مُنَاجِيًا لَهُ بِقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ فاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَيْضًا يُقْبِلُ عَلَيْهِ بِلُطْفِهِ وَإِحْسَانِهِ إِقْبَالًا لَا يُقْبِلُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْعِبَادَاتِ (لِعَبْدٍ فِي شَيْءٍ) أَيْ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَاتِ (أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا) يَعْنِي أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ الصَّلَاةُ كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ الصَّلَاةُ خَيْرُ مَوْضُوعٍ أَيْ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ مَا وَضَعَهُ اللَّهُ لِعِبَادِهِ لِيَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ (وَإِنَّ الْبِرَّ لَيُذَرُّ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُنْثَرُ وَيُفَرَّقُ مِنْ قَوْلِهِمْ ذَرَرْتَ الحب

وَالْمِلْحَ أَيْ فَرَّقْتُهُ (عَلَى رَأْسِ الْعَبْدِ) أَيْ يُنْزِلُ الرَّحْمَةَ وَالثَّوَابَ الَّذِي هُوَ أَثَرُ الْبِرِّ عَلَى الْمُصَلِّي (وَمَا تَقَرَّبَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمِثْلِ مَا خَرَجَ مِنْهُ) قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبِحَارِ أَيْ مَا ظَهَرَ مِنَ اللَّهِ وَنَزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ وَقِيلَ مَا خَرَجَ مِنَ الْعَبْدِ بِوُجُودِهِ عَلَى لِسَانِهِ مَحْفُوظًا فِي صَدْرِهِ مَكْتُوبًا بِيَدِهِ وَقِيلَ مَا ظَهَرَ مِنْ شَرَائِعِهِ وَكَلَامِهِ أَوْ خَرَجَ مِنْ كِتَابِهِ الْمُبِينِ وَمَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ لِلْإِنْكَارِ وَيَجُوزُ كَوْنُهَا نَافِيَةً وَهُوَ أقرب أي ما تقرب بشيء مثل انْتَهَى مَا فِي الْمَجْمَعِ (قَالَ أَبُو النَّضْرِ) الرَّاوِي عَنْ بَكْرِ بْنِ خُنَيْسٍ (يَعْنِي الْقُرْآنَ) هَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ أَبِي النَّضْرِ لِقَوْلِهِ مَا خَرَجَ مِنْهُ وَهَذَا التَّفْسِيرُ أَوْلَى عِنْدِي يَعْنِي ضَمِيرُ مِنْهُ يَرْجِعُ إِلَى اللَّهِ وَالْمُرَادُ بِمَا خَرَجَ مِنْهُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْقُرْآنُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِي سَنَدِهِمَا بَكْرُ بْنُ خُنَيْسٍ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَقَدِ اخْتَلَطَ أَخِيرًا وَلَمْ يَتَمَيَّزْ حَدِيثُهُ فَتُرِكَ قَوْلُهُ (وَبَكْرُ بْنُ خنيس قد تكلم فيه بن المبارك وتركه في آخر أمره) قال بن مَعِينٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَالَ مَرَّةً ضَعِيفٌ وَقَالَ مَرَّةً شَيْخٌ صَالِحٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعِيفٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ مَتْرُوكٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ صَالِحٌ غَزَّاءٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ بن حِبَّانَ يَرْوِي عَنِ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ أَشْيَاءَ مَوْضُوعَةً يَسْبِقُ إِلَى الْقَلْبِ أَنَّهُ الْمُتَعَمِّدُ لَهَا كَذَا في الميزان وإلى قول بن حِبَّانَ هَذَا أَشَارَ الْحَافِظُ بِقَوْلِهِ أَفْرَطَ فِيهِ بن حبان

19 - باب قوله (أخبرنا جرير) هو بن عَبْدِ الْحَمِيدِ (عَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ) الْجَنْبِيِّ الْكُوفِيِّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِيهِ لِينٌ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ حُصَيْنِ بْنِ جُنْدُبٍ وَآخَرِينَ وَعَنْهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ وَآخَرُونَ (عَنْ أَبِيهِ) أَبِي ظَبْيَانَ وَاسْمُهُ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدُبٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (إِنَّ الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ) أَيْ قَلْبِهِ (شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ أَيِ الْخَرَابِ لِأَنَّ عِمَارَةَ الْقُلُوبِ بِالْإِيمَانِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَزِينَةَ الْبَاطِنِ بِالِاعْتِقَادَاتِ الْحَقَّةِ وَالتَّفَكُّرِ فِي نَعْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ أُطْلِقَ الْجَوْفُ وَأُرِيدَ بِهِ الْقَلْبُ إِطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ وَقَدِ اسْتُعْمِلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جوفه وَاحْتِيجَ لِذِكْرِهِ لِيَتِمَّ التَّشْبِيهُ لَهُ بِالْبَيْتِ الْخَرِبِ بِجَامِعِ أَنَّ الْقُرْآنَ إِذَا كَانَ فِي الْجَوْفِ يَكُونُ عَامِرًا مُزَيَّنًا بِحَسْبِ قِلَّةِ مَا فِيهِ وَكَثْرَتِهِ وَإِذَا خَلَا عَمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ مِنَ التَّصْدِيقِ وَالِاعْتِقَادِ الْحَقِّ وَالتَّفْكِيرِ فِي آلَاءِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَصِفَاتِهِ يَكُونُ كَالْبَيْتِ الْخَرِبِ الْخَالِي عَمَّا يَعْمُرُهُ مِنَ الْأَثَاثِ وَالتَّجَمُّلِ انْتَهَى قَالَ القارىء بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الطِّيبِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَكَأَنَّهُ عَدَلَ عَنْ ظَاهِرِ الْمُقَابَلَةِ الْمُتَبَادِرِ إِلَى الْفَهْمِ وَإِذَا خَلَّا عَنِ الْقُرْآنِ لِعَدَمِ ظُهُورِ إِطْلَاقِ الْخَرَابِ عَلَيْهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الْحَفَرِيُّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ نِسْبَةً إِلَى حَفَرَ مَوْضِعٍ بِالْكُوفَةِ ثِقَةٌ عَابِدٌ (وَأَبُو نُعَيْمٍ) اسْمُهُ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ (عَنْ زر) هو بن حُبَيْشٍ قَوْلُهُ (يُقَالُ) أَيْ عِنْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ (لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ) أَيْ مَنْ يُلَازِمُهُ بِالتِّلَاوَةِ وَالْعَمَلِ

باب

(وَارْقَ) أَمْرٌ مِنْ رَقِيَ يَرْقَى أَيِ اصْعَدْ إلى درجات الحنة يُقَالُ رَقِيَ الْجَبَلَ وَفِيهِ وَإِلَيْهِ رَقْيًا وَرُقِيًّا أَيْ صَعِدَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ اقْرَأْ وَارْتَقِ (وَرَتِّلْ) أَيِ اقْرَأْ بِالتَّرْتِيلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ بِالْقِرَاءَةِ (كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا) مِنْ تَجْوِيدِ الْحُرُوفِ وَمَعْرِفَةِ الْوُقُوفِ (فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخر آية تقرأها) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ جَاءَ فِي الْأَثَرِ أَنَّ عَدَدَ آيِ الْقُرْآنِ عَلَى قدر درج الجنة في الاخرة فيقال للقاري ارْقَ فِي الدَّرَجِ عَلَى قَدْرِ مَا كُنْتَ تَقْرَأُ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ فَمَنِ اسْتَوْفَى قِرَاءَةَ جَمِيعِ الْقُرْآنِ اسْتَوْلَى عَلَى أَقْصَى دَرَجِ الْجَنَّةِ فِي الْآخِرَةِ وَمَنْ قَرَأَ جُزْءًا مِنْهُ كَانَ رُقِيُّهُ فِي الدَّرَجِ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ فَيَكُونُ مُنْتَهَى الثَّوَابِ عِنْدَ مُنْتَهَى الْقِرَاءَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن ماجه وبن حبان في صحيحه 0 - (باب) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدُ الْعَزِيزِ) بْنُ أَبِي رَوَّادٍ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ صدوق يخطىء وكان مرجئا أفرط بن حِبَّانَ فَقَالَ مَتْرُوكٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ

قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن المط بْنِ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ الْمَخْزُومِيِّ صَدُوقٌ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ وَالْإِرْسَالِ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (عُرِضَتْ عَلَيَّ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ فِي لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ (أُجُورُ أُمَّتِي) أَيْ ثَوَابُ أَعْمَالِهِمْ (حَتَّى الْقَذَاةُ) بِالرَّفْعِ أَوِ الْجَرِّ وَهِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْقَذَاةُ هِيَ مَا يَقَعُ فِي الْعَيْنِ مِنْ تُرَابٍ أَوْ تِبْنٍ أَوْ وَسَخٍ وَلَا بُدَّ فِي الْكَلَامِ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ أُجُورُ أَعْمَالِ أُمَّتِي وَأَجْرُ الْقَذَاةِ أَيْ أَجْرُ إِخْرَاجِ الْقَذَاةِ إِمَّا بِالْجَرِّ وَحَتَّى بِمَعْنَى إِلَى وَالتَّقْدِيرُ إِلَى إِخْرَاجِ الْقَذَاةِ وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ يُخْرِجُهَا الرَّجُلُ مِنَ الْمَسْجِدِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ لِلْبَيَانِ وَإِمَّا بِالرَّفْعِ عطفا على أجور فالقذاة مبتدأ ويخرجها خَبَرُهُ (فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا) أَيْ يَتَرَتَّبُ عَلَى نِسْيَانٍ (أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ) أَيْ مِنْ ذَنْبِ نسيان سورة كائنة (من القرآن) قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا مُنَافٍ لِمَا مَرَّ فِي بَابِ الْكَبَائِرِ قُلْتُ إِنْ سَلِمَ أَنَّ أَعْظَمَ وَأَكْبَرَ مُتَرَادِفَانِ فَالْوَعِيدُ عَلَى النِّسْيَانِ لِأَجْلِ أَنَّ مَدَارَ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ عَلَى الْقُرْآنِ فَنِسْيَانُهُ كَالسَّعْيِ فِي الْإِخْلَالِ بِهَا فَإِنْ قُلْتَ النِّسْيَانُ لَا يُؤَاخَذُ بِهِ قُلْتُ الْمُرَادُ تَرْكُهَا عَمْدًا إِلَى أَنْ يُفْضِي إِلَى النِّسْيَانِ وَقِيلَ الْمَعْنَى أَعْظَمُ مِنَ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ إِنْ لَمْ تَكُنْ عَنِ اسْتِخْفَافٍ وَقِلَّةِ تَعْظِيمٍ كَذَا نَقَلَهُ مَيْرَكُ عَنِ الْأَزْهَارِ انْتَهَى (أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا) أَيْ تَعَلَّمَهَا وَأَوْ لِلتَّنْوِيعِ وَإِنَّمَا قَالَ أُوتِيَهَا دُونَ حِفْظِهَا إِشْعَارًا بِأَنَّهَا كَانَتْ نِعْمَةً جَسِيمَةً أَوْلَاهَا اللَّهُ لِيَشْكُرَهَا فَلَمَّا نَسِيَهَا فَقَدْ كَفَرَ تِلْكَ النِّعْمَةَ (ثُمَّ نَسِيَهَا) قَالَ الطِّيبِيُّ فَلَمَّا عَدَّ إِخْرَاجَ الْقَذَاةِ الَّتِي لَا يَؤُبْهُ لَهَا مِنَ الْأُجُورِ تَعْظِيمًا لِبَيْتِ اللَّهِ عَدَّ أَيْضًا النِّسْيَانَ مِنْ أَعْظَمِ الْجُرْمِ تَعْظِيمًا لِكَلَامِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَكَأَنَّ فَاعِلَ ذَلِكَ عَدَّ الْحَقِيرَ عَظِيمًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَظِيمِ فَأَزَالَهُ عَنْهُ وَصَاحِبَ هَذَا عَدَّ الْعَظِيمَ حَقِيرًا فَأَزَالَهُ عَنْ قَلْبِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن ماجة وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ الْأَزْدِيُّ مَوْلَاهُمِ الْمَكِّيُّ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ

باب

(باب) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ) هُوَ الزُّبَيْرِيُّ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ (مَرَّ عَلَى قَارِئٍ يَقْرَأُ) أَيِ الْقُرْآنَ (ثُمَّ سَأَلَ) أَيْ طَلَبَ مِنَ النَّاسِ شَيْئًا مِنَ الرِّزْقِ (فَاسْتَرْجَعَ) أَيْ قَالَ عِمْرَانُ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ لابتلاء القارىء بِهَذِهِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي هِيَ السُّؤَالُ عَنِ النَّاسِ بِالْقُرْآنِ أَوْ لِابْتِلَاءِ عِمْرَانَ بِمُشَاهَدَةِ هَذِهِ الْحَالَةِ الشَّنِيعَةِ وَهِيَ مُصِيبَةٌ (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَلْيَسْأَلِ اللَّهَ بِهِ) أَيْ فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِالْقُرْآنِ مَا شَاءَ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُ إِذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ فَلْيَسْأَلْهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ بِآيَةِ عُقُوبَةٍ فَيَتَعَوَّذُ إِلَيْهِ بِهَا مِنْهَا وَإِمَّا أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ عَقِيبَ الْقِرَاءَةِ بِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ وَإِصْلَاحِ الْمُسْلِمِينَ في معاشهم ومعادهم (وقال محمود) أي بن غَيْلَانَ (هَذَا) أَيْ خَيْثَمَةُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ (خَيْثَمَةُ الْبَصْرِيُّ الَّذِي رَوَى عَنْهُ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ خَيْثَمَةُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِيمَا يُقَالُ أَبُو نَصْرٍ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ أَنَسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَوَى عَنْهُ الْأَعْمَشُ وَمَنْصُورٌ وَجَابِرٌ الْجُعْفِيُّ وغيرهم قال عباس عن بن معين ليس بشيء وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ هُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ (وَلَيْسَ هُوَ خَيْثَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) يَعْنِي خَيْثَمَةُ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ غَيْرُ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ خَيْثَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ وَكَانَ يُرْسِلُ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (وَقَدْ رَوَى جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ خَيْثَمَةَ هَذَا أَيْضًا) يَعْنِي أَنَّ جَابِرًا الْجُعْفِيَّ أَيْضًا مِنْ أَصْحَابِ خَيْثَمَةَ هَذَا وَرَوَى عَنْهُ كَمَا أَنَّ الْأَعْمَشَ مِنْ أَصْحَابِهِ

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْوَاسِطِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ الْبَخْتَرِيِّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُثَنَّاةِ بَيْنَهُمَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ سَاكِنَةٌ الْحَسَّانِيُّ بِمُهْمَلَتَيْنِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (عَنْ صُهَيْبٍ) هُوَ بن سِنَانٍ أَبُو يَحْيَى الرُّومِيُّ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ قَوْلُهُ (مَا آمَنَ بِالْقُرْآنِ مَنِ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَهُ) جَمْعُ مَحْرَمٍ بِمَعْنَى الْحَرَامِ الَّذِي هُوَ الْمُحَرَّمُ وَالضَّمِيرُ لِلْقُرْآنِ وَالْمُرَادُ فَرْدٌ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ قَالَ الطِّيبِيُّ مَنِ اسْتَحَلَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ فَقَدْ كَفَرَ مُطْلَقًا وَخَصَّ ذِكْرَ الْقُرْآنِ لِعَظَمَتِهِ وَجَلَالَتِهِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ) الْجَزَرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أَبُو فَرْوَةَ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ (وَلَا يُتَابَعُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَا يُتَابَعُ أَحَدٌ (وَأَبُو الْمُبَارَكِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو الْمُبَارَكِ عَنْ عَطَاءٍ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَرِوَايَتُهُ عَنْ صُهَيْبٍ مُرْسَلَةٌ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) يَعْنِي الْبُخَارِيَّ (أَبُو فَرْوَةَ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ الرَّهَاوِيُّ لَيْسَ بِحَدِيثِهِ بَأْسٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُقَارِبُ الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّ ابْنَهُ مُحَمَّدًا يَرْوِي عَنْهُ مَنَاكِيرَ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ هُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ) أَيِ الْمُعْلِنُ بِقِرَاءَتِهِ (كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ) أَيْ كَالْمُعْلِنِ باعطائها

باب

(وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ) أَيِ الْمُخْفِي بِقِرَاءَتِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَفِيهِ مَقَالٌ وَمِنْهُمْ مَنْ يُصَحِّحُ حَدِيثَهُ عَنِ الشَّامِيِّينَ وَهَذَا الْحَدِيثُ شَامِيُّ الْإِسْنَادِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي يُسِرُّ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ إِلَخْ) قَالَ الطِّيبِيُّ جَاءَ آثَارٌ بِفَضِيلَةِ الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ وَآثَارٌ بِفَضِيلَةِ الْإِسْرَارِ بِهِ وَالْجَمْعُ بِأَنْ يُقَالَ الْإِسْرَارُ أَفْضَلُ لِمَنْ يَخَافُ الرِّيَاءَ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ لِمَنْ لَا يَخَافُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ مِنْ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِي الْجَهْرِ يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إِلَى غَيْرِهِ أَيْ مِنَ اسْتِمَاعٍ أَوْ تَعَلُّمٍ أَوْ ذَوْقٍ أَوْ كَوْنِهِ شِعَارًا لِلدِّينِ وَلِأَنَّهُ يوقظ قلب القارىء وَيَجْمَعُ هَمَّهُ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ عَنْهُ وَيُنَشِّطُ غَيْرَهُ لِلْعِبَادَةِ فَمَتَى حَضَرَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ النِّيَّاتِ فالجهر أفضل 2 - (باب) قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي لُبَابَةَ) اسْمُهُ مَرْوَانُ الْوَرَّاقُ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ يُقَالُ أَنَّهُ مَوْلَى عَائِشَةَ أَوْ هِنْدِ بِنْتِ الْمُهَلَّبِ أَوْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ قَوْلُهُ (لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالزُّمَرَ) أَيْ لَمْ يَكُنْ عَادَتُهُ النَّوْمَ قَبْلَ قِرَاءَتِهِمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ (قَدْ رَوَى عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ غَيْرَ حَدِيثٍ) يَعْنِي رَوَى عَنْهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَحَادِيثَ مُتَعَدِّدَةً

قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بِلَالٍ) الْخُزَاعِيِّ الشَّامِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (كَانَ يَقْرَأُ الْمُسَبِّحَاتِ) بِكَسْرِ الْبَاءِ نِسْبَةٌ مَجَازِيَّةٌ وَهِيَ السُّوَرُ الَّتِي فِي أَوَائِلِهَا سُبْحَانَ أَوْ سَبَّحَ بِالْمَاضِي أَوْ يُسَبِّحُ أَوْ سَبِّحْ بِالْأَمْرِ وَهِيَ سبعة سبحان الذي أسرى وَالْحَدِيدُ وَالْحَشْرُ وَالصَّفُّ وَالْجُمُعَةُ وَالتَّغَابُنُ وَالْأَعْلَى (قَبْلَ أَنْ يَرْقُدَ) أَيْ يَنَامَ (يَقُولُ) اسْتِئْنَافٌ لِبَيَانِ الْحَامِلِ لَهُ عَلَى قِرَاءَةِ تِلْكَ السُّوَرِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ (إِنَّ فِيهِنَّ) أَيْ فِي الْمُسَبِّحَاتِ (آيَةً) أَيْ عَظِيمَةً (خَيْرٌ) أَيْ هِيَ خَيْرٌ (مِنْ أَلْفِ آيَةٍ) قِيلَ هِيَ {لو أنزلنا هذا القرآن} وَهَذَا مِثْلُ اسْمِ الْأَعْظَمِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ فِي الْفَضِيلَةِ فَعَلَى هَذَا فِيهِنَّ أَيْ في مجموعهن وعن الحافظ بن كثير أنها هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شيء عليم انتهى قال القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا هِيَ الْآيَةُ الَّتِي صُدِّرَتْ بِالتَّسْبِيحِ وفيهن بِمَعْنَى جَمِيعُهُنَّ وَالْخَيْرِيَّةُ لِمَعْنَى الصِّفَةِ التَّنْزِيهِيَّةِ الْمُلْتَزِمَةِ لِلنُّعُوتِ الْإِثْبَاتِيَّةِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَخْفَى الْآيَةَ فِيهَا كَإِخْفَاءِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي اللَّيَالِي وَإِخْفَاءِ سَاعَةِ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمْعَةِ مُحَافَظَةً عَلَى قِرَاءَةِ الْكُلِّ لِئَلَّا تَشِذَّ تِلْكَ الْآيَةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ نَقْلِ تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي إِسْنَادِهِ بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَبَقِيَّةُ فِيهِ مَقَالٌ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ بَحِيرِ بْنِ سَعْدٍ مُرْسَلًا انْتَهَى قُلْتُ وَبَقِيَّةُ كَثِيرُ التَّدْلِيسِ وروى هذا الحديث عن بحير بالعنعنة

باب

(باب) قَوْلُهُ (مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ) أَيْ يَدْخُلُ فِي الصَّبَاحِ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) التَّكْرَارُ لِلْإِلْحَاحِ فِي الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ خَبَرٌ لَفْظًا دُعَاءٌ مَعْنًى أَوِ التَّثْلِيثُ لِمُنَاسَبَةِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ حَتَّى لَا يُمْنَعَ القارىء عَنْ قِرَاءَتِهَا وَالتَّدَبُّرِ فِي مَعَانِيهَا وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلَاقِ مَا فِيهَا (وَقَرَأَ ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْحَشْرِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ فَإِنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الِاسْمِ الأعظم عند كثيرين (يصلون عليه) أي يَدْعُونَ لَهُ بِتَوْفِيقِ الْخَيْرِ وَدَفْعِ الشَّرِّ أَوْ يَسْتَغْفِرُونَ لِذُنُوبِهِ (وَمَنْ قَالَهَا) أَيِ الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةَ (كَانَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ) أَيْ بِالرُّتْبَةِ الْمَسْطُورَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا نَقْلٌ بِالْمَعْنَى اقْتِصَارًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَفِي سَنَدِهِمَا خَالِدُ بْنُ طَهْمَانَ وَكَانَ قَدْ خَلَطَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِعَشْرِ سِنِينَ 4 - (بَاب مَا جَاءَ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) بِالتَّصْغِيرِ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ يُقَالُ اسْمُ أَبِي مُلَيْكَةَ زُهَيْرٌ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ أَدْرَكَ ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِقَةٌ فقيه من الثالثة

قوله (ومالكم وَصَلَاتَهُ) بِالنَّصْبِ أَيْ مَا تَصْنَعُونَ بِصَلَاتِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّكُمْ لَا تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاتَهُ (ثُمَّ نَعَتَتْ) أَيْ وَصَفَتْ (قِرَاءَةً مُفَسَّرَةً) أَيْ مُبَيَّنَةً (حَرْفًا حَرْفًا) أَيْ كَانَ يَقْرَأُ بِحَيْثُ يُمْكِنُ عَدُّ حُرُوفِ مَا يَقْرَأُ وَالْمُرَادُ حُسْنُ التَّرْتِيلِ وَالتِّلَاوَةِ عَلَى نَعْتِ التَّجْوِيدِ قَالَ الطِّيبِيُّ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنْ تَقُولَ كَانَتْ قِرَاءَتُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ وَالثَّانِي أَنْ تَقْرَأَ مُرَتِّلَةً كَقِرَاءَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال بن عَبَّاسٍ لَأَنْ أَقْرَأَ سُورَةً أُرَتِّلُهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ بِغَيْرِ تَرْتِيلٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي (وقد روى بن جُرَيْجٍ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَخْ) كَذَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ ها هنا مُعَلَّقًا وَوَصَلَهُ فِي أَبْوَابِ الْقِرَاءَاتِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ قَوْلُهُ (كُلَّ ذَلِكَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ قَدْ كَانَ يَصْنَعُ (رُبَّمَا أَوْتَرَ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَرُبَّمَا أَوْتَرَ مِنْ آخِرِهِ) وَفِي رِوَايَةِ مَسْرُوقٍ أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَوَسَطَهُ وَآخِرَهُ وَلَكِنِ انْتَهَى وِتْرُهُ حِينَ مَاتَ إِلَى السَّحَرِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ) أَيْ فِي أَمْرِ الشَّرْعِ (سَعَةً) بِالْفَتْحِ أَيْ وَسَعَةً وَتَسْهِيلًا وَتَيْسِيرًا قَالَ الطِّيبِيُّ دَلَّ عَلَى أَنَّ السَّعَةَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّكَالِيفِ نِعْمَةٌ يَجِبُ تَلَقِّيهَا بِالشُّكْرِ (قَدْ كَانَ رُبَّمَا أَسَرَّ وَرُبَّمَا جَهَرَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَرْءَ مُخَيَّرٌ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ أَوْ يُسِرُّ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) العبدي البصري ثقة لم يصب من ضعفه من كبار العاشرة (أخبرنا إسرائيل) هو بن يُونُسَ قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ يَعْرِضُ نَفْسَهُ) أَيْ عَلَى النَّاسِ (بِالْمَوْقِفِ) أَيْ بِالْمَوْسِمِ (يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ) أَيْ لِأُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي (فَإِنَّ قُرَيْشًا قَدْ مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي) زَادَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ التِّرْمِذِيِّ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ هَمْدَانَ فَأَجَابَهُ ثُمَّ خَشِيَ أَنْ لَا يَتْبَعَهُ قَوْمُهُ فَجَاءَ إِلَيْهِ فَقَالَ آتِي قَوْمِي فَأُخْبِرُهُمْ ثُمَّ آتِيكَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ قَالَ نَعَمْ فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ قال الحافظ في الفتح ذكر بن إِسْحَاقَ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ قَدْ خَرَجَ إِلَى ثَقِيفٍ بِالطَّائِفِ يَدْعُوهُمْ إِلَى نَصْرِهِ فَلَمَّا امْتَنَعُوا مِنْهُ رَجَعَ إِلَى مَكَّةَ فَكَانَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ وَذَكَرَ بِأَسَانِيدَ مُتَفَرِّقَةٍ أَنَّهُ أَتَى كِنْدَةَ وَبَنِي كَعْبٍ وَبَنِي حُذَيْفَةَ وَبَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَغَيْرَهُمْ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَى مَا سَأَلَ وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَكَانَ فِي تِلْكَ السِّنِينَ أَيِ الَّتِي قَبْلَ الْهِجْرَةِ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ وَيُكَلِّمُ كُلَّ شَرِيفِ قَوْمٍ لَا يَسْأَلُهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْوُوهُ وَيَمْنَعُوهُ وَيَقُولُ لَا أُكْرِهُ أَحَدًا مِنْكُمْ عَلَى شَيْءٍ بَلْ أُرِيدُ أَنْ تَمْنَعُوا مَنْ يُؤْذِينِي حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ بَلْ يَقُولُونَ قَوْمُ الرَّجُلِ أَعْلَمُ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا ثُمَّ قَالَ وَجَاءَ وَفْدُ الْأَنْصَارِ فِي رَجَبٍ وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ بِإِسْنَادٍ حسن عن بن عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لَمَّا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ خَرَجَ وَأَنَا مَعَهُ وَأَبُو بَكْرٍ إِلَى مِنًى حَتَّى دَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْعَرَبِ وَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ

باب

وَكَانَ نَسَّابَةً فَقَالَ مَنِ الْقَوْمُ فَقَالُوا مِنْ رَبِيعَةَ فَقَالَ مِنْ أَيِّ رَبِيعَةَ أَنْتُمْ قَالُوا مِنْ ذُهْلٍ فَذَكَرُوا حَدِيثًا طَوِيلًا فِي مُرَاجَعَتِهِمْ وَتَوَقُّفِهِمْ أَخِيرًا عَنِ الْإِجَابَةِ قَالَ ثُمَّ دَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ وَهُمِ الَّذِينَ سَمَّاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارَ لِكَوْنِهِمْ أَجَابُوهُ إِلَى إِيوَائِهِ وَنَصْرِهِ قَالَ فَمَا نَهَضُوا حَتَّى بَايَعُوا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَمُنَاسَبَةُ هَذَا الْحَدِيثِ بِالْبَابِ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا بَلَّغَ قوما القرآن يقرأه عَلَيْهِمْ بِالتَّرْتِيلِ وَالتَّقْطِيعِ وَتَكُونُ قِرَاءَتُهُ عَلَيْهِمْ مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا لِيَتَدَبَّرُوا فِيهِ وَيَتَّعِظُوا بِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَصَحَّحَهُ الحاكم 5 - (باب) قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (أَخْبَرَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ الْعَبْدِيُّ) أَبُو عُمَرَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن الحسن بن أبي يزيد الهمداني) بالسكون أبو الحسن الكوفي نزيل واسط ضعيف من التَّاسِعَةِ (عَنْ عَطِيَّةَ) هُوَ الْعَوْفِيُّ قَوْلُهُ (مَنْ شَغَلَهُ الْقُرْآنُ عَنْ ذِكْرِي وَمَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ) أَيْ مَنِ اشْتَغَلَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَفْرُغْ إِلَى ذِكْرٍ وَدُعَاءٍ أَعْطَى اللَّهُ مَقْصُودَهُ وَمُرَادَهُ أَكْثَرَ وَأَحْسَنَ مِمَّا يُعْطِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَ حَوَائِجَهُمْ (وَفَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ) قَالَ مَيْرُك يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ تَتِمَّةِ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَحِينَئِذٍ فِيهِ الْتِفَاتٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا أَظْهَرُ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إِلَى ارْتِكَابِ الِالْتِفَاتِ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي تُحْفَةِ الذَّاكِرِينَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ لَعَلَّهَا خَارِجَةٌ مَخْرَجَ التَّعْلِيلِ لِمَا تَقَدَّمَهَا مِنْ أَنَّهُ يُعْطِي الْمُشْتَغِلَ بِالْقُرْآنِ

أَفْضَلَ مَا يُعْطِي اللَّهُ السَّائِلِينَ وَوَجْهُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ كَلَامُ الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَائِقًا عَلَى كُلِّ كَلَامٍ كَانَ أَجْرُ الْمُشْتَغِلِ فَوْقَ كُلِّ أَجْرٍ وَالْحَدِيثُ لَوْلَا أَنَّ فِيهِ ضَعْفًا لَكَانَ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتِّلَاوَةِ عَنِ الذَّكَرِ وَعَنِ الدُّعَاءِ يَكُونُ لِصَاحِبِهِ هَذَا الْأَجْرُ الْعَظِيمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا عَطِيَّةَ الْعَوْفِيَّ فَفِيهِ ضَعْفٌ انْتَهَى قُلْتُ وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ الْهَمْدَانِيُّ وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ الذَّهَبِيُّ حَسَّنَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ فَلَمْ يَحْسُنْ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الدَّارِمِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شعب الإيمان

43 - أبواب القراءات

43 - أبواب القراءات قَوْلُهُ (يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ) زَادَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ آيَةً آيَةً أَيْ يَقِفُ عِنْدَ كُلِّ آية (يقرأ الحمد لله رب العالمين ثم يقف الرحمن الرحيم ثُمَّ يَقِفُ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ يُقَطِّعُ قِرَاءَتَهُ (وَكَانَ يَقْرَؤُهَا) فِي بَعْضِ النُّسَخِ يَقْرَأُ بِحَذْفِهَا (ملك يَوْمِ الدِّينِ) عَلَى وَزْنِ كَتِفٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وزاد بسم الله الرحمن الرحيم قبل الحمد لله رب العالمين وَقَالَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ وَسَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ الْقِرَاءَةُ القديمة مالك يوم الدين انْتَهَى قَوْلُهُ (وَبِهِ يَقْرَأُ أَبُو عُبَيْدٍ وَيَخْتَارُهُ) أَبُو عُبَيْدٍ هَذَا اسْمُهُ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْبَغْدَادِيُّ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مُصَنِّفٌ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ وَلَمْ أَرَ لَهُ فِي الْكُتُبِ حَدِيثًا مُسْنَدًا بَلْ أَقْوَالُهُ فِي شَرْحِ الْغَرِيبِ انْتَهَى وَذَكَرَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ تَرْجَمَتَهُ مَبْسُوطَةً وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْإِتْقَانِ أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ فِي الْقِرَاءَةِ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ قَرَأَ بَعْضُ الْقُرَّاءِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ وَقَرَأَ آخَرُونَ مَالِكِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مُتَوَاتِرٌ فِي السَّبْعِ وَيُقَالُ مَلِكِ بِكَسْرِ اللَّامِ وبإسكانهاويقال مليك أيضاوأشبع نافع كسرةالكاف فقرأ

مَلِكِي يَوْمِ الدِّينِ وَقَدْ رَجَّحَ كُلًّا مِنَ الْقِرَاءَتَيْنِ مُرَجِّحُونَ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَكِلَاهُمَا صَحِيحَةٌ حَسَنَةٌ وَرَجَّحَ الزَّمَخْشَرِيُّ مَلِكِ لِأَنَّهَا قِرَاءَةُ أَهْلِ الحرمين ولقوله {لمن الملك اليوم} وقوله {الحق وله الملك} وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَرَأَ مَلَكَ يَوْمَ الدِّينِ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ وَفَاعِلٌ وَمَفْعُولٌ وَهَذَا شَاذٌّ غَرِيبٌ جِدًّا وَقَدْ رَوَى أَبُو بِكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا غَرِيبًا حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَزْدِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَدِيِّ بْنِ الفضل عن أبي المطرف عن بن شِهَابٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ ومعاوية وابنة يزيد بن معاوية كانوا يقرؤون مالك يوم الدين قال بن شِهَابٍ وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ مَلِكِ مَرْوَانُ قُلْتُ مَرْوَانُ عِنْدَهُ عِلْمٌ بِصِحَّةِ مَا قَرَأَهُ لَمْ يطلع عليه بن شِهَابٍ واللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ متعددة أوردها بن مَرْدَوَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان يقرؤها مالك يوم الدين انتهى كلام الحافظ بن كَثِيرٍ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ قَرَأَ عَاصِمٌ وَالْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ مَالِكِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ مَلِكِ قَالَ قَوْمٌ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ مِثْلُ فَرِهِينَ وَفَارِهِينَ وَحَذِرِينَ وَحَاذِرِينِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ لِأَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سعد روى هذا الحديث عن بن أبي مُلَيْكَةَ عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ عَنْ أم سلمة) فزاد الليث بين بن أَبِي مُلَيْكَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ يَعْلَى بْنَ مَمْلَكٍ فَعُلِمَ أَنَّ حَدِيثَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ وَغَيْرَهُ بِدُونِ ذِكْرِ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ بَيْنَهُمَا مُنْقَطِعٌ (وَحَدِيثُ اللَّيْثِ أَصَحُّ) أَيْ مِنْ حَدِيثِ يحيى بن سعيد الأموي وغيره عن بن جريج عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قُلْتُ صَرَّحَ الحافظ في تهذيب التهذيب أن بن أَبِي مُلَيْكَةَ رَوَى عَنْ أَسْمَاءَ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سلمة وفي البخاري قال بن أَبِي مُلَيْكَةَ أَدْرَكْتُ ثَلَاثِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ فَيَجُوزُ أن بن أَبِي مُلَيْكَةَ كَانَ يَرْوِي الْحَدِيثَ أَوَّلًا عَنْ يَعْلَى عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ثُمَّ لَقِيَهَا فَسَمِعَهُ مِنْهَا فَرَوَى عَنْهَا بِلَا وَاسِطَةٍ واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قوله (أخْبَرَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ الرَّمْلِيُّ أبو مسعود الحميري الشيباني صدوق يخطىء كَذَا فِي التَّقرِيبِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ هَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ارْمِ بِهِ وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى

قوله (كانوا يقرؤون مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) أَيْ بِالْأَلِفِ بَعْدَ الْمِيمِ عَلَى وَزْنِ فَاعِلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ وَضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ كَمَا عَرَفْتَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ (وقد روى بعض أصحاب الزهرى هذا الحديث عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) يَعْنِي رَوَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا (وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن سعيد بن المسيب أن النبي إِلَخ) هَذَا أَيْضًا مُرْسَلٌ وَهَذَا الْمُرْسَلُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَالزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ انْتَهَى يَعْنِي حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ الْمُرْسَلُ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ الْمُتَّصِلِ وَمِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِي عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ الْمُتَّصِلِ وَحَدِيثِ الزُّهْرِي عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ وَفِي الدُّرُ الْمَنْثُورِ وَأَخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ منصور وبن أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقرؤون مالك يوم الدين وأخرج الطبراني في معجمه الكبير عن بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مالك يوم الدين بِالْأَلِفِ وَأَخْرَجَ وَكِيعٌ وَالْفِرْيَابِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَسَعِيدُ بن منصور وعبد بن حميد وبن الْمُنْذِرِ مِنْ طُرُقٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أنه كان يقرأ مالك يوم الدين بِالْأَلِفِ وَأَخرَجَ وَكِيعٌ وَالْفِرْيَابِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وبن أَبِي دَاوُدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يقرؤها مالك يوم الدين بالألف قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ) الْأَيْلِيِّ هُوَ أَخُو يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ فِي تهذيب التهذيب ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَجْهُولٌ انتهى

قَوْلُهُ (وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ) أَيْ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى مَحَلِّ أَنَّ النَّفْسَ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ رَفَعَهَا الْكِسَائِيُّ عَلَى أَنَّهَا جُمَلٌ مَعْطُوفَةٌ عَلَى أَنَّ وَمَا فِي حَيِّزِهَا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى انْتَهَى وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَالْعَيْنُ وما بعدها بالرفع وقرأ بن كثير وبن عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَعَمْرٌو وَالْجُرُوحُ بِالرَّفْعِ فَقَطْ وَقَرَأَهَا الْآخَرُونَ كُلَّهَا بِالنَّصْبِ كَالنَّفْسِ انْتَهَى قَوْلُهُ (قَالَ سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ) الْمَرْوَزِيُّ أَبُو الْفَضْلِ الْمَعْرُوفُ بِالشَّاهِ (حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا بن الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَمْ تُوجَدْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَوُجِدَتْ فِي بَعْضِهَا وَحَذْفُهَا هُوَ الظَّاهِرُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ (قَالَ محمد) يعني البخاري (تفرد بن الْمُبَارَكِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ) وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ لَمْ يَرْوِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَّا أَبُو عَلِيٍّ وَلَا عَنْهُ إِلَّا يونس تفرد به بن الْمُبَارَكِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هَلْ تَسْتَطِيعُ رَبَّك) بِالتَّاءِ وَنَصْبِ بَاءِ رَبَّكَ أَيْ هَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَسْأَلَ رَبَّكَ هَذِهِ قِرَاءَةُ الكسائي وقراءة غيره هل يستطيع ربك بِالْيَاءِ وَرَفْعِ بَاءِ رَبُّك وَالْآيَةُ بِتَمَامِهَا هَكَذَا {إذ قال الحواريون يا عيسى بن مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كنتم مؤمنين

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ) السَّعْدِيُّ الذَّارِعُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَفْصٍ) الْأَرْطَبَانِيُّ بِمُهْمَلَتَيْنِ وَمُوَحَّدَةٍ أَبُو حَفْصٍ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ قَالَ أَحْمَدُ مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ) اسْمُهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ الْأَنْصَارِيَّةُ الْأَشْهَلِيَّةُ رَوَتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهَا شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَغَيْرُهُ بَايَعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَهِدَتِ الْيَرْمُوكَ قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَؤُهَا) أَيِ الاية {إنه عمل غير صالح} (إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَنَصْبِ رَاءِ غَيْرَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُدَ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ سَأَلْتُ أُمَّ سَلَمَةَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالح) فَقَالَتْ قَرَأَهَا (إِنَّهُ عَمِلَ غَيْرَ صَالِحٍ) قَالَ الْخَازِنُ قَرَأَ الْكِسَائِيُّ وَيَعْقُوبُ عَمِلَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وفتح اللام وغير بِفَتْحِ الرَّاءِ عَلَى عَوْدِ ضَمِيرِ الْفِعْلِ عَلَى الِابْنِ وَمَعْنَاهُ إِنَّهُ عَمِلَ الشِّرْكَ وَالْكُفْرَ وَالتَّكْذِيبَ وَكُلُّ هَذَا غَيْرُ صَالِحٍ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ مِنَ الْقُرَّاءِ عَمَلٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَرَفْعِ اللَّامِ مَعَ التَّنْوِينِ وَغَيْرُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ سُؤَالَكَ إِيَّايَ أَنْ أُنْجِيَهُ مِنَ الْغَرَقِ عَمَلٌ غَيْرُ صالح لأن طلب نجاة الكافر بعد ما حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْهَلَاكِ بَعِيدٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ قَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَوَثَّقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَسَمِعْتُ عَبْدَ بْنَ حُمَيْدٍ) صَاحِبَ الْمُسْنَدِ ثِقَةٌ حَافِظٌ رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَخَلْقٌ (كِلَا الْحَدِيثَيْنِ عِنْدِي

وَاحِدٌ) هَذَا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ (وَقَدْ رَوَى شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ غَيْرَ حَدِيثٍ) أَيْ أَحَادِيثَ عَدِيدَةً (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ وَهِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ هَذِهِ خَطِيبَةَ النِّسَاءِ وَقَدْ رَوَى شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ أَيْضًا عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيَّةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةَ أحاديث انتهى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ الْبَصْرِيُّ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نَافِعٍ الْعَبْدِيُّ (أَخْبَرَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ) بْنِ الْأَسْوَدِ الْقَيْسِيُّ بالقاف ثم تحتانية أخو هدية يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيَّ صَدُوقٌ (أَخْبَرَنَا أَبُو الْجَارِيَةِ الْعَبْدِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ مَجْهُولٌ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ (أَنَّهُ قَرَأَ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لدني عذرا مثقلة) أي قرأ النون في لدني مُثْقَلَةً يَعْنِي مُشَدَّدَةً وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّهُ قَرَأَ قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي وَثَقَّلَهَا فَقِرَاءَةُ الْأَكْثَرِ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ قَالَ الْبَغَوِيُّ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ مِنْ لَدُنِي خَفِيفَةَ النُّونِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِتَشْدِيدِهَا انْتَهَى وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَرَأَ نَافِعٌ لَدُنِي بِتَحْرِيكِ النُّونِ وَالِاكْتِفَاءِ بِهَا عَنْ نُونِ الْوِقَايَةِ وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ لَدْنِي بِتَحْرِيكِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ

قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ) الرَّازِيُّ أَبُو يَعْلَى نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ سُنِيٌّ فَقِيهٌ طُلِبَ لِلْقَضَاءِ فَامْتَنَعَ أَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَحْمَدَ رَمَاهُ بِالْكَذِبِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ دِينَارٍ) الْأَزْدِيِّ ثم الطاحي بمهملتين البصري صدوق سيىء الْحِفْظِ رُمِيَ بِالْقَدَرِ تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَوْسٍ) الْعَدَوِيِّ الْبَصْرِيِّ رَوَى عَنْ مصدع أبو يَحْيَى وَعَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ دِينَارٍ الطَّاحِيِّ وَثَّقَهُ بن حبان وضعفه بن مَعِينٍ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَدُوقٌ لَهُ أَغَالِيطُ (عَنْ مِصْدَعٍ) عَلَى وَزْنِ مِنْبَرٍ (أَبِي يَحْيَى) الْأَعْرَجِ الْمُعَرْقَبِ مَقْبُولٌ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ الْخَزْرَجِيُّ مِصْدَعٌ الْأَعْرَجُ أَبُو يَحْيَى الْمُعَرْقَبُ بِفَتْحِ الْقَافِ عَرْقَبَهُ بِشْرُ بْنُ مَرْوَانَ مُوَثَّقٌ قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبُو دَاوُدَ أَقْرَأَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ كَمَا أَقْرَأهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في عين حمئة مُخَفَّفَةً أَيْ بِحَذْفِ الْأَلِفِ بَعْدَ الْحَاءِ يَعْنِي لَا حَامِيَةٍ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ كَمَا فِي قِرَاءَةٍ قَالَ الْبَغَوِيُّ قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ حَامِيَةٍ بِالْأَلْفِ غَيْرَ مَهْمُوزَةٍ أَيْ حَارَّةٍ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ حَمِئَةٍ مَهْمُوزًا بِغَيْرِ الْأَلِفِ أَيْ ذَاتُ حَمْأَةٍ وَهِيَ الطِّينَةُ السَّوْدَاءُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قوله في عين حمئة أَيْ عِنْدَهَا عَيْنٌ حَمِئَةٌ أَوْ فِي رَأْيِ الْعَيْنِ وَذَلِكَ أَنَّهُ بَلَغَ مَوْضِعًا مِنَ الْمَغْرِبِ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعُمْرَانِ فَوَجَدَ الشَّمْسَ كَأَنَّهَا تَغْرُبُ فِي وَهْدَةٍ مُظْلِمَةٍ كَمَا أن راكب البحريرى الشَّمْسَ كَأَنَّهَا تَغِيبُ فِي الْبَحْرِ وَقَدْ جَاءَ فِي قِرَاءَةِ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ كُنْتَ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى حِمَارٍ وَالشَّمْسُ عِنْدَ غُرُوبِهَا فَقَالَ هَلْ تَدْرِي أَيْنَ تَغْرُبُ هَذِهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَامِيَةٍ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ بن جَرِيرٍ وَالصَّوَابُ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَأَيُّهُمَا قَرَأَ القارىء فهو مصيب انتهى وقال بن كثير ولا منافاة بين معنيهما إِذْ قَدْ تَكُونُ حَارَّةً لِمُجَاوَرَتِهَا وَهَجَ الشَّمْسِ عِنْدَ غُرُوبِهَا وَمُلَاقَاتِهَا الشُّعَاعَ بِلَا حَائِلٍ وَحَمِئَةً في ماء وطين أسود كما قال كَعْبُ الْأَحْبَارِ وَغَيْرُهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَالصَّحِيحُ مَا رُوِيَ عَنِ بن عَبَّاسٍ قِرَاءَتُهُ) يَعْنِي الصَّحِيحَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ موقوف على بن عباس وهو قرأفي

عين حمئة لَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَيُرْوَى أن بن عَبَّاسٍ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ اخْتَلَفَا فِي قِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَةِ وَارْتَفَعَا إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ فِي ذلك) أخرج سعيد بن منصور وبن المنذر من طريق عطاء عن بن عَبَّاسٍ قَالَ خَالَفْتُ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عِنْدَ معاوية في حمئة وحامية قرأتها في عين حمئة فَقَالَ عَمْرُو حَامِيَةٍ فَسَأَلْنَا كَعْبًا فَقَالَ إِنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ تَغْرُبُ فِي طِينٍ سَوْدَاءَ كَذَا فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ وَفِيهِ وَأَخْرَجَ عبد الرزاق وسعيد بن منصور وبن جرير وبن المنذر وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي حاضر أن بن عَبَّاسٍ ذَكَرَ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ قَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي فِي سُورَةِ الْكَهْفِ تغرب في عين حامية قال بن عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ مَا نَقْرَؤُهَا إِلَّا حَمِئَةٍ فَسَأَلَ مُعَاوِيَةُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو كَيْفَ تَقْرَؤُهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ كَمَا قَرَأْتُهَا قَالَ بن عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لِمُعَاوِيَةَ فِي بَيْتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ فَأَرْسَلَ إِلَى كَعْبٍ فَقَالَ لَهُ أَيْنَ تَجِدُ الشَّمْسَ تَغْرُبُ فِي التَّوْرَاةِ فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ سَلْ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ بِهَا وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَجِدُ الشَّمْسَ تَغْرُبُ فِي التَّوْرَاةِ فِي مَاءٍ وَطِينٍ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَغْرِبِ (فلو كانت عنده) أي عند بن عَبَّاسٍ (رِوَايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَاسْتَغْنَى بِرِوَايَتِهِ وَلَمْ يَحْتَجْ) مِنَ الِاحْتِيَاجِ (إِلَى كَعْبٍ) فَعُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا رُوِيَ عن بن عباس قراءته قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ (عن عطية) هو بن سَعْدِ بْنِ جُنَادَةَ الْعَوْفِيُّ قَوْلُهُ (ظَهَرْتَ الرُّومُ عَلَى فَارِسَ) أَيْ غَلَبُوا عَلَيْهِمْ (فَنَزَلَتْ الم غلبت الروم إلى قوله يفرح المؤمنون) أَيْ فَقُرِئَتْ لِأَنَّ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ كَانَ بِمَكَّةَ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْجِلَالَيْنِ (الم غُلِبَتِ الروم) وَهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ غَلَبَتْهَا فَارِسُ وَلَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ بَلْ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ فَفَرِحَ كُفَّارُ مَكَّةَ بِذَلِكَ وَقَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ نَحْنُ نَغْلِبُكُمْ كَمَا غلبت فارس الروم في أدنى الأرض أَيْ أَقْرَبِ أَرْضِ الرُّومِ إِلَى فَارِسَ بِالْجَزِيرَةِ فالتقى فيها الجيشان والبادي بالفوز الفارس (وَهُمْ) أَيِ الرُّومُ (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) أُضِيفَ الْمَصْدَرُ إِلَى الْمَفْعُولِ أَيْ غَلَبَةِ فَارِسَ إِيَّاهُمْ سَيَغْلِبُونَ فَارِسَ فِي بِضْعِ سِنِينَ هُوَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ أَوِ الْعَشْرِ فَالْتَقَى الْجَيْشَانِ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنَ الِالْتِقَاءِ الْأَوَّلِ وَغَلَبَتِ الرُّومُ فَارِسَ (لِلَّهِ الْأَمْرُ

من قبل ومن بعد) أَيْ مِنْ قَبْلِ غَلَبِ الرُّومِ وَمِنْ بَعْدِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ غَلَبَةَ فَارِسَ أَوَّلًا وَغَلَبَةَ الرُّومِ ثَانِيًا بِأَمْرِ اللَّهِ أَيْ إِرَادَتِهِ (وَيَوْمَئِذٍ) أَيْ يوم تغلب الروم ويفرح المؤمنون بنصر الله إِيَّاهُمْ عَلَى فَارِسَ وَقَدْ فَرِحُوا بِذَلِكَ وَعَلِمُوا به يوم وقوعه يوم بدر بنزول جبرائيل بِذَلِكَ فِيهِ مَعَ فَرَحِهِمْ بِنَصْرِهِمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِيهِ (يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ) الْغَالِبُ (الرحيم) بالمؤمنين قال بن جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أدنى الأرض اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الأمصار غلبت الروم بِضَمِّ الْغَيْنِ بِمَعْنَى أَنَّ فَارِسَ غَلَبَتِ الروم وقرأ غلبت الروم بفتح الغين والذين قرأوا بِفَتْحِ الْغَيْنِ قَالُوا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ خَبَرًا من الله نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غَلَبَةِ الرُّومِ قَالَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ الم غُلِبَتِ الرُّومُ بِضَمِّ الْغَيْنِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ فإذا كان ذلك كذلك فتأويلي الْكَلَامَ غَلَبَتْ فَارِسُ الرُّومَ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ إِلَى أَرْضِ فَارِسَ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ يَقُولُ وَالرُّومُ مِنْ بَعْدِ غَلَبَةِ فَارِسَ إِيَّاهُمْ سَيَغْلِبُونَ فَارِسَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلِ غَلَبَتِهِمْ فَارِسَ وَمِنْ بَعْدِ غَلَبَتِهِمْ إِيَّاهَا يَقْضِي فِي خَلْقِهِ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَيُظْهِرُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَنْ أَحَبَّ إِظْهَارَهُ عَلَيْهِ ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله يَقُولُ وَيَوْمَ يَغْلِبُ الرُّومُ فَارِسَ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهُ بِنَصْرِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَنُصْرَةِ الرُّومِ عَلَى فَارِسَ يَنْصُرُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ نُصْرَةُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِبَدْرٍ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ سَيَغْلِبُونَ فَإِنَّ الْقُرَّاءَ أَجْمَعِينَ عَلَى فَتْحِ الْيَاءِ فِيهَا وَالْوَاجِبُ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ الم غَلَبَتِ الرُّومُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ أَنْ يَقْرَأَ قَوْلَهُ سَيَغْلِبُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ فَيَكُونَ مَعْنَاهُ وَهُمْ مِنْ غَلَبَتِهِمْ فَارِسَ سَيَغْلِبُهُمِ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَصِحَّ مَعْنَى الْكَلَامِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ لِلْكَلَامِ كَبِيرُ مَعْنًى إِنْ فُتِحَتِ الْيَاءُ لِأَنَّ الْخَبَرَ عَمَّا قَدْ كَانَ يَصِيرُ إِلَى الْخَبَرِ عَنْ أَنَّهُ سَيَكُونُ وَذَلِكَ إِفْسَادُ أَحَدِ الْخَبَرَيْنِ بِالْآخَرِ انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوجه) وأخرجه بن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَزَّارُ وَفِي إِسْنَادِهِ عَطِيَّةُ بْنُ سَعْدٍ الْعَوْفِيُّ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ مِنَ التَّقْرِيبِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ تَابِعِيٌّ شَهِيرٌ ضَعِيفٌ قَالَ أَبُو حاتم يكتب حديثه ضعيف وقال بن مَعِينٍ صَالِحٌ وَقَالَ أَحْمَدُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَقَالَ بَلَغَنِي أَنَّ عَطِيَّةَ كَانَ يَأْتِي الْكَلْبِيَّ فَيَأْخُذُ عَنْهُ التَّفْسِيرَ وَكَانَ يُكَنِّيه بِأَبِي سَعِيدٍ فَيَقُولُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ قَالَ الذَّهَبِيُّ يَعْنِي يُوهِمُ أَنَّهُ الْخُدْرِيُّ وَقَالَ النَّسَائِيُّ وَجَمَاعَةٌ ضَعِيفٌ انْتَهَى وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ تَرْجَمَتَهُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَقَالَ فِيهِ قَالَ أَحْمَدُ وَحَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ سَمِعْتُ الْكَلْبِيَّ يَقُولُ كَنَّانِي عَطِيَّةُ أَبُو سعيد انتهى

قُلْتُ وَفِي عَطِيَّةَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ الْأَوَّلُ أَنَّهُ مُدَلِّسٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ ضَعِيفٌ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُ التَّفْسِيرَ عَنِ الْكَلْبِيِّ وَيُكَنِّيه بِأَبِي سَعِيدٍ فَيَقُولُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ يُوهِمُ أَنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَدِيثُهُ هَذَا ضَعِيفٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَفِي قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ نَظَرٌ (وَيُقْرَأُ غَلَبَتْ) أَيْ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَاللَّامِ عَلَى بِنَاءِ الفاعل قال البيضاوي وقرىء غَلَبَتْ بِالْفَتْحِ وَسَيُغْلَبُونَ بِالضَّمِّ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الرُّومَ غَلَبُوا عَلَى رِيفِ الشَّامِ وَالْمُسْلِمُونَ سَيَغْلِبُونَهُمْ وَفِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ نُزُولِهِ غَزَاهُمِ الْمُسْلِمُونَ وَفَتَحُوا بَعْضَ بِلَادِهِمْ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ إِضَافَةُ الْغَلَبِ إِلَى الْفَاعِلِ انْتَهَى (وَغُلِبَتْ) أَيْ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ (يَقُولُ كَانَتْ غُلِبَتْ) بِضَمِّ الْغَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ (ثُمَّ غَلَبَتْ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَاللَّامِ (هَكَذَا قَرَأَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ غَلَبَتْ) أَيْ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَاللَّامِ وَنَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ هَذَا هُوَ الْجَهْضَمِيُّ شَيْخُ التِّرْمِذِيِّ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا نُعَيْمُ بْنُ مَيْسَرَةَ النَّحْوِيُّ) الْكُوفِيُّ نَزَلَ الرِّيَّ يُكَنَّى أَبَا عُمَرَ صَدُوقٌ مِنَ الثامنة قوله (خلقكم من ضعف) أَيْ بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمَعْنَى بَدَأَكُمْ وَأَنْشَأَكُمْ عَلَى ضَعْفٍ وَقِيلَ مِنْ مَاءٍ ضَعِيفٍ وَقِيلَ هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ كَانَ جَنِينًا ثُمَّ طِفْلًا مَوْلُودًا وَمَفْطُومًا فَهَذِهِ أَحْوَالُ غَايَةِ الضَّعْفِ (فَقَالَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ضُعْفٍ يَعْنِي بِالضَّمِّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ قَرَأْتَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ} فَقَالَ مِنْ ضُعْفٍ قَرَأْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا قَرَأْتَهَا عَلَيَّ فَأَخَذَ عَلَيَّ كَمَا أَخَذْتُ عَلَيْكَ قَالَ الْبَغَوِيُّ قُرِئَ بِضَمِّ الضَّادِ وَفَتْحِهَا فَالضَّمُّ لُغَةُ قُرَيْشٍ وَالْفَتْحُ لُغَةُ تَمِيمٍ انْتَهَى وَقَالَ النَّسَفِيُّ فَتَحَ الضَّادَ عَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَضَمَّ غَيْرُهُمَا وَهُوَ اخْتِيَارُ حَفْصٍ وَهُمَا لُغَتَانِ وَالضَّمُّ أقوى في القراءة لما روى عن بن عُمَرَ قَالَ قَرَأْتُهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم من ضعف فأقرني مِنْ ضُعْفٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَمَدَارُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ لَا يحتج بحديثه

قوله (كان يقرأ فهل من مدكر) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ كَمَا هُوَ قِرَاءَةُ حَفْصٍ وَسَبَبُ ذِكْرِ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَ السَّلَفِ قَرَأَهَا بِالْمُعْجَمَةِ وَهُوَ مَنْقُولٌ أَيْضًا عَنْ قَتَادَةَ وَأَصْلُ مُدَّكِرٍ مُذْتَكِرٌ بِمُثَنَّاةٍ بَعْدَ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ دَالًا مُهْمَلَةً ثُمَّ أُهْمِلَتِ الْمُعْجَمَةُ لِمُقَارَبَتِهَا ثُمَّ أُدْغِمَتْ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فهل من مدكر فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ قَالَ وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأها فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ دَالًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (عَنْ هَارُونَ الْأَعْوَرِ) هُوَ هَارُونُ بْنُ مُوسَى الْأَزْدِيُّ الْعَتَكِيُّ مَوْلَاهُمِ النَّحْوِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مقرىء إِلَّا أَنَّهُ رُمِيَ بِالْقَدَرِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ بديل) بالتصغير هو بن مَيْسَرَةَ قَوْلُهُ (كَانَ يَقْرَأُ فَرُوحٌ) أَيْ بِضَمِّ الرَّاءِ قَالَهُ السُّيُوطِيُّ وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ الْبَغَوِيُّ قَرَأَ يَعْقُوبُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا فَمَنْ قَرَأَ بِالضَّمِّ قَالَ الْحَسَنُ مَعْنَاهُ يَخْرُجُ رُوحُهُ فِي الرِّيحَانِ وَقَالَ قَتَادَةُ الرُّوحُ الرَّحْمَةُ أَيْ لَهُ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ فَحَيَاةٌ وَبَقَاءٌ لَهُمْ وَمَنْ قَرَأَ بِالْفَتْحِ مَعْنَاهُ فَلَهُ رَوْحٌ وَهُوَ الرَّاحَةُ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فَرَحَ وَقَالَ الضَّحَّاكُ مَغْفِرَةٌ وَرَحْمَةٌ انْتَهَى (وَرَيْحَانٌ) أَيْ رِزْقٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ

قَوْلُهُ (قَدِمْنَا الشَّامَ فَأَتَانَا أَبُو الدَّرْدَاءِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ حَفْصٍ عَنِ الْأَعْمَشِ قَدِمَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ (أَفِيكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ) أي بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَالَ فَأَشَارُوا إِلَيَّ فَقُلْتُ نَعَمْ) أَيْ أَنَا أَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَقَالَ أَيُّكُمْ يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كُلُّنَا قَالَ فَأَيُّكُمْ أَحْفَظُ فَأَشَارُوا إِلَى عَلْقَمَةَ (كَيْفَ سَمِعْتَ عَبْدَ اللَّهِ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ وَاللَّيْلِ إذا يغشى) قال قلت سمعته يقرأها (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيق سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَرَأْتَ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى قَالَ أَأَنْتَ سَمِعْتَ مِنْ فِي صَاحِبِكَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ الْحَافِظُ هَذَا صَرِيحٌ فِي أن بن مسعود كان يقرأها كَذَلِكَ وَفِي رِوَايَةِ إِسْرَائِيلَ عَنْ مُغِيرَةَ فِي الْمَنَاقِبِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى بِحَذْفِ وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى كَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ وَأَثْبَتَهَا الْبَاقُونَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَهَكَذَا قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى) قَالَ الْحَافِظُ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ لم تنقل إلا عمن ذكر هنا ومن عداهم قرأوا وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَعَلَيْهَا اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ مَعَ قُوَّةِ إِسْنَادِ ذَلِكَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ وَلَعَلَّ هَذَا مِمَّا نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ وَلَمْ يَبْلُغِ النَّسْخُ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ وَالْعَجَبُ مِنْ نَقْلِ الْحُفَّاظِ مِنَ الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وبن مَسْعُودٍ وَإِلَيْهِمَا تَنْتَهِي الْقِرَاءَةُ بِالْكُوفَةِ ثُمَّ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ وَكَذَا أَهْلُ الشَّامِ حَمَلُوا الْقِرَاءَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَلَمْ يَقْرَأْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِهَذَا فَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي أَنَّ التلاوة بها نسخت قوله (أخبرنا عبيد الله) هو بن موسى (عن اسرائيل) هو بن يُونُسَ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ عَبْدِ الرحمن بن يزيد) هو بن قيس النخعي

قَوْلُهُ (إِنِّي أَنَا الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) هذه قراءة بن مَسْعُودٍ وَالْقِرَاءَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذو القوة المتين) قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ) اسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ الرَّازِيُّ (وَالْفَضْلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو سَهْلِ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخُو يَحْيَى بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخُو يَحْيَى بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَاسِطِيُّ الْأَصْلِ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ) بْنِ سَلْمٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ الهمداني البجلي أبو علي الكوفي صدوق يخطىء مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ) الْقُرَشِيِّ الْبَصْرِيِّ نَزِيلِ الْكُوفَةِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ قوله (وترى الناس سكارى) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَهِيَ الْقِرَاءَةُ الْمُتَوَاتِرَةُ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ سَكْرَى كَعَطْشَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) فِي سَنَدِهِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَا نَعْرِفُ لِقَتَادَةَ سَمَاعًا إِلَخْ قَوْلُهُ (الْحَدِيثَ بِطُولِهِ) بِالنَّصْبِ أَيِ اقْرَأِ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَأَتِمَّهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ الطَّوِيلُ

أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَجِّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ منصور) هو بن الْمُعْتَمِرِ (سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ) اسْمُهُ شَقِيقُ بْنُ سلمة (عن عبد الله) أي بن مسعود قوله (بئسما لِأَحَدِهِمْ) مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وَقَوْلُهُ (أَنْ يَقُولَ) مَخْصُوصٌ بِالذَّمِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله} أَيْ بِئْسَ شَيْئًا كَائِنًا لِلرَّجُلِ قَوْلُهُ (نَسِيتُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُخَفَّفَةِ (آيَةَ كَيْتَ وَكَيْتَ) أَيْ آيَةَ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فَتْحَهَا وَكَسْرَهَا عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ (بَلْ هُوَ نُسِّيَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ كَرَاهَةُ قَوْلِ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ قَوْلُهُ أُنْسِيتُهَا وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ نَسِيتُهَا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ التَّسَاهُلَ فِيهَا والتغافل عنها وقال الله تعالى {أتتك آيتنا فَنَسِيتَهَا} وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَوْلَى مَا يُتَأَوَّلُ عليه الحديث أن معناه ذم الحال لازم القول أي بئست الْحَالَةُ حَالَةَ مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ فَغَفَلَ عَنْهُ حَتَّى نَسِيَهُ انْتَهَى (فَاسْتَذْكِرُوا الْقُرْآنَ) أَيْ وَاظِبُوا عَلَى تِلَاوَتِهِ وَاطْلُبُوا مِنْ أَنْفُسِكُمِ الْمُذَاكَرَةَ بِهِ وَاسْتَحْضِرُوهُ فِي الْقَلْبِ (لَهُوَ أَشَدُّ تَفَصِّيًا) بِفَتْحِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَالْفَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الثَّقِيلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ خَفِيفَةٌ أَيْ تَفَلُّتًا وَتَخَلُّصًا وَهُوَ مَنْصُوبٌ على التمييز (من صدور الرجال) متعلق بتفصيا وَتَخْصِيصُ الرِّجَالِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ مِنْ شَأْنِهِمْ (مِنَ النَّعَمِ) بِفَتْحَتَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ النَّعَمُ أَصْلُهَا الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْإِبِلُ خَاصَّةً لِأَنَّهَا الَّتِي تُعْقَلُ انْتَهَى وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بأشد أَيْ أَشَدُّ مِنْ تَفَصِّي النَّعَمِ الْمُعَقَّلَةِ (مِنْ عُقُلِهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْقَافِ جَمْعُ عِقَالٍ كَكُتُبٍ جَمْعُ كِتَابٍ وَهُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ ذِرَاعُ الْبَعِيرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ

باب ما جاء أن القرآن أنزل القرآن على سبعة أحرف

(باب ما جاء أن القرآن أنزل القرآن على سبعة أحرف) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى) الْأَشْيَبُ أَبُو عَلِيٍّ الْبَغْدَادِيُّ قَاضِي الْمَوْصِلِ وَغَيْرِهَا ثِقَةٌ قَالَ بن عَمَّارٍ الْحَافِظُ كَانَ فِي الْمَوْصِلِ بِيعَةٌ لِلنَّصَارَى فَجَمَعُوا لَهُ مِائَةَ أَلْفٍ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بِأَنْ تُبْنَى فَرَدَّهَا وَحَكَمَ بِأَنْ لَا تُبْنَى مَاتَ بِالرَّيِّ سَنَةَ تِسْعٍ وَمِائَتَيْنِ (أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّمِيمِيُّ مَوْلَاهُمِ النَّحْوِيُّ (عَنْ عاصم) بن بهدلة وهو بن أَبِي النَّجُودِ قَوْلُهُ (إِنِّي بُعِثْتَ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ في الأميين رسولا منهم} وَالْأُمِّيُّ مَنْ لَا يَكْتُبُ وَلَا يَقْرَأُ كِتَابًا وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ أَرَادَ أَنَّهُمْ عَلَى أَصْلِ وِلَادَةِ أُمِّهِمْ لَمْ يَتَعَلَّمُوا الْكِتَابَةَ وَالْحِسَابَ فَهُمْ عَلَى جِبِلَّتِهِمِ الْأُولَى (مِنْهُمِ الْعَجُوزُ وَالشَّيْخُ الْكَبِيرُ) وَهُمَا عَاجِزَانِ عَنِ التَّعَلُّمِ لِلْكِبَرِ (وَالْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ) وَهُمَا غَيْرُ مُتَمَكِّنِينَ مِنَ الْقِرَاءَةِ المصغر (وَالرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يَقْرَأْ كِتَابًا قَطُّ) الْمَعْنَى أَنِّي بُعِثْتَ إِلَى أُمَّةٍ أُمِّيِّينَ مِنْهُمْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ فَلَوْ أَقْرَأْتُهُمْ عَلَى قِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهَا (قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ) أَيْ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ يَجُوزُ أَنْ يُقْرَأَ بِكُلِّ وَجْهٍ مِنْهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ وَلَا جُمْلَةٍ مِنْهُ تُقْرَأُ عَلَى سَبْعَةِ أَوْجُهٍ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ غَايَةَ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ عَدَدُ الْقِرَاءَاتِ فِي الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى سَبْعَةٍ فَإِنْ قِيلَ فَإِنَّا نَجِدُ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ يُقْرَأُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةِ أَوْجُهٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ غَالِبَ ذَلِكَ إِمَّا لَا يُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الِاخْتِلَافِ فِي كَيْفِيَّةِ الْأَدَاءِ كَمَا فِي الْمَدِّ وَالْإِمَالَةِ وَنَحْوِهِمَا وَقِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالسَّبْعَةِ حَقِيقَةَ الْعَدَدِ بَلِ الْمُرَادُ التَّسْهِيلُ وَالتَّيْسِيرُ وَلَفْظُ السَّبْعَةِ يُطْلَقُ عَلَى إِرَادَةِ الْكَثْرَةِ فِي الاحاد كما يطلق السبعين فِي الْعَشَرَاتِ وَالسَّبْعُ مِائَةٍ فِي الْمِئِينَ وَلَا يُرَادُ الْعَدَدُ الْمُعَيَّنُ وَإِلَى هَذَا جَنَحَ عِيَاضٌ ومن تبعه وذكر القرطبي عن بن حِبَّانَ أَنَّهُ بَلَغَ الِاخْتِلَافُ فِي مَعْنَى الْأَحْرُفِ السَّبْعَةِ إِلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ قَوْلًا وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ أكثرها غير مختار كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي قُلْتُ وَقَدْ أَطَالَ الحافظ بن جَرِيرٍ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِهِ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُنْزِلَ القرآن على سبعة أحرف وكذا الحافظ بن حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَهُمَا

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ عَلِيمًا حَكِيمًا غَفُورًا رَحِيمًا وَأَمَّا حديث أم أيوب وحديث سمرة فأخرجها أحمد في مسنده وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جُهَيْمٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَالطَّبَرِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي قَوْلُهُ (عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ) بْنِ نَوْفَلٍ لَهُ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ (وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ) بالتنوين بغير إضافة (القارىء) تشديد الْيَاءِ التَّحْتَانِيَّةِ نِسْبَةً إِلَى الْقَارَّةِ بَطْنٍ مِنْ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ (مَرَرْتُ بِهِشَامِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ) بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ الْقُرَشِيِّ الأسدي صحابي بن صَحَابِيٍّ وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا يَوْمَ الْفَتْحِ (فَكِدْتُ أُسَاوِرُهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ آخُذُ بِرَأْسِهِ قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ) وَقَالَ غَيْرُهُ أُوَاثِبُهُ وَهُوَ أَشْبَهُ قَالَ النَّابِغَةُ فَبِتُّ كَأَنِّي سَاوَرَتْنِي ضَئِيلَةٌ مِنَ الرَّقْشِ فِي أنيابها السم نافع أَيْ وَاثَبَتْنِي وَفِي بَانَتْ سُعَادُ إِذَا يُسَاوِرُ قَرْنًا لَا يَحِقُّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْقَرْنَ إِلَّا وَهْوَ مَجْدُولُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَنَظَرْتُ حَتَّى سَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَتَصَبَّرْتُ حَتَّى سَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ حَتَّى انْصَرَفَ أَيْ مِنَ الصَّلَاةِ (لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ) مِنَ التَّلْبِيبِ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ جَمَعْتُ

باب

عَلَيْهِ ثِيَابَهُ عِنْدَ لَبَّتِهِ لِئَلَّا يَتَفَلَّتَ مِنِّي وَكَانَ عُمَرُ شَدِيدًا بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَفَعَلَ ذَلِكَ عَنِ اجْتِهَادٍ مِنْهُ لِظَنِّهِ أَنَّ هِشَامًا خَالَفَ الصَّوَابَ وَلِهَذَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ قَالَ لَهُ أَرْسِلْهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ لَبَّبَهُ تَلْبِيبًا جَمَعَ ثِيَابَهُ عِنْدَ نَحْرِهِ فِي الْخُصُومَةِ ثُمَّ جَرَّهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ لَبَبْتُ الرَّجُلَ وَلَبَّبْتُهُ إِذَا جَعَلْتَ فِي عُنُقِهِ ثَوْبًا أَوْ غَيْرَهُ وَجَرَرْته بِهِ (قُلْتُ لَهُ كَذَبْتَ) فِيهِ إِطْلَاقُ ذَلِكَ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ كَذَبْتَ أَيْ أَخْطَأْتَ لِأَنَّ أَهْلُ الْحِجَازِ يُطْلِقُونَ الْكَذِبَ فِي مَوْضِعِ الْخَطَأِ قَالَهُ الْحَافِظُ (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ) أَوْرَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْمِينًا لعمر لئلا ينكر تصويب الشيئين المختلفين (فاقرؤوا ما تيسر منه) أَيْ مِنَ الْمُنَزَّلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو داود النسائي (باب) قَوْلُهُ (مَنْ نَفَّسَ) مِنَ التَّنْفِيسِ (عَنْ أَخِيهِ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا) أَيْ أَزَالَهَا وَفَرَّجَهَا قَالَ الطِّيبِيُّ كَأَنَّهُ فَتَحَ مَدَاخِلَ الْأَنْفَاسِ فَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنْتَ فِي نَفْسٍ أَيْ سعةكأن في كربة

سُدَّ عَنْهُ مَدَاخِلُ الْأَنْفَاسِ فَإِذَا فُرِّجَ عَنْهُ فُتِحَتْ وَالْمُرَادُ مِنْ أَخِيهِ أَخُوهُ فِي الْإِيمَانِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ (نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ) لَمَّا كَانَ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالَ اللَّهِ وَتَنْفِيسُ الْكُرَبِ إِحْسَانٌ فَجَزَاهُ اللَّهُ جَزَاءً وِفَاقًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا) أَيْ فِي قَبِيحٍ يَفْعَلُهُ فَلَا يَفْضَحُهُ أَوْ كَسَاهُ ثَوْبًا (سَتَرَهُ اللَّهُ) أَيْ عُيُوبَهُ أَوْ عَوْرَتَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ مسلم في حديث بن عمر وأما الستر المندوب إليه هنا فَالْمُرَادُ بِهِ السَّتْرُ عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَيْسَ هُوَ مَعْرُوفًا بِالْأَذَى وَالْفَسَادِ فَأَمَّا الْمَعْرُوفُ بِذَلِكَ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتُرَ عَلَيْهِ بَلْ يَرْفَعُ قَضِيَّتَهُ إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ مَفْسَدَةً لِأَنَّ السَّتْرَ عَلَى هَذَا يُطْمِعُهُ فِي الْإِيذَاءِ وَالْفَسَادِ وَانْتِهَاكِ الْحُرُمَاتِ وَجَسَارَةِ غَيْرِهِ عَلَى مِثْلِ فِعْلِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي سَتْرِ مَعْصِيَةٍ وَقَعَتْ وَانْقَضَتْ أَمَّا مَعْصِيَةٌ رَآهُ عَلَيْهَا وَهُوَ بَعْدُ مُتَلَبِّسٌ بِهَا فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِإِنْكَارِهَا عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ مِنْهَا عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَ رَفْعُهَا إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إِذَا لَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ انْتَهَى (وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ) أَيْ سَهَّلَ عَلَى فَقِيرٍ وَهُوَ يَشْمَلُ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرَ أَيْ مَنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى فَقِيرٍ فَسَهَّلَ عَلَيْهِ بِإِمْهَالٍ أَوْ بِتَرْكِ بَعْضِهِ أَوْ كُلِّهِ (يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ) بَدَلَ تَيْسِيرِهِ عَلَى عَبْدِهِ مُجَازَاةً بِجِنْسِهِ (واللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ) الْوَاوُ لِلِاسْتِئْنَافِ وَهُوَ تَذْيِيلٌ لِلْكَلَامِ السَّابِقِ (مَا كَانَ الْعَبْدُ) أَيْ مَا دَامَ كَانَ (فِي عَوْنِ أَخِيهِ) أَيْ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ (وَمَنْ سَلَكَ) أَيْ دَخَلَ أَوْ مَشَى (طَرِيقًا) أَيْ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا قِيلَ التَّنْوِينُ لِلتَّعْمِيمِ إِذِ النَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ قَدْ تُفِيدُ الْعُمُومَ (يَلْتَمِسُ فِيهِ) حَالٌ أو صفة (علما) نكره ليشمل كل نوع مِنْ أَنْوَاعِ عُلُومِ الدِّينِ قَلِيلَةً أَوْ كَثِيرَةً (سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ) زَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِهِ أَيْ بِذَلِكَ السُّلُوكِ أَوِ الِالْتِمَاسِ (طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ) أَيْ طَرِيقًا مُوَصِّلًا إِلَى الْجَنَّةِ مَعَ قَطْعِ الْعَقَبَاتِ الشَّاقَّةِ دُونَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ (وَمَا قَعَدَ قَوْمٌ فِي مَسْجِدٍ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ (يَتْلُونَ) حَالٌ مِنْ قَوْمٌ (كِتَابَ اللَّهِ) أَيِ الْقُرْآنَ (وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ) التَّدَارُسُ قِرَاءَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ تصحيحا لألفاظه أو كشفا لمعانيه قاله بن الْمَلَكِ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ تَدَارَسُوا الْقُرْآنَ أي اقرؤوه وتعهدوه لئلا تنسوه يقال درس يدرس ودراسة وَأَصْلُ الدِّرَاسَةِ الرِّيَاضَةُ وَالتَّعَهُّدُ لِلشَّيْءِ انْتَهَى وَقَالَ القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّدَارُسِ الْمُدَارَسَةَ الْمَعْرُوفَةَ بِأَنْ يَقْرَأَ بَعْضُهُمْ عَشْرًا مَثَلًا وَبَعْضُهُمْ عَشْرًا آخَرَ وَهَكَذَا فَيَكُونَ أَخَصَّ مِنْ

التِّلَاوَةِ أَوْ مُقَابِلًا لَهَا وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ شَامِلٌ لِجَمِيعِ مَا يُنَاطُ بِالْقُرْآنِ مِنَ التَّعْلِيمِ وَالتَّعَلُّمِ انْتَهَى (إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ) يَجُوزُ فِي مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ كَسْرُ الْهَاءِ وَضَمُّ الْمِيمِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ وَضَمُّهُمَا وَكَسْرُهُمَا قِيلَ الْمُرَادُ بِالسَّكِينَةِ ها هنا الرَّحْمَةُ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِعَطْفِ الرَّحْمَةِ عَلَيْهِ وَقِيلَ الطُّمَأْنِينَةُ وَالْوَقَارُ وهو أحسن قاله النووي (وحفظتهم الْمَلَائِكَةُ) أَيْ أَحَاطُوا بِهِمْ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَذَكَرَهُمِ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ (وَمَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ) مِنَ الْإِبْطَاءِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ من بطأ به عمل من التبطئة وهما ضد التعجل والبطوء نَقِيضُ السُّرْعَةِ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ وَالْمَعْنَى مَنْ أَخَّرَهُ عمل عَنْ بُلُوغِ دَرَجَةِ السَّعَادَةِ (لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ) مِنَ الْإِسْرَاعِ أَيْ لَمْ يُقَدِّمْهُ نَسَبُهُ يَعْنِي لَمْ يَجْبُرْ نَقِيصَتَهُ لِكَوْنِهِ نَسِيبًا فِي قَوْمِهِ إِذْ لَا يَحْصُلُ التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالنَّسَبِ بَلْ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَالَ تَعَالَى {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} وَشَاهِدُ ذَلِكَ أَنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ لَا أَنْسَابَ لَهُمْ يُتَفَاخَرُ بِهَا بَلْ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ مَوَالٍ وَمَعَ ذَلِكَ هُمْ سَادَاتُ الْأُمَّةِ وَيَنَابِيعُ الرَّحْمَةِ وَذَوُو الْأَنْسَابِ الْعَلِيَّةِ الَّذِينَ لَيْسُوا كَذَلِكَ فِي مَوَاطِنِ جَهْلِهِمْ نَسْيًا مَنْسِيًّا وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الدِّينِ أَقْوَامًا وَيَضَعُ بِهِ آخرين كذا قال القارىء في المرقاة وقد صدق القارىء قال بن الصَّلَاحِ فِي مُقَدِّمَتِهِ رَوَيْنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ قَدِمْتُ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ قَدِمْتَ يَا زُهْرِيٌّ قُلْتُ مِنْ مَكَّةَ قَالَ فَمَنْ خَلّفْتَ بِهَا يَسُودُ أَهْلَهَا قُلْتُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ وَبِمَ سَادَهُمْ قُلْتُ بِالدِّيَانَةِ وَالرِّوَايَةِ قَالَ إِنَّ أَهْلَ الدِّيَانَةِ وَالرِّوَايَةِ لَيَنْبَغِي أَنْ يَسُودُوا قَالَ فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ الْيَمَنِ قَالَ قُلْتُ طَاوُسُ بْنُ كَيْسَانَ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ وَبِمَ سَادَهُمْ قُلْتُ بِمَا سَادَهُمْ بِهِ عَطَاءٌ قَالَ إِنَّهُ لَيَنْبَغِي قَالَ فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ مِصْرَ قَالَ قُلْتُ يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ الشَّامِ قَالَ قُلْتُ مَكْحُولٌ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي عَبْدٌ نُوبِيٌّ أَعْتَقَتْهُ اِمْرَأَةٌ مِنْ هُذَيْلٍ قَالَ فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ الْجَزِيرَةِ قُلْتُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ خُرَاسَانَ قَالَ قُلْتُ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ قَالَ فَمِنَ الْعَرَبِ أَمِ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَالَ قُلْتُ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَمْ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْمَوَالِي قَالَ فَمَنْ يَسُودُ أَهْلَ

باب

الْكُوفَةِ قَالَ قُلْتُ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ قَالَ فَمِنْ الْعَرَبِ أَمِ الْمَوَالِي قَالَ قُلْتُ مِنْ الْعَرَبِ قَالَ وَيْلَكَ يَا زُهْرِيٌّ فَرَّجْتُ عَنِّي وَاللَّهِ لَيَسُودَنَّ الْمَوَالِي عَلَى الْعَرَبِ حَتَّى يُخْطَبَ لَهَا عَلَى الْمَنَابِرِ وَالْعَرَبُ تَحْتَهَا قَالَ قُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِذًا هُوَ أَمْرُ اللَّهِ وَدِينُهُ مَنْ حَفِظَهُ سَادَهُ وَمَنْ ضَيَّعَهُ سَقَطَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَكَذَا رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ إِلَخْ) أَيْ مُتَّصِلًا (وَرَوَى أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ حُدِّثْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّحْدِيثِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ إِلَخْ) فَفِي رِوَايَةِ أَسْبَاطٍ هَذِهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ الْأَعْمَشِ وَأَبِي صَالِحٍ فَإِنَّ الْأَعْمَشَ لَمْ يَذْكُرْ من حَدِيثِهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَحَدِيثُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا فِي أَبْوَابِ الْحُدُودِ وَفِي أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَفِي أَبْوَابِ العلم (باب) قَوْلُهُ (عَنْ مُطَرِّفٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيه وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ المكسورة هو بن طَرِيفٍ الْكُوفِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ (إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ (فَمَا رَخَّصَ لِي) أَيْ فِي أَقَلَّ مِنَ الْخَمْسِ وَفِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي كَمْ أَخْتِمُ الْقُرْآنَ قَالَ اخْتِمْهُ فِي شَهْرٍ قُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ قَالَ اخْتِمْهُ فِي خَمْسَةَ عَشْرَ الحديث وفي

آخِرِهِ قَالَ اخْتِمْهُ فِي خَمْسٍ قُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ قَالَ لَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي شَهْرٍ قُلْتُ إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً حَتَّى قَالَ فَاقْرَأْهُ فِي سَبْعٍ وَلَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ لَا تُغَيِّرِ الْحَالَ الْمَذْكُورَةَ إِلَى حَالَةٍ أُخْرَى فَأَطْلَقَ الزِّيَادَةَ وَالْمُرَادُ النَّقْصُ وَالزِّيَادَةُ هُنَا بِطَرِيقِ التَّدَلِّي أَيْ لَا تَقْرَأْهُ فِي أَقَلَّ مِنْ سَبْعٍ انْتَهَى وَسَيَأْتِي وَجْهُ الْجَمْعِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مِنْ وُجُوهٍ أُخْرَى بِأَلْفَاظٍ (وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَشَاهِدُهُ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ وجه آخر عن بن مسعود إقرأوا القرآن في سبع ولا تقرأوه فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَلِأَبِي عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ الطَّيِّبِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَا يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَحْمَدَ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَغَيْرِهِمْ وَثَبَتَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ السلف أنهم قرأوا الْقُرْآنَ فِي دُونِ ذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ وَالِاخْتِيَارُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ وَتَدْقِيقِ الْفِكْرِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يقتصر على القدر الذي لا يختل بِالْمَقْصُودِ مِنَ التَّدَبُّرِ وَإِخْرَاجِ الْمَعَانِي وَكَذَا مَنْ كَانَ لَهُ شُغْلٌ بِالْعِلْمِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الْعَامَّةِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ مِنْهُ عَلَى الْقَدْرِ الَّذِي لَا يُخِلُّ بِمَا هُوَ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْأَوْلَى لَهُ الِاسْتِكْثَارُ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ غير خروج إلى الملل ولا يقرأه هَذْرَمَةً انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ اقْرَأِ الْقُرْآنَ أَيْ كُلَّهُ (فِي أَرْبَعِينَ) أَيْ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً وَوَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ (وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ (وَلَمْ يَقْرَأِ الْقُرْآنَ) أَيْ كُلَّهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ) تَقَدَّمَ أَسْمَاؤُهُمْ (وَرَخَّصَ فِيهِ بَعْضُ أَهْلِ العلم) أي رخص بعضهم في أن يقرأالقرآن فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي لَيْلَتَيْنِ وَكَانَ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَيَصُومُ الدَّهْرَ وَكَانَ أَبُو حَرَّةَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَكَانَ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ لَيْلَتَيْنِ (وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ يُوتِرُ بِهَا) رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَرَوَى الطحاوي بإسناده عن بن سِيرِينَ قَالَ كَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ يُحْيِي اللَّيْلَ كُلَّهُ بِالْقُرْآنِ كُلِّهِ فِي رَكْعَةٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي رَكْعَةٍ فِي الْبَيْتِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَخَرَجَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ إِلَى الْحَجِّ فَرُبَّمَا خَتَمَ الْقُرْآنَ مَرَّتَيْنِ فِي لَيْلَةٍ بَيْنَ شُعْبَتَيْ رَحْلِهِ وَكَانَ مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ خَفِيفَ الْقِرَاءَةِ وَكَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي صَلَاةِ الضُّحَى وَكَانَ يَخْتِمُ الْقُرْآنَ بَيْنَ الْأُولَى وَالْعَصْرِ وَيَخْتِمُ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ وَكَانَ يُصَلِّي اللَّيْلَ كُلَّهُ وَكَانَ إِذَا جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ خَتَمَ الْقُرْآنَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ خَتْمَتَيْنِ ثُمَّ يَقْرَأُ إِلَى الطَّوَاسِينِ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ الصَّلَاةُ وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ يُؤَخِّرُونَ الْعِشَاءَ لِشَهْرِ رَمَضَانَ إِلَى أَنْ يَذْهَبَ رُبُعُ اللَّيْلِ انْتَهَى مَا فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ وَلَوْ تَتَبَّعْتَ تَرَاجِمَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَوَجَدْتَ كثيرا منهم أنهم كانوا يقرأون الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَعْلَامَ لَمْ يَحْمِلُوا النَّهْيَ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ عَلَى التَّحْرِيمِ وَالْمُخْتَارُ عِنْدِي مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَغَيْرُهُمَا واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَالتَّرْتِيلُ فِي الْقِرَاءَةِ أَحَبُّ إِلَى أَهْلِ الْعِلْمِ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِالتَّرْتِيلِ وَكَانَتْ قِرَاءَتُهُ مُفَسَّرَةً حَرْفًا حَرْفًا باتباعه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبُّ وَأَوْلَى قَوْلُهُ (أخبرنا علي بن الحسن) هو بن شَقِيقٍ الْمَرْوَزِيُّ (عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ) الْخَوْلَانِيِّ الْيَمَانِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (قَالَ لَهُ اقْرَأِ الْقُرْآنَ فِي أَرْبَعِينَ) كَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَمْ يقرأ القرآن قال في أربعين يوماثم قال في شهرثم قال في

عِشْرِينَ ثُمَّ قَالَ فِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثُمَّ قَالَ فِي عَشْرٍ ثُمَّ قَالَ فِي سَبْعٍ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ سَبْعٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الحديث وعزوه لأبو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ مَا لَفْظُهُ وَهَذَا إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتَمَلَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ أَبِي فَرْوَةَ يَعْنِي الَّتِي رَوَاهَا الدَّارِمِيُّ وقد تقدمت تَعَدُّدُ الْقِصَّةِ فَلَا مَانِعَ أَنْ يَتَعَدَّدَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ذَلِكَ تَأْكِيدًا وَيُؤَيِّدُهُ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِي السِّيَاقِ وَكَأَنَّ النَّهْيَ عَنِ الزِّيَادَةِ لَيْسَ عَلَى التَّحْرِيمِ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لَيْسَ لِلْوُجُوبِ وَعُرِفَ ذَلِكَ مِنْ قَرَائِنِ الْحَالِ الَّتِي أَرْشَدَ إِلَيْهَا السِّيَاقُ وَهُوَ النَّظَرُ إِلَى عَجْزِهِ عَنْ سِوَى ذَلِكَ فِي الْحَالِ أَوْ فِي الْمَآلِ انْتَهَى قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعُقَيْلِيُّ أَبُو الْمُثَنَّى الْبَصْرِيُّ أَوِ الْوَاسِطِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ) قَوْلُهُ (الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الَّذِي يَخْتِمُ الْقُرْآنَ بِتِلَاوَتِهِ ثُمَّ يَفْتَتِحُ التِّلَاوَةَ مِنْ أَوَّلِهِ شَبَّهَهُ بِالْمُسَافِرِ يَبْلُغُ الْمَنْزِلَ فَيَحِلُّ فِيهِ ثُمَّ يَفْتَتِحُ سَيْرَهُ أَيْ يَبْتَدِئُهُ وَكَذَلِكَ قُرَّاءُ مَكَّةَ إذا ختموا القرآن ابتدأوا وقرأوا الْفَاتِحَةَ وَخَمْسَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ إِلَى (وَأُولَئِكَ هُمِ الْمُفْلِحُونَ) ثُمَّ يَقْطَعُونَ الْقِرَاءَةَ وَيُسَمُّونَ فَاعِلَ ذَلِكَ الْحَالَّ الْمُرْتَحِلَ أَيْ خَتَمَ القُرْآنَ وَابْتَدَأَ بِأَوَّلِهِ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُمَا بِزَمَانٍ وَقِيلَ أَرَادَ بِالْحَالِّ الْمُرْتَحِلِ الْغَازِي الَّذِي لَا يَقْفِلُ مِنْ غَزْوٍ إِلَّا عَقَّبَهُ بِآخَرَ انْتَهَى وَقَالَ بن الْقَيِّمِ فِي الْإِعْلَامِ ص 982 ج 2 بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا لَفْظُهُ فَهِمَ مِنْ هَذَا بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إِذَا فَرَغَ مِنْ خَتْمِ الْقُرْآنِ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ لِأَنَّهُ حَلَّ بِالْفَرَاغِ وَارْتَحَلَ بِالشُّرُوعِ وَهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا التَّابِعِينَ وَلَا اسْتَحَبَّهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي كُلَّمَا حَلَّ مِنْ غَزَاةٍ ارْتَحَلَ فِي أُخْرَى أَوْ كُلَّمَا حَلَّ مِنْ عَمَلٍ ارْتَحَلَ إِلَى غَيْرِهِ تَكَمُّلًا لَهُ كَمَا كَمَّلَ الْأَوَّلَ وَأَمَّا هَذَا الَّذِي يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْقُرَّاءِ فَلَيْسَ مُرَادَ الْحَدِيثِ قَطْعًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقَدْ جَاءَ تَفْسِيرُ الْحَدِيثِ مُتَّصِلًا بِهِ أَنْ يَضْرِبَ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ وَهَذَا لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كُلَّمَا حَلَّ مِنْ سُورَةٍ أَوْ جُزْءٍ ارْتَحَلَ فِي غَيْرِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ كُلَّمَا حَلَّ مِنْ خَتْمَةٍ ارْتَحَلَ فِي أُخْرَى انْتَهَى

قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ التفسير الذي أشار إليه بن الْقَيِّمِ مُتَّصِلًا بِهَذَا الْحَدِيثِ بِلَفْظِ قَالَ وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ قَالَ الَّذِي يَضْرِبُ مِنْ أَوَّلِ الْقُرْآنِ إِلَى آخِرِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ وَحَدِيثُ بن عَبَّاسٍ هَذَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ بِلَفْظِ قَامَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ أَوْ قَالَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ قَالَ فَتْحُ الْقُرْآنِ وَخَتْمُهُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ وَمِنْ آخِرِهِ إِلَى أَوَّلِهِ كُلَّمَا حَلَّ ارْتَحَلَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْمَقْصُودُ مِنَ الْحَدِيثِ السَّيْرُ دَائِمًا لَا يَفْتُرُ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلِمَةُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ وَمِنْ آخِرِهِ إلى أوله فقارىء خَمْسِ آيَاتٍ وَنَحْوِهَا عِنْدَ الْخَتْمِ لَمْ يُحَصِّلْ تِلْكَ الْفَضِيلَةَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الِارْتِحَالُ لِفَوْرِ الْحُلُولِ فَالْمُسَافِرُ السَّائِرُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْزِلَ فَيُقِيمَ لَيْلَةً أَوْ بَعْضَ لَيْلَةٍ أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ أَوْ يُعَرِّسَ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ عِنْدِي كَمَا قَالَ واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ كَمَا عَرَفْتَ وَفِي سَنَدِهِمَا صَالِحٌ المري وهو ضعيف قوله (أخبرنا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ الْأَزْدِيُّ (وَهَذَا عِنْدِي أَصَحُّ) أَيْ حَدِيثُ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ مُرْسَلًا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ الْهَيْثَمِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ صَالِحٍ الْمُرِّيِّ مُتَّصِلًا لِأَنَّ مُسْلِمَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ وَالْهَيْثَمُ بْنُ الرَّبِيعِ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ لَمْ يَتَفَرَّدِ الْهَيْثَمُ بِرِوَايَتِهِ مُتَّصِلًا بَلْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الفضل بن أبي سويد في رواية بن نَصْرٍ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ (لَمْ يَفْقَهْ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ) أَيْ لَمْ يَفْهَمْ ظَاهِرَ مَعَانِيهِ وَأَمَّا فَهْمُ دَقَائِقِهِ فَلَا يَفِي بِهِ الْأَعْمَارُ وَالْمُرَادُ نَفْيُ الْفَهْمِ لَا نَفْيُ الثَّوَابِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي والدارمي وبن ماجه

44 - أبواب تفسير القرآن

44 - أبواب تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسم الله الرحمن الرحيم التَّفْسِيرُ تَفْعِيلٌ مِنَ الْفَسْرِ وَهُوَ الْبَيَانُ تَقُولُ فَسَرْتَ الشَّيْءَ بِالتَّخْفِيفِ أَفْسُرُهُ فَسْرًا وَفَسَّرْته بِالتَّشْدِيدِ أُفَسِّرُهُ تَفْسِيرًا إِذَا بَيَّنْته وَأَصْلُ الْفَسْرِ نَظَرُ الطَّبِيبِ إِلَى الْمَاءِ لِيَعْرِفَ الْعِلَّةَ وَاخْتَلَفُوا فِي التَّفْسِيرِ وَالتَّأْوِيلِ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَطَائِفَةٌ هُمَا بِمَعْنًى وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا آخَرُونَ فَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ التَّأْوِيلُ رَدُّ أَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ إِلَى مَا يُطَابِقُ الظَّاهِرَ وَالتَّفْسِيرُ كَشْفُ الْمُرَادِ عَنِ اللَّفْظِ الْمُشْكِلِ وَحَكَى صَاحِبُ النِّهَايَةِ أَنَّ التَّأْوِيلَ نَقْلُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ عَنْ وَضْعِهِ الْأَصْلِيِّ إِلَى مَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ لَوْلَاهُ مَا تُرِكَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَقِيلَ التَّأْوِيلُ إِبْدَاءُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ مُعْتَضَدٌ بِدَلِيلٍ خَارِجٍ عَنْهُ وَمَثَّلَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا ريب فيه} قَالَ مَنْ قَالَ لَا شَكَّ فِيهِ فَهُوَ التَّفْسِيرُ وَمَنْ قَالَ لِأَنَّهُ حَقٌّ فِي نَفْسِهِ لَا يَقْبَلُ الشَّكَّ فَهُوَ التَّأْوِيلُ كَذَا فِي الْفَتْحِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الَّذِي يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ برأيه) قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ عَبْدِ الأعلى) هو بن عَامِرٍ قَوْلُهُ (مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) أَيْ بِغَيْرِ دَلِيلٍ يَقِينِيٍّ أَوْ ظَنِّيٍّ نقلي أو عقلي مطابق للشرعي قاله القارىء وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ قَوْلًا يَعْلَمُ أَنَّ الْحَقَّ غَيْرُهُ وَقَالَ فِي مُشْكِلِهِ بِمَا لَا يَعْرِفُ

(فليتبوأ مقعده من النار) أي ليهيىء مَكَانَهُ مِنَ النَّارِ قِيلَ الْأَمْرُ لِلتَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وقيل الأمر بمعنى الخبر قال بن حَجَرٍ وَأَحَقُّ النَّاسِ بِمَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ سَلَبُوا لَفْظَ الْقُرْآنِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ وَأُرِيدَ بِهِ أَوْ حَمَلُوهُ عَلَى مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرِدْ بِهِ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ مِمَّا قَصَدُوا نَفْيَهُ أَوْ إِثْبَاتَهُ مِنَ الْمَعْنَى فَهُمْ مُخْطِئُونَ فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ مِثْلُ تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَيْسَانَ الْأَصَمِّ وَالْجُبَائِيِّ وَعَبْدِ الْجَبَّارِ وَالْهَانِيِّ وَالزَّمَخْشَرِيِّ وَأَمْثَالِهِمْ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يَدُسُّ الْبِدَعَ وَالتَّفَاسِيرَ الْبَاطِلَةَ فِي كَلَامِهِمِ الْجَذِلِ فَيَرُوجُ عَلَى أَكْثَرِ أَهْلِ السُّنَّةِ كَصَاحِبِ الْكَشَّافِ وَيَقْرُبُ مِنْ هَؤُلَاءِ تفسير بن عطية بل كان الإمام بن العرفة الْمَالِكِيُّ يُبَالِغُ فِي الْحَطِّ عَلَيْهِ وَيَقُولُ إِنَّهُ أَقْبَحُ مِنْ صَاحِبِ الْكَشَّافِ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَعْلَمُ اعْتِزَالَ ذَلِكَ فَيَجْتَنِبُهُ بِخِلَافِ هَذَا فَإِنَّهُ يُوهِمُ النَّاسَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وبن جَرِيرٍ قَوْلُهُ (اتَّقُوا الْحَدِيثَ) أَيِ احْذَرُوا رِوَايَتَهُ (عَنِّي) وَالْمَعْنَى لَا تُحَدِّثُوا عَنِّي (إِلَّا مَا علمتم) أي أنه من حديثي قال القارىء والظاهر أن العلم هنا يشتمل الظن فأنهم إِذَا جُوِّزَ الشَّهَادَةُ بِهِ مَعَ أَنَّهَا أَضْيَقُ مِنَ الرِّوَايَةِ اتِّفَاقًا فَلَأَنْ تُجَوَّزَ بِهِ الرِّوَايَةُ أَوْلَى وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الرِّوَايَةِ الِاعْتِمَادُ عَلَى الْخَطِّ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (وَمَنْ قَالَ) أَيْ مَنْ تَكَلَّمَ (فِي الْقُرْآنِ) أَيْ فِي مَعْنَاهُ أَوْ قِرَاءَتِهِ (بِرَأْيِهِ) أَيْ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ تَتَبُّعِ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْعَرَبِيَّةِ الْمُطَابِقَةِ لِلْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ بَلْ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيه عَقْلُهُ وَهُوَ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى النَّقْلِ بِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلْعَقْلِ فِيهِ كَأَسْبَابِ النُّزُولِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَصَصِ وَالْأَحْكَامِ أَوْ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيه ظَاهِرُ النَّقْلِ وَهُوَ مِمَّا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعَقْلِ كَالْمُتَشَابِهَاتِ الَّتِي أَخَذَ الْمُجَسِّمَةُ بِظَوَاهِرِهَا وَأَعْرَضُوا عَنِ اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ فِي الْعُقُولِ أَوْ بِحَسَبِ مَا يَقْتَضِيه بَعْضُ الْعُلُومِ الْإِلَهِيَّةِ مَعَ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِبَقِيَّتِهَا وبالعلوم الشرعية فيها يُحْتَاجُ لِذَلِكَ وَلِذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الْمُرَادُ رَأْيٌ غَلَبَ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ قَامَ عَلَيْهِ أَمَّا مَا يَشُدُّهُ بُرْهَانٌ فَلَا مَحْذُورَ فِيهِ فَعُلِمَ أَنَّ عِلْمَ التَّفْسِيرِ إِنَّمَا يُتَلَقَّى مِنَ النَّقْلِ أَوْ مِنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ أَوْ مِنَ الْمَقَايِيسِ الْعَرَبِيَّةِ أَوِ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ الْمَبْحُوثِ عَنْهَا فِي عِلْمِ أُصُولِ الْفِقْهِ أَوْ أُصُولِ الدِّينِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي حِبَّانُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ (وَهُوَ) أَيْ سُهَيْلُ بْنُ عبد الله (بن أَبِي حَزْمٍ) فَأَبُو حَزْمٍ كُنْيَةُ وَالِدُ سُهَيْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ اسْمُهُ وَيُقَالُ لَهُ مِهْرَانُ أَيْضًا (أخو حزم) بدل من بن أَبِي حَزْمٍ أَيْ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ هُوَ أَخُو حَزْمٍ (الْقُطَعِيُّ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الطَّاءِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ وَاسْمُهُ مِهْرَانُ وَيُقَالُ عَبْدُ اللَّهِ أَبُو بَكْرٍ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ حِبَّانُ بْنُ هِلَالٍ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْجِيمِ والدال تفتح وتضم بن سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ قَوْلُهُ (مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ) أَيْ فِي لَفْظِهِ أَوْ مَعْنَاهُ (بِرَأْيِهِ) أَيْ بِعَقْلِهِ الْمُجَرَّدِ (فَأَصَابَ) أَيْ وَلَوْ صَارَ مُصِيبًا بحسب الاتفاق (فقد أخطأ) أي فهو مخطىء بحسب الحكم الشرعي قال بن حَجَرٍ أَيْ أَخْطَأَ طَرِيقَ الِاسْتِقَامَةِ بِخَوْضِهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِالتَّخْمِينِ وَالْحَدْسِ لِتَعَدِّيهِ بِهَذَا الْخَوْضِ مَعَ عَدَمِ اسْتِجْمَاعِهِ لِشُرُوطِهِ فَكَانَ آثِمًا بِهِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُعْتَدَّ بِمُوَافَقَتِهِ لِلصَّوَابِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عَنْ قَصْدٍ وَلَا تَحَرٍّ بِخِلَافِ مَنْ كَمُلَتْ فِيهِ آلَاتُ التَّفْسِيرِ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشْرَ عِلْمًا اللُّغَةُ وَالنَّحْوُ وَالتَّصْرِيفُ وَالِاشْتِقَاقُ لِأَنَّ الِاسْمَ إِذَا كَانَ اشْتِقَاقُهُ مِنْ مَادَّتَيْنِ اخْتَلَفَ الْمَعْنَى بِاخْتِلَافِهِمَا كَالْمَسِيحِ هَلْ هُوَ مِنَ السِّيَاحَةِ أَوِ الْمَسْحِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانُ وَالْبَدِيعُ وَالْقِرَاءَاتُ وَالْأَصْلَيْنِ وَأَسْبَابُ النُّزُولِ والقصص والناسخ والمنسوخ والفقه والأحاديث المبينة لتفسير الْمُجْمَلَ وَالْمُبْهَمَ وَعِلْمُ الْمَوْهِبَةِ وَهُوَ عِلْمٌ يُورِثُهُ اللَّهُ لِمَنْ عَمِلَ بِمَا عَلِمَ وَبَعْضُ هَذِهِ الْعُلُومِ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ السَّلَفِ بِالْفِعْلِ وَبَعْضُهَا بِالطَّبْعِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّمٍ فَإِنَّهُ مَأْجُورٌ بِخَوْضِهِ فِيهِ وَإِنْ أَخْطَأَ لِأَنَّهُ لَا تَعَدِّيَ مِنْهُ فَكَانَ مَأْجُورًا أَجْرَيْنِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ أَوْ عَشْرَةَ أُجُورٍ كَمَا فِي أُخْرَى إِنْ أَصَابَ وَأَجْرًا إِنْ أَخْطَأَ كَالْمُجْتَهِدِ فِي الْأَحْكَامِ لِأَنَّهُ بَذَلَ وُسْعَهُ فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَاضْطَرَّهُ الدَّلِيلُ إِلَى مَا رَآهُ فَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ بِوَجْهٍ وَقَدْ أَخْطَأَ الْبَاطِنِيَّةُ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لِلْقُرْآنِ ظَهْرًا وَبَطْنًا وَأَنَّ الْمُرَادَ بَاطِنُهُ دُونَ ظَاهِرِهِ وَمِنْ هَذَا مَا يَسْلُكُهُ بَعْضُ الصُّوفِيَّةِ مِنْ تَفْسِيرِهِمْ فِرْعَوْنَ بِالنَّفْسِ وَمُوسَى بِالْقَلْبِ إِنْ زَعَمُوا أَنَّ ذَلِكَ مُرَادٌ بِالْآيَةِ لَا إِشَارَاتٌ ومناسبات ل يات وَقَدْ صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَحْرُمُ صَرْفُ شيء من

الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَنْ ظَاهِرِهِ مِنْ غَيْرِ اعْتِصَامٍ فِيهِ بِنَقْلٍ مِنَ الشَّارِعِ وَمِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ تَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ وَنَقَلَ الطِّيبِيُّ عَنِ التوربشتي أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّأْيِ مَا لَا يَكُونُ مُؤَسَّسًا عَلَى عُلُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَلْ يَكُونُ قَوْلًا تَقَوَّلَهُ بِرَأْيِهِ عَلَى مَا يَقْتَضِيه عَقْلُهُ وَعِلْمُ التَّفْسِيرِ يُؤْخَذُ مِنْ أَفْوَاهِ الرِّجَالِ كَأَسْبَابِ النُّزُولِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ وَمِنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ وَتَأْوِيلَاتِهِمْ بِالْمَقَايِيسِ الْعَرَبِيَّةِ كَالْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَالْمُجْمَلِ وَالْمُفَصَّلِ وَالْعَامِّ وَالْخَاصِّ ثُمَّ يَتَكَلَّمُ عَلَى حَسْبِ مَا يقتضيه أصول الدين فيأول الْقِسْمَ الْمُحْتَاجَ إِلَى التَّأْوِيلِ عَلَى وَجْهٍ يَشْهَدُ بِصِحَّتِهِ ظَاهِرُ التَّنْزِيلِ فَمَنْ لَمْ يَسْتَجْمِعْ هَذِهِ الشرائط كان قوله مهجورا وحسبه من الزاجر أنه مخطىء عند الاصابة فيابعد مَا بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ وَالْمُتَكَلِّفِ فَالْمُجْتَهِدُ مَأْجُورٌ عَلَى الْخَطَأِ وَالْمُتَكَلِّفُ مَأْخُوذٌ بِالصَّوَابِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِالرَّأْيِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّقْلِ وَالْمَسْمُوعِ وَتَرْكُ الِاسْتِنْبَاطِ أَوِ الْمُرَادُ بِهِ أَمْرٌ آخَرُ وَبَاطِلٌ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا بِمَا سَمِعَهُ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدْ فَسَّرُوا الْقُرْآنَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ عَلَى وُجُوهٍ وَلَيْسَ كُلُّ مَا قَالُوهُ سَمِعُوهُ كَيْفَ وَقَدْ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ فَإِنْ كَانَ التَّأْوِيلُ مَسْمُوعًا كَالتَّنْزِيلِ فَمَا فَائِدَةُ تَخْصِيصِهِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا النَّهْيُ يُحْمَلُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الشَّيْءِ رأي وإليه ميل من طبعه وهواه فيأول الْقُرْآنَ عَلَى وِفْقِ هَوَاهُ لِيَحْتَجَّ عَلَى تَصْحِيحِ غَرَضِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ الرَّأْيُ وَالْهَوَى لَا يَلُوحُ لَهُ مِنَ الْقُرْآنِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَهَذَا قَدْ يَكُونُ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ لَيْسَ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُلَبِّسُ عَلَى خَصْمِهِ وَقَدْ يَكُونُ مَعَ الْجَهْلِ وَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْآيَةُ مُحْتَمِلَةً فَيَمِيلُ فَهْمُهُ إِلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُوَافِقُ غَرَضَهُ وَيَتَرَجَّحُ ذَلِكَ الْجَانِبُ بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ وَلَوْلَا رَأْيُهُ لَمَا كَانَ يَتَرَجَّحُ عِنْدَهُ ذَلِكَ الْوَجْهُ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ فَيَطْلُبُ لَهُ دَلِيلًا مِنَ الْقُرْآنِ وَيَسْتَدِلُّ عَلَيْهِ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أُرِيدَ بِهِ كَمَنْ يَدْعُو إِلَى مُجَاهِدَةِ الْقَلْبِ الْقَاسِي فَيَقُولُ الْمُرَادُ بِفِرْعَوْنَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى اذْهَبْ إِلَى فرعون إنه طغى هُوَ النَّفْسُ الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَتَسَارَعَ إِلَى تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ بِظَاهِرِ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِظْهَارٍ بِالسَّمَاعِ وَالنَّقْلِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِغَرِيبِ الْقُرْآنِ وَمَا فِيهِ مِنَ الْأَلْفَاظِ الْمُبْهَمَةِ وَالِاخْتِصَارِ وَالْحَذْفِ وَالْإِضْمَارِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَالنَّقْلُ وَالسَّمَاعُ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي ظَاهِر التَّفْسِيرِ أَوَّلًا لِيَتَّقِيَ بِهِ مَوَاضِعَ الْغَلَطِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَّسِعُ لِلتَّفْهِيمِ وَالِاسْتِنْبَاطِ وَالْغَرَائِبُ الَّتِي لَا تُفْهَمُ إِلَّا بِالسَّمَاعِ كَثِيرَةٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بها مَعْنَاهُ آيَةً مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِقَتْلِهَا فَالنَّاظِرُ إِلَى ظَاهِرِ الْعَرَبِيَّةِ يَظُنُّ الْمُرَادَ أَنَّ النَّاقَةَ كَانَتْ مُبْصِرَةً وَلَمْ تَكُنْ عَمْيَاءَ وَمَا يَدْرِي بِمَا ظَلَمُوا وَأَنَّهُمْ ظَلَمُوا غَيْرَهُمْ أَوْ أَنْفُسَهُمْ وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فَلَا يَتَطَرَّقُ النَّهْيُ إِلَيْهِ مَا دَامَ عَلَى قَوَانِينِ الْعُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ والقواعد الأصلية

وَالْفَرْعِيَّةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن جَرِيرٍ (وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ فِي سُهَيْلِ بْنِ أَبِي حَزْمٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي هَذَا) قَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ بن كَثِيرٍ فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِهِ آثَارًا عَدِيدَةً عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي التَّحَرُّجِ عَنْ تَفْسِيرِ مَا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ (فِي أَنْ يُفَسَّرَ الْقُرْآنُ بِغَيْرِ عِلْمٍ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ فِي هَذَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مَهْدِيٍّ الْبَصْرِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْحُسَيْنُ بْنُ مَهْدِيِّ بْنِ مَالِكٍ الْأُبُلِيُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَبُو سَعِيدٍ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قَالَ فِي لُبِّ اللُّبَابِ الْأُبَلِّيُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ نِسْبَةً إِلَى أُبَلَّةَ بَلْدَةٍ عَلَى أَرْبَعَةِ فَرَاسِخَ مِنَ الْبَصْرَةِ قَوْلُهُ (لَوْ كُنْتَ قرأت قراءة بن مسعود لم أحتج أن أسأل بن عَبَّاسٍ إِلَخْ) أَيْ لِمَا وَقَعَ فِي قِرَاءَتِهِ مِنْ تَفْسِيرِ كَثِيرٍ مِنَ الْقُرْآنِ

باب ومن سورة فاتحة الكتاب

2 - (باب وَمِنْ سُورَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ) هِيَ مَكِّيَّةٌ فِي قوله الْأَكْثَرِ وَقِيلَ مَدَنِيَّةٌ وَقِيلَ نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بمكة ومرة بالمدينة قال بن كَثِيرٍ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ وَهِيَ سَبْعُ آيَاتٍ بِالِاتِّفَاقِ قَوْلُهُ (مَنْ صَلَّى) إِمَامًا كَانَ أَوْ مُقْتَدِيًا أَوْ مُنْفَرِدًا (صَلَاةً) جَهْرِيَّةً كَانَتْ أَوْ سَرِيَّةً فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً (لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ) أَيْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ قَالَ النَّوَوِيُّ أُمُّ الْقُرْآنِ اسْمُ الْفَاتِحَةِ وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا فَاتِحَتُهُ كَمَا سُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى لِأَنَّهَا أَصْلُهَا (فَهِيَ خِدَاجٌ) أَيْ نَاقِصٌ نَقْصَ فَسَادٍ وَبُطْلَانٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى الْخِدَاجِ فِي بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ (غَيْرُ تَمَامٍ) بَيَانُ خِدَاجٍ أَوْ بَدَلٌ منه قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ هُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا مِنْ نُقْصَانِ صَلَاتِهِ فَهُوَ مُبَيِّنٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا صَلَاةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا نَفْيُ الْكَمَالِ لَا نَفْيُ الصِّحَّةِ فَبَطَلَ قَوْلُ بن حَجَرٍ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَبِنَفْيِ لَا صَلَاةَ نَفْيُ صِحَّتِهَا لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ ثُمَّ قَالَ وَدَلِيل ذَلِكَ أَحَادِيثُ لَا تَقْبَلُ تأويلا منها خبر بن خزيمة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ فِي صِحَاحِهِمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَا تجزىء صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَالَ النَّوَوِيُّ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَفِيهِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجْزَاءِ الْكَامِلِ انتهى ما في المرقاة قلت حديث بن خزيمة وبن حبان والحاكم بلفظ لا تجزىء صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ دَلِيلٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخِدَاجِ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نُقْصَانُ الذَّاتِ أَعْنِي نُقْصَانَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلَانِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا صَلَاةَ نَفْيُ الصِّحَّةِ وأما قول القارىء إِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِجْزَاءِ الْكَامِلِ فَغَلَطٌ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْدِ الْإِجْزَاءِ إِلَّا الْفَسَادُ والبطلان فماذا بعد الحق إلا الضلال وَقَدْ سَبَقَ تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَحَلِّهَا وَبَسَطْنَا الْكَلَامَ فِيهَا فِي كِتَابِنَا أَبْكَارُ الْمِنَنِ فِي نَقْدِ آثَارِ السُّنَنِ (إِنِّي أَحْيَانَا أَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ) أَيْ فَهَلْ أَقْرَأُ أَمْ لَا (قال يا بن الفارسي

لَعَلَّهُ كَانَ فَارِسِيَّ النَّسْلِ (فَاقْرَأْهَا فِي نَفْسِكَ) أَيْ سِرًّا غَيْرَ جَهْرٍ (قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ هُنَا الْفَاتِحَةُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهَا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجُّ عَرَفَةُ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِهَا بِعَيْنِهَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْمُرَادُ قَسَمْتُهَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ نِصْفَهَا الْأَوَّلَ تَحْمِيدٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَمْجِيدُهُ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ وَتَفْوِيضٌ إِلَيْهِ وَالنِّصْفَ الثَّانِيَ سُؤَالٌ وَطَلَبٌ وَتَضَرُّعٌ وَافْتِقَارٌ (حَمِدَنِي عَبْدِي) قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي وَأَثْنَى عَلَيَّ وَمَجَّدَنِي إِنَّمَا قَالَهُ لِأَنَّ التَّحْمِيدَ الثَّنَاءُ بِجَمِيلِ الْفِعَالِ وَالتَّمْجِيدَ الثَّنَاءُ بِصِفَاتِ الْجَلَالِ وَيُقَالُ أَثْنَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَلِهَذَا جَاءَ جَوَابًا لِلرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِاشْتِمَالِ اللَّفْظَيْنِ عَلَى الصِّفَاتِ الذَّاتِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ (وَبَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإياك نستعين) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَذَلُّلَ الْعَبْدِ لِلَّهِ تَعَالَى وَطَلَبَهُ الِاسْتِعَانَةَ مِنْهُ وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَعْظِيمَ اللَّهِ وَقُدْرَتَهُ عَلَى مَا طَلَبَ مِنْهُ (وَآخِرُ السُّورَةِ لِعَبْدِي) يَعْنِي مِنْ قَوْلِهِ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ إِلَخْ (وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) أَيْ غَيْرَ هَذَا (يقول اهدنا الصراط المستقيم) أَيْ ثَبِّتْنَا عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ أَوْ طَرِيقِ مُتَابَعَةِ الْحَبِيبِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (صِرَاطَ الَّذِينَ أنعمت عليهم) مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهم) أي اليهود (ولا الضالين) أَيِ النَّصَارَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الذُّهْلِيُّ (وَيَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَارِسِيُّ) أَبُو يُوسُفَ الْفَسَوِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (حدثنا بن أَبِي أُوَيْسٍ) اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ (عن

أَبِيهِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُوَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَصْبَحِيُّ أَبُو أُوَيْسٍ الْمَدَنِيُّ قَرِيبُ مَالِكٍ وَصِهْرُهُ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ السَّابِعَةِ (وَأَبُو السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو السائب الأنصاري المدني مولى بن زُهْرَةَ يُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ السَّائِبِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (وَسَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ) أَيْ سَأَلْتُهُ عَنْ أَنَّ حديث من قال عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ أَوْ حَدِيثَ مَنْ قَالَ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (فَقَالَ) أَيْ أَبُو زُرْعَةَ (كِلَا الْحَدِيثِينَ صَحِيحٌ) أَيْ حَدِيثُ مَنْ قَالَ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ مَنْ قَالَ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كِلَاهُمَا صَحِيحٌ (وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ بن أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْعَلَاءِ) أَيِ احْتَجَّ أَبُو زُرْعَةَ عَلَى قَوْلِهِ كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صحيح برواية بن أَبِي أُوَيْسٍ فَإِنَّهُ قَالَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي وَأَبُو السَّائِبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَظَهَرَ مِنْ رِوَايَتِهِ أَنَّ الْعَلَاءَ أَخَذَ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي السَّائِبِ كِلَيْهِمَا قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُثْمَانَ الدَّشْتَكِيُّ (عَنْ عَبَّادِ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ (بْنِ حُبَيْشٍ) بِمُهْمَلَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ وَمُعْجَمَةٍ مُصَغَّرًا الْكُوفِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ الْحَشْرَجِ بِفَتْحِ

الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ آخِرُهُ جِيمٌ الطَّائِيِّ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ وَكَانَ مِمَّنْ ثَبَتَ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي الرِّدَّةِ وَحَضَرَ فُتُوحَ الْعِرَاقِ وَحُرُوبَ عَلِيٍّ قَوْلُهُ (فَلَمَّا دُفِعْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُحْضِرْتُ وَأَتَى الْقَوْمُ بِي (إِلَيْهِ) أَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَقَدْ كَانَ قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَلْقَتْ لَهُ الْوَلِيدَةُ) أَيِ الْجَارِيَةُ (مَا يُفِرُّكَ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْفَاءِ يُقَالُ أَفَرَرْتُهُ أُفِرُّهُ أَيْ فَعَلْتُ بِهِ مَا يَفِرُّ مِنْهُ وَيَهْرُبُ أَيْ مَا يَحْمِلُكَ عَلَى الْفِرَارِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْفَاءِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَهُ الْجَزَرِيُّ (إِنَّمَا تَفِرُّ) مِنَ الْفِرَارِ أَيْ تَهْرُبُ (وَتَعْلَمُ) أَيْ هَلْ تَعْلَمُ (فَإِنَّ الْيَهُودَ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَإِنَّ النَّصَارَى ضُلَّالٌ) بِضَمِّ الضَّادِ جَمْعُ ضَالٍّ وَفِيهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ اليهود بالضالين النَّصَارَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ رَوَى أَحْمَدُ وبن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْمَغْضُوبِ عليهم اليهود ولا الضالين النصارى هكذا ورده مختصرا وهو عند الترمذي في حديث طويل وأخرجه بن مَرْدَوَيْهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مَنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم نحوه وقال بن أَبِي حَاتِمٍ لَا أَعْلَمُ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا قَالَ السُّهُيْلِيُّ وَشَاهِدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْيَهُودِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَفِي النَّصَارَى قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كثيرا (فَإِنِّي حَنِيفٌ مُسْلِمٌ) أَيْ مَائِلٌ عَنْ كُلِّ الْأَدْيَانِ إِلَى الْإِسْلَامِ (تَبَسَّطَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَعْلُومِ مِنَ التَّبَسُّطِ أَيِ انْبَسَطَ (فَرَحًا) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ أَيْ سُرُورًا مَنْصُوبٌ عَلَى التَّمْيِيزِ (فَأُنْزِلَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِنْزَالِ (جَعَلْتُ أَغْشَاهُ) أَيْ آتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَشِيَهُ يَغْشَاهُ إِذَا جَاءَهُ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ النبي صلى الله عليه وسلم (من هذه النِّمَارِ) بِكَسْرِ النُّونِ جَمْعُ نَمِرَةٍ بِالْفَتْحِ وَهِيَ كُلُّ شَمْلَةٍ مُخَطَّطَةٍ مِنْ مَآزِرِ

الْأَعْرَابِ كَأَنَّهَا أُخِذَتْ مِنْ لَوْنِ النَّمِرِ لِمَا فِيهَا مِنَ السَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَهِيَ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ أَيْ جَاءَهُ قَوْمٌ لَابِسِي أُزُرٍ مُخَطَّطَةٍ مِنْ صُوفٍ (فَحَثَّ عَلَيْهِمْ) أَيْ فَحَثَّ النَّاسَ عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقُوا عَلَيْهِمْ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُمْ (وَلَوْ صَاعٌ) أَيْ وَلَوْ تَيَسَّرَ لَهُمْ صَاعٌ (وَلَوْ بِنِصْفِ صَاعٍ) أَيْ وَلَوْ كَانَ تَصَدُّقُهُمْ بِنِصْفِ صَاعٍ (وَلَوْ قَبْضَةٌ) الْقَبْضَةُ مِنَ الشَّيْءِ مِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ وَهِيَ بِضَمِّ الْقَافِ وَرُبَّمَا بفتح (وَقَائِلٌ لَهُ) أَيْ وَهُوَ قَائِلٌ لَهُ وَضَمِيرُ قَائِلٌ لِلَّهِ وَضَمِيرُ لَهُ لِأَحَدِكُمْ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (مَا أَقُولُ لَكُمْ) هُوَ مَفْعُولٌ لِقَوْلِهِ قَائِلٌ (أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مَا أَقُولُ لَكُمْ (وَبَعْدَهُ) أَيْ خَلْفَهُ (حَتَّى تَسِيرَ الظَّعِينَةُ) بِفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ الْمَرْأَةُ فِي الْهَوْدَجِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ اسْمٌ لِلْهَوْدَجِ (يَثْرِبَ) أَيِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ (وَالْحِيرَةِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ كَانَتْ بَلَدَ مُلُوكِ الْعَرَبِ الَّذِينَ تَحْتَ حُكْمِ آلِ فَارِسَ وَكَانَ مَلِكُهُمْ يَوْمَئِذٍ إِيَاسُ بْنُ قَبِيصَةَ الطَّائِيُّ وَلِيَهَا مِنْ تَحْتِ يَدِ كَسْرَى بَعْدَ قَتْلِ النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ (أَكْثَرَ مَا يُخَافُ عَلَى مَطِيَّتِهَا السَّرَقُ) كَذَا فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَقَدْ سقط عنها لَفَظَّةُ أَوْ قَبْلَ أَكْثَرَ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ أَحْمَدَ فَفِيهَا حَتَّى تَسِيرَ الظَّعِينَةُ بَيْنَ الْحِيرَةِ وَيَثْرِبَ أَوْ أَكْثَرَ مَا تَخَافُ السَّرَقَ عَلَى ظَعِينَتِهَا وَكَلِمَةُ مَا فِي قَوْلِهِ مَا يخاف نافية ويخاف على بناء المجهول والسرق بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ وَهُوَ بِفَتْحَتَيْنِ بِمَعْنَى السَّرِقَةِ وَالْمَعْنَى حَتَّى تَسِيرَ الظَّعِينَةُ فِيمَا بَيْنَ يَثْرِبَ وَالْحِيرَةِ أَوْ فِي أَكْثَرَ مِنْ ذلك لا يخاف على راحلها السرق (فأين لصوص طيء) اللُّصُوصُ جَمْعُ لِصٍّ بِكَسْرِ اللَّامِ وَيُفْتَحُ وَيُضَمُّ وهو السارق والمراد قطاع الطريق وطيء قَبِيلَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْهَا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الْمَذْكُورُ وَبِلَادُهُمْ مَا بَيْنَ الْعِرَاقِ وَالْحِجَازِ وَكَانُوا يَقْطَعُونَ الطَّرِيقَ عَلَى مَنْ مَرَّ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ جِوَارٍ وَلِذَلِكَ تَعَجَّبَ عَدِيٌّ كَيْفَ تَمُرُّ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِمْ وَهِيَ غَيْرُ خَائِفَةٍ

باب ومن سورة البقرة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ أحمد في مسنده قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ عَدِيٍّ هَذَا مِنْ طُرُقٍ وَلَهُ أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ يَطُولُ ذكرها (باب وَمِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) هِيَ مَدَنِيَّةٌ بِلَا خِلَافٍ وَمِائَتَانِ وَسِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَثَمَانُونَ آيَةً قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (وبن أَبِي عَدِيٍّ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ (وَعَبْدُ الْوَهَّابِ) هُوَ الثَّقَفِيُّ (عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَخِفَّةِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمَازِنِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ قُبْضَةٍ) بِالضَّمِّ مِلْءُ الْكَفِّ وَرُبَّمَا جَاءَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَمِنَ ابْتِدَائِيَّةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِخَلَقَ أَوْ بَيَانِيَّةٌ حَالٌ مِنْ آدَمَ (قَبَضَهَا) أَيْ أَمَرَ الْمَلَكَ بِقَبْضِهَا (مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ) يَعْنِي وَجْهَهَا (فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ) أَيْ مَبْلَغِهَا مِنَ الْأَلْوَانِ وَالطِّبَاعِ (فَجَاءَ مِنْهُمِ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ) بِحَسَبِ تُرَابِهِمْ وَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ هِيَ أُصُولُ الْأَلْوَانِ وَمَا عَدَاهَا مُرَكَّبٌ مِنْهَا وَهُوَ

الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ (وَبَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ بَيْنَ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ بِاعْتِبَارِ أَجْزَاءِ أَرْضِهِ (وَالسَّهْلُ) أَيْ وَمِنْهُمِ السَّهْلُ أَيِ اللَّيِّنُ (وَالْحَزْنُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ أَيِ الْغَلِيظُ (وَالْخَبِيثُ) أَيْ خَبِيثُ الْخِصَالِ (وَالطَّيِّبُ) عَلَى طَبْعِ أَرْضِهِمْ وَكُلُّ ذَلِكَ بِتَقْدِيرِ اللَّهِ تَعَالَى لَوْنًا وَطَبْعًا وَخَلْقًا قَالَ الطِّيبِيُّ لَمَّا كَانَتِ الْأَوْصَافُ الْأَرْبَعَةُ ظَاهِرَةً فِي الْإِنْسَانِ وَالْأَرْضِ أُجْرِيَتْ عَلَى حَقِيقَتِهَا وَأُوِّلَتِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ لِأَنَّهَا مِنَ الْأَخْلَاقِ الْبَاطِنَةِ فَإِنَّ الْمَعْنِيَّ بِالسَّهْلِ الرِّفْقُ وَاللِّينُ وَبِالْحَزْنِ الْخُرْقُ وَالْعُنُفُ وَبِالطَّيِّبِ الَّذِي يَعْنِي بِهِ الْأَرْضَ الْعَذْبَةَ الْمُؤْمِنُ الَّذِي هُوَ نَفْعٌ كُلُّهُ وَبِالْخَبِيثِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْأَرْضُ السَّبْخَةُ الْكَافِرُ الَّذِي هُوَ ضُرٌّ كُلُّهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ قَوْلُهُ ادْخُلُوا الْبَابَ أَرَادَ بِهِ بَابَ الْقَرْيَةِ الَّتِي ذَكَرهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ (وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ القرية سجدا) أَيْ سَاجِدِينَ لِلَّهِ تَعَالَى شُكْرًا عَلَى إِخْرَاجِهِمْ من التيه وقال بن عَبَّاسٍ مُنْحَنِينَ رُكُوعًا وَقِيلَ خُشُوعًا وَخُضُوعًا (قَالَ دَخَلُوا مُتَزَحِّفِينَ عَلَى أَوْرَاكِهِمْ) أَيْ مُتَمَشِّينَ وَالْأَوْرَاكُ جَمْعُ وَرِكٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْوَرِكُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ مَا فَوْقَ الْفَخِذِ وَفِي رِوَايَةِ البخاري فدخلوا يزحفون على أستاهم (أَيْ مُنْحَرِفِينَ) هَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَيْ مُنْحَرِفِينَ وَمَائِلِينَ عَمَّا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الدُّخُولِ سُجَّدًا فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الذي قيل لهم التَّقْدِيرُ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا بِاَلَّذِي قِيلَ لَهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَمَّنَ بَدَّلَ مَعْنَى قَالَ يَعْنِي قِيلَ لَهُمْ قُولُوا حِطَّةٌ أَيْ مَسْأَلَتُنَا أَنْ تَحُطَّ عَنَّا خَطَايَانَا فَبَدَّلُوهُ قَائِلِينَ حَبَّةٌ فِي شَعِيرَةٍ وَهُوَ كَلَامٌ مُهْمَلٌ وَغَرَضُهُمْ بِهِ مُخَالَفَةُ مَا أُمِرُوا بِهِ (قَالَ قَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٍ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ شَعَرَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ مَكَانَ شَعِيرَةٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ خَالَفُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ فَإِنَّهُمْ أُمِرُوا بِالسُّجُودِ عِنْدَ انْتِهَائِهِمْ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَبِقَوْلِهِمْ حِطَّةٌ فَبَدَّلُوا السُّجُودَ بِالزَّحْفِ وَقَالُوا حَبَّةٌ فِي شَعِيرَةٍ بَدَلَ حِطَّةٌ وَهَذَا فِي غَايَةِ مَا يَكُونُ مِنَ الْمُخَالَفَةِ والمعاندة

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (قَالَ كُنَّا مَعَ النبي فِي سَفَرٍ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ الرَّجُلُ يُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فِي الْغَيْمِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ قَوْلُهُ (كَانَ النبي يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ تَطَوُّعًا حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ التَّطَوُّعِ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِلْمُسَافِرِ قِبَلَ جِهَةِ مَقْصِدِهِ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنَ الِاسْتِقْبَالِ حَالَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ لَا يَضُرُّهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ سَمْتِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ إِجْمَاعٌ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْحَافِظُ وَالْعِرَاقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُ مَا تَوَجَّهَتْ بِهِ (وقال بن عُمَرَ فِي هَذَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) ذَهَبَ إِلَى هَذَا بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالُوا إِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْمُسَافِرِ يُصَلِّي النَّوَافِلَ حَيْثُ تَتَوَجَّهُ بِهِ رَاحِلَتُهُ فَمَعْنَى الْآيَةِ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ لِنَوَافِلِكُمْ فِي أَسْفَارِكُمْ فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ أَيْ فَقَدْ صَادَفْتُمُ الْمَطْلُوبَ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعُ الْفَضْلِ غَنِيٌّ فَمِنْ سَعَةِ فَضْلِهِ وَغِنَاهُ رَخَّصَ لَكُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَلَّفَكُمُ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ لَزِمَ أَحَدُ الضَّرَرَيْنِ إِمَّا تَرْكُ النَّوَافِلِ وَإِمَّا النُّزُولُ عَنِ الرَّاحِلَةِ وَالتَّخَلُّفِ عَنِ الرُّفْقَةِ بِخِلَافِ الْفَرَائِضِ فَإِنَّهَا صَلَوَاتٌ مَعْدُودَةٌ مَحْصُورَةٌ فَتَكْلِيفُ النُّزُولِ عَنِ الرَّاحِلَةِ عِنْدَ أَدَائِهَا وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِيهَا لَا يُفْضِي إِلَى الْحَرَجِ بِخِلَافِ النَّوَافِلِ فَإِنَّهَا غَيْرُ مَحْصُورَةٍ فَتَكْلِيفُ الِاسْتِقْبَالِ يُفْضِي إِلَى الْحَرَجِ

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ عَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْقِبْلَةُ فَلَمْ يَعْرِفُوا شَطْرَهَا فَصَلَّوْا عَلَى أَنْحَاءَ مُخْتَلِفَةٍ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ فَأَيْنَ وَلَّيْتُمْ وُجُوهَكُمْ فَهُنَالِكَ وَجْهِي وَهُوَ قِبْلَتُكُمْ فَيُعْلِمُكُمْ بِذَلِكَ أَنَّ صَلَاتَكُمْ مَاضِيَةٌ وَقَدِ اسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ الْمَذْكُورِ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَكِنْ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَقَالٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَلَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ تُقَوِّيهِ فَذَكَرهَا وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا فَتَصْلُحُ للاحتجاج بها انتهى وقال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَهَذِهِ الْأَسَانِيدُ فِيهَا ضَعْفٌ وَلَعَلَّهُ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا انْتَهَى وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ التَّوَجُّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ وَإِنَّمَا أَنْزَلَهَا لِيَعْلَمَ نَبِيُّهُ وَأَصْحَابُهُ أَنَّ لَهُمُ التَّوَجُّهَ بِوُجُوهِهِمْ لِلصَّلَاةِ حَيْثُ شَاءُوا مِنْ نَوَاحِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لِأَنَّهُمْ لَا يُوَجِّهُونَ وُجُوهَهُمْ وَجْهًا مِنْ ذَلِكَ وَنَاحِيَةً إِلَّا كَانَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ وَتِلْكَ النَّاحِيَةِ لِأَنَّ لَهُ تَعَالَى الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ وَأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هو معهم أينما كانوا قَالُوا ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْفَرْضِ الَّذِي فَرَضَ التوجه إلى المسجد الحرام قاله بن جرير قال بن كَثِيرٍ وَفِي قَوْلِهِ وَأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ إِنْ أَرَادَ عِلْمَهُ تَعَالَى فَصَحِيحٌ فَإِنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ وَأَمَّا ذَاتُهُ تَعَالَى فَلَا تَكُونُ مَحْصُورَةً فِي شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا انْتَهَى وَقَدْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ وَيُرْوَى عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ إِلَخْ وَفِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ أَقْوَالٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وغيرهما قوله (أخبرنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ) بِتَقْدِيمِ الزَّايِ مُصَغَّرًا الْبَصْرِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنِ الثَّامِنَةِ (عَنْ سعيد) هو بن أَبِي عَرُوبَةَ قَوْلُهُ (وَيُرْوَى عَنْ مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ قال فثم قبلة الله قال الحافظ

بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَلَكُمْ قِبْلَةٌ تَسْتَقْبِلُونَهَا الْكَعْبَةُ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ مُجَاهِدٍ هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ (عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ) الْبَاهِلِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبِي رَوْحٍ وَيُقَالُ أَبُو عُمَرَ الْحَرَّانِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ مِنِ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (لَوْ صَلَّيْنَا خَلْفَ الْمَقَامِ) أَيْ لَكَانَ حَسَنًا أَوْ لَوْ لِلتَّمَنِّي وَالْمُرَادُ مِنِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمَقَامِ صَلَاةُ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الطَّوَافِ فَنَزَلَتْ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى الْمُرَادُ بِالْمَقَامِ هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُومُ عَلَيْهِ لِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ لَمَّا ارْتَفَعَ الْجِدَارُ أَتَاهُ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهِ لِيَقُومَ فَوْقَهُ وَيُنَاوِلَهُ الْحِجَارَةَ فَيَضَعَهَا بِيَدِهِ لِرَفْعِ الْجِدَارِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مطولا قوله (أخبرنا هشيم) بالتصغير بن بَشِيرٍ بِوَزْنِ عَظِيمِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ السُّلَمِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ عَنْهُ أخذ النبي بِيَدِ عُمَرَ فَمَرَّ بِهِ عَلَى الْمَقَامِ فَقَالَ لَهُ هَذَا مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا تَتَّخِذُهُ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) هُوَ السَّمَّانُ وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ قَوْلُهُ

وكذلك جعلناكم أمة وسطا الْكَافُ فِي قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ كَافُ التَّشْبِيهِ جَاءَ لِشَبَهٍ بِهِ وَفِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي حَقِّ إبراهيم ولقد اصطفيناه في الدنيا وكذلك جعلناكم أمة وسطا الثَّانِي أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ يَهْدِي مَنْ يشاء إلى صراط مستقيم وَكَذَلِكَ هَدَيْنَاكُمْ وَجَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا الثَّالِثُ قِيلَ مَعْنَاهُ كَمَا جَعَلْنَا قِبْلَتَكُمْ وَسَطًا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا يَعْنِي عُدُولًا خيارا (قال عدلا) أي قال النبي فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَسَطًا عَدْلًا وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مُطَوَّلًا وَكَذَا التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَفِي آخِرِ حَدِيثِهِمَا وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هُوَ مَرْفُوعٌ مِنْ نَفْسِ الْخَبَرِ وَلَيْسَ بِمُدْرَجٍ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ كَمَا وَهَمَ فِيهِ بَعْضُهُمْ وَسَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَامِ بِلَفْظِ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا عَدْلًا وَأَخْرَجَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا السَّنَدِ فِي قَوْلِهِ وَسَطًا قَالَ عَدْلًا كَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُخْتَصَرًا مَرْفُوعًا وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِلَفْظِ وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ مُخْتَصَرًا مَرْفُوعًا وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ مِثْلَهُ قَالَ الطَّبَرِيُّ الْوَسَطُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْخِيَارُ يَقُولُونَ فُلَانٌ وَسَطٌ فِي قَوْمِهِ وَوَاسِطٌ إِذَا أَرَادُوا الرَّفْعَ فِي حَسَبِهِ قَالَ وَالَّذِي أَرَى أَنَّ مَعْنَى الْوَسَطِ فِي الْآيَةِ الْجُزْءُ الَّذِي بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ وَسَطٌ لِتَوَسُّطِهِمْ فِي الدِّينِ فَلَمْ يَغْلُوا كَغُلُوِّ النَّصَارَى وَلَمْ يُقَصِّرُوا كَتَقْصِيرِ الْيَهُودِ وَلَكِنَّهُمْ أَهْلُ وَسَطٍ وَاعْتِدَالٍ قَالَ الْحَافِظُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْوَسَطِ فِي الْآيَةِ صَالِحًا لِمَعْنَى التَّوَسُّطِ أَنْ لَا يَكُونَ أُرِيدَ بِهِ مَعْنَاهُ الْآخَرُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فَلَا مُغَايَرَةَ بَيْنَ الْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ مَعْنَى الْآيَةِ انْتَهِي قَوْلُهُ (يُدْعَى نُوحٌ) وَفِي رِوَايَةٍ يُجَاءُ بِنُوحٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (فَيُقَالُ) أَيْ لِنُوحٍ (فَيَقُولُ نَعَمْ) وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ لِأَنَّ الْإِجَابَةَ غَيْرُ التَّبْلِيغِ وَهِيَ تَحْتَاجُ إِلَى تَفْصِيلٍ لَا يُحِيطُ بِكُنْهِهِ إِلَّا عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ بِخِلَافِ نَفْسِ التَّبْلِيغِ لِأَنَّهُ مِنِ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ البديهية (ما أتانا من الْكَذِبُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عَنِ الْخَلَاصِ مِنَ النَّارِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْكُفَّارِ واللَّهِ ربنا ما كنا مشركين (وَمَا أَتَانَا مِنْ أَحَدٍ) أَيْ غَيْرِ النَّذِيرِ للتبليغ نَذِيرٍ) أَيْ مُنْذِرٍ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ

مبالغة في الإنكار توهما أنه ينفعهم (فَيُقَالُ) أَيْ لِنُوحٍ (مَنْ شُهُودُكَ) وَإِنَّمَا طَلَبَ اللَّهُ مِنْ نُوحٍ شُهَدَاءَ عَلَى تَبْلِيغِهِ الرِّسَالَةَ أمته وهو أعلم به إقامة الحجة وَإِنَافَةً لِمَنْزِلَةِ أَكَابِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ (فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ) وَالْمَعْنَى أَنَّ أُمَّتَهُ شُهَدَاءُ وَهُوَ مُزَكٍّ لَهُمْ وَقُدِّمَ فِي الذَّكَرِ لِلتَّعْظِيمِ وَلَا يَبْعُدُ أنه يَشْهَدُ لِنُوحٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَيْضًا لِأَنَّهُ مَحَلُّ النُّصْرَةِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَإِذْ أَخَذَ الله ميثاق النبيين إلى قوله لتؤمنن به ولتنصرنه (فَيُؤْتَى بِكُمْ تَشْهَدُونَ) قَالَ الْحَافِظُ وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَتَمَّ مِنْ سِيَاقِ غَيْرِهِ وَأَشْمَلَ وَلَفْظُهُ يَجِيءُ النَّبِيُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ الرَّجُلَانِ وَيَجِيءُ النَّبِيُّ وَمَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَبَلَّغَكُمْ هَذَا فَيَقُولُونَ لَا فَيُقَالُ لِلنَّبِيِّ أَبَلَّغْتَهُمْ فَيَقُولُ نَعَمْ فيقال لهم مَنْ يَشْهَدُ لَكَ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ والنسائي وبن مَاجَهْ (أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ) قَالَ الْحَافِظُ زَادَ أَبُو مُعَاوِيَةَ فَيُقَالُ وَمَا عَلَّمَكُمْ فَيَقُولُونَ أَخْبَرَنَا نَبِيُّنَا أَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغُوا فَصَدَّقْنَاهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ حَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ تَعْمِيمُ ذَلِكَ فأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قال لتكونوا شهداء وَكَانُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَانُوا شُهَدَاءَ عَلَى قَوْمِ نُوحٍ وَقَوْمِ هُودٍ وَقَوْمِ صَالِحٍ وَقَوْمِ شُعَيْبٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ رُسُلَهُمْ بَلَّغْتهمْ وَأَنَّهُمْ كَذَّبُوا رُسُلَهُمْ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَهِيَ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ يَوْمَ القيامة ومن حديث جابر عن النبي مَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلَّا وَدَّ أَنَّهُ مِنَّا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ مَا مِنْ نَبِيٍّ كَذَّبَهُ قَوْمُهُ إِلَّا وَنَحْنُ شُهَدَاؤُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ قَدْ بَلَّغَ رِسَالَةَ اللَّهِ وَنَصَحَ لَهُمْ (لتكونوا شهداء على الناس) أَيْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ أَنَّ رسلهم بلغتهم (ويكون الرسول) أَيْ رَسُولُكُمْ وَاللَّامُ لِلْعِوَضِ أَوِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ والمراد به محمد (عليكم شهيدا) أَنَّهُ بَلَّغَكُمْ (وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ) هُوَ مَرْفُوعٌ مِنْ نَفْسِ الْخَبَرِ وَلَيْسَ بِمُدْرَجٍ مِنْ قَوْلِ بَعْضِ الرُّوَاةِ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ

قَوْلُهُ (سِتَّةَ أَوْ سَبْعَةَ عَشْرَ شَهْرًا) كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالشَّكِّ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتَ سِتَّةَ عَشْرَ بِغَيْرِ شَكٍّ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا سَبْعَةَ عَشْرَ بِغَيْرِ شَكٍّ قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ سَهْلٌ بِأَنْ يَكُونَ من جزم بستة عشر نفق مِنْ شَهْرِ الْقُدُومِ وَشَهْرِ التَّحْوِيلِ شَهْرًا وَأَلْغَى الزَّائِدَ وَمَنْ جَزَمَ بِسَبْعَةَ عَشْرَ عَدَّهُمَا مَعًا وَمَنْ شَكَّ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْقُدُومَ كَانَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ وَكَانَ التَّحْوِيلُ فِي نِصْفِ شَهْرِ رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ جَزَمَ الجمهور (وكان رسول الله يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ) جَاءَ بَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عباس قال لما هاجر النبي إِلَى الْمَدِينَةِ وَالْيَهُودُ أَكْثَرُ أَهْلِهَا يَسْتَقْبِلُونَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَفَرِحَتِ الْيَهُودُ فَاسْتَقْبَلَهَا سَبْعَةَ عَشْرَ شَهْرًا وَكَانَ رسول الله يُحِبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ قِبْلَةَ إِبْرَاهِيمَ فَكَانَ يَدْعُو وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ فَنَزَلَتْ وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ إِنَّمَا كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى الْكَعْبَةِ لِأَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا يُخَالِفُنَا مُحَمَّدٌ وَيَتَّبِعُ قبلتنا فنزلت وظاهر حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا أَنَّ اسْتِقْبَالَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِنَّمَا وَقَعَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ لَكِنْ أَخْرَجَ أحمد من وجه آخر عن بن عباس كان النبي يُصَلِّي بِمَكَّةَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مُمْكِنٌ بِأَنْ يَكُونَ أُمِرَ لما هاجر أن يستمر على الصلاة ببيت المقدس وأخرج الطبراني من طريق بن جريج قال صلى النبي أَوَّلَ مَا صَلَّى إِلَى الْكَعْبَةِ ثُمَّ صُرِفَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُوَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى ثَلَاثَ حِجَجٍ ثُمَّ هَاجَرَ فَصَلَّى إِلَيْهِ بَعْدَ قُدُومِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ وَجَّهَهُ الله إلى الكعبة فقوله في حديث بن عَبَّاسٍ الْأَوَّلِ أَمَرَهُ اللَّهُ يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهُ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِاجْتِهَادٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَنْ أَبِي العالية أنه صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَتَأَلَّفُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنْ يَكُونَ بِتَوْقِيفٍ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ ابْتِدَاءِ الْقِبْلَةِ مِنْ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ (وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) كَمَا في رواية الشيخين

قَوْلُهُ (قَالَ كَانُوا رُكُوعًا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ) تَقِدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ أَيْضًا فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيِّ إِلَخ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُ أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (لَمَّا وُجِّهَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّوْجِيهِ أَيْ أُمِرَ بِالتَّوَجُّهِ إِلَى الْكَعْبَةِ (كَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا) أَيْ كَيْفَ حَالُهُمْ هَلْ صَلَاتُهُمْ ضَائِعَةٌ أَمْ مَقْبُولَةٌ (وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَمَا كَانَ اللَّهُ ليضيع إيمانكم أَيْ صَلَاتَكُمْ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَلْ يُثِيبُكُمْ عَلَيْهِ أَطْلَقَ الْإِيمَانَ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ آثَارِ الْإِيمَانِ وَأَشْرَفُ نَتَائِجِهِ وَإِنَّمَا خُوطِبُوا تَغْلِيبًا لِلْأَحْيَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن حبان والحاكم وبن جَرِيرٍ قَوْلُهُ (مَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ شَيْئًا) أَيْ مِنَ الْجُنَاحِ (وَمَا أُبَالِي أَنْ لَا أَطُوفَ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدِي إِذْ مَفْهُومُ قَوْلِهِ تَعَالَى

فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عليه أن يطوف بهما عَدَمُ وُجُوبِ السَّعْيِ لِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى رَفْعِ الْجُنَاحِ وَهُوَ الْإِثْمُ عَنْ فَاعِلِهِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَتِهِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لِمَا قِيلَ فيه مثل ذلك (طاف رسول الله وَطَافَ الْمُسْلِمُونَ) أَيْ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي رِوَايَةٍ للبخاري وقد سن رسول الله الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتْرُكَ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا (وَإِنَّمَا كَانَ مَنْ أَهَلَّ) أَيْ حَجَّ مِنَ الْأَنْصَارِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا (لِمَنَاةَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَبَعْدَ الْأَلْفِ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ فَوْقُ وَهُوَ اسْمُ صَنَمٍ كَانَ فِي الجاهلية وقال بن الْكَلْبِيِّ كَانَتْ صَخْرَةً نَصَبَهَا عَمْرُو بْنُ لُحَيٍّ بِجِهَةِ الْبَحْرِ فَكَانُوا يَعْبُدُونَهَا وَقِيلَ هِيَ صَخْرَةٌ لِهُذَيْلٍ بِقُدَيْدَ وَسُمِّيَتْ مَنَاةَ لِأَنَّ النَّسَائِكَ كَانَتْ تُمْنَى بِهَا أَيْ تُرَاقُ وَقَالَ الْحَازِمِيُّ هِيَ عَلَى سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَإِلَيْهَا نَسَبُوا زَيْدَ مَنَاةَ (الطَّاغِيَةِ) صِفَةٌ لِمَنَاةَ إِسْلَامِيَّةٌ وَهِيَ عَلَى زِنَةِ فَاعِلَةٍ مِنَ الطُّغْيَانِ وَلَوْ رُوِيَ لِمَنَاةَ الطَّاغِيَةِ بِالْإِضَافَةِ وَيَكُونُ الطَّاغِيَةِ صِفَةً لِلْفِرْقَةِ وَهُمُ الْكُفَّارُ لَجَازَ (الَّتِي بِالْمُشَلَّلِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْأُولَى الْمَفْتُوحَةِ اسْمُ مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْ قُدَيْدَ مِنْ جِهَةِ الْبَحْرِ وَيُقَالُ هُوَ الْجَبَلُ الَّذِي يُهْبَطُ مِنْهُ إِلَى قُدَيْدَ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَحْرِ وَقَالَ الْبَكْرِيُّ هِيَ ثَنِيَّةٌ مُشْرِفَةٌ عَلَى قُدَيْدَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِالْمُشَلَّلِ مِنْ قُدَيْدَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ فَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدَ أَيْ مُقَابِلَهُ وَقُدَيْدُ بِقَافٍ مُصَغَّرٌ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ كَثِيرَةُ الْمِيَاهِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ وَكَانَ لِمَنْ لَا يُهِلُّ لِمَنَاةَ صَنَمَانِ بِالصَّفَا إِسَافُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْمَرْوَةِ نَائِلَةُ وَقِيلَ إِنَّهُمَا كَانَا رَجُلًا وَامْرَأَةً فَزَنَيَا دَاخِلَ الْكَعْبَةِ فَمَسَخَهُمَا اللَّهُ حَجَرَيْنِ فَنُصِبَا عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَقِيلَ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَعْتَبِرَ النَّاسُ بِهِمَا وَيَتَّعِظُوا ثُمَّ حَوَّلَهُمَا قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ فَجَعَلَ أحدهما ملاصق لِلْكَعْبَةِ وَالْآخِرَ بِزَمْزَمَ وَنَحَرَ عِنْدَهُمَا وَأَمَرَ بِعِبَادَتِهِمَا فلما فتح النبي مَكَّةَ كَسَرَهُمَا (لَا يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) كراهية لذينك الصنمين وحبهم صَنَمَهُمُ الَّذِي بِالْمُشَلَّلِ وَكَانَ ذَلِكَ سُنَّةً فِي آبَائِهِمْ مَنْ أَحْرَمَ لِمَنَاةَ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصفا والمروة (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ) أَيْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ (أن يطوف) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَصْلُهُ يَتَطَوَّفُ فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ طَاءً لقرب مخرجهما وادغمت الطاء طاء (بِهِمَا) أَيْ بِأَنْ يَسْعَى بَيْنَهُمَا سَبْعًا (وَلَوْ كَانَتْ) أَيْ هَذِهِ الْآيَةُ (كَمَا تَقُولُ) أَيْ كَمَا تَأَوَّلَهَا عَلَيْهِ مِنَ الْإِبَاحَةِ (لَكَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِهِمَا) بِزِيَادَةِ لَا بَعْدَ أَنْ فَإِنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ تَدُلُّ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ عَنْ تَارِكِهِ وَذَلِكَ حَقِيقَةُ الْمُبَاحِ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْآيَةِ نَصٌّ عَلَى الْوُجُوبِ وَلَا عَدَمِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا مِنْ دَقِيقِ عِلْمِهَا وَفَهْمِهَا الثَّاقِبِ وَكَبِيرِ مَعْرِفَتِهَا بِدَقَائِقِ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ إِنَّمَا دَلَّ لَفْظُهَا عَلَى رَفْعِ الْجُنَاحِ عَمَّنْ يَطُوفُ بِهِمَا وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ

عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ السَّعْيِ وَلَا عَلَى وُجُوبِهِ فَأَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ أَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ فِيهَا دَلَالَةٌ لِلْوُجُوبِ وَلَا لِعَدَمِهِ وَبَيَّنَتِ السَّبَبَ فِي نُزُولِهَا وَالْحِكْمَةَ فِي نَظْمِهَا وَأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْأَنْصَارِ حِينَ تَحَرَّجُوا مِنَ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْإِسْلَامِ وَأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَمَا يَقُولُ عُرْوَةُ لَكَانَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَقَدْ يَكُونُ الْفِعْلُ وَاجِبًا وَيَعْتَقِدُ إِنْسَانٌ أَنَّهُ يُمْنَعُ إِيقَاعُهُ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَذَلِكَ كَمَنْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الظُّهْرِ وَظَنَّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَيُقَالُ فِي جَوَابِهِ لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ إِنْ صَلَّيْتهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَيَكُونُ جَوَابًا صَحِيحًا وَلَا يَقْتَضِي نَفْيَ وُجُوبِ صَلَاةِ الظُّهْرِ انْتَهَى (فَذَكَرْتَ ذَلِكَ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ قِيلَ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَقِيلَ الْمُغِيرَةُ وَقِيلَ أَبُو بَكْرٍ اسْمُهُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ اسْمُهُ كُنْيَتُهُ ثِقَةٌ فَقِيهٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (فَأَعْجَبَهُ ذَلِكَ) أَيْ كَلَامُ عَائِشَةَ (إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ الَّتِي هي التأكيد وَبِالتَّنْوِينِ عَلَى أَنَّهُ الْخَبَرُ أَيْ إِنَّ هَذَا لَعِلْمٌ عَظِيمٌ (إِنَّمَا كَانَ مَنْ لَا يَطُوفُ) أَيْ فِي الْإِسْلَامِ (وَقَالَ آخَرُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ) الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأُرَاهَا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهَا (قَدْ نَزَلَتْ فِي هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَاسْمَعْ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا فِي الَّذِينَ كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالَّذِينَ يَطُوفُونَ ثُمَّ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهِمَا فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَذْكُرِ الصَّفَا حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ قَالَ الْحَافِظُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ كَانَ لِلرَّدِّ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ الَّذِينَ تَحَرَّجُوا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِ عِنْدَهُمْ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ وَالَّذِينَ امْتَنَعُوا مِنَ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا لِكَوْنِهِمَا لَمْ يُذْكَرَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ) الْعَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ

قَوْلُهُ (سَأَلْتَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قُلْتَ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَالَ نَعَمْ (كَانَا مِنْ شَعَائِرِ الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ مِنَ الْعَلَامَاتِ الَّتِي كَانُوا يَتَعَبَّدُونَ بِهَا (أَمْسَكْنَا عَنْهُمَا) أَيْ عَنِ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا (قَالَ) أَيْ أَنَسٌ (هُمَا تَطَوُّعٌ) أَيِ السَّعْيُ بَيْنَهُمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَهَذَا هُوَ قَوْلُ أَنَسٍ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ شَيْخُنَا زَيْنُ الدِّينِ فِي شَرْحِهِ لِلتِّرْمِذِيِّ اخْتَلَفُوا فِي السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِلْحَاجِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الحج إلا به وهو قول بن عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَجَابِرٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عنه وإسحاق وأبو ثور لقوله اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ رَوَاهُ أَحْمَدُ والدّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي تَجْرَأةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَقَالَ عَبْدُ الْعَظِيمِ إِنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ قال العيني قال بن حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى إِنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي تَجْرَأةَ مَجْهُولَةٌ وَقَالَ شَيْخُنَا هُوَ مَرْدُودٌ لِأَنَّهَا صَحَابِيَّةٌ وَكَذَلِكَ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ صَحَابِيَّةٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ وَاجِبٌ يُجْبَرُ بِدَمٍ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ كَمَا حكاه بن الْعَرَبِيِّ وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا وَاجِبٍ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَهُوَ قَوْلُ بن عباس وبن سِيرِينَ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ وَمَنْ طَافَ فَقَدْ حَلَّ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) الْمَعْرُوفُ بِالصَّادِقِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قال سمعت رسول الله حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَاب مَا جَاءَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالصَّفَا قَبْلَ الْمَرْوَةِ

قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ (كان أصحاب النبي) أَيْ فِي أَوَّلِ افْتِرَاضِ الصِّيَامِ (فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ كَانَ إِذَا نَامَ قَبْلَ أَنْ يَتَعَشَّى لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ شَيْئًا وَلَا يَشْرَبَ لَيْلَهُ وَيَوْمَهُ حَتَّى تَغْرُبَ وَلِأَبِي الشَّيْخِ مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا أَفْطَرُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَأْتُونَ النِّسَاءَ مَا لَمْ يَنَامُوا فَإِذَا نَامُوا لَمْ يَفْعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلَى مِثْلِهَا فَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَنْعَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ مُقَيَّدًا بِالنَّوْمِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَقُيِّدَ المنع من ذلك في حديث بن عَبَّاسٍ بِصَلَاةِ الْعَتَمَةِ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ كان الناس على عهد رسول الله إِذَا صَلَّوْا الْعَتَمَةَ حَرُمَ عَلَيْهِمُ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ وَالنِّسَاءُ وَصَامُوا إِلَى الْقَابِلَةِ وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ صَلَاةَ الْعِشَاءِ لِكَوْنِ مَا بَعْدَهَا مَظِنَّةَ النَّوْمِ غَالِبًا وَالتَّقْيِيدُ فِي الْحَقِيقَةِ إِنَّمَا هُوَ بِالنَّوْمِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى قُلْتُ وَمُرَادُ الْحَافِظِ بِقَوْلِهِ وَهَذَا أَخَصُّ مِنْ حَدِيثِ الْبَرَاءِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ يَعْنِي أَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ (وَإِنَّ قَيْسَ بْنَ صِرْمَةَ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ قَالَ فِي الْإِصَابَةِ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ صِرْمَةُ بْنُ قَيْسٍ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ أَبُو قَيْسِ بْنُ عَمْرٍو فَإِنْ حُمِلَ هَذَا الِاخْتِلَافُ عَلَى تَعَدُّدِ أَسْمَاءِ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِرَدِّ جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ إِلَى وَاحِدٍ فَإِنَّهُ قِيلَ فِيهِ صِرْمَةُ بْنُ قَيْسٍ وَصِرْمَةُ بْنُ مَالِكٍ وَصِرْمَةُ بْنُ أَنَسٍ وَصِرْمَةُ بْنُ أَبِي أَنَسٍ وَقِيلَ فِيهِ قَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ وَأَبُو قَيْسِ بْنِ صِرْمَةَ وَأَبُو قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنْ كَانَ اسْمُهُ صِرْمَةَ بْنَ قَيْسٍ فَمَنْ قَالَ قَيْسُ بْنُ صِرْمَةَ قَلَبَهُ وَإِنَّمَا اسْمُهُ صِرْمَةُ وَكُنْيَتُهُ أَبُو قَيْسٍ أَوِ الْعَكْسُ وَأَمَّا أَبُوهُ فَاسْمُهُ قَيْسٌ أَوْ صِرْمَةُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ مِنَ الْقَلْبِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو أَنَسٍ وَمَنْ قَالَ فِيهِ أَنَسٌ حَذَفَ أَدَاةَ الْكُنْيَةِ ومن قال فيه بن مَالِكٍ نَسَبَهُ إِلَى جَدٍّ لَهُ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (هَلْ عِنْدَكِ) بِكَسْرِ الْكَافِ (طَعَامٌ فَقَالَتْ لَا وَلَكِنْ أَنْطَلِقُ أَطْلُبُ لك) ظاهره أنه لم يجيء مَعَهُ بِشَيْءٍ لَكِنْ فِي مُرْسَلِ السُّدِّيِّ

أَنَّهُ أَتَاهَا بِتَمْرٍ فَقَالَ اسْتَبْدِلِي بِهِ طَحِينًا وَاجْعَلِيهِ سَخِينًا فَإِنَّ التَّمْرَ أَحْرَقَ جَوْفِي وَفِيهِ لَعَلِّي آكُلُهُ سُخْنًا وَأَنَّهَا اسْتَبْدَلَتْهُ لَهُ وَصَنَعَتْهُ (وَكَانَ يَوْمَهُ) بِالنَّصْبِ (يَعْمَلُ) أَيْ فِي أَرْضِهِ وصرح بها أبو داود وفي رِوَايَتِهِ وَفِي مُرْسَلِ السُّدِّيِّ كَانَ يَعْمَلُ فِي حِيطَانِ الْمَدِينَةِ بِالْأُجْرَةِ فَعَلَى هَذَا فَقَوْلُهُ فِي أَرْضِهِ إِضَافَةُ اخْتِصَاصٍ (فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ) أَيْ نَامَ (قَالَتْ خَيْبَةً لَكَ) بِالنَّصْبِ وَهُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ مَحْذُوفُ الْعَامِلِ وَقِيلَ إِذَا كَانَ بِغَيْرِ لَامٍ يَجِبُ نَصْبُهُ وَإِلَّا جَازَ وَالْخَيْبَةُ الْحِرْمَانُ يُقَالُ خَابَ يَخِيبُ إِذَا لَمْ يَنَلْ مَا طَلَبَ (فذكر ذلك للنبي) زَادَ فِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا عِنْدَ أَبِي الشَّيْخِ وَأَتَى عُمَرُ اَمْرَأَتَهُ وَقَدْ نَامَتْ فَذَكَرَ ذَلِكَ للنبي فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرفث إلى نسائكم فَفَرِحُوا بِهَا فَرَحًا شَدِيدًا وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمِ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَشَرَحَ الْكَرْمَانِيُّ عَلَى ظَاهِرِهَا فَقَالَ لَمَّا صَارَ الرَّفَثُ وَهُوَ الْجِمَاعُ هُنَا حَلَالًا بَعْدَ أَنْ كَانَ حَرَامًا كَانَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَلِذَلِكَ فَرِحُوا بِنُزُولِهَا وَفَهِمُوا مِنْهَا الرُّخْصَةَ هَذَا وَجْهُ مُطَابَقَةِ ذَلِكَ لِقِصَّةِ أَبِي قَيْسٍ قَالَ ثُمَّ لَمَّا كَانَ حِلُّهُمَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَكُلُوا واشربوا) لِيُعْلَمَ بِالْمَنْطُوقِ تَسْهِيلُ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ صَرِيحًا ثُمَّ قَالَ أَوِ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ هِيَ بِتَمَامِهَا قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَبِهِ جَزَمَ السُّهُيْلِيُّ وَقَالَ إِنَّ الْآيَةَ بِتَمَامِهَا نَزَلَتْ فِي الْأَمْرَيْنِ مَعًا وَقُدِّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِعُمَرَ لِفَضْلِهِ قَالَ الْحَافِظُ قَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي داود فنزلت أحل لكم ليلة الصيام إلى قوله من الفجر فَهَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ مَحَلَّ قَوْلِهِ فَفَرِحُوا بِهَا بَعْدَ قَوْلِهِ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ وَقَعَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَلَفْظُهُ فنزلت أحل لكم إلى قوله من الفجر فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بِذَلِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (عَنْ ذَرٍّ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَشِدَّةِ راء هو بن عَبْدِ اللَّهِ الْمُرْهِبِيُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ ثِقَةٌ عَابِدٌ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ يُسَيِّعَ الْكِنْدِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يُسَيِّعُ بْنُ مَعْدَانَ الْحَضْرَمِيُّ الْكُوفِيُّ وَيُقَالُ لَهُ أُسَيِّعُ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى قُلْتُ يُسَيِّعُ هَذَا بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا وَيُقَالُ لَهُ أُسَيِّعُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بَدَلَ التَّحْتَانِيَّةِ قَوْلُهُ (هُوَ الْعِبَادَةُ) أَيْ هُوَ الْعِبَادَةُ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي تَسْتَأْهِلُ أَنْ تُسَمَّى عِبَادَةً لِدَلَالَتِهِ عَلَى الْإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ وَالْإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَاهُ بِحَيْثُ لَا يَرْجُو وَلَا يَخَافُ إِلَّا إِيَّاهُ (وَقَرَأَ) أَيِ النَّبِيُّ (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم قلت يسيع هذا بضم التحتانية وفتح

إلى قوله (داخرين) هَذِهِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنَ لَكِنْ لَمَّا ورد تفسيرها عنه وَكَانَتْ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دعان فليستجيبوا لي الذي في سورة البقرة أوردها ها هنا بِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي أَوَائِلِ الدَّعَوَاتِ أَيْضًا وَيَأْتِي هُنَاكَ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ المؤمن قوله (أخبرنا هشيم) هو بن بَشِيرِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ (أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ قَوْلُهُ (لَمَّا نَزَلَتْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمِ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ من الفجر) زَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ لَهُ عَدِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَجْعَلُ تَحْتَ وِسَادَتِي عِقَالَيْنِ عِقَالًا أَبْيَضَ وَعِقَالًا أَسْوَدَ أَعْرِفُ اللَّيْلَ من النهار فقال رسول الله إن وسادك لعريض (قال لي النبي إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُهُ أَنَّ عَدِيًّا كَانَ حَاضِرًا لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَهُوَ يَقْتَضِي تَقَدُّمَ إِسْلَامِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ نُزُولَ فَرْضِ الصَّوْمِ كَانَ مُتَقَدِّمًا فِي أَوَائِلِ الْهِجْرَةِ وَإِسْلَامُ عَدِيٍّ كَانَ فِي التَّاسِعَةِ أَوِ الْعَاشِرَةِ كَمَا ذكره بن إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي حَدِيثِ الْبَابِ تَأَخَّرَ نُزُولُهَا عَنْ نُزُولِ فَرْضِ الصَّوْمِ وَهُوَ بعيد جدا وإما أن يأول قَوْلُ عَدِيٍّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ لَمَّا نَزَلَتْ أَيْ لِمَا تُلِيَتْ عَلَيَّ عِنْدَ إِسْلَامِي أَوْ لَمَّا بَلَغَنِي نُزُولُ الْآيَةِ أَوْ فِي السِّيَاقِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ ثُمَّ قَدِمْتَ فَأَسْلَمْتُ وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَائِعَ قَالَ لِي (إِنَّمَا ذَلِكَ) أَيِ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ (بَيَاضُ النَّهَارِ مِنْ سَوَادِ اللَّيْلِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلِ وَبَيَاضُ النَّهَارِ فَإِنْ قُلْتَ الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ كَانَ نَزَلَ حِينَ سَمِعَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ هَذِهِ الْآيَةَ وَهُوَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ الْخَيْطُ الأبيض من الخيط

الأسود فَكَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ مَعْنَاهُ قُلْتُ كَأَنَّ عَدِيًّا لَمْ يَكُنْ فِي لُغَةِ قَوْمِهِ اسْتِعَارَةُ الْخَيْطِ لِلصُّبْحِ وَحَمَلَ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ عَلَى السَّبَبِيَّةِ فَظَنَّ أَنَّ الْغَايَةَ تَنْتَهِي إِلَى أَنْ يَظْهَرَ تَمْيِيزُ أَحَدِ الْخَيْطَيْنِ مِنَ الْآخَرِ بِضِيَاءِ الْفَجْرِ أَوْ نَسِيَ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ حَتَّى ذَكَّرَهُ بها النبي وَهَذِهِ الِاسْتِعَارَةُ مَعْرُوفَةٌ عِنْدَ بَعْضِ الْعَرَبِ قَالَ الشَّاعِرُ وَلَمَّا تَبَدَّتْ لَنَا سَدْفَةٌ وَلَاحَ مِنَ الصُّبْحِ خَيْطٌ أَنَارَا فَإِنْ قُلْتَ حَدِيثُ عَدِيٍّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ نَزَلَ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ أُنْزِلَتْ كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمِ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الخيط الأسود وَلَمْ يَنْزِلْ مِنَ الْفَجْرِ فَكَانَ رِجَالٌ إِذَا أَرَادُوا الصَّوْمَ رَبَطَ أَحَدُهُمْ فِي رِجْلَيْهِ الْخَيْطَ الْأَبْيَضَ وَالْخَيْطَ الْأَسْوَدَ وَلَا يَزَالُ يَأْكُلُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ رُؤْيَتُهُمَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدُ مِنَ الْفَجْرِ فَعَلِمُوا أَنَّمَا يَعْنِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ فَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ (مِنَ الْفَجْرِ) نَزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ لِرَفْعِ مَا وَقَعَ لَهُمْ مِنَ الْإِشْكَالِ فَمَا وَجْهُ الْجَمْعِ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ قُلْتُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَدِيثَ عَدِيٍّ مُتَأَخِّرٌ مِنْ حَدِيثِ سَهْلٍ فَكَأَنَّ عَدَّيَا لَمْ يَبْلُغْهُ مَا جَرَى فِي حَدِيثِ سَهْلٍ وَإِنَّمَا سَمِعَ الْآيَةَ مُجَرَّدَةً فَفَهِمَهَا عَلَى مَا وَقَعَ لَهُ فَبَيَّنَ لَهُ النبي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ (مِنَ الْفَجْرِ) أَنْ يَنْفَصِلَ أَحَدُ الْخَيْطَيْنِ عَنِ الْآخَرِ وَأَنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْفَجْرِ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ (يَتَبَيَّنَ) وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّتَانِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ فِي قِصَّةِ عَدِيٍّ تَلَا الْآيَةَ تَامَّةً كَمَا ثَبَتَ فِي الْقُرْآنِ وَإِنْ كَانَ حَالُ النُّزُولِ إِنَّمَا نَزَلَتْ مُفَرَّقَةً كَمَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الثَّانِي ضَعِيفٌ لِأَنَّ قِصَّةَ عَدِيٍّ مُتَأَخِّرَةٌ لِتَأَخُّرِ إِسْلَامِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ

قَوْلُهُ (عَنْ مُجَالِدُ) بْنُ سَعِيدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ مِنْ صِغَارِ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (فَأَخَذْتُ عِقَالَيْنِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ حَبْلَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ خَيْطَيْنِ مِنْ شَعْرٍ (شَيْئًا لَمْ يَحْفَظْهُ سفيان) وحفظه غيره وهو قوله إِنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ المتقدمة (فقال) أي النبي (إِنَّمَا هُوَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَيْطِ الْأَسْوَدِ اللَّيْلُ وَبِالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ النَّهَارُ وَالْمَعْنَى حَتَّى يَظْهَرَ الْفَجْرُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) فِي سَنَدِهِ مُجَالِدٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَتَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ مُجَالِدٍ قَوْلُهُ (عَنْ أَسْلَمَ) بْنِ يَزِيدَ (أَبِي عِمْرَانَ التُّجِيبِيِّ) الْمِصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنَ الرُّومِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ غَزَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ نُرِيدُ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَالرُّومُ مُلْصِقُوا ظُهُورِهِمْ بِحَائِطِ الْمَدِينَةِ (وَعَلَى الْجَمَاعَةِ) أَيْ أَمِيرُهُمْ (مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ (فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ شَاخِصًا) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ شُخُوصُ الْمُسَافِرِ خُرُوجُهُ عَنْ مَنْزِلِهِ وَمِنْهُ حَدِيثُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّمَا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ مَنْ كَانَ شَاخِصًا أَوْ بِحَضْرَةِ عَدُوٍّ أَيْ مُسَافِرًا وَمِنْهُ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَلَمْ يَزَلْ شَاخِصًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِإِلْقَاءِ الْأَيْدِي إِلَى التَّهْلُكَةِ هُوَ الْإِقَامَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَتَرْكُ الْجِهَادِ وَقِيلَ هُوَ الْبُخْلُ وَتَرْكُ الْإِنْفَاقِ فِي الْجِهَادِ رَوَى

الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ قَالَ نَزَلَتْ فِي النَّفَقَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ فِي النَّفَقَةِ أَيْ فِي تَرْكِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حُذَيْفَةُ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ فَذَكَرَهُ بِتَمَامِهِ ثُمَّ قَالَ وَصَحَّ عن بن عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ نَحْوُ ذَلِكَ فِي تأويل الاية وروى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهَا كَانَتْ نَزَلَتْ فِي نَاسٍ كَانُوا يَغْزُونَ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ فَيَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ اخْتِلَافُ الْمَأْمُورِينَ فالَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا وَأَحْسِنُوا أَصْحَابُ الْأَمْوَالِ وَالَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ وَلَا تُلْقُوا الْغُزَاةُ بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ بْنِ أَبِي جُبَيْرَةَ كَانَ الْأَنْصَارُ يَتَصَدَّقُونَ فأصابتهم سنة فأمسكوا فنزلت وروى بن جرير وبن الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُدْرِكِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ إِنِّي لَعِنْدَ عُمَرَ فَقُلْتُ إِنَّ لِي جَارًا رَمَى بِنَفْسِهِ فِي الْحَرْبِ فَقُتِلَ فَقَالَ نَاسٌ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ فَقَالَ عُمَرُ كذبوا لكنه اشترى الاخرة بالدنيا وجاء عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي الْآيَةِ تَأْوِيلٌ آخر أخرجه بن جرير وبن الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ قُلْتُ لِلْبَرَاءِ أَرَأَيْتَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ هُوَ الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلَى الْكَتِيبَةِ فِيهَا أَلْفٌ قَالَ لَا وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ يُذْنِبُ فَيُلْقِي بِيَدِهِ فَيَقُولُ لَا تَوْبَةَ لِي وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ نَحْوَهُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِتَصْدِيرِ الْآيَةِ بِذِكْرِ النَّفَقَةِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي نُزُولِهَا وَأَمَّا قَصْرُهَا عَلَيْهِ فَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ أَمَّا مَسْأَلَةُ حمل الواحد على العدد الكثير من العدد فَصَرَّحَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ إِنْ كَانَ لِفَرْطِ شَجَاعَتِهِ وظنه أنه يرهب العدو بذلك أو يجرأ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ فَهُوَ حَسَنٌ وَمَتَى كَانَ مُجَرَّدَ تَهَوُّرٍ فَمَمْنُوعٌ وَلَا سِيَّمَا إِنْ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ وَهَنٌ فِي الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي وبن جرير وأبو يعلى في مسنده وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ) بْنُ بَشِيرِ بْنِ الْقَاسِمِ (أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ) بْنُ مِقْسَمٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ الضَّبِّيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو هِشَامٍ الْكُوفِيُّ الْأَعْمَى ثِقَةٌ مُتْقِنٌ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ وَلَا سِيَّمَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِنَ السَّادِسَةِ (قَالَ

كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ إِلَخْ) قَدْ سَبَقَ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ هَذَا فِي بَابِ الْمُحْرِمِ يَحْلِقُ رَأْسَهُ فِي إِحْرَامِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ أَبْوَابِ الْحَجِّ قَوْلُهُ (لَفِيَّ) بِشِدَّةِ الْيَاءِ أَيْ فِي شَأْنِي (وَلَإِيَّايَ عَنَى بِهَا) اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَإِيَّايَ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِعَنَى (وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ) هِيَ شَعْرُ الرَّأْسِ إِذَا وَصَلَ إِلَى شَحْمَةِ الْأُذُنِ (فَجَعَلَتِ الْهَوَامُّ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ جَمْعُ هَامَّةٍ وَهِيَ مَا يَدِبُّ مِنَ الْأَخْفَاشِ وَالْمُرَادُ بِهَا ما يلازم جسد الإنسان عالبا إِذَا طَالَ عَهْدُهُ بِالتَّنْظِيفِ وَقَدْ عُيِّنَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا الْقَمْلُ (تَسَاقَطُ) بِحَذْفِ إحدى التائين قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) اسْمُهُ جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا قَافٌ مكسورة بن مُقْرِنٍ الْمُزَنِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ (أَيْضًا) أَيْ كَمَا رَوَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ الحافظ في الفتح ونقل بن عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيِّ قَالَ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فِي الْفِدْيَةِ سُنَّةٌ مَعْمُولٌ بِهَا لَمْ يَرْوِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ غيره ولا رواها عنه إلا بن أبي ليلى وبن مَعْقِلٍ قَالَ وَهِيَ سُنَّةٌ أَخَذَهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ قَالَ الزُّهْرِيُّ سَأَلْتُ

عَنْهَا عُلَمَاءَنَا كُلَّهُمْ حَتَّى سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ فَلَمْ يُبَيِّنُوا كَمْ عَدَدُ الْمَسَاكِينِ قَالَ الْحَافِظُ فيما أطلقه بن صَالِحٍ نَظَرٌ فَقَدْ جَاءَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ غَيْرِ كَعْبٍ وَرَوَاهُ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ غَيْرُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ وَقَدْ أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ كَعْبٍ هَذَا فِي أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ مُتَوَالِيَةٍ وَأَوْرَدَهُ أَيْضًا فِي الْمَغَازِي وَالطِّبِّ وَكَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى مَدَارُ الجميع على بن أبي ليلى وبن مَعْقِلٍ فَيُقَيِّدُ إِطْلَاقَ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ بِالصِّحَّةِ فَإِنَّ بَقِيَّةَ الطُّرُقِ لَا تَخْلُو عَنْ مَقَالٍ إِلَّا طَرِيقَ أَبِي وَائِلٍ عِنْدَ النَّسَائِيُّ انْتَهَى مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَدْ رَوَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ قَوْلُهُ (يَتَنَاثَرُ) مِنَ النَّثْرِ أَيْ يَتَسَاقَطُ (وَانْسُكْ نَسِيكَةً) أَيِ اذْبَحْ ذَبِيحَةً وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ انْسُكْ بِشَاةٍ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ رِوَايَاتُ الْبَابِ كُلُّهَا مُتَّفِقَةٌ فِي الْمَعْنَى وَمَقْصُودُهَا أَنَّ مَنِ احْتَاجَ إِلَى حَلْقِ الرَّأْسِ لِضَرَرٍ مِنْ قَمْلٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَلَهُ حَلْقُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ من صيام أو صدقة أو نسك وبين النبي أَنَّ الصِّيَامَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَالصَّدَقَةُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ وَالنُّسُكُ شاة وهي شاة تجزىء فِي الْأُضْحِيَّةِ ثُمَّ إِنَّ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ وَالْأَحَادِيثَ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ وَهَكَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ هَلْ عِنْدَكَ نُسُكٌ قَالَ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَا يُجْزِئُ إِلَّا

لِعَادِمِ الْهَدْيِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَ عَنِ النُّسُكِ فَإِنْ وَجَدَهُ أَخْبَرَهُ بِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ وَإِنْ عَدِمَهُ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالْإِطْعَامِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْقَوْلِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّ نِصْفَ الصَّاعِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ إِنَّمَا هُوَ فِي الْحِنْطَةِ فَأَمَّا التَّمْرُ وَالشَّعِيرُ وَغَيْرُهُمَا فَيَجِبُ صَاعٌ لِكُلِّ مسكين وهذا خلاف نصه فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَبَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ يَجِبُ إِطْعَامُ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ أَوْ صَوْمُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ مَنَابِذُ لِلسُّنَّةِ مَرْدُودٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ) بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ مُصَغَّرًا اللَّيْثِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الديلي بِكَسْرِ الدَّالِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَيُقَالُ مَاتَ بِخُرَاسَانَ قَوْلُهُ (الْحَجُّ عَرَفَاتٌ) أَيْ مِلَاكُ الْحَجِّ وَمُعْظَمُ أَرْكَانِهِ وُقُوفُ عَرَفَاتٍ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِفَوَاتِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ يَوْمُ عَرَفَةَ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَعَرَفَاتٌ مَوْقِفُ الْحَاجِّ وَذَلِكَ عَلَى اثْنَيْ عَشْرَ مِيلًا مِنْ مَكَّةَ وَغَلِطَ الْجَوْهَرِيُّ فَقَالَ مَوْضِعٌ بِمِنًى سُمِّيَتْ لِأَنَّ آدَمَ وَحَوَّاءَ تَعَارَفَا بِهَا أَوْ لِقَوْلِ جِبْرِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ لَمَّا عَلَّمَهُ الْمَنَاسِكَ أَعَرَفْتَ قَالَ عَرَفْتُ اسْمٌ فِي لَفْظِ الْجَمْعِ فَلَا تُجْمَعُ مَعْرِفَةً وَإِنْ كَانَتْ جَمْعًا لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ لَا تَزُولُ فَصَارَتْ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ مَعْرُوفَةً لِأَنَّ التَّاءَ بِمَنْزِلَةِ الْيَاءِ وَالْوَاوِ فِي مُسْلِمِينَ وَمُسْلِمُونَ وَالنِّسْبَةُ عُرْفِيٌّ (أَيَّامُ مِنًى ثَلَاثٌ) أَرَادَ بِهَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَهِيَ الْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ وَأَيَّامُ رَمْيِ الْجِمَارِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الَّتِي بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَيْسَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنْهَا لِإِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّفْرُ يوم ثاني النَّحْرِ وَلَوْ كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ مِنَ الثَّلَاثِ لَجَازَ أَنْ يَنْفِرَ مَنْ شَاءَ فِي ثَانِيهِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ (فَمَنْ تَعَجَّلَ) أَيِ اسْتَعْجَلَ بِالنَّفْرِ أَيِ الْخُرُوجِ مِنْ مِنًى (فِي يَوْمَيْنِ) أَيِ الْيَوْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَنَفَرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْهَا بَعْدَ رَمْيِ جِمَارِهِ (فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) بِالتَّعْجِيلِ (وَمَنْ تَأَخَّرَ) أَيْ عَنِ النَّفْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ إِلَيَّ الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَتَّى بَاتَ لَيْلَةَ الثَّالِثِ وَرَمَى يَوْمَ الثَّالِثِ جِمَارَهُ وَقِيلَ الْمَعْنَى وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنِ الثَّالِثِ إِلَى الرَّابِعِ وَلَمْ يَنْفِرْ مَعَ الْعَامَّةِ قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ (فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ) وَهُوَ أَفْضَلُ لِكَوْنِ الْعَمَلِ فِيهِ أَكْمَلَ لِعَمَلِهِ

وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا فِئَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا تَرَى الْمُتَعَجِّلَ آثِمًا وَأُخْرَى تَرَى الْمُتَأَخِّرَ آثِمًا فَوَرَدَ التَّنْزِيلُ بِنَفْيِ الْحَرَجِ عَنْهُمَا وَدَلَّ فِعْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى بَيَانِ الْأَفْضَلِ مِنْهُمَا (وَمَنْ أَدْرَكَ عَرَفَةَ) أَيْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ (قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ) أَيْ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ مَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ فَتَمَّ حَجُّهُ (فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْوُقُوفَ يَفُوتُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ يَوْمَ عَرَفَةَ وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ وَقْتَهُ يَمْتَدُّ إِلَى مَا بَعْدَ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ قَوْلُهُ (أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ) قَالَ الْكَرْمَانِيُّ الْأَبْغَضُ هُوَ الْكَافِرُ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَبْغَضُ الرِّجَالِ الْكُفَّارِ الْكَافِرُ الْمُعَانِدُ أَوْ أَبْغَضُ الرجال المخاصمين قال الحافظ بن حَجَرٍ وَالثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا فَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فِي حَقِّهِ عَلَى حَقِيقَتِهَا فِي الْعُمُومِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا فَسَبَبُ الْبُغْضِ أن كثرة المخاصمة تقضي غَالِبًا إِلَى مَا يَذُمُّ صَاحِبَهُ أَوْ يُخَصُّ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَيَشْهَدُ لِلْأَوَّلِ حَدِيثُ كَفَى بِكَ إِثْمًا أَنْ تَكُونَ مُخَاصِمًا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ وَوَرَدَ فِي التَّرْغِيبِ فِي تَرْكِ الْمُخَاصَمَةِ فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَالرَّبَضُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا ضَادٌ مُعْجَمَةٌ الْأَسْفَلُ انْتَهَى (الْأَلَدُّ) أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ اللَّدَدِ وَهُوَ شِدَّةُ الْخُصُومَةِ (الْخَصِمُ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الصَّادِ أَيِ الشَّدِيدُ اللَّدَدِ وَالْكَثِيرُ الْخُصُومَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) الْأَزْدِيُّ الْوَاشِحِيُّ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي بِمَكَّةَ ثِقَةٌ إِمَامٌ حَافِظٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (كَانَتِ الْيَهُودُ) جَمْعُ يَهُودِيٍّ كَرُومٍ وَرُومِيٍّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْيَهُودَ قَبِيلَةٌ سُمِّيَتْ بِاسْمِ جَدِّهَا يَهُودَا أَخِي يُوسُفَ الصِّدِّيقِ وَالْيَهُودِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِمْ بِمَعْنَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَقَالَ النَّوَوِيُّ يَهُودُ غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ قَبِيلَةٌ فَامْتَنَعَ صَرْفُهُ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ (لَمْ يُؤَاكِلُوهَا) بِالْهَمْزِ وَيُبَدَّلُ وَاوًا (وَلَمْ يُجَامِعُوهَا) أَيْ لَمْ يُسَاكِنُوهَا وَلَمْ يُخَالِطُوهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ويسألونك عن المحيض قل هو أذى وَتَتِمَّةُ الْآيَةِ فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حيث أمركم الله قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ فِي الْأَزْهَارِ الْمَحِيضُ الْأَوَّلُ فِي الْآيَةِ هُوَ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ هُوَ أَذًى وَفِي الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا الدَّمُ وَالثَّانِي زَمَانُ الْحَيْضِ وَالثَّالِثُ مَكَانُهُ وَهُوَ الْفَرْجُ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ وَأَزْوَاجِ النبي ثُمَّ الْأَذَى مَا يَتَأَذَّى بِهِ الْإِنْسَانُ قِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ لَوْنًا كَرِيهًا وَرَائِحَةً مُنْتِنَةً وَنَجَاسَةً مُؤْذِيَةً مَانِعَةً عَنِ الْعِبَادَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَغَوِيُّ التَّنْكِيرُ هُنَا لِلْقِلَّةِ أَيْ أَذًى يَسِيرٌ لَا يَتَعَدَّى وَلَا يَتَجَاوَزُ إِلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ وَحَرَمِهِ فَتُجْتَنَبُ وَتَخْرُجُ مِنَ الْبَيْتِ كَفِعْلِ الْيَهُودِ وَالْمَجُوسِ نَقَلَهُ السَّيِّدُ يَعْنِي الْحَيْضُ أَذًى يَتَأَذَّى مَعَهُ الزَّوْجُ مِنْ مُجَامَعَتِهَا فَقَطْ دُونَ الْمُؤَاكَلَةِ وَالْمُجَالَسَةِ وَالِافْتِرَاشِ أَيْ فَابْعُدُوا عَنْهُنَّ بِالْمَحِيضِ أَيْ فِي مَكَانِ الْحَيْضِ وَهُوَ الْفَرْجُ أَوْ حَوْلَهُ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ احْتِيَاطًا انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَأَنْ يَفْعَلُوا كُلَّ شَيْءٍ) مِنَ الْمُلَامَسَةِ وَالْمُضَاجَعَةِ (مَا خَلَا النِّكَاحَ) أَيِ الْجِمَاعَ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْوَطْءِ وَقِيلَ فِي الْعَقْدِ فَيَكُونُ إِطْلَاقًا لِاسْمِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ وَبَيَانٌ لِقَوْلِهِ (فَاعْتَزِلُوا) فَإِنَّ الِاعْتِزَالَ شَامِلٌ لِلْمُجَانَبَةِ عَنِ الْمُؤَاكَلَةِ وَالْمُضَاجَعَةِ وَالْحَدِيثُ بِظَاهِرِهِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ وَبَعْضِ المالكية (ما يريد) أي النبي (أَنْ يَدَعَ) أَيْ يَتْرُكَ (مِنْ أَمْرِنَا) أَيْ مِنْ أُمُورِ دِينِنَا (شَيْئًا) مِنَ الْأَشْيَاءِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ (إِلَّا خَالَفَنَا) بِفَتْحِ الْفَاءِ (فِيهِ) إِلَّا حَالَ مُخَالَفَتِهِ إِيَّانَا فِيهِ

يَعْنِي لَا يَتْرُكُ أَمْرًا مِنْ أُمُورِنَا إِلَّا مَقْرُونًا بِالْمُخَالَفَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً ولا كبيرة إلا أحصاها (فَجَاءَ عَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ) مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَ بِالْمَدِينَةِ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ قَبْلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْمُشَاهَدَ كُلَّهَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَبَّادُ بْنُ بَشِيرٍ وَهُوَ غَلَطٌ (وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ فِيهِمَا أَنْصَارِيٌّ أَوْسِيٌّ أَسْلَمَ قَبْلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ أَيْضًا وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مِنَ الْمَشَاهِدِ (أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ فِي الْمَحِيضِ) أَيْ أَفَلَا نُبَاشِرُهُنَّ بِالْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ أَيْضًا لِكَيْ تَحْصُلُ الْمُخَالَفَةُ التَّامَّةُ مَعَهُمْ (فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ) أَيْ تَغَيَّرَ لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْمُخَالَفَةِ بِارْتِكَابِ الْمَعْصِيَةِ لَا يَجُوزُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ تَغَيَّرَ وَالْأَصْلُ فِي التَّمَعُّرِ قِلَّةُ النَّضَارَةِ وَعَدَمُ إِشْرَاقِ اللَّوْنِ وَمِنْهُ مَكَانٌ مَعِرٌ وَهُوَ الْجَدْبُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ خَصْبٌ انْتَهَى قَالَ مُحَشِّي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ مَا لَفْظُهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَفَلَا نُجَامِعُهُنَّ كَمَا هُوَ فِي الْمِشْكَاةِ أَيْضًا مَكَانَ أفلا ننكحهن وفسره القارىء فِي الْمِرْقَاةِ وَالشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ فِي اللُّمَعَاتِ أَفَلَا نُجَامِعُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ وَفِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ لِمُرَافَقَتِهِمْ أَوْ خَوْفِ تَرَتُّبِ الضَّرَرِ الَّذِي يَذْكُرُونَهُ انْتَهَى مَجْمُوعُ عِبَارَتِهِمَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ كَمَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَكَذَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ يَرُدُّ تَوْجِيهَ الشَّارِحِينَ فِي شَرْحَيِ الْمِشْكَاةِ ثُمَّ رَأَيْتَ شَرْحَ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ وَشَرْحَ الْمِشْكَاةِ لِلطَّيِّبِيِّ وَحَاشِيَةَ السَّيِّدِ فَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا مِنْهُمْ مُتَصَدِّيًا لِبَيَانِهِ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْمُحَشِّي (حَتَّى ظَنَنَّا) أَيْ نَحْنُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ظَنَّا أَيْ هُمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ عَلِمْنَا فَالظَّنُّ الْأَوَّلُ حُسْبَانٌ وَالْآخَرُ عِلْمٌ وَيَقِينٌ وَالْعَرَبُ تَجْعَلُ الظَّنَّ مَرَّةً حُسْبَانًا وَمَرَّةً عِلْمًا وَيَقِينًا وَذَلِكَ لِاتِّصَالِ طَرَفَيْهِمَا فَمَبْدَأُ الْعِلْمِ ظَنٌّ وَآخِرُهُ عِلْمٌ وَيَقِينٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِينَ يظنون أنهم ملاقو ربهم مَعْنَاهُ يُوقِنُونَ (فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ) أَيِ اسْتَقْبَلَ الرَّجُلَيْنِ شَخْصٌ مَعَهُ هَدِيَّةٌ يُهْدِيهَا إِلَى رسول الله وَالْإِسْنَادُ مَجَازِيٌّ (فِي أَثَرِهِمَا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ عَقِبَهُمَا (فَعَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَغْضَبْ عَلَيْهِمَا) أَيْ لَمْ يَغْضَبْ غَضَبًا شَدِيدًا بَاقِيًا بَلْ زَالَ غَضَبُهُ سَرِيعًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي وبن ماجه

قَوْلُهُ (كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ مَنْ أَتَى امْرَأَةً في قبلها من دبرها) قال بن الْمَلَكِ كَأَنْ يَقِفَ مِنْ خَلْفِهَا وَيُولِجُ فِي قُبُلِهَا فَإِنَّ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ مُحَرَّمٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ (كَانَ الْوَلَدُ) أَيِ الْحَاصِلُ بِذَلِكَ الجماع (أحول) لتحول الواطىء عن الحال الْجِمَاعِ الْمُتَعَارَفِ وَهُوَ الْإِقْبَالُ مِنَ الْقُدَّامِ إِلَى الْقُبُلِ وَبِهَذَا سُمِّيَ قُبُلًا إِلَى حَالِ خِلَافِ ذَلِكَ مِنَ الدُّبُرِ فَكَأَنَّهُ رَاعَى الْجَانِبَيْنِ وَرَأَى الْجِهَتَيْنِ فَأَنْتَجَ أَنْ جَاءَ أَحْوَلَ وَهُوَ أَفْعَلُ مِنَ الْحَوَلِ وَهُوَ أَنْ تَمِيلَ إِحْدَى الْحَدَقَتَيْنِ إِلَى الْأَنْفِ وَالْأُخْرَى إِلَى الصُّدْغِ يُقَالُ حَوِلَتْ عينه يحول حولا كَانَ بِهَا حَوَلٌ فَهُوَ أَحْوَلُ وَهِيَ حَوْلَاءُ (فَنَزَلَتْ) أَيْ رَدًّا عَلَيْهِمْ فِيمَا تَخَايَلَ لَهُمْ (نِسَاؤُكُمْ) أَيْ مَنْكُوحَاتُكُمْ وَمَمْلُوكَاتُكُمْ (حَرْثٌ لَكُمْ) أَيْ مَوَاضِعُ زِرَاعَةِ أَوْلَادِكُمْ يَعْنِي هُنَّ لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْأَرْضِ الْمُعَدَّةِ لِلزِّرَاعَةِ وَمَحَلُّهُ الْقُبُلُ فَإِنَّ الدُّبُرَ مَوْضِعُ الْفَرْثِ لَا مَحَلُّ الْحَرْثِ (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنى شئتم) أَيْ كَيْفَ شِئْتُمْ مِنْ قِيَامٍ أَوْ قُعُودٍ أَوِ اضْطِجَاعٍ أَوْ مِنَ الدُّبُرِ فِي فَرْجِهَا وَالْمَعْنَى عَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ كَانَتْ فَهِيَ مُبَاحَةٌ لَكُمْ مُفَوَّضَةٌ إِلَيْكُمْ وَلَا يَتَرَتَّبُ مِنْهَا ضَرَرٌ عَلَيْكُمْ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ إِتْيَانُ الزَّوْجَةِ فِي قُبُلِهَا مِنْ جَانِبِ دُبُرِهَا وَعَلَى أَيَّةِ صِفَةٍ كَانَتْ وَعَلَيْهِ دَلَّ قَوْلُهُ تَعَالَى نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حرثكم أني شئتم أَيْ هُنَّ لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ أَرْضٍ تُزْرَعُ وَمَحَلُّ الْحَرْثِ هُوَ الْقُبَلُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (يَعْنِي صِمَامًا وَاحِدًا) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ ثَقْبًا وَاحِدًا وَالْمُرَادُ الْقُبُلُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى فأتوا حرثكم أنى شئتم أَيْ مَوْضِعُ الزَّرْعِ مِنَ الْمَرْأَةِ وَهُوَ قُبُلُهَا الَّذِي يُزْرَعُ فِيهِ الْمَنِيُّ لِابْتِغَاءِ الْوَلَدِ فَفِيهِ إِبَاحَةُ وَطْئِهَا فِي قُبُلِهَا إِنْ شَاءَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا وَإِنْ شَاءَ مِنْ وَرَائِهَا وَإِنْ شَاءَ مَكْبُوبَةً وَأَمَّا الدُّبُرُ فَلَيْسَ هُوَ بِحَرْثٍ وَلَا مَوْضِعِ زَرْعٍ وَمَعْنَى قَوْلِهِ

(أَنَّى شِئْتُمْ) أَيْ كَيْفَ شِئْتُمْ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ عَلَى تَحْرِيمِ وَطْءِ الْمَرْأَةِ فِي دُبُرِهَا حَائِضًا كَانَتْ أَوْ طَاهِرًا لِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ كَحَدِيثِ مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَحِلُّ الْوَطْءُ فِي الدُّبُرِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَلَا غَيْرِهِمْ مِنَ الْحَيَوَانِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قوله (وبن خُثَيْمٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ مُصَغَّرًا القارىء المكي وثقه بن معين والعجلي (وبن سَابِطٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَابِطٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ (الْجُمَحِيُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ (وَحَفْصَةُ هِيَ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (وَيُرْوَى فِي سِمَامٍ وَاحِدٍ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ فِي ثَقْبٍ وَاحِدٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي الْحَدِيثِ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنى شئتم سِمَامًا وَاحِدًا أَيْ مَأْتًى وَاحِدًا وَهُوَ مِنْ سِمَامِ الْإِبْرَةِ ثُقْبُهَا وَانْتَصَبَ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ فِي سِمَامٍ وَاحِدٍ لَكِنَّهُ ظَرْفٌ مَحْدُودٌ أُجْرِيَ مَجْرَى الْمُبْهَمِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ سَعْدٍ الْأَشْعَرِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْقُمِّيُّ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ) الْخُزَاعِيِّ الْقُمِّيِّ قِيلَ اسْمُ أَبِي الْمُغِيرَةِ دِينَارٌ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (حَوَّلْتَ رَحْلِي اللَّيْلَةَ) كَنَّى بِرَحْلِهِ عَنْ زَوْجَتِهِ أَرَادَ بِهِ غَشَيَانَهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا لِأَنَّ الْمُجَامِعَ يَعْلُو الْمَرْأَةَ وَيَرْكَبُهَا مِمَّا يَلِي وَجْهَهَا فَحَيْثُ رَكِبَهَا مِنْ جِهَةِ ظَهْرِهَا كَنَّى عَنْهُ

بِتَحْوِيلِ رَحْلِهِ إِمَّا نَقْلًا مِنَ الرَّحْلِ بِمَعْنَى الْمَنْزِلِ أَوْ مِنَ الرَّحْلِ بِمَعْنَى الْكُورِ وَهُوَ لِلْبَعِيرِ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (أَقْبِلْ) أَيْ جَامِعْ مِنْ جَانِبِ الْقُبُلِ (وَأَدْبِرْ) أَيْ أَوْلِجْ فِي الْقُبُلِ مِنْ جَانِبِ الدُّبُرِ (وَاتَّقِ الدُّبُرَ) أَيْ إِيلَاجَهُ فِيهِ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ جَلَالُهُ فَأْتُوا حرثكم أنى شئتم فَإِنَّ الْحَرْثَ يَدُلُّ عَلَى اتِّقَاءِ الدُّبُرِ وَأَنَّى شِئْتُمْ عَلَى إِبَاحَةِ الْإِقْبَالِ وَالْإِدْبَارِ وَالْخِطَابُ فِي التَّفْسِيرِ خِطَابٌ عَامٌّ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ يَتَأَتَّى مِنْهُ الْإِقْبَالُ وَالْإِدْبَارُ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِمَا (وَالْحِيضَةَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ اسْمٌ مِنَ الْحَيْضِ وَالْحَالُ الَّتِي تَلْزَمُهَا الْحَائِضُ مِنَ التَّجَنُّبِ وَالتَّحَيُّضِ كَالْجِلْسَةِ وَالْقِعْدَةِ مِنَ الْجُلُوسِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمَعْنَى اتَّقِ الْمُجَامَعَةَ فِي زَمَانِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن ماجه قوله (أخبرنا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ) بْنِ مُسْلِمٍ اللَّيْثِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو النَّضْرِ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَلَقَبُهُ قَيْصَرُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ (أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَه) اسْمُهَا جُمَيْلٌ بِالْجِيمِ مُصَغَّرًا بِنْتَ يَسَارٍ وَقِيلَ اسْمُهَا لَيْلَى وَقِيلَ فَاطِمَةُ (رَجُلًا) قِيلَ هُوَ أَبُو الْبَدَّاحِ بْنُ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيُّ وَقِيلَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ (ثُمَّ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ثُمَّ طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَهُ رَجْعَةٌ (فَهَوِيَهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ هَوِيَهُ كَرَضِيَهُ أَحَبَّهُ (يالكع) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْكَافِ كَصُرَدِ اللَّئِيمُ وَالْعَبْدُ وَالْأَحْمَقُ (لَا تَرْجِعُ إِلَيْكَ أَبَدًا) وَفِي رِوَايَةٍ لَا أُزَوِّجُكَ أَبَدًا (آخِرُ مَا عَلَيْكَ) بِالرَّفْعِ أَيْ ذَلِكَ آخِرُ مَا عَلَيْكَ مِنْ نِكَاحِكَ إياها وهذا كقوله إذا خرجوا لم يعودوا آخر ما عليهم قَالَ فِي الْمَجْمَعِ بِالرَّفْعِ أَيْ ذَلِكَ آخِرُ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ دُخُولِهِمْ (إِلَى قَوْلِهِ إِلَخْ) تَتِمَّةُ الْآيَةِ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تعلمون

(فَلَمَّا سَمِعَهَا) أَيْ هَذِهِ الْآيَةَ (قَالَ سَمْعٌ لِرَبِّي وَطَاعَةٌ) أَيْ عَلَيَّ سَمْعٌ لِرَبِّي وَطَاعَةٌ (ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ أُزَوِّجُكَ وَأُكْرِمُكَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ فَكَفَّرْتَ عَنْ يَمِينِي فَأَنْكَحْتهَا إِيَّاهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وأبو داود والنسائي وبن ماجه وبن جَرِيرٍ (وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ) إِلَى قَوْلِهِ (فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ فِي التَّزْوِيجِ مَعَ رِضَاهُنَّ) قَالَ بن جَرِيرٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الدَّلَالَةُ الْوَاضِحَةُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ مِنَ الْعَصَبَةِ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَنَعَ الْوَلِيَّ مِنْ عَضْلِ الْمَرْأَةِ إِنْ أَرَادَتِ النِّكَاحَ وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَوْ كَانَ لِلْمَرْأَةِ إِنْكَاحُ نَفْسِهَا بِغَيْرِ إِنْكَاحِ وَلِيِّهَا إِيَّاهَا أَوْ كَانَ لَهَا تَوْلِيَةُ مَنْ أَرَادَتْ تَوْلِيَتَهُ فِي إِنْكَاحِهَا لَمْ يَكُنْ لِنَهْيِ وَلِيِّهَا عَنْ عَضْلِهَا مَعْنًى مَفْهُومٌ إِذْ كَانَ لَا سَبِيلَ لَهُ إِلَى عَضْلِهَا وَذَلِكَ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ مَتَى أَرَادَتِ النِّكَاحَ جَازَ لَهَا إِنْكَاحُ نَفْسِهَا أَوْ إِنْكَاحُ مَنْ تُوَكِّلُهُ إِنْكَاحَهَا فَلَا عَضْلَ هُنَالِكَ لَهَا مِنْ أَحَدٍ فَيَنْهَى عَاضِلَهَا عَنْ عَضْلِهَا وَفِي فَسَادِ الْقَوْلِ بِأَنَّ لَا مَعْنَى لِنَهْيِ اللَّهِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ صِحَّةُ الْقَوْلِ بِأَنَّ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ فِي تَزْوِيجِهَا حَقًّا لَا يَصِحُّ عَقْدُهُ إِلَّا بِهِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْخِطَابَ فِي (لَا تَعْضُلُوهُنَّ) لِلْأَوْلِيَاءِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَفَكُّكُ نَظْمِ كَلَامِ اللَّهِ لَوْ قِيلَ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ أَيُّهَا الْأَزْوَاجُ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ نِسْبَةٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْخِطَابَ فِي لَا تَعْضُلُوهُنَّ وَكَذَا فِي قَوْلِهِ (وَإِذَا طَلَّقْتُمْ) لِلنَّاسِ أَيْ وَإِذَا وَقَعَ بَيْنَكُمُ الطَّلَاقُ فَلَا يُوجَدُ فِيمَا بَيْنَكُمُ الْعَضْلُ لِأَنَّهُ إِذَا وُجِدَ بَيْنَهُمُ الْعَضْلُ مِنْ جِهَةِ الْأَوْلِيَاءِ وَهُمْ رَاضُونَ كَانُوا فِي حُكْمِ الْعَاضِلِينَ وَتَمَسَّكَ الْحَنَفِيَّةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ) عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ النِّكَاحَ إِلَيْهَا إِضَافَةَ الْفِعْلِ إِلَى فَاعِلِهِ وَالتَّصَرُّفَ إِلَى

مُبَاشِرِهِ وَنَهَى الْوَلِيَّ عَنْ مَنْعِهَا مِنْ ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَاسِدًا لَمَا نَهَى الْوَلِيَّ عَنْ مَنْعِهَا مِنْهُ وَيَتَأَكَّدُ هَذَا النَّصُّ بِقَوْلِهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ كَمَا يُضَافُ إِلَى الْمُبَاشِرِ فَقَدْ يُضَافُ أَيْضًا إِلَى السَّبَبِ مِثْلُ بَنَى الْأَمِيرُ دَارًا قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْجَوَابِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مَجَازًا إِلَّا أَنَّهُ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ لِدَلَالَةِ الْأَحَادِيثِ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا النِّكَاحِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي يُونُسَ مَوْلَى عَائِشَةَ) ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (فَآذِنِّي) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَيْ أَعْلِمْنِي (فَأَمْلَتْ عَلَيَّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْخَفِيفَةِ مِنْ أَمْلَى وَبِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ مُشَدَّدَةً مِنْ أَمْلَلَ يُمْلِلُ أَيْ أَلْقَتْ عَلَيَّ فَالْأُولَى لُغَةُ الْحِجَازِ وَبَنِي أَسَدٍ وَالثَّانِيَةُ لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَقَيْسٍ (وَصَلَاةِ الْعَصْرِ) بِالْوَاوِ الْفَاصِلَةِ وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوُسْطَى غَيْرُ الْعَصْرِ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَأُجِيبَ بِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ شَاذَّةٌ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ ولا يكون له حكم الخبر عن رسول الله لِأَنَّ نَاقِلَهَا لَمْ يَنْقُلْهَا إِلَّا عَلَى أَنَّهَا قُرْآنٌ وَالْقُرْآنُ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِالتَّوَاتُرِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ قُرْآنًا لَا يَثْبُتُ خَبَرًا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَثَانِيهَا أَنْ يَجْعَلَ الْعَطْفَ تَفْسِيرِيًّا فَيَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَثَالِثُهَا أَنْ تَكُونَ الْوَاوُ فِيهِ زَائِدَةً وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُهَا (وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ) بِغَيْرِ وَاوٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمُرَادِ بِالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَجَمَعَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي ذَلِكَ جُزْءًا مَشْهُورًا سَمَّاهُ كَشْفُ الْغَطَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَبَلَغَ تِسْعَةَ عَشْرَ قَوْلًا ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ هَذِهِ الْأَقْوَالَ وَرَجَّحَ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَقَالَ كَوْنُهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ هُوَ المعتمد وبه قال بن مَسْعُودٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلِ أَحْمَدَ وَالَّذِي صَارَ إِلَيْهِ مُعْظَمُ الشَّافِعِيَّةِ لِصِحَّةِ الْحَدِيثِ فِيهِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هو قول جمهور التابعين وقال بن عَبْدِ الْبَرِّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْأَثَرِ وبه قال من المالكية بن حبيب وبن العربي وبن عَطِيَّةَ انْتَهَى قُلْتُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْقَوْلَ الرَّاجِحَ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ هُوَ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى أَنَّهَا الْعَصْرُ قَانِتِينَ قِيلَ مَعْنَاهُ مُطِيعِينَ وَقِيلَ سَاكِتِينَ أَيْ عَنْ

كَلَامِ النَّاسِ لَا مُطْلَقِ الصَّمْتِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا صَمْتَ فِيهَا بَلْ جَمِيعُهَا قُرْآنٌ وذكر (وقال سمعتها من رسول الله) قَالَ الْبَاجِيُّ يَحْتَمِلُ أَنَّهَا سَمِعَتْهَا عَلَى أَنَّهَا قُرْآنٌ ثُمَّ نُسِخَتْ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَلَعَلَّ عَائِشَةَ لَمْ تَعْلَمْ بِنَسْخِهَا أَوِ اعْتَقَدَتْ أَنَّهَا مِمَّا نُسِخَ حُكْمُهُ وبقي رسمه ويحتمل أنه ذكرها عَلَى أَنَّهَا مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ لِتَأْكِيدِ فَضِيلَتِهَا فَظَنَّتْهَا قُرْآنًا فَأَرَادَتْ إِثْبَاتَهَا فِي الْمُصْحَفِ لِذَلِكَ قَالَهُ الزُّرْقَانِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ حَفْصَةَ) أَخْرَجَهُ مَالِكُ فِي مُوَطَّإهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (قَالَ صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الصَّلَاةِ الْوُسْطَى أَنَّهَا الْعَصْرُ قَوْلُهُ (قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ) هِيَ الْغَزْوَةُ الْمَشْهُورَةُ يُقَالُ لَهَا الْأَحْزَابُ وَالْخَنْدَقُ وَكَانَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ (كَمَا شَغَلُونَا عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى) بِإِضَافَةِ الصَّلَاةِ إِلَى الْوُسْطَى وَهُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ وَفِيهِ الْمَذْهَبَانِ الْمَعْرُوفَانِ مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ جَوَازُ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ وَمَذْهَبُ الْبَصَرِيَّيْنِ مَنْعُهُ وَيُقَدِّرُونَ فِيهِ مَحْذُوفًا وَتَقْدِيرُهُ هُنَا عَنْ صَلَاةِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى أَيْ عَنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى قَالَهُ النَّوَوِيُّ (حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ شَغَلُونَا عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا ثُمَّ صَلَّاهَا بَيْنَ

الْعِشَائَيْنِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمْ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ) اسْمُهُ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ (وَأَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ زُبَيْدٍ) بِمُوَحَّدَةٍ مُصَغَّرًا هو بن الْحَارِثِ الْيَامِيُّ قَوْلُهُ (صَلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ) هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى هِيَ صَلَاةُ الْعَصْرِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هاشم فأخرج بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ كُهَيْلِ بْنِ حَرْمَلَةَ سُئِلَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى فَقَالَ اخْتَلَفْنَا فيها ونحن بفناء بيت رسول الله وَفِينَا أَبُو هَاشِمِ بْنُ عُتْبَةَ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ فَقَامَ فَاسْتَأْذَنَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ أَخْبَرَنَا أَنَّهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَيْضًا بن جَرِيرٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا الصَّلَاةُ الْوُسْطَى صَلَاةُ الْعَصْرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ) بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الطنافسي

قَوْلُهُ (كُنَّا نَتَكَلَّمُ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ نَسْخِ الْكَلَامِ فِي الصلاة قوله (عن إسرائيل) هو بن يُونُسَ (عَنِ السُّدِّيِّ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ السُّدِّيُّ الْكَبِيرُ (عَنْ أَبِي مَالِكٍ) اسْمُهُ غَزْوَانُ الْغِفَارِيُّ الْكُوفِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ (يَأْتِي بِالْقِنْوِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ النُّونِ هُوَ الْعَذْقُ بِمَا فِيهِ مِنَ الرُّطَبِ يُقَالُ لَهُ بِالْفَارِسِيَّةِ خوشه خرما (فَيَسْقُطُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ) الْبُسْرُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مَرْتَبَةٌ مِنْ مَرَاتِبِ ثَمَرِ النَّخْلِ قَالَ فِي الصُّرَاحِ أَوَّلُ مَا بَدَا مِنَ النَّخْلِ طَلْعٌ ثُمَّ خُلَالٌ ثُمَّ بَلَحٌ بِالتَّحْرِيكِ ثُمَّ بُسْرٌ ثُمَّ رُطَبٌ ثُمَّ تَمْرٌ (فِيهِ الشِّيصُ وَالْحَشَفُ) الشِّيصُ بِالْكَسْرِ التَّمْرُ الَّذِي لَا يَشْتَدُّ نَوَاهُ وَيَقْوَى وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهُ نَوًى أَصْلًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْحَشَفُ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ أَرْدَأُ التَّمْرِ أَوِ الضَّعِيفُ لَا نَوَى لَهُ أَوِ الْيَابِسُ الْفَاسِدُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم أَيْ مِنْ جِيَادِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ مِنَ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ وَلَا تَيَمَّمُوا أَيْ لَا تَقْصِدُوا الْخَبِيثَ أَيِ الرَّدِيءَ مِنْهُ أَيِ الْمَذْكُورِ تُنْفِقُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ تَيَمَّمُوا وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ أَيِ الْخَبِيثِ لَوْ أَعْطَيْتُمُوهُ في حقوقكم

إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ بِالتَّسَاهُلِ وَغَضِّ الْبَصَرِ فَكَيْفَ تُؤَدُّونَ مِنْهُ حَقَّ اللَّهِ قَالَ أَيِ النبي (أُهْدِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِهْدَاءِ (إِلَّا عَلَى إِغْمَاضِ) أَيْ مُسَاهَلَةٍ وَمُسَامَحَةٍ يُقَالُ أَغْمَضَ فِي الْبَيْعِ يُغْمِضُ إِذَا اسْتَزَادَهُ مِنَ الْمَبِيعِ وَاسْتَحَطَّهُ مِنَ الثَّمَنِ فَوَافَقَهُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن ماجه وبن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ (إِنَّ لِلشَّيْطَانِ) أَيْ إِبْلِيسَ أَوْ بَعْضَ جُنْدِهِ (لَمَّةً) بِفَتْحِ اللَّامِ وَشِدَّةِ الْمِيمِ مِنَ الْإِلْمَامِ وَمَعْنَاهُ النُّزُولُ وَالْقُرْبُ وَالْإِصَابَةُ وَالْمُرَادُ بِهَا مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ بِوَاسِطَةِ الشَّيْطَانِ أَوِ الْمَلَكِ (بِابْنِ آدَمَ) أَيْ بِهَذَا الْجِنْسِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْإِنْسَانُ (وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً) فَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ تُسَمَّى وَسْوَسَةً وَلَمَّةُ الْمَلَكِ إِلْهَامًا (فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ) كَالْكُفْرِ وَالْفِسْقِ وَالظُّلْمِ (وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ) أَيْ فِي حَقِّ اللَّهِ أَوْ حَقِّ الْخَلْقِ أَوْ بِالْأَمْرِ الثَّابِتِ كَالتَّوْحِيدِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ وَالنَّارِ وَالْجَنَّةِ (وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ (وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ) كَكُتُبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْإِيعَادُ فِي اللَّمَّتَيْنِ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ وَالْوَعِيدُ فِي الِاشْتِقَاقِ كَالْوَعْدِ إِلَّا أَنَّ الْإِيعَادَ اخْتَصَّ بِالشَّرِّ عُرْفًا يُقَالُ أَوْعَدَ إِذَا وَعَدَ بِشَرٍّ إِلَّا أَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي الْخَيْرِ لِلِازْدِوَاجِ وَالْأَمْنِ عَنِ الِاشْتِبَاهِ بِذَكَرِ الْخَيْرِ بَعْدَهُ كَذَا قَالُوا وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ وَإِنِّي إِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ لَمُخْلِفٌ إِيعَادِي وَمُنْجِزٌ مَوْعِدِي وَأَمَّا عِنْدَ التَّقْيِيدِ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِالتَّجْرِيدِ فِيهِمَا أَوْ بِأَصْلِ اللُّغَةِ وَاخْتِيَارِ الزِّيَادَةِ لِاخْتِيَارِ الْمُبَالَغَةِ فَمَنْ وَجَدَ أَيْ فِي نَفْسِهِ أَوْ أَدْرَكَ وَعَرَفَ (ذَلِكَ) أَيْ لَمَّةَ الْمَلَكِ عَلَى تَأْوِيلِ الْإِلْمَامِ أَوِ الْمَذْكُورِ (فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ) أَيْ مِنَّةٌ جَسِيمَةٌ وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَاصِلَةٌ إِلَيْهِ وَنَازِلَةٌ عَلَيْهِ إِذْ أَمَرَ الْمَلَكَ بِأَنْ يُلْهِمَهُ (فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ) أَيْ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْجَلِيلَةِ حَيْثُ أَهَلَّهُ لِهِدَايَةِ الْمَلَكِ وَدَلَالَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْخَيْرِ (وَمَنْ وَجَدَ الْأُخْرَى) أَيْ لَمَّةَ الشيطان (ثم قرأ) أي النبي استشهادا الشيطان يعدكم الفقر

أَيْ يُخَوِّفُكُمْ بِهِ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ الْآيَةَ مَعْنَاهُ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ لِيَمْنَعَكُمْ عَنِ الْإِنْفَاقِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرَاتِ وَيُخَوِّفَكُمُ الْحَاجَةَ لَكُمْ أَوْ لِأَوْلَادِكُمْ فِي ثَانِي الْحَالِ سِيَّمَا فِي كِبَرِ السِّنِّ وَكَثْرَةِ الْعِيَالِ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ أَيِ الْمَعَاصِي وَهَذَا الْوَعْدُ وَالْأَمْرُ هُمَا الْمُرَادَانِ بِالشَّرِّ فِي الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن حبان في صحيحه وبن أَبِي حَاتِمٍ قَوْلُهُ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ وَلَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا) قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ الطَّيِّبُ ضِدُّ الْخَبِيثِ فَإِذَا وصفه بِهِ تَعَالَى أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ النَّقَائِصِ مُقَدَّسٌ عَنِ الْآفَاتِ وَإِذَا وُصِفَ بِهِ الْعَبْدُ مُطْلَقًا أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ الْمُتَعَرِّي عَنْ رَذَائِلِ الْأَخْلَاقِ وَقَبَائِحِ الْأَعْمَالِ وَالْمُتَحَلِّي بِأَضْدَادِ ذَلِكَ وَإِذَا وُصِفَ بِهِ الْأَمْوَالُ أُرِيدَ بِهِ كَوْنُهُ حَلَالًا مِنْ خِيَارِ الْأَمْوَالِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الْعُيُوبِ فَلَا يَقْبَلُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَقَرَّبَ إِلَيْهِ إِلَّا بِمَا يُنَاسِبُهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ خِيَارُ أَمْوَالِكُمُ الْحَلَالِ كَمَا قَالَ تَعَالَى لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تنفقوا مما تحبون (وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنَينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ) مَا مَوْصُولَةٌ وَالْمُرَادُ بِهَا أَكْلُ الْحَلَالِ وَتَحْسِينُ الْأَمْوَالِ فَقَالَ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عليم هَذَا النِّدَاءُ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ لَا عَلَى أَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِذَلِكَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهُمْ

أُرْسِلُوا فِي أَزْمِنَةٍ مُخْتَلِفَةٍ بَلْ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ خُوطِبَ بِهِ فِي زَمَانِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا النِّدَاءُ يَوْمَ الْمِيثَاقِ لِخُصُوصِ الأنبياء (وذكر) أي النبي (الرَّجُلَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (يُطِيلُ السَّفَرَ) أَيْ فِي وُجُوهِ الطَّاعَاتِ كَحَجٍّ وَزِيَارَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ وَصِلَةِ رَحِمٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ أَشْعَثَ أَغْبَرَ حَالَانِ مُتَدَاخِلَانِ أَوْ مُتَرَادِفَانِ وَكَذَا قَوْلُهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَدَيْهِ بِالتَّثْنِيَةِ أَيْ مَادًّا يَدَيْهِ رَافِعًا بِهِمَا يَا رَبِّ يَا رَبِّ أَيْ قَائِلًا يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَطْعُومُهُ حَرَامٌ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ أَيْضًا وَكَذَا قَوْلُهُ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ أَيْ مَشْرُوبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبُوسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِضَمِّ الْغَيْنِ وَتَخْفِيفِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ بِالْحَرَامِ أَيْ رُبِّيَ بِالْحَرَامِ قَالَ الْأَشْرَفُ ذَكَرَ قَوْلَهُ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ إِمَّا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَطْعَمِ حَرَامًا التَّغْذِيَةُ بِهِ وَإِمَّا تَنْبِيهًا بِهِ عَلَى اسْتِوَاءِ حَالَيْهِ أَعْنِي كَوْنَهُ مُنْفِقًا فِي حَالِ كِبَرِهِ وَمُنْفَقًا عَلَيْهِ فِي حَالِ صِغَرِهِ فِي وُصُولِ الْحَرَامِ إِلَى بَاطِنِهِ فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ مَطْعَمُهُ حَرَامٌ إِلَى حَالِ كِبَرِهِ وَبِقَوْلِهِ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ إِلَى حَالِ صِغَرِهِ وَهَذَا دَالٌّ عَلَى أَنْ لَا تَرْتِيبَ فِي الْوَاوِ قَالَ القارىء وَذَهَبَ الْمُظْهِرُ إِلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَرَجَّحَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَلَا مَنْعَ مِنَ الْجَمْعِ فَيَكُونُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ عَدَمَ إِجَابَةِ الدَّعْوَةِ إِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ مُصِرًّا عَلَى تَلَبُّسِ الْحَرَامِ انْتَهَى فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ أَيْ مِنْ أَيْنَ يُسْتَجَابُ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ وَكَيْفَ يُسْتَجَابُ لَهُ وَفِي الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الْإِنْفَاقِ مِنَ الْحَلَالِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْإِنْفَاقِ مِنْ غَيْرِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْمَشْرُوبَ وَالْمَأْكُولَ وَالْمَلْبُوسَ وَنَحْوَهَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَلَالًا خَالِصًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَأَنَّ مَنْ أَرَادَ الدُّعَاءَ كَانَ أَوْلَى بِالِاعْتِنَاءِ بِذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (أَحْزَنَتْنَا) جَوَابٌ لَمَّا أَيْ جَعَلَتْنَا مَحْزُونِينَ (قَالَ قُلْنَا) أَيْ قَالَ عَلِيٌّ قلنا معشر الصحابة

(لاندري) بِالنُّونِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا يَدْرِي بِالتَّحْتِيَّةِ (فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) أَيْ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نفسا إلا وسعها (بَعْدَهَا) أَيْ بَعْدَ نُزُولِ آيَةِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ إِلَخْ (فَنَسَخَتْهَا) قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ نَسَخَتْهَا أَيْ أَزَالَتْ ما تضمنته من الشدة بينت أَنَّهُ وَإِنْ وَقَعَتِ الْمُحَاسَبَةُ بِهِ لَكِنَّهَا لَا تَقَعُ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ فِرَارًا مِنْ إِثْبَاتِ دُخُولِ النَّسْخِ فِي الْأَخْبَارِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ خَبَرًا لَكِنَّهُ يَتَضَمَّنُ حُكْمًا وَمَهْمَا كَانَ مِنَ الْأَخْبَارِ يَتَضَمَّنُ الْأَحْكَامَ أَمْكَنَ دُخُولُ النَّسْخِ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَدْخُلُهُ النَّسْخُ مِنَ الْأَخْبَارِ مَا كَانَ خَبَرًا مَحْضًا لَا يَتَضَمَّنُ حُكْمًا كَالْإِخْبَارِ عَمَّا مَضَى مِنْ أَحَادِيثِ الْأُمَمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالنَّسْخِ فِي حَدِيثِ التَّخْصِيصِ فَإِنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ يُطْلِقُونَ لَفْظَ النَّسْخِ عَلَيْهِ كَثِيرًا وَالْمُرَادُ بِالْمُحَاسَبَةِ بِمَا يُخْفِي الْإِنْسَانُ مَا يُصَمِّمُ عَلَيْهِ وَيَشْرَعُ فِيهِ دُونَ مَا يَخْطُرُ لَهُ وَلَا يَسْتَمِرُّ عَلَيْهِ انْتَهَى لَا يُكَلِّفُ الله نفسا إلا وسعها هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ هَذِهِ الْآيَةَ وَمَعْنَى وُسْعَهَا أَيْ مَا تَسَعُهُ قُدْرَتُهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ مِنَ الْخَيْرِ أَيْ ثَوَابُهُ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ مِنَ الشَّرِّ أَيْ وِزْرُهُ وَلَا يُؤَاخَذُ أَحَدٌ بِذَنْبِ أَحَدٍ وَلَا بِمَا لَمْ يَكْسِبْهُ مِمَّا وَسْوَسَتْ بِهِ نَفْسُهُ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَهُوَ شَيْخُ السُّدِّيِّ قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ) هُوَ بن جُدْعَانَ (عَنْ أُمَيَّةَ) بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَالُ لَهَا أُمَيْنَةَ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أُمَيَّةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَنْهَا رَبِيبُهَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَقِيلَ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ أُمِّ مُحَمَّدٍ وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِيهِ وَاسْمُهَا أُمَيْنَةُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنَ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنِ أُمِّهِ وَهُوَ غَلَطٌ فَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنِ امْرَأَةِ أَبِيهِ أُمِّ مُحَمَّدٍ عِدَّةَ أَحَادِيثَ انْتَهَى قُلْتُ ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ أُمَيَّةَ هَذِهِ فِي فَصْلِ الْمَجْهُولَاتِ قَوْلُهُ إِنْ تُبْدُوا أَيْ إِنْ تُظْهِرُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَيْ فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ السُّوءِ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ أَوْ تُخْفُوهُ أَيْ تُضْمِرُوهُ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَيْهِ إِذْ لَا عِبْرَةَ بِخُطُورِ الْخَوَاطِرِ يحاسبكم اللَّهُ أَيْ يُجَازِيكُمْ بِسِرِّكُمْ وَعَلَنِكُمْ أَوْ يُخْبِرُكُمْ بِمَا أَسْرَرْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَعَنْ قَوْلِهِ مَنْ يَعْمَلْ أَيْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا سُوءًا أَيْ صَغِيرًا أو كبيرا

يُجْزَ بِهِ أَيْ فِي الدُّنْيَا أَوِ الْعُقْبَى إِلَّا مَا شَاءَ مِمَّنْ شَاءَ (فَقَالَتْ) أَيْ عَائِشَةُ (مَا سَأَلَنِي عَنْهَا) أَيْ عَنْ هَذِهِ المسألة (منذ سألت رسول الله) أَيْ عَنْهَا (فَقَالَ هَذِهِ) إِشَارَةٌ إِلَى مَفْهُومِ الايتين المسؤول عَنْهُمَا أَيْ مُحَاسَبَةِ الْعِبَادِ أَوْ مُجَازَاتِهِمْ بِمَا يُبْدُونَ وَمَا يُخْفُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ (مُعَاتَبَةُ اللَّهِ الْعَبْدَ) أَيْ مُؤَاخَذَتُهُ الْعَبْدَ بِمَا اقْتَرَفَ مِنَ الذَّنْبِ (بِمَا يُصِيبُهُ) أَيْ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ صِلَةُ مُعَاتَبَةٍ وَيَصِحُّ كَوْنُ الْبَاءِ سَبَبِيَّةً (مِنَ الْحُمَّى) وَغَيْرِهَا مُؤَاخَذَةُ الْمُعَاتَبِ وَإِنَّمَا خُصَّتِ الْحُمَّى بِالذِّكْرِ لِأَنَّهَا مِنْ أَشَدِّ الْأَمْرَاضِ وَأَخْطِرْهَا قَالَ فِي الْمَفَاتِيحِ الْعِتَابُ أَنْ يُظْهِرَ أَحَدُ الْخَلِيلِينَ مِنْ نَفْسِهِ الْغَضَبَ عَلَى خَلِيلِهِ لِسُوءِ أَدَبٍ ظَهَرَ مِنْهُ مَعَ أَنَّ فِي قَلْبِهِ مَحَبَّتَهُ يَعْنِي لَيْسَ مَعْنَى الْآيَةِ أَنْ يُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَينَ بِجَمِيعِ ذُنُوبِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَلْ مَعْنَاهَا أَنَّهُ يُلْحِقُهُمْ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَالْمَرَضِ وَالْحُزْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَكَارِهِ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنَ الدُّنْيَا صَارُوا مُطَهَّرِينَ مِنَ الذُّنُوبِ قَالَ الطِّيبِيُّ كَأَنَّهَا فَهِمَتْ أَنَّ هَذِهِ مُؤَاخَذَةُ عِقَابٍ أُخْرَوِيٍّ فَأَجَابَهَا بِأَنَّهَا مُؤَاخَذَةُ عِتَابٍ فِي الدُّنْيَا عِنَايَةً وَرَحْمَةً انْتَهَى (وَالنَّكْبَةِ) بِفَتْحِ النُّونِ أَيِ الْمِحْنَةِ وَمَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنْ حَوَادِثِ الدَّهْرِ (حَتَّى الْبِضَاعَةَ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهَا وَبِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَهِيَ بِالْكَسْرِ طَائِفَةٌ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ (يَضَعُهَا فِي يَدِ قَمِيصِهِ) أَيْ كُمِّهِ سُمِّيَ بِاسْمِ مَا يُحْمَلُ فِيهِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي كُمِّ قَمِيصِهِ (فَيَفْقِدُهَا) أَيْ يَتَفَقَّدُهَا وَيَطْلُبُهَا فَلَمْ يَجِدْهَا لِسُقُوطِهَا أَوْ أَخْذِ سَارِقٍ لَهَا مِنْهُ (فَيَفْزَعُ لَهَا) أَيْ يَحْزَنْ لضياع البضاعة فيكون كفارة كذا قاله بن الْمَلِكِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ يَعْنِي إِذَا وَضَعَ بِضَاعَةً فِي كُمِّهِ وَوَهَمَ أَنَّهَا غَابَتْ فَطَلَبَهَا وَفَزِعَ كَفَّرَتْ عَنْهُ ذُنُوبَهُ وَفِيهِ مِنَ الْمُبَالَغَةِ مَا لَا يَخْفَي (حَتَّى) أَيْ لَا يَزَالُ يُكَرِّرُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَحْوَالَ حَتَّى (إِنَّ الْعَبْدَ) قَالَ القارىء بكسر الهمزة وفي نسخة يعني في الْمِشْكَاةِ بِالْفَتْحِ وَأَظْهَرَ الْعَبْدَ مَوْضِعَ ضَمِيرِهِ إِظْهَارًا لِكَمَالِ الْعُبُودِيَّةِ الْمُقْتَضِي لِلصَّبْرِ وَالرِّضَا بِأَحْكَامِ الرُّبُوبِيَّةِ (لِيَخْرُجَ مِنْ ذُنُوبِهِ) بِسَبَبِ الِابْتِلَاءِ بِالْبَلَاءِ (كَمَا يَخْرُجُ التِّبْرُ الْأَحْمَرُ) التِّبْرُ بِالْكَسْرِ أَيِ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَا دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ فَإِذَا ضُرِبَا كَانَا عَيْنًا (مِنَ الْكِيرِ) بِكَسْرِ الْكَافِ متعلق بيخرج قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ قَوْلُهُ عَنْ آدَمَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْقُرَشِيِّ الْكُوفِيِّ وَالِدِ يَحْيَى صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (دَخَلَ قُلُوبَهُمْ) بِالنَّصْبِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى هَذَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْهَا أَيْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ (شَيْءٌ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ دَخَلَ أَيْ شَيْءٌ عَظِيمٌ مِنَ الْحُزْنِ (لَمْ يَدْخُلْ) أَيْ قُلُوبَهُمْ وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِشَيْءٍ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لَهُ (مِنْ شَيْءٍ) أَيْ مِنَ الْأَشْيَاءِ المحزنة (فقالوا للنبي) أَيْ ذَكَرُوا لَهُ مَا دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ (سَمِعْنَا) أَيْ مَا أَمَرْتنَا بِهِ سَمَاعَ قَبُولٍ (فَأَلْقَى اللَّهُ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ) أَيْ أَحْكَمَهُ وَأَرْسَخَهُ فِيهَا وَانْدَفَعَ مَا كَانَ دَخَلَهَا آمَنَ أَيْ

صدق الرسول أي محمد بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ أَيِ الْقُرْآنُ وَالْمُؤْمِنُونَ عَطْفٌ عَلَى الرَّسُولِ (الْآيَةَ) بِالنَّصْبِ أَيْ أَتَمَّ الْآيَةَ وَتَمَامُهَا كُلٌّ آمَنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ المصير لا يكلف نفسا إلا وُسْعَهَا أَيْ مَا تَسَعُهُ قُدْرَتُهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ مِنَ الْخَيْرِ أَيْ ثَوَابُهُ وَعَلَيْهَا مَا اكتسبت من الشر أي زوره رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا بِالْعِقَابِ أَيْ قُولُوا رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا أَيْ تَرَكْنَا الصَّوَابَ لَا عَنْ عَمْدٍ كَمَا أَخَذْتَ بِهِ مَنْ قَبْلَنَا وَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ ذَلِكَ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ فَسُؤَالُهُ اعْتِرَافٌ بِنِعْمَةِ اللَّهِ (قَالَ قَدْ فَعَلْتَ) أَيْ لَا أُؤَاخِذُكُمْ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصرا يَثْقُلُ عَلَيْنَا حَمْلُهُ كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا أَيْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ فِي التَّوْبَةِ وَإِخْرَاجِ رُبْعِ الْمَالِ فِي الزَّكَاةِ وَقَرْضِ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ (قَالَ قَدْ فَعَلْتُ) أَيْ لَا أَحْمِلُ عَلَيْكُمْ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا ما لا طاقة لنا به أَيْ لَا تُكَلِّفْنَا مِنَ الْأَعْمَالِ مَا لَا نُطِيقُ الْقِيَامَ بِهِ لِثِقَلِ حَمْلِهِ عَلَيْنَا وَتَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا لَيْسَ فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ احْتِمَالُهُ كَتَكْلِيفِ الْأَعْمَى النَّظَرَ وَالزَّمِنَ الْعَدْوَ فَهَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّكْلِيفِ الَّذِي لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ بِهِ عَبْدَهُ بِحَالٍ الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ تَكْلِيفِ مَا لَا يُطَاقُ هُوَ مَا فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ احْتِمَالُهُ مَعَ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ وَالْكُلْفَةِ الْعَظِيمَةِ كَتَكْلِيفِ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ وَالْفَرَائِضِ الثَّقِيلَةِ كَمَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ صَلَاةُ اللَّيْلِ وَاجِبَةً وَنَحْوِهِ فَهَذَا الَّذِي سَأَلَ الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ لَا يُحَمِّلُهُمْ مَا لَا طَاقَةَ لهم به (الاية) تمامها مولانا فانصرنا على القوم الكافرين (قال قد فعلت) أي عفوت عنكم

باب ومن سورة آل عمران

الوجه الثاني من تكليف مالا يُطَاقُ هُوَ مَا فِي قُدْرَةِ الْعَبْدِ احْتِمَالُهُ مع وَغَفَرْتُ لَكُمْ وَرَحِمْتُكُمْ وَنَصَرْتُكُمْ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ وَكَذَا الطَّبَرِيُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ) فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا الخ) (باب وَمِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ) هِيَ مَدَنِيَّةٌ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ مِائَتَا آيَةٍ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ) اسْمُهُ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ (أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) التَّسْتُرِيُّ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ الْأُولَى وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الثَّانِيَةِ ثُمَّ رَاءٌ نَزِيلُ الْبَصْرَةِ أَبُو سَعِيدٍ ثِقَةٌ ثَبَتَ إِلَّا فِي رِوَايَتِهِ عَنْ قَتَادَةَ فَفِيهَا لِينٌ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيات محكمات إِلَى آخِرِ الْآيَةِ بَقِيَّةُ الْآيَةِ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الألباب قَالَ الْحَافِظُ قِيلَ الْمُحْكَمُ

مِنَ الْقُرْآنِ مَا وَضَحَ مَعْنَاهُ وَالْمُتَشَابِهُ نَقِيضُهُ وَسُمِّيَ الْمُحْكَمُ بِذَلِكَ لِوُضُوحِ مُفْرَدَاتِ كَلَامِهِ وَإِتْقَانِ تَرْكِيبِهِ بِخِلَافِ الْمُتَشَابِهِ وَقِيلَ الْمُحْكَمُ مَا عُرِفَ الْمُرَادُ مِنْهُ إِمَّا بِالظُّهُورِ وَإِمَّا بِالتَّأْوِيلِ وَالْمُتَشَابِهُ مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِعِلْمِهِ كَقِيَامِ السَّاعَةِ وَخُرُوجِ الدَّجَّالِ وَالْحُرُوفِ الْمُقَطَّعَةِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ غَيْرُ هَذِهِ نَحْوَ الْعَشَرَةِ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِهَا وَمَا ذَكَرْتُهُ أَشْهَرُهَا وَأَقْرَبُهَا إِلَى الصَّوَابِ وَذَكَرَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ أَنَّ الْأَخِيرَ هُوَ الصحيح عندنا وبن السَّمْعَانِيِّ أَنَّهُ أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ وَالْمُخْتَارُ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ جَرَى الْمُتَأَخِّرُونَ انْتَهَى وَقَوْلُهُ تَعَالَى هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ أَيْ هُنَّ أَصْلُ الْكِتَابِ الَّذِي يُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي الْأَحْكَامِ وَيُعْمَلُ بِهِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَلَمْ يَقُلْ هُنَّ أُمَّهَاتُ الْكِتَابِ يُقَالُ لِأَنَّ الْآيَاتِ فِي اجْتِمَاعِهَا وَتَكَامُلِهَا كَالْآيَةِ الْوَاحِدَةِ وَكَلَامُ اللَّهِ كُلُّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقِيلَ إِنَّ كُلَّ آيَةٍ منهن أم الكتاب كما قال وجعلنا بن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً يَعْنِي أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آيَةٌ فَإِنْ قِيلَ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ الْكِتَابَ هُنَا مُحْكَمًا وَمُتَشَابِهًا وَجَعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كُلَّهُ مُحْكَمًا فَقَالَ فِي أَوَّلِ هُودٍ الر كتاب أحكمت آياته وَجَعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ كُلَّهُ مُتَشَابِهًا فَقَالَ تَعَالَى فِي الزُّمَرِ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كتابا متشابها فَكَيْفَ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ يُقَالُ حَيْثُ جَعَلَهُ كُلَّهُ مُحْكَمًا أَرَادَ أَنَّهُ كُلَّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ لَيْسَ فِيهِ عَبَثٌ وَلَا هَزْلٌ وَحَيْثُ جَعَلَهُ كُلَّهُ مُتَشَابِهًا أَرَادَ أَنَّ بَعْضَهُ يُشْبِهُ بَعْضًا فِي الْحُسْنِ وَالْحَقِّ وَالصِّدْقِ وَقَوْلُهُ فَأَمَّا الذين في قلوبهم زيغ أَيْ مَيْلٌ عَنِ الْحَقِّ وَقِيلَ الزَّيْغُ الشَّكُّ وَقَوْلُهُ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ أَيْ إِنَّمَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ بِالْمُتَشَابِهِ الَّذِي يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُحَرِّفُوهُ إِلَى مَقَاصِدِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَيُنْزِلُوهُ عَلَيْهَا لِاحْتِمَالِ لَفْظِهِ لِمَا يَصْرِفُونَهُ فَأَمَّا الْمُحْكَمُ فَلَا نَصِيبَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ دَافِعٌ لَهُمْ وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ أَيِ الْإِضْلَالِ لِأَتْبَاعِهِمْ لِأَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَى بِدْعَتِهِمْ بِالْقُرْآنِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَمَا قَالُوا احْتَجَّ النَّصَارَى بِأَنَّ الْقُرْآنَ قَدْ نَطَقَ بِأَنَّ عِيسَى رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَتَرَكُوا الِاحْتِجَاجَ بِقَوْلِهِ إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ له كن فيكون وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُحْكَمَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُ خَلْقٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ وَعَبْدٌ وَرَسُولٌ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ أَيْ تَحْرِيفِهِ عَلَى مَا يُرِيدُونَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا يعلم تأويله إلا الله اختلف القراء في الوقف ها هنا فقيل على الجلالة وهو قول بن عَبَّاسٍ وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَائِشَةَ وَعُرْوَةَ وأبي الشعثاء وأبي نهيك وغيرهم واختار بن جَرِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقِفُ عَلَى قَوْلِهِ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَتَبِعَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلِ الْأُصُولِ وَقَالُوا الْخِطَابُ بِمَا لَا يُفْهَمُ بَعِيدٌ وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ فَصَّلَ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَقَالَ التَّأْوِيلُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ فِي الْقُرْآنُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا التَّأْوِيلُ بِمَعْنَى حَقِيقَةِ الشيء وما يؤول أَمْرُهُ إِلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَقَالَ يَا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل فإن

أُرِيدَ بِالتَّأْوِيلِ هَذَا فَالْوَقْفُ عَلَى الْجَلَالَةِ لِأَنَّ حَقَائِقَ الْأُمُورِ وَكُنْهَهَا لَا يَعْلَمُهُ عَلَى الْجَلِيَّةِ إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مُبْتَدَأً وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ خَبَرَهُ وَأَمَّا إِنْ أُرِيدَ بِالتَّأْوِيلِ الْمَعْنَى الْآخَرُ وَهُوَ التَّفْسِيرُ وَالْبَيَانُ وَالتَّعْبِيرُ عَنِ الشَّيْءِ كَقَوْلِهِ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ أَيْ بِتَفْسِيرِهِ فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ الْمَعْنَى فَالْوَقْفُ عَلَى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ لِأَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ وَيَفْهَمُونَ مَا خُوطِبُوا بِهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِنْ لَمْ يُحِيطُوا عِلْمًا بِحَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ عَلَى كُنْهِ مَا هِيَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَوْلُهُ يقولون امنا به حال مِنْهُمْ وَسَاغَ هَذَا وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الْمَعْطُوفِ دُونَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا أَيْ وَجَاءَ الْمَلَائِكَةُ صُفُوفًا صُفُوفًا وَقَوْلُهُ إِخْبَارًا عَنْهُمْ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ آمَنَا بِهِ أَيِ الْمُتَشَابِهِ وَقَوْلُهُ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا أَيِ الْجَمِيعُ مِنَ الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُصَدِّقُ الْآخَرَ وَيَشْهَدُ لَهُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِمُخْتَلِفٍ وَلَا مُتَضَادٍّ (فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ) أَيْ أَهْلَ الزَّيْغِ أَوْ زَائِغِينَ بِقَوْلِهِ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ (فَاحْذَرُوهُمْ) أي لا تجالسوهم ولا تكالموهم أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَالْمَقْصُودُ التَّحْذِيرُ مِنَ الْإِصْغَاءِ إِلَى الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ مِنَ الْقُرْآنِ وَأَوَّلُ مَا ظهر ذلك من اليهود كما ذكره بن إِسْحَاقَ فِي تَأْوِيلِهِمُ الْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةَ وَأَنَّ عَدَدَهَا بِالْجُمَلِ مِقْدَارُ مُدَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ثُمَّ أَوَّلُ مَا ظَهَرَ فِي الْإِسْلَامِ مِنَ الْخَوَارِجِ حَتَّى جاء عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ فَسَّرَ بِهِمُ الْآيَةَ وَقِصَّةُ عُمَرَ في إنكاره على ضبيع لَمَّا بَلَغَهُ أَنَّهُ يَتَّبِعُ الْمُتَشَابِهَ فَضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ حَتَّى أَدْمَاهُ أَخْرَجَهَا الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ ومسلم وأبو داود وبن ماجه قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ وَهُوَ الْخَزَّازُ) بِمُعْجَمَاتٍ اسْمُهُ صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ (وَيَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هو التستري

قَوْلُهُ (فَإِذَا رَأَيْتِيهِمْ فَاعْرِفِيهِمْ) أَيْ وَاحْذَرِيهِمْ خِطَابٌ لِأُمِّ الْمُؤْمِنَينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (وَقَالَ يَزِيدُ) أَيْ فِي رِوَايَتِهِ (فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمْ فَاعْرِفُوهُمْ) أَيْ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ الْمُخَاطَبِ (قَالَهَا) أَيْ قال رسول الله هذه الكلمة قَوْلُهُ (وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الترمذي هذا قد أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ جميعا عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْقَاسِمِ فَلَمْ يَنْفَرِدْ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ الْقَاسِمِ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ) هُوَ الزُّبَيْرِيُّ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ أَبِيهِ) اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ (عَنْ أَبِي الضُّحَى) اسْمُهُ مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ بِالتَّصْغِيرِ الْهَمْدَانِيُّ الْكُوفِيُّ الْعَطَّارُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الرابعة (عن عبد الله) أي بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً) بِضَمِّ الْوَاوِ جَمْعُ وَلِيٍّ قَالَ التُّورْبِشْتِيُّ أَيْ أَحِبَّاءَ وقرناءهم أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ حَالٌ مِنَ الْوُلَاةِ أَيْ كَائِنِينَ مِنَ النَّبِيِّينَ (وَإِنَّ وَلِيِّي أَبِي) يَعْنِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (وَخَلِيلُ رَبِّي) خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ لأن (ثُمَّ قَرَأَ) أَيِ اسْتِشْهَادًا إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ أَيْ أَحَقَّهُمْ بِهِ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ أَيْ في زمانه

وَهَذَا النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ لِمُوَافَقَتِهِ لَهُ فِي أَكْثَرِ شَرْعِهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَيْ مِنْ أُمَّتِهِ فَهُمُ الَّذِينَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولُوا نَحْنُ عَلَى دِينِهِ لَا أَنْتُمْ واللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنَينَ أَيْ نَاصِرُهُمْ وَحَافِظُهُمْ فَإِنْ قُلْتَ لَزِمَ مِنْ قَوْلِهِ لِكُلِّ نَبِيٍّ وُلَاةً أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْلِيَاءُ مُتَعَدِّدَةٌ قُلْتُ لَا لِأَنَّ النَّكِرَةَ إِذَا وَقَعَتْ فِي مَكَانِ الْجَمْعِ أَفَادَتِ الِاسْتِغْرَاقَ أَيْ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ وَاحِدٍ وَاحِدٍ وَاحِدًا وَاحِدًا قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) اسْمُهُ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَحَدِيثُ أَبِي الضُّحَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ قَوْلُهُ (عَنْ عبد الله) أي بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ الْمُرَادُ بِالْيَمِينِ هُنَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ مَجَازًا (وَهُوَ فِيهَا فَاجِرٌ) أَيْ كَاذِبٌ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَيْ لِيَفْصِلَ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ وَيَأْخُذَهَا بِتِلْكَ الْيَمِينِ لَقِيَ اللَّهَ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ أَيْ يُعْرِضُ عَنْهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ بِعَيْنِ الرَّحْمَةِ وَالْعِنَايَةِ وَغَضْبَانُ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ وَهُوَ صِيغَةُ مبالغة قاله القارىء قُلْتُ لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ لَفْظَ غَضْبَانُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَكَيْفِيَّةُ غَضَبِهِ تَعَالَى مَوْكُولَةٌ إِلَيْهِ (فِيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ فِي شَأْنِي وَحَالِي (كَانَ ذَلِكَ) أي قوله مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ إِلَخْ (كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ أَرْضٌ) أَيْ مُتَنَازَعٌ فِيهَا (فَجَحَدَنِي) أَيْ أَنْكَرَ عَلَيَّ (فَقَدَّمْته) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ جِئْتَ بِهِ وَرَفَعْتَ أَمْرَهُ (أَلَكَ بَيِّنَةٌ) أَيْ شُهُودٌ (فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ احْلِفْ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَ يَحْلِفُ فِي الْخُصُومَاتِ كَمَا يَحْلِفُ الْمُسْلِمُ (وَإِذَنْ) بِالنُّونِ (يَحْلِفَ) بِالنَّصْبِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ

قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ يُطَابِقُ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ إِذَنْ يَحْلِفَ فَيَذْهَبَ بِمَالِي قُلْتَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا كَأَنَّهُ قِيلَ لِلْأَشْعَثِ لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِ إِلَّا الْحَلِفُ فَإِنْ كَذَبَ فَعَلَيْهِ وَبَالُهُ وَثَانِيهمَا لَعَلَّ الْآيَةَ تَذْكَارٌ لِلْيَهُودِيِّ بِمِثْلِهَا فِي التَّوْرَاةِ مِنَ الْوَعِيدِ وَالْآيَةُ بِتَمَامِهَا مع تفسيرها هكذا إن الذين يشترون يستبد لون بعهد الله إليهم بالإيمان بالنبي وأداء الأمانة وأيمانهم حلفهم به تعالى كاذبا ثَمَنًا قَلِيلًا مِنَ الدُّنْيَا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ نَصِيبَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ غَضَبًا عَلَيْهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَرْحَمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ يُطَهِّرُهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ مُؤْلِمٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه قوله (وفي الباب عن بن أَبِي أَوْفَى) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً فِي السُّوقِ فَحَلَفَ بِهَا لَقَدْ أعطى بها ما لم يعطه لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَتْ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ الْحَافِظُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ النُّزُولَ كَانَ بِالسَّبَبَيْنِ جَمِيعًا وَلَفْظُ الْآيَةِ أَعُمُّ مِنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا وَقَعَ فِي صَدْرِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) هُوَ الْكَوْسَجُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ) الْبَاهِلِيُّ أَبُو وَهْبٍ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ امْتَنَعَ مِنَ الْقَضَاءِ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ أَيْ ثَوَابَهُ وَهُوَ الْجَنَّةُ حَتَّى تُنْفِقُوا أَيْ تَصَدَّقُوا

مِمَّا تُحِبُّونَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ بِإِنْفَاقِ ماله في سبيل الله قرضا حسنا بأنه يُنْفِقُهُ لِلَّهِ تَعَالَى عَنْ طِيبِ قَلْبٍ (وَكَانَ لَهُ حَائِطٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَالْحَائِطُ الْبُسْتَانُ مِنَ النَّخِيلِ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ حَائِطٌ وَهُوَ الْجِدَارُ وَكَانَ اسْمُ هَذَا الْحَائِطِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَ هُوَ مِنْ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ (حَائِطِي لِلَّهِ) أَيْ وَقْفٌ لِلَّهِ أَوْ صَدَقَةٌ لِلَّهِ (وَلَوِ اسْتَطَعْتُ أَنْ أُسِرَّهُ) مِنَ الْإِسْرَارِ أَيْ لَوْ قَدَرْتَ عَلَى إِخْفَاءِ هَذَا التَّصَدُّقِ (لَمْ أُعْلِنْهُ) أَيْ لَمْ أُظْهِرْهُ (فَقَالَ اجْعَلْهُ فِي قَرَابَتِكَ أَوْ أقربيك) الظاهر أَنَّ أَوْ لِلشَّكِّ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ) الْخُوزِيُّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَبِالزَّايِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْمَكِّيُّ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ مِنَ السَّابِعَةِ (سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَبَّادِ بْنِ جَعْفَرٍ) هُوَ الْمَخْزُومِيُّ قَوْلُهُ (قَامَ رَجُلٌ إِلَى النبي فَقَالَ مَنِ الْحَاجُّ) أَيِ الْكَامِلُ (قَالَ الشَّعِثُ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيِ الْمُغْبَرُّ الرَّأْسِ مِنْ عَدَمِ الْغَسْلِ مُفَرَّقُ الشَّعْرِ مِنْ عَدَمِ الْمَشْطِ وَحَاصِلُهُ تَارِكُ الزِّينَةِ (التَّفِلُ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ تَارِكُ الطِّيبِ فَيُوجَدُ مِنْهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ مِنْ تَفَلَ الشَّيْءَ مِنْ فِيهِ إِذَا رَمَى بِهِ مُتَكَرِّهًا لَهُ (فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ أَيُّ الْحَجِّ) أَيُّ أَعْمَالِهِ أَوْ خِصَالِهِ بَعْدَ أَرْكَانِهِ (أَفْضَلُ) أَيْ أَكْثَرُ ثَوَابًا (قَالَ الْعَجُّ وَالثَّجُّ) بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ فِيهِمَا وَالْأَوَّلُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّلْبِيَةِ وَالثَّانِي سَيَلَانُ دِمَاءِ الْهَدْيِ وَقِيلَ دِمَاءُ الْأَضَاحِيِّ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ عَنْ نَفْسِ الْحَجِّ وَيَكُونَ الْمُرَادُ مَا فِيهِ الْعَجُّ وَالثَّجُّ وَقِيلَ عَلَى هَذَا يُرَادُ بِهِمَا الِاسْتِيعَابُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ أَوَّلَهُ الَّذِي هُوَ الْإِحْرَامُ وَآخِرَهُ الَّذِي هُوَ التَّحَلُّلُ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ اقْتِصَارًا بِالْمَبْدَأِ وَالْمُنْتَهَى عَنْ سَائِرِ الْأَفْعَالِ أَيِ الَّذِي اسْتَوْعَبَ جَمِيعَ أَعْمَالِهِ مِنَ الْأَرْكَانِ وَالْمَنْدُوبَاتِ (فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ مَا السَّبِيلُ) أَيِ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (قَالَ الزاد والراحلة) أي بحسب بالمبدأ والمنتهي عن سائر الأفعال

مَا يَلِيقَانِ بِكُلِّ أَحَدٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْوَسَطُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالِ الْحَاجِّ قَوْلُهُ (قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ الْبَغَوِيُّ فِي شرح السنة وبن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرِ الْفَصْلَ الْأَخِيرَ كَذَا فِي الْمِشْكَاةِ وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ الْفَصْلَ الْأَخِيرَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ هُنَاكَ مَبْسُوطًا قَوْلُهُ (عَنْ بَكِيرِ) بِضَمِ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا (بْنِ مِسْمَارٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ قَوْلُهُ (قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) أَيِ الْمُسَمَّاةُ بِآيَةِ الْمُبَاهَلَةِ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ إِلَخ الْآيَةِ بِتَمَامِهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ أَيْ فَمَنْ جَادَلَكَ فِي عِيسَى وَقِيلَ فِي الْحَقِّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ يَعْنِي بِأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَقُلْ تَعَالَوْا أَيْ هَلُمُّوا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ أَيْ يَدْعُ كل منا ومنكم أبناءه وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلُ أَيْ نَتَضَرَّعُ فِي الدُّعَاءِ فَنَجْعَلُ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الكاذبين بأن تقول اللَّهُمَّ الْعَنِ اْلكَاذِبَ فِي شَأْنِ عِيسَى (دَعَا رسول الله عليا) فَنَزَّلَهُ مَنْزِلَةَ نَفْسِهِ لِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْقَرَابَةِ وَالْأُخُوَّةِ (وَفَاطِمَةَ) أَيْ لِأَنَّهَا أَخَصُّ النِّسَاءِ مِنْ أقاربه (وحسنا وحسينا) فنزلهما بمنزلة ابنيه (فَقَالَ اللَّهُمَّ هَؤُلَاءِ أَهْلِي) قَالَ الْمُفَسِّرُونَ لَمَّا أورد رسول الله الدَّلَائِلَ عَلَى نَصَارَى نَجْرَانَ ثُمَّ إِنَّهُمْ أَصَرُّوا على جهلهم قال (إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي إِنْ لَمْ تَقْبَلُوا الْحُجَّةَ أَنْ أُبَاهِلَكُمْ فَقَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِمِ بَلْ نَرْجِعُ فَنَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا ثُمَّ

نَأْتِيكَ فَلَمَّا رَجَعُوا قَالُوا لِلْعَاقِبِ وَكَانَ ذَا رَأْيِهِمْ يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ مَا تَرَى قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ عَرَفْتُمْ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى أَنَّ مُحَمَّدًا نَبِيُّ مُرْسَلٌ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْكَلَامِ الْفَصْلِ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِكُمْ وَاللَّهِ مَا بَاهَلَ قَومٌ نَبِيًّا قَطْ فَعَاشَ كَبِيرُهُمْ وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ وَلَئِنْ فَعَلْتُمْ لَكَانَ الِاسْتِئْصَالَ فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَا الْإِصْرَارَ عَلَى دِينِكُمْ وَالْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ فَوَادِعُوا الرَّجُلَ وَانْصَرِفُوا إِلَى بِلَادِكُمْ فَأَتَوْا رسول الله وقد خرج وعليه مرط من شعر أسود وكان قَدِ احْتَضَنَ الْحُسَيْنَ وَأَخَذَ بِيَدِ الْحَسَنِ وَفَاطِمَةَ تمشي خلفه وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ خَلْفَهَا وَهُوَ يَقُولُ إِذَا دَعَوْتُ فَأَمِّنُوا فَقَالَ أُسْقُفُ نَجْرَانَ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى إِنِّي لَأَرَى وُجُوهًا لَوْ دَعَتِ اللَّهَ أَنْ يُزِيلَ جَبَلًا مِنْ مَكَانِهِ لَأَزَالَهُ بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا تبقى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ نَصْرَانِيٌّ إِلَى يَوْمِ الْقِيامَةِ ثُمَّ قَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِمِ رَأَيْنَا أَنْ لَا نُبَاهِلَكَ وَأَنْ نُقِرَّكَ عَلَى دِينِكَ فَقَالَ فَإِذَا أَبَيْتُمِ الْمُبَاهَلَةَ فَأَسْلِمُوا يَكُنْ لَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَبَوْا فَقَالَ فإني أناجزكم فَقَالُوا مَا لَنَا بِحَرْبِ الْعَرَبِ الْمُسْلِمِينَ طَاقَةٌ وَلَكِنْ نُصَالِحُكَ أَنْ لَا تَغْزُونَا وَلَا تَرُدَّنَا عَنْ دِينِنَا عَلَى أَنْ نُؤَدِّيَ إِلَيْكَ كُلْ عَامٍ أَلْفَيْ حُلَّةً أَلْفًا فِي صَفَرَ وَأَلْفًا فِي رَجَبَ وَثَلَاثِينَ دِرْعًا عَادِيَةً مِنْ حَدِيدٍ فصالحهم على ذلك قال وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الْهَلَاكَ قَدْ تَدَلَّى عَلَى أَهْلِ نَجْرَانَ وَلَوْ لَاعَنُوا لَمُسِخُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ وَلَاضَطَرَمَ عَلَيْهِمُ الْوَادِي نَارًا وَلَاسْتَأْصَلَ اللَّهُ نَجْرَانَ وَأَهْلَهُ حَتَّى الطَّيْرَ عَلَى رُؤُوسِ الشَّجَرِ وَلَمَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى النَّصَارَى كُلِّهِمْ حَتَّى يَهْلَكُوا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَلًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُطَوَلًا في مناقب علي قوله (وهو بن صَبِيحٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ السَّعْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ سيىء الْحِفْظِ وَكَانَ عَابِدًا مُجَاهِدًا قَوْلُهُ (رَأَى أَبُو أُمَامَةَ رُؤوسًا) جَمْعُ رَأْسٍ (مَنْصُوبَةً عَلَى دَرَجِ دِمَشْقَ) أَيْ عَلَى دَرَجِ مَسْجِدِ دِمَشْقَ الدَّرَجُ الطَّرِيقُ وَجَمْعُهُ الْأَدْرَاجُ وَالدَّرَجَةُ الْمِرْقَاةُ وَجَمْعُهُ الدَّرَجُ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا أَيْ رَأَى أَبُو أُمَامَةَ رؤوس الْمَقْتُولِينَ مِنَ الْخَوَارِجِ رُفِعَتْ عَلَى دَرَجِ دِمَشْقَ (كِلَابُ النَّارِ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَصْحَابُ هذا الرؤوس كِلَابُ النَّارِ (شَرُّ قَتْلَى تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ) خَبَرٌ آخِّرَ لِلْمُبْتَدَأِ الْمَحْذُوفِ

خَيْرُ قَتْلَى مُبْتَدَأٌ (قَتَلُوهُ) خَبَرُهُ وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ فِي قَتَلُوهُ رَاجِعٌ إِلَى أَصْحَابِ الرُّؤُوسِ وَالْمَنْصُوبُ إِلَى مَنْ (ثُمَّ قَرَأَ) أَيْ أَبُو أُمَامَةَ يوم تبيض وجوه وتسود وجوه إِلَى آخِرِ الْآيَةِ أَيْ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رحمة الله هم فيها خالدون قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَرَادَ بِالْآيَةِ (فَأَمَّا الَّذِينَ أسودت وجوههم وَأَرَادَ بِهِ الْخَوَارِجَ وَقِيلَ هُمُ الْمُرْتَدُّونَ وَقِيلَ الْمُبْتَدِعُونَ) قُلْتُ قَائِلُهُ أَبُو غَالِبٍ (أَنْتَ سَمِعْتَهُ) بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ هَلْ أَنْتَ سَمِعْتَهُ (مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ) أَيْ بَلْ سَمِعْتُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ مَرَّاتٍ وَلَيْسَ لِي فِي سَمَاعِهِ مِنْهُ شَكٌّ أَصْلًا فَلِذَلِكَ حَدَّثْتُكُمُوهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حسن) وأخرجه أحمد وبن ماجه ولفظ بن مَاجَهْ هَكَذَا شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ وَخَيْرُ قَتْلَى مَنْ قَتَلُوا كِلَابُ النَّارِ قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ مُسْلِمِينَ فَصَارُوا كُفَّارًا قُلْتُ يَا أَبَا أُمَامَةَ هَذَا شَيْءٌ تَقُولُهُ قَالَ بل سمعته من رسول الله ولفظ أحمد لما أتى برؤوس الْأَزَارِقَةِ فَنُصِبَتْ عَلَى دَرَجِ دِمَشْقَ جَاءَ أَبُو أُمَامَةَ فَلَمَّا رَآهُمْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ كِلَابُ النَّارِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ هَؤُلَاءِ شَرُّ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ وَخَيْرُ قَتْلَى قُتِلُوا تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ الَّذِينَ قَتَلَهُمْ هَؤُلَاءِ قَالَ فَقُلْتُ فَمَا شَأْنُكَ دَمَعَتْ عَيْنَاك قَالَ رَحْمَةً لَهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ الْحَدِيثَ وَالْأَزَارِقَةُ مِنَ الْخَوَارِجِ نُسِبُوا إِلَى نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ جِيءَ برؤوس مِنْ قِبَلِ الْعِرَاقِ فَنُصِبَتْ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَجَاءَ أَبُو أُمَامَةَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَيْهِمْ فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ شَرُّ قَتْلَى الْحَدِيثَ (وَأَبُو غَالِبٍ اسْمُهُ حَزَوَّرٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ رَاءٌ (وَأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ اسْمُهُ صُدَيٌّ) بِالتَّصْغِيرِ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ سَكَنَ الشَّامَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ

قَوْلُهُ (فِي قَوْلِهِ تَعَالَى) أَيْ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى (كُنْتُمْ) يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى (خَيْرَ أُمَّةٍ) أَيْ خَيْرَ الْأُمَمِ (أُخْرِجَتْ) أَيْ أُظْهِرَتْ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ (إِنَّكُمْ تُتِمُّونَ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ فَتَشْدِيدٍ مِنَ الْإِتْمَامِ أَيْ تُكْمِلُونَ (سَبْعِينَ أُمَّةً) أَيْ يَتِمُّ الْعَدَدُ بِكُمْ سَبْعِينَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِلتَّكْثِيرِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ فَقَالَ الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ بِسَبْعِينَ التَّكْثِيرُ لَا التَّحْدِيدُ لِيُنَاسِبَ إِضَافَةَ الْخَيْرِ إِلَى الْمُفْرَدِ النَّكِرَةِ لِأَنَّهُ لِاسْتِغْرَاقِ الْأُمَمِ الْفَائِتَةِ لِلْحَصْرِ بِاعْتِبَارِ أَفْرَادِهَا أَيْ إذا نقصت أمة أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ كُنْتُمْ خَيْرَهَا وَتُتِمُّونَ عِلَّةٌ لِلْخَيْرِيَّةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْخَتْمُ فَكَمَا أَنَّ نَبِيَّكُمْ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ أَنْتُمْ خَاتَمُ الْأُمَمِ انْتَهَى وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تعالى (كنتم خير أمة) أمة النبي عامة قال الحافظ بن كَثِيرٍ يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ بِأَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ فَقَالَ تَعَالَى كُنْتُمْ خَيْرَ أمة أخرجت للناس رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه (كنتم خير أمة أخرجت للناس) قَالَ خَيْرُ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ وهكذا قال بن عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) يَعْنِي خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ وَأَنْفَعُ النَّاسِ لِلنَّاسِ وَلِهَذَا قَالَ (تَأْمُرُونَ بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ والحاكم في مستدركه عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أخرجت للناس) قَالَ هُمُ الَّذِينَ هَاجَرُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأُمَّةِ كُلُّ قَرْنٍ بِحَسْبِهِ وَخَيْرُ قُرُونِهِمُ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ رَسُولُ الله ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وسطا أَيْ خِيَارًا (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) الْآيَةَ إِنَّمَا حَازَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ قَصَبَ السَّبْقِ إِلَى الْخَيْرَاتِ بِنَبِيِّهَا مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ فَإِنَّهُ أَشْرَفُ خَلْقِ اللَّهِ وَأَكْرَمُ الرُّسُلِ عَلَى اللَّهِ وَبَعَثَهُ اللَّهُ بِشَرْعٍ كَامِلٍ عَظِيمٍ لَمْ يُعْطَهُ نَبِيٌّ قَبْلَهُ وَلَا رَسُولٌ مِنَ الرُّسُلِ فَالْعَمَلُ عَلَى مِنْهَاجِهِ وَسَبِيلِهِ يَقُومُ الْقَلِيلُ مِنْهُ مَا لَا يَقُومُ الْعَمَلُ الْكَثِيرُ مِنْ أَعْمَالِ غيرهم مقامه انتهى كلام الحافظ بن كَثِيرٍ مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ قَالَ الْحَافِظُ هُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ وَقَدْ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي سَعِيدٍ نَحْوِهِ

قَوْلُهُ (كُسِرَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (رَبَاعِيَتُهُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الرَّبَاعِيَةُ كَثَمَانِيَةٍ السِّنُّ الَّتِي بَيْنَ الثَّنِيَّةِ وَالنَّابِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْمُرَادُ بِكَسْرِ الرَّبَاعِيَةِ وَهِيَ السِّنُّ الَّتِي بَيْنَ الثَّنِيَّةِ وَالنَّابِ أنها كسرت فذهب مِنْهَا فَلْقَةٌ وَلَمْ تُقْلَعْ مِنْ أَصْلِهَا (وَشُجَّ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَالشَّجُّ ضَرْبُ الرَّأْسِ خَاصَّةً وَجَرْحُهُ وَشَقُّهُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِهِ (وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَنَزَلَتْ لَيْسَ لَكَ إِلَخْ) هَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ شُجَّ وجه رسول الله وَقَالَ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيِّهِمْ وروى البخاري وغيره عن بن عمر أنه سمع رسول الله إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ يَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَأَنْزَلَ الله (ليس لك إلخ) وحديث بن عُمَرَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي مَنْعِ اللَّعْنِ عَلَى الْكُفَّارِ فِي قُنُوتِ الْفَجْرِ قَالَ الْحَافِظُ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا فَإِنَّهُمَا كَانَا فِي قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ قَالَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ وَأَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هريرة نحو حديث بن عُمَرَ لَكِنْ فِيهِ اللَّهُمَّ الْعَنْ لِحْيَانَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ قَالَ ثُمَّ بَلَغَنَا أَنَّهُ تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا نَزَلَتْ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شيء قَالَ وَهَذَا إِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ نُزُولُ الْآيَةِ تَرَاخَى عَنْ قِصَّةِ أُحُدٍ لِأَنَّ قِصَّةَ رِعْلٍ وَذَكْوَانَ كَانَتْ بَعْدَهَا وَفِيهِ بُعْدٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الَّذِينَ دَعَا عَلَيْهِمْ بِسَبَبِ قِصَّةِ أُحُدٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شيء أَيْ لَسْتَ تَمْلِكُ إِصْلَاحَهُمْ وَلَا تَعْذِيبَهُمْ بَلْ ذَلِكَ مِلْكُ اللَّهِ فَاصْبِرْ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ بِالْإِسْلَامِ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ بِالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ وَالنَّهْبِ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ بِالْكُفْرِ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ مَالِكُ أَمْرِهِمْ يَصْنَعُ بِهِمْ مَا يَشَاءُ مِنَ الْإِهْلَاكِ أَوِ الْهَزِيمَةِ أَوِ التَّوْبَةِ إِنْ أَسْلَمُوا أَوِ الْعَذَابِ إِنْ أَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ قَالَ الْفَرَّاءُ أَوْ بِمَعْنَى إِلَّا وَالْمَعْنَى إِلَّا أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ فَتَفْرَحَ بِذَلِكَ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَتَشْتَفِي بِهِمْ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ أَوْ بِمَعْنَى إِلَى أَنْ يَعْنِي غَايَةً فِي الصَّبْرِ أَيْ إِلَى أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم والنسائي

قَوْلُهُ (سَمِعْتُ عَبْدَ بْنَ حُمَيْدٍ يَقُولُ غَلِطَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ فِي هَذَا) أَيْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلِطَ فِي قَوْلِهِ وَرُمِيَ رَمْيَةً عَلَى كَتِفِهِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ) الْمَخْزُومِيُّ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ أَبُو بَكْرٍ الْكُوفِيُّ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ وَهُوَ غَلَطٌ (عَنْ عُمَرَ بن حمزة بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيِّ الْمَدَنِيِّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ) قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ الْعَنْ أَبَا سُفْيَانَ) اسْمُهُ صَخْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْأُمَوِيُّ وَالِدُ مُعَاوِيَةَ وَإِخْوَتِهِ كَانَ رَئِيسَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ وَرَئِيسَ الْأَحْزَابِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أسلم زمن الفتح ولقي النبي بِالطَّرِيقِ قَبْلَ دُخُولِ مَكَّةَ وَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ (اللَّهُمَّ الْعَنِ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ) بْنِ الْمُغِيرَةِ الْقُرَشِيَّ الْمَخْزُومِيَّ شَهِدَ بَدْرًا كَافِرًا مَعَ أَخِيهِ شَقِيقِهِ أَبِي جَهْلٍ وَفَرَّ حِينَئِذٍ وَقُتِلَ أَخُوهُ ثُمَّ غَزَا أُحُدًا مَعَ الْمُشْرِكِينَ أَيْضًا ثُمَّ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَخِيَارِهِمْ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ مُجَاهِدًا وَلَمْ يَزَلْ فِي الْجِهَادِ حَتَّى مَاتَ فِي طَاعُونِ عَمْوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَ (اللَّهُمَّ الْعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ) بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ الْقُرَشِيَّ هَرَبَ يَوْمَ الْفَتْحِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رسول الله فَشَهِدَ مَعَهُ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ وَهُوَ كَافِرٌ ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَانَ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ وَشَهِدَ اليرموك

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَكَذَا رَوَاهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخٍ التِّرْمِذِيِّ بَعْدَ هَذَا هَذِهِ الْعِبَارَةُ لَمْ يَعْرِفْهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ حَمْزَةَ وَعَرَفَهُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) حَدِيثُ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عن نافع عن بن عُمَرَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (يَقُولُ إِنِّي كُنْتَ رَجُلًا إِذَا سَمِعْتُ من رسول الله حَدِيثًا إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ الصَّلَاةِ عِنْدَ التَّوْبَةِ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هناك

قَوْلُهُ (إِلَّا يَمِيدُ) أَيْ يَمِيلُ مِنْ مَادَ يَمِيدُ مَيْدًا وَمَيَدَانًا إِذَا تَحَرَّكَ وَزَاغَ (تَحْتَ حَجَفَتِهِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ أَيْ تُرْسِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحَجَفُ مُحَرَّكَةً التُّرُوسُ مِنْ جُلُودٍ بِلَا خَشَبٍ وَلَا عَقِبٍ وَاحِدَتُهَا حَجَفَةٌ (مِنَ النُّعَاسِ) بِضَمِّ النُّونِ وَهُوَ الْوَسَنُ أَوْ فَتْرَةٌ فِي الْحَوَاسِّ ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بعد الغم أَرَادَ بِهِ الْغَمَّ الَّذِي حَصَلَ لَهُمْ عِنْدَ الِانْهِزَامِ (أَمَنَةً) الْأَمَنَةُ وَالْأَمْنُ سَوَاءٌ وَقِيلَ الْأَمَنَةُ إِنَّمَا تَكُونُ مَعَ بَقَاءِ أَسْبَابِ الْخَوْفِ وَالْأَمْنُ مَعَ عَدَمِهِ وَكَانَ سَبَبُ الْخَوْفِ بَعْدُ بَاقِيًا (نُعَاسًا) وَهُوَ أَخَفُّ مِنَ النَّوْمِ بَدَلُ كُلٍّ أَوِ اشْتِمَالٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) كَذَا فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ عَنِ الزُّبَيْرِ بِحَذْفِ لَفْظَةِ أَبِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا) الْمَصَافُّ بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ جَمْعُ مَصَفٍّ وَهُوَ الْمَوْقِفُ فِي الْحَرْبِ (حَدَّثَ

أَيْ أَبُو طَلْحَةَ (أَجْبَنَ قَوْمٍ) مِنَ الْجُبْنِ وَهُوَ ضِدُّ الشَّجَاعَةِ (وَأَرْعَبَهُ) مِنَ الرُّعْبِ وَهُوَ الْخَوْفُ وَالْفَزَعُ (وَأَخْذَلَهُ) مِنَ الْخَذْلِ وَهُوَ تَرْكُ الْإِعَانَةِ وَالنُّصْرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (فِي قَطِيفَةٍ) هِيَ كِسَاءٌ لَهُ خَمْلٌ (افْتُقِدَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ طُلِبَتْ بَعْدَ غِيبَتِهَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ افْتَقَدَهُ وَتَفَقَّدَهُ طَلَبَهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ (فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) رَوَى بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ عن مجاهد عن بن عباس قال اتهم المنافقون رسول الله بِشَيْءٍ فُقِدَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ لنبي أن يغل (وما كان لنبي أن يغل) أَيْ مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَخُونَ فِي الْغَنَائِمِ فَإِنَّ النُّبُوَّةَ تُنَافِي الْخِيَانَةَ يُقَالُ غَلَّ شَيْئًا مِنَ الْمَغْنَمِ يَغُلُّ غُلُولًا وَأَغَلَّ إِغْلَالًا إِذَا أَخَذَهُ خُفْيَةً قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وبن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ) الْحَرَامِيُّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ المدني صدوق يخطىء مِنَ الثَّامِنَةِ (سَمِعْتُ طَلْحَةَ بْنِ خِرَاشً) بِكَسْرِ المعجمة بعدها راء بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيَّ الْمَدَنِيَّ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَا لِي أَرَاكَ مُنْكَسِرًا) وَفِي رِوَايَةِ بن مَرْدَوَيْهِ مُهْتَمًّا (فَكَلَّمَهُ كِفَاحًا) أَيْ مُوَاجِهَةً لَيْسَ

بَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَلَا رَسُولٌ (تُحْيِينِي) مِنَ الْإِحْيَاءِ مُضَارِعٌ بِمَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ أَحْيِنِي (ثَانِيَةً) أَيْ مَرَّةً ثَانِيَةً (قَالَ الرَّبُّ تَبَارَكَ تَعَالَى إِنَّهُ قَدْ سَبَقَ مِنِّي أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) زَادَ في رواية بن مردويه قال أَيْ رَبِّ فَأَبْلِغْ مَنْ وَرَائِي قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن غريب) وأخرجه بن مَرْدَوَيْهِ (هَكَذَا عَنْ مُوسَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ) أَيْ مُطَوَّلًا (وَقَدْ رَوَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ شَيْئًا مِنْ هَذَا) أَيْ مُخْتَصَرًا وَرِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ هَذِهِ وَصَلَهَا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ) هُوَ الهمداني قوله (فقال) أي بن مَسْعُودٍ (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا) أي رسول الله (عَنْ ذَلِكَ) أَيْ عَنْ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ (فَأَخْبَرَنَا) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعٌ لِقَوْلِهِ إِنَّا قَدْ سَأَلْنَا عن ذلك فقال يعني النبي وقال القاضي المسؤول وَالْمُجِيبُ هُوَ الرَّسُولُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ وَفِي فَقَالَ ضَمِيرٌ لَهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَرِينَةُ الْحَالِ فَإِنَّ ظَاهِرَ حَالِ الصَّحَابِيِّ أَنْ يَكُونَ سؤاله واستكشافه من الرسول لَا سِيَّمَا فِي تَأْوِيلِ آيَةٍ هِيَ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ وَمَا هُوَ مِنْ أَحْوَالِ الْمَعَادِ فَإِنَّهُ غَيْبٌ صِرْفٌ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إِلَّا بِالْوَحْيِ وَلِكَوْنِهِ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ مِنَ التَّعَيُّنِ أَضْمَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْبِقَ ذِكْرُهُ (أَنَّ أَرْوَاحَهُمْ فِي طَيْرٍ خُضْرٍ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ أَيْ يَخْلُقُ

لِأَرْوَاحِهِمْ بَعْدَ مَا فَارَقَتْ أَبْدَانَهُمْ هَيَاكِلَ عَلَى تِلْكَ الْهَيْئَةِ تَتَعَلَّقُ بِهَا وَتَكُونُ خَلَفًا عَنْ أَبْدَانِهِمْ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ فَيَتَوَسَّلُونَ بِهَا إِلَى نَيْلِ مَا يَشْتَهُونَ مِنَ اللَّذَائِذِ الْحِسِّيَّةِ وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ قَوْلُهُ تَعَالَى يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالطَّيْرُ جَمْعُ طَائِرٍ وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَخُضْرٌ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ جَمْعُ أَخْضَرَ (تَسْرَحُ) أَيْ تَرْعَى (وَتَأْوِي) أَيْ تَرْجِعُ (إِلَى قَنَادِيلَ مُعَلَّقَةٍ بِالْعَرْشِ) فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أَوْكَارِ الطَّيْرِ (فَاطَّلَعَ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أي أنظري (اطِّلَاعَةً) إِنَّمَا قَالَ اطِّلَاعَةً لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ اطِّلَاعِنَا عَلَى الْأَشْيَاءِ قَالَ الْقَاضِي وَعَدَّاهُ بِإِلَى وَحَقُّهُ أَنْ يُعْدَى بِعَلَى لِتَضَمُّنِهِ مَعْنَى الِانْتِهَاءِ (فَقَالَ) أَيِ الرَّبُّ تَعَالَى (وَمَا نَسْتَزِيدُ) أَيْ أَيُّ شَيْءٍ نَسْتَزِيدُ (وَنَحْنُ فِي الْجَنَّةِ نَسْرَحُ حَيْثُ شِئْنَا) يَعْنِي وَفِيهَا ما تشتهيه الأنفس وتلد الْأَعْيُنُ (فَلَمَّا رَأَوْا أَنَّهُمْ لَا يُتْرَكُونَ) أَيْ من أن يسئلوا (قَالُوا تُعِيدُ) مِنَ الْإِعَادَةِ أَيْ تَرُدُّ (فَنُقْتَلُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخْرَى زَادَ مُسْلِمٌ فَلَمَّا رَأَى أَنْ لَيْسَ لَهُمْ حَاجَةٌ تُرِكُوا أَيْ مِنْ سُؤَالِ هَلْ تَسْتَزِيدُونَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه قوله (عن أبي عبيدة) هو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ (وَزَادَ) أي أبو عبيدة في روايته (وتقرىء) أَيْ يَا رَبِّ (نَبِيَّنَا) بِالنَّصْبِ أَيْ عَلَيْهِ (السلام) مفعول ثان لتقرىء (وتخبره) أي النبي (أَنْ قَدْ رَضِينَا) أَيْ بِاَللَّهِ تَعَالَى (وَرُضِيَ عَنَّا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنَّا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَدْ صَرَّحَ التِّرْمِذِيُّ بِعَدَمِ سَمَاعِ أَبِي عُبَيْدَةَ مِنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرَيْنِ فَتَحْسِينُهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَجِيئِهِ مِنَ السَّنَدِ المتقدم

قوله (عن جامع وهو بن أَبِي رَاشِدٍ) الْكَاهِلِيُّ الصَّيْرَفِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ فَاضِلٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَعْيَنَ) الْكُوفِيُّ مَوْلَى بَنِي شَيْبَانَ صَدُوقٌ شِيعِيٌّ لَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ مُتَابَعَةً مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) هُوَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ قَوْلُهُ (إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي عُنُقِهِ شُجَاعًا) بِالضَّمِّ وَالْكَسْرِ الْحَيَّةُ الذَّكَرُ وَقِيلَ الْحَيَّةُ مُطْلَقًا (مِصْدَاقَهُ) أَيْ مَا يُصَدِّقُهُ وَيُوَافِقُهُ (مِنْ كِتَابِ اللَّهِ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ حَالٌ مِنْ مِصْدَاقَهُ أَوْ مِنْ بَيَانٌ لَهُ وَمَا بَعْدَهُ بَدَلُ بعض من الكل لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فضله الْآيَةَ بِتَمَامِهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا وَلَا تَحْسَبَنَّ بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ من فضله) أَيْ بَرَكَاتِهِ هُوَ أَيْ بُخْلُهُمْ خَيْرًا لَهُمْ مَفْعُولٌ ثَانٍ وَالضَّمِيرُ لِلْفَصْلِ وَالْأَوَّلُ بُخْلُهُمْ مُقَدَّرًا قَبْلَ الْمَوْصُولِ عَلَى الْفَوْقَانِيَّةِ وَقَبْلَ الضَّمِيرِ عَلَى التَّحْتَانِيَّةِ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بخلوا به أَيْ بِزَكَاتِهِ مِنَ الْمَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنْ يُجْعَلَ حَيَّةً فِي عُنُقِهِ تَنْهَشُهُ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السماوات والأرض يَرِثُهُمَا بَعْدَ فَنَاءِ أَهْلِهِمَا واللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَيُجَازِيكُمْ بِهِ (وَقَالَ مَرَّةً) أَيْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ مَرَّةً (وَمَنِ اقْتَطَعَ مَالَ أَخِيهِ) أَيْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ (بِيَمِينٍ أَيْ كَاذِبٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي وبن مَاجَهْ (وَمَعْنَى قَوْلِهِ شُجَاعًا أَقْرَعَ يَعْنِي حَيَّةً) لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ الْمَذْكُورَةِ أَقْرَعَ نَعَمْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَمَعْنَاهُ الَّذِي لَا شَعْرَ عَلَى رَأْسِهِ لِكَثْرَةِ سُمِّهِ وَطُولِ عُمْرِهِ قَوْلُهُ (وَسَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ) هُوَ الضُّبَعِيُّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عمرو) هو بن علقمة (عن أبي سلمة

هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (إِنَّ مَوْضِعَ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ) أُرِيدَ بِهِ قَدْرٌ قَلِيلٌ مِنْهَا أَوْ مِقْدَارُ مَوْضِعِهِ فِيهَا (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) لِأَنَّ الْجَنَّةَ مَعَ نَعِيمِهَا بَاقِيَةٌ وَالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا فَانِيَةٌ (فَمَنْ زُحْزِحَ) أَيْ بَعُدَ (عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) نَالَ غَايَةَ مَطْلُوبِهِ (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) الْعَيْشُ فِيهَا (إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) الْبَاطِلُ يُتَمَتَّعُ بِهِ قَلِيلًا ثُمَّ يَفْنَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح) وأخرجه بن أبي حاتم قال بن كَثِيرٍ هَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِدُونِ هذه الزيادة أي زيادة اقرأوا إِنْ شِئْتُمْ إِلَخْ وَقَدْ رَوَاهُ بِدُونِ هَذِهِ الزيادة أبو حاتم وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو هَذَا قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الْمِصِّيصِيُّ الْأَعْوَرُ (أَنَّ حُمَيْدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَقِيلَ إِنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ عُمَرَ مُرْسَلَةٌ (أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ قَالَ اذْهَبْ يَا رَافِعُ لِبَوَّابِهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ لِبَوَّابِهِ اذْهَبْ يَا رَافِعُ قَالَ الْحَافِظُ وَكَانَ مَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ وَلِيَ الْخِلَافَةَ قَالَ وَرَافِعٌ هَذَا لَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا فِي كِتَابِ الرُّوَاةِ إِلَّا بِمَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَالَّذِي يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِ الحديث أنه توجه إلى بن عَبَّاسٍ فَبَلَّغَهُ الرِّسَالَةَ وَرَجَعَ إِلَى مَرْوَانَ بِالْجَوَابِ فَلَوْلَا أَنَّهُ مُعْتَمَدٌ عِنْدَ مَرْوَانَ مَا قَنَعَ بِرِسَالَتِهِ (وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (مُعَذَّبًا) خَبَرُ كَانَ (لَنُعَذَّبَنَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَهُوَ جَوَابُ قَوْلِهِ لَئِنْ أَيْ لِأَنَّ كُلَّنَا يَفْرَحُ بِمَا أُوتِيَ وَيُحِبُّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ (أَجْمَعُونَ) بِالْوَاوِ عَلَى أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِلضَّمِيرِ الَّذِي فِي لَنُعَذَّبَنَّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أَجْمَعِينَ بِالْيَاءِ عَلَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الحال أي لنعذبن مجتمعين (فقال بن

عباس مالكم ولهذه الاية) إنكار من بن عَبَّاسٍ عَنِ السُّؤَالِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْوَجْهِ المذكور (ثم تلا بن عَبَّاسٍ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكتاب) أَيِ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ (لِتُبَيِّنُنَّهُ) أَيِ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ أَيْ طَرَحُوا الْمِيثَاقَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ فَلَمْ يَعْمَلُوا بِهِ وَاشْتَرَوْا بِهِ أَخَذُوا بَدَلَهُ ثَمَنًا قَلِيلًا مِنَ الدُّنْيَا مِنْ سَفَلَتِهِمْ بِرِيَاسَتِهِمْ فِي الْعِلْمِ فَكَتَمُوهُ خَوْفَ فَوْتِهِ عَلَيْهِمْ (فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) شِرَاءَهُمْ هَذَا وفي تلاوة بن عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَةَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الَّذِينَ أخبر الله عنهم في الاية المسؤول عَنْهَا هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَأَنَّ اللَّهَ ذَمَّهُمْ بِكِتْمَانِ الْعِلْمِ الَّذِي أَمَرَهُمْ أَنْ لَا يَكْتُمُوهُ وَتَوَعَّدَهُمْ بِالْعَذَابِ عَلَى ذَلِكَ (بما أتو) بفتح الهمزة والفوقية أي بما جاؤوا يَعْنِي بِاَلَّذِي فَعَلُوهُ (وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لم يفعلوا) أَيْ وَيُحِبُّونَ أَنْ يَحْمَدَهُمُ النَّاسُ عَلَى شَيْءٍ لم يفعلوه (سألهم النبي عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ) قَالَ الْحَافِظُ الشيء الذي سأل النبي عَنْهُ الْيَهُودَ لَمْ أَرَهُ مُفَسَّرًا وَقَدْ قِيلَ إِنَّهُ سَأَلَهُمْ عَنْ صِفَتِهِ عِنْدَهُمْ بِأَمْرٍ وَاضِحٍ فَأَخْبَرُوا عَنْهُ بِأَمْرٍ مُجْمَلٍ وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ (ليبيننه للناس ولا يكتمونه) قَالَ مُحَمَّدٌ وَفِي قَوْلِهِ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا قَالَ بِكِتْمَانِهِمْ مُحَمَّدًا وَفِي قَوْلِهِ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا قَالَ قَوْلُهُمْ نَحْنُ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ (وَقَدْ أَرَوْهُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ من الإراءة والضمير المنصوب للنبي (واستحمدوا) بفتح الفوقية مبينا لِلْفَاعِلِ أَيْ طَلَبُوا أَنْ يَحْمَدَهُمْ قَالَ فِي الْأَسَاسِ اسْتَحْمَدَ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ بِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِمْ وإنعامه عليهم قاله القسطلاني وقال العيني واستحمدوا عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ اسْتُحْمِدَ فُلَانٌ عِنْدَ فُلَانٍ أَيْ صَارَ مَحْمُودًا عِنْدَهُ وَالسِّينُ فِيهِ لِلصَّيْرُورَةِ انْتَهَى (بِمَا أُوتُوا مِنْ كِتَابِهِمْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِيتَاءِ أَيْ أُعْطُوا وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانِهِمْ مَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بِمَا أَتَوْا مِنْ كِتْمَانِهِمْ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ بِمَا أَتَوْا كَذَا للأكثر بالقصر بمعنى جاؤوا أَيْ بِاَلَّذِي فَعَلُوهُ وَلِلْحَمَوِيِّ بِمَا أُوتُوا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا وَاوٌ أَيْ أُعْطُوا أَيْ مِنَ الْعِلْمِ الَّذِي كَتَمُوهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى فَرِحُوا بما عندهم من العلم وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِمُوَافَقَتِهِ التِّلَاوَةَ الْمَشْهُورَةَ انْتَهَى (وَمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ) عَطْفٌ عَلَى مَا أُوتُوا وَالضَّمِيرُ المرفوع في سأل يرجع إلى النبي وَالضَّمِيرُ الْمَجْرُورُ فِي قَوْلِهِ عَنْهُ إِلَى مَا

باب ومن سورة النساء

تَنْبِيهٌ قَدْ وَرَدَ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الاية حديثان صحيحان أحدهما حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا وَالثَّانِي مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رِجَالًا من المنافقين على عهد رسول الله كان إذا خرج رسول الله إلى الغزو وتخلفوا عنه وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله فإذا قدم رسول الله اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَنَزَلَتْ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ الْآيَةَ قَالَ الْحَافِظُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْفَرِيقَيْنِ مَعًا وَبِهَذَا أَجَابَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ (بَاب وَمِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ) هِيَ مَدَنِيَّةٌ وَمِائَةٌ وَخَمْسٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ آيَةً قَوْلُهُ (يَقُولُ مرضت فأتاني رسول الله يَعُودنِي) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْفَرَائِضِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ حَتَّى نَزَلَتْ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أولادكم كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ أَعْنِي مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ عَنْ طَرِيقِ بن عُيَيْنَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عَنِ بن جريج عن بن مُنْكَدِرٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ فَنَزَلَتْ (يوصيكم الله في أولادكم) هكذا وقع في رواية بن جُرَيْجٍ وَقِيلَ إِنَّهُ وَهَمَ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ جَابِرٍ هَذِهِ الْآيَةُ الْأَخِيرَةُ مِنَ النِّسَاءِ وَهِيَ يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة لِأَنَّ جَابِرًا يَوْمَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدٌ وَالْكَلَالَةُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ

منصور كلاهما عن بن عيينة عن بن الْمُنْكَدِرِ فَقَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حَتَّى نَزَلَتْ عَلَيْهِ آيَةُ الْمِيرَاثِ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ في الكلالة ولمسلم أيضا من طريق شعبة عن بن الْمُنْكَدِرِ قَالَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ فَقُلْتَ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ يَسْتَفْتُونَكَ قل الله يفتيكم في الكلالة قَالَ هَكَذَا أُنْزِلَتْ وَقَدْ أَطَالَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ ها هنا فِي الْفَتْحِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ حَدِيثَ جَابِرٍ الْمَذْكُورَ عَنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ عن بن جريج عن بن الْمُنْكَدِرِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْهُ قَالَ جَاءَتِ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ إِلَى رَسُولِ الله فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَاتَانِ ابْنَتَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ قُتِلَ أَبُوهُمَا مَعَكَ فِي يَوْمِ أُحُدٍ شَهِيدًا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ الْأَوَّلَ إِنَّمَا نَزَلَ بِسَبَبِهِ الْآيَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا كَانَ لَهُ إِذْ ذَاكَ أَخَوَاتٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَنَاتٌ وَإِنَّمَا كَانَ يُورَثُ كلالة ولكن ذكرنا الحديث ها هنا تَبَعًا لِلْبُخَارِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَهُ هَا هُنَا وَالْحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ جَابِرٍ أَشْبَهُ بِنُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ صَبَّاحٍ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا) أَيْ حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ صَبَّاحٍ أَطْوَلُ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ آدَمَ الْمَذْكُورِ وَحَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ صَبَّاحٍ هَذَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ مِيرَاثِ الْأَخَوَاتِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ) بْنُ دِعَامَةَ (عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيِّ) الْفَارِسِيِّ الْمِصْرِيِّ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ وَيُقَالُ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ ثَقةَ وَكَانَ قَاضِي إِفْرِيقِيَّةَ مِنْ كِبَارِ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (لَمَّا كَانَ يَوْمُ أَوْطَاسٍ) اسْمُ مَوْضِعٍ أَوْ بُقْعَةٌ فِي الطَّائِفِ يُصْرَفُ وَلَا يُصْرَفُ (لَهُنَّ أَزْوَاجٌ فِي الْمُشْرِكِينَ) صِفَةٌ لِنِسَاءٍ (فكرههن) أي كره وطئهن مِنْ أَجْلِ أَنَّهُنَّ مُزَوَّجَاتٍ وَالْمُزَوَّجَةُ لَا تَحِلُّ لغير

زوجها (منهم) أي من أصحاب النبي وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنَّا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَرَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى أَوْطَاسٍ فَلَقَوْا عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا فكأن ناسا من أصحاب النبي تَحَرَّجُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُحْصَنَاتُ) بِفَتْحِ الصَّادِ بِاتِّفَاقِ الْقُرَّاءِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى أُمَّهَاتُكُمْ أَيْ وَحُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمُحْصَنَاتُ أَيْ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ لِأَنَّهُنَّ أَحْصَنَّ فُرُوجَهُنَّ بِالتَّزْوِيجِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ أَيْ أَيْمَانُكُمْ أَيْ مَا أَخَذْتُمْ مِنْ نِسَاءِ الْكُفَّارِ بِالسَّبْيِ وَزَوْجُهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ فَتَحِلُّ لِلْغَانِمِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ اعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَسْبِيَّةَ مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ لَا كِتَابَ لَهُمْ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَتَّى تُسْلِمَ فَمَا دَامَتْ عَلَى دِينِهَا فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ وَهَؤُلَاءِ الْمَسْبِيَّاتُ كُنَّ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَيُتَأَوَّلُ هَذَا الْحَدِيثُ وَشَبَهُهُ عَلَى أَنَّهُنَّ أَسْلَمْنَ وَهَذَا التَّأْوِيلُ لَا بُدَّ مِنْهُ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ فِي بَابِ اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ إِذَا مُلِكَتْ مَا لَفْظُهُ ظَاهِرُ أَحَادِيثِ الْبَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي جَوَازِ وَطْءِ الْمَسْبِيَّةِ الْإِسْلَامُ وَلَوْ كَانَ شَرَطَ الْبَيِّنَةَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمَّا يُبَيِّنْهُ وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَذَلِكَ وَقْتُهَا وَلَا سِيَّمَا وَفِي الْمُسْلِمِينَ فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ وَغَيْرِهِ مَنْ هُوَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ يَخْفَى عَلَيْهِمْ مِثْلُ هَذَا الْحُكْمِ وَتَجْوِيزُ حُصُولِ الْإِسْلَامِ مِنْ جَمِيعِ السَّبَايَا وَهُنَّ فِي غَايَةِ الْكَثْرَةِ بَعِيدٌ جِدًّا فَإِنَّ إِسْلَامَ مِثْلِ عَدَدِ الْمَسْبِيَّاتِ فِي أَوْطَاسٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ لَا يَقُولُ بِأَنَّهُ يَصِحُّ تَجْوِيزُهُ عَاقِلٌ وَمِنْ أَعْظَمِ الْمُؤَيِّدَاتِ لِبَقَاءِ الْمَسْبِيَّاتِ على دينهن ما ثبت من رده لَهُنَّ بَعْدَ أَنْ جَاءَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ هَوَازِنَ وَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ مَا أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ مِنَ الْغَنِيمَةِ فَرَدَّ إِلَيْهِمُ السَّبْيَ فَقَطْ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى جَوَازِ وَطْءِ الْمَسْبِيَّاتِ الْكَافِرَاتِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ الْمَشْرُوعِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ طَاوُسٌ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِمَا سَلَفَ انْتَهَى (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه

قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ) بْنُ مُسْلِمٍ (الْبَتِّيُّ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ عَابُوا عَلَيْهِ الْإِفْتَاءَ بِالرَّأْيِ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (أَصَبْنَا سَبَايَا) جَمْعُ السَّبِيَّةِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمَنْهُوبَةُ فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ قَوْلُهُ (وَلَا أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا ذَكَرَ أَبَا عَلْقَمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا مَا ذَكَرَ هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ) كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ تَابَعَ هَمَّامًا فِي ذِكْرِ أَبِي عَلْقَمَةَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ وَشُعْبَةَ أَيْضًا عند مسلم وقد صرح بهذا الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ (وَأَبُو الْخَلِيلِ اسْمُهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ) الضُّبَعِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ وَثَّقَهُ بن معين والنسائي وأغرب بن عَبْدِ الْبَرِّ فَقَالَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ) أَيْ قَطْعُ صِلَتِهِمَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَقِّ وَهُوَ الشَّقُّ وَالْقَطْعُ وَالْمُرَادُ عُقُوقُ أَحَدِهِمَا قِيلَ هُوَ إِيذَاءٌ لَا يُتَحَمَّلُ مِثْلُهُ مِنَ الْوَلَدِ عَادَةً وَقِيلَ عُقُوقُهُمَا مُخَالَفَةُ أَمْرِهِمَا فِيمَا لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً وفِي مَعْنَاهُمَا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ (وَقَتْلُ النَّفْسِ) أَيْ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَقَوْلُ الزُّورِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ وَالْمُرَادُ مِنَ الزُّورِ الْكَذِبِ وَسُمِّيَ زُورًا لِمَيَلَانِهِ عَنْ جِهَةِ الْحَقِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَقَالَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) أَيْ بِالتَّكْبِيرِ (وَلَا يَصِحُّ) بَلِ الصَّحِيحُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ بِالتَّصْغِيرِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَبُو مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ رَوَى عَنْ جَدِّهِ وَقِيلَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ وَعَنْهُ شعبة وغيره قال أحمد وبن مَعِينٍ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ ثِقَةٌ

قَوْلُهُ (أَلَا أُحَدِّثُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَفِي الشَّهَادَاتِ قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُهَاجِرِ بْنِ قُنْفُذٍ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالْفَاءِ بَيْنَهُمَا نُونٌ سَاكِنَةٌ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْأَنْصَارِيِّ) الْبَكْرِيِّ حَلِيفِ بَنِي حَارِثَةَ اسْمُهُ إِيَاسٌ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَقِيلَ ثَعْلَبَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ صَحَابِيٌّ لَهُ أَحَادِيثُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ) بِالتَّصْغِيرِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو يَحْيَى حَلِيفُ الْأَنْصَارِ صَحَابِيٌّ قَوْلُهُ (إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ الشِّرْكَ بِاَللَّهِ) أَيِ الْإِشْرَاكُ بِهِ فَنَفْيُ الصَّانِعِ أَوْلَى أَوِ الْمُرَادُ بِهِ مُطْلَقُ الْكُفْرِ إِلَّا أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِهِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ فِي الكفرة ومن زَائِدَةٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجَوِّزُهُ فِي الْإِثْبَاتِ كَالْأَخْفَشِ أَوْ دُخُولُ مِنْ بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَالشِّرْكُ هُوَ أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ لَا مِنْ جُمْلَتِهِ (وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ الْفَاجِرَةُ كالَّتِي يَقْتَطِعُ بِهَا الْحَالِفُ مَالَ غَيْرِهِ سُمِّيَتْ غَمُوسًا لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ ثُمَّ فِي النَّارِ وَفَعُولٌ لِلْمُبَالَغَةِ (وَمَا حَلَفَ حَالِفٌ بِاَللَّهِ يَمِينَ صَبْرٍ) فِي النِّهَايَةِ الْحَلِفُ هُوَ الْيَمِينُ فَخَالَفَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ تَأْكِيدًا قَالَ النَّوَوِيُّ يَمِينَ صَبْرٍ بِالْإِضَافَةِ أَيْ أُلْزِمَ بِهَا وَحُبِسَ عَلَيْهَا وَكَانَتْ لَازِمَةً لِصَاحِبِهَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ وَقِيلَ لَهَا مَصْبُورَةٌ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْمَصْبُورُ لِأَنَّهُ إِنَّمَا صُبِرَ مِنْ أَجْلِهَا أَيْ حُبِسَ فَوُصِفَتْ بِالصَّبْرِ وَأُضِيفَتْ إِلَيْهِ مَجَازًا انْتَهَى وتوضيحه ما قاله بن الْمَلِكِ الصَّبْرُ الْحَبْسُ وَالْمُرَادُ بِيَمِينِ الصَّبْرِ أَنْ يَحْبِسَ السُّلْطَانُ الرَّجُلَ حَتَّى يَحْلِفَ بِهَا وَهِيَ لَازِمَةٌ لِصَاحِبِهَا مِنْ جِهَةِ الْحُكْمِ وَقِيلَ يَمِينُ الصَّبْرِ هِيَ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ قَاصِدًا لِإِذْهَابِ مَالِ الْمُسْلِمِ كَأَنَّهُ

يَصْبِرُ النَّفْسَ عَلَى تِلْكَ الْيَمِينِ أَيْ يَحْبِسُهَا عَلَيْهَا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ يَمِينَ صَبْرٍ بِالْإِضَافَةِ أَيْ أُلْزِمَ بِهَا وَحُبِسَ لَهَا شَرْعًا وَلَوْ حَلَفَ بِغَيْرِ إِحْلَافٍ لَمْ يَكُنْ صَبْرًا (فَأَدْخَلَ) أَيِ الْحَالِفُ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الْيَمِينِ (مِثْلَ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ أَيْ رِيشِهَا وَالْمُرَادُ أَقَلُّ قَلِيلٍ وَالْمَعْنَى شَيْئًا يَسِيرًا مِنَ الْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَمِمَّا يُخَالِفُ ظَاهِرُهُ بَاطِنَهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمُسْتَحْلِفِ (إِلَّا جُعِلَتْ) أَيْ تِلْكَ الْيَمِينُ (نُكْتَةً) أَيْ سَوْدَاءَ أَيْ أَثَرًا قَلِيلًا كَالنُّقْطَةِ تُشْبِهُ الْوَسَخَ فِي نَحْرِ الْمَرْأَةِ وَالسَّيْفِ (إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَى الِانْتِهَاءِ أَنَّ أَثَرَ تِلْكَ النُّكْتَةِ الَّتِي هِيَ مِنَ الرَّيْنِ يَبْقَى أَثَرُهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا وَبَالُهَا وَالْعِقَابُ عَلَيْهَا فَكَيْفَ إِذَا كَانَ كَذِبًا مَحْضًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والحاكم وبن أَبِي حَاتِمٍ قَوْلُهُ (عَنْ فِرَاسٍ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وبالراء هو بن يَحْيَى الْهَمْدَانِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْأَرْبَعَةَ أَعْنِي أَحَادِيثَ أَنَسٍ وَأَبِي بَكْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ذَكَرَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما وقد أطال الحافظ بن كَثِيرٍ الْكَلَامَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْقَوْلِ فَذَكَرَ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً تَتَعَلَّقُ بِهِ ثُمَّ ذَكَرَ أَقْوَالَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فِي حَدِّ الْكَبِيرَةِ فَمِنْ قَائِلٍ هِيَ مَا عَلَيْهِ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هِيَ مَا عَلَيْهِ وَعِيدٌ مَخْصُوصٌ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ مُحَمَّدٍ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الشَّرْحِ الْكَبِيرِ الشَّهِيرِ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ مِنْهُ ثُمَّ اخْتَلَفَ

الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الْكَبَائِرِ وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّغَائِرِ وَلِبَعْضِ الْأَصْحَابِ فِي تَفْسِيرِ الْكَبِيرَةِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا أَنَّهَا الْمَعْصِيَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْحَدِّ وَالثَّانِي أَنَّهَا الْمَعْصِيَةُ الَّتِي يَلْحَقُ صَاحِبَهَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ وَهَذَا أَكْثَرُ مَا يُوجَدُ لَهُمْ وَإِلَى الْأَوَّلِ أَمِيلُ لَكِنَّ الثَّانِيَ أَوْفَقُ لِمَا ذَكَرُوهُ عِنْدَ تَفْسِيرِ الْكَبَائِرِ وَالثَّالِثُ قَالَ إِمَامُ الحرمين في الإرشاد وغيره كل جريمة تنبىء بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ فَهِيَ مُبْطِلَةٌ لِلْعَدَالَةِ وَالرَّابِعُ ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ أَنَّ الْكَبِيرَةَ كُلُّ فِعْلٍ نَصَّ الْكِتَابُ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ تُوجِبُ فِي جِنْسِهَا حَدًّا مِنْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتَرْكُ كُلِّ فَرِيضَةٍ مَأْمُورٍ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ وَالْكَذِبُ وَالشَّهَادَةُ وَالرِّوَايَةُ وَالْيَمِينُ هَذَا مَا ذَكَرُوهُ عَلَى سَبِيلِ الضَّبْطِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي تَفْصِيلِ الْكَبَائِرِ أَقْوَالَ بعض أهل العلم قال الحافظ بن كَثِيرٍ وَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ فِي الْكَبَائِرِ مُصَنَّفَاتٍ مِنْهَا مَا جَمَعَهُ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الذَّهَبِيُّ بَلَغَ نَحْوًا مِنْ سَبْعِينَ كَبِيرَةً وَإِذَا قِيلَ إِنَّ الْكَبِيرَةَ مَا تَوَعَّدَ عَلَيْهَا الشَّارِعُ بالنار بخصوصها كما قال بن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ وَلَا يُتَّبَعُ ذَلِكَ اجْتَمَعَ مِنْهُ شَيْءٌ كَثِيرٌ وَإِذَا قِيلَ كُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَكَثِيرٌ جِدًّا انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ شيء من فِي حَدِّ الْكَبِيرَةِ فِي بَابِ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ قَوْلُهُ (يَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا تَغْزُو النِّسَاءُ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا تَغْزُو النِّسَاءُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ به بعضكم على بعض مِنْ جِهَةِ الدُّنْيَا أَوِ الدِّينِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلى التحاسد والتباغض قال الحافظ بن كَثِيرٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ وَلَا يَتَمَنَّى الرَّجُلُ فَيَقُولُ لَوْ أَنَّ لِي مَالَ فُلَانٍ وَأَهْلَهُ فَنَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَكِنْ يَسْأَلُ اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَالضَّحَّاكُ نَحْوَ هَذَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ فَيَقُولُ رَجُلٌ لَوْ أَنَّ لِي مِثْلَ مَا لِفُلَانٍ لَعَمِلْتُ مِثْلَهُ فَهُمَا فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ غَيْرُ مَا نَهَتْ عَنْهُ الْآيَةُ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ حَضَّ عَلَى تَمَنِّي مِثْلَ نِعْمَةِ هَذَا وَالْآيَةُ نَهَتْ عَنْ تَمَنِّي عَيْنَ نِعْمَةِ هَذَا يَقُولُ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بعض أَيْ فِي الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَكَذَا الدِّينِيَّةِ قَوْلُهُ (قَالَ مُجَاهِدٌ) هَذَا مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ (وَأَنْزَلَ فِيهَا) أَيْ فِي أُمِّ سَلَمَةَ (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ والمسلمات) تمام الاية

وَالْمُؤْمِنَينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مغفرة وأجرا عظيما وَرِوَايَةُ مُجَاهِدٍ هَذِهِ مُخْتَصَرَةٌ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا لِي أَسْمَعُ الرِّجَالَ يذكرون في القرآن والنساء لا يذكرون فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنَينَ والمؤمنات (أَوَّلَ ظَعِينَةٍ) قِيلَ لِلْمَرْأَةِ ظَعِينَةً لِأَنَّهَا تَظْعَنُ مَعَ الزَّوْجِ حَيْثُ مَا ظَعَنَ أَوْ تُحْمَلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ إِذَا ظَعَنَتْ وَقِيلَ هِيَ الْمَرْأَةُ فِي الْهَوْدَجِ ثُمَّ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ وَحْدَهَا وَالْهَوْدَجُ وَحْدَهُ مِنْ ظَعَنَ ظَعْنًا بِالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ إِذَا سَارَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ) أَيْ مُنْقَطِعٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (عَنْ رَجُلٍ مِنْ وَلَدِ أُمِّ سَلَمَةَ) اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ سَلَمَةُ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ رَوَى عَنْ جَدَّةِ أَبِيهِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ جَدِّهِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَلَهُ صُحْبَةٌ رَوَى عَنْهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ فَنَسَبَهُ إِلَى جَدِّ أَبِيهِ فَقَالَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَعَنْهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ فَنَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ فَقَالَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ حَدِيثًا وَلَمْ يُسَمِّهِ أخرجه عن بن أَبِي عُمَرَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ وَلَدِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لَا أَسْمَعُ اللَّهَ ذَكَرَ النِّسَاءَ فِي الْهِجْرَةِ بِشَيْءٍ الْحَدِيثَ وَسَمَّاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ من طريق يعقوب بن حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَتَابَعَهُ قُتَيْبَةُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ

أني لا أضيع عمل عامل منكم يَعْنِي لَا أُحْبِطُ عَمَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بَلْ أثيبكم عليه من ذكر أو أنثى يَعْنِي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ ذَكَرًا كان أو أنثى بعضكم من بعض يَعْنِي فِي الدِّينِ وَالنُّصْرَةِ وَالْمُوَالَاةِ وَقِيلَ كُلُّكُمْ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَقِيلَ مِنْ بِمَعْنَى الْكَافِ أَيْ بَعْضُكُمْ كَبَعْضٍ فِي الثَّوَابِ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِقَابِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَهُوَ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ مِنِّي يَعْنِي عَلَى خُلُقِي وَسِيرَتِي وَقِيلَ إِنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ فِي الطَّاعَةِ عَلَى شَكْلٍ وَاحِدٍ كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْخَازِنِ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا سعيد بن منصور وبن جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ ثُمَّ قَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَقَدْ رَوَى بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بعض إلى آخرها رواه بن مَرْدَوَيْهِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) اسْمُهُ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمٍ الْحَنَفِيُّ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ) هُوَ بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (فَكَيْفَ) أَيْ حَالُ الْكُفَّارِ (إِذَا جئنا من كل أمة بشهيد) يَشْهَدُ عَلَيْهَا بِعَمَلِهَا وَهُوَ نَبِيُّهَا (وَجِئْنَا بِكَ) يَا مُحَمَّدُ (عَلَى هَؤُلَاءِ) أَيْ أُمَّتِكَ (شَهِيدًا) حَالٌ أَيْ شَاهِدًا عَلَى مَنْ آمَنَ بِالْإِيمَانِ وَعَلَى مَنْ كَفَرَ بِالْكُفْرِ وَعَلَى مَنْ نَافَقَ بِالنِّفَاقِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فَضَالَةَ الظفري أن ذلك كان وهو كان في بني ظفر أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النبي أتاهم في بني ظفر ومعه بن مَسْعُودٍ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَمَرَ قَارِئًا فَقَرَأَ فَأَتَى عَلَى هَذِهِ الْآيَة فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤلاء شهيدا فَبَكَى حَتَّى ضَرَبَ لَحْيَاهُ وَوَجْنَتَاهُ فَقَالَ يَا رَبِّ هَذَا عَلَى مَنْ أَنَا بَيْنَ ظَهْرَيْهِ فكيف بمن لم أره وأخرج بن الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ إِلَّا يُعْرَضُ على النبي أُمَّتُهُ غَدْوَةً وَعَشِيَّةً فَيَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَأَعْمَالِهِمْ فَلِذَلِكَ يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ فَفِي هَذَا الْمُرْسَلِ مَا يَرْفَعُ الإشكال الذي تضمنه حديث بن فَضَالَةَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (غَمَزَنِي) الْغَمْزُ الْعَصْرُ وَالْكَبْسُ بِالْيَدِ أَيْ أَشَارَ بِالْيَدِ لِأَنْ يَمْتَنِعَ عَنِ الْقِرَاءَةِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ حَسْبُكَ الْآنَ (وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ تَذْرِفَانِ أي تسيلان دمعا قال بن بطال إنما بكى عِنْدَ تِلَاوَتِهِ هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ مَثَّلَ لِنَفْسِهِ أَهْوَالَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَشِدَّةِ الْحَالِ الدَّاعِيَةِ لَهُ إِلَى شَهَادَتِهِ لِأُمَّتِهِ بِالتَّصْدِيقِ وَسُؤَالِهِ

الشَّفَاعَةَ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ وَهُوَ أَمْرٌ يَحِقُّ لَهُ طُولُ الْبُكَاءِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ بَكَى رَحْمَةً لِأُمَّتِهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ بِعَمَلِهِمْ وَعَمَلُهُمْ قَدْ لَا يَكُونُ مُسْتَقِيمًا فَقَدْ يُفْضِي إِلَى تَعْذِيبِهِمْ قَالَ الْغَزَالِيُّ يُسْتَحَبُّ الْبُكَاءُ مَعَ الْقِرَاءَةِ وَعِنْدَهَا وَطَرِيقُ تَحْصِيلِهِ أَنْ يَحْضُرَ قَلْبَهُ الْحُزْنُ وَالْخَوْفُ بِتَأَمُّلِ مَا فِيهِ مِنَ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَالْوَثَائِقِ وَالْعُهُودِ ثُمَّ يَنْظُرَ تَقْصِيرَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ حُزْنٌ فَلْيَبْكِ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْمَصَائِبِ قَوْلُهُ (عن عبيدة) بفتح أوله هو بن عَمْرٍو السَّلْمَانِيِّ الْمُرَادِيِّ قَوْلُهُ (أَقْرَأُ عَلَيْكَ) أَيْ أَأَقْرَأُ عَلَيْكَ (إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غيري) قال بن بَطَّالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَحَبَّ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِهِ لِيَكُونَ عَرْضُ الْقُرْآنِ سُنَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِكَيْ يَتَدَبَّرَهُ وَيَتَفَهَّمَهُ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْتَمِعَ أَقْوَى عَلَى التَّدَبُّرِ وَنَفْسُهُ أَخْلَى وَأَنْشَطُ لذلك من القارىء لِاشْتِغَالِهِ بِالْقِرَاءَةِ وَأَحْكَامِهَا وَهَذَا بِخِلَافِ قِرَاءَتِهِ هُوَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَإِنَّهُ أَرَادَ أَنْ يعلمه كيفية أداء القراءة وخرج نحو ذلك (تَهْمُلَانِ) أَيْ تَدْمَعَانِ وَتَفِيضَانِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ هَمَلَتْ عَيْنُهُ تَهْمِلُ وَتَهْمُلُ هَمْلًا وَهَمَلَانًا وَهُمُولًا فَاضَتْ قَوْلُهُ (هَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ) أَيْ حَدِيثِ سُفْيَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ لِأَنَّ عَبْدَ الْوَاحِدِ وَحَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ وَغَيْرَهُمَا قَدْ تَابَعُوا سُفْيَانَ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ هَذَا أَخْرَجَهُ

أَيْضًا الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَسَقَانَا مِنَ الْخَمْرِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ (فَأَخَذَتِ الْخَمْرُ مِنَّا) أي أخذت عقولنا لا تقربوا الصلاة أي لا تصلوا وأنتم سكارى جَمْعُ سَكْرَانَ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تقولون بِأَنْ تَصْحُوا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ وَقَدْ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَفَرَّقَ مَرَّةً بَيْنَ حَدِيثِهِ الْقَدِيمِ وَحَدِيثِهِ الْحَدِيثِ وَوَافَقَهُ عَلَى التَّفْرِقَةِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ هَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَّصِلَ الْإِسْنَادِ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي السُّلَمِيَّ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُحَرَّمَ الْخَمْرُ فَحُرِّمَتْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي إِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي إِسْنَادِهِ فَرَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ فَأَرْسَلُوهُ وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي مَتْنِهِ فَفِي كِتَابِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ مَا قَدَّمْنَاهُ وَفِي كِتَابِ النَّسَائِيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ النَّحَّاسِ أَنَّ الْمُصَلِّيَ بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَفِي كِتَابِ أَبِي بَكْرٍ الْبَزَّارِ أَمَرُوا رَجُلًا فَصَلَّى بِهِمْ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَفِي حَدِيثِ غَيْرِهِ فَتَقَدَّمَ بَعْضُ الْقَوْمِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ خَاصَمَ الزُّبَيْرَ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ

الرَّجُلَيْنِ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَسْفَلَ مِنْ الْآخَرِ فِي الْمَاءِ مِنْ أَبْوَابِ الْأَحْكَامِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ قَوْلُهُ (قَالَ سَمِعْتَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ) والخطمي صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ قَوْلُهُ (رَجَعَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النبي يَوْمَ أُحُدٍ) يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَأَصْحَابَهُ وَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي الْمَغَازِي وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ كَانَ وَافَقَ رَأْيُهُ رَأْيَ النبي عَلَى الْإِقَامَةِ بِالْمَدِينَةِ فَلَمَّا أَشَارَ غَيْرُهُ بِالْخُرُوجِ وأجابهم النبي فَخَرَجَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ لِأَصْحَابِهِ أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي عَلَامَ نَقْتُلُ أَنْفُسَنَا فَرَجَعَ بِثُلُثِ الناس قال بن إِسْحَاقَ فِي رِوَايَتِهِ فَأَتْبَعَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حِرَامٍ وَهُوَ وَالِدُ جَابِرٍ وَكَانَ خَزْرَجِيًّا كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَنَاشَدَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا فَأَبَوْا فَقَالَ أَبْعَدَكُمُ اللَّهُ (فَكَانَ النَّاسُ فِيهِمْ) أَيْ فِي الْحُكْمِ فِي مَنِ انْصَرَفَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ (فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِلَخْ) هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي سَبَبِ نزولها وأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ مَنْ لِي بِمَنْ يُؤْذِينِي فَذَكَرَ مُنَازَعَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَأُسَيْدِ بن خضير وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَفِي سَبَبِ نُزُولِهَا قَوْلٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ قَوْمًا أَتَوْا الْمَدِينَةَ فَأَسْلَمُوا فَأَصَابَهُمُ الْوَبَاءُ فَرَجَعُوا فَاسْتَقْبَلَهُمْ نَاسٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَأَخْبَرُوهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَافَقُوا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا فنزلت

وأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ مُرْسَلًا فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا احْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا كَذَا فِي الفتح قال الحافظ بن جَرِيرٍ بَعْدَ ذِكْرِ عِدَّةِ أَقْوَالٍ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مَا لَفْظُهُ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي اخْتِلَافِ أَصْحَابِ رَسُولِ الله فِي قَوْمٍ كَانُوا ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِأَنَّ اخْتِلَافَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ قَوْمٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ وَالْآخَرُ أَنَّهُمْ قَوْمٌ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ حتى يهاجروا أَوْضَحُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ الْهِجْرَةَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رسول الله إِلَى دَارِهِ وَمَدِينَتِهِ مِنْ سَائِرِ أَرْضِ الْكُفْرِ فَأَمَّا مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ مُقِيمًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَأَهْلِ الشِّرْكِ فَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَرْضُ هِجْرَةٍ لِأَنَّهُ فِي دَارِ الْهِجْرَةِ كَانَ وَطَنُهُ وَمُقَامُهُ انْتَهَى (إِنَّهَا) أَيِ الْمَدِينَةَ (طِيبَةٌ) هَذَا أَحَدُ أَسْمَاءِ الْمَدِينَةِ وَيُقَالُ لَهَا طَابَةٌ أَيْضًا رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا (إِنَّ اللَّهَ سَمَّى الْمَدِينَةَ طَابَةً) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سِمَاكٍ بِلَفْظِ كَانُوا يُسَمُّونَ المدينة يثرب فسماها النبي طَابَةً وَأَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ وَالطَّابُ وَالطِّيبُ لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاشْتِقَاقُهُمَا مِنَ الشَّيْءِ الطَّيِّبِ (إِنَّهَا تَنْفِي الْخَبَثَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ أَيِ الْوَسَخَ (كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ الْحَدِيدِ) أَيْ وَسَخَهُ الَّذِي تُخْرِجُهُ النَّارُ وَالْمُرَادُ أَنَّهَا لَا تَتْرُكُ فِيهَا مَنْ فِي قَلْبِهِ دَغَلٌ بَلْ تُمَيِّزُهُ عَنِ الْقُلُوبِ الصَّادِقَةِ وَتُخْرِجُهُ كَمَا يُمَيِّزُ الْحَدَّادُ رَدِيءَ الْحَدِيدِ مِنْ جَيِّدِهِ قَالَ الْخَازِنُ مَعْنَى الْآيَةِ فَمَا لَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنَينَ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ أَيْ صِرْتُمْ فِي أَمْرِهِمْ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً تَذُبُّ عَنْهُمْ وَفِرْقَةً تُبَايِنُهُمْ وَتُعَادِيهِمْ فَنَهَى اللَّهُ الْفِرْقَةَ الَّذِينَ يَذُبُّونَ عَنْهُمْ وَأَمَرَ الْمُؤْمِنَينَ جَمِيعًا أَنْ يَكُونُوا عَلَى مِنْهَاجٍ واحد في التباين لهم والتبرئ مِنْهُمْ واللَّهُ أَرْكَسَهُمْ يَعْنِي نَكَسَهُمْ فِي

كُفْرِهِمْ وَارْتِدَادِهِمْ وَرَدَّهُمْ إِلَى أَحْكَامِ الْكُفَّارِ بِمَا كَسَبُوا أَيْ بِسَبَبِ مَا اكْتَسَبُوا مِنْ أَعْمَالِهِمُ الخبيثة وقيل بما أظهروا من الارتداد بعد ما كَانُوا عَلَى النِّفَاقِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا وَرْقَاءُ بْنُ عُمَرَ) الْيَشْكُرِيُّ وَأَبُو بِشْرٍ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ الْمَدَائِنِ صَدُوقٌ فِي حَدِيثِهِ عَنْ مَنْصُورٍ لَيِّنٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (يَجِيءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ) الْبَاءُ لِلتَّعَدِّيَةِ أَيْ يُحْضِرُهُ وَيَأْتِي بِهِ (نَاصِيَتُهُ) أَيْ شَعْرُ مُقَدَّمِ رَأْسِ الْقَاتِلِ (وَرَأْسُهُ) أَيْ بَقِيَّتُهُ (بِيَدِهِ) أَيْ بِيَدِ الْمَقْتُولِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ وَيُحْتَمَلُ مِنَ الْمَفْعُولِ عَلَى بُعْدٍ وَقَدِ اكْتَفَى فِيهَا بِالضَّمِيرِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافًا عَلَى تَقْدِيرِ السُّؤَالِ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْمَجِيءِ بِهِ (وَأَوْدَاجُهُ) فِي النِّهَايَةِ هِيَ مَا أَحَاطَ بِالْعُنُقِ مِنَ الْعُرُوقِ الَّتِي يَقْطَعُهَا الذَّابِحُ وَاحِدُهَا وَدَجٌ بِالتَّحْرِيكِ وَقِيلَ الْوَدَجَانِ عِرْقَانِ غَلِيظَانِ عَنْ جَانِبَيْ نَقْرَةِ النَّحْرِ وَقِيلَ عَبَّرَ عَنِ الْمُثَنَّى بِصِيغَةِ الْجَمْعِ لِلْأَمْنِ مِنَ الِالْتِبَاسِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فقد صغت قلوبكما (تَشْخَبُ) بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِفَتْحِهَا أَيْ تَسِيلُ (دَمًا) تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ الْفَاعِلِ أَيْ دَمُهُمَا (يَقُولُ يَا رَبِّ قَتَلَنِي هَذَا) أَيْ وَيُكَرِّرُهُ (حَتَّى يُدْنِيه مِنَ الْعَرْشِ) مِنَ الْإِدْنَاءِ أَيْ يُقَرِّبُ الْمَقْتُولُ الْقَاتِلَ مِنَ الْعَرْشِ وَكَأَنَّهُ كِنَايَةٌ عَنِ اسْتِقْصَاءِ الْمَقْتُولِ فِي طَلَبِ ثَأْرِهِ وَعَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي إِرْضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ بِعَدْلِهِ (فَذَكَرُوا لِابْنِ عَبَّاسٍ التَّوْبَةَ) يَعْنِي قَالُوا لَهُ هَلْ لِلْقَاتِلِ تَوْبَةٌ أَمْ لَا فَتَلَا هَذِهِ الْآيَةِ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ تَمَامُ الْآيَةِ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ولعنه وأعد له عذابا عظيما (قال) أي بن عَبَّاسٍ (مَا نُسِخَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَكَذَا مَا بُدِّلَتْ (وَأَنَّى لَهُ التَّوْبَةُ) أَيْ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ قال النَّوَوِيُّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ لَهُ تَوْبَةً وَجَوَازُ الْمَغْفِرَةِ لَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ مَذْهَبُ جَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَمَا رُوِيَ عن

بَعْضِ السَّلَفِ مِمَّا يُخَالِفُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّغْلِيظِ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الْقَتْلِ وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الاية التي احتج بها بن عَبَّاسٍ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يُخَلَّدُ (وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ جَزَاؤُهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يُجَازَى انْتَهَى وقال الحافظ بن جَرِيرٍ وَأَوْلَى الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فجزاؤه أَنَّ جَزَاءَهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَلَكِنَّهُ يَعْفُو وَيَتَفَضَّلُ عَلَى أَهْلِ الْإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ فَلَا يُجَازِيهِمْ بِالْخُلُودِ فِيهَا وَلَكِنَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ إِمَّا أَنْ يَعْفُوَ بِفَضْلِهِ فَلَا يُدْخِلُهُ النَّارَ وَإِمَّا أَنْ يُدْخِلَهُ إِيَّاهَا ثُمَّ يُخْرِجَهُ مِنْهَا بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ لِمَا سَلَفَ مِنْ وَعْدِهِ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنَينَ بِقَوْلِهِ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذنوب جميعا فَإِنْ ظَنَّ ظَانٌّ أَنَّ الْقَاتِلَ إِنْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ دَاخِلًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَدْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُشْرِكُ دَاخِلًا فِيهَا لِأَنَّ الشِّرْكَ مِنَ الذُّنُوبِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ غَيْرُ غَافِرٍ الشِّرْكَ لِأَحَدٍ بِقَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَالْقَتْلُ دُونَ الشِّرْكِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حسن) وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ قَوْلُهُ (فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ) وَفِي رِوَايَةِ الْبَرَاءِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ (مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا لِيَتَعَوَّذَ مِنْكُمْ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ عَوَذَ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذًا أَيْ إِنَّمَا أَقَرَّ بِالشَّهَادَةِ لَاجِئًا إِلَيْهَا وَمُعْتَصِمًا بِهَا لِيَدْفَعَ عَنْهُ الْقَتْلَ وَلَيْسَ بِمُخْلِصٍ فِي إِسْلَامِهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ في سبيل الله يَعْنِي سَافَرْتُمْ إِلَى الْجِهَادِ فَتَبَيَّنُوا مِنَ الْبَيَانِ يُقَالُ تَبَيَّنْتَ الْأَمْرَ إِذَا تَأَمَّلْته قَبْلَ الْإِقْدَامِ عليه وقرىء فَتَثَبَّتُوا مِنَ التَّثَبُّتِ وَهُوَ خِلَافُ الْعَجَلَةِ وَالْمَعْنَى فَقِفُوا وَتَثَبَّتُوا حَتَّى تَعْرِفُوا الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ وَتَعْرِفُوا حَقِيقَةَ الْأَمْرِ الَّذِي تَقْدَمُونَ عَلَيْهِ وَلَا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام يَعْنِي التَّحِيَّةَ يَعْنِي لَا تَقُولُوا لِمَنْ حَيَّاكُمْ بِهَذِهِ التَّحِيَّةِ إِنَّهُ إِنَّمَا قَالَهَا تَعَوُّذًا فَتُقْدِمُوا عَلَيْهِ بِالسَّيْفِ لِتَأْخُذُوا مَالَهُ وَلَكِنْ كُفُّوا عَنْهُ وَاقْبَلُوا مِنْهُ مَا أَظْهَرَهُ لَكُمْ لَسْتَ مُؤْمِنًا يَعْنِي لَسْتَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ فَتَقْتُلُوهُ بِذَلِكَ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّفْسِيرِ وَمُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْحُرُوفِ وَالنَّسَائِيُّ فِي السِّيَرِ وَفِي التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ (جَاءَ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى مُؤَذِّنُ النبي وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ خَلْفَ النَّبِيِّ فَيُجْمَعُ بِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ جَاءَ أَنَّهُ قَامَ من مقامه خلف النبي حَتَّى جَاءَ مُوَاجَهَةً فَخَاطَبَهُ (وَكَانَ ضَرِيرَ الْبَصَرِ) فِي الْقَامُوسِ الضَّرِيرُ الذَّاهِبُ الْبَصَرِ جَمْعُهُ أَضِرَّاءُ فأنزل هذه الاية غير أولي الضرر الْآيَةَ وَفِي الْبُخَارِيِّ فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ في سبيل الله قال بن الْمُنَيِّرِ لَمْ يَقْتَصِرِ الرَّاوِي فِي الْحَالِ الثَّانِي عَلَى ذِكْرِ الْكَلِمَةِ الزَّائِدَةِ وَهِيَ غَيْرُ أُولِي الضرر فَإِنْ كَانَ الْوَحْيُ نَزَلَ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ غَيْرُ أولي الضرر فَقَطْ فَكَأَنَّهُ رَأَى إِعَادَةَ الْآيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى يَتَّصِلَ الِاسْتِثْنَاءُ بِالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْوَحْيُ نَزَلَ بِإِعَادَةِ الْآيَةِ بِالزِّيَادَةِ بَعْدَ أَنْ نَزَلَ بِدُونِهَا فَقَدْ حَكَى الرَّاوِي صُورَةَ الْحَالِ قَالَ الْحَافِظُ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ فَإِنَّ فِي رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ غَيْرُ أُولِي الضرر وَأَوْضَحُ مِنْ ذَلِكَ رِوَايَةُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ فَفِيهَا ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ اقْرَأْ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ المؤمنين فقال النبي غير أولي الضرر وَفِي حَدِيثٍ الْفَلَتَانِ بْنِ عَاصِمٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ فَقَالَ الْأَعْمَى مَا ذَنْبُنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ فَقُلْنَا لَهُ إِنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ فَخَافَ أَنْ يَنْزِلَ فِي أَمْرِهِ شَيْءٌ فَجَعَلَ يَقُولُ أتوب إلى الله فقال النبي للكاتب أكتب غير أولي الضرر أخرجه البزار والطبراني وصححه بن حِبَّانَ (إِيتُونِي بِالْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ) الْكَتِفُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ التَّاءِ وَهُوَ

عَظْمٌ عَرِيضٌ يَكُونُ فِي أَصْلِ كَتِفِ الْحَيَوَانِ مِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ كَانُوا يَكْتُبُونَ فِيهِ لِقِلَّةِ الْقَرَاطِيسِ عِنْدَهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إِلَخْ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَمْرُو بْنُ زائدة أو بن قَيْسِ بْنِ زَائِدَةَ وَيُقَالُ زِيَادٌ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ بن أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ قَدِيمُ الْإِسْلَامِ وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَيُقَالُ الْحُصَيْنُ كَانَ النبي اسْتَخْلَفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ مَاتَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عُمَرَ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أَسْلَمَ قَدِيمًا وهاجر قبل مقدم النبي المدينة واستخلفه النبي عَلَى الْمَدِينَةِ ثَلَاثَ عَشْرَة مَرَّةً وَشَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ وَقُتِلَ بِهَا شَهِيدًا وَكَانَ مَعَهُ اللِّوَاءُ يَوْمَئِذٍ قوله (أخبرني عبد الكريم) هو بن مَالِكٍ الْجَزَرِيُّ بَيَّنَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ عَنِ بن جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ كَذَا فِي الْفَتْحِ (سَمِعَ مِقْسَمًا مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَيُقَالُ لَهُ مَوْلَى بن عَبَّاسٍ لِلُزُومِهِ لَهُ قَوْلُهُ (عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إلى بدر) هذا تفسير من بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ الْقَاعِدُونَ الْقَاعِدُونَ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَمِنْ قَوْلِهِ الْمُجَاهِدُونَ الْخَارِجُونَ إِلَى غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَكِنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ) قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ قَوْلُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ قِيلَ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ كَمَا ذَكَرَهُ الطَّبَرِيُّ فِي رِوَايَتِهِ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ نَحْوَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ هُوَ أَخُو أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ وَاسْمُ أَبِي أَحْمَدَ عَبْدٌ بِدُونِ إِضَافَةٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ وَأَيْضًا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ لَهُ عُذْرًا إِنَّمَا الْمَعْذُورُ أَخُوهُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ وَذَكَرَ الثَّعْلَبِيُّ عَنِ الْكَلْبِيِّ عَنْ أَبِي صالح عن بن عباس أنه بن جَحْشٍ وَلَيْسَ بِالْأَسَدِيِّ وَكَانَ أَعْمَى وَأَنَّهُ جَاءَ هو وبن أُمِّ مَكْتُومٍ فَذَكَرَا

رَغْبَتَهُمَا فِي الْجِهَادِ مَعَ ضَرَرِهِمَا فَنَزَلَتْ غَيْرُ أولي الضرر فَجَعَلَ لَهُمَا مِنَ الْأَجْرِ مَا لِلْمُجَاهِدِينَ انْتَهَى اعلم أَنَّ الْحَافِظَ قَدْ نَقَلَ فِي الْفَتْحِ حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا عَنِ التِّرْمِذِيِّ بِتَمَامِهِ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا أَوْرَدَهُ التِّرْمِذِيُّ سِيَاقًا وَاحِدًا وَمِنْ قَوْلِهِ دَرَجَةً إِلَخْ مُدْرَجٌ في الخبر من كلام بن جُرَيْجٍ بَيَّنَهُ الطَّبَرِيُّ فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجٍ نَحْوَ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ إِلَى قَوْلِهِ دَرَجَةً وَوَقَعَ عِنْدَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ وَهُوَ الصَّوَابُ في بن جَحْشٍ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخُوهُ وَأَمَّا هُوَ فَاسْمُهُ عَبْدٌ بِغَيْرِ إِضَافَةٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثم أخرجه بالسند المذكور عن بن جُرَيْجٍ قَالَ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا درجات منه قَالَ عَلِيٌّ الْقَاعِدِينَ مِنَ الْمُؤْمِنَينَ غَيْرُ أُولِي الضرر وحاصل تفسير بن جُرَيْجٍ أَنَّ الْمُفَضَّلَ عَلَيْهِ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ أَمَّا أُولُو الضَّرَرِ فَمُلْحَقُونَ فِي الْفَضْلِ بِأَهْلِ الْجِهَادِ إِذَا صَدَقَتْ نِيَّاتُهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ إِنَّ بِالْمَدِينَةِ لَأَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ وَلَا قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ إِلَّا وَهُمْ مَعَكُمْ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ ويَحْتَمِلُ أن يكون المراد بقوله فضل الله المجاهدين على القاعدين درجة أي من أولي الضرر وغيرهم وقوله وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا درجات منه أَيْ عَلَى الْقَاعِدِينَ مِنْ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ عَنْ أَنَسٍ وَلَا مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ مِنَ اسْتِوَاءِ أُولِي الضَّرَرِ مَعَ الْمُجَاهِدِينَ لِأَنَّهَا اسْتَثْنَتْ أُولِي الضَّرَرِ مِنْ عَدَمِ الِاسْتِوَاءِ فَأَفْهَمَتْ إِدْخَالَهُمْ فِي الِاسْتِوَاءِ إِذًا لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ الِاسْتِوَاءِ وَعَدَمِهِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ اسْتِوَاؤُهُمْ فِي أَصْلِ الثَّوَابِ لَا فِي الْمُضَاعَفَةِ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ وَفِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ لَا يَسْتَوِي القاعدون من المؤمنين عن الجهاد غير أولي الضرر بِالرَّفْعِ صِفَةٌ وَالنَّصْبِ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ زَمَانَةٍ أَوْ عَمًى وَنَحْوِهِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى القاعدين لِضَرَرٍ دَرَجَةً فَضِيلَةً لِاسْتِوَائِهِمَا فِي النِّيَّةِ وَزِيَادَةِ الْمُجَاهِدِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَكُلًّا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ وَعَدَ اللَّهُ الحسنى الجنة وفضل الله المجاهدين على القاعدين لِغَيْرِ ضَرَرٍ أَجْرًا عَظِيمًا وَيُبْدَلُ مِنْهُ دَرَجَاتٍ مِنْهُ مَنَازِلَ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مِنَ الْكَرَامَةِ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً مَنْصُوبَتَانِ بِفِعْلِهِمَا الْمُقَدَّرِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا لِأَوْلِيَائِهِ رَحِيمًا بِأَهْلِ طَاعَتِهِ انْتَهَى قَالَ فِي الْكَمَالَيْنِ فَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى فَضَّلَ الله المجاهدين على القاعدين

فَوْقَ بَعْضٍ مِنَ الْكَرَامَةِ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً مَنْصُوبَتَانِ بفعلهما المقدر وكان أَجْرًا عَظِيمًا إِلَخْ فِيمَنْ قَعَدَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَالَّذِي قَبْلَهُ فِيمَنْ قَعَدَ بِعُذْرٍ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَيْنِ كِلَيْهِمَا فِيمَنْ قَعَدَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِنَّمَا كَرَّرَ وَأَوْجَبَ فِي الْأَوَّلِ دَرَجَةً وَفِي الثَّانِي دَرَجَاتٍ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّرَجَةِ الظَّفْرُ وَالْغَنِيمَةُ وَالذِّكْرُ الْجَمِيلُ فِي الدُّنْيَا وَبِالدَّرَجَاتِ ثَوَابُ الْآخِرَةِ بَيَّنَتْ بِالْإِفْرَادِ فِي الْأَوَّلِ وَالْجَمْعِ فِي الثَّانِي لِأَنَّ ثَوَابَ الدُّنْيَا فِي جَنْبِ ثَوَابِ الْآخِرَةِ يَسِيرٌ انْتَهَى مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ إِلَى قَوْلِهِ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ قَوْلُهُ (عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ) الْمَدَنِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ أَوْ أَبُو الْحَارِثِ مُؤَدِّبُ وَلَدِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَقِيهٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (رَأَيْتَ مَرْوَانَ بْنَ الحكم) أي بن أَبِي الْعَاصِ أَمِيرَ الْمَدِينَةِ الَّذِي صَارَ بَعْدَ ذَلِكَ خَلِيفَةً قَوْلُهُ (أَمْلَى عَلَيْهِ) يُقَالُ أَمْلَيْتَ الْكِتَابَ وَأَمْلَلْته إِذَا أَلْقَيْته عَلَى الْكَاتِبِ لِيَكْتُبَ (وَهُوَ يُمِلُّهَا) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ هُوَ مِثْلُ يُمْلِيهَا يُمْلِي وَيُمْلِلْ بِمَعْنًى وَلَعَلَّ الْيَاءَ مُنْقَلِبَةٌ مِنْ إِحْدَى اللَّامَيْنِ (واللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ) أَيْ لَوِ اسْتَطَعْته وَعَبَّرَ بِالْمُضَارِعِ إِشَارَةً إِلَى الِاسْتِمْرَارِ وَاسْتِحْضَارًا لِصُورَةِ الْحَالِ (وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي) الْوَاوُ لِلْحَالِ (حَتَّى هَمَّتْ) أَيْ قَرُبَتْ (تَرُضُّ فَخِذِي) بِصِيغَةِ

المعلوم أي تدق فخذه فَخِذِي أَوْ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تُدَقُّ (ثُمَّ سُرِّي عَنْهُ) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ أَيْ كُشِفَ وَأُزِيلَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ رِوَايَةُ رَجُلٍ مِنْ أصحاب النبي) هُوَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (عَنْ رَجُلٍ مِنَ التَّابِعِينَ) هُوَ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ (رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ) بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ (وَمَرْوَانُ لم يسمع من النبي وَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الترمذي هذا ما لفظه لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ السَّمَاعِ عَدَمَ الصُّحْبَةِ وَالْأَوْلَى مَا قَالَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ لَمْ يَرَ وقد ذكره بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ وُلِدَ فِي عهد النبي قَبْلَ عَامِ أُحُدٍ وَقِيلَ عَامَ الْخَنْدَقِ وَثَبَتَ عَنْ مَرْوَانَ أَنَّهُ قَالَ لَمَّا طَلَبَ الْخِلَافَةَ فذكروا له بن عمر فقال ليس بن عُمَرَ بِأَفْقَهَ مِنِّي وَلَكِنَّهُ أَسَنَّ مِنِّي وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ فَهَذَا اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِعَدَمِ صُحْبَتِهِ وإنما لم يسمع من النبي وإن كان سماعه ممكنا لأن النبي نَفَى أَبَاهُ إِلَى الطَّائِفِ فَلَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا عُثْمَانُ لَمَّا اسْتُخْلِفَ قَوْلُهُ (سَمِعْتَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ) الْمَكِّيُّ حَلِيفُ بَنِي جُمَحَ الْمُلَقَّبُ بِالْقَسِّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَلُقِّبَ بِالْقَسِّ لِعِبَادَتِهِ (عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ) بْنِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ هَمَّامٍ التَّمِيمِيِّ حَلِيفُ قُرَيْشٍ وَهُوَ يَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ مَفْتُوحَةٌ وَهِيَ أُمُّهُ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ (يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ) بِمُوَحَّدَتَيْنِ بَيْنَهُمَا ألف ساكنة قوله (قلت لعمر) أي بن الْخَطَّابِ (إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ أَنْ تَقْصُرُوا) أَيْ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أَيْ سَافَرْتُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا (وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ) أَيْ وَذَهَبَ الْخَوْفُ فَمَا وَجْهُ الْقَصْرِ

(فَقَالَ صَدَقَةٌ) أَيْ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ صَدَقَةٌ (تَصَدَّقَ اللَّهُ) أَيْ تَفَضَّلَ (بِهَا عَلَيْكُمْ) أَيْ تَوْسِعَةً وَرَحْمَةً (فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ) أَيْ سَوَاءٌ حَصَلَ الْخَوْفُ أَمْ لَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ الْقَصْرِ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ وَفِيهِ أَنَّ الْمَفْضُولَ إِذَا رَأَى الْفَاضِلَ يَعْمَلُ شَيْئًا يُشْكِلُ عَلَيْهِ دَلِيلُهُ يَسْأَلُهُ عَنْهُ انْتَهَى وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ قَصْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ التَّقْصِيرِ فِي السَّفَرِ مِنْ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْهُنَائِيُّ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ الْبَصْرِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (نَزَلَ بَيْنَ ضُجْنَانَ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ وَالنُّونِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ مَوْضِعٌ أَوْ جَبَلٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ (وَعُسْفَانَ) كَعُثْمَانَ مَوْضِعٌ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هِيَ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ (فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ) أَيْ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ (إِنَّ لِهَؤُلَاءِ) أَيْ لِلْمُسْلِمِينَ (وَهِيَ الْعَصْرُ) لِمَا وَقَعَ فِي تَأْكِيدِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى مُرَاعَاتِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى حَافِظُوا عَلَى الصلوات والصلاة الوسطى (فَأَجْمِعُوا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ (أَمْرَكُمْ) أَيْ أَمْرَ الْقِتَالِ وَالْمَعْنَى فَاعْزِمُوا عَلَيْهِ (فَمِيلُوا عَلَيْهِمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً) أَيْ فَاحْمِلُوا عَلَيْهِمْ حَمَلَةً وَاحِدَةً (وأن جبرائيل أتى النبي) قَالَ الطِّيبِيُّ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى نَحْوِ جَاءَ زَيْدٌ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْسِمَ أَصْحَابَهُ شَطْرَيْنِ أَيْ نِصْفَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ نِصْفَيْنِ (فَيُصَلِّيَ) بِالنَّصِّب (بِهِمْ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَيُصَلِّيَ بِطَائِفَةٍ مِنْهُمْ (وَتَقُومَ) بِالنَّصْبِ (طَائِفَةٌ أُخْرَى وَرَاءَهُمْ لِيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَطَائِفَةٌ مُقْبِلُونَ عَلَى عَدُوِّهِمْ قَدْ أَخَذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ قَالَ

الطِّيبِيُّ أَيْ مَا فِيهِ الْحَذَرُ وَفِي الْكَشَّافِ جَعَلَ الْحَذَرَ وَهُوَ التَّحَرُّزُ وَالتَّيَقُّظُ آلَةً يَسْتَعْمِلُهَا الْغَازِي فَلِذَلِكَ جَمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَسْلِحَةِ فِي الْأَخْذِ دَلَالَةً عَلَى التَّيَقُّظِ التَّامِّ وَالْحَذَرِ الْكَامِلِ وَمِنْ ثَمَّ قَدَّمَهُ عَلَى أَخْذِ الْأَسْلِحَةِ (ثُمَّ يَأْتِي الْآخَرُونَ وَيُصَلُّونَ مَعَهُ رَكْعَةً وَاحِدَةً) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ ثُمَّ يَتَأَخَّرُ هَؤُلَاءِ وَيَتَقَدَّمُ أُولَئِكَ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً (ثُمَّ يَأْخُذُ هَؤُلَاءِ) أَيِ الطَّائِفَةُ الْأُولَى (فَتَكُونُ لَهُمْ رَكْعَةً رَكْعَةً) أَيْ معه وَتُصَلِّي كُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمَا رَكْعَةً أُخْرَى لِأَنْفُسِهِمْ لِتَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَكْعَتَانِ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَعَدُّوهُ مِنْ خَصَائِصِ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ إِلَخْ) تقدم تخريج أَحَادِيثَ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شُعَيْبٍ أَبُو مُسْلِمٍ الْحَرَّانِيُّ) بِفَتْحِ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَشَدَّةِ رَاءٍ وَبِنُونٍ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ يُغْرِبُ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَاهِلِيِّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ) هُوَ صَاحِبُ الْمَغَازِي (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الظُّفَرِيِّ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (يُقَالُ لَهُمْ بَنُو أُبَيْرِقٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا (ثُمَّ يَنْحَلُهُ بَعْضُ الْعَرَبِ

أَيْ يَنْسُبُهُ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّحْلَةُ وَهِيَ النِّسْبَةُ بِالْبَاطِلِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ نَحَلَهُ الْقَوْلَ كَمَنَعَهُ نَسَبَهُ إِلَيْهِ (قَالَ فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا) وَقَعَتْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مُكَرَّرَةً هَكَذَا قَالَ فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا وَقَالَ فُلَانٌ كَذَا وَكَذَا (أَوْ كَمَا قَالَ الرَّجُلُ) أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي أَيْ قَالَ لَفْظَ الْخَبِيثِ أَوْ قَالَ لَفْظَ الرَّجُلِ (وَقَالَ بن الْأُبَيْرِقِ قَالَهَا) أَيْ هَذِهِ الْأَشْعَارَ (وَكَانُوا) أَيْ بَنُو أُبَيْرِقٍ (إِذَا كَانَ لَهُ يَسَارٌ) أَيْ غِنًى (فَقَدِمَتْ ضَافِطَةٌ مِنَ الشَّامِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الضَّافِطُ وَالضَّفَّاطُ مَنْ يَجْلِبُ الْمِيرَةَ وَالْمَتَاعَ إِلَى الْمُدُنِ وَالْمُكَارِي الَّذِي يُكْرِي الْأَحْمَالَ وَكَانُوا يَوْمَئِذٍ قَوْمًا مِنَ الْأَنْبَاطِ يَحْمِلُونَ إِلَى الْمَدِينَةِ الدَّقِيقَ وَالزَّيْتَ وَغَيْرَهُمَا (مِنَ الدَّرْمَكِ) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ هُوَ الدَّقِيقُ الْحَوَارِيُّ (فَجَعَلَهُ) أَيْ فَوَضَعَهُ (فِي مَشْرَبَةٍ) فِي الْقَامُوسِ الْمَشْرَبَةُ وَقَدْ تُضَمُّ الرَّاءُ الْغُرْفَةُ وَالْعَلِيَّةُ (سِلَاحٌ) بِكَسْرِ السِّينِ وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِآلَاتِ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ (دِرْعٌ وسيف) بيان لسلاح (فَعُدِيَ عَلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ سُرِقَ مَالُهُ وظلم يقال عدى عَلَيْهِ أَيْ ظَلَمَهُ (فَنُقِّبَتْ) مِنَ التَّنْقِيبِ أَوِ النَّقْبِ (فَتَحَسَّسْنَا) مِنَ التَّحَسُّسِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ التَّجَسُّسِ بِالْجِيمِ التَّفْتِيشُ عَنْ بَوَاطِنِ الْأُمُورِ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِي الشَّرِّ وَقِيلَ التَّجَسُّسُ بِالْجِيمِ أَنْ يَطْلُبَهُ لِغَيْرِهِ وَبِالْحَاءِ أَنْ يَطْلُبَهُ لِنَفْسِهِ وَقِيلَ بِالْجِيمِ الْبَحْثُ عَنِ الْعَوْرَاتِ وَبِالْحَاءِ الِاسْتِمَاعُ وَقِيلَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ فِي تَطَلُّبِ مَعْرِفَةِ الْأَخْبَارِ وَفِي الْقَامُوسِ التَّحَسُّسُ الِاسْتِمَاعُ لِحَدِيثِ الْقَوْمِ وَطَلَبُ خَبَرِهِمْ فِي الْخَيْرِ (فِي الدَّارِ) أَيْ فِي الْمَحَلَّةِ (وَنَحْنُ نَسْأَلُ فِي الدَّارِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (واللَّهِ مَا نَرَى صَاحِبَكُمْ إِلَّا لَبِيدَ بْنَ سَهْلٍ) هَذَا مَقُولُ قَالُوا

(رَجُلٌ مِنَّا) أَيْ هُوَ رَجُلٌ مِنَّا (لَهُ صَلَاحٌ وَإِسْلَامٌ) صِفَةٌ لِرَجُلٍ (اخْتَرَطَ سَيْفَهُ) أَيِ استله (إليك عنا) أي تنح عنا (فَمَا أَنْتَ بِصَاحِبِهَا) أَيْ لَسْتَ بِصَاحِبِ السَّرِقَةِ (حَتَّى لَمْ نَشُكَّ أَنَّهُمْ) أَيْ بَنِي أُبَيْرِقٍ (أَهْلَ جَفَاءٍ) بِالنَّصْبِ صِفَةٌ لِأَهْلِ بَيْتٍ وَالْجَفَاءُ بِالْمَدِّ تَرْكُ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ (وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خصيما بَنِي أُبَيْرِقٍ) قَوْلُهُ بَنِي أُبَيْرِقٍ تَفْسِيرٌ وَبَيَانٌ لِلْخَائِنِينَ (مِمَّا قُلْتَ لِقَتَادَةَ) هَذَا تَفْسِيرٌ وَبَيَانٌ لِمَا أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِالِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ (أَيْ لَوِ اسْتَغْفَرُوا اللَّهَ لَغَفَرَ لَهُمْ) هَذَا تَفْسِيرٌ يتعلق بقوله تعالى في الاية ومن يفعل سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يجد الله غفورا رحيما (قَوْلُهُمْ لِلَبِيدٍ) هَذَا تَفْسِيرٌ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بريئا (وَكَانَ شَيْخُنَا قَدْ عَشَا أَوْ عَسَا) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ كَبِرَ وَأَسَنَّ مِنْ عَسَا الْقَضِيبُ إِذَا يَبِسَ وَبِالْمُعْجَمَةِ أَيْ قَلَّ بَصَرُهُ وَضَعُفَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ عَسَا الشَّيْخُ يَعْسُو عَسْوًا وَعُسُوًّا وَعُسِيًّا وَعَسَاءً وعسى عسى كبر والنبات عسا وعسوا غلظ ويبس والعشاء مَقْصُورَةً سُوءُ الْبَصَرِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ كَالْعَشَاوَةِ أَوِ الْعَمَى عَشِيَ كَرَضِيَ وَدَعَا عَشًا (فِي الْجَاهِلِيَّةِ) مُتَعَلِّقٌ بِعَشَا (وَكُنْتَ أُرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّ (مَدْخُولًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الدَّخَلُ بِالتَّحْرِيكِ الْعَيْبُ وَالْغِشُّ وَالْفَسَادُ يَعْنِي أَنَّ إِيمَانَهُ كَانَ مُتَزَلْزِلًا فِيهِ نِفَاقٌ (فَنَزَلَ عَلَى سُلَافَةَ) بِضَمِّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ وَخِفَّةِ لَامٍ وَبِفَاءٍ قَوْلُهُ (هَذَا حديث غريب) وأخرجه بن جرير وبن الْمُنْذِرِ وَأَبُو الشَّيْخِ الْأَصْبَهَانِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ أَبِي فَاخِتَةَ وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ عِلَاقَةَ الْهَاشِمِيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ

قَوْلُهُ (مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ إِلَخْ) لِأَنَّهَا حُجَّةٌ عَلَى الْخَوَارِجِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ شِرْكٌ وَأَنَّ صَاحِبَهُ خَالِدٌ فِي النَّارِ كَذَا فِي تَفْسِيرِ الْبَيْضَاوِيِّ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ أَيِ الْإِشْرَاكَ بِهِ وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ بِأَنَّ الشِّرْكَ غَيْرُ مَغْفُورٍ إِذَا مَاتَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْمُشْرِكَ إِذَا تَابَ مِنْ شِرْكِهِ وَآمَنَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ وَصَحَّ إِيمَانُهُ وَغُفِرَتْ ذُنُوبُهُ كُلُّهَا الَّتِي عَمِلَهَا فِي حَالِ الشرك ويغفر ما دون ذلك أَيْ مَا سِوَى الْإِشْرَاكِ مِنَ الذُّنُوبِ لِمَنْ يَشَاءُ يَعْنِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ قال الْعُلَمَاءُ لَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ يَغْفِرُ الشِّرْكَ بِالْإِيمَانِ وَالتَّوْبَةِ عَلِمْنَا أَنَّهُ يَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ بِالتَّوْبَةِ وَهَذِهِ الْمَشِيئَةُ فِي مَنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ ذُنُوبِهِ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ فَإِذَا مَاتَ صَاحِبُ الْكَبِيرَةِ أَوِ الصَّغِيرَةِ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ فَهُوَ عَلَى خَطَرِ الْمَشِيئَةِ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِهِ وَرَحْمَتِهِ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ثُمَّ يُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ بَعْدَ ذلك قوله (وبن مَهْدِيٍّ كَانَ يَغْمِزُهُ قَلِيلًا) أَيْ يَطْعَنُ فِيهِ قَلِيلًا قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ كَانَ يَحْيَى وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ لَا يُحَدِّثَانِ عَنْهُ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ وَرُمِيَ بِالرَّفْضِ قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ) بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ المطلبي قال أبو داود ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَذَكَرَ الْعَسْكَرِيُّ أَنَّهُ أَدْرَكَ النبي وَهُوَ صَغِيرٌ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ

قوله (من يعمل سوءا يجز به) إِمَّا فِي الْآخِرَةِ أَوْ فِي الدُّنْيَا بِالْبَلَاءِ وَالْمِحَنِ كَمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ (قَارِبُوا) أَيِ اقْتَصِدُوا فَلَا تَغْلُوا وَلَا تُقَصِّرُوا بَلْ تَوَسَّطُوا (وَسَدِّدُوا) أَيِ اقْصِدُوا السَّدَادَ وَهُوَ الصَّوَابُ (حَتَّى الشَّوْكَةِ) بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّ حَتَّى جَارَةٌ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهَا ابْتِدَائِيَّةٌ وَالنَّصْبُ بِتَقْدِيرِ حَتَّى تَجِدَ (يُشَاكُهَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُشَاكُ الْمُؤْمِنُ تلك الشوكة (أو النكبة) هِيَ مَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ (يُنْكَبُهَا) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ وَالضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِلْمُؤْمِنَ وَالْبَارِزُ لِلنَّكْبَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم والنسائي قوله (وبن مُحَيْصِنٍ اسْمُهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ) بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرًا وَآخِرُهُ نُونٌ السَّهْمِيُّ أَبُو حَفْصٍ قَارِئُ أَهْلِ مَكَّةَ مَقْبُولٌ مِنْ الْخَامِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ صَاحِبُ الْكَمَالِ فِي القراءات كان قرين بن كَثِيرٍ قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ وَكَانَ مُجَاهِدُ يقول بن مُحَيْصِنٍ يَبْنِي وَيَرُصُّ يَعْنِي أَنَّهُ عَالِمٌ بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْأَثَرِ رُوِيَ لَهُ عِنْدَهُمْ حَدِيثٌ وَاحِدٌ كُلُّ مَا يُصَابُ بِهِ الْمُؤْمِنُ كَفَّارَةٌ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى) الْبَلْخِيُّ قَوْلُهُ (إِلَّا أَنِّي وجدت في ظهري اقتصاما) بالقاف من باب الافتعال أي انكسارا في بَعْضِ النُّسَخِ انْقِسَامًا مِنْ بَابِ الِانْفِعَالِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ قَصَمَهُ يَقْصِمُهُ كَسَرَهُ وَأَبَانَهُ أَوْ كَسَرَهُ وَإِنْ لَمْ

يَبِنْ فَانْقَصَمَ وَتَقَصَّمَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَيُرْوَى انْفِصَامًا بِالْفَاءِ أَيِ انْصِدَاعًا (وَأَمَّا الْآخَرُونَ) أَيِ الْكَافِرُونَ (فَيَجْمَعُ ذَلِكَ) أَيْ أَعْمَالَهُمُ السَّيِّئَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ (وَمُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ) بِضَمِّ العين وفتح الموحدة مصغرا بن نَشِيطٍ الرَّبَذِيُّ الْمَدَنِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوجه) رواه أحمد وبن جَرِيرٍ كِلَاهُمَا بِرِوَايَاتٍ وَأَلْفَاظٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ أَنَّ أَبَا بَكْرً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلَاحُ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يجز به فَكُلُّ سُوءٍ عَمِلْنَا جُزِينَا بِهِ فَقَالَ رَسُولُ الله غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَسْتَ تَمْرَضُ أَلَسْتَ تَنْصَبُ أَلَسْتَ تَحْزَنُ أَلَسْتَ تُصِيبُكَ اللَّأْوَاءُ قَالَ بَلَى قَالَ فَهُوَ مَا تُجْزَوْنَ بِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ) أَخْرَجَهُ بن أبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ) هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وسكون الراء بن مُعَاذٍ الْبَصْرِيُّ النَّحْوِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْسُبُهُ إِلَى جده سيىء الْحِفْظِ يَتَشَيَّعُ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (خَشِيَتْ سَوْدَةُ) بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسٍ الْقُرَشِيَّةُ الْعَامِرِيَّةُ تَزَوَّجَهَا رسول الله بِمَكَّةَ بَعْدِ مَوْتِ خَدِيجَةَ وَدَخَلَ عَلَيْهَا بِهَا وَكَانَ دُخُولُهُ بِهَا قَبْلَ دُخُولِهِ عَلَى عَائِشَةَ بِالِاتِّفَاقِ وَهَاجَرَتْ مَعَهُ وَتُوُفِّيَتْ فِي آخِرِ خِلَافَةِ عمر بن الخطاب (أن يطلقها النبي فقالت إلخ

قال الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ التِّرْمِذِيِّ وَلَهُ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِدُونِ ذِكْرِ نُزُولِ الْآيَةِ انْتَهَى قُلْتُ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ وَكَانَ النبي يَقْسِمُ لِعَائِشَةَ بِيَوْمِهَا وَيَوْمِ سَوْدَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ عُقْبَةَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ هِشَامٍ لَمَّا أَنْ كَبِرَتْ سَوْدَةُ وَهَبَتْ وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ بَيَانَ سَبَبِهِ أَوْضَحَ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَرَوَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هشام بْنِ عُرْوَةَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ وَكَانَ رسول الله لَا يُفَضِّلُ بَعْضَنَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَسْمِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَلَقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ حِينَ أَسَنَّتْ وَخَافَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمِي لِعَائِشَةَ فَقِبَلَ ذَلِكَ مِنْهَا فَفِيهَا وَأَشْبَاهِهَا نَزَلَتْ وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ من بعلها نشوزا الْآيَةَ (إِلَى أَنْ قَالَ) فَتَوَارَدَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ على أنها خشيت الطلاق فوهبت وأخرج بن سَعْدٍ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ مِنْ رِوَايَةِ الْقَاسِمِ بن أبي بزة مرسلا أن النبي طَلَّقَهَا فَقَعَدَتْ عَلَى طَرِيقِهِ فَقَالَتْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحق مالي فِي الرِّجَالِ حَاجَةٌ وَلَكِنْ أُحِبُّ أَنْ أُبْعَثَ مَعَ نِسَائِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَنْشُدُكَ بِاَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ هَلْ طَلَّقْتَنِي لِمَوْجِدَةٍ وَجَدْتَهَا عَلَيَّ قَالَ لَا قَالَتْ فَأَنْشُدُكَ لَمَا رَاجَعْتنِي فَرَاجَعَهَا قَالَتْ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ يَوْمِي وَلَيْلَتِي لِعَائِشَةَ حبة رسول الله انتهى قلت رواية بن سَعْدٍ هَذِهِ مُرْسَلَةٌ فَهِيَ لَا تُقَاوِمُ حَدِيثَ بن عَبَّاسٍ وَمَا وَافَقَهُ فِي أَنَّ سَوْدَةَ خَشِيَتِ الطَّلَاقَ فَوَهَبَتْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا مِنَ الْإِصْلَاحِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْكُوفِيِّينَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنْ يَصَّالَحَا مِنَ التَّصَالُحِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ وَالْآيَةُ بِتَمَامِهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا وَإِنِ امْرَأَةٌ مَرْفُوعٌ بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ خَافَتْ تَوَقَّعَتْ مِنْ بَعْلِهَا زَوْجِهَا نُشُوزًا تَرَفُّعًا عَلَيْهَا بِتَرْكِ مُضَاجَعَتِهَا وَالتَّقْصِيرِ فِي نَفَقَتِهَا لِبُغْضِهَا وَطُمُوحِ عَيْنَيْهِ إِلَى أَجْمَلَ مِنْهَا أَوْ إِعْرَاضًا عَنْهَا بِوَجْهِهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَصَّالَحَا فِيهِ إِدْغَامُ التَّاءِ فِي الْأَصْلِ فِي الصَّادِ وَفِي قِرَاءَةٍ يُصْلِحَا مِنْ أَصْلَحَ بَيْنَهُمَا صُلْحًا فِي الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ بِأَنْ يَتْرُكَ لَهَا شَيْئًا لِبَقَاءِ الصُّحْبَةِ فَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ وَإِلَّا فَعَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا أَوْ يُفَارِقَهَا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ مِنَ الْفُرْقَةِ وَالنُّشُوزِ وَالْإِعْرَاضِ قَالَ تَعَالَى فِي بَيَانِ مَا جبل عليه الإنسان وأحضرت الأنفس الشح شِدَّةَ الْبُخْلِ أَيْ جُبِلَتْ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهَا حَاضِرَتُهُ لَا تَغِيبُ عَنْهُ الْمَعْنَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَكَادُ تَسْمَحُ بِنَصِيبِهَا مِنْ زَوْجِهَا وَالرَّجُلُ لَا يَكَادُ يَسْمَحُ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ إِذَا أَحَبَّ غَيْرَهَا وَإِنْ تُحْسِنُوا عِشْرَةَ النِّسَاءِ وَتَتَّقُوا الْجَوْرَ عَلَيْهِنَّ فإن الله كان بما تعملون خبيرا

فَيُجَازِيكُمْ بِهِ كَذَا فِي الْجَلَالَيْنِ فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ وَفِي رِوَايَةِ أبو داود الطيالسي في مسنده قال بن عَبَّاسٍ فَمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ جَائِزٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَوْلُهُ (قَالَ آخِرُ آيَةٍ أُنْزِلَتْ أَوْ آخِرُ شَيْءٍ أُنْزِلَ) الشَّكُّ مِنَ الرَّاوِي (يَسْتَفْتُونَكَ) أَيْ عَنْ مَوَارِيثِ الْكَلَالَةِ وَحُذِفَ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى قُلِ الله يفتيكم في الكلالة تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْكَلَالَةِ وَمَا فِيهِ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي بَابِ مِيرَاثِ الْأَخَوَاتِ مِنْ أَبْوَابِ الْفَرَائِضِ وَالْآيَةُ بِتَمَامِهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا يَسْتَفْتُونَكَ أَيْ يَسْأَلُونَكَ عَنْ مِيرَاثِ الْكَلَالَةِ يَا مُحَمَّدُ قُلِ الله يفتيكم يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ يُخْبِرُكُمْ عَمَّا سَأَلْتُمْ عَنْهُ إِنِ امْرُؤُ مَرْفُوعٌ بِفِعْلٍ يُفَسِّرُهُ هَلَكَ أَيْ مَاتَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ أَيْ وَلَا وَالِدٌ وهو الكلالة قال الحافظ بن كَثِيرٍ تَمَسَّكَ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْكَلَالَةِ انْتِفَاءُ الْوَالِدِ بَلْ يَكْفِي وُجُودَ الْكَلَالَةِ انْتِفَاءُ الْوَلَدِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عن عمر بن الخطاب رواها بن جَرِيرٍ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَيْهِ وَلَكِنَّ الَّذِي يَرْجِعُ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَضَى الصِّدِّيقُ أَنَّهُ الَّذِي لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ ما ترك وَلَوْ كَانَ مَعَهَا أَبٌ لَمْ تَرِثْ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَحْجُبُهَا بِالْإِجْمَاعِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَلَا وَالِدَ بِالنَّصِّ عِنْدَ التَّأَمُّلِ أَيْضًا لِأَنَّ الْأُخْتَ لَا يُفْرَضُ لَهَا النِّصْفُ مَعَ الْوَالِدِ بَلْ لَيْسَ لها ميراث بالكلية وقد نقل بن جرير وغيره عن بن عباس وبن الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ فِي الْمَيِّتِ تَرَكَ بِنْتًا وَأُخْتًا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ لِقَوْلِهِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أخت فلها نصف ما ترك قَالَ فَإِذَا تَرَكَ بِنْتًا وَقَدْ تَرَكَ وَلَدًا فَلَا شَيْءَ لِلْأُخْتِ وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ بِالْفَرْضِ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ الْآخَرُ بِالنَّصِيبِ بِدَلِيلِ غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَهُ أُخْتٌ أَيْ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ فَلَهَا نصف ما ترك أَيِ الْمَيِّتُ وَهُوَ أَيِ الْأَخُ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ يَرِثُهَا أَيْ يَرِثُ جَمِيعَ تَرِكَةِ الْأُخْتِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ أَيْ ذَكَرٌ يَعْنِي أَنَّ الْأُخْتَ إِذَا مَاتَتْ وَتَرَكَتْ أَخًا مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ مِنَ الْأَبِ فَإِنَّهُ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ مِيرَاثِ الْأُخْتِ إِذَا انْفَرَدَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْأُخْتِ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهَا وَلَدٌ ذَكَرٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ أَوْ أُنْثَى فله ما فَضَلَ عَنْ نَصِيبِهَا وَلَوْ كَانَتِ الْأُخْتُ أَوِ الْأَخُ مِنْ أُمٍّ فَفَرْضُهُ السُّدُسُ فَإِنْ كَانَتَا أَيِ الْأُخْتَانِ اثْنَتَيْنِ أَيْ فَصَاعِدًا فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مما ترك أَيِ الْأَخُ وَإِنْ كَانُوا أَيِ الْوَرَثَةُ إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً أَيْ ذُكُورًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِنْهُمْ مثل حظ الأنثيين يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ شَرَائِعَ دِينِكُمْ أَنْ تَضِلُّوا أَيْ مَخَافَةَ أَنْ تَضِلُّوا واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عليم وَمِنْهُ الْمِيرَاثُ تَنْبِيهٌ حَدِيثُ الْبَرَاءِ الْمَذْكُورُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آخِرَ آيَةٍ نَزَلَتْ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ

الله يفتيكم إلخ وروى البخاري عن بن عَبَّاسٍ قَالَ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ آيَةُ الرِّبَا وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْآخِرِيَّةَ فِي حديث البراء مفيدة بما يتعلق بالمواريث بخلاف حديث بن عَبَّاسٍ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (ويقال بن يُحْمِدُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ) هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ الْكُوفِيُّ التَّمِيمِيُّ الْيَرْبُوعِيُّ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (جَاءَ رَجُلٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ رُوِيَ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا لَمْ يُفْتِهِ عَنْ مَسْأَلَتِهِ وَوَكَلَ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إِلَى بَيَانِ الْآيَةِ اعْتِمَادًا عَلَى عِلْمِهِ وَفَهْمِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا (فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ فَمَا الْكَلَالَةُ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ فَسَأَلَهُ عَنِ الْكَلَالَةِ (تُجْزِئُكَ) أَيْ تَكْفِيَكَ (آيَةُ الصيف) أي التي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى ويستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة الْآيَةَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْكَلَالَةِ آيَتَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي الشِّتَاءِ وَهِيَ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ النِّسَاءِ وَفِيهَا إِجْمَالٌ وَإِبْهَامٌ لَا يَكَادُ يَتَبَيَّنُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ ظَاهِرِهَا ثُمَّ أَنْزَلَ الْآيَةَ الْأُخْرَى فِي الصَّيْفِ وَهِيَ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَفِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْبَيَانِ مَا لَيْسَ فِي آيَةِ الشِّتَاءِ فَأَحَالَ السَّائِلَ عَلَيْهَا لِيَتَبَيَّنَ الْمُرَادَ بِالْكَلَالَةِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا انْتَهَى قَالَ أَبُو دَاوُدَ بَعْدَ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ قُلْتَ لِأَبِي إِسْحَاقَ هُوَ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَلَدًا وَلَا وَالِدًا قَالَ كَذَلِكَ ظَنُّوا أَنَّهُ كَذَلِكَ انْتَهَى

قال الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفُوا فِي الْكَلَالَةِ مَنْ هُوَ فَقَالَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ هُوَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخطاب مثل قولهم وروي عنه أَنَّهُ قَالَ هُوَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَيُقَالُ إِنَّ هَذَا آخِرُ قَوْلَيْهِ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ بَاب وَمِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ هِيَ مِائَةٌ وَثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ آيَةً قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هِيَ مَدَنِيَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ قَوْلُهُ (قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ) هَذَا الرَّجُلُ هُوَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ بَيَّنَ ذَلِكَ مُسَدَّدٌ فِي مُسْنَدِهِ وَالطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَلِلْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي مِنْ طَرِيقِ الثَّوْرِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ أَنَّ نَاسًا مِنَ الْيَهُودِ وَلَهُ فِي التَّفْسِيرِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِلَفْظِ قَالَتِ الْيَهُودُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا حِينَ سُؤَالِ كَعْبٍ عَنْ ذَلِكَ جماعة وتكلم كعب على لسانهم (لا تخذنا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا) أَيْ لَعَظَّمْنَاهُ وَجَعَلْنَاهُ عِيدًا لَنَا فِي كُلِّ سَنَةٍ لِعِظَمِ مَا حَصَلَ فِيهِ مِنْ إِكْمَالِ الدِّينِ (فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَيَّ يَوْمٍ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أُنْزِلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَة) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ طَابَقَ الْجَوَابُ السُّؤَالَ لِأَنَّهُ قَالَ لَاتَّخَذْنَاهُ عِيدًا وَأَجَابَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَعْرِفَةِ الْوَقْتِ وَالْمَكَانِ وَلَمْ يَقُلْ جَعَلْنَاهُ عِيدًا وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ اكْتَفَى فِيهَا بِالْإِشَارَةِ وَإِلَّا فَرِوَايَةُ إِسْحَاقَ قَدْ نَصَّتْ عَلَى الْمُرَادِ وَلَفْظُهُ نَزَلَتْ يَوْمَ الْجُمُعَة يَوْمَ عَرَفَةَ وَكِلَاهُمَا بِحَمْدِ اللَّهِ لَنَا عِيدٌ لَفْظُ الطَّبَرِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ وَهُمَا لَنَا عِيدَانِ وَكَذَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ يَهُودِيًّا سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ نَزَلَتْ فِي يَوْمِ عِيدَيْنِ يَوْمِ جُمُعَةٍ وَيَوْمِ عَرَفَةَ فَظَهَرَ أَنَّ الْجَوَابَ تَضَمَّنَ أَنَّهُمُ اتَّخَذُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا وَهُوَ يَوْمُ

الْجُمُعَةِ وَاتَّخَذُوا يَوْمَ عَرَفَةَ لِأَنَّهُ لَيْلَةُ الْعِيدِ وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ شَهْرَا عِيدٍ لَا يَنْقُصَانِ رَمَضَانُ وَذُو الْحِجَّةِ فَسَمَّى رَمَضَانَ عِيدًا لِأَنَّهُ يَعْقُبُهُ الْعِيدُ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِمَا وَمُسْلِمٌ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْحَجِّ وَالْإِيمَانِ قَوْلُهُ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لكم دينكم أَحْكَامَهُ وَفَرَائِضَهُ فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَهَا حَلَالٌ وَلَا حرام وأتممت عليكم نعمتي بِإِكْمَالِهِ وَقِيلَ بِدُخُولِ مَكَّةَ آمَنِينَ وَرَضِيتُ اخْتَرْتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا حَالٌ أَيِ اخْتَرْتُهُ لَكُمْ مِنْ بَيْنِ الْأَدْيَانِ وَآذَنْتُكُمْ بِأَنَّهُ هُوَ الدِّينُ المرضي وحده وأخرجه بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلُهُ (يَمِينُ الرَّحْمَنِ مَلْأَى) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهَمْزَةٍ مَعَ الْقَصْرِ تَأْنِيثُ مَلْآنَ قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ مَلْأَى لَازِمُهُ وَهُوَ أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْغِنَى وَعِنْدَهُ مِنَ الرِّزْقِ مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ فِي عِلْمِ الْخَلَائِقِ (سَحَّاءُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ مُثَقَّلٌ مَمْدُودٌ أَيْ دَائِمَةُ الصَّبِّ يُقَالُ سَحَّ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مُثَقَّلٌ يَسِحُّ بِكَسْرِ السِّينِ فِي الْمُضَارِعِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا (لَا يَغِيضُهَا) بِالْمُعْجَمَتَيْنِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يُنْقِصُهَا لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ يُقَالُ غَاضَ الْمَاءُ يَغِيضُ إِذَا نَقَصَ وَغِضْتُهُ أَنَا أَغِيضُهُ أَيْ لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ كَمَا فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ أَوْ لَا يَغِيضُهَا شَيْءٌ كَمَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ فِيهِمَا (أَرَأَيْتُمْ) أَيْ أَخْبِرُونِي وَقِيلَ أَعَلِمْتُمْ وَأَبْصَرْتُمْ (مَا أَنْفَقَ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ إِنْفَاقَ اللَّهِ وَقِيلَ مَا مَوْصُولَةٌ مُتَضَمِّنَةٌ مَعْنَى الشَّرْطِ أَيِ الَّذِي أَنْفَقَهُ (مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ) زَادَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْأَرْضَ

أَيْ مِنْ يَوْمِ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ فَإِنَّهُ أَيِ الْإِنْفَاقَ أَوِ الَّذِي أَنْفَقَ (لَمْ يُغِضْ) أَيْ لَمْ يُنْقِصْ (مَا فِي يَمِينِهِ) أَيِ الَّذِي فِي يَمِينِهِ (وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ خَلَقَ وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ الْعَرْشِ هُنَا أَنَّ السَّامِعَ هُنَا يَتَطَلَّعُ مِنْ قَوْلِهِ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَرْشَهُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كَانَ عَلَى الْمَاءِ كَمَا وَقَعَ فِي حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بِلَفْظِ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْمِيزَانُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمِيزَانُ هُنَا مَثَلٌ وَإِنَّمَا هُوَ قِسْمَتُهُ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْخَلْقِ (يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ) أَيْ يُوَسِّعُ الرِّزْقَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَيُقَتِّرُ كَمَا يَصْنَعُهُ الْوَزَّانُ عِنْدَ الْوَزْنِ يَرْفَعُ مَرَّةً وَيَخْفِضُ أُخْرَى وَأَئِمَّةُ السُّنَّةِ عَلَى وُجُوبِ الْإِيمَانِ بِهَذَا وَأَشْبَاهِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْسِيرٍ بَلْ يَجْرِي عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَا يُقَالُ كَيْفَ قَالَهُ الْعَيْنِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَمَّا ضُيِّقَ عَلَيْهِمْ بِتَكْذِيبِهِمُ النَّبِيَّ بَعْدَ أَنْ كَانُوا أَكْثَرَ النَّاسِ مَالًا يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ مَقْبُوضَةٌ عَنْ إِدْرَارِ الْأَرْزَاقِ عَلَيْنَا كَنَّوْا بِهِ عَنِ الْبُخْلِ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى غُلَّتْ أُمْسِكَتْ أَيْدِيهِمْ عَنْ فِعْلِ الْخَيْرَاتِ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ وَبَقِيَّةُ الْآيَةِ مَعَ تَفْسِيرِهَا هكذا ولعنوا بما قالوا أَيْ طُرِدُوا عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِسَبَبِ مَا قالوا بل يداه مبسوطتان مُبَالَغَةٌ فِي الْوَصْفِ بِالْجُودِ وَثَنَّى الْيَدَ لِإِفَادَةِ الْكَثْرَةِ إِذْ غَايَةُ مَا يَبْذُلُهُ السَّخِيُّ مِنْ مَالِهِ أَنْ يُعْطِيَ بِيَدِهِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ مِنْ تَوْسِيعٍ وَتَضْيِيقٍ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَهَذَا الْحَدِيثُ قَالَ الْأَئِمَّةُ يُؤْمَنُ بِهِ كَمَا جَاءَ إِلَخْ) تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ فَضْلِ الصَّدَقَةِ مِنْ أَبْوَابِ الزَّكَاةِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ) الْإِيَادِيُّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ أَبُو قُدَامَةَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يخطىء من الثامنة

قَوْلُهُ (يُحْرَسُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْحِرَاسَةِ أَيْ يَحْفَظُهُ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ عَنِ الْكُفَّارِ واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ أَيْ يَحْفَظُكَ يَا مُحَمَّدُ وَيَمْنَعُكَ مِنْهُمْ وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ هُنَا الكفار فإن قِيلَ أَلَيْسَ قَدْ شُجَّ رَأْسُهُ وَكُسِرَتْ رُبَاعِيَّتُهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَقَدْ أُوذِيَ بِضُرُوبٍ مِنَ الْأَذَى فَكَيْفَ يُجْمَعُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ (واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) قُلْتُ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّهُ يَعْصِمُهُ مِنَ الْقَتْلِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَرَادَهُ بِالْقَتْلِ وَقِيلَ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا إن هذه الاية نزلت بعد ما شُجَّ رَأْسُهُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ لِأَنَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَاخْتُلِفَ فِي وصله وإرساله والحديث أخرجه أيضا بن أبي حاتم وبن جَرِيرٍ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ (وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ كان النبي يُحْرَسُ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ) قَالَ الحافظ بن كَثِيرٍ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا هَكَذَا رواه بن جرير من طريق إسماعيل بن علية وبن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ وُهَيْبٍ كِلَاهُمَا عَنِ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ مُرْسَلًا قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ الْخَفِيفَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ الْجَزَرِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيُّ كُوفِيُّ الْأَصْلِ ثِقَةٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود

قوله (في المعاصي) أي من الزنى وَصَيْدِ يَوْمِ السَّبْتِ وَغَيْرِهِمَا (فَنَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ) أَيْ أَوَّلًا (فَلَمْ يَنْتَهُوا) أَيْ فَلَمْ يَقْبَلُوا النَّهْيَ وَلَمْ يَتْرُكُوا الْمَنْهِيَّ (فَجَالَسُوهُمْ) أَيِ الْعُلَمَاءُ (فِي مَجَالِسِهِمْ) أَيْ مَجَالِسِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الْعُصَاةِ وَمَسَاكِنِهِمْ (وَوَاكَلُوهُمْ) مِنَ الْمُوَاكَلَةِ مُفَاعَلَةٌ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْأَكْلِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَشَارَبُوهُمْ (فَضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ بِبَعْضٍ قَالَ القارىء أَيْ خَلَطَ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ يُقَالُ ضَرَبَ اللَّبَنَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ أَيْ خَلَطَهُ ذَكَرَهُ الرَّاغِبُ وقال بن الْمَلَكِ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ سَوَّدَ اللَّهُ قَلْبَ مَنْ لَمْ يَعْصِ بِشُؤْمِ مَنْ عَصَى فَصَارَتْ قُلُوبُ جَمِيعِهِمْ قَاسِيَةً بَعِيدَةً عَنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَالْخَيْرِ أَوِ الرَّحْمَةِ بِسَبَبِ الْمَعَاصِي وَمُخَالَطَةِ بَعْضِهِمْ بعضا انتهى قال القارىء وَقَوْلُهُ قَلْبَ مَنْ لَمْ يَعْصِ لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ لِأَنَّ مُوَاكَلَتَهُمْ وَمُشَارَبَتَهُمْ مِنْ إِكْرَاهٍ وَإِلْجَاءٍ بَعْدَ عَدَمِ انْتِهَائِهِمْ عَنْ مَعَاصِيهمْ مَعْصِيَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْبُغْضِ فِي اللَّهِ أَنْ يَبْعُدُوا عنهم ويهاجروهم ويقاطعوهم ولم يواصلوهم (وَلَعَنَهُمْ) أَيِ الْعَاصِينَ وَالسَّاكِتِينَ الْمُصَاحِبِينَ (عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ) بِأَنْ دَعَا عَلَيْهِمْ فَمُسِخُوا قِرَدَةً وَهُمْ أصحاب أيلة (وعيسى بن مَرْيَمَ) بِأَنْ دَعَا عَلَيْهِمْ فَمُسِخُوا خَنَازِيرَ وَهُمْ أَصْحَابُ الْمَائِدَةِ (ذَلِكَ) أَيِ اللَّعْنُ (بِمَا عَصَوْا) أَيْ بِسَبَبِ عِصْيَانِهِمْ مُبَاشَرَةً وَمُعَاشَرَةً (وَكَانُوا يَعْتَدُونَ) أي يتجاوزون عن الحد (قال) أي بن مسعود (فجلس رسول الله وَكَانَ مُتَّكِئًا) أَيْ عَلَى أَحَدِ شِقَّيْهِ أَوْ مُسْتَنِدًا إِلَى ظَهْرِهِ قَبْلَ ذَلِكَ فَجَلَسَ مُسْتَوِيًا لِلِاهْتِمَامِ بِإِتْمَامِ الْكَلَامِ (فَقَالَ لَا) أَيْ لَا تُعْذَرُونَ أَوْ لَا تَنْجُونَ مِنَ الْعَذَابِ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْأُمَّةُ خَلَفَ أَهْلِ تِلْكَ الْأُمَّةِ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطِرُوهُمْ) بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيُبَدَّلُ وَبِكَسْرِ الطَّاءِ (أَطْرًا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِلتَّأْكِيدِ أَيْ حَتَّى تَمْنَعُوا أَمْثَالَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْصِيَةِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ لَا تَنْجُونَ مِنَ الْعَذَابِ حَتَّى تَمِيلُوهُمْ مِنْ جَانِبٍ إِلَى جَانِبٍ مِنْ أَطَرْتُ الْقَوْسَ آطِرُهَا بِكَسْرِ طَاءٍ أَطْرًا بِسُكُونِهَا إِذَا حَنَيْتهَا أَيْ تَمْنَعُوهُمْ مِنَ الظُّلْمِ وَتُمِيلُوهُمْ عَنِ الْبَاطِلِ إِلَى الْحَقِّ وَقَالَ الطيبي حتى متعلقة بلا كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ لَهُ عِنْدَ ذِكْرِ مَظَالِمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ هَلْ يُعْذَرُ فِي تَخْلِيَةِ الظَّالِمِينَ وَشَأْنِهُمْ فَقَالَ لَا حَتَّى تَأْطِرُوهُمْ وَتَأْخُذُوا عَلَى أَيْدِيهمْ وَالْمَعْنَى لَا تُعْذَرُونَ حَتَّى تُجْبِرُوا الظَّالِمَ عَلَى الْإِذْعَانِ لِلْحَقِّ وَإِعْطَاءِ النَّصَفَةِ لِلْمَظْلُومِ وَالْيَمِينُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ لَا وَحَتَّى وَلَيْسَتْ لَا هَذِهِ بِتِلْكَ الَّتِي يَجِيءُ بِهَا الْمُقْسِمُ تَأْكِيدًا لِقَسَمِهِ انتهى

قوله (قال يزيد) هو بن هَارُونَ (وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لَا يَقُولُ فِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) كَمَا ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ إِلَخْ ورواه أيضا بن مَاجَهْ بِهَذَا السَّنَدِ مُرْسَلًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي الْوَضَّاحِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ إِلَخْ) وَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ وَأَمْلَاهُ عَلِيٌّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ أَبِي الْوَضَّاحِ إِلَخْ قَوْلُهُ (لَمْ يَمْنَعْهُ مَا رَأَى مِنْهُ) أَيْ لَمْ يَمْنَعِ النَّاهِيَ مَا رَأَى هُوَ مِنَ الْمُذْنِبِ مِنْ وُقُوعِهِ عَلَى الذَّنْبِ (أَنْ يَكُونَ) أَيْ مِنْ أَنْ يَكُونَ النَّاهِي (أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ) أَيْ مُوَاكِلَ الْمُذْنِبِ وَمُشَارِبَهُ وَمُخَالِطَهُ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهَ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وقعيده

قَوْلُهُ (وَأَمْلَاهُ عَلَيَّ) أَيْ أَلْقَى عَلَيَّ الْحَدِيثَ فكتبته قوله (حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ) اسْمُهُ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ النَّبِيلُ (أَخْبَرْنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعْدٍ) الْكَاتِبُ الْمُعَلِّمُ قَوْلُهُ (فَأَنْزَلَ اللَّهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ ما أحل الله لكم) أَيْ مَا طَابَ وَلَذَّ مِنَ الْحَلَالِ وَمَعْنَى لَا تُحَرِّمُوا لَا تَمْنَعُوهَا أَنْفُسَكُمْ كَمَنْعِ التَّحْرِيمِ أَوْ لَا تَقُولُوا حَرَّمْنَاهَا عَلَى أَنْفُسِنَا مُبَالَغَةً مِنْكُمْ فِي الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِهَا تَزَهُّدًا مِنْكُمْ وَتَقَشُّفًا وَلَا تَعْتَدُوا أَيْ وَلَا تُجَاوِزُوا الْحَدَّ الَّذِي حَدَّ عَلَيْكُمْ فِي تَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ وَلَا تَتَعَدَّوْا حُدُودَ مَا أَحَلَّ لَكُمْ إِلَى مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ أَوْ وَلَا تُسْرِفُوا فِي تَنَاوُلِ الطَّيِّبَاتِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المعتدين حُدُودَهُ وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا حَلَالًا حَالٌ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَوْلُهُ (هَذَا حديث غريب) وأخرجه بن أبي حاتم وبن جرير

عمرو بْنِ شُرَحْبِيلَ) الْهَمْدَانِيِّ أَبِي مَيْسَرَةَ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ أَيِ الْقِمَارِ يَعْنِي مَا حُكْمُهُمَا قُلْ لَهُمْ فِيهِمَا أَيْ فِي تَعَاطِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ أَيْ عَظِيمٌ لِمَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهِمَا مِنَ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَةِ وَقَوْلِ الْفُحْشِ الْآيَةَ أَيْ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ بِاللَّذَّةِ وَالْفَرَحِ فِي الْخَمْرِ وَإِصَابَةِ الْمَالِ بِلَا كَدٍّ فِي الْمَيْسِرِ وَإِثْمُهُمَا أَيْ مَا يَنْشَأُ عَنْهُمَا مِنَ الْمَفَاسِدِ أَكْبَرُ أَعْظَمُ مِنْ نَفْعِهِمَا لِأَنَّ أَصْحَابَ الشُّرْبِ وَالْقِمَارِ يَقْتَرِفُونَ فِيهِمَا الْآثَامَ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ (فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ) أَيِ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم لعداوة والبغضاء في الخمر والميسر وَبَعْدَهُ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فهل أنتم منتهون (فَقَالَ) أَيْ عُمَرُ (انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا) أَيْ عَنْ إِتْيَانِهِمَا أَوْ عَنْ طَلَبِ الْبَيَانِ الشَّافِي وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ قال الطَّيْبِيُّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَعْنِي قَوْلُهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخمر والميسر الْآيَتَيْنِ وَفِيهِمَا دَلَائِلُ سَبْعَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ أَحَدُهَا قَوْلُهُ (رِجْسٌ) وَالرِّجْسُ هُوَ النَّجِسُ وَكُلُّ نَجِسٍ حَرَامٌ وَالثَّانِي قَوْلُهُ (مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وَمَا هُوَ مِنْ عَمَلِهِ حَرَامٌ وَالثَّالِثُ قَوْلُهُ (فَاجْتَنِبُوهُ) وَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِاجْتِنَابِهِ فَهُوَ حَرَامٌ وَالرَّابِعُ قَوْلُهُ (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) وَمَا عُلِّقَ رَجَاءُ الْفَلَاحِ بِاجْتِنَابِهِ فَالْإِتْيَانُ بِهِ حَرَامٌ وَالْخَامِسُ قَوْلُهُ (يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ والبغضاء في الخمر والميسر وَمَا هُوَ سَبَبُ وُقُوعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ بَيْنَ المسلمين فهو حرام والسادس قوله (يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة) وَمَا يَصُدُّ بِهِ الشَّيْطَانُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهُوَ حَرَامٌ وَالسَّابِعُ قَوْلُهُ (فَهَلْ أنتم منتهون) مَعْنَاهُ انْتَهُوا وَمَا أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِالِانْتِهَاءِ عَنْهُ فَالْإِتْيَانُ بِهِ حَرَامٌ انْتَهَى

قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ إِسْرَائِيلَ مُرْسَلًا) أَيْ رُوِيَ عَنْهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ بِلَفْظِ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ اللَّهُمَّ إِلَخْ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ) كُنْيَتُهُ أَبُو كُرَيْبٍ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِهَا (عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ) هو كنيته عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ الْمَذْكُورِ فِي الْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ) أَيْ حَدِيثُ وَكِيعٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ بِلَفْظِ إِنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ محمد بن يوسف عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عُمَرَ وَبِلَفْظِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ لِأَنَّ وَكِيعًا أَحْفَظُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قُلْتُ فِيهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ يُوسُفَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِلَفْظِ عَنْ عُمَرَ بَلْ قَدْ تَابَعَهُ عَلَى هَذَا اللَّفْظِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَخَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ عِنْدَ أَحْمَدَ وَحَدِيثُ عُمَرَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ صَحَّحَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَكَذَا قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلُهُ (فَلَمَّا حُرِّمَتْ) قَالَ الْحَافِظُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ تَحْرِيمَهَا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَذَكَرَ رِوَايَاتٍ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جناح فيما طعموا أَيْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِمْ فِيمَا شَرِبُوا مِنَ الْخَمْرِ وَأَكَلُوا مِنْ مَالِ الْقِمَارِ فِي وَقْتِ الْإِبَاحَةِ قَبْلَ التَّحْرِيمِ قَالَ الشَّاعِرُ فَإِنْ شِئْتُ حَرَّمْتُ النِّسَاءَ سِوَاكُمُو وَإِنْ شِئْتُ لَمْ أَطْعَمْ نُقَاخًا وَلَا بَرْدًا النُّقَاخُ الْمَاءُ وَالْبَرْدُ النَّوْمُ إِذَا مَا اتَّقَوْا أَيْ إذا ما اتقوا

قال بن قُتَيْبَةَ يُقَالُ لَمْ أَطْعَمْ خُبْزًا وَلَا مَاءً ولا نوما الشِّرْكَ وَقِيلَ اتَّقَوْا مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَآمَنُوا يَعْنِي بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَيِ ازْدَادُوا مِنْ عَمَلِ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا أَيِ اتَّقَوْا الْخَمْرَ وَالْمَيْسِرَ بَعْدَ التَّحْرِيمِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْأُولَى إِخْبَارًا عَنْ حَالِ مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَشْرَبُهَا قَبْلَ التَّحْرِيمِ أَنَّهُ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ وَالثَّانِيَةُ خِطَابَ مَنْ بَقِيَ بَعْدَ التَّحْرِيمِ أُمِرُوا بِاتِّقَائِهَا وَالْإِيمَانِ بِتَحْرِيمِهَا ثُمَّ اتَّقَوْا أَيْ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَأَحْسَنُوا أَيِ الْعَمَلَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالِاتِّقَاءِ الْأَوَّلِ فِعْلُ التَّقْوَى وَبِالثَّانِي الْمُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا وَبِالثَّالِثِ اتِّقَاءُ الظُّلْمِ مَعَ ضَمِّ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَقِيلَ إِنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ التَّكْرِيرِ التَّأْكِيدُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الْحَثِّ عَلَى الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى وَضَمُّ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا واللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ أَيْ أَنَّهُ تَعَالَى يُحِبُّ الْمُتَقَرِّبِينَ إِلَيْهِ بِالْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالتَّقْوَى وَالْإِحْسَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والطيالسي وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ أَيْضًا أَيْ كَمَا أَنَّ إِسْرَائِيلَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ كَذَلِكَ رَوَاهُ شُعْبَةُ أَيْضًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عن البراء قَوْلُهُ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ ظَرْفٌ بِقَوْلِهِ قَالُوا أَيْ قَالُوا حِينَ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ لَمَّا تَكُونُ بِمَعْنَى حين ولم الجازمة وإلا قَالَ نَاسٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِخْوَانُنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يُصَلُّونَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وزاد في آخره ولما حولت القبلة قوله (قال لي رسول الله قِيلَ لِي) أَنْتَ مِنْهُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أن بن مَسْعُودٍ مِنْهُمْ انْتَهَى وَقَالَ الْخَازِنُ مَعْنَاهُ أَنَّ رسول الله قيل له إن بن مَسْعُودٍ مِنْهُمْ يَعْنِي مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِلَخْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ وَرْدَانَ) الْأَسَدِيُّ الْعَطَّارُ الْكُوفِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيِّ بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْمُهْمَلَةِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (فِي كُلِّ عَامٍ) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ) اسْتُدِلَّ بِظَاهِرِهِ عَلَى أَنَّ الْإِيجَابَ كان مفوضا إليه كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُهُمْ وَرُدَّ بِأَنَّ قَوْلَهُ لَوْ قُلْتُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ أَوْ بِوَحْيٍ نَازِلٍ أَوْ رَأْيٍ يَرَاهُ إِنْ جَوَّزْنَا لَهُ الِاجْتِهَادَ وَالدَّالُّ عَلَى الْأَعَمِّ لَا يَدُلُّ عَلَى الْأَخَصِّ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ قَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ وَجُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ أَصْلُهُ شَيْئَاءُ بِهَمْزَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ وَهِيَ فَعْلَاءُ مِنْ لَفْظِ شَيْءٍ وَهَمْزَتُهَا الثَّانِيَةُ لِلتَّأْنِيثِ وَلِذَا لَمْ تَنْصَرِفْ كَحَمْرَاءَ وَهِيَ مفردة لفظ جَمْعٌ مَعْنًى وَلَمَّا اسْتُثْقِلَتِ الْهَمْزَتَانِ الْمُجْتَمِعَتَانِ قُدِّمَتِ الْأُولَى الَّتِي هِيَ لَامُ الْكَلِمَةِ فَجُعِلَتْ قَبْلَ الشين فصار وزنها لفعاء إن تبدلكم أَيْ تُظْهَرْ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ لِمَا فِيهَا

مِنَ الْمَشَقَّةِ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ أَيْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُبْدَ لَكُمْ الْمَعْنَى إِذَا سَأَلْتُمْ عَنْ أَشْيَاءَ فِي زَمَنِهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ بِإِبْدَائِهَا وَمَتَى أَبْدَاهَا سَاءَتْكُمْ فَلَا تَسْأَلُوا عَنْهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ كَمْ فُرِضَ الْحَجُّ وَبَيَّنْتَ هُنَاكَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُنْقَطِعٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن أبي هريرة وبن عَبَّاسٍ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُ حَدِيثَيْهِمَا فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرِ) بْنِ رِبْعِيٍّ الْقَيْسِيُّ (أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ) الْبَحْرَانِيُّ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالْمُهْمَلَةِ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسِ) بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ قَاضِي الْبَصْرَةِ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (قَالَ رَجُلٌ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ الْقُرَشِيُّ السَّهْمِيُّ وفي رواية البخاري أن رسول الله خَرَجَ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ مَنْ أَبِي (مَنْ أَبِي) جُمْلَةٌ مِنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ مَقُولُ الْقَوْلِ فَإِنْ قُلْتَ لِمَ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ قُلْتُ لِأَنَّهُ كَانَ يُنْسَبُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ إِذَا لَاحَى أَحَدًا فَنَسَبَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى أَبِيهِ فَإِنْ قُلْتَ مِنْ أين عرف رسول الله أَنَّهُ ابْنُهُ قُلْتُ إِمَّا بِالْوَحْيِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَوْ بِحُكْمِ الْفَرَاسَةِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا النَّهْيِ مَنْ كَرِهَ السُّؤَالَ عَمَّا لَمْ يَقَعْ وَقَدْ أَسْنَدَهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِهِ عن جماعة من الصحابة والتابعين وقال بن الْعَرَبِيِّ اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنَ الْغَافِلِينَ مَنْعَ أَسْئِلَةِ النوازل حتى

تَقَعَ تَعَلُّقًا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهَا مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَا تَقَعُ الْمَسْأَلَةُ فِي جَوَابِهِ وَمَسَائِلُ النَّوَازِلِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَهُوَ كَمَا قَالَ إِلَّا أَنَّهُ أَسَاءَ فِي قَوْلِهِ الْغَافِلِينَ عَلَى عَادَتِهِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْقُرْطُبِيُّ وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَفَعَهُ أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ وَهَذَا يُبَيِّنُ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ وليس مما أشار إليه بن الْعَرَبِيِّ فِي شَيْءٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (أَنَّهُ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ قَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثم قال يا أيها الناس (إنكم تقرؤون هَذِهِ الْآيَةَ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا يَعْنِي تُجْرُونَهَا عَلَى عُمُومِهَا وَتَمْتَنِعُونَ عَنِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ مُطْلَقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنوا عليكم أنفسكم انْتَصَبَ أَنْفُسَكُمْ بِعَلَيْكُمْ وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ أَيِ الْزَمُوا إِصْلَاحَ أَنْفُسِكُمْ وَاحْفَظُوهَا عَنِ الْمَعَاصِي وَالْكَافُ وَالْمِيمُ فِي عَلَيْكُمْ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ لِأَنَّ اسْمَ الْفِعْلِ هُوَ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ لَا عَلَى وَحْدِهَا لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهتديتم أَيْ فَإِذَا أَلْزَمْتُمْ إِصْلَاحَ أَنْفُسِكُمْ وَحَفِظْتُمُوهَا لَمْ يَضُرَّكُمْ إِذَا عَجَزْتُمْ عَنِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ضَلَالُ مَنْ ضَلَّ بِارْتِكَابِ الْمَنَاهِي إذا اهتديتم اجْتِنَابِهَا وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ إِذَا كَانَ فِعْلُ ذَلِكَ مُمْكِنًا (فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ) أَيْ لَمْ يَمْنَعُوهُ عَنْ ظُلْمِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَنْعِهِ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ أَيْ بِنَوْعٍ مِنَ الْعَذَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ نُزُولِ الْعَذَابِ إِذْ لَمْ يُغَيَّرِ الْمُنْكَرُ مِنْ أبواب الفتن

قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ نَحْوَ هَذَا الْحَدِيثِ مَرْفُوعًا الخ) قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهِ مُتَّصِلًا مَرْفُوعًا وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ بِهِ مَوْقُوفًا عَلَى الصِّدِّيقِ وَقَدْ رَجَّحَ رَفْعَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ) الْهَمْدَانِيُّ بِسُكُونِ الْمِيمِ أَبُو الْعَبَّاسِ الْأُرْدُنِّيُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ وَتَشْدِيدِ النُّونِ صَدُوقٌ يُخْطِئُ كَثِيرًا مِنَ السَّادِسَةِ (أخبرنا عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ) بِالْجِيمِ اللَّخْمِيُّ شَامِيٌّ مَقْبُولٌ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ يُقَالُ إِنَّهُ عَمُّ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ ذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ لَهُ عِنْدَهُمْ حَدِيثٌ وَاحِدٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا الْحَدِيثَ (عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ) الدِّمَشْقِيِّ اسْمُهُ يُحْمِدُ بِضَمِّ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَقِيلَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالْمِيمِ وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (فَقُلْتَ لَهُ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ كَيْفَ تَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ يَعْنِي مَا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ وَمَا تَقُولُ فِيهَا فَإِنَّ ظَاهِرَهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إِلَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بَلْ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِصْلَاحُ نَفْسِهِ (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ التَّنْبِيهِ (لَقَدْ سَأَلْتَ) بِفَتْحِ التَّاءِ بِصِيغَةِ الْخِطَابِ (خَبِيرًا) أَيْ عَارِفًا وَعَالِمًا بِمَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ (سَأَلْتُ) بِضَمِّ التَّاءِ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ (بَلِ ائْتَمَرُوا) أَيِ امْتَثِلُوا (بِالْمَعْرُوفِ) أَيْ وَمِنْهُ الْأَمْرُ بِهِ (وَتَنَاهَوْا) أَيِ انْتَهُوا وَاجْتَنِبُوا (عَنِ الْمُنْكَرِ) وَمِنْهُ الِامْتِنَاعُ عَنْ نَهْيِهِ أَوِ الِائْتِمَارِ بِمَعْنَى التَّآمُرِ كَالِاخْتِصَامِ بِمَعْنَى التَّخَاصُمِ وَيُؤَيِّدُهُ التَّنَاهِي وَالْمَعْنَى لِيَأْمُرْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ طَائِفَةً عَنِ الْمُنْكَرِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَوْلُهُ بَلِ ائْتَمِرُوا إِضْرَابٌ عَنْ مقدر أي سألت عنها رسول الله

وَقُلْتُ أَمَا نَتْرُكُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْآيَةِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا تَتْرُكُوا بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ إِلَخْ (حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ) أَيْ أَيُّهَا الْمُخَاطَبُ خِطَابًا عَامًّا وَالْمَعْنَى إِذَا عَلِمْتَ الْغَالِبَ عَلَى النَّاسِ (شُحًّا مُطَاعًا) أَيْ بُخْلًا مُطَاعًا بِأَنْ أطاعته نفسك وطاوعه غيرك قاله القارىء وفي النِّهَايَةِ هُوَ أَشَدُّ الْبُخْلِ وَقِيلَ الْبُخْلُ مَعَ الْحِرْصِ وَقِيلَ الْبُخْلُ فِي أَفْرَادِ الْأُمُورِ وَآحَادِهَا وَالشُّحُّ عَامٌّ وَقِيلَ الْبُخْلُ بِالْمَالِ وَالشُّحُّ بِالْمَالِ وَبِالْمَعْرُوفِ (وَهَوًى مُتَّبَعًا) بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ أَيْ وَهَوًى لِلنَّفْسِ مَتْبُوعًا وَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلًّا يَتَّبِعُ هَوَاهُ (وَدُنْيَا) بِالْقَصْرِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمَالِ والجاه في الدار الدنية (موثرة) أَيْ مُخْتَارَةً عَلَى أُمُورِ الدِّينِ (وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِعْجَابُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ هُوَ وِجْدَانُ الشَّيْءِ حَسَنًا وَرُؤْيَتُهُ مُسْتَحْسَنًا بِحَيْثُ يَصِيرُ صَاحِبُهُ بِهِ مُعْجَبًا وَعَنْ قَبُولِ كَلَامِ الْغَيْرِ مُجَنَّبًا وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ) مَنْصُوبٌ وَقِيلَ مَرْفُوعٌ أَيْ فَالْوَاجِبُ أَوْ فَيَجِبُ عَلَيْكَ حِفْظُهَا مِنَ الْمَعَاصِي لَكِنْ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلْإِغْرَاءِ بِمَعْنَى الْزَمْ خَاصَّةَ نَفْسِك قَوْلُهُ (وَدَعِ الْعَوَامَّ) أَيِ اتْرُكْ أَمْرَ عَامَّةِ النَّاسِ الْخَارِجِينَ عَنْ طريق الخواص (فإن من وراءكم أَيَّامًا) أَيْ قُدَّامَكُمْ مِنَ الْأَزْمَانِ الْآتِيَةِ (الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ) يَعْنِي يَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ بِالصَّبْرِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ كَمَشَقَّةِ الصَّابِرِ عَلَى قَبْضِ الْجَمْرِ بِيَدِهِ (يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ) وفي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ أَيْ فِي غَيْرِ زَمَانِهِ (قَالَ لَا بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْكُمْ) قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ هَؤُلَاءِ فِي الْأَجْرِ عَلَى الصَّحَابَةِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَقَدْ جَاءَ أَمْثَالُ هَذَا أَحَادِيثُ أُخَرُ وَتَوْجِيهُهُ كَمَا ذَكَرُوا أَنَّ الفضل الجزئي لا ينافي الفضل الكلي وقد تكلم بن عَبْدِ الْبَرِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ يُمْكِنُ أَنْ يَجِيءَ بَعْدَ الصَّحَابَةِ مَنْ هُوَ فِي دَرَجَةِ بَعْضٍ مِنْهُمْ أَوْ أَفْضَلَ وَمُخْتَارُ الْعُلَمَاءِ خِلَافُهُ انْتَهَى وَقَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَيْسَ هَذَا عَلَى إِطْلَاقِهِ بَلْ هو مبني على قاعدتين أحديهما أَنَّ الْأَعْمَالَ تَشْرُفُ بِثَمَرَاتِهَا وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْغَرِيبَ فِي آخِرِ الْإِسْلَامِ كَالْغَرِيبِ فِي أَوَّلِهِ

وَبِالْعَكْسِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ مِنْ أُمَّتِي يُرِيدُ الْمُنْفَرِدِينَ عَنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَنَقُولُ الْإِنْفَاقُ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نصيفه أي مد الحنطة والسبب فِيهِ أَنَّ تِلْكَ النَّفَقَةِ أَثْمَرَتْ فِي فَتْحِ الْإِسْلَامِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ مَا لَا يُثْمِرُ غَيْرُهَا وَكَذَلِكَ الْجِهَادُ بِالنُّفُوسِ لَا يَصِلُ الْمُتَأَخِّرُونَ فِيهِ إِلَى فَضْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ لِقِلَّةِ عَدَدِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقِلَّةِ أَنْصَارِهِمْ فَكَانَ جِهَادُهُمْ أَفْضَلَ وَلِأَنَّ بَذْلَ النَّفْسِ مَعَ النُّصْرَةِ وَرَجَاءَ الْحَيَاةِ لَيْسَ كَبَذْلِهَا مَعَ عَدَمِهَا وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَكُونُ الْقَابِضُ عَلَى دِينِهِ كَالْقَابِضِ عَلَى الْجَمْرِ لَا يَسْتَطِيعُ دَوَامَ ذَلِكَ لِمَزِيدِ الْمَشَقَّةِ فَكَذَلِكَ الْمُتَأَخِّرُ فِي حِفْظِ دِينِهِ وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ فَلَيْسُوا كَذَلِكَ لكثرة المعين وعدم المنكر فعلى هذا يترك الْحَدِيثُ انْتَهَى كَذَا فِي مِرْقَاةِ الصُّعُودِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن ماجه وبن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي النَّضْرِ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ بْنِ بِشْرٍ الْكَلْبِيُّ الْكُوفِيُّ النَّسَّابَةُ الْمُفَسِّرُ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ وَرُمِيَ بِالرَّفْضِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ بَاذَانَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ بَاذَامَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ آخِرُهُ نُونٌ أَبُو صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ ضَعِيفٌ مُدَلِّسٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ تَمِيمٍ الداري) صحابي مشهور قوله (قال بريء النَّاسُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ (غَيْرِي وَغَيْرِ عَدِيِّ بْنِ بَدَّاءِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ الْمَدِّ وَوَقَعَ عِنْدَ الْوَاقِدِيِّ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ بَدَّاءٍ كَانَ أَخَا تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فَإِنْ ثَبَتَ فَلَعَلَّهُ أَخُوهُ لِأُمِّهِ أَوْ مِنَ الرَّضَاعَةِ لَكِنْ فِي تَفْسِيرِ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ أَنَّ رَجُلَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ أَحَدُهُمَا تَمِيمٌ وَالْآخَرُ يَمَانِيٌّ قَالَهُ الْحَافِظُ (يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشام) أي يَتَرَدَّدَانِ إِلَيْهِ لِلتِّجَارَةِ (يُقَالُ لَهُ

بُدَيْلُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الدال المهملة مصغرا ووقع في رواية بن جريج أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا وَكَذَا أَخْرَجَهُ بِسَنَدِهِ فِي تَفْسِيرِهِ (وَمَعَهُ جَامٌ) بِالْجِيمِ وَتَخْفِيف الْمِيمِ أَيْ إِنَاءٌ (يُرِيدُ بِهِ الْمَلِكَ) أَيْ لِيَبِيعَهُ مِنْهُ (وَهُوَ عُظْمُ تِجَارَتِهِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ مُعْظَمُ أَمْوَالِ تِجَارَتِهِ أَوْ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَعُظْمُ الشَّيْءِ كِبَرُهُ (فَمَرِضَ) أَيْ بُدَيْلٌ السَّهْمِيُّ (فَأَوْصَى إِلَيْهِمَا) أَيْ إِلَى تَمِيمٍ وَعَدِيٍّ وفي رِوَايَةٍ أَنَّ السَّهْمِيَّ الْمَذْكُورَ مَرِضَ فَكَتَبَ وَصِيَّتَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ دَسَّهَا فِي مَتَاعِهِ ثُمَّ أَوْصَى إِلَيْهِمَا (أَنْ يُبَلِّغَا) مِنَ الْإِبْلَاغِ أَيْ يُوَصِّلَا (مَا ترك) مفعول أول ليبلغا (أَهْلَهُ) مَفْعُولٌ ثَانٍ (فَلَمَّا مَاتَ) أَيْ بُدَيْلٌ (وَفَقَدُوا الْجَامَ) أَيْ فَقَدَ أَهْلُ بُدَيْلٍ الْجَامَ الْمَذْكُورَ وَلَمْ يَجِدُوهُ فِي مَتَاعِهِ (تَأَثَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ تَحَرَّجْتُ مِنْهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ تَأَثَّمَ فُلَانٌ إِذَا فَعَلَ فِعْلًا خَرَجَ بِهِ مِنَ الْإِثْمِ كَمَا يُقَالُ تَحَرَّجَ إِذَا فَعَلَ مَا يَخْرُجُ بِهِ مِنَ الْحَرَجِ (عِنْدَ صَاحِبِي) أَيْ عَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ (فَأَتَوْا) أَيْ أَهْلُ بُدَيْلٍ (بِهِ) أَيْ بِعَدِيِّ بْنِ بَدَّاءٍ (فسألهم البينة) أي طلب النبي مِنْ أَهْلِ بُدَيْلٍ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَوْهُ (فَلَمْ يَجِدُوا) أَيِ الْبَيِّنَةَ (أَنْ يَسْتَحْلِفُوهُ) أَيْ عَدِيًّا (فَحَلَفَ) أَيْ عَدِيٌّ قَوْلُهُ (يَا أَيُّهَا الذين آمنوا شهادة بينكم إِلَخِ) الْآيَةُ بِتَمَامِهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أحدكم الموت حين الوصية اثنان ارْتَفَعَ اثْنَانِ لِأَنَّهُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ بِتَقْدِيرِ الْمُضَافِ أَيْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ حِينَئِذٍ شَهَادَةُ اثْنَيْنِ أَوْ فَاعِلُ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ عَلَى أَنَّ خَبَرَهَا مَحْذُوفٌ

أَيْ فِيمَا نَزَّلَ عَلَيْكُمْ أَنْ يَشْهَدَ بَيْنَكُمُ اثْنَانِ وَأَضَافَ الشَّهَادَةَ إِلَى الْبَيْنِ تَوَسُّعًا لِأَنَّهَا جارية بينهم وإذا حضر ظرف للشهادة وحين الْوَصِيَّةِ بَدَلٌ مِنْهُ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ يَعْنِي مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ يَا مَعْشَر الْمُؤْمِنَينَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مِنْ أَقَارِبِكُمْ وَهُمَا صِفَتَانِ لِاثْنَانِ واختلفوا فِي هَذَيْنِ الِاثْنَيْنِ فَقِيلَ هُمَا الشَّاهِدَانِ اللَّذَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى وَصِيَّةِ الْمُوصِي وَقِيلَ هُمَا الْوَصِيَّانِ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِمَا وَلِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ وَالشَّاهِدُ لَا يَلْزَمُهُ يَمِينٌ وَجَعَلَ الْوَصِيَّ اثْنَيْنِ تَأْكِيدًا فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الشَّهَادَةُ بِمَعْنَى الْحُضُورِ كَقَوْلِكَ شَهِدْتَ وَصِيَّةَ فُلَانٍ بِمَعْنَى حَضَرْتَ أَوْ آخَرَانِ كَائِنَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَهْلِ دِينِكُمْ وَمِلَّتِكُمْ وَهُمُ الْكُفَّارُ وَقِيلَ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ وَقَبِيلَتِكُمْ وَهُمْ مُسْلِمُونَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَنْسَبُ بِسِيَاقِ الْآيَةِ وَبِهِ قَالَ أبو موسى الأشعري وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمَا فَيَكُونُ فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ شَهَادَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي السَّفَرِ فِي خُصُوصِ الْوَصَايَا كَمَا يُفِيدُهُ النَّظْمُ الْقُرْآنِيُّ وَيَشْهَدُ لَهُ السَّبَبُ لِلنُّزُولِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الْمُوصِي مَنْ يَشْهَدُ عَلَى وَصِيَّتِهِ فَلْيَشْهَدْ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ فَإِذَا قَدِمَا وَأَدَّيَا الشَّهَادَةَ عَلَى وَصِيَّتِهِ حَلَفَا بَعْدَ الصَّلَاةِ أَنَّهُمَا مَا كَذَبَا وَلَا بَدَّلَا وَأَنَّ مَا شهد بِهِ حَقٌّ فَيُحْكَمُ حِينَئِذٍ بِشَهَادَتِهِمَا فَإِنْ عُثِرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا كَذَبَا أَوْ خَانَا حَلَفَ رَجُلَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمُوصِي وَغَرِمَ الشَّاهِدَانِ الْكَافِرَانِ مَا ظَهَرَ عَلَيْهِمَا مِنْ خِيَانَةٍ أَوْ نَحْوِهَا هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو مِجْلَزٍ والنخعي وشريح وعبيدة السلماني وبن سِيرِينَ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَذَهَبَ إِلَى الثَّانِي أَعْنِي تَفْسِيرَ ضَمِيرِ مِنْكُمْ بِالْقَرَابَةِ أَوِ الْعَشِيرَةِ وَتَفْسِيرِ غَيْرِكُمْ بِالْأَجَانِبِ الزُّهْرِيُّ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ من الشهداء وقوله وأشهدوا ذوى عدل منكم وَالْكُفَّارُ لَيْسُوا بِمَرْضِيِّينَ وَلَا عُدُولٍ وَخَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ فَقَالُوا الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ وَهُوَ الْحَقُّ لِعَدَمِ وُجُودِ دَلِيلٍ صَحِيحٍ عَلَى النَّسْخِ وأما قَوْلُهُ تَعَالَى ممن ترضون من الشهداء وقوله وأشهدوا ذوى عدل منكم فَهُمَا عَامَّانِ فِي الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ وَهَذِهِ الْآيَةُ خَاصَّةٌ بِحَالَةِ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَالْوَصِيَّةِ وَبِحَالَةِ عَدَمِ الشُّهُودِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ خاص وعام إن أنتم ضربتم أَيْ سَافَرْتُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ قَيْدٌ فِي قَوْلِهِ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ فَقَطْ وَالْمَعْنَى يَنْبَغِي أَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَعَذَّرَ كَمَا فِي السَّفَرِ فَمِنْ غَيْرِكُمْ وَقِيلَ هُوَ قَيْدٌ فِي أَصْلِ شَهَادَةٍ وَذَلِكَ أَنْسَبُ عَلَى تَقْدِيرِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ

بِاتِّخَاذِ الْوَصِيَّيْنِ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ يَعْنِي فَنَزَلَ بِكُمْ أَسْبَابُ الْمَوْتِ فَأَوْصَيْتُمْ إِلَيْهِمَا ودفعتم ما لكم إليها ثُمَّ ذَهَبَا إِلَى وَرَثَتِكُمْ بِوَصِيَّتِكُمْ وَبِمَا تَرَكْتُمْ فَارْتَابُوا فِي أَمْرِهِمَا وَادَّعَوْا عَلَيْهِمَا خِيَانَةً فَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّكُمْ تَحْبِسُونَهُمَا أَيْ تُوقِفُونَهُمَا وَهُوَ اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ أَوْ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ أَيْ وَآخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ مَحْبُوسَانِ وَالشَّرْطُ بِجَوَابِهِ الْمَحْذُوفِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ وَآخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمُ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْمَوْصُوفِ مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ أَيْ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعَصْرِ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ بِالتَّحْلِيفِ بَعْدَهَا فَالتَّقْيِيدُ بِالْمَعْرُوفِ الْمَشْهُورِ أَغْنَى عَنِ التَّقْيِيدِ بِاللَّفْظِ مَعَ مَا عِنْدَ أَهْلِ الْكُفْرِ بِاَللَّهِ مِنْ تَعْظِيمِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَذَلِكَ لِقُرْبِهِ مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَيُقْسِمَانِ أَيِ الشَّاهِدَانِ عَلَى الْوَصِيَّةِ أَوِ الْوَصِيَّانِ بِاَللَّهِ إن ارتبتم أَيْ إِنْ شَكَكْتُمْ فِي شَأْنِهِمَا وَاتَّهَمْتُمُوهُمَا فَحَلِّفُوهُمَا وَبِهَذَا يَحْتَجُّ مَنْ يَقُولُ الْآيَةُ نَازِلَةٌ فِي إِشْهَادِ الْكُفَّارِ لِأَنَّ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ الْمُسْلِمِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ وَمَنْ قَالَ الْآيَةُ نَازِلَةٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ قَالَ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَقَوْلُهُ إِنِ ارْتَبْتُمْ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ يُقْسِمَانِ وَجَوَابُهُ وَهُوَ لَا نَشْتَرِي بِهِ أَيْ بِالْقَسَمِ ثَمَنًا أَيْ لَا نَعْتَاضُ عَنْهُ بِعِوَضٍ قَلِيلٍ مِنَ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ الزَّائِلَةِ ولو كان ذا قربى أَيْ وَلَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ أَوِ الْمُقْسَمُ لَهُ ذَا قَرَابَةٍ مِنَّا وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ الله إِنَّمَا أَضَافَ الشَّهَادَةَ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِإِقَامَتِهَا وَنَهَى عَنْ كِتْمَانِهَا إِنَّا إِذًا لمن الاثمين يَعْنِي إِنْ كَتَمْنَا الشَّهَادَةَ أَوْ خُنَّا فِيهَا فَإِنْ عُثِرَ يُقَالُ عُثِرَ عَلَى كَذَا اطُّلِعَ عَلَيْهِ وَيُقَالُ عَثَرْتَ مِنْهُ عَلَى خِيَانَةٍ أَيِ اطَّلَعْتَ وَأَعْثَرْتَ غَيْرِي عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وكذلك أعثرنا عليهم وَأَصْلُ الْعُثُورِ الْوُقُوعُ وَالسُّقُوطُ عَلَى الشَّيْءِ وَقِيلَ الْهُجُومُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَهْجُمْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَكُلُّ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى أَمْرٍ كَانَ قَدْ خَفِيَ عَلَيْهِ قِيلَ لَهُ قَدْ عَثَرَ عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا اطَّلَعَ وَظَهَرَ بَعْدَ التَّحْلِيفِ عَلَى أَنَّهُمَا أَيِ الشَّاهِدَيْنِ أَوِ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الِاثْنَيْنِ وَصِيَّانِ أَوْ شَاهِدَانِ عَلَى الْوَصِيَّةِ اسْتَحَقَّا إِثْمًا أَيْ فَعَلَا مَا يُوجِبُهُ مِنْ خِيَانَةٍ أَوْ كَذِبٍ فِي الشَّهَادَةِ بِأَنْ وُجِدَ عِنْدَهُمَا مَثَلًا مَا اتُّهِمَا بِهِ وَادَّعَيَا أَنَّهُمَا ابْتَاعَاهُ مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ أَوْصَى لَهُمَا بِهِ فَآخَرَانِ أَيْ فَشَاهِدَانِ آخَرَانِ أَوْ فَحَالِفَانِ آخَرَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا أي مقام الذين عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَيَشْهَدَانِ أَوْ يحلفان على ما هو الحق من الذين استحق عليهم على البناء للفاعل قراءة علي وبن عَبَّاسٍ وَأُبَيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ مِنْ بَيْنِهِمْ أَيِ الْأَقْرَبَانِ إِلَى الْمَيِّتِ الْوَارِثَانِ لَهُ الْأَحَقَّانِ بِالشَّهَادَةِ وَمَفْعُولُ اسْتَحَقَّ مَحْذُوفٌ أَيِ اسْتَحَقَّا عَلَيْهِمْ أَنَّ يُجَرِّدُوهُمَا لِلْقِيَامِ بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا حَقُّهُمَا وَيُظْهِرُوا بِهَا كَذِبَ الْكَاذِبِينَ وَهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ الْآخَرَانِ الْقَائِمَانِ مَقَامَ الْأَوَّلَيْنِ عَلَى وَضْعِ الْمُظْهَرِ مقام المضمر وقرىء عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَيْ مِنَ الَّذِينَ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِمُ الْإِثْمُ أَيْ جُنِيَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ أَهْلُ الْمَيِّتِ وَعَشِيرَتُهُ فَالْأَوْلَيَانِ مَرْفُوعٌ عَلَى أنه خبر لمبتدأ محذوف كأنه قيل ومنهما فَقِيلَ الْأَوْلَيَانِ أَوْ هُوَ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يَقُومَانِ أَوْ مِنْ آخَرَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ

أي فيحلفان عَلَى خِيَانَةِ الشَّاهِدَيْنِ وَيَقُولَانِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شهادتهما يَعْنِي أَيْمَانُنَا أَحَقُّ وَأَصْدَقُ مِنْ أَيْمَانِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا أَيْ مَا تَجَاوَزْنَا الْحَقَّ فِي أَيْمَانِنَا وَقَوْلِنَا إِنَّ شَهَادَتَنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَةِ هَذَيْنِ الوصيين الخائنين إنا إذا لمن الظالمين أَيْ إِنْ حَلَفْنَا كَاذِبَيْنِ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يأتوا بالشهادة على وجهها يَعْنِي ذَلِكَ الَّذِي حَكَمْنَا بِهِ مِنْ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ أَقْرَبُ أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا يَعْنِي أَنْ يَأْتِيَ الْوَصِيَّانِ وَسَائِرُ النَّاسِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا الَّذِي تَحَمَّلُوهَا عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا خِيَانَةٍ أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أيمانهم أَيْ وَأَقْرَبُ أَنْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ الْأَيمَانُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ فَيَحْلِفُوا عَلَى خِيَانَتِهِمْ وَكَذِبِهِمْ فَيَفْتَضِحُوا أَوْ يَغْرَمُوا فَرُبَّمَا لَا يَحْلِفُونَ كَاذِبِينَ إِذَا خَافُوا هَذَا الْحُكْمَ وَاتَّقُوا اللَّهَ بِتَرْكِ الْخِيَانَةِ وَالْكَذِبِ وَاسْمَعُوا مَا تُؤْمَرُونَ بِهِ سَمَاعَ قبول والله لا يهدي القوم الفاسقين الْخَارِجِينَ عَنْ طَاعَتِهِ إِلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ (فَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَرَجُلٌ آخَرُ) سَمَّى مُقَاتِلُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي تَفْسِيرِهِ الْآخَرَ الْمُطَّلِبَ بْنَ أَبِي وَدَاعَةَ وَهُوَ سَهْمِيٌّ أَيْضًا قَوْلُهُ (هَذَا حديث غريب) وأخرجه بن أبي حاتم وبن جَرِيرٍ (وَلَا نَعْرِفُ لِسَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ الْمَدِينِيِّ رِوَايَةً عَنْ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ) مَقْصُودُ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ الَّذِي وَقَعَ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ فَإِنَّ رِوَايَتَهُ عَنْ بَاذَانَ أَبِي صَالِحٍ مَعْرُوفَةٌ وَلَيْسَ أَبُو النَّضْرِ هَذَا سَالِمًا أَبَا النَّضْرِ الْمَدِينِيَّ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ لَهُ رِوَايَةٌ عَنْ بَاذَانَ أَبِي صَالِحٍ مَوْلَى أُمِّ هانئ قوله (عن بن أَبِي زَائِدَةَ) هُوَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ) الطَّوِيلِ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ من السادسة

قَوْلُهُ (خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ) هُوَ بُدَيْلُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ (مَعَ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ) يَعْنِي قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ هُوَ كَمَا تَقَدَّمَ وَعَلَى هَذَا فَهُوَ من مرسل الصحابي لأن بن عَبَّاسٍ لَمْ يَحْضُرْ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّهُ رَوَاهَا عَنْ تَمِيمٍ نَفْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْقِصَّةُ وَقَعَتْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ تَأَخَّرَتِ الْمُحَاكَمَةُ حَتَّى أَسْلَمُوا كُلُّهُمْ فَإِنَّ فِي الْقِصَّةِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ الْجَمِيعَ تَحَاكَمُوا إِلَى النبي فَلَعَلَّهَا كَانَتْ بِمَكَّةَ سَنَةَ الْفَتْحِ (مُخَوَّصًا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ وَفِي آخره صاد مهملة قال بن الْجَوْزِيِّ صِيغَتْ فِيهِ صَفَائِحُ مِثْلُ الْخُوصِ مِنَ الذَّهَبِ مَعْنَاهُ مَنْقُوشًا فِيهِ خُطُوطٌ دِقَاقٌ طِوَالٌ كَالْخُوصِ وَهُوَ وَرَقُ النَّخْلِ (مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ) أَيْ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ الْمَذْكُورِ الَّذِي مَاتَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي الْقَضَايَا وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ وَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يعني بن الْمَدِينِيِّ فَذَكَرَهُ قَالَ الْحَافِظُ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ يَعْنِي الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ فَقَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَهَذَا مِمَّا يُقَوِّي مَا قَرَّرْتُهُ غَيْرَ مَرَّةٍ مِنْ أَنَّهُ يُعَبِّرُ بِقَوْلِهِ وَقَالَ لِي فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي سَمِعَهَا لَكِنْ حَيْثُ يَكُونُ فِي إِسْنَادِهَا عِنْدَهُ نَظَرٌ أَوْ حَيْثُ تَكُونُ مَوْقُوفَةً وَأَمَّا مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُعَبِّرُ بِهَا فِيمَا أَخَذَهُ فِي الْمُذَاكَرَةِ أَوْ بِالْمُنَاوَلَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ قَزَعَةَ) بِفَتْحِ قَافٍ وَسُكُونِ زَايٍ وَفَتْحِهَا وَبِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ بن عُبَيْدٍ الْهَاشِمِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنْ العاشرة (أخبرنا سُفْيَانُ بْنُ حَبِيبٍ الْبَصْرِيُّ الْبَزَّازُ أَبُو مُحَمَّدٍ) وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا سعيد) هو بن أَبِي عَرُوبَةَ (عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو

بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ ثِقَةٌ وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ عَمَّارٍ قَوْلُهُ (أُنْزِلَتِ الْمَائِدَةُ) قَالَ الرَّاغِبُ الْمَائِدَةُ الطَّبَقُ الَّذِي عَلَيْهِ الطَّعَامُ وَيُقَالُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَائِدَةٌ أَيْ عَلَى الْحَقِيقَةِ الْمُشْتَرَكَةِ أَوْ عَلَى أَحَدِهِمَا مَجَازًا بِاعْتِبَارِ الْمُجَاوَرَةِ أَوْ بِذِكْرِ الْمَحَلِّ وَإِرَادَةِ الْحَالِّ (خُبْزًا وَلَحْمًا) تَمْيِيزٌ (وَأُمِرُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (وَلَا يَدَّخِرُوا) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ الْمُبَدَّلَةِ مِنَ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ مِنَ الذَّخِيرَةِ وَهُوَ التَّخْبِيَةُ (لِغَدٍ) أَيْ لِيَوْمٍ عَقِبَ يَوْمِ نُزُولِ الْمَائِدَةِ أَوْ لِوَقْتٍ مُسْتَقْبَلٍ بَعْدَهُ (فَمُسِخُوا) أَيْ فَغَيَّرَ اللَّهُ صُوَرَهُمُ الْإِنْسَانِيَّةَ بَعْدَ تَغْيِيرِ سِيرَتِهِمُ الْإِنْسِيَّةِ (قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ) مَنْصُوبَانِ عَلَى أَنَّهُمَا مَفْعُولٌ ثَانٍ عَلَى مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْقَامُوسِ حَيْثُ قَالَ مَسَخَهُ كَمَنَعَهُ حَوَّلَ صُورَتَهُ إِلَى أُخْرَى أَقْبَحَ وَمَسَخَهُ اللَّهُ قِرْدًا فَهُوَ مِسْخٌ وَمَسِيخٌ وَقَالَ الطِّيبِيُّ حَالَانِ مُقَدَّرَتَانِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجبال بيوتا قِيلَ الظَّاهِرُ أَنَّ شَبَابَهُمْ مُسِخُوا قِرَدَةً وَشُيُوخَهُمْ خنازير قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه بن أبي حاتم وبن جَرِيرٍ (رَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ) اسْمُهُ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ النَّبِيلُ تَنْبِيهٌ ذكر التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ عَمَّارٍ الْمَذْكُورَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ العالمين قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ عِدَّةِ آثَارٍ عن بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مَا لَفْظُهُ وَكُلُّ هَذِهِ الْآثَارِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَائِدَةَ نزلت على بني إسرائيل أيام عيسى بن مَرْيَمَ إِجَابَةً مِنَ اللَّهِ لِدَعْوَتِهِ وَكَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ ظَاهِرُ هَذَا السِّيَاقِ مِنَ الْقُرْآنِ العظيم قال الله إني منزلها عليكم الاية

وقال قَائِلُونَ إِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ فَرَوَى لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ (أنزل علينا مائدة من السماء) قَالَ هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ وَلَمْ يَنْزِلْ شيء رواه بن أبي حاتم وبن جرير وقال حدثنا بن الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَائِدَةِ إِنَّهَا لَمْ تَنْزِلْ وَهَذِهِ أَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ إِلَى مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَقَدْ يَتَقَوَّى ذَلِكَ بِأَنَّ خَبَرَ الْمَائِدَةِ لَا تَعْرِفُهُ النَّصَارَى وَلَيْسَ هُوَ فِي كِتَابِهِمْ وَلَوْ كَانَتْ قَدْ نَزَلَتْ لَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَكَانَ يَكُونُ مَوْجُودًا فِي كِتَابِهِمْ مُتَوَاتِرًا وَلَا أَقَلَّ مِنَ الْآحَادِ وَلَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى أنها نزلت وهو الذي اختاره بن جَرِيرٍ قَالَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ نُزُولَهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أعذبه أحدا من العالمين قَالَ وَوَعْدُ اللَّهِ وَوَعِيدُهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَهَذَا الْقَوْلُ واللَّهُ أَعْلَمُ هُوَ الصَّوَابُ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَخْبَار وَالْآثَارُ عَنِ السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى كَلَامُهُ بِاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ قَوْلُهُ (يُلَقَّى عِيسَى حُجَّتَهُ) أَيْ يُعَلَّمُ وَيُنَبَّهُ عَلَيْهَا وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يا عيسى بن مَرْيَمَ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي وَقْتِ هَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ السُّدِّيُّ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى هَذَا الْقَوْلُ حِينَ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ بِدَلِيلِ أَنَّ حَرْفَ إِذْ يَكُونُ لِلْمَاضِي وَقَالَ سَائِرُ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّمَا يَقُولُ اللَّهُ لَهُ هَذَا الْقَوْلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَبِدَلِيلِ قَوْلِهِ هَذَا يَوْمُ ينفع الصادقين صدقهم وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَأُجِيبَ عَنْ حَرْفِ إِذْ بِأَنَّهَا قَدْ تَجِيءُ بِمَعْنَى إِذَا كَقَوْلِهِ لَوْ ترى إذ فزعوا يَعْنِي إِذَا فُزِعُوا وَقَالَ الرَّاجِزُ ثُمَّ جَزَاكَ اللَّهُ عَنِّي إِذْ جَزَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فِي السماواتَ الْعُلَى أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إلهين من دون الله اسْتِفْهَامٌ وَمَعْنَاهُ الْإِنْكَارُ وَالتَّوْبِيخُ لِمَنِ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ النَّصَارَى لِأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَقُلْ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فَإِنْ قُلْتَ إِذَا كَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَقُلْهَا فَمَا وَجْهُ هَذَا السُّؤَالِ لَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْهُ قُلْتُ وَجْهُ هَذَا السُّؤَالِ تَثْبِيتُ الْحُجَّةِ عَلَى قَوْمِهِ وَإِكْذَابٌ لَهُمْ فِي ادِّعَائِهِمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَأَنَّهُ أَمَرَهُمْ به فهو كما يقول القائل الاخر أَفَعَلْتَ كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعْظِيمَ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَنَفَى عَنْ نَفْسِهِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَقَالَ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ربي وربكم فَاعْتَرَفَ بِالْعُبُودِيَّةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِإِلَهٍ كَمَا زَعَمَتْ وَادَّعَتْ فِيهِ النَّصَارَى

(قال أبو هريرة عن النبي) أَيْ قَالَ رِوَايَةً عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَقَّاهُ اللَّهُ أَيْ عَلَّمَهُ اللَّهُ سُبْحَانَكَ أَيْ تَنْزِيهًا لَكَ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِكَ مِنَ الشَّرِيكِ وَغَيْرِهِ) مَا يَكُونُ لِي أَيْ مَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لي بحق أَيْ أَنْ أَقُولَ قَوْلًا لَا يَحِقُّ لِي أَنْ أَقُولَهُ (الْآيَةَ كُلَّهَا) بِالنَّصْبِ أَيْ أَتَمَّهَا كُلَّهَا وَبَقِيَّةُ الْآيَةِ مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ أَيْ إِنْ صَحَّ أَنِّي قُلْتُهُ فِيمَا مَضَى فَقَدْ عَلِمْتَهُ وَالْمَعْنَى أَنِّي لَا أَحْتَاجُ إِلَى الِاعْتِذَارِ لِأَنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَقُلْهُ وَلَوْ قُلْتُهُ عَلِمْتَهُ لِأَنَّكَ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا في نفسك أَيْ تَعْلَمُ مَا أُخْفِيه فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا تُخْفِيهِ مِنْ مَعْلُومَاتِكَ إِنَّكَ أَنْتَ علام الغيوب تَقْرِيرٌ لِلْجُمْلَتَيْنِ مَعًا لِأَنَّ مَا انْطَوَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنْ جُمْلَةِ الْغُيُوبِ وَلِأَنَّ مَا يَعْلَمُ عَلَّامُ الْغُيُوبِ لَا يَنْتَهِي إِلَيْهِ عِلْمُ أَحَدٍ قوله (هذا حديث حسن صحيح) وأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ قَوْلُهُ (عَنْ حُيَيٍّ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَيَاءَيْنِ مِنْ تَحْتُ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ شُرَيْحٍ الْمَعَافِرِيُّ الْمِصْرِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ وَالْفَتْحِ) قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْإِتْقَانِ يَعْنِي إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذلك قول بن عَبَّاسٍ الْآتِي آخِرُ سُورَةٍ أُنْزِلَتْ إِذَا جَاءَ نصر الله والفتح فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو هَذَا وَبَيْنَ مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ آخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ قُلْتُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَجَابَ بِمَا عِنْدَهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي الِانْتِصَارِ هَذِهِ الْأَقْوَالُ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مرفوع إلى النبي وَكُلٌّ قَالَهُ بِضَرْبٍ مِنَ الِاجْتِهَادِ وَغَلَبَةِ الظَّنِّ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وقد روي عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إِلَخْ) وَصَلَهُ مُسْلِمٌ بَاب وَمِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ هِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا سِتَّ آيَاتٍ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ هِيَ وَمَا

قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِلَى آخِرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ ربكم إِلَى آخِرِ ثَلَاثِ آيَاتٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَخَمْسٌ أَوْ سِتٌّ وَسِتُّونَ آيَةً قَوْلُهُ (عَنْ نَاجِيَةَ بْنِ كَعْبٍ) الْأَسَدِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِنَّا لَا نُكَذِّبُكَ بَلْ نُكَذِّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ) أَيْ لَا نُكَذِّبُكَ لِأَنَّكَ صَادِقٌ وَلَكِنْ نَحْسُدُكَ فَبِسَبَبِهِ نَجْحَدُ بِآيَاتِ اللَّهِ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَقَبْلَهُ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ قَدْ لِلتَّحْقِيقِ نَعْلَمُ إِنَّهُ أَيِ الشَّأْنُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ لَكَ مِنَ التَّكْذِيبِ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ فِي السِّرِّ لِعِلْمِهِمْ أَنَّكَ صَادِقٌ وَفِي قِرَاءَةٍ بِالتَّخْفِيفِ أَيْ لَا يَنْسُبُونَكَ إِلَى الْكَذِبِ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ وَضَعَهُ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ بِآيَاتِ اللَّهِ أَيِ الْقُرْآنِ يَجْحَدُونَ يَكْذِبُونَ قَوْلُهُ وَهَذَا أَصَحُّ أَيِ الْإِسْنَادِ الثَّانِي بِتَرْكِ ذِكْرِ عَلِيٍّ أَصَحُّ مِنَ الْإِسْنَادِ الْأَوَّلِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ قَوْلُهُ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَيْ مِنَ السَّمَاءِ كَالْحِجَارَةِ وَالصَّيْحَةِ أَوْ مِنْ تَحْتِ

أَرْجُلِكُمْ كَالْخَسْفِ وَالرَّجْفَةِ (أَعُوذُ بِوَجْهِكَ) وَفِي رِوَايَةٍ أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ فَلَمَّا نَزَلَتْ يُلْبِسَكُمْ شِيَعًا أَيْ يَخْلِطَكُمْ فِرَقًا مُخْتَلِفَةَ الْأَهْوَاءِ وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ أَيْ بِالْقِتَالِ (هَاتَانِ) أَيْ خَصْلَةُ الِالْتِبَاسِ وَخَصْلَةُ إِذَاقَةِ بَعْضِهِمْ بَأْسَ بَعْضٍ (أَهْوَنُ) مِنْ بَعْثِ الْعَذَابِ مِنَ الْفَوْقِ أَوْ مِنَ التَّحْتِ (أَوْ هَاتَانِ أَيْسَرُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ والنسائي وبن حبان وبن جرير وبن مردويه قوله (عن راشد بن سعد) المقرئ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْقَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ ثُمَّ يَاءُ النَّسَبِ الْحِمْصِيِّ ثِقَةٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ التَّنْبِيهِ (إِنَّهَا) أَيِ الْخَصْلَةُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ بَعْثِ الْعَذَابِ مِنَ الْفَوْقِ أَوِ التَّحْتِ (كَائِنَةٌ) وَاقِعَةٌ فِيمَا بَعْدُ (وَلَمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا) أَيْ عَاقِبَةُ مَا فِيهَا مِنَ الْوَعِيدِ (بَعْدُ) بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ يَعْنِي إِلَى الْآنَ فإن قِيلَ هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرَّجْمَ وَالْخَسْفَ كَائِنَانِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ

الْمَذْكُورُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُمَا لَا يَقَعَانِ لِأَنَّ النبي استعاذ منهما وقد روى بن مردويه عن بن عباس عن النبي قَالَ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْ أُمَّتِي أربعا فرفع عنهم ثنتين وَأَبَى أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمُ اثْنَتَيْنِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمُ الرَّجْمَ مِنَ السَّمَاءِ وَالْخَسْفَ مِنَ الْأَرْضِ وَأَنْ لَا يُلْبِسَهُمْ شِيَعًا وَلَا يُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْخَسْفَ وَالرَّجْمَ وَأَبَى أَنْ يَرْفَعَ عَنْهُمُ الْأُخْرَيَيْنِ فَمَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ يُقَالُ إِنَّ الْإِعَاذَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مُقَيَّدَةٌ بِزَمَانٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ وُجُودُ الصَّحَابَةِ وَالْقُرُونِ الْفَاضِلَةِ وَأَمَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَيَجُوزُ وُقُوعُ ذَلِكَ فِيهِمْ وَيُحْتَمَلُ فِي طَرِيقِ الْجَمْعِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ لِجَمِيعِهِمْ وَإِنْ وَقَعَ لِأَفْرَادٍ مِنْهُمْ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِزَمَانٍ كَمَا فِي خَصْلَةِ الْعَدُوِّ الْكَافِرِ وَالسُّنَّةِ الْعَامَّةِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ رَفَعَهُ فِي حَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زَوَى لِي مِنْهَا الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي أَنْ لَا يُهْلِكَ أُمَّتِي بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِ أَنْفُسِهِمْ وَأَنْ لَا يُلْبِسَهُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتَ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ شَدَّادٍ نَحْوَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَلَمَّا كَانَ تَسْلِيطُ الْعَدُوِّ الْكَافِرِ قَدْ يَقَعُ عَلَى بَعْضِ الْمُؤْمِنَينَ لَكِنَّهُ لَا يَقَعُ عُمُومًا فَكَذَلِكَ الْخَسْفُ وَالْقَذْفُ هَذَا تَلْخِيصُ مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (عَنْ إبراهيم) هو النخعي (عن علقمة) هو بن قيس (عن عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (لَمَّا نَزَلَتْ) بِالتَّأْنِيثِ لِكَوْنِ مَا بَعْدَهُ مِنْ فَاعِلِهِ آيَةٌ وَالتَّقْدِيرُ لَمَّا أُنْزِلَتْ آيَةُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَمْ يَخْلِطُوا تَقُولُ لَبَسْتُ الْأَمْرَ بِالتَّخْفِيفِ أَلْبِسُهُ بِالْفَتْحِ فِي الْمَاضِي وَالْكَسْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أي خالطته وَتَقُولُ لَبِسْتُ الثَّوْبَ أَلْبَسُهُ بِالْكَسْرِ فِي الْمَاضِي وَالْفَتْحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَصْدَرُ مِنَ الْأَوَّلِ لَبْسٌ بِفَتْحِ اللَّامِ وَمِنَ الثَّانِي لُبْسٌ بِالضَّمِّ إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أَيْ لَمْ يَخْلِطُوهُ

بِالشِّرْكِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التَّيْمِيُّ فِي شَرْحِهِ خَلْطُ الْإِيمَانِ بِالشِّرْكِ لَا يُتَصَوَّرُ فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُمُ الصِّفَتَانِ كُفْرٌ مُتَأَخِّرٌ عَنْ إِيمَانٍ مُتَقَدِّمٍ أَيْ لَمْ يَرْتَدُّوا أَوْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوا بَيْنَهُمَا ظاهرا أو باطنا أي لَمْ يُنَافِقُوا وَهَذَا أَوْجَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (شَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) أَيِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالظُّلْمِ مُطْلَقُ الْمَعَاصِي كَمَا يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ لَا سِيَّمَا مِنَ التَّنْكِيرِ الَّذِي يُفِيدُ الْعُمُومَ (وَأَيُّنَا) كَلَامٌ إِضَافِيٌّ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ (لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ) خبره (قال) أي رسول الله (لَيْسَ ذَلِكَ) أَيْ لَيْسَ مَعْنَاهُ كَمَا فَهِمْتُمْ (إِنَّمَا هُوَ) أَيِ الظُّلْمُ (الشِّرْكُ) فَفِي التَّنْكِيرِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَيُّ نَوْعٍ مِنَ الْكُفْرِ أَوْ أُرِيدَ بِهِ التَّعْظِيمُ أَيْ بِظُلْمٍ عَظِيمٍ (أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ إِلَخْ) ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي فِي لُقْمَانَ كَانَتْ مَعْلُومَةً عِنْدَهُمْ وَلِذَلِكَ نَبَّهَهُمْ عَلَيْهَا وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وجل إن الشرك لظلم عظيم قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نُزُولُهَا وَقَعَ فِي الْحَالِ فَتَلَاهَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ نَبَّهَهُمْ فَتَلْتَئِمُ الروايتان قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (فَقَالَتْ يَا أَبَا عَائِشَةَ) هُوَ كُنْيَةُ مَسْرُوقٍ (ثَلَاثٌ) أَيْ ثَلَاثُ كَلِمَاتٍ (فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيِ الْكَذِبَ يُقَالُ فَرَى الشَّيْءَ يَفْرِيه فَرِيًّا وَافْتَرَاهُ يَفْتَرِيه افْتِرَاءً إِذَا اخْتَلَقَهُ وَجَمْعُ الْفِرْيَةِ فِرًى (مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ أَيْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ) هَذَا هو مذهب عائشة أن رسول الله لَمْ يَرَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ قَالَ الْحَافِظُ قَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي رُؤْيَةِ النبي ربه فذهبت عائشة وبن مَسْعُودٍ إِلَى إِنْكَارِهَا وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى إِثْبَاتِهَا وَحَكَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ حَلَفَ أَنَّ محمدا رأى ربه وأخرج بن خُزَيْمَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ إِثْبَاتَهَا وَكَانَ يَشْتَدُّ عَلَيْهِ إِذَا ذَكَرَ لَهُ إِنْكَارَ عَائِشَةَ وبه قال سائر أصحاب بن عَبَّاسٍ وَجَزَمَ بِهِ كَعْبُ الْأَخْبَارِ وَالزُّهْرِيُّ وَصَاحِبُهُ

مَعْمَرٌ وَآخَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَشْعَرِيِّ وَغَالِبُ أَتْبَاعِهِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا هَلْ رَآهُ بِعَيْنِهِ أَوْ بِقَلْبِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ كَالْقَوْلَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ جَاءَتْ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَخْبَارٌ مُطْلَقَةٌ وَأُخْرَى مُقَيَّدَةٌ فَيَجِبُ حَمْلُ مُطْلَقِهَا عَلَى مُقَيَّدِهَا فَمِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طريق عكرمة عن بن عَبَّاسٍ قَالَ أَتَعْجَبُونَ أَنْ تَكُونَ الْخِلَّةُ لِإِبْرَاهِيمَ والكلام لموسى والرؤية لمحمد وأخرجه بن خُزَيْمَةَ بِلَفْظِ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى إِبْرَاهِيمَ بِالْخِلَّةِ الحديث وأخرج بن إِسْحَاقَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سلمة أن بن عمر أرسل إلى بن عَبَّاسٍ هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ نَعَمْ وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طريق أبي العالية عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى قَالَ رَأَى رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ وَلَهُ مِنْ طريق عطاء عن بن عَبَّاسٍ قَالَ رَآهُ بِقَلْبِهِ وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ ما أخرجه بن مردويه من طريق عطاء أيضا عن بن عباس قال لم يره رسول الله بعينه إنما رآه بقلبه وعلى هذا فيمكن الجمع بين إثبات بن عَبَّاسٍ وَنَفْيِ عَائِشَةَ بِأَنْ يُحْمَلَ نَفْيُهَا عَلَى رُؤْيَةِ الْبَصَرِ وَإِثْبَاتُهُ عَلَى رُؤْيَةِ الْقَلْبِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِرُؤْيَةِ الْفُؤَادِ رُؤْيَةُ الْقَلْبِ لَا مُجَرَّدُ حصول العلم لأنه كَانَ عَالِمًا بِاَللَّهِ عَلَى الدَّوَامِ بَلْ مُرَادُ مَنْ أَثْبَتَ لَهُ أَنَّهُ رَآهُ بِقَلْبِهِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ خُلِقَتْ فِي قَلْبِهِ كَمَا يُخْلَقُ الرُّؤْيَةُ بِالْعَيْنِ لِغَيْرِهِ وَالرُّؤْيَةُ لَا يُشْتَرَطُ لَهَا شَيْءٌ مَخْصُوصٌ عَقْلًا وَلَوْ جَرَتِ العادة بخلقها في العين وروى بن خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذر أنه سأل النبي عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ وَلِأَحْمَدَ عَنْهُ قَالَ رَأَيْتَ نُورًا وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْهُ قَالَ رَآهُ بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَرَهُ بِعَيْنِهِ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مُرَادُ أَبِي ذَرٍّ بِذِكْرِهِ النُّورَ أَيْ أَنَّ النُّورَ حَالَ بَيْنَ رُؤْيَتِهِ لَهُ بِبَصَرِهِ وَقَدْ رَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ قَوْلَ الْوَقْفِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَعَزَاهُ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ وَقَوَّاهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَابِ دَلِيلٌ قَاطِعٌ وَغَايَةُ مَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِلطَّائِفَتَيْنِ ظَوَاهِرُ مُتَعَارِضَةٌ قَابِلَةٌ لِلتَّأْوِيلِ قَالَ وَلَيْسَتِ الْمَسْأَلَةُ مِنَ الْعَمَلِيَّاتِ فَيُكْتَفَى فِيهَا بِالْأَدِلَّةِ الظَّنِّيَّةِ وَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الْمُعْتَقَدَاتِ فَلَا يُكْتَفَى فِيهَا إِلَّا بِالدَّلِيلِ الْقَطْعِيِّ وجنح بن خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِلَى تَرْجِيحِ الْإِثْبَاتِ وَأَطْنَبَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ وحمل ما ورد عن بن عَبَّاسٍ عَلَى أَنَّ الرُّؤْيَا وَقَعَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِقَلْبِهِ وَفِيمَا أَوْرَدْتُهُ مِنْ ذَلِكَ مُقْنِعٌ وَمِمَّنْ أثبت الرؤية لنبينا الْإِمَامُ أَحْمَدُ فَرَوَى الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عن المروزي

قلتَ لِأَحْمَدَ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ عَلَى اللَّهِ الْفِرْيَةَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يُدْفَعُ قولها بقول النبي رأيت ربي قول النبي أَكْبَرُ مِنْ قَوْلِهَا وَقَدْ أَنْكَرَ صَاحِبُ الْهَدْيِ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَ رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ قَالَ وَإِنَّمَا قَالَ مَرَّةً رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ وَقَالَ مَرَّةً بِفُؤَادِهِ وَحَكَى عَنْهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ رَآهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِهِ وَهَذَا مِنْ تَصَرُّفِ الْحَاكِي فَإِنَّ نُصُوصَهُ مَوْجُودَةٌ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ واللَّهُ يَقُولُ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَفَى أَنْ تُدْرِكَهُ الْأَبْصَارُ وَعَدَمُ الْإِدْرَاكِ يَقْتَضِي نَفْيَ الرُّؤْيَةِ وَأَجَابَ مُثْبِتُو الرُّؤْيَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِدْرَاكِ الْإِحَاطَةُ وَهُمْ يَقُولُونَ بِهَذَا أَيْضًا وَعَدَمُ الْإِحَاطَةِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ لَمْ تَنْفِ عَائِشَةُ الرُّؤْيَةَ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ وَلَوْ كَانَ مَعَهَا فِيهِ حَدِيثٌ لَذَكَرَتْهُ وَإِنَّمَا اعْتَمَدَتِ الِاسْتِنْبَاطَ عَلَى مَا ذَكَرَتْ مِنْ ظَاهِرِ الْآيَةِ وَقَدْ خَالَفَهَا غَيْرُهَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالصَّحَابِيُّ إِذَا قَالَ قَوْلًا وَخَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْقَوْلُ حُجَّةً اتِّفَاقًا قال الْحَافِظُ جَزْمُ النَّوَوِيِّ بِأَنَّ عَائِشَةَ لَمْ تَنْفِ الرُّؤْيَةَ بِحَدِيثٍ مَرْفُوعٍ عَجِيبٌ فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ الَّذِي شَرَحَهُ الشَّيْخُ فَعِنْدَهُ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ مَسْرُوقٌ وَكُنْتَ مُتَّكِئًا فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى فَقَالَتْ أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ رسول الله عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ وَأَخْرَجَهُ بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ دَاوُدَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ فَقَالَتْ أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ رَسُولَ الله عَنْ هَذَا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ فَقَالَ لَا إِنَّمَا رَأَيْتُ جِبْرِيلَ مُنْهَبِطًا وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إلا وحيا أو من وراء حجاب تَمَامُ الْآيَةِ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِي بِإِذْنِهِ ما يشاء إنه علي حكيم وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَصَرَ تَكْلِيمَهُ لِغَيْرِهِ فِي ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ وَهِيَ الْوَحْيُ بِأَنْ يُلْقِيَ فِي رَوْعِهِ مَا يَشَاءُ أَوْ يُكَلِّمَهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُبَلِّغَهُ عَنْهُ فَيَسْتَلْزِمُ ذَلِكَ انْتِفَاءَ الرُّؤْيَةِ عَنْهُ حَالَةَ التَّكَلُّمِ وَأَجَابُوا عَنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الرُّؤْيَةِ مُطْلَقًا وَغَايَةُ ما يقتضي نفي تكليم الله على غيره الْأَحْوَالَ الثَّلَاثَةَ فَيَجُوزُ أَنَّ التَّكْلِيمَ لَمْ يَقَعْ حَالَةَ الرُّؤْيَةِ (أَنْظِرِينِي) مِنَ الْإِنْظَارِ أَيْ أَمْهِلِينِي لا تُعْجِلِينِي أَيْ لَا تَسْبِقِينِي قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَعْجَلَهُ سَبَقَهُ كَاسْتَعْجَلَهُ وَعَجَّلَهُ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى (

وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ ظَنَّ مَسْرُوقٌ أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَنْصُوبَ فِي قَوْلِهِ (وَلَقَدْ رَآهُ) فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ رَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَاعْتَرَضَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (قَالَ) أي رسول الله (إِنَّمَا ذَلِكَ جِبْرِيلُ) أَيْ هَذَا الْمَرْئِيُّ هُوَ جِبْرِيلُ لَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (غَيْرَ هَاتَيْنِ الْمَرَّتَيْنِ) أَيْ مَرَّةً فِي الْأَرْضِ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى وَمَرَّةً فِي السَّمَاءِ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (سَادًّا) بِتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَالِئًا (عُظْمُ خَلْقِهِ) بِالرَّفْعِ فَاعِلُ سَادًّا وَالْعُظْمُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الظَّاءِ وَبِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الظَّاءِ وَهُوَ ضِدُّ الصِّغَرِ (وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَخْ) هَذَا هُوَ الثَّانِي مِنَ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ (وَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلَخْ) هَذَا هُوَ الثَّالِثُ مِنَ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (الْحَرَشِيُّ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ (الْبَكَّائِيُّ) بِفَتْحِ الموحدة وتشديد الكاف قوله (أتى ناس) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ جَاءَتِ الْيَهُودُ إلى النبي فَقَالُوا إِنَّا نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلْنَا وَلَا نَأْكُلُ مما قتل الله الخ قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ رِوَايَةِ أَبِي داود هذه مَا لَفْظُهُ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْيَهُودَ لَا يَرَوْنَ إِبَاحَةَ الْمَيْتَةِ حَتَّى يُجَادِلُوا الثَّانِيَ أَنَّ الْآيَةَ مِنَ الْأَنْعَامِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ الثَّالِثُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رواه الترمذي بلفظ أتى ناس النبي وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةَ الطَّبَرَانِيِّ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لم يذكر اسم الله عليه

أَرْسَلَتْ فَارِسٌ إِلَى قُرَيْشٍ أَنْ خَاصِمُوا مُحَمَّدًا وقولوا له لما تَذْبَحُ أَنْتَ بِيَدِكَ بِسِكِّينٍ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا ذَبَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِشِمْشِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ يَعْنِي الْمَيْتَةَ فَهُوَ حَرَامٌ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أطعتموهم إنكم لمشركون أَيْ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ مِنْ فَارِسَ لَيُوحُونَ إِلَى أوليائهم من قريش ثم قال وروى بن جرير من طرق متعددة عن بن عَبَّاسٍ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْيَهُودِ فَهَذَا هُوَ المحفوظ لأن الاية مكية واليهود لا يحبون الْمَيْتَةَ انْتَهَى (أَنَأْكُلُ مَا نَقْتُلُ) أَيْ نَذْبَحُ (وَلَا نَأْكُلُ مَا يَقْتُلُ اللَّهُ) يَعْنُونَ الْمَيْتَةَ فكلوا مما ذكر اسم الله عليه أَيْ مَا ذُبِحَ عَلَى اسْمِهِ لَا مَا ذُبِحَ عَلَى اسْمِ غَيْرِهِ أَوْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ قَالَ الْخَازِنُ هَذَا جَوَابٌ لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ أَتَأْكُلُونَ مِمَّا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مِمَّا قَتَلَ رَبُّكُمْ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ فَكُلُوا أَنْتُمْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عليه من الذبائح وعند بن أبي حاتم عن بن عباس قال يوحي الشيطان إلى أوليائهم مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَقُولُوا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلْتُمْ وَلَا تَأْكُلُونَ مَا قَتَلَ اللَّهُ فَقَالَ إِنَّ الَّذِي قَتَلْتُمْ يُذْكَرُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّ الَّذِي مَاتَ لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنَينَ فَإِنَّ الْإِيمَانَ بِهَا يَقْتَضِي اسْتِبَاحَةَ مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَاجْتِنَابَ مَا حَرَّمَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ تَحْسِينِ التِّرْمِذِيِّ عَطَاءَ بْنَ السَّائِبِ اخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِحَدِيثِهِ وَأَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ مَقْرُونًا بِأَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ وَفِي إِسْنَادِهِ عِمْرَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ أَخُو سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْمَنَاكِيرِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوجه عن بن عباس أيضا) رواه أبو داود وبن ماجه وبن أبي حاتم وغيرهم وصحح الحافظ بن كَثِيرٍ إِسْنَادَهُ (وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ النَّبِيِّ مرسلا) رواه بن أبي حاتم

قَوْلُهُ (عَنْ دَاوُدَ الْأَوْدِيِّ) الظَّاهِرُ أَنَّ دَاوُدَ هَذَا هُوَ دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ الزَّعَافِرِيُّ بِالزَّايِ وَالْمُهْمَلَةِ وَبِالْفَاءِ أَبُو الْعَلَاءِ الْكُوفِيُّ ثقة من السادسة وهو غيرهم عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِدْرِيسَ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) هو بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الصحيفة التي عليها خاتم محمد فَلْيَقْرَأْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ) كِنَايَةٌ عَنْ أَنَّ هَذِهِ الايات محكمات غير منسوخات وقال بن عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَاتُ مُحْكَمَاتٌ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ لَمْ يَنْسَخْهُنَّ شَيْءٌ وَهُنَّ مُحَرَّمَاتٌ عَلَى بَنِي آدَمَ كُلِّهِمْ وَهُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ مَنْ عَمِلَ بِهِنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ تَرَكَهُنَّ دَخَلَ النَّارَ ذَكَرَهُ الْخَازِنُ وَرَوَى نَحْوَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قُلْ يَا مُحَمَّدُ تَعَالَوْا أَيْ هَلُمُّوا وَأَقْبِلُوا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَيْ أَقْرَأُ وَأَقُصُّ عَلَيْكُمْ وَأُخْبِرُكُمْ بِمَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا لَا تَخَرُّصًا وَلَا ظَنًّا بَلْ وَحْيًا مِنْهُ وَأَمْرًا مِنْ عِنْدِهِ وَبَقِيَّةُ الْآيَاتِ مَعَ تفسيرها هكذا أن لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا كَأَنَّ فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَتَقْدِيرُهُ وَأَوْصَاكُمْ أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَلِهَذَا قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وقال النيسابوري في تفسيره فإن قيل قوله أن لا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا كَالتَّفْصِيلِ لِمَا أَجْمَلَهُ فِي قَوْلِهِ مَا حَرَّمَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الشِّرْكِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ مُحَرَّمًا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ التَّحْرِيمِ الْبَيَانُ الْمَضْبُوطُ أَوِ الْكَلَامُ تَمَّ عِنْدَ قَوْلِهِ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تُشْرِكُوا أَوْ أَنْ مُفَسِّرَةٌ أَيْ ذَلِكَ التَّحْرِيمُ هُوَ قَوْلُهُ لَا تُشْرِكُوا وَهَذَا فِي النَّوَاهِي وَاضِحٌ وَأَمَّا الْأَوَامِرُ فَيُعْلَمُ بِالْقَرِينَةِ أَنَّ التَّحْرِيمَ رَاجِعٌ إِلَى أَضْدَادِهَا وَهِيَ الْإِسَاءَةُ إِلَى الْوَالِدَيْنِ وَبَخْسُ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ وَتَرْكُ الْعَدْلِ فِي الْقَوْلِ وَنَكْثُ عَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَجُوزُ أن يجعل نَاصِبَةً وَإِلَّا لَزِمَ عَطْفُ الطَّلَبِ أَعْنِي الْأَمْرَ عَلَى الْخَبَرِ انْتَهَى وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا أَيْ أَوْصَاكُمْ وَأَمَرَكُمْ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ بِالْوَأْدِ مِنْ إِمْلَاقٍ أَيْ مِنْ أَجْلِ فَقْرٍ تَخَافُونَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ الْبَنَاتَ خَشْيَةَ الْعَارِ وَرُبَّمَا قَتَلُوا بَعْضَ الذُّكُورِ خَشْيَةَ الِافْتِقَارِ نَحْنُ نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش أَيِ الْكَبَائِرَ كَالزِّنَا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ أَيْ عَلَانِيَتَهَا وَسِرَّهَا وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ التي حرم الله إلا بالحق إِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْقَتْلِ وَأَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ الْفَوَاحِشِ وَالْكَبَائِرِ وَقِيلَ إِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَوَاحِشِ إِلَّا بِالْإِفْرَادِ فَلِذَلِكَ قَالَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ

التي حرم الله إلا بالحق كَالْقَوَدِ وَحَدِّ الرِّدَّةِ وَرَجْمِ الْمُحْصَنِ ذَلِكُمْ أَيِ الْمَذْكُورُ وَصَّاكُمْ بِهِ يَعْنِي أَمَرَكُمْ بِهِ وَأَوْجَبَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أَيْ لِكَيْ تَفْهَمُوا وَتَتَدَبَّرُوا مَا فِي هَذِهِ التَّكَالِيفِ مِنَ الْفَوَائِدِ وَالْمَنَافِعِ فَتَعْلَمُوا بِهَا وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بالتي أَيْ بِالْخَصْلَةِ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وَهِيَ مَا فِيهِ صَلَاحُهُ وَتَثْمِيرُهُ وَتَحْصِيلُ الرِّبْحِ لَهُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ بِأَنْ يَحْتَلِمَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَيُضَمُّ أَوَّلُهُ أَيْ قُوَّتَهُ وَهُوَ مَا بَيْنَ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً إِلَى ثَلَاثِينَ وَاحِدٌ جَاءَ عَلَى بِنَاءِ الْجَمْعِ كَآنُكٍ وَلَا نَظِيرَ لَهُمَا أَوْ جَمْعٌ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ أَوْ وَاحِدُهُ شِدَّةٌ بِالْكَسْرِ مَعَ أَنَّ فِعْلَةً لَا تُجْمَعُ عَلَى أَفْعُلٍ أو شد لكلب وَأَكْلُبٍ أَوْ شِدٌّ كَذِئْبٍ وَأَذْؤُبٍ وَمَا هُمَا بِمَسْمُوعَيْنِ بَلْ قِيَاسٌ انْتَهَى وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي تَفْسِيرِ الْأَشُدِّ فَقِيلَ عِشْرُونَ سَنَةً وَقِيلَ ثَلَاثُونَ سَنَةً وَقِيلَ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً قَالَ الْخَازِنُ هَذِهِ الْأَقْوَالُ الَّتِي نُقِلَتْ عَنِ الْمُفَسِّرِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّمَا هِيَ نِهَايَةُ الْأَشُدِّ لَا ابْتِدَاؤُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَشُدِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ ابْتِدَاءُ بُلُوغِ الْحُلُمِ مَعَ إِينَاسِ الرُّشْدِ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ والميزان بالقسط أَيْ بِالْعَدْلِ وَتَرْكِ الْبَخْسِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إلا وسعها أَيْ طَاقَتَهَا وَمَا يَسَعُهَا فِي إِيفَاءِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ وَإِتْمَامِهِ يَعْنِي مَنِ اجْتَهَدَ فِي أَدَاءِ الْحَقِّ وَأَخَذَهُ فَإِنْ أَخْطَأَ بَعْدَ اسْتِفْرَاغِ وُسْعِهِ وَبَذْلِ جُهْدِهِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَإِذَا قُلْتُمْ فِي حُكْمٍ أَوْ غَيْرِهِ فَاعْدِلُوا بِالصِّدْقِ وَالْحَقِّ وَلَوْ كَانَ أَيِ الْمَقُولُ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ ذَا قُرْبَى أَيْ ذَا قَرَابَةٍ لَكُمْ وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا يَعْنِي مَا عَهِدَ إِلَى عِبَادِهِ وَوَصَّاهُمْ بِهِ وَأَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ ذَلِكُمْ أَيِ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ أَيْ لَعَلَّكُمْ تَتَّعِظُونَ وَتَتَذَكَّرُونَ فَتَأْخُذُونَ مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ وَأَنَّ بِالْفَتْحِ عَلَى تَقْدِيرِ اللَّامِ والكسر استينافا هَذَا أَيِ الَّذِي وَصَّيْتُكُمْ بِهِ صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا حَالٌ فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ الطُّرُقَ الْمُخَالِفَةَ لَهُ فَتَفَرَّقَ فِيهِ حَذْفُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ أَيْ فَتَمِيلَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ أَيْ دِينِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيْ الطُّرُقَ الْمُخْتَلِفَةَ وَالسُّبُلَ الْمُضِلَّةَ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبِي) أَيْ حَدَّثَنَا والدي وهو وكيع بن الجراح (عن بن أَبِي لَيْلَى) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ (عَنْ عَطِيَّةَ) هُوَ الْعُوفِيُّ قَوْلُهُ (قَالَ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا) أي قال رسول الله إِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ هُوَ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَعَبْدُ بن حميد وأبو يعلى وبن أبي حاتم وأبو الشيخ وبن مردويه قوله (عن يَعْلَى بْنُ عُبَيْدِ) بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ الْكُوفِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو يُوسُفَ الطَّنَافِسِيُّ ثِقَةٌ إِلَّا فِي حَدِيثِهِ عَنِ الثَّوْرِيِّ فَفِيهِ لِينٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) هُوَ الْأَشْجَعِيُّ قَوْلُهُ (ثَلَاثٌ) أَيْ ثَلَاثُ آيَاتٍ (إِذَا خَرَجْنَ) فِيهِ تَغْلِيبٌ أَوْ مَعْنَاهُ ظَهَرْنَ وَالْمُرَادُ هَذِهِ الثَّلَاثُ بِأَسْرِهَا (لَمْ يَنْفَعْ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ من قبل الْآيَةَ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِلَفْظِ لَمْ يَنْفَعْ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَا يَنْفَعُ وَهُوَ الظَّاهِرُ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يَنْفَعْ بَلْ فِيهَا لَا يَنْفَعُ وَالْآيَةُ بِتَمَامِهَا مع تفسيرها هكذا هل ينظرون أي ما يَنْتَظِرُونَ الْمُكَذِّبُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَيْ لِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَيْ أَمْرُهُ بِمَعْنَى عَذَابُهُ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ أَيْ بَعْضُ عَلَامَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى السَّاعَةِ وَهُوَ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ الْجُمْلَةُ صِفَةُ نَفْسٍ أَوْ نَفْسًا لَمْ تَكُنْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا أَيْ طَاعَةً أَيْ لَا تَنْفَعُهَا قَرَابَتُهَا قُلِ انْتَظِرُوا أَحَدَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَالدَّابَّةُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ دَابَّةُ الْأَرْضِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأحمد وبن جَرِيرٍ قَوْلُهُ (وَقَوْلُهُ الْحَقُّ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (إِذَا هُمْ) أَيْ أَرَادَ كَمَا فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الشَّيْخَيْنِ قال الْحَافِظُ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُطْلَقَ الْهَمِّ وَالْإِرَادَةِ لَا يَكْفِي فَعِنْدَ أحمد وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ خُرَيْمِ بْنِ فَاتِكٍ رَفَعَهُ وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ أَشْعَرَ بِهَا قَلْبَهُ

وحرص عليها وقد تمسك به بن حِبَّانَ فَقَالَ بَعْدَ إِيرَادِ حَدِيثِ الْبَابِ فِي صَحِيحِهِ الْمُرَادُ بِالْهَمِّ هُنَا الْعَزْمُ ثُمَّ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ اللَّهَ يَكْتُبُ الْحَسَنَةَ بِمُجَرَّدِ الْهَمِّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهَا زِيَادَةً فِي الفضل (فاكتبوها له) أي الذي هم بالحسنة وفيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ يَطَّلِعُ عَلَى مَا فِي قَلْبِ الْآدَمِيِّ إِمَّا بِإِطْلَاعِ اللَّهِ إِيَّاهُ أَوْ بِأَنْ يَخْلُقَ لَهُ عِلْمًا يُدْرِكُ بِهِ ذلك ويؤيد الأول ما أخرجه بن أَبِي الدُّنْيَا عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ يُنَادِي الْمَلَكَ اكْتُبْ لِفُلَانٍ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ يَا رَبِّ إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْهُ فَيَقُولُ إِنَّهُ نَوَاهُ وَقِيلَ بَلْ يَجِدُ الْمَلَكُ لِلْهَمِّ بِالسَّيِّئَةِ رَائِحَةً خَبِيثَةً وَبِالْحَسَنَةِ رَائِحَةً طَيِّبَةً وأخرج ذَلِكَ الطَّبَرِيُّ عَنْ أَبِي مَعْشَرَ الْمَدَنِيِّ وَجَاءَ مِثْلُهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ الْحَافِظُ وَرَأَيْتَ في شرح مغلطاني أَنَّهُ وَرَدَ مَرْفُوعًا قَالَ الطُّوفِيُّ إِنَّمَا كُتِبَتِ الْحَسَنَةُ بِمُجَرَّدِ الْإِرَادَةِ لِأَنَّ إِرَادَةَ الْخَيْرِ سَبَبٌ إِلَى الْعَمَلِ وَإِرَادَةُ الْخَيْرِ خَيْرٌ لِأَنَّ إِرَادَةَ الْخَيْرِ مِنْ عَمَلِ الْقَلْبِ وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَكَيْفَ لَا تُضَاعَفُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وَأُجِيبَ بِحَمْلِ الْآيَةِ عَلَى عَمَلِ الْجَوَارِحِ وَالْحَدِيثُ عَلَى الْهَمِّ الْمُجَرَّدِ (فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ بعشر أمثالها) وفي حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ جَعْدٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعَطَارِدِيِّ فَإِنْ هو هم بها فعملها كتبها اللَّهُ لَهُ بِهَا عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ قَالَ الْحَافِظُ يُؤْخَذُ مِنْهُ رَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ حَسَنَةَ الْإِرَادَةِ تُضَافُ إِلَى عَشْرَةِ التَّضْعِيفِ فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرُ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ احْتِمَالٌ ورواية عبد الوراث فِي الْبَابِ ظَاهِرَةٌ فِيمَا قُلْته وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ انْتَهَى (فَإِنْ تَرَكَهَا) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ أَجْلِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 8 - بَاب وَمِنْ سُورَةِ الْأَعْرَافِ مَكِّيَّةٌ إِلَّا وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الثَّمَانِ أو

الْخَمْسِ آيَاتٍ وَهِيَ مِائَتَانِ وَخَمْسٌ أَوْ سِتُّ آيَاتٍ قَوْلُهُ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ أَيْ ظَهَرَ نُورُ رَبِّهِ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا أَيْ مدكوكا مستويا بالأرض (قال حماد) هو بن سَلَمَةَ (هَكَذَا) أَيْ أَشَارَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ لِبَيَانِ قِلَّةِ التَّجَلِّي هَكَذَا يَعْنِي وَضَعَ طَرَفَ إِبْهَامِهِ عَلَى أُنْمُلَةِ إِصْبَعِهِ الْيُمْنَى (وَأَمْسَكَ سُلَيْمَانُ إِلَخْ) أَيْ لِبَيَانِ قَوْلِهِ هَكَذَا وَرَوَى الْحَافِظُ بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ أنس أن النبي قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جعله دكا) قال هكذا بإصبعه وضع النبي إِصْبَعَهُ الْإِبْهَامَ عَلَى الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى مِنَ الْخِنْصَرِ فساخ الجبل قال الحافظ بن كَثِيرٍ هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ أَنَسٍ وَالْمَشْهُورُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ انتهى (قال) أي النبي (فَسَاخَ الْجَبَلُ) أَيْ غَاصَ فِي الْأَرْضِ وَغَابَ فِيهَا (وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا) أَيْ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ لِهَوْلِ مَا رَأَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وبن جَرِيرٍ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذِ) بْنِ نَصْرِ بْنِ حَسَّانٍ الْعَنْبَرِيُّ أَبُو الْمُثَنَّى الْبَصْرِيُّ الْقَاضِي ثِقَةٌ مُتْقِنٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْيَاءِ هُوَ أَبُو أُسَامَةَ الْجَزَرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ الْعَدَوِيِّ أَبِي عُمَرَ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ تُوُفِّيَ بِحَرَّانَ فِي خِلَافَةِ هِشَامٍ (عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْجُهَنِيِّ) مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ) أَيْ عَنْ كَيْفِيَّةِ أَخْذِ اللَّهِ ذُرِّيَّةَ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمُ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ وَإِذْ أَيِ اذْكُرْ يا محمد

() حِينَ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظهورهم بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِمَّا قَبْلَهُ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ وَقِيلَ بَدَلُ بَعْضٍ ذُرِّيَّتَهُمْ بِأَنْ أَخْرَجَ بَعْضَهُمْ مِنْ صُلْبِ بَعْضٍ مِنْ صُلْبِ آدَمَ نَسْلًا بَعْدَ نَسْلٍ كَنَحْوِ مَا يَتَوَالَدُونَ كَالذَّرِّ بِنُعْمَانَ يَوْمِ عَرَفَةَ وَنَصَبَ لَهُمْ دَلَائِلَ عَلَى رُبَوبِيَّتِهِ وَرَكَّبَ فِيهِمْ عَقْلًا وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ) قَالَ (أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى) أَنْتَ رَبُّنَا (شَهِدْنَا) بِذَلِكَ (أَنْ تَقُولُوا) أَيْ لِئَلَّا تَقُولُوا (يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا) أَيِ التَّوْحِيدِ (غَافِلِينَ) لَا نَعْرِفُهُ (سُئِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ (ثُمَّ مَسَحَ ظَهَرَهُ) أَيْ ظَهْرَ آدَمَ (بِيَمِينِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ يُنْسَبُ الْخَيْرُ إِلَى الْيَمِينِ فَفِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى تَخْصِيصِ آدَمَ بِالْكَرَامَةِ وَقِيلَ بِيَدِ بَعْضِ مَلَائِكَتِهِ وَهُوَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ عَلَى تَصْوِيرِ الْأَجِنَّةِ أُسْنِدَ إِلَيْهِ تَعَالَى لِلتَّشْرِيفِ أَوْ لِأَنَّهُ الْآمِرُ وَالْمُتَصَرِّفُ كَمَا أُسْنِدَ إِلَيْهِ التَّوَفِّيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ) وَقَالَ تَعَالَى (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَاسِحُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَسْحُ مِنْ بَابِ التَّصْوِيرِ وَالتَّمْثِيلِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ هَذِهِ تَأْوِيلَاتٌ لَا حَاجَةَ إِلَيْهَا قَدْ مَرَّ مِرَارًا أَنَّ مَذْهَبَ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ إِمْرَارُهَا عَلَى ظَوَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ وَتَكْيِيفٍ (فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذُرِّيَّةً) قِيلَ قَبْلَ دُخُولِ آدَمَ الْجَنَّةَ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَقِيلَ بِبَطْنِ نُعْمَانَ وَأَنَّهُ بِقُرْبِ عَرَفَةَ وَقِيلَ فِي الْجَنَّةِ وَقِيلَ بَعْدَ النُّزُولِ مِنْهَا بِأَرْضِ الْهِنْدِ وَرُوِيَ عن بن عباس رضي الله عنه عن النبي

قَالَ أَخَذَ اللَّهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنُعْمَانَ يَعْنِي عَرَفَةَ فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قُبُلًا قَالَ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا وَنَقَلَ السَّيِّدُ السَّنَدَ عَنِ الْأَزْهَارِ أَنَّهُ قِيلَ شَقَّ ظَهْرَهُ وَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْهُ وَقِيلَ إِنَّهُ اسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ ثُقُوبِ رَأْسِهِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ اسْتَخْرَجَهُمْ من مسام شعرات ظهره ذكره القارىء في المرقاة قلت حديث بن عباس الذي ذكره بقوله وروى عن بن عَبَّاسٍ إِلَخْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ في كتاب التفسير من سننه وبن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ موقوفا على بن عباس قال الحافظ بن كثير وهذا أي كونه موقوفا علي بن عَبَّاسٍ أَكْثَرُ وَأَثْبَتُ انْتَهَى قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ أَطْبَقَتِ الْمُعْتَزِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِنْ ظُهُورِهِمْ بَدَلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ فَالْمَعْنَى وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ ظُهُورِ بَنِي آدَمَ فَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ شَيْئًا وما كَانَ الْمُرَادُ الْأَخْذَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ لَقِيلَ مِنْ ظَهْرِهِ وَأَجَابَ بِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى أَخْرَجَ الذُّرِّيَّةَ مِنْ ظُهُورِ بَنِي آدَمَ وَأَمَّا أَنَّهُ أَخْرَجَ تِلْكَ الذُّرِّيَّةِ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ فَلَا تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى إثباته ونفيه وَالْخَبَرُ قَدْ دَلَّ عَلَى ثُبُوتِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِمَا مَعًا بِأَنَّ بَعْضَ الذَّرِّ مِنْ ظَهْرِ بَعْضِ الذَّرِّ وَالْكُلُّ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ صَوْنًا لِلْآيَةِ وَالْحَدِيثِ عَنِ الِاخْتِلَافِ انْتَهَى وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ هذا الحديث يعني حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ لَا يَحْتَمِلُ مِنَ التَّأْوِيلِ مَا يَحْتَمِلُهُ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلَا أَرَى الْمُعْتَزِلَةَ يُقَابِلُونَ هَذِهِ الْحُجَّةَ إِلَّا بقولهم حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا مِنَ الْآحَادِ فَلَا نَتْرُكُ بِهِ ظَاهِرَ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا هَرَبُوا عَنِ الْقَوْلِ فِي مَعْنَى الْآيَةِ بِمَا يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لِمَكَانِ قَوْلِهِ تَعَالَى أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كنا عن هذا غافلين فَقَالُوا إِنْ كَانَ هَذَا الْإِقْرَارُ عَنِ اضْطِرَارٍ حَيْثُ كُوشِفُوا بِحَقِيقَةِ الْأَمْرِ وَشَاهَدُوهُ عَيْنَ الْيَقِينِ فَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَقُولُوا شَهِدْنَا يَوْمَئِذٍ فَلَمَّا زَالَ عَنَّا عَلِمْنَا عِلْمَ الضَّرُورَةِ وَوُكِلْنَا إِلَى آرَائِنَا كَانَ مِنَّا مَنْ أَصَابَ وَمِنَّا مَنْ أَخْطَأَ وَإِنْ كَانَ عَنِ اسْتِدْلَالٍ وَلَكِنَّهُمْ عُصِمُوا عِنْدَهُ مِنَ الْخَطَأِ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا أُيِّدْنَا يَوْمَ الْإِقْرَارِ بِالتَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ وَحُرِمْنَاهُمَا مِنْ بَعْدُ وَلَوْ مَدَدْنَا بِهِمَا لَكَانَتْ شَهَادَتُنَا فِي كُلِّ حِينٍ كَشَهَادَتِنَا فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمِيثَاقَ مَا رَكَّزَ اللَّهُ فِيهِمْ مِنَ الْعُقُولِ وَآتَاهُمْ وَآبَاءَهُمْ مِنَ الْبَصَائِرِ لِأَنَّهَا هِيَ الْحُجَّةُ الْبَاقِيَةُ الْمَانِعَةُ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ هَذَا الْإِقْرَارَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِي الْإِشْرَاكِ كَمَا جَعَلَ بَعْثَ الرُّسُلِ حُجَّةً عَلَيْهِمْ فِي الْإِيمَانِ بِمَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنَ الْغُيُوبِ قال الطِّيبِيُّ وَخُلَاصَةُ مَا قَالُوهُ أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونُوا مُحْتَجِّينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَنَّهُ زَالَ عَنَّا عِلْمُ الضَّرُورَةِ وَوُكِلْنَا إِلَى آرَائِنَا فَيُقَالُ لَهُمْ كَذَبْتُمْ بَلْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى يُوقِظُونَكُمْ مِنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ وَأَمَّا

قَوْلُهُ حُرِمْنَا عَنِ التَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ إِذْ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا لَا مَنْفَعَةَ لَنَا فِي الْعُقُولِ وَالْبَصَائِرِ حَيْثُ حُرِمْنَا عَنِ التَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ وَالْحَقُّ أَنْ تُحْمَلَ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ عَلَى ظَوَاهِرِهَا وَلَا يُقْدَمُ عَلَى الطَّعْنِ فِيهَا بِأَنَّهَا آحَادٌ لِمُخَالَفَتِهَا لِمُعْتَقَدِ أَحَدٍ وَمَنْ أَقْدَمَ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ حُرِمَ خَيْرًا كَثِيرًا وَخَالَفَ طَرِيقَةَ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُثْبِتُونَ خَبَرَ وَاحِدٍ عَنْ واحد عن النبي وَيَجْعَلُونَهُ سُنَّةً حُمِدَ مَنْ تَبِعَهَا وَعِيبَ مَنْ خَالَفَهَا انْتَهَى (وَبِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) أَيْ مِنَ الطَّاعَاتِ (يَعْمَلُونَ) إِمَّا فِي جَمِيعِ عُمْرِهِمْ أَوْ فِي خَاتِمَةِ أَمْرِهِمْ (فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ) أَيْ إِذَا كَانَ كَمَا ذَكَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِنْ سَبْقِ الْقَدَرِ فَفِي أَيِّ شَيْءٍ يُفِيدُ الْعَمَلُ أَوْ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَعَلَّقُ الْعَمَلُ أَوْ فَلِأَيِّ شَيْءٍ أُمِرْنَا بِالْعَمَلِ (اسْتَعْمَلَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) أَيْ جَعَلَهُ عَامِلًا بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَوَفَّقَهُ لِلْعَمَلِ بِهِ (حَتَّى يَمُوتَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى عَمَلٍ مُقَارَنٍ بِالْمَوْتِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الموطأ وأحمد والنسائي وبن أبي حاتم وبن جرير وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمْ (وَمُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ إِلَخْ) قال الْحَافِظُ بن كَثِيرٍ وَكَذَا قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ وَأَبُو زُرْعَةَ زَادَ أَبُو حَاتِمٍ وَبَيْنَهُمَا نُعَيْمُ بْنُ رَبِيعَةَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو حَاتِمٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصَفَّى عَنْ بَقِيَّةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ جُعْثُمٍ الْقُرَشِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ كُنْتَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدم من ظهورهم ذريتهم فذكر وَقَالَ الْحَافِظُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَدْ تَابَعَ عُمَرَ بْنَ جُعْثُمٍ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو فَرْوَةَ الرَّهَاوِيُّ وَقَوْلُهُمَا أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ قال بن كَثِيرٍ الظَّاهِرُ أَنَّ الْإِمَامَ مَالِكًا إِنَّمَا أَسْقَطَ ذِكْرَ نُعَيْمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَمْدًا لَمَّا جَهِلَ حال

نُعَيْمٍ وَلَمْ يَعْرِفْهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلِذَلِكَ يُسْقِطُ ذِكْرَ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ لَا يَرْتَضِيهِمْ وَلِهَذَا يُرْسِلُ كَثِيرًا مِنَ الْمَرْفُوعَاتِ وَيَقْطَعُ كَثِيرًا مِنَ الْمَوْصُولَاتِ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ بِهَذَا الْإِسْنَادِ لِأَنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ هَذَا لَمْ يَلْقَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَبَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ نُعَيْمُ بْنُ رَبِيعَةَ وَهَذَا أَيْضًا مَعَ الْإِسْنَادِ لَا تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ وَمُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ هَذَا مَجْهُولٌ قِيلَ إِنَّهُ مَدَنِيٌّ وَلَيْسَ بِمُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ الْبَصْرِيِّ وَقَالَ أَيْضًا وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَائِمِ لِأَنَّ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ وَنُعَيْمَ بْنَ رَبِيعَةَ جَمِيعًا غَيْرُ مَعْرُوفِينَ بِحَمْلِ الْعِلْمِ وَلَكِنْ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ قَدْ صح عن النبي مِنْ وُجُوهٍ ثَابِتَةٍ كَثِيرَةٍ يَطُولُ ذِكْرُهَا مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى قلتَ مسلم بن يسار هذا وثقة بن حِبَّانَ وَقَالَ الْعِجْلِيُّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ وَنُعَيْمُ بْنُ ربيعة وثقه أيضا بن حِبَّانَ وَقَالَ الْحَافِظُ هُوَ مَقْبُولٌ قَوْلُهُ (فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ) أَيْ خَرَجَ مِنْهُ (كُلُّ نَسَمَةٍ) أَيْ ذِي رُوحٍ وَقِيلَ كُلُّ ذِي نَفْسٍ مَأْخُوذَةٍ مِنَ النَّسِيمِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ (هُوَ خَالِقُهَا من ذريته) الجملة صفة نسمة ومن بَيَانِيَّةٌ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّ إِخْرَاجَ الذُّرِّيَّةِ كَانَ حَقِيقِيًّا (وَبِيصًا) أَيْ بَرِيقًا وَلَمَعَانًا (مِنْ نُورٍ) فِي ذِكْرِهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ وَفِي قَوْلِهِ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ إِيذَانٌ بِأَنَّ الذُّرِّيَّةَ كَانَتْ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ عَلَى مِقْدَارِ الذَّرِّ (فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ) أَيْ سَرَّهُ (هَذَا رَجُلٌ مِنْ آخِرِ الْأُمَمِ) جَمْعُ أُمَّةٍ وَالْآخِرِيَّةُ إِضَافِيَّةٌ لَا حَقِيقِيَّةٌ فَإِنَّ الْآخِرِيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ ثَابِتَةٌ لِأُمَّةِ نَبِيِّنَا محمد وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْسَ مِنْهُمْ (يُقَالُ لَهُ دَاوُدُ) قِيلَ تَخْصِيصُ التَّعَجُّبِ مِنْ وَبِيصِ دَاوُدَ إِظْهَارٌ لِكَرَامَتِهِ وَمَدْحٌ لَهُ فَلَا يَلْزَمُ تَفْضِيلُهُ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ قَدْ يَكُونُ لَهُ مَزِيَّةٌ بَلْ مَزَايَا لَيْسَتْ فِي الْفَاضِلِ وَلَعَلَّ وَجْهَ الْمُلَاءَمَةِ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكُ نِسْبَةِ الْخِلَافَةِ (قَالَ) أَيْ آدَمُ (رَبِّ) بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ (وَكَمْ جَعَلْتَ عُمُرَهُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ وَقَدْ تُسَكَّنُ وَكَمْ مَفْعُولٌ لِمَا بَعْدَهُ وَقُدِّمَ لِمَا لَهُ الصَّدْرُ أَيْ كَمْ

سَنَةً جَعَلْتَ عُمُرَهُ (زِدْهُ مِنْ عُمُرِي) يَعْنِي مِنْ جُمْلَةِ الْأَلْفِ وَمِنْ عُمُرِي صِفَةُ أَرْبَعِينَ قُدِّمَتْ فَعَادَتْ حَالًا (أَرْبَعِينَ سَنَةً) مَفْعُولٌ ثَانٍ لِقَوْلِهِ زِدْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ زَادَ يُسْتَعْمَلُ لَازِمًا كَقَوْلِك زَادَ الْمَاءُ وَيُسْتَعْمَلُ مُتَعَدِّيًا إِلَى مَفْعُولَيْنِ كَقَوْلِهِ زِدْتُهُ دِرْهَمًا وَعَلَى هَذَا جَاءَ قَوْلُهُ تَعَالَى فزادهم الله مرضا (أو لم يَبْقَ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعُونَ سَنَةً) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ الْمُنْصَبِّ عَلَى نَفْيِ الْبَقَاءِ فَيُفِيدُ إِثْبَاتَهُ وَقُدِّمَتْ عَلَى الْوَاوِ لِصَدَارَتِهَا وَالْوَاوُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ لِمُجَرَّدِ الرَّبْطِ بَيْنَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا (قَالَ) أي ملك الموت (أو لم تُعْطِهَا) أَيْ أَتَقُولُ ذَلِكَ وَلَمْ تُعْطِ الْأَرْبَعِينَ (فجحد آدم) أي ذلك لأن كَانَ فِي عَالَمِ الذَّرِّ فَلَمْ يَسْتَحْضِرْهُ حَالَةَ مَجِيءِ مَلَكِ الْمَوْتِ لَهُ (فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ) لِأَنَّ الْوَلَدَ سِرُّ أَبِيهِ (فَنَسِيَ آدَمُ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ وَوَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ وَنَسِيَ آدَمُ فَأَكَلَ مِنَ الشَّجَرَةِ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ قال القارىء قِيلَ نَسِيَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ جِنْسِ الشَّجَرَةِ أَوِ الشَّجَرَةِ بِعَيْنِهَا فَأَكَلَ مِنْ غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ وكان النهي عن الجنس (وخطىء) بِكَسْرِ الطَّاءِ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ أَيْ أَذْنَبَ وَعَصَى تَنْبِيهٌ قَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا فِي آخِرِ كِتَابِ التَّفْسِيرِ وَفِيهِ قَالَ يَا رَبِّ مَنْ هَذَا قَالَ هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ وَقَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمُرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ يَا رَبِّ زِدْهُ فِي عُمُرِهِ قَالَ ذَاكَ الَّذِي كُتِبَ لَهُ قَالَ أَيْ رَبِّي فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمُرِي سِتِّينَ سَنَةً قَالَ أَنْتَ وَذَاكَ ثُمَّ أُسْكِنَ الْجَنَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهَا وَكَانَ آدَمُ يَعُدُّ لِنَفْسِهِ قَالَ فَأَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُ آدَمُ قَدْ عَجَّلْتَ قَدْ كُتِبَ لِي أَلْفُ سَنَةٍ قَالَ بَلَى وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكَ دَاوُدَ سِتِّينَ سَنَةً فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي آخِرِ كِتَابِ التَّفْسِيرِ مُخَالِفَةٌ لِهَذِهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ مُخَالَفَةً ظاهرة قال القارىء ويمكن الجمع بأنه جعل لَهُ مِنْ عُمُرِهِ أَوَّلًا أَرْبَعِينَ ثُمَّ زَادَ عِشْرِينَ فَصَارَ سِتِّينَ وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ واعدنا موسى أربعين ليلة وقوله تعالى وإذا وَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ ميقات ربه أربعين ليلة وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَتَكَرَّرَ مَأْتَى عِزْرَائِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِلِامْتِحَانِ بِأَنْ جَاءَ وَبَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ سِتُّونَ فَلَمَّا جَحَدَهُ رَجَعَ إِلَيْهِ بَعْدَ بَقَاءِ أربعين على رجا أنه تذكر بعد ما تَفَكَّرَ فَجَحَدَ ثَانِيًا وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ بَابِ النِّسْيَانِ واللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ وَقَعَ شَكٌّ لِلرَّاوِي وَتَرَدُّدٌ فِي كَوْنِ الْعَدَدِ أَرْبَعِينَ أَوْ سِتِّينَ فَعَبَّرَ عَنْهُ تَارَةً بِالْأَرْبَعِينَ وَأُخْرَى بِالسِّتِّينَ وَمِثْلُ هَذَا وَقَعَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَأَجَابَ عَنْهُ بِمَا ذَكَرْنَا بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ

بِالْوَهْمِ وَالْغَلَطِ فِي رِوَايَةِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ وَأَمَّا مَا قِيلَ مِنْ أَنَّ سَاعَاتِ أَيَّامِ عُمُرِ آدَمَ كَانَتْ أَطْوَلَ مِنْ زَمَانِ دَاوُدَ فَمَوْقُوفٌ عَلَى صِحَّةِ النَّقْلِ وَإِلَّا فَبِظَاهِرِهِ يَأْبَاهُ الْعَقْلُ كَمَا حُقِّقَ فِي دَوَرَانِ الْفَلَكِ عِنْدَ أَهْلِ الفضل انتهى كلام القارىء بِلَفْظِهِ ثُمَّ قَالَ وَالْحَدِيثُ السَّابِقُ يَعْنِي الَّذِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ أَرْجَحُ وَكَذَا أَوْفَقُ لِسَائِرِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ كَمَا فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ وَالْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قلتَ كل ما ذكره القارىء مِنْ وُجُوهِ الْجَمْعِ مَخْدُوشٌ إِلَّا الْوَجْهَ الْأَخِيرَ وَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي فِي تَفْسِيرِ سُوَرِهِ الْأَعْرَافِ أَرْجَحُ مِنَ الْحَدِيثِ الَّذِي فِي آخِرِ كِتَابِ التَّفْسِيرِ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَوَجْهُ كَوْنِ الْأَوَّلِ أَرْجَحَ مِنَ الثَّانِي ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ رِوَايَةِ الْأَوَّلِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ بَعْدَ رِوَايَةِ الثَّانِي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَيْضًا فِي سَنَدِ الثَّانِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ وَكَانَ قَدْ تَغَيَّرَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَرْبَعِ سِنِينَ هَذَا مَا عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وَأَخْرَجَهُ بن أبي حاتم في تفسيره قوله (عن عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْهَرَوِيِّ صَدُوقٌ فِي حَدِيثِهِ عَنْ قَتَادَةَ ضَعْفٌ مِنَ السَّادِسَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَحْمَدُ وَهُوَ يَرْوِي عَنْ قَتَادَةَ أحاديث مناكير يخالف وقال بن عَدِيٍّ يَرْوِي عَنْ قَتَادَةَ أَشْيَاءَ لَا يُوَافِقُ عَلَيْهَا وَحَدِيثُهُ خَاصَّةً عَنْ قَتَادَةَ مُضْطَرِبٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (طَافَ بِهَا إِبْلِيسُ) أَيْ جَاءَهَا (وَكَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ) مِنَ الْعَيْشِ وَهُوَ الحياة أي لا يحيى لَهَا وَلَدٌ وَلَا يَبْقَى بَلْ كَانَ يَمُوتُ (فَقَالَ) أَيْ إِبْلِيسُ (سَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ) قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِنَّهُ جَاءَ إِبْلِيسُ إِلَى حَوَّاءَ وَقَالَ لَهَا إِنْ وَلَدْتِ وَلَدًا فَسَمِّيهِ بِاسْمِي فَقَالَتْ مَا اسْمُكَ قَالَ الْحَارِثُ وَلَوْ سَمَّى لَهَا نَفْسَهُ لَعَرَفَتْهُ فَسَمَّتْهُ عَبْدَ الْحَارِثِ فَكَانَ هَذَا شِرْكًا فِي التَّسْمِيَةِ وَلَمْ يَكُنْ شِرْكًا فِي الْعِبَادَةِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا بِطَرِيقٍ وَأَلْفَاظٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ كذا في

تفسير فتح البيان والدين الْخَالِصِ (وَكَانَ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الشَّيْطَانِ وَأَمْرِهِ) أَيْ مِنْ وَسْوَسَتِهِ وَحَدِيثِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ في مستدركه وبن أبي حاتم وغيرهم قال الحافظ بن كَثِيرٍ هَذَا الْحَدِيثُ مَعْلُولٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ هَذَا هُوَ البصري وقد وثقه بن مَعِينٍ وَلَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَا يحتج به ولكن رواه بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا فاللَّهُ أَعْلَمُ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ قَوْلِ سَمُرَةَ نَفْسِهِ لَيْسَ مَرْفُوعًا الثَّالِثُ أَنَّ الْحَسَنَ نَفْسَهُ فَسَّرَ الْآيَةَ بِغَيْرِ هَذَا فَلَوْ كَانَ هَذَا عِنْدَهُ عَنْ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا لَمَا عَدَلَ عَنْهُ انْتَهَى قلتَ عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورُ وَثَّقَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَنْ قَتَادَةَ كَمَا عَرَفْتَ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَنْ قَتَادَةَ وَفِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ كَلَامٌ مَعْرُوفٌ تَنْبِيهٌ أورد التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ سَمُرَةَ الْمَذْكُورَ هُنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ قَالَ صَاحِبُ فَتْحِ الْبَيَانِ قَدِ اسْتَشْكَلَ هَذِهِ الْآيَةَ جَمْعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا صَرِيحٌ فِي وُقُوعِ الْإِشْرَاكِ مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ عَنِ الشِّرْكِ ثُمَّ اضْطُرُّوا إِلَى التَّفَصِّي مِنْ هَذَا الْإِشْكَالِ فَذَهَبَ كُلٌّ إِلَى مَذْهَبٍ وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُهُمْ فِي تَأْوِيلِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا حَتَّى أَنْكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنْهُمُ الرَّازِيُّ وَأَبُو السُّعُودِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْحَسَنُ هَذَا فِي الْكُفَّارِ يَدْعُونَ اللَّهَ فَإِذَا آتاهما صالحا هودوا أو نصروا وقال بن كَيْسَانَ هُمُ الْكُفَّارُ سَمَّوْا أَوْلَادَهُمْ بِعَبْدِ الْعُزَّى وَعَبْدِ الشَّمْسِ وَعَبْدِ الدَّارِ وَنَحْوَ ذَلِكَ قال الْحَسَنُ كَانَ هَذَا فِي بَعْضِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَلَيْسَ بِآدَمَ وَقِيلَ هَذَا خِطَابٌ لِقُرَيْشٍ الَّذِينَ كانوا في عهد رسول الله وَهُمْ آلُ قُصَيٍّ وَحَسَّنَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَقَالَ هَذَا تَفْسِيرٌ حَسَنٌ لَا

إِشْكَالَ فِيهِ وَقِيلَ مَعْنَاهَا عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ جَعْلُ أَوْلَادِهِمَا شُرَكَاءَ وَيَدُلُّ لَهُ ضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ الْآتِي عَمَّا يُشْرِكُونَ وَإِيَّاهُ ذَكَرَ النَّسَفِيُّ وَالْقَفَّالُ وَارْتَضَاهُ الرَّازِيُّ وَقَالَ هَذَا جَوَابٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالسَّدَادِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَقِيلَ مَعْنَى مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ مِنْ هَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَشَكْلٍ وَاحِدٍ فَجُعِلَ مِنْهَا أَيْ مِنْ جِنْسِهَا زَوْجُهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا يَعْنِي جِنْسَ الذَّكَرِ جِنْسَ الْأُنْثَى وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ لِآدَمَ وَلَا حَوَّاءَ ذِكْرٌ فِي الْآيَةِ وَتَكُونُ ضَمَائِرُ التَّثْنِيَةِ رَاجِعَةً إِلَى الْجِنْسَيْنِ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ فِي الْمَعْنَى مُتَخَالِفَةٌ في المبنى ولا يَخْلُو كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا مِنْ بُعْدٍ وَضَعْفٍ وَتَكَلُّفٍ بِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَرْفُوعَ الْمُتَقَدِّمَ يَعْنِي حَدِيثَ سَمُرَةَ الْمَذْكُورَ يَدْفَعُهُ وَلَيْسَ فِي واحد في تِلْكَ الْأَقْوَالِ قَوْلٌ مَرْفُوعٌ حَتَّى يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَيُصَارَ إِلَيْهِ بَلْ هِيَ تَفَاسِيرُ بِالْآرَاءِ الْمَنْهِيِّ عنها المتوعد عليها الثاني أن فيه انخرام لنظم القرآن سياقا وسياقا الثالث أن الْحَدِيثُ صَرَّحَ بِأَنَّ صَاحِبَةَ الْقِصَّةِ هِيَ حَوَّاءُ وَقَوْلُهُ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا إِنَّمَا هُوَ لِحَوَّاءَ دُونَ غَيْرِهَا فَالْقِصَّةُ ثَابِتَةٌ لَا وَجْهَ لِإِنْكَارِهَا بِالرَّأْيِ الْمَحْضِ والحاصل أَنَّ مَا وَقَعَ إِنَّمَا وَقَعَ مِنْ حَوَّاءَ لَا مِنْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمْ يُشْرِكْ آدَمُ قَطُّ وَقَوْلُهُ جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ بِصِيغَةِ التَّثْنِيَةِ لَا يُنَافِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْنَدُ فِعْلُ الْوَاحِدِ إِلَى الِاثْنَيْنِ بَلْ إِلَى جَمَاعَةٍ وَهُوَ شَائِعٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَعَلَى هَذَا فَلَيْسَ فِي الْآيَةِ إِشْكَالٌ وَالذَّهَابُ إِلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مُتَعَيِّنٌ تَبَعًا لِلْكِتَابِ وَالْحَدِيثِ وَصَوْنًا لِجَانِبِ النُّبُوَّةِ عَنِ الشِّرْكِ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالَّذِي ذَكَرُوهُ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يَرُدُّهُ كُلَّهُ ظَاهِرُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ انْتَهَى مُخْتَصَرًا قُلْتُ لَوْ كَانَ حَدِيثُ سَمُرَةَ الْمَذْكُورُ صَحِيحًا ثَابِتًا صَالِحًا لِلِاحْتِجَاجِ لَكَانَ كَلَامُ صَاحِبِ فَتْحِ الْبَيَانِ هَذَا حَسَنًا جَيِّدًا وَلَكِنَّكَ قَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ لَا يَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ فَلَا بُدَّ لِدَفْعِ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُخْتَارَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ مَا هُوَ الْأَصَحُّ وَالْأَقْوَى وَأَصَحُّهَا عِنْدِي هو ما اختاره الرازي وبن جرير وبن كَثِيرٍ قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَرْوِيِّ عَنِ بن عَبَّاسٍ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ نَفْسُ آدَمَ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا أَيْ حَوَّاءَ خَلَقَهَا اللَّهُ مِنْ ضِلَعِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ غَيْرِ أَذًى فَلَمَّا تَغَشَّاهَا آدَمُ حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَلَمَّا أَثْقَلَتْ أَيْ ثَقُلَ الْوَلَدُ فِي بَطْنِهَا أَتَاهَا إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ رَجُلٍ قَالَ مَا هَذَا يَا حَوَّاءُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ كَلْبًا أَوْ بَهِيمَةً وَمَا يُدْرِيكِ مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ أَمِنْ دُبُرِكِ فَيَقْتُلُكِ أَوْ يَنْشَقُّ بَطْنُكِ فَخَافَتْ حَوَّاءُ وَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِآدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَلَمْ يَزَالَا فِي هَمٍّ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ أَتَاهَا وَقَالَ إِنْ سَأَلْتُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَهُ صَالِحًا سَوِيًّا مِثْلَكِ وَيُسَهِّلَ خُرُوجَهُ مِنْ بَطْنِكِ تُسَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ وَكَانَ اسْمُ إِبْلِيسَ فِي الْمَلَائِكَةِ الْحَارِثَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا

له شركاء فيما آتاهما أَيْ لَمَّا آتَاهُمَا اللَّهُ وَلَدًا سَوِيًّا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شَرِيكًا أَيْ جَعَلَ آدَمُ وَحَوَّاءُ لَهُ شَرِيكًا وَالْمُرَادُ بِهِ الْحَارِثُ هَذَا تَمَامُ الْقِصَّةِ واعلم أَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ فَاسِدٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فَتَعَالَى الله عما يشركون وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِينَ أَتَوْا بِهَذَا الشِّرْكِ جَمَاعَةٌ الثَّانِي أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ بَعْدَهُ أيشركون من لا يخلق شيئا وهم يخلقون وَهَذَا يَدُلُّ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ الرَّدُّ عَلَى مَنْ جَعَلَ الْأَصْنَامَ شُرَكَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا جَرَى لِإِبْلِيسَ اللَّعِينِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ذِكْرٌ الثَّالِثُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ إِبْلِيسَ لَقَالَ أَيُشْرِكُونَ مَنْ لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَلَمْ يَقُلْ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا لِأَنَّ الْعَاقِلَ إِنَّمَا يُذْكَرُ بِصِيغَةِ مَنْ لَا بِصِيغَةِ مَا الرَّابِعُ أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ مَعْرِفَةً بِإِبْلِيسَ وَكَانَ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْأَسْمَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كلها فَكَانَ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ اسْمَ إِبْلِيسَ هُوَ الْحَارِثُ فَمَعَ الْعَدَاوَةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ آدَمَ وَمَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ اسْمَهُ هُوَ الْحَارِثُ كَيْفَ سَمَّى وَلَدَ نَفْسِهِ بِعَبْدِ الْحَارِثِ وَكَيْفَ ضَاقَتْ عَلَيْهِ الْأَسْمَاءُ حَتَّى إِنَّهُ لَمْ يَجِدْ سِوَى هَذَا الِاسْمِ الْخَامِسُ أَنَّ الْوَاحِدَ لَوْ حَصَلَ لَهُ وَلَدٌ يَرْجُو مِنْهُ الْخَيْرَ وَالصَّلَاحَ فَجَاءَهُ إِنْسَانٌ وَدَعَاهُ أَنْ يُسَمِّيَهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَزَجَرَهُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ أَشَدَّ الْإِنْكَارِ فَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَعَ نُبُوَّتِهِ وَعِلْمِهِ الْكَثِيرِ الَّذِي حَصَلَ مِنْ قَوْلِهِ وعلم آدم الأسماء كلها وَتَجَارِبِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي حَصَلَتْ لَهُ بِسَبَبِ الزَّلَّةِ التي وقع فِيهَا لِأَجْلِ وَسْوَسَةِ إِبْلِيسَ كَيْفَ لَمْ يَتَنَبَّهْ لِهَذَا الْقَدَرِ وَكَيْفَ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُنْكَرَةِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا السَّادِسُ أَنَّ بِتَقْدِيرِ أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَمَّاهُ بِعَبْدِ الْحَارِثِ فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ جَعَلَ هَذَا اللَّفْظَ اسْمَ عَلَمٍ لَهُ أَوْ جَعَلَهُ صِفَةً لَهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ أَخْبَرَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ عَبْدُ الْحَارِثِ وَمَخْلُوقٌ مِنْ قِبَلِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ هَذَا شِرْكًا بِاَللَّهِ لِأَنَّ أَسْمَاءَ الْأَعْلَامِ وَالْأَلْقَابِ لَا تُفِيدُ فِي الْمُسَمَّيَاتِ فَائِدَةً فَلَمْ يَلْزَمْ مِنَ التَّسْمِيَةِ بِهَذَا اللَّفْظِ حُصُولُ الْإِشْرَاكِ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَ هَذَا قَوْلًا بِأَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اعْتَقَدَ أَنَّ لِلَّهِ شَرِيكًا فِي الْخَلْقِ وَالْإِيجَادِ وَالتَّكْوِينِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْجَزْمَ بِتَكْفِيرِ آدَمَ وَذَلِكَ لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ فَاسِدٌ وَيَجِبُ عَلَى الْعَاقِلِ الْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَلْتَفِتَ إليه

إذا عرفت هذا فتقول فِي تَأْوِيلِ الْآيَةِ وُجُوهٌ صَحِيحَةٌ سَلِيمَةٌ خَالِيَةٌ عَنْ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ مَا ذَكَرَهُ الْقَفَّالُ فَقَالَ إِنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ عَلَى تَمْثِيلِ ضَرْبِ الْمَثَلِ وَبَيَانِ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ صُورَةُ حَالَّةِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فِي جَهْلِهِمْ وَقَوْلِهِمْ بِالشِّرْكِ وَتَقْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ كَأَنَّهُ تَعَالَى يَقُولُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْ جِنْسِهَا زَوْجَهَا إِنْسَانًا يُسَاوِيه فِي الْإِنْسَانِيَّةِ فَلَمَّا تَغَشَّى الزَّوْجُ الزَّوْجَةَ وَظَهَرَ الْحَمْلُ دَعَا الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتنَا وَلَدًا صَالِحًا سَوِيًّا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ لِآلَائِكَ وَنَعْمَائِكَ فَلَمَّا آتَاهُمَا اللَّهُ وَلَدًا صَالِحًا سَوِيًّا جَعَلَ الزَّوْجُ وَالزَّوْجَةُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا لِأَنَّهُمْ تَارَةً يَنْسُبُونَ ذَلِكَ لِلطَّبَائِعِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الطَّبَائِعِيِّينَ وَتَارَةً إِلَى الْكَوَاكِبِ كَمَا هُوَ قَوْلُ الْمُنَجِّمِينَ وَتَارَةً إِلَى الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ كَمَا هُوَ قَوْلُ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ ثُمَّ قَالَ تعالى فتعالى الله عما يشركون أَيْ تَنَزَّهَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ الشِّرْكِ وَهَذَا جَوَابٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالسَّدَادِ ثم ذَكَرَ بَاقِيَ التَّأْوِيلَاتِ مَنْ شَاءَ الْوُقُوفَ عَلَيْهَا فَلْيُرَاجِعْ تفسيره وقال الحافظ بن كثير في تفسيره قال بن جرير حدثنا بن وَكِيعٍ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ عَمْرٍو عَنِ الْحَسَنِ جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا قَالَ كَانَ هَذَا فِي بَعْضِ أَهْلِ الْمِلَلِ وَلَمْ يَكُنْ بِآدَمَ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ قَالَ الْحَسَنُ عَنَى بِهَا ذُرِّيَّةَ آدَمَ وَمَنْ أَشْرَكَ مِنْهُمْ بَعْدَهُ يَعْنِي جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا وَحَدَّثَنَا بِشْرٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ كَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى رَزَقَهُمُ اللَّهُ أَوْلَادًا فَهَوَّدُوا وَنَصَّرُوا وَهَذِهِ أَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ عَنِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ فَسَّرَ الْآيَةَ بِذَلِكَ وَهُوَ مِنْ أَحْسَنِ التَّفَاسِيرِ وَأَوْلَى مَا حُمِلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ سَمُرَةَ الْمَذْكُورَ عِنْدَهُ مَحْفُوظًا عَنْ رَسُولِ الله لَمَا عَدَلَ عَنْهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ لَا سِيَّمَا مَعَ تَقْوَاهُ لِلَّهِ وَوَرَعِهِ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الصَّحَابِيِّ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَلَقَّاهُ مِنْ بَعْضِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ مِثْلُ كَعْبٍ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَغَيْرِهِمَا إلا إنما بَرِئْنَا مِنْ عُهْدَةِ الْمَرْفُوعِ انْتَهَى أما أَثَرُ بن عَبَّاسٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّازِيُّ فَهُوَ مَرْوِيٌّ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يكون مأخوذا من الإسرائيليات قال الحافظ بن كَثِيرٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ مِنَ الطُّرُقِ الْمُتَعَدِّدَةِ بِالْأَلْفَاظِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا لَفْظُهُ وَقَدْ تَلَقَّى هَذَا الْأَثَرَ عن بن عَبَّاسٍ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةَ وَمِنَ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْخَلَفِ وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ جَمَاعَاتٌ لَا يُحْصَوْنَ كَثْرَةً وَكَأَنَّهُ أَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فإن بن عَبَّاسٍ رَوَاهُ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كَمَا رواه بن أَبِي حَاتِمٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو

الجماهر حدثنا سعيد يعني بن بَشِيرٍ عَنْ عُقْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عن بن عَبَّاسٍ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ لَمَّا حملت حواء أتاها الشيطان فقال لها أتطيعيني وَيَسْلَمُ لَكِ وَلَدُكِ سَمِّيهِ عَبْدَ الْحَارِثِ فَلَمْ تَفْعَلْ فَوَلَدَتْ فَمَاتَ ثُمَّ حَمَلَتْ فَقَالَ لَهَا مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمْ تَفْعَلْ ثُمَّ حَمَلَتِ الثَّالِثَةَ فَجَاءَهَا فَقَالَ إِنْ تُطِيعِينِي يَسْلَمْ وَإِلَّا فَإِنَّهُ يَكُونُ بَهِيمَةً فَهَيَّبَهُمَا فَأَطَاعَا وَهَذِهِ الْآثَارُ يَظْهَرُ عَلَيْهَا أَنَّهَا مِنْ آثَارِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَدْ صح الحديث عن رسول الله أَنَّهُ قَالَ إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ ثُمَّ أَخْبَارُهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ فَمِنْهَا مَا عَلِمْنَا صِحَّتَهُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَوْ سُنَّةِ رَسُولِهِ وَمِنْهَا مَا عَلِمْنَا كَذِبَهُ بِمَا دَلَّ عَلَى خِلَافِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَيْضًا وَمِنْهَا مَا هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فَهُوَ الْمَأْذُونُ فِي رِوَايَتِهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَهُوَ الَّذِي لَا يُصَدَّقُ وَلَا يُكَذَّبُ لِقَوْلِهِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَهَذَا الْأَثَرُ هُوَ مِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ فِيهِ نَظَرٌ فَأَمَّا مَنْ حَدَّثَ بِهِ مِنْ صَحَابِيٍّ أَوْ تَابِعِيٍّ فَإِنَّهُ يَرَاهُ مِنَ الْقِسْمِ الثَّالِثِ وَأَمَّا نَحْنُ فَعَلَى مَذْهَبِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي هَذَا وَأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ آدَمَ وَحَوَّاءَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَلِهَذَا قال الله (فتعالى الله عما يشركون) ثُمَّ قَالَ فَذِكْرُهُ آدَمُ وَحَوَّاءُ أَوَّلًا كَالتَّوْطِئَةِ لِمَا بَعْدَهُمَا مِنَ الْوَالِدِيْنِ وَهُوَ كَالِاسْتِطْرَادِ مِنْ ذِكْرِ الشَّخْصِ إِلَى الْجِنْسِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ بن كثير باب وَمِنْ سُورَةِ الْأَنْفَالِ هِيَ مَدَنِيَّةٌ خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ آيَةً قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ قَدْ شَفَى صَدْرِي مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَوْ نَحْو هَذَا) أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي يَعْنِي قَالَ هَذَا اللَّفْظَ أَوْ قَالَ لَفْظًا آخَرَ نَحْوَ (هَبْ لِي) أَيْ أَعْطِنِي (هَذَا لَيْسَ لِي وَلَا لَكَ) لِأَنَّهُ مِنْ أَمْوَالِ الْغَنِيمَةِ الَّتِي لَمْ تُقْسَمْ (عَسَى أَنْ يُعْطَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (هَذَا) أَيِ السَّيْفُ وَهُوَ نَائِبُ الْفَاعِلِ

لَيُعْطَى (مَنْ لَا يُبْلِي بَلَائِي) مَفْعُولٌ ثَانٍ لِيُعْطَى قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ لَا يَعْمَلُ مِثْلَ عَمَلِي فِي الْحَرْبِ كَأَنَّهُ يُرِيدُ أَفْعَلُ فِعْلًا أُخْتَبَرَ فِيهِ وَيَظْهَرَ بِهِ خَيْرِي وَشَرِّي انتهى وفي رِوَايَةُ أَبِي دَاوُدَ مَنْ لَمْ يُبْلِ بَلَائِي قَالَ السِّنْدِيُّ أَيْ لَمْ يَعْمَلْ مِثْلَ عَمَلِي فِي الْحَرْبِ كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ فِي الْحَرْبِ يُخْتَبَرُ الرَّجُلُ فَيَظْهَرُ حَالُهُ وَقَدِ اخْتُبِرْتَ أَنَا فَظَهَرَ مِنِّي مَا ظَهَرَ فَأَنَا أَحَقُّ بِهَذَا السَّيْفِ مِنَ الَّذِي لَمْ يُخْتَبَرْ مِثْلَ اخْتِبَارِي انتهى (فجاءني الرسول) أي رسول الله (وَلَيْسَ لِي) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ سَأَلْتنِي السَّيْفَ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِي (وَإِنَّهُ قَدْ صَارَ إِلَيَّ) أَيِ الْآنَ (فَنَزَلَتْ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال) قال البخاري في صحيحه قال بن عَبَّاسٍ الْأَنْفَالُ الْمَغَانِمُ وَرَوَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ سُورَةُ الْأَنْفَالِ قَالَ نَزَلَتْ فِي بَدْرٍ (الْآيَةَ) قَالَ فِي الْجَلَالَيْنِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ لَمَّا اخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِي غَنَائِمِ بَدْرٍ فَقَالَ الشُّبَّانُ هِيَ لَنَا لِأَنَّا بَاشَرْنَا الْقِتَالَ وَقَالَ الشُّيُوخُ كُنَّا رِدْءًا لَكُمْ تَحْتَ الرَّايَاتِ وَلَوِ انْكَشَفَتْ لَفِئْتُمْ إِلَيْنَا فَلَا تَسْتَأْثِرُوا بِهَا نَزَلَ يَسْأَلُونَكَ يَا مُحَمَّدُ عَنِ الْأَنْفَالِ الْغَنَائِمِ لِمَنْ هِيَ قُلْ لَهُمْ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ يَجْعَلَانِهَا حَيْثُ شَاءَا فَقَسَمَهَا بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فَاتَّقُوا الله وأصلحوا ذات بينكم أَيْ حَقِيقَةَ مَا بَيْنِكُمْ بِالْمَوَدَّةِ وَتَرْكِ النِّزَاعِ وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين حَقًّا وَقَالَ فِي الْمَدَارِكِ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ أَيْ أَحْوَالِ بَيْنِكُمْ يَعْنِي مَا بَيْنَكُمْ مِنَ الْأَحْوَالِ حَتَّى تَكُونَ أَحْوَالَ أُلْفَةٍ وَمَحَبَّةٍ وَاتِّفَاقٍ وَقَالَ الزَّجَّاجُ مَعْنَى ذَاتَ بَيْنِكُمْ حَقِيقَةَ وَصْلِكُمْ وَالْبَيْنُ الْوَصْلُ أَيْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مُجْتَمِعِينَ عَلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِهِ قلتَ مَا ذُكِرَ فِي الْجَلَالَيْنِ مِنْ سَبَبِ نُزُولِ هذه الاية فهو مروي عن بن عباس عند أبي داود والنسائي وبن جرير وبن مردويه وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمِ وَنَحْوَهُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَسَيَجِيءُ لَفْظُهُ قَالَ الْخَازِنُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَسَالُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ اسْتِفْتَاءٌ يَعْنِي يَسْأَلُكَ أَصْحَابُكَ يَا مُحَمَّدُ عَنْ حُكْمِ الْأَنْفَالِ وَعِلْمِهَا وَهُوَ سُؤَالُ اسْتِفْتَاءٍ لَا سُؤَالَ طَلَبٍ قَالَ الضَّحَّاكُ وَعِكْرِمَةُ هُوَ سُؤَالُ طَلَبٍ وَقَوْلُهُ عَنِ الْأَنْفَالِ أَيْ مِنَ الْأَنْفَالِ وعن بِمَعْنَى مِنْ أَوْ قِيلَ عَنْ صِلَةٌ أَيْ يَسْأَلُونَكَ الْأَنْفَالَ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَقْتَضِي أَنَّهُ سُؤَالُ طَلَبٍ وَحَدِيثُ بن عَبَّاسٍ وَحَدِيثُ عُبَادَةَ يَقْتَضِيَانِ أَنَّهُ سُؤَالُ اسْتِفْتَاءٍ وهو الراجح عندي وقال صاحب فيح الْبَيَانِ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ

الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إِلَى أَنَّ الْأَنْفَالَ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا شَيْءٌ حَتَّى نَزَلَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خمسه فَهِيَ عَلَى هَذَا مَنْسُوخَةٌ وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وعكرمة والسدي وقال بن زَيْدٍ مُحْكَمَةٌ مُجْمَلَةٌ وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ مَصَارِفَهَا فِي آيَةِ الْخُمُسِ وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُنْفِلَ مَنْ شَاءَ مِنَ الْجَيْشِ مَا شَاءَ قَبْلَ التَّخْمِيسِ انْتَهَى قلتَ وَالظَّاهِرُ الرَّاجِحُ عِنْدِي أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ بَلْ هِيَ مُحْكَمَةٌ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ) أَيْ فِي شَأْنِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ خَرَجْتُ مع رسول الله فَشَهِدْتُ مَعَهُ بَدْرًا فَالْتَقَى النَّاسُ فَهَزَمَ اللَّهُ الْعَدُوَّ فَانْطَلَقَتْ طَائِفَةٌ فِي إِثْرِهِمْ يَهْزِمُونَ وَيَقْتُلُونَ وَأَكَبَّتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْغَنَائِمِ يَحْوُونَهُ وَيَجْمَعُونَهُ وَأَحْدَقَتْ طائفة برسول الله لا يصيب العدو منهم غِرَّةً حَتَّى إِذَا كَانَ اللَّيْلُ وَفَاءَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالَ الَّذِينَ جَمَعُوا الْغَنَائِمَ نَحْنُ حَوَيْنَاهَا وَجَمَعْنَاهَا فَلَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهَا نَصِيبٌ وَقَالَ الَّذِينَ خَرَجُوا فِي طَلَبِ الْعَدُوِّ لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بِهَا مِنَّا نَحْنُ نَفَيْنَا عَنْهَا الْعَدُوَّ وهزمناهم وقال الذين أحدقوا برسول الله لَسْتُمْ بِأَحَقَّ مِنَّا نَحْنُ أَحْدَقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ وَخِفْنَا أَنْ يُصِيبَ الْعَدُوُّ مِنْهُ غِرَّةً فَاشْتَغَلْنَا بِهِ فَنَزَلَتْ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ فقسمها رسول الله عَلَى فَوَاقٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي لَفْظٍ مُخْتَصَرٍ فِينَا أَصْحَابُ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفْلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أيدينا فجعله إلى رسول الله فَقَسَمَهُ فِينَا عَلَى بَوَاءٍ يَقُولُ عَلَى السَّوَاءِ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ حَدِيثُ عُبَادَةَ قَالَ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ رِجَالُ أَحْمَدَ ثِقَاتٌ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الطَّبَرَانِيُّ وَأَخْرَجَ نَحْوَهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ قَوْلُهُ (أَبُو زُمَيْلٍ) بِضَمِّ الزَّايِ مُصَغَّرًا اسْمُهُ سِمَاكُ بْنُ الْوَلِيدِ الْحَنَفِيُّ (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ) بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ بْنِ عبد مناف بن عم رسول الله وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَهْمِ فِي الْقُرْآنِ فَكَانَ يُسَمَّى الْبَحْرَ وَالْحَبْرَ لِسَعَةِ

علمه وقال عمر لو أدرك بن عَبَّاسٍ أَسْنَانَنَا مَا عَثَرَهُ مِنَّا أَحَدٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ بِالطَّائِفِ وَهُوَ أَحَدُ الْمُكْثِرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَحَدُ الْعَبَادِلَةِ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ قوله (نظر نبي الله إِلَى الْمُشْرِكِينَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَمَّا كَانَ يوم بدر نظر رسول الله إِلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ النَّوَوِيُّ بَدْرٌ هُوَ مَوْضِعُ الْغَزْوَةِ الْعُظْمَى الْمَشْهُورَةِ وَهُوَ مَاءٌ مَعْرُوفٌ وَقَرْيَةٌ عَامِرَةٌ عَلَى أَرْبَعِ مَرَاحِلَ مِنَ الْمَدِينَةِ بَيْنَهَا وبين مكة قال بن قتيبة بَدْرٌ بِئْرٌ كَانَتْ لِرَجُلِ يُسَمَّى بَدْرًا فَسُمِّيَتْ بِاسْمِهِ قال أَبُو الْيَقِظَانِ كَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ وَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَة لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ (ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ) أَيْ رَفَعَهُمَا (وَجَعَلَ يَهْتِفُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ بَعْدَ الْهَاءِ وَمَعْنَاهُ يَصِيحُ وَيَسْتَغِيثُ بِاَللَّهِ بِالدُّعَاءِ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي الدُّعَاءِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِرَفْعِ الصَّوْتِ فِي الدُّعَاءِ (اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتنِي) مِنَ الْإِنْجَازِ أَيْ أَحْضِرْ لِي مَا وَعَدْتنِي يُقَالُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ إِذَا أَحْضَرَهُ (اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِنْ تُهْلِكَ هَذِهِ الْعِصَابَةَ) قال النَّوَوِيُّ ضَبَطُوا تَهْلَكْ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا فَعَلَى الْأَوَّلِ تُرْفَعُ الْعِصَابَةُ عَلَى أَنَّهَا فَاعِلٌ وَعَلَى الثَّانِي تُنْصَبُ وَتَكُونُ مَفْعُولَهُ وَالْعِصَابَةُ الْجَمَاعَةُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ فَلَوْ هَلَكَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ حِينَئِذٍ لَمْ يُبْعَثْ أَحَدٌ مِمَّنْ يَدْعُو إِلَى الْإِيمَانِ وَلَاسْتَمَرَّ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ غير الله فالمعنى لايعبد فِي الْأَرْضِ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ (كَفَاكَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَذَاكَ بِالذَّالِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ حَسْبُكَ وَكُلُّهُ بِمَعْنَى كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْجَزَرِيُّ وَالنَّوَوِيُّ (مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ) الْمُنَاشَدَةُ السُّؤَالُ مَأْخُوذَةٌ مِنَ النَّشِيدِ وَهُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ وَضَبَطُوا مُنَاشَدَتَكَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ قَالَ الْقَاضِي مَنْ رَفَعَهُ حَمَلَهُ فَاعِلًا لِكَفَاكَ وَمَنْ نَصَبَهُ فَعَلَى الْمَفْعُولِ لِمَا فِي حَسْبُكَ وَكَفَاك وَكَذَاكَ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ من الكف

قال الْعُلَمَاءُ هَذِهِ الْمُنَاشَدَةُ إِنَّمَا فَعَلَهَا النَّبِيُّ لِيَرَاهُ أَصْحَابُهُ بِتِلْكَ الْحَالِ فَتَقْوَى قُلُوبُهُمْ بِدُعَائِهِ وَتَضَرُّعِهِ مَعَ أَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ وَقَدْ كَانَ وَعَدَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْعِيرُ وَإِمَّا الْجَيْشُ وَكَانَتِ الْعِيرُ قَدْ ذَهَبَتْ وَفَاتَتْ فَكَانَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ حُصُولِ الْأُخْرَى وَلَكِنْ سَأَلَ تَعْجِيلَ ذَلِكَ وَتَنْجِيزَهُ مِنْ غَيْرِ أَذًى يَلْحَقُ الْمُسْلِمِينَ (فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ) قال الْخَطَّابِيُّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَحَدٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ أَوْثَقَ بِرَبِّهِ مِنَ النبي في تلك الحال بل الحامل للنبي عَلَى ذَلِكَ شَفَقَتُهُ عَلَى أَصْحَابِهِ وَتَقْوِيَةُ قُلُوبِهِمْ لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ فَبَالَغَ فِي التَّوَجُّهِ وَالدُّعَاءِ وَالِابْتِهَالِ لِتَسْكُنَ نُفُوسُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ وَسِيلَتَهُ مُسْتَجَابَةٌ فَلَمَّا قَالَ أَبُو بَكْرٍ مَا قَالَ كَفَّ عَنْ ذَلِكَ وَعَلِمَ أَنَّهُ اسْتُجِيبَ لَهُ لَمَّا وَجَدَ أَبُو بَكْرٍ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْقُوَّةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ فَلِهَذَا عَقَّبَ بِقَوْلِهِ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ) أَيْ تُطَالِبُونَ مِنْهُ الْغَوْثَ بِالنَّصْرِ عَلَيْهِمْ (فَاسْتَجَابَ لَكُمْ) أَيْ فَأَجَابَ دُعَاءَكُمْ (أَنِّي مُمِدُّكُمْ) أَيْ بِأَنِّي مُعِينُكُمْ (بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) أي متتابعين يردف بعضهم بعضا

وَكَانَ فِيهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَقِيلَ سِتُّونَ (لَيْسَ دُونَهَا شَيْءٌ) أَيْ لَيْسَ دُونَ الْعِيرِ شَيْءٌ يُزَاحِمُكَ (فَنَادَاهُ الْعَبَّاسُ) أي بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (وَهُوَ فِي وَثَاقِهِ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَهُوَ أَسِيرٌ فِي وَثَاقِهِ وَالْوَثَاقُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا مَا يُشَدُّ بِهِ مِنْ قَيْدٍ وَحَبْلٍ وَنَحْوِهِمَا (لَا يَصْلُحُ) أَيْ لَا يَنْبَغِي لك (لِأَنَّ اللَّهَ وَعَدَكَ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ) الْمُرَادُ بِالطَّائِفَتَيْنِ الْعِيرُ وَالنَّفِيرُ فَكَانَ فِي الْعِيرِ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ كَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلَ وَمَا مَعَهُ مِنَ الْأَمْوَالِ وَكَانَ فِي النَّفِيرِ أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَغَيْرُهُمَا من رؤساء قريش (قال) أي النبي (صَدَقْتَ) أَيْ فِيمَا قُلْتَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قوله (أخبرنا بن نُمَيْرٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ (عَنْ عَبَّادِ بْنِ يُوسُفَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عباد بن يوسف ويقال بن سَعِيدٍ كُوفِيٌّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَيُقَالُ اسْمُهُ عُبَادَةُ (أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أَمَانَيْنِ) أَيْ فِي الْقُرْآنِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ إِلَخْ قَبْلَهُ وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كان هذا أي الذي يقرأه مُحَمَّدٌ هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ أَيِ الْمُنَزَّلَ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أو ائتنا بعذاب أليم أَيْ مُؤْلِمٍ عَلَى إِنْكَارِهِ قَالَهُ النَّضْرُ وَغَيْرُهُ اسْتِهْزَاءً وَإِيهَامًا أَنَّهُ عَلَى بَصِيرَةٍ وَجَزْمٍ بِبُطْلَانِهِ (وَأَنْتَ فِيهِمْ) أَيْ مُقِيمٌ بِمَكَّةَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ حَتَّى يُخْرِجُوكَ لِأَنَّ الْعَذَابَ إِذَا نَزَلَ عَمَّ وَلَمْ تُعَذَّبْ أُمَّةٌ إِلَّا بَعْدَ خُرُوجِ نَبِيِّهَا وَالْمُؤْمِنُونَ مِنْهَا وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يستغفرون حَيْثُ يَقُولُونَ فِي طَوَافِهِمْ غُفْرَانَكَ غُفْرَانَك وَقِيلَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ الْمُسْتَضْعَفُونَ فِيهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أليما وَبَعْدَهُ وَمَا لَهُمْ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ أَيْ بِالسَّيْفِ بَعْدَ خُرُوجِكَ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ وَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ هِيَ نَاسِخَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَقَدْ عَذَّبَهُمْ ببدر وغيرهم وهم يصدون أي يمنعون النبي وَالْمُسْلِمِينَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ يَطُوفُوا بِهِ وما كانوا أولياءه كما زعموا إن أولياؤهم إلا المتقون ولكن أكثرهم لا يعلمون أن لا ولاية لهم عليه (فإذا مَضَيْتُ) أَيْ ذَهَبْتُ (تَرَكْتُ فِيهِمْ) أَيْ بَعْدِي (الِاسْتِغْفَارَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) فَمَا دَامُوا يَسْتَغْفِرُونَ لم يعذبوا وروى بن أبي حاتم عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ أَمَانَيْنِ لَا يَزَالُونَ مَعْصُومِينَ مُجَارِينَ مِنْ طَوَارِقِ الْعَذَابِ مَا دَامَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَأَمَانٌ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَأَمَانٌ بَقِيَ فِيكُمْ قوله وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ

فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وروى أَحْمَدُ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنِ النبي أَنَّهُ قَالَ الْعَبْدُ آمِنٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَا اسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ (وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرِ بْنِ جَابِرٍ الْبَجَلِيِّ الْكُوفِيِّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) هُوَ الليثي قوله وأعدوا لهم ما استطعتم إلخ ما موصولة والعائد محذوف ومن قُوَّةٍ بَيَانٌ لَهُ فَالْمُرَادُ هُنَا نَفْسُ الْقُوَّةِ وَفِي هَذَا الْبَيَانِ وَالْمُبَيَّنِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ هذه العدة لا تستتب بِدُونِ الْمُعَالَجَةِ وَالْإِدْمَانِ الطَّوِيلِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ عِدَّةِ الْحَرْبِ وَأَدَاتِهَا أَحْوَجَ إِلَى الْمُعَالَجَةِ وَالْإِدْمَانِ عَلَيْهَا مِثْلَ الْقَوْسِ وَالرَّمْيِ بِهَا وَلِذَلِكَ كَرَّرَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ تَفْسِيرَ الْقُوَّةِ بِالرَّمْيِ بِقَوْلِهِ (أَلَا) لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّ الْقُوَّةَ الرَّمْيُ) أَيْ هُوَ الْعُمْدَةُ (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) كَرَّرَهَا ثَلَاثًا لِزِيَادَةِ التَّأْكِيدِ أَوْ إِشَارَةً إِلَى الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ مِنَ الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَبَيْنَهُمَا فَإِنَّهَا نَافِيَةٌ فِي جَمِيعِهَا (وَسَتُكْفَوْنَ الْمُؤْنَةَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ سَيَكْفِيكُمُ اللَّهُ مُؤْنَةَ الْقِتَالِ بِمَا فَتَحَ عَلَيْكُمْ وَفِي رِوَايَةِ مسلم يكفيكم الله قال القارىء أَيْ شَرَّهُمْ بِقُوَّتِهِ وَقَهْرِهِ لَكِنَّ ثَوَابَكُمْ وَأَجْرَكُمْ مُتَرَتِّبٌ عَلَى سَعْيِكُمْ وَتَعَبِكُمْ (فَلَا يَعْجِزَنَّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِفَتْحِهَا عَلَى لُغَةٍ وَمَعْنَاهُ النَّدْبُ إِلَى الرَّمْيِ قال النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِيهِ وَفِي الْأَحَادِيثِ بُعْدُ فَضِيلَةِ الرَّمْيِ وَالْمُنَاضَلَةِ وَالِاعْتِنَاءِ بِذَلِكَ بِنِيَّةِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ الْمُشَاحَفَةُ وَسَائِرُ أَنْوَاعِ اسْتِعْمَالِ السلاح وكذا

الْمُسَابَقَةُ بِالْخَيْلِ وَغَيْرِهَا وَالْمُرَادُ بِهَذَا كُلِّهِ التَّمَرُّنُ عَلَى الْقِتَالِ وَالتَّدَرُّبُ وَالتَّحَذُّقُ فِيهِ وَرِيَاضَةُ الْأَعْضَاءِ بِذَلِكَ (أَنْ يَلْهُوَ) أَيْ يَشْتَغِلَ يَلْعَبَ (بِأَسْهُمِهِ) جَمْعُ السَّهْمِ أَيْ مَعَ قِسِيِّهَا بِنِيَّةِ الْجِهَادِ وَحَدِيثُ عَقَبَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا مُسْلِمٌ مِنْ وجه آخر قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرِو) بْنِ الْمُهَلَّبِ بن عَمْرٍو الْأَزْدِيُّ الْمَعْنِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ أَبُو عَمْرٍو الْبَغْدَادِيُّ وَيُعْرَفُ بِابْنِ الْكَرْمَانِيِّ ثِقَةُ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (عَنْ زَائِدَةَ) هو بن قدامة قوله (لأحد سود الرؤوس) بإضافة أحد إلى سود والمراد بسود الرؤوس بنو آدم لأن رؤوسهم سُودٌ (قَالَ سُلَيْمَانُ الْأَعْمَشُ فَمَنْ يَقُولُ هَذَا إِلَّا أَبُو هُرَيْرَةَ الْآنَ) لَمْ يَظْهَرْ لِي أَنَّ الْأَعْمَشَ مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَمَنْ يَقُولُ هَذَا إِلَخْ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ مُرَادَهُ بِهِ أَنَّهُ لَا يَقُولُ أَحَدٌ الْآنَ في هذا الحديث لفظ سود الرؤوس إِلَّا أَبُو هُرَيْرَةَ يَعْنِي لَمْ يَرِدْ هَذَا اللَّفْظُ إِلَّا فِي حَدِيثِهِ وَلَكِنْ يَخْدِشُهُ لَفْظُ الْآنَ فَلْيُتَأَمَّلْ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ بإحلال الغنائم والأسرى لكم لمسكم أي لنا لكم وَأَصَابَكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ مِنَ الْفِدَاءِ وَرَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَزَا نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ ثُمَّ أَحَلَّ اللَّهُ لَنَا الْغَنَائِمَ ثُمَّ رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَأَحَلَّهَا لَنَا قال الحافظ في الفتح فيه اخْتِصَاصُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِحِلِّ الْغَنِيمَةِ وَكَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَفِيهَا نَزَلَ قَوْلُهُ تعالى فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا فَأَحَلَّ اللَّهُ لَهُمُ الْغَنِيمَةَ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ في الصحيح من حديث بن عَبَّاسٍ وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي أَوَائِلِ فَرْضِ الْخُمُسِ أَنَّ أَوَّلَ غَنِيمَةٍ خُمِّسَتْ غَنِيمَةُ السَّرِيَّةِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ وَذَلِكَ قَبْلَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِمَا ذَكَرَ بن سعد أنه أَخَّرَ غَنِيمَةَ تِلْكَ السَّرِيَّةِ حَتَّى رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ فَقَسَمَهَا مَعَ غَنَائِمِ

بَدْرٍ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ مَضَى كَانُوا يَغْزُونَ وَيَأْخُذُونَ أَمْوَالَ أَعْدَائِهِمْ وَأَسْلَابِهِمْ لَكِنْ لَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بَلْ يَجْمَعُونَهَا وَعَلَامَةُ قَبُولِ غَزْوِهِمْ ذَلِكَ أَنْ تَنْزِلَ النَّارُ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلَهَا وَعَلَامَةُ عَدَمِ قَبُولِهِ أَنْ لَا تَنْزِلَ وَمِنْ أَسْبَابِ عَدَمِ الْقَبُولِ أَنْ يَقَعَ فِيهِمُ الْغُلُولُ وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ وَرَحِمَهَا لِشَرَفِ نَبِيِّهَا عِنْدَهُ فَأَحَلَّ لَهُمُ الْغَنِيمَةَ وَسَتَرَ عَلَيْهِمُ الْغُلُولَ فَطَوَى عَنْهُمْ فَضِيحَةَ أَمْرِ عَدَمِ الْقَبُولِ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى نِعَمِهِ تَتْرَى وَدَخَلَ فِي عُمُومِ أَكْلِ النَّارِ الْغَنِيمَةَ السَّبْيُ وَفِيهِ بُعْدٌ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ إِهْلَاكُ الذُّرِّيَّةِ وَمَنْ لَمْ يُقَاتِلْ مِنَ النِّسَاءِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ وَيَلْزَمُ اسْتِثْنَاؤُهُمْ مِنْ تَحْرِيمِ الْغَنَائِمِ عَلَيْهِمْ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُمْ كَانَتْ لَهُمْ عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ لَهُمُ السَّبْيُ لَمَا كَانَ لَهُمْ أَرِقَّاءُ وَيُشْكِلُ عَلَى الْحَظْرِ أَنَّهُ كَانَ السَّارِقُ يُسْتَرَقُّ كَمَا فِي قِصَّةِ يُوسُفَ وَلَمْ أَرَ مَنْ صرح بذلك انتهى قوله (عن عمرو بن مرة) هو بن عبد الله بن طارق الجعلي قَوْلُهُ (فَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ قِصَّةً) قَدْ ذَكَرْنَا هَذِهِ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا فِي بَابِ الْمَشُورَةِ مِنْ أَبْوَابِ الْجِهَادِ (لَا يَنْفَلِتَنَّ أَحَدٌ) أَيْ لَا يَتَخَلَّصَنَّ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنَ الْأُسَارَى (وَنَزَلَ الْقُرْآنُ بِقَوْلِ عُمَرَ) أَيْ نَزَلَ الْقُرْآنُ مُوَافِقًا لِقَوْلِ عُمَرَ مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى أَيْ مَا كَانَ يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لِنَبِيٍّ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ لَكَ يَا مُحَمَّدُ وَالْمَعْنَى مَا كَانَ لنبي أن يحبس كافرا قدر عليه وسار فِي يَدِهِ أَسِيرًا لِلْفِدَاءِ وَالْمَنِّ وَالْأَسْرَى جَمْعُ أَسِيرٍ وَأُسَارَى جَمْعُ الْجَمْعِ حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ الْإِثْخَانُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عِبَارَةٌ عَنْ قُوَّتِهِ وَشِدَّتِهِ يُقَالُ أَثْخَنَهُ الْمَرَضُ إِذَا اشْتَدَّتْ قُوَّتُهُ عَلَيْهِ وَالْمَعْنَى حَتَّى يُبَالِغَ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَيَغْلِبَهُمْ وَيَقْهَرَهُمْ فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ فَلَهُ أن يقدم على الأسر

باب ومن سورة التوبة

فيأسر الأسارى وبقبة الْآيَةِ مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا يَعْنِي تُرِيدُونَ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا بِأَخْذِكُمُ الْفِدَاءَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَإِنَّمَا سَمَّى مَنَافِعَ الدُّنْيَا عَرَضًا لِأَنَّهُ لَا ثَبَاتَ لَهَا وَلَا دَوَامَ فَكَأَنَّهَا تَعْرِضُ ثُمَّ تَزُولُ بِخِلَافِ مَنَافِعِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهَا دَائِمَةٌ لَا انْقِطَاعَ لَهَا واللَّهُ يُرِيدُ لكم الْآخِرَةَ أَيْ ثَوَابَهَا بِقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَقَهْرِهِمْ وَنَصْرِكُمُ الدِّينَ لِأَنَّهَا دَائِمَةٌ بِلَا زَوَالٍ وَلَا انْقِطَاعٍ واللَّهُ عَزِيزٌ لَا يُقْهَرُ وَلَا يُغْلَبُ حَكِيمٌ في تدبير مصالح عباده قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وَاعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ الَّذِي قَدْ مَرَّ فِي بَابِ قَتْلِ الْأَسْرَى وَالْفِدَاءِ مِنْ أَبْوَابِ السِّيَرِ ظَاهِرُهُ يُخَالِفُ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ هَذَا وَظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْجَمْعِ هُنَاكَ فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَهُ قَوْلُهُ (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد 0 - (باب وَمِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ) هِيَ مَدَنِيَّةٌ بِإِجْمَاعِهِمْ قَالَ بن الْجَوْزِيِّ سِوَى آيَتَيْنِ فِي آخِرِهَا لَقَدْ جَاءَكُمْ رسول من أنفسكم فَإِنَّهُمَا نَزَلَتَا بِمَكَّةَ وَهِيَ مِائَةٌ وَتِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً وَقِيلَ مِائَةٌ وَثَلَاثُونَ آيَةً قَوْلُهُ (وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ) الْأَنْمَاطِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ رُمِيَ بِالْقَدَرِ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنِي يَزِيدُ الْفَارِسِيُّ) الْبَصْرِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَا حَمَلَكُمْ) أَيْ مَا الْبَاعِثُ وَالسَّبَبُ لَكُمْ (أَنْ عَمَدْتُمْ) بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْ عَلَى أَنْ قَصَدْتُمْ (وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ يُقَالُ الْمَثَانِي عَلَى كُلِّ سُورَةٍ أَقَلَّ مِنَ الْمِئِينَ وَمِنْهُ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ وَهِيَ مِنْ

الْمَثَانِي انْتَهَى وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَثَانِي السُّورَةُ الَّتِي تَقْصُرُ عَنِ الْمِئِينَ وَتَزِيدُ عَلَى الْمُفَصَّلِ كأن المئين جعلت مبادىء والَّتِي تَلِيهَا مَثَانِيَ (وَإِلَى بَرَاءَةٌ) هِيَ سُورَةُ التَّوْبَةِ وَهِيَ أَشْهَرُ أَسْمَائِهَا وَلَهَا أَسْمَاءٌ أُخْرَى تَزِيدُ عَلَى الْعَشَرَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ) أَيْ ذَوَاتِ مِائَةِ آيَةٍ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَوَّلُ الْقُرْآنِ السَّبْعُ الطُّوَلُ ثُمَّ ذَوَاتُ الْمِئِينَ أَيْ ذَوَاتُ مِائَةِ آيَةٍ ثم المثاني ثم المفصل انتهى والمئين جَمْعُ الْمِائَةِ وَأَصْلُ الْمِائَةِ مَأْيٌ كَمَعْيٍ وَالْيَاءُ عوضا عَنِ الْوَاوِ وَإِذَا جَمَعْتَ الْمِائَةُ قُلْتَ مِئُونَ وَلَوْ قُلْتَ مِئَاتٌ جَازَ (فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ (مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ) تَقْرِيرٌ لِلتَّأْكِيدِ وَتَوْجِيهُ السُّؤَالِ أَنَّ الْأَنْفَالَ لَيْسَ مِنَ السَّبْعِ الطَّوَلِ لِقِصَرِهَا عَنِ الْمِئِينَ لِأَنَّهَا سَبْعٌ وَسَبْعُونَ آيَةً وَلَيْسَتْ غَيْرَهَا لِعَدَمِ الْفَصْلِ بَيْنَهَا وبين براءة (كان رسول الله مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ) أَيِ الزَّمَانُ الطَّوِيلُ وَلَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَرُبَّمَا يَأْتِي عَلَيْهِ الزمان (وهو) أي النبي وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (يُنْزَلُ عَلَيْهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ) يَعْنِي مِنَ الْقُرْآنِ (دَعَا بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ) أَيِ الْوَحْيَ كَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَمُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِمَا (فَإِذَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ فَيَقُولُ ضَعُوا هَذِهِ الْآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا) هَذَا زِيَادَةُ جَوَابٍ تَبَرَّعَ بِهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَ الْآيَاتِ تَوْقِيفِيٌّ وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَالنُّصُوصُ الْمُتَرَادِفَةُ وَأَمَّا تَرْتِيبُ السُّوَرِ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ كَمَا فِي الْإِتْقَانِ (وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ) أَيْ نُزُولًا كَمَا فِي رِوَايَةٍ أَيْ فَهِيَ مَدَنِيَّةٌ أَيْضًا وَبَيْنَهُمَا النِّسْبَةُ التَّرْتِيبِيَّةُ بِالْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّةِ فَهَذَا أَحَدُ وُجُوهِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا (وَكَانَتْ قِصَّتُهَا) أَيِ الْأَنْفَالِ (شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا) أَيْ بَرَاءَةٍ وَيَجُوزُ الْعَكْسُ وَوَجْهُ كَوْنِ قِصَّتِهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا أَنَّ فِي الْأَنْفَالِ ذِكْرُ الْعُهُودِ وَفِي بَرَاءَةٍ نَبْذُهَا فَضُمَّتْ إِلَيْهَا (فَظَنَنْتَ أَنَّهَا) أَيِ التَّوْبَةَ (مِنْهَا) أَيِ الْأَنْفَالِ وَكَأَنَّ هَذَا مُسْتَنَدُ مَنْ قَالَ إِنَّهُمَا سُورَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ ما أخرجه أبو الشيخ عن دوق وأبو يعلى عن مجاهد وبن أبي حاتم عن سفيان وبن لَهِيعَةَ كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ بَرَاءَةٌ مِنَ الْأَنْفَالِ وَلِهَذَا لَمْ تُكْتَبِ الْبَسْمَلَةُ بَيْنَهُمَا مَعَ اشْتِبَاهِ طرقهما ورد بتسمية النبي كُلٍّ مِنْهُمَا بِاسْمٍ مُسْتَقِلٍّ

قَالَ الْقُشَيْرِيُّ إِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ التَّسْمِيَةَ لَمْ تَكُنْ فِيهَا لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لم ينزل بها فيها وعن بن عَبَّاسٍ لَمْ تُكْتَبِ الْبَسْمَلَةُ فِي بَرَاءَةٌ لِأَنَّهَا أَمَانٌ وَبَرَاءَةٌ نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَوَّلَهَا لَمَّا سَقَطَ سَقَطَتْ مَعَهُ الْبَسْمَلَةُ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهَا كَانَتْ تَعْدِلُ الْبَقَرَةَ لِطُولِهَا وَقِيلَ إنها ثابتة أولها في مصحف بن مَسْعُودٍ وَلَا يُعَوَّلُ عَلَى ذَلِكَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا) أَيْ لم يبين لنا رسول الله أَنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الْأَنْفَالِ أَوْ لَيْسَتْ مِنْهَا (فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ) أَيْ لِمَا ذُكِرَ مِنْ عدم تبينا ووجود مَا ظَهَرَ لَنَا مِنَ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُمَا (قَرَنْتَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَيْ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِأَنَّهَا سُورَةٌ مستقلة لأن البسملة كانت تنزل عليه لِلْفَصْلِ وَلَمْ تَنْزِلْ وَلَمْ أَكْتُبْ وَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ قَالَ الطِّيبِيُّ دَلَّ هَذَا الْكَلَامُ عَلَى أَنَّهُمَا نَزَلَتَا مَنْزِلَةَ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَمُلَ السَّبْعُ الطُّوَلُ بِهَا ثُمَّ قِيلَ السَّبْعُ الطُّوَلُ هِيَ الْبَقَرَةُ وَبَرَاءَةٌ وَمَا بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ لكن روى النسائي والحاكم عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهَا الْبَقَرَةُ وَالْأَعْرَافُ وَمَا بَيْنَهُمَا قَالَ الرَّاوِي وَذَكَرَ السَّابِعَةَ فَنَسِيتُهَا وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْفَاتِحَةُ فَإِنَّهَا مِنَ السَّبْعِ الْمَثَانِي أَوْ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَنَزَلَتْ سَبْعَتُهَا مَنْزِلَةَ الْمِئِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَنْفَالُ بِانْفِرَادِهَا أَوْ بِانْضِمَامِ ما بعدها إليها وصح عن بن جبير أنها يونس وجاء مثله عن بن عَبَّاسٍ وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْأَنْفَالَ وَمَا بَعْدَهَا مُخْتَلَفٌ فِي كَوْنِهَا مِنَ الْمَثَانِي وَأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا سُورَةٌ أَوْ هُمَا سُورَةٌ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ قَوْلُهُ (عن زائدة) هو بن قدامة

قَوْلُهُ (أَنَّهُ شَهِدَ) أَيْ حَضَرَ (وَذَكَّرَ) مِنَ التذكير (ثم قال) أي النبي لِلنَّاسِ أَيُّ يَوْمٍ أَحْرَمُ أَيْ أَعْظَمُ حُرْمَةً كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عند أحمد (فقال الناس يوم الحج الأكبر) قِيلَ هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ وَقِيلَ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ فِيهِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ أَيْ تَعَرُّضُهَا عَلَيْكُمْ حَرَامٌ أَيْ مُحَرَّمٌ لَيْسَ لِبَعْضِكُمْ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِبَعْضٍ فَيُرِيقَ دَمَهُ أَوْ يَسْلُبَ مَالَهُ أَوْ يَنَالَ مِنْ عِرْضِهِ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا يَعْنِي تَعَرُّضَ بَعْضِكُمْ دِمَاءَ بَعْضٍ وَأَمْوَالِهِ وَأَعْرَاضِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَيَّامِ كَحُرْمَةِ التَّعَرُّضِ لَهَا فِي هَذَا الْيَوْمِ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَيْ مَكَّةَ أَوِ الْحَرَمِ الْمُحْتَرَمِ فِي شَهْرِكُمْ هَذَا أَيْ ذِي الْحِجَّةِ أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ مِنْ أَبْوَابِ الْفِتَنِ أَلَا حَرْفُ التَّنْبِيهِ إِنَّ الْمُسْلِمَ أَخُو الْمُسْلِمِ أَيْ فِي الدِّينِ فَلَيْسَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَيْ لَا يَجُوزُ وَلَا يُبَاحُ لَهُ إِلَّا مَا أَحَلَّ مِنْ نَفْسِهِ أَيْ مَا أَبَاحَ لَهُ أَخُوهُ مِنْ نَفْسِهِ وَإِنَّ كُلَّ رِبًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ أَيْ كَالشَّيْءِ الْمَوْضُوعِ تَحْتَ القدم وهو مجاز عن إبطاله لكم رؤوس أَيْ أُصُولُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ بِزِيَادَةٍ وَلَا تُظْلَمُونَ بِنَقْصٍ غَيْرَ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ كَذَا وَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ وَلَمْ يظهر لي معنى الاستثناء ووقع عند بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَحْوَصِ عَنْ أبيه قال خطب رسول الله فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ أَلَا إِنَّ كُلَّ رِبًا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ عَنْكُمْ كُلُّهُ لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وَأَوَّلُ رِبًا مَوْضُوعٍ رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مسلم وربا الجاهلية موضوعة وَأَوَّلُ مَا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ

عبد المطلب فإنه موضوع كله قال النووي قوله فِي الرِّبَا إِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ مَعْنَاهُ الزَّائِدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ إِيضَاحٌ وَإِلَّا فَالْمَقْصُودُ مَفْهُومٌ مِنْ نَفْسِ لَفْظِ الْحَدِيثِ لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَةُ فَإِذَا وُضِعَ الرِّبَا فَمَعْنَاهُ وَضْعُ الزِّيَادَةِ وَالْمُرَادُ بِالْوَضْعِ الرَّدُّ وَالْإِبْطَالُ انْتَهَى وَإِنَّ كُلَّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ أَيْ مَتْرُوكٌ لَا قِصَاصَ وَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَةَ وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُ أَيْ أَضَعُهُ وَأُبْطِلُهُ دَمُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَإِنَّ أَوَّلَ دَمٍ أَضَعُ مِنْ دِمَائِنَا دم بن رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْمُحَقِّقُونَ وَالْجُمْهُورُ اسْمُ هَذَا الِابْنِ إِيَاسُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقِيلَ اسْمُهُ حَارِثَةُ وَقِيلَ آدَمُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَقِيلَ اسْمُهُ تَمَّامٌ وَمِمَّنْ سَمَّاهُ آدَمُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرَوَاهُ بَعْضُ رُوَاةِ مُسْلِمٍ دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ وَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَقِيلَ وَهُوَ وَهْمٌ والصواب بن ربيعة لأن ربيعة عاش بعد النبي إِلَى زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَتَأَوَّلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فَقَالَ دَمُ رَبِيعَةَ لِأَنَّهُ وَلِيُّ الدَّمِ فَنَسَبُهُ إِلَيْهِ قَالُوا وَكَانَ هَذَا الِابْنُ الْمَقْتُولُ طِفْلًا صَغِيرًا يَحْبُو بَيْنَ الْبُيُوتِ فَأَصَابَهُ حَجَرٌ فِي حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ بَنِي سَعْدٍ وَبَنِي لَيْثِ بْنِ بَكْرٍ قَالَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ انْتَهَى (كَانَ مُسْتَرْضَعًا) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ كَانَ لَهُ ظِئْرٌ تُرْضِعُهُ فِي بَنِي لَيْثٍ (أَلَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا الِاسْتِيصَاءُ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ أَيْ أُوصِيكُمْ بِهِنَّ خَيْرًا فَاقْبَلُوا وَصِيَّتِي فِيهِنَّ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْأَظْهَرُ أَنَّ السِّينَ لِلطَّلَبِ أَيِ اطْلُبُوا الْوَصِيَّةَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِخَيْرٍ أَوْ يَطْلُبُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ بِالْإِحْسَانِ فِي حَقِّهِنَّ وَقِيلَ الِاسْتِيصَاءُ بِمَعْنَى الْإِيصَاءِ فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ جَمْعُ عَانِيَةٍ أَيْ أُسَرَاءُ كَالْأُسَرَاءِ شُبِّهْنَ بِهِنَّ عِنْدَ الرِّجَالِ لِتَحَكُّمِهِنَّ فِيهِنَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْعَانِي الْأَسِيرُ وَكُلُّ مَنْ ذُلَّ وَاسْتَكَانَ وَخَضَعَ فَقَدْ عَنَا يَعْنُو أَوْ هُوَ عَانٍ وَالْمَرْأَةُ عَانِيَةٌ وَجَمْعُهَا عَوَانٍ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا أَيْ شَيْئًا مِنَ الْمِلْكِ أَوْ شَيْئًا مِنَ الْهِجْرَانِ وَالضَّرْبِ غَيْرَ ذَلِكَ أَيْ غَيْرَ الِاسْتِيصَاءِ بِهِنَّ الْخَيْرَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ الْفَاحِشَةُ كُلُّ مَا يَشْتَدُّ قُبْحُهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي وَكَثِيرًا مَا ترد بمعنى الزنى وَكُلُّ خَصْلَةٍ قَبِيحَةٍ فَهِيَ فَاحِشَةٌ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فَإِنْ فَعَلْنَ أَيْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَاهْجُرُوهُنَّ

يشتد قبحه في المضاجع قال بن عَبَّاسٍ هُوَ أَنْ يُوَلِّيَهَا ظَهْرَهُ فِي الْفِرَاشِ وَلَا يُكَلِّمَهَا وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَعْتَزِلَ عَنْهَا إِلَى فِرَاشٍ آخَرَ (وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ الضَّرْبُ الْمُبَرِّحُ هُوَ الضَّرْبُ الشَّدِيدُ الشَّاقُّ وَمَعْنَاهُ اضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا لَيْسَ بِشَدِيدٍ وَلَا شَاقٍّ وَالْبَرَحُ الْمَشَقَّةُ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ أَيْ فِيمَا يُرَادُ مِنْهُنَّ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أَيْ فَلَا تَطْلُبُوا عَلَيْهِنَّ طَرِيقًا إِلَى هِجْرَانِهِنَّ وَضَرْبِهِنَّ ظُلْمًا فَلَا يُوطِئْنَ بِهَمْزَةٍ أَوْ بِإِبْدَالِهَا مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ فُرُشَكُمْ بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ أَوَّلُ (مَنْ تَكْرَهُونَ) مَفْعُولٌ ثَانٍ أَيْ مَنْ تَكْرَهُونَهُ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ لَا يَأْذَنَّ لِأَحَدٍ تَكْرَهُونَهُ فِي دُخُولِ بُيُوتِكُمْ وَالْجُلُوسِ فِي مَنَازِلِكُمْ سَوَاءٌ كَانَ الْمَأْذُونُ لَهُ رَجُلًا أَجْنَبِيًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَحَدًا مِنْ مَحَارِمِ الزَّوْجَةِ فَالنَّهْيُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ ذَلِكَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ هَذَا كَالتَّفْسِيرِ لِمَا قَبْلَهُ وَهُوَ عَامٌّ (أَلَا وَإِنَّ حَقَّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كسوتهن أو طعامهن) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح) وأخرجه بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ فِي بَابِ تَحْرِيمِ الدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدُ الْوَارِثِ) بْنُ سَعِيدِ بْنِ ذَكْوَانَ الْعَنْبَرِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قَوْلُهُ (سَأَلْتَ رسول الله عَنْ يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَقَالَ يَوْمُ النَّحْرِ) فِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ إِنَّ

يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هُوَ يَوْمُ النَّحْرِ وَلِحَدِيثِ على هذا شاهد من حديث بن عمر عند أبي داود وبن مَاجَهْ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَقَدْ وَرَدَتْ فِي ذلك أحاديث أخرى ذكرها الحافظ بن كثير وغيره واختاره بن جَرِيرٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ آخرون منهم عمرو بن عَبَّاسٍ وَطَاوُسٌ إِنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا في أواخر أبواب الحج وأخرجه أيضا بن المنذر وبن أبي حاتم وبن مردويه قَوْلُهُ (وَعَبْدُ الصَّمَدِ) بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ قَوْلُهُ (بعث النبي بِبَرَاءَةٍ) يَجُوزُ فِيهِ التَّنْوِينُ بِالرَّفْعِ عَلَى الْحِكَايَةِ وَبِالْجَرِّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَامَةُ الْجَرِّ فَتْحَةً وَهُوَ الثَّابِتُ فِي الرِّوَايَاتِ (مَعَ أَبِي بَكْرٍ) وَكَانَ بَعَثَهُ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِسَنَةٍ وَكَانَتْ حَجَّةُ الْوَدَاعِ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ (ثم دعاه) أي ثم دعا النبي أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُبَلِّغَ هَذَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي فَدَعَا عَلِيًّا قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّ الْحِكْمَةَ فِي إِرْسَالِ عَلِيٍّ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ جَرَتْ بِأَنْ لَا يَنْقُضَ الْعَهْدُ إِلَّا مَنْ عَقَدَهُ أَوْ مَنْ هُوَ مِنْهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَأَجْرَاهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى عَادَتِهِمْ وَلِهَذَا قَالَ لَا يُبَلِّغُ هَذَا إِلَّا أَنَا أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي (فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ) أَيْ فَأَعْطَى عَلِيًّا بَرَاءَةً قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ) الضبي أبو عثمان الواسطي نزيل بغداد البزاز لَقَبُهُ سَعْدَوَيْهِ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ قوله (بعث النبي أبا بكر) وروى الطبري عن بن عباس قال بعث رسول الله أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْحَجِّ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقِيمَ لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ (وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ) أَيْ أَمَرَ النَّبِيُّ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يُنَادِيَ بِهَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ لَمَّا نَزَلَتْ عَشْرُ آيَاتٍ من براءة بعث بها النبي مَعَ أَبِي بَكْرٍ لِيَقْرَأَهَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ ثُمَّ دَعَانِي فَقَالَ أَدْرِكْ أَبَا بَكْرٍ فَحَيْثُمَا لَقِيتَهُ فَخُذْ مِنْهُ الْكِتَابَ فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَزَلَ فِيَّ شَيْءٌ فَقَالَ لَا إِلَّا أَنَّهُ لَنْ يُؤَدِّيَ أَوْ لَكِنَّ جِبْرِيلَ قَالَ لَا يُؤَدِّي عَنْكَ إِلَّا أنت أو رجل منك قال بن كَثِيرٍ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجَعَ مِنْ فَوْرِهِ بَلْ بَعْدَ قَضَائِهِ لِلْمَنَاسِكِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَلَا مَانِعَ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ عَشْرُ آيَاتٍ فَالْمُرَادُ أَوَّلُهَا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ (ثُمَّ أَتْبَعَهُ عَلِيًّا) أَيْ أَتْبَعَ رَسُولُ اللَّهِ أَبَا بَكْرٍ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا (إذ سمع رغاء ناقة رسول الله) بِضَمِّ الرَّاءِ وَبِالْمَدِّ صَوْتُ ذَوَاتِ الْخُفِّ وَقَدْ رَغَا الْبَعِيرُ يَرْغُو رُغَاءً بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ أَيْ ضَجَّ (الْقُصْوَى) هُوَ لَقَبُ نَاقَةِ رَسُولِ اللَّهِ (فدفع إليه كتاب رسول الله) أَيْ دَفَعَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَلِيٍّ كِتَابَهُ (فَسِيحُوا) سِيرُوا آمِنَينَ أَيُّهَا الْمُشْرِكُونَ (فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ عَلِيٍّ الْآتِي بَعْدَ هَذَا (وَلَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ الْعَامِ) أَيْ بَعْدَ الزَّمَانِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْإِعْلَامُ بِذَلِكَ (فَإِذَا عَيِيَ) بِكَسْرِ

التحتية الأولى يقال عيي يعيى عِيًّا وَعَيَاءً بِأَمْرِهِ وَعَنْ أَمْرِهِ عَجَزَ عَنْهُ وَلَمْ يُطِقْ أَحْكَامَهُ أَوْ لَمْ يَهْتَدِ لِوَجْهِ مراده وعيى يعيى عَيًّا فِي الْمَنْطِقِ حُصِرَ تَنْبِيهٌ قال الْخَازِنُ قَدْ يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ فِي بَعْثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِقِرَاءَةِ أَوَّلِ بَرَاءَةٍ عَزْلَ أَبِي بَكْرٍ عَنِ الْإِمَارَةِ وَتَفْضِيلَهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَذَلِكَ جَهْلٌ مِنْ هَذَا الْمُتَوَهِّمِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَزَلْ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ بَعَثَهُ في الحجة التي أمره رسول الله عَلَيْهَا قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُونَ فِي النَّاسِ الْحَدِيثَ وَفِي لَفْظِ أَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ قَالَ بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِيمَنْ يُؤَذِّنُ فِي يَوْمِ النَّحْرِ بِمِنًى أَنَّ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ فَقَوْلُهُ بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ هُوَ الْأَمِيرَ عَلَى النَّاسِ وَهُوَ الَّذِي أَقَامَ لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ وَعَلَّمَهُمْ مَنَاسِكَهُمْ وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عَنْ بَعْثِ رَسُولِ اللَّهِ عَلِيًّا لِيُؤَذِّنَ فِي النَّاسِ بِبَرَاءَةٍ بِأَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ جَرَتْ أَنْ لَا يَتَوَلَّى تَقْرِيرَ الْعَهْدِ وَنَقْضَهُ إِلَّا سَيِّدُ الْقَبِيلَةِ وَكَبِيرُهَا أَوْ رَجُلٌ مِنْ أَقَارِبِهِ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أقرب إلى النبي من أبي بكر لأنه بن عمه ومن رهطه فبعثه النبي لِيُؤَذِّنَ عَنْهُ بِبَرَاءَةٍ إِزَاحَةً لِهَذِهِ الْعِلَّةِ لِئَلَّا يَقُولُوا هَذَا عَلَى خِلَافِ مَا نَعْرِفُهُ عَنْ عَادَتِنَا فِي عَقْدِ الْعُهُودِ وَنَقْضِهَا وَقِيلَ لَمَّا خَصَّ أَبَا بَكْرٍ لِتَوْلِيَتِهِ عَلَى الْمَوْسِمِ خَصَّ عَلِيًّا بِتَبْلِيغِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ وَرِعَايَةً لِجَانِبِهِ وَقِيلَ إِنَّمَا بَعَثَ عَلِيًّا فِي هَذِهِ الرِّسَالَةُ حَتَّى يُصَلِّيَ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَيَكُونَ جَارِيًا مَجْرَى التَّنْبِيهِ عَلَى إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ بعد رسول الله لأن النبي بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْحَاجِّ وَوَلَّاهُ الْمَوْسِمَ وَبَعَثَ عَلِيًّا خَلْفَهُ لِيَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ بِبَرَاءَةٍ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْإِمَامَ وَعَلِيٌّ الْمُؤْتَمَّ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْخَطِيبَ وَعَلِيٌّ الْمُسْتَمِعَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الْمُتَوَلِّي أَمْرَ الْمَوْسِمِ وَالْأَمِيرَ عَلَى النَّاسِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِعَلِيٍّ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى عَلِيٍّ وَفَضْلِهِ عَلَيْهِ انْتَهَى قُلْتُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَزَلْ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ حَدِيثُ جَابِرٍ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ وَإِسْحَاقَ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيِّ والدارمي وبن خزيمة وبن حبان أن النبي حِينَ رَجَعَ مِنْ عُمْرَةِ الْجِعِرَّانَةِ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ فَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْعَرَجِ ثَوَّبَ بِالصُّبْحِ فَسَمِعَ رَغْوَةَ نَاقَةِ النبي فَإِذَا عَلِيٌّ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ أَمِيرٌ أَوْ رسول فقال بل أرسلني رسول الله بِبَرَاءَةٍ أَقْرَؤُهَا عَلَى النَّاسِ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّبِيِّ عَهْدٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَأَجَلُهُ أربعة

أَشْهُرٍ) قَالَ الْحَافِظُ اسْتُدِلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَخْتَصُّ بِمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ مُؤَقَّتٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ أَصْلًا وَأَمَّا مَنْ لَهُ عَهْدٌ مُؤَقَّتٌ فَهُوَ إِلَى مُدَّتِهِ فروى الطبري من طريق بن إِسْحَاقَ قَالَ هُمْ صِنْفَانِ صِنْفٌ كَانَ لَهُ عَهْدٌ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَأُمْهِلَ إِلَى تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَصِنْفٌ كَانَتْ لَهُ مُدَّةٌ عَهْدِهِ بِغَيْرِ أَجَلٍ فَقُصِرَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْأَرْبَعَةَ الْأَشْهُرَ أَجَلُ مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مُؤَقَّتٌ بِقَدْرِهَا أَوْ يَزِيدُ عَلَيْهَا وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ فَانْقِضَاؤُهُ إِلَى سَلْخِ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الحرم فاقتلوا المشركين ومن طريق عبيدة بن سلمان سمعت (عن) الضحاك أن رسول الله عَاهَدَ نَاسًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَغَيْرِهِمْ فَنَزَلَتْ بَرَاءَةٌ فَنَبَذَ إِلَى كُلِّ أَحَدٍ عَهْدَهُ وَأَجَّلَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ فَأَجَلُهُ إِلَى انْقِضَاءِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَمِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ نَحْوُهُ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ كَانَ أَوَّلُ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ عِنْدَ نُزُولِ بَرَاءَةٌ فِي شَوَّالَ فَكَانَ آخِرُهَا آخِرَ الْمُحَرَّمِ فَبِذَلِكَ يُجْمَعُ بَيْنَ ذِكْرِ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَبَيْنَ قَوْلِهِ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا المشركين وَاسْتَبْعَدَ الطَّبَرِيُّ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّ بُلُوغَهُمُ الخبر إنما كان عندما وقع به النِّدَاءُ بِهِ فِي ذِي الْحِجَّةِ فَكَيْفَ يُقَالُ لَهُمْ سِيحُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا دُونَ الشَّهْرَيْنِ ثُمَّ أُسْنِدَ عَنِ السُّدِّيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ تَمَامَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ فِي رَبِيعٍ الْآخِرَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَيْ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ الطَّوَافِ عُرْيَانًا بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ يُثَيِّعٍ الْمَذْكُورِ وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ هُنَاكَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ إِلَخْ) هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ هُنَا إِلَى قَوْلِهِ وَلَا يُتَابَعُ عليه

قَدْ وَقَعَتْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَسَقَطَتْ فِي بعضها (عن بن أثيع وعن بن يُثَيِّعٍ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ كِلْتَا الرِّوَايَتَيْنِ (وَالصَّحِيحُ زَيْدُ بْنُ يُثَيِّعٍ) أَيْ بِالتَّحْتَانِيَّةِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ الْمَحْفُوظُ بِالْيَاءِ (وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أُثَيْلٍ) أَيْ بِاللَّامِ مَكَانَ الْعَيْنِ (وَلَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يُتَابَعُ شُعْبَةٌ عَلَى لَفْظِ أُثَيْلٍ قَالَ الدَّوْرِيُّ عن بن مَعِينٍ قَالَ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ زيد بن أثيل قال بن مَعِينٍ وَالصَّوَابُ يُثَيِّعٌ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقُولُ أُثَيْلٌ إِلَّا شُعْبَةُ وَحْدَهُ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَوْلُهُ (إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ يَتَعَاهَدُ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَيْ يَتَحَافَظُ وَرُوِيَ يَعْتَادُ وَهُوَ أَقْوَى سَنَدًا وَأَوْفَقُ مَعْنًى لِشُمُولِهِ جَمِيعَ مَا يُنَاطُ بِالْمَسْجِدِ مِنَ الْعِمَارَةِ وَاعْتِيَادِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَتَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ حُرْمَةِ الصَّلَاةِ مِنْ أَبْوَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبِ) بْنِ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ الحارث) الأنصاري المصري (الْعُتْوَارِيُّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَبِرَاءٍ نِسْبَةً إِلَى عُتْوَرَةَ بَطْنٌ مِنْ كِنَانَةَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ ثوبان) الهاشمي مولى النبي

قَوْلُهُ (فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ أُنْزِلَتْ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) أَيْ هَذِهِ الْآيَةُ وَعَرَفْنَا حُكْمَهُمَا وَمَذَمَّتَهُمَا (لَوْ عَلِمْنَا) لَوْ لِلتَّمَنِّي (أَيُّ الْمَالِ خَيْرٌ) مبتدأ وخبر والجملة سدت مسد المفعولين لعلمنا تَعْلِيقًا (فَنَتَّخِذَهُ) مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أَنْ بَعْدَ الْفَاءِ جوابا للتمني قيل السؤال وإن كان من تعيين المال ظاهرا لكنهم أراد وما ينتفع به عند تراكم الحوائج فذلك أَجَابَ عَنْهُ بِمَا أَجَابَ فَفِيهِ شَائِبَةٌ عَنِ الْجَوَابِ عَنْ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ (فَقَالَ أَفْضَلُهُ) أَيْ أَفْضَلُ الْمَالِ أَوْ أَفْضَلُ مَا يَتَّخِذُهُ الْإِنْسَانُ قِنْيَةً (لِسَانٌ ذَاكِرٌ) أَيْ بِتَمْجِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيسِهِ وَتَسْبِيحِهِ وَتَهْلِيلِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ (وَقَلْبٌ شَاكِرٌ) أَيْ عَلَى إِنْعَامِهِ وَإِحْسَانِهِ (وَزَوْجَةٌ مُؤْمِنَةٌ تُعِينُهُ عَلَى إِيمَانِهِ) أَيْ عَلَى دِينِهِ بِأَنْ تُذَكِّرَهُ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ وَغَيْرَهُمَا من العبادات وتمنعه من الزنى وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (عَنْ غُطَيْفِ بْنِ أَعْيَنَ) الشَّيْبَانِيِّ الْجَزَرِيِّ وَيُقَالُ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا وَقَالَ لَيْسَ بِمَعْرُوفِ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ) هُوَ كُلُّ مَا كَانَ عَلَى شَكْلِ خَطَّيْنِ مُتَقَاطِعَيْنِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ هُوَ الْمُرَبَّعُ مِنَ الْخَشَبِ لِلنَّصَارَى يَدَّعُونَ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ صُلِبَ عَلَى خَشَبَةٍ عَلَى تِلْكَ الصُّورَةِ (اطْرَحْ عَنْكَ) أَيْ أَلْقِ عَنْ عُنُقِكَ (هذا الوثن) هو كل ماله جثة معمولة

مِنْ جَوَاهِرِ الْأَرْضِ أَوْ مِنَ الْخَشَبِ وَالْحِجَارَةِ كَصُورَةِ الْآدَمِيِّ وَالصَّنَمُ الصُّورَةُ بِلَا جُثَّةٍ وَقِيلَ هُمَا سَوَاءٌ وَقَدْ يُطْلَقُ الْوَثَنُ عَلَى غَيْرِ الصورة ومنه حديث عدي قدمت عليه وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ أَلْقِ هَذَا الْوَثَنَ عَنْكَ قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ (اتَّخَذُوا أخبارهم) أَيْ عُلَمَاءَ الْيَهُودِ (وَرُهْبَانَهُمْ) أَيْ عُبَّادَ النَّصَارَى (أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ) حَيْثُ اتَّبَعُوهُمْ فِي تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَتَحْرِيمِ مَا أَحَلَّ الله قال أي النبي (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ التَّنْبِيهِ (إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شيئا) أي جعلوا لَهُمْ حَلَالًا وَهُوَ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى (اسْتَحَلُّوهُ) أَيِ اعْتَقَدُوهُ حَلَالًا (وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَيْئًا) أَيْ وَهُوَ مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ (حَرَّمُوهُ) أَيِ اعْتَقَدُوهُ حَرَامًا قَالَ فِي فَتْحِ الْبَيَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَا يَزْجُرُ مَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ عَنِ التَّقْلِيدِ فِي دِينِ اللَّهِ وَتَأْثِيرِ مَا يَقُولُهُ الْأَسْلَافُ عَلَى مَا فِي الْكِتَاب الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ فَإِنَّ طَاعَةَ الْمُتَمَذْهِبِ لِمَنْ يَقْتَدِي بِقَوْلِهِ وَيَسْتَنُّ بِسُنَّتِهِ مِنْ عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِمَا جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ وَقَامَتْ بِهِ حُجَجُ اللَّهِ وَبَرَاهِينُهُ هُوَ كَاتِّخَاذِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِلْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوهُمْ بَلْ أَطَاعُوهُمْ وَحَرَّمُوا مَا حَرَّمُوا وَحَلَّلُوا مَا حَلَّلُوا وَهَذَا هُوَ صَنِيعُ الْمُقَلِّدِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهُوَ أَشْبَهُ بِهِ مِنْ شَبَهِ الْبَيْضَةِ بِالْبَيْضَةِ وَالتَّمْرَةِ بِالتَّمْرَةِ والماء بالماء فياعباد اللَّهِ مَا بَالُكُمْ تَرَكْتُمُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ جَانِبًا وَعَمَدْتُمْ إِلَى رِجَالٍ هُمْ مِثْلُكُمْ فِي تَعَبُّدِ اللَّهِ لَهُمْ بِهِمَا وَطَلَبِهِ لِلْعَمَلِ مِنْهُمْ بِمَا دلا عليه وأفاداه فعملتم بما جاؤوا بِهِ مِنَ الْآرَاءِ الَّتِي لَمْ تُعْمَدْ بِعِمَادِ الْحَقِّ وَلَمْ تُعْضَدْ بِعَضُدِ الدِّينِ وَنُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تُنَادِي بِأَبْلَغِ نِدَاءٍ وَتُصَوِّتُ بِأَعْلَى صَوْتٍ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ وَيُبَايِنُهُ فَأَعَرْتُمُوهَا آذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا وَأَذْهَانًا كَلِيلَةً وَخَوَاطِرَ عَلِيلَةً وَأَنْشَدْتُمْ بِلِسَانِ الْحَالِ وَمَا أَنَا إِلَّا مِنْ غَزِيَّةَ إِنْ غَوَتْ غَوَيْتُ وَإِنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدُ انْتَهَى وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ شَيْخُنَا وَمَوْلَانَا خَاتِمَةُ الْمُحَقِّقِينَ وَالْمُجْتَهِدِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ شَاهَدْتُ جَمَاعَةً مِنْ مُقَلِّدَةِ الْفُقَهَاءِ قَرَأْتُ عَلَيْهِمْ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ فَكَانَتْ مَذَاهِبُهُمْ بِخِلَافِ تِلْكَ الْآيَاتِ فَلَمْ يَقْبَلُوا تِلْكَ الْآيَاتِ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهَا وَبَقَوْا يَنْظُرُونَ إِلَيَّ كَالْمُتَعَجِّبِ يَعْنِي كَيْفَ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِظَوَاهِرِ هَذِهِ الْآيَاتِ مَعَ أَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْ سَلَفِنَا وَرَدَتْ إِلَى خِلَافِهَا وَلَوْ تَأَمَّلْتَ حَقَّ التَّأَمُّلِ وَجَدْتَ هَذَا الدَّاءَ سَارِيًا فِي عُرُوقِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا

انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن جرير وبن سعد وعبد بن حميد وبن المنذر وبن أبي حاتم وأبو الشيخ وبن مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) هو بن يَحْيَى الْأَزْدِيُّ الْعَوْذِيُّ (حَدَّثَنَا ثَابِتٌ) هُوَ الْبُنَانِيُّ قوله (قلت للنبي وَنَحْنُ فِي الْغَارِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِأَقْدَامِ الْقَوْمِ (لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يَنْظُرُ إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا) فِيهِ مَجِيءُ لَوِ الشَّرْطِيَّةِ لِلِاسْتِقْبَالِ خِلَافًا لِلْأَكْثَرِ وَاسْتَدَلَّ مَنْ جَوَّزَهُ بِمَجِيءِ الْفِعْلِ الْمُضَارِعِ بَعْدَهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى (لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ) وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ قَالَهُ حَالَةَ وُقُوفِهِمْ عَلَى الْغَارِ وَعَلَى قَوْلِ الْأَكْثَرِ يَكُونُ قَالَهُ بَعْدَ مُضِيِّهِمْ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى صِيَانَتِهِمَا مِنْهُمْ وَوَقَعَ فِي مَغَازِي عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي قِصَّةِ الْهِجْرَةِ قَالَ وَأَتَى الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْجَبَلِ الذي فيه الغار الذي فيه النبي حَتَّى طَلَعُوا فَوْقَهُ وَسَمِعَ أَبُو بَكْرٍ أَصْوَاتَهُمْ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ الْهَمُّ وَالْخَوْفُ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَقُولُ له النبي لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا وَدَعَا رَسُولُ الله فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ السَّكِينَةُ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا الْآيَةَ وَهَذَا يُقَوِّي أَنَّهُ قَالَ مَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ حِينَئِذٍ وَلِذَلِكَ أَجَابَهُ بِقَوْلِهِ لَا تَحْزَنْ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا قَالَ الْحَافِظُ فِي رِوَايَةِ مُوسَى فَقَالَ اسْكُتْ يَا أَبَا بَكْرٍ اثْنَانِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا وَقَوْلُهُ اثْنَانِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ نَحْنُ اثْنَانِ وَمَعْنَى ثَالِثُهُمَا نَاصِرُهُمَا وَمُعِينُهُمَا وَإِلَّا فاللَّهُ ثَالِثُ كُلِّ اثْنَيْنِ بِعِلْمِهِ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ ثَالِثُهُمَا بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ وَالْحِفْظِ وَالتَّسْدِيدِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هم محسنون وفيه بيان عظيم توكل النبي حَتَّى فِي هَذَا

الْمَقَامِ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ مِنْ أَجَلِّ مَنَاقِبِهِ وَالْفَضِيلَةُ مِنْ أَوْجُهٍ مِنْهَا بَذْلُهُ نَفْسَهُ وَمُفَارَقَتُهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَرِيَاسَتَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمُلَازَمَةِ النَّبِيِّ وَمُعَادَاةِ النَّاسِ فِيهِ وَمِنْهَا جَعْلُهُ نَفْسَهُ وِقَايَةً عَنْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ) بْنُ سَلُولَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا لَامٌ هُوَ اسْمُ امْرَأَةٍ وَهِيَ وَالِدَةُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ وَهِيَ خُزَاعِيَّةٌ وَأَمَّا هُوَ فَمِنَ الخزرج أحد قبيلتي الأنصار وبن سَلُولَ يُقْرَأُ بِالرَّفْعِ لِأَنَّهُ صِفَةُ عَبْدِ اللَّهِ لَا صِفَةُ أَبِيهِ (أَعَلَى عَدُوِّ اللَّهِ) أَيْ أَتُصَلِّي عَلَى عَدُوِّ اللَّهِ (الْقَائِلُ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا يَعُدُّ أَيَّامَهُ) يُشِيرُ بِذَلِكَ إِلَى مِثْلِ قَوْلِهِ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عند رسول الله حتى ينفضوا إلى مِثْلِ قَوْلِهِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَرَسُولُ الله يتبسم استشكل تبسمه فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مَعَ مَا ثَبَتَ أَنَّ ضحكه كَانَ تَبَسُّمًا وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ شُهُودِ الْجَنَائِزِ يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْ طَلَاقَةِ وَجْهِهِ بِذَلِكَ تَأْنِيسًا لِعُمَرَ وَتَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ كَالْمُعْتَذِرِ عَنْ تَرْكِ قَبُولِ كَلَامِهِ وَمَشُورَتِهِ (قَالَ أَخِّرْ عَنِّي) أَيْ كَلَامَكَ (قَدْ خُيِّرْتُ) أَيْ بَيْنَ الِاسْتِغْفَارِ وَعَدَمِهِ (اسْتَغْفِرْ) يَا مُحَمَّدُ لَهُمْ (أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ) تَخْيِيرٌ لَهُ فِي الِاسْتِغْفَارِ وَتَرْكِهِ (إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يغفر الله لهم) قِيلَ الْمُرَادُ بِالسَّبْعِينَ الْمُبَالَغَةُ فِي كَثْرَةِ الِاسْتِغْفَارِ وقيل المراد العدد المخصوص لقوله وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ فَبَيَّنَ لَهُ حَسْمَ الْمَغْفِرَةِ بِآيَةِ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تستغفر لهم كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (فَعَجَبٌ لِي وَجُرْأَتِي) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ أَيْ إِقْدَامِي عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَعَجِبْتُ بَعْدُ من جرأتي على رسول الله

تنبيه قوله (قد خيرت فاخترت) يدل على أنه فَهِمَ مِنَ الْآيَةِ التَّخْيِيرَ وَاسْتُشْكِلَ فَهْمُ التَّخْيِيرِ مِنْهَا حَتَّى أَقْدَمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَكَابِرِ عَلَى الطَّعْنِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ كَثْرَةِ طُرُقِهِ وَاتِّفَاقِ الشَّيْخَيْنِ وَسَائِرِ الَّذِينَ خَرَّجُوا الصَّحِيحَ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَذَلِكَ يُنَادِي عَلَى مُنْكَرِي صِحَّتِهِ بِعَدَمِ مَعْرِفَةِ الْحَدِيثِ وَقِلَّةِ الِاطِّلَاعِ عَلَى طُرُقِهِ قَالَ الْحَافِظُ وَالسَّبَبُ فِي إِنْكَارِهِمْ صِحَّتَهُ مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ الَّذِي فَهِمَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ حَمْلِ أَوْ عَلَى التَّسْوِيَةِ لِمَا يَقْتَضِيه سِيَاقُ الْقِصَّةِ وَحَمْلِ السبعين على المبالغة قال بن الْمُنَيِّرِ لَيْسَ عِنْدَ الْبَيَانِ تَرَدُّدٌ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِالْعَدَدِ فِي هَذَا السِّيَاقِ غَيْرُ مُرَادٍ قَالَ وَقَدْ أَجَابَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ سَأَزِيدُ عَلَى السَّبْعِينَ اسْتِمَالَةً لِقُلُوبِ عشيرته لأنه أراد إِنْ زَادَ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُ وَيُؤَيِّدُهُ تَرَدُّدُهُ فِي ثَانِي حَدِيثَيِ الْبَابِ حَيْثُ قَالَ لَوْ أَعْلَمُ أَنِّي إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَرُ لَهُ لَزِدْتُ لَكِنْ قَدَّمْنَا أَنَّ الرِّوَايَةَ ثَبَتَتْ بِقَوْلِهِ سَأَزِيدُ وَوَعْدُهُ صَادِقٌ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ ثَبَتَ قَوْلُهُ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتِصْحَابًا لِلْحَالِ لِأَنَّ جَوَازَ الْمَغْفِرَةِ بِالزِّيَادَةِ كَانَ ثَابِتًا قَبْلَ مَجِيءِ الْآيَةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى أَصْلِهِ فِي الْجَوَازِ وَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْبَقَاءِ عَلَى حُكْمِ الْأَصْلِ مَعَ فَهْمِ الْمُبَالَغَةِ لَا يَتَنَافَيَانِ فَكَأَنَّهُ جَوَّزَ أَنَّ الْمَغْفِرَةَ تَحْصُلُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى السَّبْعِينَ لَا أَنَّهُ جَازِمٌ بِذَلِكَ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ قَالَ وَوَقَعَ فِي أَصْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِشْكَالٌ آخَرُ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَطْلَقَ أَنَّهُ خُيِّرَ بَيْنَ الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ وَعَدَمِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَأَخَذَ بِمَفْهُومِ الْعَدَدِ مِنَ السَّبْعِينَ فَقَالَ سَأَزِيدُ عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ سَبَقَ قَبْلَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ نُزُولُ قَوْلِهِ تَعَالَى مَا كان للنبي والذي آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قربى فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ أَبِي طالب حين قال لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَنَزَلَتْ وَكَانَتْ وَفَاةُ أَبِي طَالِبٍ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ اتِّفَاقًا وَقِصَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ هَذِهِ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ مِنْ

الْهِجْرَةِ فَكَيْفَ يَجُوزُ مَعَ ذَلِكَ الِاسْتِغْفَارُ لِلْمُنَافِقِينَ مَعَ الْجَزْمِ بِكُفْرِهِمْ فِي نَفْسِ الْآيَةِ وَقَدْ وَقَفْتَ عَلَى جَوَابٍ لِبَعْضِهِمْ عَنْ هَذَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ اسْتِغْفَارٌ تُرْجَى إِجَابَتُهُ حَتَّى يَكُونَ مَقْصِدُهُ تَحْصِيلَ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ كَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي طَالِبٍ بِخِلَافِ الِاسْتِغْفَارِ لِمِثْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَإِنَّهُ اسْتِغْفَارٌ لِقَصْدِ تَطْيِيبِ قلوب من بقي منهموهذا الْجَوَابُ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ عِنْدِي وَنَحْوُهُ قَوْلُ الزَّمَخْشَرِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ خَفِيَ عَلَى أَفْصَحِ الْخَلْقِ وَأَخْبَرِهِمْ بِأَسَالِيبِ الْكَلَامِ وَتَمْثِيلَاتِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْعَدَدِ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ وَلَوْ كَثُرَ لَا يُجْدِي وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ تَلَاهُ قَوْلُهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ الْآيَةَ فَبَيَّنَ الصَّارِفَ عَنِ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ قُلْتُ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ وَقَالَ مَا قَالَ إِظْهَارًا لِغَايَةِ رَحْمَتِهِ وَرَأْفَتِهِ عَلَى مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِ وَهُوَ كَقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَفِي إظهار النبي الرَّأْفَةَ الْمَذْكُورَةَ لُطْفٌ بِأُمَّتِهِ وَبَاعِثٌ عَلَى رَحْمَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا انْتَهَى وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّ النَّهْيَ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لِمَنْ مَاتَ مُشْرِكًا لَا يَسْتَلْزِمُ النَّهْيَ لِمَنْ مَاتَ مُظْهِرًا لِلْإِسْلَامِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُعْتَقَدُهُ صَحِيحًا وَهَذَا جَوَابٌ جَيِّدٌ وَقَدْ قَدَّمْتُ الْبَحْثَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَالتَّرْجِيحُ أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ مُتَرَاخِيًا عن قصة أبي طالب جيدا وَأَنَّ الَّذِي نَزَلَ فِي قِصَّتِهِ إِنَّكَ لَا تهدي من أحببت وحررت دليل ذلك هنا إِلَّا أَنَّ فِي بَقِيَّةِ هَذِهِ الْآيَةِ مِنَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نُزُولَ ذَلِكَ وَقَعَ مُتَرَاخِيًا عَنِ الْقِصَّةِ وَلَعَلَّ الَّذِي نَزَلَ أَوَّلًا وَتَمَسَّكَ النَّبِيُّ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فلن يغفر الله لهم إِلَى هُنَا خَاصَّةً وَلِذَلِكَ اخْتَصَرَ فِي جَوَابِ عُمَرَ عَلَى التَّخْيِيرِ وَعَلَى ذِكْرِ السَّبْعِينَ فَلَمَّا وَقَعَتِ الْقِصَّةُ الْمَذْكُورَةُ كَشَفَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْغِطَاءَ وفضحهم على رؤوس الْمَلَأِ وَنَادَى عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا تَأَمَّلَ الْمُتَأَمِّلُ الْمُنْصِفُ وَجَدَ الْحَامِلَ عَلَى مَنْ رَدَّ الْحَدِيثَ أَوْ تَعَسَّفَ فِي التَّأْوِيلِ ظَنَّهُ بِأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ نَزَلَ مَعَ قَوْلِهِ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَيْ نَزَلَتِ الْآيَةُ كَامِلَةً لِأَنَّهُ لَوْ فُرِضَ نُزُولُهَا كَامِلَةً لَاقْتَرَنَ بِالنَّهْيِ الْعِلَّةُ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ قَلِيلَ الِاسْتِغْفَارِ وَكَثِيرَهُ لَا يُجْدِي وَإِلَّا فَإِذَا فُرِضَ مَا حَرَّرْتُهُ أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ نَزَلَ مُتَرَاخِيًا عَنْ صَدْرِ الْآيَةِ لَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَحُجَّةُ الْمُتَمَسِّكِ مِنَ الْقِصَّةِ بِمَفْهُومِ الْعَدَدِ صَحِيحٌ وَكَوْنُ ذَلِكَ وَقَعَ للنبي مُتَمَسِّكًا بِالظَّاهِرِ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْرُوعُ فِي الْأَحْكَامِ إِلَى أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ الصَّارِفُ عَنْ ذَلِكَ لَا إِشْكَالَ فِيهِ انْتَهَى

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (جَاءَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ) كَانَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ هَذَا مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا وَاسْتُشْهِدَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَمِنْ مَنَاقِبِهِ أَنَّهُ بَلَغَهُ بَعْضُ مَقَالَاتِ أَبِيهِ فَجَاءَ إِلَى النبي يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِهِ قَالَ بَلْ أَحْسِنْ صُحْبَتَهُ أخرجه بن مِنْدَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَكَأَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ أَمْرَ أَبِيهِ عَلَى ظَاهِرِ الاسلام فلذلك التمس من النبي أَنْ يَحْضُرَ عِنْدَهُ وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِعَهْدٍ مِنْ أَبِيهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ كِلَاهُمَا عَنْ قَتَادَةَ قَالَ أَرْسَلَ عبد الله بن أبي إلى النبي فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ أَهْلَكَكَ حُبُّ يَهُودَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ لِي وَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ لِتُوَبِّخَنِي ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفَّنُ فِيهِ وَهَذَا مُرْسَلٌ مَعَ ثِقَةٍ رِجَالِهُ وَيُعَضِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا مَرِضَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبي جاءه النبي فَكَلَّمَهُ فَقَالَ قَدْ فَهِمْتُ مَا تَقُولُ فَامْنُنْ عَلَيَّ فَكَفِّنِّي فِي قَمِيصِكَ وَصَلِّ عَلَيَّ فَفَعَلَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَرَادَ بِذَلِكَ دَفْعَ الْعَارِ عَنْ وَلَدِهِ وَعَشِيرَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَأَظْهَرَ الرَّغْبَةَ فِي صَلَاةِ النَّبِيِّ وَوَقَعَتْ إِجَابَتُهُ إِلَى سُؤَالِهِ بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ مِنْ حَالِهِ إِلَى أَنْ كَشَفَ اللَّهُ الْغِطَاءَ عَنْ ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَجْوِبَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (فَقَالَ أَعْطِنِي قَمِيصَكَ أُكَفِّنْهُ) إِلَى قَوْلِهِ (فَأَعْطَاهُ قَمِيصَهُ) هَذَا مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَالَ أَتَى النَّبِيُّ عبد الله بن أبي بعد ما دُفِنَ فَأَخْرَجَهُ فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ قَالَ الْحَافِظُ قَدْ جُمِعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ معنى قوله في حديث بن عُمَرَ فَأَعْطَاهُ أَيْ أَنْعَمَ لَهُ بِذَلِكَ فَأَطْلَقَ عَلَى الْعِدَّةِ اسْمَ الْعَطِيَّةِ مَجَازًا لِتَحَقُّقِ وُقُوعِهَا وكذا قوله في حديث جابر بعد ما دُفِنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَيْ دُلِّيَ فِي حُفْرَتِهِ وَكَانَ أَهْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي خشوا على النبي الْمَشَقَّةَ فِي حُضُورِهِ فَبَادَرُوا إِلَى تَجْهِيزِهِ قَبْلَ وصول النبي فَلَمَّا وَصَلَ وَجَدَهُمْ قَدْ دَلَّوْهُ فِي حُفْرَتِهِ فَأَمَرَ بِإِخْرَاجِهِ إِنْجَازًا لِوَعْدِهِ فِي تَكْفِينِهِ فِي القميص والصلاة عليه ووجه إعطاء النبي قَمِيصَهُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ مُبَيَّنٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ أُتِيَ بِأُسَارَى وَأُتِيَ بِالْعَبَّاسِ وَلَمْ

يكن عليه ثوب فنظر النبي لَهُ قَمِيصًا فَوَجَدُوا قَمِيصَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي يقدر عليه فكساه النبي إياه فلذلك نزع النبي قميصه الذي ألبسه قال بن عُيَيْنَةَ كَانَتْ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فَأَحَبَّ أَنْ يُكَافِئَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (فَآذِنُونِي) مِنَ الْإِيذَانِ أَيْ أَعْلِمُونِي (أَلَيْسَ قَدْ نَهَى اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ قَالَ الْحَافِظُ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِطْلَاقُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ جِدًّا حَتَّى أَقْدَمَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ هَذَا وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ وَعَاكَسُهُ غَيْرُهُ فَزَعَمَ أَنَّ عُمَرَ اطَّلَعَ عَلَى نَهْيٍ خَاصٍّ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي خَاطِرِ عُمَرَ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْإِلْهَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يستغفروا للمشركين قَالَ الثَّانِي يَعْنِي مَا قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ أَقْرَبُ مِنَ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمُ النَّهْيُ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تصل على أحد منهم وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ تَجَوُّزًا بَيَّنَتْهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ فَقَالَ تُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تَسْتَغْفِرَ لَهُمْ وَرَوَى عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والطبري من طريق الشعبي عن بن عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَأَخَذْتُ بِثَوْبِهِ فَقُلْتُ واللَّهِ مَا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهَذَا لَقَدْ قَالَ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مرة فلن يغفر الله لهم ووقع عند بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ فَقَالَ عُمَرُ أَتُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ اللَّهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ قَالَ أَيْنَ قَالَ وقال اسْتَغْفِرْ الْآيَةَ وَهَذَا مِثْلُ رِوَايَةِ الْبَابِ فَكَأَنَّ عُمَرَ قَدْ فَهِمَ مِنَ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا هُوَ الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ مِنْ لِسَانِ الْعَرَبِ مِنْ أَنَّ أَوْ لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ بَلْ لِلتَّسْوِيَةِ فِي عِلْمِ الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ أَيْ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ لَهُمْ وَعَدَمَ الِاسْتِغْفَارِ سَوَاءٌ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ

لَكِنَّ الثَّانِيَةَ أَصْرَحُ وَلِهَذَا وَرَدَ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَفَهِمَ عُمَرُ أَيْضًا مِنْ قوله سبعين مرة أَنَّهَا لِلْمُبَالَغَةِ وَأَنَّ الْعَدَدَ الْمُعَيَّنَ لَا مَفْهُومَ لَهُ بَلِ الْمُرَادُ نَفْيُ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ وَلَوْ كَثُرَ الِاسْتِغْفَارُ فَيَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ النَّهْيُ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ فَأَطْلَقَهُ وَفَهِمَ أَيْضًا أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَعْظَمَ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ لِلْمَيِّتِ وَالشَّفَاعَةِ لَهُ فَلِذَلِكَ اسْتَلْزَمَ عِنْدَ النَّهْيِ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ تَرْكَ الصَّلَاةِ فَلِذَلِكَ جَاءَ عَنْهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ إِطْلَاقُ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ وَلِهَذِهِ الْأُمُورِ اسْتَنْكَرَ إِرَادَةَ الصَّلَاةِ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ هَذَا تَقْرِيرُ مَا صَدَرَ عَنْ عُمَرَ مَعَ مَا عُرِفَ مِنْ شِدَّةِ صَلَابَتِهِ فِي الدِّينِ وَكَثْرَةِ بُغْضِهِ لِلْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَهُوَ الْقَائِلُ فِي حَقِّ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ مَعَ مَا كَانَ لَهُ مِنَ الْفَضْلِ كَشُهُودِهِ بدرا وغير ذلك لكونه كاتب قريش قَبْلَ الْفَتْحِ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ فَقَدْ نَافَقَ فَلِذَلِكَ أَقْدَمَ عَلَى كَلَامِهِ للنبي بِمَا قَالَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى احْتِمَالِ إِجْرَاءِ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ لِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَابَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الزَّيْنُ بْنُ الْمُنَيِّرِ وَإِنَّمَا قال ذلك عمر حرصا على النبي وَمَشُورَةً لَا إِلْزَامًا وَلَهُ عَوَائِدُ بِذَلِكَ تَنْبِيهٌ قال الخطابي إنما فعل النبي مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ مَا فَعَلَ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ عَلَى مَنْ تَعَلَّقَ بِطَرَفٍ مِنَ الدِّينِ وَلِتَطْيِيبِ قَلْبِ وَلَدِهِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَلِتَأَلُّفِ قَوْمِهِ مِنَ الْخَزْرَجِ لِرِيَاسَتِهِ فِيهِمْ فَلَوْ لَمْ يُجِبْ سُؤَالَ ابْنِهِ وَتَرَكَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ النَّهْيِ الصَّرِيحِ لَكَانَ سُبَّةً عَلَى ابْنِهِ وَعَارًا عَلَى قَوْمِهِ وَاسْتَعْمَلَ أَحْسَنَ الْأَمْرَيْنِ فِي السِّيَاسَةِ إِلَى أَنْ نُهِيَ فَانْتَهَى وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أبدا ولا تقم على قبره قال فذكر لنا أن نبي الله قَالَ وَمَا يُغْنِي عَنْهُ قَمِيصِي مِنَ اللَّهِ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يُسْلِمَ بِذَلِكَ أَلْفٌ مِنْ قَوْمِهِ (أَنَا بَيْنَ خِيرَتَيْنِ) تَثْنِيَةُ خِيَرَةٍ كَعِنَبَةٍ أَيْ أَنَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ الِاسْتِغْفَارِ وَتَرْكِهِ (فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أبدا ولا تقم على قبره) لِدَفْنٍ أَوْ زِيَارَةٍ أَيْ لَا تَقِفْ عَلَيْهِ وَلَا تَتَوَلَّ دَفْنَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ قَامَ فُلَانٌ بِأَمْرِ فُلَانٍ إِذَا كَفَاهُ أَمْرَهُ وَنَابَ عَنْهُ فِيهِ وَتَمَامُ الْآيَةِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وماتوا وهم فاسقون وَهَذَا تَعْلِيلٌ لِسَبَبِ الْمَنْعِ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْقِيَامِ عَلَى قَبْرِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي وبن ماجه

قَوْلُهُ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ) الْقُرَشِيِّ الْعَامِرِيِّ الْمَدَنِيِّ نَزَلَ الْإِسْكَنْدَرِيَّةَ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَمَارَى رَجُلَانِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ) عَلَى التَّقْوَى إِلَخْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ الْحَارِثِ) الثَّقَفِيُّ الطَّائِفِيُّ نَزِيلُ الْكُوفَةِ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عن إبراهيم بن أبي ميمونة) الحجازي ذكره بن حبان في الثقات وقال بن الْقَطَّانِ الْفَاسِيُّ مَجْهُولُ الْحَالِ قَوْلُهُ (نَزَلَتْ هَذِهِ الاية) والمسار إِلَيْهَا فِيمَا بَعْدُ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَفِيهِ رِجَالٌ الْآيَةَ (فِي أَهْلِ قُبَاءَ) أَيْ فِي سَاكِنِيهِ وَقُبَاءُ بِضَمِّ الْقَافِ وَخِفَّةِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمَمْدُودَةِ مَصْرُوفَةٌ وَفِيهِ لُغَةٌ بِالْقَصْرِ وَعَدَمِ الصَّرْفِ مَوْضِعٌ بميلين أو ثلاثة من المدينة قال بن الْأَثِيرِ هُوَ بِمَدٍّ وَصَرْفٍ عَلَى الصَّحِيحِ (يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا) أَيْ يُحِبُّونَ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ فِي غَسْلِ الْأَدْبَارِ (قَالَ) أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ (كَانُوا) أَيْ أَهْلُ قُبَاءَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ سَنَدُهُ ضَعِيفٌ

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ وَأَنَسِ بْنِ مالك فأخرجه بن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ قَالَهُ الْحَافِظُ وَأَمَّا حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قال لقد قدم رسول الله يَعْنِي قُبَاءَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَثْنَى عَلَيْكُمْ فِي الطَّهُورِ خَيْرًا أَفَلَا تُخْبِرُونِي يَعْنِي قَوْلَهُ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يتطهروا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَجِدُهُ مَكْتُوبًا عَلَيْنَا فِي التَّوْرَاةِ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا بن أبي شيبة وبن قَانِعٍ وَفِي سَنَدِهِ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَحَكَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ الْخِلَافَ فِيهِ عَلَى شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ تَنْبِيهٌ روى الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا واللَّهُ يُحِبُّ المتطهرين فسألهم رسول الله فَقَالُوا إِنَّا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ قَالَ الْبَزَّارُ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَلَا عَنْهُ إِلَّا ابْنُهُ انْتَهَى وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ضَعَّفَهُ أَبُو حَاتِمٍ فَقَالَ لَيْسَ لَهُ وَلَا لِأَخَوَيْهِ عِمْرَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ حَدِيثٌ مُسْتَقِيمٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَبِيبٍ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ من حديث مجاهد عن بن عَبَّاسٍ أَصْلَ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَيْسَ فِيهِ إِلَّا ذِكْرُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ فَحَسْبُ وَلِهَذَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الْمَعْرُوفُ فِي طُرُقِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ وَلَيْسَ فِيهَا أَنَّهُمْ كانوا يجمعون بين الماء والأحجار وتبعه بن الرِّفْعَةِ فَقَالَ لَا يُوجَدُ هَذَا فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَكَذَا قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ نَحْوَهُ وَرِوَايَةُ الْبَزَّارِ وَارِدَةٌ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً كَذَا فِي التَّلْخِيصِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بن الخليل أو بن أَبِي الْخَلِيلِ الْحَضْرَمِيُّ أَبُو الْخَلِيلِ الْكُوفِيُّ مَقْبُولٌ من الثانية وفرق البخاري وبن حِبَّانَ بَيْنَ الرَّاوِي عَنْ عَلِيٍّ فَقَالَ فِيهِ بن أَبِي الْخَلِيلِ وَالرَّاوِي عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فقال فيه بن الخليل

قوله (وهما مشركان) جملة حالية (أو ليس استغفر إبراهيم لأبيه) أي أتقول هذا وليس اسْتَغْفَرَ إِلَخْ (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أن يستغفروا للمشركين أَيْ لَا يَصِحُّ وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) وَتَمَامُ الْآيَةِ مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا ولو كانوا أي المشركون أولي القربى أَيْ ذَوِي قَرَابَةٍ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لهم أنهم أصحاب الجحيم أَيِ النَّارِ بِأَنْ مَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وعدها إياه بِقَوْلِهِ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي رَجَاءَ أَنْ يُسْلِمَ فلما تبين له أنه عدو لله بموته على الكفر تبرأ منه وترك الاستغفار له إن إبراهيم لأواه كَثِيرُ التَّضَرُّعِ وَالدُّعَاءِ حَلِيمٌ صَبُورٌ عَلَى الْأَذَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ عَنْهُ أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ جَاءَهُ رَسُولُ الله فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَقَالَ رسول الله لِأَبِي طَالِبٍ أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عبد المطلب فقال النبي لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ فَنَزَلَتْ مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم قَالَ صَاحِبُ فَتْحِ الْبَيَانِ وَقَدْ رُوِيَ فِي سبب نزول الاية استغفار النبي لِأَبِي طَالِبٍ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَمَا فِيهِمَا مُقَدَّمٌ عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا عَلَى فَرْضِ أَنَّهُ صَحِيحٌ فَكَيْفَ وَهُوَ ضَعِيفٌ غَالِبُهُ وَلَا يُنَافِي هَذَا مَا ثبت عنه فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ حِينَ كَسَرَ الْمُشْرِكُونَ رَبَاعِيَّتَهُ وَشَجُّوا وَجْهَهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُ تَحْرِيمُ الِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ وَعَلَى فَرْضِ أَنَّهُ قَدْ كَانَ بَلَغَهُ كَمَا يُفِيدُهُ سَبَبُ النُّزُولِ فَإِنَّهُ قَبْلَ أُحُدٍ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَصُدُورُ هَذَا الِاسْتِغْفَارِ مِنْهُ إِنَّمَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْحِكَايَةِ عَمَّنْ تَقَدَّمَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ وَيَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ انتهى

قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ) الْأَنْصَارِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْخَطَّابِ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَيُقَالُ وُلِدَ فِي عَهْدِ النبي قَوْلُهُ (حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ) مَكَانٌ مَعْرُوفٌ هُوَ نِصْفُ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ إِلَى دِمَشْقَ وَيُقَالُ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَبَيْنَهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مَرْحَلَةً وَالْمَشْهُورُ فِيهَا عَدَمُ الصَّرْفِ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعَلَمِيَّةِ وَمَنْ صَرَفَهَا أَرَادَ الْمَوْضِعَ وَكَانَتْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ فِي شَهْرِ رَجَبٍ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ بلا خلاف (مغيثين لعيرهم) أي معينين لغيرهم مِنَ الْإِغَاثَةِ بِمَعْنَى الْإِعَانَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مُغَوِّثِينَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ جَاءَ بِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَلَمْ يُعِلَّهُ كَاسْتَحْوَذَ وَاسْتَنْوَقَ وَلَوْ رُوِيَ مُغَوِّثِينَ بِالتَّشْدِيدِ مِنْ غَوَّثَ بِمَعْنَى أَغَاثَ لَكَانَ وَجْهًا وَالْعِيرُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْإِبِلُ بِأَحْمَالِهَا وَقِيلَ هِيَ قَافِلَةُ الْحَمِيرِ فَكَثُرَتْ حَتَّى سُمِّيَتْ بِهَا كُلُّ قَافِلَةٍ (كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى) يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كان مفعولا (وَمَا أُحِبُّ أَنِّي كُنْتُ شَهِدْتُهَا مَكَانَ بَيْعَتِي لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ) أَيْ بَدَلَ بَيْعَتِي لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ لِأَنَّ هَذِهِ الْبَيْعَةَ كَانَتْ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ وَمَنْشَأَهُ وليلة العقبة ليلة بايع فِيهَا الْأَنْصَارَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالنَّصْرِ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَعْرِضُ نَفْسَهُ عَلَى الْقَبَائِلِ فِي كُلِّ مَوْسِمٍ لِيُؤْمِنُوا بِهِ وَيُؤْوُوهُ فَلَقِيَ رَهْطًا مِنَ الْخَزْرَجِ فَأَجَابُوهُ فَجَاءَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ اثْنَا عَشَرَ إِلَى الْمَوْسِمِ فَبَايَعُوهُ عِنْدَ الْعَقَبَةِ وَهِيَ بَيْعَةُ الْعَقَبَةِ الْأُولَى فَخَرَجَ فِي الْعَامِ الْآخَرِ سَبْعُونَ إِلَى الْحَجِّ فَاجْتَمَعُوا عِنْدَ الْعَقَبَةِ وَأَخْرَجُوا مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ نَقِيبًا فَبَايَعُوهُ وَهِيَ الْبَيْعَةُ الثَّانِيَةُ (حَيْثُ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ) بِمُثَلَّثَةٍ وَقَافٍ أَيْ أَخَذَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ الْمِيثَاقَ لَمَّا تَبَايَعْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْجِهَادِ وَالْمِيثَاقُ الْعَهْدُ وَأَصْلُهُ قَيْدٌ أَوْ حَبْلٌ يُشَدُّ بِهِ الْأَسِيرُ أَوِ الدَّابَّةُ (بَعْدُ) بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ بَعْدَ غَزْوَةِ بدر (غزاها) الضمير المرفوع للنبي (وَآذَنَ) مِنَ الْإِيذَانِ أَيْ أَعْلَمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا

الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي بَابِ غَزْوَةِ تَبُوكَ (أَبْشِرْ يَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ بِخَيْرِ يَوْمٍ أَتَى عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ) اسْتُشْكِلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ بِيَوْمِ إِسْلَامِهِ فَإِنَّهُ مَرَّ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْهُ أَمَّهُ وَهُوَ خَيْرُ أَيَّامِهِ فَقِيلَ هُوَ مُسْتَثْنًى تَقْدِيرًا وَإِنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهِ لِعَدَمِ خَفَائِهِ وَالْأَحْسَنُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ يَوْمَ تَوْبَتِهِ مُكَمِّلٌ لِيَوْمِ إِسْلَامِهِ فَيَوْمُ إِسْلَامِهِ بِدَايَةُ سَعَادَتِهِ وَيَوْمُ تَوْبَتِهِ مُكَمِّلٌ لَهَا فَهُوَ خَيْرُ جَمِيعِ أَيَّامِهِ وَإِنْ كَانَ يَوْمُ إِسْلَامِهِ خَيْرَهَا فَيَوْمُ تَوْبَتِهِ الْمُضَافُ إِلَى إِسْلَامِهِ خَيْرٌ مِنْ يَوْمِ إِسْلَامِهِ الْمُجَرَّدِ عَنْهَا (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ) أَيْ أَدَامَ تَوْبَتَهُ (عَلَى النَّبِيِّ) فِيمَا وَقَعَ مِنْهُ مِنَ الْإِذْنِ فِي التَّخَلُّفِ أَوْ فِيمَا وَقَعَ مِنْهُ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَيْسَ مِنْ لَازِمِ التَّوْبَةِ أَنْ يَسْبِقَ الذَّنْبُ مِمَّنْ وَقَعَتْ مِنْهُ أوله لِأَنَّ كُلَّ الْعِبَادِ مُحْتَاجٌ إِلَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَقَدْ تَكُونُ التَّوْبَةُ مِنْهُ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ بَابِ أَنَّهُ تَرَكَ مَا هُوَ الْأَوْلَى وَالْأَلْيَقُ كَمَا فِي قَوْلِهِ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أذنت لهم ويجوز أن يكون ذكر النبي لِأَجْلِ التَّعْرِيضِ لِلْمُذْنِبِينَ بِأَنْ يَتَجَنَّبُوا الذُّنُوبَ وَيَتُوبُوا عَمَّا قَدْ لَابَسُوهُ مِنْهَا قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي هُوَ مِفْتَاحُ كَلَامٍ لِلتَّبَرُّكِ وَفِيهِ تَشْرِيفٌ لَهُمْ في ضم توبتهم إلى توبة النبي كَمَا ضَمَّ اسْمَ الرَّسُولِ إِلَى اسْمِ اللَّهِ في قوله فإن لله خمسه وللرسول فهو تشريف له كذلك تَابَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى (الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ) فِيمَا قَدِ اقْتَرَفُوهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ ماصح عنه مِنْ قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ وَالْإِنْسَانُ لَا يَخْلُو مِنْ زَلَّاتٍ وَتَبِعَاتٍ فِي مُدَّةِ عُمُرِهِ إِمَّا مِنْ بَابِ الصَّغَائِرِ وَإِمَّا مِنْ بَابِ تَرْكِ الْأَفْضَلِ ثَمَّ وَصَفَ سبحانه المهاجرين والأنصار بأنهم (الذين اتبعوه) أي النبي فلم يتخلفوا عنه (في ساعة العسرة) هِيَ غَزْوَةُ تَبُوكَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِيهَا فِي عُسْرَةٍ شَدِيدَةٍ وَتُسَمَّى غَزْوَةَ الْعُسْرَةِ وَالْجَيْشُ الَّذِي سَارَ يُسَمَّى جَيْشَ الْعُسْرَةِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ عسرة في الزاد والظهر والماء وأخرج بن حبان والحاكم وصححه والبيهقي وغيرهم عن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَدِّثْنَا مِنْ شَأْنِ سَاعَةِ الْعُسْرَةِ فَقَالَ خَرَجْنَا مَعَ رسول الله إِلَى تَبُوكَ فِي قَيْظٍ شَدِيدٍ فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَأَصَابَنَا فِيهِ عَطَشٌ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّ رِقَابَنَا سَتَنْقَطِعُ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْحَرُ بَعِيرَهُ

فَيَعْصِرُ فَرْثَهُ فَيَشْرَبَهُ وَيَجْعَلَ مَا بَقِيَ عَلَى كيده فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ عَوَّدَكَ فِي الدُّعَاءِ خَيْرًا فَادْعُ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَرْجِعْهُمَا حَتَّى قالت السماء فأهطلت ثم سكبت فملأوا مَا مَعَهُمْ ثُمَّ ذَهَبْنَا نَنْظُرُ فَلَمْ نَجِدْهَا جَاوَزَتِ الْعَسْكَرَ (مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قلوب فريق منهم) فِي كَادَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ بَيَانٌ لِتَنَاهِي الشِّدَّةِ وَبُلُوغِهَا النِّهَايَةَ وَمَعْنَى يَزِيغُ يَتْلَفُ بِالْجَهْدِ وَالْمَشَقَّةِ وَالشِّدَّةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَمِيلُ عَنِ الْحَقِّ وَيَتْرُكُ الْمُنَاصَرَةَ وَالْمُمَانَعَةَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَهِمُّ بِالتَّخَلُّفِ عَنِ الْغَزْوِ لِمَا هُمْ فِيهِ مِنَ الشِّدَّةِ الْعَظِيمَةِ وفي قراءة بن مَسْعُودٍ مِنْ بَعْدِ مَا زَاغَتْ وَهُمُ الْمُتَخَلِّفُونَ عَلَى هَذِهِ الْقِرَاءَةِ وَفِي تَكْرِيرِ التَّوْبَةِ عَلَيْهِمْ بقوله (ثم تاب عليهم) تَأْكِيدٌ ظَاهِرٌ وَاعْتِنَاءٌ بِشَأْنِهَا هَذَا إِنْ كَانَ الضَّمِيرُ رَاجِعًا إِلَى مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ التَّوْبَةِ عَنْهُمْ وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ إِلَى الْفَرِيقِ الثَّانِي فلا تكرار وذكر التوبة إو لا قَبْلَ ذِكْرِ الذَّنْبِ تَفَضُّلًا مِنْهُ وَتَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ ثُمَّ ذَكَرَ الذَّنْبَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَرْدَفَهُ بِذِكْرِ التَّوْبَةِ مَرَّةً أُخْرَى تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِمْ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّهُ تَعَالَى قَدْ قَبِلَ تَوْبَتَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ ثُمَّ أتبعه بقوله (إنه بهم رؤوف رحيم) تَأْكِيدًا لِذَلِكَ أَيْ رَفِيقٌ بِعِبَادِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُحَمِّلْهُمْ مَا لَا يُطِيقُونَ مِنَ الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ الرؤف وَالرَّحِيمِ فَرْقٌ لَطِيفٌ وَإِنْ تَقَارَبَا فِي الْمَعْنَى قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَدْ تَكُونُ الرَّحْمَةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلَا تَكَادُ الرَّأْفَةُ تَكُونُ مَعَهَا وَقِيلَ الرَّأْفَةُ عِبَارَةٌ عَنِ السَّعْيِ فِي إِزَالَةِ الضَّرَرِ وَالرَّحْمَةُ عِبَارَةٌ عَنِ السَّعْيِ فِي إِيصَالِ النَّفْعِ هَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الْأُولَى مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي تَلَاهَا رسول الله وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الذين خلفوا أَيْ أُخِّرُوا وَلَمْ تُقْبَلْ تَوْبَتُهُمْ فِي الْحَالِ كَمَا قُبِلَتْ تَوْبَةُ أُولَئِكَ الْمُتَخَلِّفِينَ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ وَهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ هُمْ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَمَرَارَةُ بن الربيع أو بن رَبِيعَةَ الْعَامِرِيُّ وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ وَكُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ لَمْ يَقْبَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوْبَتَهُمْ حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ بِأَنَّ الله قد تاب عليهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ التَّحَيُّرِ وَعَدَمِ الِاطْمِئْنَانِ يَعْنِي أَنَّهُمْ أُخِّرُوا عَنْ قَبُولِ التَّوْبَةِ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ وَهِيَ وَقْتُ أَنْ ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِرَحْبِهَا لِإِعْرَاضِ النَّاسِ عَنْهُمْ وَعَدَمِ مُكَالَمَتِهِمْ مِنْ كل أحد لأن النبي نَهَى النَّاسَ أَنْ يُكَالِمُوهُمْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ أَيْ أَنَّهَا ضَاقَتْ صُدُورُهُمْ بِمَا نَالَهُمْ مِنَ الْوَحْشَةِ وَبِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنَ الْجَفْوَةِ وَشِدَّةِ الْغَمِّ وَالْحُزْنِ وَظَنُّوا أَيْ عَلِمُوا وَأَيْقَنُوا أَنْ لا ملجأ من الله أَيْ مِنْ عَذَابِهِ أَوْ مِنْ سَخَطِهِ إِلَّا إِلَيْهِ أَيْ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ ثُمَّ تَابَ أَيْ رَجَعَ عَلَيْهِمْ بِالْقَبُولِ وَالرَّحْمَةِ وَأَنْزَلَ فِي الْقُرْآنِ التَّوْبَةَ عَلَيْهِمْ لِيَسْتَقِيمُوا أَوْ وَفَّقَهُمْ لِلتَّوْبَةِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ مِنَ الزَّمَانِ إِنْ فَرَطَتْ مِنْهُمْ خَطِيئَةٌ لِيَتُوبُوا عَنْهَا وَيَرْجِعُوا فِيهَا إِلَى اللَّهِ وَيَنْدَمُوا عَلَى مَا وَقَعَ مِنْهُمْ وَيُحَصِّلُوا التَّوْبَةَ وَيُنْشِئُوهَا فَحَصَلَ التَّغَايُرُ وَصَحَّ التَّعْلِيلُ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ أَيِ الْكَثِيرُ الْقَبُولِ لِتَوْبَةِ التَّائِبِينَ الرَّحِيمُ أي الكثير

الرَّحْمَةِ لِمَنْ طَلَبَهَا مِنْ عِبَادِهِ (قَالَ) أَيْ كَعْبُ بْنُ مَالِكَ (وَفِينَا) أَيْ فِي الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا (أُنْزِلَتْ أَيْضًا) اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مع الصادقين يعني مع من صدق النبي وَأَصْحَابَهُ فِي الْغَزَوَاتِ وَلَا تَكُونُوا مَعَ الْمُتَخَلِّفِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ قَعَدُوا فِي الْبُيُوتِ وَتَرَكُوا الْغَزْوَ (إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي) أَيْ مِنْ شُكْرِ تَوْبَتِي (أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا) زَادَ الْبُخَارِيُّ مَا بَقِيتُ (وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ) أَيْ أَخْرُجَ مِنْ جَمِيعِ مَالِي (صَدَقَةً) هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ أَيْ مُتَصَدِّقًا أَوْ ضَمَّنَ الْخَلْعَ مَعْنَى أَتَصَدَّقُ وَهُوَ مَصْدَرٌ أَيْضًا (أَبْلَى أَحَدًا) أَيْ أَنْعَمَ عَلَى أَحَدٍ وَحَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي عَشْرَةِ مَوَاضِعَ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا فِي الْوَصَايَا وفي الجهاد وفي صفة النبي وَفِي وُفُودِ الْأَنْصَارِ وَفِي مَوْضِعَيْنِ مِنَ الْمَغَازِي وَفِي مَوْضِعَيْنِ مِنَ التَّفْسِيرِ وَفِي الِاسْتِئْذَانِ وَفِي الْأَحْكَامِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي التَّوْبَةِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي الطَّلَاقِ قَوْلُهُ (بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ) أَيْ أَرْسَلَ إِلَيَّ رَجُلًا قَالَ الْحَافِظُ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ

الرَّسُولِ إِلَيْهِ بِذَلِكَ (مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ) نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ عَقِبَ قَتْلِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ وَالْيَمَامَةُ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ اسْمُ مَدِينَةٍ بِالْيَمَنِ وَكَانَ مَقْتَلُهُمْ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَالْمُرَادُ بِأَهْلِ الْيَمَامَةِ هُنَا مَنْ قُتِلَ بِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْوَقْعَةِ مَعَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ وَكَانَ مِنْ شَأْنِهَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ ادَّعَى النبوة وقوى أمره بعد موت النبي بِارْتِدَادِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَرَبِ فَجَهَّزَ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَحَارَبُوهُ أَشَدَّ مُحَارَبَةٍ إِلَى أَنْ خَذَلَهُ اللَّهُ وَقَتَلَهُ وَقُتِلَ فِي غُضُونِ ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ قِيلَ سَبْعُمِائَةٍ وَقِيلَ أَكْثَرُ (فَإِذَا عُمَرُ) كَلِمَةُ إِذَا لِلْمُفَاجَأَةِ (عِنْدَهُ) أَيْ عِنْدَ أبي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قَدِ اسْتَحَرَّ) بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ وَمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ رَاءٍ ثَقِيلَةٍ أَيِ اشْتَدَّ وَكَثُرَ وَهُوَ اسْتَفْعَلَ مِنَ الْحَرِّ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ غَالِبًا يُضَافُ إِلَى الْحَرِّ كَمَا أَنَّ الْمَحْبُوبَ يُضَافُ إِلَى الْبَرْدِ يَقُولُونَ أسخن الله عينه وأقرعينه (وَإِنِّي لَأَخْشَى) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمُؤَكَّدَةِ بِلَامِ التَّأْكِيدِ أَيْ لَأَخَافُ (أَنْ يَسْتَحِرَّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا) أَيِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الْقِتَالُ مَعَ الْكُفَّارِ (فَيَذْهَبَ قُرْآنٌ كَثِيرٌ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى يَسْتَحِرَّ قَالَ الْحَافِظُ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ قُتِلَ فِي وَقْعَةِ الْيَمَامَةِ كَانَ قَدْ حَفِظَ الْقُرْآنَ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ مَجْمُوعَهُمْ جَمَعَهُ لَا أَنَّ كُلَّ فَرْدٍ فَرْدٍ جَمَعَهُ (كَيْفَ أَفْعَلُ شيئا لم يفعله رسول الله) قال الخطابي وغيره يحتمل أن يكون إِنَّمَا لَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ فِي الْمُصْحَفِ لَمَّا كان يترقبه مِنْ وُرُودِ نَاسِخٍ لِبَعْضِ أَحْكَامِهِ أَوْ تِلَاوَتِهِ فلما انقضى نزوله بوفاته أَلْهَمَ اللَّهُ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ ذَلِكَ وَفَاءً لِوَعْدِهِ الصَّادِقِ بِضَمَانِ حِفْظِهِ عَلَى هَذِهِ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا فَكَانَ ابْتِدَاءُ ذَلِكَ عَلَى يَدِ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِمَشُورَةِ عُمَرَ ويؤيده ما أخرجه بن أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ سَمِعْتَ عَلِيًّا

يَقُولُ أَعْظَمُ النَّاسِ فِي الْمَصَاحِفِ أَجْرًا أَبُو بَكْرٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ هُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَمَّا مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قال رسول الله لَا تَكْتُبُوا عَنِّي شَيْئًا غَيْرَ الْقُرْآنِ الْحَدِيثَ فَلَا يُنَافِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي كِتَابَةٍ مَخْصُوصَةٍ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَقَدْ كَانَ الْقُرْآنُ كله كتب في عهد النبي لَكِنْ غَيْرَ مَجْمُوعٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلَا مرتب السور وأما ما أخرجه بن أبي داود وفي المصاحف من طريق بن سِيرِينَ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ لَمَّا مَاتَ رَسُولُ الله آلَيْتَ أَنْ آخُذَ عَلَيَّ رِدَائِي إِلَّا لِصَلَاةِ جُمْعَةٍ حَتَّى أَجْمَعَ الْقُرْآنَ فَجَمَعَهُ فَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِانْقِطَاعِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا فَمُرَادُهُ بِجَمْعِهِ حِفْظُهُ فِي صَدْرِهِ قَالَ وَالَّذِي وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ حَتَّى جَمَعْتُهُ بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ وَهْمٌ مِنْ رَاوِيهِ قَالَ الْحَافِظُ وَرِوَايَةُ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ يَعْنِي الَّتِي تَقَدَّمَتْ آنِفًا أصح فهو المعتمد ووقع عند بن أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا بَيَانُ السَّبَبِ فِي إِشَارَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِذَلِكَ فَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ عَنْ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقِيلَ كَانَتْ مَعَ فُلَانٍ فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فَقَالَ إِنَّا لِلَّهِ وَأَمَرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَهُ فِي الْمُصْحَفِ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ جَمَعَهُ أَيْ أَشَارَ بِجَمْعِهِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فَنُسِبَ الْجَمْعُ إِلَيْهِ لِذَلِكَ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّكَ شَابٌّ عَاقِلٌ لَا نَتَّهِمُكَ قَدْ كُنْتَ تكتب لرسول الله الْوَحْيَ) ذكَرَ لَهُ أَرْبَعَ صِفَاتٍ مُقْتَضِيَةٍ خُصُوصِيَّتَهُ بِذَلِكَ كَوْنُهُ شَابًّا فَيَكُونُ أَنْشَطَ لِمَا يُطْلَبُ مِنْهُ وَكَوْنُهُ عَاقِلًا فَيَكُونُ أَوْعَى لَهُ وَكَوْنه لَا يُتَّهَمُ فَتَرْكَنُ النَّفْسُ إِلَيْهِ وَكَوْنُهُ كَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ فَيَكُونُ أَكْثَرَ مُمَارَسَةً لَهُ وَهَذِهِ الصِّفَاتُ الَّتِي اجْتَمَعَتْ لَهُ قَدْ تُوجَدُ فِي غَيْرِهِ لَكِنْ مُفَرَّقَةً (فَواللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ الْحَافِظُ كَأَنَّهُ جُمِعَ أَوَّلًا بِاعْتِبَارِ أَبِي بَكْرٍ وَمَنْ وَافَقَهُ وَأَفْرَدَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ الْآمِرُ وَحْدَهُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ذَلِكَ لِمَا خَشِيَهُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي إِحْصَاءِ مَا أُمِرَ بِجَمْعِهِ لَكِنِ اللَّهُ تَعَالَى يَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ (فَتَتَبَّعْتَ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ) حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ أَيْ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي عِنْدِي وعند

غَيْرِي (مِنَ الرِّقَاعِ) جَمْعُ رُقْعَةٍ وَقَدْ تَكُونُ مِنْ جِلْدٍ أَوْ وَرَقٍ أَوْ كَاغَدٍ وَفِي رِوَايَةٍ وَقِطَعِ الْأَدِيمِ (وَالْعُسُبِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَتَيْنِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ جَمْعُ عَسِيبٍ وَهُوَ جَرِيدُ النَّخْلِ كَانُوا يَكْشِطُونَ الْخُوصَ وَيَكْتُبُونَ فِي الظَّرْفِ الْعَرِيضِ وَقِيلَ الْعَسِيبُ طَرَفُ الْجَرِيدَةِ الْعَرِيضُ وَقِيلَ الْعَسِيبُ طَرَفُ الْجَرِيدَةِ الْعَرِيضُ الَّذِي لَمْ يَنْبُتْ عَلَيْهِ الْخُوصُ وَالَّذِي يَنْبُتُ عَلَيْهِ الْخُوصُ هُوَ السَّعَفُ (وَاللِّخَافِ) بكسر اللام ثم حاء مُعْجَمَةٍ خَفِيفَةٍ وَآخِرُهُ فَاءٌ وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْبِيضُ الرِّقَاقُ وَاحِدَتُهَا لَخْفَةٌ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وعند بن أَبِي دَاوُدَ فِي الْمَصَاحِفِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ قَامَ عُمَرُ فَقَالَ مَنْ كَانَ تَلَقَّى مِنْ رَسُولِ اللَّهِ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَأْتِ بِهِ وَكَانُوا يَكْتُبُونَ ذَلِكَ فِي الصُّحُفِ وَالْأَلْوَاحِ وَالْعُسُبِ قَالَ وَكَانَ لَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا حَتَّى يَشْهَدَ شَاهِدَانِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ زَيْدًا كَانَ لَا يَكْتَفِي بِمُجَرَّدِ وِجْدَانِهِ مَكْتُوبًا حَتَّى يَشْهَدَ بِهِ مَنْ تَلَقَّاهُ سَمَاعًا مَعَ كَوْنِ زَيْدٍ كَانَ يَحْفَظُهُ وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مُبَالَغَةً فِي الاحتياط وعند بن أَبِي دَاوُدَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ لِعُمَرَ وَلِزَيْدٍ اقْعُدَا عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَمَنْ جَاءَكُمَا بِشَاهِدَيْنِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَاكْتُبَاهُ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ مَعَ انْقِطَاعِهِ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالشَّاهِدَيْنِ الْحِفْظُ وَالْكِتَابُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْمَكْتُوبَ كُتِبَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ الله أَوِ الْمُرَادُ أَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْوُجُوهِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ وَكَانَ غَرَضُهُمْ أَنْ لَا يُكْتَبَ إِلَّا مِنْ عَيْنِ ما كتب بين يدي النبي لَا مِنْ مُجَرَّدِ الْحِفْظِ (وَصُدُورِ الرِّجَالِ) أَيِ الْحُفَّاظِ مِنْهُمْ أَيْ حَيْثُ لَا أَجِدُ ذَلِكَ مكتوبا أو الواو بِمَعْنَى مَعَ أَيِ اكْتُبْهُ مِنَ الْمَكْتُوبِ الْمُوَافِقِ لِلْمَحْفُوظِ فِي الصُّدُورِ (فَوَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ بَرَاءَةٌ مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ الْحَافِظُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الطبراني في مسند الشاميين من طريق أبي الْيَمَانِ عَنْ شُعَيْبٍ فَقَالَ فِيهِ خُزَيْمَةَ بْنُ ثابت الأنصاري وكذا أخرجه بن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عن بن شِهَابٍ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ أَصَحُّ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ التَّوْبَةِ وَأَنَّ الَّذِي وُجِدَ مَعَهُ آخِرُ سُورَةِ التَّوْبَةِ غَيْرُ الَّذِي وُجِدَ مَعَهُ الْآيَةُ الَّتِي فِي الْأَحْزَابِ

فَالْأَوَّلُ اخْتَلَفَ الرُّوَاةُ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ فَمَنْ قَائِلٌ مَعَ خُزَيْمَةَ وَمَنْ قَائِلٌ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ وَمِنْ شَاكٍّ فِيهِ يَقُولُ خُزَيْمَةُ أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ وَالْأَرْجَحُ أَنَّ الَّذِي وُجِدَ مَعَهُ آخِرُ سُورَةِ التَّوْبَةِ أَبُو خُزَيْمَةَ بِالْكُنْيَةِ وَالَّذِي وُجِدَ مَعَهُ الْآيَةُ مِنَ الْأَحْزَابِ خُزَيْمَةُ وَأَبُو خزيمة قيل هو بن أَوْسِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أَصْرَمَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ دون اسمه وقيل هو الحرث بن خزيمة وأما خزيمة فهو بن ثَابِتٍ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ صَرِيحًا فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ انْتَهَى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنفسكم) أَيْ مِنْ جِنْسِكُمْ فِي كَوْنِهِ عَرَبِيًّا قُرَشِيًّا مِثْلَكُمْ تَعْرِفُونَ نَسَبَهُ وَحَسَبَهُ وَأَنَّهُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ لَا مِنَ الْعَجَمِ وَلَا مِنَ الْجِنِّ وَلَا مِنَ الْمَلَكِ وَالْخِطَابُ لِلْعَرَبِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُفَسِّرِينَ وَقَالَ الزَّجَّاجُ هِيَ خِطَابٌ لِجَمِيعِ الْعَالَمِ (عزيز عليه ما عنتم) مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَالْعَنَتُ التَّعَبُ وَالْمَشَقَّةُ وَالْمَعْنَى شَدِيدٌ وشاق عليه عنتكم ومشقتكم ولقاءكم المكروه (حريص عليكم) أي على إيمانكم وهدايتكم (بالمؤمنين رؤوف رحيم) أَيْ شَدِيدُ الرَّحْمَةِ (فَإِنْ تَوَلَّوْا أَيْ أَعْرَضُوا عن الإيمان بك (فقل حسبي الله) أَيْ يَكْفِينِي وَيَنْصُرُنِي (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) أَيِ الْمُتَفَرِّدُ بِالْأُلُوهِيَّةِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ الْحَالِيَّةُ كَالدَّلِيلِ لِمَا قَبْلَهَا (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أَيْ بِهِ وَثَقْتُ لا بغيره (وهو رب العرش العظيم) وَصَفَهُ بِالْعِظَمِ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمَخْلُوقَاتِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بالجر على أنه صفة العرش وقرىء بالرفع صفة لرب ورويت هذه القراءة عن بن كَثِيرٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَعْجَبُ إِلَيَّ لِأَنَّ جَعْلَ الْعَظِيمِ صِفَةً لِلرَّبِّ أولى من جعله صفة للعرش قال بن عَبَّاسٍ إِنَّمَا سُمِّيَ الْعَرْشُ عَرْشًا لِارْتِفَاعِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ والنسائي قوله (أن حذيفة) هو بن الْيَمَانِ (وَكَانَ يُغَازِي أَهْلَ الشَّامِ فِي فَتْحِ إِرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ مَعَ أَهْلِ الْعِرَاقِ) أَيْ كَانَ عُثْمَانُ يُجَهِّزُ أَهْلَ الشَّامِ وَأَهْلَ الْعِرَاقِ لِغَزْوِ إِرْمِينِيَّةَ وَأَذْرَبِيجَانَ وَفَتْحِهِمَا قَالَ الْحَافِظُ إِنَّ إِرْمِينِيَّةَ فتحت في خلافه عثمان وكان أميرا لعسكر مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ سَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيُّ وَكَانَ عُثْمَانُ أَمَرَ أَهْلَ الشَّامِ وَأَهْلَ الْعِرَاقِ أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى ذَلِكَ وَكَانَ

أَمِيرَ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى ذَلِكَ الْعَسْكَرِ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيُّ وَكَانَ حُذَيْفَةُ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ غَزَا مَعَهُمْ وَكَانَ هُوَ عَلَى أَهْلِ الْمَدَائِنِ وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَعْمَالِ الْعِرَاقِ انْتَهَى وَإِرْمِينِيَّةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ نُونٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ تحتانية مفتوحة خفيفة وقد تثقل وقال بن السَّمْعَانِيِّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هِيَ بلد معروف يضم كورا كثيرة وقال الرشاطي افْتُتِحَتْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ وَأَذْرَبِيجَانُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَقِيلَ بِسُكُونِ الذَّالِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَبِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ جِيمٌ خَفِيفَةٌ وآخره نون وحكى بن مَكِّيٍّ كَسْرَ أَوَّلِهِ وَضَبَطَهَا صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَنَقَلَهُ عن بن الْأَعْرَابِيِّ بِسُكُونِ الذَّالِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَلَدٌ كَبِيرٌ مِنْ نَوَاحِي جِبَالِ الْعِرَاقِ وَهِيَ الْآنَ تَبْرِيزٌ وَقَصَبَاتُهَا وَهِيَ تَلِي إِرْمِينِيَّةَ مِنْ جِهَةِ غَرْبِيِّهَا وَاتُّفِقَ غَزْوُهُمَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَاجْتَمَعَ فِي غَزْوَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ وَالْمَذْكُورُ فِي ضَبْطِ أَذْرَبِيجَانَ هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَدْ تُمَدُّ الْهَمْزَةُ وَقَدْ تُحْذَفُ وَقَدْ تُفْتَحُ الْمُوَحَّدَةُ وَقِيلَ فِي ضَبْطِهَا غَيْرُ ذَلِكَ (فَرَأَى حُذَيْفَةُ اخْتِلَافَهُمْ فِي الْقُرْآنِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَفْزَعَ حذيفة اختلافهم في القراءة وذكر الحافظ ها هنا رِوَايَاتٍ تُوَضِّحُ مَا كَانَ فِيهِمْ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي الْقِرَاءَةِ فَفِي رِوَايَةٍ يَتَنَازَعُونَ فِي الْقُرْآنِ حَتَّى سَمِعَ حُذَيْفَةُ مِنَ اخْتِلَافِهِمْ مَا ذَعَرَهُ وَفِي رِوَايَةٍ فَتَذَاكَرُوا الْقُرْآنَ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ حَتَّى كان يَكُونُ بَيْنَهُمْ فِتْنَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةٍ فَلَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتَّى أَتَى عُثْمَانَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنَينَ أَدْرِكِ النَّاسَ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالَ غَزَوْتُ فَرْجَ أرمينية فإذا أهل الشام يقرؤون بِقِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَيَأْتُونَ بِمَا لَمْ يسمع أهل العراق وإذا أهل العراق يقرؤون بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَيَأْتُونَ بِمَا لَمْ يَسْمَعْ أَهْلُ الشَّامِ فَيُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ قِرَاءَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودِ وَسَمِعَ آخَرَ يَقُولُ قِرَاءَةُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَغَضِبَ ثُمَّ قَامَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا كَانَ مَنْ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا واللَّهِ لَأَرْكَبَنَّ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنَينَ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ اثْنَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَرَأَ هَذَا وأتموا الحج والعمرة لله وَقَرَأَ هَذَا وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلْبَيْتِ فَغَضِبَ حُذَيْفَةُ وَاحْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ حُذَيْفَةُ يقول أهل الكوفة قراءة بن مَسْعُودٍ وَيَقُولُ أَهْلُ الْبَصْرَةِ قِرَاءَةُ أَبِي مُوسَى واللَّهِ لَئِنْ قَدِمْتَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنَينَ لَأَمَرْتُهُ أَنْ يَجْعَلَهَا قِرَاءَةً وَاحِدَةً (أَدْرِكْ هَذِهِ الْأُمَّةَ) أمر من

الْإِدْرَاكِ بِمَعْنَى التَّدَارُكِ (فَأَرْسَلَ) أَيْ عُثْمَانُ (إِلَى حفصة أن أرسلي النبأ بالصحف) وكانت الصحف بعد ما جَمَعَ الْقُرْآنَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ (نَنْسَخُهَا فِي الْمَصَاحِفِ ثُمَّ نَرُدَّهَا إِلَيْكَ) أَيْ نَنْقُلُهَا وَالْمَصَاحِفُ جَمْعُ الْمُصْحَفِ بِضَمِّ الْمِيمِ قَالَ الْحَافِظُ الْفَرْقُ بَيْنَ الصُّحُفِ وَالْمُصْحَفِ أَنَّ الصُّحُفَ الْأَوْرَاقَ الْمُجَرَّدَةَ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا الْقُرْآنُ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ سُوَرًا مُفَرَّقَةً كُلُّ سُورَةٍ مُرَتَّبَةٍ بِآيَاتِهَا عَلَى حِدَةٍ وَلَكِنْ لَمْ يُرَتَّبْ بَعْضُهَا إِثْرَ بَعْضٍ فَلَمَّا نُسِخَتْ وَرُتِّبَ بَعْضُهَا إِثْرَ بَعْضٍ صَارَتْ مُصْحَفًا انْتَهَى (فَأَرْسَلَ عُثْمَانُ إِلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنِ انْسَخُوا الصُّحُفَ) أَيِ انْقُلُوا مَا فِيهَا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَمَرَ مَكَانَ فَأَرْسَلَ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ إِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بعد أن استشار الصحابة فأخرج بن أَبِي دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ عَلِيٌّ لَا تَقُولُوا فِي عُثْمَانَ إِلَّا خَيْرًا فَواللَّهِ مَا فَعَلَ الَّذِي فَعَلَ فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا عَنْ مَلَأٍ مِنَّا قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ إِنَّ قِرَاءَتِي خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَتِك وَهَذَا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا قُلْنَا فَمَا تَرَى قَالَ نَرَى أَنْ نَجْمَعَ النَّاسَ عَلَى مُصْحَفٍ وَاحِدٍ فَلَا تَكُونُ فُرْقَةٌ وَلَا اخْتِلَافٌ قُلْنَا فَنِعْمَ مَا رَأَيْتَ (وَقَالَ) أَيْ عُثْمَانُ (لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلَاثَةِ) يَعْنِي سَعِيدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَعَبْدَ اللَّهِ لِأَنَّ سَعِيدًا أُمَوِيٌّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مَخْزُومِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ أَسَدِيٌّ وَكُلُّهَا مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ (فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ) أَيْ بلسان قريش قال القاضي بن أبو بَكْرِ بْنِ الْبَاقِلَّانِيِّ مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ أَيْ مُعْظَمُهُ وَأَنَّهُ لَمْ تَقُمْ دَلَالَةٌ قَاطِعَةٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّا جَعَلْنَاهُ قرآنا عربيا أَنَّهُ نَزَلَ بِجَمِيعِ أَلْسِنَةِ الْعَرَبِ وَمَنْ زَعَمَ أنه أراد مضر درن رَبِيعَةَ أَوْ هُمَا دُونَ

الْيَمَنِ أَوْ قُرَيْشًا دُونَ غَيْرِهِمْ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ لِأَنَّ اسْمَ الْعَرَبِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ تَنَاوُلًا وَاحِدًا ولو ساغت هذه الدعوى لساغ للآخران ويقول نَزَلَ بِلِسَانِ بَنِي هَاشِمٍ مَثَلًا لِأَنَّهُمْ أَقْرَبُ إلى النبي نَسَبًا مِنْ سَائِرِ قُرَيْشٍ (إِلَى كُلِّ أُفُقٍ) بِضَمَّتَيْنِ أَيْ طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِ الْآفَاقِ (بِمُصْحَفٍ مِنْ تِلْكَ الْمَصَاحِفِ الَّتِي نَسَخُوا) زَادَ الْبُخَارِيُّ وَأَمَرَ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ صحيفة أو مصحف أن يحرق قال بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ تَحْرِيقِ الْكُتُبِ الَّتِي فِيهَا اسْمُ اللَّهِ بِالنَّارِ وَأَنَّ ذَلِكَ إِكْرَامٌ لَهَا وَصَوْنٌ عَنْ وَطْئِهَا بِالْأَقْدَامِ وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ يُحْرِقُ الرَّسَائِلَ الَّتِي فِيهَا الْبَسْمَلَةُ إِذَا اجْتَمَعَتْ وَكَذَا فَعَلَ عُرْوَةُ وَكَرِهَهُ إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ بن عَطِيَّةَ الرِّوَايَةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَصَحُّ وَهَذَا الْحُكْمُ هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَأَمَّا الْآنَ فَالْغَسْلُ أَوْلَى لِمَا دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى إِزَالَتِهِ هَكَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا الْحَنَفِيَّةُ إِنَّ الْمُصْحَفَ إِذَا بَلِيَ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ يُدْفَنُ فِي مَكَانٍ طَاهِرٍ بعيد عن وطىء النَّاسِ قُلْتُ لَوْ تَأَمَّلْتَ عَرَفْتَ أَنَّ الِاحْتِيَاطَ هُوَ فِي الْإِحْرَاقِ دُونَ الدَّفْنِ وَلِهَذَا اخْتَارَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ دُونَ هَذَا واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (قَالَ الزُّهْرِيُّ وَحَدَّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ إِلَخْ) هَذَا مَوْصُولٌ إِلَى الزُّهْرِيِّ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (مِنَ الْمُؤْمِنَينَ رِجَالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه) من الثبات مع النبي (فمنهم من قضى نحبه) مَاتَ أَوْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (وَمِنْهُمْ من ينتظر) ذَلِكَ (فَوَجَدْتُهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ) كَذَا فِي هَذَا الْكِتَابِ بِالشَّكِّ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ إِلَّا مَعَ خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ بِغَيْرِ شَكٍّ (فَأَلْحَقْتُهَا فِي سُورَتِهَا) فِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ اكْتَفَى بِخُزَيْمَةَ وَحْدَهُ وَالْقُرْآنُ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ والذي يظهر

في الجواب أن الذي أشار إليه أن فَقَدَهُ فَقْدُ وُجُودِهَا مَكْتُوبَةً لَا فَقْدُ وُجُودِهَا مَحْفُوظَةً بَلْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً عِنْدَهُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَمْعِ الْقُرْآنِ فَأَخَذْتُ أَتَتَبَّعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ وَالْعَسْبِ قَوْلُهُ (قَالَ الزُّهْرِيُّ فَاخْتَلَفُوا يَوْمَئِذٍ فِي التَّابُوتِ وَالتَّابُوهِ) أَيْ هَلْ هُوَ بِالتَّاءِ أَوْ بِالْهَاءِ (فَقَالَ الْقُرَشِيُّونَ التَّابُوتُ) أَيْ بِالتَّاءِ (وَقَالَ زَيْدٌ التَّابُوهُ) أَيْ بِالْهَاءِ (اكْتُبُوهُ التَّابُوتُ) أَيْ بِالتَّاءِ قَوْلُهُ (إن عبد الله بن مسعود ذكره لِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ نَسْخَ الْمَصَاحِفِ إِلَخْ) الْعُذْرُ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِالْمَدِينَةِ وَعَبْدُ اللَّهِ بِالْكُوفَةِ وَلَمْ يُؤَخِّرْ مَا عَزَمَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ يُرْسِلَ إِلَيْهِ وَيَحْضُرَ وَأَيْضًا فَإِنَّ عُثْمَانَ أَرَادَ نَسْخَ الصُّحُفِ الَّتِي كَانَتْ جُمِعَتْ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَأَنْ يَجْعَلَهَا مُصْحَفًا وَاحِدًا وَكَانَ الَّذِي نَسَخَ ذَلِكَ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ هُوَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ لِكَوْنِهِ كَاتِبَ الْوَحْيِ فَكَانَتْ لَهُ فِي ذَلِكَ أَوَّلِيَّةٌ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ (أُعْزَلُ عَنْ نَسْخِ كِتَابَةِ الْمَصَاحِفِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُنَحَّى عَنْ نَسْخِ الْمَصَاحِفِ الْمَكْتُوبَةِ (وَيَتَوَلَّاهَا) أَيْ كِتَابَةَ الْمَصَاحِفِ (اكْتُمُوا الْمَصَاحِفَ الَّتِي عِنْدَكُمْ وَغُلُّوهَا إِلَخْ) أَيِ اخْفُوهَا وَاسْتُرُوهَا قَالَ النَّوَوِيُّ معناه أن بن مَسْعُودٍ كَانَ مُصْحَفُهُ يُخَالِفُ مُصْحَفَ الْجُمْهُورِ وَكَانَتْ مَصَاحِفُ أَصْحَابِهِ كَمُصْحَفِهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَأَمَرُوهُ بِتَرْكِ مُصْحَفِهِ وَبِمُوَافَقَةِ مُصْحَفِ الْجُمْهُورِ وَطَلَبُوا مُصْحَفَهُ أَنْ يُحَرِّقُوهُ كَمَا فَعَلُوا بِغَيْرِهِ فَامْتَنَعَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ غُلُّوا مَصَاحِفَكُمْ أَيِ اكْتُمُوهَا (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يَعْنِي فَإِذَا غَلَلْتُمُوهَا جِئْتُمْ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَفَى لَكُمْ بِذَلِكَ شَرَفًا ثُمَّ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَمَنْ هُوَ الَّذِي تَأْمُرُونَنِي أَنْ آخُذَ بِقِرَاءَتِهِ وَأَتْرُكَ مُصْحَفِي الَّذِي أَخَذْتُهُ مِنْ في رسول الله (فالقوا القول) أَمْرٌ مِنَ اللِّقَاءِ (فَبَلَغَنِي أَنَّ ذَلِكَ كُرِهَ

إِلَخْ) يَعْنِي أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَفَاضِلِ الصَّحَابَةِ قد كرهوا قول بن مسعود المذكور وقوله من مقالة بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ تنبيه قال بن التِّينِ وَغَيْرُهُ الْفَرْقُ بَيْنَ جَمْعِ أَبِي بَكْرٍ وَبَيْنَ جَمْعِ عُثْمَانَ أَنَّ جَمْعَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ لِخَشْيَةِ أَنْ يَذْهَبَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ بِذَهَابِ حَمَلَتِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَجْمُوعًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَجَمَعَهُ فِي صَحَائِفَ مُرَتِّبًا لِآيَاتِ سوره على ما وقفهم عليه النبي وَجَمْعُ عُثْمَانَ كَانَ لَمَّا كَثُرَ الِاخْتِلَافُ فِي وجوه القرآن حين قرأوه بِلُغَاتِهِمْ عَلَى اتِّسَاعِ اللُّغَاتِ فَأَدَّى ذَلِكَ بَعْضُهُمْ إِلَى تَخْطِئَةِ بَعْضٍ فَخَشِيَ مِنْ تَفَاقُمِ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَ تِلْكَ الصُّحُفِ فِي مُصْحَفٍ وَاحِدٍ مُرَتِّبًا لِسُوَرِهِ وَاقْتَصَرَ مِنْ سَائِرِ اللُّغَاتِ عَلَى لُغَةِ قُرَيْشٍ مُحْتَجًّا بِأَنَّهُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَسَّعَ فِي قِرَاءَتِهِ رَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ فَرَأَى أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ انْتَهَتْ فَاقْتَصَرَ عَلَى لُغَةٍ واحدة أو كان لُغَةُ قُرَيْشٍ أَرْجَحَ اللُّغَاتِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 1 - بَاب وَمِنْ سُورَةِ يُونُسَ نَزَلَتْ بِمَكَّةَ إِلَّا (فَإِنْ كنت في شك) الْآيَتَيْنِ أَوِ الثَّلَاثِ أَوْ (وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ به الْآيَةَ) وَهِيَ مِائَةٌ وَتِسْعٌ أَوْ عَشْرُ آيَاتٍ قوله (عن صهيب) بالتصغير هو بن سِنَانَ الرُّومِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى) أَيْ في تفسيره (للذين أحسنوا) أَيْ بِالْإِيمَانِ (الْحُسْنَى) أَيِ الْجَنَّةُ

(وَزِيَادَةٌ) هِيَ النَّظَرُ إِلَيْهِ تَعَالَى (إِنَّ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَوْعِدًا) أَيْ بَقِيَ شَيْءٌ زَائِدٌ مِمَّا وَعَدَهُ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ النِّعَمِ وَالْحُسْنَى (وَيُنَجِّينَا مِنَ النَّارِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ رُؤْيَةِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ أَبْوَابِ صِفَةِ الجنة ووقع هناك ينجينا بِحَذْفِ التَّحْتَانِيَّةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ التَّحْتَانِيَّةِ فَقِيلَ عَطْفٌ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الِاسْتِفْهَامِيَّةُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَفِيهِ مَا فِيهِ قَوْلُهُ (لَهُمْ) أَيْ لِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا (الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) تَمَامُ الْآيَةِ (وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذلك هو الفوز العظيم) وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْبُشْرَى فَقِيلَ هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذَا وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا هِيَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ فِي تَفْسِيرِ الْبُشْرَى هِيَ نُزُولُ الْمَلَائِكَةِ بِالْبِشَارَةِ مِنَ اللَّهِ عِنْدَ الْمَوْتِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سبحانه وتعالى تتنزل عليهم الملائكة أن لا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ توعدون وقال عطاء عن بن عَبَّاسٍ الْبُشْرَى فِي الدُّنْيَا عِنْدَ الْمَوْتِ تَأْتِيهِمُ الْمَلَائِكَةُ بِالْبِشَارَةِ وَفِي

الْآخِرَةِ بَعْدَ خُرُوجِ نَفْسِ الْمُؤْمِنَ يُعْرَجُ بِهَا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيُبَشَّرُ بِرِضْوَانِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ الْحَسَنُ هِيَ مَا بَشَّرَ اللَّهُ بِهَا الْمُؤْمِنَينَ فِي كِتَابِهِ مِنْ جَنَّتِهِ وَكَرِيمِ ثَوَابِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذلك هو الفوز العظيم (هِيَ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ) أَيِ الْحَسَنَةُ أَوِ الصَّادِقَةُ وَهِيَ مَا فِيهِ بِشَارَةٌ أَوْ تَنْبِيهٌ عَنْ غَفْلَةٍ وَأَمْثَالُ ذَلِكَ (يَرَاهَا الْمُسْلِمُ) أَيْ لِنَفْسِهِ (أَوْ تُرَى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يَرَاهَا مُسْلِمٌ آخَرُ (لَهُ) أَيْ لِأَجْلِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي أَوَائِلِ أَبْوَابِ الرُّؤْيَا وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ هُنَاكَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَائِلِ أَبْوَابِ الرُّؤْيَا قوله (عن علي بن زيد) هو بن جَدْعَانَ (عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَهْرَانَ) الْبَصْرِيُّ وَلَيْسَ هُوَ يُوسُفُ بْنُ مَاهَك ذَاكَ ثِقَةً وَهَذَا لم يرو عنه إلا بن جَدْعَانَ هُوَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (لَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ فِرْعَوْنَ قَالَ) أَيْ فِرْعَوْنُ (امنت أنه) أي بأنه وفي قراءة بالكسر استينافا (لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إسرائيل) قال بن عَبَّاسٍ لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ إِيمَانَهُ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ بِهِ وَقَدْ كَانَ فِي مَهَلٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِيمَانُهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِيمَانَ وَالتَّوْبَةَ عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْمَلَائِكَةِ وَالْعَذَابِ غَيْرُ

مَقْبُولَيْنِ (وَأَنَا آخِذٌ مِنْ حَالِ الْبَحْرِ) أَيْ طِينِهِ الْأَسْوَدِ (وَأَدُسُّهُ فِي فِيهِ) أَيْ أُدْخِلُهُ فِي فَمِهِ (مَخَافَةَ أَنْ تُدْرِكَهُ الرَّحْمَةُ) أَيْ خَشْيَةَ أَنْ يَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَتَنَالُهُ رَحْمَةُ اللَّهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مسنده وبن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِمَا كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عن يوسف بن مهران عن بن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ (ذَكَرَ أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَعْنِي رَوَاهُ أَحَدُهُمَا مَرْفُوعًا وَلَمْ يَرْفَعْهُ الْآخَرُ وَضَمِيرُهُمَا رَاجِعٌ إِلَى عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ (فِي فِيِّ فِرْعَوْنَ) أَيْ فِي فَمِهِ أَوْ خَشْيَةَ أَنْ يَرْحَمَهُ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطيالسي وبن جَرِيرٍ كِلَاهُمَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بن جبير عن بن عَبَّاسٍ تَنْبِيهٌ اعلم أَنَّ الْخَازِنَ ذَكَرَ فِي تفسيره ها هنا فَصْلَيْنِ لِدَفْعِ الْإِشْكَالِ الَّذِي يَرِدُ عَلَى حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فَلَنَا أَنْ نَذْكُرَهُمَا قَالَ فَصْلٌ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ مُشْكِلٌ فَيَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ وَإِيضَاحٍ فَنَقُولُ قَدْ وَرَدَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى طَرِيقَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ عن بن عباس ففي الطريق الأول عن بن زَيْدِ بْنِ جَدْعَانَ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ قَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ كَانَ شيخا نبيلا صدوقا ولكنه كان سيء الحفظ ويغلط وقد احتمل الناس حديثه وإنما يُخْشَى مِنْ حَدِيثِهِ إِذَا لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ أَوْ خَالَفَهُ فِيهِ الثِّقَاتُ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّ فِي الطَّرِيقِ الْآخَرِ شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَرَوَاهُ أَيْضًا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ ثِقَةٌ قَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَإِنْ كَانَ عَطَاءٌ قَدْ تُكُلِّمَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ اخْتِلَاطِهِ فَإِنَّمَا يُخَافُ مَا انْفَرَدَ بِهِ أَوْ خُولِفَ فِيهِ وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ فَقَدْ عُلِمَ بِهَذَا أَنَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ أَصْلًا وَأَنَّ رواته

ثِقَاتٌ لَيْسَ فِيهِمْ مُتَّهَمٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ من هو سيىء الْحِفْظِ فَقَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَإِنْ قُلْتَ فَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي شَكٌّ فِي رَفْعِهِ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ ذَكَرَ أَحَدُهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ لَيْسَ بِشَكٍّ فِي رَفْعِهِ إِنَّمَا هُوَ جَزْمٌ بِأَنَّ أَحَدَ الرَّجُلَيْنِ رَفَعَهُ وَشَكَّ شُعْبَةُ فِي تَعْيِينِهِ هَلْ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ أَوْ عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ وَكِلَاهُمَا ثِقَةٌ فَإِذَا رَفَعَهُ أَحَدُهُمَا وَشَكَّ فِي تَعْيِينِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا عِلَّةً فِي الْحَدِيثِ (فَصْلٌ) وَوَجْهُ إِشْكَالِهِ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ فَقَالَ هَلْ يَصِحُّ أَنَّ جِبْرِيلَ أَخَذَ يَمْلَأُ فَمَه بِالطِّينِ لِئَلَّا يَتُوبَ غَضَبًا عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ الْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إِمَّا أَنْ يُقَالَ التَّكْلِيفُ هَلْ كَانَ ثَابِتًا أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا لَا يَجُوزُ لِجِبْرِيلَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ التَّوْبَةِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى التَّوْبَةِ وَعَلَى كُلِّ طَاعَةٍ وَإِنْ كَانَ التَّكْلِيفُ زَائِلًا عَنْ فِرْعَوْنَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى لِهَذَا الَّذِي نُسِبَ إِلَى جِبْرِيلَ فَائِدَةٌ وَأَيْضًا لَوْ مَنَعَهُ مِنَ التَّوْبَةِ لَكَانَ قَدْ رَضِيَ بِبَقَائِهِ عَلَى الْكُفْرِ والرضى بِالْكُفْرِ كُفْرٌ وَأَيْضًا فَكَيْفَ يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ أَنْ يَأْمُرَ جِبْرِيلَ بِأَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ الْإِيمَانِ وَلَوْ قِيلَ إِنَّ جِبْرِيلَ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ لَا بِأَمْرِ اللَّهِ فَهَذَا يُبْطِلُهُ قَوْلُ جِبْرِيلَ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ فَهَذَا وَجْهُ الْإِشْكَالِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الْإِمَامُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي كَلَامٍ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ أَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ إِنَّ التَّكْلِيفَ هَلْ كَانَ ثَابِتًا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا لَمْ يَجُزْ لِجِبْرِيلَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ التَّوْبَةِ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى أَصْلِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْأَفْعَالِ لِلَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْإِيمَانِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يحول بين المرى وقلبه وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ الله عليها بكفرهم وَقَالَ تَعَالَى وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يؤمنوا به أول مرة فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَلَّبَ أَفْئِدَتَهُمْ مِثْلَ تَرْكِهِمُ الْإِيمَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهَكَذَا فَعَلَ بِفِرْعَوْنَ مَنَعَهُ مِنَ الْإِيمَانِ جَزَاءً عَلَى تَرْكِهِ الْإِيمَانَ أولا فدس الطين في فِرْعَوْنَ مِنْ جِنْسِ الطَّبْعِ وَالْخَتْمِ عَلَى الْقَلْبِ وَمَنْعِ الْإِيمَانِ وَصَوْنِ الْكَافِرِ عَنْهُ وَذَلِكَ جَزَاءً عَلَى كُفْرِهِ السَّابِقِ وَهَذَا قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنَ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ الْقَائِلِينَ بِخَلْقِ الْأَفْعَالِ لِلَّهِ وَمِنَ الْمُنْكَرِينَ لِخَلْقِ الْأَفْعَالِ مَنِ اعْتَرَفَ أَيْضًا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَفْعَلُ هَذَا عُقُوبَةً لِلْعَبْدِ عَلَى كُفْرِهِ السَّابِقِ فَيَحْسُنُ مِنْهُ أَنْ يُضِلَّهُ وَيَطْبَعَ عَلَى قَلْبِهِ وَيَمْنَعَهُ مِنَ الْإِيمَانِ

باب ومن سورة هود

فَأَمَّا قِصَّةُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهَا مِنْ هَذَا الْبَابِ فَإِنَّ غَايَةَ مَا يُقَالُ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَنَعَ فِرْعَوْنَ مِنَ الْإِيمَانِ وَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى كُفْرِهِ السَّابِقِ وَرَدَّهُ لِلْإِيمَانِ لَمَّا جَاءَهُ وَأَمَّا فِعْلُ جِبْرِيلَ مِنْ دَسِّ الطِّينِ فَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ بِأَمْرِ اللَّهِ لَا مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ فَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ لِجِبْرِيلَ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنَ التَّوْبَةِ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يعينه عليه وَعَلَى كُلِّ طَاعَةٍ هَذَا إِذَا كَانَ تَكْلِيفُ جِبْرِيلَ كَتَكْلِيفِنَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَيْنَا وَأَمَّا إِذَا كَانَ جِبْرِيلُ إِنَّمَا يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ واللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي مَنَعَ فِرْعَوْنَ مِنَ الْإِيمَانِ وَجِبْرِيلُ مُنَفِّذٌ لِأَمْرِ اللَّهِ فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ لَهُ مَنْعُ من منعه الله من النوبة وَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَانَةُ مَنْ لَمْ يُعِنْهُ اللَّهُ بَلْ قَدْ حَكَمَ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ حَتَّى يَرَى الْعَذَابَ الْأَلِيمَ حِينَ لَا يَنْفَعُهُ الْإِيمَانُ وَقَدْ يُقَالُ إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِمَّا أَنْ يَتَصَرَّفَ بِأَمْرِ الله فلا يفعل إلا ما أمر اللَّهُ بِهِ وَإِمَّا يَفْعَلُ مَا يَشَاء مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ لَا بِأَمْرِ اللَّهِ وَعَلَى هَذَيْنِ التَّقْدِيرَيْنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِعَانَةُ فِرْعَوْنَ عَلَى التَّوْبَةِ وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْهَا لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا أُمِرَ بِهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ فِعْلُ مَا نُهِيَ عَنْهُ واللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمْ يُخْبِرْ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِإِعَانَةِ فِرْعَوْنَ وَلَا حَرَّمَ عَلَيْهِ مَنْعَهُ مِنَ التَّوْبَةِ وَلَيْسَتِ الْمَلَائِكَةُ مُكَلَّفِينَ كَتَكْلِيفِنَا انْتَهَى وَقَدْ أَطَالَ الْخَازِنُ الْكَلَامَ فِي دَفْعِ الْإِشْكَالِ الَّذِي أَوْرَدَهُ الرَّازِيُّ فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَ بَقِيَّةَ كَلَامِهِ 2 - (بَاب وَمِنْ سُورَةِ هُودٍ) هِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا أَقِمِ الصلاة الاية أو إلا فلعلك تارك الاية وأولئك يؤمنون به الْآيَةَ وَهِيَ مِائَةٌ وَثِنْتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ وَعِشْرُونَ آيَةً قَوْلُهُ (عَنْ وَكِيعِ بْنِ حُدُسٍ) بِالْحَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ الْمَضْمُومَتَيْنِ وَقَدْ يُقَالُ بِالْعَيْنِ بَدَلَ الحاء

قَوْلُهُ (قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ (كَانَ فِي عَمَاءٍ إِلَخْ) قَالَ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ يَعْنِي لَا الْمَاءُ وَلَا الْعَرْشُ وَلَا غَيْرُهُمَا وَقَوْلُهُ (وكان عرشه على الماء) يَعْنِي خَلَقَ الْمَاءَ وَخَلَقَ الْعَرْشَ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ كَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ وَقَوْلُهُ فِي عَمَاءٍ وَجَدْته فِي كِتَابٍ عَمَاءً مُقَيَّدًا بِالْمَدِّ فَإِنْ كَانَ فِي الْأَصْلِ مَمْدُودًا فَمَعْنَاهُ سَحَابٌ رَقِيقٌ وَيُرِيدُ بِقَوْلِهِ فِي عَمَاءٍ أَيْ فَوْقَ سَحَابٍ مُدَبِّرًا لَهُ وَعَالِيًا عَلَيْهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ يَعْنِي مَنْ فَوْقَ السَّمَاءِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى لَأُصَلِّبَنَّكُمْ في جذوع النخل يَعْنِي عَلَى جُذُوعِهَا وَقَوْلُهُ مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ أَيْ مَا فَوْقَ السَّحَابِ هَوَاءٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ) أَيْ مَا تَحْتَ السَّحَابِ هَوَاءٌ وَقَدْ قِيلَ إِنَّ ذَلِكَ الْعَمَى مَقْصُورٌ وَالْعَمَى إِذَا كَانَ مَقْصُورًا فَمَعْنَاهُ لَا شَيْءَ ثَابِتٌ لِأَنَّهُ مِمَّا عَمَى عَنِ الْخَلْقِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ شَيْءٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ فِي جَوَابِهِ كَانَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ مَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ وَمَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ أَيْ لَيْسَ فَوْقَ الْعَمَى الَّذِي هُوَ لَا شَيْءَ مَوْجُودٌ هَوَاءٌ وَلَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ غَيْرَ شَيْءٍ فليس يثبت له هواه بِوَجْهٍ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ صَاحِبُ الْغَرِيبَيْنِ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَاهُ أَيْنَ كَانَ عَرْشُ رَبِّنَا فحذف المضاف اختصارا كقوله واسأل القرية وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَكَانَ عرشه على الماء هذا آخر كلام البيهقي وقال بن الْأَثِيرِ الْعَمَاءُ فِي اللُّغَةِ السَّحَابُ الرَّقِيقُ وَقِيلَ الْكَثِيفُ وَقِيلَ هُوَ الضَّبَابُ وَلَا بُدَّ فِي الْحَدِيثِ مِنْ حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ أَيْنَ كَانَ عَرْشُ رَبِّنَا فَحُذِفَ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَحْذُوفِ قوله تعالى وكان عرشه على الماء وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي الْعَمَى الْمَقْصُورِ أَنَّهُ هُوَ كُلُّ أَمْرٍ لَا يُدْرِكُهُ الْفَطِنُ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ إِنَّمَا تَأَوَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَعْقُولِ عَنْهُمْ وَإِلَّا فَلَا نَدْرِي كَيْفَ كَانَ ذَلِكَ الْعَمَاءُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فَنَحْنُ نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نُكَيِّفُ صِفَتَهُ انْتَهَى كَلَامُ الْخَازِنِ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ فِي مِصْبَاحِ الزجاجة قال القاضي ناصر الدين بن الْمُنَيِّرِ وَجْهُ الْإِشْكَالِ فِي الْحَدِيثِ الظَّرْفِيَّةُ وَالْفَوْقِيَّةُ والتحتية قال والجواب أن في معنى عَلَى وَعَلَى بِمَعْنَى الِاسْتِيلَاءِ أَيْ

كَانَ مُسْتَوْلِيًا عَلَى هَذَا السَّحَابِ الَّذِي خَلَقَ مِنْهُ الْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا وَالضَّمِيرُ فِي فَوْقِهِ يَعُودُ إِلَى السَّحَابِ وَكَذَلِكَ تَحْتَهُ أَيْ كَانَ مُسْتَوْلِيًا عَلَى هَذَا السَّحَابِ الَّذِي فَوْقَهُ الْهَوَاءُ وَتَحْتَهُ الْهَوَاءُ وَرُوِيَ بِلَفْظِ الْقَصْرِ فِي الْعَمَى وَالْمَعْنَى عَدَمُ مَا سِوَاهُ كَأَنَّهُ قَالَ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ عَدَمًا عَمًى لَا مَوْجُودًا وَلَا مُدْرَكًا وَالْهَوَاءُ الْفَرَاغُ أَيْضًا الْعَدَمُ كَأَنَّهُ قَالَ كَانَ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ وَلَا فَوْقَ وَلَا تَحْتَ انْتَهَى قُلْتُ إِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَمًى بِالْقَصْرِ فَلَا إِشْكَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى حَدِيثِ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَإِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَمَاءً بِالْمَدِّ فَلَا حَاجَةَ إِلَى تَأْوِيلٍ بَلْ يُقَالُ نَحْنُ نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نُكَيِّفُهُ بِصِفَةٍ أَيْ نُجْرِي اللَّفْظَ عَلَى مَا جَاءَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ كَمَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ ثُمَّ خَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ قَالَ الْحَافِظُ قَدْ رَوَى أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أبي رزين العقلي مَرْفُوعًا إِنَّ الْمَاءَ خُلِقَ قَبْلَ الْعَرْشِ وَرَوَى السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِهِ بِأَسَانِيدَ مُتَعَدِّدَةٍ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا مِمَّا خَلَقَ قَبْلَ الْمَاءِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ ثُمَّ قَالَ اكْتُبْ فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ بِأَنَّ أَوَّلِيَّةَ الْقَلَمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عَدَا الْمَاءِ وَالْعَرْشِ أَوْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ مِنَ الْكِتَابَةِ أَيْ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ اكْتُبْ أَوَّلَ مَا خلق انتهى قوله (قال أحمد) أي بن منيع (قال يزيد) أي بن هَارُونَ فِي تَفْسِيرِ الْعَمَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ (الْعَمَاءُ أَيْ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ) كَذَا فَسَّرَ يَزِيدُ الْعَمَاءَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الْعَمَاءَ بِالْمَدِّ هُوَ السَّحَابُ الرَّقِيقُ وَالْعَمَى بِالْقَصْرِ بِمَعْنَى لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ قَوْلُهُ (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُمْلِي) مِنَ الْإِمْلَاءِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَمْلَاهُ اللَّهُ أَمْهَلَهُ (حَتَّى إِذَا

أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الْإِفْلَاتِ أي لم يخلصه أن إِذَا أَهْلَكَهُ لَمْ يَرْفَعْ عَنْهُ الْهَلَاكَ وَهَذَا عَلَى تَفْسِيرِ الظُّلْمِ بِالشِّرْكِ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَإِنْ فُسِّرَ بِمَا هُوَ أَعَمُّ فَيُحْمَلُ كُلٌّ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ (وَكَذَلِكَ) أَيْ مِثْلُ ذَلِكَ الْأَخْذِ (أَخْذُ رَبِّكَ) قُرِئَ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ وَعَلَى أَنَّهُ مَصْدَرٌ (إِذَا أَخَذَ الْقُرَى) أُرِيدَ أَهْلُهَا وَالْمَعْنَى وَكَمَا أَهْلَكْنَا أُولَئِكَ الْقُرُونَ الظَّالِمَةَ كذلك نفعل بأشباههم (وهي ظالمة) بِالذُّنُوبِ أَيْ فَلَا يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ أَخْذِهِ شَيْءٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَقَالَ يُمْلِي) أَيْ بِلَا شَكٍّ قَوْلُهُ (قَالَ يُمْلِي وَلَمْ يَشُكَّ فِيهِ) قَالَ الحافظ قد رواه مسلم وبن مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ يُمْلِي وَلَمْ يَشُكَّ قَوْلُهُ (فَمِنْهُمْ) أَيْ فَمِنْ أَهْلِ الْمَوْقِفِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرُوا قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ لأن ذلك معلوم (شقي وسعيد) الشَّقِيُّ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ الشَّقَاوَةُ فِي الْأَزَلِ وَالسَّعِيدُ مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ فِي الْأَزَلِ (عَلَى شَيْءٍ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَوْ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يُفْرَغْ مِنْهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ لِلْفِعْلَيْنِ أي أتعمل عَلَى شَيْءٍ قَدْ

فَرَغَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَضَائِهِ وَقَدَّرَهُ وَجَرَى به القلم أو نعمل عَلَى شَيْءٍ قَدْ فَرَغَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ وَجَرَى بِهِ الْقَلَمُ أَوْ نَعْمَلُ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَفْرُغِ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ (وَلَكِنْ كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ) أَيْ مُوَفَّقٌ وَمُهَيَّأٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ أَيْ لِأَمْرٍ قُدِّرَ ذَلِكَ الْأَمْرُ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَالتَّنْوِينُ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو يعلى في مسنده وبن جرير وبن المنذر وبن أبي حاتم وأبو الشيخ وبن مَرْدَوَيْهِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ نَحْوَهُ فِي بَابِ الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ قَوْلُهُ (إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً) أَيْ دَاعَبْتُهَا وَنَاوَلْتُ مِنْهَا مَا يَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ غَيْرَ أَنِّي مَا جَامَعْتُهَا (فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ) أَيْ أَسْفَلِهَا وَأَبْعَدِهَا عَنِ الْمَسْجِدِ (مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا) مَا مَوْصُولَةٌ أَيْ أَصَبْتُ مِنْهَا مَا يُجَاوِزُ الْمَسَّ أَيِ الْمُجَامَعَةِ (وَأَنَا هَذَا) أَيْ أَنَا مَوْجُودٌ وَحَاضِرٌ بَيْنَ يَدَيْكَ وَمُنْقَادٌ لِحُكْمِكَ (فَاقْضِ فِيَّ) أَيْ فَاحْكُمْ فِي حَقِّي (مَا شِئْتَ) أَيْ أَرَدْتَهُ مِمَّا يَجِبُ عَلَيَّ كِنَايَةٌ عَنْ غَايَةِ التَّسْلِيمِ وَالِانْقِيَادِ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (لَوْ سَتَرْتَ عَلَى نَفْسِكَ) أَيْ لَكَانَ حَسَنًا (فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّجُلِ أَوْ عَلَى عُمَرَ (شَيْئًا) مِنَ الْكَلَامِ انْتِظَارًا لِقَضَاءِ اللَّهِ فِيهِ رَجَاءَ أَنْ يُخَفِّفَ مِنْ عُقُوبَتِهِ (فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ) أَيْ فَذَهَبَ ظَنًّا مِنْهُ لِسُكُوتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّ اللَّهَ سَيُنْزِلُ فِيهِ شَيْئًا وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُبَلِّغَهُ فَإِنْ كَانَ عَفْوًا شَكَرَ وَإِلَّا عَادَ لِيَسْتَوْفِيَ مِنْهُ (فَأَتْبَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ أَرْسَلَ عَقِبَهُ (رَجُلًا) لِيَدْعُوَهُ (فَتَلَا عَلَيْهِ) أَيْ فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجُلِ (أَقِمُ الصَّلَاةَ طرفي النهار) الْغَدَاةَ وَالْعَشِيَّ أَيِ الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ (وَزُلَفًا) جَمْعُ زُلْفَةٍ أَيْ طَائِفَةً (مِنَ اللَّيْلِ) أَيِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ (إِنَّ الْحَسَنَاتِ) كَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (يُذْهِبْنَ السيئات) أي الذنوب الصغائر (ذلك ذكرى للذاكرين) عِظَةٌ لِلْمُتَّعِظِينَ كَذَا فِي الْجَلَالَيْنِ

وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ كَثُرَتِ الْمَذَاهِبُ فِي تفسير طرفي النهار هي الْفَجْرُ وَالْعَصْرُ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدَ طَرَفَيِ النَّهَارِ هُوَ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَالطَّرَفُ الثَّانِي مِنْهُ غُرُوبُهَا فَالطَّرَفُ الْأَوَّلُ هُوَ صَلَاةُ الْفَجْرِ وَالطَّرَفُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ فَوَجَبَ حَمْلُ الطَّرَفِ الثَّانِي عَلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ انتهى وقال مجاهد طرفى النهار ويعني صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ يَعْنِي صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وقال مُقَاتِلٌ صَلَاةُ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ طَرَفٌ وَصَلَاةُ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ طَرَفٌ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ يَعْنِي صَلَاةَ الْعِشَاءِ وقال الْحَسَنُ طَرَفَيِ النَّهَارِ الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ وَزُلَفًا مِنَ الليل المغرب والعشاء وقال بن عَبَّاسٍ طَرَفَيِ النَّهَارِ الْغَدَاةُ وَالْعَشِيُّ يَعْنِي صَلَاةَ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ كَذَا فِي الْخَازِنِ وَقَالَ فِي المدارك وأقم الصلاة طرفي النهار غدوة وعشية وزلفا من الليل وَسَاعَاتٍ مِنَ اللَّيْلِ جَمْعُ زُلْفَةٍ وَهِيَ سَاعَاتُهُ الْقَرِيبَةُ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ مِنْ أَزَلَفَهُ إِذَا قَرَّبَهُ وَصَلَاةُ الْغَدْوَةِ الْفَجْرُ وَصَلَاةُ الْعَشِيَّةِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ عِشًى وَصَلَاةُ الزُّلَفِ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الزُّلْفَةُ بِالضَّمِّ الطَّائِفَةُ مِنَ اللَّيْلِ وَالزُّلَفُ سَاعَاتُ اللَّيْلِ الْآخِذَةِ مِنَ النَّهَارِ وَسَاعَاتُ النَّهَارِ الْآخِذَةُ مِنَ اللَّيْلِ انْتَهَى قلتَ وَالْأَقْرَبُ عِنْدِي واللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ مَا اخْتَارَهُ فِي تَفْسِيرِ الْجَلَالَيْنِ وَالْمَدَارِكِ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ (فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ) قِيلَ هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقِيلَ هُوَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ (هَذَا لَهُ) أَيْ هَذَا الْحُكْمُ لِلسَّائِلِ (خَاصَّةً) أَيْ يَخُصُّهُ خُصُوصًا أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً (قَالَ بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً) هَكَذَا تُسْتَعْمَلُ كَافَّةً حَالًا أَيْ كُلِّهِمْ وَلَا يُضَافُ فَيُقَالُ كَافَّةُ النَّاسِ وَلَا الْكَافَّةُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي تَصْحِيفِ الْعَوَامِّ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ

قَوْلُهُ (وَرِوَايَةُ هَؤُلَاءِ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ) أَيْ رِوَايَةُ أَبِي الْأَحْوَصِ وَإِسْرَائِيلَ وَشُعْبَةُ أَصَحُّ من رواية سفيان الثوري قَوْلُهُ (فَقَالَ الرَّجُلُ أَلِيَ هَذِهِ) أَيِ الْآيَةِ يَعْنِي خَاصَّةً بِي بِأَنَّ صَلَاتِي مُذْهِبَةٌ لِمَعْصِيَتِي فَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ صَاحِبَ الْقِصَّةِ هُوَ السَّائِلُ عن ذلك ولأحمد والطبراني من حديث بن عَبَّاسٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِيَ خَاصَّةً أَمْ لِلنَّاسِ عَامَّةً فَضَرَبَ عُمَرُ صَدْرَهُ وَقَالَ لَا وَلَا نِعْمَةَ عَيْنٍ بَلْ لِلنَّاسِ عَامَّةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ عُمَرُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي الْيُسْرِ فَقَالَ إِنْسَانٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُ خَاصَّةً وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمِ النَّخَعِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقَالَ مُعَاذٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَهُ وَحْدَهُ أَمْ لِلنَّاسِ كَافَّةً وللدّارَقُطْنِيِّ مِثْلُهُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ نَفْسِهِ وَيُحْمَلُ عَلَى تَعَدُّدِ السَّائِلِينَ عَنْ ذَلِكَ (فَقَالَ لَكَ وَلِمَنْ عَمِلَ بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الْآيَةِ بِأَنْ فَعَلَ حَسَنَةً بَعْدَ سَيِّئَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ وَتَمَسَّكَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات الْمُرْجِئَةُ وَقَالُوا إِنَّ الْحَسَنَاتِ تُكَفِّرُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَبِيرَةً كَانَتْ أَوْ صَغِيرَةً

وَحَمَلَ الْجُمْهُورُ هَذَا الْمُطْلَقَ عَلَى الْقَيْدِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ إِنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الصَّلَاةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ فَقَالَ طَائِفَةٌ إِنِ اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ كَانَتِ الْحَسَنَاتُ كَفَّارَةً لِمَا عَدَا الْكَبَائِرِ مِنَ الذُّنُوبِ وَإِنْ لَمْ تُجْتَنَبِ الْكَبَائِرُ لَمْ تَحُطَّ الْحَسَنَاتُ شَيْئًا وقال آخَرُونَ إِنْ لَمْ تُجْتَنَبِ الْكَبَائِرُ لَمْ تَحُطَّ الْحَسَنَاتُ شَيْئًا مِنْهَا وَتُحَطُّ الصَّغَائِرُ وَقِيلَ الْمُرَادُ إِنَّ الْحَسَنَاتِ تَكُونُ سَبَبًا فِي تَرْكِ السَّيِّئَاتِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ لَا أَنَّهَا تُكَفِّرُ شَيْئًا حَقِيقَةً وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قوله (عن زائدة) هو بن قدامة قَوْلُهُ (أَرَأَيْتَ رَجُلًا) أَيْ أَخْبِرْنِي عَنْ رَجُلٍ (فَلَيْسَ يَأْتِي الرَّجُلُ إِلَى امْرَأَتِهِ شَيْئًا إِلَّا قَدْ أَتَى هُوَ إِلَيْهَا) يَعْنِي أَنَّهُ اسْتَمْتَعَ بِهَا بِالْقُبْلَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الِاسْتِمْتَاعِ إِلَّا الْجِمَاعَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَرَآهُ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التهذيب قال بن أَبِي حَاتِمٍ قُلْتَ لِأَبِي يَصِحُّ لِابْنِ أَبِي لَيْلَى سَمَاعٌ مِنْ عُمَرَ قَالَ لَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ رَأَى عُمَرَ وَبَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يُدْخِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَبَعْضُهُمْ كَعْبَ بن عجرة

وَقَالَ الْآجُرِّيُّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ رَأَى عُمَرَ ولا أدري بصح أَمْ لَا وَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ زُبَيْدٍ وَهُوَ الْإِيَامِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى سَمِعْتَ عُمَرَ يَقُولُ صَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَيْنِ وَالْفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ تَفَرَّدَ بِهِ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ هَكَذَا وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ سَمِعْتُ عُمَرَ غَيْرُهُ وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الثِّقَةِ عَنْ عُمَرَ وَرَوَاهُ شَرِيكٌ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يَقُلْ سَمِعْتُ وقال بن أَبِي خَيْثَمَةَ فِي تَارِيخِهِ وَقَدْ رُوِيَ سَمَاعُهُ من عمر من طرق وليست بصحيح وَقَالَ الْخَلِيلِيُّ فِي الْإِرْشَادِ الْحُفَّاظُ لَا يُثْبِتُونَ سماعه من عمر وقال بن الْمَدِينِيِّ كَانَ شُعْبَةُ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ من عمر قال بن الْمَدِينِيِّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وكذا قال الترمذي في العلل وبن خزيمة وقال يعقوب بن شيبة قال بن مَعِينٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ وَلَا مِنْ عثمان وسمع من علي انتهى قَوْلُهُ (تَبْتَاعُ تَمْرًا) أَيْ تَشْتَرِي (فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا) أي ملت إليها (أختلفت غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي أَهْلِهِ بِمِثْلِ هَذَا) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ خَلَفْتَ الرَّجُلَ فِي أَهْلِهِ إِذَا أَقَمْتَ بَعْدَهُ فِيهِمْ وَقُمْتَ عَنْهُ بِمَا يَفْعَلُهُ وَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلِاسْتِفْهَامِ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ وَزَوْجُهَا قَدْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْثٍ إِلَخْ (حَتَّى تَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ إِلَّا تِلْكَ السَّاعَةَ) لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ وَأَطْرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

باب ومن سورة يوسف

قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْإِطْرَاقُ أَنْ يُقْبِلَ بِبَصَرِهِ إِلَى صَدْرِهِ وَيَسْكُتَ سَاكِنًا طَوِيلًا أَيْ إِطْرَاقًا طَوِيلًا أَوْ زَمَانًا طَوِيلًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَوَائِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَأَبُو الْيُسْرِ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ (اسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو) بْنِ عَبَّادٍ السَّلَمِيُّ بِالْفَتْحِ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ بَدْرِيٌّ جَلِيلٌ 3 - (باب وَمِنْ سُورَةِ يُوسُفَ) هِيَ مَكِّيَّةٌ مِائَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً قَوْلُهُ (يُوسُفُ) مَرْفُوعٌ لِأَنَّهُ خَبَرُ إِنَّ وَاسْمُهَا الْكَرِيمُ وَهُوَ ضِدُّ اللَّئِيمِ وَكُلُّ نَفْسِ كَرِيمٍ هُوَ مُتَنَاوِلٌ لِلصَّالِحِ الْجَيِّدِ دِينًا ودنيا

قال النَّوَوِيُّ وَأَصْلُ الْكَرَمِ كَثْرَةُ الْخَيْرِ وَقَدْ جمع يوسف عليه الصلاة والسلام مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ مَعَ شَرَفِ النُّبُوَّةِ وَكَوْنُهُ ابْنًا لِثَلَاثَةِ أَنْبِيَاءَ مُتَنَاسِلِينَ وَمَعَ شَرَفِ رِيَاسَةِ الدُّنْيَا مُلْكَهَا بِالْعَدْلِ والْإِحْسَانِ وَكَوْنُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَرِيمُ بْنُ الْكَرِيمِ إِلَى آخِرِهِ مَوْزُونًا مُقَفًّى لَا يُنَافِي مَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ إِذْ لَمْ يَكُنْ هَذَا بِالْقَصْدِ بَلْ وَقَعَ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمُرَادُ صَنْعَةَ الشِّعْرِ (وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ ثُمَّ جَاءَنِي الرَّسُولُ أَجَبْتَ) أَيْ لَأَسْرَعْتُ الْإِجَابَةَ فِي الْخُرُوجِ مِنَ السِّجْنِ وَلَمَا قَدَّمْتُ طَلَبَ الْبَرَاءَةِ فَوُصِفَ بِشِدَّةِ الصَّبْرِ حَيْثُ لَمْ يُبَادِرْ بِالْخُرُوجِ وَإِنَّمَا قَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاضُعًا وَالتَّوَاضُعُ لَا يَحُطُّ مَرْتَبَةَ الْكَبِيرِ بَلْ يَزِيدُهُ رِفْعَةً وَجَلَالًا وَقِيلَ هُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ وقد قِيلَ إِنَّهُ قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنَ الْجَمِيعِ (فَلَمَّا جَاءَهُ) أَيْ يُوسُفَ (الرَّسُولُ) وَطَلَبَهُ لِلْخُرُوجِ (قَالَ) أَيْ يُوسُفُ قَاصِدًا إِظْهَارَ بَرَاءَتِهِ (ارْجِعْ إِلَى ربك) أَيْ إِلَى سَيِّدِكَ وَهُوَ الْمَلِكُ (فَاسْأَلْهُ) أَنْ يَسْأَلَ (مَا بَالُ) حَالُ (النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أيديهن) لَمْ يُصَرِّحْ بِذِكْرِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ أَدَبًا وَاحْتِرَامًا لَهَا (وَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ إِنْ كَانَ ليأوي إلى ركن شديد) أي إلى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُشِيرُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قوة أو آوى إلى ركن شديد وَيُقَالُ إِنَّ قَوْمَ لُوطٍ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَحَدٌ يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي نَسَبِهِ لِأَنَّهُمْ مِنْ سَدُومَ وَهِيَ مِنَ الشَّامِ وَأَصْلُ إِبْرَاهِيمَ وَلُوطٍ مِنَ الْعِرَاقِ فَلَمَّا هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى الشَّامِ هَاجَرَ مَعَهُ لُوطٌ فَبَعَثَ اللَّهُ لُوطًا إِلَى أَهْلِ سَدُومَ فَقَالَ لَوْ أَنَّ لِي مَنَعَةً وَأَقَارِبَ وَعَشِيرَةً لَكُنْتُ أَسْتَنْصِرُ بِهِمْ عَلَيْكُمْ لِيَدْفَعُوا عَنْ ضِيفَانِي وَلِهَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ لُوطٌ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إلى ركن شديد قَالَ فَإِنَّهُ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَكِنَّهُ عَنَى عَشِيرَتَهُ فَمَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إلا في ذروة من قومه زاد بن مَرْدَوَيْهِ أَلَمْ تَرَ إِلَى قَوْلِ قَوْمِ شُعَيْبٍ ولولا رهطك لرجمناك وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ أَيْ إِلَى عَشِيرَتِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْوِ إِلَيْهِمْ وَآوَى إِلَى اللَّهِ انْتَهَى وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وقال الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ رَحِمَ اللَّهُ لُوطًا إِنَّهُ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ أَيْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ أَشَدُّ الْأَرْكَانِ وَأَقْوَاهَا وَإِنَّمَا تَرَحَّمَ عَلَيْهِ لِسَهْوِهِ حِينَ ضَاقَ صَدْرُهُ مِنْ قَوْمِهِ حَتَّى قَالَ أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ أَرَادَ عِزَّ الْعَشِيرَةِ الَّذِينَ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِمْ كَمَا يَسْتَنِدُ إِلَى الرُّكْنِ

باب ومن سورة الرعد

مِنَ الْحَائِطِ (فَمَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ) أَيْ بَعْدَ لُوطٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ (إِلَّا فِي ذُرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ) بِضَمِّ الذَّالِ وَكَسْرِهَا أَيْ أَعْلَا نَسَبِ قَوْمِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدَةُ) بْنُ سُلَيْمَانَ الْكِلَابِيُّ (وَعَبْدُ الرَّحِيمِ) بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَشَلُّ قَوْلُهُ (فِي ثَرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ فِي عَدَدٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الثَّرْوَةُ الْعَدَدُ الْكَثِيرُ وَإِنَّمَا خص لوطا لقوله لو أدلى بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ قَوْلُهُ (الثَّرْوَةُ الْكَثْرَةُ وَالْمَنَعَةُ) يُقَالُ فُلَانٌ فِي عِزٍّ وَمَنَعَةٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَقَدْ تُسَكَّنُ النُّونُ وَقِيلَ الْمَنَعَةُ جَمْعُ مَانِعٍ مِثْلُ كَافِرٍ وَكَفَرَةٍ أَيْ هُوَ فِي عِزٍّ وَمَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ عَشِيرَتِهِ (وهذا حديث حسن) وأصله في الصحيحين 4 - (باب وَمِنْ سُورَةِ الرَّعْدِ) مَكِّيَّةٌ إِلَّا (وَلَا يَزَالُ الذين كفروا) الاية ويقول الذين كفروا لست مرسلا الْآيَةَ أَوْ مَدَنِيَّةٌ إِلَّا (وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا) الْآيَتَيْنِ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ آيَةً قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ وَكَانَ يَكُونُ فِي بَنِي عِجْلٍ) أَيْ كَانَ يَسْكُنُ فِيهِمْ وَلِذَلِكَ يُقَالُ

لَهُ الْعِجْلِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ وَهَذَا هو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ مُقْرِنٍ الْمُزَنِيُّ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ بُكَيْرِ بْنِ شِهَابٍ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ أَبُو نُعَيْمٍ وَغَيْرُهُ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ بُكَيْرِ بْنِ شِهَابٍ) الْكُوفِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (فَقَالُوا يَا أَبَا الْقَاسِمِ) هُوَ كُنْيَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَعَهُ مَخَارِيقُ) جَمْعُ مِخْرَاقٍ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ ثَوْبٌ يُلَفُّ وَيَضْرِبُ بِهِ الصِّبْيَانُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَرَادَ بِهِ هُنَا آلَةً تَزْجُرُ بِهَا الْمَلَائِكَةُ السَّحَابَ (يَسُوقُ) أَيِ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِالسَّحَابِ (بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْمَخَارِيقِ (زَجْرَةٌ) أَيْ هُوَ زَجْرَةٌ (إِذَا زَجَرَهُ) أَيْ إِذَا سَاقَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فالزاجرات زجرا يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ تَزْجُرُ السَّحَابَ أَيْ تَسُوقُهُ (حَتَّى يَنْتَهِيَ) أَيْ يَصِلَ السَّحَابُ (إِلَى حَيْثُ أُمِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَمَّا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ) هُوَ يَعْقُوبُ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام (قَالَ اشْتَكَى) أَيْ يَعْقُوبُ (عِرْقَ النَّسَاءِ) بِفَتْحِ النون والألف المقصورة هو وجع يبتديء مِنْ مَفْصِلِ الْوَرِكِ وَيَنْزِلُ مِنْ جَانِبِ الْوَحْشِيِّ عَلَى الْفَخِذِ وَرُبَّمَا امْتَدَّ إِلَى الرُّكْبَةِ وَإِلَى الْكَعْبِ وَسَمَّى الْمَرَضَ بِاسْمِ الْمَحَلِّ لِأَنَّ النَّسَا بِالْفَتْحِ وَالْقَصْرِ وَرِيدٌ يَمْتَدُّ عَلَى الْفَخِذِ مِنَ الْوَحْشِيِّ إِلَى الْكَعْبِ وَجَرَى الْعَادَةُ بِأَنْ يُسَمَّى وَجَعُ النَّسَا بِعِرْقِ النَّسَا وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَجَعُ الْعِرْقِ الَّذِي هُوَ النَّسَا (فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا) أَيْ مِنَ الْمَأْكُولَاتِ وَالْمَشْرُوبَاتِ (يُلَائِمُهُ) أَيْ يُوَافِقُهُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ شَيْئًا (حَرَّمَهَا) أَيْ لُحُومَ الْإِبِلِ وَأَلْبَانَهَا وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ إِجْمَالٌ تُوَضِّحُهُ رِوَايَةُ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ عن عبد الحميد عن شهر عن بن عَبَّاسٍ قَالَ حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنَ الْيَهُودِ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا حَدِّثْنَا عَنْ خِلَالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ أَنْشُدُكُمْ بِاَلَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا وَطَالَ سَقَمُهُ فَنَذَرَ لِلَّهِ نذرا لئن شفاه الله من سقمه ليحرم مِنْ أَحَبِّ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ إِلَيْهِ وَكَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لَحْمُ الْإِبِلِ وَأَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانُهَا فَقَالُوا اللَّهُمَّ نَعَمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ

قوله (أخبرنا سيف بن محمد الثوري) الكوفي بن أُخْتِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ نَزَلَ بَغْدَادَ كَذَّبُوهُ مِنْ صِغَارِ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ في الأكل) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْكَافِ أَيْ فِي الطَّعْمِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الدَّقَلُ) بِفَتْحَتَيْنِ رَدِيءُ التَّمْرِ وَيَابِسُهُ (وَالْفَارِسِيُّ) نَوْعٌ مِنَ التَّمْرِ وَالْآيَةُ بِتَمَامِهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا وَفِي الأرض قطع بقاع مختلفة متجاورات مُتَلَاصِقَاتٌ فَمِنْهَا طَيِّبٌ وَسَبَخٌ وَقَلِيلُ الرِّيعِ وَكَثِيرُهُ وَهُوَ مِنْ دَلَائِلِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى وَجَنَّاتٌ بَسَاتِينُ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى جَنَّاتٌ وَالْجَرُّ عَلَى أَعْنَابٍ وَكَذَا قَوْلُهُ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ جَمْعُ صِنْوٍ وَهِيَ النَّخَلَاتُ يَجْمَعُهَا أَصْلٌ وَاحِدٌ وتتشعب فروعها وغير صنوان منفردة يسقى بِالتَّاءِ أَيِ الْجَنَّاتُ وَمَا فِيهَا وَالْيَاءِ أَيِ المذكور بماء واحد ونفضل بِالنُّونِ وَالْيَاءِ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِهَا فَمِنْ حُلْوٍ وَحَامِضٍ وَهُوَ مِنْ دَلَائِلِ قُدْرَتِهِ تَعَالَى إِنَّ فِي ذَلِكَ لايات لقوم يعقلون يَتَدَبَّرُونَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ البزار وبن جرير وبن الْمُنْذِرِ فَإِنْ قُلْتَ فِي سَنَدِهِ سَيْفُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَقَدْ كَذَّبُوهُ فَكَيْفَ حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ قُلْتُ لَمْ يَنْفَرِدْ هُوَ بِرِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بَلْ تَابَعَهُ زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ كَمَا صَرَّحَ به الترمذي بقوله وقد رَوَاهُ زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ (وَعَمَّارٌ أَثْبَتُ مِنْهُ) قال فِي التَّقْرِيبِ عَمَّارُ بن محمد الثوري أبو اليقظان الكوفي بن أخت سفيان الثوري سكن بغداد صدوق يخطىء وَكَانَ عَابِدًا مِنَ الثَّامِنَةِ

باب ومن سورة إبراهيم

15 - (باب ومن سورة إبراهيم) هِيَ مَكِّيَّةٌ سِوَى آيَتَيْنِ وَهُمَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ الله كفرا) إِلَى آخِرِ الْآيَتَيْنِ وَهِيَ إِحْدَى وَقِيلَ اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ آيَةً قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ) الْأَزْدِيِّ مَوْلَاهُمْ كُنْيَتُهُ أَبُو صَالِحٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قوله (أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِنَاعٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَخِفَّةِ النُّونِ هُوَ الطَّبَقُ الَّذِي يُؤْكَلُ عَلَيْهِ (مَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ) أَيْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثابت) أي في الأرض (وفرعها) أي أعلاها ورأسها (في السماء) أي ذاهبة في السماء (تؤتي) أي تعطي (أكلها) أي ثمرها (كل حين بإذن ربها) أَيْ بِأَمْرِ رَبِّهَا وَالْحِينُ فِي اللُّغَةِ الْوَقْتُ يُطْلَقُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِهِ هَا هُنَا فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ الْحِينُ هُنَا سَنَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّ النَّخْلَةَ تُثْمِرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً وَاحِدَةً وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَعْنِي مِنْ وَقْتِ طَلْعِهَا إِلَى حِينِ صِرَامِهَا وَرَوَى ذَلِكَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَيْضًا وقال عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ يَعْنِي أَنَّ مُدَّةَ حَمْلِهَا بَاطِنًا وَظَاهِرًا ثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ وَقِيلَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ ظُهُورِ حَمْلِهَا إِلَى إِدْرَاكِهَا وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ شَهْرَانِ يَعْنِي مِنْ وَقْتِ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهَا إِلَى صِرَامِهَا وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ كُلَّ حِينٍ يَعْنِي غَدْوَةً وَعَشِيَّةً لِأَنَّ ثَمَرَ النَّخْلِ يُؤْكَلُ أَبَدًا لَيْلًا وَنَهَارًا وَصَيْفًا وشتاءا فَيُؤْكَلُ مِنْهَا الْجِمَارُ وَالطَّلْعُ وَالْبَلَحُ وَالْخِلَالُ وَالْبُسْرُ وَالْمُنَصَّفُ وَالرُّطَبُ وَبَعْدَ ذَلِكَ يُؤْكَلُ التَّمْرُ الْيَابِسُ إِلَى حِينِ الطَّرِيِّ الرَّطْبِ فَأُكُلُهَا دَائِمٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ كَذَا فِي الْخَازِنِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خبيثة) أي كلمة الكفر والشرك (اجتثت) يعني استؤصلت وقطعت (مالها من قرار) أَيْ مَا لِهَذِهِ الشَّجَرَةِ مِنْ ثَبَاتٍ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهَا لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ

ثَابِتٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فَرْعٌ صَاعِدٌ إِلَى السَّمَاءِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هِيَ) أَيِ الشَّجَرَةُ الْخَبِيثَةُ (الْحَنْظَلَةُ) هِيَ نَبَاتٌ يَمْتَدُّ عَلَى الْأَرْضِ كَالْبِطِّيخِ وَثَمَرُهُ يُشْبِهُ ثَمَرَ الْبِطِّيخِ لَكِنَّهُ أَصْغَرُ مِنْهُ جِدًّا وَيُضْرَبُ الْمَثَلُ بِمَرَارَتِهِ (قَالَ فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ) أَيْ قَالَ شعيب بن الحبحاب فأخبرت أنس هَذَا (فَقَالَ) أَيْ أَبُو الْعَالِيَةِ (صَدَقَ) أَيْ أَنَسٌ وَحَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ نَحْوَ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَفِيهِ كَذَلِكَ كُنَّا نَسْمَعُ مَكَانَ صَدَقَ وَأَحْسَنَ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ الْحَبْحَابِ) الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (فِي قَوْلِهِ يُثَبِّتُ اللَّهُ) أَيْ في تفسير قوله تعالى يثبت الله إلخ (بالقول الثابت) هُوَ كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَهِيَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) بِأَنْ لَا يُزَالُوا عَنْهُ إِذَا فُتِنُوا فِي دِينِهِمْ وَلَمْ يَرْتَابُوا بِالشُّبُهَاتِ وَإِنْ أُلْقُوا فِي النَّارِ كَمَا ثَبَتَ الَّذِينَ فَتَنَهُمْ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ وَغَيْرُهُمْ (وَفِي الْآخِرَةِ) أَيْ فِي الْقَبْرِ بِتَلْقِينِ الْجَوَابِ وَتَمْكِينِ الصَّوَابِ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (قَالَ فِي الْقَبْرِ) أَيْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَذَابِ

الْقَبْرِ فَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ قال الْكَرَمَانِيُّ لَيْسَ فِي الْآيَةِ ذِكْرُ عَذَابِ الْقَبْرِ فَلَعَلَّهُ سَمَّى أَحْوَالَ الْعَبْدِ فِي قَبْرِهِ عَذَابَ الْقَبْرِ تَغْلِيبًا لِفِتْنَةِ الْكَافِرِ عَلَى فِتْنَةِ الْمُؤْمِنَ لِأَجْلِ التَّخْوِيفِ وَلِأَنَّ الْقَبْرَ مَقَامُ الْهَوْلِ وَالْوَحْشَةِ وَلِأَنَّ مُلَاقَاةَ الْمَلَائِكَةِ مِمَّا يَهَابُ منه بن آدَمَ فِي الْعَادَةِ (إِذَا قِيلَ لَهُ) أَيْ لِصَاحِبِ الْقَبْرِ (مَنْ رَبُّكَ وَمَا دِينُكَ وَمَنْ نَبِيُّك) فَإِنْ كَانَ مُؤْمِنًا أَزَالَ اللَّهُ الْخَوْفَ عَنْهُ وَثَبَّتَ لِسَانَهُ فِي جَوَابِ الْمَلَكَيْنِ فَيَقُولُ رَبِّي اللَّهُ وَدِينِي الْإِسْلَامُ وَنَبِيِّي مُحَمَّدٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ قَوْلُهُ (يوم تبدل الأرض غير الأرض) قَالَ صَاحِبُ فَتْحِ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ (يَوْمَ) أَيِ اذْكُرْ وَارْتَقِبْ يَوْمَ (تُبَدَّلُ الأرض) المشاهدة (غير الأرض) وَالتَّبْدِيلُ قَدْ يَكُونُ فِي الذَّاتِ كَمَا فِي بَدَّلْتُ الدَّرَاهِمَ بِالدَّنَانِيرِ وَقَدْ يَكُونُ فِي الصِّفَاتِ كَمَا فِي بَدَّلْتُ الْحَلْقَةَ خَاتَمَك وَالْآيَةُ تَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ وَبِالثَّانِي قَالَ الْأَكْثَرُ وَالسَّمَاوَاتُ أَيْ وَتُبَدَّلُ السَّمَاوَاتُ غَيْرَ السَّمَاوَاتِ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَرَّ وَتَقْدِيمُ تَبْدِيلِ الْأَرْضِ لِقُرْبَانِهَا وَلِكَوْنِ تَبْدِيلِهَا أَعْظَمَ أَثَرًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْنَا أخرج مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ أَنَا أَوَّلُ مَنْ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ قُلْتُ أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ قَالَ عَلَى الصِّرَاطِ وَالصَّحِيحُ عَلَى هَذَا إِزَالَةُ عَيْنِ هَذِهِ الْأَرْضِ وَأَخْرَجَ الْبَزَّارُ وبن المنذر والطبراني في في الأوسط والبيهقي وبن عساكر وبن مردويه عن بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غير الأرض قَالَ أَرْضٌ بَيْضَاءُ كَأَنَّهَا فِضَّةٌ لَمْ يُسْفَكْ فِيهَا دَمٌ حَرَامٌ وَلَمْ يُعْمَلْ بِهَا خَطِيئَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ وَفِي الْبَابِ رِوَايَاتٌ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ كَقُرْصَةِ نَقِيٍّ وَفِيهِمَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بيده الحديث

باب ومن سورة الحجر

وَقَدْ أَطَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي بَيَانِ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِهِ وَفِي تَذْكِرَتِهِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ نَصٌّ فِي أَنَّ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ تُبَدَّلُ وَتُزَالُ وَيَخْلُقُ اللَّهُ أَرْضًا أُخْرَى تَكُونُ عَلَيْهَا النَّاسُ بَعْدَ كَوْنِهِمْ عَلَى الْجِسْرِ وَهُوَ الصِّرَاطُ لَا كَمَا قَالَ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِنَّ تَبْدِيلَ الْأَرْضِ عِبَارَةٌ عَنْ تَغْيِيرِ صِفَاتِهَا وَتَسْوِيَةِ آكَامِهَا وَنَسْفِ جِبَالِهَا وَمَدِّ أَرْضِهَا ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ شَبِيبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ فِي كِتَابِ الْإِفْصَاحِ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذِهِ الْآثَارِ وَأَنَّهُمَا تُبَدَّلَانِ كَرَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا هَذِهِ الْأُولَى قَبْلَ نَفْخَةِ الصَّعْقِ وَالثَّانِيَةُ إِذَا وَقَفُوا فِي الْمَحْشَرِ وَهِيَ أَرْضٌ عَفْرَاءُ مِنْ فِضَّةٍ لَمْ يُسْفَكْ عَلَيْهَا دَمٌ حَرَامٌ وَلَا جَرَى عَلَيْهَا ظُلْمٌ وَيَقُومُ النَّاسُ عَلَى الصِّرَاطِ عَلَى مَتْنِ جَهَنَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنَ التَّذْكِرَةِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْخَلَائِقَ وَقْتَ تَبْدِيلِ الْأَرْضِ تَكُونُ فِي أَيْدِي الْمَلَائِكَةِ رَافِعِينَ لَهُمْ عَنْهَا قَالَ فِي لجمل فَتَحَصَّلَ مِنْ مَجْمُوعَةِ كَلَامِهِ أَنَّ تَبْدِيلَ هَذِهِ الْأَرْضِ بِأَرْضٍ أُخْرَى مِنْ فِضَّةٍ يَكُونُ قَبْلَ الصِّرَاطِ وَتَكُونُ الْخَلَائِقُ إِذْ ذَاكَ مَرْفُوعَةً فِي أَيْدِي الْمَلَائِكَةِ وَأَنَّ تَبْدِيلَ الْأَرْضِ بِأَرْضٍ مِنْ خبز يكون بعد الصراط وتكون الخلائق إذا ذَاكَ عَلَى الصِّرَاطِ وَهَذِهِ الْأَرْضُ خَاصَّةٌ بِالْمُؤْمِنَينَ عِنْدَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ انْتَهَى مَا فِي فَتْحِ الْبَيَانِ (فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ قَالَ عَلَى الصِّرَاطِ) وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا يَكُونُونَ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْجِسْرِ الصِّرَاطُ وَأَنَّ فِي قَوْلِهِ عَلَى الصِّرَاطِ مَجَازًا لِكَوْنِهِمْ يُجَاوِزُونَهُ لِأَنَّ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ زِيَادَةً يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهَا لِثُبُوتِهَا وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ الزَّجْرَةِ الَّتِي تَقَعُ عِنْدَ نَقْلِهِمْ مِنْ أَرْضِ الدُّنْيَا إِلَى أَرْضِ الْمَوْقِفِ وَيُشِيرُ إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى كَلَّا إِذْ دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم وبن ماجه 6 - (باب وَمِنْ سُورَة الْحِجْرِ) هِيَ مَكِّيَّةٌ بِإِجْمَاعِهِمْ وَهِيَ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ آيَةً قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ الْحُدَّانِيِّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْأُولَى وَتَشْدِيدِ الثَّانِيَةِ آخِرُهُ نُونٌ قَبْلَ يَاءِ

النِّسْبَةِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ) هُوَ النُّكْرِيُّ قَوْلُهُ (فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ منكم ولقد علمنا المستأخرين) قال بن جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِهِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَى ذَلِكَ وَلَقَدْ عَلِمْنَا مَنْ مَضَى مِنَ الْأُمَمِ فَتَقَدَّمَ هَلَاكُهُمْ وَمَنْ قَدْ خُلِقَ وَهُوَ حَيٌّ وَمَنْ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ مِمَّنْ سَيُخْلَقُ ثُمَّ ذَكَرَ أَسْمَاءَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مِنَ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ عَنِيَ بِالْمُسْتَقْدِمِينَ الَّذِينَ قَدْ هَلَكُوا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ الْأَحْيَاءَ الَّذِينَ لَمْ يَهْلَكُوا ثُمَّ ذَكَرَ أَسْمَاءَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ مَعْنَاهُ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ فِي أَوَّلِ الْخَلْقِ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ فِي آخِرِهِمْ وَذَكَرَ أَسْمَاءَ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَ الْأُمَمِ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ أَسْمَاءَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ مَعْنَاهُ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ فِي الْخَيْرِ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ أَسْمَاءَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ فِي الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ فِيهَا بِسَبَبِ النِّسَاءِ ثُمَّ ذَكَرَ أَسْمَاءَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِالصِّحَّةِ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَعْنَى ذَلِكَ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْأَمْوَاتَ مِنْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ فَتَقَدَّمَ مَوْتُهُ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ الَّذِينَ اسْتَأْخَرَ مَوْتُهُمْ مِمَّنْ هُوَ حَيٌّ وَمَنْ هُوَ حَادِثٌ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْكَلَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ وإنا لنحن نحيى ونميت ونحن الوارثون وَمَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يحشرهم) عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ إِذْ كَانَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَلَمْ يَجْرِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَلَا جَاءَ بَعْدُ وَجَائِزٌ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ الْمُسْتَقْدِمِينَ فِي الصَّفِّ لِشَأْنِ النِّسَاءِ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ فِيهِ لذلك انتهى كلام بن جرير ملخصا قلت لو صح حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا لَكَانَ هُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي الْجَوْزَاءِ كَمَا صَرَّحَ به الترمذي قال الحافظ بن كثير في تفسيره بعد ذكر حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَهَذَا فِيهِ نَكَارَةٌ شديدة وكذا رواه أحمد وبن أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ في كتاب التفسير من سنيهما وبن مَاجَهْ مِنْ طُرُقٍ عَنْ نُوحِ بْنِ قَيْسٍ الْحُدَّانِيِّ وَقَدْ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُمَا وحكى عن بن مَعِينٍ تَضْعِيفُهُ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ وهذا الحديث

فِيهِ نَكَارَةٌ شَدِيدَةٌ وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ وَهُوَ النُّكْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الْجَوْزَاءِ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ) فِي الصُّفُوفِ فِي الصَّلَاةِ وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ أَبِي الْجَوْزَاءِ فَقَطْ لَيْسَ فِيهِ لِابْنِ عَبَّاسٍ ذِكْرٌ وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا أَشْبَهُ مِنْ رِوَايَةِ نُوحِ بْنِ قَيْسٍ قَوْلُهُ (عن جنيد عن بن عمر) قال في التقريب جنيد عن بن عُمَرَ قِيلَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ مَسْتُورٌ مِنَ الْخَامِسَةِ وَفِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ جُنَيْدٌ غَيْرُ مَنْسُوبٍ قال أبو حاتم حديثه عن بن عمر مرسل وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَوْلُهُ (لِمَنْ سَلَّ السَّيْفَ) أَيْ حَمَلَهُ عَلَيْهَا وَأَصْلُ السَّلِّ انْتِزَاعُكَ الشَّيْءَ وَإِخْرَاجُهُ فِي رِفْقٍ وَأَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لكل باب منهم جزء مقسوم قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ) اسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (الْحَمْدُ لِلَّهِ أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي) قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ مَا جَاءَ فِي فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ يُبْدَأُ بِكِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ وَيُبْدَأُ بِقِرَاءَتِهَا فِي الصَّلَاةِ

قال الْحَافِظُ هُوَ كَلَامُ أبي عُبَيْدَةَ فِي أَوَّلِ مَجَازِ الْقُرْآنِ لَكِنْ لَفْظُهُ وَلِسُوَرِ الْقُرْآنِ أَسْمَاءٌ مِنْهَا أَنَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ تُسَمَّى أُمَّ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ يُبْدَأُ بِهَا فِي أَوَّلِ الْقُرْآنِ وَتُعَادُ قِرَاءَتُهَا فَيُقْرَأُ بِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَبْلَ السُّورَةِ وَيُقَالُ لَهَا فَاتِحَةُ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ يُفْتَتَحُ بِهَا فِي الْمَصَاحِفِ فَتُكْتَبُ قَبْلَ الْجَمِيعِ انْتَهَى وَبِهَذَا تَبَيَّنَ الْمُرَادُ مِمَّا اخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ غَيْرُهُ سُمِّيَتْ أُمَّ الْكِتَابِ لِأَنَّ أُمَّ الشَّيْءِ ابْتِدَاؤُهُ وَأَصْلُهُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ مَكَّةُ أُمَّ الْقُرَى لِأَنَّ الْأَرْضَ دُحِيَتْ مِنْ تَحْتِهَا وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهَا يُبْدَأُ بِهَا يُنَاسِبُ تسميتها فاتحة الكتاب لا أم للكتاب وَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُتَّجَهُ مَا قَالَ بِالنَّظَرِ إِلَى أن اللام مَبْدَأُ الْوَلَدِ وَقِيلَ سُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الْمَعَانِي الَّتِي فِي الْقُرْآنِ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّعَبُّدِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَعَلَى مَا فِيهَا مِنْ ذِكْرِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَالْفِعْلِ وَاشْتِمَالُهَا عَلَى ذِكْرِ الْمَبْدَأِ أَوِ الْمَعَادِ وَالْمَعَاشِ انْتَهَى وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الْفَاتِحَةُ بِالسَّبْعِ الْمَثَانِي لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتِهَا بِالْمَثَانِي فَقِيلَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَيْ تُعَادُ وَقِيلَ لِأَنَّهَا يُثْنَى بِهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ لِأَنَّهَا اسْتُثْنِيَتْ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ لَمْ تَنْزِلْ عَلَى مَنْ قَبْلَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ قَوْلُهُ (وَهِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي) جَمْعُ مُثَنَّاةٌ مِنَ التَّثْنِيَةِ أَوْ جَمْعُ مُثْنِيَةٍ فَإِنَّهَا تُثَنَّى فِي كُلِّ صَلَاةٍ (وَهِيَ مَقْسُومَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ قَسَمْتُهَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى لِأَنَّ نِصْفَهَا الْأَوَّلَ تَحْمِيدٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَمْجِيدُهُ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ وَتَفْوِيضٌ إِلَيْهِ وَالنِّصْفَ الثَّانِيَ سُؤَالٌ وَطَلَبٌ وَتَضَرُّعٌ وَافْتِقَارٌ (وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ) أَيْ بِعَيْنِهِ إِنْ كَانَ وُقُوعُهُ مُعَلَّقًا عَلَى السُّؤَالِ وَإِلَّا فَمِثْلُهُ مِنْ رَفْعِ دَرَجَةٍ وَدَفْعِ مَضَرَّةٍ وَنَحْوِهِمَا وَأَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ العظيم وَمِنْ هَذِهِ تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّبْيِينِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّبْعِيضِ وَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ مِنَ الْمَثَانِي الْقُرْآنُ كُلُّهُ فَيَكُونُ مَعْنَى الْكَلَامِ وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعَ آيَاتٍ مِمَّا يُثَنِّي بَعْضُ آيِهِ بَعْضًا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَتِ الْمَثَانِي جَمْعَ مُثَنَّاةٍ وَتَكُونُ آيُ الْقُرْآنِ

مَوْصُوفَةً بِذَلِكَ لِأَنَّ بَعْضَهَا تُثَنِّي بَعْضًا وَبَعْضُهَا يَتْلُو بَعْضًا بِفُصُولٍ تَفْصِلُ بَيْنَهَا فَيُعْرَفُ انْقِضَاءُ الْآيَةِ وَابْتِدَاءُ الَّتِي تَلِيهَا كَمَا وَصَفَهَا بِهِ اللَّهُ تَعَالَى فَقَالَ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يخشون ربهم وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا كَمَا قَالَ بن عَبَّاسٍ وَالضَّحَّاكُ وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ إِنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا قِيلَ لَهُ مَثَانِيَ لِأَنَّ الْقَصَصَ وَالْأَخْبَارَ كُرِّرَتْ فِيهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ (حَدِيثُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَطْوَلُ وَأَتَمُّ) حَدِيثُ عبد العزيز بل مُحَمَّدٍ هَذَا تَقَدَّمَ بِطُولِهِ وَتَمَامُهُ فِي بَابِ فَضْلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى الْعَلَاءِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ رُوحِ بْنِ الْقَاسِمِ وَأَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرحمن بن إبراهيم وبن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ كُلُّهُمْ عَنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَرَجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي بْنِ كَعْبٍ فذكر الحديث وأخرجه الترمذي وبن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ كِلَاهُمَا عَنِ الْعَلَاءِ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ كَوْنَهُ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَادَى أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهُوَ مِمَّا يُقَوِّي مَا رَجَّحَهُ الترمذي انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ (أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بن أَبِي الطَّيِّبِ) الْبَغْدَادِيُّ أَبُو سُلَيْمَانَ الْمَعْرُوفُ بِالْمَرْوَزِيِّ صَدُوقٌ حَافِظٌ لَهُ أَغْلَاطٌ ضَعَّفَهُ بِسَبَبِهَا أَبُو حَاتِمٍ وماله فِي الْبُخَارِيِّ سِوَى حَدِيثٍ وَاحِدٍ مُتَابَعَةً وَهُوَ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَلَّامٍ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ التَّمِيمِيُّ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ) الملائي الكوفي (عن عطية) هو بن سعد العوفي

قوله (اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنَ) الْفِرَاسَةُ بِالْكَسْرِ اسْمٌ مِنْ قَوْلِك تَفَرَّسْتُ فِي فُلَانٍ الْخَيْرَ وَهِيَ على نوعين أحدهما ما دل عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا يُوقِعُهُ اللَّهُ فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِهِ فَيَعْلَمُونَ بِذَلِكَ أَحْوَالَ النَّاسِ بِنَوْعٍ مِنَ الْكَرَامَاتِ وَإِصَابَةِ الْحَدْسِ وَالنَّظَرِ وَالظَّنِّ وَالتَّثَبُّتِ وَالنَّوْعُ الثَّانِي مَا يَحْصُلُ بِدَلَائِلِ التَّجَارِبِ وَالْخُلُقِ وَالْأَخْلَاقِ تُعْرَفُ بِذَلِكَ أَحْوَالُ النَّاسِ أَيْضًا وَلِلنَّاسِ فِي عِلْمِ الْفِرَاسَةِ تَصَانِيفُ قَدِيمَةٌ وَحَدِيثَةٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْخَازِنِ وَقَالَ الْمَنَاوِيُّ اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنَ أَيِ اطِّلَاعَهُ عَلَى مَا فِي الضَّمَائِرِ بِسَوَاطِعِ أَنْوَارٍ أَشْرَقَتْ عَلَى قَلْبِهِ فَتَجَلَّتْ لَهُ بِهَا الْحَقَائِقُ (فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ) أَيْ يُبْصِرُ بِعَيْنِ قَلْبِهِ الْمَشْرِقِ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَصْلُ الْفِرَاسَةِ أَنَّ بَصَرَ الرُّوحِ مُتَّصِلٌ بِبَصَرِ الْعَقْلِ فِي عَيْنَيِ الْإِنْسَانِ فَالْعَيْنُ جَارِحَةٌ وَالْبَصَرُ مِنَ الرُّوحِ وَإِدْرَاكُ الْأَشْيَاءِ مِنْ بَيْنِهِمَا فَإِذَا تَفَرَّغَ الْعَقْلُ وَالرُّوحُ مِنْ أَشْغَالِ النَّفْسِ أَبْصَرَ الرُّوحُ وَأَدْرَكَ الْعَقْلُ مَا أَبْصَرَ الرُّوحُ وإنما عجز العامة عن هذا الشغل أَرْوَاحِهِمْ بِالنُّفُوسِ وَاشْتِبَاكِ الشَّهَوَاتِ بِهَا فَشُغِلَ بَصَرُ الرُّوحِ عَنْ دَرْكِ الْأَشْيَاءِ الْبَاطِنَةِ وَمَنْ أَكَبَّ عَلَى شَهَوَاتِهِ وَتَشَاغَلَ عَنِ الْعُبُودِيَّةِ حَتَّى خَلَّطَ عَلَى نَفْسِهِ الْأُمُورَ وَتَرَاكَمَتْ عَلَيْهِ الظُّلُمَاتُ كَيْفَ يُبْصِرُ شَيْئًا غَابَ عَنْهُ (ثُمَّ قَرَأَ) رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ فِي ذلك لايات للمتوسمين) قال بن عَبَّاسٍ لِلنَّاظِرِينَ وَقَالَ قَتَادَةُ لِلْمُعْتَبَرِينَ وَقَالَ مُقَاتِلٌ لِلْمُتَفَكِّرِينَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ لِلْمُتَفَرِّسِينَ قال الْخَازِنُ وَيُعَضِّدُ هذا للتأويل مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال اتقوا فراسة المؤمن إِلَخْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التاريخ وبن جرير وبن أبي حاتم وبن السني وأبو نعيم وبن مردويه والخطيب وأخرجه الحكيم الترمذي والطبراني وبن عدي عن أبي أمامة وأخرجه بن جرير في تفسيره عن بن عمر وأخرجه أيضا بن جرير عن ثوبان وأخرجه أيضا بن جَرِيرٍ وَالْبَزَّارُ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا يَعْرِفُونَ النَّاسَ بِالتَّوَسُّمِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ هذه الاية الخ) روى بن جرير في تفسيره بإسناده عَنْ مُجَاهِدٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قَالَ لِلْمُتَفَرِّسِينَ انْتَهَى وَأَصْلُ التَّوَسُّمِ

التَّثَبُّتُ وَالتَّفَكُّرُ تَفَعُّلٌ مَأْخُوذٌ مِنَ الْوَسْمِ وَهُوَ التَّأْثِيرُ بِحَدِيدَةٍ فِي جِلْدِ الْبَعِيرِ أَوِ الْبَقَرِ وقيل أصله الاستقصاء التعرف يُقَالُ تَوَسَّمْتَ أَيْ تَعَرَّفْتَ مُسْتَقْصِيًا وُجُوهَ التَّعَرُّفِ وَقِيلَ هُوَ مِنَ الْوَسْمِ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ وَلِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ فِي الْفِرَاسَةِ أَخْبَارٌ وَحِكَايَاتٌ مَعْرُوفَةٌ فَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي تَوَالِي التَّأْسِيسِ قَالَ السَّاجِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ قَالَ خَرَجْتَ أَنَا وَالشَّافِعِيُّ مِنْ مَكَّةَ فَلَقِينَا رَجُلًا بِالْأَبْطَحِ فَقُلْتَ لِلشَّافِعِيِّ ازْكَنْ مَا لِلرَّجُلِ فَقَالَ نَجَّارٌ أَوْ خَيَّاطٌ قَالَ فَلَحِقْتُهُ فَقَالَ كُنْتُ نَجَّارًا وَأَنَا خَيَّاطٌ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ قُتَيْبَةَ قَالَ رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ وَالشَّافِعِيَّ قَاعِدَيْنِ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ فَمَرَّ رَجُلٌ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ تَعَالَ حَتَّى نَزْكَنَ عَلَى هَذَا الْآتِي أَيُّ حِرْفَةٍ مَعَهُ فَقَالَ أَحَدُهُمَا خَيَّاطٌ وَقَالَ الْآخَرُ نَجَّارٌ فَبَعَثَا إِلَيْهِ فَسَأَلَاهُ فَقَالَ كُنْتَ خَيَّاطًا وَأَنَا الْيَوْمَ نَجَّارٌ قال الْحَافِظُ وَسَنَدُ كُلٍّ مِنَ الْقِصَّتَيْنِ صَحِيحٌ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّعَدُّدِ وَالزَّكَنُ الْفِرَاسَةُ وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْمُزَنِيِّ قَالَ كُنْتَ مَعَ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَامِعِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ يَدُورُ عَلَى النِّيَامِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ لِلرَّبِيعِ قُمْ فَقُلْ لَهُ ذَهَبَ لَكَ عَبْدٌ أَسْوَدُ مُصَابٌ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ قَالَ الرَّبِيعُ فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ نَعَمْ فَقُلْتُ تَعَالَ فَجَاءَ إِلَى الشَّافِعِيِّ فَقَالَ أَيْنَ عَبْدِي فَقَالَ مُرَّ تَجِدْهُ فِي الْحَبْسِ فَذَهَبَ الرَّجُلُ فَوَجَدَهُ فِي الْحَبْسِ قَالَ الْمُزَنِيُّ فَقُلْتُ لَهُ أَخْبِرْنَا فَقَدْ حَيَّرْتنَا فَقَالَ نَعَمْ رَأَيْتَ رَجُلًا دَخَلَ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ يَدُورُ بَيْنَ النِّيَامِ فَقُلْتَ يَطْلُبُ هَارِبًا وَرَأَيْتُهُ يَجِيءُ إِلَى السُّودَانِ دُونَ البيض فقلت هَرَبَ لَهُ عَبْدٌ أَسْوَدُ وَرَأَيْتُهُ يَجِيءُ إِلَى مَا يَلِي الْعَيْنَ الْيُسْرَى فَقُلْتُ مُصَابٌ بِإِحْدَى عَيْنَيْهِ قُلْنَا فَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهُ فِي الْحَبْسِ قَالَ الْحَدِيثُ فِي الْعَبِيدِ إِنْ جَاعُوا سَرَقُوا وَإِنْ شَبِعُوا زَنَوْا فَتَأَوَّلْتُ أَنَّهُ فَعَلَ أَحَدَهُمَا فكان كذلك قَوْلُهُ (عَنْ بِشْرٍ عَنْ أَنَسٍ) قَالَ فِي التقريب بشر عن أنس قيل هو بن دِينَارٍ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بِشْرٌ غَيْرُ مَنْسُوبٍ عَنْ أَنَسٍ فِي قوله لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون وَغَيْرِ ذَلِكَ وَعَنْهُ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ قِيلَ إِنَّهُ بِشْرُ بْنُ دِينَارٍ قَالَ الْحَافِظُ كذا قال بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَزَادَ فِي الرُّوَاةِ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى لَيْثٍ اخْتِلَافًا كَثِيرًا قَوْلُهُ (فِي قَوْلِهِ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أجمعين) قَبْلَهُ فَوَرَبِّكَ قَالَ الْخَازِنُ أَقْسَمَ اللَّهُ بِنَفْسِهِ أنه يسأل

باب ومن سورة النحل

هَؤُلَاءِ الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (عَمَّا كانوا يعملون) يَعْنِي عَمَّا كَانُوا يَقُولُونَهُ فِي الْقُرْآنِ وَقِيلَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ مِنَ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي وَقِيلَ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ فِي لَنَسْأَلَنَّهُمْ إِلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ الْمُؤْمِنَ وَالْكَافِرِ لِأَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فَحَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ أَوْلَى انْتَهَى كَلَامُ الْخَازِنِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَنْ قَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وبن جرير وبن المنذر وبن أَبِي حَاتِمٍ (وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدريس عن ليث بن أَبِي سُلَيْمٍ إِلَخْ) وَصَلَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الْمَوْقُوفَةَ بن جرير في تفسيره 7 - (باب وَمِنْ سُورَةِ النَّحْلِ) مَكِّيَّةٌ إِلَّا (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ) إِلَى آخِرِهَا وَهِيَ مِائَةٌ وَثَمَانٍ وَعِشْرُونَ آيَةً قَوْلُهُ (أَرْبَعٌ) أَيْ مِنَ الرَّكَعَاتِ (قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ الزَّوَالِ) صِفَةٌ لِأَرْبَعٍ وَالْمَوْصُوفُ مَعَ الصِّفَةِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ (تُحْسَبُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِمِثْلِهِنَّ مِنْ صَلَاةِ السَّحَرِ) أَيْ بِمِثْلِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ كَائِنَةٍ مِنْ صَلَاةِ السَّحَرِ يَعْنِي تُوَازِي أَرْبَعًا مِنَ الْفَجْرِ مِنَ السُّنَّةِ وَالْفَرِيضَةِ لِمُوَافَقَةِ الْمُصَلِّي بَعْدَ الزَّوَالِ سَائِرَ الْكَائِنَاتِ فِي الْخُضُوعِ وَالدُّخُورِ لِبَارِئِهَا فَإِنَّ الشَّمْسَ أَعْلَى وَأَعْظَمُ مَنْظُورًا فِي الْكَائِنَاتِ وَعِنْدَ زَوَالِهَا يَظْهَرُ هُبُوطُهَا وَانْحِطَاطُهَا وَسَائِرُ مَا يَتَفَيَّأُ بِهَا ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَقِيلَ لَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْعُدُولِ عن الظاهر وهو حمل السحر على حقيقته وَتَشْبِيهِ هَذِهِ الْأَرْبَعِ بِأَرْبَعٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ إِلَّا بِاعْتِبَارِ كَوْنِ الْمُشَبَّهِ بِهِ مَشْهُودًا بِمَزِيدِ الْفَضْلِ انْتَهَى يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى

إن قرآن الفجر كان مشهودا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعُدُولَ إِنَّمَا هُوَ لِيَكُونَ الْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى إِذْ لَيْسَ التَّهَجُّدُ أفضل من سنة الظهر قال القارىء وَالْأَظْهَرُ حَمْلُ السَّحَرِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ وَيُوَجَّهُ كَوْنُ الْمُشَبَّهِ بِهِ أَقْوَى بِأَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهِ أَشَقُّ وَأَتْعَبُ وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَهْمَا أَمْكَنَ فَهُوَ أَوْلَى وَأَحْسَنُ (وَلَيْسَ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَهُوَ يُسَبِّحُ اللَّهَ تِلْكَ السَّاعَةِ) أَيْ يُسَبِّحُهُ تَسْبِيحًا خَاصًّا تِلْكَ السَّاعَةِ فَلَا يُنَافِي قَوْلَهُ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ لمقتضي لِكَوْنِهِ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ (ثُمَّ قَرَأَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عمر قاله القارىء والظاهر هو الأول (يتفيؤ ظِلَالُهُ إِلَخِ) الْآيَةُ بِتَمَامِهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا (أو لم يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ) له ظل كشجر وجبل (يتفيؤ) أَيْ يَمِيلُ (ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ) جَمْعُ شَمْلٍ أَيْ عَنْ جَانِبَيْهَا أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ سُجَّدًا لِلَّهِ حَالٌ أَيْ خَاضِعِينَ بِمَا يُرَادُ مِنْهُمْ وَهُمْ أَيِ الظِّلَالُ دَاخِرُونَ أَيْ صَاغِرُونَ نُزِّلُوا مَنْزِلَةَ الْعُقَلَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَفِي سَنَدِهِ يَحْيَى الْبَكَّاءُ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ (عَنْ عِيسَى بْنِ عُبَيْدِ) بْنِ مَالِكٍ الْكِنْدِيِّ أَبِي الْمُنِيبِ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (فَمَثَّلُوا بِهِمْ) أَيِ الْكُفَّارُ بِاَلَّذِينَ أُصِيبُوا مِنَ الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ يُقَالُ مثلث بِالْحَيَوَانِ أُمَثِّلُ بِهِ مَثَلًا إِذَا قَطَعْتَ أَطْرَافَهُ وَشَوَّهْتَ بِهِ وَمَثَّلْتَ بِالْقَتِيلِ إِذَا جَدَعْتَ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ مَذَاكِيرَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ أَطْرَافِهِ والِاسْمُ الْمُثْلَةُ فَأَمَّا مَثَّلَ بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (لَنُرْبِيَنَّ عَلَيْهِمْ) مِنَ الْإِرْبَاءِ أَيْ لَنَزِيدَنَّ وَلَنُضَاعِفَنَّ عَلَيْهِمْ فِي التَّمْثِيلِ (وإن عاقبتم الخ) قال الحافظ بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُؤْمِنَينَ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ مَنْ ظَلَمَكُمْ وَاعْتَدَى

باب ومن سورة بني إسرائيل

عَلَيْكُمْ فَعَاقِبُوهُ بِمِثْلِ الَّذِي نَالَكُمْ بِهِ ظَالِمُكُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ عَنْ عُقُوبَتِهِ وَاحْتَسَبْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ مَا نَالَكُمْ بِهِ مِنَ الظُّلْمِ وَوَكَّلْتُمْ أَمْرَهُ إِلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّي عُقُوبَتَهُ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ يَقُولُ لَلصَّبْرُ عَنْ عُقُوبَتِهِ لِذَلِكَ خَيْرٌ لِأَهْلِ الصَّبْرِ احْتِسَابًا وَابْتِغَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ يُعَوِّضُهُ مِنَ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَنَالَهُ بِانْتِقَامِهِ مِنْ ظَالِمِهِ عَلَى ظُلْمِهِ إِيَّاهُ مِنْ لَذَّةِ الِانْتِصَارِ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ لَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الصَّبْرِ وَحُسْنِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَ قَبْلَ ذَلِكَ الصَّبْرَ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ عَلَيْهِ انْتَهَى (كُفُّوا عَنِ الْقَوْمِ إِلَّا أَرْبَعَةً) وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مكة أمن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ اقْتُلُوهُمْ وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ وَمَقِيسُ بْنُ صَبَابَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بن سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ 8 - (بَاب وَمِنْ سُورَة بَنِي إِسْرَائِيلَ) مَكِّيَّةٌ إِلَّا (وَإِنْ كادوا ليفتنونك) الايات الثمان ومائة وَعَشْرُ آيَاتٍ أَوْ إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً قَوْلُهُ (قَالَ) أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ (فَنَعَتَهُ) أَيْ وَصَفَ النبي مُوسَى (فَإِذَا رَجُلٌ قَالَ حَسِبْتُهُ قَالَ مُضْطَرِبٌ) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَإِذَا رَجُلٌ حَسِبْته قَالَ مُضْطَرِبٌ بِحَذْفِ قَالَ قَبْلَ حَسِبْتُهُ وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ الْقَائِلُ حَسِبْتُهُ هُوَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَالْمُضْطَرِبُ الطَّوِيلُ

غَيْرُ الشَّدِيدِ وَقِيلَ الْخَفِيفُ اللَّحْمِ وَتَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ بِلَفْظِ ضَرِبٌ وَفُسِّرَ بِالنَّحِيفِ وَلَا منافاة بينهما انتهى (الرجل الرَّأْسِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ دَهِينُ الشَّعْرِ مسترسله وقال بن السِّكِّيتِ شَعْرٌ رَجِلٌ أَيْ غَيْرُ جَعْدٍ (كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ ثُمَّ هَاءُ تَأْنِيثٍ حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ يُنْسَبُونَ إِلَى شَنُوءَةَ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَصْرِ بْنِ الْأَزْدِ وَلُقِّبَ شَنُوءَةَ لِشَنَئَانٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ شَنُوئِيٌّ بِالْهَمْزِ بَعْدَ الْوَاوِ وَبِالْهَمْزِ بِغَيْرِ وَاوٍ وقال الدَّاوُدِيُّ رِجَالُ الْأَزْدِ مَعْرُوفُونَ بِالطُّولِ (قَالَ رَبَعَةٌ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَهُوَ الْمَرْفُوعُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَيْسَ بِطَوِيلٍ جِدًّا وَلَا قَصِيرٍ جِدًّا بَلْ وَسَطٌ (مِنْ دِيمَاسٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ (يَعْنِي الْحَمَّامَ) هُوَ تَفْسِيرُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالدِّيمَاسُ فِي اللُّغَةِ السِّرْبُ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْكِنِّ وَالْحَمَّامُ مِنْ جُمْلَةِ الكن وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ وَصْفُهُ بِصَفَاءِ اللَّوْنِ وَنَضَارَةِ الْجِسْمِ وَكَثْرَةِ مَاءِ الْوَجْهِ حَتَّى كَأَنَّهُ كَانَ فِي مَوْضِعِ كِنٍّ فَخَرَجَ مِنْهُ وَهُوَ عَرْقَانُ وفي رواية بن عُمَرَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً وَهُوَ مُحْتَمَلٌ لِأَنْ يُرَادَ الْحَقِيقَةُ وَأَنَّهُ عَرَقَ حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ مِنْ رَأْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً عَنْ مَزِيدِ نَضَارَةِ وَجْهِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ آدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُدَ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ (قَالَ وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ) أَيْ قَالَ النَّبِيُّ أنا أشبه أولاد إبراهيم عليه الصلاة والسلام به صورة ومعنى (وأتيت بإنائين أَحَدُهُمَا لَبَنٌ) قِيلَ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِ لَبَنٌ كَأَنَّهُ جَعَلَهُ لَبَنًا كُلَّهُ تَغْلِيبًا لِلَّبَنِ عَلَى الْإِنَاءِ لِكَثْرَتِهِ وَتَكْثِيرًا لِمَا اخْتَارَهُ وَلَمَّا كَانَ الْخَمْرُ مَنْهِيًّا عَنْهُ قَلَّلَهُ فَقَالَ (وَالْآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ) أَيْ خَمْرٌ قَلِيلٌ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي عَدَدِ الْآنِيَةِ فَفِي بَعْضِهَا أتيت بإنائين أَحَدُهُمَا لَبَنٌ وَالْآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ كَمَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ رفع لي البيت المعمور ثم أتيت بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ وَإِنَاءٍ مِنْ عَسَلٍ وفي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ بن إِسْحَاقَ فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ فَصَلَّى بِهِمْ يَعْنِي الْأَنْبِيَاءَ ثُمَّ أُتِيَ بِثَلَاثَةِ آنِيَةٍ إِنَاءٌ فِيهِ لَبَنٌ وَإِنَاءٌ فِيهِ خَمْرٌ وَإِنَاءٌ فِيهِ مَاءٌ فأخذت اللبن

وَاخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ أَيْضًا فِي مَكَانِ عَرْضِ الْآنِيَةِ فَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَ جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ أُتِيَ رسول الله لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ بِإِيلِيَاءَ بِإِنَاءٍ فِيهِ خَمْرٌ وَإِنَاءٍ فِيهِ لَبَنٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا فَأَخَذَ اللَّبَنَ فَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ تَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ عَرْضَ الْآنِيَةِ كَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ كَانَ فِي السَّمَاءِ قال الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَغَيْرِهَا يُجْمَعُ بَيْنَ هَذَا الِاخْتِلَافِ إِمَّا بِحَمْلِ ثُمَّ عَلَى غَيْرِ بَابِهَا مِنَ التَّرْتِيبِ وَإِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى الْوَاوِ هُنَا وَإِمَّا بِوُقُوعِ عَرْضِ الْآنِيَةِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً عِنْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الصَّلَاةِ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَسَبَبُهُ مَا وَقَعَ لَهُ مِنَ الْعَطَشِ كَمَا فِي حَدِيثِ شَدَّادٍ فَصَلَّيْتُ مِنَ الْمَسْجِدِ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ وَأَخَذَنِي مِنَ الْعَطَشِ أَشَدُّ مَا أخذني فأتيت بِإِنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا لَبَنٌ وَالْآخَرُ عَسَلٌ إِلَخْ وَمَرَّةً عِنْدَ وُصُولِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَرُؤْيَةُ الْأَنْهَارِ الْأَرْبَعَةِ وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي عَدَدِ الْآنِيَةِ وَمَا فِيهَا فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ ذَكَرَ مَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْآخَرُ وَمَجْمُوعُهَا أَرْبَعَةُ آنِيَةٍ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ مِنَ الْأَنْهَارِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي رآها نخرج مِنْ أَصْلِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ لَمَّا ذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَمِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَمِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَمِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى فَلَعَلَّهُ عُرِضَ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَهْرٍ إِنَاءٌ انْتَهَى (هُدِيتَ لِلْفِطْرَةِ أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْأَوَّلُ بِصِيغَةِ الْخِطَابِ مَجْهُولًا وَالثَّانِي مَعْلُومًا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ تَسْمِيَةِ اللَّبَنِ فِطْرَةً لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ يَدْخُلُ بَطْنَ الْمَوْلُودِ وَيَشُقُّ أَمْعَاءَهُ وَالسِّرُّ فِي مَيْلِ النبي إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ لِكَوْنِهِ كَانَ مَأْلُوفًا لَهُ وَلِأَنَّهُ لَا يَنْشَأُ عَنْ جِنْسِهِ مَفْسَدَةٌ (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ التَّنْبِيهِ (إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ) أَيْ ضَلَّتْ نَوْعًا مِنَ الْغَوَايَةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى شُرْبِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ شَرِبَهَا لَأُحِلَّ لِلْأُمَّةِ شُرْبُهَا فَوَقَعُوا فِي ضَرَرِهَا وَشَرِّهَا وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ اسْتِقَامَةَ الْمُقْتَدِي مِنَ النَّبِيِّ وَالْعَالِمِ وَالسُّلْطَانِ وَنَحْوِهِمْ سَبَبٌ لِاسْتِقَامَةِ أَتْبَاعِهِمْ لِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْقَلْبِ لِلْأَعْضَاءِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (أُتِيَ بِالْبُرَاقِ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْبَرِيقِ فَقَدْ جَاءَ فِي لونه أنه

أَبْيَضُ أَوْ مِنَ الْبَرْقِ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِسُرْعَةِ السَّيْرِ أَوْ مِنْ قَوْلِهِمْ شَاةٌ بَرْقَاءُ إِذَا كَانَ خِلَالُ صُوفِهَا الْأَبْيَضِ طَاقَاتٌ سُودٌ وَلَا يُنَافِيه وَصْفُهُ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ بِأَنَّ الْبُرَاقَ أَبْيَضُ لِأَنَّ الْبَرْقَاءَ مِنَ الْغَنَمِ مَعْدُودَةٌ فِي الْبَيَاضِ (لَيْلَةَ أُسْرِيَ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَجْهُولِ مِنَ الإسراء (به) أي بالنبي (مُلْجَمًا) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْإِلْجَامِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَلْجَمَ الدَّابَّةَ أَلْبَسَهَا اللِّجَامَ وَهُوَ كَكِتَابٍ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (مُسْرَجًا) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْإِسْرَاجِ يُقَالُ أَسْرَجْتَ الدَّابَّةَ إِذَا شَدَدْتَ عَلَيْهَا السَّرْجَ (فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ) أَيْ صَارَ الْبُرَاقُ صَعْبًا عَلَى النبي (أبمحمد) وَالْهَمْزَةُ لِلْإِنْكَارِ (تَفْعَلُ هَذَا) أَيِ الِاسْتِصْعَابَ (فَمَا رَكِبَكَ أَحَدٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ) أَيْ من محمد (فَارْفَضَّ عَرَقًا) أَيْ جَرَى عَرَقُهُ وَسَالَ ثُمَّ سَكَنَ وَانْقَادَ وَتَرَكَ الِاسْتِصْعَابَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ وصححه بن حبان وذكر بن إِسْحَاقَ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ لَمَّا شَمَسَ وَضَعَ جبرائيل يَدَهُ عَلَى مَعْرِفَتِهِ فَقَالَ أَمَا تَسْتَحْيِي فَذَكَرَ نحوه مرسلا لم يذكر أنسا وللنسائي وبن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ نَحْوَهُ مَوْصُولًا وَزَادَ وَكَانَتْ تُسَخَّرُ لِلْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عند بن إِسْحَاقَ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْبُرَاقَ كَانَ مُعَدًّا لِرُكُوبِ الْأَنْبِيَاءِ خِلَافًا لِمَنْ نَفَى ذَلِكَ كَابْنِ دِحْيَةَ وَأَوَّلُ قَوْلِ جِبْرِيلَ فَمَا رَكِبَكَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ أَيْ مَا رَكِبَكَ أَحَدٌ قَطُّ فَكَيْفَ يَرْكَبُكَ أَكْرَمُ مِنْهُ وقد جَزَمَ السُّهَيْلِيُّ أَنَّ الْبُرَاقَ إِنَّمَا اسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ لِبُعْدِ عَهْدِهِ بِرُكُوبِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الزُّبَيْدِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ يَرْكَبُونَ الْبُرَاقَ قَالَ وَهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ صَحِيحٍ قَالَ الْحَافِظُ قَدْ ذَكَرْتُ النَّقْلَ بِذَلِكَ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ آثَارًا تَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُهُ (عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ جُنَادَةَ) بِمَضْمُومَةٍ وَخِفَّةِ نُونٍ وَإِهْمَالِ دَالٍ الْهِجْرِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعَنْهُ عِيسَى بْنُ يُونُسَ وَأَبُو تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ وَغَيْرُهُمَا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ شَيْخٌ ليس بالمشهور وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ

فيه جنادة المعلم سكن مرو لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي رَبْطِ الْبُرَاقِ قلتَ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مَرْوَزِيٌّ ثقة (عن بن بريدة) اسمه عبد الله (لما انتهيا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ) أَيْ وَصَلْنَا إِلَيْهِ (قَالَ جبرائيل بِأُصْبُعِهِ) أَيْ أَشَارَ بِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْعَرَبُ تَجْعَلُ الْقَوْلَ عِبَارَةً عَنْ جَمِيعِ الْأَفْعَالِ وَتُطْلِقُهُ عَلَى غَيْرِ الْكَلَامِ وَاللِّسَانِ فَتَقُولُ قَالَ بِيَدِهِ أَيْ أَخَذَ وَقَالَ بِرِجْلِهِ أَيْ مَشَى قَالَ الشَّاعِرُ وَقَالَتْ لَهُ الْعَيْنَانِ سَمْعًا وَطَاعَةً أَيْ أَوْمَأَتْ وَقَالَ بِالْمَاءِ عَلَى يَدِهِ أَيْ قَلَبَ وَقَالَ بِثَوْبِهِ أَيْ رَفَعَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ عَلَى الْمَجَازِ وَالِاتِّسَاعِ (فَخَرَقَ بِهِ الْحَجَرَ) وَفِي البزار لما كان ليلة أسري به فأتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس فوضع أصبعه فِيهَا فَخَرَقَهَا فَشَدَّ بِهَا الْبُرَاقَ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَرَكِبْته حَتَّى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ فَرَبَطْته بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه البزار قوله (لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ) أَيْ نَسَبُونِي إِلَى الْكَذِبِ فِيمَا ذَكَرْتَ مِنْ قَضِيَّةِ الْإِسْرَاءِ وَطَلَبُوا مِنِّي عَلَامَاتِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (قُمْتُ فِي الْحِجْرُ) بِالْكَسْرِ اسْمُ الْحَائِطِ الْمُسْتَدِيرِ إِلَى جَانِبِ الْكَعْبَةِ الشَّمَالِيِّ (فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنَ التَّجْلِيَةِ أَيْ أَظْهَرَهُ لِي قَالَ الْحَافِظُ قِيلَ مَعْنَاهُ كَشَفَ الْحُجُبَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حَتَّى رَأَيْتُهُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ فَسَأَلُونِي عَنْ أَشْيَاءَ لَمْ أُثْبِتْهَا فَكُرِبْتُ كَرْبًا لَمْ أُكْرَبْ مِثْلَهُ قَطُّ فَرَفَعَ اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا نَبَّأْتهمْ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ حُمِلَ إِلَى أَنْ وُضِعَ بِحَيْثُ يَرَاهُ ثُمَّ أُعِيدَ وفي حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْبَزَّارِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ حَتَّى وُضِعَ عِنْدَ دَارِ عَقِيلٍ فَنَعَتُّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ وَهَذَا أَبْلَغُ فِي الْمُعْجِزَةِ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ فَقَدْ أحضر

عَرْشُ بِلْقِيسَ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ لِسُلَيْمَانَ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ أُزِيلَ مِنْ مَكَانِهِ حَتَّى أُحْضِرَ إِلَيْهِ وَمَا ذَاكَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ بِعَزِيزٍ انْتَهَى (فَطَفِقْتُ) بِكَسْرِ الْفَاءِ قَبْلَ الْقَافِ أَيْ فَشَرَعْتُ (أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ) أَيْ عَلَامَاتِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَدَلَالَاتُهُ (وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ وأبي سعيد وبن عباس وأبي ذر وبن مَسْعُودٍ) أَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ أَلَمْ نَشْرَحْ مُخْتَصَرًا وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مُطَوَّلًا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فأخرجه البيهقي وبن جرير وبن أبي حاتم وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ وَأَمَّا حديث أبي فأخرجه الشيخان وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ ذَكَرَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَلْ كَانَ الْإِسْرَاءُ بجسده مَعَ رُوحِهِ أَوْ بِرُوحِهِ فَقَطْ فَذَهَبَ مُعْظَمُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى الْأَوَّلِ وَذَهَبَ إِلَى الثَّانِي طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ عَائِشَةُ وَمُعَاوِيَةُ والحسن وبن إسحاق وحكاه بن جَرِيرٍ عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى التَّفْصِيلِ فَقَالُوا كَانَ الْإِسْرَاءُ بِجَسَدِهِ يَقَظَةً إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِلَى السَّمَاءِ بِالرُّوحِ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ بِقَوْلِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى فجعله غاية للإسراء بذاته فَلَوْ كَانَ الْإِسْرَاءُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَعَ بِذَاتِهِ لَذَكَرَهُ وَالَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْكَثِيرَةُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُعْظَمُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ مِنَ الْإِسْرَاءِ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ يَقَظَةً إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ السَّمَاوَاتِ وَهُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ وَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّأْوِيلِ وَصَرْفِ هَذَا النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ وَمَا يُمَاثِلُهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَحَادِيثِ إِلَى مَا يُخَالِفُ الْحَقِيقَةَ وَلَا مُقْتَضَى لِذَلِكَ إِلَّا مُجَرَّدُ الِاسْتِبْعَادِ وَتَحْكِيمِ مَحْضِ الْعُقُولِ الْقَاصِرَةِ عَنْ فَهْمِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُجَرَّدَ رُؤْيَا كَمَا يَقُولُهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ بِالرُّوحِ فَقَطْ وَأَنَّ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ لم يقع التكذيب من الكفرة للنبي عِنْدَ إِخْبَارِهِ لَهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى ارْتَدَّ مَنِ ارْتَدَّ مِمَّنْ لَمْ يَشْرَحْ بِالْإِيمَانِ صَدْرًا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَرَى فِي نَوْمِهِ مَا هُوَ مستبعد بل هُوَ مُحَالٌ وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطٌ فِي الْمُطَوَّلَاتِ

قَوْلُهُ (فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا التي أريناك إلا فتنة للناس) قال الحافظ بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ رُؤْيَا عَيْنٍ وَهِيَ ما رأى النبي لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ هِيَ رُؤْيَاهُ الَّتِي رَأَى أنه يدخل مكة فروى بإسناده عن بن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إلا فتنة للناس قال يقال إن رسول الله أُرِيَ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ يومئذ بالمدينة فجعل رسول الله السَّيْرَ إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ الْأَجَلِ فَرَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ فقالت أناس قد رد رسول الله وَقَدْ كَانَ حَدَّثَنَا أَنَّهُ سَيَدْخُلُهَا فَكَانَتْ رَجْعَتُهُ فِتْنَتَهُمْ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ مِمَّنْ قَالَ هِيَ رُؤْيَا مَنَامٍ إِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ رَأَى فِي مَنَامِهِ قَوْمًا يَعْلُونَ مِنْبَرَهُ فَذَكَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ قَالَ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ عَنَى به الرؤيا رسول الله ما رأى مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ فِي طَرِيقِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَبِبَيْتِ الْمَقْدِسِ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ وَإِيَّاهُ عَنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ وَمَا جَعَلْنَا رُؤْيَاكَ الَّتِي أَرَيْنَاكَ لَيْلَةَ أَسْرَيْنَا بِكَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلا فتنة للناس يقول الإبلاء لِلنَّاسِ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ لَمَّا أُخْبِرُوا بِالرُّؤْيَا الَّتِي رَآهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلِلْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ الَّذِينَ ازْدَادُوا بِسَمَاعِهِمْ ذَلِكَ من رسول الله تَمَادِيًا فِي غَيِّهِمْ وَكُفْرًا إِلَى كُفْرِهِمْ انْتَهَى (قال هي رؤيا عين أريها النبي لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ) أُرِيَهَا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنَ الْإِرَاءَةِ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالْمَرْئِيِّ وَعِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَالِكٍ قَالَ هُوَ مَا أُرِيَ فِي طَرِيقِهِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَزَادَ عَنْ سُفْيَانَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَيْسَتْ رُؤْيَا مَنَامٍ وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى إِطْلَاقِ لَفْظِ الرُّؤْيَا عَلَى مَا يُرَى بِالْعَيْنِ فِي الْيَقَظَةِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْحَرِيرِيُّ تَبَعًا لِغَيْرِهِ وَقَالُوا إِنَّمَا يُقَالُ رُؤْيَا فِي الْمَنَامِ وَأَمَّا الَّتِي فِي الْيَقَظَةِ فَيُقَالُ رُؤْيَةٌ وَمِمَّنِ اسْتَعْمَلَ الرُّؤْيَا فِي الْيَقَظَةِ الْمُتَنَبِّي فِي قَوْلِهِ وَرُؤْيَاكَ أَحْلَى فِي الْعُيُونِ مِنَ الْغَمْضِ وَهَذَا التَّفْسِيرُ يَرُدُّ عَلَى مَنْ خَطَّأَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى الرُّؤْيَا تَقْدِيرُهُ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ (قَالَ هِيَ شجرة الزقوم) هذا هو الصحيح وذكره بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ بِضْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنَ التابعين وأما

الزَّقُّومُ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الدِّينَوَرِيُّ فِي كِتَابِ النَّبَاتِ الزَّقُّومُ شَجَرَةٌ غَبْرَاءُ تَنْبُتُ فِي السَّهْلِ صغير الْوَرَقِ مُدَوَّرَتُهُ لَا شَوْكَ لَهَا زَفْرَةٌ مُرَّةٌ ولها نور أبيض ضعيف تجرسه النحل ورؤوسها قِبَاحٌ جِدًّا وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ قَالَ الْمُشْرِكُونَ يُخْبِرُنَا مُحَمَّدٌ أَنَّ فِي النَّارِ شَجَرَةً وَالنَّارُ تَأْكُلُ الشَّجَرَةَ فَكَانَ ذَلِكَ فِتْنَةً لَهُمْ فَإِنْ قُلْتَ أَيْنَ لُعِنَتْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ فِي الْقُرْآنِ قُلْتُ لُعِنَتْ حَيْثُ لُعِنَ الْكُفَّارُ الَّذِينَ يَأْكُلُونَهَا لِأَنَّ الشَّجَرَةَ لَا ذَنْبَ لَهَا حَتَّى تُلْعَنَ وَإِنَّمَا وُصِفَتْ بِلَعْنِ أَصْحَابِهَا عَلَى الْمَجَازِ وَقِيلَ وَصَفَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِاللَّعْنِ لِأَنَّ اللَّعْنَ الْإِبْعَادُ مِنَ الرَّحْمَةِ وَهِيَ فِي أَصِلْ جَهَنَّمَ فِي أَبْعَدِ مَكَانٍ مِنَ الرَّحْمَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ والنسائي قوله (وقرآن الفجر) قَبْلَهُ (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الليل) فقوله وقرآن الفجر عَطْفٌ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْمُرَادُ مِنْ قُرْآنِ الْفَجْرِ صَلَاةُ الْفَجْرِ سُمِّيَتِ الصَّلَاةُ قُرْآنًا لِأَنَّهَا لَا تَجُوزُ إِلَّا بِالْقُرْآنِ (تَشْهَدُهُ) أَيْ تَحْضُرُ قُرْآنَ الفجر يعني صلاته قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ يَقُولُ تَبَارَكَ وتعالى لرسوله آمِرًا لَهُ بِإِقَامَةِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا أقم الصلاة لدلوك الشمس قيل لغروبها قاله بن مسعود ومجاهد وبن زَيْدٍ وَقَالَ هُشَيْمٌ عَنْ مُغِيرَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عن بن عباس دلوكها زوالها ورواه نافع عن بن عُمَرَ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن بن عُمَرَ وَقَالَهُ أَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَهُوَ رِوَايَةٌ أيضا عن بن مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٍ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَأَبُو جعفر الباقر وقتادة واختاره بن جَرِيرٍ وَمِمَّا اسْتَشْهَدَ عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ دَعَوْتُ رسول الله وَمَنْ شَاءَ مِنْ أَصْحَابِهِ فَطَعِمُوا عِنْدِي ثُمَّ خرجوا حين زالت الشمس فخرج النبي فَقَالَ اخْرُجْ يَا أَبَا بَكْرٍ فَهَذَا حِينَ دَلَكَتِ الشَّمْسُ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ دَخَلَ فِيهَا أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَمِنْ قَوْلِهِ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَهُوَ ظَلَامُهُ وقيل غُرُوبِ الشَّمْسِ أُخِذَ مِنْهُ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَقَوْلُهُ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ يَعْنِي صَلَاةَ الْفَجْرِ وقد بينت السنة عن رسول الله تَوَاتُرًا مِنْ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ تَفَاصِيلَ

هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عَلَى مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْإِسْلَامِ الْيَوْمَ مِمَّا تَلَقَّوْهُ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَوَاضِعِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والنسائي وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الْإِمَامُ الدَّارِمِيُّ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يونس) قوله (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ يُخْبِرُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَنَّهُ يُحَاسِبُ كُلَّ أُمَّةٍ بِإِمَامِهِمْ وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَقَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ أَيْ نَبِيِّهِمْ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط الْآيَةَ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ هَذَا أَكْبَرُ شَرَفٍ لأصحاب الحديث لأن إمامهم النبي وقال بن زَيْدٍ بِكِتَابِهِمُ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِمْ مِنَ التشريع واختاره بن جرير وروى عن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ بِكُتُبِهِمْ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ هَذَا وَأَنْ يَكُونَ أراد ما رواه العوفي عن بن عباس في قوله يوم ندعو كل أناس بإمامهم أَيْ بِكِتَابِ أَعْمَالِهِمْ وَكَذَا قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْأَرْجَحُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ وَقَالَ تَعَالَى وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مما فيه الْآيَةَ وَهَذَا لَا يُنَافِي أَنْ يُجَاءَ بِالنَّبِيِّ إِذَا حَكَمَ اللَّهُ بَيْنَ أُمَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا عَلَى أُمَّتِهِ بِأَعْمَالِهَا وَلَكِنَّ الْمُرَادَ هَا هُنَا بِالْإِمَامِ هُوَ كِتَابُ الأعمال ولهذا قال تعالى

يوم ندعو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فأولئك يقرؤون كتابهم إِلَخْ انْتَهَى قلتَ وَيُؤَيِّدُ الْقَوْلَ الْأَرْجَحَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا فَإِنَّهُ نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بِإِمَامِهِمْ كِتَابُ أَعْمَالِهِمْ (فَيُعْطَى كِتَابَهُ) أَيْ كِتَابَ أَعْمَالِهِ (وَيُمَدُّ لَهُ فِي جِسْمِهِ) أَيْ يُوَسَّعُ لَهُ فِيهِ (اللَّهُمَّ أَخْزِهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنَ الْإِخْزَاءِ بِمَعْنَى الْإِذْلَالِ وَالْإِهَانَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ بِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ إِلَّا أَنَّ شَيْخَهُ غَيْرُ شَيْخِهِ وَقَالَ لَا يُرْوَى إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ انْتَهَى وَفِي مُسْنَدِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ وَالِدُ السُّدِّيِّ وَهُوَ مَجْهُولُ الْحَالِ (وَالسُّدِّيُّ اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ أَبِي كَرِيمَةَ وَهُوَ السُّدِّيُّ الْكَبِيرُ قَوْلُهُ (عَسَى أَنْ يبعثك ربك مقاما محمودا) قال الحافظ بن كَثِيرٍ أَيِ افْعَلْ هَذَا الَّذِي أَمَرْتُكَ بِهِ لِنُقِيمَكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَقَامًا مَحْمُودًا يَحْمَدُكَ فِيهِ الخلائق كلهم وخالقهم تبارك وتعالى قال بن جَرِيرٍ قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ ذَلِكَ هُوَ المقام الذي يقومه محمد يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلشَّفَاعَةِ لِلنَّاسِ لِيُرِيحَهُمْ رَبُّهُمْ مِنْ عَظِيمِ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ شِدَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ انْتَهَى (وَسُئِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ (قَالَ هِيَ الشَّفَاعَةُ) أَيِ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي أَشْفَعُ فِيهِ وَتَأْنِيثُ الضَّمِيرِ لِتَأْنِيثِ الْخَبَرِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ قال هو المقام الذي أشفع لأمتي فيه قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مسنده وبن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ

قَوْلُهُ (وَدَاوُدُ الزَّعَافِرِيُّ) بِزَايٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُهْمَلَةٍ وَكَسْرِ فَاءٍ (هُوَ دَاوُدُ الْأَوْدِيُّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الواو وبالدال المهملة (بن يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْأَعْرَجُ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ (وَهُوَ عَمُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ) بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ قوله (حدثنا سفيان) هو بن عيينة (عن بن أَبِي نَجِيحٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَاسْمُ أَبِي نَجِيحٍ يَسَارٌ (وَعَنْ أَبِي مَعْمَرٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ قَوْلُهُ (ثَلَاثُمِائَةِ وَسِتُّونَ نُصُبًا) بِضَمِّ النُّونِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ تُسَكَّنُ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ هِيَ وَاحِدَةُ الْأَنْصَابِ وَهُوَ مَا يُنْصَبُ لِلْعِبَادَةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَقَعَ فِي رواية بن أبي شيبة عن بن عُيَيْنَةَ ضَمًّا بَدَلَ نَصْبًا وَيُطْلَقُ النُّصُبُ وَيُرَادُ بِهِ الْحِجَارَةُ الَّتِي كَانُوا يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا لِلْأَصْنَامِ وَلَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا وَتُطْلَقُ الْأَنْصَابُ عَلَى أَعْلَامِ الطَّرِيقِ وَلَيْسَتْ مُرَادَةً هُنَا وَلَا فِي الْآيَةِ (فجعل النبي يَطْعَنُهَا) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِفَتْحِهَا وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ (بِمِخْصَرَةٍ) كَمِكْنَسَةٍ مِمَّا يُتَوَكَّأُ عَلَيْهِ كَالْعَصَا وَنَحْوِهِ وَمَا يَأْخُذُهُ الْمَلِكُ يُشِيرُ بِهِ إِذَا خَاطَبَ وَالْخَطِيبُ إِذَا خَطَبَ (وَرُبَّمَا قَالَ بِعُودٍ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ يَطْعَنُ فِي عَيْنَيْهِ بسية القوس وفي حديث بن عمر عند الفاكهي وصححه بن حِبَّانَ فَيَسْقُطُ الصَّنَمُ وَلَا يَمَسُّهُ وَلِلْفَاكِهِيِّ وَالطَّبَرَانِيِّ من حديث بن عَبَّاسٍ فَلَمْ يَبْقَ وَثَنٌ اسْتَقْبَلَهُ إِلَّا سَقَطَ عَلَى قَفَاهُ مَعَ أَنَّهَا كَانَتْ ثَابِتَةً بِالْأَرْضِ وَقَدْ شَدَّ لَهُمْ إِبْلِيسُ أَقْدَامَهَا بِالرَّصَاصِ وَفَعَلَ النبي ذَلِكَ لِإِذْلَالِ الْأَصْنَامِ وَعَابِدِيهَا وَلِإِظْهَارِ أَنَّهَا لَا تَنْفَعُ وَلَا تَضُرُّ وَلَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا شَيْئًا كَذَا فِي الْفَتْحِ (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الباطل) أَيْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَبَطَلَ الْكُفْرُ (إِنَّ الْبَاطِلَ كان زهوقا) أي مضمحلا زائلا (جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد) أَيْ زَالَ الْبَاطِلُ وَهَلَكَ لِأَنَّ الْإِبْدَاءَ وَالْإِعَادَةَ مِنْ صِفَةِ الْحَيِّ فَعَدَمُهُمَا عِبَارَةٌ عَنِ الْهَلَاكِ وَالْمَعْنَى جَاءَ الْحَقُّ وَهَلَكَ الْبَاطِلُ وَقِيلَ الْبَاطِلُ الْأَصْنَامُ وَقِيلَ إِبْلِيسُ لِأَنَّهُ صَاحِبُ الْبَاطِلِ أَوْ لِأَنَّهُ هَالِكٌ كَمَا قِيلَ لَهُ الشَّيْطَانُ مِنْ شَاطَ إِذَا هَلَكَ أَيْ لَا يَخْلُقُ الشَّيْطَانُ ولا الصنم أحدا ولا يبعثه فالمنشىء وَالْبَاعِثُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لَا شَرِيكَ لَهُ وهذه الاية أعني جاء الحق وما يبدىء الباطل وما يعيد فِي سُورَةِ سَبَأٍ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قوله (وفيه عن بن عمر) أخرجه الفاكهي وصححه بن حِبَّانَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي عِبَارَةِ الْفَتْحِ قَوْلُهُ (حدثنا جرير) هو بن عَبْدِ الْحَمِيدِ (عَنْ أَبِيهِ) اسْمُهُ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدُبِ بْنِ الْحَارِثِ الْجَنْبِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثانية قوله (وقل ربي أدخلني) أي المدينة (مدخل صدق) أَيْ إِدْخَالًا مُرْضِيًا لَا أَرَى فِيهِ مَا أكره (وأخرجني) أي من مكة (مخرج صدق) أَيْ إِخْرَاجًا لَا أَلْتَفِتُ بِقَلْبِي إِلَيْهَا (وَاجْعَلْ لي من لدنك سلطانا نصيرا) أَيْ قُوَّةً تَنْصُرُنِي بِهَا عَلَى أَعْدَائِك قال الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّ كُفَّارَ أَهْلِ مَكَّةَ لَمَّا ائْتَمَرُوا بِرَسُولِ اللَّهِ لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يَطْرُدُوهُ أَوْ يُوثِقُوهُ فَأَرَادَ قِتَالَ أَهْلِ مَكَّةَ أَمَرَهُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَهُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ الْآيَةَ وَقَالَ قَتَادَةُ وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صدق يَعْنِي الْمَدِينَةَ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ يَعْنِي مَكَّةَ وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ وَقَالَ العوفي عن بن عَبَّاسٍ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ يَعْنِي الْمَوْتَ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ يَعْنِي الْحَيَاةَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَهُوَ اختيار بن جرير كذا في تفسير بن كَثِيرٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (نَسْأَلُ عَنْهٌ هَذَا الرَّجُلَ) أَيِ النبي (فَقَالَ سَلُوهُ) كَذَا فِي النُّسَخِ الحَاضِرَةِ عِنْدَنَا

بِلَفْظِ الوَاحِدِ وَنَقَلَ الْحَافِظُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْفَتْحِ عَنِ التِّرْمِذِيِّ وَفِيهِ فَقَالُوا بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مُسْنَدِهِ بِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ وَفِيهِ أَيْضًا فقالوا بصيغة الجمع (فأنزل الله تعالى يسألونك عن الروح) حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نزلت بمكة وفي حديث بن مَسْعُودٍ الْآتِي قَالَ كُنْتُ أَمْشِي مَعَ النَّبِيِّ فِي حَرْثٍ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى عَسِيبٍ فَمَرَّ بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ إِلَخْ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ صَحِيحِهِ وَفِيهِ بَيْنَا أنا أمشي مع النبي في حرث الْمَدِينَةِ إِلَخْ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بأن يتعدد النزول بحمل سكونه فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى تَوَقُّعِ مَزِيدِ بَيَانٍ فِي ذَلِكَ وَإِنْ سَاغَ هَذَا وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ قَالَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنْ حَقِيقَةِ الرُّوحِ الَّذِي فِي الْحَيَوَانِ وَقِيلَ عَنْ جِبْرِيلَ وَقِيلَ عَنْ عِيسَى وَقِيلَ عَنِ الْقُرْآنِ وَقِيلَ عَنْ خَلْقٍ عَظِيمٍ رُوحَانِيٍّ وقيل غير ذلك وجنح بن الْقَيِّمِ فِي كِتَابِ الرُّوحِ إِلَى تَرْجِيحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّوحِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا فِي الْآيَةِ مَا وَقَعَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ والملائكة صفا قَالَ وَأَمَّا أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ فَلَمْ يَقَعْ تَسْمِيَتُهَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا نَفْسًا كَذَا قَالَ وَلَا دَلَالَةَ فِي ذَلِكَ لِمَا رَجَّحَهُ بَلِ الرَّاجِحُ الْأَوَّلُ يَعْنِي رُوحَ الْإِنْسَانِ فَقَدْ أَخْرَجَ الطبري من طريق العوفي عن بن عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنَّهُمْ قَالُوا عَنِ الرُّوحِ وَكَيْفَ يُعَذَّبُ الرُّوحُ الَّذِي فِي الْجَسَدِ وَإِنَّمَا الرُّوحُ مِنَ اللَّهِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ هَذَا تَلْخُيصُ كَلْامِ الْحَافِظِ (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ ربي) قَالَ الْخَازِنُ تَكَلَّمَ قَوْمٌ فِي مَاهِيةِ الرُّوحِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الدَّمُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ لَا يَفُوتُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا الدَّمُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ نَفْسُ الْحَيَوَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَمُوتُ بِاحْتِبَاسِ النَّفْسِ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ عَرَضٌ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ جِسْمٌ لَطِيفٌ يحيى بِهِ الْإِنْسَانُ وَقِيلَ الرُّوحُ مَعْنًى اجْتَمَعَ فِيهِ النُّورُ وَالطِّبُ وَالْعِلْمُ وَاْلعُلُوُّ وَالْبَقَاءُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَوْجُودًا يَكُونُ الْإِنْسَانُ مَوْصُوفًا بِجَمِيعِ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ ذَهَبَ الْكُلُّ وَأَقَاوِيلُ الْحُكَمَاءِ وَالصُّوفِيةِ فِي مَاهِيةِ الرُّوحِ كَثِيرَةٌ وَأَوْلَى الْأَقَاوِيلِ أَنْ يُوكَلَ عِلْمُهُ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُطْلِعْ عَلَى الرُّوحِ مَلَكًا مُقَرَّبًا وَلَا نَبِيًّا مُرْسَلًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أمر ربي) أَيْ مِنْ عِلْمِ رَبِّي الَّذِي اسْتَأْثَرَ بِهِ (قالوا) أي لليهود (أُوتِينَا عِلْمًا كَبِيرًا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَثِيرًا مكان كبيرا (قل لو كان البحر) أَيْ مَاؤُهُ (مِدَادًا) هُوَ مَا يُكْتَبُ بِهِ (لِكَلِمَاتِ رَبِّي) الدَّالَّةِ عَلَى حُكْمِهِ وَعَجَائِبِهِ بِأَنْ تُكْتَبَ بِهِ (لَنَفِدَ الْبَحْرُ) فِي كِتَابَتِهَا وَبَقِيَّةُ الْآيَةِ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ (تَفْرُغُ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ) أَيِ الْبَحْرِ (مَدَدًا) أَيْ زِيَادَةً وَلَمْ تَفْرُغْ هِيِ وَنَصْبُهُ عَلَى التَّمْيِيزِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رِجَالُهُ رِجَالُ مُسْلِمٍ وَهُوَ عند بن إسحاق من وجه آخر عن بن عباس نحوه قوله (عن عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (فِي حَرْثٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الراء بعدها مثلثة (وهو يتوكأ) أي تعتمد (عَلَى عَسِيبٍ) بِمُهْمَلَتَيْنِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ بِوَزْنِ عَظِيمٍ وَهِيَ الْجَرِيدَةُ الَّتِي لَا خُوصَ فِيهَا وَوَقَعَ في رواية بن حبان ومعه جريدة قال بن فَارِسٍ الْعُسْبَانُ مِنَ النَّخْلِ كَالْقُضْبَانِ مِنْ غَيْرِهَا (بِنَفَرٍ مِنَ الْيَهُودِ) هَذَا اللَّفْظُ مَعْرِفَةٌ تَدْخُلُهُ اللَّامُ تَارَةً وَتَارَةً يَتَجَرَّدُ وَحَذَفُوا مِنْهُ يَاءَ النِّسْبَةِ فَفَرَّقُوا بَيْنَ مُفْرَدِهِ وَجَمْعِهِ كَمَا قَالُوا زِنْجٌ وَزِنْجِيٌّ (حَتَّى صَعِدَ الْوَحْيُ) أَيْ حَامِلُهُ (ثم قال الروح من أمر ربي

قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْمُخْتَارُ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنِ الرُّوحِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْحَيَاةِ وَأَنَّ الْجَوَابَ وَقَعَ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَبَيَانُهُ أَنَّ السُّؤَالَ عَنِ الرُّوحِ يَحْتَمِلُ عَنْ مَاهِيَّتِه وَهَلْ هِيَ مُتَحَيِّزَةٌ أَمْ لَا وَهَلْ هِيَ حَالَّةٌ فِي مُتَحَيِّزٍ أَمْ لَا وَهَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أو حادثة وهي تَبْقَى بَعْدَ انْفِصَالِهَا مِنَ الْجَسَدِ أَوْ تَفْنَى وَمَا حَقِيقَةُ تَعْذِيبِهَا وَتَنْعِيمِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُتَعَلِّقَاتِهَا قَالَ وَلَيْسَ فِي السُّؤَالِ مَا يُخَصِّصُ أَحَدَ هَذِهِ الْمَعَانِي إِلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُمْ سَأَلُوهُ عَنِ الْمَاهِيَّةِ وَهَلِ الرُّوحُ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ وَالْجَوَابُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا شَيْءٌ مَوْجُودٌ مُغَايِرٌ لِلطَّبَائِعِ وَالْأَخْلَاطِ وَتَرْكِيبُهَا فَهُوَ جَوْهَرٌ بَسِيطٌ مُجَرَّدٌ لَا يَحْدُثُ إِلَّا بِمُحْدِثٍ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى كُنْ فَكَأَنَّهُ قَالَ هِيَ مَوْجُودَةٌ مُحْدَثَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ وَتَكْوِينِهِ وَلَهَا تَأْثِيرٌ فِي إِفَادَةِ الْحَيَاةِ لِلْجَسَدِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعِلْمِ بِكَيْفِيَّتِهَا الْمَخْصُوصَةِ نَفْيُهُ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ مِنْ أَمْرِ رَبِّي الفعل كقوله وما أمر فرعون برشيد أَيْ فِعْلُهُ فيكون الْجَوَابُ الرُّوح مِنْ فِعْلِ رَبِّي إِنْ كَانَ السُّؤَالُ هَلْ هِيَ قَدِيمَةٌ أَوْ حَادِثَةٌ فَيَكُونُ الْجَوَابُ إِنَّهَا حَادِثَةٌ إِلَى أَنْ قَالَ وَقَدْ سَكَتَ السَّلَفُ عَنِ الْبَحْثِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالتَّعَمُّقِ فِيهَا انْتَهَى (وَمَا أوتيتم من العلم إلا قليلا) أي بِالنِّسْبَةِ إِلَى عِلْمِهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (عَنْ علي بن زيد) هو بن جَدْعَانَ (عَنْ أَوْسِ بْنِ خَالِدٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَوْسُ بْنُ أَبِي أَوْسٍ وَاسْمُ أَبِي أَوْسٍ خَالِدٌ الْحِجَازِيُّ يُكَنَّى أَبَا خَالِدٍ مَجْهُولٌ وَقِيلَ إِنَّهُ أَبُو الْجَوْزَاءِ فَإِنْ صَحَّ فَلَعَلَّ لَهُ كُنْيَتَيْنِ قَوْلُهُ (صِنْفًا مُشَاةً) بِضَمِّ الْمِيمِ جَمْعُ مَاشٍ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ خَلَطُوا صَالِحَ أَعْمَالِهِمْ بِسَيِّئِهَا (وَصِنْفًا رُكْبَانًا) أَيْ عَلَى النُّوقِ وَهُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَهُمُ السَّابِقُونَ الْكَامِلُونَ الْإِيمَانَ وَإِنَّمَا بَدَأَ بِالْمُشَاةِ جَبْرًا لِخَاطِرِهِمْ كَمَا قِيلَ في قوله تعالى فمنهم ظالم لنفسه وَفِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إناثا أَوْ لِأَنَّهُمُ الْمُحْتَاجُونَ إِلَى الْمَغْفِرَةِ أَوَّلًا أَوْ لِإِرَادَةِ التَّرَقِّي وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنْ قِيلَ لِمَ بَدَأَ بِالْمُشَاةِ بِالذِّكْرِ قَبْلَ أُولِي السَّابِقَةِ

قُلْنَا لِأَنَّهُمْ هُمُ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ (وَصِنْفًا عَلَى وُجُوهِهِمْ) أَيْ يَمْشُونَ عَلَيْهَا وَهُمُ الْكُفَّارُ (قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَمْشُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ) أَيْ وَالْعَادَةُ أَنْ يُمْشَى عَلَى الْأَرْجُلِ (قَالَ) إِنَّ الَّذِي أَمَشَاهُمْ عَلَى أَقْدَامِهِمْ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُمَشِّيهِمْ عَلَى وُجُوهِهِمْ يَعْنِي وَقَدْ أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما) وَإِخْبَارُهُ حَقٌّ وَوَعْدُهُ صِدْقٌ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شيء قدير فلا ينبغي أن يستعد مِثْلُ ذَلِكَ (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّهُمْ) أَيِ الْكُفَّارُ (يَتَّقُونَ) أَيْ يَحْتَرِزُونَ وَيَدْفَعُونَ (كُلَّ حَدَبٍ) أي مكان مرتفع (وشوكة) وَاحِدَةُ الشَّوْكِ وَهِيَ بِالْفَارِسِيَّةِ خَارَ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ اللَّهُ يَتَّقُونَ بِوُجُوهِهِمْ يُرِيدُ بِهِ بَيَانَ هَوَانِهِمْ وَاضْطِرَارِهِمْ إِلَى حَدٍّ جَعَلُوا وُجُوهَهُمْ مَكَانَ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلِ فِي التَّوَقِّي عَنْ مُؤْذِيَاتِ الطُّرُقِ وَالْمَشْيِ إِلَى الْمَقْصِدِ لَمَّا لَمْ يَجْعَلُوهَا سَاجِدَةً لِمَنْ خَلَقَهَا وَصَوَّرَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وأخرجه بن جرير وبن مَرْدَوَيْهِ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَقَدْ رَوَى وُهَيْبُ) بْنُ خَالِدٍ (عن بن طَاوُسٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ كَيْسَانُ بْنُ سَعِيدٍ قَوْلُهُ (إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ رِجَالًا) بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رَاجِلٍ بِمَعْنَى مَاشٍ (تُجَرُّونَ) عَلَى وُجُوهِكُمْ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْجَرِّ أَيْ تُسْحَبُونَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ شَأْنِ الْحَشْرِ مِنْ أَبْوَابِ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ تَخْرِيجُهُ

قَوْلُهُ (إِنَّ يَهُودِيَّيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اذْهَبْ بِنَا إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ قِبْلَةُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ مِنْ أَبْوَابِ الِاسْتِئْذَانِ وَالْأَدَبِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ) هُوَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) هُوَ جَعْفَرُ بْنُ إِيَاسٍ (وَهُشَيْمٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى شُعْبَةَ (قَالَ نَزَلَتْ) أَيْ هَذِهِ الْآيَةُ (سَبَّهُ الْمُشْرِكُونَ) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلْقُرْآنِ (وَمَنْ أَنْزَلَهُ) عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (وَمَنْ جاء بِهِ) أَيْ سَبُّوا الْقُرْآنَ وَاللَّهَ سُبْحَانَهُ وَجِبْرِيلَ (ولا تجهر بصلاتك) أَيْ لَا تُعْلِنْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ إِعْلَانًا شَدِيدًا فَيَسْمَعُكَ الْمُشْرِكُونَ (فَيُسَبَّ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِتَقْدِيرِ أَنْ بَعْدَ الْفَاءِ (الْقُرْآنُ) نَائِبُ الْفَاعِلِ (ولا تخافت بها) أَيْ لَا تَخْفِضْ صَوْتَكَ بِالْقِرَاءَةِ (بِأَنْ تُسْمِعَهُمْ حَتَّى يَأْخُذُوا عَنْكَ الْقُرْآنَ) يَعْنِيَ اقْرَأِ الْقُرْآنَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ أَصْحَابُكَ وَيَأْخُذُونَهُ عَنْكَ وَلَا يَسْمَعُهُ الْمُشْرِكُونَ فَيَسُبُّونَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عباس موصولا

قوله (ورسول الله مُخْتَفٍ بِمَكَّةَ) يَعْنِي فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ (لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ أَيْ بِقِرَاءَتِكَ) وَهُوَ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْكُلِّ وَإِرَادَةِ الْجُزْءِ (وَابْتَغِ) أَيِ اطْلُبْ (بين ذلك سبيلا) أَيْ طَرِيقًا وَسَطًا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ قَوْلُهُ (عن مسعر) هو بن كِدَامٍ (قَالَ لَا) أَيْ قَالَ حُذَيْفَةُ لَمْ يصل رسول الله فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقَوْلُهُ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أنه لم يبلغه أحاديث صلاته فِيهِ (قُلْتُ بَلَى) أَيْ قَدْ صَلَّى فِيهِ (يَا أَصْلَعُ) هُوَ الَّذِي انْحَسَرَ الشَّعْرُ عَنْ رَأْسِهِ قَالَهُ الْجَزَرِيُّ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الصَّلَعُ مُحَرَّكَةٌ انْحِسَارُ شَعْرِ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ لِنُقْصَانِ مَادَّةِ الشَّعْرِ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ وَقُصُورِهَا عَنْهَا وَاسْتِيلَاءِ الجفاف عَلَيْهَا (بِمَ تَقُولُ ذَلِكَ) أَيْ بِأَيِّ دَلِيلٍ تقول إنه صلى الله عليه وسلم فِيهِ (قُلْتُ بِالْقُرْآنِ) أَيْ أَقُولُ بِالْقُرْآنِ (بَيْنِي

وبينك القرآن) أي يحكم بَيْنِي وَبَيْنَكَ الْقُرْآنُ وَيَفْصِلُ (مَنِ احْتَجَّ بِالْقُرْآنِ فَقَدْ أَفْلَحَ) أَيْ فَازَ بِمَرَامِهِ (قَالَ سُفْيَانُ) أَيْ فِي بَيَانِ مُرَادِ حُذَيْفَةَ بِقَوْلِهِ أَفْلَحَ (يَقُولُ) أَيْ حُذَيْفَةُ يَعْنِي يُرِيدُ (قَدِ احْتَجَّ) أَيْ أَتَى بِالْحُجَّةِ الصَّحِيحَةِ (وَرُبَّمَا قَالَ) أَيْ سُفْيَانُ (قَدْ فَلَجَ) مِنَ الْفَلْجِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالْجِيمِ وَهُوَ الظَّفْرُ وَالْفَوْزُ وَفَلَجَ عَلَى خَصْمِهِ مِنْ بَابِ نَصَرَ كَذَا فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَفْلَحَ مِنْ بَابِ الْإِفْعَال وَهُوَ بِمَعْنَى الْفَلَجِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْفَلَجُ وَالظَّفْرُ وَالْفَوْزُ كَالْإِفْلَاجِ (فَقَالَ) أَيْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) يعني إذ أسرى به إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَدَخَلَهُ فالظاهر أَنَّهُ قَدْ صَلَّى فِيهِ (قَالَ) أَيْ حُذَيْفَةُ (أَفَتَرَاهُ صَلَّى فِيهِ) يَعْنِي فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَصْرِيحٌ لِصَلَاتِهِ (قُلْتُ لَا) يَعْنِي لَيْسَ فِيهَا تَصْرِيحٌ لَكِنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الْآيَةِ أَنَّهُ صَلَّى فِيهِ (قَالَ لَوْ صَلَّى فِيهِ لَكُتِبَتِ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ فِيهِ كَمَا كُتِبَتِ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) قَدْ أَجَابَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ عَنْ قَوْلِ حُذَيْفَةَ هَذَا فَقَالَ (وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَنَعُ التَّلَازُمَ فِي الصَّلَاةِ إِنْ كَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْفَرْضُ وَإِنْ أَرَادَ التَّشْرِيعَ فَنَلْتَزِمُهُ وَقَدْ شَرَعَ النبي الصَّلَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَرَنَهُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِهِ فِي شَدِّ الرِّحَالِ وَذَكَرَ فَضِيلَةَ الصَّلَاةِ فِيهِ فِي غَيْرِ مَا حَدِيثٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَأَوْثَقْتُ دَابَّتِي بِالْحَلَقَةِ الَّتِي كَانَتِ الْأَنْبِيَاءُ تَرْبِطُ بِهَا وَفِيهِ فَدَخَلْتُ أَنَا وَجِبْرِيلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا رَكْعَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ نَحْوَهُ وَزَادَ ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَعَرَفْتُ النَّبِيِّينَ مِنْ بَيْنِ قَائِمٍ وَرَاكِعٍ وَسَاجِدٍ ثُمَّ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ وَفِي حَدِيثِ بن مسعود عند مسلم وحانت الصلاة فأمتهم انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُخْتَصَرًا (بِدَابَّةٍ) هِيَ الْبُرَاقُ (طَوِيلَةِ الظَّهْرِ مَمْدُودَةٍ هَكَذَا) أَيْ أَشَارَ حُذَيْفَةُ لِطُولِ ظَهْرِهَا وَمَدَّ بِيَدِهِ (خَطْوُهُ) فِي الْقَامُوسِ خَطَا خَطْوًا مَشَى وَالْخُطْوَةُ وَيُفْتَحُ مَا بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ (مَدُّ بَصَرِهِ) أَيْ مُنْتَهَى بَصَرِهِ (فَمَا زَايَلَهَا ظَهْرُ الْبَرْقِ) أَيْ مَا فَارَقَ النَّبِيُّ وَجِبْرِيلُ ظَهْرَهُ فِي الْقَامُوسِ زَايَلَهُ مُزَايَلَةً وَزِيَالًا فَارَقَهُ انْتَهَى وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام كان راكبا مع النبي على

البراق وفي صحيح بن حبان من حديث بن مَسْعُودٍ أَنَّ جِبْرِيلَ حَمَلَهُ عَلَى الْبُرَاقِ رَدِيفًا لَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَرْثِ فِي مُسْنَدِهِ أُتِيَ بِالْبُرَاقِ فَرَكِبَ خَلْفَ جِبْرِيلَ فَسَارَ بِهِمَا فَهَذَا صَرِيحٌ فِي رُكُوبِهِ مَعَهُ فَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ رُكُوبَ جِبْرِيلَ مَعَ النَّبِيِّ عَلَى الْبُرَاقِ (ثُمَّ رَجَعَا عَوْدُهُمَا عَلَى بَدْئِهِمَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ رَجَعَ عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ وَعَوْدُهُ عَلَى بَدْئِهِ أَيْ لَمْ يَقْطَعْ ذَهَابَهُ حَتَّى وَصَلَهُ بِرُجُوعِهِ (وَيَتَحَدَّثُونَ أَنَّهُ رَبَطَهُ لِمَا لَيَفِرُّ مِنْهُ إِلَخْ) قَدْ أَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ قَوْلِ حُذَيْفَةَ هَذَا وَقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ فَقَالَ الْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي قال الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ الْبَيْهَقِيِّ هَذَا يَعْنِي مَنْ أَثْبَتَ رَبْطَ الْبُرَاقِ وَالصَّلَاةَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ مَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ عَلَى مَنْ نَفَى ذَلِكَ فَهُوَ أَوْلَى بِالْقَبُولِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ لما كان ليلة أسري به فأتى جبريل الصخرة التي ببيت المقدس فوضع أصبعه فيها فَخَرَقَهَا فَشَدَّ بِهَا الْبُرَاقَ وَنَحْوَهُ لِلتِّرْمِذِيِّ انْتَهَى وَقَوْلُهُ لِمَا يَعْنِي لِأَيِّ شَيْءٍ رَبَطَ الْبُرَاقَ ثُمَّ قَالَ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لِيَفِرَّ مِنْهُ أَيْ هَلْ رَبَطَهُ لِخَوْفِ فِرَارِهِ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا سَخَّرَهُ إِلَخْ يَعْنِي لَا يُمْكِنُ مِنْهُ الْفِرَارُ لِأَنَّهُ مُسَخَّرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا حَاجَةَ إِلَى رَبْطِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي نَضْرَةَ) اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قُطْنَةَ الْعَبْدِيُّ قَوْلُهُ (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ) قَالَهُ إِخْبَارًا عَمَّا أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْفَضْلِ وَالسُّؤْدُدِ وَتَحَدُّثًا بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُ وَإِعْلَامًا مِنْهُ لِأُمَّتِهِ لِيَكُونَ إِيمَانُهُمْ بِهِ عَلَى حَسْبِهِ وَمُوجِبِهِ وَلِهَذَا أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ (وَلَا فَخْرَ) أَيْ أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ الَّتِي نِلْتُهَا كَرَامَةً مِنَ اللَّهِ لَمْ أَنَلْهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِي وَلَا بَلَغْتُهَا بِقُوَّتِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أَفْتَخِرَ بِهَا قَالَهُ الْجَزَرِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا قَالَهُ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى

وأما بنعمه ربك فحدث وَثَانِيهِمَا أَنَّهُ مِنَ الْبَيَانِ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ تَبْلِيغُهُ إِلَى أُمَّتِهِ لِيَعْرِفُوهُ وَيَعْتَقِدُوهُ وَيَعْمَلُوا بِمُقْتَضَاهُ في توقيره كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ انْتَهَى (لِوَاءُ الْحَمْدِ) اللِّوَاءُ بِالْكَسْرِ وَبِالْمَدِّ الرَّايَةُ وَلَا يُمْسِكُهَا إِلَّا صَاحِبُ الْجَيْشِ قَالَهُ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ قال الطِّيبِيُّ لِوَاءُ الْحَمْدِ عِبَارَةٌ عَنِ الشُّهْرَةِ وانفراده بالحمد على رؤوس الْخَلَائِقِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِحَمْدِهِ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَقِيقَةً يُسَمَّى لِوَاءَ الْحَمْدِ وَقَالَ التُّورْبَشْتِيُّ لَا مَقَامَ مِنْ مَقَامَاتِ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَرْفَعُ وَأَعْلَى مِنْ مَقَامِ الْحَمْدِ وَدُونَهُ تَنْتَهِي سَائِرُ الْمَقَامَاتِ وَلَمَّا كَانَ نَبِيُّنَا سَيِّدَ الْمُرْسَلِينَ أَحْمَدَ الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أُعْطِيَ لِوَاءَ الْحَمْدِ لِيَأْوِيَ إِلَى لِوَائِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ وَإِلَيْهِ الإشارة بقوله آدَمُ وَمَنْ دُونَهُ تَحْتَ لِوَائِي انْتَهَى قُلْتُ حَمْلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ هُوَ الظَّاهِرُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إِلَى الْمَجَازِ مَعَ إِمْكَانِ الْحَقِيقَةِ (وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي) قَالَ الطِّيبِيُّ نَبِيٌّ نَكِرَةٌ وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَأُدْخِلَ عَلَيْهِ مِنَ الِاسْتِغْراقِيَّة فَيُفِيدُ استغراق الجنس وقوله آدم فمن إما أَوْ بَدَلٌ مِنْ مَحَلِّهِ وَمَنْ فِيهِ مَوْصُولَةٌ وَسِوَاهُ صِلَتُهُ وَصَحَّ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ وَأُوثِرَ الْفَاءُ التَّفْصِيلِيَّةُ فِي فَمَنْ سِوَاهُ عَلَى الْوَاوِ لِلتَّرْتِيبِ على منوال قولهم الْأَمْثَلَ فَالْأَمْثَلَ (وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ) أَيْ لِلْبَعْثِ فَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَيْهِ بَعْثًا فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ (فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلَاثَ فَزَعَاتٍ) قال الْقُرْطُبِيُّ كَأَنَّ ذَلِكَ يَقَعُ إِذَا جِيءَ بِجَهَنَّمَ فَإِذَا زَفَرَتْ فَزِعَ النَّاسُ حِينَئِذٍ وَجَثَوْا عَلَى رُكَبِهِمْ (إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا) يَعْنِي أَكْلَهُ مِنَ الشَّجَرَةِ وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا (أُهْبِطْتُ مِنْهُ) بِسَبَبِهِ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ ذَنْبًا (فَيَقُولُ إِنِّي دَعَوْتَ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ دَعْوَةً فَأُهْلِكُوا) وَفِي رِوَايَةٍ إِنِّي دَعَوْتُ بِدَعْوَةٍ أَغْرَقَتْ أَهْلَ الْأَرْضِ وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ قَوْلُهُ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ ديارا وفي رواية قال إنه لو كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُ بِهَا عَلَى قَوْمِي وَفِي رِوَايَةٍ وَيَذْكُرُ سُؤَالَ رَبِّهِ مَا لَيْسَ له به علم قال الحافظ ويجمع بينه اعْتَذَرَ بِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا نَهْيُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ أَنْ يَسْأَلَ مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ عِلْمٌ فَخَشِيَ أَنْ تَكُونَ شَفَاعَتُهُ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ مِنْ ذَلِكَ ثَانِيهِمَا أَنَّ لَهُ دَعْوَةً وَاحِدَةً مُحَقَّقَةَ الإجابة

وَقَدِ اسْتَوْفَاهَا بِدُعَائِهِ عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَخَشِيَ أَنْ يَطْلُبَ فَلَا يُجَابَ (فَيَقُولُ إِنِّي كَذَبْتُ ثَلَاثَ كِذْبَاتٍ) يَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْكِذْبَاتِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ الْحَقُّ أَنَّ الْكَلِمَاتِ الثَّلَاثَ إِنَّمَا هِيَ مِنْ مَعَارِيضِ الْكَلَامِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ صُورَتُهَا صُورَةَ الْكَذِبِ أَشْفَقَ مِنْهَا اسْتِصْغَارًا لِنَفْسِهِ عَنِ الشَّفَاعَةِ مَعَ وُقُوعِهَا لِأَنَّ مَنْ كَانَ أَعْرَفَ بِاَللَّهِ وَأَقْرَبَ إِلَيْهِ منزلة كان أعظم خوفا (إلا ما حل بِهَا) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ دَفَعَ وَجَادَلَ مِنَ الْمِحَالِ بِالْكَسْرِ وَهُوَ الْكَيْدُ وَقِيلَ الْمَكْرُ وَقِيلَ الْقُوَّةُ وَالشِّدَّةُ وَمِيمُهُ أَصْلِيَّةٌ وَرَجُلٌ مَحِلٌ أَيْ ذُو كَيْدٍ (فَيَقُولُ إِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ إِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ وَإِنْ يُغْفَرْ لِي الْيَوْمَ حَسْبِي (فَيَقُولُ إِنِّي عُبِدْتُ مِنْ دُونِ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ والنسائي من حديث بن عَبَّاسٍ إِنِّي اتُّخِذْتُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ وَنَحْوَهُ وَزَادَ وَإِنْ يُغْفَرْ لِيَ الْيَوْمَ حَسْبِي (قَالَ بن جَدْعَانَ قَالَ أَنَسٌ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ قَالَ فَآخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ فَأُقَعْقِعُهَا) أخذ بن جَدْعَانَ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ لَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَلِذَا صَرَّحَ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَيُقَالُ مَنْ هَذَا فَيُقَالُ مُحَمَّدٌ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ لَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ سُفْيَانُ بِقَوْلِهِ لَيْسَ عَنْ أَنَسٍ إِلَّا هَذِهِ الْكَلِمَةُ فَآخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ فَأُقَعْقِعُهَا (فَأُقَعْقِعُهَا) أَيْ أُحَرِّكُهَا لِتُصَوِّتَ وَالْقَعْقَعَةُ حِكَايَةُ حَرَكَةِ الشَّيْءِ يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ (فَيَقُولُونَ مَرْحَبًا) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ يُرَحِّبُونَ بِي (وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّفْعِيلِ أَيْ تُقْبَلَ شَفَاعَتُك قَوْلُهُ (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ فِي

باب ومن سورة الكهف

أَوَائِلِ الْمَنَاقِبِ مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أبي نضرة عن بن عباس الحديث بطوله) أخرجه أحمد 9 - (باب وَمِنْ سُورَةِ الْكَهْفِ) مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً (إِنَّ نَوْفًا) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الواو بعدها فاء هو بن فَضَالَةَ (الْبِكَالِيُّ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْكَافِ مُخَفَّفًا وَبَعْدَ الْأَلِفِ لَامٌ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي بِكَالِ بْنِ دَعْمِيِّ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفٍ بَطْنٌ من حمير ويقال إنه بن امرأة كعب الأحبار وقيل بن أَخِيهِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ صَدُوقٌ (يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ بِمُوسَى صَاحِبِ الْخَضِرِ) وفي رواية بن إِسْحَاقَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ قال كنت عند بن عَبَّاسٍ وَعِنْدَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَقَالَ بعضهم يا بن عَبَّاسٍ إِنَّ نَوْفًا يَزْعُمُ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ أَنَّ مُوسَى الَّذِي طَلَبَ الْعِلْمَ إِنَّمَا هُوَ موسى بن ميشا أي بن إفراثيم بن يوسف عليه السلام فقال بن عَبَّاسٍ أَسَمِعْتَ ذَلِكَ مِنْهُ يَا سَعِيدُ قُلْتُ نعم قال كذب نوف قال بن إسحاق في المبتدأ كان موسى بن ميشاقيل مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ نَبِيًّا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَيَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّهُ الَّذِي صَحِبَ الْخَضِرَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قَالَ كَذِبَ عَدُوُّ اللَّهِ) هَذَانِ اللَّفْظَانِ مَحْمُولَانِ عَلَى إِرَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي الزَّجْرِ وَالتَّنْفِيرِ عَنْ تَصْدِيقِ تِلْكَ الْمُقَابَلَةِ قَالَ بن التين لم يرد بن عَبَّاسٍ إِخْرَاجَ نَوْفٍ عَنْ وِلَايَةِ اللَّهِ وَلَكِنْ قلوب العلماء تتنفر إذا سَمِعَتْ غَيْرَ الْحَقِّ فَيُطْلِقُونَ أَمْثَالَ هَذَا الْكَلَامِ لِقَصْدِ الزَّجْرِ وَحَقِيقَتُهُ غَيْرُ مُرَادَةٍ (فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ) الْعَتْبُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى مَحْمُولٌ عَلَى ما

يَلِيقُ بِهِ لَا عَلَى مَعْنَاهُ الْعُرْفِيِّ فِي الْآدَمِيِّينَ كَنَظَائِرِهِ (أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ) اخْتُلِفَ فِي مَكَانِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ بَحْرُ فَارِسَ وَالرُّومِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَذَكَرَ الحافظ في الفتح أقوال مُخْتَلِفَةً فِيهِ ثُمَّ قَالَ هَذَا اخْتِلَافٌ شَدِيدٌ (أَيْ رَبِّ) أَصْلُهُ رَبِّي حُذِفَتْ يَاءُ الْمُتَكَلِّمِ لِلتَّخْفِيفِ اكْتِفَاءً بِالْكَسْرِ (فَكَيْفَ لِي بِهِ) أَيْ كَيْفَ الِالْتِقَاءُ لِي بِذَلِكَ الْعَبْدِ (أَحْمِلُ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ هُوَ زِنْبِيلٌ يَسَعُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَقِيلَ لَهُ تَزَوَّدْ حُوتًا مَالِحًا قال الْحَافِظُ يُسْتَفَادُ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْحُوتَ كَانَ مَيِّتًا لِأَنَّهُ لَا يُمَلَّحُ وَهُوَ حَيٌّ (فَهُوَ ثَمَّ) بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ظَرْفٌ بِمَعْنَى هُنَاكَ وَقَالَتِ النُّحَاةُ هُوَ اسْمٌ يُشَارُ بِهِ إِلَى الْمَكَانِ الْبَعِيدِ أَيْ فَذَلِكَ الْعَبْدُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ (فَتَاهُ) أَيْ صَاحِبُهُ (وَهُوَ يُوشَعُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ (بْنُ نُونٍ) مَصْرُوفٌ كَنُوحٍ وَيُوشَعُ بْنُ نُونٍ هَذَا مِنْ أَوْلَادِ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنَّمَا قَالَ فَتَاهُ لِأَنَّهُ كَانَ يَخْدُمُهُ وَيَتْبَعُهُ وَقِيلَ كَانَ يَأْخُذُ الْعِلْمَ عَنْهُ وَهُوَ الَّذِي قَامَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ مَوْتِ مُوسَى (حَتَّى إِذَا أَتَيَا الصَّخْرَةَ) أَيِ الَّتِي عِنْدَ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالصَّخْرَةُ فِي اللُّغَةِ الْحَجَرُ الْكَبِيرُ (فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جَرْيَةَ الْمَاءِ) أَيْ جَرَيَانَهُ (حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ) الطَّاقُ مَا عُطِفَ مِنَ الْأَبْنِيَةِ أَيْ جُعِلَ كَالْقَوْسِ مِنْ قَنْطَرَةٍ وَنَافِذَةٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمَاءِ فَجَعَلَ لَا يَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ مِثْلَ الْكَوَّةِ (وَكَانَ لِلْحُوتِ سربا) أي مسلكا ومذهبا يسرب ويذهب فِيهِ (وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا) أَيْ شَيْئًا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ (آتِنَا غَدَاءَنَا) أَيْ طَعَامَنَا وَزَادَنَا (نَصَبًا) أَيْ شِدَّةً وَتَعَبًا (لَمْ يَنْصَبْ) أَيْ لَمْ يَتْعَبْ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ

وفي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى النَّصَبَ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (إِذْ) ظَرْفٌ بِمَعْنَى حِينَ وَفِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ أَرَأَيْتَ مَا دَهَانِي إِذْ أَوَيْنَا إِلَخْ (ذَلِكَ) أَيْ فُقْدَانُ الْحُوتِ (مَا كُنَّا نَبْغِ) أَيْ هُوَ الَّذِي كَنا نَطْلُبُهُ لِأَنَّهُ عَلَامَةُ وُجْدَانِ الْمَقْصُودِ (فَارْتَدَّا) أَيْ رَجَعَا (عَلَى آثَارِهِمَا) أَيْ آثَارِ سَيْرِهِمَا (قَصَصًا) أَيْ يَقُصَّانِ قَصَصًا (يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا) قال فِي الْقَامُوسِ قَصَّ أَثَرَهُ قَصًّا وَقَصَصًا تَتَبَّعَهُ وَقَالَ فِيهِ (فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا) أَيْ رَجَعَا مِنَ الطَّرِيقِ الَّذِي سَلَكَاهُ يَقْتَصَّانِ الْأَثَرَ قَالَ سُفْيَانُ يَزْعُمُ نَاسٌ إِلَى قَوْلِهِ (فَلَمَّا قُطِرَ عَلَيْهِ الْمَاءُ عَاشَ) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ قال سفيان وفي حديث غير عمر وقال وَفِي أَصْلِ الصَّخْرَةِ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا الْحَيَاةُ لَا يُصِيبُ مِنْ مَائِهَا شَيْءٌ إِلَّا حَيِيَ فَأَصَابَ الْحُوتُ مِنْ مَاءِ تِلْكَ الْعَيْنِ قَالَ فَتَحَرَّكَ وَانْسَلَّ مِنَ الْمِكْتَلِ فَدَخَلَ الْبَحْرَ قال الْحَافِظُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَ سُفْيَانُ أَنَّهَا في حديث غير عمر وقد أخرجها بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُفْيَانَ مُدْرَجَةً فِي حَدِيثِ عَمْرٍو وَأَظُنُّ أَنَّ بن عُيَيْنَةَ أَخَذَ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ فَقَدْ أَخْرَجَ بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ قَالَ فَأَتَى عَلَى عَيْنٍ فِي الْبَحْرِ يُقَالُ لَهَا عَيْنُ الْحَيَاةِ فَلَمَّا أَصَابَ تِلْكَ الْعَيْنَ رَدَّ اللَّهُ رُوحَ الْحُوتِ إِلَيْهِ وَقَدْ أَنْكَرَ الدَّاوُدِيُّ فِيمَا حَكَاهُ بن التِّينِ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فَقَالَ لَا أَرَى هَذَا يَثْبُتُ فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَهُوَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ انْتَهَى وَقَوْلُهُ قَطَرَ عَلَيْهِ الْمَاءَ مِنَ الْقَطْرِ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ جكيدن وجكانيدان لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ (مُسَجًّى) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّسْجِيَةِ أَيْ مُغَطًّى (فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ (فَقَالَ أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ) قَالَ الْحَافِظُ هِيَ بِمَعْنَى أَيْنَ أَوْ كَيْفَ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ اسْتِبْعَادٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَهْلَ تِلْكَ الْأَرْضِ لَمْ يَكُونُوا إِذْ ذَاكَ مُسْلِمِينَ (فَقَالَ أَنَا مُوسَى) فِي

رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَنْ أَنْتَ قَالَ أَنَا مُوسَى (إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنَ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ) أَيْ لَا أَعْلَمُ جَمِيعَهُ (وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنَ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ) أَيْ لَا تَعْلَمُ جَمِيعَهُ وَتَقْدِيرُ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ لِأَنَّ الْخَضِرَ كَانَ يَعْرِفُ مِنَ الْحُكْمِ الظَّاهِرِ مالا غِنًى بِالْمُكَلَّفِ عَنْهُ وَمُوسَى كَانَ يَعْرِفُ مِنَ الْحُكْمِ الْبَاطِنِ مَا يَأْتِيهِ بِطَرِيقِ الْوَحْيِ (رَشَدًا) صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ عِلْمًا رَشَدًا أَيْ ذَا رَشَدٍ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ رَجُلٍ عَدْلٍ (إِنَّكَ لن تستطيع معي صبرا) كَذَا أُطْلِقَ بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِمْرَارِ النَّفْيِ لِمَا أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ مُوسَى لَا يَصْبِرُ عَلَى تَرْكِ الْإِنْكَارِ إِذَا رَأَى مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ لِأَنَّ ذَلِكَ شَأْنُ عِصْمَتِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْأَلْهُ مُوسَى عَنْ شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدِّيَانَةِ بَلْ مَشَى مَعَهُ لِيُشَاهِدَ مِنْهُ مَا اطَّلَعَ بِهِ عَلَى مَنْزِلَتِهِ فِي الْعِلْمِ الَّذِي اخْتُصَّ بِهِ (وَكَيْفَ تَصْبِرُ) اسْتِفْهَامٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ لِمَ قُلْتَ أَنِّي لَا أَصْبِرُ وَأَنَا سَأَصْبِرُ قَالَ كَيْفَ تَصْبِرُ (عَلَى مَا لم تحط به خبرا) أَيْ عِلْمًا (فَانْطَلَقَ الْخَضِرُ وَمُوسَى يَمْشِيَانِ) لَمْ يَذْكُرْ فَتَى مُوسَى وَهُوَ يُوشَعُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ غير مقصود بالأصالة (فكلما هم) أي أهل السفينة (بِغَيْرِ نَوْلٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَهُوَ الْأُجْرَةُ (فَنَزَعَهُ) أَيْ قَلَعَهُ (إِمْرًا) أَيْ مُنْكَرًا قَالَهُ مُجَاهِدٌ أَوْ عَظِيمًا قَالَهُ قَتَادَةُ (لَا تؤاخذني بما نسيت) كَلِمَةُ مَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَوْصُولَةً أَيْ بِاَلَّذِي نَسِيتُ وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ أَيْ نَسِيتُهُ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَصْدَرِيَّةً أَيْ بِنِسْيَانِي وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَكِرَةً بِمَعْنَى شَيْءٍ أَيْ بِشَيْءٍ نَسِيتُهُ (لَا تُرْهِقْنِي) أَيْ لَا تُكَلِّفْنِي (عُسْرًا) أَيْ مَشَقَّةً فِي صُحْبَتِي إِيَّاكَ أَيْ عَامِلْنِي فِيهَا بِالْعَفْوِ وَالْيُسْرِ (فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ فَاقْتَلَعَهُ) وَفِي رواية للبخاري

فَأَخَذَ غُلَامًا كَافِرًا ظَرِيفًا فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ بالسكين ويجمع بينهما بأنه ذبحه ثم اقتله رأسه (أقتلت نفسا ذكية) أَيْ طَاهِرَةً مِنَ الذُّنُوبِ (بِغَيْرِ نَفْسٍ) أَيْ بِغَيْرِ قِصَاصٍ لَكَ عَلَيْهَا (نُكْرًا) أَيْ مُنْكَرًا وعن قتادة وبن كَيْسَانَ النُّكْرُ أَشَدُّ وَأَعْظَمُ مِنَ الْإِمْرِ (وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى) أَيْ أَوْكَدُ مِنَ الْأُولَى حَيْثُ زَادَ كَلِمَةَ لَكَ (فَلَا تُصَاحِبْنِي) أَيْ فارقني (قد بلغت من لدني عذرا) أَيْ بَلَغْتَ إِلَى الْغَايَةِ الَّتِي تُعْذَرُ بِسَبَبِهَا فِي فِرَاقِي (حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ) قِيلَ الْأَيْلَةُ وَقِيلَ أَنْطَاكِيَّةُ وَقِيلَ أَذْرَبِيجَانُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ أَقْوَالًا عَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ هَذَا الِاخْتِلَافُ قَرِيبٌ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي الْمُرَادِ بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَشِدَّةُ الْمُبَايَنَةِ فِي ذَلِكَ تَقْتَضِي أَنْ لَا يَوْثُقَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا) أَيْ يُنْزِلُوهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأَضْيَافِ (فِيهَا) أَيْ فِي الْقَرْيَةِ (يُرِيدُ أَنْ ينقض) هذا عن الْمَجَازِ لِأَنَّ الْجِدَارَ لَا يَكُونُ لَهُ حَقِيقَةُ إرادة أي قرب ودنى مِنَ الِانْقِضَاضِ وَهُوَ السُّقُوطُ وَاسْتَدَلَّ الْأُصُولِيُّونَ بِهَذَا عَلَى وُجُودِ الْمَجَازِ فِي الْقُرْآنِ وَلَهُ نَظَائِرُ مَعْرُوفَةٌ (يَقُولُ مَائِلٌ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ (فَقَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ هَكَذَا أَيْ أَشَارَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ وَهُوَ مِنْ إِطْلَاقِ الْقَوْلِ عَلَى الْفِعْلِ وَهَذَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ كَثِيرٌ (قَوْمٌ) أَيْ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أو هم قوم (لاتخذت عليه أجرا) أَيْ أُجْرَةً وَجُعْلًا (قَالَ) أَيِ الْخَضِرُ لِمُوسَى (هَذَا فِرَاقُ) أَيْ وَقْتُ فِرَاقٍ (بَيْنِي وَبَيْنَكَ) فِيهِ إِضَافَةٌ بَيْنَ إِلَى غَيْرِ مُتَعَدِّدٍ سَوَّغَهَا تَكْرِيرُهُ بِالْعَطْفِ بِالْوَاوِ (سَأُنَبِّئُكَ) قَبْلَ فِرَاقِي (يَرْحَمُ الله موسى) إخبار ولكن والمراد مِنْهُ الْإِنْشَاءُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لَهُ بِالرَّحْمَةِ (الْأُولَى) صِفَةٌ مَوْصُوفُهَا مَحْذُوفٌ أَيِ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى (نِسْيَانًا) خَبَرُ كَانَتْ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ كَانَتِ الْأُولَى نِسْيَانًا وَالْوُسْطَى شَرْطًا وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا قَالَ الْعَيْنِيُّ قَوْلُهُ نِسْيَانًا حَيْثُ قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتَ وَشَرْطًا حَيْثُ قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا وَعَمْدًا حَيْثُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا (وَجَاءَ عُصْفُورٌ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ طَيْرٌ مَشْهُورٌ وَقِيلَ هُوَ الصُّرَدُ (عَلَى

حَرْفِ السَّفِينَةِ) أَيْ عَلَى طَرَفِهَا (مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ) لَفْظُ النَّقْصِ ليس له ظَاهِرِهِ لِأَنَّ عِلْمَ اللَّهِ لَا يَدْخُلُهُ النَّقْصُ فَقِيلَ مَعْنَاهُ لَمْ يَأْخُذْ وَهَذَا تَوْجِيهٌ حَسَنٌ وَيَكُونُ التَّشْبِيهُ وَاقِعًا عَلَى الْأَخْذِ لَا عَلَى الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَأَحْسَنُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعِلْمِ الْمَعْلُومُ بِدَلِيلِ دُخُولِ حَرْفِ التَّبْعِيضِ لِأَنَّ الْعِلْمَ الْقَائِمَ بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى صِفَةٌ قَائِمَةٌ لَا تَتَبَعَّضُ وَالْمَعْلُومُ هُوَ الَّذِي يَتَبَعَّضُ وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ الْمُرَادُ أَنَّ نَقْصَ الْعُصْفُورِ لَا يَنْقُصُ الْبَحْرَ بِهَذَا الْمَعْنَى وَهُوَ كَمَا قِيلَ وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ أَيْ لَيْسَ فِيهِمْ عَيْبٌ وَحَاصِلُهُ أَنَّ نَفْيَ النَّقْصِ أُطْلِقَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ وَقِيلَ إِلَّا بِمَعْنَى وَلَا أَيْ وَلَا كَنَقْرَةِ هذا العصفور وقد وقع في رواية بن جُرَيْجٍ بِلَفْظٍ أَحْسَنَ سِيَاقًا مِنْ هَذَا وَأَبْعَدَ إِشْكَالًا فَقَالَ مَا عِلْمِي وَعِلْمُكَ فِي جَنْبِ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا كَمَا أَخَذَ هَذَا الْعُصْفُورُ بِمِنْقَارِهِ مِنَ الْبَحْرِ وَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلَّفْظِ الَّذِي وَقَعَ هُنَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (يَقْرَأُ وَكَانَ أَمَامَهُمْ) وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ وَكَانَ وَرَاءَهُمْ (مَلِكٌ يَأْخُذُ كل سفينة صالحة) كذا كان يقرأ بن عَبَّاسٍ بِزِيَادَةِ صَالِحَةٍ بَعْدَ كُلَّ سَفِينَةٍ وَكَذَا كَانَ يَقْرَأُ أُبَيٌّ فَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَكَانَ أُبَيٌّ يَقْرَأُ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُفْيَانَ وكان بن مَسْعُودٍ يَقْرَأُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَحِيحَةٍ غَصْبًا (وَكَانَ يقرأ) أي بن عَبَّاسٍ (وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ كَافِرًا) وَالْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ فَوْقَ الْعَشَرَةِ وَمُسْلِمٌ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ وَالنَّسَائِيُّ (قَالَ أَبُو مُزَاحِمٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ) اسْمُهُ سباع بكسر السين المهملة بعدها

موحدة بن النَّضْرِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ (وَلَيْسَتْ لِي هِمَّةٌ) بِالْكَسْرِ وَيُفْتَحُ مَا هَمَّ بِهِ مِنْ أَمْرٍ لِيَفْعَلَ وَأُوِّلَ الْعَزْمُ وَالْعَزْمُ الْقَوِيُّ (إِلَّا أَنْ أَسْمَعَ مِنْ سُفْيَانَ يَذْكُرُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْخَبَرَ) أَيْ لَفْظَ حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا (حَتَّى سَمِعْتُهُ) أَيْ سُفْيَانَ (يَقُولُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَقَدْ كُنْتَ سَمِعْتَ هَذَا) أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ (مِنْ سُفْيَانَ قَبْلَ ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْخَبَرَ) أَيْ لَمْ يَذْكُرْ سُفْيَانُ لَفْظَ حَدَّثَنَا أَوْ أَخْبَرَنَا بَلْ ذَكَرَ لَفْظَ عَنْ أو اقل أو نحوهما وإنما لم يقنع بن الْمَدِينِيِّ عَلَى مَا سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ سُفْيَانَ بِغَيْرِ لَفْظِ الْخَبَرِ لِأَنَّهُ كَانَ يُدَلِّسُ وَإِنْ كَانَ تَدْلِيسُهُ مِنَ الثِّقَاتِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَبَّاسٍ) الشِّبَامِيُّ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ خَفِيفَةٍ نَزَلَ الْكُوفَةَ صَدُوقٌ يَتَشَيَّعُ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (طُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا) أَيْ خُلِقَ يَوْمَ خُلِقَ كَافِرًا يَعْنِي خُلِقَ عَلَى أَنَّهُ يَخْتَارُ الْكُفْرَ فَلَا يُنَافِي خَبَرَ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ إِذِ الْمُرَادُ بِالْفِطْرَةِ اسْتِعْدَادُ قَبُولِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ شَقِيًّا فِي جِبِلَّتِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وبن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى) هُوَ الْبَلْخِيُّ (إِنَّمَا سُمِّيَ الْخَضِرُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ أَوْ بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ ثَبَتَتْ بِهِمَا الرِّوَايَةُ وَبِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِ وَبِحَذْفِهِمَا قَالَهُ الْحَافِظُ (جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ) زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ بَعْدَ أن أخرجه الفروة الحشيش الأبيض وما

أشبهه قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بَعْدَ أَنْ رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ أَظُنُّ هَذَا تَفْسِيرًا مِنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ انْتَهَى وَجَزَمَ بِذَلِكَ عِيَاضٌ وَقَالَ الْحَرْبِيُّ الْفَرْوَةُ مِنَ الْأَرْضِ قِطْعَةٌ يَابِسَةٌ مِنْ حَشِيشٍ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وعن بن الْأَعْرَابِيِّ الْفَرْوَةُ أَرْضٌ بَيْضَاءُ لَيْسَ فِيهَا نَبَاتٌ وَبِهَذَا جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ (فَاهْتَزَّتْ) أَيْ تَحَرَّكَتِ الْفَرْوَةُ (خَضْرَاءَ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ أَوْ فَكَسْرٍ مُنَوَّنًا أَيْ نَبَاتًا أَخْضَرَ نَاعِمًا وَهُوَ إِمَّا تَمْيِيزٌ أَوْ حَالٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ خَضْرَاءُ عَلَى زِنَةِ حَمْرَاءَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري وغيره قَوْلُهُ (عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِذِكْرِ لَفْظِ حَدِيثٍ بَيْنَ عَنْ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَذْفِهِ وَكَذَلِكَ وقع في مسند أحمد وسنن بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (فِي السَّدِّ) أَيِ الَّذِي بَنَاهُ ذُو الْقَرْنَيْنِ (يَحْفِرُونَهُ) الضَّمِيرُ الْمَرْفُوعُ لِيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ وَالْمَنْصُوبُ لِلسَّدِّ (قَالَ الَّذِي عَلَيْهِمْ) أَيِ الَّذِي هُوَ أَمِيرٌ عَلَيْهِمْ (فَيُعِيدُهُ) أَيِ السَّدَّ الْمَخْرُوقَ (كَأَمْثَلِ مَا كَانَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَأَشَدِّ مَا كَانَ (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مُدَّتَهُمْ) وَفِي رواية بن مَاجَهْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ مُدَّتُهُمْ أَيِ الْمُدَّةُ التي قدرت لهم (واستثنى) أي قال إنشاء الله (قال) أي رسول الله (فيستقون المياه) وفي رواية بن مَاجَهْ فَيُنَشِّفُونَ الْمَاءَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَيَشْرَبُونَ مِيَاهَ الْأَرْضِ (وَيَفِرُّ النَّاسُ منهم) وفي رواية بن مَاجَهْ وَيَتَحَصَّنُ النَّاسُ مِنْهُمْ فِي حُصُونِهِمْ وَفِي حديث أبي سعيد عند بن مَاجَهْ وَيَنْحَازُ مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى تَصِيرَ بَقِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ فِي مَدَائِنِهِمْ وَحُصُونِهِمْ (فَتَرْجِعُ مُخَضَّبَةً بِالدِّمَاءِ) أَيْ فَتَرْجِعُ السِّهَامُ مَصْبُوغَةً بِالدِّمَاءِ إِلَيْهِمْ (وَعَلَوْنَا من في

السَّمَاءِ) أَيْ غَلَبْنَاهُمْ (قَسْوَةً وَعُلُوًّا) أَيْ يَقُولُونَ هَذَا الْقَوْلَ غِلْظَةً وَفَظَاظَةً وَتَكَبُّرًا (فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نَغَفًا) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ دُودٌ يَكُونُ فِي أُنُوفِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ جَمْعُ نَغَفَةٍ (فِي أَقْفَائِهِمْ) جَمْعُ قَفًا وَهُوَ وَرَاءَ الْعُنُقِ وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ فِي رِقَابِهِمْ (فيهلكون) وفي حديث أبي سعيد عند بن مَاجَهْ فَيَمُوتُونَ مَوْتَ الْجَرَادِ وَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسً وَاحِدَةٍ (إِنَّ دَوَابَّ الْأَرْضِ تَسْمَنُ) مِنَ السِّمَنِ ضِدُّ الْهُزَالِ (وَتَبْطَرُ) مِنَ الْبَطَرِ مُحَرَّكَةٌ النَّشَاطُ وَالْأَشَرُ (وَتَشْكَرُ) يُقَالُ شَكَرَتِ النَّاقَةُ امْتَلَأَ ضَرْعُهَا لَبَنًا وَالدَّابَّةُ سَمِنَتْ وَهَذِهِ الْأَفْعَالُ الثَّلَاثَةُ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ) أبو عثمان الْبَصْرِيُّ (قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي) هُوَ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ الْأَنْصَارِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثالثة (عن بن مِينَاءَ) اسْمُهُ زِيَادٌ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أَبُو سَعْدِ بْنُ أَبِي فَضَالَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْحَارِثِيُّ وَيُقَالُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ فَضَالَةَ بْنِ أَبِي فَضَالَةَ الْمَدَنِيِّ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَغْنَى الشُّرَكَاءِ إِلَخْ رَوَى عنه زياد بن ميناء ذكره بن سَعْدٍ فِي طَبَقَةِ أَهْلِ الْخَنْدَقِ قَوْلُهُ (لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) أَيْ لِيَجْزِيَهُمْ فِيهِ (لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ) أَيْ فِي وُقُوعِ ذَلِكَ الْيَوْمِ (أَحَدًا) مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولُ أَشْرَكَ أَيْ أَحَدًا غَيْرَ اللَّهِ (فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ) أَيْ هُوَ أَغْنَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ شُرَكَاءُ عَلَى فَرْضِ أَنَّ لَهُمْ غِنًى (عَنِ الشِّرْكِ) أَيْ عَمَّا يُشْرِكُونَ بِهِ مِمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ فِي قَصْدِ الْعَمَلِ وَالْمَعْنَى مَا يَقْبَلُ إِلَّا مَا كَانَ خَالِصًا لِوَجْهِهِ وَابْتِغَاءً لِمَرْضَاتِهِ فَاسْمُ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الشِّرْكُ

مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَوْرَدَهُ التِّرْمِذِيُّ هَا هُنَا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وبن ماجه وبن حبان في صحيحه والبيهقي قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ الْجَزَرِيُّ) الرَّسْعَنِيُّ أَبُو الْفَضْلِ وَيُقَالُ لَهُ الرَّاسِبِيُّ صَدُوقٌ حَافِظٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ) الثَّقَفِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ الدِّمَشْقِيُّ ثِقَةٌ وَكَانَ يُدَلِّسُ تَدْلِيسَ التَّسْوِيَةِ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ يُوسُفَ) الرَّحَبِيِّ (الصَّنْعَانِيُّ) صَنْعَاءُ دِمَشْقُ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (وَكَانَ تحته كنز لهما قَالَ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْكَنْزَ كَانَ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ فَقَالَ قَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ كَانَ تَحْتَهُ مَالٌ مَدْفُونٌ لَهُمَا وَهَذَا ظَاهِرُ السياق من الآية وهو اختيار بن جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ بن عَبَّاسٍ كَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ عِلْمٌ كَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَالَ مُجَاهِدٌ صُحُفٌ فِيهَا عِلْمٌ قُلْتُ لَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ عِكْرِمَةَ وَقَتَادَةَ هُوَ الظَّاهِرُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذَا وَفِي سَنَدِهِ يَزِيدُ بْنُ يُوسُفَ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالطَّبَرَانِيُّ والحاكم وصححه

باب ومن سورة مريم

20 - (باب وَمِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ) مَكِّيَّةٌ أَوْ إِلَّا سَجْدَتُهَا فَمَدَنِيَّةٌ أَوْ إِلَّا (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) آيَتَيْنِ فَمَدَنِيَّتَانِ وَهِيَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ آية قوله (حدثنا بن إِدْرِيسَ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (إِلَى نَجْرَانَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْيَمَنِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ نَجْرَانُ مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ فُتِحَ سَنَةَ عَشْرٍ سُمِّيَ بِنَجْرَانَ بْنِ زَيْدَانَ بْنِ سَبَأٍ وَمَوْضِعٌ بِالْبَحْرَيْنِ موضع بِحُورَانَ قُرْبِ دِمَشْقَ وَمَوْضِعٌ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَوَاسِطٍ انتهى (فقالوا) أي أهل نجران (ألستم تقرأون) أَيْ فِي الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ مَرْيَمَ (يَا أخت هارون) وَبَعْدَهُ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كانت أمك بغيا قال بن كَثِيرٍ أَيْ يَا شَبِيهَةَ هَارُونَ فِي الْعِبَادَةِ أَنْتِ مِنْ بَيْتٍ طَيِّبٍ طَاهِرٍ مَعْرُوفٍ بِالصَّلَاحِ وَالْعِبَادَةِ وَالزَّهَادَةِ فَكَيْفَ صَدَرَ هَذَا مِنْكِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَالسُّدِّيُّ قِيلَ لَهَا أُخْتُ هَارُونَ أَيْ أَخِي مُوسَى وَكَانَتْ مِنْ نَسْلِهِ كَمَا يُقَالُ لِلتَّمِيمِيِّ يَا أَخَا تَمِيمٍ وَالْمُضَرِيِّ يَا أَخَا مُضَرَ وَقِيلَ نُسِبَتْ إِلَى رَجُلٍ صَالِحٍ كَانَ فِيهِمُ اسْمُهُ هَارُونُ فَكَانَتْ تَتَأَسَّى بِهِ فِي الزَّهَادَةِ وَالْعِبَادَةِ انْتَهَى (وَقَدْ كَانَ بَيْنَ مُوسَى وَعِيسَى مَا كَانَ) أَيْ مِنْ طُولِ الزَّمَانِ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ مَرْيَمُ عَلَيْهَا السَّلَامُ أُخْتًا لِهَارُونَ أَخِي مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (أَلَّا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ حَرْفُ التَّحْضِيضِ أَيْ هَلَّا (أَخْبَرْتَهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنْبِيَائِهِمْ وَالصَّالِحِينَ قَبْلَهُمْ) يَعْنِي أَنَّ هَارُونَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (يَا أخت هارون) لَيْسَ هُوَ هَارُونَ النَّبِيَّ أَخَا مُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَلِ الْمُرَادُ بِهَارُونَ هَذَا رَجُلٌ آخَرُ مُسَمًّى بِهَارُونَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ أَوْلَادَهُمْ بأسماء الأنبياء والصالحين قبلهم قال بن جَرِيرٍ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي قِيلَ لَهَا يَا

أُخْتَ هَارُونَ وَمَنْ كَانَ هَارُونُ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ نَسَبُوا مَرْيَمَ إِلَى أنها أخته فقال بعضهم قيل لها هَارُونُ نِسْبَةً مِنْهُمْ لَهَا إِلَى الصَّلَاحِ لِأَنَّ أَهْلَ الصَّلَاحِ فِيهِمْ كَانُوا يُسَمَّوْنَ هَارُونَ وَلَيْسَ بِهَارُونَ أَخِي مُوسَى ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنِيَ به هارون أخو مُوسَى وَنُسِبَتْ مَرْيَمُ إِلَى أَنَّهَا أُخْتُهُ لِأَنَّهَا مِنْ وَلَدِهِ يُقَالُ لِلتَّمِيمِيِّ يَا أَخَا تَمِيمٍ وَلِلْمُضَرِيِّ يَا أَخَا مُضَرَ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ كَانَ ذَلِكَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَاسِقًا مُعْلِنَ الْفِسْقِ فَنَسَبُوهَا إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَعْنِي حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ هَذَا) وَإِنَّهَا نُسِبَتْ إِلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهَا انْتَهَى مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ) يَعْنِي خَوِّفْ يَا مُحَمَّدٌ الْخَلَائِقَ يَوْمَ الْحَسْرَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُسِيءَ يَتَحَسَّرُ هَلَّا أَحْسَنَ الْعَمَلَ وَالْمُحْسِنُ هَلَّا زَادَ فِي الْإِحْسَانِ (يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَأَنَّهُ كَبْشٌ أَمْلَحُ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ خُلُودِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ (حَتَّى يُوقَفَ عَلَى السُّورِ) أَيْ سُورِ الْأَعْرَافِ (فَيَشْرَئِبُّونَ) بِمُعْجَمَةٍ وَرَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ موحدة ثقيلة مضمومة من الأشريباب أي يمدون أعناقهم ويرفعون رؤوسهم للنظر (الحياة والبقاء) أي الخلود (فرحا محركة أَيْ سُرُورًا (فِيهَا) أَيْ فِي النَّارِ (تَرَحًا) بِفَتْحَتَيْنِ ضِدُّ الْفَرَحِ أَيْ هَمًّا وَحُزْنًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ والنسائي

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ بَهْرَامَ التميمي (حدثنا شيبان) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيُّ قَوْلُهُ (وَرَفَعْنَاهُ) أَيْ إِدْرِيسُ (مَكَانًا عَلِيًّا) وَهُوَ السَّمَاءُ الرَّابِعَةُ وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهَا مَكَانًا عَلِيًّا وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ غَيْرَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَرْفَعُ مَكَانًا مِنْهُ وَهَذَا الِاسْتِشْكَالُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ أَعْلَى مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَمْ يُرْفَعْ إِلَى السَّمَاءِ مَنْ هُوَ حَيٌّ غَيْرُهُ وَرُدَّ بِأَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَيْضًا قَدْ رُفِعَ وَهُوَ حَيٌّ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ الْحَافِظُ وَكَوْنُ إِدْرِيسَ رُفِعَ وَهُوَ حَيٌّ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ طَرِيقٍ مَرْفُوعَةٍ قَوِيَّةٍ (لَمَّا عُرِجَ بِي رَأَيْتُ إِدْرِيسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ) هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى إِدْرِيسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُطَوَّلًا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ بن مَرْدَوَيْهِ نَحْوَ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ وَهَمَّامٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَهَذَا عِنْدِي مُخْتَصَرٌ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ الطَّوِيلِ قَوْلُهُ (حدثنا عمر بن ذر) الهمداني المرهبي (عن أبيه) هو ذر بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُرْهِبِيُّ

الْهَمْدَانِيُّ قَوْلُهُ (مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا) أَيْ تَجِيئَنَا وَتَتَنَزَّلَ عَلَيْنَا (وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ ربك) أَيْ قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ قُلْ يَا جِبْرِيلُ مَا نَتَنَزَّلُ وَقْتًا غِبَّ وَقْتٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ عَلَى مَا تَقْتَضِيه حِكْمَتُهُ (لَهُ مَا بين أيدينا) أَيْ أَمَامَنَا مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ (وَمَا خَلْفَنَا) مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَتَمَامُ الْآيَةِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَيْ مَا يَكُونُ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَيْ لَهُ عِلْمُ ذَلِكَ جميعه وما كان ربك نسيا أَيْ نَاسِيًا يَعْنِي تَارِكًا لَكَ بِتَأْخِيرِ الْوَحْيِ عنك كذا في الجلالين وقال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ قِيلَ الْمُرَادُ بِمَا بَيْنَ أَيْدِينَا أَمْرُ الدُّنْيَا وَمَا خَلْفَنَا أَمْرُ الْآخِرَةِ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ مَا بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ هَذَا قَوْلُ أَبِي الْعَالِيَةِ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا وَالسُّدِّيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَقِيلَ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا مَا يُسْتَقْبَلُ مِنْ أَمْرِ الْآخِرَةِ وَمَا خَلْفَنَا أَيْ مَا مَضَى مِنَ الدُّنْيَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ أَيْ مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يُرْوَى نَحْوُهُ عن بن عباس وسعيد بن جبير والضحاك وقتادة وبن جريج والثوري واختاره بن جَرِيرٍ أَيْضًا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد البخاري وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ (عَنْ قَوْلِ اللَّهِ) وإن منكم إلا واردها قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْمُرَادِ بِالْوُرُودِ فِي الْآيَةِ فَقِيلَ هُوَ الدُّخُولُ روى عبد الرزاق عن بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَخْبَرَنِي مَنْ سمع من بن عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا الْوُرُودُ الدُّخُولُ لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا فَتَكُونُ عَلَى المؤمنين بردا وسلاما وروى الترمذي وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ سَمِعْتَ مُرَّةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ يَرُدُّونَهَا أَوْ يَلِجُونَهَا ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْوُرُودِ الْمَمَرُّ عَلَيْهَا رَوَاهُ

الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ وَسَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ وَمِنْ طَرِيقِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَزَادَ يَسْتَوُونَ كُلُّهُمْ عَلَى مَتْنِهَا ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ أَمْسِكِي أَصْحَابَكَ وَدَعِي أَصْحَابِي فَيَخْرُجُ الْمُؤْمِنُونَ نَدِيَّةً أَبْدَانُهُمْ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ أَصَحُّ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ مَنْ عَبَّرَ بِالدُّخُولِ تَجُوزُ بِهِ عَنِ الْمُرُورِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَارَّ عَلَيْهَا فَوْقَ الصِّرَاطِ فِي مَعْنَى مَنْ دَخَلَهَا لَكِنْ تَخْتَلِفُ أَحْوَالُ الْمَارَّةِ بِاخْتِلَافِ أَعْمَالِهِمْ فَأَعْلَاهُمْ دَرَجَةً مَنْ يَمُرُّ كَلَمْحِ الْبَرْقِ وَيُؤَيِّدُ صِحَّةَ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ مُبَشِّرٍ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَالَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ النَّارُ أَلَيْسَ يَقُولُ اللَّهُ ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا الْآيَةَ وَفِي هَذَا بَيَانُ ضَعْفِ قَوْلِ مَنْ قَالَ الْوُرُودُ مُخْتَصٌّ بِالْكُفَّارِ وَمَنْ قَالَ مَعْنَى الْوُرُودِ الدُّنُوُّ مِنْهَا وَمَنْ قَالَ مَعْنَاهُ الْإِشْرَافُ عَلَيْهَا وَمَنْ قَالَ مَعْنَى وُرُودِهَا مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْحُمَّى عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ لَيْسَ بِبَعِيدٍ وَلَا يُنَافِيه بَقِيَّةُ الْأَحَادِيثِ انْتَهَى (يَرِدُ النَّاسُ النَّارَ) يَرِدُ عَلَى وَزْنِ يَعِدُ مُضَارِعٌ مِنَ الْوُرُودِ بِمَعْنَى الْحُضُورِ يُقَالُ وَرَدْتَ مَاءَ كَذَا أَيْ حَضَرْته وَإِنَّمَا سَمَّاهُ وُرُودًا لِأَنَّ الْمَارَّةَ عَلَى الصِّرَاطِ يُشَاهِدُونَ النَّارَ وَيَحْضُرُونَهَا قال التُّورْبَشْتِيُّ الْوُرُودُ لُغَةً قَصْدُ الْمَاءِ ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِهِ وَالْمُرَادُ مِنْهُ هَا هُنَا الْجَوَازُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ (ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا) بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ يَنْصَرِفُونَ عَنْهَا فإن الصدر إِذَا عُدِّيَ بِعَنِ اقْتَضَى الِانْصِرَافَ وَهَذَا عَلَى الِاتِّسَاعِ وَمَعْنَاهُ النَّجَاةُ إِذْ لَيْسَ هُنَاكَ انْصِرَافٌ وَإِنَّمَا هُوَ الْمُرُورُ عَلَيْهَا فَوَضَعَ الصَّدْرَ مَوْضِعَ النَّجَاةِ لِلْمُنَاسَبَةِ الَّتِي بَيْنَ الصُّدُورِ وَالْوُرُودِ قَالَ الطِّيبِيُّ ثُمَّ فِي ثُمَّ يَصْدُرُونَ مِثْلُهَا فِي قوله تعالى ثم ننجى الذين اتقوا فِي أَنَّهَا لِلتَّرَاخِي فِي الرُّتْبَةِ لَا الزَّمَانِ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى التَّفَاوُتَ بَيْنَ وُرُودِ النَّاسِ النَّارَ وَبَيْنَ نَجَاةِ الْمُتَّقِينَ مِنْهَا فَكَذَلِكَ بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّفَاوُتَ بَيْنَ وُرُودِ النَّاسِ النَّارَ وَبَيْنَ صُدُورِهِمْ مِنْهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصُّدُورِ الِانْصِرَافُ انْتَهَى قَالَ القارىء الْحَاصِلُ أَنَّ الْخَلْقَ بَعْدَ شُرُوعِهِمْ فِي الْوُرُودِ يَتَخَلَّصُونَ مِنْ خَوْفِ النَّارِ وَمُشَاهَدَةِ رُؤْيَتِهَا وَمُلَاصَقَةِ لَهَبِهَا وَدُخَانِهَا وَتَعَلُّقِ شَوْكِهَا وَأَمْثَالِهَا عَلَى مَرَاتِبَ شَتَّى فِي سُرْعَةِ الْمُجَاوَزَةِ وَإِبْطَائِهَا (بِأَعْمَالِهِمْ) أَيْ بِحَسْبِ مَرَاتِبِ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ (فَأَوَّلُهُمْ) أَيْ أَسْبَقُهُمْ (كَلَمْحِ الْبَرْقِ) أَيْ كَسُرْعَةِ مُرُورَةِ (ثُمَّ كَحُضْرِ الْفَرَسِ) أَيْ جَرْيِهِ وَهُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْعَدْوُ الشَّدِيدُ (ثُمَّ كَالرَّاكِبِ فِي رَحْلِهِ) أَيْ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَعَدَّاهُ بِفِي لِتَمَكُّنِهِ مِنَ السَّيْرِ كَذَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَقِيلَ أَرَادَ

الرَّاكِبَ فِي مَنْزِلِهِ وَمَأْوَاهُ فَإِنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ السَّيْرُ وَالسُّرْعَةُ أَشَدَّ (ثُمَّ كَشَدِّ الرَّجُلِ) أَيْ عَدْوِهِ (ثُمَّ كَمَشْيِهِ) أَيْ كَمَشْيِ الرَّجُلِ عَلَى هَيْئَتِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وصححه والبيهقي والدارمي وبن أبي حاتم قوله (حدثنا عبد الرحمن) هو بن مَهْدِيٍّ قَوْلُهُ (وَلَكِنِّي أَدْعُهُ عَمْدًا) أَيْ أَتْرُكُهُ يَعْنِي أَتْرُكُ رِوَايَتَهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ التَّرْكِ فَلْيُتَأَمَّلْ تَنْبِيهٌ ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي فَائِدَةِ دُخُولِ الْمُؤْمِنَينَ النَّارَ وُجُوهًا أَحَدُهَا أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يَزِيدُهُمْ سُرُورًا إِذَا عَلِمُوا الخلاص منه وثانيها أن فيه مزيدهم عَلَى أَهْلِ النَّارِ حَيْثُ يَرَوْنَ الْمُؤْمِنَينَ يَتَخَلَّصُونَ مِنْهَا وَهُمْ بَاقُونَ فِيهَا وَثَالِثُهَا أَنَّهُمْ إِذَا شَاهَدُوا ذَلِكَ الْعَذَابَ عَلَى الْكُفَّارِ صَارَ ذَلِكَ سَبَبًا لِمَزِيدِ الْتِذَاذِهِمْ بِنَعِيمِ الْجَنَّةِ وَلَا نَقُولُ صَرِيحًا إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ يَدْخُلُونَ النَّارَ أَدَبًا مَعَهُمْ وَلَكِنْ نَقُولُ إِنَّ الْخَلْقَ جَمِيعًا يَرِدُونَهَا كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ الْبَابِ فَالْعُصَاةُ يَدْخُلُونَهَا بِجَرَائِمِهِمْ وَالْأَوْلِيَاءُ وَالسُّعَدَاءُ يَدْخُلُونَهَا لِشَفَاعَتِهِمْ فَبَيْنَ الدَّاخِلِينَ بَوْنٌ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ

قوله (إذا أحب الله عبدا نادى جبرائيل) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ إِنِّي قَدْ أَحْبَبْتُ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ أَمْرٌ مِنَ الْإِحْبَابِ أَيْ أَحِبَّهُ أَنْتَ أَيْضًا قال النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ هِيَ إِرَادَتُهُ الْخَيْرَ لَهُ وَهِدَايَتُهُ وَإِنْعَامُهُ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُهُ وَبُغْضُهُ إرادة عقابه أو شقاوته ونحوه وحب جبرائيل وَالْمَلَائِكَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا اسْتِغْفَارُهُمْ لَهُ وَثَنَاؤُهُمْ عَلَيْهِ وَدُعَاؤُهُمْ وَالثَّانِي أَنَّ مَحَبَّتَهُمْ عَلَى ظَاهِرِهَا الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ وَهُوَ مَيْلُ الْقَلْبِ إِلَيْهِ وَاشْتِيَاقٌ إِلَى لِقَائِهِ وَسَبَبُ حُبِّهِمْ إِيَّاهُ كَوْنُهُ مُطِيعًا لِلَّهِ تَعَالَى مَحْبُوبًا لَهُ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ بَيَانُ سَبَبِ هَذِهِ الْمَحَبَّةِ وَالْمُرَادِ بِهَا فَفِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ أَنَّ الْعَبْدَ لَيَلْتَمِسُ مَرْضَاةَ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَقُولَ يَا جِبْرِيلُ إِنَّ عَبْدِي فُلَانًا يَلْتَمِسُ أَنْ يُرْضِيَنِي أَلَا وَإِنَّ رَحْمَتِي غَلَبَتْ عَلَيْهِ الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والطبراني ويشهد له حديث أبي هريرة الاني فِي الرِّقَاقِ فَفِيهِ وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ الْحَدِيثَ انْتَهَى (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (فينادي) أي جبرائيل (في السماء) وفي حَدِيثِ ثَوْبَانَ أَهْلَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ (ثُمَّ تَنْزِلُ لَهُ الْمَحَبَّةُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَيِ الْحُبُّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ وَرِضَاهُمْ عَنْهُ تَمِيلُ إِلَيْهِ الْقُلُوبُ وَتَرْضَى عَنْهُ (فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا) قال بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ يَغْرِسُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنَينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ وَهِيَ الْأَعْمَالُ الَّتِي تُرْضِي اللَّهَ لِمُتَابَعَتِهَا الشَّرِيعَةَ الْمُحَمَّدِيَّةَ يَغْرِسُ لَهُمْ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ مَحَبَّةً وَمَوَدَّةً وَهَذَا أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَا مَحِيدَ عَنْهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والشيخان

قوله (حدثنا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ أَبِي الضُّحَى) هُوَ مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ قَوْلُهُ (جِئْتُ الْعَاصَ) بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِهَا أَجَوْفًا وَنَاقِصًا قَالَهُ الْكَرْمَانِيُّ (بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ) هُوَ وَالِدُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ وَكَانَ لَهُ قَدْرٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَلَمْ يُوَفَّقْ لِلْإِسْلَامِ (أَتَقَاضَاهُ حَقًّا لِي عِنْدَهُ) وفي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ كُنْتَ قَيِّنًا بِمَكَّةَ فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ سَيْفًا فَجِئْتُ أَتَقَاضَاهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فَاجْتَمَعَتْ لِي عِنْدَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَرَاهِمَ (فَقُلْتُ لَا) أَيْ لَا أَكْفُرُ (حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ) مَفْهُومُهُ أَنَّهُ يَكْفُرُ حِينَئِذٍ لَكِنَّهُ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْكُفْرَ حِينَئِذٍ لَا يُتَصَوَّرُ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أكفر أبدا والنكتة في تعبيره بالبعث تعيير الْعَاصِ بِأَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ بِهِ (أَفَرَأَيْتَ) لَمَّا كَانَ مُشَاهَدَةُ الْأَشْيَاءِ وَرُؤْيَتُهَا طَرِيقًا إِلَى الْإِحَاطَةِ بِهَا عِلْمًا وَإِلَى صِحَّةِ الْخَبَرِ عَنْهَا اسْتَعْمَلُوا أرأيت فِي مَعْنَى أَخْبِرْ وَالْفَاءُ جَاءَتْ لِإِفَادَةِ مَعْنَاهَا الَّذِي هُوَ التَّعْقِيبُ كَأَنَّهُ قَالَ أَخْبِرْ أَيْضًا بِقِصَّةِ هَذَا الْكَافِرِ وَاذْكُرْ حَدِيثَهُ عَقِيبَ حَدِيثِ أُولَئِكَ وَالْفَاءُ بَعْدَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ عَاطِفَةٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ أَنَظَرْتَ فَرَأَيْتَ (الَّذِي كَفَرَ) يَعْنِي الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ (بِآيَاتِنَا) أَيْ بِالْقُرْآنِ (وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ) أَيْ لَأُعْطَيَنَّ (مَالًا وَوَلَدًا) يَعْنِي فِي الْجَنَّةِ بَعْدَ الْبَعْثِ وَبَعْدَهُ (أَطَّلَعَ الْغَيْبَ) أَيْ أعلمه وأن يُؤْتَى مَا قَالَهُ وَاسْتَغْنَى بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ عَنْ همزة الوصل فخذفت أم اتخذ عند الرحمن عهدا بِأَنْ يُؤْتَى مَا قَالَهُ (كَلَّا) أَيْ لَا يُؤْتَى ذَلِكَ (سَنَكْتُبُ) فَأَمَرَ بِكَتْبِ مَا يَقُولُ ونمد له من العذاب مدا أَيْ نَزِيدُهُ بِذَلِكَ عَذَابًا فَوْقَ عَذَابِ كُفْرِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ

باب ومن سورة طه

21 - (باب وَمِنْ سُورَةِ طه) مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَخَمْسٌ وَثَلَاثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ أَوْ وَثِنْتَانِ آيَةً قَوْلُهُ (لَمَّا قَفَلَ) أَيْ رَجَعَ مِنَ الْقُفُولِ (مِنْ خَيْبَرَ) أَيْ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَكَانَتْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ فِي الْمُحَرَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ أَقَامَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُحَاصِرُهَا بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً عَشْرَةً إِلَى أَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَهِيَ مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَبْرَادٍ (أَسْرَى لَيْلَةً) أَيْ سَارَ لَيْلَةً (حَتَّى أَدْرَكَهُ الْكَرَى) بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ النُّعَاسُ وَقِيلَ النَّوْمُ (أَنَاخَ) يُقَالُ أَنَخْتُ الْجَمَلَ فَاسْتَنَاخَ أَيْ أَبَرَكْتُهُ فَبَرَكَ (فَعَرَّسَ) مِنَ التَّعْرِيسِ أَيْ نَزَلَ آخِرَ اللَّيْلِ لِلِاسْتِرَاحَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ التَّعْرِيسُ نُزُولُ الْمُسَافِرِينَ آخِرَ اللَّيْلِ لِلنَّوْمِ وَالِاسْتِرَاحَةِ هَكَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ هُوَ النُّزُولُ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَفِي الْحَدِيثِ مُعَرِّسُونَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ (أَكْلَأُ) بِهَمْزٍ آخِرُهُ أَيْ أُرَاقِبُ وَأَحْفَظُ وَأَحْرُسُ وَمَصْدَرُهُ الْكِلَاءُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَالْمَدِّ (لَنَا اللَّيْلَةَ أَيْ آخِرَهَا لِإِدْرَاكِ الصُّبْحِ فَصَلَّى بِلَالٌ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَصَلَّى بِلَالٌ مَا قُدِّرَ لَهُ (ثُمَّ تَسَانَدَ إِلَى رَاحِلَتِهِ) أَيِ اسْتَنَدَ إِلَيْهَا (مُسْتَقْبِلَ الْفَجْرِ) أَيْ لِيَرْقُبَهُ حَتَّى يُوقِظَهُمْ عَقِبَ طُلُوعِهِ (فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا عِبَارَةٌ عَنِ النَّوْمِ كَأَنَّ عَيْنَيْهِ غَالَبَتَاهُ فَغَلَبَتَاهُ عَلَى النَّوْمِ انْتَهَى وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ نَامَ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ (فَقَالَ أَيْ بِلَالٌ) وَالْعِتَابُ مَحْذُوفٌ أَوْ مُقَدَّرٌ أَيْ لِمَ نِمْتَ حَتَّى فَاتَتْنَا الصَّلَاةُ (فَقَالَ بِلَالٌ) أَيْ مُعْتَذِرًا (أَخَذَ بِنَفْسِي الَّذِي أَخَذَ بِنَفْسِكَ) يَعْنِي غَلَبَ عَلَى نَفْسِي مَا غَلَبَ عَلَى نَفْسِكَ مِنَ النَّوْمِ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَادُوا) أَمْرٌ مِنَ الِاقْتِيَادِ يُقَالُ قَادَ الْبَعِيرَ وَاقْتَادَهُ إِذَا جَرَّ حَبْلَهُ أَيْ سُوقُوا رَوَاحِلَكُمْ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِي رِوَايَةٍ لمسلم فقال

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ فَإِنَّ هَذَا مَنْزِلٌ حَضَرَنَا فيه الشيطان (ثم أناخ) أي بعد ما اقْتَادُوا (فَأَقَامَ الصَّلَاةَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصَّلَاةَ (ثُمَّ صَلَّى) أَيْ بِهِمُ الصُّبْحَ (مِثْلَ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ فِي تَمَكُّثٍ) أَيْ غَيْرَ مُسْتَعْجِلٍ (ثُمَّ قَالَ) أَيْ قَرَأَ (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) أَيْ لِتَذْكُرَنِي فِيهَا وَقِيلَ لِذِكْرِي خَاصَّةً لَا تَشُوبُهُ بِذِكْرِ غَيْرِي وقيل الإخلاص ذِكْرِي وَطَلَبِ وَجْهِي وَلَا تُرَائِي فِيهَا وَلَا تَقْصِدْ بِهَا غَرَضًا آخَرَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِذَا تَرَكْتَ صَلَاةً ثُمَّ ذَكَرْتهَا فَأَقِمْهَا كَذَا فِي الْخَازِنِ قُلْتُ يُؤَيِّدُ الْمَعْنَى الْأَخِيرَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوعًا إِذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ الله عز وجل يقول أقم الصلاة لذكرى رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ نَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الصَّلَاةِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا يُدْرِكُ الْحِسِّيَّاتِ الْمُتَعَلِّقَةَ بِهِ كَالْحَدَثِ وَالْأَلَمِ وَنَحْوِهِمَا وَلَا يُدْرِكُ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَغَيْرَهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَإِنَّمَا يُدْرَكُ ذَلِكَ بِالْعَيْنِ وَالْعَيْنُ نَائِمَةٌ وَإِنْ كَانَ الْقَلْبُ يَقْظَانَ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَانَ لَهُ حَالَانِ أَحَدُهُمَا يَنَامُ فِيهِ الْقَلْبُ وَصَادَفَ هَذَا الْمَوْضِعَ وَالثَّانِي لَا يَنَامُ وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ مِنْ أَحْوَالِهِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرَ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِهِ بَلْ تَابَعَهُ يُونُسُ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بن يحيى التجيبي قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَفَلَ مِنْ غَزْوَةِ خَيْبَرَ الْحَدِيثَ وَتَابَعَهُ أَيْضًا مَعْمَرٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَصَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ هَذَا

هُوَ الْيَمَامِيُّ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ نَزَلَ الْبَصْرَةَ ضَعِيفٌ يُعْتَبَرُ بِهِ مِنَ السَّابِعَةِ

باب ومن سورة الأنبياء

2 - (باب وَمِنْ سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ) مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَإِحْدَى أَوِ اثْنَتَا عَشْرَةَ آيَةً [3164] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُوسَى بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شُيُوخِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَلَا فِي أصحاب بن لَهِيعَةَ مَنِ اسْمُهُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُوسَى وَلِأَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَدْ أَخْرَجَ فِي بَابِ صِفَةِ قَعْرِ جَهَنَّمَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعَّدُ فِيهِ الْكَافِرُ سَبْعِينَ خَرِيفًا وَيَهْوِي فِيهِ كَذَلِكَ أَبَدًا بِعَيْنِ هَذَا السَّنَدِ وَفِيهِ الحسن بن موسى بالتكبير قوله الويل وَادٍ أَيِ اسْمُ وَادٍ يَهْوِي أَيْ يَسْقُطُ قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ هَوَى يَهْوِي كَرَمَى يَرْمِي هَوِيًّا بِالْفَتْحِ سَقَطَ إِلَى أَسْفَلَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا أَيْ عَامًا قَالَ الْخَازِنُ الْوَيْلُ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا الْعَرَبُ لِكُلِّ مَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ وأصلها في اللغة العذاب والهلاك وقال بن عَبَّاسٍ الْوَيْلُ شِدَّةُ الْعَذَابِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا قُلْتُ إِنْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ فَهُوَ مُغْنٍ عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرُوهُ فِي مَعْنَى الْوَيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وأخرجه أحمد وبن حبان في صحيحه والحاكم وأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأعلى عن بن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ (لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث بن لهيعة) قال الحافظ بن كثير لم يتفرد به بن لَهِيعَةَ بَلْ تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ وَلَكِنَّ الْآفَةَ مِمَّنْ بَعْدَهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَرْفُوعًا مُنْكَرٌ انْتَهَى [3165] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى) الْخُوَارِزْمِيُّ الْخُتَّلِيُّ أَبُو عَلِيٍّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَزْوَانَ) بِمُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَزَايٍ سَاكِنَةٍ أَبُو نُوحٍ الضَّبِّيُّ الْمَعْرُوفُ بِقُرَادٍ ثِقَةٌ لَهُ أَفْرَادٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا قَعَدَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم) أي قُدَّامَهُ (إِنَّ لِي مَمْلُوكِينَ) بِكَسْرِ الْكَافِ أَيْ مَمَالِيكَ (يَكْذِبُونَنِي) أَيْ يَكْذِبُونَ فِي إِخْبَارِهِمْ لِي (وَيَخُونُونَنِي) أَيْ فِي مَالِي (وَيَعْصُونَنِي) أَيْ فِي أَمْرِي وَنَهْيِي (وَأَشْتِمُهُمْ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَيُضَمُّ أَيْ أَسُبُّهُمْ (فَكَيْفَ أَنَا مِنْهُمْ) أَيْ كَيْفَ يَكُونُ حَالِي مِنْ أَجْلِهِمْ وَبِسَبَبِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحْسَبُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مَا خَانُوكَ وَعَصَوْكَ وَكَذَبُوكَ أَيْ مِقْدَارُهَا وَعِقَابُكَ عَطْفٌ عَلَى مَا خَانُوكَ أَيْ وَيُحْسَبُ أَيْضًا قَدْرُ شَتْمِكَ وَضَرْبِكَ إِيَّاهُمْ كَانَ أَيْ أَمْرُكَ كَفَافًا بِفَتْحِ الْكَافِ فِي الْقَامُوسِ كَفَافُ الشَّيْءِ كَسَحَابٍ مِثْلُهُ وَمِنَ الرِّزْقِ مَا كَفَّ عَنِ النَّاسِ وَأَغْنَى وَفِي النِّهَايَةِ الْكَفَافُ الَّذِي لَا يَفْضُلُ عَنِ الشَّيْءِ وَيَكُونُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ لَا لَكَ وَلَا عَلَيْكَ أَيْ لَيْسَ لَكَ فِيهِ ثَوَابٌ وَلَا عَلَيْكَ فِيهِ عِقَابٌ دُونَ ذُنُوبِهِمْ أَيْ أَقَلَّ مِنْهَا كَانَ فَضْلًا لَكَ أَيْ عَلَيْهِمْ قِيلَ فَإِنْ قَصَدْتَ الثَّوَابَ تُجْزَ بِهِ وَإِلَّا فَلَا

قاله القارىء فَوْقَ ذُنُوبِهِمْ أَيْ أَكْثَرَ مِنْهَا اقْتُصَّ لَهُمْ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُخِذَ بِمِثْلِهِ لِأَجْلِهِمْ مِنْكَ الْفَضْلُ أَيِ الزِّيَادَةُ فَتَنَحَّى الرَّجُلُ أَيْ بَعُدَ عَنِ الْمَجْلِسِ فَجَعَلَ يَبْكِي وَيَهْتِفُ بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ شَرَعَ يَبْكِي وَيَصِيحُ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ أي ذوات العدل ليوم القيامة أي فيه فلا تظلم نفس شيئا من نقص حَسَنَةٍ أَوْ زِيَادَةِ سَيِّئَةٍ وَبَقِيَّةُ الْآيَةِ وَإِنْ كَانَ أَيِ الْعَمَلُ مِثْقَالَ زِنَةَ حَبَّةٍ مِنْ خردل أتينا بها أي أحضرناها وكفى بنا حاسبين إِذْ لَا مَزِيدَ عَلَى عِلْمِنَا وَوَعْدِنَا مَا أَجِدُ لِي وَلَهُمْ شَيْئًا أَيْ مَخْلَصًا وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي (خَيْرًا) صِفَةٌ لِمَا قَبْلَهُ (مِنْ مُفَارَقَتِهِمْ) أَيْ مِنْ مُفَارَقَتِي إِيَّاهُمْ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى مُرَاعَاةِ الْمُحَاسَبَةِ وَالْمُطَالَبَةِ عُسْرٌ جِدًّا (أُشْهِدُكَ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُتَكَلِّمِ مِنَ الْإِشْهَادِ (كُلَّهُمْ) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّأْكِيدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه بن جَرِيرٍ فِي تَهْذِيبِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ (وَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَزْوَانَ هَذَا الْحَدِيثَ) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا أَبُو نُوحٍ قُرَادٌ أَنْبَأَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي مَمْلُوكِينَ الْحَدِيثَ وَأَبُو نُوحٍ قُرَادٌ هو عبد الرحمن بن غزوان قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْحُسَيْنُ بْنُ مُوسَى بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شُيُوخِ عَبْدِ بْنِ حميد ولا في اصحاب بن لَهِيعَةَ مَنِ اسْمُهُ الْحُسَيْنُ بْنُ مُوسَى وَلِأَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَدْ أَخْرَجَ فِي بَابِ صِفَةِ قَعْرِ جَهَنَّمَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ يَتَصَعَّدُ فِيهِ الْكَافِرُ سَبْعِينَ خَرِيفًا وَيَهْوِي فِيهِ كَذَلِكَ أَبَدًا بِعَيْنِ هَذَا السَّنَدِ وَفِيهِ الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى بِالتَّكْبِيرِ قَوْلُهُ وَيْلٌ وَادٍ أَيِ اسْمُ وَادٍ يَهْوِي أَيْ يَسْقُطُ قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ هَوَى يَهْوِي كَرَمَى يَرْمِي هَوِيًّا بِالْفَتْحِ سَقَطَ إِلَى أَسْفَلَ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا أَيْ عَامًا قَالَ الْخَازِنُ الْوَيْلُ كَلِمَةٌ تَقُولُهَا العرب لكل

مَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ العذاب والهلاك وقال بن عَبَّاسٍ الْوَيْلُ شِدَّةُ الْعَذَابِ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا قُلْتُ إِنْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ فَهُوَ مُغْنٍ عَنْ جَمِيعِ مَا ذَكَرُوهُ فِي مَعْنَى الْوَيْلِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وأخرجه أحمد وبن حبان في صحيحه والحاكم وأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الأعلى عن بن وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ دَرَّاجٍ لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث بن لهيعة قال الحافظ بن كثير لم يتفرد به بن لهيعة بل تابعه عمرو بن الحراث ولكن الآفة ممن بعده وهذا الحديث به إذا الإسناد مرفوعا منكر انتهى [3166] قَوْلُهُ لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ قَوْلِهِ إِنِّي سقيم ولم يكن سقيما يجر قَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ ثَلَاثٍ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَذَلِكَ عِنْدَمَا طَلَبُوا مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ إِلَى عِيدِهِمْ فَأَرَادَ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ لِلْأَمْرِ الَّذِي هَمَّ بِهِ فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سقيم وَفِيهِ إِيهَامٌ مِنْهُ أَنَّهُ اسْتَدَلَّ بِأَمَارَةِ عِلْمِ النُّجُومِ عَلَى أَنَّهُ سَيَسْقَمُ لِيَتْرُكُوهُ فَيَفْعَلُ بِالْأَصْنَامِ مَا أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ أَوْ سَقِيمُ الْقَلْبِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَيْظِ بِاتِّخَاذِكُمُ النُّجُومَ آلِهَةً أَوْ بِعِبَادَتِكُمُ الْأَصْنَامَ وَقَوْلِهِ لِسَارَّةَ أُخْتِي بِالْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدِمَ أَرْضَ جَبَّارٍ وَمَعَهُ سارة وكانت أحسن الناس فقال لها من هَذَا الْجَبَّارَ إِنْ يَعْلَمْ أَنَّكِ امْرَأَتِي يَغْلِبْنِي عَلَيْكِ فَإِنْ سَأَلَكِ فَأَخْبِرِيهِ أَنَّكِ أُخْتِي فِي الاسلام وقوله بل فعله كبيرهم هذا قَالَ ذَلِكَ حِينَ كَسَّرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَصْنَامَهُمْ إِلَّا كَبِيرَهَا وَعَلَّقَ الْفَأْسَ فِي عُنُقِهِ قال النووي قال الماذري أَمَّا الْكَذِبُ فِيمَا طَرِيقُهُ الْبَلَاغُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْأَنْبِيَاءُ مَعْصُومُونَ مِنْهُ سَوَاءٌ كَثِيرُهُ وَقَلِيلُهُ وَأَمَّا مَا لَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَلَاغِ وَيُعَدُّ مِنَ الصَّغَائِرِ كَالْكَذْبَةِ الْوَاحِدَةِ فِي حَقِيرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا فَفِي إِمْكَانِ وُقُوعِهِ مِنْهُمْ وَعِصْمَتِهِمْ مِنْهُ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الصَّحِيحُ أَنَّ الْكَذِبَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَلَاغِ لَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهُ مِنْهُمْ سَوَاءٌ جَوَّزْنَا الصَّغَائِرَ مِنْهُمْ وَعِصْمَتَهُمْ مِنْهَا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ قَلَّ الْكَذِبُ أَمْ كَثُرَ لِأَنَّ مَنْصِبَ النُّبُوَّةِ يَرْتَفِعُ عَنْهُ وَتَجْوِيزُهُ يَرْفَعُ الْوُثُوقَ بِأَقْوَالِهِمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِنْتَيْنِ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَوَاحِدَةٌ فِي شَأْنِ سَارَّةَ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْكَذَبَاتِ الْمَذْكُورَةَ إِنَّمَا هِيَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَهْمِ الْمُخَاطَبِ وَالسَّامِعِ وَأَمَّا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَيْسَتْ كَذِبًا مَذْمُومًا لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَرَّى بِهَا فَقَالَ فِي سَارَّةَ أُخْتِي فِي الْإِسْلَامِ

وَهُوَ صَحِيحٌ فِي بَاطِنِ الْأُمُورِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذِبًا لَا تَوْرِيَةَ فِيهِ لكان جائزا في دفع الظالمين قال الماذري وَقَدْ تَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَأَخْرَجَهَا عَنْ كونها كذبا ولا معنى لامتناع مِنْ إِطْلَاقِ لَفْظٍ أَطْلَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ النَّوَوِيُّ أَمَّا إِطْلَاقُ لَفْظِ الْكَذِبِ عَلَيْهَا فَلَا يَمْتَنِعُ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ بِهِ وَأَمَّا تَأْوِيلُهَا فَصَحِيحٌ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ فَقَالَ مَا فِيهَا كَذْبَةٌ إِلَّا يُمَاحِلُ بِهَا عَنِ الْإِسْلَامِ أَيْ يُجَادِلُ وَيُدَافِعُ انْتَهَى مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قوله (وأبو داود) هو الطيالسي [3167] إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ أَيْ سَتُبْعَثُونَ عُرَاةً بِضَمِّ الْعَيْنِ جَمْعُ عَارٍ وَهُوَ مَنْ لَا سِتْرَ لَهُ (غُرْلًا) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ جَمْعُ أَغْرَلَ وَهُوَ الْأَقْلَفُ وَزْنُهُ وَمَعْنَاهُ وَهُوَ مَنْ بَقِيَتْ غِرْلَتُهُ وَهِيَ الْجِلْدَةُ الَّتِي يَقْطَعُهَا الْخَاتِنُ مِنَ الذكر كما بدأنا أول خلق نعيده الْكَافُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ نُعِيدُهُ أَيْ نُعِيدُ الْخَلْقَ إِعَادَةً مِثْلَ الْأَوَّلِ وَالْمَعْنَى بَدَأْنَاهُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا نُعِيدُهُمْ يوم القيامة وبقية الاية وعدا علينا مَنْصُوبٌ بِوَعَدْنَا مُقَدَّرٌ قَبْلَهُ وَهُوَ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ ما قبله إنا كنا فاعلين أَيْ مَا وَعَدْنَاهُ قَالَ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ مَبْسُوطًا فِي بَابِ شَأْنِ الْحَشْرِ مِنْ أَبْوَابِ صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَتَقَدَّمَ فِيهِ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ عُرَاةً وَأَنَّهُ سَيُؤْتَى بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي أَيْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّقْلِيلِ فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ أَيْ إِلَى جِهَةِ النَّارِ فَأَقُولُ رَبِّ أَصْحَابِي خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هَؤُلَاءِ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ الْمُرَادُ مِنَ الْإِحْدَاثِ الِارْتِدَادُ عَنِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي فَيُقَالُ هَؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ وَفِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْهُ أَنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمُ الْقَهْقَرَى قَالَ الْقَاضِي يُرِيدُ بِهِمْ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ الْأَعْرَابِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا فِي أَيَّامِهِ كَأَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَأَضْرَابِهِمْ فَإِنَّ أَصْحَابَهُ وَإِنْ شَاعَ عُرْفًا فِيمَنْ يُلَازِمُهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ شَاعَ اسْتِعْمَالُهُ لُغَةً فِي كُلِّ مَنْ تَبِعَهُ أَوْ أَدْرَكَ حَضْرَتَهُ وَوَفَدَ عَلَيْهِ وَلَوْ مَرَّةً وَقِيلَ أَرَادَ بِالِارْتِدَادِ إِسَاءَةَ السِّيرَةِ وَالرُّجُوعَ عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ وَصِدْقِ النِّيَّةِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الدُّنْيَا انْتَهَى فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ هُوَ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ أَيْ عَلَى أُمَّتِي شَهِيدًا أَيْ مُطَّلِعًا رَقِيبًا حافظا ما دمت فيهم

باب ومن سورة الحج

أي موجودا فلما توفيتني أَيْ قَبَضْتَنِي بِالرَّفْعِ إِلَى السَّمَاءِ كُنْتَ أَنْتَ الرقيب عليهم الحفيظ لأعمالهم وأنت على كل شيء مِنْ قَوْلِي وَقَوْلِهِمْ بَعْدِي وَغَيْرِ ذَلِكَ شَهِيدًا أي مطلع عالم به إن تعذبهم أَيْ مَنْ أَقَامَ عَلَى الْكُفْرِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ عبادك أَنْتَ مَالِكُهُمْ تَتَصَرَّفُ فِيهِمْ كَيْفَ شِئْتَ لَا اعتراض عليك وإن تغفر لهم أَيْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَتَمَامُ الْآيَةِ فَإِنَّكَ أنت العزيز الغالب على أمره والحكيم فِي صُنْعِهِ فَيُقَالُ هَؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ هَذَا يُؤَيِّدُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْإِحْدَاثِ فِي قَوْلِهِ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ هُوَ الِارْتِدَادُ عَنِ الْإِسْلَامِ (بَاب وَمِنْ سُورَةِ الْحَجِّ) مَكِّيَّةٌ إِلَّا وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ الله الايتين أو إلا هذان خصمان السِّتَّ آيَاتٍ فَمَدَنِيَّاتٌ وَهِيَ أَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ أَوْ ثَمَانٍ وَسَبْعُونَ آيَةً قَوْلُهُ [3168] (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ يا أيها الناس اتقوا ربكم أَيِ احْذَرُوا عِقَابَهُ

وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ الزَّلْزَلَةُ شِدَّةُ الْحَرَكَةِ عَلَى الْحَالِ الْهَائِلَةِ وَوَصْفُهَا بِالْعِظَمِ وَلَا شَيْءَ أَعْظَمُ مِمَّا عَظَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قِيلَ هِيَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ قَبْلَ قيامها وقال بن عَبَّاسٍ زَلْزَلَةُ السَّاعَةِ قِيَامُهَا فَتَكُونُ مَعَهَا وَاخْتَارَهُ بن جرير في تفسيره وبعده يوم ترونها أي الساعة وقيل الزلزلة تذهل قال بن عَبَّاسٍ تَشْغَلُ وَقِيلَ تَنْسَى كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أرضعت أَيْ كُلُّ امْرَأَةٍ مَعَهَا وَلَدٌ تُرْضِعُهُ وَتَضَعُ كل ذات حمل حملها أَيْ تُسْقِطُ مِنْ هَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ كُلُّ حَامِلٍ حَمْلَهَا قَالَ الْحَسَنُ تَذْهَلُ الْمُرْضِعَةُ عَنْ ولدها غير فِطَامٍ وَتَضَعُ الْحَامِلُ مَا فِي بَطْنِهَا غَيْرَ تَمَامٍ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الزَّلْزَلَةُ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ بَعْدَ الْبَعْثِ لَا يَكُونُ حَبَلٌ وَمَنْ قَالَ تَكُونُ الزَّلْزَلَةُ فِي الْقِيَامَةِ قَالَ هَذَا عَلَى وَجْهِ تَعْظِيمِ الْأَمْرِ وَتَهْوِيلِهِ لَا عَلَى حَقِيقَتِهِ كَمَا تَقُولُ أَصَابَنَا أَمْرٌ يَشِيبُ فِيهِ الْوَلِيدُ تُرِيدُ بِهِ شِدَّتَهُ وَتَرَى النَّاسَ سكارى على التشبيه (وما هم بسكارى) عَلَى التَّحْقِيقِ وَلَكِنْ مَا رَهَقَهُمْ مِنْ خَوْفِ عَذَابِ اللَّهِ هُوَ الَّذِي أَذْهَبَ عُقُولَهُمْ وَأَزَالَ تَمْيِيزَهُمْ وَقِيلَ سُكَارَى مِنَ الْخَوْفِ وَمَا هُمْ بِسُكَارَى مِنَ الشَّرَابِ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ أَيْ فَهُمْ يَخَافُونَهُ قَالَ أَيْ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَهُوَ فِي سَفَرٍ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَالضَّمِيرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْعَثْ بَعْثَ النَّارِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَهُ أَخْرِجْ بَعْثَ جَهَنَّمَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ قَالَ الْحَافِظُ الْبَعْثُ بِمَعْنَى الْمَبْعُوثِ وَأَصْلُهَا فِي السَّرَايَا الَّتِي يَبْعَثُهَا الْأَمِيرُ إِلَى جِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ لِلْحَرْبِ وَغَيْرِهَا وَمَعْنَاهَا هُنَا مَيِّزْ أَهْلَ النَّارِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا خُصَّ بِذَلِكَ آدَمُ لِكَوْنِهِ وَالِدَ الْجَمِيعِ وَلِكَوْنِهِ كَانَ قَدْ عَرَفَ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ فَقَدْ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَعَنْ يَمِينِهِ أَسْوِدَةٌ وَعَنْ شِمَالِهِ أَسْوِدَةٌ الْحَدِيثَ وَمَا بَعْثُ النَّارِ الْوَاوُ عَاطِفَةٌ عَلَى شَيْءٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ سَمِعْتُ وَأَطَعْتُ وَمَا بَعْثُ النَّارِ أَيْ وَمَا مِقْدَارُ مَبْعُوثِ النَّارِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ كَمْ أُخْرِجُ قَالَ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ إِلَى الْجَنَّةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرِجْ مِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي سَعِيدٍ مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً وَأَجَابَ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَا اعْتِبَارَ لَهُ فَالتَّخْصِيصُ بِعَدَدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الزَّائِدِ وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْعَدَدَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ تَقْلِيلُ عَدَدِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَكْثِيرُ عَدَدِ الْكَافِرِينَ قَالَ الْحَافِظُ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ الْأَوَّلِ تَقْدِيمُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى حديث

أَبِي سَعِيدٍ فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى زِيَادَةٍ فَإِنَّ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ وَاحِدٌ وَحَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَشَرَةٌ فَالْحُكْمُ لِلزَّائِدِ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ الْأَخِيرِ أَنْ لَا يُنْظَرَ إِلَى الْعَدَدِ أَصْلًا بَلِ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُمَا مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْلِيلِ الْعَدَدِ قَالَ وَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ بِأَجْوِبَةٍ أُخَرَ وَهُوَ حَمْلُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى جَمِيعِ ذُرِّيَّةِ آدَمَ فَيَكُونُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ وَاحِدٌ وَحَمْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى مَنْ عَدَا يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَيَكُونُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ عَشَرَةٌ وَيُقَرِّبُ ذَلِكَ أَنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ذُكِرُوا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ دُونَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ يَتَعَلَّقُ بِالْخَلْقِ أَجْمَعِينَ وَالثَّانِي بِخُصُوصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَيُقَرِّبُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إذا أخذ منا لكن في حديث بن عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا أُمَّتِي جُزْءٌ مِنْ أَلْفٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَقَعَ الْقِسْمَةُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ قَبْلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَقَطْ فَيَكُونُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ وَاحِدٌ وَمَرَّةً مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَقَطْ فَيَكُونُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ عَشَرَةٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِبَعْثِ النَّارِ الْكُفَّارَ وَمَنْ يَدْخُلُهَا مِنَ الْعُصَاةِ فَيَكُونُ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ كَافِرًا وَمِنْ كُلِّ مِائَةٍ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ عَاصِيًا انْتَهَى فَأَنْشَأَ الْمُسْلِمُونَ يَبْكُونَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَنْشَأَ يَفْعَلُ كَذَا وَيَقُولُ كَذَا أَيِ ابْتَدَأَ يَفْعَلُ وَيَقُولُ قَارِبُوا أَيِ اقْتَصِدُوا فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا وَاتْرُكُوا الْغُلُوَّ فِيهَا وَالتَّقْصِيرَ يُقَالُ قَارَبَ فُلَانٌ فِي أُمُورِهِ إِذَا اقْتَصَدَ وَسَدِّدُوا أَيِ اطْلُبُوا بِأَعْمَالِكُمُ السَّدَادَ وَالِاسْتِقَامَةَ وَهُوَ الْقَصْدُ فِي الْأَمْرِ وَالْعَدْلُ فِيهِ فَإِنَّهَا لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ ما رأيته قط ويضم ويخفقان وَقَطٍّ مُشَدَّدَةٌ مَجْرُورَةٌ بِمَعْنَى الدَّهْرِ مَخْصُوصٌ بِالْمَاضِي أي في ما مَضَى مِنَ الزَّمَانِ انْتَهَى إِلَّا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهَا جَاهِلِيَّةٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْجَاهِلِيَّةُ هِيَ الْحَالُ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا الْعَرَبُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ مِنَ الْجَهْلِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَشَرَائِعِ الدِّينِ وَالْمُفَاخَرَةِ بِالْأَنْسَابِ وَالْكِبْرِ وَالتَّجَبُّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى وَالْمُرَادُ بِالْجَاهِلِيَّةِ هُنَا الْحَالُ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا النَّاسُ قَبْلَ بَعْثَةِ نَبِيِّهِمْ فَيُؤْخَذُ الْعَدَدُ أَيْ عَدَدُ بَعْثِ النَّارِ فَإِنْ تَمَّتْ أَيْ هَذِهِ الْعِدَّةُ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَّا كَمِثْلِ الرَّقْمَةِ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرَّقْمَةُ هُنَا الْهَنَةُ النَّاتِئَةُ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ مِنْ دَاخِلٍ وَهُمَا رَقْمَتَانِ فِي ذِرَاعَيْهَا انْتَهَى وَفِي الْقَامُوسِ الرَّقْمَتَانِ هَنَتَانِ شَبَهُ ظُفْرَيْنِ فِي قَوَائِمِ الدَّابَّةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ الرَّقْمَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الرَّقْمَتَانِ فِي الْحِمَارِ هُمَا الْأَثَرَانِ فِي بَاطِنِ عَضُدَيْهِ وَقِيلَ هِيَ الدَّائِرَةُ فِي ذِرَاعَيْهِ وَقِيلَ هِيَ الْهَنَةُ النَّاتِئَةُ فِي ذِرَاعِ الدَّابَّةِ مِنْ دَاخِلٍ انْتَهَى أَوْ كَالشَّامَةِ أَيِ الْخَالِ فِي الْجَسَدِ مَعْرُوفَةٌ (فَكَبَّرُوا) تَكْبِيرُهُمْ لِسُرُورِهِمْ بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ الْعَظِيمَةِ وَلَمْ يقل

أَوَّلًا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِفَائِدَةٍ حَسَنَةٍ وَهِيَ أَنَّ ذَلِكَ أَوْقَعُ فِي نُفُوسِهِمْ وَأَبْلَغُ فِي إِكْرَامِهِمْ فَإِنَّ إِعْطَاءَ الْإِنْسَانِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى دَلِيلٌ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِهِ وَدَوَامِ مُلَاحَظَتِهِ وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى هِيَ تَكْرَارُ الْبِشَارَةِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَفِيهِ أَيْضًا حَمْلُهُمْ عَلَى تَجْدِيدِ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَكْبِيرِهِ وَحَمْدِهِ عَلَى كَثْرَةِ نِعَمِهِ ثُمَّ إِنَّهُ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نِصْفُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ عِشْرُونَ وَمِائَةُ صَفٍّ ثَمَانُونَ مِنْهَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَرْبَعُونَ مِنْ سَائِرِ الْأُمَمِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ كَمْ صَفُّ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَكُونُونَ ثُلُثَيْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَكُونُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِحَدِيثِ النِّصْفِ ثُمَّ تفضل الله سبحانه بالزيادة فأعمله بِحَدِيثِ الصُّفُوفِ فَأَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلِهَذَا نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْحَدِيثِ مَعْرُوفَةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ [3169] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ الدَّسْتَوَائِيُّ قَوْلُهُ (فَتَفَاوَتَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي السَّيْرِ) أَيْ وَقَعَ التَّفَاوُتُ وَالْبُعْدُ (حَثُّوا الْمَطِيَّ) أَيْ حَضُّوهَا وَالْمَطِيُّ جَمْعُ الْمَطِيَّةِ وَهِيَ الدَّابَّةُ تَمْطُو فِي سَيْرِهَا أَيْ تَجِدُّ وَتُسْرِعُ فِي سَيْرِهَا (وَعَرَفُوا أَنَّهُ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عِنْدَ قَوْلٍ يَقُولُهُ) أَيْ يُرِيدُ أَنْ يَقُولَ قَوْلًا (حَتَّى مَا أَبْدَوْا بِضَاحِكَةٍ) أَيْ مَا تَبَسَّمُوا وَالضَّوَاحِكُ الْأَسْنَانُ الَّتِي تَظْهَرُ عِنْدَ التَّبَسُّمِ (الَّذِي بِأَصْحَابِهِ) أَيْ مِنَ الْيَأْسِ وَعَدَمِ التَّبَسُّمِ إِنَّكُمْ لَمَعَ خليقتين

أَيْ مَخْلُوقَيْنِ إِلَّا كَثَّرَتَاهُ مِنَ التَّكْثِيرِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ بَدَلٌ مِنْ خَلِيقَتَيْنِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ أَيْ هُمَا يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَمَنْ مَاتَ عَطْفٌ عَلَى يَأْجُوجَ (فَسُرِّيَ) أَيْ كُشِفَ وَأُزِيلُ يُقَالُ سَرَوْتُ الثَّوْبَ وَسَرَيْتُهُ إِذَا خَلَعْتُهُ وَالتَّشْدِيدُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَأَبْشِرُوا مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ أَوْ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ يُقَالُ بَشَرَهُ بِكَذَا بِالتَّخْفِيفِ فَأَبْشَرَ إِبْشَارًا وَتَقُولُ أَبْشِرْ بِخَيْرٍ بِقَطْعِ الْأَلِفِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَبْشِرُوا بالجنة وَبَشِرَ بِكَذَا اسْتَبْشَرَ بِهِ وَبَابُهُ طَرِبَ انْتَهَى قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ [3170] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) بْنِ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْحَادِيَةِ عَشْرَةِ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ) هُوَ الْجُهَنِيُّ أَبُو صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ كَاتِبُ اللَّيْثِ (حَدَّثَنِي اللَّيْثُ) هُوَ بن سَعْدٍ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدِ) بْنِ مُسَافِرٍ الْفَهْمِيِّ أَمِيرِ مِصْرَ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ) بْنِ الْعَوَّامِ الْأَسَدِيِّ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتُ الَّذِي هُوَ الْكَعْبَةُ (الْعَتِيقَ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ ثَانٍ لِسُمِّيَ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ جَبَّارٌ أَيْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَيْهِ وَالْجَبَّارُ هُوَ الَّذِي يَقْتُلُ عَلَى الْغَضَبِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنَ الْجَبَابِرَةِ فَلَمْ يَظْهَرْ عَلَيْهِ جَبَّارٌ قَطُّ قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَرَادَ بِنَفْيِ الظُّهُورِ نَفْيَ الْغَلَبَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ مِنَ الْكُفَّارِ وَقِصَّةُ الْفِيلِ مَشْهُورَةٌ وَقَالَ قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ البصري في قوله وليطوفوا بالبيت العتيق قَالَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ وَكَذَا قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَعَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ إِنَّمَا سُمِّيَ الْبَيْتُ الْعَتِيقَ لِأَنَّهُ أُعْتِقَ يَوْمَ الْغَرَقِ زَمَانَ نُوحٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَقَالَ الْحَاكِمُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَأَقَرُّوهُ قَالَهُ المناوي

باب ومن سورة المؤمنين

[3171] قَوْلُهُ (لَيُهْلَكُنَّ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنَ الْإِهْلَاكِ أَوْ للفاعل من الهلاك أذن أي رخص وقرىء عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ أَذِنَ اللَّهُ تَعَالَى للذين يقاتلون أَيْ يُقَاتِلُهُمُ الْمُشْرِكُونَ وَالْمَأْذُونُ فِيهِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْمَذْكُورِ عَلَيْهِ فَإِنَّ مُقَاتَلَةَ الْمُشْرِكِينَ إِيَّاهُمْ دَالَّةٌ على مقاتلتهم إياهم دلالة نيرة وقرىء عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ أَيْ يُرِيدُونَ أَنْ يُقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ فِيمَا سَيَأْتِي وَيَحْرِصُونَ عَلَيْهِ فَدَلَالَتُهُ عَلَى الْمَحْذُوفِ أَظْهَرُ وَهِيَ أَوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ بِأَنَّهُمْ أَيْ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ ظُلِمُوا أَيْ بِظُلْمِ الْكَافِرِينَ إِيَّاهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نصرهم لقدير أَيْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى نَصْرِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَلَكِنْ هُوَ يُرِيدُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ يُبْلُوا جَهْدَهُمْ فِي طَاعَتِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وبن جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ 4 - (بَاب وَمِنْ سُورَةِ المؤمنين) مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَثَمَانِي أَوْ تِسْعَ عَشْرَةَ اية

[3173] قَوْلُهُ (سُمِعَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ (عِنْدَ وَجْهِهِ) أَيْ عِنْدَ قُرْبِ وَجْهِهِ بِحَذْفِ الْمُضَافِ (كَدَوِيِّ النَّحْلِ) بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ سُمِعَ عِنْدَ وَجْهِهِ دَوِيٌّ مِثْلُ دَوِيِّ النَّحْلِ وَالدَّوِيُّ صَوْتٌ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ شَيْءٌ وَهَذَا الصَّوْتُ هُوَ صَوْتُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يُبَلِّغُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيَ وَلَا يَفْهَمُ الْحَاضِرُونَ مِنْ صَوْتِهِ شَيْئًا وَقَالَ الطِّيبِيُّ رح أَيْ سُمِعَ مِنْ جَانِبِ وَجْهِهِ وَجِهَتِهِ صَوْتٌ خَفِيٌّ كَأَنَّ الْوَحْيَ كَانَ يُؤَثِّرُ فِيهِمْ وَيَنْكَشِفُ لَهُمُ انْكِشَافًا غَيْرَ تَامٍّ فَصَارُوا كَمَنْ يَسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتٍ وَلَا يَفْهَمُهُ أَوْ أَرَادَ لَهُمَا سَمِعُوهُ مِنْ غَطِيطِهِ وَشِدَّةِ تَنَفُّسِهِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ انْتَهَى وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ وَهَذَا الدَّوِيُّ إِمَّا صَوْتُ الْوَحْيِ أَوْ مَا كَانُوا يَسْمَعُونَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ شِدَّةِ تَنَفُّسِهِ مِنْ ثِقَلِ الْوَحْيِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ قَدْ وَصَفَ الْوَحْيَ بِأَنَّهُ كَانَ تَارَةً مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ انْتَهَى (يَوْمًا) أَيْ نَهَارًا أَوْ وَقْتًا (فَمَكَثْنَا) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا أَيْ لَبِثْنَا (سَاعَةً) أَيْ زَمَنًا يَسِيرًا نَنْتَظِرُ الْكَشْفَ عَنْهُ (فَسُرِّيَ) عَنْهُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّسْرِيَةِ وَهُوَ الْكَشْفُ وَالْإِزَالَةُ أَيْ كُشِفَ عَنْهُ وَأُزِيلَ مَا اعْتَرَاهُ مِنْ بُرَحَاءِ الْوَحْيِ وَشِدَّتِهِ اللَّهُمَّ زِدْنَا أَيْ مِنَ الْخَيْرِ وَالتَّرَقِّي أَوْ كَثِّرْنَا وَلَا تُنْقِصْنَا أَيْ خَيْرَنَا وَمَرْتَبَتَنَا وَعَدَدَنَا قَالَ الطِّيبِيُّ رح عُطِفَتْ هَذِهِ النَّوَاهِي عَلَى الْأَوَامِرِ لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ وَحُذِفَ الْمَفْعُولَاتُ لِلتَّعْمِيمِ وَأَكْرِمْنَا بِقَضَاءِ مَآرِبِنَا فِي الدُّنْيَا وَرَفْعِ مَنَازِلِنَا فِي الْعُقْبَى وَلَا تُهِنَّا مِنَ الْإِهَانَةِ أَيْ لَا تُذِلَّنَا وَلَا تَحْرِمْنَا بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ لَا تَمْنَعْنَا أَوْ لَا تَجْعَلْنَا مَحْرُومِينَ وَآثِرِنَا مِنَ الْإِيثَارِ أَيِ اخْتَرْنَا بِرَحْمَتِكَ وَإِكْرَامِكَ وَعِنَايَتِكَ لَا تُؤْثِرْ عَلَيْنَا أَيْ غَيْرَنَا بِلُطْفِكَ وَحِمَايَتِكَ وَقِيلَ لَا تَغْلِبْ عَلَيْنَا أَعْدَاءَنَا وَأَرْضِنَا مِنَ الْإِرْضَاءِ أَيْ بِمَا قَضَيْتَ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا بِإِعْطَاءِ الصَّبْرِ وَتَوْفِيقِ الشُّكْرِ وَتَحَمُّلِ الطَّاعَةِ وَالتَّقَنُّعِ بِمَا قَسَمْتَ لَنَا وَارْضَ عَلَيْنَا أَيْ بِالطَّاعَةِ الْيَسِيرَةِ الْحَقِيرَةِ الَّتِي فِي جَهْدِنَا وَلَا تُؤَاخِذْنَا بِسُوءِ أَعْمَالِنَا ثُمَّ قَالَ أُنْزِلَ عَلَيَّ أَيْ آنِفًا مَنْ أَقَامَهُنَّ أَيْ حَافَظَ وَدَاوَمَ عَلَيْهِنَّ وَعَمِلَ بِهِنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ أَيْ دُخُولًا أَوَّلِيًّا

قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانٍ) هُوَ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيُّ (عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ) هُوَ بن أَبِي النِّجَادِ الْأَيْلِيُّ وَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَفِي سَنَدِهِ يُونُسُ بْنُ سُلَيْمٍ الصَّنْعَانِيُّ قَالَ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ حَدَّثَ عَنْهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَتَكَلَّمَ فِيهِ وَلَمْ يَعْتَمِدْ فِي الرِّوَايَةِ وَمَشَاهُ غَيْرُهُ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلَى حَدِيثِهِ وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ غَيْرَ يُونُسَ وَيُونُسُ لَا نعرفه وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ [3174] قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ) بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ (أَنَّ الرُّبَيِّعَ بِنْتَ النَّضْرِ) الْأَنْصَارِيَّةَ الْخَزْرَجِيَّةَ عَمَّةَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ صَحَابِيَّةٌ (كَانَ أُصِيبَ) أَيْ قُتِلَ (أَصَابَهُ سَهْمٌ غَرْبٌ) أَيْ لَا يُعْرَفُ رَامِيهِ أَوْ لَا يُعْرَفُ مِنْ أَيْنَ أَتَى أَوْ جَاءَ عَلَى غَيْرِ قَصْدٍ مِنْ رَامِيهِ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَا يُعْرَفُ رَامِيهِ وَهُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِهَا وَبِالْإِضَافَةِ وَالْوَصْفِ وَقِيلَ بِالسُّكُونِ إِذَا أَتَاهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَدْرِي وَبِالْفَتْحِ إِذَا رَمَاهُ فَأَصَابَ غَيْرَهُ انْتَهَى (لَئِنْ كَانَ أَصَابَ خَيْرًا احْتَسَبْتُ وَصَبَرْتُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ صَبَرْتُ (وَإِنْ لَمْ يُصِبِ الْخَيْرَ اجْتَهَدْتُ فِي الدُّعَاءِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ اجْتَهَدْتُ عَلَيْهِ فِي الْبُكَاءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا أَيْ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْجَوَازُ قَالَ الْحَافِظُ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ النَّوْحِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ فَإِنَّ تَحْرِيمَهُ كَانَ عَقِبَ غَزْوَةِ أُحُدٍ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ كَانَتْ عَقِبَ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ اجْتَهَدْتُ فِي الدُّعَاءِ بَدَلَ قَوْلِهِ فِي الْبُكَاءِ وَهُوَ خَطَأٌ وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ دُونَ بَعْضٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ الْآتِيَةِ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ مِنَ الرِّقَاقِ وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ وَهُوَ دَالٌّ عَلَى صِحَّةِ الرِّوَايَةِ بِلَفْظِ الْبُكَاءِ وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ هَذِهِ وَإِلَّا فَسَتَرَى مَا أَصْنَعُ وَنَحْوَهُ فِي

رِوَايَةِ حَمَّادٍ عَنْ ثَابِتٍ عِنْدَ أَحْمَدَ إِنَّهَا جِنَانٌ فِي جَنَّةٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبَانٍ عِنْدَ أَحْمَدَ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ فِي جَنَّةٍ وَفِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ إِنَّهَا جِنَانٌ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ كَقَوْلِهِمْ هِيَ الْعَرَبُ تَقُولُ مَا شَاءَتْ وَالْقَصْدُ بذلك التفخيم وَالتَّعْظِيمُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ وَجِنَانٌ مُبْتَدَأٌ وَالتَّنْكِيرُ فِيهِ لِلتَّعْظِيمِ وَالْمُرَادُ بِالْجِنَانِ الدَّرَجَاتُ فِيهَا لِمَا وَرَدَ أَنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلَاهَا (وَالْفِرْدَوْسُ رَبْوَةُ الْجَنَّةِ) أَيْ أَرْفَعُهَا وَالرَّبْوَةُ بِالضَّمِّ وَالْفَتْحِ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ (وَأَوْسَطُهَا وَأَفْضَلُهَا) الْمُرَادُ بِالْأَوْسَطِ هُنَا الْأَعْدَلُ وَالْأَفْضَلُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ جعلناكم أمة وسطا فَعَطَفَ الْأَفْضَلَ عَلَيْهِ لِلتَّأْكِيدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ البخاري والنسائي وبن خُزَيْمَةَ [3175] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ الْهَمْدَانِيُّ الْخَيْرَانِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ ولم يدرك عائشة قوله والذين يؤتون أي يعطون ما آتوا أَيْ مَا أَعْطَوْا مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وقلوبهم وجلة أَيْ خَائِفَةٌ أَنْ لَا تُقْبَلَ مِنْهُمْ وَبَعْدَهُ أنهم إلى ربهم راجعون أَيْ لِأَنَّهُمْ يُوقِنُونَ أَنَّهُمْ إِلَى اللَّهِ صَائِرُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ كَذَا فِي هذه الرواية وفي القرآن أولئك يسارعون أَيْ يُبَادِرُونَ إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَهُمْ لَهَا سابقون أَيْ فِي عِلْمِ اللَّهِ وَقِيلَ أَيْ لِأَجْلِ الْخَيْرَاتِ سَابِقُونَ إِلَى الْجَنَّاتِ أَوْ لِأَجْلِهَا سَبَقُوا الناس وقال بن عَبَّاسٍ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ السَّعَادَةُ وَحَدِيثُ عائشة هذا أخرجه أيضا أحمد وبن أَبِي حَاتِمٍ قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَهْبٍ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ السَّابِقِ (عن أبي حازم) اسمه سلمان الأشجعي [3176] بْنُ سَمْعَانَ السَّهْمِيُّ (عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ) اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ عَمْرٍو الْعُتْوَارِيُّ قَوْلُهُ وَهُمْ فِيهَا كالحون أَيْ عَابِسُونَ وَقَدْ بَدَتْ أَسْنَانُهُمْ وَتَقَلَّصَتْ شِفَاهُهُمْ

باب ومن سورة النور

كَالرَّأْسِ الْمَشْوِيِّ عَلَى النَّارِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ كَلَحَ كَمَنَحَ كُلُوحًا وَكُلَاحًا بِضَمِّهِمَا تَكَشَّرَ فِي عبوس أوله تلفح وجوههم النار أَيْ تُحْرِقُهَا تَشْوِيهِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ بَابِ رَمَى يَرْمِي أَيْ تُحْرِقُ الْكَافِرَ (فَتَقَلَّصُ) بِحَذْفِ إحدى التائين أَيْ تَنْقَبِضُ حَتَّى تَبْلُغَ أَيْ تَصِلَ شَفَتُهُ وَتَسْتَرْخِي أَيْ تَسْتَرْسِلُ شَفَتُهُ السُّفْلَى تَأْنِيثُ الْأَسْفَلِ كَالْعُلْيَا تَأْنِيثُ الْأَعْلَى حَتَّى تَضْرِبَ سُرَّتَهُ أَيْ تَقْرُبَ شَفَتُهُ سُرَّتَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ 5 - (بَاب وَمِنْ سورة النور) مدنية وهي اثنتان أَوْ أَرْبَعٌ وَسَبْعُونَ آيَةً [3177] قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَخْنَسِ) النَّخَعِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو مَالِكٍ الخزاز صدوق قال بن حِبَّانَ كَانَ يُخْطِئُ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي الْمَرْثَدِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبَعْدَهَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ الْغَنَوِيُّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ مَفْتُوحَةٌ صَحَابِيٌّ بَدْرِيٌّ اسْتُشْهِدَ

في عهد النبي سَنَةَ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ (وَكَانَ) أَيْ مَرْثَدٌ (يَحْمِلُ الْأَسْرَى) جَمْعُ الْأَسِيرِ (بَغِيٌّ) أَيْ فَاجِرَةٌ وَجَمْعُهَا الْبَغَايَا (وَكَانَتْ صَدِيقَةً لَهُ) أَيْ حَبِيبَةً لِمَرْثَدٍ (يَحْمِلُهُ) أَيْ أَنْ يَحْمِلَهُ (فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ) أَيْ مُضِيئَةٍ (سَوَادَ ظِلِّي) أَيْ شَخْصَهُ (فَلَمَّا انْتَهَتْ إِلَيَّ) أَيْ بَلَغَتْ إِلَيَّ (عَرَفَتْ) أَيْ عَرَفَتْنِي (فَقَالَتْ مَرْثَدٌ) أَيْ أَنْتَ مَرْثَدٌ (فَقُلْتُ مَرْثَدٌ) أَيْ نَعَمْ أَنَا مَرْثَدٌ (هَلُمَّ) أي تعالى (فَبِتْ) أَمْرٌ مِنْ بَاتَ يَبِيتُ بَيْتُوتَةً (حَرَّمَ الله الزنى) أَيْ فَلَا يَجُوزُ لِي أَنْ أَبِيتَ عِنْدَكِ (يَا أَهْلَ الْخِيَامِ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ الْخَيْمَةِ (هَذَا الرَّجُلُ يَحْمِلُ أُسَرَاءَكُمْ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وفتح السِّينِ جَمْعُ أَسِيرٍ وَالْمَعْنَى تَنَبَّهُوا يَا أَهْلَ الْخِيَامِ وَخُذُوا هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي يَذْهَبُ بِأُسَارَاكُمْ (سَلَكْتُ الْخَنْدَمَةَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ مَكَّةَ (إِلَى غَارٍ أَوْ كَهْفٍ) الْكَهْفُ كَالْبَيْتِ الْمَنْقُورِ فِي الْجَبَلِ جَمْعُهُ كُهُوفٌ أَوْ كَالْغَارِ فِي الْجَبَلِ إِلَّا أَنَّهُ وَاسِعٌ فَإِذَا صَغُرَ فَغَارٌ (فَظَلَّ بَوْلُهُمْ عَلَى رَأْسِي) أَيْ صَارَ وَوَقَعَ عَلَيْهِ (وَعَمَّاهُمُ اللَّهُ) مِنَ التَّعْمِيَةِ أَيْ صَيَّرَهُمْ عُمْيَانًا (إِلَى صَاحِبِي) أَيِ الَّذِي كُنْتُ وَعَدْتُ أَنْ أَحْمِلَهُ (حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الْإِذْخِرِ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَلَمَّا انْتَهَتْ بِهِ إِلَى الْأَرَاكِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِذْخِرِ وَالْأَرَاكِ هُنَا مَكَانٌ خَارِجَ مَكَّةَ يَنْبُتُ فِيهِ الْأَرَاكُ وَالْإِذْخِرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْإِذْخِرِ أَذَاخِرَ وَهُوَ مَوْضِعٌ قُرْبَ مَكَّةَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ (فَفَكَكْتُ) أَيْ أَطْلَقْتُ (أَكْبُلَهُ) جَمْعُ قِلَّةٍ لِلْكَبْلِ وَهُوَ قَيْدٌ ضَخْمٌ (وَيُعْيِينِي) مِنَ الأعياء أي يكلني (أنكح عناقا) بحذف همزة الاستفهام (فأمسك رسول الله) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي

دَاوُدَ فَسَكَتَ عَنِّي (فَلَا تَنْكِحْهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالزَّوَانِي وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ فِي آخِرِهَا وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المؤمنين فإنه صريح في التحريم قال بن الْقَيِّمِ وَأَمَّا نِكَاحُ الزَّانِيَةِ فَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ بِتَحْرِيمِهِ فِي سُورَةِ النُّورِ وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ نَكَحَهَا فَهُوَ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ فَهُوَ إِمَّا أَنْ يَلْتَزِمَ حُكْمَهُ تَعَالَى وَيَعْتَقِدَ وُجُوبَهُ عَلَيْهِ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَإِنِ الْتَزَمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ وَخَالَفَهُ فَهُوَ زَانٍ ثُمَّ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِهِ فَقَالَ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى المؤمنين وَأَمَّا جَعْلُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ وَحُرِّمَ ذَلِكَ إلى الزنى فَضَعِيفٌ جِدًّا إِذْ يَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ الزَّانِي لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ وَالزَّانِيَةُ لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُصَانَ عَنْهُ الْقُرْآنُ ولا يعارض ذلك حديث بن عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ إِنَّ امْرَأَتِي لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ قَالَ غَرِّبْهَا قَالَ أَخَافُ أَنْ تَتْبَعَهَا نَفْسِي قَالَ فَاسْتَمْتِعْ بِهَا فَإِنَّهُ فِي الِاسْتِمْرَارِ عَلَى نِكَاحِ الزَّوْجَةِ الزَّانِيَةِ وَالْآيَةُ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى نِكَاحِ مَنْ زَنَتْ وَهِيَ تَحْتَهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالزَّانِيَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي الْآيَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْآيَةِ الْقَوْلُ فِيهَا كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَقَالَ غَيْرُهُ النَّاسِخُ لها وأنكحوا الأيامى منكم فَدَخَلَتِ الزَّانِيَةُ فِي أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَالثَّانِي أَنَّ النكاح ها هنا الْوَطْءُ وَالْمُرَادُ أَنَّ الزَّانِيَ لَا يُطَاوِعُهُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُشَارِكُهُ فِي مُرَادِهِ إِلَّا زَانِيَةٌ أَوْ مُشْرِكَةٌ وَالثَّالِثُ أَنَّ الزَّانِيَ الْمَجْلُودَ لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً مَجْلُودَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَكَذَا الزَّانِيَةُ وَالرَّابِعُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي نِسْوَةٍ كَانَ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ إِحْدَاهُنَّ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ مما كسبته من الزنى وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ وَالْخَامِسُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ عَلَى الْعَفِيفِ وَالْعَفِيفِ عَلَى الزَّانِيَةِ انْتَهَى قُلْتُ هَذَا الْقَوْلُ الْخَامِسُ هُوَ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ وَبِهِ قَالَ الإمام أحمد وغيره قال الحافظ بن كَثِيرٍ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مِنَ الرَّجُلِ الْعَفِيفِ عَلَى الْمَرْأَةِ الْبَغِيِّ مَا دَامَتْ كَذَلِكَ حَتَّى تُسْتَتَابَ فَإِنْ تَابَتْ صَحَّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَإِلَّا فَلَا وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ تَزْوِيجُ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ الْعَفِيفَةِ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ الْمُسَافِحِ حَتَّى يَتُوبَ تَوْبَةً صَحِيحَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَحُرِّمَ ذلك على المؤمنين انْتَهَى وَقَدْ بَسَطَ صَاحِبُ فَتْحِ الْبَيَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَالَ فِي آخِرِ الْبَحْثِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ تَزَوُّجِ الرَّجُلِ بِامْرَأَةٍ قَدْ زَنَى هُوَ بِهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ بجواز ذلك وروى عن بن عباس وعمر وبن

مسعود وجابر أنه لا يجوز قال بن مَسْعُودٍ إِذَا زَنَى الرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ نَكَحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَهُمَا زَانِيَانِ أَبَدًا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ [3178] قَوْلُهُ (سُئِلْتُ عَنِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ فِي إِمَارَةِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ اللِّعَانِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ

قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ قَوْلُهُ (أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَشَدَّةِ الْيَاءِ (قَذَفَ امْرَأَتَهُ) أَيْ نَسَبَهَا إلى الزنى الْبَيِّنَةَ بِالنَّصْبِ أَيْ أَقِمِ الْبَيِّنَةَ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ تُقِمِ الْبَيِّنَةَ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ أَيْ يَثْبُتُ حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ (أَيَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِبْعَادِ (إِنَّهُ) أيْ هِلَالٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ إِنِّي وَهُوَ الظَّاهِرُ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (الصَّادِقُ) أَيْ فِي الْقَذْفِ (وَلْيُنْزِلَنَّ) بِسُكُونِ اللَّامِ وَضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَكَسْرِ الزَّايِ الْمُخَفَّفَةِ وَفِي آخِرِهِ نُونٌ مُشَدَّدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ مِنَ الْإِنْزَالِ وَهُوَ أَمْرٌ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَالضَّمِيرُ يَرْجِعُ إِلَى قَوْلِهِ الذي يحتمل أَنْ يَكُونَ بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ مِنَ النُّزُولِ وَفَاعِلُهُ مَا يُبَرِّئُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلْيُنْزِلَنَّ اللَّهُ (مَا يُبَرِّئُ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ مِنَ التَّبْرِئَةِ أَيْ مَا يَدْفَعُ وَيَمْنَعُ (فَأَرْسَلَ) أَيِ النَّبِيُّ (إِلَيْهِمَا) أَيْ إِلَى هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَزَوْجَتِهِ (فشهد) أي لاعن والنبي يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ظَاهِرُهُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ صُدُورِ اللِّعَانِ بَيْنَهُمَا (فَشَهِدَتْ) أَيْ لَاعَنَتْ أن غضب الله عليها جَعَلَ الْغَضَبَ فِي جَانِبِهَا لِأَنَّ النِّسَاءَ يَسْتَعْمِلْنَ اللَّعْنَ كَثِيرًا كَمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ فَرُبَّمَا يَجْتَرِئْنَ عَلَى الْإِقْدَامِ لِكَثْرَةِ جَرْيِ اللَّعْنِ عَلَى أَلْسِنَتِهِنَّ وَسُقُوطِ وُقُوعِهِ عَنْ قُلُوبِهِنَّ فَذَكَرَ الْغَضَبَ فِي جَانِبِهِنَّ لِيَكُونَ رَادِعًا لَهُنَّ إِنَّهَا أَيِ الْخَامِسَةَ مُوجِبَةٌ أَيْ لِلْعَذَابِ الْأَلِيمِ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً (فَتَلَكَّأَتْ) بِتَشْدِيدِ الْكَافِ أَيْ تَوَقَّفَتْ يُقَالُ تَلَكَّأَ فِي الْأَمْرِ إِذَا تَبَطَّأَ عَنْهُ وَتَوَقَّفَ فِيهِ (وَنَكَسَتْ) أَيْ خَفَضَتْ رَأْسَهَا وَطَأْطَأَتْ إِلَى الْأَرْضِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ نَكَصَتْ بِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ رجعت وتأخرت

وَالْمَعْنَى أَنَّهَا سَكَتَتْ بَعْدَ الْكَلِمَةِ الرَّابِعَةِ (أَنْ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ أَيْ أَنَّهَا (سَتَرْجِعُ) أَيْ عَنْ مَقَالِهَا فِي تَكْذِيبِ الزَّوْجِ وَدَعْوَى الْبَرَاءَةِ عَمَّا رَمَاهَا بِهِ (سَائِرَ الْيَوْمِ) أَيْ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ وَأَبَدَ الدَّهْرِ أَوْ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْأَيَّامِ بِالْإِعْرَاضِ عَنِ اللِّعَانِ وَالرُّجُوعِ إِلَى تصديق الزوج وأريد اليوم الْجِنْسُ وَلِذَلِكَ أَجْرَاهُ مَجْرَى الْعَامِّ وَالسَّائِرِ كَمَا يُطْلَقُ لِلْبَاقِي يُطْلَقُ لِلْجَمِيعِ أَبْصِرُوهَا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْإِبْصَارِ أَيِ انْظُرُوا وَتَأَمَّلُوا فِيمَا تَأْتِي بِهِ مِنْ وَلَدِهَا (بِهِ) أَيْ بِالْوَلَدِ (أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ) أَيِ الَّذِي يَعْلُو جُفُونَ عَيْنِهِ سَوَادٌ مِثْلُ الْكُحْلِ مِنْ غَيْرِ اكْتِحَالٍ (وَسَابِغَ الْأَلْيَتَيْنِ) تَثْنِيَةُ الْأَلْيَةِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهِيَ الْعَجِيزَةُ أَوْ مَا رَكِبَ الْعَجُزَ مِنْ شَحْمٍ أَوْ لَحْمٍ أَيْ تامهما وَعَظِيمَهَا مِنْ سُبُوغِ النِّعْمَةِ وَالثَّوْبِ (خَدَلَّجَ السَّاقَيْنِ) بِمُعْجَمَةٍ وَمُهْمَلَةٍ وَلَامٍ مُشَدَّدَةٍ مَفْتُوحَاتٍ وَبِالْجِيمِ أَيْ عَظِيمَهَا (فَهُوَ) أَيِ الْوَلَدُ (فَجَاءَتْ بِهِ كَذَلِكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ فِي إِتْيَانِ الْوَلَدِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي ذَكَرَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ هُنَا وَفِي قِصَّةِ عُوَيْمِرٍ بِأَحَدِ الْوَصْفَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مَعَ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ مُعْجِزَةٌ وَإِخْبَارٌ بِالْغَيْبِ وَلَوْلَا مَا مَضَى مِنْ كِتَابِ اللَّهِ من بيان لما أَيْ لَوْلَا مَا سَبَقَ مِنْ حُكْمِهِ بِدَرْءِ الْحَدِّ عَنِ الْمَرْأَةِ بِلِعَانِهَا (لَكَانَ لَنَا وَلَهَا شَأْنٌ) أَيْ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهَا إِثْرَ الْمَعْنَى لَوْلَا أَنَّ الْقُرْآنَ حَكَمَ بِعَدَمِ الْحَدِّ عَلَى الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَعَدَمِ التَّغْرِيرِ لَفَعَلْتُ بِهَا مَا يَكُونُ عِبْرَةً لِلنَّاظِرِينَ وَتَذْكِرَةً لِلسَّامِعِينَ تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أن حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ آيَةَ اللِّعَانِ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَحَدِيثَ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ عُوَيْمِرٍ الْعِجْلَانِيِّ وَلَفْظُهُ فَجَاءَ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَجُلٌ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَأَمَرَهُمَا رسول الله بِالْمُلَاعَنَةِ قَالَ الْحَافِظُ قَدِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ عُوَيْمِرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ هِلَالٍ وَمِنْهُمْ مَنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَوَّلَ مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ هِلَالٌ وَصَادَفَ مَجِيءَ عُوَيْمِرٍ أَيْضًا فَنَزَلَتْ فِي شَأْنِهِمَا مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَقَدْ جَنَحَ النَّوَوِيُّ إِلَى هَذَا وَسَبَقَهُ الْخَطِيبُ فَقَالَ لَعَلَّهُمَا اتَّفَقَ كَوْنُهُمَا جَاءَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَلَا مانع أن تتعدى الْقِصَصُ وَيَتَّحِدَ النُّزُولُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ النُّزُولَ سَبَقَ بِسَبَبِ هِلَالٍ فَلَمَّا جَاءَ عُوَيْمِرٌ وَلَمْ يَكُنْ علم بما وقع لهلال أعلمه النبي بِالْحُكْمِ وَلِهَذَا قَالَ فِي قِصَّةِ هِلَالٍ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَفِي قِصَّةِ عُوَيْمِرٍ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فيك فيأول قَوْلُهُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ أَيْ وَفِيمَنْ كان مثلك وبهذا أجاب بن صَبَّاغٍ فِي الشَّامِلِ وَجَنَحَ الْقُرْطُبِيُّ إِلَى تَجْوِيزِ نُزُولِ الْآيَةِ مَرَّتَيْنِ قَالَ وَهَذِهِ

الِاحْتِمَالَاتُ وَإِنْ بَعُدَتْ أَوْلَى مِنْ تَغْلِيطِ الرُّوَاةِ الْحُفَّاظِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ (وَهَكَذَا رَوَى عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ [3180] قَوْلُهُ (لَمَّا ذُكِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (مِنْ شَأْنِي) بَيَانٌ مقدم لقوله (الذي ذكر) وهو نَائِبُ الْفَاعِلِ (وَمَا عَلِمْتُ بِهِ) مَا نَافِيَةٌ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (فِيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ فِي شَأْنِي أَشِيرُوا عَلَيَّ مِنَ الْإِشَارَةِ أَبَنُوا أَهْلِي مِنْ بَابِ نَصَرَ وَضَرَبَ مِنَ الْأَبَنِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ التُّهْمَةُ أَيِ اتَّهَمُوا أَهْلِي وَرَمَوْا بِالْقَبِيحِ وَأَبَنُوا بِمَنْ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَطُّ هُوَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ (فقام سعد بن معاذ فقال ائْذَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ) اسْتَشْكَلَ ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ هُنَا بِأَنَّ حَدِيثَ الْإِفْكِ كَانَ سَنَةَ سِتٍّ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ وَسَعْدٌ مَاتَ مِنَ الرَّمْيَةِ الَّتِي رُمِيَهَا بِالْخَنْدَقِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي الْمُرَيْسِيعِ فَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّهَا سَنَةَ أَرْبَعٍ وكذلك الخندق وقد جزم بن إِسْحَاقَ بِأَنَّ الْمُرَيْسِيعَ كَانَتْ فِي شَعْبَانَ وَالْخَنْدَقُ فِي شَوَّالٍ وَإِنْ كَانَتَا فِي سَنَةٍ فَلَا يمتنع أن يشهدها بن مُعَاذٍ لَكِنِ الصَّحِيحُ فِي النَّقْلِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ أَنَّ الْمُرَيْسِيعَ سَنَةَ خَمْسٍ فَالَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ حَمَلُوهُ عَلَى أَنَّهُ سَبْقُ قَلَمٍ وَالرَّاجِحُ أَيْضًا أَنَّ الْخَنْدَقَ أَيْضًا سَنَةَ خَمْسٍ فيصبح الجواب (أن تضرب أَعْنَاقَهُمْ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ قَالَ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ سَعْدٌ لِأَنَّهُ كَانَ سَيِّدَ الْأَوْسِ فَجَزَمَ بِأَنَّ حُكْمَهُ فِيهِمْ نَافِذٌ (وَقَامَ رَجُلٌ مِنَ الْخَزْرَجِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ (وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ مِنْ رَهْطِ ذَلِكَ الرَّجُلِ) اسْمُ أُمِّ حَسَّانٍ الْفُرَيْعَةُ

بِنْتُ خَالِدِ بْنِ خُنَيْسٍ وَكَانَتْ بِنْتَ عَمِّ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ مِنْ فَخِذِهِ (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنْ لَوْ كَانُوا) كَلِمَةُ إِنْ زَائِدَةٌ (حَتَّى كَادَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ شَرٌّ فِي الْمَسْجِدِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَتَشَاوَرَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا ورسول الله قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ (وَمَا عَلِمْتُ بِهِ) أَيْ بِمَا جَرَى فِي الْمَسْجِدِ (وَمَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ وَفَتْحِ الطَّاءِ وَبَعْدَهَا حَاءٌ مُهْمَلَاتٌ وَاسْمُهَا سَلْمَى وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَاسْمُ أَبِي رُهْمٍ أُنَيْسٌ (فَعَثَرَتْ) بِالْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمَفْتُوحَاتِ مِنَ الْعَثْرَةِ وَهِيَ الزَّلَّةُ يُقَالُ عَثَرَ فِي ثَوْبِهِ يَعْثُرُ بِالضَّمِّ عِثَارًا بِالْكَسْرِ وفي رواية البخاري فعثرت أم سطح فِي مِرْطِهَا (تَعِسَ مِسْطَحٌ) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِفَتْحِهَا أَيْضًا بَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ أَيْ كُبَّ لِوَجْهِهِ أَوْ هَلَكَ أَوْ لَزِمَهُ الشَّرُّ أَوْ بَعُدَ أَقْوَالٌ (أَيْ أُمَّ تَسُبِّينَ ابْنَكِ) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا (فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَسُبُّهُ إِلَّا فِيكِ) أَيْ إِلَّا لِأَجْلِكِ (فَقَالَتْ) أَيْ أُمُّ مِسْطَحٍ (فَبَقَرَتْ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْقَافِ وَالرَّاءِ أَيْ فَتَحَتْ وَكَشَفَتْ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أو لم تَسْمَعِي مَا قَالَ قُلْتُ وَمَا قَالَ قَالَتْ كَذَا وَكَذَا فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ (قُلْتُ وَقَدْ كَانَ هَذَا) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَكَانَ تَامَّةٌ (كَأَنَّ الَّذِي خَرَجْتُ لَهُ لَمْ أَخْرُجْ) أَيْ كَأَنَّ الْحَاجَةَ الَّتِي خَرَجْتُ لَهَا لَمْ أَخْرُجْ لَهَا (لَا أَجِدُ مِنْهُ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا) عِلَّةٌ لِمَا قَبْلَهَا قَالَ الْعَيْنِيُّ مَعْنَاهُ إِنِّي دَهِشْتُ بِحَيْثُ مَا عَرَفْتُ لِأَيِّ أَمْرٍ خَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ (وَوُعِكْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْوَعْكِ أَيْ صِرْتُ مَحْمُومَةً (فَقُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ) أَيْ لَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ (فَأَرْسَلَ مَعِيَ الْغُلَامَ) قَالَ الْحَافِظُ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الْغُلَامِ (فَوَجَدْتُ أُمَّ رُومَانَ) تَعْنِي أُمَّهَا قَالَ الكروماني وَاسْمُهَا زَيْنَبُ (فِي السِّفْلِ) مِنَ الْبَيْتِ وَهُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وَبِضَمِّهَا (فَإِذَا هُوَ

أَيِ الْحَدِيثُ (لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا مَا بَلَغَ مِنِّي) أَيْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِيهَا مِثْلَ مَا أَثَّرَ فِيَّ (خَفِّفِي عَلَيْكِ الشَّأْنَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ هَوِّنِي عَلَيْكِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ خَفِّضِي بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (لَهَا ضَرَائِرُ) جَمْعُ ضَرَّةٍ وَقِيلَ لِلزَّوْجَاتِ ضَرَائِرُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ يَحْصُلُ لَهَا الضَّرَرُ مِنَ الْأُخْرَى بِالْغَيْرَةِ (وَقِيلَ فِيهَا) أَيْ مَا يَشِينُهَا (فَإِذَا هِيَ) أَيْ أُمُّ رُومَانَ (لَمْ يَبْلُغْ مِنْهَا) أَيْ لَمْ يُؤَثِّرِ الْحَدِيثُ فِيهَا (مَا بَلَغَ مِنِّي) أَيْ مِثْلُ مَا أَثَّرَ فِيَّ (وَاسْتَعْبَرْتُ) أَيْ جَرَى دَمْعِي قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَبْرَةُ الدَّمْعَةُ وَاسْتَعْبَرَ جَرَتْ عَبْرَتُهُ وَحَزِنَ (الَّذِي ذُكِرَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (أَقْسَمْتُ عَلَيْكِ يَا بُنَيَّةُ إِلَّا رَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ) هَذَا مِثْلُ قَوْلِهِمْ نَشَدْتُكَ بِاللَّهِ إِلَّا فَعَلْتِ أَيْ مَا أَطْلُبُ مِنْكِ إِلَّا رُجُوعَكِ إِلَى بَيْتِ رسول الله (وَسَأَلَ عَنِّي خَادِمَتِي) الْمُرَادُ بِهَا بَرِيرَةُ وَفِي رواية البخاري فدعا رسول الله بَرِيرَةَ فَقَالَ أَيْ بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يَرِيبُكِ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَاسْتَشْكَلَ هُنَا قَوْلُهُ بَرِيرَةُ بِأَنَّ قِصَّةَ الْإِفْكِ قَبْلَ شِرَاءِ بَرِيرَةَ وَعِتْقِهَا لِأَنَّهُ كَانَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَهُوَ قَبْلَهُ لِأَنَّ حَدِيثَ الْإِفْكِ كَانَ فِي سَنَةِ سِتٍّ أَوْ أَرْبَعٍ وَعِتْقُ بَرِيرَةَ كَانَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فِي السَّنَةِ التَّاسِعَةِ أَوِ الْعَاشِرَةِ وَأَجَابَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ بِأَجْوِبَةٍ أَحْسَنُهَا احْتِمَالُ أَنَّهَا كَانَتْ تَخْدُمُ عَائِشَةَ قَبْلَ شِرَائِهَا وَهَذَا أَوْلَى مِنْ دَعْوَى الْإِدْرَاجِ وَتَغْلِيظِ الْحُفَّاظِ انْتَهَى كَلَامُهُ مُخْتَصَرًا (إِلَّا أَنَّهَا كَانَتْ تَرْقُدُ حَتَّى تَدْخُلَ الشَّاةُ فَتَأْكُلَ خَمِيرَتَهَا أَوْ عَجِينَتَهَا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ وَفِي رِوَايَةِ مِقْسَمٍ عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ وَالطَّبَرَانِيِّ مَا رَأَيْتُ مُذْ كُنْتُ عِنْدَهَا إِلَّا أَنِّي عَجَنْتُ عَجِينًا لِي فَقُلْتُ احْفَظِي هَذِهِ الْعَجِينَةَ حَتَّى أَقْتَبِسَ نَارًا لِأَخْبِزَهَا فَغَفَلَتْ فَجَاءَتِ الشَّاةُ فَأَكَلَتْهَا (وَانْتَهَرَهَا بَعْضُ أَصْحَابِهِ) أَيْ زَجَرَهَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ عند أبي عوانة والطبراني أن النبي قَالَ لِعَلِيٍّ شَأْنَكَ بِالْجَارِيَةِ فَسَأَلَهَا عَلِيٌّ وَتَوَعَّدَهَا فَلَمْ تُخْبِرْهُ إِلَّا بِخَيْرٍ ثُمَّ ضَرَبَهَا وَسَأَلَهَا

فَقَالَتْ وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى عَائِشَةَ سُوءًا (حَتَّى أَسْقَطُوا لَهَا بِهِ) أَيْ سَبُّوهَا وَقَالُوا لَهَا مِنْ سَقَطِ الْكَلَامِ وَهُوَ رَدِيئُهُ بِسَبَبِ حَدِيثِ الْإِفْكِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فَقَالَتْ) أَيِ الْخَادِمَةُ (سُبْحَانَ اللَّهِ) قَالَتْهَا اسْتِعْظَامًا أَوْ تَعَجُّبًا (وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهَا إِلَّا مَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ عَلَى تِبْرِ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ) أَيْ كَمَا لَا يَعْلَمُ الصَّائِغُ مِنَ الذَّهَبِ الْأَحْمَرِ إِلَّا الْخُلُوصَ مِنَ الْعَيْبِ فَكَذَلِكَ أَنَا لَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا الْخُلُوصَ مِنَ الْعَيْبِ وَالتِّبْرُ بِكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ مَا كَانَ مِنَ الذَّهَبِ غَيْرَ مَضْرُوبٍ فَإِذَا ضُرِبَ دَنَانِيرَ فَهُوَ عَيْنٌ وَلَا يُقَالُ تِبْرٌ إِلَّا لِلذَّهَبِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُهُ لِلْفِضَّةِ أَيْضًا (فَبَلَغَ الْأَمْرُ) أَيْ أَمْرُ الْإِفْكِ (ذَلِكَ الرَّجُلَ) وَهُوَ صَفْوَانُ (الَّذِي قِيلَ لَهُ) أَيْ عَنْهُ مِنَ الْإِفْكِ مَا قِيلَ فَاللَّامُ هُنَا بِمَعْنَى عَنْ كَمَا هِيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كان خيرا ما سبقونا إليه أَيْ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا أَوْ بِمَعْنَى فِي أَيْ قِيلَ فِيهِ فَهِيَ كَقَوْلِهِ يَا لَيْتَنِي قدمت لحياتي أَيْ فِي حَيَاتِي (وَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ كَنَفَ أُنْثَى قَطُّ) الْكَنَفُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالنُّونِ وَهُوَ الْجَانِبُ وَأَرَادَ بِهِ الثَّوْبَ يَعْنِي مَا جَامَعْتُهَا فِي حَرَامٍ وَكَانَ حَصُورًا (فَقُتِلَ) أَيْ صَفْوَانُ (شَهِيدًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فِي غَزْوَةِ أَرْمِينِيَّةَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ كَمَا قاله بن إِسْحَاقَ (أَكْتَنِفُ أَبَوَايَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ اكْتَنَفُوا فُلَانًا أَحَاطُوا بِهِ (إِنْ كُنْتِ قَارَفْتِ سُوءًا) مِنَ الْمُقَارَفَةِ أَيْ كَسَبْتِهِ أَوْ ظَلَمْتِ نَفْسَكِ (فقلت) أي لرسول الله (مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ) أَيِ الْأَنْصَارِيَّةِ (أَنْ تَذْكُرَ شَيْئًا) أَيْ عَلَى حَسْبِ فَهْمِهَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِ حُرْمَتِكَ (فَقُلْتُ أَجِبْهُ) أَيْ أَجِبْ رَسُولَ الله عني (قالت أقول ماذا) قال بن مَالِكٍ فِيهِ شَاهِدٌ عَلَى أَنَّ مَا الِاسْتِفْهَامِيَّةُ إِذَا رُكِّبَتْ مَعَ ذَا لَا يَجِبُ تَصْدِيرُهَا فَيَعْمَلُ فِيهَا مَا قَبْلَهَا رَفْعًا وَنَصْبًا (إِنِّي لَمْ أَفْعَلْ) أَيْ مَا قِيلَ فِي شَأْنِي وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنِّي لَصَادِقَةٌ فِي مَا أَقُولُ مِنْ بَرَاءَتِي مَا ذَاكَ بِنَافِعِي بِالْإِضَافَةِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِنَافِعٍ بِغَيْرِ الْإِضَافَةِ وَهُوَ الظَّاهِرُ (لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَقَدْ تَكَلَّمْتُمْ بِهِ أَيْ بِالْإِفْكِ (وَأُشْرِبَتْ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأُشْرِبَتْهُ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ يَرْجِعُ إِلَى الْإِفْكِ (قُلُوبُكُمْ) مَرْفُوعٌ بِأُشْرِبَتْ (قَدْ بَاءَتْ) أَيْ أَقَرَّتْ وَاعْتَرَفَتْ بِهَا (أَيْ بِقِصَّةِ الْإِفْكِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِهِ أَيْ بِأَمْرِ الْإِفْكِ (وَالْتَمَسْتُ) مِنَ الِالْتِمَاسِ أَيْ طَلَبْتُ (اسْمَ يَعْقُوبَ) عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ قَالَ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ أَيْ هُوَ أَجْمَلُ وَهُوَ الَّذِي لَا شَكْوَى فِيهِ إِلَى الْخَلْقِ على (

) مَا تَصِفُونَ أَيْ عَلَى احْتِمَالِ مَا تَصِفُونَهُ (وَإِنِّي لَأَتَبَيَّنُ السُّرُورَ) أَيْ أَعْرِفُهُ (وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ) أَيْ مِنَ الْعَرَقِ أَبْشِرِي بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ بَرَاءَتَكِ وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الشَّهَادَاتِ يَا عَائِشَةُ احْمَدِي اللَّهَ فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ (فَكُنْتُ أَشَدَّ) بِالنَّصْبِ خَبَرُ كَانَ (مَا كُنْتُ غَضَبًا أَيْ فَكُنْتُ حين أخبر بِبَرَاءَتِي أَقْوَى مَا كُنْتُ غَضَبًا) مِنْ غَضَبِي قَبْلَ ذَلِكَ (أَمَّا زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ) أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ (فَعَصَمَهَا اللَّهُ) أَيْ حَفِظَهَا وَمَنَعَهَا (بِدِينِهَا) أَيِ الْمُحَافَظَةِ عَلَى دِينِهَا وَمُجَانَبَةِ مَا تَخْشَى سُوءَ عَاقِبَتِهِ (فَلَمْ تَقُلْ) أَيْ فِيَّ (فَهَلَكَتْ فِيمَنْ هَلَكَ) أَيْ حُدَّتْ فِيمَنْ حُدَّ أَوْ أَثِمَتْ مَعَ مَنْ أَثِمَ لِخَوْضِهَا فِي حَدِيثِ الْإِفْكِ لِتَخْفِضَ مَنْزِلَةَ عَائِشَةَ وَتَرْفَعَ مَنْزِلَةَ أُخْتِهَا زَيْنَبَ (وَكَانَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيهِ) أَيِ الْإِفْكِ (وكان يستوشيه) أَيْ يَسْتَخْرِجُ الْحَدِيثَ بِالْبَحْثِ عَنْهُ ثُمَّ يَفْتِشُهُ وَيُشِيعُهُ وَلَا يَدَعُهُ يَخْمُدُ (وَهُوَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ) أَيْ تَحَمَّلَ مُعْظَمَهُ فَبَدَأَ بِالْخَوْضِ فِيهِ (ينافق أَبَدًا) أَيْ بَعْدَ الَّذِي قَالَ عَنْ عَائِشَةَ

ولا يأتل أَيْ لَا يَحْلِفُ مِنَ الْأَلِيَّةِ وَهِيَ الْقَسَمُ أولو الفضل منكم أَيْ فِي الدِّينِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ وَالسَّعَةِ يعني في المال أن يؤتوا أَلَّا يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سبيل الله صِفَاتٌ لِمَوْصُوفِ وَاحِدٍ وَهُوَ مِسْطَحٌ لِأَنَّهُ كَانَ مسكينا مهاجرا بدريا وليعفوا وليصفحوا أَيْ عَنْ خَوْضِ مِسْطَحٍ فِي أَمْرِ عَائِشَةَ ألا تحبون خطاب لأبي بكر أن يغفر الله لكم عَلَى عَفْوِكُمْ وَصَفْحِكُمْ وَإِحْسَانِكُمْ إِلَى مَنْ أَسَاءَ إليكم والله غفور رحيم فَتَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِهِ تَعَالَى (قَالَ أَبُو بَكْرٍ) أَيْ لما قرأ عليه النبي هَذِهِ الْآيَةَ (وَعَادَ) أَيْ أَبُو بَكْرٍ (لَهُ) أَيْ لِمِسْطَحٍ (بِمَا كَانَ يَصْنَعُ) أَيْ إِلَى مِسْطَحٍ مِنَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ مُعَلَّقًا وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا (وَقَدْ رَوَى يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَمَعْمَرٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ [3181] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ) بْنِ محمد بن عمرو بن حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ قَوْلُهُ (لَمَّا نَزَلَ عُذْرِي) أَيِ الْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى بَرَاءَتِهَا شَبَّهَتْهَا بِالْعُذْرِ الَّذِي يُبَرِّئُ الْمَعْذُورَ مِنَ الْجُرْمِ (قَامَ رَسُولُ اللَّهِ) أَيْ خَطِيبًا (فَذَكَرَ ذَلِكَ) أَيْ عُذْرِي (وَتَلَا القرآن) تعني قوله تعالى إن الذين جاؤوا بالإفك إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ (فَلَمَّا نَزَلَ) أَيْ رَسُولُ الله مِنَ الْمِنْبَرِ (أَمَرَ بِرَجُلَيْنِ) أَيْ بِحَدِّهِمَا أَوْ بِإِحْضَارِهِمَا وَهُمَا حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ (وَامْرَأَةٍ) بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى رَجُلَيْنِ وَهِيَ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ (فَضُرِبُوا) مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ (حَدَّهُمْ) أَيْ حَدَّ الْقَاذِفِينَ هُوَ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ أَيْ فحدوا حدهم

باب ومن سورة الفرقان

اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فِيمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَبَنَى عَلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْهَدْيِ فَأَبْدَى الْحِكْمَةَ فِي تَرْكِ الْحَدِّ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَفَاتَهُ أَنَّهُ وَرَدَ أَنَّهُ ذُكِرَ أَيْضًا فِيمَنْ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي أُوَيْسٍ وَعَنْ حَسَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْإِكْلِيلِ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى الْمَاوَرْدِيِّ حَيْثُ صَحَّحَ أَنَّهُ لَمْ يَحُدَّهُمْ مُسْتَنِدًا إِلَى أَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ إِنَّهُ حَدَّهُمْ وَمَا ضَعَّفَهُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه 6 - (باب وَمِنْ سُورَةِ الْفُرْقَانِ) مَكِّيَّةٌ إِلَّا وَالَّذِينَ لَا يدعون مع الله إلها آخر إِلَى رَحِيمًا فَمَدَنِيٌّ وَهِيَ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ آيَةً [3182] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ وَاصِلِ) بْنِ حَيَّانَ الْأَحْدَبِ الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ بَيَّاعُ السَّابِرِيَّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) هُوَ شَقِيقُ بن سَلَمَةَ (عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ) هُوَ الْهَمْدَانِيُّ (عن عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أَكْبَرُ نِدًّا بِكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ أَيْ مِثْلًا وَنَظِيرًا وَهُوَ خَلَقَكَ الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ اللَّهِ أَوْ مِنْ فَاعِلِ أَنْ تَجْعَلَ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا اسْتَحَقَّ بِهِ تَعَالَى أَنْ تَتَّخِذَهُ رَبًّا وَتَعْبُدَهُ فَإِنَّهُ خَلَقَكَ أَوْ إِلَى مَا بِهِ امْتِيَازُهُ تَعَالَى عَنْ غَيْرِهِ فِي كَوْنِهِ إِلَهًا أَوْ إِلَى ضَعْفِ النِّدِّ أَيْ أَنْ تَجْعَلَ لَهُ نِدًّا وَقَدْ خَلَقَكَ غَيْرُهُ وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى خَلْقِ شَيْءٍ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ أَيْ مِنْ جِهَةِ إِيثَارِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ مَا يَكْفِي أَوْ مِنْ جِهَةِ الْبُخْلِ مَعَ الْوُجْدَانِ أَنْ تَزْنِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ أي

بِزَوْجَتِهِ مِنْ حَلَّ يَحِلُّ بِالْكَسْرِ إِذْ كُلٌّ مِنْهُمَا حَلَالٌ لِلْآخَرِ أَوْ مِنْ حَلَّ يَحُلُّ بِالضَّمِّ لِأَنَّهَا تَحُلُّ مَعَهُ وَيَحُلُّ مَعَهَا قَوْلُهُ (أخبرنا عبد الرحمن) هو بن مهدي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3183] قوله (قال) أي بن مَسْعُودٍ (وَتَلَا) أَيْ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حرم الله إلا بالحق أَيْ لَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي هِيَ مَعْصُومَةٌ فِي الْأَصْلِ إِلَّا مُحِقِّينَ فِي قَتْلِهَا وَمَنْ يفعل ذلك أي واحدا من الثلاثة يلق أثاما قِيلَ مَعْنَاهُ جَزَاءَ إِثْمِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ وسيبيويه وَأَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ مَعْنَاهُ عُقُوبَةً قَالَهُ يُونُسُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ جَزَاءً قاله بن عَبَّاسٍ وَالسُّدِّيُّ وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ أَوْ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ هُوَ وَادٍ فِي جَهَنَّمَ عَافَانَا اللَّهُ منها قاله النووي يضاعف له العذاب أَيْ يُكَرَّرُ عَلَيْهِ وَيُغَلَّظُ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا حال أَيْ حَقِيرًا ذَلِيلًا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَافِظُ هَكَذَا قَالَ بن مَسْعُودٍ وَالْقَتْلُ وَالزِّنَا فِي الْآيَةِ مُطْلَقَانِ وَفِي الْحَدِيثِ مُقَيَّدَانِ أَمَّا الْقَتْلُ فَبِالْوَلَدِ خَشْيَةَ الْأَكْلِ معه وأما الزنى فَبِزَوْجَةِ الْجَارِ وَالِاسْتِدْلَالُ لِذَلِكَ بِالْآيَةِ سَائِغٌ لِأَنَّهَا وإن وردت في مطلق الزنى وَالْقَتْلِ لَكِنَّ قَتْلَ هَذَا وَالزِّنَا بِهَذِهِ أَكْبَرُ وَأَفْحَشُ قَوْلُهُ (لِأَنَّهُ زَادَ) أَيْ سُفْيَانُ وَهُوَ أَحْفَظُ مِنْ شُعْبَةَ (رَجُلًا) وَهُوَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ وَأَمَّا شُعْبَةُ فَأَسْقَطَهُ وَلَكِنْ لَمْ يَتَفَرَّدْ شُعْبَةُ بِالْإِسْقَاطِ بَلْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ فِي شَرْحِ هذا الحديث في تفسير سورة الفرقان 7

سُورَةُ الشُّعَرَاءِ مَكِّيَّةٌ إِلَّا (وَالشُّعَرَاءُ ) إِلَى آخِرِهَا فَمَدَنِيٌّ وَهِيَ مِائَتَانِ وَسَبْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً [3184] قَوْلُهُ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أَيْ لَا تَتَّكِلُوا عَلَى قَرَابَتِي فَإِنِّي لَا أَقْدِرُ عَلَى دَفْعِ مَكْرُوهٍ يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى بِكُمْ وَسَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ إِنْذَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ مِنْ كِتَابِ الزُّهْدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ علي وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ تَبَّتْ وَالنَّسَائِيُّ

[3185] قَوْلُهُ (جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا) أَيْ قَبَائِلَهُ زَادَ مُسْلِمٌ فَاجْتَمَعُوا (فَخَصَّ وَعَمَّ) أَيْ فِي النِّدَاءِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِلَخْ هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ خَصَّ وَعَمَّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ الْإِنْقَاذِ أَيْ خَلِّصُوهَا فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ أَيْ لِجَمِيعِكُمْ خَاصِّكُمْ وَعَامِّكُمْ يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ نَصْبُ فَاطِمَةَ وَضَمِّهَا وَالنَّصْبُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَأَمَّا بِنْتَ فَمَنْصُوبٌ لَا غَيْرَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا مَعْرُوفًا فَلَا بَأْسَ بِالتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ لِمَنْ لَا يَحْفَظُهُ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا أَيْ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِ تَعَالَى قَالَ تَرْهِيبًا وَإِنْذَارًا وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ فَضْلُ بَعْضِ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ وَدُخُولُهُمُ الْجَنَّةَ وَشَفَاعَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ وَلِلْعَرَبِ عُمُومًا وَلِأُمَّتِهِ عَامَّةً وَقَبُولُ شَفَاعَتِهِ فِيهِمْ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وُرُودُ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ بَعْدَ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ إِنَّ لَكَ رَحِمًا أَيْ قَرَابَةً (وَسَأَبُلُّهَا) أَيْ سَأَصِلُهَا (بِبَلَالِهَا) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا أَيْ بِصِلَتِهَا وَبِالْإِحْسَانِ إِلَيْهَا مِنْ بَلَّهُ يَبُلُّهُ وَالْبَلَالُ الْمَاءُ شُبِّهَتْ قَطِيعَةُ الرَّحِمِ بِالْحَرَارَةِ وَوَصْلُهَا بِإِطْفَاءِ الْحَرَارَةِ بِبُرُودَةٍ وَمِنْهُ بُلُّوا أَرْحَامَكُمْ أَيْ صِلُوهَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَهُ فِي النِّهَايَةِ الْبَلَالُ جَمْعُ الْبَلَلِ وَالْعَرَبُ يُطْلِقُونَ النَّدَاوَةَ عَلَى الصِّلَةِ كَمَا يُطْلَقُ الْيُبْسُ عَلَى الْقَطِيعَةِ لِأَنَّهُمْ لَمَّا رَأَوْا أَنَّ بَعْضَ الْأَشْيَاءِ يَتَّصِلُ بِالنَّدَاوَةِ وَيَحْصُلُ بَيْنَهَا التَّجَافِي وَالتَّفْرِيقُ بِالْيُبْسِ اسْتَعَارُوا الْبَلَلَ لِمَعْنَى الْوَصْلِ وَالْيُبْسَ لِمَعْنَى الْقَطِيعَةِ وَالْمَعْنَى أَصِلُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ مُرْسَلًا وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا هُرَيْرَةَ وَالْمَوْصُولُ هُوَ الصَّحِيحُ وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هريرة قاله الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ صَفْوَانَ) بْنِ الرَّبِيعِ الثَّقَفِيُّ أَبُو يَحْيَى الْكُوفِيُّ الْكَاتِبُ مَقْبُولٌ مِنَ

باب ومن سورة النمل

السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (بِمَعْنَاهُ) أَيْ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ [3186] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ) الْقَطَوَانِيُّ (أَخْبَرَنَا أَبُو زَيْدٍ) اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ أَوْسِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ النَّحْوِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ وَرُمِيَ بِالْقَدَرِ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عوف) هو بن أَبِي جَمِيلَةَ الْأَعْرَابِيُّ (حَدَّثَنِي الْأَشْعَرِيُّ) هُوَ أَبُو مُوسَى قَوْلُهُ يَا صَبَاحَاهُ كَلِمَةٌ يَعْتَادُونَهَا عِنْدَ وُقُوعِ أَمْرٍ عَظِيمٍ فَيَقُولُونَهَا لِيَجْتَمِعُوا وَيَتَأَهَّبُوا لَهُ قوله (هذا حديث غريب إلخ) وأخرجه بن جرير الطبري أيضا موصولا ومرسلا 8 - (بَاب وَمِنْ سُورَةِ النَّمْلِ) مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَلَاثٌ أَوْ أَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ وَتِسْعُونَ آيَةً قَوْلُهُ [3187] تَخْرُجُ الدَّابَّةُ قِيلَ مِنْ مَكَّةَ وَقِيلَ مِنْ غَيْرِهَا فَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ أَيْ تَصْقُلُهُ وَتُبَيِّضُهُ وفي رواية بن مَاجَهْ فَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْخُوَانِ بِضَمِّ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا قَالَ الْجَزَرِيُّ هُوَ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ عِنْدَ الْأَكْلِ وَمِنْهُ حَدِيثُ الدَّابَّةِ حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْخُوَانِ لَيَجْتَمِعُونَ فَيَقُولُ هَذَا يَا مُؤْمِنُ وَهَذَا يَا كَافِرُ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ الْإِخْوَانِ بِهَمْزَةٍ وَهِيَ لُغَةٌ فِيهِ انْتَهَى

فَيَقُولُ هَذَا أَيْ بَعْضُهُمْ لِآخَرَ يَا مُؤْمِنُ أَيْ لِجَلَاءِ وَجْهِهِ وَاسْتِنَارَتِهِ وَيَقُولُ هَذَا يَا كَافِرُ أَيْ لِلْخَتْمِ عَلَى أَنْفِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن) أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ) أَمَّا حديث أبي أمامة فأخرجه أحمد وبن مَرْدَوَيْهِ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تَخْرُجُ الدَّابَّةُ فَتَسِمُ عَلَى خَرَاطِيمِهِمْ ثُمَّ يَعْمُرُونَ فِيكُمْ حَتَّى يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ فيقال له ممن اشتريتها فيقول مِنَ الرَّجُلِ الْمُخَطَّمِ وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الْخَسْفِ مِنْ كتاب الفتن اعلم أَنَّ التِّرْمِذِيَّ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لهم دابة إلخ وهذه الآية مع تفسيرها هكذا إذا وقع القول عليهم يَعْنِي إِذَا وَجَبَ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ وَقِيلَ إِذَا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَقِيلَ إِذَا وَجَبَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَأْمُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَلَمْ يَنْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنَ الْقَوْلِ مُتَعَلِّقُهُ وَهُوَ مَا وُعِدُوا بِهِ مِنْ قِيَامِ السَّاعَةِ وَوُقُوعُهُ حُصُولُهُ وَالْمُرَادُ مُشَارَفَةُ السَّاعَةِ وَظُهُورُ أشراطها أخرجنا لهم دابة من الأرض قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِي الدَّابَّةِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدِهَا فِي مِقْدَارِ جِسْمِهَا وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ طُولَهَا سِتُّونَ ذِرَاعًا وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ رَأْسَهَا تَبْلُغُ السَّحَابَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَا بَيْنَ قَرْنَيْهَا فَرْسَخٌ لِلرَّاكِبِ وَثَانِيهَا فِي كَيْفِيَّةِ خِلْقَتِهَا فَرُوِيَ لَهَا أَرْبَعُ قَوَائِمَ وزغب وريش وجناحان وعن بن جُرَيْجٍ فِي وَصْفِهَا رَأْسُ ثَوْرٍ وَعَيْنُ خِنْزِيرٍ وَأُذُنُ فِيلٍ وَقَرْنُ أَيِّلٍ وَصَدْرُ أَسَدٍ وَلَوْنُ نَمِرٍ وَخَاصِرَةُ بَقَرٍ وَذَنَبُ كَبْشٍ وَخُفُّ بَعِيرٍ وَثَالِثِهَا فِي كَيْفِيَّةِ خُرُوجِهَا عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهَا تَخْرُجُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ فَلَا يَخْرُجُ إِلَّا ثُلُثُهَا وَعَنِ الْحَسَنِ لَا يَتِمُّ خُرُوجُهَا إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَرَابِعِهَا فِي مَوْضِعِ خُرُوجِهَا سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَيْنَ تَخْرُجُ الدَّابَّةُ فَقَالَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى المسجد الحرام وقيل تخرج من الصفاء فَتُكَلِّمُهُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ وَخَامِسِهَا فِي عَدَدِ خُرُوجِهَا فَرُوِيَ أَنَّهَا تَخْرُجُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَخْرُجُ بِأَقْصَى الْيَمَنِ ثُمَّ تَكْمُنُ ثُمَّ تَخْرُجُ بِالْبَادِيَةِ ثُمَّ تَكْمُنُ دهرا طويلا فبين النَّاسُ فِي أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً وَأَكْرَمِهَا عَلَى اللَّهِ فَمَا يَهُولُهُمْ إِلَّا خُرُوجُهَا مِنْ بَيْنِ الرُّكْنِ حِذَاءَ دَارِ بَنِي مَخْزُومٍ عَنْ يَمِينِ الْخَارِجِ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَوْمٌ يَهْرُبُونَ وَقَوْمٌ يَقِفُونَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْكِتَابِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَإِنْ صَحَّ الْخَبَرُ فِيهِ عَنِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِلَ وَإِلَّا لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ انْتَهَى تُكَلِّمُهُمْ أَيْ تُكَلِّمُ الْمَوْجُودِينَ بِبُطْلَانِ الْأَدْيَانِ سِوَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَقِيلَ تُكَلِّمُهُمْ بِمَا يَسُوءُهُمْ وَقِيلَ تُكَلِّمُهُمْ بِالْعَرَبِيَّةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الْآتِي أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بآياتنا لا يوقنون

باب ومن سورة القصص

قاله بن عَبَّاسٍ أَيْ بِخُرُوجِهَا لِأَنَّ خُرُوجَهَا مِنَ الْآيَاتِ وقال بن عَبَّاسٍ أَيْضًا تُكَلِّمُهُمْ تُحَدِّثُهُمْ قَرَأَ الْجُمْهُورُ تُكَلِّمُهُمْ مِنَ التَّكْلِيمِ وَتَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ تُنَبِّئُهُمْ وَقُرِئَ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَسُكُونِ الْكَافِ مِنَ الْكَلْمِ وَهُوَ الْجُرْحُ قَالَ عِكْرِمَةُ أَيْ تَسِمُهُمْ وَسْمًا أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون بِكَسْرِ إِنَّ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَقُرِئَ بِفَتْحِهَا قَالَ الْأَخْفَشُ الْمَعْنَى عَلَى الْفَتْحِ بِأَنَّ النَّاسَ وَبِهَا قرأ بن مَسْعُودٍ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَيْ تُخْبِرُهُمْ أَنَّ النَّاسَ إِلَخْ وَعَلَى هَذِهِ فَالَّذِي تَكَلَّمَ النَّاسُ بِهِ هُوَ قَوْلُهُ أَنَّ النَّاسَ إِلَخْ وَأَمَّا عَلَى الْكَسْرِ فَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ كَمَا قَدَّمْنَا وَلَا يَكُونُ مِنْ كَلَامِ الدَّابَّةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَقَالَ الْأَخْفَشُ إِنَّ كَسْرَ إِنَّ هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ الْقَوْلِ أَيْ تَقُولُ لَهُمْ إِنَّ النَّاسَ فَيَرْجِعُ مَعْنَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى عَلَى هَذَا إِلَى مَعْنَى الثَّانِيَةِ وَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ فِي الْآيَةِ هُمُ النَّاسُ عَلَى الْعُمُومِ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ كُلُّ مُكَلَّفٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْكُفَّارُ خَاصَّةً وَقِيلَ كُفَّارُ مَكَّةَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا صَنَعَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ وَالْمَعْنَى لَا يُؤْمِنُونَ بِالْقُرْآنِ المشتمل على البعث والحساب والعقاب 9 - (بَاب وَمِنْ سُورَةِ الْقَصَصِ) مَكِّيَّةٌ إِلَّا إِنَّ الذي فرض الْآيَةَ نَزَلَتْ بِالْجُحْفَةِ وَإِلَّا الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ إلى لا نبتغي الجاهلين وَهِيَ سَبْعٌ أَوْ ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ آيَةً [3188] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ قَوْلُهُ (لِعَمِّهِ) هُوَ أَبُو طَالِبٍ أَشْهَدْ بِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ قُلْ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فَقَالَ أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْمُحَاجَّةِ وَفِي رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عِنْدَ الطَّبَرِيِّ أُجَادِلُ عَنْكَ بِهَا (أَنْ تُعَيِّرَنِي) مِنَ التَّعْيِيرِ أَيْ يَنْسُبُونِي إِلَى الْعَارِ (إِنَّمَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهِ الْجَزَعُ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالزَّايِ هُوَ نَقِيضُ الصَّبْرِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَقُولُونَ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَجَمِيعِ رِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَنْ جَمِيعِ رِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ وَذَهَبَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ إِلَى أَنَّهُ الْخَرَعُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمَفْتُوحَتَيْنِ أَيْضًا وَهُوَ الضَّعْفُ وَالْخَوَرُ وَقِيلَ هُوَ الدَّهَشُ انْتَهَى مُخْتَصَرًا (لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ) قَالَ النَّوَوِيُّ أَحْسَنُ مَا يُقَالُ فِيهِ مَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ مَعْنَى أَقَرَّ اللَّهُ عَيْنَهُ أَيْ بلغه الله أمنيته حتى يرضى نفسه وتقر عينيه فَلَا تَسْتَشْرِفَ لِشَيْءٍ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ مَعْنَاهُ أَبْرَدَ اللَّهُ دَمْعَتَهُ لِأَنَّ دَمْعَةَ الْفَرَحِ بَارِدَةٌ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَرَاهُ اللَّهُ مَا يَسُرُّهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ إنك لا تهدي أجمع المفسرون

باب ومن سورة العنكبوت

عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أَبِي طَالِبٍ وَهِيَ عَامَّةٌ فَإِنَّهُ لَا يَهْدِي وَلَا يُضِلُّ إِلَّا الله تعالى (من أحببت) أَيْ هِدَايَتَهُ وَقِيلَ أَحْبَبْتَهُ لِقَرَابَتِهِ اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا طَالِبٍ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ وَحَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ فَفِيهِ فَقَالَ أَيْ عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ وَيُعَيِّرَانِهِ بِتِلْكَ الْمَقَالَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَأَبَى أَنْ يَقُولَ لَا إله إلا الله فإن قلت في رواية بن إِسْحَاقَ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن معبد عن بعض أهله عن بن عَبَّاسٍ قَالَ فَلَمَّا تَقَارَبَ مِنْ أَبِي طَالِبٍ الْمَوْتُ قَالَ نَظَرَ الْعَبَّاسُ إِلَيْهِ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ قال فأصغى إليه بأذنه قال فقال يا بن أَخِي وَاللَّهِ لَقَدْ قَالَ أَخِي الْكَلِمَةَ الَّتِي أَمَرْتَهُ أَنْ يَقُولَهَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ أَسْمَعْ قُلْتُ في رواية بن إِسْحَاقَ هَذِهِ مَجْهُولٌ وَهُوَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْبَدٍ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تُقَاوِمُ حَدِيثَ الصَّحِيحَيْنِ ثُمَّ تَفَرَّدَ بِهَذِهِ الرواية بن إِسْحَاقَ وَمَا تَفَرَّدَ بِهِ لَا يُقَاوِمُ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَصْلًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم والطبري 0 - (باب ومن سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ) مَكِّيَّةٌ وَهِيَ تِسْعٌ وَسِتُّونَ آيَةً [3189] قوله (عن أبيه سعد) هو

بن أَبِي وَقَّاصٍ قَوْلُهُ (أُنْزِلَتْ فِيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (فَذَكَرَ قِصَّةً) رَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ بِذِكْرِ الْقِصَّةِ فِي بَابِ فَضْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مِنْ كِتَابِ الْفَضَائِلِ (وَقَالَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَلَيْسَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ بِالْبِرِّ وَاللَّهِ لَا أَطْعَمُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى أَمُوتَ أَوْ تَكْفُرَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَلَّا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكْفُرَ بِدِينِهِ وَلَا تَأْكُلَ وَلَا تَشْرَبَ قَالَتْ زَعَمْتَ أَنَّ اللَّهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ فَأَنَا أُمُّكَ وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا قَالَ مَكَثَتْ ثَلَاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهَا مِنَ الْجَهْدِ (شَجَرُوا فَاهَا) أَيْ فَتَحُوا فَمَهَا زَادَ مُسْلِمٌ بِعَصًا ثُمَّ أَوْجَرُوهَا قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ صَبُّوا فِيهَا الطَّعَامَ وَإِنَّمَا شَجَرُوهُ بِالْعَصَا لِئَلَّا تُطْبِقَهُ فَيَمْتَنِعَ وُصُولُ الطَّعَامِ جَوْفَهَا (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بوالديه حسنا) أَيْ بِرًّا وَعَطْفًا عَلَيْهِمَا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بي الآية ما ليس لك به علم أَيْ إِنْ طَلَبَا مِنْكَ وَأَلْزَمَاكَ أَنْ تُشْرِكَ بي إِلَهًا لَيْسَ لَكَ عِلْمٌ بِكَوْنِهِ إِلَهًا فَلَا تطعهما أَيْ فِي الْإِشْرَاكِ وَعَبَّرَ بِنَفْيِ الْعِلْمِ عَنْ نَفْيِ الْإِلَهِ لِأَنَّ مَا لَمْ يُعْلَمْ صِحَّتُهُ لَا يَجُوزُ اتِّبَاعُهُ فَكَيْفَ بِمَا عُلِمَ بُطْلَانُهُ وَإِذَا لَمْ تَجُزْ طَاعَةُ الْأَبَوَيْنِ فِي هَذَا الْمَطْلَبِ مَعَ الْمُجَاهَدَةِ مِنْهُمَا لَهُ فَعَدَمُ جَوَازِهَا مَعَ مُجَرَّدِ الطَّلَبِ بِدُونِ مُجَاهَدَةٍ مِنْهُمَا أَوْلَى وَيُلْحَقُ بِطَلَبِ الشِّرْكِ مِنْهُمَا سَائِرُ مَعَاصِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَلَا طَاعَةَ لَهُمَا فِيمَا هُوَ مَعْصِيَةُ الله إلي مرجعكم فأنبئكم أي فأخبركم بما كنتم تعملون أي بصالح أعمالكم وسياتيها أي فأجازيكم عليها قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ [3190] قَوْلُهُ (عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ) هُوَ أَبُو يُونُسَ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو صَغِيرَةَ اسْمُهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ جَدُّهُ لِأُمِّهِ وَقِيلَ زَوْجُ أُمِّهِ ثِقَةٌ من السادسة قوله وتأتون في ناديكم النَّادِي وَالنَّدِيُّ وَالْمُنْتَدَى مَجْلِسُ الْقَوْمِ وَمُتَحَدَّثُهُمْ وَلَا يُقَالُ لِلْمَجْلِسِ نَادٍ إِلَّا مَا دَامَ فِيهِ أَهْلُهُ الْمُنْكَرَ اخْتُلِفَ فِي الْمُنْكَرِ الَّذِي كَانُوا يَأْتُونَهُ فِيهِ فَقِيلَ كَانُوا يَخْذِفُونَ النَّاسَ بِالْحَصْبَاءِ وَيَسْتَخِفُّونَ بِالْغَرِيبِ وَقِيلَ كَانُوا يَتَضَارَطُونَ فِي مَجَالِسِهِمْ قَالَتْهُ عَائِشَةُ وَقِيلَ كَانُوا يَأْتُونَ الرِّجَالَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَبَعْضُهُمْ يَرَى بَعْضًا وَقِيلَ كَانُوا يَلْعَبُونَ بِالْحَمَامِ وَقِيلَ كَانُوا يُنَاقِرُونَ بَيْنَ الدِّيَكَةِ وَيُنَاطِحُونَ بَيْنَ الْكِبَاشِ وَقِيلَ يَبْزُقُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَيَلْعَبُونَ بِالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ وَيَلْبَسُونَ الْمُصَبَّغَاتِ وَكَانَ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ مَضْغُ الْعِلْكِ وَتَطْرِيفُ الْأَصَابِعِ بِالْحِنَّاءِ وَحَلُّ الْإِزَارِ وَالصَّفِيرُ وَلَا مَانِعَ مِنْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ جَمِيعَ هَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ فَتْحِ الْبَيَانِ قُلْتُ يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ هَذَا كَانُوا يَخْذِفُونَ مِنَ الْخَذْفِ

بِالْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ رَمْيُكَ بِحَصَاةٍ أَوْ نَوَاةٍ أَوْ نَحْوِهُمَا تَأْخُذُ بَيْنَ سَبَّابَتَيْكَ وَهَذَا تَفْسِيرٌ لِإِتْيَانِهِمُ الْمُنْكَرَ وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ عَطْفٌ عَلَى يَخْذِفُونَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ سَخِرَ مِنْهُ أَيْ هَزِئَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن جرير وبن أبي حاتم 1 - ومن سُورَةُ الرُّومِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ سِتٌّ أَوْ تِسْعٌ وخمسون اية قَوْلُهُ (لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ ظَهَرَتِ الرُّومُ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي أَوَائِلِ أَبْوَابِ الْقِرَاءَاتِ [3193] قَوْلُهُ (عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ) الْقَصَّابِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحِمَّانِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (قَالَ) أَيِ بن عَبَّاسٍ (غُلِبَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيِ الرُّومُ أَوَّلًا (وَغَلَبَتْ) بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ أَيْ ثُمَّ غَلَبَتْ وَفِي رواية بن جَرِيرٍ فَغُلِبَ الرُّومُ ثُمَّ غَلَبَتْ (أَنْ يَظْهَرَ) أَيْ يَغْلِبَ (لِأَنَّهُمْ) أَيِ الْمُشْرِكِينَ

(فَإِنْ ظَهَرْنَا كَانَ لَنَا كَذَا وَكَذَا) أَيْ مِنْ قَلَائِصَ وَفِي أَثَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود عند بن جَرِيرٍ قَالُوا هَلْ لَكَ أَنْ نُقَامِرَكَ فَبَايَعُوهُ عَلَى أَرْبَعِ قَلَائِصَ أَلَا جَعَلْتَهُ إِلَى دُونَ قال أراه العشر وفي رواية بن جريرة أَفَلَا جَعَلْتَهُ إِلَى دُونِ الْعَشْرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي وبن جرير قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ) أَبُو سَعِيدٍ الْمَدَنِيُّ قَالَ عُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ قُلْتُ لِابْنِ مَعِينٍ كَيْفَ هُوَ فَقَالَ لَا أعرفه وذكره بن حبان في الثقات وقال بن عَدِيٍّ مَجْهُولٌ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَوْلُهُ (قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ فِي مُنَاحَبَةِ الم غُلِبَتِ الروم) الْمُنَاحَبَةُ الْمُرَاهَنَةُ أَلَّا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَشَدَّةِ اللَّامِ حَرْفُ التَّحْضِيضِ احْتَطْتَ مِنَ الِاحْتِيَاطِ وَفِي رواية بن جَرِيرٍ لَمَّا نَزَلَتْ الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أدنى الأرض الْآيَةَ نَاحَبَ أَبُو بَكْرٍ قُرَيْشًا ثُمَّ أَتَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ إِنِّي قَدْ نَاحَبْتُهُمْ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَّا احْتَطْتَ قَوْلُهُ (هَذَا حديث غريب حسن) وأخرجه بن جَرِيرٍ [3194] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) لَمْ يَتَعَيَّنْ لِي أَنَّهُ هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ أَوْ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ

السُّلَمِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ فَإِنَّهُمَا مِنْ شُيُوخِ أَبِي عِيسَى التِّرْمِذِيِّ وَمِنْ أَصْحَابِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ (عَنْ نِيَارِ) بِكَسْرِ النُّونِ وَتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ (بْنِ مُكْرَمٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ صَحَابِيٌّ عَاشَ إِلَى أَوَّلِ خِلَافَةِ معاوية وأنكر بن سَعْدٍ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَقَالَ سَمِعَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ ثِقَةً قَلِيلَ الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (يَصِيحُ فِي نَوَاحِي مَكَّةَ) أَيْ يُنَادِي فِيهَا مِنَ الصِّيَاحِ وَهُوَ الصَّوْتُ بِأَقْصَى الطَّاقَةِ (زَعَمَ صَاحِبُكَ) يَعْنُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وتواضعوا الرهان) أي تواطأوا عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) قَالَ الحافظ بن كَثِيرٍ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا مُرْسَلًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِثْلِ عِكْرِمَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ وَالزُّهْرِيِّ وغيرهم انتهى قلت أخرج بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ رِوَايَةَ عِكْرِمَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ وقتادة رحمهم الله تعالى

باب ومن سورة السجدة

سُورَةُ لُقْمَانَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا وَلَوْ أَنَّ مَا في الأرض من شجرة أقلام الْآيَتَيْنِ فَمَدَنِيَّتَانِ وَهِيَ أَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ آيَةً [3195] قَوْلُهُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَبِيعُوا الْقَيْنَاتِ إِلَخْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ بَيْعِ الْمُغَنِّيَاتِ مِنْ أَبْوَابِ الْبُيُوعِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ 3 - (بَاب وَمِنْ سُورَةِ السَّجْدَةِ) مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَلَاثُونَ آيَةً [3196] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ مُصَغَّرًا أَبُو الْقَاسِمِ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلَالٍ) هُوَ التَّيْمِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سعيد هو الأنصاري قوله تتجافى جنوبهم أي ترتفع وتتنحى عن المضاجع أَيْ مَوَاضِعِ الِاضْطِجَاعِ لِصَلَاتِهِمْ (نَزَلَتْ فِي انْتِظَارِ الصَّلَاةِ الَّتِي تُدْعَى الْعَتَمَةَ) أَيْ صَلَاةَ الْعِشَاءِ وروى أبو

دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا ومما رزقناهم ينفقون قَالَ كَانُوا يَتَيَقَّظُونَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ يُصَلُّونَ قَالَ وَكَانَ الْحَسَنُ يَقُولُ قِيَامُ اللَّيْلِ وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَ بن مردية عَنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عُرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ يُصَلُّونَ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَالَ الْعِرَاقِيُّ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي مَنَاقِبِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّيْتُ مَعَهُ المغرب فصلى حتى صلاة العشاء ثم انفتل قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ أَنَسٌ وَعِكْرِمَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَأَبُو حَازِمٍ وَقَتَادَةُ هُوَ الصَّلَاةُ بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضًا هُوَ انْتِظَارُ صلاة العتمة رواه بن جَرِيرٍ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ [3197] قَوْلُهُ قال الله أَعْدَدْتُ مِنَ الْإِعْدَادِ أَيْ هَيَّأْتُ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ كَلِمَةُ مَا إِمَّا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَوْصُوفَةٌ وَعَيْنٌ وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَأَفَادَ الِاسْتِغْرَاقَ وَلَا خَطَرَ أَيْ وَقَعَ عَلَى قَلْبِ بشر زاد بن مَسْعُودٍ فِي حَدِيثِهِ وَلَا يَعْلَمُهُ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نبي مرسل أخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ وَهُوَ يَدْفَعُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّمَا قِيلَ الْبَشَرُ لِأَنَّهُ يَخْطِرُ بِقُلُوبِ الْمَلَائِكَةِ قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَوْلَى حَمْلُ النَّفْيِ فِيهِ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ فِي النَّفْسِ فَلَا تَعْلَمُ نفس ما أخفى بصيغة المجهول من الاخفاء أي خبيء قَرَأَ الْجُمْهُورُ أُخْفِيَ بِالتَّحْرِيكِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وقرأ حمزة بالإسكان فعلا مضاعفا مسندا للمتكلم يؤيده قراءة بن مَسْعُودٍ نُخْفِي بِنُونِ الْعَظَمَةِ وَقَرَأَهَا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ أَخْفَى بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ الْفَاءِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَهُوَ اللَّهُ وَنَحْوُهَا قِرَاءَةُ الْأَعْمَشِ أخفيت من قرة أعين مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان [3198] قوله (أخبرنا سفيان) هو بن عُيَيْنَةَ قَوْلُهُ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ قال

باب ومن سورة الأحزاب

الْقَاضِي هُوَ مَا أَخَذُوهُ مِنْ كَرَامَةِ مَوْلَاهُمْ وَحَصَّلُوهُ أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ قَصَدُوا مَنَازِلَهُمْ قَالَ وَذَكَرَهُ ثَعْلَبٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَمِثْلَهُ وَمِثْلَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَكَ مِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ خَمْسَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ لك مع هذا ما اشتهت نفسك ولذت عينك زَادَ مُسْلِمٌ قَالَ رَبِّ فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً قَالَ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ قَالَ وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ الْآيَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَى أَرَدْتُ اخْتَرْتُ وَاصْطَفَيْتُ وَأَمَّا غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي إِلَى آخِرِهِ فَمَعْنَاهُ اصْطَفَيْتُهُمْ وَتَوَلَّيْتُهُمْ فَلَا يَتَطَرَّقُ إِلَى كَرَامَتِهِمْ تَغْيِيرٌ وَفِي آخِرِ الْكَلَامِ حَذْفٌ لِلْعِلْمِ بِهِ تَقْدِيرُهُ وَلَمْ يَخْطِرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ مَا أَكْرَمْتُهُمْ بِهِ وَأَعْدَدْتُهُ لَهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 4 - (بَاب وَمِنْ سُورَةِ الْأَحْزَابِ) مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ آيَةً [3199] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هو الإمام الدَّارِمِيُّ (أَخْبَرَنَا صَاعِدُ) بْنُ عُبَيْدٍ الْبَجْلِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ أَوْ أَبُو سَعِيدٍ (الْحَرَّانِيُّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَشِدَّةِ الرَّاءِ بِالنُّونِ مَقْبُولٌ مِنْ كِبَارِ العاشرة (أخبرنا زهير) هو بن مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ (فَخَطَرَ خَطْرَةً) يُرِيدُ الْوَسْوَسَةَ الَّتِي تَحْصُلُ لِلْإِنْسَانِ فِي

صَلَاتِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي حَدِيثِ سُجُودِ السَّهْوِ حَتَّى يَخْطِرَ الشَّيْطَانُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ يريد الوسوسة ومنه حديث بن عباس قام نبي الله يَوْمًا يُصَلِّي فَخَطَرَ خَطْرَةً فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ إِنَّ لَهُ قَلْبَيْنِ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةٍ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَاةً فَسَهَا فِيهَا فَخَطَرَتْ مِنْهُ كَلِمَةٌ فَسَمِعَهَا الْمُنَافِقُونَ فَقَالُوا إِنَّ لَهُ قَلْبَيْنِ فَنَزَلَتْ (أَلَا تَرَى) وَفِي رِوَايَةٍ أَلَا تَرَوْنَ (أَنَّ لَهُ قَلْبَيْنِ قَلْبًا مَعَكُمْ وَقَلْبًا مَعَهُمْ) أَيْ مَعَ أَصْحَابِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جوفه قال بن جَرِيرٍ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمُرَادِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جوفه فَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنَى بِذَلِكَ تَكْذِيبَ قَوْمٍ مِنْ أهل النفاق وصفوا نبي الله بِأَنَّهُ ذُو قَلْبَيْنِ فَنَفَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيِّهِ وكذبهم ثم ذكر أثر بن عَبَّاسٍ هَذَا ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ عنى بذلك رجل مِنْ قُرَيْشٍ كَانَ يُدْعَى ذَا الْقَلْبَيْنِ مِنْ ذِهْنِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ عَنَى بِذَلِكَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ تَبَنَّاهُ فَضَرَبَ اللَّهُ بِذَلِكَ مَثَلًا انْتَهَى وقال بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ يَقُولُ تَعَالَى مُوَطِّئًا قَبْلَ الْمَقْصُودِ الْمَعْنَوِيِّ أَمْرًا مَعْرُوفًا حِسِّيًّا وَهُوَ أَنَّهُ كَمَا لَا يَكُونُ لِلشَّخْصِ الْوَاحِدِ قَلْبَانِ فِي جَوْفِهِ وَلَا تَصِيرُ زَوْجَتُهُ الَّتِي يُظَاهِرُ مِنْهَا بِقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أُمًّا لَهُ كَذَلِكَ لَا يَصِيرُ الدَّعِيُّ وَلَدًا لِلرَّجُلِ إِذَا تَبَنَّاهُ فَدَعَاهُ ابْنًا لَهُ فَقَالَ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم الْآيَةَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ هَذَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنَّفْيِ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَأْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مولى النبي كان النبي قَدْ تَبَنَّاهُ قَبْلَ النُّبُوَّةِ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ فَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَقْطَعَ هَذَا الْإِلْحَاقَ وَهَذِهِ النِّسْبَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وما جعل أدعياءكم أبناءكم كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي أَثْنَاءِ السُّورَةِ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شيء عليما وقال ها هنا ذالكم قولكم بأفواهكم يَعْنِي تَبَنِّيكُمْ لَهُمْ قَوْلٌ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ ابْنًا حَقِيقِيًّا فَإِنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ صُلْبِ رَجُلٍ آخَرَ فَمَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبَوَانِ كَمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلْبَشَرِ الْوَاحِدِ قَلْبَانِ وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ ذُو الْقَلْبَيْنِ وَأَنَّهُ كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ قَلْبَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعَقْلٍ وَافِرٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ رَدًّا عَلَيْهِ هكذا روى العوفي عن بن عَبَّاسٍ وَقَالَ بِهِ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ ثم ذكر بن كثير حديث بن عَبَّاسٍ الَّذِي نَحْنُ فِي

شَرْحِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي قَوْلِهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جوفه قَالَ بَلَغَنَا أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ضُرِبَ لَهُ مَثَلٌ يَقُولُ لَيْسَ بن رَجُلٍ آخَرَ ابْنَكَ وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وبن زَيْدٍ إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهَذَا يُوَافِقُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ التَّفْسِيرِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ [3200] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بمردويه (أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةَ) الْقَيْسِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ أَبُو سَعِيدٍ ثِقَةٌ قَوْلُهُ (قَالَ قَالَ) أَيْ قَالَ ثَابِتٌ قَالَ أَنَسٌ (عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا وَقَوْلُهُ سُمِّيتُ بِهِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ (فَكَبُرَ عَلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَشَقَّ عَلَيْهِ (أَوَّلُ مَشْهَدٍ) أَيْ لِأَنَّ بدرا أول غزوة خرج فيها النبي بِنَفْسِهِ مُقَاتِلًا وَقَدْ تَقَدَّمَهَا غَيْرُهَا لَكِنْ مَا خرج فيها بِنَفْسِهِ مُقَاتِلًا (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (وَاللَّهِ لَئِنْ أَرَانِي اللَّهُ مَشْهَدًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ لَئِنِ اللَّهُ أَشْهَدَنِي قِتَالًا لِلْمُشْرِكِينَ (لَيَرَيَنَّ اللَّهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا لَيَرَيَنَّ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالرَّاءِ أَيْ يَرَاهُ اللَّهُ وَاقِعًا بَارِزًا وَالثَّانِي لَيُرِيَنَّ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ لَيُرِيَنَّ اللَّهُ النَّاسَ مَا أَصْنَعُهُ وَيُبْرِزُهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ (مَا أَصْنَعُ) مَفْعُولٌ لِقَوْلِهِ لَيَرَيَنَّ وَمُرَادُهُ أَنْ يُبَالِغَ فِي الْقِتَالِ وَلَوْ زَهَقَتْ رُوحُهُ (قَالَ) أَيْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ (فَهَابَ) أَيْ خَشِيَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ (أَنْ يَقُولَ غَيْرَهَا) أَيْ غَيْرَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْأَدَبِ مِنْهُ وَالْخَوْفِ لِئَلَّا يَعْرِضَ لَهُ عَارِضٌ فَلَا يَفِيَ بِمَا يَقُولُ فَيَصِيرَ كَمَنْ وَعَدَ فَأَخْلَفَ (فَقَالَ) أَيْ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ (يَا أَبَا عَمْرٍو) هُوَ كُنْيَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ (أَيْنَ) أَيْ أَيْنَ تَذْهَبُ (قَالَ) أَيْ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ ابْتَدَأَ فِي كَلَامِهِ وَلَمْ يَنْتَظِرْ جوابه لغلبته اشْتِيَاقِهِ إِلَى إِيفَاءِ مِيثَاقِهِ وَعَهْدِهِ بِرَبِّهِ بِقَوْلِهِ لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أَصْنَعُ (وَاهًا لِرِيحِ الْجَنَّةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ وَاهًا لَهُ وَيُتْرَكُ تَنْوِينُهُ كَلِمَةُ تَعَجُّبٍ مِنْ طِيبِ شَيْءٍ وَكَلِمَةُ تَلَهُّفٍ انْتَهَى وَالْمُرَادُ هُنَا هُوَ الْأَوَّلُ أَجِدُهَا دُونَ أُحُدٍ أَيْ عِنْدَ أَحَدٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْمَغَازِي فَقَالَ أَيْنَ يَا سَعْدُ إِنِّي أَجِدُ رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ بِأَنْ يَكُونَ شَمَّ رَائِحَةً طَيِّبَةً زَائِدَةً عَمَّا يَعْهَدُ فَعَرَفَ أَنَّهَا رِيحَ الْجَنَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الْيَقِينِ حَتَّى كَأَنَّ الْغَائِبَ عَنْهُ صَارَ مَحْسُوسًا عِنْدَهُ والمعنى أن الموضع الذي أقاتل فيه يؤول بِصَاحِبِهِ إِلَى الْجَنَّةِ (إِلَّا بِبَنَانِهِ) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالنُّونِ جَمْعُ بَنَانَةٍ وَهِيَ الْأُصْبُعُ وَقِيلَ طَرَفُهَا رجال صدقوا ما عاهدوا (

الله عليه الْمُرَادُ بِالْمُعَاهَدَةِ الْمَذْكُورَةِ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قبل لا يولون الأدبار وَكَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ مَا خَرَجُوا إِلَى أُحُدٍ وهذا قول بن إِسْحَاقَ وَقِيلَ مَا وَقَعَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ مِنَ الأنصار (إذ بايعوا النبي أن يؤووه وَيَنْصُرُوهُ وَيَمْنَعُوهُ) وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نحبه أَيْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَصْلُ النَّحْبِ النَّذْرُ فَلَمَّا كَانَ كُلُّ حَيٍّ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْمَوْتِ فَكَأَنَّهُ نَذْرٌ لَازِمٌ لَهُ فَإِذَا مَاتَ فَقَدْ قَضَاهُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ مَاتَ عَلَى عَهْدِهِ لِمُقَابَلَتِهِ بِمَنْ ينتظر ذلك وأخرج ذلك بن أبي حاتم بإسناد حسن عن بن عَبَّاسٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ أي ذلك وما تبدلوا تبديلا أَيْ مَا غَيَّرُوا عَهْدَ اللَّهِ وَلَا نَقَضُوهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم والنسائي [3201] قوله (لأن اللَّهُ أَشْهَدَنِي) أَيْ أَحْضَرَنِي وَاللَّامُ فِي لَئِنْ مَفْتُوحَةٌ دَخَلَتْ عَلَى إِنْ الشَّرْطِيَّةِ لَا جَزَاءَ لَهُ لَفْظًا وَحَذْفُ فِعْلِ الشَّرْطِ فِيهِ مِنَ الْوَاجِبَاتِ وَالتَّقْدِيرُ لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ (انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ) وفي رواية وانهزم الناس (مما جاؤوا بِهِ هَؤُلَاءِ) يَعْنِي مِنْ قِتَالِهِمْ مَعَ رَسُولِ الله (وَأَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ) يَعْنِي مِنْ فِرَارِهِمْ (ثُمَّ تَقَدَّمَ) أَيْ نَحْوَ الْمُشْرِكِينَ (فَلَقِيَهُ سعد) أي بن معاذ (فقال) أي سعد (فلم أستطيع أَنْ أَصْنَعَ مَا صَنَعَ) أَيْ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ نَفَى

اسْتِطَاعَةَ إِقْدَامِهِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ حَتَّى وَقَعَ لَهُ مَا وَقَعَ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى تِلْكَ الْأَهْوَالِ بِحَيْثُ وُجِدَ فِي جَسَدِهِ مَا وُجِدَ فَاعْتَرَفَ سَعْدٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقْدُمَ إِقْدَامَهُ وَلَا يَصْنَعَ صَنِيعَهُ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى بن بَطَّالٍ حَيْثُ قَالَ يُرِيدُ مَا اسْتَطَعْتُ أَنْ أَصِفَ مَا صَنَعَ أَنَسٌ (فَوَجَدَ فِيهِ) أَيْ فِي جَسَدِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ أَنَسٌ فوجد نابه قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن أَبِي حَاتِمٍ [3202] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ) هُوَ الْكِلَابِيُّ الْقَيْسِيُّ (عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو عِيسَى أَوْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ الْكُوفَةِ ثِقَةٌ جَلِيلٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَيُقَالُ إِنَّهُ وُلِدَ فِي عهد النبي قوله (دخلت على معاوية) هو بن أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ طَلْحَةُ هَذَا هُوَ وَالِدُ مُوسَى وَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ قُتِلَ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَكَانَ هُوَ مَعَ جَمَاعَةٍ كَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَمُصْعَبٍ وَسَعِيدٍ وَغَيْرِهِمْ نَذَرُوا إِذَا لَقُوا حَرْبًا ثَبَتُوا حَتَّى يَسْتَشْهِدُوا وَقَدْ ثَبَتَ طَلْحَةُ يَوْمَ أُحُدٍ وَبَذَلَ جَهْدَهُ حَتَّى شُلَّتْ يده وقى بها النبي وَأُصِيبَ فِي جَسَدِهِ بِبِضْعٍ وَثَمَانِينَ مِنْ بَيْنِ طَعْنٍ وَضَرْبٍ وَرَمْيٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذَاقَ الْمَوْتَ فِي اللَّهِ وَإِنْ كَانَ حَيًّا لِمَا ذَاقَ مِنْ شَدَائِدَ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى شَهِيدٍ يَمْشِي إِلَخْ وَقِيلَ الْمَوْتُ عِبَارَةٌ عَنِ الْغَيْبُوبَةِ عَنْ عَالَمِ الشَّهَادَةِ وَقَدْ كَانَ هَذَا حَالَهُ مِنَ الِانْجِذَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن أبي حاتم وبن جَرِيرٍ [3203] قَوْلُهُ (عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى) بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ قَوْلُهُ (يوقرونه

وَيَهَابُونَهُ) جُمْلَتَانِ حَالِيَّتَانِ مِنْ ضَمِيرِ لَا يَجْتَرِئُونَ هَذَا يَعْنِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن أبي حاتم وبن جَرِيرٍ وَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ وَالَّذِي قَبْلَهُ فِي مَنَاقِبِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ [3204] قَوْلُهُ (عَنْ يونس بن يزيد) هو بن أبي النحار الأيلي (عن أبي سلمة) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَوْلُهُ فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَسْتَعْجِلِي أَيْ فَلَا بَأْسَ عَلَيْكِ فِي التَّأَنِّي وَعَدَمِ الْعَجَلَةِ حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ أَيْ تُشَاوِرِي وَتَطْلُبِي مِنْهُمَا أَنْ يُبَيِّنَا لَكِ رَأْيَهُمَا فِي ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ حَتَّى تَسْتَشِيرِي أَبَوَيْكِ يَا أَيُّهَا النبي قل لأزواجك وَهُنَّ تِسْعٌ وَطَلَبْنَ مِنْهُ مِنْ زِينَةِ الدُّنْيَا مَا لَيْسَ عِنْدَهُ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدنيا أَيِ السَّعَةَ فِي الدُّنْيَا وَكَثْرَةَ الْأَمْوَالِ وَزِينَتَهَا فتعالين أي أقبلن بإرادتكن واختياركن وبعده أمتعكن أي متعة الطلاق وأسرحكن سراحا جميلا أَيْ أُطَلِّقْكُنَّ مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ وَإِنْ كُنْتُنَّ تردن الله ورسوله والدار الاخرة أَيِ الْجَنَّةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أي بإرادة الاخرة أجرا عظيما أَيِ الْجَنَّةَ (فِي أَيِّ هَذَا) وَيُرْوَى فَفِي أَيِّ شَيْءٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ

[3205] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ) فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ أَبُو عَلِيِّ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَبْلَهُ وَإِلَّا فَمَجْهُولٌ انْتَهَى وَالَّذِي قَبْلَهُ هُوَ يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ الْمَكِّيُّ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ قَالَ الْحَافِظُ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ إِنَّمَا يُرِيدُ الله ليذهب عنكم الرجس قِيلَ هُوَ الشَّكُّ وَقِيلَ الْعَذَابُ وَقِيلَ الْإِثْمُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الرِّجْسُ اسْمٌ لِكُلِّ مُسْتَقْذَرٍ مِنْ عَمَلٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ أَهْلَ الْبَيْتِ نَصَبَهُ عَلَى النِّدَاءِ وَيُطَهِّرَكُمْ مِنَ الْأَرْجَاسِ وَالْأَدْنَاسِ (فِي بَيْتِ أُمِّ سَلِمَةَ) مُتَعَلِّقٌ بِنَزَلَتْ (فَجَلَّلَهُمْ بِكِسَاءٍ) أَيْ غَطَّاهُمْ بِهِ مِنَ التَّجْلِيلِ (فَجَلَّلَهُ بِكِسَاءٍ) أَيْ آخَرَ (قَالَتْ أُمُّ سَلِمَةَ وَأَنَا مَعَهُمْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ) بِتَقْدِيرِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ أَنْتِ عَلَى مَكَانِكِ وَأَنْتِ عَلَى خَيْرٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنْتِ خَيْرٌ وَعَلَى مَكَانِكِ مِنْ كَوْنِكِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَلَا حَاجَةَ لَكِ فِي الدُّخُولِ تَحْتَ الْكِسَاءِ كَأَنَّهُ مَنَعَهَا عَنْ ذَلِكَ لِمَكَانٍ عَلِيٍّ وَأَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنْتِ عَلَى خَيْرٍ وَإِنْ لَمْ تَكُونِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِي كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ قُلْتُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ فقال بن عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ وَالْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ إِنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ هم زوجات النبي خاصة قالوا والمراد بالبيت بيت النبي وَمَسَاكِنُ زَوْجَاتِهِ لِقَوْلِهِ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بيوتكن وَأَيْضًا السِّيَاقُ فِي الزَّوْجَاتِ مِنْ قَوْلِهِ يَا أيها النبي قل لأزواجك إلى قوله لطيفا خبيرا وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَرُوِيَ عَنِ الْكَلْبِيِّ أَنَّ أَهْلَ الْبَيْتِ الْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ هُمْ عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ خَاصَّةً وَمِنْ حُجَجِهِمُ الْخِطَابُ فِي الْآيَةِ بِمَا يَصْلُحُ للذكور لا للإناث وهو قوله عنكم وليطهركم وَلَوْ كَانَ لِلنِّسَاءِ خَاصَّةً لَقَالَ عَنْكُنَّ وَلِيُطَهِّرَكُنَّ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ التَّذْكِيرَ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الْأَهْلِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت وَكَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ كَيْفَ أَهْلُكَ يُرِيدُ زَوْجَتَهُ أَوْ زَوْجَاتِهِ فَيَقُولُ هُمْ بِخَيْرٍ وَتَمَسَّكَ الأولون أيضا بما أخرجه بن أبي حاتم وبن عساكر من طريق

عكرمة عن بن عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ قَالَ نَزَلَتْ فِي نِسَاءِ النبي خَاصَّةً وَقَالَ عِكْرِمَةُ مَنْ شَاءَ بَاهَلْتُهُ أَنَّهَا نزلت في أزواج النبي وَرُوِيَ هَذَا عَنْهُ بِطُرُقٍ وَتَمَسَّكَ الْآخَرُونَ أَيْضًا بِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْبَابِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا وَقَدْ تَوَسَّطَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ فَجَعَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ شَامِلَةً لِلزَّوْجَاتِ وَلِعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ أَمَّا الزَّوْجَاتُ فَلِكَوْنِهِنَّ الْمُرَادَاتِ فِي سِيَاقِ هَذِهِ الْآيَاتِ كَمَا قَدَّمْنَا وَلِكَوْنِهِنَّ السَّاكِنَاتِ فِي بُيُوتِهِ النَّازِلَاتِ فِي مَنَازِلِهِ وَيَعْضُدُ ذَلِكَ مَا تَقَدَّمَ عن بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ وَأَمَّا دُخُولُ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فَلِكَوْنِهِمْ قَرَابَتَهُ وَأَهْلَ بَيْتِهِ فِي النَّسَبِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِأَنَّهُمْ سَبَبُ النُّزُولِ فَمَنْ جَعَلَ الْآيَةَ خَاصَّةً بِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ أَعْمَلَ بَعْضَ مَا يَجِبُ إِعْمَالُهُ وَأَهْمَلَ مَا لَا يَجُوزُ إِهْمَالُهُ وَقَدْ رَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمُ الْقُرْطُبِيُّ وبن كَثِيرٍ وَغَيْرُهُمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن جرير والطبراني وبن مَرْدَوَيْهِ [3206] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ) هُوَ بن جُدْعَانَ قَوْلُهُ الصَّلَاةَ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ أَيْ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْفَجْرِ وَحَانَتْ أَوِ احْضُرُوا الصَّلَاةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن أبي شيبة وبن جرير وبن المنذر والطبراني والحاكم وصححه بن مَرْدَوَيْهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الْحَمْرَاءِ وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ وَأُمِّ سَلِمَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أبي الحمراء فأخرجه بن جرير وبن مردويه وفيه قال رأيت رسول الله إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ جَاءَ إِلَى بَابِ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البيت ويطهركم تطهيرا وَفِي سَنَدِهِ أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى وَاسْمُهُ نُفَيْعُ بْنُ الْحَرْثِ وَهُوَ وَضَّاعٌ كَذَّابٌ وَأَمَّا حَدِيثُ معقل بن سيار فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي فَضْلِ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ أَخْرَجَهُ مسلم عنها قالت خرج النبي غَدَاةً وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ مِنْ شَعَرٍ أَسْوَدَ فَجَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَدَخَلَ مَعَهُ ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةُ فَأَدْخَلَهَا ثُمَّ جَاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويطهركم تطهيرا [3207] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ بِكَسْرِ زَايٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ وَكَسْرِ رَاءٍ وَبِقَافٍ الرَّقَاشِيُّ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ مَتْرُوكٌ وَكَذَّبَهُ الْأَزْدِيُّ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ وَإِذْ) مَنْصُوبٌ بِاذْكُرْ تقول للذي أنعم الله عليه

هُوَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ (فأعتقته) وكان من سبي الجاهلية اشتراه رسول الله فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَعْتَقَهُ وَتَبَنَّاهُ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ أَيْ لَا تُطَلِّقْ زَوْجَكَ هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ابْنَةُ عَمَّةِ رَسُولِ الله وَأُمُّهَا أُمَيْمَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَاتَّقِ اللَّهَ أي في أمر طلاقها (وتخفى الْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّكَ تُخْفِي فِي نفسك ما الله مبديه أَيْ مُظْهِرُهُ وَهُوَ نِكَاحُهَا إِنْ طَلَّقَهَا زَيْدٌ وَقِيلَ حُبُّهَا وَالصَّحِيحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ عِنْدِي هُوَ الأول وتخشى الناس أَيْ تَخَافُ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ تَزَوَّجَ مُحَمَّدٌ زوجة ابنه والله أحق أن تخشاه أي في كل شيء وتزوجكها وَلَا عَلَيْكَ مِنْ قَوْلِ النَّاسِ وَبَعْدَ هَذَا فلما قضى زيد منها وطرا أَيْ حَاجَةً وَقَضَاءُ الْوَطَرِ فِي اللُّغَةِ بُلُوغُ مُنْتَهَى مَا فِي النَّفْسِ مِنَ الشَّيْءِ يُقَالُ وَطَرًا مِنْهُ إِذَا بَلَغَ مَا أَرَادَ مِنْ حَاجَتِهِ فِيهِ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّهُ قَضَى وَطَرَهُ مِنْهَا بِنِكَاحِهَا وَالدُّخُولِ بِهَا بِحَيْثُ لَمْ يَبْقَ لَهُ فِيهَا حَاجَةٌ وَتَقَاصَرَتْ عَنْهُ هِمَّتُهُ وَطَابَتْ عَنْهُ نَفْسُهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّلَاقُ لِأَنَّ الرَّجُلَ إِنَّمَا يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ إِذَا لَمْ يَبْقَ له فيها حاجة زوجناكها أي لم نحرجك إِلَى وَلِيٍّ مِنَ الْخَلْقِ يَعْقِدُ لَكَ عَلَيْهَا تَشْرِيفًا لَكَ وَلَهَا فَلَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّهُ بِذَلِكَ دَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ وَلَا عَقْدٍ وَلَا تَقْدِيرِ صَدَاقٍ وَلَا شَيْءٍ مِمَّا هُوَ مُعْتَبَرٌ فِي النِّكَاحِ فِي حَقِّ أُمَّتِهِ وَهَذَا مِنْ خصوصياته الَّتِي لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ تَزَوُّجُهُ بِزَيْنَبَ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ مَاتَ مِنْ زَوْجَاتِهِ الشَّرِيفَاتِ الْمُطَهَّرَاتِ مَاتَتْ بَعْدَهُ بِعَشْرِ سِنِينَ عَنْ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْأَمْرُ لَهُ بِأَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَبِهِ جَاءَتِ الْأَخْبَارُ الصَّحِيحَةُ كَذَا فِي فَتْحِ البيان لكيلا يكون على المؤمنين حرج أَيْ ضِيقُ عِلَّةٍ لِلتَّزْوِيجِ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ وَحُكْمَ الْأُمَّةِ وَاحِدٌ إِلَّا مَا خصه الدليل في أزواج أدعيائهم جَمْعُ دَعِيٍّ وَهُوَ الْمُتَبَنَّى أَيْ فِي التَّزْوِيجِ بِأَزْوَاجِ مَنْ يَجْعَلُونَهُ ابْنًا كَمَا كَانَ الْعَرَبُ يَفْعَلُونَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَتَبَنَّوْنَ مَنْ يُرِيدُونَ وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِسَاءُ مَنْ تَبَنَّوْهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ نِسَاءُ أَبْنَائِهِمْ حَقِيقَةً فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ أَنَّ نِسَاءَ الْأَدْعِيَاءِ حَلَالٌ لَهُمْ إِذَا قضوا منهن وطرا أي إذا طلق الأدعياء أزواجهم

بخلاف بن الصُّلْبِ فَإِنَّ امْرَأَتَهُ تَحْرُمُ عَلَى أَبِيهِ بِنَفْسِ العقد عليها وكان أمر الله مفعولا أَيْ قَضَاءُ اللَّهِ مَاضِيًا وَحُكْمُهُ نَافِذًا وَقَدْ قَضَى فِي زَيْنَبَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ (لَمَّا تَزَوَّجَهَا) أَيْ زَيْنَبَ (قَالُوا تَزَوَّجَ حَلِيلَةَ ابْنِهِ) أَيْ زَوْجَةَ ابْنِهِ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أبا أحد من رجالكم أي فليس أَبَا زَيْدٍ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّزْوِيجُ بِزَوْجَتِهِ زينب ولكن رسول الله أي ولكن كان رسول الله وخاتم النبيين قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَقُرِئَ بِفَتْحِهَا وَمَعْنَى الْأُولَى أَنَّهُ خَتَمَهُمْ أَيْ جَاءَ آخِرَهُمْ وَمَعْنَى الثَّانِيَةِ أَنَّهُ صَارَ كَالْخَاتَمِ لَهُمُ الَّذِي يَخْتِمُونَ بِهِ وَيَتَزَيَّنُونَ بِكَوْنِهِ مِنْهُمْ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الْوَجْهُ الْكَسْرُ لِأَنَّ التَّأْوِيلَ أَنَّهُ خَتَمَهُمْ فَهُوَ خَاتِمُهُمْ وَأَنَّهُ قَالَ أَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ وَخَاتِمُ الشَّيْءِ آخِرُهُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْخَاتِمُ هُوَ الَّذِي خُتِمَ بِهِ وَالْمَعْنَى خَتَمَ اللَّهُ بِهِ النُّبُوَّةَ فلا نبوة بعده ولا معه قال بن عَبَّاسٍ يُرِيدُ لَوْ لَمْ أَخْتِمْ بِهِ النَّبِيِّينَ لَجَعَلْتُ لَهُ ابْنًا يَكُونُ بَعْدَهُ نَبِيًّا وَعَنْهُ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا حَكَمَ أَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ لَمْ يُعْطِهِ وَلَدًا ذَكَرًا يَصِيرُ رَجُلًا وَعِيسَى مِمَّنْ نُبِّئَ قَبْلَهُ وَحِينَ يَنْزِلُ يَنْزِلُ عاملا على شريعة محمد كأنه بعض أمته أدعوهم لآبائهم لِلصُّلْبِ وَانْسُبُوهُمْ إِلَيْهِمْ وَلَا تَدْعُوهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ هو أقسط عند الله تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِدُعَاءِ الْأَبْنَاءِ لِلْآبَاءِ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى مَصْدَرِ ادْعُوهُمْ وَمَعْنَى أَقْسَطُ أَعْدَلُ أَيْ أَعْدَلُ مِنْ كُلِّ كَلَامٍ يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فَتَرَكَ الْإِضَافَةَ لِلْعُمُومِ كَقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ أَعْدَلُ من قولكم هو بن فُلَانٍ وَلَمْ يَكُنِ ابْنَهُ لِصُلْبِهِ فَإِنْ لَمْ تعلموا آباءهم تنسبونهم إليهم فإخوانكم أي فهم إخوانكم في الدين ومواليكم فقولوا أخي ومولاي ولا تقولوا بن فُلَانٍ حَيْثُ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ عَلَى الْحَقِيقَةِ قَالَ الزَّجَّاجُ مَوَالِيكُمْ أَيْ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الدِّينِ وَقِيلَ الْمَعْنَى فَإِنْ كَانُوا مُحَرَّرِينَ وَلَمْ يَكُونُوا أَحْرَارًا فَقُولُوا مَوَالِي فُلَانٍ قَوْلُهُ (هَذَا الْحَرْفُ لَمْ يُرْوَ بِطُولِهِ) أَيْ رُوِيَ مُقْتَصَرًا عَلَى هَذَا الْقَدْرِ فَحَسْبُ وَلَمْ يُرْوَ بِطُولِهِ مِثْلَ الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَنَقَلَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ حَاصِلَ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا بِلَفْظِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ رُوِيَ عَنْ دَاوُدَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ إِلَى قَوْلِهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا بَعْدَهُ ثُمَّ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الْقَدْرُ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَأَظُنُّ الزَّائِدَ مُدْرَجًا فِي الْخَبَرِ فَإِنَّ الرَّاوِيَ لَهُ

عَنْ دَاوُدَ لَمْ يَكُنْ بِالْحَافِظِ انْتَهَى قُلْتُ وَالرَّاوِي عَنْ دَاوُدَ فِي الرِّوَايَةِ الطَّوِيلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ هُوَ دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ مَتْرُوكٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3209] قَوْلُهُ (حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ) قال الحافظ بن كَثِيرٍ هَذَا أَمْرٌ نَاسِخٌ لِمَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ مِنْ جَوَازِ ادِّعَاءِ الْأَبْنَاءِ الْأَجَانِبِ وَهُمُ الْأَدْعِيَاءُ فَأَمَرَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِرَدِّ نَسَبِهِمْ إِلَى آبَائِهِمْ فِي الْحَقِيقَةِ وَأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَدْلُ وَالْقِسْطُ وَالْبِرُّ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ أَيْ هُوَ أَعْدَلُ عِنْدَهُ مِنْ قَوْلِكُمْ هُوَ بن فلان ولم يكن ابنه لصلبه ولم أَقْسَطُ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ قَصَدَ بِهِ الزِّيَادَةَ مُطْلَقًا مِنَ الْقِسْطِ بِمَعْنَى الْعَدْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3210] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ) الْمَازِنِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (قَالَ) أَيِ الشَّعْبِيُّ (مَا كَانَ لِيَعِيشَ لَهُ فِيكُمْ وَلَدٌ ذكر) يعني حتى يبلغ الحلم فإنه وُلِدَ لَهُ الْقَاسِمُ وَالطَّيِّبُ وَالطَّاهِرُ مِنْ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَمَاتُوا صِغَارًا وَوُلِدَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ مِنْ مَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ فَمَاتَ أَيْضًا رَضِيعًا وكان له مِنْ خَدِيجَةَ أَرْبَعُ بَنَاتٍ زَيْنَبُ وَرُقْيَةُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ وَفَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ فَمَاتَتْ في حياته ثَلَاثٌ وَتَأَخَّرَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حَتَّى أصيبت به ثُمَّ مَاتَتْ بَعْدَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ [3211] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ الْعَبْدِيُّ أَبُو دَاوُدَ وَيُقَالُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ فِي غَيْرِ الزهري من السابعة (عن حصين) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ الْكُوفِيُّ أَبُو الْهُذَيْلِ (عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ يُقَالُ اسْمُهَا نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ بْنِ عَمْرٍو فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ

) فَذَكَرَ اللَّهُ لَهُنَّ عَشْرَ مَرَاتِبَ مَعَ الرِّجَالِ فَمَدَحَهُنَّ بِهَا مَعَهُمْ الْأُولَى الْإِسْلَامُ وَالثَّانِيَةُ الْإِيمَانُ قال الحافظ بن كَثِيرٍ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ والمؤمنات دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْإِيمَانَ غَيْرُ الْإِسْلَامِ وَهُوَ أَخَصُّ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قلوبكم وَفِي الصَّحِيحَيْنِ لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَيَسْلُبُهُ الْإِيمَانَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ كُفْرُهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَخَصُّ مِنْهُ انْتَهَى وَالثَّالِثَةُ الْقُنُوتُ وَهُوَ قَوْلُهُ والقانتين والقانتات أَيِ الْمُطِيعِينَ وَالْمُطِيعَاتِ وَقِيلَ الْمُدَاوِمِينَ عَلَى الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالْبَاقِيَةُ ظَاهِرَةٌ وَاضِحَةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالطَّبَرَانِيُّ [3213] قوله (حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ) السَّدُوسِيُّ أَبُو الْفَضْلِ الْبَصْرِيُّ لَقَبُهُ عَارِمٌ ثِقَةٌ ثَبْتٌ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (تَقُولُ زَوَّجَكُنَّ أَهْلُوكُنَّ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَالْأَهْلُونَ وَالْأَهَالِي كِلَاهُمَا جَمْعُ أَهْلٍ وَالْأَوَّلُ عَلَى الْقِيَاسِ وَالثَّانِي عَلَى غَيْرِهِ وَأَهْلُ الرَّجُلِ امْرَأَتُهُ وَوَلَدُهُ وَكُلُّ مَنْ فِي عِيَالِهِ وَكَذَا كُلُّ أَخٍ أو أخت أو عم أو بن عَمٍّ أَوْ صَبِيٍّ أَجْنَبِيٍّ يَعُولُهُ فِي مَنْزِلِهِ وَعَنِ الْأَزْهَرِيِّ أَهْلُ الرَّجُلِ أَخَصُّ النَّاسِ بِهِ وَيُكْنَى بِهِ عَنِ الزَّوْجَةِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (وَزَوَّجَنِي اللَّهُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ) وَفِي مُرْسَلِ الشعبي قالت زينب يا رسول الله أَنَا أَعْظَمُ نِسَائِكَ عَلَيْكَ حَقًّا أَنَا خَيْرُهُنَّ مَنْكَحًا وَأَكْرَمُهُنَّ سَفِيرًا وَأَقْرَبُهُنَّ رَحِمًا فَزَوَّجَنِيكَ الرَّحْمَنُ مِنْ فَوْقِ عَرْشِهِ وَكَانَ جِبْرِيلُ هُوَ السَّفِيرُ بِذَلِكَ وَأَنَا ابْنَةُ عَمَّتِكَ وَلَيْسَ لَكَ مِنْ نِسَائِكَ قَرِيبَةٌ غَيْرِي أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو الْقَاسِمِ

الطَّحَاوِيُّ فِي كِتَابِ الْحُجَّةِ وَالتِّبْيَانِ لَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3214] قَوْلُهُ (عَنِ السُّدِّيِّ) اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) اسْمُهُ بَاذَامَ وَيُقَالُ لَهُ بَاذَانُ قَوْلُهُ (فَاعْتَذَرْتُ إِلَيْهِ فَعَذَرَنِي) قَالَ فِي الصُّرَاحِ الِاعْتِذَارُ غَدْرُ خواستن وَالْعُذْرُ بِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ مَعْذُورٌ داشتن وَقَالَ صَاحِبُ الْمِشْكَاةِ فِي الْإِكْمَالِ فِي تَرْجَمَةِ أُمِّ هَانِئٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كان رسول الله خَطَبَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَخَطَبَهَا هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ فَزَوَّجَهَا أَبُو طَالِبٍ مِنْ هُبَيْرَةَ وَأَسْلَمَتْ فَفَرَّقَ الْإِسْلَامُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ هُبَيْرَةَ وَخَطَبَهَا النَّبِيُّ فَقَالَتْ وَاللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَأُحِبُّكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَكَيْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَكِنِّي امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ فَسَكَتَ عَنْهَا انْتَهَى وَقَوْلُهَا إِنِّي امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الصَّادِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ ذَاتُ صَبِيٍّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أجورهن أَيْ مُهُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ الله عليك أَيْ أَبَاحَ لَكَ التَّسَرِّي مِمَّا أَخَذْتَ مِنَ الْمَغَانِمِ وَقَدْ مَلَكَ صَفِيَّةَ وَجُوَيْرِيَةَ فَأَعْتَقَهُمَا وَتَزَوَّجَهُمَا وَمَلَكَ رَيْحَانَةَ بِنْتَ شَمْعُونَ النَّضْرِيَّةَ وَمَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةَ أُمَّ ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَانَتَا مِنَ السَّرَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ معك أَيْ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَنْ لَمْ تُهَاجِرْ مِنْهُنَّ لم يجز له نِكَاحُهَا (الْآيَةَ) بَقِيَّتُهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا

وامرأة مؤمنة أَيْ وَأَحْلَلْنَا لَكَ امْرَأَةً مُصَدِّقَةً بِالتَّوْحِيدِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَافِرَةَ لَا تَحِلُّ لَهُ قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِ الحرة الكافرة عليه قال بن الْعَرَبِيِّ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي تَحْرِيمُهَا وَبِهَذَا يَتَمَيَّزُ عَلَيْنَا فَإِنَّهُ مَا كَانَ فِي جَانِبِ الْفَضَائِلِ وَالْكَرَامَاتِ فَحَظُّهُ فِيهِ أَكْثَرُ وَمَا كَانَ مِنْ جَانِبِ النقائص فَجَانِبُهُ عَنْهَا أَطْهَرُ فَجَوَّزَ لَنَا نِكَاحَ الْحَرَائِرِ الكتابيات وقصر هو عَلَى الْمُؤْمِنَاتِ وَلِهَذَا كَانَ لَا تَحِلُّ لَهُ الكتابية الكافر لِنُقْصَانِهَا بِالْكُفْرِ انْتَهَى إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إن أراد أي النبي أن يستنكحها أَيْ يَطْلُبَ نِكَاحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ المؤمنين لَفْظُ خَالِصَةً حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي وَهَبَتْ أَوْ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ أَيْ خَلَصَ لَكَ إِحْلَالُ مَا أَحْلَلْنَا لَكَ خَالِصَةً بِمَعْنَى خُلُوصًا وَالْفَاعِلَةُ فِي الْمَصَادِرِ غَيْرُ عَزِيزٍ كَالْعَافِيَةِ وَالْكَاذِبَةِ وَكَانَ من خصائصه أَنَّ النِّكَاحَ يَنْعَقِدُ فِي حَقِّهِ بِمَعْنَى الْهِبَةِ مِنْ غَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ وَلَا مَهْرٍ لقوله خالصة لك من دون المؤمنين وَالزِّيَادَةُ عَلَى أَرْبَعٍ وَوُجُوبُ تَخْيِيرِ النِّسَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ بِلَفْظِ الْهِبَةِ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ أَوِ التَّزْوِيجِ وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ يَنْعَقِدُ بِلَفْظِ التَّمْلِيكِ وَالْهِبَةِ وَمَنْ قَالَ بالقول الأول اختلفوا في نكاح النبي فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ كَانَ يَنْعَقِدُ فِي حقه بِلَفْظِ الْهِبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى خَالِصَةً لَكَ مِنْ دون المؤمنين وذهب آخرون إِلَى أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ إِلَّا بِلَفْظِ الْإِنْكَاحِ أَوِ التَّزْوِيجِ كَمَا فِي حَقِّ سَائِرِ الْأُمَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا وَكَانَ اخْتِصَاصُهُ فِي تَرْكِ الْمَهْرِ لَا فِي لَفْظِ النِّكَاحِ (قَالَتْ) أَيْ أُمُّ هَانِئٍ (كُنْتُ مِنَ الطُّلَقَاءِ) بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَبِالْمَدِّ جَمْعُ طَلِيقٍ هُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا يَوْمَ الْفَتْحِ وَمَنَّ عَلَيْهِمْ وَخَلَّى عَنْهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن) وأخرجه بن جرير والطبراني وبن أبي حاتم [3215] قَوْلُهُ (نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ لَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَاتُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَزَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ (فَهَمَّ بِطَلَاقِهَا) أَيْ أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا (فَاسْتَأْمَرَ) أَيِ استثار قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والبخاري قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ) بْنُ حُمَيْدٍ (أَخْبَرَنَا رَوْحُ) بْنُ عُبَادَةَ قَوْلُهُ (قَالَ) أَيِ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أن تبدل بترك إحدى التائين في الأصل بهن من أزواج بِأَنْ تُطَلِّقَهُنَّ أَوْ بَعْضَهُنَّ وَتَنْكِحَ بَدَلَ مَنْ طلقت إلا ما ملكت يمينك من الإماء فتحل لك قال الحافظ بن

كَثِيرٍ ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نزلت مجازاة لأزواج النبي وَرِضًا عَنْهُنَّ عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِنَّ فِي اخْتِيَارِهِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةِ لَمَّا خَيَّرَهُنَّ رَسُولُ الله فلما اخترن رسول الله كَانَ جَزَاؤُهُنَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَصَرَهُ عَلَيْهِنَّ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِغَيْرِهِنَّ أَوْ يَسْتَبْدِلَ بِهِنَّ أَزْوَاجًا غَيْرَهُنَّ وَلَوْ أَعْجَبَهُ حُسْنُهُنَّ إِلَّا الْإِمَاءَ وَالسَّرَارِيَّ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيهِنَّ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى رَفَعَ عَنْهُ الْحَرَجَ فِي ذَلِكَ وَنَسَخَ حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ وَأَبَاحَ لَهُ التَّزَوُّجَ وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ تَزَوُّجٌ لتكون المنة لرسول الله عَلَيْهِنَّ ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ الْآتِيَ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى الْآيَةِ لَا يحل لك النساء من بعد أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا ذَكَرْنَا لَكَ مِنْ صِفَةِ النِّسَاءِ اللَّاتِي أَحْلَلْنَا لَكَ مِنْ نِسَائِكَ اللَّاتِي أَتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَبَنَاتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالِ وَالْخَالَاتِ وَالْوَاهِبَةَ وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ النِّسَاءِ فَلَا يَحِلُّ لَكَ هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَالضَّحَّاكِ فِي رِوَايَةٍ وَأَبِي صَالِحٍ وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ قَالَ وَاخْتِيَارُ بن جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِيمَنْ ذُكِرَ مِنْ أَصْنَافِ النِّسَاءِ وَفِي النِّسَاءِ اللَّوَاتِي فِي عِصْمَتِهِ وَكُنَّ تِسْعًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ جَيِّدٌ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ كَثِيرٍ مِمَّنْ حَكَيْنَا عَنْهُ مِنَ السَّلَفِ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ رُوِيَ عَنْهُ هَذَا وَهَذَا وَلَا مُنَافَاةَ انْتَهَى (ثُمَّ قَالَ) أي ثم قرأ بن عَبَّاسٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وهو في الآخرة من الخاسرين يَعْنِي وَمَنْ يَجْحَدْ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ من توحيده ونبوة محمد وَمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَقَدْ بَطَلَ ثَوَابُ عَمَلِهِ الَّذِي كَانَ عَمِلَهُ فِي الدُّنْيَا وَخَابَ وَخَسِرَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهَذِهِ الآية في سورة المائدة والظاهر أن بن عَبَّاسٍ قَرَأَهَا لِبَيَانِ وَجْهِ تَحْرِيمِ اللَّهِ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّ ذَاتِ دِينٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ [3216] قَوْلُهُ عَنْ عَمْرٍو هُوَ بن دينار قوله (ما مات رسول الله حَتَّى أُحِلَّ لَهُ النِّسَاءُ) وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سلمة عند بن أبي حاتم لم يمت رسول الله حَتَّى أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مِنَ النِّسَاءِ مَا شَاءَ إِلَّا ذَاتَ مَحْرَمٍ وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ

الآية قال بن كَثِيرٍ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ (فَجُعَلَتْ هَذِهِ) أي ترجى من تشاء منهن الْآيَةَ (نَاسِخَةً لِلَّتِي بَعْدَهَا فِي التِّلَاوَةِ) أَيْ لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حسنهن إلا ما ملكت يمينك (كآبتي عِدَّةِ الْوَفَاةِ فِي الْبَقَرَةِ الْأُولَى نَاسِخَةٌ لِلَّتِي بَعْدَهَا) انْتَهَى الْمُرَادُ بِالْآيَةِ الْأُولَى وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعشرا وَبِالْآيَةِ الثَّانِيَةِ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وصية لأزاوجهم متاعا إلى الحول غير إخراج قُلْتُ اخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ فَقِيلَ مَعْنَاهُ تَعْتَزِلُ مَنْ شِئْتَ مِنْهُنَّ بِغَيْرِ طلاق وتقسم لغيرها وقال بن عَبَّاسٍ تُطَلِّقُ مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُمْسِكُ مَنْ تَشَاءُ وَقَالَ الْحَسَنُ تَتْرُكُ نِكَاحَ مَنْ شِئْتَ وَتَنْكِحُ مَنْ شِئْتَ مِنَ النِّسَاءِ وَقِيلَ تَقْبَلُ مَنْ تَشَاءُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ اللَّاتِي يَهَبْنَ أَنْفُسَهُنَّ فَتُؤْوِيهَا إِلَيْكَ وَتَتْرُكُ مَنْ تَشَاءُ فَلَا تَقْبَلُهَا فَقَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَاسِخَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بعد إِلَخْ إِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي [3219] قوله (عن بيان) هو بن بشر قوله (بنى رسول الله بِامْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ) هِيَ زَيْنَبُ أَيْ دَخَلَ بِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْبِنَاءُ وَالِابْتِنَاءُ الدُّخُولُ بِالزَّوْجَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَنَى عَلَيْهَا قُبَّةً لِيَدْخُلَ بِهَا فِيهَا فَيُقَالُ بَنَى الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَلَا يُقَالُ بَنَى بِأَهْلِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْحَدِيثِ وَغَيْرِ الْحَدِيثِ وَعَادَ الْجَوْهَرِيُّ اسْتَعْمَلَهُ فِي كِتَابِهِ انْتَهَى (إِلَى الطَّعَامِ) أَيْ طَعَامِ الْوَلِيمَةِ (قام رسول الله مُنْطَلِقًا قِبَلَ بَيْتِ عَائِشَةَ فَرَأَى رَجُلَيْنِ جَالِسَيْنِ) فِيهِ اخْتِصَارٌ وَإِجْمَالٌ تُوَضِّحُهُ رِوَايَاتُ الْبُخَارِيِّ وَمُحَصَّلُ الْقِصَّةِ أَنَّ الَّذِينَ حَضَرُوا الْوَلِيمَةَ جَلَسُوا يَتَحَدَّثُونَ واستحى النبي أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالْخُرُوجِ فَتَهَيَّأَ لِلْقِيَامِ لِيَفْطِنُوا لِمُرَادِهِ

فَيَقُومُوا بِقِيَامِهِ فَلَمَّا أَلْهَاهُمُ الْحَدِيثُ عَنْ ذَلِكَ قَامَ وَخَرَجَ فَخَرَجُوا بِخُرُوجِهِ إِلَّا الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ لَمْ يَفْطِنُوا لِذَلِكَ لِشِدَّةِ شُغْلِ بَالِهِمْ بِمَا كَانُوا فِيهِ مِنَ الْحَدِيثِ وَفِي غُضُونِ ذَلِكَ كان النبي يُرِيدُ أَنْ يَقُومُوا مِنْ غَيْرِ مُوَاجَهَتِهِمْ بِالْأَمْرِ بِالْخُرُوجِ لِشِدَّةِ حَيَائِهِ فَيُطِيلُ الْغِيبَةَ عَنْهُمْ بِالتَّشَاغُلِ بِالسَّلَامِ عَلَى نِسَائِهِ وَهُمْ فِي شُغْلِ بَالِهِمْ وَكَانَ أَحَدُهُمْ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ أَفَاقَ مِنْ غَفْلَةٍ فَخَرَجَ وَبَقِيَ الِاثْنَانِ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ ووصل النبي إِلَى مَنْزِلِهِ فَرَآهُمَا فَرَجَعَ فَرَأَيَاهُ لَمَّا رَجَعَ فحينئذ فطنا فخرجا فدخل النبي وَأُنْزِلَتِ الْآيَةُ فَأَرْخَى السِّتْرَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنَسٍ خَادِمِهِ أَيْضًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ بِذَلِكَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النبي إلا أن يؤذن لكم أي في الدخول بالدعاء إلى طعام أي فتدخلوا غير ناظرين أي منتظرين إناه أَيْ نُضْجَهُ مَصْدَرُ أَنَى يَأْنِي وَبَعْدَهُ وَلَكِنْ إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم أي أكلتم الطعام فانتشروا أَيْ فَاخْرُجُوا مِنْ مَنْزِلِهِ وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ أَيْ لَا تُطِيلُوا الْجُلُوسَ لِيَسْتَأْنِسَ بَعْضُكُمْ بِحَدِيثِ بعض (إن ذلكم) أَيِ الْمُكْثَ وَإِطَالَةَ الْجُلُوسِ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فيستحي منكم أي من إخراجكم والله لا يستحي من الحق أَيْ لَا يَتْرُكُ بَيَانَهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) أَيْ طُولٌ وَكَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَرَوَى ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ هَذَا الْحَدِيثَ بِطُولِهِ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي بَابِ زَوَاجِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَنُزُولِ الْحِجَابِ مِنْ كِتَابِ النِّكَاحِ [3217] قَوْلُهُ (حدثنا أَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ) الْجُمَحِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَمْرٍو وقيل أبو حاتم بصرى صدوق يخطىء من التاسعة (قال بن عَوْنٍ حُدِّثْنَاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ) الضَّمِيرُ في قال راجع إلى أشهد وبن عون مبتدأ وحدثناه خبره أي قال أشهد بْنُ عَوْنٍ حُدِّثْنَا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بن سعيد وبن عَوْنٍ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ وَعَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ (عَرَّسَ بِهَا) مِنَ التَّعْرِيسِ أَيْ بَنَى بِهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَعْرَسَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُعْرِسٌ إِذَا دَخَلَ بِامْرَأَتِهِ عِنْدَ بِنَائِهَا وَلَا يُقَالُ فِيهِ عَرَّسَ قُلْتُ قَوْلُهُ وَلَا يُقَالُ فِيهِ عَرَّسَ تَرُدُّهُ رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ قِيلَ هُوَ أَيْ عَرَّسَ لُغَةً فِي أَعْرَسَ (فَاحْتَبَسَ) الْحَبْسُ الْمَنْعُ وَاحْتَبَسَهُ حَبَسَهُ فَاحْتَبَسَ لَازِمٌ وَمُتَعَدٍّ كَذَا فِي الْقَامُوسِ (فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ) وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النبي إِلَخْ [3218] قَوْلُهُ (عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْجَعْدُ بْنُ دِينَارٍ الْيَشْكُرِيُّ أَبُو عُثْمَانَ الصَّيْرَفِيُّ الْبَصْرِيُّ صَاحِبُ الْحُلِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ) هِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ (فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا) هُوَ الطَّعَامُ الْمُتَّخَذُ مِنَ التَّمْرِ وَالْأَقِطِ وَالسَّمْنِ وَقَدْ يُجْعَلُ عِوَضَ الْأَقِطِ الدَّقِيقُ أَوِ الْفَتِيتُ (فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ) بِفَتْحِ تَاءٍ وَسُكُونِ وَاوٍ هُوَ إِنَاءٌ مِنْ صُفْرٍ أَوْ حِجَارَةٍ كَالْإِجَّانَةِ وَقَدْ يُتَوَضَّأُ مِنْهُ (قَالَ زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وفتح الهاء وبالمد أي قدر ثلاث مائة مِنْ زَهَوْتُ الْقَوْمَ أَيْ حَزْرَتُهُمْ وَهُوَ بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ كَانُوا وَقِيلَ بِرَفْعِهِ أَيْ عَدَدْنَا مِقْدَارَ ثَلَاثِمِائَةٍ هَاتِ بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ أَعْطِنِي (حَتَّى امْتَلَأَتِ الصُّفَّةُ) بِضَمِّ صَادٍ وَتَشْدِيدِ فَاءٍ هُوَ مَوْضِعٌ مُظَلَّلٌ فِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ الصُّفَّةِ فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ يَسْكُنُهُ فَكَانُوا يَأْوُونَ إِلَيْهِ (لِيَتَحَلَّقْ) الْحَلْقَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ هِيَ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ مُسْتَدِيرُونَ كَحَلْقَةِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ وَالتَّحَلُّقُ تَفَعُّلٌ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدُوا ذَلِكَ ارْفَعْ أَيِ الطَّعَامَ (حِينَ وَضَعْتُ) أَيِ الطَّعَامَ قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ

صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَيَجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رِوَايَةِ حُمَيْدٍ (يَعْنِي عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ بَنَى بِزَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ فَأَشْبَعَ النَّاسَ خبزا ولحما) بأنه أَوْلَمَ عَلَيْهِ بِاللَّحْمِ وَالْخُبْزِ وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ أُمُّ سُلَيْمٍ الْحَيْسَ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِأَصْدِقَاءِ الْمُتَزَوِّجِ أَنْ يَبْعَثُوا إِلَيْهِ بِطَعَامٍ يُسَاعِدُونَهُ بِهِ عَلَى وَلِيمَتِهِ وَفِيهِ الِاعْتِذَارُ إِلَى الْمَبْعُوثِ إِلَيْهِ وَقَوْلُ الْإِنْسَانِ نَحْوُ قَوْلِ أُمِّ سُلَيْمٍ هَذَا مِنَّا لَكَ قَلِيلٌ انْتَهَى (وَزَوْجَتُهُ مُوَلِّيَةٌ وَجْهَهَا) وَكَذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَزَوْجَتُهُ بِالتَّاءِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِالتَّاءِ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ تَكَرَّرَتْ فِي الْحَدِيثِ وَالشِّعْرِ الْمَشْهُورُ حَذْفُهَا (فَثَقُلُوا) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَضَمِّ الْقَافِ (قَالَ أَنَسٌ أَنَا أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِهَذِهِ الْآيَاتِ) يَعْنِي أَوَّلُ النَّاسِ عِلْمًا بِهَذِهِ الْآيَةِ فَعَلِمْتُهَا أَوَّلًا ثُمَّ عَلِمَهَا النَّاسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والنسائي وبن أَبِي حَاتِمٍ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ فَقَالَ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ نَحْوَهُ [3220] قَوْلُهُ (عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ) كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى آلِ عُمَرَ يُعْرَفُ بِالْمُجْمِرِ بِسُكُونِ الْجِيمِ وَضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَكَذَا أَبُوهُ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الَّذِي كَانَ

أَدَّى النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ) يَعْنِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ وَالِدَ مُحَمَّدٍ هَذَا هُوَ الَّذِي أَدَّى النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هُوَ الَّذِي كَانَ أَدَّى النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ) اسْمُهُ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو صَحَابِيٌّ بَدْرِيٌّ جَلِيلٌ قَوْلُهُ (فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ) بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ جُلَاسٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ بَدْرِيٌّ اسْتُشْهِدَ بِعَيْنِ التَّمْرِ (أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ) أَيْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بقوله صلوا عليه وسلموا تسليما فَكَيْفَ نَلْفِظُ بِالصَّلَاةِ (حَتَّى ظَنَنَّا) مِنَ الظَّنِّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ حَتَّى تَمَنَّيْنَا مِنَ التَّمَنِّي (أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ كَرِهْنَا سؤاله مخافة من أن يكون النبي كَرِهَ سُؤَالَهُ وَشَقَّ عَلَيْهِ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى الْبَرَكَةِ هُنَا الزِّيَادَةُ مِنَ الْخَيْرِ وَالْكَرَامَةِ وَقِيلَ هِيَ بِمَعْنَى التَّطْهِيرِ وَالتَّزْكِيَةِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ مَعْنَاهُ قَدْ أَمَرَكُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيَّ فَأَمَّا الصَّلَاةُ فَهَذِهِ صِفَتُهَا وَأَمَّا السَّلَامُ فَكَمَا عَلِمْتُمْ فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهُ وَبَرَكَاتُهُ وَقَوْلُهُ عَلِمْتُمْ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُخَفَّفَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ عَلَّمْتُكُمُوهُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي حُمَيْدٍ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِي سَنَدِهِ أَبُو دَاوُدَ الْأَعْمَى اسْمُهُ نُفَيْعٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَمُتَّهَمٌ بِالْوَضْعِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى إِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى أَلْفَاظِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَرَاجِعِ النَّيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي

[3221] قوله (عن عوف) هو بن أَبِي جَمِيلَةَ الْأَعْرَابِيُّ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ (ومحمد) هو بن سِيرِينَ (وَخِلَاسٌ) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وآخره مهملة هو بن عَمْرٍو الْهَجَرِيُّ قَوْلُهُ كَانَ رَجُلًا حَيِيًّا بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ التَّحْتَانِيَّةِ الْخَفِيفَةِ بَعْدَهَا أُخْرَى مُثْقَلَةٌ بِوَزْنِ فَعِيلٍ مِنَ الْحَيَاءِ أَيْ ذَا حَيَاءٍ سَتِيرًا بِفَتْحِ السِّينِ بِوَزْنِ كَرِيمٍ وَيُقَالُ ستيرا بكسر السين وتشديد الفوقية المسكورة بِوَزْنِ سِكِّينٍ أَيْ ذَا تَسَتُّرٍ يَسْتَتِرُ فِي الْغُسْلِ مَا يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ هَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ اغْتِسَالَ بَنِي إِسْرَائِيلَ عُرَاةً بِمَحْضَرٍ مِنْهُمْ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِمْ وَإِنَّمَا اغْتَسَلَ مُوسَى وَحْدَهُ اسْتِحْيَاءً فَآذَاهُ مَنْ آذَاهُ بِالْمَدِّ فِيهِمَا مِنَ الْإِيذَاءِ إِمَّا بَرَصٌ مُحَرَّكَةٌ بَيَاضٌ يَظْهَرُ فِي ظَاهِرِ الْبَدَنِ لِفَسَادِ مِزَاجٍ وَإِمَّا أُدْرَةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الدَّالِ نَفْخَةٌ فِي الْخُصْيَةِ يُقَالُ رَجُلٌ آدَرُ بَيِّنُ الْأَدَرِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالدَّالِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَوْفٍ الْجَزْمُ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّهُ آدَرُ وَإِنَّ اللَّهَ أَرَادَ أَنْ يُبَرِّئَهُ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ مِنَ التَّبْرِئَةِ أَيْ يُنَزِّهَهُ عَنْ نِسْبَةِ ذَلِكَ الْعَيْبِ وَإِنَّ مُوسَى خَلَا يَوْمًا وَحْدَهُ أَيِ انْفَرَدَ عَنِ النَّاسِ يَوْمًا حَالَ كَوْنِهِ مُنْفَرِدًا عَدَا بِثَوْبِهِ أَيْ فَرَّ وَمَضَى مُسْرِعًا ثَوْبِي حَجَرُ ثَوْبِي حَجَرُ أَيْ أَعْطِنِي ثَوْبِي أَوْ رُدَّ ثَوْبِي وَحَجَرُ بِالضَّمِّ عَلَى حَذْفِ النِّدَاءِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى مَلَأٍ أَيْ جَمَاعَةٍ وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِيهِمُ الْمُؤْذِينَ فَرَأَوْهُ عُرْيَانًا أَيْ أَبْصَرُوهُ حَالَ كَوْنِهِ عُرْيَانًا وَطَفِقَ بِكَسْرِ الْفَاءِ أخذ وشرع بالحجر ضربا يضربه ضَرْبًا فَالْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ كَمَا فِي قوله سبحانه فطفق مسحا بالسوق والأعناق فَوَاللَّهِ إِنَّ بِالْحَجَرِ لَنَدَبًا بِالتَّحْرِيكِ أَثَرَ الْجُرْحِ إِذَا لَمْ يَرْتَفِعْ عَنِ الْجِلْدِ فَشُبِّهَ بِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ فِي الْحَجَرِ قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بَقِيَّةُ الْحَدِيثِ وَقَدْ بَيَّنَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ فِي الْغُسْلِ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى وَلَفْظُ رِوَايَةِ هَمَّامٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْغُسْلِ هَكَذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَاللَّهِ إِنَّهُ لَنَدَبٌ بِالْحَجَرِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ ضَرْبًا بِالْحَجَرِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تكونوا كالذين آذوا موسى

باب ومن سورة سبأ

أَيْ لَا تُؤْذُوا نَبِيَّكُمْ كَمَا آذَى بَنُو إِسْرَائِيلَ مُوسَى وَهُوَ قَوْلُهُمْ إِنَّهُ آدَرُ فَبَرَّأَهُ الله مما قالوا أَيْ فَطَهَّرَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا فِيهِ وَكَانَ عند الله وجيها أَيْ كَرِيمًا ذَا جَاهٍ وَقَدْرٍ وَمِمَّا أُوذِيَ به نبينا أَنَّهُ قَسَمَ قَسْمًا فَقَالَ رَجُلٌ هَذِهِ قِسْمَةٌ مَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ فَغَضِبَ النَّبِيُّ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 5 - (باب ومن سُورَةُ سَبَأٍ) مَكِّيَّةٌ إِلَّا وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا العلم الْآيَةَ وَهِيَ أَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ آيَةً [3222] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ) اسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ (عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحَكَمِ النَّخَعِيِّ) كُنْيَتُهُ أَبُو الْحَكَمِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ السَّادِسَةِ (حَدَّثَنِي أَبُو سَبْرَةَ النَّخَعِيُّ) الْكُوفِيُّ يُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَابِسٍ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا الْمُرَادِيِّ ثُمَّ الْغُطَيْفِيِّ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الْكُوفَةَ يُكْنَى أَبَا عُمَيْرٍ وَاسْتَعْمَلَهُ عُمَرُ قَوْلُهُ (مَنْ أَدْبَرَ) أَيْ عَنِ الْإِسْلَامِ (بِمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ) أَيْ مَعَ مَنْ آمَنَ مِنْ قَوْمِي (فِي قِتَالِهِمْ) أَيْ فِي قِتَالِ مَنْ أَدْبَرَ مِنْ قَوْمِي (وَأَمَّرَنِي) أَيْ جَعَلَنِي أَمِيرًا مَا فَعَلَ الْغُطَيْفِيُّ يَعْنِي فَرْوَةَ بْنَ مُسَيْكٍ (فأخبر) بصغية الْمَجْهُولِ (فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي) بِفَتْحَتَيْنِ وَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ عَقِبِي قَالَ فِي الْقَامُوسِ خَرَجَ فِي

أَثَرِهِ وَإِثْرِهِ أَيْ بَعْدَهُ (فَرَدَّنِي) أَيْ فَأَرْجَعَنِي ادْعُ الْقَوْمَ أَيْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَاقْبَلْ مِنْهُ أَيْ فَاقْبَلِ الْإِسْلَامَ مِنْهُ فَلَا تَعْجَلْ أَيْ بِقِتَالِهِمْ حَتَّى أُحْدِثَ إِلَيْكَ يَعْنِي حَتَّى آمُرَكَ بِأَمْرٍ حَادِثٍ جَدِيدٍ (وَأُنْزِلَ فِي سَبَأٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَبِالْهَمْزَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا الْقَبِيلَةُ الَّتِي هِيَ مِنْ أَوْلَادِ سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ بْنِ هُودٍ (مَا أُنْزِلَ) أَيْ مِنَ الْآيَاتِ وَلَدَ عَشَرَةً بِالنَّصْبِ إِذَا كَانَ وَلَدَ بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ وَبِالرَّفْعِ إِذَا كَانَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ وُلِدَ لَهُ عَشَرَةٌ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَتَيَامَنَ مِنْهُمْ سِتَّةٌ أَيْ أَخَذُوا نَاحِيَةَ الْيَمَنِ وَسَكَنُوا بِهَا وَتَشَاءَمَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةٌ أَيْ قَصَدُوا جِهَةَ الشَّامِ فَلَخْمٌ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَجُذَامُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ بِوَزْنِ غُرَابٍ (وَغَسَّانُ) بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ بِوَزْنِ شَدَّادٍ وَعَامِلَةُ بِكَسْرِ الْمِيمِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ بَنُو عَامِلَةَ بْنِ سَبَأٍ حَيٌّ بِالْيَمَنِ وَأَمَّا الَّذِينَ تَيَامَنُوا فَالْأَزْدُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ (وَالْأَشْعَرُونَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْأَشْعَرُ أَبُو قَبِيلَةٍ بِالْيَمَنِ مِنْهُمْ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَيَقُولُونَ جَاءَتْكَ الْأَشْعَرُونَ بِحَذْفِ يَاءِ النَّسَبِ وَحِمْيَرُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ بِوَزْنِ دِرْهَمٍ وَكِنْدَةُ بِكَسْرِ الْكَافِ وَسُكُونِ النُّونِ (وَمَذْحِجٌ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَكَسْرِ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَبِجِيمٍ (وَأَنْمَارٌ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ (الَّذِينَ مِنْهُمْ خَثْعَمٌ) بِوَزْنِ جَعْفَرٍ (وَبَجِيلَةُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ كَسَفِينَةٍ قَوْلُهُ (هذا حديث غريب حسن) وأخرجه أحمد وبن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مُخْتَصَرًا فِي كِتَابِ الْحُرُوفِ وَالْقِرَاءَاتِ [3223] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرٍو) هُوَ بن دِينَارٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ فِي السَّمَاءِ أَمْرًا أَيْ إِذَا حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِأَمْرٍ مِنَ الْأُمُورِ ضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خَضَعَانًا بِفَتْحَتَيْنِ مِنَ الْخُضُوعِ وَفِي رِوَايَةٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى خَاضِعِينَ قَالَهُ الْحَافِظُ لِقَوْلِهِ أَيْ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى كَأَنَّهَا أَيْ كلماته

الْمَسْمُوعَةَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَأَنَّهُ أَيِ الْقَوْلَ الْمَسْمُوعَ سِلْسِلَةٌ أَيْ مِنَ الْحَدِيدِ عَلَى صَفْوَانٍ هُوَ الْحَجَرُ الْأَمْلَسُ فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ بِضَمِّ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ كُشِفَ عَنْهُمُ الْفَزَعُ وَأُزِيلَ قَالُوا أَيْ سَأَلَ بعضهم بعضا قالوا الحق أَيْ قَالَ اللَّهُ الْقَوْلَ الْحَقَّ قِيلَ الْمُجِيبُونَ هم الملائكة المقربون كجبرئيل وميكائيل وغيرهما قلت ويؤيده حديث بن مسعود الآتي وهو العلي الكبير أي ذو العلو والكبرياء وفي حديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ قَالَ إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صَلْصَلَةً كَجَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفَاةِ فَيُصْعَقُونَ فَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ جِبْرِيلُ فَإِذَا جَاءَ فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ فَيَقُولُونَ يَا جَبْرَائِيلُ مَاذَا قَالَ رَبُّكَ فَيَقُولُ الْحَقَّ فَيَقُولُونَ الْحَقَّ وَالشَّيَاطِينُ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ أَيْ لِاسْتِرَاقِ السَّمْعِ زَادَ الْبُخَارِيُّ فَيَسْمَعُهَا مُسْتَرِقُ السَّمْعِ هَكَذَا بَعْضُهُ فَوْقَ بَعْضٍ فَيَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيُلْقِيهَا إِلَى مَنْ تَحْتَهُ ثُمَّ يُلْقِيهَا الْآخَرُ إِلَى مَنْ تَحْتَهُ حَتَّى يُلْقِيَهَا عَلَى لِسَانِ السَّاحِرِ أَوِ الْكَاهِنِ فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَهَا وَرُبَّمَا أَلْقَاهَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُ فَيَكْذِبَ مَعَهَا مِائَةَ كَذْبَةٍ فَيُقَالُ أَلَيْسَ قَدْ قَالَ لَنَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا فَيُصَدَّقُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ الَّتِي مِنَ السَّمَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وأبو داود وبن ماجه [3224] قوله (أخبرنا عبد الأعلى) هو بن عبد الأعلى (عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ) بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ الْمَدَنِيُّ الْمَعْرُوفِ بِزَيْنِ الْعَابِدِينَ قَوْلُهُ (إِذَا رُمِيَ بِنَجْمٍ) أَيْ قُذِفَ بِهِ وَالْمَعْنَى انْقَضَّ كَوْكَبٌ وَهُوَ جَوَابُ بَيْنَمَا (فَاسْتَنَارَ) أَيِ الْجَوُّ بِهِ مَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ لِمِثْلِ هَذَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا رَأَيْتُمُوهُ لَيْسَ سُؤَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلِاسْتِعْلَامِ لِأَنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ بَلْ لِأَنْ يُجِيبُوا عَمَّا كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَيُزِيلَهُ عَنْهُمْ وَيَقْلَعَهُ عَنْ أَصْلِهِ (يَمُوتُ عَظِيمٌ) أَيْ رَجُلٌ عَظِيمٌ لَا يُرْمَى بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ بِهِ أَيْ بِالنَّجْمِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ أَيْ وَلَا لِحَيَاةِ أَحَدٍ آخَرَ تَبَارَكَ اسْمُهُ أَيْ تَكَاثَرَ خَيْرُ اسْمِهِ حَتَّى يَبْلُغَ التَّسْبِيحُ أَيْ صَوْتُهُ أَوْ نَوْبَتُهُ إِلَى هَذِهِ السَّمَاءِ أَيِ السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيُخْبِرُونَهُمْ أَيْ أَهْلُ السَّمَاءِ السَّادِسَةِ بِمَا قَالَ اللَّهُ

باب ومن سورة الملائكة

تَعَالَى حَتَّى يَبْلُغَ الْخَبَرُ أَيْ يَصِلَ وَتَخْتَطِفَ الشَّيَاطِينُ مِنَ الِاخْتِطَافِ أَيْ تَسْتَرِقَ فَيُرْمَوْنَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيِ الشَّيَاطِينُ يُقْذَفُونَ بِالشُّهُبِ فَيَقْذِفُونَهُ أَيْ مَا سَمِعُوهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الكهنة والمنجمين فما جاؤوا به أي أوليائهم عَلَى وَجْهِهِ أَيْ مِنْ غَيْرِ تَصَرُّفٍ فِيهِ فَهُوَ حَقٌّ أَيْ كَائِنٌ وَاقِعٌ (وَيَزِيدُونَ) أَيْ يَزِيدُونَ فِيهِ دَائِمًا كِذْبَاتٍ أُخَرَ مُنْضَمَّةً إِلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ بن عَبَّاسٍ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ مسلم 6 - (باب ومن سُورَةُ الْمَلَائِكَةِ) وَتُسَمَّى سُورَةَ فَاطِرٍ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ آيَةً [3225] قَوْلُهُ ثُمَّ أورثنا أَيْ أَعْطَيْنَا الْكِتَابَ أَيِ الْقُرْآنَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا من عبادنا هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمنهم ظالم لنفسه بالتقصير في العمل به ومنهم مقتصد يعمل بِهِ فِي أَغْلَبِ الْأَوْقَاتِ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ يَضُمُّ إِلَى الْعَمَلِ بِهِ التَّعْلِيمَ وَالْإِرْشَادَ إِلَى العمل بإذن الله

أَيْ بِإِرَادَتِهِ (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ أَيِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ كُلُّهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ قَالَ الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ مَعْنَاهُ أَيْ فِي أَنَّهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ فَرْقٌ فِي الْمَنَازِلِ فِي الْجَنَّةِ وَقَالَ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الذين اصطفينا من عبادنا قَالَ هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَّثَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ فَظَالِمُهُمْ يُغْفَرُ لَهُ وَمُقْتَصِدُهُمْ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَسَابِقُهُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ أَنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْمُصْطَفَيْنَ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ عِوَجٍ وَتَقْصِيرٍ وَقَالَ آخَرُونَ بَلِ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَا مِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْوَارِثِينَ لِلْكِتَابِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ بن جَرِيرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ وَكَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طُرُقٍ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا فَذَكَرَهَا وَمِنْهَا حَدِيثُ الْبَابِ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله فَأَمَّا الَّذِينَ سَبَقُوا فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَأَمَّا الَّذِينَ اقْتَصَدُوا فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا وَأَمَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يُحْبَسُونَ فِي طُولِ الْمَحْشَرِ ثُمَّ هُمُ الَّذِينَ تَلَافَاهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فَهُمُ الَّذِينَ يقولون (الحمد لله الذين أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ) وأخرجه أحمد وبن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ وَفِي أَسَانِيدِ كُلِّهِمْ مَنْ لَمْ يُسَمَّ فَتَحْسِينُ التِّرْمِذِيِّ لَهُ لِشَوَاهِدِهِ بَاب وَمِنْ سُورَةُ يس مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ آيَةً قَوْلُهُ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ الْعَبْدِيِّ الْوَاسِطِيِّ قَوْلُهُ (كَانَتْ بَنُو سَلِمَةَ) بِكَسْرِ اللَّامِ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِ سَلِمَةُ بِكَسْرِ اللَّامِ غَيْرُهُمْ (فَأَرَادُوا النُّقْلَةَ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْقَافِ أي الانتقال إنا نحن نحيي الموتى أي يوم القيامة وفيه إشارة إلى

سُورَةُ يس مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ آيَةً [3226] قوله (عن أبي نضرة) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِي قَلْبَ مَنْ يَشَاءُ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ قَدْ مَاتَتْ قُلُوبُهُمْ بِالضَّلَالَةِ فَيَهْدِيهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْحَقِّ وَنَكْتُبُ مَا قدموا أَيْ فِي حَيَاتِهِمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ لِيُجَازَوْا عليهم وآثارهم فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا نَكْتُبُ أَعْمَالَهُمُ الَّتِي بَاشَرُوهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَآثَارَهُمُ الَّتِي أَثَرُوهَا مِنْ بَعْدِهِمْ فَيَجْزِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ الْبَغَوِيِّ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ آثَارُ خُطَاهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ أَوِ الْمَعْصِيَةِ قَالَ بن أَبِي نَجِيحٍ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ مَا قَدَّمُوا أَعْمَالُهُمْ وَآثَارَهُمْ قَالَ خُطَاهُمْ بِأَرْجُلِهِمْ وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَآثَارَهُمْ يَعْنِي خُطَاهُمْ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الثَّانِي حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا قال الحافظ بن كَثِيرٍ وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ بَلْ فِي هَذَا تَنْبِيهٌ وَدَلَالَةٌ عَلَى ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى فَإِنَّهُ إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْآثَارُ تُكْتَبُ فَلَأَنْ تُكْتَبَ تِلْكَ الَّتِي فِيهَا قُدْوَةٌ بِهِمْ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى انْتَهَى إِنَّ آثَارَكُمْ تُكْتَبُ أَيْ يُكْتَبُ أَجْرُ خُطَاكُمْ وَثَوَابُ أَقْدَامِكُمْ قَوْلُهُ (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن أبي حاتم وبن جرير والبزار

باب ومن سورة الصافات

[3227] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ حِينَ غَابَتِ الشَّمْسُ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِإِسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ فِي بَابِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا مِنْ أَبْوَابِ الْفِتَنِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ 8 - (باب ومن سورة الصافات) مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِائَةٌ وَاثْنَتَانِ وَثَمَانُونَ آيَةً [3228] قَوْلُهُ دَعَا أَيْ أَحَدًا إِلَى شَيْءٍ أَيْ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعْصِيَةِ إِلَّا كَانَ أَيِ الدَّاعِي لَازِمًا لَهُ أَيْ لِلشَّيْءِ الَّذِي دَعَا إِلَيْهِ وَظَاهِرُ رواية بن جَرِيرٍ الْآتِيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ الْمَرْفُوعَ فِي كَانَ رَاجِعٌ إِلَى الْمَدْعُوِّ وَالْمَجْرُورَ فِي لَهُ إِلَى الدَّاعِي فَتَفَكَّرْ وَتَأَمَّلْ وَإِنْ وَصْلِيَّةٌ دَعَا رَجُلٌ رَجُلًا أَيْ إِلَى شَيْءٍ وَرَوَى بن جَرِيرٍ هَذَا الْحَدِيثَ بِلَفْظِ أَيُّمَا رَجُلٍ دَعَا رَجُلًا إِلَى شَيْءٍ كَانَ مَوْقُوفًا لَازِمًا بِغَارِبِهِ لَا يُفَارِقُهُ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ وَقِفُوهُمْ إنهم مسؤولون أي احبسوهم عند الصِّرَاطِ حَتَّى يُسْأَلُوا عَنْ أَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمُ الَّتِي صدرت عنهم في الدار الدنيا مالكم لا تناصرون أَيْ يُقَالُ لَهُمْ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا مَا لَكُمْ لَا يَنْصُرُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَحَالِكُمْ فِي الدُّنْيَا قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه بن أبي حاتم وبن جَرِيرٍ وَفِي سَنَدِهِ لَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ وَكَانَ قَدِ اختلط أخيرا ولم يتيمنه حديثه ف ترك وَفِيهِ أَيْضًا بِشْرٌ عَنْ أَنَسٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ [3229] قوله وأرسلناه أَيْ يُونُسَ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ السَّلَامُ إلى مائة

ألف أو يزيدون قال بن عَبَّاسٍ مَعْنَاهُ وَيَزِيدُونَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ بَلْ يَزِيدُونَ وَقِيلَ أَوْ عَلَى أَصْلِهَا وَالْمَعْنَى أَوْ يَزِيدُونَ فِي تَقْدِيرِ الرَّائِي إِذَا رَآهُمْ قَالَ هَؤُلَاءِ مِائَةُ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ عَلَى ذَلِكَ فَالشَّكُّ عَلَى تَقْدِيرِ الْمَخْلُوقِينَ قَالَ الْخَازِنُ وَالْأَصَحُّ هُوَ قول بن عباس الأول وأما الزيادة تقدير فقال بن عَبَّاسٍ كَانُوا عِشْرِينَ أَلْفًا وَيَعْضُدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ) وَقِيلَ يَزِيدُونَ بِضْعًا وَثَلَاثِينَ أَلْفًا وَقِيلَ سَبْعِينَ أَلْفًا انْتَهَى (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرُونَ أَلْفًا وَبِهِ قال بن عَبَّاسٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ كَانُوا مِائَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا وَعَنْهُ مِائَةَ أَلْفٍ وَبِضْعَةً وَأَرْبَعِينَ وَعَنْهُ مِائَةَ أَلْفٍ وَبِضْعَةً وَثَلَاثِينَ أَلْفًا قَوْلُهُ (هَذَا حديث غريب) وأخرجه بن أبي حاتم وبن جَرِيرٍ وَفِي سَنَدِهِ مَجْهُولٌ [3230] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ) الْأَزْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ أَبُو سَلَمَةَ الشَّامِيُّ أَصْلُهُ مِنَ الْبَصْرَةِ أَوْ وَاسِطٍ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ وَجَعَلْنَا ذريته أَيْ ذُرِّيَّةَ نُوحٍ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ والسلام هم الباقين أَيْ وَحْدَهُمْ دُونَ غَيْرِهِمْ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ ضَمِيرُ الْفَصْلِ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ أَهْلَكَ الْكَفَرَةَ بِدُعَائِهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ بَاقِيَةٌ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مَاتُوا كَمَا قِيلَ وَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَوْلَادُهُ (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَامٌ وَسَامٌ وَيَافِثُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَلَدُ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ثَلَاثَةٌ سَامٌ وَيَافِثُ وَحَامٌ وَوَلَدُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ ثَلَاثَةٌ فَوَلَدُ سَامٍ الْعَرَبُ وَفَارِسُ وَالرُّومُ وَوَلَدُ يَافِثَ التُّرْكُ وَالصَّقَالِبَةُ وَيَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَوَلَدُ حَامٍ الْقِبْطُ وَالسُّودَانُ وَالْبَرْبَرُ وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ نَحْوُ هَذَا قَوْلُهُ (بِالتَّاءِ) أَيِ الْفَوْقِيَّةِ (وَالثَّاءِ) أَيِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِكَسْرِ الْفَاءِ فِيهِمَا (وَيُقَالُ يَفَثُ) أَيْ بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حسن غريب) وأخرجه بن جريج وبن أبي

باب ومن سورة ص

حَاتِمٍ وَفِي سَمَاعِ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ كَلَامٌ مَعْرُوفٌ وَسَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ [3231] قَوْلُهُ وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ الْمُرَادُ بِالرُّومِ هَا هُنَا هُمُ الرُّومُ الْأُوَلُ وَهُمُ الْيُونَانُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى رُومِيِّ بْنِ لَيْطِيِّ بْنِ يُونَانَ بْنِ نوح عليه السلام قاله بن كَثِيرٍ وَحَدِيثُ سَمُرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وأبو يعلى وبن الْمُنْذِرِ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ 9 - (بَاب وَمِنْ سُورَةِ ص) مَكِّيَّةٌ وَهِيَ سِتٌّ أَوْ ثَمَانٍ وَثَمَانُونَ آيَةً [3232] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ) هُوَ الزُّبَيْرِيُّ (عَنِ يَحْيَى) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ يَحْيَى بن عمارة ويقال بن عباد وقيل عبادة كوفي روى عن بن عَبَّاسٍ قِصَّةَ مَوْتِ أَبِي طَالِبٍ وَعَنْهُ الْأَعْمَشُ ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَالَ الْحَافِظُ وَجَزَمَ بِكَوْنِهِ يَحْيَى بْنَ عُمَارَةَ وَكَذَا الْبُخَارِيُّ وَيَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ قَوْلُهُ (مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ فَجَاءَتْهُ قُرَيْشٌ وجاءه النبي) وفي رواية بن جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ لَمَّا مَرِضَ أَبُو طَالِبٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَهْطٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهِمْ أَبُو جَهْلٍ فقالوا إن بن أَخِيكَ يَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ وَيَقُولُ وَيَقُولُ فَلَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ فَنَهَيْتَهُ فَبَعَثَ إِلَيْهِ فَجَاءَ النبي فَدَخَلَ الْبَيْتَ (مَجْلِسُ رَجُلٍ) أَيْ مَوْضِعُ جُلُوسِ رجل (كي يمنعه) أي النبي عن الجلوس فيه وفي رواية بن جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَبِي طَالِبٍ قَدْرُ مَجْلِسِ رَجُلٍ فَخَشِيَ أَبُو جَهْلٍ لَعَنَهُ اللَّهُ إِنْ جَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يَكُونَ أَرَقَّ لَهُ عَلَيْهِ فَوَثَبَ فَجَلَسَ فِي ذلك المجلس ولم يجد رسول الله مَجْلِسًا قُرْبَ عَمِّهِ فَجَلَسَ عِنْدَ الْبَابِ (وَشَكَوْهُ إِلَى أَبِي طَالِبٍ) أَيْ قَالُوا لَهُ إِنَّ بن أَخِيكَ يَشْتُمُ آلِهَتَنَا وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ وَيَقُولُ

ويقول كما في رواية بن جَرِيرٍ (فَقَالَ) أَيْ أَبُو طَالِبٍ لِرَسُولِ اللَّهِ (يا بن أَخِي مَا تُرِيدُ مِنْ قَوْمِكَ) وَفِي رِوَايَةِ بن جرير فقال له أبو طالب أي بن أَخِي مَا بَالُ قَوْمِكَ يَشْكُونَكَ وَيَزْعُمُونَ أَنَّكَ تَشْتُمُ آلِهَتَهُمْ وَتَقُولُ وَتَقُولُ أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً تَدِينُ لَهُمْ بِهَا الْعَرَبُ أَيْ تُطِيعُهُمْ وَتَخْضَعُ لَهُمُ الْعَرَبُ بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ وَتُؤَدِّي إِلَيْهِمُ الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ أَيْ تُعْطِيهِمُ الْعَجَمُ الْجِزْيَةَ بِسَبَبِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ (قَالَ) أَيْ أَبُو طَالِبٍ كَلِمَةً وَاحِدَةً أَيْ تُرِيدُ كَلِمَةً وَاحِدَةً (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ (كَلِمَةً وَاحِدَةً) أَيْ أُرِيدُ مِنْهُمْ كَلِمَةً وَاحِدَةً (فَقَالُوا إِلَهًا وَاحِدًا) أَيْ أَتَجْعَلُ الْآلِهَةَ إِلَهًا واحدا ما سمعنا بهذا أَيْ بِالَّذِي تَقُولُهُ مِنَ التَّوْحِيدِ فِي الْمِلَّةِ الآخرة وَهِيَ مِلَّةُ النَّصْرَانِيَّةِ فَإِنَّهَا آخِرُ الْمِلَلِ قَبْلَ مِلَّةِ الْإِسْلَامِ كَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ وَالسُّدِّيُّ وَبِهِ قَالَ بن عَبَّاسٍ وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَعْنُونَ بِهِ مِلَّةَ قُرَيْشٍ أَيِ الَّتِي أَدْرَكْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَعَنْ قَتَادَةَ مثله إن هذا أي ما هذا إلا اختلاق أَيْ كَذِبٌ اخْتَلَقَهُ مُحَمَّدٌ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذكر إِلَخْ الْآيَاتُ بِتَمَامِهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا ص اللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ بِهِ وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ أَيْ وَالْقُرْآنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مَا فِيهِ ذِكْرٌ لِلْعِبَادِ وَنَفْعٌ لَهُمْ فِي الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أي تذكيركم وقال بن عباس رضي الله عنهما ذي الذكر أَيْ ذِي الشَّرَفِ وَذِي الشَّأْنِ وَالْمَكَانَةِ قَالَ بن كَثِيرٍ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ كِتَابٌ شَرِيفٌ مُشْتَمِلٌ عَلَى التَّذْكِيرِ انْتَهَى وَجَوَابُ هَذَا الْقَسَمِ مَحْذُوفٌ أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ كُفَّارُ مَكَّةَ مِنْ تَعَدُّدِ الْآلِهَةِ بَلِ الَّذِينَ كفروا في عزة أي حمية وتكبر عن الإيمان وشقاق أي خلاف وعداوة للنبي كم أَيْ كَثِيرًا أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ أَيْ أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ فَنَادَوْا أَيْ بِالتَّوْحِيدِ حِينَ تَوَلَّتِ الدُّنْيَا عَنْهُمْ وَقِيلَ اسْتَغَاثُوا عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ وَحُلُولِ النِّقْمَةِ وَلَاتَ حِينَ مناص أَيْ لَيْسَ الْحِينُ حِينَ فِرَارٍ وَلَاتَ هِيَ لَا الْمُشَبَّهَةُ بِلَيْسَ زِيدَتْ عَلَيْهَا تَاءُ التَّأْنِيثِ كَمَا زِيدَتْ عَلَى رُبَّ وَثُمَّ لِلتَّوْكِيدِ وَتَغَيَّرَ بِذَلِكَ حُكْمُهَا حَيْثُ لَمْ تَدْخُلْ إِلَى عَلَى الْأَحْيَانِ وَلَمْ يَبْرُزْ إِلَّا أَحَدُ مُقْتَضَيَيْهَا إِمَّا الِاسْمُ أَوِ الْخَبَرُ وَامْتَنَعَ بُرُوزُهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا مَذْهَبُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَعِنْدَ الْأَخْفَشِ أَنَّهَا لَا النَّافِيَةُ لِلْجِنْسِ زِيدَتْ عَلَيْهَا التَّاءُ وَخُصَّتْ بِنَفْيِ الْأَحْيَانِ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِنْ فَاعِلِ نَادَوْا أَيِ اسْتَغَاثُوا وَالْحَالُ أَنْ لَا مَهْرَبَ لَهُمْ وَلَا منجا وعجبوا أن جاءهم منذر منهم أَيْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِهِمْ يُنْذِرُهُمْ وَيُخَوِّفُهُمْ بِالنَّارِ بعد البعث وهو النبي وقال الكافرون فِيهِ وَضَعَ الظَّاهِرَ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ هَذَا سَاحِرٌ كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا

أَيْ أَزَعَمَ أَنَّ الْمَعْبُودَ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ حَيْثُ قَالَ لَهُمْ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ أي عجيب وانطلق الملأ منهم أَيْ مِنْ مَجْلِسِ اجْتِمَاعِهِمْ عِنْدَ أَبِي طَالِبٍ وسماعهم من النبي قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَنِ امْشُوا أَيْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ امْشُوا وَامْضُوا عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ وَلَا تَدْخُلُوا فِي دِينِهِ واصبروا على آلهتكم أَيِ اثْبُتُوا عَلَى عِبَادَتِهَا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يراد أَيْ إِنَّ هَذَا الَّذِي يَدْعُونَا إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ مِنَ التَّوْحِيدِ لَشَيْءٌ يُرِيدُ بِهِ الشَّرَفَ عَلَيْكُمْ والاستعلاء وأن يكون له منكم ابتاع وَلَسْنَا نُجِيبُهُ إِلَيْهِ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق تَقَدَّمَ تَفْسِيرِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ وبن جرير وبن الْمُنْذِرِ قَوْلُهُ (وَقَالَ) أَيِ الْأَعْمَشُ (يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ) يَحْيَى بْنُ عُمَارَةَ هَذَا هُوَ يَحْيَى بن عباد المذكور في الإسناد المتقدم قَوْلُهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ الظَّاهِرُ أَنَّ إِتْيَانَهُ تَعَالَى كَانَ فِي الْمَنَامِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ الرَّاوِي أَحْسَبُهُ فِي الْمَنَامِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ الْآتِي فَفِيهِ فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي فَاسْتَثْقَلْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي تَبَارَكَ وتعالى في أحسن صورة قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ إِذَا كَانَ هَذَا فِي الْمَنَامِ فَلَا إِشْكَالَ فِيهِ إِذِ الرَّائِي قَدْ يَرَى غَيْرَ الْمُتَشَكِّلِ مُتَشَكِّلًا وَالْمُتَشَكِّلَ بِغَيْرِ شَكْلِهِ ثُمَّ لَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ بِخَلَلٍ فِي الرُّؤْيَا وَلَا فِي خَلَدِ الرَّائِي بَلْ لَهُ أَسْبَابٌ أُخَرُ تُذْكَرُ فِي عِلْمِ الْمَنَامِ أَيِ التَّعْبِيرِ وَلَوْلَا تِلْكَ الْأَسْبَابُ لَمَا افْتَقَرَتْ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَإِنْ كَانَ فِي الْيَقَظَةِ وَعَلَيْهِ ظَاهِرُ مَا رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَإِنَّ فِيهِ فَنَعَسْتُ فِي صَلَاتِي حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ فَإِذَا أَنَا بِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ الْحَدِيثَ فَذَهَبَ السَّلَفُ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْحَدِيثِ إِذَا صَحَّ أَنْ يُؤْمَنَ بِظَاهِرِهِ وَلَا يُفَسَّرُ بِمَا يُفَسَّرُ بِهِ صِفَاتُ الْخَلْقِ بَلْ يُنْفَى عَنْهُ الْكَيْفِيَّةُ وَيُوَكَّلُ عِلْمُ بَاطِنِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يُرِي رَسُولَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ وَرَاءِ أَسْتَارِ الْغَيْبِ بِمَا لَا سَبِيلَ لِعُقُولِنَا إِلَى إِدْرَاكِهِ لَكِنْ تُرْكُ التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ فِي عَقَائِدِ النَّاسِ لِفُشُوِّ اعْتِقَادَاتِ الضَّلَالِ وَإِنْ تَأَوَّلَ بِمَا يُوَافِقُ الشَّرْعَ عَلَى وَجْهِ الِاحْتِمَالِ لَا الْقَطْعِ حَتَّى لَا يُحْمَلَ عَلَى مَا لَا يَجُوزُ شَرْعًا فَلَهُ وَجْهٌ فَقَوْلُهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ رَأَيْتُ رَبِّي حَالَ كَوْنِي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَصِفَةٍ مِنْ غَايَةِ إِنْعَامِهِ وَلُطْفِهِ عَلَيَّ أَوْ حَالَ كَوْنِ

الرَّبِّ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ وَصُورَةُ الشَّيْءِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ عَنْ غَيْرِهِ سَوَاءً كَانَ عَيْنَ ذاته أو جزءه الْمُمَيِّزَ لَهُ عَنْ غَيْرِهِ أَوْ صِفَتَهُ الْمُمَيِّزَةَ وَكَمَا يُطْلَقُ ذَلِكَ فِي الْجُثَّةِ يُطْلَقُ فِي الْمَعَانِي يُقَالُ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ كَذَا وَصُورَةِ الْحَالِ كَذَا فَصُورَتُهُ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ ذَاتُهُ الْمَخْصُوصَةُ الْمُنَزَّهَةُ عَنْ مُمَاثَلَةِ مَا عَدَاهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْبَالِغَةِ إِلَى أَقْصَى مَرَاتِبِ الْكَمَالِ أَوْ صِفَتُهُ الْمَخْصُوصَةُ بِهِ أَيْ كَانَ رَبِّي أَحْسَنَ إِكْرَامًا وَلُطْفًا مِنْ وَقْتٍ آخَرَ كَذَا نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ وَالتُّورِبِشْتِيُّ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ قُلْتُ الظَّاهِرُ الرَّاجِحُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْمَنَامِ فَإِنَّ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ الْآتِيَةَ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ قال بن حَجَرٍ الْمَكِّيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ رِوَايَةَ حَتَّى اسْتَيْقَظْتُ تَصْحِيفٌ فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ مِنْ رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ حتى استثقلت انتهى وقال الحافظ بن كَثِيرٍ بَعْدَ نَقْلِ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ حَدِيثُ الْمَنَامِ الْمَشْهُورُ وَمَنْ جَعَلَهُ يَقَظَةً فَقَدْ غَلِطَ انْتَهَى وَعَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ ذَلِكَ فِي الْيَقَظَةِ فَمَذْهَبُ السَّلَفِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ إِمْرَارُهُ كَمَا جَاءَ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَالْإِيمَانُ بِهِ مِنْ غَيْرِ تَأْوِيلٍ لَهُ وَالسُّكُوتُ عَنْهُ وَعَنْ أَمْثَالِهِ مَعَ الِاعْتِقَادِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البصير وَمَذْهَبُ السَّلَفِ هَذَا هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّأْوِيلِ وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ تَرْكَ التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَظِنَّةُ الْفِتْنَةِ فِي عَقَائِدِ النَّاسِ لِفُشُوِّ اعْتِقَادَاتِ الضَّلَالِ فَمِمَّا لَا الْتِفَاتَ إِلَيْهِ فِيمَ أَيْ فِي أَيْ شَيْءٍ يَخْتَصِمُ أَيْ يَبْحَثُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى أَيِ الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ والملأ هم الأشراف الذين يملأون الْمَجَالِسَ وَالصُّدُورَ عَظَمَةً وَإِجْلَالًا وَوُصِفُوا بِالْأَعْلَى إِمَّا لِعُلُوِّ مَكَانِهِمْ وَإِمَّا لِعُلُوِّ مَكَانَتِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَاخْتِصَامُهُمْ إِمَّا عِبَارَةٌ عَنْ تَبَادُرِهِمْ إِلَى إِثْبَاتِ تِلْكَ الْأَعْمَالِ وَالصُّعُودِ بِهَا إِلَى السَّمَاءِ وَإِمَّا عَنْ تَقَاوُلِهِمْ فِي فَضْلِهَا وَشَرَفِهَا وَإِمَّا عَنِ اغْتِبَاطِهِمُ النَّاسَ بِتِلْكَ الْفَضَائِلِ لِاخْتِصَاصِهِمْ بِهَا وَتَفَضُّلِهِمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ بِسَبَبِهَا مَعَ تَهَافُتِهِمْ فِي الشَّهَوَاتِ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مُخَاصَمَةً لِأَنَّهُ وَرَدَ مَوْرِدَ سُؤَالٍ وَجَوَابٍ وَذَلِكَ يُشْبِهُ الْمُخَاصَمَةَ وَالْمُنَاظَرَةَ فَلِهَذَا السَّبَبِ حَسُنَ إِطْلَاقُ لَفْظِ الْمُخَاصَمَةِ عَلَيْهِ (قَالَ) أي النبي فَوَضَعَ أَيْ رَبِّي يَدَهُ أَيْ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَخْصِيصِهِ إِيَّاهُ بِمَزِيدِ الْفَضْلِ عَلَيْهِ وَإِيصَالِ الْفَيْضِ إِلَيْهِ فَإِنَّ مِنْ شَأْنِ الْمُتَلَطِّفِ بِمَنْ يَحْنُو عَلَيْهِ أَنْ يَضَعَ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ تَنْبِيهًا عَلَى أنه يريد بذلك تكريمه وتأييده قاله القارىء قُلْتُ قَدْ عَرَفْتَ مَذْهَبَ السَّلَفِ فِي مِثْلِ هَذَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ بَيْنَ ثَدْيَيَّ بِالتَّثْنِيَةِ وَالْإِضَافَةِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ قَلْبِي أَوْ صَدْرِي (أَوْ قَالَ فِي نَحْرِي) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي نعم الْكَفَّارَاتِ أَيْ يَخْتَصِمُونَ فِي

الْكَفَّارَاتِ وَالْكَفَّارَاتُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ إِلَخْ وَسُمِّيَتْ هَذِهِ الْخِصَالُ الْكَفَّارَاتِ لِأَنَّهَا تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ عَنْ فَاعِلِهَا فَهِيَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ لَازِمِهِ الْمُكْثُ فِي الْقَامُوسِ الْمُكْثُ مُثَلَّثًا وَيُحَرَّكُ أَيِ اللُّبْثُ (فِي الْمَسْجِدِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي الْمَسَاجِدِ وَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ أَيْ إكماله في المكاره أي في شدة الْبَرْدِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يعملون وَكَانَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ أَيْ فِيهِ بِفَتْحِ يَوْمَ قَالَ الطِّيبِيُّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ لِإِضَافَتِهِ إِلَى الْمَاضِي وَإِذَا أُضِيفَ إِلَى الْمُضَارِعِ اخْتُلِفَ فِي بِنَائِهِ أَيْ كَانَ مُبَرَّأً كَمَا كَانَ مُبَرَّأً يَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ إِذَا صَلَّيْتَ أَيْ فَرَغْتَ مِنَ الصَّلَاةِ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَقِيلَ الْأَوَّلُ اسْمٌ وَالثَّانِي مَصْدَرٌ وَالْخَيْرَاتُ مَا عُرِفَ مِنَ الشَّرْعِ مِنَ الْأَقْوَالِ الْحَمِيدَةِ وَالْأَفْعَالِ السَّعِيدَةِ وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ هِيَ الَّتِي لَمْ تُعْرَفْ مِنَ الشَّرْعِ مِنَ الْأَقْوَالِ الْقَبِيحَةِ وَالْأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً أَيْ ضَلَالَةً أَوْ عُقُوبَةً دُنْيَوِيَّةً فَاقْبِضْنِي بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ تَوَفَّنِي غَيْرَ مَفْتُونٍ أَيْ غَيْرَ مُنَالٍ أَوْ غَيْرَ مُعَاقَبٍ (قَالَ) أَيِ النبي وَالدَّرَجَاتُ مُبْتَدَأٌ أَيْ مَا تُرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتُ إِفْشَاءُ السَّلَامِ أَيْ بَذْلُهُ عَلَى مَنْ عَرَفَهُ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْهُ وَإِنَّمَا عُدَّتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ مِنَ الدَّرَجَاتِ لِأَنَّهَا فَضْلٌ مِنْهُ عَلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَا جَرَمَ اسْتَحَقَّ بِهَا فَضْلًا وهو علو الدَّرَجَاتِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ جَمْعُ نَائِمٍ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ [3234] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبِي) هُوَ هِشَامُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتَوَائِيُّ (عَنْ خَالِدِ بْنِ اللَّجْلَاجِ) الْعَامِرِيِّ وَيُقَالُ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ كُنْيَتُهُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْحِمْصِيُّ وَيُقَالُ الدِّمَشْقِيُّ صَدُوقٌ فَقِيهٌ مِنَ الثانية قوله

فَقُلْتُ لَبَّيْكَ مِنَ التَّلْبِيَةِ وَهِيَ إِجَابَةُ الْمُنَادِي أَيْ إِجَابَتِي لَكَ يَا رَبِّ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ لَبَّ بِالْمَكَانِ وَأَلَبَّ إِذَا أَقَامَ بِهِ وَأَلَبَّ عَلَى كَذَا لَمْ يُفَارِقْهُ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ إِلَّا عَلَى لَفْظِ التَّثْنِيَةِ فِي مَعْنَى التَّكْرِيرِ أَيْ إِجَابَةً بَعْدَ إِجَابَةٍ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ بِعَامِلٍ لَا يَظْهَرُ كَأَنَّكَ قُلْتَ أُلِبُّ إِلْبَابًا بَعْدَ إِلْبَابٍ وَالتَّلْبِيَةُ مِنْ لَبَّيْكَ كَالتَّهْلِيلِ مِنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبِّي بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ وَسَعْدَيْكَ أَيْ سَاعَدْتُ طَاعَتَكَ مُسَاعَدَةً بعد مساعدة وإسعادا بعد إسعاد ولهذا حدثني وَهُوَ مِنَ الْمَصَادِرِ الْمَنْصُوبَةِ بِفِعْلٍ لَا يَظْهَرُ فِي الِاسْتِعْمَالِ قَالَ الْجَرْمِيُّ لَمْ يُسْمَعْ سَعْدَيْكَ مُفْرَدًا رَبِّ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ وَيَاءِ الْإِضَافَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ) أَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ فَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ [3235] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ إِلَخْ) لَمْ يَقَعْ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ (حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هَانِئٍ أَبُو هَانِئٍ السُّكَّرِيُّ) الْقَيْسِيُّ وَيُقَالُ الْعَيْشِيُّ وَيُقَالُ الْيَشْكُرِيُّ وَيُقَالُ الْبَهْرَانِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا جَهْضَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ أَبِي الطُّفَيْلِ الْقَيْسِيُّ مَوْلَاهُمُ الْيَمَانِيُّ وَأَصْلُهُ مِنْ خُرَاسَانَ صَدُوقٌ يُكْثِرُ عَنِ الْمَجَاهِيلِ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ) بْنِ أَبِي سَلَّامٍ مَمْطُورٍ

الْحَبَشِيِّ (عَنْ أَبِي سَلَّامٍ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ اسْمُهُ مَمْطُورٌ الْأَسْوَدُ الْحَبَشِيُّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عائش) بتحتانية ومعجمة (الحضرمي) أو لسكسكي يُقَالُ لَهُ صُحْبَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ مَنْ قال في روايته سمعت النبي فَقَدْ أَخْطَأَ قَوْلُهُ (احْتَبَسَ) بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ وَرُوِيَ مَجْهُولًا (ذَاتَ غَدَاةٍ) لَفْظُ ذَاتَ مُقْحَمَةٌ أَيْ غَدَاةً (مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَفِي الْمِشْكَاةِ عَنْ صلاة الصبح بلفظ عن قال القارىء بَدَلُ اشْتِمَالٍ بِإِعَادَةِ الْجَارِّ (حَتَّى كِدْنَا) أَيْ قَارَبْنَا (نَتَرَاءَى) أَيْ نَرَى وَعَدَلَ عَنْهُ إِلَى ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ كَثْرَةِ الِاعْتِنَاءِ بِالْفِعْلِ وَسَبَبُ تِلْكَ الْكَثْرَةِ خَوْفُ طُلُوعِهَا الْمُفَوِّتِ لِأَدَاءِ الصُّبْحِ (خَرَجَ سَرِيعًا) أَيْ مُسْرِعًا أَوْ خُرُوجًا سَرِيعًا (فَثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ) مِنَ التَّثْوِيبِ أَيْ أُقِيمَ بِهَا (وَتَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ) أَيْ خَفَّفَ فِيهَا وَاقْتَصَرَ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهِ (دَعَا) أَيْ نَادَى عَلَى مَصَافِّكُمْ أَيِ اثْبُتُوا عَلَيْهَا جَمْعُ مَصَفٍّ وَهُوَ مَوْضِعُ الصَّفِّ كَمَا أَنْتُمْ أَيْ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ أَوْ ثُبُوتًا مِثْلَ الثُّبُوتِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ قَبْلَ النِّدَاءِ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ وَتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ (ثُمَّ انْفَتَلَ إِلَيْنَا) أَيْ تَوَجَّهَ إِلَيْنَا وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا أَمَا بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ مَا حَبَسَنِي مَا مَوْصُولَةٌ فَنَعَسْتُ مِنَ النُّعَاسِ وَهُوَ النَّوْمُ الْخَفِيفُ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَفَتَحَ فَاسْتَثْقَلْتُ بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ أَوِ الْمَجْهُولِ أَيْ غَلَبَ عَلَيَّ النُّعَاسُ (فَإِذَا) لِلْمُفَاجَأَةِ قَالَهَا ثَلَاثًا أَيْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْمَقُولَةَ ثَلَاثًا فَتَجَلَّى لِي أَيْ ظَهَرَ وَانْكَشَفَ لِي

باب ومن سورة الزمر

وَأَسَأَلُكَ حُبَّكَ قَالَ الطِّيبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ إِيَّايَ أَوْ حُبِّي إِيَّاكَ وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ قَوْلُهُ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ إِنَّهَا أَيْ هَذِهِ الرُّؤْيَا حَقٌّ إِذْ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ فَادْرُسُوهَا أَيْ فَاحْفَظُوا أَلْفَاظَهَا الَّتِي ذَكَرْتُهَا لَكُمْ فِي ضِمْنِهَا أَوْ أَنَّ هَذِهِ الروايات حق فادرسوها أي اقرأوها ثُمَّ تَعَلَّمُوهَا أَيْ مَعَانِيَهَا الدَّالَّةَ هِيَ عَلَيْهَا قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لِتَعَلَّمُوهَا فَحَذَفَ اللَّامَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وَمُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وبن مَرْدَوَيْهِ قَوْلُهُ (وَهَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ) أَيْ كَوْنُهُ من مسند عبد الرحمن بن عايش غَيْرَ مَحْفُوظٍ وَالْمَحْفُوظُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عايش عَنْ مَالِكِ بْنِ يُخَامِرَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ (وَرَوَى بِشْرُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ (بْنُ بَكْرٍ) التِّنِّيسِيُّ الْبَجْلِيُّ دِمَشْقِيُّ الْأَصْلِ ثِقَةٌ يُغْرِبُ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عائش عن النبي) أَيْ بِغَيْرِ لَفْظِ سَمِعْتُ (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عايش لم يسمع من النبي) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ وَقَعَ عِنْدَ أَبِي الْقَاسِمِ الْبَغَوِيِّ فِي إِسْنَادِ حَدِيثِهِ للتصريح بسماعه من النبي ولكن قال بن خُزَيْمَةَ قَوْلُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِشٍ سَمِعْتُ النبي وَهْمٌ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ النبي تنبيه إعلم أن الترمذي أورد حديث بن عباس وحديث معاذ بن جبل المذكورين ها هنا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى مَا كَانَ لِيَ من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون لَكِنَّ الِاخْتِصَامَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرُ الاختصام المذكور في الحديثين المذكورين قال بن كَثِيرٍ وَلَيْسَ هَذَا الِاخْتِصَامُ (يَعْنِي الْمَذْكُورَ فِي حديث معاذ بن جبل وحديث بن عَبَّاسٍ) هُوَ الِاخْتِصَامَ الْمَذْكُورَ فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّ هَذَا قَدْ فُسِّرَ وَأَمَّا الِاخْتِصَامُ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ فَقَدْ فُسِّرَ بَعْدَ هَذَا وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى (إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بشرا من طين) إلخ 0 - (باب ومن سُورَةُ الزُّمَرِ) مَكِّيَّةٌ إِلَّا قُلْ يَا عِبَادِيَ الذين أسرفوا على

أنفسهم الْآيَةَ فَمَدَنِيَّةٌ وَهِيَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ آيَةً [3236] قَوْلُهُ (عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَاطِبٍ) كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَوْ أَبُو بَكْرٍ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ فِيمَا بَيْنَكُمْ مِنَ الْمَظَالِمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عند ربكم تختصمون قبله إنك ميت وإنهم ميتون قال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّكُمْ سَتُنْقَلُونَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ لَا مَحَالَةَ وَسَتَجْتَمِعُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَتَخْتَصِمُونَ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ فِي الدُّنْيَا مِنَ التَّوْحِيدِ وَالشِّرْكِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَيَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَيَفْتَحُ بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ فَيُنَجِّي الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ الْمُوَحِّدِينَ وَيُعَذِّبُ الْكَافِرِينَ الْجَاحِدِينَ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ وَإِنْ كَانَ سِيَاقُهَا فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَذِكْرِ الْخُصُومَةِ بَيْنَهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فَإِنَّهَا شَامِلَةٌ لِكُلِّ مُتَنَازِعَيْنِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ تُعَادُ عَلَيْهِمُ الْخُصُومَةُ فِي الدار الاخرة قلت الأمر كما قال بن كَثِيرٍ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ الزُّبَيْرِ هَذَا وَأَحَادِيثُ أُخْرَى ذكرها بن كَثِيرٍ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقِيلَ يَعْنِي الْمُحِقَّ وَالْمُبْطِلَ وَقِيلَ تُخَاصِمُهُمْ يَا مُحَمَّدُ وَتَحْتَجُّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَهُمْ وَأَنْذَرْتَهُمْ وَهُمْ يُخَاصِمُونَكَ أَوْ يُخَاصِمُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ وَالظَّالِمُ الْمَظْلُومَ (أَتُكَرَّرُ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّكْرِيرِ (عَلَيْنَا الْخُصُومَةُ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّنَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجه وبن أبي حاتم [3237] قوله (عن ثابت) هو بن أسلم البناني

يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم أَيْ أَفْرَطُوا عَلَيْهَا وَتَجَاوَزُوا الْحَدَّ فِي كُلِّ فعل مذموم لا تقنطوا بِفَتْحِ النُّونِ وَبِكَسْرِهَا أَيْ لَا تَيْأَسُوا مِنْ رحمة الله أَيْ مِنْ مَغْفِرَتِهِ إِنَّ اللَّهُ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جميعا قال الحافظ بن كَثِيرٍ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ دَعْوَةٌ لِجَمِيعِ الْعُصَاةِ مِنَ الْكَفَرَةِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالْإِنَابَةِ وَإِخْبَارٌ بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا لِمَنْ تَابَ مِنْهَا وَرَجَعَ عَنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مَهْمَا كَانَتْ وَإِنْ كَثُرَتْ وَكَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ هَذِهِ عَلَى غَيْرِ تَوْبَةٍ لِأَنَّ الشِّرْكَ لَا يُغْفَرُ لِمَنْ لَمْ يتب منه ثم ذكر حديث بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا وَزَنَوْا وأكثروا فأتوا محمدا فقالوا إن الذي تقول وتدعو إليه محسن لَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً فَنَزَلَ والذين لا يدعون مع الله إلها وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بالحق ولا يزنون وَنَزَلَ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تقنطوا من رحمة الله أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ أَحَادِيثَ أُخْرَى مَا لَفْظُهُ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ يَغْفِرُ جَمِيعَ ذَلِكَ مَعَ التَّوْبَةِ وَلَا يَقْنَطَنَّ عَبْدٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَإِنْ عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ وَكَثُرَتْ فَإِنَّ بَابَ الرَّحْمَةِ وَالتَّوْبَةِ وَاسِعٌ انْتَهَى وَقَالَ صَاحِبُ فَتْحِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنِ الْقَاضِي الشَّوْكَانِيِّ وَالْحَقُّ أَنَّ الْآيَةَ غَيْرُ مُقَيَّدَةٍ بِالتَّوْبَةِ بَلْ هِيَ عَلَى إِطْلَاقِهَا قَالَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يشاء هُوَ أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ كَائِنًا مَا كَانَ ما عدا الشِّرْكَ بِاللَّهِ مَغْفُورٌ لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ إِخْبَارَهُ لَنَا بِأَنَّهُ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَشَاءُ غُفْرَانَهَا جَمِيعًا وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ يَشَاءُ الْمَغْفِرَةَ لِكُلِّ الْمُذْنِبِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ تَعَارُضٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ انْتَهَى قُلْتُ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَمَا قال بن كَثِيرٍ هُوَ الظَّاهِرُ عِنْدِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَلَا يُبَالِي أَيْ مِنْ أَحَدٍ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا وَلَا يُبَالِي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَالظَّاهِرُ مِنْ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّ قَوْلَهُ وَلَا يُبَالِي كَانَ مِنَ الْقُرْآنِ وَلِذَا قَالَ صَاحِبُ الْمَدَارِكِ تَحْتَ هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي قِرَاءَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ولا يبالي وقال القارىء وَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْآيَةِ فَنُسِخَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ زِيَادَةً مِنْ عِنْدِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَالتَّفْسِيرِ لِلْآيَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ

حسن غريب) وأخرجه أحمد وبن الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ثَابِتٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ) وَشَهْرٌ هَذَا صَدُوقٌ كَثِيرُ الْإِرْسَالِ وَالْأَوْهَامِ قَوْلُهُ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ النَّخَعِيُّ (عَنْ عَبِيدَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الموحدة بن عمر والسلواني (عن عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (جَاءَ يَهُودِيٌّ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ جَاءَ حَبْرٌ (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (وَالْخَلَائِقَ) أَيْ مَنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ وَفِي رِوَايَةٍ وَسَائِرَ الْخَلْقِ (حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ) جَمْعُ نَاجِذٍ بِنُونٍ وَجِيمٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَهُوَ مَا يَظْهَرُ عِنْدَ الضَّحِكِ مِنَ الْأَسْنَانِ وَقِيلَ هِيَ الْأَنْيَابُ وَقِيلَ الْأَضْرَاسُ وَقِيلَ الدَّوَاخِلُ مِنَ الْأَضْرَاسِ الَّتِي فِي أَقْصَى الْحَلْقِ وَفِي الرِّوَايَةِ الاتية فضحك النبي تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَضَحِكَ رَسُولُ الله تَعَجُّبًا وَتَصْدِيقًا لَهُ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ تَعَجُّبًا مِمَّا قَالَ الْحَبْرُ تَصْدِيقًا لَهُ وَفِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ عِنْدَهُ وَتَصْدِيقًا لَهُ بِزِيَادَةِ وَاوٍ قَالَ النووي ظاهر الحديث أن النبي صَدَّقَ الْحَبْرَ فِي قَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبِضُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرِضِينَ وَالْمَخْلُوقَاتِ بِالْأَصَابِعِ ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي فِيهَا الْإِشَارَةُ إِلَى نَحْوِ مَا يَقُولُ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ لَيْسَ ضحكة وَتَعَجُّبُهُ وَتِلَاوَتُهُ الْآيَةَ تَصْدِيقًا لِلْحَبْرِ بَلْ هُوَ رَدٌّ لِقَوْلِهِ وَإِنْكَارٌ وَتَعَجُّبٌ مِنْ سُوءِ اعْتِقَادِهِ فَإِنَّ مَذْهَبَ الْيَهُودِ التَّجْسِيمُ فَفُهِمَ مِنْهُ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ تَصْدِيقًا لَهُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي عَلَى مَا فَهِمَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ انْتَهَى وَقَالَ التَّمِيمِيُّ تَكَلَّفَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ وَأَتَى فِي مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَأْتِ بِهِ السَّلَفُ وَالصَّحَابَةُ كَانُوا أَعْلَمَ بِمَا رَوَوْهُ وَقَالُوا إِنَّهُ ضَحِكَ تَصْدِيقًا لَهُ وَثَبَتَ فِي السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أصابع الرحمن انتهى وقد اشتد إنكار بن خُزَيْمَةَ عَلَى مَنِ ادَّعَى أَنَّ الضَّحِكَ الْمَذْكُورَ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ مِنْ صَحِيحِهِ بِطَرِيقِهِ قَدْ أَجَلَّ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ عَنْ أَنْ يُوصَفَ رَبُّهُ بِحَضْرَتِهِ بِمَا لَيْسَ هُوَ مِنْ صِفَاتِهِ فَيَجْعَلُ بَدَلَ الْإِنْكَارِ وَالْغَضَبِ عَلَى الْوَاصِفِ ضَحِكًا بَلْ لَا يُوَصِّفُ النَّبِيَّ بِهَذَا الْوَصْفِ مَنْ يُؤْمِنُ بِنُبُوَّتِهِ انْتَهَى قُلْتُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الضَّحِكَ الْمَذْكُورَ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ لَا شَكَّ عِنْدِي أَنَّهُ يستأهل

أَنْ يُنْكَرَ عَلَيْهِ أَشَدُّ الْإِنْكَارِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّيْسِيرِ ثم قرأ رسول الله وما قدروا الله حق قدره أَيْ مَا عَرَفُوهُ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ أَوْ مَا عَظَّمُوهُ حَقَّ عَظَمَتِهِ حِينَ أَشْرَكُوا بِهِ غَيْرَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَفِيهَا مَذْهَبَانِ التَّأْوِيلُ وَالْإِمْسَاكُ عَنْهُ مَعَ الْإِيمَانِ بِهَا مَعَ اعْتِقَادٍ أَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا غَيْرُ مُرَادٍ فَعَلَى قَوْلِ الْمُتَأَوِّلِينَ يَتَأَوَّلُونَ الْأَصَابِعَ هُنَا عَلَى الِاقْتِدَارِ أَيْ خَلْقِهَا مَعَ عِظَمِهَا بِلَا تَعَبٍ وَلَا مَلَلٍ وَالنَّاسُ يَذْكُرُونَ الْأُصْبُعَ فِي مِثْلِ هَذَا لِلْمُبَالَغَةِ وَالِاحْتِقَارِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمْ بِأُصْبُعِي أقتل زيدا أي لأكلفه عَلَيَّ فِي قَتْلِهِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَصَابِعُ بَعْضِ مَخْلُوقَاتِهِ وَهَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ يَدَ الْجَارِحَةِ مُسْتَحِيلَةٌ انْتَهَى قُلْتُ الْإِمْسَاكُ عَنِ التَّأْوِيلِ وَإِمْرَارُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَمَا جَاءَتْ مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَحْرِيفٍ هُوَ مَذْهَبُ السلف قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ هُوَ أَسْلَمُ قُلْتُ بَلْ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَصَحَّحَهُ النَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ [3240] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ) بْنِ الْحَجَّاجِ الْأَسَدِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ الْأَصَمُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ أَخْبَرَنَا (أَبُو كُدَيْنَةَ) بِكَافٍ وَدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَنُونٍ مُصَغَّرًا اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ الْمُهَلَّبِ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي الضُّحَى) اسْمُهُ مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ بِالتَّصْغِيرِ قَوْلُهُ (إِذَا وَضَعَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ عَلَى ذِهْ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ يَوْمَ يَجْعَلُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى السَّمَاءَ عَلَى ذِهْ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ (وَأَشَارَ مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو جَعْفَرٍ بِخِنْصَرِهِ أَوَّلًا ثُمَّ تَابَعَ حَتَّى بَلَغَ الْإِبْهَامَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ إِلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ مَا لَفْظُهُ وَوَقَعَ فِي مُرْسَلِ مَسْرُوقٍ عِنْدَ الْهَرَوِيِّ مَرْفُوعًا

نَحْوُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (عَنِ الْحَسَنِ بْنِ شُجَاعِ) بْنِ رَجَاءٍ الْبَلْخِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَلِيٍّ أَحَدُ الْحُفَّاظِ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ [3243] قَوْلُهُ (عَنْ مطرف) هو بن طريف قوله (قال رسول الله كَيْفَ أَنْعَمُ) أَيْ أَفْرَحُ وَأَتَنَعَّمُ وَحَنَى جَبْهَتَهُ أَيْ أَمَالَهَا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّوَجُّهِ لِإِصْغَاءِ السَّمْعِ وَإِلْقَاءِ الْأُذُنِ وَأَصْغَى سَمْعَهُ أَيْ أَمَالَ أُذُنَهُ لِيَسْمَعَ أَمْرَ اللَّهِ وَإِذْنَهُ بِالنَّفْخِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ الصُّورِ مِنْ أَبْوَابِ صِفَةِ الْقِيَامَةِ [3244] قوله (أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم) هو بن عُلَيَّةَ قَوْلُهُ (قَالَ أَعْرَابِيٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الصُّورُ إِلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا مَعَ شَرْحِهِ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ وَأَوْرَدَ الترمذي هذا الحديث والذي قبله ها هنا فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا من شاء الله إلخ قوله (أخبرنا مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيُّ (أَخْبَرَنَا أَبُو سَلَمَةَ) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (قَالَ يَهُودِيٌّ فِي سُوقِ الْمَدِينَةِ لَا وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى

الْبَشَرِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَكَذَا لِمُسْلِمٍ بَيْنَمَا يَهُودِيٌّ يَعْرِضُ سِلْعَتَهُ أُعْطِيَ بِهَا شَيْئًا كَرِهَهُ فَقَالَ لَا وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ وفي رواية لهما استب وجل مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ الْمُسْلِمُ والذي اصطفى موسى عَلَى الْعَالَمِينَ لِقَسَمٍ يُقْسِمُ بِهِ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ (فَصَكَّ بِهَا وَجْهَهُ) أَيْ لَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ قَالَ الْحَافِظُ وَإِنَّمَا صَنَعَ ذَلِكَ لِمَا فَهِمَهُ مِنْ عُمُومِ لفظ العالمين فدخل فيه محمد وَقَدْ تَقَرَّرَ عِنْدَ الْمُسْلِمِ أَنَّ مُحَمَّدًا أَفْضَلُ فَلَطَمَ الْيَهُودِيَّ عُقُوبَةً لَهُ عَلَى كَذِبِهِ (فَقَالَ رسول الله) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى رسول الله فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إِنَّ لِي ذِمَّةً وَعَهْدًا فَمَا بَالُ فُلَانٍ لَطَمَ وَجْهِي فَقَالَ لِمَ لَطَمْتَ وَجْهَهُ وَفِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سعد فدعا النبي الْمُسْلِمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَهُ وَنُفِخَ فِي الصور أَيِ النَّفْخَةُ الْأُولَى فَصَعِقَ أَيْ مَاتَ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أَيْ فِي الصُّورِ أُخْرَى أَيْ مَرَّةً أُخْرَى وَهِيَ النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ فَإِذَا هُمْ أَيْ جَمِيعُ الْخَلَائِقِ الْمَوْتَى قِيَامٌ أَيْ مِنْ قُبُورِهِمْ يَنْظُرُونَ أَيْ يَنْتَظِرُونَ مَا يُفْعَلُ بِهِمْ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ وَفِي لَفْظٍ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ فَلَا أَدْرِي أَرَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلِي أَمْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَلَا أَدْرِي وَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ فَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ صَعِقَ أَيْ فَإِنْ كَانَ أَفَاقَ قَبْلِي فَهِيَ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ وَإِنْ كَانَ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ فَلَمْ يُصْعَقْ فَهِيَ فَضِيلَةٌ أَيْضًا وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَلَا أَدْرِي كَانَ فِيمَنْ صَعِقَ أَيْ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ الْأُولَى الَّتِي صُعِقَهَا لَمَّا سَأَلَ الرُّؤْيَةَ وبين ذلك بن الْفَضْلِ فِي رِوَايَتِهِ بِلَفْظِ أَحُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَوْ كَانَ ممن استثنى الله أن في رواية بن الْفَضْلِ وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ بَيَانَ السَّبَبِ فِي اسْتِثْنَائِهِ وَهُوَ أَنَّهُ حُوسِبَ بِصَعْقَتِهِ يَوْمَ الطُّورِ فَلَمْ يُكَلَّفْ بِصَعْقَةٍ أُخْرَى وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ قَوْلُهُ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي هَذَا مِنْ أَشْكَلِ الْأَحَادِيثِ لِأَنَّ مُوسَى قَدْ مَاتَ فَكَيْفَ تُدْرِكُهُ الصَّعْقَةُ وَإِنَّمَا تَصْعَقُ الْأَحْيَاءَ وَقَوْلُهُ مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَلَمْ يَأْتِ أَنَّ مُوسَى رَجَعَ إِلَى الْحَيَاةِ وَلَا أَنَّهُ حَيٌّ كَمَا جَاءَ فِي عِيسَى وَقَدْ قال لَوْ كُنْتُ ثَمَّ لَأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ قَالَ الْقَاضِي فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذِهِ الصَّعْقَةَ صَعْقَةُ فَزَعٍ بَعْدَ الْبَعْثِ حِينَ تَنْشَقُّ

السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فَتَنْتَظِمُ حِينَئِذٍ الْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ وَيُؤَيِّدُهُ قوله فَأَفَاقَ لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَفَاقَ مِنَ الْغَشْيِ وَأَمَّا الْمَوْتُ فَيُقَالُ بُعِثَ مِنْهُ وَصَعْقَةُ الطُّورِ لَمْ تكن موتا وأما قوله فلا أدري أفاق قبلي فيحتمل أنه قَالَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ إِنْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ على ظاهره وأن نبينا أول شخص من تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِنَ الزُّمْرَةِ الَّذِينَ هُمْ أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُمُ الْأَرْضُ فَيَكُونُ مُوسَى مِنْ تِلْكَ الزُّمْرَةِ وَهِيَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ زمرة الأنبياء وصلوات الله وسلامه عليهم إنتهى قلت ها هنا أَبْحَاثٌ وَأَنْظَارٌ ذَكَرَهَا الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ مِنْ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَمَنْ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ مَقْصُورًا وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَّ متى اسم أمه وهو مردود بحديث بن عباس عند البخاري ومسلم عن النبي قَالَ مَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى وَنَسَبُهُ إِلَى أَبِيهِ فَقَوْلُهُ وَنَسَبُهُ إِلَى أَبِيهِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ مَتَّى أَبُوهُ لَا أُمُّهُ فَقَدْ كَذَبَ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ مُتَسَاوُونَ فِي مَرْتَبَةِ النُّبُوَّةِ وَإِنَّمَا التَّفَاضُلُ بِاعْتِبَارِ الدَّرَجَاتِ فَلَفْظُ أَنَا وَاقِعٌ موقع هو ويكون راجعا إلى النبي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ نَفْسَ الْقَائِلِ فَحِينَئِذٍ كَذَبَ بِمَعْنَى كَفَرَ كَنَى بِهِ عَنِ الْكُفْرِ لِأَنَّ هَذَا الْكَذِبَ مُسَاوٍ لِلْكُفْرِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ الضَّمِيرُ فِي أَنَا قيل يعود إلى النبي وَقِيلَ يَعُودُ إِلَى الْقَائِلِ أَيْ لَا يَقُولُ ذَلِكَ بَعْضُ الْجَاهِلِينَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي عِبَادَةٍ أَوْ عِلْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَضَائِلِ فَإِنَّهُ لَوْ بَلَغَ مِنَ الْفَضَائِلِ مَا بَلَغَ لم يبلغ درجة لنبوة وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الرِّوَايَةُ الَّتِي قَبْلَهُ وَهِيَ قوله لَا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى انْتَهَى قُلْتُ ضَمِيرُ أنا إذا عاد إلى النبي فالظاهر أنه قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ الخلق وأما قول من قال إنه قَالَ ذَلِكَ تَوَاضُعًا إِنْ كَانَ قَالَهُ بَعْدَ أَنْ أُعْلِمَ أَنَّهُ أَفْضَلُ الْخَلْقِ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ فَقَدْ كَذَبَ كَمَا فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ قِيلَ خَصَّ يُونُسَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَهُ بِأَوْصَافٍ تُوهِمُ انْحِطَاطَ رُتْبَتِهِ حَيْثُ قَالَ فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عليه إذ أبق إلى الفلك المشحون قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3246] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي أَبُو إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ يُنَادِي مُنَادٍ أَيْ فِي الْجَنَّةِ إِنَّ لَكُمْ بكسر

الْهَمْزَةِ أَيْ قَائِلًا إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ أَنْ تَكُونُوا أَحْيَاءً دَائِمًا أَنْ تَصِحُّوا بِكَسْرِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ أَيْ تَكُونُوا صَحِيحِي الْبَدَنِ دَائِمًا فَلَا تَسْقَمُوا مِنْ بَابِ سَمِعَ أَيْ لَا تَمْرَضُوا أَنْ تَشِبُّوا بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ تَدُومُوا شَبَابًا فَلَا تَهْرَمُوا مِنْ بَابِ سَمِعَ أَيْ لَا تَشِيبُوا أَنْ تَنْعَمُوا بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ يدوم لكم النعيم فلا تبأسوا سكون الْمُوَحَّدَةِ فَالْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ لَا يُصِيبَكُمْ بَأْسٌ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَالِ وَالْبَأْسُ وَالْبُؤْسُ وَالْبَأْسَاءُ وَالْبُؤْسَى بِمَعْنًى قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ بَئِسَ كَسَمِعَ اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بما كنتم تعملون وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ التي أورثتموها بما كنتم تعملون الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَأَمَّا الْآيَةُ الَّتِي فِي الْكِتَابِ فَهِيَ فِي سُورَةِ الزُّخْرُفِ وَكَانَ للترمذي أو يُورِدَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ أَوْ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الزُّخْرُفِ وَهَذَا الْحَدِيثُ أخرجه أيضا مسلم في صحيحه مرفوعا [3241] قَوْلُهُ (عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ سَعِيدِ) بْنِ الضُّرَيْسِ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ مُصَغَّرًا الْأَسَدِيِّ أَبِي بَكْرٍ الْكُوفِيِّ قَاضِي الرَّيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ وَالْأَرْضُ جميعا حال أي السبع قبضته أَيْ مَقْبُوضَتُهُ وَفِي مُلْكِهِ وَتَصَرُّفِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ كيف يشاء يوم القيامة والسماوات مطويات أَيْ مَجْمُوعَاتٌ بِيَمِينِهِ وَبَعْدَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يشركون أَيْ بِنِسْبَةِ الْوَلَدِ وَالشَّرِيكِ إِلَيْهِ (قَالَ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ) وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ طَرِيقِ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ هَذِهِ الْآيَةَ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الأرض قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ قَالَ عَلَى الصِّرَاطِ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ ثَوْبَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ يَكُونُونَ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ وَجْهُ الْجَمْعِ (وَفِي الْحَدِيثِ

باب ومن سورة المؤمن

قِصَّةٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ الْقِصَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن جرير 1 - (باب ومن سُورَةُ الْمُؤْمِنِ) وَتُسَمَّى سُورَةَ غَافِرٍ مَكِّيَّةٌ إِلَّا الذين يجادلون في آيات الله وَالَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ آيَةً قَوْلُهُ الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَيْءٌ مِنْ شَرْحِهِ وَيَأْتِي فِي أَوَائِلِ أَبْوَابِ الدَّعَوَاتِ مَعَ بَقِيَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ 2 - (بَاب وَمِنْ سُورَةِ حم السَّجْدَةِ) وَتُسَمَّى سُورَةَ فُصِّلَتْ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ آيَةً [3248] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ الْأَزْدِيُّ (اخْتَصَمَ عِنْدَ الْبَيْتِ) أَيِ الْكَعْبَةِ (قُرَشِيَّانِ وَثَقَفِيٌّ أَوْ ثَقَفِيَّانِ وَقُرَشِيٌّ) الشَّكُّ مِنْ أَبِي مَعْمَرٍ كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ الْحَافِظِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ

الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ بن مَسْعُودٍ بِلَفْظِ ثَقَفِيٌّ وَخَتَنَاهُ قُرَشِيَّانِ وَلَمْ يَشُكَّ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ وَهْبٍ هَذِهِ وَلَمْ يَسُقْ لَفْظَهَا (قَلِيلٌ) بِالتَّنْوِينِ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِقَوْلِهِ (فِقْهُ قُلُوبِهِمْ) بِإِضَافَةِ فِقْهُ إِلَى قُلُوبِهِمْ وَقِيلَ بِإِضَافَةِ قَلِيلٌ إِلَى فِقْهُ وَقُلُوبُهُمْ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ الْمُبْتَدَأُ أَيْ قُلُوبُهُمْ قَلِيلَةُ الْفِقْهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ (كَثِيرٌ شَحْمُ بُطُونِهِمْ) وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْفِطْنَةَ قَلَّمَا تَكُونُ مَعَ الْبِطْنَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا رَأَيْتُ سَمِينًا عَاقِلًا إِلَّا مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ (أَتُرَوْنَ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ أَتَظُنُّونَ (إِنْ كَانَ يَسْمَعُ إِذَا جَهَرْنَا فَهُوَ يَسْمَعُ إِذَا أَخْفَيْنَا) وَجْهُ الْمُلَازَمَةِ فِيمَا قَالَ أَنَّ نِسْبَةَ جَمِيعِ الْمَسْمُوعَاتِ إِلَى اللَّهِ عَلَى السَّوَاءِ وَأَبْطَلَ الْقِيَاسَ الْفَاسِدَ فِي تَشْبِيهِهِ بِالْخَلْقِ فِي سَمَاعِ الْجَهْرِ دُونَ السِّرِّ وَأَثْبَتَ الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ حَيْثُ شَبَّهَ السِّرَّ بِالْجَهْرِ لِعِلَّةِ أَنَّ الْكُلَّ إِلَيْهِ سَوَاءٌ وَإِنَّمَا جَعَلَ قَائِلَهُ مِنْ جُمْلَةِ قَلِيلِ الْفَهْمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْطَعْ بِهِ وَشَكَّ فِيهِ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سمعكم ولا أبصاركم وبعده ولا جلودكم أي أنكم تستترون والحيطان وَالْحُجُبِ عِنْدَ ارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ وَمَا كَانَ اسْتِتَارُكُمْ ذَلِكَ خِيفَةَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ جَوَارِحُكُمْ لِأَنَّكُمْ كُنْتُمْ غَيْرَ عَالِمِينَ بِشَهَادَتِهَا عَلَيْكُمْ بَلْ كُنْتُمْ جَاحِدِينَ بِالْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ أَصْلًا وَلَكِنَّكُمْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أَيْ وَلَكِنَّكُمْ إِنَّمَا اسْتَتَرْتُمْ لِظَنِّكُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَهُوَ الْخَفِيَّاتُ مِنْ أَعْمَالِكُمْ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بربكم أرداكم أي وذلك الظن هو الذين أهلككم وذلكم مبتدأ وظنكم خبر والذي ظننتم بربكم صفته وأرداكم خَبَرٌ ثَانٍ أَوْ ظَنُّكُمْ بَدَلٌ مِنْ ذَلِكُمْ وأرداكم الخبر

فأصبحتم من الخاسرين أَيْ فِي مَوَاقِفِ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ) بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ) بْنُ مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (قُرَشِيٌّ وَخَتَنَاهُ) تَثْنِيَةُ خَتَنٍ مُحَرَّكَةٌ وَهُوَ الصِّهْرُ أَوْ كُلُّ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَرْأَةِ كَالْأَبِ وَالْأَخِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (عَنْ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ) الْكُوفِيِّ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ بن مَسْعُودٍ حَدِيثَ إِنِّي لَمُسْتَتِرٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَعَنْهُ عمارة بن عمير ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ انْتَهَى (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ نَحْوَهُ) أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ [3250] قَوْلُهُ (إِنَّ الَّذِينَ قالوا ربنا الله وحده لا شريك له ثم استقاموا أَيْ دَامُوا أَوْ ثَبَتُوا عَلَى التَّوْحِيدِ وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى إِلَهٍ غَيْرِ اللَّهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مَعْنَى الِاسْتِقَامَةِ إِخْلَاصُ الْعَمَلِ لله تعالى وقال قتادة وبن زَيْدٍ ثُمَّ اسْتَقَامُوا عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ وَقَالَ الْحَسَنُ اسْتَقَامُوا عَلَى أَمْرِ اللَّهِ فَعَمِلُوا بِطَاعَتِهِ واجتنبوا معاصيه وقال بن عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ اسْتَقَامُوا عَلَى شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَتَّى مَاتُوا وَقِيلَ غير ذلك قلت قول بن عَبَّاسٍ وَمَنْ تَبِعَهُ هُوَ الظَّاهِرُ الْمُوَافِقُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ (قَدْ قَالَ النَّاسُ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى قَدْ قَالَهَا أُنَاسٌ (ثُمَّ كَفَرَ أَكْثَرُهُمْ) يَعْنِي فَلَيْسَ هَؤُلَاءِ الْكَفَرَةُ مِمَّنِ اسْتَقَامُوا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وبن جَرِيرٍ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ يَقُولُ رَوَى عَفَّانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ حَدِيثًا) عَفَّانُ هَذَا هُوَ عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ وَهُوَ مِنْ شُيُوخِ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ وَرَوَى هُوَ عَنْهُ حَدِيثًا وَاحِدًا كَمَا أَنَّ الْبُخَارِيَّ مِنْ شُيُوخِ التِّرْمِذِيِّ وَرَوَى عَنْهُ حَدِيثَيْنِ كَمَا عَرَفْتَ فِي الْمُقَدِّمَةِ بَاب وَمِنْ سُورَةِ حم عسق وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سُورَةُ حم عسق وَهِيَ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَلَاثٌ وَخَمْسُونَ آيَةً قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَيْسَرَةَ) الْهِلَالِيِّ أَبِي زَيْدٍ الْعَامِرِيِّ الْكُوفِيِّ الزَّرَّادِ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قُلْ لا أسألكم عليه

43 - أَيْ عَلَى تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ في القربى أَيْ مَظْرُوفَةً فِيهَا بِحَيْثُ تَكُونُ الْقُرْبَى مَوْضِعًا للمودة وظرفا لها لَا يَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْ مَحَبَّتِكُمْ عَنْهَا وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ أَيْ إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي بَيْنَكُمْ أَوْ تَوَدُّوا أَهْلَ قَرَابَتِي وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا قَالَ الزَّجَّاجُ إِلَّا الْمَوَدَّةَ اسْتِثْنَاءٌ لَيْسَ مِنَ الْأَوَّلِ أَيْ إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي فَتَحْفَظُونِي وَالْخِطَابُ لِقُرَيْشٍ وَهَذَا قَوْلُ عِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَأَبِي مَالِكٍ وَالشَّعْبِيِّ فَيَكُونُ الْمَعْنَى عَلَى الِانْقِطَاعِ لَا أَسْأَلُكُمْ أَجْرًا قَطُّ وَلَكِنْ أَسْأَلُكُمُ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمُ ارْقُبُونِي فِيهَا وَلَا تُعَجِّلُوا إِلَيَّ وَدَعُونِي وَالنَّاسَ وَبِهِ قَالَ قتادة ومقاتل والسدي والضحاك وبن زيد وغيرهم وهو الثابت عن بن عَبَّاسٍ (فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ) قَالَ الْحَافِظُ هَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَدْ جَاءَ عَنْهُ مِنْ روايته عن بن عباس مرفوعا فأخرج الطبري وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قَرَابَتُكَ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ الْحَدِيثَ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَهُوَ سَاقِطٌ لِمُخَالَفَتِهِ هَذَا الحديث الصحيح يعني حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ (فَقَالَ بن عَبَّاسٍ أَعَلِمْتَ) بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ لِلْإِنْكَارِ وَفِي رِوَايَةِ البخاري فقال بن عَبَّاسٍ عَجِلْتَ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ أَسْرَعْتَ فِي التَّفْسِيرِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ) الْبَطْنُ مَا دُونَ الْقَبِيلَةِ وَفَوْقَ الْفَخِذِ (لَهُ) أَيْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال إِلَّا أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ فَحَمَلَ الْآيَةَ عَلَى أَنْ تُوَادُّوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَجْلِ الْقَرَابَةِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَكُمْ فَهُوَ خَاصٌّ

بِقُرَيْشٍ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عباس أيضا عند بن أَبِي حَاتِمٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ في القربى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِمَوَدَّتِهِمْ قَالَ فَاطِمَةُ وَوَلَدُهَا عَلَيْهِمُ السلام فقال بن كثير إسناده ضعيف فيه منهم لَا يُعْرَفُ إِلَّا عَنْ شَيْخٍ شِيعِيٍّ مُخْتَرِقٍ وَهُوَ حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ وَلَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَالْآيَةُ مَكِّيَّةٌ وَلَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ لِفَاطِمَةَ أَوْلَادٌ بِالْكُلِّيَّةِ فَإِنَّهَا لَمْ تُزَوَّجْ بِعَلِيٍّ إِلَّا بَعْدَ بَدْرٍ مِنَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ وَتَفْسِيرُ الْآيَةِ بِمَا فَسَّرَ بِهِ حبر الأمة وترجمان القران بن عباس أحق وأولى ولا ننكر الْوَصَاةُ بِأَهْلِ الْبَيْتِ وَاحْتِرَامُهُمْ وَإِكْرَامُهُمْ إِذْ هُمْ مِنَ الذُّرِّيَّةِ الطَّاهِرَةِ الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ بَيْتٍ وُجِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَخْرًا وَحَسَبًا وَنَسَبًا وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانُوا مُتَّبِعِينَ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُهُمْ كَالْعَبَّاسِ وَبَنِيهِ وَعَلِيٍّ وَآلِ بَيْتِهِ وَذُرِّيَّتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَنَفَعَنَا بِمَحَبَّتِهِمْ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ ورواه بن جَرِيرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ والقول بنسخ هذه الاية غير مرضي لِأَنَّ مَوَدَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَفَّ الْأَذَى عَنْهُ وَمَوَدَّةَ أَقَارِبِهِ مِنْ فَرَائِضِ الدِّينِ وَهُوَ قَوْلُ السَّلَفِ فَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إِلَى نَسْخِ هَذِهِ الْآيَةِ وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مسنده عن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى مَا آتَيْتُكُمْ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى أَجْرًا إِلَّا أَنْ تُوَادُّوا اللَّهَ تَعَالَى وَأَنْ تَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ وَهَكَذَا رَوَى قَتَادَةُ عَنِ الْحَسَنِ البصري مثله قال الحافظ بن كَثِيرٍ وَهَذَا كَأَنَّهُ تَفْسِيرٌ بِقَوْلٍ ثَانٍ كَأَنَّهُ يَقُولُ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى أَيْ إِلَّا أَنْ تَعْمَلُوا بِالطَّاعَةِ الَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ زُلْفَى انْتَهَى وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى هَذَا الْبَلَاغِ وَالنُّصْحِ لَكُمْ ما لا تُعْطُونِيهِ وَإِنَّمَا أَطْلُبُ مِنْكُمْ أَنْ تَكُفُّوا شَرَّكُمْ عَنِّي وَتَذْرُونِي أُبَلِّغُ رِسَالَاتِ رَبِّي إِنْ لَمْ تَنْصُرُونِي فَلَا تُؤْذُونِي لِمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَعْنَى هَذِهِ الاية ويدل على ذلك حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ وَأَمَّا الْأَقْوَالُ الْبَاقِيَةُ فَمَرْجُوحَةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ [3252] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمِ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَازِعِ الْكِلَابِيُّ الْقَيْسِيُّ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَازِعِ) الْكِلَابِيُّ الْبَصْرِيُّ مَجْهُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (فَأُخْبِرْتُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ) بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَاضِي الْبَصْرَةِ كَانَ ظَلُومًا وَذَكَرَهُ أَبُو الْعَرَبِ الصِّقِلِّيُّ فِي كِتَابِ الضعفاء وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (فَقُلْتُ إِنَّ فِيهِ) أَيْ فِي

بِلَالِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ (لَمُعْتَبَرًا) أَيْ عِبْرَةً وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ قَاضِيًا وَالْآنَ هُوَ مَحْبُوسٌ (قَالَ) أَيْ شَيْخُ بَنِي مُرَّةَ الْمَذْكُورُ (وَإِذَا) لِلْمُفَاجَأَةِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ بِلَالِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ (فِي قُشَاشٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْقَشِيشُ كَأَمِيرٍ اللُّقَاطَةُ كَالْقُشَاشِ بِالضَّمِّ وَقَالَ فِيهِ اللُّقَاطَةُ بِالضَّمِّ مَا كَانَ سَاقِطًا مِمَّا لَا قِيمَةَ لَهُ (تُمْسِكُ بِأَنْفِكَ) أَيْ تَكَبُّرًا (هَاتِ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ أَعْطِ وَحَدِّثْنِي بِذَلِكَ الْحَدِيثِ (حَدَّثَنِي أَبِي أَبُو بُرْدَةَ) أَبُو بُرْدَةَ مَرْفُوعٌ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أَبِي (أَبِي مُوسَى) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ أَبِيهِ نَكْبَةٌ أَيْ مِحْنَةٌ وَأَذًى وَالتَّنْوِينُ لِلتَّقْلِيلِ لَا لِلْجِنْسِ لِيَصِحَّ تَرَتُّبُ مَا بَعْدَهَا عَلَيْهَا بِالْفَاءِ وَهُوَ فَمَا فَوْقَهَا أَيْ فِي الْعِظَمِ أَوْ دُونَهَا أَيْ فِي الْمِقْدَارِ إِلَّا بِذَنْبٍ أَيْ يَصْدُرُ مِنَ الْعَبْدِ وَمَا يَعْفُو اللَّهُ مَا مَوْصُولَةٌ أَيِ الَّذِي يَغْفِرُهُ وَيَمْحُوهُ أَكْثَرُ أَيْ مِمَّا يُجَازِيهِ (قَالَ) أَيْ أَبُو مُوسَى (وَقَرَأَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا أَصَابَكُمْ) خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ مصيبة أي بلية وشدة (فيما كسبت أيديكم أَيْ كَسَبْتُمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَعَبَّرَ بِالْأَيْدِي لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَفْعَالِ تُزَاوَلُ بِهَا وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ أَيْ مِنَ الذُّنُوبِ فَلَا يُجَازِي عَلَيْهِ وَهُوَ تَعَالَى أَكْرَمُ مِنْ أَنْ يُثَنِّيَ الْجَزَاءَ فِي الْآخِرَةِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُذْنِبِينَ فَمَا يُصِيبُهُمْ فِي الدُّنْيَا لِرَفْعِ دَرَجَاتِهِمْ فِي الْآخِرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ مَجْهُولَانِ كَمَا عَرَفْتَ

44 - سُورَةُ الزُّخْرُفِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ تِسْعٌ وَثَمَانُونَ آيَةً [3253] قَوْلُهُ كَانُوا عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْهُدَى إِلَّا أوتوا الجدل أي أعطوه وهو حال وقد مُقَدَّرَةٌ وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَعَمُّ عَامٌّ الْأَحْوَالَ وَصَاحِبُهَا الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ فِي خَبَرِ كَانَ وَالْمَعْنَى مَا كَانَ ضَلَالَتُهُمْ وَوُقُوعُهُمْ فِي الْكُفْرِ إِلَّا بِسَبَبِ الْجِدَالِ وَهُوَ الْخُصُومَةُ بِالْبَاطِلِ مَعَ نَبِيِّهِمْ وَطَلَبِ الْمُعْجِزَةِ مِنْهُ عِنَادًا أَوْ جُحُودًا وَقِيلَ مُقَابَلَةُ الْحُجَّةِ بِالْحُجَّةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ هُنَا الْعِنَادُ وَالْمُرَادُ فِي الْقُرْآنِ ضَرْبُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ لِتَرْوِيجِ مَذَاهِبِهِمْ وَآرَاءِ مَشَايِخِهِمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ نُصْرَةٌ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ وَذَلِكَ مُحَرَّمٌ لَا الْمُنَاظَرَةُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَإِظْهَارِ الْحَقِّ فَإِنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ (ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ اسْتِشْهَادًا عَلَى مَا قرره ما ضربوه أَيْ هَذَا الْمَثَلَ لَكَ يَا مُحَمَّدُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ أَرَادُوا بِالْآلِهَةِ هُنَا الْمَلَائِكَةَ يَعْنِي الْمَلَائِكَةُ خَيْرٌ أَمْ عِيسَى يُرِيدُونَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ خَيْرٌ مِنْ عِيسَى فَإِذَا عَبَدَتِ النَّصَارَى عِيسَى فَنَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ أَيْ ما قالوا ذلك القول إلا جدلا أي إلا لمخاصمتك وإذائك بالباطل لا لطلب إلا الحق كذا قال بعض العلماء قال القارىء والأصح في معنى الاية أن بن الزِّبَعْرَى جَادَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حصب جهنم آلِهَتُنَا أَيِ الْأَصْنَامُ خَيْرٌ عِنْدَكَ أَمْ عِيسَى فَإِنْ كَانَ فِي النَّارِ فَلْتَكُنْ آلِهَتُنَا مَعَهُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الشُّبْهَةِ فَأَوَّلًا أَنَّ مَا لِغَيْرِ ذَوِي الْعُقُولِ فَالْإِشْكَالُ نَشَأَ عَنِ الْجَهْلِ بِالْقَوَاعِدِ الْعَرَبِيَّةِ وَثَانِيًا أَنَّ عِيسَى وَالْمَلَائِكَةَ خُصُّوا عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ انتهى قلت بن الزِّبَعْرَى بِكَسْرِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْأَلِفِ الْمَقْصُورَةِ قَالَ الشهاب بن الزِّبَعْرَى هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهَا كَانَتْ قَبْلَ إِسْلَامِهِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَيَانِ

باب ومن سورة الدخان

بل هم أي الكفار قوم خصمون أي كثير الْخُصُومَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجه والحاكم وبن جَرِيرٍ (إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ حَجَّاجِ بْنِ دينار) قال الحافظ بن كَثِيرٍ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ فَذَكَرَهُ قَوْلُهُ (وَأَبُو غَالِبٍ اسْمُهُ حَزَوَّرٌ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالزَّايِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَآخِرُهُ راء 5 - (باب ومن سورة الدخان) مكية وقيل إلا إنا كاشفو العذاب الْآيَةَ وَهِيَ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ أَوْ تِسْعٌ وَخَمْسُونَ آيَةً [3254] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْجُدِّيُّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمَكِّيُّ مَوْلَى بَنِي عَبْدِ الدَّارِ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَبَا الضُّحَى) هُوَ مُسْلِمُ بْنُ صُبَيْحٍ (إِلَى عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ (إِنَّ قَاصًّا يَقُصُّ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بَيْنَمَا رَجُلٌ يُحَدِّثُ فِي كِنْدَةَ (فَيَأْخُذُ بِمَسَامِعِ الْكُفَّارِ) جَمْعُ مَسْمَعٍ آلَةُ السَّمْعِ أَوْ جَمْعُ سَمْعٍ بِغَيْرِ قِيَاسٍ وَالْمَسْمَعُ بِالْفَتْحِ خَرْقُهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَيَأْخُذُ بِأَنْفَاسِ الْكُفَّارِ (فَغَضِبَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ (فَلْيَقُلْ بِهِ) أَيْ بِمَا يَعْلَمُ (فَإِنَّ مِنْ عِلْمِ الرَّجُلِ إِلَخْ) قوله من علم الرجل خبر مقدم لأن وَاسْمُهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَا يَعْلَمُ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ عِلْمِ الرَّجُلُ وفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الرُّومِ فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ لَا أَعْلَمُ قَالَ الْحَافِظُ يَعْنِي أَنَّ تَمْيِيزَ الْمَعْلُومِينَ الْمَجْهُولَ نَوْعٌ مِنَ الْعِلْمِ وَهَذَا مُنَاسِبٌ لِمَا اشْتُهِرَ مِنْ أَنَّ لَا أَدْرِي نِصْفُ الْعِلْمِ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ فِيمَا لَا يُعْلَمُ قِسْمٌ مِنَ التَّكَلُّفِ (فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وما أنا من المتكلفين

) في قول بن مَسْعُودٍ هَذَا وَفِيمَا قَبْلَهُ تَعْرِيضٌ بِالرَّجُلِ الْقَاصِّ الَّذِي كَانَ يَقُولُ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَا فأنكر بن مَسْعُودٍ ذَلِكَ وَقَالَ لَا تَتَكَلَّفُوا فِيمَا لَا تَعْلَمُونَ وَبَيَّنَ قِصَّةَ الدُّخَانِ وَقَالَ إِنَّهُ كَهَيْئَةِ إِلَخْ وَذَلِكَ قَدْ كَانَ وَوَقَعَ قَالَ الْعَيْنِيُّ فيه خلاف فإنه روي عن بن عباس وبن عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ وَالْحَسَنِ أَنَّهُ دُخَانٌ يَجِيءُ قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ وهذا الذي أنكره بن مَسْعُودٍ قَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ فَأَخْرَجَ عَبْدُ الرزاق وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ آيَةُ الدُّخَانِ لَمْ تَمْضِ بَعْدُ يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ وَيُنْفَخُ الْكَافِرُ حَتَّى يَنْفَدَ وَيُؤَيِّدُ كَوْنَ آيَةِ الدُّخَانِ لَمْ تَمْضِ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحَةَ رَفَعَهُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ طُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا وَالدُّخَانَ وَالدَّابَّةَ الْحَدِيثَ وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ حَدِيثِ رِبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا فِي خُرُوجِ الْآيَاتِ وَالدُّخَانِ قَالَ حُذَيْفَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الدُّخَانُ فَتَلَا هَذِهِ الاية قال أما المؤمن فيصيبه مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزَّكْمَةِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَخْرُجُ مِنْ مَنْخِرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَدُبُرِهِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَذَكَرَ الْحَافِظُ رِوَايَاتٍ أُخْرَى ضَعِيفَةً ثُمَّ قَالَ لَكِنَّ تَضَافُرَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِذَلِكَ أَصْلًا انتهى قال العيني في العمدة وقال بن دِحْيَةَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ الصَّحِيحُ حَمْلُ أَمْرِ الدُّخَانِ عَلَى قَضِيَّتَيْنِ إِحْدَاهُمَا وَقَعَتْ وَكَانَتْ وَالْأُخْرَى سَتَقَعُ أَيْ بِقُرْبِ الْقِيَامَةِ (اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ) أَيْ أَظْهَرُوا الْعِصْيَانَ وَلَمْ يَتْرُكُوا الشِّرْكَ بِسَبْعٍ أَيْ بِسَبْعِ سِنِينَ فِيهَا جَدْبٌ وَقَحْطٌ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ بِفَتْحِ السِّينِ وَهِيَ الْجَدْبُ وَالْقَحْطُ فَأَحْصَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَيِ اسْتَأْصَلَتْهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَحَصَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَيْ أَذْهَبَتْهُ وَالْحَصُّ إِذْهَابُ الشَّعَرِ عَنِ الرَّأْسِ بِحَلْقٍ أَوْ مَرَضٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَقَالَ أَحَدُهُمَا) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ (الْعِظَامَ) رَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ وَفِيهِ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَرَوَاهُ من طريق مَنْصُورٍ وَفِيهِ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ (وَجَعَلَ يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ) وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ فَكَانَ يَقُومُ أَحَدُهُمْ فَكَانَ يَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ قَالَ الْحَافِظُ وَلَا تَدَافُعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كان مبدأه مِنَ الْأَرْضِ وَمُنْتَهَاهُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَا مُعَارَضَةَ أَيْضًا بَيْنَ قَوْلِهِ يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ وَبَيْنَ قَوْلِهِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْأَمْرَيْنِ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْأَرْضِ بُخَارٌ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنْ شِدَّةِ حَرَارَةِ الْأَرْضِ وَوَهَجِهَا مِنْ عَدَمِ الْغَيْثِ وَكَانُوا يَرَوْنَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ مِنْ فَرْطِ حَرَارَةِ الْجُوعِ أَوِ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ بِحَسَبِ تَخَيُّلِهِمْ ذَلِكَ مِنْ غَشَاوَةِ أَبْصَارِهِمْ مِنْ فَرْطِ

الْجُوعِ أَوْ لَفْظُ مِنَ الْجُوعِ صِفَةُ الدُّخَانِ أَيْ يَرَوْنَ مِثْلَ الدُّخَانِ الْكَائِنِ مِنَ الْجُوعِ يوم تأتي السماء بدخان مبين الْآيَةَ بِتَمَامِهَا مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا فَارْتَقِبْ أَيِ انْتَظِرْ يَا مُحَمَّدُ عَذَابَهُمْ فَحَذَفَ مَفْعُولَ فَارْتَقِبْ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَقِيلَ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ مَفْعُولُ فَارْتَقِبْ يُقَالُ رَقَبْتُهُ فَارْتَقَبْتُهُ نَحْوَ نَظَرْتُهُ فَانْتَظَرْتُهُ يَوْمَ تأتي السماء بدخان مبين أي ظاهر يغشى الناس أي يحيطهم هذا عذاب أليم يَقُولُ اللَّهُ ذَلِكَ وَقِيلَ يَقُولُهُ النَّاسُ رَبَّنَا اكشف عنا العذاب قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا أَصَابَهُمْ قَحْطٌ وَجَهْدٌ قَالُوا رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا العذاب وَهُوَ الْقَحْطُ الَّذِي أَكَلُوا فِيهِ الْمِيتَاتِ وَالْجُلُودَ إنا مؤمنون أي مصدقون بنبيك أنى لهم الذكرى أَيْ كَيْفَ يَتَذَكَّرُونَ وَيَتَّعِظُونَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ وَقَدْ جاءهم رسول مبين مَعْنَاهُ وَقَدْ جَاءَهُمْ مَا هُوَ أَعْظَمُ وَأَدْخَلُ فِي وُجُوبِ الطَّاعَةِ وَهُوَ مَا ظَهَرَ عَلَى يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ الظَّاهِرَاتِ ثُمَّ تَوَلَّوْا عنه أي أعرضوا وقالوا معلم أي يعلمه القرآن بشر مجنون إنا كاشفو العذاب أَيِ الْجُوعِ عَنْكُمْ قَلِيلًا أَيْ زَمَنًا قَلِيلًا فكشف عنهم إنكم عائدون أَيْ إِلَى كُفْرِكُمْ فَعَادُوا إِلَيْهِ يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الكبرى هُوَ يَوْمُ بَدْرٍ وَالْبَطْشُ الْأَخْذُ بِقُوَّةٍ إِنَّا منتقمون أَيْ مِنْهُمْ (فَهَلْ يُكْشَفُ عَذَابُ الْآخِرَةِ) وَفِي رواية مسلم فيكشف بِالْهَمْزَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ عَلَى مَنْ يَقُولُ إِنَّ الدُّخَانَ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَعْنِي الَّتِي فِيهَا قَالَ يَأْتِي النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ دخان فيأخذ بأنفساهم حتى يأخذهم منه كهيئة الزكام فقال بن مَسْعُودٍ هَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَشْفَ الْعَذَابِ ثُمَّ عَوْدَهُمْ لَا يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الدُّنْيَا انتهى (قال) أي بن مَسْعُودٍ (مَضَى الْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَالدُّخَانُ وَقَالَ أَحَدُهُمُ الْقَمَرُ وَقَالَ الْآخَرُ الرُّومُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَقَالَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ خَمْسَةٌ قَدْ مَضَيْنَ الدُّخَانُ وَالْقَمَرُ وَالرُّومُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا هَلَاكًا قَالَ الْعَيْنِيُّ قَوْلُهُ خَمْسٌ) أَيْ خَمْسُ عَلَامَاتٍ قَدْ مَضَيْنَ أَيْ وَقَعْنَ الْأُولَى الدُّخَانُ قَالَ تَعَالَى يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ الثَّانِيَةُ الْقَمَرُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وانشق القمر الثَّالِثَةُ الرُّومُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الم غلبت الروم الرَّابِعَةُ الْبَطْشَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ نبطش البطشة الكبرى وَهُوَ الْقَتْلُ الَّذِي وَقَعَ يَوْمَ بَدْرٍ الْخَامِسَةُ اللزام

فسوف يكون لزاما قِيلَ هُوَ الْقَحْطُ وَقِيلَ هُوَ الْتِصَاقُ الْقَتْلَى بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ فِي بَدْرٍ وَقِيلَ هُوَ الْأَسْرُ فِيهِ وَقَدْ أُسِرَ سَبْعُونَ قُرَشِيًّا فِيهِ (قَالَ أَبُو عِيسَى اللِّزَامُ يَوْمُ بَدْرٍ) اخْتُلِفَ فِيهِ فذكر بن أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ الْقَتْلُ الَّذِي أصابهم ببدر روي ذلك عن بن مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَاحِدًا وَعَنِ الْحَسَنِ اللِّزَامُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَعَنْهُ أَنَّهُ الْمَوْتُ وَقِيلَ يَكُونُ ذَنْبُكُمْ عَذَابًا لَازِمًا لَكُمْ كَذَا فِي الْعُمْدَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ [3255] قَوْلُهُ وَلَهُ أَيْ مُخْتَصٌّ بِهِ بَابَانِ أَيْ مِنَ السَّمَاءِ يَصْعَدُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيُضَمُّ أَيْ يَطْلُعُ وَيُرْفَعُ عَمَلُهُ أَيِ الصَّالِحُ إِلَى مُسْتَقَرِّ الْأَعْمَالِ وَهُوَ مَحَلُّ كِتَابَتِهَا فِي السَّمَاءِ بَعْدَ كِتَابَتِهَا فِي الْأَرْضِ وَفِي إِطْلَاقِهِ الْعَمَلَ إِشْعَارٌ بِأَنَّ عَمَلَهُ كُلَّهُ صَالِحٌ يَنْزِلُ بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ رِزْقُهُ أَيِ الْحِسِّيُّ أَوِ الْمَعْنَوِيُّ إِلَى مُسْتَقَرِّ الْأَرْزَاقِ مِنَ الْأَرْضِ بَكَيَا أَيِ الْبَابَانِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى فِرَاقِهِ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ خَيْرُهُ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْكَافِرِ فَإِنَّهُمَا يَتَأَذَّيَانِ بِشَرِّهِ فَلَا يبكان عليه قاله بن الْمَلَكِ وَهُوَ ظَاهِرٌ مُوَافِقٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى مَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيُّ أَنَّ لِلْأَشْيَاءِ كُلِّهَا عِلْمًا بِاللَّهِ وَلَهَا تَسْبِيحٌ وَلَهَا خَشْيَةٌ وَغَيْرُهَا وَقِيلَ أَيْ بَكَى عَلَيْهِ أَهْلُهُمَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ انْكِشَافُ هَذَا تَمْثِيلٌ وَتَخْيِيلٌ مُبَالَغَةً فِي فِقْدَانِ مَنْ دَرَجَ وَانْقَطَعَ خَيْرُهُ وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ مِنْ بُكَاءِ مُصَلَّى الْمُؤْمِنِ وَآثَارِهِ فِي الْأَرْضِ وَمَصَاعِدِ عَمَلِهِ وَمَهَابِطِ رِزْقِهِ فِي السَّمَاءِ تَمْثِيلٌ وَنَفْيُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَمَا بكت عليهم السماء والأرض تَهَكُّمٌ بِهِمْ وَبِحَالِهِمُ الْمُنَافِيَةِ لِحَالِ مَنْ يَعْظُمُ فَقْدُهُ فَيُقَالُ فِيهِ بَكَتْ عَلَيْهِ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ انْتَهَى وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَلَا وَجْهَ لِلْعُدُولِ لِمُجَرَّدِ مُخَالَفَتِهِ ظَاهِرَ الْعُقُولِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَذَلِكَ) أَيْ مَفْهُومُ الْحَدِيثِ أَوْ مصداقه (قوله فما بكت عليهم إِلَخْ) أَيْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ تَصْعَدُ فِي أَبْوَابِ السَّمَاءِ فَتَبْكِي عَلَى فَقْدِهِمْ ولا لهم في الأرض بقاء عَبَدُوا اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا فَقَدَتْهُمْ فَلِهَذَا اسْتَحَقُّوا أَنْ لَا يُنْظَرُوا وَلَا يُؤَخَّرُوا لِكُفْرِهِمْ وَإِجْرَامِهِمْ وَعُتُوِّهِمْ وَعِنَادِهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو يعلى وبن أبي حاتم

باب ومن سورة الأحقاف

46 - (باب ومن سُورَةُ الْأَحْقَافِ) مَكِّيَّةٌ إِلَّا (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كان من عند الله) الْآيَةَ وَإِلَّا (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ من الرسل) وإلا (ووصينا الإنسان بوالديه) الثَّلَاثَ آيَاتٍ وَهِيَ أَرْبَعٌ أَوْ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ آيَةً [3256] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَيَّاةَ) اسْمُهُ يَحْيَى بن يعلي التيمي (عن بن أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ) مَجْهُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (لَمَّا أُرِيدَ عُثْمَانُ) أَيْ أُرِيدَ قَتْلُهُ (جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ) بِتَخْفِيفِ اللَّامِ الصَّحَابِيُّ الْمَشْهُورُ (اخْرُجْ إِلَى النَّاسِ) أَيِ الَّذِينَ حَاصَرُوهُ (فَاطْرُدْهُمْ) مِنَ الطَّرْدِ وَهُوَ الْإِبْعَادُ أَيْ أَبْعِدْهُمْ (فَإِنَّكَ خَارِجٌ خَيْرٌ لِي مِنْكَ دَاخِلٌ) أَيْ كَوْنُكَ خَارِجًا لِطَرْدِهِمْ خَيْرٌ لِي مِنْ كَوْنِكَ دَاخِلًا عِنْدِي (إِنَّهُ كَانَ اسْمِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فُلَانٌ) الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ فُلَانًا بِالنَّصْبِ مُنَوَّنًا لِأَنَّهُ خَبَرُ كَانَ وَفُلَانٌ وَفُلَانَةُ يُكَنَى بِهِمَا عَنِ الْعَلَمِ الَّذِي مُسَمَّاهُ مِمَّنْ يَعْقِلُ فَلَا تَدْخُلُ الْ عَلَيْهِمَا وَفُلَانَةُ مَمْنُوعَةٌ مِنَ الصَّرْفِ فَيُقَالُ جَاءَ فُلَانٌ وَلَكِنْ جَاءَتْ فُلَانَةُ وَيُكَنَى بِهِمَا أَيْضًا عَنِ الْعَلَمِ لِغَيْرِ الْعَاقِلِ فَتَدْخُلُ عَلَيْهِمَا الْ تَقُولُ رَكِبْتُ الْفُلَانَ وَحَلَبْتُ الْفُلَانَةَ وَأَمَّا الرَّفْعُ فَعَلَى أَنَّ فِي كان ضمير الشأن واسمي مبتدأ وفلان خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ كَانَ وَكَانَ اسْمُ عَبْدِ اللَّهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْحُصَيْنَ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ أخرجه بن مَاجَهْ (فِيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بني إسرائيل أَيِ الْعَالِمِينَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي التَّوْرَاةِ وَقَبْلَهُ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ الله وكفرتم به وشهد إلخ (على مثله فآمن) أَيْ عَلَى مِثْلِ الْقُرْآنِ مِنَ الْمَعَانِي الْمَوْجُودَةِ فِي التَّوْرَاةِ الْمُطَابِقَةِ لَهُ مِنْ إِثْبَاتِ التَّوْحِيدِ وَالْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذِهِ الْمِثْلِيَّةُ هِيَ بِاعْتِبَارِ تَطَابُقِ الْمَعَانِي وَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْأَلْفَاظُ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ مِثْلٌ صِلَةٌ وَالْمَعْنَى وَشَهِدَ شَاهِدٌ عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَذَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ فَآمَنَ الشَّاهِدُ بِالْقُرْآنِ لِمَا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَمِنْ جِنْسِ

مَا يُنَزِّلُهُ عَلَى رُسُلِهِ وَهَذَا الشَّاهِدُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَمَا قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمْ وَفِي هَذَا نَظَرٌ فَإِنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَانَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالشَّاهِدِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ قَدْ آمَنَ بِالْقُرْآنِ فِي مَكَّةَ وَصَدَّقَهُ وَاخْتَارَ هذا بن جَرِيرٍ وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ لَا مَكِّيَّةٌ وَعَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَدَنِيَّةٌ فَيُخَصَّصُ بِهَا عُمُومُ قَوْلِهِمْ إِنَّ سُورَةَ الْأَحْقَافِ كُلَّهَا مَكِّيَّةٌ وَإِيَّاهُ ذَكَرَ الْكُرَاشِيُّ وَكَوْنُهُ إِخْبَارًا قَبْلَ الْوُقُوعِ خِلَافُ الظَّاهِرِ وَلِذَا قِيلَ لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ أَنَّ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ إِذَا فُسِّرَ الشَّاهِدُ بِابْنِ سَلَامٍ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مَعْطُوفٌ عَلَى الشَّرْطِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ الْمَاضِي مُسْتَقْبَلًا فَلَا ضَرَرَ فِي شَهَادَةِ الشَّاهِدِ بَعْدَ نُزُولِهَا وَادِّعَاءُ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ مَعَ ذِكْرِهِ فِي شُرُوحِ الْكَشَّافِ لَا وَجْهَ لَهُ إِلَّا أَنْ يُرَادَ مِنَ السَّلَفِ الْمُفَسِّرُونَ قَالَهُ الشِّهَابُ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَيَانِ قُلْتُ حَدِيثُ عَبْدِ الله بن سلام وهذا صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وحديث عوف بن مالك عند بن حبان وحديث بن عباس عند بن مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَهُوَ الْقَوْلُ الرَّاجِحُ وَاسْتَكْبَرْتُمْ أَيْ آمَنَ الشَّاهِدُ وَاسْتَكْبَرْتُمْ أَنْتُمْ عَنِ الْإِيمَانِ وَجَوَابُ الشَّرْطِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَلَسْتُمْ ظَالِمِينَ دَلَّ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظالمين فَحَرَمَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ الْهِدَايَةَ بِظُلْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى وُجُوبِ الْإِيمَانِ وَمَنْ فَقَدَ هِدَايَةَ اللَّهِ لَهُ ضَلَّ كَفَى بالله شهيدا بيني وبينكم أَيْ عَلَى صِدْقِي (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) قِيلَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَقِيلَ هُمْ مُؤْمِنُو أَهْلِ الْكِتَابِ وَهَذِهِ الْآيَةُ فِي آخِرِ سُورَةِ الرَّعْدِ (مَغْمُودًا) أَيْ مَسْتُورًا فِي غِلَافِهِ (فَاللَّهَ اللَّهَ) بِالنَّصْبِ فِيهِمَا أَيِ اتَّقُوا اللَّهَ (فِي هَذَا الرَّجُلِ) أَيْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنْ تَقْتُلُوهُ) بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ (لَتَطْرُدُنَّ) أَيْ لَتُبْعِدُّنَّ (جِيرَانَكُمْ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (الْمَلَائِكَةَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ (وَلَتَسُلُّنَّ) أَيْ لَتَنْتَزِعُنَّ (فَلَا يُغْمَدُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ غَمَدَ السَّيْفَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ جَعَلَهُ فِي غِمْدِهِ فَهُوَ مَغْمُودٌ وأغمده أيضا فهو مغمد وهما لغنان فَصِيحَتَانِ (اقْتُلُوا الْيَهُودِيَّ) أَيْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سلام قوله

(هذا حديث غريب) وأخرجه بن مردويه وبن جرير مختصرا قوله (عن بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ فِي مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَعُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَرْجَمَةِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ هَذَا [3257] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرحمن بن الأسود) هو بن الْمَأْمُونِ قَوْلُهُ (إِذَا رَأَى مَخِيلَةً) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَهِيَ السَّحَابَةُ الَّتِي يُخَالُ فِيهَا الْمَطَرُ (أَقْبَلَ وَأَدْبَرَ) زَادَ الْبُخَارِيُّ وَدَخَلَ وَخَرَجَ وَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ أَيْ خَوْفًا أَنْ تُصِيبَ أُمَّتَهُ عُقُوبَةَ ذَنْبِ الْعَامَّةِ كَمَا أصاب الذين قالوا هذا عارض ممطرنا الْآيَةَ (فَإِذَا مَطَرَتْ) أَيِ الْمَخِيلَةُ (سُرِّيَ عَنْهُ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ بِلَفْظِ الْمَجْهُولِ أَيْ كُشِفَ عَنْهُ مَا خَالَطَهُ مِنَ الْوَجَلِ (فَقُلْتُ لَهُ) أَيْ لِمَ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وَيَتَغَيَّرُ وَجْهُكَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَخِيلَةِ فَقَالَ وَمَا أَدْرِي لَعَلَّهُ أي المذكور من المخيلة فلما رأوه أي ما هو العذاب عارضا أَيْ سَحَابًا عَرَضَ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ مُسْتَقْبِلَ أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا أَيْ مُمْطِرٌ إِيَّانَا بَعْدَهُ بَلْ هُوَ أَيْ قَالَ تَعَالَى بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ مِنَ الْعَذَابِ رِيحٌ بَدَلٌ مِنْ مَا فِيهَا عذاب أليم أي مؤلم قال بن الْعَرَبِيِّ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَخْشَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَذَّبَ الْقَوْمُ وَهُوَ فِيهِمْ مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَا كَانَ اللَّهُ ليعذبهم وأنت فيهم) وَالْجَوَابُ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ وَيَتَعَيَّنُ الْحَمْلُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى كَرَامَةٍ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِفْعَةٍ فَلَا يُتَخَيَّلُ انْحِطَاطُ دَرَجَتِهِ أَصْلًا قَالَ الْحَافِظُ يُعَكِّرُ عَلَيْهِ أَنَّ آيَةَ الْأَنْفَالِ كَانَتْ فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ كَانَ يُوَاظِبُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِهِ كَانَ إِذَا رَأَى فَعَلَ كَذَا وَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ إِنَّ فِي آيَةِ الْأَنْفَالِ احْتِمَالَ التَّخْصِيصِ بِالْمَذْكُورِينَ لَهُ بِوَقْتٍ دون وقت أو مقام الخوف يقتضي غلبته عَدَمِ الْأَمْنِ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَأَوْلَى مِنَ الْجَمِيعِ أَنْ يُقَالَ خَشِيَ عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ فِيهِمْ أَنْ يَقَعَ بِهِمُ الْعَذَابُ أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَشَفَقَتُهُ عَلَيْهِ لِإِيمَانِهِ وَأَمَّا الْكَافِرُ فَلِرَجَاءِ إِسْلَامِهِ وَهُوَ بُعِثَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

[3258] قوله (أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم) هو بن علية (عن داود) هو بن أَبِي هِنْدٍ قَوْلُهُ (قَالَ مَا صَحِبَهُ مِنَّا أَحَدٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا صَرِيحٌ فِي إِبْطَالِ الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ المذكور فيه الوضوء بالنبيذ وحضور بن مَسْعُودٍ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَحَدِيثُ النَّبِيذِ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَمَدَارُهُ عَلَى زَيْدٍ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ انْتَهَى (افْتَقَدْنَاهُ) فَقَدَهُ يَفْقِدُهُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَيْ عَدِمَهُ وَافْتَقَدَهُ مِثْلُهُ (وَهُوَ بِمَكَّةَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (اغْتِيلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ قُتِلَ سِرًّا مِنَ الِاغْتِيَالِ وَهُوَ الْقَتْلُ فِي خِفْيَةٍ (اسْتُطِيرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْضًا مِنَ الِاسْتِطَارِ أَيْ طَارَتْ بِهِ الْجِنُّ (إِذَا نَحْنُ بِهِ) أَيْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا لِلْمُفَاجَأَةِ (مِنْ قِبَلِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ (حِرَاءٍ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ حِرَاءٌ كَكِتَابٍ وَكَعَلَى عَنْ عِيَاضٍ وَيُؤَنَّثُ ويمنع جبل بمكة فيه غار تحنث فيه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ الشَّعْبِيُّ وَسَأَلُوهُ الزَّادَ إِلَخْ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ انْتَهَى حَدِيثُ بن مَسْعُودٍ عِنْدَ قَوْلِهِ فَأَرَانَا آثَارَهُمْ وَآثَارَ نِيرَانِهِمْ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِ الشَّعْبِيِّ كَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ دَاوُدَ الرَّاوِي عَنْ الشعبي وبن علية وبن زريع وبن أبي زائدة وبن إِدْرِيسَ وَغَيْرِهِمْ هَكَذَا قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إِنَّهُ مِنْ كَلَامِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ لَيْسَ مرويا عن بن مَسْعُودٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِلَّا فَالشَّعْبِيُّ لَا يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ كُلُّ عَظْمٍ لَمْ يُذْكَرُ اِسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا كَانَ لَحْمًا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اِسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقَعُ فِي أَيْدِيكُمْ أَوْفَرَ مَا يَكُونُ لَحْمًا وَفِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ تَخَالُفٌ ظَاهِرٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَيْ عِنْدَ الذَّبْحِ وَبِقَوْلِهِ لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يَعْنِي عِنْدَ الْأَكْلِ وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ هُوَ أَصَحُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم

7 - سُورَةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُسَمَّى سُورَةَ الْقِتَالِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٌ وثلاثون آية [3259] قوله واستغفر لذنبك أَيِ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ مِمَّا رُبَّمَا يَصْدُرُ مِنْكَ مِنْ تَرْكِ الْأَوْلَى وَقِيلَ لِتَسْتَنَّ بِهِ أُمَّتُهُ وَلِيَقْتَدُوا بِهِ فِي ذَلِكَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ كما ستقف وللمؤمنين والمؤمنات فِيهِ إِكْرَامٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ حَيْثُ أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِذُنُوبِهِمْ وَهُوَ الشَّفِيعُ الْمُجَابُ فِيهِمْ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ الْقَسَمُ عَلَى الشَّيْءِ تَأْكِيدًا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ السَّامِعِ فِيهِ شَكٌّ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ وَيَعْزِمُ عَلَى التَّوْبَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ يَقُولُ هَذَا اللَّفْظَ بِعَيْنِهِ وَيُرَجِّحُ الثَّانِيَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ جيد من طريق مجاهد عن بن عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِائَةَ مَرَّةٍ وَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ بِلَفْظِ إِنَّا كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ مِائَةَ مَرَّةٍ (فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً قَالَ الْحَافِظُ تَحْتَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا لَفْظُهُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْمُبَالَغَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْعَدَدَ بِعَيْنِهِ وَقَوْلُهُ أكثر مبهم فيحتمل أن يفسر بحديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَأَنَّهُ يَبْلُغُ الْمِائَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَيُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ إِلَخْ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ تَنْبِيهٌ قَدِ اسْتُشْكِلَ وُقُوعُ الِاسْتِغْفَارِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَعْصُومٌ وَالِاسْتِغْفَارُ يَسْتَدْعِي وُقُوعَ مَعْصِيَةٍ وَأُجِيبَ بِعِدَّةِ أَجْوِبَةٍ مِنْهَا أَنَّ الْمُرَادَ بِاسْتِغْفَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِغْفَارُهُ مِنَ الْغَيْنِ الَّذِي وَقَعَ فِي حَدِيثِ

الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ قَالَ عِيَاضٌ الْمُرَادُ مِنَ الْغَيْنِ فَتَرَاتٌ عَنِ الذِّكْرِ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهِ فَإِذَا فَتَرَ عَنْهُ لِأَمْرٍ مَا عَدَّ ذَلِكَ ذنبا فاستغفر عنه ومنها قول بن الْجَوْزِيِّ هَفَوَاتُ الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ وَالْأَنْبِيَاءُ وَإِنْ عُصِمُوا مِنَ الْكَبَائِرِ فَلَمْ يُعْصَمُوا مِنَ الصَّغَائِرِ كَذَا قَالَ وَهُوَ مُفَرَّعٌ عَلَى خِلَافِ الْمُخْتَارِ وَالرَّاجِحُ عِصْمَتُهُمْ مِنَ الصَّغَائِرِ أيضا ومنها قول بن بَطَّالٍ الْأَنْبِيَاءُ أَشَدُّ النَّاسِ اجْتِهَادًا فِي الْعِبَادَةِ لِمَا أَعْطَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمَعْرِفَةِ فَهُمْ دَائِبُونَ فِي شُكْرِهِ مُعْتَرِفُونَ لَهُ بِالتَّقْصِيرِ انْتَهَى وَمُحَصَّلُ جَوَابِهِ أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي أَدَاءِ الْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِاشْتِغَالِهِ بِالْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ جِمَاعٍ أَوْ نَوْمٍ أَوْ راحة أو لِمُخَاطَبَةِ النَّاسِ وَالنَّظَرِ فِي مَصَالِحِهِمْ وَمُحَارَبَةِ عَدُوِّهِمْ تَارَةً وَمُدَارَاتِهِ أُخْرَى وَتَأْلِيفِ الْمُؤَلَّفَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَحْجُبُهُ عَنِ الِاشْتِغَالِ بِذِكْرِ اللَّهِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْهِ وَمُشَاهَدَتِهِ وَمُرَاقَبَتِهِ فَيَرَى ذَلِكَ ذَنْبًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَقَامِ الْعَلِيِّ وَهُوَ الْحُضُورُ فِي حَظِيرَةِ الْقُدْسِ وَمِنْهَا أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ تَشْرِيعٌ لِأُمَّتِهِ أَوْ مِنْ ذُنُوبِ الْأُمَّةِ فَهُوَ كَالشَّفَاعَةِ لَهُمْ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَائِمَ التَّرَقِّي فَإِذَا ارْتَقَى إِلَى حَالٍ رَأَى مَا قَبْلَهَا دُونَهَا فَاسْتَغْفَرَ مِنَ الْحَالَةِ السَّابِقَةِ وَهَذَا مُفَرَّعٌ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ فِي اسْتِغْفَارِهِ كَانَ مُفَرَّقًا بِحَسَبِ تَعَدُّدِ الْأَحْوَالِ وَظَاهِرُ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ يُخَالِفُ ذَلِكَ كَذَا فِي الْفَتْحِ [3260] قَوْلُهُ (عَنِ الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ يَعْقُوبَ الْحُرَقِيُّ وإن تتولوا أَيْ إِنْ تُعْرِضُوا وَتُدْبِرُوا عَنْ طَاعَتِهِ يَسْتَبْدِلْ قوما غيركم أَيْ يَجْعَلْهُمْ بَدَلَكُمْ (ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) أَيْ فِي التَّوَلِّي عَنْ طَاعَتِهِ بَلْ مُطِيعِينَ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ (قَالُوا) أَيْ قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ (عَلَى مَنْكِبِ سَلْمَانَ) أَيِ الْفَارِسِيِّ وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخِذَ سَلْمَانَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ عَلَى فَخِذِهِ وَمَنْكِبِهِ هَذَا وَقَوْمُهُ هُمُ الْفُرْسُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَجْهُولٌ

[3261] قَوْلُهُ (اسْتُبْدِلُوا بِنَا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُجْعَلُوا بَدَلَنَا لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ مَنُوطًا أَيْ مُعَلَّقًا بِالثُّرَيَّا بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ هُوَ النَّجْمُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ امْرَأَةٌ ثَرْوَى مُتَمَوِّلَةٌ وَالثُّرَيَّا تَصْغِيرُهَا وَالنَّجْمُ لِكَثْرَةِ كَوَاكِبِهِ مَعَ ضِيقِ الْمَحَلِّ لَتَنَاوَلَهُ أَيْ أَخَذَ الْإِيمَانَ رِجَالٌ مِنْ فَارِسَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ فَارِسُ وَالْفُرْسُ أَوْ بِلَادُهُمْ اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ الإيمان إلخ صدرمنه عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ صَرِيحٌ فِي أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ صَدَرَ مِنْهُ عِنْدَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ صَدَرَ عِنْدَ نُزُولِ كُلٍّ مِنَ الْآيَتَيْنِ وَيَأْتِي الْكَلَامُ مُفَصَّلًا بِمَا يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ الْإِيمَانُ إِلَخْ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْكَثِيرَ) أَيْ مِنَ الْأَحَادِيثِ يَعْنِي قَدْ رَوَى عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ (وَحَدَّثَنَا عَلِيٌّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ نَجِيحٍ) أَيْ بِوَاسِطَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جعفر

سُورَةُ الْفَتْحِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً [3262] قَوْلُهُ (فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ) هُوَ سَفَرُ عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسِيرُ مَعَهُ ليلا قال القرطبي وهذا السفر كان ليلا مُنْصَرَفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ لَا أَعْلَمُ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا (فَسَكَتَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلَمْ يُجِبْهُ قَالَ الْحَافِظُ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِكُلِّ كَلَامٍ جَوَابٌ بَلِ السُّكُوتُ قَدْ يَكُونُ جَوَابًا لِبَعْضِ الْكَلَامِ وَتَكْرِيرُ عُمَرَ السُّؤَالَ إِمَّا لِكَوْنِهِ خَشِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْمَعْهُ أَوْ لِأَنَّ الْأَمْرَ الَّذِي كَانَ يَسْأَلُ عَنْهُ كَانَ مُهِمًّا عِنْدَهُ وَلَعَلَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَابَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَرَكَ إِجَابَتَهُ أَوَّلًا لِشُغْلِهِ بِمَا كَانَ فِيهِ مِنْ نُزُولِ الْوَحْيِ (فَقُلْتُ) أَيْ لِنَفْسِي (ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ مِنَ الثُّكْلِ وَهُوَ فِقْدَانُ الْمَرْأَةِ وَلَدَهَا دَعَا عُمَرُ عَلَى نَفْسِهِ بِسَبَبِ مَا وَقَعَ مِنْهُ مِنَ الْإِلْحَاحِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَمْ يُرِدِ الدُّعَاءَ عَلَى نَفْسِهِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تُقَالُ عِنْدَ الْغَضَبِ مِنْ غَيْرِ قَصْدِ مَعْنَاهَا (نَزَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَبِالزَّايِ بَعْدَهَا رَاءٌ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّثْقِيلِ وَالتَّخْفِيفُ أَشْهَرُ أَيْ أَلْحَحْتُ عَلَيْهِ (مَا أَخْلَقَكَ) صِيغَةُ التَّعَجُّبِ مِنْ خَلُقَ كَكَرُمَ صَارَ خَلِيقًا أَيْ جَدِيرًا (فَمَا نَشِبْتُ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ سَاكِنَةٌ أَيْ مَا لَبِثْتُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَمْ يَنْشَبْ أَنْ فَعَلَ كَذَا أَيْ لَمْ يَلْبَثْ وَحَقِيقَتُهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بشيء غيره ولا استغل بسواء (صَارِخًا) أَيْ مُصَوِّتًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَيْ لِمَا فِيهَا مِنَ الْبِشَارَةِ

بِالْمَغْفِرَةِ وَالْفَتْحِ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ هَذَا الْفَتْحِ فَقَالَ الْأَكْثَرُ عَلَى مَا فِي الْبُخَارِيِّ هُوَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ وَالصُّلْحُ قَدْ يُسَمَّى فَتْحًا قَالَ الْفَرَّاءُ وَالْفَتْحُ قَدْ يَكُونُ صُلْحًا وَقَالَ قَوْمٌ إِنَّهُ فَتْحُ مَكَّةَ وَقَالَ آخَرُونَ إِنَّهُ فَتْحُ خَيْبَرَ وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَسْلَمَ الْعَدَوِيِّ هَذَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والبخاري والنسائي [3263] قوله ليغفر لك الله أَيْ بِجِهَادِكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تأخر أَيْ مِنْهُ لِتَرْغِيبِ أُمَّتِكَ فِي الْجِهَادِ وَهُوَ مأول لِعِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ الْقَاطِعِ مِنَ الذُّنُوبِ وَاللَّامُ لِلْعِلَّةِ الْغَائِبَةِ فَمَدْخَلُهَا مُسَبَّبٌ لَا سَبَبٌ قَالَهُ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وما تأخر فَقِيلَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ وَمَا تَأَخَّرَ بَعْدَهَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وبن جَرِيرٍ وَالْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخْرَى ضَعِيفَةٌ وَالظَّاهِرُ الرَّاجِحُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالذَّنْبِ بَعْدَ الرِّسَالَةِ تَرْكُ مَا هُوَ الْأَوْلَى وسمي في حقه ذنب لِجَلَالَةِ قَدْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَنْبًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ (مَرْجِعَهُ) أَيْ وَقْتَ رُجُوعِهِ ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ أُنْزِلَتْ (فَقَالُوا هَنِيئًا مَرِيًّا يَا رَسُولَ اللَّهِ) قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ أَيْ قَالَ أَصْحَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَنِيئًا أَيْ لَا إِثْمَ فِيهِ مَرِيئًا أَيْ لَا دَاءَ فِيهِ وَنُصِبَا عَلَى الْمَفْعُولِ أَوِ الْحَالِ أَوْ صِفَةٍ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ صَادَفْتَ أَوْ عِشْ عَيْشًا هَنِيئًا مَرِيئًا يَا رَسُولَ اللَّهِ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ لِيُدْخِلَ المؤمنين والمؤمنات إِلَخْ اللَّامُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ أَيْ أَمَرَ بِالْجِهَادِ لِيُدْخِلَ إِلَخْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَفِيهِ عَنْ مُجَمِّعِ بْنِ جَارِيَةَ) يَعْنِي وَفِي الْبَابِ عَنْ مُجَمِّعَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ الْمَكْسُورَةِ بْنَ جَارِيَةَ بِالْجِيمِ بْنَ عَامِرٍ الْأَنْصَارِيَّ الْأَوْسِيَّ الْمَدَنِيِّ صَحَابِيٌّ أَحَدُ الْقُرَّاءِ الذين قرؤوا الْقُرْآنَ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الجهاد

[3264] قَوْلُهُ (أَنَّ ثَمَانِينَ هَبَطُوا) أَيْ نَزَلُوا وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحُدَيْبِيَةِ هَبَطَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِالسِّلَاحِ (أَنْ يَقْتُلُوهُ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأُخِذُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيِ الثَّمَانُونَ (فَأَعْتَقَهُمْ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَعَفَا عَنْهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ [3265] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ سَعِيدُ بْنُ عِلَاقَةَ أَبُو فَاخِتَةَ قوله وألزمهم أي المؤمنين كلمة التقوى أَيْ مِنَ الشِّرْكِ وَهِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأُضِيفَ إِلَى التَّقْوَى لِأَنَّهَا سَبَبُهَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ هِيَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمْ يُقِرُّوا بِهَا وَامْتَنَعُوا عَنْ كِتَابَتِهَا فِي كِتَابِ الصُّلْحِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ فَخَصَّ اللَّهُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ بِهَا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ كَلِمَةَ التَّوْحِيدِ هِيَ الَّتِي يُتَّقَى بِهَا الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ هَذَا (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَفْسِيرِ كَلِمَةِ التَّقْوَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَيْ هِيَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه أحمد وبن جرير والدارقطني في الأفراد وبن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات 9

سُورَةُ الْحُجُرَاتِ ثَمَانِي عَشْرَةَ آيَةً وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ [3266] قَوْلُهُ (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَعْمِلْهُ) أَيِ الْأَقْرَعَ (فَقَالَ عُمَرُ لَا تَسْتَعْمِلْهُ) وفي رواية البخاري من طريق بن جريج عن بن أبي مليكة عن بن الزُّبَيْرِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَمَّرَ الْقَعْقَاعَ بْنَ مَعْبَدٍ وَقَالَ عُمَرُ بَلْ أَمَّرَ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ وَرِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ أَثْبَتُ مِنْ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ لِأَنَّ فِي سَنَدِهَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وهو صدوق سيء الْحِفْظِ (مَا أَرَدْتَ إِلَّا خِلَافِي) أَيْ لَيْسَ مَقْصُودُكَ إِلَّا مُخَالَفَةَ قَوْلِي (وَكَانَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْمِعْ كَلَامَهُ حَتَّى يَسْتَفْهِمَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَكَانَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَدِيثٍ حَدَّثَهُ كَأَخِي السِّرَارِ لَمْ يُسْمِعْهُ حَتَّى يستفهمه (قال وما ذكر بن الزُّبَيْرِ جَدَّهُ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ) يَعْنِي أَنَّ بن الزُّبَيْرِ ذَكَرَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا تَكَلَّمَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُسْمِعْ كَلَامَهُ إِلَخْ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا عَنْ جَدِّهِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ عَنْ أَبِيهِ يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ يُرِيدُ جَدَّهُ لِأُمِّهِ أَسْمَاءَ وَإِطْلَاقُ الْأَبِ عَلَى الْجَدِّ مَشْهُورٌ انْتَهَى وقال الحافظ في الفتح وقد أخرج بن الْمُنْذِرِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مُرْسَلٌ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مَوْصُولًا مِنْ حَدِيثِ أبي هريرة نحوه وأخرجه بن مردويه من

طَرِيقِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ قال لما نزلت لا ترفعوا أصواتكم الْآيَةَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آلَيْتُ أَلَّا أُكَلِّمَكَ إِلَّا كَأَخِي السِّرَارِ انتهى قوله (هذا حديث غريب حسن) وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ [3267] قَوْلُهُ (فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ) مَقْصُودُ الرَّجُلِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ مَدْحُ نَفْسِهِ وَإِظْهَارُ عَظَمَتِهِ يَعْنِي إِنْ مَدَحْتُ رَجُلًا فَهُوَ مَحْمُودٌ وَمُزَيَّنٌ وَإِنْ ذَمَمْتُ رَجُلًا فَهُوَ مَذْمُومٌ وَمَعِيبٌ ذَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَيِ الَّذِي حَمْدُهُ زَيْنٌ وَذَمُّهُ شَيْنٌ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَوَى الطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ مُرْسَلًا وَزَادَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ إِنَّ الذين ينادونك من وراء الحجرات الْآيَةَ وَمِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ نَحْوَهُ وَرَوَى مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ حَدَّثَنِي الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ أَنَّهُ أَتَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ اخْرُجْ إِلَيْنَا فَنَزَلَتْ (إِنَّ الذين ينادونك من وراء الحجرات) الْحَدِيثَ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ بِلَفْظِ أَنَّهُ نَادَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ يَا مُحَمَّدُ وَفِي رِوَايَةٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يُجِبْهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ حَمْدِي لَزَيْنٌ وَإِنَّ ذَمِّي لَشَيْنٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غريب) وأخرجه بن جَرِيرٍ [3268] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو زَيْدٍ صَاحِبُ الْهَرَوِيِّ) اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَامِرِيُّ الْحَرَشِيُّ الْهَرَوِيُّ الْبَصْرِيُّ كَانَ يَبِيعُ الثِّيَابَ الْهَرَوِيَّةَ ثِقَةٌ مِنْ صغار التاسعة قوله ولا تنابزوا بالألقاب أَيْ لَا يَدْعُو بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِلَقَبٍ يَكْرَهُهُ وَالتَّنَابُزُ التَّفَاعُلُ مِنَ النَّبْزِ بِالتَّسْكِينِ وَهُوَ الْمَصْدَرُ وَالنَّبَزُ بِالتَّحْرِيكِ اللَّقَبُ مُطْلَقًا أَيْ حَسَنًا كَانَ أَوْ قَبِيحًا خُصَّ فِي الْعُرْفِ بِالْقَبِيحِ وَالْجَمْعُ أَنْبَازٌ وَالْأَلْقَابُ جَمْعُ لَقَبٍ وَهُوَ اسْمٌ غَيْرُ الَّذِي سُمِّيَ بِهِ الْإِنْسَانُ وَالْمُرَادُ لَقَبُ السُّوءِ وَالتَّنَابُزُ بِالْأَلْقَابِ أَنْ يُلَقِّبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَالتَّدَاعِي بِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ وَأَبُو جَبِيرَةَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ مُهْمَلَةٌ وَتَاءُ تَأْنِيثٍ لَا يُعْرَفُ لَهُ اسْمٌ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صُحْبَتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَهُ صُحْبَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ [3269] قَوْلُهُ (عَنِ الْمُسْتَمِرِّ بْنِ الرَّيَّانِ) بِالتَّحْتَانِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ الْإِيَادِيِّ الزُّهْرَانِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ أَيِ اعْلَمُوا أَنَّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ رَسُولَ

اللَّهِ فَعَظِّمُوهُ وَوَقِّرُوهُ وَتَأَدَّبُوا مَعَهُ وَانْقَادُوا لِأَمْرِهِ فَإِنَّهُ أَعْلَمُ بِمَصَالِحِكُمْ وَأَشْفَقُ عَلَيْكُمْ مِنْكُمْ وَرَأْيُهُ فِيكُمْ أَتَمُّ مِنْ رَأْيِكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ثُمَّ بَيَّنَ أَنَّ رَأْيَهُمْ سَخِيفٌ بِالنَّسِبَةِ إِلَى مُرَاعَاةِ مَصَالِحِهِمْ فَقَالَ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لعنتم أَيْ لَوْ أَطَاعَكُمْ فِي جَمِيعِ مَا تَخْتَارُونَهُ لَأَدَّى ذَلِكَ إِلَى عَنَتِكُمْ وَحَرَجِكُمْ وَالْعَنَتُ هُوَ التَّعَبُ وَالْجَهْدُ وَالْإِثْمُ وَالْهَلَاكُ (قَالَ) أَيْ أَبُو سَعِيدٍ (وَخِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ) أَيِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ (لَوْ أَطَاعَهُمْ) أَيْ لَوْ أَطَاعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ (لَعَنِتُوا) أَيْ خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ خِيَارَ الْأَئِمَّةِ (فَكَيْفَ بِكُمُ الْيَوْمَ) الْخِطَابُ فِيهِ وَفِي مَا قَبْلَهُ لِلتَّابِعِينَ أَيْ كَيْفَ يَكُونُ حَالُكُمْ لَوْ يَقْتَدِي بِكُمْ وَيَأْخُذُ بِآرَائِكُمْ وَيَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ [3270] قَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ أَيْ أَزَالَ وَرَفَعَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِهَا وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَتَيْنِ أَيْ نَخْوَتَهَا وَكِبْرَهَا وَفَخْرَهَا وَتَعَاظُمَهَا أَيْ تفاخرها فالناس رجلان الْإِيمَانِ عَلَى الْخَاتِمَةِ وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ بمن اتقى وفاجر أي كأفراد عَاصٍ شَقِيٌّ أَيْ غَيْرُ سَعِيدٍ هَيِّنٌ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ ذَلِيلٌ عَلَى اللَّهِ أَيْ عِنْدَهُ وَالذَّلِيلُ لَا يُنَاسِبُهُ التَّكَبُّرُ وَالنَّاسُ أَيْ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ أَيْ أَوْلَادُهُ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنَ التُّرَابِ أَيْ فَلَا يليق بمن أصله التراب النخوة والتجبر أو إذا كان الأصل واحدا فالكل إخوة فلا وَجْهَ لِلتَّكَبُّرِ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْأُمُورِ عَارِضَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا حَقِيقَةً يَا

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى أي آدم وحواء وجعلناكم شعوبا جَمْعُ شَعْبٍ بِفَتْحِ الشِّينِ وَهُوَ أَعْلَى طَبَقَاتِ النَّسَبِ وَقَبَائِلَ هِيَ دُونَ الشُّعُوبِ وَبَعْدَهَا الْعَمَائِرُ ثُمَّ الْبُطُونُ ثُمَّ الْأَفْخَاذُ ثُمَّ الْفَصَائِلُ آخِرُهَا مِثَالُهُ خُزَيْمَةُ شَعْبٌ كِنَانَةُ قَبِيلَةٌ قُرَيْشٌ عِمَارَةٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ قُصَيٌّ بَطْنٌ هَاشِمٌ فَخِذٌ الْعَبَّاسُ فصيلة لتعارفوا حذف منه إحدى التائين أَيْ لِيَعْرِفَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا لَا لِتُفَاخِرُوا بِعُلُوِّ النَّسَبِ وَإِنَّمَا الْفَخْرُ بِالتَّقْوَى إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أتقاكم أَيْ إِنَّمَا تَتَفَاضَلُونَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِالتَّقْوَى لَا بِالْأَحْسَابِ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِكُمْ خَبِيرٌ ببواطنكم قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ الْكِتَابِ وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ [3271] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ) الْبَغْدَادِيُّ الْمُؤَدِّبُ (عَنْ سَلَّامِ) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ (بْنِ أَبِي مُطِيعٍ) الْخُزَاعِيِّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ صَاحِبُ سُنَّةٍ فِي رِوَايَتِهِ عن قتادة ضعف من السابقة (عن الحسن) هو البصري قوله الحسب بفحتين الْمَالُ أَيْ مَالُ الدُّنْيَا الْحَاصِلُ بِهِ الْجَاهُ غالبا

باب ومن سورة ق

وَالْكَرَمُ أَيِ الْكَرَمُ الْمُعْتَبَرُ فِي الْعَقِبِ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ الْإِكْرَامُ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى التَّقْوَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى إن أكرمكم عند الله أتقاكم قَالَ الطِّيبِيُّ الْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ مِنْ مَآثِرِهِ وَمَآثِرِ آبَائِهِ وَالْكَرَمُ الْجَمْعُ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ وَالشَّرَفِ وَالْفَضَائِلِ وَهَذَا بِحَسَبِ اللُّغَةِ فَرَدَّهُمَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ بَيْنَ النَّاسِ وَعِنْدَ اللَّهِ أَيْ لَيْسَ ذِكْرُ الْحَسَبِ عِنْدَ النَّاسِ لِلْفَقِيرِ حَيْثُ لَا يُوَقَّرُ وَلَا يُحْتَفَلُ بِهِ بَلْ كُلُّ الْحَسَبِ عِنْدَهُمْ مَنْ رُزِقَ الثَّرْوَةَ وَوُقِّرَ فِي الْعُيُونِ وَمِنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ حَسَبِ الرَّجُلِ إِنْقَاءُ ثَوْبَيْهِ أَيْ إِنَّهُ يُوَقَّرُ لِذَلِكَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ دَلِيلُ الثَّرْوَةِ وَذُو الْفَضْلِ وَالشَّرَفِ عِنْدَ النَّاسِ وَلَا يُعَدُّ كَرِيمًا عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا الْكَرِيمُ عِنْدَهُ مَنِ ارْتَدَى بِرِدَاءِ التَّقْوَى وَأَنْشَدَ كَانَتْ مَوَدَّةُ سَلْمَانَ لَهُ نَسَبًا وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ نُوحٍ وَابْنِهِ رَحِمٌ انْتَهَى وَقِيلَ الْحَسَبُ مَا يَعُدُّهُ الرَّجُلُ مِنْ مَفَاخِرِ آبَائِهِ وَالْكَرَمُ ضِدُّ اللُّؤْمِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ الشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ الرَّجُلُ عَظِيمَ الْقَدْرِ عِنْدَ النَّاسِ هُوَ الْمَالُ وَالشَّيْءُ الَّذِي يَكُونُ بِهِ عَظِيمَ الْقَدْرِ عِنْدَ اللَّهِ التَّقْوَى وَالِافْتِخَارُ بِالْآبَاءِ لَيْسَ بِشَيْءٍ مِنْهُمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن ماجه والحاكم 0 - (باب ومن سُورَةُ ق) مَكِّيَّةٌ إِلَّا وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ الْآيَةَ فَمَدَنِيَّةٌ وَهِيَ خَمْسٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً [3272] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيُّ قَوْلُهُ لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) أَيْ مِنْ زِيَادَةٍ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ أَيْ يُطْرَحُ فِيهَا مِنَ الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ حَتَّى يَضَعَ فِيهَا رَبُّ الْعِزَّةِ أَيْ صَاحِبُ الْغَلَبَةِ وَالْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ قَدَمَهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي بَابِ خُلُودِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى إِذَا أُوعِبُوا فِيهَا وَضَعَ الرَّحْمَنُ قَدَمَهُ فِيهَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَّامُ هُنَاكَ مَبْسُوطًا عَلَى وَضْعِهِ تَعَالَى قَدَمَهُ فِي النَّارِ فَتَقُولُ قَطْ قَطْ بِفَتْحِ الْقَافِ

باب ومن سورة الذاريات

وَسُكُونِ الطَّاءِ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ حَسْبِي حَسْبِي وَثَبَتَ بِهَذَا التَّفْسِيرُ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَطْ بِالتَّخْفِيفِ سَاكِنًا وَيَجُوزُ الْكَسْرُ بِغَيْرِ إِشْبَاعٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ يَعْنِي بَعْضَ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قطي قطي باشباع وَقَطِنِي بِزِيَادَةِ نُونٍ مُشْبَعَةٍ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَرِوَايَةِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ بِالدَّالِ بَدَلَ الطَّاءِ وَهِيَ لُغَةٌ أَيْضًا وَكُلُّهَا بِمَعْنَى يَكْفِي وَقِيلَ قَطْ صَوْتُ جَهَنَّمَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّوَابُ عند الجمهور انتهى (ويزوى) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يُجْمَعُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ (وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يَعْنِي وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ 1 - (باب ومن سُورَةُ الذَّارِيَاتِ) مَكِّيَّةٌ وَهِيَ سِتُّونَ آيَةً [3273] قَوْلُهُ (حدثنا سفيان) هو بن عُيَيْنَةَ (عَنْ سَلَّامٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ بن سليمان المزني كنيته بن المنذر القارىء النَّحْوِيُّ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ الْكُوفَةِ صَدُوقٌ يَهِمُ قَرَأَ عَلَى عَاصِمٍ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) اسْمُهُ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَسَدِيُّ (عَنْ رَجُلٍ مِنْ رَبِيعَةَ) هُوَ الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ الْبَكْرِيُّ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ (فَذُكِرْتُ) بِضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْكَافِ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ (وَافِدَ عَادٍ) مَفْعُولٌ ثَانٍ لِذُكِرْتُ أَيْ ذَكَرُوا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَافِدَ عَادٍ بحضرتي وعادهم قَوْمُ هُودٍ (عَلَى الْخَبِيرِ بِهَا سَقَطْتَ) أَيْ عَلَى الْعَارِفِ بِقِصَّةِ وَافِدِ عَادٍ وَقَعْتَ وَهُوَ مَثَلٌ سَائِرٌ لِلْعَرَبِ (لَمَّا أُقْحِطَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ يُقَالُ أُقْحِطَ الْقَوْمُ إِذَا انْقَطَعَ عَنْهُمُ الْمَطَرُ (بَعَثَتْ) أَيْ أَرْسَلَتْ عَادٌ (قَيْلًا) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِاللَّامِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ قَيْلٌ وَافِدُ عَادٍ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَبَعَثُوا وَافِدًا لهم

يُقَالُ لَهُ قَيْلٌ (فَنَزَلَ عَلَى بَكْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ) اسْمُ رَجُلٍ كَانَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ (وَغَنَّتْهُ الْجَرَادَتَانِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ هُمَا مُغَنِّيَتَانِ كَانَتَا بِمَكَّةَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ مَشْهُورَتَانِ بِحُسْنِ الصَّوْتِ وَالْغِنَاءِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَمَرَّ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ فَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا يَسْقِيهِ الْخَمْرَ وَتُغَنِّيهِ جَارِيَتَانِ يُقَالُ لَهُمَا الْجَرَادَتَانِ فَلَمَّا مَضَى الشَّهْرُ خَرَجَ إِلَى جِبَالِ مَهْرَةَ (ثُمَّ خَرَجَ) أَيْ قَيْلٌ (يُرِيدُ جِبَالَ مَهْرَةَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَهَرَةُ بْنُ حَيْدَانَ حَيٌّ (فَاسْقِ عَبْدَكَ) يُرِيدُ نَفْسَهُ مَعَ قَوْمِهِ (سَحَابَاتٌ) أَيْ قطعات من السحاب (خذها رمادا رمددا ال فِي النِّهَايَةِ الرِّمْدِدُ بِالْكَسْرِ الْمُتَنَاهِي فِي الِاحْتِرَاقِ وَالدِّقَّةِ كَمَا يُقَالُ لَيْلٌ أَلَيْلُ وَيَوْمٌ أَيْوَمُ إِذَا أَرَادُوا الْمُبَالَغَةَ (لَا تَذَرُ مِنْ عَادٍ أَحَدًا) أَيْ لَا تَدَعُهُ حَيًّا بَلْ تُهْلِكُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَمَرَّتْ بِهِ سَحَابَاتٌ سُودٌ فَنُودِيَ مِنْهَا اخْتَرْ فَأَوْمَأَ إِلَى سَحَابَةٍ مِنْهَا سَوْدَاءَ فَنُودِيَ مِنْهَا خُذْهَا رَمَادًا رِمْدِدًا لَا تُبْقِي مِنْ عَادٍ أَحَدًا (وَذَكَرَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ قَرَأَ إِذْ أرسلنا عليهم) الْآيَةَ مَعَ تَفْسِيرِهَا هَكَذَا (وَفِي عَادٍ) أَيْ فِي إِهْلَاكِهِمْ آيَةٌ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ العقيم هِيَ الَّتِي لَا خَيْرَ فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ الْمَطَرَ وَلَا تُلَقِّحُ الشَّجَرَ وَهِيَ الدَّبُورُ ما تذر من شيء أَيْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جعلته كالرميم أَيْ كَالْمَبَانِي الْمُتَفَتِّتِ [3274] قَوْلُهُ (فَإِذَا هُوَ غَاصٌّ بِالنَّاسِ) أَيْ مُمْتَلِئٌ بِهِمْ قَالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ الْمَنْزِلُ غَاصٌّ بِالْقَوْمِ أَيْ مُمْتَلِئٌ بِهِمْ (وَإِذَا رَايَاتٌ) جَمْعُ رَايَةٍ وَهِيَ الْعَلَمُ (سُودٌ) جَمْعُ سَوْدَاءَ (تَخْفِقُ) بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَضَمِّهَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ خَفَقَتِ الرَّايَةُ تَخْفُقُ وتخفق خفقا

باب ومن سورة الطور

وَخَفَقَانًا مُحَرَّكَةٌ اضْطَرَبَتْ وَتَحَرَّكَتْ (وَجْهًا) أَيْ جَانِبًا قَوْلُهُ (فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ نَحْوًا مِنْ حَدِيثِ سفيان بن عيينة) أخرجه أحمد والنسائي وبن مَاجَهْ (وَيُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ حَسَّانٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ الْحَارِثُ بْنُ حَسَّانِ بْنِ كَلَدَةَ الْبَكْرِيُّ الذُّهْلِيُّ الرَّبَعِيُّ وَيُقَالُ الْعَامِرِيُّ وَيُقَالُ حُرَيْثٌ وَفَدَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَكَنَ الْكُوفَةَ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْهُ أَبُو وَائِلٍ وَغَيْرُهُ قَالَ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ رَبِيعَةَ ثُمَّ عَلَّقَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَسَمَّاهُ الْحَارِثَ بْنَ حَسَّانٍ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ الْبَكْرِيُّ ثُمَّ قَالَ وَيُقَالُ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ حسان وصحح بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ اسْمَهُ حُرَيْثٌ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ كَانَ يَسْكُنُ الْبَادِيَةَ 2 - (بَاب وَمِنْ سُورَةِ الطُّورِ) مَكِّيَّةٌ وَهِيَ تِسْعٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً [3275] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ كُرَيْبُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ مَوْلَى بن عَبَّاسٍ قَوْلُهُ إِدْبَارُ النُّجُومِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَنَصْبِ الرَّاءِ عَلَى الْحِكَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وإدبار النجوم وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ هُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الرَّكْعَتَانِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الرَّكْعَتَيْنِ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ إِدْبَارَ النُّجُومِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْفَجْرِ أَيْ فَرْضِهِ وَالْإِدْبَارُ وَالدُّبُورُ الذَّهَابُ يَعْنِي عُقَيْبَ ذَهَابِ النُّجُومِ وَهُوَ سُنَّةُ الصُّبْحِ وَإِدْبَارُ السُّجُودِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا قِرَاءَتَانِ مُتَوَاتِرَتَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ وَمِنَ اللَّيْلِ فسبحه وإدبار السجود قَالَ الطِّيبِيُّ صَلَاةُ إِدْبَارِ السُّجُودِ وَإِدْبَارَ نَصَبَهُ بِسَبِّحْ فِي التَّنْزِيلِ أَوْقَعَهُ مُضَافًا فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْحِكَايَةِ انْتَهَى وَالْمُرَادُ بِالسُّجُودِ فَرِيضَةُ الْمَغْرِبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ بن مردويه وبن أبي حاتم (ما أقر بهما) صيغة

باب ومن سورة والنجم

تَعَجُّبٍ (وَمُحَمَّدٌ عِنْدِي أَرْجَحُ) وَوَافَقَهُ أَبُو حَاتِمٍ فَقَالَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَخِيهِ رِشْدِينَ (وَسَأَلْتُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ (قَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ (مَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ) هُوَ كُنْيَتُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ (وَأَقْدَمُهُ) أي أكبره 3 - (باب ومن سورة والنجم) مكية وهي اثنتان وستون اية [3276] قوله (عن مرة) هو بن شَرَاحِيلَ الْهَمْدَانِيُّ قَوْلُهُ (لَمَّا بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ (سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ السِّدْرُ شَجَرُ النَّبْقِ وَسِدْرَةُ الْمُنْتَهَى شَجَرَةٌ فِي أَقْصَى الْجَنَّةِ إِلَيْهَا يَنْتَهِي عِلْمُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَلَا يَتَعَدَّاهَا قَالَ انْتَهَى إِلَيْهَا مَا يَعْرُجُ مِنَ الْأَرْضِ أَيْ مَا يَصْعَدُ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَرْوَاحِ وهذا قول بن مَسْعُودٍ وَضَمِيرُ قَالَ رَاجِعٌ إِلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ مسلم إليها ينتهي ما يعرج به الْأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ فَوْقٍ أَيْ مِنَ الْوَحْيِ وَالْأَحْكَامِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا (فَأَعْطَاهُ اللَّهُ عِنْدَهَا) أَيْ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (خَمْسًا) أَيْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ (وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ) أَيْ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى آمن الرسول إِلَى آخِرِ السُّورَةِ قِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ أُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَيْ أُعْطِيَ إِجَابَةَ دَعَوَاتِهَا (وَغُفِرَ لِأُمَّتِهِ الْمُقْحِمَاتُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا المقحمات قال

النَّوَوِيُّ هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَمَعْنَاهُ الذُّنُوبُ الْعِظَامُ الْكَبَائِرُ الَّتِي تُهْلِكُ أَصْحَابَهَا وَتُورِدُهُمُ النَّارَ وَتُقْحِمُهُمْ إِيَّاهَا وَتُقْحِمُ الْوُقُوعَ فِي الْمَهَالِكِ وَمَعْنَى الْكَلَامِ مَنْ مَاتَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ غَيْرَ مُشْرِكٍ بِاللَّهِ غُفِرَ لَهُ الْمُقْحِمَاتُ وَالْمُرَادُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِغُفْرَانِهَا أَنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُعَذَّبُ أَصْلًا فَقَدْ تَقَرَّرَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ وَإِجْمَاعُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى إِثْبَاتِ بَعْضِ الْعُصَاةِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهَذَا خُصُوصًا مِنَ الْأُمَّةِ أَنْ يُغْفَرَ لِبَعْضِ الْأُمَّةِ الْمُقْحِمَاتُ وَهَذَا يَظْهَرُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ لَفْظَةَ مَنْ لَا تَقْتَضِي الْعُمُومَ مُطْلَقًا وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ لَا تَقْتَضِيهِ فِي الْإِخْبَارِ وَإِنِ اقْتَضَتْهُ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ كَوْنُهَا لِلْعُمُومِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَدْ قَامَ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ الْخُصُوصِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ النُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ انْتَهَى (قَالَ السِّدْرَةُ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ السَّادِسَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الرِّوَايَاتِ الْأُخَرِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهَا فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ قَالَ الْقَاضِي كَوْنُهَا فِي السَّابِعَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَعْنَى وَتَسْمِيَتُهَا بِالْمُنْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيَكُونَ أَصْلُهَا فِي السَّادِسَةِ وَمُعْظَمُهَا فِي السَّابِعَةِ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّهَا فِي نِهَايَةٍ مِنَ الْعِظَمِ (قَالَ سُفْيَانُ) أَيْ فِي بَيَانِ مَا يَغْشَى (فَرَاشٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ الطَّيْرُ الَّذِي يُلْقِي نَفْسَهُ فِي ضَوْءِ السِّرَاجِ وَاحِدَتُهَا فَرَاشَةٌ (فَأَرْعَدَهَا) أَيْ حَرَّكَهَا لَعَلَّهُ حَكَى تَحَرُّكَ الْفَرَاشِ واضطرابها قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3277] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ) هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ قَوْلُهُ فَكَانَ أَيْ جَبْرَائِيلُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَابَ أي قدر قوسين أو أدنى أَيْ أَقْرَبَ مِنْ ذَلِكَ زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رواية فأوحى إلى عبده ما أوحى (فقال) أي ذر بْنُ حُبَيْشٍ (رَأَى جَبْرَائِيلَ) أَيْ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِالْأَرْضِ فِي الْأُفُقِ الْأَعْلَى وَمَرَّةً فِي السَّمَاءِ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى

قال الحافظ الحاصل أن بن مَسْعُودٍ كَانَ يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ إِلَى أَنَّ الَّذِي رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ جَبْرَائِيلُ كَمَا ذَهَبَتْ إِلَى ذَلِكَ عَائِشَةُ وَالتَّقْدِيرُ عَلَى رَأْيِهِ فَأَوْحَى أَيْ جَبْرَائِيلُ إِلَى عَبْدِهِ أَيْ عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ يَرَى أَنَّ الَّذِي دَنَا فَتَدَلَّى هُوَ جَبْرَائِيلُ وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَوْحَى إِلَى مُحَمَّدٍ وَكَلَامُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ السَّلَفِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الَّذِي أَوْحَى هُوَ اللَّهُ أَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِلَى جِبْرِيلَ انْتَهَى وَقَالَ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى في سورة النجم ثم دنا فتدلى فَهُوَ غَيْرُ الدُّنُوِّ وَالتَّدَلِّي فِي قِصَّةِ الْإِسْرَاءِ فَإِنَّ الَّذِي دَنَا فِي سُورَةِ النَّجْمِ هُوَ دنو جبريل وتدليه كما قالت عائشة وبن مَسْعُودٍ وَالسِّيَاقُ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ عَلَّمَهُ شديد القوى وَهُوَ جِبْرِيلُ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الأعلى ثم دنا فتدلى فَالضَّمَائِرُ كُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى هَذَا الْمُعَلِّمِ الشَّدِيدِ الْقُوَى وَهُوَ ذُو الْمِرَّةِ أَيِ الْقُوَّةِ وَهُوَ الَّذِي اسْتَوَى بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى وَهُوَ الَّذِي دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ مِنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْرَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَمَّا الدُّنُوُّ والتدلي الذي في حديث الإسراء فلذلك صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ دُنُوُّ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَتَدَلِّيهِ وَلَا تَعَرُّضَ فِي سُورَةِ النَّجْمِ لِذَلِكَ بَلْ فِيهَا أَنَّهُ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سدرة المنتهى وَهَذَا هُوَ جِبْرِيلُ رَآهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي الْأَرْضِ وَمَرَّةً عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم والنسائي [3278] قوله (حدثنا سفيان) هو بن عيينة (عن مجالد) هو بن سعيد (لقي بن عَبَّاسٍ كَعْبًا) هُوَ كَعْبُ بْنُ مَانِعٍ الْحِمْيَرِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَعْرُوفُ بِكَعْبِ الْأَحْبَارِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مُخَضْرَمٌ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَسَكَنَ الشَّامَ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَقَدْ زَادَ عَلَى الْمِائَةِ (فَسَأَلَهُ) أَيْ كَعْبًا (فَكَبَّرَ) أَيْ كَعْبٌ (حَتَّى جَاوَبَتْهُ الْجِبَالُ) أَيْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةً مُرْتَفِعًا بِهَا صَوْتُهُ حَتَّى جَاوَبَتْهُ الْجِبَالُ بِالصَّدَى كَأَنَّهُ اسْتَعْظَمَ مَا سَأَلَ عَنْهُ فَكَبَّرَ لِذَلِكَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ السُّؤَالَ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا سُئِلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَقَفَّ لِذَلِكَ شَعْرُهَا قَالَهُ الطِّيبِيُّ (إِنَّا بَنُو هَاشِمٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا بَعْثٌ لَهُ عَلَى التَّسْكِينِ مِنْ ذَلِكَ الْغَيْظِ وَالتَّفَكُّرِ فِي الْجَوَابِ يَعْنِي نَحْنُ أَهْلُ عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ فَلَا نَسْأَلُ عَمَّا يُسْتَبْعَدُ هَذَا الِاسْتِبْعَادَ وَلِذَلِكَ فَكَّرَ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ إِنَّ اللَّهَ قَسَمَ إِلَى آخِرِهِ (فَكَلَّمَ) أَيِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (مَرَّتَيْنِ) أَيْ فِي الْمِيقَاتَيْنِ (وَرَآهُ مُحَمَّدٌ) أَيْ فِي الْمِعْرَاجِ (مَرَّتَيْنِ) كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَ كَعْبٍ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي رَآهُ إِلَى اللَّهِ لَا إِلَى جِبْرِيلَ بِخِلَافِ قَوْلِ عَائِشَةَ (فَدَخَلْتُ عَلَى

عَائِشَةَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ كَانَ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ كعب وبن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَسَمِعَ مَا جَرَى بَيْنَهُمَا (قَفَّ لَهُ شَعْرِي) أَيْ قَامَ مِنَ الْفَزَعِ لِمَا حَصَلَ عِنْدَهَا مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ وَهَيْبَتِهِ وَاعْتَقَدَتْهُ مِنْ تَنْزِيهِهِ وَاسْتِحَالَةِ وُقُوعِ ذَلِكَ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ الْقَفُّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ كَالْقُشَعْرِيرَةِ وَأَصْلُهُ التَّقَبُّضُ وَالِاجْتِمَاعُ لِأَنَّ الْجِلْدَ يَنْقَبِضُ عِنْدَ الْفَزَعِ فَيَقُومُ الشَّعْرُ كَذَلِكَ (قُلْتُ رُوَيْدًا) أَيْ أَمْهِلِي وَلَا تَعْجَلِي (ثُمَّ قَرَأْتُ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ قَرَأْتُ الْآيَاتِ الَّتِي خَاتِمَتُهَا هَذِهِ الْآيَةُ كَمَا تَشْهَدُ لَهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى أَعْنِي قَوْلَهُ قُلْتُ لِعَائِشَةَ فَأَيْنَ قَوْلُهُ ثُمَّ دَنَا انْتَهَى قُلْتُ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي أَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ فَقُلْتُ يَا أم المؤمنين انظريني ولا تعجليني أَلَيْسَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى ولقد رآه بالأفق المبين فَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الطِّيبِيُّ (أَيْنَ يُذْهَبُ بِكَ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَوْ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ أَيْ أَيْنَ يَذْهَبُ بِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى الَّذِي قَرَأْتَ وَفِي الْمِشْكَاةِ أَيْنَ تَذْهَبُ بِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ أَخْطَأْتَ فِيمَا فَهِمْتَ مِنْ مَعْنَى الْآيَةِ وَذَهَبْتَ إِلَيْهِ فَإِسْنَادُ الْإِذْهَابِ إِلَى الْآيَةِ مَجَازٌ (إِنَّمَا هُوَ) أَيِ الْآيَةُ الْكُبْرَى وَذَكَرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ (فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ) بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيِ الْكَذِبَ (فِي جِيَادٍ) مَوْضِعٌ بِأَسْفَلَ مَكَّةَ قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ وَوَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ فِي أَجْيَادٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَجْيَادٌ مَوْضِعٌ بِأَسْفَلَ مَكَّةَ مَعْرُوفٌ مِنْ شِعَابِهَا (قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ) أَيْ مَلَأَ أَطْرَافَ السَّمَاءِ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مَعَ زِيَادَةٍ وَاخْتِلَافٍ وَفِي رِوَايَتِهِمَا قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ فَأَيْنَ قَوْلُهُ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أو أدنى قَالَتْ ذَاكَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَأْتِيهِ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ وَأَنَّهُ أَتَاهُ بِهَذِهِ الْمَرَّةِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي هِيَ صُورَتُهُ فَسَدَّ الْأُفُقَ (وَقَدْ رَوَى دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ إِلَخْ) أَخْرَجَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ هُنَاكَ مَبْسُوطًا فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أم لا

[3279] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سَلْمُ بْنُ جَعْفَرٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْبَكْرَاوِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الْأَعْمَى قَالَ بن الْمَدِينِيِّ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ صَدُوقٌ تَكَلَّمَ فِيهِ الْأَزْدِيُّ بِغَيْرِ حُجَّةٍ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ) الْعَدَنِيِّ أَبِي عِيسَى صَدُوقٌ عَابِدٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ) كَذَا أَطْلَقَ الرُّؤْيَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ رَآهُ بِقَلْبِهِ (وَيْحَكَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَيْحٌ كَلِمَةُ تَرَحُّمٍ وَتَوَجُّعٍ تُقَالُ لِمَنْ وَقَعَ فِي هَلَكَةٍ لَا يَسْتَحِقُّهَا وَقَدْ يُقَالُ بِمَعْنَى الْمَدْحِ وَالتَّعَجُّبِ وَهِيَ مَنْصُوبَةٌ عَلَى الْمَصْدَرِ وَقَدْ تُرْفَعُ وَتُضَافُ وَلَا تُضَافُ يُقَالُ وَيْحَ زَيْدٍ وَوَيْحًا لَهُ وَوَيْحٌ لَهُ (ذَاكَ) أَيْ عَدَمُ إِدْرَاكِ الْأَبْصَارِ إِيَّاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَيْسَ مُطْلَقًا بَلْ (إِذَا تَجَلَّى) أَيْ ظَهَرَ (بِنُورِهِ الَّذِي هُوَ نُورُهُ) فَحِينَئِذٍ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ نَفْيُ الْإِحَاطَةِ بِهِ عِنْدَ رُؤْيَاهُ لَا نَفْيُ أَصْلِ رُؤْيَاهُ والظاهر أن بن عَبَّاسٍ أَخَذَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صعقا قوله (أخبرنا محمد بن عمرو) هو بن عَلْقَمَةَ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عوف [3280] قوله (عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى إلى قوله قال بن عَبَّاسٍ قَدْ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَذَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا اللفظ ورواه بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بِعَيْنِ سَنَدِ التِّرْمِذِيِّ هَكَذَا عن بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى عند سدرة المنتهى قَالَ دَنَا رَبُّهُ فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى قال قال بن عَبَّاسٍ قَدْ رَآهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (قَالَ رَآهُ بِقَلْبِهِ) أَيْ قَالَ بن عَبَّاسٍ رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَبَّهُ بِقَلْبِهِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَكَذَا قَالَ أَبُو ذَرٍّ وَإِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ رَآهُ بِقَلْبِهِ قَالَ وَعَلَى هَذَا رَأَى رَبَّهُ بِقَلْبِهِ رُؤْيَةً صَحِيحَةً وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ بَصَرَهُ فِي فُؤَادِهِ أَوْ خَلَقَ لِفُؤَادِهِ بَصَرًا حَتَّى رَأَى رَبَّهُ رُؤْيَةً صَحِيحَةً كَمَا يَرَى بِالْعَيْنِ انْتَهَى وَقَالَ الحافظ جاءت عن بن عَبَّاسٍ أَخْبَارٌ مُطْلَقَةٌ وَأُخْرَى مُقَيَّدَةٌ أَيْ بِالْفُؤَادِ فَيَجِبُ حَمْلُ مُطْلَقِهَا عَلَى مُقَيَّدِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن) وأخرجه بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أبي العالية عن بن عَبَّاسٍ قَالَ مَا

كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى قَالَ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ [3282] قَوْلُهُ (فَقَالَ نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فَقَالَ رَأَيْتُ نُورًا قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ هُوَ بِتَنْوِينِ نُورٍ وَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ فِي أَنَّى وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْمَفْتُوحَةِ وَأَرَاهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ هَكَذَا رَوَاهُ جَمِيعُ الرُّوَاةِ فِي جَمِيعِ الْأُصُولِ وَالرِّوَايَاتِ وَمَعْنَاهُ حِجَابُهُ نُورٌ فَكَيْفَ أَرَاهُ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ الضَّمِيرُ فِي أَرَاهُ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَعْنَاهُ أَنَّ النُّورَ مَنَعَنِي مِنَ الرُّؤْيَةِ كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِإِغْشَاءِ الْأَنْوَارِ الْأَبْصَارَ وَمَنْعِهَا مِنْ إِدْرَاكِ مَا حَالَتْ بَيْنَ الرَّائِي وَبَيْنَهُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ نُورًا مَعْنَاهُ رَأَيْتُ النُّورَ فَحَسْبُ وَلَمْ أَرَ غيره قال وروى أخبرنا نور أنى أَرَاهُ يَعْنِي بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ رَاجِعًا إِلَى مَا قُلْنَاهُ أَيْ خَالِقِ النُّورِ الْمَانِعِ مِنْ رؤيته فيكون مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَمْ تَقَعْ إِلَيْنَا وَلَا رَأَيْتُهَا فِي شَيْءٍ مِنَ الْأُصُولِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3283] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ) كَذَا فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ قَالَ فِي هامشها كذا في نسخ وفي نسخة وبن أَبِي رِزْمَةَ وَلَا يُوجَدُ فِي التَّقْرِيبِ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ انْتَهَى قُلْتُ النُّسْخَةُ التي فيها وبن أَبِي رِزْمَةَ بِزِيَادَةِ الْوَاوِ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَأَمَّا النُّسَخُ الَّتِي فِيهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رزمة يحذف الْوَاوِ فَهِيَ غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ رَاوٍ اسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ هَذَا هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بن موسى العبسي وبن أَبِي رِزْمَةَ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ وَهُمَا مِنْ شُيُوخِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ وَأَصْحَابِ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ) بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَبْرَائِيلَ فِي حُلَّةٍ مِنْ رَفْرَفٍ أَيْ ديباج رقيق حسنت صنعنه جَمْعُهُ رَفَارِفَ أَوْ هُوَ جَمْعُ رَفْرَفَةٍ وَهَذِهِ هِيَ الرُّؤْيَةُ) الْأُولَى وَكَانَتْ فِي أَوَائِلِ الْبَعْثَةِ بعد ما جَاءَهُ جَبْرَائِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ صَدْرَ سُورَةِ اقْرَأْ ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً ذَهَبَ

باب ومن سورة القمر

النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها مرارا ليتردى من رؤوس الْجِبَالِ فَكُلَّمَا هَمَّ بِذَلِكَ نَادَاهُ جَبْرَائِيلُ مِنَ الْهَوَاءِ يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جِبْرِيلُ فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ وَتَقَرُّ عَيْنُهُ وَكُلَّمَا طَالَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ عَادَ لِمِثْلِهَا حَتَّى تَبَدَّى لَهُ جِبْرِيلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ قَدْ سَدَّ عِظَمُ خَلْقِهِ الْأُفُقَ فَاقْتَرَبَ مِنْهُ وَأَوْحَى إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَعَرَفَ عِنْدَ ذَلِكَ عَظَمَةَ الْمَلَكِ الَّذِي جَاءَهُ بِالرِّسَالَةِ وَجَلَالَةَ قَدْرِهِ وَعُلُوَّ مَكَانَتِهِ عِنْدَ خَالِقِهِ الَّذِي بَعَثَهُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ [3284] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو عُثْمَانَ الْبَصْرِيُّ) يُلَقَّبُ أَبَا الْجَوْفَاءِ بِالْجِيمِ وَالزَّايِ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ) اسْمُهُ الضَّحَّاكُ النَّبِيلُ قَوْلُهُ الَّذِينَ يجتنبون كبائر الإثم والفواحش الْكَبَائِرُ كُلُّ ذَنْبٍ تَوَعَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ أَوْ مَا عَيَّنَ لَهُ حَدًّا أَوْ ذَمَّ فَاعِلَهُ ذَمًّا شَدِيدًا وَالْفَوَاحِشُ جَمْعُ فَاحِشَةٍ وَهِيَ كل ذنب فيه وعيد أو مختص بالزنى إلا اللمم بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ الصَّغَائِرَ فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَجْتَنِبُوهَا قَالَ الطِّيبِيُّ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ اللَّمَمَ مَا قَلَّ وَمَا صَغُرَ مِنَ الذُّنُوبِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ أَلَمَّ بِالْمَكَانِ إِذَا قَلَّ لَيْلُهُ فِيهِ ويجوز أن يكون قوله اللمم صفة وإلا بِمَعْنَى غَيْرٍ فَقِيلَ هُوَ النَّظْرَةُ وَالْغَمْزَةُ وَالْقُبْلَةُ وَقِيلَ الْخَطْرَةُ مِنَ الذَّنْبِ وَقِيلَ كُلُّ ذَنْبٍ لَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ فِيهِ حَدًّا وَلَا عَذَابًا إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمًّا بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ كَثِيرًا كَبِيرًا وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا فِعْلٌ مَاضٍ مُفْرَدٌ وَالْأَلِفُ لِلْإِطْلَاقِ أَيْ لَمْ يُلِمَّ بِمَعْصِيَةٍ يُقَالُ لَمَّ أَيْ نَزَلَ وَأَلَمَّ إِذَا فَعَلَ اللَّمَمَ وَالْبَيْتُ لِأُمَيَّةَ بْنِ الصَّلْتِ أَنْشَدَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ مِنْ شَأْنِكَ غُفْرَانُ كَثِيرٍ مِنْ ذُنُوبٍ عِظَامٍ وَأَمَّا الْجَرَائِمُ الصَّغِيرَةُ فَلَا تُنْسَبُ إِلَيْكَ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَخْلُو عَنْهَا وَأَنَّهَا مُكَفَّرَةٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ وَإِنْ تَغْفِرْ لَيْسَ لِلشَّكِّ بَلْ لِلتَّعْلِيلِ نَحْوَ إِنْ كُنْتَ سُلْطَانًا فَأَعْطِ الْجَزِيلَ أَيْ لِأَجْلِ أَنَّكَ غَفَّارٌ اغْفِرْ جَمًّا وَاخْتَلَفَ أَقْوَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ اللَّمَمِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ صَغَائِرُ الذُّنُوبِ وَقِيلَ هو ما كان دون الزنى مِنَ الْقُبْلَةِ وَالْغَمْزَةِ وَالنَّظْرَةِ وَكَالْكَذِبِ الَّذِي لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا ضَرَرَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَالظَّاهِرُ الرَّاجِحُ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن جرير 4 - (باب ومن سورة القمر) مكية إلا سيهزم الجمع الْآيَةَ وَهِيَ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ

آيَةً [3285] قَوْلُهُ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ النَّخَعِيُّ (عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرَةَ الْأَزْدِيُّ قَوْلُهُ (بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى فَانْشَقَّ الْقَمَرُ فِلْقَتَيْنِ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ قِطْعَتَيْنِ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي فَانْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ وهذا لا ينافي قول بن مَسْعُودٍ بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى فَانْشَقَّ الْقَمَرُ لِأَنَّ أَنَسًا لَمْ يُصَرِّحْ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لَيْلَتَئِذٍ بِمَكَّةَ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَصْرِيحِهِ فَمِنًى مِنْ جُمْلَةِ مَكَّةَ وَقَدْ وَقَعَ عند بن مَرْدَوَيْهِ بَيَانُ الْمُرَادِ فَأَخْرَجَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عن بن مَسْعُودٍ قَالَ انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ نَصِيرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَضَحَ أَنَّ مُرَادَهُ بِذِكْرِ مَكَّةَ الْإِشَارَةُ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ (فِلْقَةً مِنْ وَرَاءِ الْجَبَلِ) أَيْ جَبَلِ حِرَاءٍ وَفِي رِوَايَةٍ فِلْقَةً فَوْقَ الْجَبَلِ وَفِلْقَةً دُونَهُ وَالْمُرَادُ أَنَّهُمَا تَبَايَنَتَا فَإِحْدَاهُمَا إِلَى جِهَةِ الْعُلُوِّ وَالْأُخْرَى إِلَى السُّفْلِ اشْهَدُوا أَيْ عَلَى نُبُوَّتِي أَوْ مُعْجِزَتِي مِنَ الشَّهَادَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ احْضُرُوا وَانْظُرُوا مِنَ الشُّهُودِ (يَعْنِي اقتربت الساعة وانشق القمر) أَيْ قَرُبَتِ الْقِيَامَةُ وَانْفَلَقَ الْقَمَرُ فِلْقَتَيْنِ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذَا الِانْشِقَاقَ الَّذِي هُوَ مُعْجِزَةٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْمُرَادُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَا أَنَّهُ يَقَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي انْشِقَاقِ الْقَمَرِ مَبْسُوطًا فِي بَابِ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ مِنْ أَبْوَابِ الْفِتَنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

[3286] قَوْلُهُ (سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ أَنَسًا لَمْ يُدْرِكْ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَقَدْ جَاءَتِ القصة من حديث بن عَبَّاسٍ وَهُوَ أَيْضًا مِمَّنْ لَمْ يُشَاهِدْهَا وَمِنْ حديث بن مَسْعُودٍ وَجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَحُذَيْفَةَ وَهَؤُلَاءِ شَاهَدُوهَا (آيَةً) أَيْ عَلَامَةً دَالَّةً عَلَى نُبُوَّتِهِ وَرِسَالَتِهِ (فَانْشَقَّ الْقَمَرُ بِمَكَّةَ مَرَّتَيْنِ) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَرَاهُمُ الْقَمَرَ شِقَّتَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ مَا مُلَخَّصُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَرَّتَيْنِ وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ بِلَفْظِ مَرَّتَيْنِ أَيْضًا وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الْإِمَامَانِ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ فِي مُسْنَدَيْهِمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَقَدِ اتَّفَقَ الشَّيْخَانِ عَلَيْهِ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ بِلَفْظِ فِرْقَتَيْنِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ حَفِظَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَصْحَابِ قَتَادَةَ عَنْهُ مَرَّتَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ لَكِنِ اخْتُلِفَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَلَى شُعْبَةَ وَهُوَ أَحْفَظُهُمْ وَلَمْ يَقَعْ في شيء من طرق حديث بن مَسْعُودٍ بِلَفْظِ مَرَّتَيْنِ إِنَّمَا فِيهِ فِرْقَتَيْنِ أَوْ فِلْقَتَيْنِ بِالرَّاءِ أَوِ اللَّامِ وَكَذَا فِي حَدِيثُ بن عُمَرَ فِلْقَتَيْنِ وَفِي حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ فِرْقَتَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَافِظُ رِوَايَاتٍ عَدِيدَةً وَقَعَ فِي بَعْضِهَا انْشَقَّ بِاثْنَتَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا شِقَّتَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا قَمَرَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَلَا أَعْرِفُ مَنْ جَزَمَ مِنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ بِتَعَدُّدِ الِانْشِقَاقِ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ شُرَّاحِ الصَّحِيحَيْنِ وَتَكَلَّمَ الحافظ بن الْقَيِّمِ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَالَ الْمَرَّاتُ يُرَادُ بِهَا الْأَفْعَالُ تَارَةً وَالْأَعْيَانُ أُخْرَى وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَمِنَ الثَّانِي انْشَقَّ الْقَمَرُ مَرَّتَيْنِ وَقَدْ خَفِيَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَادَّعَى أَنَّ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ وَهَذَا مِمَّا يَعْلَمُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ أَنَّهُ غَلَطٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ إِلَّا مرة واحدة وقد قال العماد بن كَثِيرٍ فِي الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا مَرَّتَيْنِ نَظَرٌ وَلَعَلَّ قَائِلَهَا أَرَادَ فِرْقَتَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا الَّذِي لَا يَتَّجِهُ غَيْرُهُ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ انْتَهَى (يَقُولُ ذَاهِبٌ) يَعْنِي أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مُسْتَمِرٌّ ذَاهِبٌ مَارٌّ لَا يَبْقَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3287] قَوْلُهُ (انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيِ انْشَقَّ فِلْقَتَيْنِ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

[3288] قوله (عن بن عُمَرَ قَالَ انْفَلَقَ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ انْشِقَاقِ الْقَمَرِ [3289] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) هُوَ الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ (أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ) الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ (عَنْ حُصَيْنٍ) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ (حَتَّى صَارَ فِرْقَتَيْنِ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ وَعَلَى هَذَا الْجَبَلِ) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ قَالَ رَأَيْتُ الْقَمَرَ مُنْشَقًّا شِقَّتَيْنِ شِقَّةً عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَشِقَّةً عَلَى السُّوَيْدَاءِ قَالَ الْحَافِظُ السُّوَيْدَاءُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالتَّصْغِيرِ نَاحِيَةٌ خَارِجَ مَكَّةَ عِنْدَهَا جَبَلٌ (سَحَرَنَا مُحَمَّدٌ) أَيْ جَعَلَنَا مَسْحُورِينَ (فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَئِنْ كَانَ سَحَرَنَا فَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ فَقَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ أَهْلُ مَكَّةَ هَذَا سحر سحركم به بن أَبِي كَبْشَةَ انْظُرُوا السُّفَّارَ فَإِنْ كَانُوا رَأَوْا مَا رَأَيْتُمْ فَقَدْ صَدَقَ وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَرَوْا مِثْلَ مَا رَأَيْتُمْ فَهُوَ سِحْرٌ سَحَرَكُمْ بِهِ قَالَ فَسُئِلَ السُّفَّارُ قَالَ وَقَدِمُوا مِنْ كُلِّ وِجْهَةٍ فَقَالُوا رَأَيْنَا وَحَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مطعم هذا أخرجه أيضا في مسنده والبيهقي في الدلائل وبن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلُهُ (عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ) مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ نَحْوَهُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا الْوَجْهِ فِي الدلائل كما في تفسير بن كَثِيرٍ [3290] قَوْلُهُ (وَأَبُو بَكْرٍ

باب ومن سورة الرحمن

بُنْدَارٌ) أَبُو بَكْرٍ هَذَا اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَبُنْدَارٌ لَقَبُهُ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي أَوَاخِرِ أَبْوَابِ الْقَدَرِ 5 - (بَاب وَمِنْ سُورَةِ الرحمن) مكية أو إلا يسأله من في السماوات والأرض الْآيَةَ فَمَدَنِيَّةٌ وَهِيَ سِتٌّ أَوْ ثَمَانٍ وَسَبْعُونَ آيَةً [3291] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ وَاقِدٍ أَبُو مُسْلِمٍ) الْبَغْدَادِيُّ (أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) التَّمِيمِيِّ قَوْلُهُ (فَسَكَتُوا) أَيِ الصَّحَابَةُ مُسْتَمِعِينَ (لَيْلَةَ الْجِنِّ) أَيْ لَيْلَةَ اجْتِمَاعِهِمْ بِهِ فَكَانُوا أَيِ الْجِنُّ أَحْسَنَ مَرْدُودًا أَيْ أَحْسَنَ رَدًّا وَجَوَابًا لِمَا تَضَمَّنَهُ الِاسْتِفْهَامُ التَّقْرِيرِيُّ الْمُتَكَرِّرُ فِيهَا بِأَيِّ مِنْكُمْ أَيُّهَا الصَّحَابَةُ قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَرْدُودُ بِمَعْنَى الرَّدِّ كَالْمَخْلُوقِ وَالْمَعْقُولِ نَزَلَ سُكُوتُهُمْ وَإِنْصَاتُهُمْ لِلِاسْتِمَاعِ مَنْزِلَةَ حُسْنِ الرَّدِّ فَجَاءَ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ وَيُوَضِّحُهُ كَلَامُ بن الْمَلَكِ حَيْثُ قَالَ نَزَلَ سُكُوتُهُمْ مِنْ حَيْثُ اعْتِرَافُهُمْ بِأَنَّ فِي الْجِنِّ وَالْإِنْسِ مَنْ هُوَ مُكَذِّبٌ بِآلَاءِ اللَّهِ وَكَذَلِكَ فِي الْجِنِّ مَنْ يَعْتَرِفُ بِذَلِكَ أَيْضًا لَكِنَّ نَفْيَهُمُ التَّكْذِيبَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِاللَّفْظِ أَيْضًا أَدَلُّ عَلَى الْإِجَابَةِ وَقَبُولِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مِنْ سُكُوتِ الصَّحَابَةِ أجمعين ذكره القارىء كُنْتُ أَيْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ أَيْ عَلَى قِرَاءَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَبِأَيِّ آلاء ربكما تكذبان الْخِطَابُ لِلْإِنْسِ وَالْجِنِّ أَيْ بِأَيِّ نِعْمَةٍ مِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكُمْ تُكَذِّبُونَ وَتَجْحَدُونَ نِعَمَهُ بِتَرْكِ شُكْرِهِ وَتَكْذِيبِ رُسُلِهِ وَعِصْيَانِ أَمْرِهِ لَا بشيء متعلق بِنُكَذِّبُ الْآتِي رَبَّنَا بِالنَّصْبِ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ النداء

باب ومن سورة الواقعة

(نُكَذِّبُ) أَيْ لَا نُكَذِّبُ بِشَيْءٍ مِنْهَا (فَلَكَ الْحَمْدُ) أَيْ عَلَى نِعَمِكَ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَمِنْ أَتَمِّهَا نِعْمَةُ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه بن الْمُنْذِرِ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالْبَزَّارُ (قَلَبُوا اسْمَهُ) أَيْ فَجَعَلُوا اسْمَهُ زُهَيْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ فَالْتَبَسَ بِزُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ (يَعْنِي لِمَا يَرْوُونَ عَنْهُ مِنَ الْمَنَاكِيرِ) أَيْ إِنَّمَا جَعَلَهُ أَحْمَدُ رَجُلًا آخَرَ لِأَنَّ أَهْلَ الشَّامِ يَرْوُونَ عَنْهُ أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ التَّمِيمِيُّ أَبُو المنذر الخرساني سَكَنَ الشَّامَ ثُمَّ الْحِجَازَ رِوَايَةُ أَهْلِ الشَّامِ عنه غير مستقيمة نضعف بِسَبَبِهَا قَالَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَحْمَدَ كَانَ زُهَيْرٌ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ الشَّامِيُّونَ آخَرَ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ حَدَّثَ بِالشَّامِ مِنْ حِفْظِهِ فَكَثُرَ غَلَطُهُ مِنَ السَّابِعَةِ (وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ يَقُولُ أَهْلُ الشَّامِ يَرْوُونَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ مَنَاكِيرَ وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يَرْوُونَ عَنْهُ أَحَادِيثَ مُقَارِبَةً) أَيْ أَحَادِيثَ صَحِيحَةً قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ الْبُخَارِيُّ مَا رَوَى عَنْهُ أَهْلُ الشَّامِ فإنه مناكير وما روي عن أَهْلُ الْبَصْرَةِ فَصَحِيحٌ قُلْتُ حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَفِي الْحَدِيثِ ضعف لكن له شاهدا من حديث بن عمر أخرجه بن جَرِيرٍ وَالْبَزَّارُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَ السُّيُوطِيُّ إِسْنَادَهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْبَيَانِ 6 - (بَاب ومن سورة الواقعة) مكية إلا أفبهذا الحديث الاية وثلة من الأولين هِيَ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ أَوْ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ آيَةً [3292] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ) الْكِلَابِيُّ الْكُوفِيُّ (وَعَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ) أَبُو عَلِيٍّ الْأَشَلُّ

(عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ اللَّيْثِيِّ قَوْلُهُ يَقُولُ اللَّهُ أَعْدَدْتُ إِلَى قَوْلِهِ جَزَاءً بما كانوا يعملون تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ السَّجْدَةِ وَفِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ إِلَخْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ صِفَةِ شَجَرَةِ الْجَنَّةِ (وَمَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ إِلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ بَعْضَهُ [3293] قَوْلُهُ وَمَاءٍ مسكوب أَيْ جَارٍ دَائِمًا وَقِيلَ يُسْكَبُ لَهُمْ أَيْنَ شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ بِلَا تَعَبٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ صِفَةِ شَجَرِ الْجَنَّةِ [3294] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ صِفَةِ ثِيَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَوْلُهُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ وَارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِالْوَاوِ وَالظَّاهِرُ

أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ الْوَاوِ وَهُوَ بَدَلٌ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ (قَالَ) أَيْ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ (ارْتِفَاعُ الْفُرُشِ الْمَرْفُوعَةِ فِي الدَّرَجَاتِ وَالدَّرَجَاتُ بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) حَاصِلُهُ أَنَّ ارْتِفَاعَ الْفُرُشِ الْمَفْرُوشَةِ فِي الدَّرَجَاتِ وَبُعْدُ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ مِنْهَا كَمَا بَيْنَ السماء والأرض وقد نقل الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ عَنْ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ ثُمَّ نَقَلَ كَلَامَهُ هَذَا بِلَفْظِ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ ارْتِفَاعُ الْفُرُشِ فِي الدَّرَجَاتِ وَبُعْدُ مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأرض انتهى [3295] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ بَهْرَامَ التَّمِيمِيُّ الْبَغْدَادِيُّ (عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى) بْنِ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيِّ الْكُوفِيِّ (عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ السُّلَمِيُّ قَوْلُهُ وَتَجْعَلُونَ رزقكم أنكم تكذبون أَيْ تَجْعَلُونَ شُكْرَ رِزْقِكُمُ التَّكْذِيبَ مَوْضِعَ الشُّكْرِ أَيْ وَضَعْتُمُ التَّكْذِيبَ مَوْضِعَ الشُّكْرِ وَفِي قِرَاءَةِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ قِرَاءَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ أَيْ تَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ لِنِعْمَةِ الْقُرْآنِ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ بِهِ وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي الْأَنْوَاءِ وَنِسْبَتِهِمُ السُّقْيَا إِلَيْهَا وَالرِّزْقَ الْمَطَرَ أَيْ وَتَجْعَلُونَ شُكْرَ مَا يَرْزُقُكُمُ اللَّهُ مِنَ الْغَيْثِ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ بِكَوْنِهِ مِنَ اللَّهِ حَيْثُ تَنْسُبُونَهُ إِلَى النُّجُومِ كَذَا فِي الْمَدَارِكِ قَالَ شُكْرُكُمْ أَيْ شُكْرُ مَا رَزَقَكُمْ مِنَ الْمَطَرِ تَقُولُونَ مُطِرْنَا بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَبِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا مُطِرُوا يَقُولُونَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ الْمَطَرَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فَقِيلَ لَهُمْ أَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَيْ شُكْرَكُمْ بِمَا رَزَقَكُمُ التَّكْذِيبَ فَمَنْ نَسَبَ الْإِنْزَالَ إِلَى النَّجْمِ فَقَدْ كَذَّبَ بِرِزْقِ اللَّهِ تَعَالَى وَنِعَمِهِ وَكَذَّبَ بِمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَالْمَعْنَى أَتَجْعَلُونَ بَدَلَ الشُّكْرِ التَّكْذِيبَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مسلم قال بن الصَّلَاحِ النَّوْءُ فِي أَصْلِهِ لَيْسَ هُوَ نَفْسُ الْكَوْكَبِ فَإِنَّهُ مَصْدَرُ نَاءَ النَّجْمُ يَنُوءُ نَوْءًا أَيْ سَقَطَ وَغَابَ وَقِيلَ نَهَضَ وَطَلَعَ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ نَجْمًا مَعْرُوفَةَ الْمَطَالِعِ فِي أَزْمِنَةِ السَّنَةِ كُلِّهَا وَهِيَ الْمَعْرُوفَةُ بِمَنَازِلِ الْقَمَرِ الثَّمَانِيَةِ وَالْعِشْرِينَ يَسْقُطُ فِي كُلِّ ثَلَاثَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مِنْهَا نَجْمٌ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَطْلُعُ آخَرُ يُقَابِلُهُ فِي الْمَشْرِقِ مِنْ سَاعَتِهِ فَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا كَانَ عِنْدَ ذَلِكَ مَطَرٌ يَنْسُبُونَهُ إِلَى السَّاقِطِ الْغَارِبِ مِنْهُمَا وقَالَ الْأَصْمَعِيُّ إِلَى الطَّالِعِ مِنْهُمَا قَالَ أبو عبيد

وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ النَّوْءَ السُّقُوطُ إِلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ثُمَّ إِنَّ النَّجْمَ نَفْسَهُ قَدْ يُسَمَّى نَوْءً تَسْمِيَةً لِلْفَاعِلِ بِالْمَصْدَرِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ فِي بَعْضِ أَمَالِيهِ السَّاقِطَةُ فِي الْمَغْرِبِ هِيَ الْأَنْوَاءُ وَالطَّالِعَةُ فِي الْمَشْرِقِ هِيَ الْبَوَارِحُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن أبي حاتم وبن جرير [3296] قوله (حدثنا وكيع) هو بن الْجَرَّاحِ (عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ) الرَّبَذِيِّ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبَانٍ) هُوَ الرَّقَاشِيُّ قَوْلُهُ إِنَّا أنشأناهن إنشاء قِيلَ هُنَّ الْحُورُ الْعِينُ أَنْشَأَهُنَّ اللَّهُ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِنَّ الْوِلَادَةُ وَلَمْ يُسْبَقْنَ بِخَلْقٍ وَأَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ نَسْلِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَلْ مُخْتَرَعَاتٌ وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ نِسَاءُ بَنِي آدَمَ وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أَعَادَهُنَّ بَعْدَ الْمَوْتِ إِلَى حَالِ الشَّبَابِ وَالنِّسَاءُ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُنَّ ذِكْرٌ لَكِنَّهُنَّ قَدْ دَخَلْنَ فِي أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَتَلَخَّصَ أَنَّ نِسَاءَ الدُّنْيَا يَخْلُقُهُنَّ اللَّهُ فِي الْقِيَامَةِ خَلْقًا جَدِيدًا مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطِ وِلَادَةٍ خَلْقًا يُنَاسِبُ الْبَقَاءَ وَالدَّوَامَ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ كَمَالَ الْخَلْقِ وَتَوَفُّرَ الْقُوَى الْجِسْمِيَّةِ وَانْتِفَاءَ صِفَاتِ النَّقْصِ كَمَا أَنَّهُ خَلَقَ الْحُورَ الْعِينَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْفُرُشَ الْمَرْفُوعَةَ كِنَايَةٌ عَنِ النِّسَاءِ فَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ ظَاهِرٌ إِنَّ مِنَ الْمُنْشَآتِ جَمْعُ مُنْشَأَةٍ اسْمُ مفعول من الإنشاء التي أَيْ نِسَاءِ الدُّنْيَا اللَّائِي كُنَّ فِي الدُّنْيَا عَجَائِزَ جَمْعُ عَجُوزٍ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ عُمْشًا بِضَمٍّ فَسُكُونٍ جَمْعُ عَمْشَاءَ مِنَ الْعَمَشِ فِي الْعَيْنِ مُحَرَّكَةٌ وَهُوَ ضَعْفُ الرُّؤْيَةِ مَعَ سَيَلَانِ دَمْعِهَا فِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهَا مِنْ بَابِ طَرِبَ فَهُوَ أَعْمَشُ وَالْمَرْأَةُ عَمْشَاءُ رُمْصًا جَمْعُ رَمْصَاءَ مِنَ الرَّمَصِ مُحَرَّكَةٌ وَهُوَ وَسَخٌ أَبْيَضُ يَجْتَمِعُ فِي الْمُوقِ رَمِصَتْ عَيْنُهُ كَفَرِحَ وَالنَّعْتُ أَرَمْصُ ورمصاء قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه بن جرير وبن المنذر والبيهقي وعبد بن حميد [3297] قوله (عن شيبان) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السبيعي كما

باب ومن سورة الحديد

صَرَّحَ بِهِ الْبَيْجُورِيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ ص 38 قوله (قد شبت) من الشيب وهو بياض الشعر قال القارىء أَيْ ظَهَرَ عَلَيْكَ آثَارُ الضَّعْفِ قَبْلَ أَوَانِ الْكِبَرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ ظُهُورَ كَثْرَةِ الشَّعْرِ الْأَبْيَضِ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَا عَدَدْتُ فِي رَأْسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِحْيَتِهِ إِلَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ شَيَّبَتْنِي مِنَ التَّشْيِيبِ وَذَلِكَ لِمَا فِي هَذِهِ السُّوَرِ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالْمَثُلَاتُ النَّوَازِلُ بِالْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ أَخَذَ مِنِّي مَأْخَذَهُ حَتَّى شِبْتُ قَبْلَ أَوَانِهِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ هُودٌ أَيْ سُورَةُ هُودٍ وَالْمُرْسَلَاتُ بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ كَسْرِهَا عَلَى الْحِكَايَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ قَوْلُهُ (وَرَوَى عَلِيُّ بن صالح) بن صالح بن حي الهمداني (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ نَحْوَ هَذَا) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ أَبِي جُحَيْفَةَ هَذَا فِي الشَّمَائِلِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ 7 - (بَاب ومن سُورَةُ الْحَدِيدِ) مَكِّيَّةٌ أَوْ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً [3298] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ) بْنِ مُسْلِمٍ الْمُؤَدِّبُ (أَخْبَرَنَا شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) النَّحْوِيُّ (حَدَّثَنَا الْحَسَنُ) هُوَ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ (وَأَصْحَابُهُ) أَيْ مَعَهُ جُلُوسٌ (إِذْ أَتَى) أَيْ مَرَّ هَذَا الْعَنَانُ كَسَحَابٍ مَبْنًى وَمَعْنًى مِنْ عَنَّ أَيْ ظَهَرَ هَذِهِ أَيِ السَّحَابَةُ فَالتَّعْبِيرُ بالتأنيث للوحدة وبالتذكير

للجنس باب التفنن قاله القارىء قُلْتُ الظَّاهِرُ أَنَّ التَّعْبِيرَ بِالتَّأْنِيثِ لِتَأْنِيثِ الْخَبَرِ رَوَايَا الْأَرْضِ جَمْعُ رَاوِيَةٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرَّوَايَا مِنَ الْإِبِلِ الْحَوَامِلُ لِلْمَاءِ وَاحِدَتُهَا رَاوِيَةٌ فَشَبَّهَهَا بِهَا يَسُوقُهُ اللَّهُ أَيِ السَّحَابَ إِلَى قَوْمٍ لَا يَشْكُرُونَهُ أَيْ بَلْ يَكْفُرُونَهُ وَلَا يَدْعُونَهُ أَيْ لَا يَعْبُدُونَهُ بَلْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُ كُلَّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ فَإِنَّهَا الرَّقِيعُ هُوَ اسْمٌ لِسَمَاءِ الدُّنْيَا وَقِيلَ لِكُلِّ سَمَاءٍ وَالْجَمْعُ أَرْقِعَةٌ وَمَوْجٌ مَكْفُوفٌ أَيْ مَمْنُوعٌ مِنَ الِاسْتِرْسَالِ حَفِظَهَا اللَّهُ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَهِيَ مُعَلَّقَةٌ بِلَا عَمَدٍ كَالْمَوْجِ الْمَكْفُوفِ قَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهَا خَمْسُمِائَةِ سَنَةٍ أَيْ مَسِيرَتُهَا وَمَسَافَتُهَا هَلْ تَدْرُونَ مَا فَوْقَ ذَلِكَ أَيِ الْمَحْسُوسِ أَوِ الْمَذْكُورِ مِنْ سَمَاءِ الدُّنْيَا مَا بَيْنَ كُلِّ سَمَاءَيْنِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَيْ كَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ خَمْسِمِائَةِ عَامٍ فَإِنَّ فَوْقَ ذَلِكَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ لِإِنَّ الْعَرْشَ بِالنَّصْبِ عَلَى إِنَّهُ اسْمٌ مُؤَخَّرٌ لِإِنَّ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ أَيْ بَيْنَ الْعَرْشِ وَبَيْنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بُعْدُ مَا بَيْنَ السَّمَاءَيْنِ أَيْ مِنَ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ قَالَ فَإِنَّهَا الْأَرْضُ أَيِ الْعُلْيَا بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْنِ بِالتَّثْنِيَةِ أَيْ بَيْنَ كُلِّ أَرْضَيْنِ مِنْهَا لَوْ أَنَّكُمْ دَلَّيْتُمْ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ مِنْ أَدْلَيْتُ الدَّلْوَ وَدَلَّيْتُهَا إِذَا أَرْسَلْتُهَا الْبِئْرَ أَيْ لَوْ أَرْسَلْتُمْ لَهَبَطَ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ لَنَزَلَ عَلَى اللَّهِ أَيْ عَلَى عِلْمِهِ وَمُلْكِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِي كلامه الاتي هو الأول أَيْ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ بِلَا بِدَايَةٍ وَالْآخِرُ أَيْ بَعْدَ كُلِّ شَيْءٍ بِلَا نِهَايَةٍ

وَالظَّاهِرُ أَيْ بِالْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ وَالْبَاطِنُ أَيْ عَنْ إدراك الحواس وهو بكل شيء عليم أَيْ بَالِغٌ فِي كَمَالِ الْعِلْمِ بِهِ مُحِيطٌ عِلْمُهُ بِجَوَانِبِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن أبي حاتم والبزار قال الحافظ بن كثير في تفسيره ورواه بن جَرِيرٍ عَنْ بِشْرٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ إِذْ مَرَّ عَلَيْهِمْ سَحَابٌ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ مِثْلَ سِيَاقِ التِّرْمِذِيِّ سَوَاءً إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَحْفُوظُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَيُرْوَى عَنْ أَيُّوبُ وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ إِلَخْ) قَدْ صَرَّحَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَمَا فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ لِابْنِ أَبِي حَاتِمٍ (فَقَالُوا إِنَّمَا هَبَطَ عَلَى عِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَمَّا عِلْمُهُ تَعَالَى فَهُوَ فِي قَوْلِهِ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَأَمَّا قُدْرَتُهُ فَمِنْ قَوْلِهِ هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ أَيْ هُوَ الْأَوَّلُ الَّذِي يُبْدِئُ كُلَّ شَيْءٍ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ وَالْآخِرُ الَّذِي يُفْنِي كُلَّ شَيْءٍ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام وأما سلطانه فمن قوله والظاهر والباطن قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يُقَالُ ظَهَرْتُ عَلَى فُلَانٍ إِذَا غَلَبْتُهُ وَالْمَعْنَى هُوَ الْغَالِبُ الَّذِي يَغْلِبُ وَلَا يُغْلَبُ وَيَتَصَرَّفُ فِي الْمُكَوَّنَاتِ عَلَى سَبِيلِ الْغَلَبَةِ وَالِاسْتِيلَاءِ أَوْ لَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ يَمْنَعُهُ وَالْبَاطِنُ هُوَ الَّذِي لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا دُونَهُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَعِلْمُ اللَّهِ وَقُدْرَتُهُ وَسُلْطَانُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ) أَيْ يَسْتَوِي فِيهِ الْعُلْوِيَّاتُ وَالسُّفْلَيَاتُ وَمَا بَيْنَهُمَا (وَهُوَ عَلَى الْعَرْشِ كَمَا وَصَفَ فِي كِتَابِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ الْكَافُ فِي كَمَا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ هُوَ مُسْتَوٍ عَلَى الْعَرْشِ اسْتِوَاءً مِثْلَ مَا وَصَفَ نَفْسَهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ وَهُوَ مُسْتَأْثِرٌ بِعِلْمِهِ بِاسْتِوَائِهِ عَلَيْهِ وَفِي قَوْلِ التِّرْمِذِيِّ إِشْعَارٌ إِلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لِقَوْلِهِ لَهَبَطَ عَلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ الْمَذْكُورِ وَلِقَوْلِهِ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى مِنْ تَفْوِيضِ عِلْمِهِ إِلَيْهِ تَعَالَى وَالْإِمْسَاكِ عَنْ تأويله

58 - سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ آيَةً [3299] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ) هُوَ صَاحِبُ الْمَغَازِي (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ) الْقُرَشِيِّ الْعَامِرِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْأَنْصَارِيِّ) الْخَزْرَجِيِّ الْبَيَاضِيِّ وَيُقَالُ لَهُ سَلْمَانُ صَحَابِيٌّ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ قَوْلُهُ (تَظَاهَرْتُ مِنِ امْرَأَتِي) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وبن مَاجَهْ ظَاهَرْتُ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ جَعَلَ امْرَأَتَهُ عَلَيْهِ كَظَهْرِ أُمِّهِ (حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ) أَيْ حَتَّى يَمْضِيَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الظِّهَارَ الْمُؤَقَّتَ ظِهَارٌ كَالْمُطْلَقِ مِنْهُ وَهُوَ إِذَا ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ إِلَى مُدَّةٍ ثُمَّ أَصَابَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إِذَا بَرَّ وَلَمْ يَحْنَثْ فقال مالك وبن أَبِي لَيْلَى إِذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي إِلَى اللَّيْلِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَبْهَا وَقَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إِذَا لَمْ يَقْرَبْهَا وَلِلشَّافِعِيِّ فِي الظِّهَارِ الْمُؤَقَّتِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِظِهَارٍ قاله الخطابي في العالم (فَرَقًا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ خَوْفًا (فَأَتَتَابَعُ فِي ذَلِكَ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ أَتَوَالَى مِنَ التَّتَابُعِ وهو التوالي (إذ تكشف) أي إنشكف (فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا) مِنَ الْوُثُوبِ وَهُوَ النُّهُوضُ وَالْقِيَامُ والطفر وفي رواية أبي دواد فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ نَزَوْتُ عَلَيْهَا (غَدَوْتُ عَلَى قَوْمِي) أَيْ خَرَجْتُ إِلَيْهِمْ وَأَتَيْتُهُمْ بِالْغَدَاةِ (فَأُخْبِرَهُ بِأَمْرِي) أَيْ بِمَا جَرَى بِي (لَا نَفْعَلُ) أَيْ لَا نَنْطَلِقُ مَعَكَ (نَتَخَوَّفُ) أَيْ

نَخَافُ (مَا بَدَا لَكَ) أَيْ مَا ظَهَرَ لَكَ فَقَالَ أَنْتَ بِذَاكَ أَيْ أَنْتَ الْمُلِمُّ بِذَلِكَ أَوْ أَنْتَ الْمُرْتَكِبُ لَهُ كَذَا فِي الْمَعَالِمِ (هَا) كَلِمَةُ تَنْبِيهٍ (أَنَا ذَا) أَيْ أَنَا هَذَا مَوْجُودٌ (فَأَمْضِ فِيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ أَجْرِ عَلَيَّ (فَضَرَبْتُ صَفْحَةَ عُنُقِي) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الصَّفْحُ الْجَانِبُ وَمِنْكَ جَنْبُكَ وَمِنَ الْوَجْهِ وَالسَّيْفِ عَرْضُهُ (لَقَدْ بِتْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ وَحْشَى) قَالَ فِي الْقَامُوسِ بَاتَ وَحْشًا أَيْ جَائِعًا وَهُمْ أَوْحَاشٌ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ رَجُلٌ وَحْشٌ بِالسُّكُونِ مِنْ قَوْمٍ أَوْحَاشٍ إِذَا كَانَ جَائِعًا لَا طَعَامَ لَهُ وَقَدْ أَوْحَشَ إِذَا جَاعَ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ لَقَدْ بِتْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ وَحْشَى كَأَنَّهُ أَرَادَ جَمَاعَةً وَحْشَى انْتَهَى (مَا لَنَا عَشَاءٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ طَعَامُ الْعَشِيِّ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ مُصَغَّرًا فَأَطْعِمْ عَنْكَ مِنْهَا وَسْقًا أَيْ مِنْ تَمْرٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ ثُمَّ اسْتَعِنْ بِسَائِرِهِ أَيْ بِبَاقِيهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وكل أنت وعيالك بقيتها وقل أَخَذَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَطْعِمْ عَنْكَ مِنْهَا وَسْقًا سِتِّينَ مِسْكِينًا الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَقَالُوا الْوَاجِبَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ ذُرَةٍ أَوْ شَعِيرٍ أَوْ زَبِيبٍ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّ الْوَاجِبَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ وَتَمَسَّكَ بِالرِّوَايَاتِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْعَرَقِ وَتَقْدِيرُهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا قُلْتُ مَا تَمَسَّكَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَصَحُّ سَنَدًا لِأَنَّ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ فِي بَابِ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا أَعْطِهِ ذَلِكَ الْعَرَقَ وَهُوَ مِكْتَلٌ يَأْخُذُ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا أَوْ سِتَّةَ عَشَرَ صَاعًا أَصَحُّ مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الَّتِي فِيهَا فَأَطْعِمْ عَنْكَ مِنْهَا وَسْقًا سِتِّينَ مِسْكِينًا وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَا تَسْقُطُ بِالْعَجْزِ عَنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَانَهُ بِمَا يُكَفِّرُ بِهِ بَعْدَ أَنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ رَقَبَةً وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِطْعَامٍ وَلَا يُطِيقُ الصَّوْمَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى السُّقُوطِ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى التَّفْصِيلِ فَقَالُوا تَسْقُطُ كَفَّارَةُ صَوْمِ رَمَضَانَ لَا

غَيْرُهَا مِنَ الْكَفَّارَاتِ كَذَا فِي النَّيْلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ وَفِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَرَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بِالْعَنْعَنَةِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ) أَخْرَجَ حَدِيثَهَا أَبُو دَاوُدَ [3301] قَوْلُهُ (أخبرنا يونس) بن محمد بن مسلم المؤدب (عَنْ شَيْبَانَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّحْوِيِّ قَوْلُهُ (وَأَصْحَابِهِ) بِالْجَرِّ (السَّامُ عَلَيْكُمْ) أَيْ لَمْ يَقُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ بَلْ قَالَ السَّامُ عَلَيْكُمْ وَالسَّامُ الْمَوْتُ (فَرَدَّ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْيَهُودِيِّ (الْقَوْمُ) أَيِ الصَّحَابَةُ ظَانِّينَ أَنَّ الْيَهُودِيَّ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ مَا قَالَ هَذَا أَيْ هَذَا الْيَهُودِيُّ (سَلَّمَ) أَيْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَلَكِنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا أَيْ قَالَ السَّامُ عَلَيْكُمْ رُدُّوهُ عَلَيَّ أَيْ أَرْجِعُوا الْيَهُودِيَّ إِلَيَّ (قُلْتَ السَّامُ عَلَيْكُمْ) بِحَذْفِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ فَقُولُوا أَيْ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ قَالَ أَيْ قَرَأَ وَإِذَا جَاءُوكَ أَيِ الْيَهُودُ حَيَّوْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ بِمَا لَمْ يحيك به الله وَهُوَ قَوْلُهُمُ السَّامُ عَلَيْكُمْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الْمُرَادُ بِهَا الْيَهُودُ كَانُوا يَأْتُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ السَّامُ عَلَيْكَ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ السَّلَامَ ظَاهِرًا وَهُمْ يَعْنُونَ الْمَوْتَ بَاطِنًا فَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْكُمْ وَفِي رواية وعليكم قال بن عُمَرَ فِي الْآيَةِ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ شَتْمَهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والبخاري

[3300] قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَلْقَمَةَ الْأَنْمَارِيِّ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ النُّونِ الْكُوفِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ روى عن علي وبن مسعود وعنه سالم بن الجعد قال بن الْمَدِينِيِّ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُهُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ في حديثه نظر وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ قال الحافظ وقال بن عَدِيٍّ مَا أَرَى بِحَدِيثِهِ بَأْسًا وَلَيْسَ لَهُ عَنْ عَلِيٍّ غَيْرُهُ إِلَّا الْيَسِيرَ وَذَكَرَهُ الْعُقَيْلِيُّ وبن الْجَارُودِ فِي الضُّعَفَاءِ تَبَعًا لِلْبُخَارِيِّ عَلَى الْعَادَةِ قَوْلُهُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة أَيْ إِذَا أَرَدْتُمْ مُنَاجَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدِّمُوا أَمَامَ ذَلِكَ صَدَقَةً وَفَائِدَةُ ذَلِكَ إِعْظَامُ مُنَاجَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ الْإِنْسَانَ إِذَا وَجَدَ الشَّيْءَ بِمَشَقَّةٍ اسْتَعْظَمَهُ وَإِنْ وَجَدَهُ بِسُهُولَةٍ اسْتَحْقَرَهُ ونفع كثير مِنَ الْفُقَرَاءِ بِتِلْكَ الصَّدَقَةِ الْمُقَدَّمَةِ قَبْلَ الْمُنَاجَاةِ قال بن عَبَّاسٍ إِنَّ النَّاسَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْثَرُوا حَتَّى شَقَّ عَلَيْهِ فَأَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُخَفِّفَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُثَبِّطَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُقَدِّمُوا صَدَقَةً عَلَى مُنَاجَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي الْأَغْنِيَاءِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُكْثِرُونَ مُنَاجَاتَهُ وَيَغْلِبُونَ الْفُقَرَاءَ عَلَى الْمَجَالِسِ حَتَّى كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُولَ جُلُوسِهِمْ وَمُنَاجَاتَهُمْ فَلَمَّا أُمِرُوا بِالصَّدَقَةِ كَفُّوا عَنْ مُنَاجَاتِهِ فَأَمَّا الْفُقَرَاءُ وَأَهْلُ الْعُسْرَةِ فَلَمْ يَجِدُوا شَيْئًا وَأَمَّا الْأَغْنِيَاءُ وَأَهْلُ الْمَيْسَرَةِ فَضَنُّوا وَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتِ الرُّخْصَةُ وَبَعْدَهُ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ يَعْنِي تَقْدِيمَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْمُنَاجَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ وَأَطْهَرُ أَيْ لذنوبكم فإن لم تجدوا يَعْنِي الْفُقَرَاءَ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَتَصَدَّقُونَ به فإن الله غفور أَيْ لِمُنَاجَاتِكُمْ رَحِيمٌ أَيْ بِكُمْ فَلَا عَلَيْكُمْ فِي الْمُنَاجَاةِ مِنْ غَيْرِ صَدَقَةٍ (مَا تَرَى) أَيْ فِي مِقْدَارِ الصَّدَقَةِ الَّتِي تُقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيِ النَّجْوَى (دِينَارٌ) أَيْ هَلْ يُقَدَّمُ قَبْلَ النَّجْوَى دِينَارٌ (قُلْتُ شَعِيرَةً) أَيْ تُقَدِّمُ قَبْلَ النَّجْوَى شَعِيرَةً وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ كَمَا فَسَّرَهَا التِّرْمِذِيُّ بِهِ (إِنَّكَ) أَيْ يَا عَلِيُّ (لَزَهِيدٌ) أَيْ قَلِيلُ الْمَالِ قدرت على حَالِكَ (قَالَ) أَيْ عَلِيٌّ (فَنَزَلَتْ أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تقدموا بين يدي نجواكم صدقات) أَيْ أَخِفْتُمْ تَقْدِيمَ الصَّدَقَاتِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِنْفَاقِ الَّذِي تَكْرَهُونَهُ وَقِيلَ أَيْ أَخِفْتُمُ الْفَقْرَ وَالْعَيْلَةَ لِأَنْ تُقَدِّمُوا ذَلِكَ وَالْإِشْفَاقُ الْخَوْفُ مِنَ الْمَكْرُوهِ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيرِ (الْآيَةَ) بِالنَّصْبِ أَيْ أَتَمَّ الاية وبقيتها مع تفسيرها هكذا فإذا لم تفعلوا أَيْ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ تَقْدِيمِ الصَّدَقَةِ وتاب الله عليكم أي تجاوز عنكم

ونسخ الصدقة فأقيموا الصلا أي المفروضة وآتوا الزكاة أَيِ الْوَاجِبَةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَيْ فِيمَا أمر ونهى والله خبير بما تعملون أي أنه محيط بأعمالكم ونيانكم (قَالَ) أَيْ عَلِيٌّ (فَبِي) أَيْ بِسَبَبِي وَلِأَجْلِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ وَهُوَ صَدُوقٌ إِلَّا أَنَّهُ ابْتُلِيَ بِوَرَّاقِهِ فَأَدْخَلَ عَلَيْهِ مَا لَيْسَ مِنْ حَدِيثِهِ فَنُصِحَ فَلَمْ يَقْبَلْ فَسَقَطَ حَدِيثُهُ وَفِيهِ أَيْضًا عَلِيُّ بْنُ عَلْقَمَةَ الْأَنْمَارِيُّ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أيضا أبو يعلى وبن جرير وبن المنذر وأخرج بن جَرِيرٍ بِسَنَدِهِ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ فَقَدِّمُوا بين يدي نجواكم صدقة قَالَ نُهُوا عَنْ مُنَاجَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يَتَصَدَّقُوا فَلَمْ يُنَاجِهِ إِلَّا عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدَّمَ دِينَارًا فَتَصَدَّقَ بِهِ ثُمَّ أُنْزِلَتِ الرُّخْصَةُ فِي ذَلِكَ وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْآيَةَ ما عمل بها بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة قَالَ فُرِضَتْ ثُمَّ نُسِخَتْ وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ مُنْقَطِعَتَانِ لأن مجاهدا لم يسمع من علي 9 - ومن سُورَةُ الْحَشْرِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً [3302] قَوْلُهُ (حَرَّقَ) مِنَ التَّحْرِيقِ (نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ) أَيْ أَمَرَ بِقَطْعِ نَخِيلِهِمْ وَتَحْرِيقِهَا وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَقِصَّتُهُمْ مَشْهُورَةٌ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ السِّيَرِ وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ حَاصَرَهُمْ إِهَانَةً لَهُمْ وَإِرْهَابًا وَإِرْعَابًا لِقُلُوبِهِمْ (وَهِيَ) أَيْ نَخِيلُهُمْ (الْبُوَيْرَةُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ مُصَغَّرًا مَوْضِعُ نَخْلِ بني النضير ما قطعتم من لينة أَيْ أَيِّ شَيْءٍ قَطَعْتُمْ مِنْ نَخْلِهِ أَوْ تركتموها الضَّمِيرُ لِمَا وَتَأْنِيثُهُ لِأَنَّهُ مُفَسَّرٌ بِاللِّينَةِ قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا أي لم تقطعوها فبإذن الله أَيْ بِأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ يَعْنِي

خيركم في ذلك وليجزي أَيْ بِالْإِذْنِ فِي الْقَطْعِ الْفَاسِقِينَ يَعْنِي الْيَهُودَ قَوْلُهُ (هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3303] قوله (حدثنا عَفَّانُ) بْنُ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ (حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ) الْقَصَّابُ قوله (قال اللينة النخلة) أي قال بن عَبَّاسٍ إِنَّ الْمُرَادَ مِنَ اللِّينَةِ النَّخْلَةُ قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ نَخْلَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ عَجْوَةً أَوْ بَرْنِيَّةً قَالَ الْحَافِظُ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَيْ مِنْ نَخْلَةٍ وَهِيَ مِنَ الْأَلْوَانِ مَا لَمْ تَكُنْ عَجْوَةً أَوْ بَرْنِيَّةً إِلَّا أَنَّ الْوَاوَ ذَهَبَتْ بِكَسْرِ اللَّامِ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ قَالَ اللِّينَةُ مَا دُونَ الْعَجْوَةِ وَقَالَ سُفْيَانُ هِيَ شَدِيدَةُ الصفرة تنشق عن النوى (قال) أي بن عَبَّاسٍ (اسْتَنْزَلُوهُمْ) أَيْ أَنْزَلُوا الْيَهُودَ (فَحَكَّ فِي صُدُورِهِمْ إِلَخْ) يُقَالُ حَكَّ الشَّيْءُ فِي نَفْسِي إِذَا لَمْ تَكُنْ مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ بِهِ وَكَانَ فِي قَلْبِكَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ وَأَوْهَمَكَ أَنَّهُ ذَنْبٌ وَخَطِيئَةٌ وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وكيع حدثنا حفص عن بن جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ رَخَّصَ لَهُمْ فِي قَطْعِ النَّخْلِ ثُمَّ شَدَّدَ عَلَيْهِمْ فَأَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْنَا إِثْمٌ فِيمَا قَطَعْنَا أَوْ عَلَيْنَا وِزْرٌ فِيمَا تَرَكْنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله كذا في تفسير بن كَثِيرٍ (مِنْ وِزْرٍ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الزَّايِ أَيْ إِثْمٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ

باب سورة الممتحنة

غريب) وأخرجه النسائي وبن أبي حاتم وبن مَرْدَوَيْهِ (عَنْ هَارُونَ بْنِ مُعَاوِيَةَ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَسَارٍ الْأَشْعَرِيِّ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (قَالَ أَبُو عِيسَى سَمِعَ مِنِّي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هَذَا الْحَدِيثَ) وَقَدْ سَمِعَ هُوَ مِنْهُ أَيْضًا حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ يَا عَلِيُّ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُجْنِبَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ فِي مَنَاقِبِ عَلِيٍّ [3304] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) اسْمُهُ سَلْمَانُ الْأَشْجَعِيُّ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ) يُقَالُ لَهُ أَبُو طَلْحَةَ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (إِلَّا قُوتَهُ وَقُوتَ صِبْيَانِهِ) أَيْ طَعَامَهُ وَطَعَامَ صِبْيَانِهِ وَالْقُوتُ بِالضَّمِّ مَا يَقُومُ بِهِ بَدَنُ الْإِنْسَانِ مِنَ الطَّعَامِ (نَوِّمِي الصِّبْيَةَ) بِكَسْرِ الصَّادِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ جَمْعُ صَبِيٍّ (مَا عِنْدَكِ) أَيْ مِنَ الطعام ويؤثرون على أنفسهم أَيْ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَسْبَابِ الْمَعَاشِ وَالْإِيثَارُ تَقْدِيمُ الْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ فِي حُظُوظِ الدُّنْيَا رَغْبَةً فِي حُظُوظِ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ يَنْشَأُ عَنْ قُوَّةِ الْيَقِينِ وَوَكِيدِ الْمَحَبَّةِ وَالصَّبْرِ عَلَى الْمَشَقَّةِ يُقَالُ آثَرْتُهُ بِكَذَا أَيْ خَصَّصْتُهُ بِهِ فَضَّلْتُهُ وَالْمَعْنَى وَيُقَدِّمُ الْأَنْصَارُ الْمُهَاجِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي حُظُوظِ الدُّنْيَا وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ أَيْ حَاجَةٌ وَفَقْرٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 0 - (باب سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ) مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ آيَةً [3305] قوله (أخبرنا سفيان) هو بن عيينة (عن الحسن بن محمد هو بن الْحَنَفِيَّةِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بن علي بن أيي طالب الهاشمي أبو محمد المدني وأبوه بن الْحَنَفِيَّةِ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (بَعَثَنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ) أَكَّدَ الضَّمِيرَ الْمَنْصُوبَ فِي بَعَثَنَا بِلَفْظِ أَنَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ تَرَنِ أنا أقل منك

مالا وولدا وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ بَعَثَنِي وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامِّ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْبَعْثُ وَقَعَ لَهُمْ جَمِيعًا (حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ) بِمَنْقُوطَتَيْنِ مِنْ فَوْقٍ مَوْضِعٌ بِاثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا مِنَ الْمَدِينَةِ (فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً) بالظاء الْمُعْجَمَةِ أَيِ امْرَأَةً وَأَصْلُ الظَّعِينَةِ الْهَوْدَجُ فِيهِ امْرَأَةٌ ثُمَّ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ وَحْدَهَا وَالْهَوْدَجُ وَحْدَهُ (مَعَهَا كِتَابٌ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ تَجِدُونَ بِهَا امْرَأَةً أَعْطَاهَا حَاطِبٌ كِتَابًا (فَأْتُونِي بِهِ) أَيْ بِالْكِتَابِ الَّذِي مَعَهَا (تَتَعَادَى) أَيْ تَتَسَابَقُ وَتَتَسَارَعُ مِنَ الْعَدْوِ (حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ) أَيْ رَوْضَةَ خَاخٍ (لَتُخْرِجِنَّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ بِصِيغَةِ الْمُخَاطَبَةِ مِنَ الْإِخْرَاجِ (أَوْ لَتُلْقِيَنَّ) بِإِثْبَاتِ التَّحْتِيَّةِ مَكْسُورَةً أَوْ مَفْتُوحَةً وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُمْتَحِنَةِ فَإِنْ قُلْتَ الْقَوَاعِدُ الْعَرَبِيَّةُ تَقْتَضِي أَنْ تُحْذَفَ تِلْكَ الْيَاءُ وَيُقَالَ لَتُلْقِنَّ قُلْتُ القياس ذلك وإذا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِالْيَاءِ فَتَأْوِيلُ الْكَسْرَةِ أَنَّهَا لِمُشَاكَلَةِ لَتُخْرِجِنَّ وَالْفَتْحُ بِالْحَمْلِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ الْغَائِبِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ وَالْمَعْنَى لَتَرْمِيِنَّ الثِّيَابَ وَتَتَجَرَّدِنَّ عَنْهَا لِيَتَبَيَّنَ لَنَا الْأَمْرُ (فأخرجه مِنْ عِقَاصِهَا) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ جَمْعُ عَقِيصَةٍ أَيْ مِنْ ذَوَائِبِهَا الْمَضْفُورَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي الْجِهَادِ فَأَخْرَجَتْ مِنْ حُجْزَتِهَا بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدُ زَايٌ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهَا أَخْرَجَتْهُ مِنْ حُجْزَتِهَا فَأَخْفَتْهُ فِي عِقَاصِهَا ثُمَّ اضْطُرَّتْ إِلَى إِخْرَاجِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ بِأَنْ تَكُونَ عَقِيصَتُهَا طَوِيلَةً بِحَيْثُ تَصِلُ إِلَى حُجْزَتِهَا فَرَبَطَتْهُ فِي عَقِيصَتِهَا وَغَرَزَتْهُ فِي حُجْزَتِهَا وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَرْجَحُ انْتَهَى (فَأَتَيْنَا بِهِ) أَيْ بِالْكِتَابِ (مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ) بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَلَامٍ سَاكِنَةٍ فَمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَتُوُفِّيَ حَاطِبٌ سَنَةَ ثَلَاثِينَ (يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي مُرْسَلِ عُرْوَةَ يُخْبِرُهُمْ بِالَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَمْرِ فِي السَّيْرِ إِلَيْهِمْ وَجَعَلَ لَهَا جَعْلًا عَلَى أَنْ تبلغه قريشا (لا

تَعْجَلْ عَلَيَّ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِالْكُفْرِ وَنَحْوِهِ (إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ أَيْ حَلِيفًا لَهُمْ (وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا) وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَكُنْتُ غَرِيبًا قَالَ السُّهَيْلِيُّ كَانَ حَاطِبٌ حَلِيفًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى يَحْمُونَ بِهَا مِنَ الْحِمَايَةِ أَيْ يَحْفَظُونَ بِتِلْكَ الْقَرَابَاتِ (أَنْ أَتَّخِذَ فِيهِمْ) مَفْعُولٌ لِقَوْلِهِ أَحْبَبْتُ (يَدًا) أَيْ نِعْمَةً وَمِنَّةً عَلَيْهِمْ (يَحْمُونَ بِهَا قرابتي) في رواية بن إِسْحَاقَ وَكَانَ لِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَلَدٌ وَأَهْلٌ فَصَانَعْتُهُمْ عَلَيْهِ صَدَقَ بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ قَالَ الصِّدْقَ (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ) إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عُمَرُ مَعَ تَصْدِيقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاطِبٍ فِيمَا اعْتَذَرَ بِهِ لِمَا كَانَ عِنْدَ عُمَرَ مِنَ الْقُوَّةِ فِي الدِّينِ وَبُغْضِ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى النِّفَاقِ وَظَنَّ أَنَّ مَنْ خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ لَكِنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِذَلِكَ فَلِذَلِكَ اسْتَأْذَنَ فِي قَتْلِهِ وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ مُنَافِقًا لِكَوْنِهِ أَبْطَنَ خِلَافَ مَا أَظْهَرَ وَعُذْرُ حَاطِبٍ مَا ذَكَرَهُ فَإِنَّهُ صَنَعَ ذَلِكَ مُتَأَوِّلًا أَنْ لَا ضَرَرَ فِيهِ إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا فَكَأَنَّهُ قِيلَ وَهَلْ يُسْقِطُ عَنْهُ شُهُودُهُ بَدْرًا هَذَا الذَّنْبَ الْعَظِيمَ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ فَمَا يُدْرِيكَ إِلَى آخِرِهِ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّ التَّرَجِّيَ فِي كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ للوقوع وعند أحمد وأبي داود وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالْجَزْمِ وَلَفْظُهُ إِنَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ وَعِنْدَ أَحْمَدَ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا لَنْ يَدْخُلَ النَّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بَدْرًا (فَقَالَ) تَعَالَى مُخَاطِبًا لَهُمْ خِطَابَ تَشْرِيفٍ وَإِكْرَامٍ (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ) فِي الْمُسْتَقْبَلِ (فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) عَبَّرَ عَنِ الْآتِي بِالْوَاقِعِ مُبَالَغَةً فِي تَحَقُّقِهِ وَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ غَافِرٌ لَكُمْ وفي مغازي بن عَائِذٍ مِنْ مُرْسَلِ عُرْوَةَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فسأغفر لكم قيل الْقُرْطُبِيُّ وَهَذَا الْخِطَابُ قَدْ تَضَمَّنَ أَنَّ هَؤُلَاءِ حَصَلَتْ لَهُمْ حَالَةٌ غُفِرَتْ بِهَا ذُنُوبُهُمُ السَّابِقَةُ وَتَأَهَّلُوا أَنْ تُغْفَرَ لَهُمُ الذُّنُوبُ اللَّاحِقَةُ إِنْ وَقَعَتْ مِنْهُمْ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ وَإِذَا الْحَبِيبُ أَتَى بِذَنْبٍ وَاحِدٍ جَاءَتْ مَحَاسِنُهُ بِأَلْفِ شَفِيعٍ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ نَجَزَتْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَغْفِرَةُ الذُّنُوبِ اللَّاحِقَةِ بَلْ لَهُمْ صلاحية أن

يُغْفَرَ لَهُمْ مَا عَسَاهُ أَنْ يَقَعَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الصَّلَاحِيَّةِ لِشَيْءٍ وُجُودُ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْبِشَارَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْآخِرَةِ لَا بِأَحْكَامِ الدُّنْيَا عَنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ أُنْزِلَتْ أَيْ فِي حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ امنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أَيِ الْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ أَيْ أَصْدِقَاءَ وَأَنْصَارًا تُلْقُونَ أي توصلون إليهم بالمودة أَيْ بِأَسْبَابِ الْمَحَبَّةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ أَخْبَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسِرَّهُ بِالْمَوَدَّةِ الَّتِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ وَبَعْدَهُ وَقَدْ كَفَرُوا أَيْ وَحَالُهُمْ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الحق يعني القرآن يخرجون الرسول وإياكم أي من مكة أن تؤمنوا أَيْ لِأَنْ آمَنْتُمْ كَأَنَّهُ قَالَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لإيمانكم بالله ربكم إن كنتم خرجتم شَرْطٌ جَوَابُهُ مُتَقَدِّمٌ وَالْمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ أي بالنصيحة وأنا أعلم بما أخفيتم أي من المودة للكفار وما أعلنتم أَيْ أَظْهَرْتُمْ بِأَلْسِنَتِكُمْ مِنْهَا وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ أَيِ الْإِسْرَارَ وَإِلْقَاءَ الْمَوَدَّةِ إِلَيْهِمْ فَقَدْ ضَلَّ سواء السبيل أَيْ أَخْطَأَ طَرِيقَ الْهُدَى (السُّورَةَ) بِالنَّصْبِ أَيْ أَتَمَّ السُّورَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ إلا بن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَفِيهِ عَنْ عُمَرَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا قَوْلُهُ (فَقَالُوا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَتُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ) هَذَا بَيَانٌ لِمَا قَبْلَهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ قَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَخْ) رَوَاهُ الشَّيْخَانِ [3306] قَوْلُهُ (مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْتَحِنُ) أَيْ يَخْتَبِرُ (إِلَّا بِالْآيَةِ الَّتِي إِلَخْ) أَيْ بِمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ المؤمنات الخ إذا جاءك المؤمنات يبايعنك أَيْ قَاصِدَاتٍ لِمُبَايَعَتِكَ عَلَى الْإِسْلَامِ (الْآيَةَ) تَمَامُهَا

على أن لا يشركن بالله شيئا أَيْ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ هُوَ مَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ وَأْدِ الْبَنَاتِ أَيْ دَفْنِهِنَّ أَحْيَاءً لِخَوْفِ الْعَارِ وَالْفَقْرِ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ أَيْ لَا يُلْحِقْنَ بِأَزْوَاجِهِنَّ وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُمْ قَالَ الْفَرَّاءُ كَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَقِطُ الْمَوْلُودَ فَتَقُولُ لِزَوْجِهَا هَذَا وَلَدِي مِنْكَ فَذَلِكَ الْبُهْتَانُ الْمُفْتَرَى بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَذَلِكَ أَنَّ الْوَلَدَ إِذَا وَضَعَتْهُ الْأُمُّ سَقَطَ بَيْنَ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَلَيْسَ المراد هنا أنها تنسب ولدها من الزنى إِلَى زَوْجِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ دَخَلَ تَحْتَ النهي عن الزنى ولا يعصينك في معروف أَيْ فِي كُلِّ أَمْرٍ هُوَ طَاعَةٌ لِلَّهِ وَإِحْسَانٌ إِلَى النَّاسِ وَكُلِّ مَا أَمَرَ بِهِ الشَّرْعُ وَنَهَى عَنْهُ وَالْمَعْرُوفُ مَا عُرِفَ حُسْنُهُ مِنْ قِبَلِ الشَّرْعِ فَبَايِعْهُنَّ أَيْ إِذَا بَايَعْنَكَ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ أَيْ عَمَّا مَضَى إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ بَلِيغُ الْمَغْفِرَةِ بِتَمْحِيقِ مَا سَلَفَ وَكَثِيرُ الرَّحْمَةِ لِعِبَادِهِ (قَالَ مَعْمَرٌ) أَيْ بِالْإِسْنَادِ السَّابِقِ (مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ وَكَأَنَّ عَائِشَةَ أَشَارَتْ بِذَلِكَ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَا جَاءَ عَنْ أُمِّ عطية فعند بن خزيمة وبن حبان والبزار والطبري وبن مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي قِصَّةِ الْمُبَايَعَةِ قَالَ فَمَدَّ يَدَهُ مِنْ خَارِجِ الْبَيْتِ وَمَدَدْنَا أَيْدِيَنَا مِنْ دَاخِلِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اشْهَدْ وَكَذَا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ الَّذِي فِيهِ قَبَضَتْ مِنَّا امْرَأَةٌ يَدَهَا فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّهُنَّ كُنَّ يُبَايِعْنَهُ بِأَيْدِيهِنَّ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ بأن من الْأَيْدِي مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ إِشَارَةٌ إِلَى وُقُوعِ الْمُبَايَعَةِ وَإِنْ لَمْ تَقَعَ مُصَافَحَتُهُ وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَبْضِ الْيَدِ التَّأَخُّرُ عَنِ الْقَبُولِ أَوْ كَانَتِ الْمُبَايَعَةُ تَقَعُ بِحَائِلٍ فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَايَعَ النِّسَاءَ أَتَى بِبُرْدٍ قَطَرِيٍّ فَوَضَعَهُ فِي يَدِهِ وَقَالَ لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ وَعِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مُرْسَلًا نَحْوُهُ وَعِنْدَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أبي حازم كذلك وأخرج بن إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ بْنِ بَكِيرٍ عَنْهُ عَنْ أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْمِسُ يَدَهُ فِي إِنَاءٍ وَتَغْمِسُ الْمَرْأَةُ يَدَهَا فِيهِ وَيُحْتَمَلُ التَّعَدُّدُ وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِوَاسِطَةِ عُمَرَ وَرَوَى النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ أَنَّ أُمَيْمَةَ بِنْتَ رُقَيْقَةَ بِقَافَيْنِ مُصَغَّرًا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي نِسْوَةٍ تُبَايِعُ فَقُلْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْسُطْ يَدَك نُصَافِحْكَ فَقَالَ إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ وَلَكِنْ سَآخُذُ عَلَيْكُنَّ فَأَخَذَ عَلَيْنَا حَتَّى بَلَغَ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَقَالَ فِيمَا أَطَقْتُنَّ وَاسْتَطَعْتُنَّ فَقُلْنَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ مَا قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ إِلَّا كَقَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ جَاءَ فِي أَخْبَارٍ أُخْرَى أَنَّهُنَّ كُنَّ

يَأْخُذْنَ بِيَدِهِ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ أَخْرَجَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3307] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْبَانِيُّ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَا هَذَا الْمَعْرُوفُ) أَيِ الَّذِي وَقَعَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا يَعْصِينَكَ في معروف (الَّذِي لَا يَنْبَغِي لَنَا) أَيْ لَا يَجُوزُ لَنَا (أَنْ نَعْصِيَكَ فِيهِ) أَيْ فِي هَذَا الْمَعْرُوفِ (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَنُحْنَ مِنَ النَّوْحِ وَهُوَ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ وَتَعْدِيدُ مَحَاسِنِهِ وَقِيلَ النَّوْحُ بُكَاءٌ مَعَ الصَّوْتِ وَمِنْهُ نَاحَ الْحَمَامُ نَوْحًا (قَدْ أَسْعَدُونِي عَلَى عَمِّي) مِنَ الْإِسْعَادِ وَهُوَ إسعاد النساء في المناحاة تَقُومُ الْمَرْأَةُ فَتَقُومُ مَعَهَا أُخْرَى مِنْ جَارَاتِهَا فَتُسَاعِدُهَا عَلَى النِّيَاحَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْإِسْعَادُ خَاصٌّ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَأَمَّا الْمُسَاعَدَةُ فَعَامَّةٌ فِي كُلِّ مَعُونَةٍ (وَلَا بُدَّ لِي مِنْ قَضَائِهِمْ) أَيْ مِنْ أَنْ أَجْزِيَهُمْ (فَأَبَى) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ لَمْ يَأْذَنْ لِي فِي قَضَائِهِمْ (فَعَاتَبْتُهُ) أَيْ رَاجَعْتُهُ وَعَاوَدْتُهُ (فَأَذِنَ لِي فِي قَضَائِهِنَّ) فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَخَّصَ لِأُمِّ سَلِمَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ فِي إِسْعَادِهِنَّ وَكَذَلِكَ رَخَّصَ أَيْضًا لِأُمِّ عَطِيَّةَ كَمَا فِي حَدِيثِهَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَلَفْظُ مُسْلِمٍ قَالَتْ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا ولا يعصينك في معروف قَالَتْ كَانَ مِنْهُ النِّيَاحَةُ قَالَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا آلَ فُلَانٍ فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَسْعَدُونِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَا بُدَّ لِي أَنْ أُسْعِدَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا آلَ فُلَانٍ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّرْخِيصِ لِأُمِّ عَطِيَّةَ فِي آلِ فُلَانٍ خَاصَّةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَلَا تَحِلُّ النِّيَاحَةُ لِغَيْرِهَا وَلَا لَهَا فِي غَيْرِ آلِ فُلَانٍ كَمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الْحَدِيثِ وَلِلشَّارِعِ أَنْ يَخُصَّ مِنَ الْعُمُومِ مَا شَاءَ فَهَذَا صَوَابُ الْحُكْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاسْتَشْكَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالُوا فِيهِ أَقْوَالًا عَجِيبَةً وَمَقْصُودِي التَّحْذِيرُ من الابترار بِهَا حَتَّى إِنَّ بَعْضَ الْمَالِكِيَّةِ قَالَ النِّيَاحَةُ ليست بحرام بها الْحَدِيثِ وَقَصْدِ نِسَاءِ جَعْفَرٍ قَالَ وَإِنَّمَا الْمُحَرَّمُ مَا كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ أَفْعَالِ الْجَاهِلِيَّةِ كَشَقِّ الْجُيُوبِ وَخَمْشِ الْخُدُودِ وَدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَأَنَّ النِّيَاحَةَ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَلَيْسَ فِيمَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ دَلِيلٌ صَحِيحٌ لِمَا ذَكَرَهُ انْتَهَى قلت دعوى تحصيص التَّرْخِيصِ بِأُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ فَقَدْ رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلِمَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ كَمَا فِي حديثها هذا وأخرج بن مردويه من حديث بن عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ فَبَايَعَهُنَّ أَنْ

لا يشركن بالله شيئا الْآيَةَ قَالَتْ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَانَ أَبِي وَأَخِي مَاتَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَإِنَّ فُلَانَةَ أَسْعَدَتْنِي وَقَدْ مَاتَ أَخُوهَا الْحَدِيثَ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالطَّبَرِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُصْعَبِ بْنِ نُوحٍ قَالَ أَدْرَكْتُ عَجُوزًا لَنَا كَانَتْ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فَأَخَذَ عَلَيْنَا وَلَا تَنُحْنَ فَقَالَتْ عَجُوزٌ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ نَاسًا كَانُوا أَسْعَدُونَا عَلَى مَصَائِبَ أَصَابَتْنَا وَإِنَّهُمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُسْعِدَهُمْ قَالَ فَاذْهَبِي فَكَافِئِيهِمْ قَالَتْ فَانْطَلَقْتُ فَكَافَأْتُهُمْ ثُمَّ إِنَّهَا أَتَتْ فَبَايَعَتْهُ قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَقْرَبُ إِلَى الصَّوَابِ أَنَّ النِّيَاحَةَ كَانَتْ مُبَاحَةً ثُمَّ كُرِهَتْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ ثُمَّ تَحْرِيمٍ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ وَالْجَوَابُ الَّذِي هُوَ أَحْسَنُ الْأَجْوِبَةِ وَأَقْرَبُهَا أَنْ يُقَالَ إِنَّ النَّهْيَ وَرَدَ أَوَّلًا لِلتَّنْزِيهِ ثُمَّ لَمَّا تَمَّتْ مُبَايَعَةُ النِّسَاءِ وَقَعَ التَّحْرِيمُ فَيَكُونُ الْإِذْنُ الَّذِي وَقَعَ لِمَنْ ذُكِرَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى ثُمَّ وَقَعَ التَّحْرِيمُ وَوَرَدَ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِيهِ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ) أَخْرَجَ حَدِيثَهَا الشيخان 1 - باب ومن سُورَةُ الصَّفِّ فِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مَدَنِيَّةٌ وهو قول بن عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورِ وَالثَّانِي أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَهِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ آيَةً [3309] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرِ) بْنِ أَبِي عَطَاءٍ الثَّقَفِيُّ الصَّنْعَانِيُّ أَبُو يُوسُفَ نَزِيلُ الْمِصِّيصَةِ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْغَلَطِ مِنْ صِغَارِ التاسعة (عن أبي سلمة) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (قَعَدْنَا نَفَرًا) حَالٌ مِنْ ضمير قعدنا والنفر بفتحتين عدة من رِجَالٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَى عَشَرَةٍ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تفعلون هَذَا إِنْكَارٌ عَلَى مَنْ يَعِدُ وَعْدًا أَوْ يَقُولُ قَوْلًا لَا يَفِي بِهِ وَلِهَذَا اسْتَدَلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَنْ ذَهَبَ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ عَزْمُ الْمَوْعُودِ أَمْ لَا وَذَهَبَ الْإِمَامُ مَالِكٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَلَّقَ بِالْوَعْدِ عَزْمٌ عَلَى الْمَوْعُودِ وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا وَحَمَلُوا الْآيَةَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ تَمَنَّوْا فَرِيضَةَ الْجِهَادِ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا فُرِضَ نَكَلَ عَنْهُ بعضهم عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ نَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ الْجِهَادُ يَقُولُونَ لَوَدِدْنَا أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ دَلَّنَا عَلَى أَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَيْهِ فَنَعْمَلَ بِهِ فَأَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِيمَانٌ بِهِ لَا شَكَّ فِيهِ وَجِهَادُ أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يُقِرُّوا بِهِ فَلَمَّا نَزَلَ الْجِهَادُ كَرِهَ ذَلِكَ نَاسٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَشَقَّ عَلَيْهِمْ أَمْرُهُ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تقولون ما لا تفعلون وهذا اختيار بن جرير هذا تلخيص ما ذكره الحافظ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَقِيلَ أُنْزِلَتْ فِي شَأْنِ الْقِتَالِ يَقُولُ الرَّجُلُ قَاتَلْتُ وَلَمْ يُقَاتِلْ وَطَعَنْتُ وَلَمْ يَطْعَنْ وَضَرَبْتُ وَلَمْ يَضْرِبْ وَصَبَرْتُ وَلَمْ يَصْبِرْ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَرَأَهَا عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال أبو سلمة فقرأها علينا بن سَلَامٍ إِلَخْ) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ هَذَا يُسَمَّى بِالْمُسَلْسَلِ بِقِرَاءَةِ سُورَةِ الصَّفِّ قَالَ فِي الْمِنَحِ هَذَا صَحِيحٌ مُتَّصِلُ الْإِسْنَادِ وَالتَّسَلْسُلِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَهُوَ أَصَحُّ مُسَلْسَلٍ رُوِيَ فِي الدُّنْيَا انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الصَّفِّ وَقَدْ وَقَعَ لَنَا سَمَاعُ هَذِهِ السُّورَةِ مُسَلْسَلًا فِي حَدِيثٍ ذُكِرَ فِي أَوَّلِهِ سَبَبُ نُزُولِهَا وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَلَّ أَنْ وَقَعَ فِي الْمُسَلْسَلَاتِ مِثْلُهُ مَعَ مَزِيدِ عُلُوِّهِ قَوْلُهُ (وَقَدْ خُولِفَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ فِي إسناد هذا الحديث عن الأوزاعي فروى بن الْمُبَارَكِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الخ) قال الحافظ بن كَثِيرٍ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مَعْمَرٍ عن بن الْمُبَارَكِ بِهِ (وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ نَحْوَ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كثير) قال الحافظ بن كَثِيرٍ وَكَذَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ الأوزاعي كما رواه بن كَثِيرٍ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ هَذَا أخرجه أيضا أحمد وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَأَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ وَالسُّنَنِ 2 - باب وَمِنَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ إِحْدَى عَشْرَةَ اية [3310] قوله وآخرين منهم

مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى الْأُمِّيِّينَ أَيْ بَعَثَهُ فِي الْأُمِّيِّينَ الَّذِينَ عَلَى عَهْدِهِ وَبَعَثَهُ فِي آخَرِينَ مِنْهُمْ أَوْ مَنْصُوبٌ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي يُعَلِّمُهُمْ أَيْ وَيُعَلِّمُ آخَرِينَ وَكُلُّ مَنْ يَعْلَمُ شَرِيعَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى آخِرِ الزَّمَانِ فَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلِّمُهُ بِالْقُوَّةِ لِأَنَّهُ أَصْلُ ذَلِكَ الْخَيْرِ الْعَظِيمِ وَالْفَضْلِ الْجَسِيمِ أَوْ عَطْفًا عَلَى مَفْعُولِ يُزَكِّيهِمْ أَيْ يُزَكِّيهِمْ وَيُزَكِّي آخَرِينَ وَالْمُرَادُ بِالْآخَرِينَ مَنْ جَاءَ بَعْدَ الصَّحَابَةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِمْ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ غَيْرِ الْعَرَبِ وَقَالَ عِكْرِمَةُ هُمُ التَّابِعُونَ وَقَالَ مجاهد الناس كلهم وكذا قال بن زيد والسدي لما يلحقوا بها أَيْ ذَلِكَ الْوَقْتَ وَسَيَلْحَقُونَ بِهِمْ مِنْ بَعْدُ وَقِيلَ فِي السَّبْقِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالشَّرَفِ وَالدَّرَجَةِ وَهَذَا النَّفْيُ مُسْتَمِرٌّ دَائِمًا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَا يَلْحَقُهُمْ وَلَا يُسَاوِيهِمْ فِي شَأْنِهِمْ أَحَدٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَلَا مِمَّنْ بَعْدَهُمْ فَالْمَنْفِيُّ هُنَا غَيْرُ مُتَوَقَّعِ الْحُصُولِ وَلِذَلِكَ لِمَا وَرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ لَمَّا تَنْفِي مَا هُوَ مُتَوَقَّعُ الْحُصُولِ وَالْمَنْفِيُّ هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَسَّرَهَا الْمَحَلِّيُّ بِلَمِ الَّتِي مَنْفِيُّهَا أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَوَقَّعَ الْحُصُولِ أَوَّلًا فَلَمَّا هُنَا لَيْسَتْ عَلَى بَابِهَا وَالضَّمِيرُ في بهم ومنهم رَاجِعٌ إِلَى الْأُمِّيِّينَ وَهَذَا يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآخَرِينَ هُمْ مَنْ يَأْتِي بَعْدَ الصَّحَابَةِ مِنَ الْعَرَبِ خَاصَّةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا إِلَى جميع الثقلين فتخصيص العرب هنا القصد الِامْتِنَانِ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي عُمُومَ الرِّسَالَةِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْآخَرِينَ الْعَجَمُ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِنَ الْعَرَبِ فَقَدْ صَارُوا بِالْإِسْلَامِ مِثْلَهُمْ وَالْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ (فَلَمْ يُكَلِّمْهُ) أَيْ سَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُجِبْهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا (وَسَلْمَانُ فِينَا) أَيْ كَانَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ مَوْجُودًا فِينَا لَوْ كَانَ

الْإِيمَانُ بِالثُّرَيَّا بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَشِدَّةِ التَّحْتِيَّةِ مَقْصُورًا كَوْكَبٌ مَعْرُوفٌ لَتَنَاوَلَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ أَيِ الْفُرْسِ بِقَرِينَةِ سَلْمَانَ وَزَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي آخِرِهِ بِرِقَّةِ قُلُوبِهِمْ وَأَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ وَزَادَ فِيهِ يَتَّبِعُونَ سُنَّتِي وَيُكْثِرُونَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِمْ إِنَّهُمْ أَبْنَاءُ فَارِسَ بِدَلِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ لَنَالَهُ رِجَالٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَقَدْ ظَهَرَ ذَلِكَ بِالْعِيَانِ فَإِنَّهُمْ ظَهَرَ فِيهِمُ الدِّينُ وَكَثُرَ فِيهِمُ الْعُلَمَاءُ وَكَانَ وَجُودُهُمْ كَذَلِكَ دَلِيلًا مِنْ أَدِلَّةِ صِدْقِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ النَّسَبِ فِي أَصْلِ فَارِسَ فَقِيلَ إِنَّهُمْ يَنْتَهِي نَسَبُهُمْ إِلَى جيومرت وَهُوَ آدَمُ وَقِيلَ إِنَّهُ مِنْ وَلَدِ يَافِثَ بْنِ نُوحٍ وَقِيلَ مِنْ ذُرِّيَّةِ لَاوِي بْنِ سَامِ بْنِ نُوحٍ وَقِيلَ هُوَ فَارِسُ بْنُ يَاسُورَ بْنِ سَامٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ الْأَقْوَالِ عِنْدَهُمْ وَالَّذِي يَلِيهَا أَرْجَحُهَا عِنْدَ غَيْرِهِمْ وَقَدْ أَطَالَ هُوَ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمَقَامِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِأَهْلِ فَارِسَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ) أَيْ مِنْ غَيْرِ السَّنَدِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (وَثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ مَدَنِيٌّ وَثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ شَامِيٌّ) يَعْنِي هُمَا رَجُلَانِ فَثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ بِالزَّايِ فِي أَوَّلِهِ مَدَنِيٌّ وَثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ بِالتَّحْتِيَّةِ فِي أوله شامي [3311] قوله (حدثنا هشيم) بالتصغير هو بن بَشِيرِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ دِينَارٍ السُّلَمِيُّ (أَخْبَرَنَا حصين) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ أَبِي سُفْيَانَ) اسْمُهُ طَلْحَةُ بْنُ نَافِعٍ قوله (إذا قَدِمَتْ عِيرُ الْمَدِينَةِ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ هِيَ الْإِبِلُ الَّتِي تَحْمِلُ التِّجَارَةَ طَعَامًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ لَا وَاحِدَةَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا (فَابْتَدَرَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ تَسَارَعُوا إِلَيْهَا (حَتَّى لَمْ يَبْقَ) أَيْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ عِدَّةِ رِوَايَاتٍ مَا مُحَصَّلُهُ وَاتَّفَقَتْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ كُلُّهَا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا إِلَّا مَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ فَقَالَ إِلَّا أَرْبَعِينَ رَجُلًا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي عَاصِمٍ وَهُوَ ضَعِيفُ الْحِفْظِ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ حُصَيْنٍ كُلُّهُمْ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُمْ فَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّ جَابِرًا قَالَ أَنَا فِيهِمْ وَفِي تَفْسِيرِ

إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الشَّامِيِّ أَنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْهُمْ وَرَوَى الْعُقَيْلِيُّ عَنِ بن عباس أن منهم الخلفاء الأربعة وبن مَسْعُودٍ وَأُنَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَحَكَى السُّهَيْلِيُّ أَنَّ مِنْهُمْ أَسَدَ بْنَ عُمَرَ وَرُوِيَ بِسَنَدٍ مُنْقَطِعٍ أَنَّ الِاثْنَيْ عَشَرَ هُمُ الْعَشَرَةُ الْمُبَشَّرَةُ وَبِلَالٌ وبن مسعود قال وفي رواية عمار بدل بن مَسْعُودِ قَالَ الْحَافِظُ وَرِوَايَةُ الْعُقَيْلِيِّ أَقْوَى وَأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ (وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ) هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ بِسَبَبِ قُدُومِ الْعِيرِ الْمَذْكُورَةِ وَالْمُرَادُ بِاللَّهْوِ عَلَى هَذَا مَا يَنْشَأُ مِنْ رُؤْيَةِ القدمين وَمَا مَعَهُمْ وَوَقَعَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَكَانَتْ لَهُمْ سُوقٌ كَانَتْ بَنُو سُلَيْمٍ يَجْلِبُونَ إِلَيْهَا الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ وَالسَّمْنَ فَقَدِمُوا فَخَرَجَ إِلَيْهِمُ النَّاسُ وَتَرَكُوهُ وَكَانَ لَهُمْ لَهْوٌ يَضْرِبُونَهُ فَنَزَلَتْ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا اِنْفَضُّوا إِلَيْهَا أَيْ تَفَرَّقُوا وَذَهَبُوا إِلَيْهَا قِيلَ النُّكْتَةُ فِي قوله انفضوا إليها دُونَ قَوْلِهِ إِلَيْهِمَا أَوْ إِلَيْهِ أَنَّ اللَّهْوَ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لِذَاتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ تَبَعًا لِلتِّجَارَةِ وَقِيلَ التَّقْدِيرُ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً انْفَضُّوا إِلَيْهَا أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهِ فَحَذَفَ الثَّانِيَ لِدَلَالَةِ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 3 - بَاب وَمِنْ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ مدنية وهي إحدى عشرة اية [3312] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ إسرائيل) هو بن يُونُسَ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ (قَالَ كُنْتُ مَعَ عَمِّي) قَالَ الْحَافِظُ وَقَعَ عند الطبراني وبن مَرْدَوَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَمِّهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَلَيْسَ عَمَّهُ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا هُوَ سَيِّدُ قَوْمِهِ الْخَزْرَجِ وَعَمُّ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْحَقِيقِيُّ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لَهُ صُحْبَةٌ وَعَمُّهُ زَوْجُ أُمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ خَزْرَجِيٌّ أَيْضًا انْتَهَى فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وفتح الموحدة وتشديد التحتية منونا (بْنُ سَلُولَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ اللَّامِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا لَامٌ مَمْنُوعًا مِنَ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالتَّأْنِيثِ وَهُوَ اسْمُ امْرَأَةٍ وَهِيَ وَالِدَةُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ وَهِيَ خُزَاعِيَّةٌ وَأَمَّا هُوَ فَمِنَ الخزرج أحد قبيلتي الأنصار وبن سَلُولَ يُقْرَأُ بِالنَّصْبِ لِأَنَّهُ صِفَةُ عَبْدِ اللَّهِ لَا صِفَةُ أَبِيهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ هَذَا هُوَ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ (لَا تُنْفِقُوا عَلَى من عند رسول الله حتى ينفضوا) أَيْ يَتَفَرَّقُوا مِنْ حَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولئن رجعنا إلى المدينة الخ أي وسمعته يقول لئن رجعنا

(فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيِّ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ إِلَخْ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَقَالَ أَيْضًا لَئِنْ رجعنا ليخرجن الأعز يريد نفسه منها الأذل يُرِيدُ الرَّسُولَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَأَصْحَابَهُ (فَذَكَرْتُ ذَلِكَ) أَيِ الَّذِي قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ (فَحَلَفُوا) أَيْ سَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَحَلَفُوا أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ وَأَصْحَابُهُ (مَا قَالُوا) مَا نَافِيَةٌ أَيْ لَمْ يَقُولُوا ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَسَأَلَهُ فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا (فَكَذَّبَنِي) مِنَ التَّكْذِيبِ (وَصَدَّقَهُ) مِنَ التَّصْدِيقِ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ (فَأَصَابَنِي شَيْءٌ) أَيْ مِنَ الْهَمِّ (لَمْ يُصِبْنِي شَيْءٌ قَطُّ مِثْلُهُ) أَيْ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي (فَجَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ) وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى جَلَسْتُ فِي الْبَيْتِ مَخَافَةَ إِذَا رَآنِي النَّاسُ أَنْ يَقُولُوا كَذَبْتَ (مَا أَرَدْتُ إِلَّا أَنْ كَذَّبَكَ) بِتَشْدِيدِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ مَا أَرَدْتُ إِلَى أَنْ مَقَتَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْعَيْنِيُّ أَيْ مَا قَصَدْتُ مُنْتَهِيًا إِلَيْهِ أَيْ مَا حَمَلَكَ عَلَيْهِ (وَمَقَتَكَ) مِنَ الْمَقْتِ أَيْ أَبْغَضَكَ إِنَّ اللَّهَ قَدْ صَدَّقَكَ أَيْ يَا زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3313] قوله (عن السُّدِّيِّ) اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْأَزْدِيِّ) وَيُقَالُ لَهُ أَبُو

سَعْدٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو سَعْدٍ الْأَزْدِيُّ الكوفي قاري الْأَزْدِ وَيُقَالُ أَبُو سَعِيدٍ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (فَكُنَّا نَبْتَدِرُ الْمَاءَ) أَيْ نُسَارِعُ إِلَيْهِ (يَسْبِقُونَّا) بِتَشْدِيدِ النُّونِ (فَسَبَقَ أَعْرَابِيٌّ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَلَا يَسْتَقِيمُ الْمَعْنَى إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى يَسْبِقُ (فَيَسْبِقُ الْأَعْرَابِيُّ فَيَمْلَأُ الْحَوْضَ) هَذَا بَيَانٌ لِمَا يَصْنَعُهُ الْأَعْرَابِيُّ السَّابِقُ بَعْدَ سَبْقِهِ إِلَى الْمَاءِ وَيَجْعَلُ حَوْلَهُ أَيْ حَوْلَ الْحَوْضِ (وَيَجْعَلُ النِّطْعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْحَوْضِ وَالنِّطْعُ بِالْكَسْرِ وَبِالْفَتْحِ وَبِالتَّحْرِيكِ وَكَعِنَبٍ بِسَاطٌ مِنَ الْأَدِيمِ (فَأَبَى) أَيِ الْأَعْرَابِيُّ (أَنْ يَدَعَهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَنْ يَتْرُكَ الْأَنْصَارِيَّ (فَانْتَزَعَ قِبَاضَ الْمَاءِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَاءُ وَيُمْسِكُ مِنَ الْحِجَارَةِ وَغَيْرِهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ الرَّجُلَ الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي أَرْخَى زِمَامَ نَاقَتِهِ لِتَشْرَبَ الْمَاءَ فِي الْحَوْضِ نَزَعَ الْحِجَارَةَ الَّتِي جَعَلَهَا الْأَعْرَابِيُّ حول الحوض ليمسك بِهَا الْمَاءُ (فَرَفَعَ الْأَعْرَابِيُّ خَشَبَةً) أَيْ فَغَضِبَ الْأَعْرَابِيُّ بِانْتِزَاعِ الْقِبَاضِ فَرَفَعَ إِلَخْ (بِهَا) أَيْ بِالْخَشَبَةِ (فَشَجَّهُ) مِنَ الشَّجِّ وَهُوَ ضَرْبُ الرَّأْسِ خَاصَّةً وَجَرْحُهُ وَشَقُّهُ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَضَرَبَ (فَأَتَى) أَيِ الْأَنْصَارِيُّ الْمَشْجُوجُ (رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ) أَيْ رَئِيسَهُمْ بَدَلٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ (وَكَانَ) أَيِ الْأَنْصَارِيُّ (مِنْ أَصْحَابِهِ) أَيْ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ (حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ) يَعْنِي حَتَّى يَتَفَرَّقَ الْأَعْرَابُ وَيَذْهَبُوا مِنْ حَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَعْنِي الْأَعْرَابَ) هَذَا بَيَانٌ مِنَ الرَّاوِي لِلضَّمِيرِ فِي يَنْفَضُّوا (وَكَانُوا) أَيِ الْأَعْرَابُ (ثُمَّ قَالَ) أَيْ عبد الله (قال زيد) أي بن أَرْقَمَ (وَأَنَا رِدْفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الرِّدْفُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ هُوَ الرَّاكِبُ خَلْفَ الرَّاكِبِ (فَسَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ) أَيْ مَقَالَتَهُ الْمَذْكُورَةَ (فَأَخْبَرْتُ عَمِّي) أَيْ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ (فَانْطَلَقَ

فَأَخْبَرَ) أَيْ عَمِّي (فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ (قَالَ فَصَدَّقَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَّبَنِي) أَيْ قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ فَأَرْسَلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ فَحَلَفَ وَجَحَدَ فَصَدَّقَهُ وَكَذَّبَنِي كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ (قَدْ خَفَقْتُ بِرَأْسِي مِنَ الْهَمِّ) يُقَالُ خَفَقَ الرَّجُلُ إِذَا حَرَّكَ رَأْسَهُ وَهُوَ نَاعِسٌ وَالْمَعْنَى نَكَسْتُ مِنْ شِدَّةِ الْهَمِّ لَا مِنَ النُّعَاسِ (فَعَرَكَ أُذُنِي) أَيْ دَلَّكَهَا (أَنَّ لِي بِهَا) أَيْ بِضَحِكَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِي (الْخُلْدَ فِي الدُّنْيَا) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ أَنَّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْخُلْدَ فِي الْجَنَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ بن كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ إنفرد بإخراجه الترمذي وهكذا رواه الحافظ البيهقي عَنِ الْحَاكِمِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بِهِ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ حَتَّى بَلَغَ هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا على من عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى ينفضوا حتى بلغ ليخرجن الأعز منها الأذل انْتَهَى [3314] قَوْلُهُ (قَالَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَكَذَا وَقَعَ فِي مُرْسَلِ سعيد بن جبير عند بن أبي حاتم قال الحافظ بن كَثِيرٍ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْمُرْسَلِ قَوْلُهُ إِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فِيهِ نَظَرٌ بَلْ لَيْسَ بِجَيِّدٍ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أبي بن سَلُولَ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ خَرَجَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بَلْ رَجَعَ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ وَإِنَّمَا الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ وَهِيَ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالَّذِي عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَغَازِي أَنَّهَا غَزْوَةُ بَنِي

الْمُصْطَلِقِ (فَلَامَنِي قَوْمِي) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلَامَنِي الْأَنْصَارُ (مَا أَرَدْتَ إِلَى هَذِهِ) يَعْنِي مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذِهِ الْفَعْلَةَ (فَأَتَيْتُ الْبَيْتَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَرَجَعْتُ إِلَى الْمَنْزِلِ (وَنِمْتُ كَئِيبًا) مِنَ الْكَآبَةِ بِالْمَدِّ وَهُوَ سُوءُ الْحَالِ وَالِانْكِسَارُ مِنَ الْحُزْنِ وَقَدْ كَئِبَ مِنْ بَابِ سَلِمَ فَهُوَ كَئِيبٌ (فَأَتَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَتَيْتُهُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ [3315] قَوْلُهُ (فَكَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ كَسَعَهُ كَمَنَعَهُ ضَرَبَ دُبُرَهُ بِيَدِهِ أَوْ بِصَدْرِ قَدَمِهِ وَالرَّجُلُ المهاجري هو جهجاه بن قيس ويقال بن سَعِيدٍ الْغِفَارِيُّ وَكَانَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَقُودُ لَهُ فَرَسَهُ وَالرَّجُلُ الْأَنْصَارِيُّ هُوَ سِنَانُ بْنُ وَبَرَةَ الْجُهَنِيُّ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ (يَا لَلْمُهَاجِرِينَ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ لِلِاسْتِغَاثَةِ أَيْ أَغِيثُونِي وَكَذَا قَوْلُ الْآخَرِ يَا لَلْأَنْصَارِ مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ أَيْ مَا شَأْنُهَا وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ إِنْكَارٌ وَمَنْعٌ عَنْ قَوْلِ يَا لَفُلَانٍ وَنَحْوِهِ دَعُوهَا أَيِ اتْرُكُوا هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَهِيَ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ مِنَ النَّتِنِ أَيْ أَنَّهَا كَلِمَةٌ قَبِيحَةٌ خَبِيثَةٌ وَكَذَا ثَبَتَتْ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ (أَوَ قَدْ فَعَلُوهَا) بِوَاوِ الْعَطْفِ بَيْنَ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَالْفِعْلِ وَالْمَعْطُوفُ عَلَيْهِ مُقَدَّرٌ أَيْ أَوَقَعَتْ هَذِهِ وَقَدْ فَعَلُوهَا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَدْ فَعَلُوهَا قَالَ الْحَافِظُ هُوَ اسْتِفْهَامٌ بِحَذْفِ الْأَدَاةِ أَيْ أَفَعَلُوهَا أَيِ الْأَثَرَةَ شَرِكْنَاهُمْ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَأَرَادُوا الِاسْتِبْدَادَ بِهِ عَلَيْنَا وَفِي مُرْسَلِ قَتَادَةَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ

عَظِيمُ النِّفَاقِ وَمَا مِثْلُنَا وَمِثْلُهُمْ إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ سَمِّنْ كَلْبَكَ يَأْكُلْكَ لَا يَتَحَدَّثُ بِرَفْعِ يَتَحَدَّثُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَيَجُوزُ الْكَسْرُ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ قَوْلِهِ دَعْهُ (أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ) أَيْ أَتْبَاعَهُ (وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو) أَيْ غَيْرُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ (فَقَالَ لَهُ) أَيْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ (لَا تَنْقَلِبُ) أَيْ لَا تَرْجِعُ (حَتَّى تُقِرَّ) مِنَ الْإِقْرَارِ أَيْ حَتَّى تَعْتَرِفَ (فَفَعَلَ) أَيْ فَأَقَرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بِأَنَّهُ الذَّلِيلُ وَرَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَزِيزُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ [3316] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَخِفَّةِ النُّونِ وَآخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ قَوْلُهُ (مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ) كَلِمَةُ مَنْ شَرْطِيَّةٌ وَالْجَزَاءُ قَوْلُهُ يَسْأَلِ الرَّجْعَةَ (يُبَلِّغُهُ حَجَّ بَيْتِ رَبِّهِ) صِفَةُ مَالٍ (أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ) ضَمِيرُ عَلَيْهِ رَاجِعٌ إِلَى مَنْ وَضَمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ إِلَى مَالٌ (فَلَمْ يَفْعَلْ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ كَانَ لَهُ مَالٌ أَيْ فَلَمْ يَحُجَّ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ (يَسْأَلْ) بِالْجَزْمِ (الرَّجْعَةَ) أَيْ يَسْأَلِ اللَّهَ أَنْ يُرْجِعَهُ إِلَى الدُّنْيَا لِيَحُجَّ أَوْ لِيُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالِهِ (اتَّقِ اللَّهَ) أَيْ فِيمَا تَقُولُ (فَإِنَّمَا يَسْأَلُ الرَّجْعَةَ الْكُفَّارُ) أَيْ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ الآية (فقال) أي بن عَبَّاسٍ (سَأَتْلُو) أَيْ سَأَقْرَأُ (بِذَلِكَ) أَيْ بِمَا قُلْتُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَيْ لَا تَشْغَلْكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذكر الله أَيْ عَنِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْمَعْنَى لَا تَشْغَلْكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ كَمَا شَغَلَتِ الْمُنَافِقِينَ عَنْ ذكر الله ومن يفعل ذلك أَيْ وَمَنْ شَغَلَهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ عَنْ ذِكْرِ الله فأولئك هم الخاسرون أَيْ فِي تِجَارَتِهِمْ حَيْثُ آثَرُوا الْفَانِيَ عَلَى الباقي وأنفقوا مما رزقناكم قال بن عَبَّاسٍ يُرِيدُ زَكَاةَ الْأَمْوَالِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يأتي أحدكم الموت أَيْ دَلَائِلُ الْمَوْتِ وَمُقَدِّمَاتُهُ وَعَلَامَاتُهُ فَيَسْأَلَ الرَّجْعَةَ

فيقول رب لولا أخرتني أَيْ هَلَّا أَخَّرْتَنِي وَقِيلَ لَوْ أَخَّرْتَ أَجَلِي إلى أجل قريب فأصدق أَيْ فَأُزَكِّيَ مَالِي وَأَصْلُ أَصَّدَّقُ أَتَصَدَّقُ فَأُبْدِلَتِ التَّاءُ بِالصَّادِ وَأُدْغِمَتِ الصَّادُ فِي الضَّادِ وَتَمَامُ الْآيَةِ وَأَكُنْ بِالْجَزْمِ عَطْفًا عَلَى مَوْضِعِ فَأَصَّدَّقَ كَأَنَّهُ قِيلَ إِنْ أَخَّرْتَنِي أَصَّدَّقْ وَأَكُنْ وَقُرِئَ وَأَكُونَ بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى اللَّفْظِ مِنَ الصَّالِحِينَ ولن يؤخر الله نفسا عن الموت إذ جاء أجلها الْمَكْتُوبُ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تعملون يعني أنه لورد إِلَى الدُّنْيَا وَأُجِيبَ إِلَى مَا سَأَلَ مَا حَجَّ وَمَا زَكَّى (قَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (إِذَا بَلَغَ الْمَالُ مِائَتَيْنِ) أَيْ مِنَ الدَّرَاهِمِ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثُ الْمَوْقُوفُ أَصَحُّ مِنَ الْمَرْفُوعِ (وَلَيْسَ هو بالقوى) وقال الحافظ بن كثير رواية الضحاك عن بن عَبَّاسٍ فِيهَا انْقِطَاعٌ 4 - بَاب وَمِنْ سُورَةِ التَّغَابُنِ مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ هِيَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا ثَلَاثَ آيَاتٍ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ إِلَى آخِرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ وَهِيَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ آيَةً [3317] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْإِمَامُ الذُّهْلِيُّ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) الضبي مولاهم الفريابي (أخبرنا إسرائيل) هو بن يُونُسَ قَوْلُهُ (وَسَأَلَهُ رَجُلٌ) الْوَاوُ لِلْحَالِ (عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ) أَيْ عَنْ تَفْسِيرِهَا

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وأولادكم عدوا لكم فَاحْذَرُوهُمْ) أَيْ أَنْ تُطِيعُوهُمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْخَيْرِ كَالْجِهَادِ وَالْهِجْرَةِ فَإِنَّ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ الإطاعة في ذلك (قال) أي بن عَبَّاسٍ (أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ (أَنْ يَدَعُوهُمْ) أَيْ يَتْرُكُوهُمْ (رَأَوُا النَّاسَ) أَيِ الَّذِينَ سَبَقُوهُمْ بِالْهِجْرَةِ (هَمُّوا) كَذَا فِي النُّسَخِ الحاضرة وفي رواية بن أَبِي حَاتِمٍ فَهَمُّوا بِالْفَاءِ وَهُوَ الظَّاهِرُ أَيْ فَأَرَادُوا (أَنْ يُعَاقِبُوهُمْ) أَيْ يُعَذِّبُوا أَزْوَاجَهُمْ وَأَوْلَادَهُمُ الَّذِينَ مَنَعُوهُمْ عَنِ الْهِجْرَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ أَيْ إِنَّ مِنَ الْأَزْوَاجِ أَزْوَاجًا وَالْأَوْلَادِ أَوْلَادًا يُعَادُونَكُمْ وَيَشْغَلُونَكُمْ عَنِ الْخَيْرِ وَعَنْ طَاعَةِ اللَّهِ أَوْ يُخَاصِمُونَكُمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ سَبَبُ النُّزُولِ دُخُولًا أَوَّلِيًّا فَاحْذَرُوهُمْ أَيْ أَنْ تُطِيعُوهُمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنِ الْخَيْرِ (الْآيَةَ) بَقِيَّةُ الْآيَةِ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فإن الله غفور رحيم قَالَ الْخَازِنُ هَذَا فِيمَنْ أَقَامَ عَلَى الْأَهْلِ وَالْوَلَدِ وَلَمْ يُهَاجِرْ ثُمَّ هَاجَرَ فَرَأَى الَّذِينَ قَدْ سَبَقُوهُ بِالْهِجْرَةِ قَدْ فَقُهُوا فِي الدِّينِ فَهَمَّ أَنْ يُعَاقِبَ زَوْجَتَهُ وَوَلَدَهُ الَّذِينَ ثَبَّطُوهُ وَمَنَعُوهُ عَنِ الْهِجْرَةِ لِمَا أَلْحَقُوا بِهِ وَلَا يُنْفِقَ عَلَيْهِمْ وَلَا يُصِيبَهُمْ بِخَيْرٍ فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ عَنْهُمُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ بن أبي حاتم وبن جرير والطبراني 5 - باب ومن سُورَةُ التَّحْرِيمِ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ اثْنَتَا عَشْرَةَ آيَةً [3318] قَوْلُهُ (لَمْ أَزَلْ حَرِيصًا أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ) أَيْ عَلَى أَنْ أَسْأَلَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ في التفسير (

مكثت سنةأريد أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنْ آيَةٍ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَسْأَلَهُ هَيْبَةً لَهُ اللَّتَيْنِ قَالَ اللَّهُ أَيْ فِي حَقِّهِمَا إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ خِطَابًا لِحَفْصَةَ وَعَائِشَةَ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي مُعَاتَبَتِهِمَا وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ أَيْ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَهُوَ الْوَاجِبُ وَدَلَّ على المحذوف قوله فقد صغت قلوبكما أَيْ مَالَتْ عَنِ الْوَاجِبِ فِي مُخَالَصَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُبِّ مَا يُحِبُّهُ وَكَرَاهَةِ مَا يَكْرَهُهُ وَوُجِدَ مِنْكُمَا مَا يُوجِبُ التَّوْبَةَ وَهُوَ أَنَّهُمَا أَحَبَّتَا مَا كَرِهَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى حَجَّ عُمَرُ) أَيْ خَرَجَ حَاجًّا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ حَتَّى خَرَجَ حَاجًّا فَخَرَجْتُ مَعَهُ فَلَمَّا رَجَعْتُ وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ عَدَلَ إِلَى الْأَرَاكِ لِحَاجَةٍ لَهُ (وَاعَجَبًا لَكَ) قَالَ الْحَافِظُ يَجُوزُ فِي عَجَبًا التَّنْوِينُ وَعَدَمُهُ قال بن مَالِكٍ وَا فِي قَوْلِهِ وَاعَجَبًا إِنْ كَانَ مُنَوَّنًا فَهُوَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى أَعْجَبُ وَمِثْلُهُ وَاهًا وَوَيْ وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ عَجَبًا جِيءَ تَعَجُّبًا وَتَوْكِيدًا وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَنْوِينٍ فَالْأَصْلُ فِيهِ وَاعَجَبِي فَأُبْدِلَتِ الْكَسْرَةُ فَتْحَةً فَصَارَتِ الْيَاءُ أَلِفًا كَقَوْلِهِمْ يَا أَسَفَا وَيَا حَسْرَتَا وَفِيهِ شَاهِدٌ لِجَوَازِ اسْتِعْمَالِ وَا فِي مُنَادًى غَيْرِ مَنْدُوبٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُبَرِّدِ وَهُوَ مَذْهَبٌ صَحِيحٌ قَالَ وتعجب عمر من بن عَبَّاسٍ مَعَ شُهْرَتِهِ بِعِلْمِ التَّفْسِيرِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَيْهِ هَذَا الْقَدْرُ مَعَ شُهْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ فِي نَفْسِ عُمَرَ وَتَقْدِيمِهِ فِي الْعِلْمِ عَلَى غَيْرِهِ ومع ما كان بن عَبَّاسٍ مَشْهُورًا بِهِ مِنَ الْحِرْصِ عَلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وَمُدَاخَلَةِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ فِيهِ وَتَعَجَّبَ مِنْ حِرْصِهِ عَلَى طَلَبِ فَنُونِ التَّفْسِيرِ حتى معرفة المبهم (قال الزهري وكره والله مَا سَأَلَهُ عَنْهُ وَلَمْ يَكْتُمْهُ) قَالَ الْحَافِظُ اسْتَبْعَدَ الْقُرْطُبِيُّ مَا فَهِمَهُ الزُّهْرِيُّ وَلَا بُعْدَ فِيهِ (هِيَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي النِّكَاحِ هُمَا عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ (ثُمَّ أَنْشَأَ) أَيْ شَرَعَ عُمَرُ (يُحَدِّثُنِي الْحَدِيثَ) أَيِ الْقِصَّةَ الَّتِي كَانَتْ سَبَبَ نُزُولِ الْآيَةِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا (مَعْشَرَ قُرَيْشٍ) مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ (نَغْلِبُ النِّسَاءَ) أَيْ نَحْكُمُ عَلَيْهِنَّ وَلَا يَحْكُمْنَ عَلَيْنَا بِخِلَافِ الْأَنْصَارِ فَكَانُوا بِالْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ (فَطَفِقَ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَقَدْ تُفْتَحُ أَيْ جَعَلَ وَأَخَذَ (يَتَعَلَّمْنَ مِنْ نِسَائِهِمْ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ مِنْ سِيرَتِهِنَّ وَطَرِيقَتِهِنَّ (فَإِذَا هِيَ تُرَاجِعُنِي) مِنَ الْمُرَاجَعَةِ

أَيْ تُرَادِدُنِي فِي الْقَوْلِ وَتُنَاظِرُنِي فِيهِ (فَقَالَتْ مَا تُنْكِرُ ذَلِكَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَتْ وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ (وَتَهْجُرُهُ إِحْدَاهُنَّ الْيَوْمَ إِلَى اللَّيْلِ) أَيْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إِلَى أَنْ يَدْخُلَ اللَّيْلُ (قَدْ خَابَتْ) مِنَ الْخَيْبَةِ وَهِيَ الْحِرْمَانُ وَالْخُسْرَانُ (وَكَانَ مَنْزِلِي بِالْعَوَالِي) جَمْعُ عَالِيَةٍ وَهِيَ قُرًى بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ مِمَّا يَلِي الْمَشْرِقَ وَكَانَتْ مَنَازِلَ الْأَوْسِ (فِي بَنِي أُمَيَّةَ) أَيْ نَاحِيَةَ بَنِي أُمَيَّةَ سُمِّيَتِ الْبُقْعَةُ بِاسْمِ مَنْ نَزَلَهَا (وَكَانَ لِي جَارٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) اسْمُهُ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن الحرث الْأَنْصَارِيُّ أَوْ عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ وَالْأَوَّلُ هُوَ الراجح لأنه منصوص عليه عند بن سعد والثاني استنبطه بن بَشْكُوَالَ مِنَ الْمُوَاخَاةِ بَيْنَهُمَا وَمَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ مقدم قاله القسطلاني (كنا نتناوب النزل) أَيْ مِنَ الْعَوَالِي أَيْ كُنَّا نَجْعَلُهُ نَوْبًا (فَيَنْزِلُ) أَيْ جَارِي الْأَنْصَارِيُّ (وَيَأْتِينِي بِخَبَرِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ) أَيْ مِنَ الْحَوَادِثِ الْكَائِنَةِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ بن سَعْدٍ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ بِهِ وَلَا يَسْمَعُ عُمَرُ شَيْئًا إِلَّا حَدَّثَهُ بِهِ (فَكُنَّا نُحَدِّثُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَكُنَّا نَتَحَدَّثُ (أَنَّ غَسَّانَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ أَيْ قَبِيلَةَ غَسَّانَ وَمَلِكُهُمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شَمِرٍ وَهُمْ كَانُوا بِالشَّامِ (تُنْعِلُ الْخَيْلَ) بِضَمِّ التَّاءِ مِنَ الْإِنْعَالِ يُقَالُ نُعِلْتُ وَانْتَعَلْتُ إِذَا لَبِسْتُ النَّعْلَ وَأَنْعَلْتُ الْخَيْلَ إِذَا أَلْبَسْتُهَا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ اسْتِعْدَادِهِمْ لِلْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (قَالَ) أَيْ عُمَرُ (فَجَاءَنِي) أَيْ جَارِي (فَضَرَبَ عَلَى الْبَابِ) أَيْ ضَرْبًا شَدِيدًا كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (قَالَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى عُمَرَ لِكَوْنِ حَفْصَةَ بِنْتَهُ (طَلَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ) إِنَّمَا وَقَعَ الْجُرْمُ بِالطَّلَاقِ لِمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ بِالِاعْتِزَالِ فَظَنَّ الطَّلَاقَ (قَدْ كُنْتُ أَظُنُّ هَذَا كَائِنًا) لِمَا كَانَ تَقَدَّمَ لَهُ مِنْ أَنَّ مُرَاجَعَتَهُنَّ قَدْ تُفْضِي إِلَى الْغَضَبِ الْمُفْضِي إِلَى الْفُرْقَةِ (شَدَدْتُ عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (ثِيَابِي) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّجَمُّلِ بِالثَّوْبِ وَالْعِمَامَةِ وَنَحْوِهِمَا عِنْدَ

لِقَاءِ الْأَئِمَّةِ وَالْكِبَارِ احْتِرَامًا لَهُمْ (فِي هَذِهِ الْمَشْرُبَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا وَهِيَ الْغُرْفَةُ (قَالَ فَانْطَلَقْتُ) أَيْ فَخَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ حَفْصَةَ (فَأَتَيْتُ غُلَامًا أَسْوَدَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ يَرْقَى عَلَيْهَا بِعَجَلَةٍ وَغُلَامٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ قَالَ الْحَافِظُ اسْمُ هَذَا الْغُلَامُ رَبَاحٌ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ سَمَّاهُ سِمَاكٌ فِي رِوَايَتِهِ (ثُمَّ غَلَبَنِي مَا أَجِدُ) أَيْ مِنْ شُغْلِ قَلْبِهِ بِمَا بَلَغَهُ مِنَ اعْتِزَالِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ وَأَنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ غَضَبٍ مِنْهُ وَلِاحْتِمَالِ صِحَّةِ مَا أُشِيعَ مِنْ تَطْلِيقِ نِسَائِهِ وَمِنْ جُمْلَتِهِنَّ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ فَتَنْقَطِعُ الْوَصْلَةُ بَيْنَهُمَا وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِ مَا لَا يَخْفَى (مُتَّكِئٌ عَلَى رِمْلِ حَصِيرٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ قَالَ الْحَافِظُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَقَدْ تُضَمُّ وَفِي رِوَايَةِ مَعْمَرٍ عَلَى رَمْلِ حَصِيرٍ بِسُكُونِ الْمِيمِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّسْجُ تَقُولُ رَمَلْتُ الْحَصِيرَ وَأَرْمَلْتُهُ إِذَا نَسَجْتُهُ وَحَصِيرٌ مَرْمُولٌ أَيْ مَنْسُوجٌ وَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ سَرِيرَهُ كَانَ مَرْمُولًا بِمَا يُرْمَلُ بِهِ الْحَصِيرُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سِمَاكٍ عَلَى حَصِيرٍ وَقَدْ أَثَّرَ الْحَصِيرُ فِي جَنْبِهِ وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ عَلَيْهِ حَصِيرًا تَغْلِيبًا (قُلْتُ اللَّهُ أَكْبَرُ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ لَمَّا ظَنَّ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ الِاعْتِزَالَ طَلَاقٌ أَوْ ناشيء عَنْ طَلَاقٍ فَأَخْبَرَ عُمَرَ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ جَازِمًا بِهِ فَلَمَّا اسْتَفْسَرَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَجِدْ لَهُ حَقِيقَةً كَبَّرَ تَعَجُّبًا مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَبَّرَ اللَّهَ حَامِدًا لَهُ عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ عَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ (وَجَدْنَا

قَوْمًا) أَيِ الْأَنْصَارَ (فَقُلْتُ لِحَفْصَةَ) بَدَأَ بِهَا لِمَكَانَتِهَا مِنْهُ (قَالَتْ) أَيْ حَفْصَةُ (نَعَمْ) أَيْ تراجعه (لَا تُرَاجِعِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ لَا تُرَادِدِيهِ فِي الْكَلَامِ وَلَا تَرُدِّي عَلَيْهِ قَوْلُهُ (وَسَلِينِي مَا بَدَا لَكِ) أَيْ مَا ظَهَرَ لَكِ (وَلَا يَغُرَّنَّكِ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَالنُّونِ (أَنْ كَانَتْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (صَاحِبَتُكِ) أَيْ ضَرَّتُكِ (أَوْسَمَ) مِنَ الْوَسَامَةِ وَهِيَ الْحُسْنُ وَالْجَمَالُ أَيْ أَحْسَنَ وَأَجْمَلَ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَوْضَأَ مِنَ الْوِضَاءِ وَهُوَ الْحُسْنُ (وَأَحَبَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْمَعْنَى لَا تَغْتَرِّي بِكَوْنِ عَائِشَةَ تَفْعَلُ مَا نَهَيْتُكِ عَنْهُ فَلَا يُؤَاخِذُهَا بِذَلِكَ فَإِنَّهَا تَدُلُّ بِجَمَالِهَا وَمَحَبَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا فلا تغتري أنت بذلك لاحتمال أن لا تَكُونِي عِنْدَهُ فِي تِلْكَ الْمَنْزِلَةِ فَلَا يَكُونُ لَكِ مِنَ الْإِدْلَالِ مِثْلُ الَّذِي لَهَا (فَتَبَسَّمَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُخْرَى) أَيْ تَبَسُّمَةً أُخْرَى (فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْتَأْنِسُ) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ أَنْبَسِطُ فِي الْحَدِيثِ وَاسْتَأْذَنَ عُمَرُ فِي ذَلِكَ لِقَرِينَةِ الْحَالِ الَّتِي كَانَ فِيهَا لِعِلْمِهِ بِأَنَّ بِنْتَهُ كَانَتِ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ فَخَشِيَ أَنْ يَلْحَقَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَعْتَبَةِ فَبَقِيَ كَالْمُنْقَبِضِ عَنِ الِابْتِدَاءِ بِالْحَدِيثِ حَتَّى اسْتَأْذَنَ فِيهِ (إِلَّا أُهُبَةً ثَلَاثَةً) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْهَاءِ وَبِفَتْحِهِمَا جَمْعُ إِهَابٍ وَهُوَ الْجِلْدُ وَقِيلَ إِنَّمَا يُقَالُ لِلْجِلْدِ إِهَابٌ قَبْلَ الدَّبْغِ فَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا فَقَالَ أَفِي شَكٍّ أَنْتَ يا بن الْخَطَّابِ يَعْنِي أَنْتَ فِي شَكٍّ فِي أَنَّ التَّوَسُّعَ فِي الْآخِرَةِ خَيْرٌ مِنَ التَّوَسُّعِ فِي الدُّنْيَا أُولَئِكَ أَيْ فَارِسُ وَالرُّومُ عُجِّلَتْ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّعْجِيلِ (قَالَ) أَيْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَكَانَ أَقْسَمَ عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى نِسَائِهِ شَهْرًا فَعَاتَبَهُ اللَّهُ فِي ذلك فجعل له كفارة باليمين) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي النِّكَاحِ فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ حِينَ أَفْشَتْهُ حَفْصَةُ إِلَى عَائِشَةَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ قَالَ مَا أَنَا بِدَاخِلٍ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا مِنْ شِدَّةِ

مَوْجِدَتِهِ عَلَيْهِنَّ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ فَقَوْلُهُ فَاعْتَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتِدَاءُ كَلَامٍ مِنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ كَلَامِهِ الْأَوَّلِ فَلِذَلِكَ عَطَفَهُ بِالْفَاءِ وَقَوْلُهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ أَيِ اعْتِزَالُهُ إِنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ إِفْشَاءِ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَا بِمَارِيَةَ الْقِبْطِيَّةِ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ فَجَاءَتْ فَوَجَدَتْهَا مَعَهُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَفْعَلُ هَذَا مَعِي دُونَ نِسَائِكَ فَقَالَ لَا تُخْبِرِي أَحَدًا هِيَ عَلَيَّ حَرَامٌ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ وَالَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَيَمْكُثُ عِنْدَهَا فَتَوَاطَأَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ عَلَى أَنَّ أَيَّتَهُمَا دَخَلَ عَلَيْهَا فَلْتَقُلْ لَهُ أَأَكَلْتَ مَغَافِيرَ إِنِّي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ فَقَالَ لَا ولكني كنت أَشْرَبُ عَسَلًا عِنْدَ زَيْنَبَ ابْنَةِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ وَقَدْ حَلَفْتُ لَا تُخْبِرِي بِذَلِكَ أَحَدًا فَقَدِ اخْتُلِفَ فِي الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعُوتِبَ عَلَى تَحْرِيمِهِ كَمَا اخْتُلِفَ فِي سَبَبِ حَلِفِهِ قَالَ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ الصَّحِيحُ فِي سَبَبِ نُزُولِ الْآيَةِ أَنَّهَا فِي قِصَّةِ الْعَسَلِ لَا فِي قِصَّةِ مَارِيَةَ الْمَرْوِيَّةِ فِي غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ وَلَمْ تَأْتِ قِصَّةُ مَارِيَةَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ قَالَ النَّسَائِيُّ إِسْنَادُ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الْعَسَلِ جَيِّدٌ صَحِيحٌ غَايَةٌ انْتَهَى وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ فِي سَبَبِ اعْتِزَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رِوَايَاتٍ أُخْرَى مِنْهَا ما أخرجه بن مردويه من طريق الضحاك عن بن عَبَّاسٍ قَالَ دَخَلَتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهَا فَوَجَدَتْ مَعَهُ مَارِيَةَ فَقَالَ لَا تُخْبِرِي عَائِشَةَ حَتَّى أُبَشِّرَكِ بِبِشَارَةٍ إِنَّ أَبَاكِ يَلِي هَذَا الْأَمْرَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ إِذَا أَنَا مِتُّ فَذَهَبَتْ إِلَى عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ ذَلِكَ وَالْتَمَسَتْ مِنْهُ أَنْ يُحَرِّمَ مَارِيَةَ فَحَرَّمَهَا ثُمَّ جَاءَ إِلَى حَفْصَةَ فَقَالَ أَمَرْتُكِ أَنْ لَا تُخْبِرِي عَائِشَةَ فَأَخْبَرْتِهَا فَعَاتَبَهَا وَلَمْ يُعَاتِبْهَا عَلَى أَمْرِ الْخِلَافَةِ فَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عن بعض وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَفِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوَهُ بِتَمَامِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا ضَعْفٌ ثُمَّ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَانَ سَبَبًا لِاعْتِزَالِهِنَّ وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَعَةِ صَدْرِهِ وَكَثْرَةِ صَفْحِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ حَتَّى تَكَرَّرَ مُوجِبُهُ مِنْهُنَّ قَالَ وَالرَّاجِحُ مِنَ الْأَقْوَالِ كُلِّهَا قِصَّةُ مَارِيَةَ لِاخْتِصَاصِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ بِهَا بِخِلَافِ الْعَسَلِ فَإِنَّهُ اجْتَمَعَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُنَّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَسْبَابُ جَمِيعُهَا اجْتَمَعَتْ فَأُشِيرَ إِلَى أَهَمِّهَا وَيُؤَيِّدُهُ شُمُولُ الْحَلِفِ لِلْجَمِيعِ وَلَوْ كَانَ مَثَلًا فِي قِصَّةِ مَارِيَةَ فَقَطْ لَاخْتَصَّ بِحَفْصَةَ وَعَائِشَةَ انْتَهَى وَقَوْلُهُ حِينَ عَاتَبَهُ اللَّهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَيُرْوَى حتى عاتبه إنه وَهَذِهِ هِيَ الْأَظْهَرُ وَعَاتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لك تبتغي مرضات أزواجك فَلَمَّا مَضَتْ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ أَيْ لَيْلَةً (دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ أَنَّ مَنْ غَابَ عَنْ أَزْوَاجِهِ ثُمَّ حَضَرَ يَبْدَأُ بِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ وَلَا أَنْ يُقْرِعَ كَذَا قِيلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْبَدَاءَةُ بِعَائِشَةَ لِكَوْنِهِ اتَّفَقَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَهَا قَالَهُ الْحَافِظُ قَالَ يَا عَائِشَةُ إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ شَيْئًا فَلَا تَعْجَلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ إِلَخْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ (وَلَمْ يَبْعَثْنِي

معنتا) يُقَالُ تَعَنَّتَهُ أَيْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ الْأَذَى وَطَلَبَ زَلَّتَهُ وَمَشَقَّتَهُ قَالَ الْحَافِظُ هَذَا مُنْقَطِعٌ بَيْنَ أَيُّوبَ وَعَائِشَةَ وَيَشْهَدُ لِصِحَّتِهِ حَدِيثُ جَابِرٍ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي آخِرِهِ وَأَسْأَلُكَ أَنْ لَا تُخْبِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِكَ بِالَّذِي قُلْتُ قَالَ لَا تَسْأَلُنِي امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ إِلَّا أَخْبَرْتُهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا وَلَا مُتَعَنِّتًا وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ 6 - بَاب وَمِنْ سُورَةِ نون وَالْقَلَمِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ آيَةً [3319] قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) رَوَى التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مع القصة في أَوَاخِرَ أَبْوَابِ الْقَدَرِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ سُلَيْمٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ مِنْ طرق

عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَوْلُهُ (وفيه عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الطَّبَرَانِيُّ كَمَا فِي تَفْسِيرِ بن كثير 7 - باب وَمِنْ سُورَةِ الْحَاقَّةِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَانِ وَخَمْسُونَ آيَةً [3320] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ) الرَّازِيِّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمِيرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالرَّاءِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ كُوفِيٌّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ عَنِ الْعَبَّاسِ حَدِيثَ الْأَوْعَالِ وَعَنْهُ سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ (عَنِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ) بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُصَيْنٍ التَّمِيمِيِّ السَّعْدِيِّ أَبِي بَحْرٍ اسْمُهُ الضَّحَّاكُ وَقِيلَ صَخْرٌ مُخَضْرَمٌ ثِقَةٌ (عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) بْنِ هَاشِمٍ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْهُورٌ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَوْ بعدها وهو بن ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ قَوْلُهُ (زَعَمَ) أَيْ قَالَ (أَنَّهُ) أَيِ الْعَبَّاسَ (كَانَ جَالِسًا فِي الْبَطْحَاءِ) أَيْ فِي الْمُخَصَّبِ وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِمَكَّةَ فَوْقَ مَقْبُرَةِ الْمُعَلَّا وَقَدْ تُطْلَقُ عَلَى مَكَّةَ وَأَصْلُ الْبَطْحَاءِ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ مَسِيلٌ وَاسِعٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصَى (فِي عِصَابَةٍ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ أَيْ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ قَالَ الطِّيبِيُّ اسْتِعْمَالُ زَعَمَ وَنِسْبَتُهُ إِلَى عَبَّاسٍ رَمْزٌ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مُسْلِمًا وَلَا كَانُوا تِلْكَ الْعِصَابَةُ مُسْلِمِينَ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْبَطْحَاءُ هَلْ تَدْرُونَ مَا اسْمُ هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى السَّحَابَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُزْنُ أَيْ وَاسْمُ هَذِهِ الْمُزْنُ أَيْضًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُزْنُ هُوَ الْغَيْمُ وَالسَّحَابُ وَاحِدَتُهُ مُزْنَةٌ وَقِيلَ هِيَ السَّحَابَةُ الْبَيْضَاءُ (قَالُوا وَالْمُزْنُ) أَيِ اسْمُهَا أَيْضًا الْمُزْنُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْعَنَانُ كَسَحَابٍ زِنَةً وَمَعْنًى مِنْ عَنَّ أَيْ ظَهَرَ فِي النِّهَايَةِ الْعَنَانُ بِالْفَتْحِ السَّحَابُ وَالْوَاحِدَةُ عَنَانَةٌ وَقِيلَ مَا عَنَّ لَكَ

مِنْهَا أَيِ اعْتَرَضَ وَبَدَا لَكَ إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ فَإِنَّ بُعْدَ مَا بَيْنَهُمَا أَيْ مِقْدَارَ بُعْدِ مَسَافَةِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِمَّا وَاحِدَةٌ وَإِمَّا اثْنَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً قيل وإما وأو لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَقِيلَ لِلتَّنْوِيعِ قَالَ الْأَرْدَبِيلِيُّ الرواية في خمس مائة أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ قُوَّةِ الْمَلَكِ وَضَعْفِهِ وَخِفَّتِهِ وَثِقَلِهِ فَيَكُونُ بِسَيْرِ الْقَوِيِّ أَقَلَّ وَبِسَيْرِ الضَّعِيفِ أَكْثَرَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا وَاحِدَةٌ وَإِمَّا اثْنَتَانِ وَإِمَّا ثَلَاثٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً انْتَهَى قَالَ الطِّيبِيُّ الْمُرَادُ بالسبعون فِي الْحَدِيثِ التَّكْثِيرُ لَا التَّحْدِيدُ لِمَا وَرَدَ مِنْ أَنَّ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَبَيْنَ سماء وسماء مسيرة خمس مائة عَامٍ وَالسَّمَاءُ الَّتِي فَوْقَهَا أَيْ فَوْقَ سَمَاءِ الدُّنْيَا كَذَلِكَ أَيْ فِي الْبُعْدِ وَفَوْقَ ذَلِكَ أَيِ الْبَحْرِ ثَمَانِيَةُ أَوْعَالٍ جَمْعُ وَعْلٍ وَهُوَ الْعَنْزُ الْوَحْشِيُّ وَيُقَالُ لَهُ تَيْسُ شَاةِ الْجَبَلِ وَالْمُرَادُ مَلَائِكَةٌ عَلَى صُورَةِ الْأَوْعَالِ بَيْنَ أَظْلَافِهِنَّ جَمْعُ ظِلْفٍ بِكَسْرِ الظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ لِلْبَقَرِ وَالشَّاةِ وَالظَّبْيِ بِمَنْزِلَةِ الْحَافِرِ لِلدَّابَّةِ وَالْخُفِّ لِلْبَعِيرِ وَرُكَبِهِنَّ جَمْعُ رُكْبَةٍ ثُمَّ عَلَى ظُهُورِهِنَّ الْعَرْشُ أَيْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَيْهَا بَيْنَ أَسْفَلِهِ أَيِ الْعَرْشِ مِثْلُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ إِلَى السَّمَاءِ أَيْ من كشرة الْبُعْدِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْحَدِّ وَإِلَّا فَجَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ بِجَنْبِ الْعَرْشِ كَحَلْقَةٍ فِي فَلَاةٍ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ فِي حَدِيثِ وَاللَّهُ فَوْقَ ذَلِكَ أَيْ فَوْقَ الْعَرْشِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَوْقَ الْعَرْشِ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ وَهُوَ مَذْهَبُ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ والتابعين وغيرهم من أهل العلم رضوان الْعِلْمِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ بِلَا كَيْفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَأْوِيلٍ وَالِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ وَالْكَيْفُ مَجْهُولٌ وَالْجَهْمِيَّةُ قَدْ أَنْكَرُوا الْعَرْشَ وَأَنْ يَكُونَ اللَّهُ فَوْقَهُ وَقَالُوا إِنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَلَهُمْ مَقَالَاتٌ قَبِيحَةٌ بَاطِلَةٌ وَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى دَلَائِلِ مَذْهَبِ السَّلَفِ وَالِاطِّلَاعَ عَلَى رَدِّ مَقَالَاتِ الْجَهْمِيَّةِ الْبَاطِلَةِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُطَالِعَ كِتَابَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ وَكِتَابَ أَفْعَالِ الْعِبَادِ لِلْبُخَارِيِّ وَكِتَابَ الْعُلُوِّ لِلذَّهَبِيِّ وَأَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فوقهم يومئذ ثمانية قَوْلُهُ (أَلَا) حَرْفُ التَّحْضِيضِ (حَتَّى يُسْمَعَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (هَذَا الْحَدِيثُ) أَيْ لِمَ لَا يَحُجُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ حَتَّى يُسْمَعَ مِنْهُ فِي مَوْسِمِ الْحَجِّ

هَذَا الْحَدِيثُ الرَّادُّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ اثْنَتَانِ مِنْهَا قَوِيَّتَانِ (وَرَوَى الْوَلِيدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ سِمَاكٍ نحوه ورفعه) أخرجه أبو داود وبن ماجة من هذا الطريق قال الحافظ بن الْقَيِّمِ فِي تَعْلِيقَاتِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ أَمَّا رَدُّ الْحَدِيثِ بِالْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ فَفَاسِدٌ فَإِنَّ الْوَلِيدَ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ كِلَاهُمَا عَنْ سِمَاكٍ وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ عَنْ سِمَاكٍ وَمِنْ حَدِيثِهِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بن أبي قيس انتهى ورواه بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ سِمَاكٍ وَأَيُّ ذَنْبٍ لِلْوَلِيدِ فِي هَذَا وَأَيُّ تَعَلُّقٍ عَلَيْهِ إِنَّمَا ذَنْبُهُ رِوَايَتُهُ مَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْجَهْمِيَّةِ انْتَهَى كَلَامُهُ مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ الرَّازِيُّ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَالصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ الرَّازِيُّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ بِزِيَادَةِ لَفْظِ عَنْ أَبِيهِ بَيْنَ الرَّازِيِّ وَأَنَّ أَبَاهُ فَإِنَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ يَرْوِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا بِبُخَارَى وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ هَكَذَا قَالَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَنْمَاطِيُّ الْبَصْرِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيُّ وَأَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّازِيُّ أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا بِبُخَارَى إِلَخْ وَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَازِمٍ رَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ حَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُثْمَانَ الدَّشْتَكِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا بِبُخَارَى إِلَخْ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُثْمَانَ الدَّشْتَكِيُّ هَذَا صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ وَأَبُوهُ سَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ مَقْبُولٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (رَأَيْتُ رَجُلًا) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُخَارَى عَلَيْهِ عِمَامَةُ خَزٍّ سَوْدَاءُ وَهُوَ يَقُولُ كَسَانِيهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْأَطْرَافِ قِيلَ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ عَبْدُ الله بن خازم

السلمي أمير خرسان وَقَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَازِمٍ بِمُعْجَمَتَيْنِ السُّلَمِيُّ أَبُو صَالِحٍ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وولي إمرة خرسان وَقُتِلَ بِهَا بَعْدَ قَتْلِ مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ سَنَةَ إِحْدَى وَسَبْعِينَ يُقَالُ إِنَّهُ الَّذِي رَوَى عنه الدشتكي قال رأيت رجلا بخرسان عَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ يَقُولُ كَسَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ انْتَهِي (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّجُلِ (عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ) وَفِي أَبِي دَاوُدَ عِمَامَةُ خَزٍّ سَوْدَاءُ (يَقُولُ كَسَانِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم) قل استدل بهذا على جواز لبس الخف وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ غَايَةَ مَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَخْبَرَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَسَاهُ عِمَامَةَ الْخَزِّ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ اللُّبْسِ وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَالَ كَسَانِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً سِيَرَاءَ فَخَرَجْتُ فِيهَا فَرَأَيْتُ الْغَضَبَ فِي وَجْهِهِ فَشَقَقْتُهَا بَيْنَ نِسَائِي فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ جَوَازُ اللُّبْسِ وَهَكَذَا قَالَ عُمَرُ لَمَّا بَعَثَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُلَّةٍ سِيَرَاءَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا هَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُدَ وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ لَكَ أنه لا يلزم ملي قَوْلِهِ كَسَانِي جَوَازُ اللُّبْسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ قِيلَ لِمَ أَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تفسير هذه الصورة لا تعلق بها قلت لعله أورده ها هنا لِبَيَانِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَعْدٍ الْمَذْكُورَ فِي سَنَدِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الرَّازِيُّ وَأَنَّهُ مِنْ أَتْبَاعِ التَّابِعِينَ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ 8 - بَاب وَمِنْ سُورَةِ سَأَلَ سَائِلٌ وَتُسَمَّى الْمَعَارِجُ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ أَرْبَعٌ وَأَرْبَعُونَ آيَةً [3322] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ كَالْمُهْلِ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِشَرْحِهِ فِي بَابِ صِفَةِ شَرَابِ أَهْلِ النَّارِ

69 - باب وَمِنْ سُورَةِ الْجِنِّ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ آيَةً [3323] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبُو الْوَلِيدِ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ) الْوَضَّاحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيُّ (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ اسْمُهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ قَوْلُهُ (مَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْجِنِّ وَلَا رَآهُمْ) أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ في صحيحه حديث بن عَبَّاسٍ هَذَا لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ قَالَ الْحَافِظُ كَأَنَّ الْبُخَارِيَّ حَذَفَ هَذِهِ اللفظة عمدا لأن بن مَسْعُودٍ أَثْبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ عَلَى الْجِنِّ فَكَانَ ذَلِكَ مُقَدَّمًا على نفي بن عَبَّاسٍ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ مُسْلِمٌ فَأَخْرَجَ عقب حديث بن عباس هذا حديث بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَتَانِي دَاعِي الْجِنِّ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَقَرَأْتُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِالتَّعَدُّدِ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ هُمَا قَضِيَّتَانِ فَحَدِيثُ بن عَبَّاسٍ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَأَوَّلِ النُّبُوَّةِ حِينَ أتوا فسمعوا قراءة قل أوحي وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ هَلْ عَلِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِمَاعَهُمْ حَالَ اسْتِمَاعِهِمْ بِوَحْيٍ إِلَيْهِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ إِلَّا بَعْدَ ذَلِكَ وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَقَضِيَّتُهُ أُخْرَى جَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ اللَّهُ أَعْلَمُ بِقَدْرِهِ وَكَانَ بَعْدَ اشْتِهَارِ الْإِسْلَامِ (عَامِدِينَ) أَيْ قَاصِدِينَ (إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْكَافِ وَآخِرُهُ ظَاءٌ مُعْجَمَةٌ بِالصَّرْفِ وَعَدَمِهِ مَوْسِمٌ مَعْرُوفٌ لِلْعَرَبِ مِنْ أَعْظَمِ مَوَاسِمِهِمْ وَهُوَ نَخْلٌ فِي وُدْيَانِ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ يُقِيمُونَ به شوال كُلَّهُ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَفَاخَرُونَ وَكَانَ ذَلِكَ لَمَّا خَرَجَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِلَى الطَّائِفِ وَرَجَعَ مِنْهَا سَنَةَ عَشْرٍ مِنَ الْمَبْعَثِ لَكِنِ اسْتَشْكَلَ قَوْلُهُ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا خَرَجَ إِلَى الطَّائِفِ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ إِلَّا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَأُجِيبَ بِالتَّعَدُّدِ أَوْ أنه لما رجع لافاه بَعْضُ أَصْحَابِهِ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ فَرَافَقُوهُ (وَقَدْ حِيلَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا لَامٌ أَيْ حُجِزَ وَمُنِعَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ (وأرسلت علينا الشُّهُبُ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ شِهَابٍ قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ الْحَيْلُولَةَ

وَإِرْسَالَ الشُّهُبِ وَقَعَا فِي الزَّمَانِ الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ وَالَّذِي تَضَافَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لَهُمْ مِنْ أَوَّلِ الْبَعْثَةِ النَّبَوِيَّةِ وَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ تَغَايُرَ زَمَنِ الْقِصَّتَيْنِ وَأَنَّ مَجِيءَ الْجِنِّ لِاسْتِمَاعِ الْقُرْآنِ كَانَ قَبْلَ خُرُوجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الطَّائِفِ بِسَنَتَيْنِ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا قَوْلُهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَوَاتِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ يُصَلِّي قَطْعًا وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ وَلَكِنِ اخْتُلِفَ هَلِ افْتُرِضَ قَبْلَ الْخَمْسِ شَيْءٌ مِنَ الصَّلَاةِ أَمْ لَا فَيُصْبِحُ عَلَى هَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْفَرْضَ أَوَّلًا كَانَ صَلَاةً قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلَاةً قَبْلَ غُرُوبِهَا وَالْحُجَّةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وَنَحْوِهَا مِنَ الْآيَاتِ فَيَكُونُ إِطْلَاقُ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ لَا لِكَوْنِهَا إِحْدَى الْخَمْسِ الْمُفْتَرَضَةِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ فَتَكُونُ قِصَّةُ الْجِنِّ مُتَقَدِّمَةً مِنْ أَوَّلِ الْمَبْعَثِ انْتَهَى (فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا) بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ كُلِّهَا (نَحْوَ تِهَامَةَ) بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ اسْمٌ لِكُلِّ غَيْرِ عَالٍ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِشِدَّةِ حَرِّهَا اشْتِقَاقًا مِنَ التَّهَمِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَسُكُونُ الرِّيحِ وقيل من تهم الشيء إذا تغين قِيلَ لَهَا ذَلِكَ لِتَغَيُّرِ هَوَائِهَا قَالَ الْبَكْرِيُّ حَدُّهَا مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ ذَاتُ عِرْقٍ وَمِنْ قِبَلِ الْحِجَازِ السَّرْجُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا جِيمٌ قَرْيَةٌ مِنْ عَمَلِ الْفَرْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ مِيلًا (وَهُوَ بِنَخْلَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ مَوْضِعٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ قَالَ الْبَكْرِيُّ عَلَى لَيْلَةٍ مِنْ مَكَّةَ وهو غير منصرف للعلمية والتأنيث (استمعوا له) أَيْ أَصْغَوْا إِلَيْهِ (هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي) أَيِ الحدث الذي (فهنالك) ظرف مكان والعمل فيه رجعوا مقدارا يفسره المذكور إنا سمعنا قرآن عجبا أَيْ يُتَعَجَّبُ مِنْهُ فِي فَصَاحَةِ لَفْظِهِ وَكَثْرَةِ معانية قائمة فيه دلائل الإعجاز وعجبا مَصْدَرٌ وَوُصِفَ بِهِ لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ ذَا عَجَبٍ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ أَيْ يَدْعُو إِلَى الصَّوَابِ وَقِيلَ يَهْدِي إِلَى التوحيد والإيمان فآمنا به أَيْ بِالْقُرْآنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ آمَنُوا عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ قَالَ وَالْإِيمَانُ يَقَعُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا بِأَنْ يَعْلَمَ حَقِيقَةَ الْإِعْجَازِ وَشُرُوطَ الْمُعْجِزَةِ فَيَقَعَ لَهُ الْعِلْمُ بِصِدْقِ الرَّسُولِ أَوْ يَكُونَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكُتُبِ الْأُولَى فِيهَا دَلَائِلُ عَلَى أَنَّهُ النَّبِيُّ الْمُبَشَّرُ بِهِ وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ فِي الْجِنِّ مُحْتَمَلٌ وَلَنْ

نشرك أي بعد اليوم قل يامحمد لِلنَّاسِ أُوحِيَ إِلَيَّ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَ قَوْمَهُ بِوَاقِعَةِ الْجِنِّ وَيُظْهِرَهَا لَهُمْ لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ وَأَنَّكَ مَبْعُوثٌ إِلَى الْجِنِّ كَالْإِنْسِ وَلِتَعْلَمَ قُرَيْشٌ أَنَّ الْجِنَّ مَعَ تَمَرُّدِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ وَعَرَفُوا إِعْجَازَهُ آمَنُوا بِهِ وَالْمَعْنَى أُخْبِرْتُ بِالْوَحْيِ مِنَ اللَّهِ أنه الضمير للشأن استمع أي لقراءئي (وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ) أَيْ لِقَوْلِهِمْ إنا سمعنا الخ وهذا كلام بن عَبَّاسٍ كَأَنَّهُ تَقَرَّرَ فِيهِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَوَّلًا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهِمْ وَإِنَّمَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ بِأَنَّهُمُ اسْتَمَعُوا وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالوا أنصتوا الْآيَةَ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ اجتماعه بهم حين استمعوا أن لا يكون اجتمع بهم بعد ذلك وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لبدا بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْبَاءِ جَمْعُ لِبْدَةٍ بِكَسْرٍ ثُمَّ سُكُونٍ نَحْوَ قِرْبَةٍ وَقِرَبٍ وَاللِّبْدَةُ وَاللِّبَدُ الشَّيْءُ الْمُلَبَّدُ أَيِ الْمُتَرَاكِمُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وبه سمي اللبد الذي يفرش لتراكم صرفه (قال) أي بن عَبَّاسٍ (لَمَّا رَأَوْهُ يُصَلِّي) أَيْ بِسَبَبِ أَنْ رَأَى الْجِنُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَ كَوْنِهِ يُصَلِّي (تَعَجَّبُوا مِنْ طَوَاعِيَةِ أَصْحَابِهِ لَهُ) أَيْ مِنَ انْقِيَادِهِمْ لَهُ وَالطَّوَاعِيَةُ الطَّاعَةُ لما قام عبد الله أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُوهُ أَيْ يُصَلِّي وَيَتْلُو الْقُرْآنَ كَادُوا يَكُونُونَ أَيْ أَصْحَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ لِبَدًا أي مجتمعين عليه وحديث بن عَبَّاسٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والحاكم وبن جرير في تفسيره وروي عن بن عَبَّاسٍ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ مَا رَوَى الْعَوْفِيُّ عَنْهُ يَقُولُ لَمَّا سَمِعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو الْقُرْآنَ كَادُوا يَرْكَبُونَهُ مِنَ الْحِرْصِ لَمَّا سَمِعُوهُ يَتْلُو الْقُرْآنَ وَدَنَوْا مِنْهُ فَلَمْ يَعْلَمْ بِهِمْ حَتَّى أَتَاهُ الرَّسُولُ يُقْرِئُهُ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجن يستمعون القرآن أخرجه بن جرير وبن مَرْدَوَيْهِ [3324] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْإِمَامُ الذُّهْلِيُّ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) الضبي

الْفِرْيَابِيُّ (أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ (زَادُوا فِيهَا) أَيْ فِي الْكَلِمَةِ الْمَسْمُوعَةِ (تِسْعًا) أَيْ تِسْعَ كَلِمَاتٍ وَالْمُرَادُ التَّكْثِيرُ لَا التَّحْدِيدُ فَفِي رِوَايَةٍ عَشْرًا وَفِي رِوَايَةٍ أَضْعَافًا (فَأَمَّا الْكَلِمَةُ) أَيِ الْمَسْمُوعَةُ (مُنِعُوا) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالضَّمِيرُ لِلْجِنِّ (مَقَاعِدَهُمْ) جَمْعُ مَقْعَدٍ اسْمُ مَكَانٍ أَيْ مِنَ الصُّعُودِ إِلَيْهَا وَالْقُعُودِ فِيهَا وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ كَانَ أَحَدُهُمْ لَا يَأْتِي مَقْعَدَهُ إِلَّا يُرْمَى بِشِهَابٍ يَحْرِقُ مَا أَصَابَ (وَلَمْ تَكُنِ النُّجُومُ يُرْمَى بِهَا قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ بِهَذِهِ الْكَثْرَةِ والشدة قال بن قُتَيْبَةَ إِنَّ الرَّجْمَ كَانَ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَ مَا كَانَ بَعْدَ مَبْعَثِهِ فِي شِدَّةِ الْحِرَاسَةِ وَكَانُوا يَسْتَرِقُونَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ فَلَمَّا بُعِثَ مُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ أَصْلًا فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ حَمْلُ الْجِنِّ عَلَى الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ وَطَلَبِ السَّبَبِ إِنَّمَا كَانَ لِكَثْرَةِ الرَّجْمِ وَمَنْعِهِمْ عَنِ الِاسْتِرَاقِ بِالْكُلِّيَّةِ وَقِيلَ كَانَتِ الشُّهُبُ قَبْلُ مَرْئِيَّةً وَمَعْلُومَةً لَكِنْ رَجْمُ الشَّيَاطِينِ وَإِحْرَاقُهُمْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا بَعْدَ نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَبَعَثَ) أَيْ إِبْلِيسُ (أُرَاهُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ رَاجِعُ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ يُصَلِّي بَيْنَ جبلي نخلة (فلقوه) أي لقيت جنود إِبْلِيسَ (فَقَالَ) أَيْ إِبْلِيسُ لِجُنُودِهِ (هَذَا الْحَدَثُ الذي حدث في الأرض) أي هذا هو الْأَمْرُ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي 0 - باب وَمِنْ سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ خَمْسٌ وَخَمْسُونَ آية [3325] قوله (عن أبي سلمة) هو بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَوْلُهُ (وَهُوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ

أَيْ فِي حَالِ التَّحْدِيثِ عَنِ احْتِبَاسِ الْوَحْيِ عن النزول فإذا الملك جَاءَنِي بِحِرَاءٍ هُوَ جَبْرَائِيلُ حِينَ أَتَاهُ بِقَوْلِهِ اقرأ بإسم ربك الذي خلق ثُمَّ إِنَّهُ حَصَلَ بَعْدَ هَذَا فَتْرَةٌ ثُمَّ نَزَلَ الْمَلَكُ بَعْدَ هَذَا جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ خَبَرٌ عَنِ الْمَلَكِ الَّذِي هُوَ مُبْتَدَأٌ وَقَوْلُهُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ صِفَتُهُ فَجُثِثْتُ مِنْهُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ أُخْرَى سَاكِنَةٌ وفي رواية البخاري فجثثت بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ وَمَعْنَاهُمَا فَزِعْتُ وَرُعِبْتُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ جُئِثَ الرَّجُلُ إذا فزع فهو مجثوث قال الخليل والكسائي جثت وجثث فهو مجثوث وَمَجْثُوثٌ أَيْ مَذْعُورٌ فَزِعٌ فَقُلْتُ زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي أَيْ لُفُّونِي يُقَالُ زَمَّلَهُ فِي ثَوْبِهِ إِذَا لَفَّهُ فِيهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ دَثِّرُونِي وَصُبُّوا على ماءا بَارِدًا قَالَ الْحَافِظُ وَكَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي الصَّبِّ بَعْدَ التَّدَثُّرِ طَلَبُ حُصُولِ السُّكُونِ لِمَا وَقَعَ فِي الْبَاطِنِ مِنَ الِانْزِعَاجِ أَوْ أَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ الرِّعْدَةَ تَعْقُبُهَا الْحُمَّى وَقَدْ عُرِفَ مِنَ الطِّبِّ النَّبَوِيِّ مُعَالَجَتُهَا بِالْمَاءِ الْبَارِدِ يَا أَيُّهَا المدثر أَيِ النَّبِيُّ وَأَصْلُهُ الْمُتَدَثِّرُ أُدْغِمَتِ التَّاءُ فِي الدَّالِ أَيِ الْمُتَلَفِّفُ بِثِيَابِهِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ مُدَّثِّرًا لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم دثروني قم فأنذر أَيْ خَوِّفِ النَّاسَ وَحَذِّرْهُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا وَالْمَعْنَى قُمْ مِنْ مَضْجَعِكَ وَدِثَارِكَ وَقِيلَ قُمْ قِيَامَ عَزْمٍ وَاشْتَغِلْ بِالْإِنْذَارِ الذي تحملته وبعده وربك فكبر أَيْ عَظِّمْ رَبَّكَ عَمَّا يَقُولُهُ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ وثيابك فطهر أَيْ مِنَ النَّجَاسَاتِ وَالْمُسْتَقْذَرَاتِ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَكُونُوا يَحْتَرِزُونَ عَنْهَا فَأُمِرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَوْنِ ثِيَابِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ وَغَيْرِهَا خلافا للمشركين وذكر في معناه وجود أخرى والرجز فاهجر أي اترك الأوثان ولا تقربها وقال بن عَبَّاسٍ اتْرُكِ الْمَآثِمَ وَقِيلَ الشِّرْكَ وَالْمَعْنَى اتْرُكْ كُلَّ مَا أَوْجَبَ لَكَ الْعَذَابَ مِنَ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَلَا يَلْزَمُ تَلَبُّسُهُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ كَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّ تَطْهِيرَ الثِّيَابِ كَانَ مَأْمُورًا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ

[3326] قَوْلُهُ الصَّعُودُ جَبَلٌ مِنْ نَارٍ إِلَخْ سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ صِفَةِ قَعْرِ جَهَنَّمَ [3327] قَوْلُهُ (عَنْ مُجَالِدِ) بْنِ سَعِيدٍ الْهَمْدَانِيِّ قَوْلُهُ (غُلِبَ أَصْحَابُكَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ صَارُوا مَغْلُوبِينَ وَبِمَا غُلِبُوا أَيْ بِأَيِّ شَيْءٍ غُلِبُوا قَالَ فَمَا قَالُوا أَيْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا قَالَ أَصْحَابِي فِي جَوَابِهِمْ أَفَغُلِبَ إِلَخْ الِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ لَكِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا نَبِيَّهُمْ أَيْ لَمْ يَقْتَصِرِ الْيَهُودُ بِأَمْثَالٍ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ عَلَى أَصْحَابِي لَكِنَّهُمْ سألوا نبيهم جهرة ي عِيَانًا عَلَيَّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ بِأَعْدَاءِ اللَّهِ أَيِ ائْتِنِي بِهِمْ وَادْعُهُمْ وَهِيَ الدَّرْمَكُ كَجَعْفَرٍ دَقِيقُ الحواري والتراب الناعم (فلما جاؤوا) أَيِ الْيَهُودُ (فَسَكَتُوا هُنَيْهَةً) بِضَمِّ هَاءٍ وَفَتْحِ نُونٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ وَفَتْحِ هَاءٍ أُخْرَى أَيْ زَمَانًا قَلِيلًا (خَبْزَةٌ) أَيْ هِيَ خَبْزَةٌ وَأَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وعليها تسعة عشر قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ مُجَالِدٍ) وَكَذَلِكَ قَالَ الْبَزَّارُ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ وَمُجَالِدٌ هَذَا لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ

[3328] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ) أَبُو الْحَسَنِ العكلي قوله هو أهل التقوى أَيْ هُوَ الْحَقِيقُ بِأَنْ يَتَّقِيَهُ الْمُتَّقُونَ بِتَرْكِ معاصيه والعمل بطاعته وأهل المغفرة أَيْ هُوَ الْحَقِيقُ بِأَنْ يَغْفِرَ لِلْمُؤْمِنِينَ مَا فَرَطَ مِنْهُمْ مِنَ الذُّنُوبِ وَالْحَقِيقُ بِأَنْ يَقْبَلَ تَوْبَةَ التَّائِبِينَ مِنَ الْعُصَاةِ فَيَغْفِرَ ذُنُوبَهُمْ (فَمَنِ اتَّقَانِي) أَيْ خَافَنِي (فَأَنَا أَهْلٌ أَنْ أَغْفِرَ لَهُ) أَيْ لِمَنِ اتَّقَانِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي وبن ماجة والبزار وأبو يعلي وبن أبي حاتم وبن مردويه وأخرج بن مردويه عن أبي هريرة وبن عمر وبن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ 1 - بَاب وَمِنْ سُورَةِ الْقِيَامَةِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ أَرْبَعُونَ آيَةً [3329] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هو بن عُيَيْنَةَ (عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ) الْهَمْدَانِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبِي الْحَسَنِ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَكَانَ بِمَا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ (يُرِيدُ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا التَّحْرِيكِ (أَنْ يَحْفَظَهُ) أَيِ الْقُرْآنَ لَا تحرك به بلسانك لتعجل به أَيْ لَا تُحَرِّكْ بِالْقُرْآنِ لِسَانَكَ عِنْدَ إِلْقَاءِ الْوَحْيِ لِتَأْخُذَهُ عَلَى عَجَلٍ مَخَافَةَ أَنْ يَتَفَلَّتَ مِنْكَ وَمِثْلُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ الاية وبعده

إن علينا جمعه أَيْ فِي صَدْرِكَ حَتَّى لَا يَذْهَبَ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ وَقُرْآنَهُ أَيْ إِثْبَاتَ قِرَاءَتِهِ فِي لِسَانِكَ وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِلنَّهْيِ قَالَ الْفَرَّاءُ الْقِرَاءَةُ القرآن مصدران فإذا قرأناه أَيْ أَتْمَمْنَا قِرَاءَتَهُ عَلَيْكَ بِلِسَانِ جَبْرَائِيلَ عَلَيْهِ السلام وبيناه فأتبع قرآنه فَاسْتَمِعْ قِرَاءَتَهُ وَكَرِّرْهَا حَتَّى يَرْسَخَ فِي ذِهْنِكَ والمعنى لا تسكن قِرَاءَتُكَ مُقَارِنَةً لِقِرَاءَةِ جَبْرَائِيلَ عَلَيْكَ بَلِ اسْكُتْ حَتَّى يُتِمَّ جَبْرَائِيلُ مَا يُوحِي إِلَيْكَ فَإِذَا فَرَغَ جِبْرِيلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ فَخُذْ أَنْتَ فِيهَا وَجَعَلَ قِرَاءَةَ جِبْرِيلَ قِرَاءَتَهُ لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ نَزَلَ الوحي ثم إن علينا بيانه أَيْ تَفْسِيرَ مَا فِيهِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَبَيَانَ مَا أَشْكَلَ مِنْ مَعَانِيهِ (قَالَ فَكَانَ يُحَرِّكُ بِهِ شَفَتَيْهِ وَحَرَّكَ سُفْيَانُ شَفَتَيْهِ) وَفِي رواية للبخاري فقال بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَأَنَا أُحَرِّكُهُمَا لَكَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَرِّكُهُمَا وَقَالَ سَعِيدٌ أَنَا أُحَرِّكُهُمَا كَمَا رأيت بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُحَرِّكُهُمَا فَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ يُسَمَّى بِالْمُسَلْسَلِ بِتَحْرِيكِ الشَّفَةِ لَكِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِسِلْسِلَةٍ وَقَلَّ فِي الْمُسَلْسَلِ الصَّحِيحُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ [3330] قَوْلُهُ إِنَّ أَدْنَى أهل الجنة منزلة الخ مضى هَذَا الْحَدِيثِ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ رُؤْيَةِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ أَبْوَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ باب وَمِنْ سُورَةِ عَبَسَ وَتُسَمَّى سُورَةَ السَّفَرَةِ وَسُورَةَ الْأَعْمَى مَكِّيَّةٌ وَهِيَ إِحْدَى أَوِ اثْنَتَانِ وَأَرْبَعُونَ آيَةً [3331] قَوْلُهُ (هَذَا مَا عَرَضْنَا عَلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ) أَيْ هَذَا مَا قَرَأْنَاهُ عَلَى هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَهُوَ يَسْمَعُ قَوْلَهُ عَبَسَ أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ

72 - عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَحَ وَجْهُهُ وَقَطَبَ وَتَوَلَّى أَيْ أعرض (في بن أُمِّ مَكْتُومٍ) اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ زَائِدَةَ وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ قَيْسِ بْنِ زَائِدَةَ وَقِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ وَأُمُّ مَكْتُومٍ أمه (أتى) أي بن أُمِّ مَكْتُومٍ (أَرْشِدْنِي) أَيْ عَلِّمْنِي (يُعْرِضُ عَنْهُ) أي عن بن أُمِّ مَكْتُومٍ (وَيَقُولُ) أَيْ لِلرَّجُلِ الْمُشْرِكِ أَتَرَى بِمَا أَقُولُ أَيْ مِنَ التَّوْحِيدِ بَأْسًا أَيْ ضَرَرًا وَحَرَجًا (فَيَقُولُ لَا) وَفِي رِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ وَيَقُولُ يَا أَبَا فُلَانٍ هَلْ تَرَى بِمَا أَقُولُ بَأْسًا فَيَقُولُ لَا وَالدِّمَاءِ مَا أَرَى بِمَا تَقُولُ بَأْسًا وَالدِّمَاءُ جَمْعُ دُمْيَةٍ وَهِيَ الصُّورَةُ يُرِيدُ بِهَا الْأَصْنَامَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حسن غريب) وأخرجه بن حبان وأبو يعلي وبن جَرِيرٍ (وَرَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أُنْزِلَ عَبَسَ وتولى إِلَخْ) رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ [3332] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ) السَّدُوسِيُّ الْمُلَقَّبُ بِعَارِمٍ (أَخْبَرَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ) الْأَحْوَلُ (عَنْ هِلَالِ بْنِ خَبَّابٍ) الْعَبْدِيِّ الْبَصْرِيِّ قَوْلُهُ تُحْشَرُونَ حُفَاةً بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ جَمْعُ حَافٍ أَيْ بِلَا خُفٍّ وَلَا نَعْلٍ عُرَاةً بِضَمِّ الْعَيْنِ جَمْعُ عَارٍ وَهُوَ الَّذِي لَا سِتْرَ لَهُ غُرْلًا بضم (الغين

الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ جَمْعُ أَغْرَلَ وَهُوَ الْأَقْلَفُ أَيْ غَيْرَ مَخْتُونِينَ أَيُبْصِرُ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنَ الْإِبْصَارِ أَوْ يَرَى شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي لِكُلِّ امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه أَيْ لِكُلِّ إِنْسَانٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَالٌ يَشْغَلُهُ عَنْ شَأْنِ غَيْرِهِ وَيَصْرِفُهُ عَنْهُ أَيْ يَشْتَغِلُ كُلُّ وَاحِدٍ بِنَفْسِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن أَبِي حَاتِمٍ 3 - بَاب وَمِنْ سُورَةِ إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَتُسَمَّى سُورَةَ التَّكْوِيرِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ آيَةً [3333] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ بن يَزِيدَ الصَّنْعَانِيُّ) أَبُو مُحَمَّدٍ الْقَاصُّ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ مَنْ سَرَّهُ أَيْ أَعْجَبَهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَيْ أَحْوَالِهِ وَأَنْ يَطَّلِعَ فِي أَهْوَالِهِ كَأَنَّهُ رَأْيَ عَيْنٍ تَقُولُ جَعَلْتُ الشَّيْءَ رَأْيَ عَيْنِكَ وَبِمَرْأًى مِنْكَ أَيْ حِذَاءَكَ وَمُقَابِلَكَ بِحَيْثُ تَرَاهُ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ كَأَنَّهُ يَرَاهُ رَأْيَ الْعَيْنِ فَلْيَقْرَأْ إذا الشمس كورت قال الحافظ بن كَثِيرٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عباس إذا الشمس كورت يَعْنِي أَظْلَمَتْ وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنْهُ ذَهَبَتْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ اضْمَحَلَّتْ وَذَهَبَتْ وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ وَقَالَ قتادة ذهب ضوؤها وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ كُوِّرَتْ غُوِّرَتْ وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ كُوِّرَتْ يَعْنِي رُمِيَ بِهَا وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ كُوِّرَتْ أُلْقِيَتْ وَعَنْهُ أَيْضًا نُكِّسَتْ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ تَقَعُ فِي الأرض قال بن جَرِيرٍ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ التَّكْوِيرَ جَمْعُ الشَّيْءِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ وَمِنْهُ تَكْوِيرُ الْعِمَامَةِ وَجَمْعُ الثِّيَابِ

بَعْضِهَا إِلَى بَعْضٍ فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى كُوِّرَتْ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ ثُمَّ لُفَّتْ فَرُمِيَ بِهَا وإذا فعل بها ذلك ذهب ضوؤها انتهى كلام الحافظ بن كثير وإذا السماء انفطرت أي انشقت وإذا السماء انشقت أَيِ انْصَدَعَتْ وَالْمُرَادُ هَذِهِ السُّوَرُ فَإِنَّهَا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْرِ أَحْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَهْوَالِهِ وَحَدِيثُ بن عُمَرَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ وصححه وبن مردويه 4 - باب وَمِنْ سُورَةِ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ مَدَنِيَّةٌ فِي قَوْلٍ وَمَكِّيَّةٌ فِي قَوْلٍ وَقِيلَ فِيهَا ثَمَانِ آيَاتٍ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا إِلَى آخِرِهَا وَقِيلَ فِيهَا آيَةٌ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أساطير الأولين وَقِيلَ إِنَّهَا نَزَلَتْ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ زَمَنَ الْهِجْرَةِ وَهِيَ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ آيَةً [3334] قَوْلُهُ إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا أَذْنَبَ ذَنْبًا نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ النَّكْتِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ أَنْ تَضْرِبَ فِي الْأَرْضِ بِقَضِيبٍ فَيُؤَثِّرَ فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ أَيْ جُعِلَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ أَيْ أَثَرٌ قَلِيلٌ كَالنُّقْطَةِ شَبَهُ الوسخ في المرآة والسيف ونحوهما وقال القارىء أَيْ كَقَطْرَةِ مِدَادٍ تَقْطُرُ فِي الْقِرْطَاسِ وَيَخْتَلِفُ عَلَى حَسَبِ الْمَعْصِيَةِ وَقَدْرِهَا وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ وَالتَّشْبِيهِ حَيْثُ قِيلَ شَبَّهَ الْقَلْبَ بِثَوْبٍ فِي غَايَةِ النَّقَاءِ وَالْبَيَاضِ وَالْمَعْصِيَةَ بِشَيْءٍ فِي غَايَةِ السَّوَادِ أَصَابَ ذَلِكَ الْأَبْيَضَ فَبِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ يُذْهِبُ ذَلِكَ الْجَمَالَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الْإِنْسَانُ إِذَا أَصَابَ الْمَعْصِيَةَ صَارَ كَأَنَّهُ حَصَلَ ذَلِكَ السَّوَادُ فِي ذَلِكَ الْبَيَاضِ فَإِذَا هُوَ أَيِ الْعَبْدُ نَزَعَ أَيْ نَفْسَهُ عَنِ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَاسْتَغْفَرَ أَيْ سَأَلَ اللَّهَ الْمَغْفِرَةَ وَتَابَ أَيْ مِنَ الذَّنْبِ سُقِلَ قَلْبُهُ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ صُقِلَ بِالصَّادِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ السَّقَلُ الصَّقَلُ وَقَالَ فِيهِ صَقَلَهُ جَلَّاهُ انْتَهَى وَالْمَعْنَى نَظَّفَ وَصَفَّى مِرْآةَ قَلْبِهِ لِأَنَّ التَّوْبَةَ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْقَلَةِ تَمْحُو وَسَخَ الْقَلْبِ وَسَوَادَهُ حَقِيقِيًّا أَوْ تَمْثِيلِيًّا وَإِنْ عَادَ أَيِ الْعَبْدُ فِي الذَّنْبِ وَالْخَطِيئَةِ زِيدَ فِيهَا أَيْ فِي النُّكْتَةِ السَّوْدَاءِ حَتَّى تَعْلُوَ أَيِ لِلنَّكْتِ قَلْبَهُ أَيْ تُطْفِئَ نُورَ قَلْبِهِ فَتُعْمِيَ بَصِيرَتَهُ وَهُوَ الْأَثَرُ المستفنح الْمُسْتَعْلَى الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ أَيْ فِي كِتَابِهِ وَأَدْخَلَ اللَّامَ عَلَى رَانَ وَهُوَ فِعْلٌ إِمَّا لِقَصْدِ حِكَايَةِ اللَّفْظِ وَإِجْرَائِهِ مَجْرَى الِاسْمِ وَإِمَّا لِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْمَصْدَرِ كَلَّا

بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ قال الحافظ بن كَثِيرٍ أَيْ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا وَلَا كَمَا قَالُوا إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ بَلْ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ وَوَحْيُهُ وَتَنْزِيلُهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا حَجَبَ قُلُوبَهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ مَا عَلَيْهَا مِنَ الرَّانِ الَّذِي قَدْ لَبِسَ قُلُوبَهُمْ مِنْ كَثْرَةِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا وَالرَّيْنُ يَعْتَرِي قُلُوبَ الْكَافِرِينَ وَالْغَيْمُ لِلْأَبْرَارِ وَالْغَيْنُ لِلْمُقَرَّبِينَ انْتَهَى قُلْتُ أَصْلُ الرَّانِ وَالرَّيْنِ الْغِشَاوَةُ وَهُوَ كَالصَّدَأِ عَلَى الشَّيْءِ الصَّقِيلِ قَالَ الطِّيبِيُّ الرَّانُ وَالرَّيْنُ سَوَاءٌ كَالْعَابِ وَالْعَيْبِ وَالْآيَةُ فِي الْكُفَّارِ إِلَّا أَنَّ الْمُؤْمِنَ بِارْتِكَابِ الذَّنْبِ يُشْبِهُهُمْ فِي اسْوِدَادِ الْقَلْبِ وَيَزْدَادُ ذَلِكَ بإزدياد الذنب قال بن الْمَلَكِ هَذِهِ الْآيَةُ مَذْكُورَةٌ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ لَكِنْ ذَكَرَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَخْوِيفًا للمؤمنين كي يحترزوا عن كثرة الذنب كيلا تَسْوَدَّ قُلُوبُهُمْ كَمَا اسْوَدَّتْ قُلُوبُ الْكُفَّارِ وَلِذَا قِيلَ الْمَعَاصِي بَرِيدُ الْكُفْرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي وبن ماجة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ [3335] قَوْلُهُ (عَنْ أَيُّوبَ) بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيِّ يَقُومُونَ فِي الرَّشَحِ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ فِي الْعَرَقِ وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ في أوائل صفة القيامة [3336] قوله (حدثنا عيسى بن يونس) السبيعي الكوفي (عن بن عَوْنٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَرْطَبَانَ قَوْلُهُ إِلَى أَنْصَافِ أُذُنَيْهِ هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْجَمْعِ إِلَى الْجَمْعِ حَقِيقَةً وَمَعْنًى لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ أُذُنَيْنِ قَالَهُ الْعَيْنِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَيْ وَفِي مَعْنَى حديث بن عُمَرَ الْمَذْكُورِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْرَقُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَذْهَبَ عَرَقُهُمْ فِي الْأَرْضِ سَبْعِينَ ذِرَاعًا وَيُلَجِّمُهُمْ حَتَّى يَبْلُغَ آذَانَهُمْ 5 - بَاب وَمِنْ سُورَةِ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَتُسَمَّى سُورَةَ الِانْشِقَاقِ مكية وهي

ثَلَاثٌ أَوْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ آيَةً [3337] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنِ نُوقِشَ الْحِسَابَ إِلَخْ سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ الْعَرْضِ مِنْ أَبْوَابِ صِفَةِ الْقِيَامَةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْهَمْدَانِيُّ) ضُبِطَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ بِالْقَلَمِ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيرِ مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَسَدِيُّ الْهَمَدَانِيُّ بِالتَّحْرِيكِ الْجَلَّابُ بِالْجِيمِ كُوفِيُّ الْأَصْلِ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ وَوَقَعَ فِي الْخُلَاصَةِ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَ فِي الْمُغْنِي الهمداني بميم ومعجمة مفتوحتين منه مران بْنُ حَمُّوَيْهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْمِصْرِيُّ فِي كِتَابٍ مُشْتَبَهُ النِّسْبَةِ وَأَمَّا الْهَمَذَانِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ فَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَصْرَمُ بْنُ حَوْشَبٍ وَالْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَازِنُ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْهَمْدَانِيُّ الَّذِي يَرْوِي عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ انْتَهَى (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي بَكْرِ) بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَسْفَذْنِيُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا نُونٌ قَبْلَ يَاءِ النِّسْبَةِ نِسْبَةً إِلَى قَرْيَةٍ بِمَرْوَ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ

وَكَانَ عَابِدًا مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ هَمَّامِ) بْنِ يَحْيَى الْأَزْدِيِّ الْعَوْذِيِّ [3338] قَوْلُهُ مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ مَنْ حُوسِبَ بِالْمُنَاقَشَةِ كَمَا يَدُلُّ لَهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ (لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عَلِيِّ بْنِ أبي بكر أورد له بن عَدِيٍّ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَنْ حُوسِبَ عُذِّبَ وَقَالَ هُوَ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ مَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ عَنْ هَمَّامٍ عن أيوب عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ لَا أَعْرِفُ لَهُ خَطَأً غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ الْوَاحِدِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرَّاوِي عَنْهُ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ الْهَمْدَانِيِّ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدٍ وَاسْتَغْرَبَهُ انْتَهَى 6 - باب وَمِنْ سُورَةِ الْبُرُوجِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ آيَةً [3339] قَوْلُهُ (عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ) الرَّبَذِيِّ (عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدِ) بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أَوْسِ بْنِ جَابِرٍ الْأَنْصَارِيِّ الْمَدَنِيِّ ثُمَّ الْبَرْقِيِّ ويعرف بابن أبي أيوب لينه بن حَجَرٍ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ كَذَا قَالَ الْخَزْرَجِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَأَرَادَ بِابْنِ حَجَرٍ الحافظ بن حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيَّ قَوْلُهُ الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ أَيِ الْمَذْكُورُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لِأَنَّ اللَّهَ وَعَدَ بِهِ النَّاسَ وَالْيَوْمُ الْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ لِأَنَّ النَّاسَ يَشْهَدُونَهُ أَيْ يَحْضُرُونَهُ وَيَجْتَمِعُونَ فِيهِ وَالشَّاهِدُ يَوْمُ

الْجُمُعَةِ أَيْ يَشْهَدُ لِمَنْ حَضَرَ صَلَاتَهُ أَفْضَلَ مِنْهُ أَيْ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ شَيْءٍ وفي بعض النسخ من شر قوله (هذاحديث لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُوسَى إِلَخْ) وأخرجه أحمد وبن أبي حاتم وبن خُزَيْمَةَ [3340] قَوْلُهُ (عَنْ صُهَيْبِ) بْنِ سِنَانٍ الرُّومِيِّ الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ قَوْلُهُ (هَمَسَ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَيْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ خَفِيٍّ (وَالْهَمْسُ فِي قَوْلِ بعضهم يحرك شَفَتَيْهِ كَأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ) تَفْسِيرُ الْهَمْسِ هَذَا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْهَمْسُ الْكَلَامُ الْخَفِيُّ لَا يَكَادُ يُفْهَمُ كَانَ أُعْجِبَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِعْجَابِ بِأُمَّتِهِ أَيْ مِنْ جِهَةِ الْكَثْرَةِ يُقَالُ أُعْجِبَ بِالشَّيْءِ سَرَّهُ الشَّيْءُ وَعَجِبَ مِنْهُ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَيْ ذَلِكَ النَّبِيِّ أَنْ خَيِّرْهُمْ بَيْنَ أَنْ أَنْتَقِمَ مِنْهُمْ أَيْ أُعَاقِبَهُمْ فَاخْتَارُوا النِّقْمَةَ بِالْكَسْرِ وَبِالْفَتْحِ وَكَفَرْحَةٍ هِيَ الْمُكَافَأَةُ بِالْعُقُوبَةِ اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ صُهَيْبٍ هَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا مُخْتَصَرًا مُجْمَلًا وَرَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مُطَوَّلًا مُفَصَّلًا فَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى همس

شَيْئًا لَا أَفْهَمُهُ وَلَا يُخْبِرُنَا بِهِ قَالَ أَفَطِنْتُمْ لِي قُلْنَا نَعَمْ قَالَ إِنِّي ذَكَرْتُ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أُعْطِيَ جُنُودًا مِنْ قَوْمِهِ فَقَالَ مَنْ يُكَافِئُ هَؤُلَاءِ أَوْ مَنْ يَقُومُ لِهَؤُلَاءِ أَوْ غَيْرَهَا مِنَ الْكَلَامِ فَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنِ اخْتَرْ لِقَوْمِكَ إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ نُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ أَوِ الْجُوعَ أَوِ الْمَوْتَ فَاسْتَشَارَ قَوْمَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ فَكُلُّ ذَلِكَ إِلَيْكَ خِرْ لَنَا فَقَامَ إِلَى الصَّلَاةِ وَكَانُوا إِذَا فَزِعُوا فَزِعُوا إِلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى مَا شَاءَ اللَّهُ قَالَ ثُمَّ قَالَ أَيْ رَبِّ أَمَّا عَدُوٌّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَلَا أَوِ الْجُوعُ فَلَا وَلَكِنِ الْمَوْتُ فَسُلِّطَ عَلَيْهِمُ الْمَوْتُ فَمَاتَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا فَهَمْسِي الَّذِي تَرَوْنَ أَنِّي أَقُولُ اللَّهُمَّ بِكَ أُقَاتِلُ وَبِكَ أُصَاوِلُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ أَيَّامَ حُنَيْنٍ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ بِشَيْءٍ لَمْ نَكُنْ نَرَاهُ يَفْعَلُهُ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرَاكَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ فَمَا هَذَا الَّذِي تُحَرِّكُ شَفَتَيْكَ قَالَ إِنَّ نَبِيًّا فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَعْجَبَتْهُ كَثْرَةُ أُمَّتِهِ فَقَالَ لَنْ يَرُومَ هَؤُلَاءِ شَيْءٌ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ خَيِّرْ أُمَّتَكَ بَيْنَ إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ نُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَيَسْتَبِيحَهُمْ أَوِ الْجُوعَ وَإِمَّا أَنْ أُرْسِلَ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ فَشَاوَرَهُمْ فَقَالُوا أَمَّا الْعَدُوُّ فَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِمْ وَأَمَّا الْجُوعُ فَلَا صَبْرَ لَنَا عَلَيْهِ وَلَكِنِ الْمَوْتُ فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الْمَوْتَ فَمَاتَ مِنْهُمْ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ سَبْعُونَ أَلْفًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنَا أَقُولُ الْآنَ حَيْثُ رَأَى كَثْرَتَهُمُ اللَّهُمَّ بِكَ أُحَاوِلُ وَبِكَ أُصَاوِلُ وَبِكَ أقاتل (قال وكان إذا حدث بها الْحَدِيثِ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْآخَرِ قَالَ كَانَ ملك من الملوك الخ) قال الحافظ بن كَثِيرٍ وَهَذَا السِّيَاقُ لَيْسَ فِيهِ صَرَاحَةٌ أَنَّ سِيَاقَ هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ صُهَيْبٍ الرُّومِيِّ فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْ أَخْبَارِ النَّصَارَى انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ صَرَّحَ بِرَفْعِ الْقِصَّةِ بِطُولِهَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ صُهَيْبٍ وَمِنْ طَرِيقِهِ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ وَوَقَفَهَا مَعْمَرٌ عَنْ ثَابِتٍ وَمِنْ طَرِيقِهِ أَخْرَجَهَا التِّرْمِذِيُّ انْتَهَى قُلْتُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ صُهَيْبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ مَلِكٌ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ إِلَخْ (غُلَامًا فَهِمًا) أَيْ سَرِيعَ الْفَهْمِ (أَوْ قَالَ فَطِنًا) أَيْ حَاذِقًا (لَقِنًا) أَيْ حَسَنَ التَّلَقُّنِ لِمَا يَسْمَعُهُ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ الثَّلَاثَةُ بِوَزْنِ كَتِفٍ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْفَوْقِيَّةِ (فَنَظَرُوا لَهُ) أَيْ لِلْكَاهِنِ (عَلَى مَا وَصَفَ) أَيْ ذَكَرَ لَهُمُ الْكَاهِنُ (فَأَمَرُوهُ) أَيْ فَوَجَدُوا غُلَامًا

عَلَى مَا وَصَفَهُ فَأَمَرُوهُ (وَأَنْ يَخْتَلِفَ إِلَيْهِ) أَيْ يَتَرَدَّدُ إِلَيْهِ (رَاهِبٌ فِي صَوْمَعَةٍ) الرَّاهِبُ وَاحِدُ رُهْبَانِ النَّصَارَى وَهُوَ مَنِ اعْتَزَلَ عَنِ النَّاسِ إِلَى دَيْرٍ طَلَبًا لِلْعِبَادَةِ وَالصَّوْمَعَةُ كَجَوْهَرَةٍ بَيْتٌ لِلنَّصَارَى يَنْقَطِعُ فِيهِ رُهْبَانُهُمْ (قَالَ مَعْمَرٌ أَحْسَبُ أَنَّ أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ كَانُوا يَوْمَئِذٍ مُسْلِمِينَ) كما يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ هَذِهِ الْقِصَّةِ (فَلَمْ يَزَلْ بِهِ) أَيِ الْغُلَامُ بِالرَّاهِبِ (قَالَ فَأَخَذَ الْغُلَامُ حَجَرًا) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَقَالَ الْيَوْمَ أَعْلَمُ السَّاحِرُ أَفْضَلُ أَمِ الرَّاهِبُ أَفْضَلُ فَأَخَذَ حَجَرًا (قَالَ فَسَمِعَ بِهِ أَعْمَى) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَأَتَى الرَّاهِبَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ أَيْ بُنَيَّ أَنْتَ الْيَوْمَ أَفْضَلُ مِنِّي قَدْ بَلَغَ مِنْ أَمْرِكَ مَا أَرَى وَإِنَّكَ سَتُبْتَلَى فَإِنِ ابْتُلِيَتْ فَلَا تَدُلَّ عَلَيَّ وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَيُدَاوِي النَّاسَ مِنْ سَائِرِ الْأَدْوَاءِ فَسَمِعَ جَلِيسٌ لِلْمَلِكِ كَانَ قَدْ عَمِيَ فَأَتَاهُ بهدايا كثيرة (لأقتلن كل واحد منكم قتلة) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ بِنَوْعٍ مِنَ الْقَتْلِ (لَا أَقْتُلُ بِهَا صَاحِبَهُ) صِفَةٌ لِقَوْلِهِ قِتْلَةً (فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ آلَةٌ ذَاتُ أَسْنَانٍ يُنْشَرُ بِهَا الْخَشَبُ وَنَحْوُهُ (عَلَى مَفْرَقِ أَحَدِهِمَا) الْمَفْرَقُ كَمَقْعَدٍ وَمَجْلِسٍ وَسَطُ الرَّأْسِ وَهُوَ الَّذِي يُفْرَقُ فِيهِ الشَّعْرُ (وَقَتَلَ الْآخَرَ بِقِتْلَةٍ أُخْرَى) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَجِيءَ بِالرَّاهِبِ

فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَدَعَا بِالْمِنْشَارِ فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرَقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ ثُمَّ جِيءَ بِجَلِيسِ الْمَلِكِ فَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ فَأَبَى فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ فِي مَفْرَقِ رَأْسِهِ فَشَقَّهُ بِهِ حَتَّى وَقَعَ شِقَّاهُ فَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ هَذِهِ تُخَالِفُ رِوَايَةَ التِّرْمِذِيِّ مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً وَلَمْ يَظْهَرْ لِي وَجْهُ الْجَمْعِ فَتَفَكَّرْ وَتَأَمَّلْ (جَعَلُوا يَتَهَافَتُونَ مِنْ ذَلِكَ الْجَبَلِ) أَيْ يَتَسَاقَطُونَ مِنْهُ (وَيَتَرَدَّوْنَ) مِنَ التَّرَدِّي أَيْ يَسْقُطُونَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَصَعِدُوا بِهِ الْجَبَلَ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ بِمَا شِئْتَ فَرَجَفَ بِهِمُ الْجَبَلُ فَسَقَطُوا (فَانْطُلِقَ بِهِ إِلَى الْبَحْرِ فَغَرَّقَ اللَّهُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَأَنْجَاهُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَذَهَبُوا بِهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اكفنيهم بم شِئْتَ فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ فَغَرِقُوا وَجَاءَ يَمْشِي إِلَى الْمَلِكِ (حَتَّى تَصْلُبَنِي) أَيْ عَلَى جِذْعٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ صَلَبَهُ كَضَرَبَهُ جَعَلَهُ مَصْلُوبًا كَصَلَّبَهُ (فَوَضَعَ الْغُلَامُ يَدَهُ عَلَى صُدْغِهِ حِينَ رُمِيَ ثُمَّ مَاتَ) وفي رواية مسلم ثم رماه فوضع السَّهْمُ فِي صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِي صُدْغِهِ فِي مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ (أَجَزِعْتَ) بِكَسْرِ الزَّايِ مِنَ الْجَزَعِ مُحَرَّكَةٌ وَهُوَ نَقِيضُ الصَّبْرِ (أَنْ خالفك ثلاثة) أي الأعمى والراهب والغلام (فخذ) أَيْ شَقَّ (أُخْدُودًا) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ الشَّقُّ الْعَظِيمُ وَجَمْعُهُ أَخَادِيدُ (يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ) أَيْ فِي شَأْنِ هَذِهِ الْقِصَّةِ قُتِلَ أَيْ لُعِنَ وَهُوَ جَوَابُ الْقَسَمِ وَقِيلَ جوابه إن بطش ربك لشديد أصحاب الأخدود أَيِ الْمَلِكُ الَّذِي خَدَّ الْأُخْدُودَ وَأَصْحَابُهُ النَّارِ بدل اشتمال من الأخدود ذات الوقود وَصْفٌ لَهَا بِأَنَّهَا عَظِيمَةٌ لَهَا مَا يَرْتَفِعُ بِهِ لَهَبُهَا مِنَ الْحَطَبِ الْكَثِيرِ وَأَبْدَانِ النَّاسِ وبعده إذ ظرف لقتل أَيْ لُعِنُوا حِينَ أَحْرَقُوا بِالنَّارِ قَاعِدِينَ حَوْلَهَا

هُمْ عَلَيْهَا أَيْ حَوْلَهَا عَلَى جَانِبِ الْأُخْدُودِ قُعُودٌ أَيْ جُلُوسٌ عَلَى الْكَرَاسِيِّ وَهُمْ أَيِ الَّذِينَ خَدُّوا الْأُخْدُودَ وَهُمُ الْمَلِكُ وَأَصْحَابُهُ عَلَى ما يفعلون بالمؤمنين بِاللَّهِ مِنْ تَعْذِيبِهِمْ بِالْإِلْقَاءِ فِي النَّارِ إِنْ لَمْ يَرْجِعُوا عَنْ إِيمَانِهِمْ شُهُودٌ أَيْ حُضُورٌ رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ أَنْجَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُلْقَيْنَ فِي النَّارِ بِقَبْضِ أَرْوَاحِهِمْ قَبْلَ وُقُوعِهِمْ فِيهَا فَخَرَجَتِ النَّارُ إِلَى مَنْ ثَمَّ فَأَحْرَقَتْهُمْ وَمَا نَقَمُوا منهم إلا أن يؤمنوا أَيْ مَا عَابُوا مِنْهُمْ وَمَا أَنْكَرُوا إِلَّا الْإِيمَانَ كَقَوْلِهِ وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ بِاللَّهِ العزيز الحميد) ذَكَرَ الْأَوْصَافَ الَّتِي يَسْتَحِقُّ بِهَا أَنْ يُؤْمَنَ بِهِ وَهُوَ كَوْنُهُ عَزِيزًا غَالِبًا قَادِرًا يُخْشَى عِقَابُهُ حَمِيدًا مُنْعِمًا يَجِبُ لَهُ الْحَمْدُ عَلَى نِعْمَتِهِ وَيُرْجَى ثَوَابُهُ (قَالَ فَيُذْكَرُ أَنَّهُ أُخْرِجَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَخْ) قَالَ بن إِسْحَاقَ وَحَدَّثَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ حَدَّثَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَانَ زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَفَرَ خُرْبَةً مِنْ خُرَبِ نَجْرَانَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَوُجِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ التَّامِرِ تَحْتَ دَفْنٍ فِيهَا قَاعِدًا وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى ضَرْبَةٍ فِي رَأْسِهِ مُمْسِكًا عَلَيْهَا بِيَدِهِ فَإِذَا أُخِذَتْ يَدُهُ عَنْهَا انْبَعَثَ دَمًا وَإِذَا أُرْسِلَتْ يَدُهُ رُدَّتْ عَلَيْهَا فَأَمْسَكَتْ دَمَهَا وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ مَكْتُوبٌ فِيهِ رَبِّي اللَّهُ فَكَتَبَ فِيهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُخْبِرُهُ بِأَمْرِهِ فَكَتَبَ عُمَرُ إِلَيْهِمْ أَنْ أَقِرُّوهُ عَلَى حَالِهِ وَرُدُّوا عَلَيْهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَفَعَلُوا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ مِنْهُ 7 - باب وَمِنْ سُورَةِ الْغَاشِيَةِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ سِتٌّ وَعِشْرُونَ آيَةً [3341] قَوْلُهُ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَخْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ

الإيمان إنما أنت مذكر أَيْ لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا التَّذْكِيرُ وَالْوَعْظُ لَسْتَ عليهم بمصيطر وَفِي قِرَاءَةٍ بِالسِّينِ بَدَلَ الصَّادِ أَيْ بِمُسَلَّطٍ حَتَّى تُكْرِهَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ مَعْنَاهُ إِنَّمَا أَنْتَ وَاعِظٌ وَلَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ إِذْ ذَاكَ إِلَّا بِالتَّذْكِيرِ ثُمَّ أُمِرَ بَعْدُ بِالْقِتَالِ وَالْمُسَيْطِرُ الْمُسَلَّطُ وَقِيلَ الْجَبَّارُ وَقِيلَ الرَّبُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ 8 - بَاب وَمِنْ سُورَةِ الْفَجْرِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَلَاثُونَ آيَةً وَقِيلَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ [3342] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ) الْفَلَّاسُ (وَأَبُو دَاوُدَ) الطَّيَالِسِيُّ (قَالَا أَخْبَرَنَا هَمَّامُ) بن يحي الْأَزْدِيُّ الْعَوْذِيُّ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ) الضُّبَعِيِّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَبِي عُمَارَةَ الْبَصْرِيِّ وَالِدِ أَبِي جَمْرَةَ بِالْجِيمِ قُتِلَ يَوْمَ الزَّاوِيَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ مِنَ الثَّانِيَةِ وَقِيلَ لَهُ صُحْبَةً كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَقِيلَ عَنْ رَجُلٍ عَنْهُ فِي ذِكْرِ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ وَرَوَى عَنْهُ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ بَعْضُهَا شَفْعٌ كَالرُّبَاعِيَّةِ وَالثُّنَائِيَّةِ وَبَعْضُهَا وَتْرٌ كَالْمَغْرِبِ فَإِنَّهَا ثَلَاثٌ وَهِيَ وَتْرُ النَّهَارِ وَكَذَلِكَ صَلَاةُ الْوَتْرِ فِي آخِرِ التَّهَجُّدِ مِنَ اللَّيْلِ وَفِيهِ أن المراد بقوله تعالى والشفع والوتر الشَّفْعُ مِنَ الصَّلَاةِ وَالْوَتْرُ مِنْهَا لَكِنِ الْحَدِيثُ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَهُوَ الرَّاوِي لَهُ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَقِيلَ الْمُرَادُ شَفْعُ كُلِّ الْأَشْيَاءِ وَوَتْرُهَا كَالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالسَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَالْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَقِيلَ شَفْعُ اللَّيَالِي وَوَتْرُهَا وَقِيلَ الشَّفْعُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَالْوَتْرُ لَيْلَةُ يَوْمِ النَّحْرِ وَقِيلَ الشَّفْعُ الْخَلْقُ وَالْوَتْرُ اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ وَقِيلَ الشَّفْعُ عَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ وَالْوَتْرُ أَيَّامُ مِنًى الثَّلَاثَةُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ الْعَدَدُ كُلُّهُ لِأَنَّ الْعَدَّ لَا يَخْلُو عَنْهُمَا وَقِيلَ الشَّفْعُ

الْحَيَوَانُ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى وَالْوَتْرُ الْجَمَادُ وَفِيهِ أَقْوَالٌ أُخْرَى ذَكَرَهَا صَاحِبُ فَتْحِ الْبَيَانِ وَقَالَ وَلَا يَخْفَاكَ مَا فِي غَالِبِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مِنَ السُّقُوطِ الْبَيِّنِ وَالضَّعْفِ الظَّاهِرِ وَالِاتِّكَالِ فِي التَّعْيِينِ عَلَى مُجَرَّدِ الرَّأْيِ الزَّائِفِ وَالَّذِي يَنْبَغِي التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَعْنَى الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَهُمَا مَعْرُوفَانِ وَاضِحَانِ فَالشَّفْعُ عِنْدَ الْعَرَبِ الزَّوْجُ وَالْوَتْرُ الْفَرْدُ فَالْمُرَادُ بِالْآيَةِ إِمَّا نَفْسُ الْعَدَدِ أَوْ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مِنَ الْمَعْدُودَاتِ بِأَنَّهُ شَفْعٌ أَوْ وَتْرٌ وَإِذَا قَامَ دَلِيلٌ عَلَى تَعْيِينِ شَيْءٍ مِنَ الْمَعْدُودَاتِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ نَفْسُهُ دُونَ غَيْرِهِ فَذَاكَ وَإِنْ كَانَ الدَّلِيلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِمَّا تَنَاوَلَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ تَنَاوُلِهَا لِغَيْرِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن جَرِيرٍ وَفِي سَنَدِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ (وَقَدْ رَوَاهُ خالد بن قيس الحداني أيضا عن قتادة) رواه بن جَرِيرٍ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ قَالَ أَخْبَرَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ قَيْسٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ عِصَامٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْقَطَ ذِكْرَ الرَّجُلِ الْمُبْهَمِ وَخَالِدُ بْنُ قَيْسٍ هَذَا هُوَ خَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ رَبَاحٍ الْأَزْدِيُّ الْحُدَّانِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يغرب من السابعة وقال الحافظ بن كَثِيرٍ وَعِنْدِي أَنَّ وَقْفَهُ عَلَى عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْقُوفًا على عمران فهذا يقوي ما قاله بن كثير 9 - باب من سُورَةِ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا مَكِّيَّةٌ وَهِيَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً [3343] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ) بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ الْقُرَشِيِّ الْأَسَدِيِّ صَحَابِيٌّ مَشْهُورٌ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ الدَّارِ مَعَ عُثْمَانَ قَوْلُهُ (يَذْكُرُ النَّاقَةَ) أَيِ الْمَذْكُورَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ وسقياها وَهِيَ نَاقَةُ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ (وَالَّذِي عَقَرَهَا) أَيْ وَيَذْكُرُ الَّذِي عَقَرَ

النَّاقَةَ أَيْ ضَرَبَ قَوَائِمَهَا بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا وَهُوَ قَدَّارُ بْنُ سَالِفٍ وَهُوَ أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فعقر وذكر بن إِسْحَاقَ فِي الْمُبْتَدَأِ وَغَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ سَبَبَ عَقْرِهِمُ النَّاقَةَ أَنَّهُمْ كَانُوا اقْتَرَحُوهَا عَلَى صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَأَجَابَهُمْ إِلَى ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَعَنَّتُوا فِي وَصْفِهَا فَأَخْرَجَ اللَّهُ لَهُ نَاقَةً مِنْ صَخْرَةٍ بِالصِّفَةِ الْمَطْلُوبَةِ فَآمَنَ بَعْضٌ وَكَفَرَ بَعْضٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ يَتْرُكُوا النَّاقَةَ تَرْعَى حَيْثُ شَاءَتْ وَتَرِدَ الْمَاءَ يَوْمًا بَعْدَ يَوْمٍ وَكَانَتْ إِذَا وَرَدَتْ تَشْرَبُ مَاءَ الْبِئْرِ كُلَّهُ وَكَانُوا يَرْفَعُونَ حَاجَتَهُمْ مِنَ الْمَاءِ فِي يَوْمِهِمْ لِلْغَدِ ثُمَّ ضَاقَ بِهِمُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ فَانْتُدِبَ تِسْعَةُ رَهْطٍ مِنْهُمْ قَدَّارٌ الْمَذْكُورُ فَبَاشَرَ عَقْرَهَا فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ صَالِحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْلَمَهُمْ بِأَنَّ الْعَذَابَ سَيَقَعُ بِهِمْ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَوَقَعَ كَذَلِكَ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتعالى في كتابه وأخرج أحمد وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ أَنَّ النَّاقَةَ كَانَتْ تَرِدُ يَوْمَهَا فَتَشْرَبُ جَمِيعَ الْمَاءِ وَيَحْتَلِبُونَ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي كَانَتْ تَشْرَبُ وَفِي سَنَدِهِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ وَفِي رِوَايَتِهِ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ ضَعْفٌ وَهَذَا مِنْهَا كَذَا فِي الفتح إذ انبعث أَيْ قَامَ وَأَسْرَعَ أَشْقَاهَا أَيْ أَشْقَى ثَمُودَ وَهُوَ قَدَّارُ بْنُ سَالِفٍ انْبَعَثَ لَهَا أَيْ لِعَقْرِ النَّاقَةِ بِرِضَائِهِمْ رَجُلٌ عَارِمٌ بِالْعَيْنِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ أَيْ صَعْبٌ عَلَى مَنْ يَرُومُهُ كَثِيرُ الشَّهَامَةِ وَالشَّرِّ عَزِيزٌ أَيْ شَدِيدٌ قَوِيٌّ وَقِيلَ قَلِيلُ الْمِثْلِ مَنِيعٌ أَيْ قَوِيٌّ ذُو مَنَعَةٍ أَيْ رَهْطٍ يَمْنَعُونَهُ مِنَ الضَّيْمِ فِي رَهْطِهِ أَيْ قَوْمِهِ مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ أَيْ فِي عِزَّتِهِ وَمَنَعَتِهِ فِي قَوْمِهِ وَهُوَ الْأَسْوَدُ الْمَذْكُورُ جَدُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ وَكَانَ الْأَسْوَدُ أَحَدَ الْمُسْتَهْزِئِينَ وَمَاتَ عَلَى كُفْرِهِ بِمَكَّةَ وَقُتِلَ ابْنُهُ زَمْعَةُ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا أَيْضًا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ عَمِّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامِّ قَالَ الْحَافِظُ هُوَ عَمُّ الزُّبَيْرِ مَجَازًا لِأَنَّهُ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ والعوام بن خويلد بن أسد فنزل بن الْعَمِّ مَنْزِلَةَ الْأَخِ فَأُطْلِقَ عَلَيْهِ عَمًّا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ كَذَا جَزَمَ الدِّمْيَاطِيُّ بِاسْمِ أَبِي زَمْعَةَ هُنَا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ (ثُمَّ سَمِعْتُهُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَذْكُرُ النِّسَاءَ) أَيْ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِنَّ اسْتِطْرَادًا فَذَكَرَ مَا يَقَعُ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ إِلَى مَا يَعْمِدُ بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ يَقْصِدُ فَيَجْلِدُ امْرَأَتَهُ أَيْ فَيَضْرِبُهَا يُقَالُ جَلَدْتُهُ بِالسَّيْفِ وَالسَّوْطِ وَنَحْوِهِمَا إِذَا ضَرَبْتُهُ جَلْدَ الْعَبْدِ بِالنَّصْبِ أَيْ مِثْلَ جَلْدِ الْعَبْدِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْفَحْلِ وَلَعَلَّهُ أَيِ الَّذِي يَجْلِدُهَا فِي أَوَّلِ اليوم أن يضاجعها أي يجامعها ويطؤها مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ أَيْ فِي آخِرِهِ فَكَلِمَةُ مِنْ هُنَا بِمَعْنَى فِي إِلَى مَا يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ يَعْنِي الضَّرْطَةَ وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي مَجْلِسٍ يَضْحَكُونَ فَنَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ 0 - بَاب وَمِنْ سُورَةِ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى مَكِّيَّةٌ وَهِيَ إِحْدَى وَعِشْرُونَ آيَةً قَوْلُهُ

[3344] (عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ) السُّلَمِيِّ (عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ) بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ اللَّامِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ قَوْلُهُ (كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي الْبَقِيعِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَهُوَ مَقْبُرَةُ الْمَدِينَةِ (وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ) بِضَمِّ الْكَافِ مِنَ النَّكْتِ (بِهِ فِي الْأَرْضِ) أَيْ يَضْرِبُ الْأَرْضَ بِطَرَفِهِ فِعْلَ الْمُتَفَكِّرِ فِي شَيْءٍ مُهِمٍّ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ أَيْ مَوْلُودَةٍ يُقَالُ نَفَسَتِ الْمَرْأَةُ وَنَفِسَتْ فَهِيَ مَنْفُوسَةٌ وَنُفَسَاءُ إِذَا وَلَدَتْ إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَدْخَلُهَا الَّذِي تَصِيرُ إِلَيْهِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَأَمَّا من أعطى أَيْ حَقَّ اللَّهِ وَبَذَلَ مَالَهُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ وَاتَّقَى أَيِ اللَّهَ فَاجْتَنَبَ مَحَارِمَهُ وَصَدَّقَ بالحسنى قال بن عَبَّاسٍ بِقَوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَعَنْهُ صَدَّقَ بِالْخَلَفِ بِهِ أَيْ أَيْقَنَ أَنَّ اللَّهَ سَيَخْلُفُ عَلَيْهِ مَا أَنْفَقَهُ فِي طَاعَتِهِ وَقِيلَ صَدَّقَ بِالْجَنَّةِ وَقِيلَ صَدَّقَ بِمَوْعِدِ اللَّهِ الَّذِي وَعَدَهُ أَنْ يُثِيبَهُ فَسَنُيَسِّرُهُ أَيْ نُهَيِّئُهُ لِلْيُسْرَى أَيْ لِلْخَلَّةِ الْيُسْرَى وَهِيَ الْعَمَلُ بِمَا يَرْضَاهُ ربه وأما من بخل أَيْ بِحَقِّ اللَّهِ

وَاسْتَغْنَى أَيْ عَنْ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يرغب فيه وكذب بالحسنى أَيْ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَكَذَّبَ بِمَا وَعَدَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْجَنَّةِ وَالثَّوَابِ فسنيسره للعسرى أَيْ لِلْخَلَّةِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى النَّارِ فَتَكُونُ الطَّاعَةُ أَعْسَرَ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَأَشَدَّ أَوْ سَمَّى طَرِيقَةَ الْخَيْرِ بِالْيُسْرَى لِأَنَّ عَاقِبَتَهَا الْيُسْرُ وَطَرِيقَةَ الشَّرِّ بِالْعُسْرَى لِأَنَّ عَاقِبَتَهَا الْعُسْرُ أَوْ أَرَادَ بِهِمَا طَرِيقَيِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا مُخْتَصَرًا فِي بَابِ الشَّقَاءِ وَالسَّعَادَةِ مِنْ أَبْوَابِ الْقَدَرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ 1 - باب وَمِنْ سُورَةِ وَالضُّحَى مَكِّيَّةٌ وَهِيَ إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً [3345] قَوْلُهُ (عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ) الْعَبْدِيِّ (عن جندب) بضم أوله والدال وتفتح بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ (الْبَجَلِيِّ) بِمُوَحَّدَةٍ وَجِيمٍ مَفْتُوحَتَيْنِ قَوْلُهُ (كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَارٍ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالرَّاءِ وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ كَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ فِي غَارٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْكِنَانِيُّ لَعَلَّهُ غَازِيًا فَتُصَحَّفُ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِي بَعْضِ الْمَشَاهِدِ وَكَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْشِي إِذْ أَصَابَهُ حَجَرٌ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ يُرَادُ بِالْغَارِ هُنَا الْجَمْعُ وَالْجَيْشُ لَا الْغَارُ الَّذِي هُوَ الْكَهْفُ فَيُوَافِقُ رِوَايَةَ بَعْضِ الْمَشَاهِدِ وَمِنْهُ قَوْلُ عَلِيٍّ مَا ظَنُّكَ بِامْرِئٍ جَمَعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْغَارَيْنِ أَيِ الْعَسْكَرَيْنِ وَالْجَمْعَيْنِ انْتَهَى (فَدَمِيَتْ إِصْبَعُهُ) يُقَالُ دَمِيَ الشَّيْءُ يَدْمِي دَمًا وَدَمْيًا فَهُوَ دَمٍ مِثْلُ فَرِقَ يَفْرِقُ فَرْقًا فَهُوَ فَرِقٌ وَالْمَعْنَى أَنَّ أُصْبُعَهُ جُرِحَتْ فَظَهَرَ مِنْهَا الدَّمُ هَلْ أَنْتِ مَعْنَاهُ مَا أَنْتِ دَمِيتِ بِفَتْحِ الدَّالِ صِفَةٌ لِلْأُصْبُعِ وَالْمُسْتَثْنَى فِيهِ أَعَمُّ عَامٌّ الصِّفَةَ أَيْ مَا أَنْتِ يَا أُصْبُعُ مَوْصُوفَةٌ بِشَيْءٍ إِلَّا بِأَنْ دَمِيتِ كَأَنَّهَا لَمَّا تَوَجَّعَتْ خَاطَبَهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ أَوِ الْحَقِيقَةِ مُعْجِزَةٌ تَسَلِّيًا لَهَا أَيْ تَثَبَّتِي فَإِنَّكِ مَا ابْتُلِيتِ بِشَيْءٍ مِنَ الْهَلَاكِ وَالْقَطْعِ سِوَى أَنَّكِ دَمِيتِ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ أَيْضًا هَدَرًا بَلْ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَرِضَاهُ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ لَفْظُ مَا هُنَا بِمَعْنَى الَّذِي أَيْ الَّذِي لَقِيتِهِ مَحْسُوبٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (وَأَبْطَأَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ) أَيْ تَأَخَّرَ وَاحْتَبَسَ قَالَ الْحَافِظُ وَالْحَقُّ أَنَّ الْفَتْرَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي سَبَبِ نُزُولِ وَالضُّحَى غَيْرُ الْفَتْرَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي ابْتِدَاءِ الْوَحْيِ فَإِنَّ تِلْكَ دَامَتْ أَيَّامًا وهذه لم

تَكُنْ إِلَّا لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا قَدْ وُدِّعَ مُحَمَّدٌ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّوْدِيعِ أَيْ تُرِكَ ما ودعك ربك وما قلى أي ما تركك وما أبغضك قاله بن عباس والقلاء الْبُغْضُ يُقَالُ قَلَاهُ يَقْلِيهِ قَلَاءً وَقَالَ وَمَا قلى ولم يقل وما قلاك لموافقة رؤوس الْآيِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي وبن أبي حاتم وبن جرير 2 - باب وَمِنْ سُورَةِ أَلَمْ نَشْرَحْ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانِ آيَاتٍ [3346] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ (عن سعيد) هو بن أَبِي عَرُوبَةَ (عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ) الْأَنْصَارِيِّ الْمَازِنِيِّ صَحَابِيٌّ رَوَى عَنْهُ أَنَسٌ حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ كَأَنَّهُ مَاتَ قَدِيمًا كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ مَا لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَلَا فِي غَيْرِهِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يُعْرَفُ رَوَى عَنْهُ إِلَّا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَوْلُهُ بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَجْعَلُهَا رُؤْيَا نَوْمٍ وَلَا حُجَّةَ فِيهِ إِذْ قَدْ يَكُونُ ذَلِكَ حَالَهُ أَوَّلَ وُصُولِ الْمَلَكِ إِلَيْهِ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ نَائِمًا فِي الْقِصَّةِ كُلِّهَا انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ابْتِدَاءِ الْحَالِ ثُمَّ لَمَّا خَرَجَ بِهِ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَأَرْكَبَهُ الْبُرَاقَ اسْتَمَرَّ فِي يَقَظَتِهِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ الْآتِيَةِ فِي التَّوْحِيدِ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظْتُ فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّعَدُّدِ فَلَا إِشْكَالَ وَإِلَّا حُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ باستيقظت أَفَقْتُ أَيْ أَنَّهُ أَفَاقَ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنْ شُغْلِ الْبَالِ بِمُشَاهَدَةِ الْمَلَكُوتِ وَرَجَعَ إِلَى الْعَالَمِ الدُّنْيَوِيِّ انْتَهَى وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِيقَاظًا مِنْ نَوْمَةٍ نَامَهَا بَعْدَ الْإِسْرَاءِ لِأَنَّ إِسْرَاءَهُ لَمْ يَكُنْ طُولَ لَيْلَةٍ وَإِنَّمَا كَانَ فِي بَعْضِهَا انْتَهَى اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بَيْنَمَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ بَيْنَمَا أَنَا فِي الْحَطِيمِ وربما

قَالَ فِي الْحِجْرِ وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ وَفِي رِوَايَةِ الْوَاقِدِيِّ بِأَسَانِيدِهِ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ مِنْ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ أَنَّهُ بَاتَ فِي بَيْتِهَا قَالَ فَفَقَدَتْهُ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ إِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي قَالَ الْحَافِظُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ نَائِمٌ فِي بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ وَبَيْتُهَا عِنْدَ شِعْبِ أَبِي طَالِبٍ فَفُرِجَ سَقْفُ بَيْتِهِ وَأَضَافَ الْبَيْتَ إِلَيْهِ لِكَوْنِهِ كَانَ يَسْكُنُهُ فَنَزَلَ مِنْهُ الْمَلَكُ فَأَخْرَجَهُ مِنَ الْبَيْتِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَكَانَ بِهِ مَضْجَعًا وَبِهِ أَثَرُ النُّعَاسِ وَقَدْ وَقَعَ فِي مُرْسَلِ الْحَسَنِ عِنْدَ بن إِسْحَاقَ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَاهُ فَأَخْرَجَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأَرْكَبَهُ الْبُرَاقَ وَهُوَ يُؤَيِّدُ هَذَا الْجَمْعَ إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ أَحَدٌ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِالرَّجُلَيْنِ حَمْزَةُ وَجَعْفَرٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا بَيْنَهُمَا فَأُتِيتُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ بِطَسْتٍ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ إِنَاءٌ مَعْرُوفٌ وهي مؤنثة ويقال فيها طست بتشديد السين وحذف التاء وطست أَيْضًا فِيهَا أَيْ فِي الطَّسْتِ فَشُرِحَ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنَ الشَّرْحِ أَيْ شُقَّ صَدْرِي إِلَى كَذَا وَكَذَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ فَشُقَّ مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ الْبَطْنِ (ثُمَّ حُشِيَ) أَيْ ملىء (إِيمَانًا وَحِكْمَةً) بِالنَّصْبِ عَلَى التَّمْيِيزِ وَهَذَا الْمَلْأُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَتَجْسِيدُ الْمَعَانِي جَائِزٌ كَمَا جَاءَ أَنَّ سُورَةَ الْبَقَرَةِ تَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهَا ظُلَّةٌ وَالْمَوْتُ فِي صُورَةِ كَبْشٍ وَكَذَلِكَ وَزْنُ الْأَعْمَالِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِ الْغَيْبِ وَقَالَ الْبَيْضَاوِيُّ لَعَلَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّمْثِيلِ إِذْ تَمْثِيلُ الْمَعَانِي قَدْ وَقَعَ كَثِيرًا كَمَا مُثِّلَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فِي عُرْضِ الْحَائِطِ وَفَائِدَتُهُ كَشْفُ الْمَعْنَوِيِّ بِالْمَحْسُوسِ وَقَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ فِيهِ أَنَّ الْحِكْمَةَ لَيْسَ بَعْدَ الْإِيمَانِ أَجَلُّ مِنْهَا وَلِذَلِكَ قُرِنَتْ مَعَهُ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خيرا كثيرا وَأَصَحُّ مَا قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ أَنَّهَا وَضْعُ الشَّيْءِ فِي مَحَلِّهِ أَوِ الْفَهْمُ فِي كِتَابِ الله فعلى التفسير الثاني قد يوجد الْحِكْمَةُ دُونَ الْإِيمَانِ وَقَدْ لَا تُوجَدُ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَقَدْ يَتَلَازَمَانِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ يَدُلُّ عَلَى الْحِكْمَةِ وَأَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى ألم تشرح لك صدرك قال الحافظ بن كَثِيرٍ يَعْنِي إِنَّا شَرَحْنَا لَكَ صَدْرَكَ أَيْ نَوَّرْنَاهُ وَجَعَلْنَاهُ فَسِيحًا رَحِيبًا كَقَوْلِهِ فَمَنْ يُرِدِ الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام وَكَمَا شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ كَذَلِكَ جَعَلَ شَرْعَهُ فَسِيحًا وَاسِعًا سَمْحًا سَهْلًا لَا حَرَجَ فِيهِ وَلَا إِصْرَ وَلَا ضِيقَ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ألم نشرح لك صدرك شَرَحَ صَدْرَهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَقَدْ أَوْرَدَهُ التِّرْمِذِيُّ ها هنا وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ كَمَا رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ صَعْصَعَةَ وَلَكِنْ لَا مُنَافَاةَ فَإِنَّ مِنْ جُمْلَةِ شَرْحِ صَدْرِهِ الَّذِي فُعِلَ بِصَدْرِهِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَمَا نَشَأَ عَنْهُ مِنَ الشَّرْحِ الْمَعْنَوِيِّ أَيْضًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي

الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْقِصَّةِ الطَّوِيلَةِ قَوْلُهُ (وَفِيهِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ الشَّيْخَانِ 3 - بَاب وَمِنْ سُورَةِ والتين مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانِ آيَاتٍ [3347] قَوْلُهُ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأُمَوِيِّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ السادسة قوله أليس الله بأحكم الحاكمين أَيْ أَقْضَى الْقَاضِينَ يَحْكُمُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ أَهْلِ التَّكْذِيبِ بِكَ يَا مُحَمَّدُ (فَلْيَقُلْ بَلَى) أَيْ نَعَمْ (وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ) أَيْ كَوْنِكَ أَحْكُمَ الْحَاكِمِينَ (مِنَ الشَّاهِدِينَ) أَيْ أَنْتَظِمُ فِي سِلْكِ مَنْ لَهُ مُشَافَهَةٌ فِي الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ أَنْبِيَاءِ الله وأوليائه قال بن حَجَرٍ وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ أَنَا شَاهِدٌ وَمِنْ ثم قالوا في وكانت من القانتين وفي إنه في الاخرة لمن الصالحين أَبْلَغُ مِنْ وَكَانَتْ قَانِتَةً وَمِنْ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ صَالِحٌ لِأَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي عِدَادِ الْكَامِلِ وَسَاهَمَ مَعَهُمُ الْفَضَائِلَ لَيْسَ كَمَنِ انْفَرَدَ عَنْهُمْ انْتَهَى وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا مُخْتَصَرًا وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ وَمَنْ قرأ لا أقسم بيوم القيامة فَانْتَهَى إِلَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أن يحي الموتى فَلْيَقُلْ بَلَى وَمَنْ قَرَأَ وَالْمُرْسَلَاتِ فَبَلَغَ فَبِأَيِّ حديث بعده يؤمنون فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَاتِ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقُولَ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا وَأَمَّا قَوْلُهَا لِلْمُقْتَدِي خَلْفَ الْإِمَامِ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا يُرْوَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَخْ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لجهالة الأعرابي

6 - باب وَمِنْ سُورَةِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ وَتُسَمَّى سُورَةَ الْعَلَقِ مَكِّيَّةٌ وَهِيَ تِسْعَ عَشْرَةَ آيَةً [3348] قَوْلُهُ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ الْأَزْدِيِّ عَنْ عَبْدِ الكريم الجزري هو بن مَالِكٍ قَوْلُهُ قَالَ أَبُو جَهْلٍ هَذِهِ مِنْ مرسلات بن عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ زَمَنَ قَوْلِ أَبِي جَهْلٍ ذَلِكَ لِأَنَّ مَوْلِدَهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ نَحْوَ ثَلَاثِ سِنِينَ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ لَئِنْ رَأَيْتُ مُحَمَّدًا يُصَلِّي زَادَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ الْكَعْبَةِ لَأَطَأَنَّ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُتَكَلِّمِ مُؤَكَّدَةً بِاللَّامِ وَالنُّونِ الثَّقِيلَةِ مِنَ الْوَطْءِ وَهُوَ الدَّوْسُ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ لَوْ فَعَلَ أَيْ أَبُو جَهْلٍ لَأَخَذَتْهُ الْمَلَائِكَةُ الْمُرَادُ بِالْمَلَائِكَةِ الزَّبَانِيَةُ وَهُمْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ عِيَانًا يُقَالُ لَقِيَهُ أَوْ رَآهُ عِيَانًا أَيْ مُشَاهَدَةً لَمْ يَشُكَّ فِي رُؤْيَتِهِ وَإِنَّمَا شَدَّدَ الْأَمْرَ فِي حَقِّ أَبِي جَهْلٍ وَلَمْ يَقَعْ مِثْلُ ذَلِكَ لِعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ حَيْثُ طَرَحَ سَلَى الْجَزُورِ عَلَى ظَهْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي لِأَنَّهُمَا وَإِنِ اشْتَرَكَا فِي مُطْلَقِ الْأَذِيَّةِ حَالَةَ صَلَاتِهِ لَكِنْ زَادَ أَبُو جَهْلٍ بِالتَّهْدِيدِ وَبِدَعْوَى أَهْلِ طَاعَتِهِ وَبِإِرَادَةِ وَطْءِ الْعُنُقِ الشَّرِيفِ وَفِي ذَلِكَ مِنَ الْمُبَالَغَةِ مَا اقْتَضَى تَعْجِيلَ الْعُقُوبَةِ لَهُ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلِأَنَّ سَلَى الْجَزُورِ لَمْ يَتَحَقَّقْ نَجَاسَتُهَا وَقَدْ عُوقِبَ عُقْبَةُ بِدُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى مَنْ شَارَكَهُ فِي فِعْلِهِ فَقُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ أحمد والبخاري والنسائي وبن جَرِيرٍ [3349] قَوْلُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الْكِنْدِيُّ أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ الْكُوفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ الْأَزْدِيُّ قَوْلُهُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي أي عند المقام كما في رواية بن جرير

فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ عَنْ صَلَاتِهِ فَزَبَرَهُ بِزَايٍ مُوَحَّدَةٍ فَرَاءٍ كَنَصَرَ وَضَرَبَ أَيْ نَهَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا جَهْلٍ وَأَغْلَظَ لَهُ فِي الْقَوْلِ وفي رواية بن جَرِيرٍ فَأَغْلَظَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَهَرَهُ مَا بِهَا أَيْ بِمَكَّةَ ناد أكثر مني وفي رواية بن جَرِيرٍ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَكْثَرُ هَذَا الْوَادِي نَادِيًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ النَّادِي مُجْتَمَعُ الْقَوْمِ وَأَهْلُ الْمَجْلِسِ فَيَقَعُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَأَهْلِهِ فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ أي أهل ناديه لأن النادي هو الْمَجْلِسِ الَّذِي يَجْلِسُ وَيَنْتَدِي فِيهِ الْقَوْمُ وَيَجْتَمِعُونَ فِيهِ مِنَ الْأَهْلِ وَالْعَشِيرَةِ وَلَا يُسَمَّى الْمَكَانُ نَادِيًا حَتَّى يَكُونَ فِيهِ أَهْلُهُ وَالْمَعْنَى لِيَدْعُ عشيرته وأهله ليعينوه وينصروه سندع الزبانية أَيِ الْمَلَائِكَةَ الْغِلَاظَ الشِّدَادَ وَهُمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ أَهْلَ النَّارِ إِلَيْهَا بِشِدَّةٍ مَأْخُوذٌ مِنَ الزَّبْنِ وَهُوَ الدَّفْعُ قِيلَ وَاحِدُهَا زَابِنٌ وَقِيلَ زِبْنِيَةٌ وَقِيلَ زِبْنِيٌّ عَلَى النَّسَبِ وَقِيلَ هُوَ اسْمٌ لِلْجَمْعِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ كَعَبَادِيدَ وَأَبَابِيلَ وَقَالَ قَتَادَةُ هُمُ الشُّرَطُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَصْلُ الزَّبْنِ الدَّفْعُ وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ هَذَا الِاسْمَ عَلَى مَنِ اشْتَدَّ بَطْشُهُ لَوْ دَعَا أَيْ أَبُو جَهْلٍ لَأَخَذَتْهُ زَبَانِيَةُ اللَّهِ أَيْ مَلَائِكَتُهُ الْغِلَاظُ الشِّدَادُ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ أحمد والنسائي وبن جَرِيرٍ قَوْلُهُ وَفِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَ حديثه النسائي وفي آخره فلم يفجأهم مِنْهُ إِلَّا وَهُوَ أَيْ أَبُو جَهْلٍ يَنْكُصُ على عقبيه ويتقي بيديه فقيل له مالك فَقَالَ إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلًا وَأَجْنِحَةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ دَنَا اخْتَطَفَتْهُ الْمَلَائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا 5 - باب ومن سورة ليلة الْقَدْرِ قِيلَ هِيَ مَكِّيَّةٌ وَقِيلَ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ خَمْسُ آيَاتٍ [3350] قَوْلُهُ (عَنْ يُوسُفَ بْنِ سَعْدٍ) الْجُمَحِيِّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ وَيُقَالُ هُوَ يُوسُفُ بْنُ مَازِنٍ ثِقَةٌ مِنَ

الثالثة (قال قام رجل) وفي رواية بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عِيسَى بْنِ مَازِنٍ قَالَ قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَخْ (إِلَى الْحَسَنِ بن علي) بن أبي طالب (بعد ما بَايَعَ) أَيِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (مُعَاوِيَةَ) أَيِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأُمَوِيَّ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخَلِيفَةَ صَحَابِيٌّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَكَتَبَ الْوَحْيَ وَمَاتَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتِّينَ وَقَدْ قَارَبَ الثَّمَانِينَ (أَوْ يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ) كَلِمَةُ أَوْ لِلشَّكِّ (لَا تُؤَنِّبْنِي) بِصِيغَةِ النَّهْيِ مِنَ التَّأْنِيبِ وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّوْبِيخِ وَالتَّعْنِيفِ (أُرِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِرَاءَةِ أَيْ فِي الْمَنَامِ (بَنِي أُمَيَّةَ على منبره) وفي رواية بن جَرِيرٍ أُرِيَ فِي مَنَامِهِ بَنِي أُمَيَّةَ يَعْلُونَ منبره خليفة خليفة إنا أنزلناه أَيِ الْقُرْآنَ جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر أَيِ الشَّرَفِ وَالْعِظَمِ وَمَا أَدْرَاكَ أَيْ أعلمك يا محمد ما ليلة القدر تَعْظِيمٌ لِشَأْنِهَا وَتَعْجِيبٌ مِنْهُ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خير من ألف شهر أَيْ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْهُ فِي أَلْفِ شَهْرٍ لَيْسَتْ فِيهَا (يَمْلِكُهَا) الضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ رَاجِعٌ إِلَى أَلْفِ شَهْرٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ مُدَّةِ أَلْفِ شَهْرٍ يَمْلِكُ فِيهَا بَنُو أُمَيَّةَ الولاية والخلافة (قال القاسم) أي بن الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الْإِسْنَادِ (فَعَدَدْنَاهَا) أَيْ مدة خلافة بني أمية وفي رواية بن جَرِيرٍ فَحَسَبْنَا مُلْكَ بَنِي أُمَيَّةَ (فَإِذَا هِيَ أَلْفُ شَهْرٍ) هِيَ ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَكَانَ اسْتِقْلَالُ إِمَارَةِ بَنِي أُمَيَّةَ مُنْذُ بَيْعَةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ لِمُعَاوِيَةَ وَذَلِكَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً مِنَ الْهِجْرَةِ وَكَانَ انْفِصَالُ دولتهم على يد أبي مسلم الخرساني سنة اثنين وثلاثين ومائة وذلك اثنان وتسعون سنة يسقط منها مدة خلافة بن الزُّبَيْرِ ثَمَانِ سِنِينَ وَثَمَانِيَةُ أَشْهُرٍ يَبْقَى ثَلَاثٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَأَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ وَقَدْ قِيلَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ بن

كَثِيرٍ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ بِهِ وَقَوْلُ التِّرْمِذِيِّ إِنَّ يُوسُفَ هَذَا مَجْهُولٌ فِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ قَدْ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَخَالِدٌ الْحَذَّاءُ وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ وَقَالَ فِيهِ يَحْيَى بْنُ معين هو مشهور وفي رواية عن بن معين قال هو ثقة ورواه بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ كَذَا قَالَ وَهَذَا يَقْتَضِي اضْطِرَابًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مُنْكَرٌ جِدًّا قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْحُجَّةُ أَبُو الْحَجَّاجِ الْمِزِّيُّ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ قَالَ وَقَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيِّ أَنَّهُ حَسَبَ مُدَّةَ بَنِي أُمَيَّةَ فَوَجَدَهَا أَلْفَ شَهْرٍ لَا تَزِيدُ يَوْمًا وَلَا تَنْقُصُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَقَلَّ بِالْمُلْكِ حِينَ سَلَّمَ إِلَيْهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْإِمْرَةَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ وَاجْتَمَعَتِ الْبَيْعَةُ لِمُعَاوِيَةَ وَسُمِّيَ ذَلِكَ عَامَ الْجَمَاعَةِ ثُمَّ اسْتَمَرُّوا فِيهَا مُتَتَابِعِينَ بِالشَّامِ وَغَيْرِهَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُمْ إِلَّا مُدَّةَ دَوْلَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْحَرَمَيْنِ وَالْأَهْوَازِ وَبَعْضِ الْبِلَادِ قَرِيبًا مِنْ تِسْعِ سِنِينَ لَكِنْ لَمْ تَزُلْ يَدُهُمْ عَنِ الْإِمْرَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ عَنْ بَعْضِ الْبِلَادِ إِلَى أَنِ اسْتَلَبَهُمْ بَنُو الْعَبَّاسِ الْخِلَافَةَ فِي سَنَةِ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَةٍ فَيَكُونُ مَجْمُوعُ مُدَّتِهِمُ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ سَنَةً وَذَلِكَ أَزْيَدُ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ فَإِنَّ الْأَلْفَ شَهْرٍ عِبَارَةٌ عَنْ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ سَنَةً وَأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَكَأَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ الْفَضْلِ أَسْقَطَ مِنْ مُدَّتِهِمْ أيام بن الزُّبَيْرِ وَعَلَى هَذَا فَتَقَارَبَ مَا قَالَهُ لِلصِّحَّةِ فِي الْحِسَابِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ سِيقَ لِذَمِّ دَوْلَةِ بَنِي أُمَيَّةَ وَلَوْ أُرِيدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ بِهَذَا السِّيَاقِ فَإِنَّ تَفْضِيلَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عَلَى أَيَّامِهِمْ لَا يَدُلُّ عَلَى ذَمِّ أَيَّامِهِمْ فَإِنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ شَرِيفَةٌ جِدًّا وَالسُّورَةُ الْكَرِيمَةُ إِنَّمَا جَاءَتْ لِمَدْحِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَكَيْفَ تُمْدَحُ بِتَفْضِيلِهَا عَلَى أَيَّامِ بَنِي أُمَيَّةَ الَّتِي هِيَ مَذْمُومَةٌ بِمُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ وَهَلْ هَذَا إِلَّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ أَلَمْ تَرَ أَنَّ السَّيْفَ يَنْقُصُ قَدْرُهُ إِذَا قِيلَ إِنَّ السَّيْفَ أَمْضَى مِنَ الْعَصَا وَقَالَ آخَرُ إِذَا أَنْتَ فَضَّلْتَ امْرَأً ذَا بَرَاعَةٍ عَلَى نَاقِصٍ كَانَ الْمَدِيحُ مِنَ النَّقْصِ ثُمَّ الَّذِي يُفْهَمُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ الْأَلْفَ شَهْرٍ الْمَذْكُورَةَ فِي الْآيَةِ هِيَ أَيَّامُ بَنِي أُمَيَّةَ وَالسُّورَةُ مَكِّيَّةٌ فَكَيْفَ يُحَالُ عَلَى أَلْفِ شَهْرٍ هِيَ دَوْلَةُ بَنِي أُمَيَّةَ وَلَا يَدُلُّ عَلَيْهَا لَفْظُ الْآيَةِ وَلَا مَعْنَاهَا وَالْمِنْبَرُ إِنَّمَا صُنِعَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ فَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الْحَدِيثِ وَنَكَارَتِهِ انْتَهَى كلام الحافظ بن كثير قلت وفي قوله (ورواه بن جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَازِنٍ كَذَا

قال) نظر فإن بن جَرِيرٍ لَمْ يَرْوِهِ هَكَذَا بَلْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ عِيسَى بْنِ مَازِنٍ كَمَا فِي النُّسْخَةِ الْمِصْرِيَّةِ وَعَلَيْهِ يَصِحُّ قول الحافظ بن كَثِيرٍ وَهَذَا يَقْتَضِي اضْطِرَابًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَتَفَكَّرْ [3351] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ) الْأَسَدِيِّ مَوْلَاهُمْ وَيُقَالُ مَوْلَى قُرَيْشٍ كُنْيَتُهُ أَبُو الْقَاسِمِ الْبَزَّارُ الْكُوفِيُّ نَزِيلُ دِمَشْقَ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (وَعَاصِمِ) بْنِ بَهْدَلَةَ قَوْلُهُ (إِنَّ أَخَاكَ) أَيْ فِي الدِّينِ وَالصُّحْبَةِ (عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ) بَدَلٌ أَوْ بَيَانٌ (مَنْ يَقُمِ الْحَوْلَ) أَيْ مَنْ يُقِمِ الطَّاعَةَ فِي بَعْضِ سَاعَاتِ كُلِّ لَيَالِي السَّنَةِ (يُصِبْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ) أَيْ يُدْرِكْهَا يَقِينًا لِلْإِبْهَامِ فِي تَبْيِينِهَا وَلِلِاخْتِلَافِ فِي تَعْيِينِهَا (قَالَ) أَيْ أَبِي (يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةٌ لِابْنِ مَسْعُودٍ (لَقَدْ عَلِمَ) أَيْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ (أَنَّهَا) أَيْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ (وَلَكِنَّهُ أَرَادَ أَنْ لَا يَتَّكِلَ النَّاسُ) أَيْ لَا يَعْتَمِدُوا عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ الصَّحِيحَ الْغَالِبَ عَلَى الظَّنِّ الَّذِي مَبْنَى الْفَتْوَى عَلَيْهِ فَلَا يَقُومُوا إِلَّا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَيَتْرُكُوا قِيَامَ سَائِرِ اللَّيَالِي فَيَفُوتَ حِكْمَةُ الْإِبْهَامِ الَّذِي نَسِيَ بِسَبَبِهَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (ثُمَّ حَلَفَ) أَيْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ (لَا يَسْتَثْنِي) حَالٌ أَيْ حَلَفَ حَلِفًا جَازِمًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقُولَ عَقِيبَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ يُقَالُ حَلَفَ فُلَانٌ يَمِينًا لَيْسَ فِيهَا ثَنْيٌ وَلَا ثَنْوٌ وَلَا ثَنِيَّةٌ وَلَا اسْتِثْنَاءٌ كُلُّهَا وَاحِدٌ وَأَصْلُهَا مِنَ الثَّنْيِ وَهُوَ الْكَفُّ وَالرَّدُّ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَالِفَ إِذَا قَالَ وَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ غَيْرَهُ فَقَدْ رَدَّ انْعِقَادَ ذَلِكَ الْيَمِينِ انْتَهَى (أَنَّهَا) مَفْعُولُ حَلَفَ أَيْ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ (لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ قَالَ) أَيْ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ (قُلْتُ لَهُ) أَيْ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ (بِأَيِّ شَيْءٍ) أَيْ مِنَ الْأَدِلَّةِ (تَقُولُ ذَلِكَ) أَيِ الْقَوْلَ (يَا أَبَا الْمُنْذِرِ) كُنْيَةُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ (أَوْ بِالْعَلَامَةِ) كَلِمَةُ أَوْ للشك أن الشمس تطلع يومئذ لاشعاع لَهَا سَبَقَ شَرْحُهُ فِي بَابِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ مِنْ أَبْوَابِ الصِّيَامِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ

86 - باب وَمِنْ سُورَةِ لَمْ يَكُنْ وَتُسَمَّى سُورَةَ الْبَيِّنَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّهَا مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانِ آيَاتٍ وَقِيلَ تِسْعُ آيَاتٍ [3352] قَوْلُهُ (يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُهَا وَهَمْزُ بَعْدِهَا وَمَعْنَاهَا الْخَلِيفَةُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْبَرِيَّةُ الْخَلْقُ تَقُولُ بَرَاهُ اللَّهُ يَبْرُوهُ بَرْوًا أَيْ خَلَقَهُ وَيُجْمَعُ عَلَى الْبَرَايَا وَالْبَرِيَّاتِ مِنَ الْبَرَى التُّرَابُ هَذَا إِذَا لَمْ يُهْمَزْ وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ أَصْلَهُ الهمز أخذه من برأ الله الخلق يبرأهم أَيْ خَلَقَهُمْ ثُمَّ تُرِكَ فِيهَا الْهَمْزُ تَخْفِيفًا وَلَمْ تُسْتَعْمَلْ مَهْمُوزَةً انْتَهَى (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ أَيِ الْمُشَارُ إِلَيْهِ الْمَوْصُوفُ بِخَيْرِ الْبَرِيَّةِ هُوَ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا تَوَاضُعًا وَاحْتِرَامًا لِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِخُلَّتِهِ وَأُبُوَّتِهِ وَإِلَّا فَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الِافْتِخَارَ وَلَا التَّطَاوُلَ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَهُ بَلْ قَالَهُ بَيَانًا لِمَا أُمِرَ بِبَيَانِهِ وَتَبْلِيغِهِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا فَخْرَ لِيَنْفِيَ مَا قَدْ يَتَطَرَّقُ إِلَى بَعْضِ الْأَفْهَامِ السَّخِيفَةِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِبْرَاهِيمُ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 7 - بَاب ومن سورة

إذا زلزلت مَكِّيَّةٌ وَقِيلَ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانِ آيَاتٍ وَقِيلَ تِسْعُ آيَاتٍ [3353] قَوْلُهُ (قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذِهِ الْآيَةَ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أخبارها إِلَخْ) قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ قَبْلَ بَابِ الصُّورِ مِنْ أَبْوَابِ صِفَةِ الْقِيَامَةِ 8 - باب ومن سورة ألهاكم التكاثر مَكِّيَّةٌ وَهِيَ ثَمَانِ آيَاتٍ [3354] قَوْلُهُ (أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يقرأ ألهاكم التكاثر إِلَخْ) قَدْ سَبَقَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ الزَّهَادَةِ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَبْوَابِ الزُّهْدِ [3355] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حَكَّامٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْكَافِ (بْنُ سَلْمٍ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ الرَّازَيِّ عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ (عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو) الْأَسَدِيِّ قَوْلُهُ (مَا زِلْنَا نَشُكُّ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ حَتَّى نَزَلَتْ ألهاكم التكاثر) أي

هَذِهِ السُّورَةُ وَالْمُرَادُ بِالتَّكَاثُرِ التَّفَاخُرُ أَيْ أَشْغَلَتْكُمُ الْمُفَاخَرَةُ وَالْمُبَاهَاةُ وَالْمُكَاثَرَةُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْعَدَدِ وَالْمَنَاقِبِ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ رَبِّكُمْ وَمَا يُنْجِيكُمْ عَنْ سخطه حتى زرتم المقابر أَيْ حَتَّى مِتُّمْ وَدُفِنْتُمْ فِي الْمَقَابِرِ يُقَالُ لِمَنْ مَاتَ زَارَ قَبْرَهُ وَزَارَ رَمْسَهُ فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ أَلْهَاكُمْ حِرْصُكُمْ عَلَى تَكْثِيرِ أَمْوَالِكُمْ عَنْ طَاعَةِ رَبِّكُمْ حَتَّى أَتَاكُمُ الْمَوْتُ وَأَنْتُمْ على ذلك قال بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ بِعَذَابِ الْقَبْرِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الذين ألهاكم التَّكَاثُرُ أَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ مَا يَلْقَوْنَ إِذَا هُمْ زَارُوا الْقُبُورَ وَعِيدًا مِنْهُ لَهُمْ وَتَهَدُّدًا وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فَذَكَرَ حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُهُ كلا سوف تعلمون يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ كَلَّا مَا هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلُوا أَنْ يُلْهِيَكُمُ التَّكَاثُرُ وَقَوْلُهُ سوف تعلمون يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ سَوْفَ تَعْلَمُونَ إِذَا زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ أَيُّهَا الَّذِينَ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ غِبَّ فِعْلِكُمْ وَاشْتِغَالِكُمْ بِالتَّكَاثُرِ فِي الدُّنْيَا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ ربكم وقوله ثم كلا سوف تعلمون ثُمَّ مَا هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلُوا أَنْ يُلْهِيَكُمُ التَّكَاثُرُ بِالْأَمْوَالِ وَكَثْرَةِ الْعَدَدِ سَوْفَ تَعْلَمُونَ إِذَا زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ مَا تَلْقَوْنَ إِذَا أَنْتُمْ زُرْتُمُوهَا مِنْ مَكْرُوهِ اشْتِغَالِكُمْ عَنْ طَاعَةِ رَبِّكُمْ بِالتَّكَاثُرِ وَكَرَّرَ قَوْلَهُ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَرَّتَيْنِ لِأَنَّ الْعَرَبَ إِذَا أَرَادَتِ التَّغْلِيظَ فِي التَّخْوِيفِ وَالتَّهْدِيدِ يَذْكُرُوا الْكَلِمَةَ مَرَّتَيْنِ انْتَهَى تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ آيَاتٍ تَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِ عَذَابِ الْقَبْرِ إِحْدَاهَا هَذِهِ الْآيَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ إِلَخْ وَأَصْرَحُهَا وَأَوْضَحُهَا الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْمُؤْمِنِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فرعون أشد العذاب قَالَ الْعَلَّامَةُ نِظَامُ الدِّينِ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ النَّيْسَابُورِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ ص 38 ج 24 مَا لَفْظُهُ وَفِي الْآيَةِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ لِأَنَّ تَعْذِيبَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ يجيء في قوله ويوم تقوم الساعة انتهى وقال الحافظ بن كَثِيرٍ وَهَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي اسْتِدْلَالِ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى عَذَابِ الْبَرْزَخِ فِي الْقُبُورِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وعشيا انْتَهَى وَقَالَ الرَّازِيُّ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ قَالُوا الْآيَةُ تَقْضِي عَرْضَ النَّارِ عَلَيْهِمْ غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ يَوْمُ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ قَالَ وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة

أدخلوا آل فرعون أشد العذاب وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَيْضًا الدُّنْيَا لِأَنَّ عَرْضَ النَّارِ عَلَيْهِمْ غُدُوًّا وَعَشِيًّا مَا كَانَ حَاصِلًا فِي الدُّنْيَا فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْعَرْضَ إِنَّمَا حَصَلَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَقَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ وَإِذَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ ثَبَتَ فِي حق غيرهم لأنه لاقائل بِالْفَرْقِ فَإِنْ قِيلَ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ عَرْضِ النَّارِ عَلَيْهِمْ غُدُوًّا وَعَشِيًّا عَرْضَ النَّصَائِحِ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ أَهْلَ الدِّينِ إِذَا ذَكَرُوا لَهُمُ التَّرْغِيبَ وَالتَّرْهِيبَ وَخَوَّفُوهُمْ بِعَذَابِ اللَّهِ فَقَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمُ النَّارَ ثُمَّ نَقُولُ فِي الْآيَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ حَمْلِهَا عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ وَبَيَانُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ أَنَّ ذَلِكَ الْعَذَابَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ دَائِمًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ وَقَوْلُهُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وعشيا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَحْصُلَ ذَلِكَ الْعَذَابُ إِلَّا فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ الثَّانِي أَنَّ الْغُدْوَةَ وَالْعَشِيَّةَ إِنَّمَا يَحْصُلَانِ فِي الدُّنْيَا أَمَّا فِي الْقَبْرِ فَلَا وُجُودَ لَهُمَا فَثَبَتَ بِهَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْلُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى عَذَابِ الْقَبْرِ وَالْجَوَابُ عَنِ السُّؤَالِ الْأَوَّلِ أَنَّ فِي الدُّنْيَا عُرِضَ عَلَيْهِمْ كَلِمَاتٌ تُذَكِّرُهُمْ أَمْرَ النَّارِ لَا أَنَّهُ يُعْرَضُ عَلَيْهِمْ نَفْسُ النار فعل قَوْلِهِمْ يَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ الْكَلِمَاتُ الْمُذَكِّرَةُ لِأَمْرِ النَّارِ كَانَتْ تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ يُفْضِي إِلَى تَرْكِ ظَاهِرِ اللَّفْظِ وَالْعُدُولِ إِلَى الْمَجَازِ أَمَّا قَوْلُهُ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى حُصُولِ هَذَا الْعَذَابِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قُلْنَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكْتَفَى فِي الْقَبْرِ بِإِيصَالِ الْعَذَابِ إِلَيْهِ فِي هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ ثُمَّ عِنْدَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ يُلْقَى فِي النَّارِ فَيَدُومُ عَذَابُهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَيْضًا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْغُدْوَةِ وَالْعَشِيَّةِ كِنَايَةً عَلَى الدَّوَامِ كقوله ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُ لَيْسَ فِي الْقَبْرِ وَالْقِيَامَةِ غُدْوَةٌ وَعَشِيَّةٌ قُلْنَا لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ حُصُولِ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لِأَهْلِ الدُّنْيَا يُعْرَضُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه بن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ [3356] قَوْلُهُ ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النعيم أَيْ عَنْ شُكْرِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنَ الصِّحَّةِ وَالْأَمْنِ وَالرِّزْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (إِنَّمَا هُمَا الْأَسْوَدَانِ) أَيْ إِنَّمَا عِنْدَنَا نِعْمَتَانِ لَيْسَتَا مِمَّا نُسْأَلُ عَنْهُمَا لِدَنَاءَتِهِمَا وَهُمَا الْأَسْوَدَانِ (التَّمْرُ وَالْمَاءُ) بَيَانٌ لِ (الْأَسْوَدَانِ) أَمَّا التَّمْرُ فَأَسْوَدُ وَهُوَ الْغَالِبُ عَلَى تَمْرِ الْمَدِينَةِ فَأُضِيفَ الْمَاءُ إِلَيْهِ وَنُعِتَ بِنَعْتِهِ اتِّبَاعًا وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الشَّيْئَيْنِ يَصْطَحِبَانِ فَيُسَمَّيَانِ مَعًا بِاسْمِ الْأَشْهَرِ مِنْهَا كَالْقَمَرَيْنِ وَالْعُمَرَيْنِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ أَمَا بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ تَنْبِيهٍ إِنَّهُ سَيَكُونُ هَذَا يحتمل وجهين

أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّعِيمَ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ سَيَكُونُ وَالثَّانِي أَنَّ السُّؤَالَ سَيَكُونُ عَنِ الْأَسْوَدَيْنِ فَإِنَّهُمَا نِعْمَتَانِ عَظِيمَتَانِ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد وبن ماجة وبن أبي حاتم [3357] قوله (حدثنا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ) هُوَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ (وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ) أَيْ وَيُرِيدُ أَنْ يَسْتَأْصِلَنَا (وَسُيُوفُنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا) أَيْ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ وَالْعَوَاتِقُ جَمْعُ عَاتِقٍ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ [3358] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ) بْنُ سَوَّارٍ الْمَدَائِنِيُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَلَاءِ) بْنِ زَبْرٍ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الدِّمَشْقِيِّ الرَّبْعِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَمٍ الْأَشْعَرِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الضَّحَّاكُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَرْزَبٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الزَّايِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ وَقَدْ تُبْدَلُ مِيمًا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْ أَبُو زُرْعَةَ الطَّبَرَانِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ مَا مَوْصُولَةٌ أَيْ أَوَّلُ شَيْءٍ يُحَاسَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ (يَعْنِي الْعَبْدُ) تَفْسِيرٌ لِنَائِبِ الْفَاعِلِ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ أَنْ يُقَالَ لَهُ خَبَرُ إِنَّ أَلَمْ نُصِحَّ مِنَ الْإِصْحَاحِ وَهُوَ إِعْطَاءُ الصِّحَّةِ جِسْمَكَ أَيْ بَدَنَكَ وَصِحَّتُهُ أَعْظَمُ النِّعَمِ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَنُرْوِيكَ كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِالْيَاءِ وَالظَّاهِرُ حَذْفُهَا لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى نُصِحَّ وَكَذَلِكَ فِي الْمِشْكَاةِ وَهُوَ مِنَ التَّرْوِيَةِ أَوْ مِنَ الْإِرْوَاءِ مِنَ الرِّيِّ بِالْكَسْرِ وَهُوَ عِنْدَ الْعَطَشِ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ أَيِ الَّذِي هُوَ مِنْ ضَرُورَةِ بَقَائِكَ وَلَوْلَاهُ لَفَنِيتَ بَلِ الْعَالَمُ بِأَسْرِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حديث غريب) وأخرجه بن حبان والحاكم

9 - باب ومن سورة الكوثر مكية قاله بن عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ وَقِيلَ إِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ قَالَهُ الْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَهِيَ ثَلَاثُ آيَاتٍ [3359] قَوْلُهُ (عَنْ أنس إنا أعطيناك الكوثر) أَيْ عَنْ أَنَسٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تعالى إنا أعطيناك الكوثر وَهُوَ عَلَى وَزْنِ فَوْعَلٍ مِنَ الْكَثْرَةِ سُمِّيَ بِهِ النَّهْرُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ وَآنِيَتِهِ وَعِظَمِ قَدْرِهِ وَخَيْرِهِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ شَيْءٍ كَثِيرٍ فِي الْعَدَدِ أَوِ الْقَدْرِ وَالْخَطَرِ كَوْثَرًا حَافَتَيْهِ بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ أَيْ فِي جَانِبَيْهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ حَافَتَيِ الْوَادِي وَغَيْرِهِ جَانِبَاهُ وَالْجَمْعُ حَافَّاتٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَافَّتَاهُ بِالْأَلِفِ عَلَى أَنَّهُ مبتدأ وخيره قباب اللؤلو وَالْقِبَابُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْأُولَى جَمْعُ قُبَّةٍ وَهُوَ بِنَاءٌ سَقْفُهُ مُسْتَدِيرٌ مُقَمَّرٌ قُلْتُ مَا هَذَا أَيْ مَا هَذَا النَّهْرُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ هَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَوْثَرِ فِي قوله تعالى إناأعطيناك الكوثر هُوَ هَذَا النَّهْرُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ سَأَلْتُهَا عَنْ قَوْلِهِ تعالى إنا أعطيناك الكوثر قَالَتْ نَهْرٌ أُعْطِيَهُ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَدِيثَ وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بِشْرٍ وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير عن بن عَبَّاسٍ قَالَ الْكَوْثَرُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ قَالَ أَبُو بِشْرٍ قُلْتُ لِسَعِيدٍ إِنَّ نَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ سَعِيدٌ النَّهْرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنَ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ قَالَ الْحَافِظُ هَذَا تَأْوِيلٌ مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ جَمَعَ به بين حديثي عائشة وبن عَبَّاسٍ وَحَاصِلُ مَا قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ أن قول بن عَبَّاسٍ إِنَّهُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ لَا يُخَالِفُ قَوْلَ غَيْرِهِ إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ لِأَنَّ النَّهْرَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ ولعل سعيدا أومأ إلى أن تأويل بن عَبَّاسٍ أَوْلَى لِعُمُومِهِ لَكِنْ ثَبَتَ تَخْصِيصُهُ بِالنَّهْرِ مِنْ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا معدل عنه انتهى قال الحافظ بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْكَوْثَرِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ نَهْرٌ فِي الْجَنَّةِ أَعْطَاهُ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثم قال

وَقَالَ آخَرُونَ عَنَى بِالْكَوْثَرِ الْخَيْرَ الْكَثِيرَ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ حَوْضٌ أُعْطِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ قَالَ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ هُوَ اسْمُ النَّهْرِ الَّذِي أُعْطِيَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَنَّةِ وَصَفَهُ اللَّهُ بِالْكَثْرَةِ لِعَظَمَةِ قَدْرِهِ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ لِتَتَابُعِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قال الحافظ بن جرير والحافظ بن حجر رحمهما الله تعالى وقال الحافظ بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِهَذَا الْخِطَابِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَانْحَرْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ حَضَّهُ عَلَى الْمُوَاظَبَةِ عَلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ وَعَلَى الْحِفْظِ عَلَيْهَا فِي أَوْقَاتِهَا بِقَوْلِهِ فَصَلِّ لربك وانحر ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ عَنَى بِقَوْلِهِ فَصَلِّ لِرَبِّكَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَبِقَوْلِهِ وَانْحَرْ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ إِلَى النَّحْرِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَالدُّخُولِ فِيهَا ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وقال آخرون عنى بقوله فصل لربك الْمَكْتُوبَةَ وَبِقَوْلِهِ وَانْحَرْ نَحْرَ الْبُدْنِ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ عَنَى بِذَلِكَ صَلِّ يَوْمَ النَّحْرِ صَلَاةَ الْعِيدِ وَانْحَرْ نُسُكَكَ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ قِيلَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ قَوْمًا كَانُوا يُصَلُّونَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَيَنْحَرُونَ لِغَيْرِهِ فَقِيلَ لَهُ اجْعَلْ صَلَاتَكَ وَنَحْرَكَ لِلَّهِ إِذْ كَانَ مَنْ يَكْفُرُ بِاللَّهِ يَجْعَلُهُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ حُصِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَصُدُّوا عَنِ الْبَيْتِ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَنْحَرَ الْبُدْنَ وَيَنْصَرِفَ فَفَعَلَ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ فَصَلِّ وَادْعُ رَبَّكَ وَسَلْهُ ثُمَّ ذَكَرَ مَنْ قَالَ بِهِ ثُمَّ قَالَ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ مَعْنَى ذَلِكَ فَاجْعَلْ صَلَاتَكَ كُلَّهَا لِرَبِّكَ خَالِصًا دُونَ مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ وَكَذَلِكَ نَحْرُكَ اجْعَلْهُ لَهُ دُونَ الْأَوْثَانِ شُكْرًا لَهُ عَلَى مَا أَعْطَاكَ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالْخَيْرِ الَّذِي لَا كُفْءَ لَهُ وَخَصَّكَ بِهِ مِنْ إِعْطَائِهِ إِيَّاكَ الْكَوْثَرَ وَإِنَّمَا قُلْتُ ذَلِكَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا أَكْرَمَهُ بِهِ مِنْ عَطِيَّتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهِ بِالْكَوْثَرِ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلُهُ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانحر فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّهُ خَصَّهُ بِالصَّلَاةِ لَهُ وَالنَّحْرِ عَلَى الشُّكْرِ لَهُ عَلَى مَا أَعْلَمَهُ مِنَ النِّعْمَةِ الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ بِإِعْطَائِهِ إِيَّاهُ الْكَوْثَرَ فَلَمْ يَكُنْ لِخُصُوصِ بَعْضِ الصَّلَاةِ بِذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ وَبَعْضِ النَّحْرِ دُونَ بَعْضٍ وَجْهٌ إِذَا كَانَ حَثًّا عَلَى الشُّكْرِ عَلَى النِّعَمِ فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ يَا مُحَمَّدُ الْكَوْثَرَ إِنْعَامًا مِنَّا عَلَيْكَ بِهِ وَتَكْرِمَةً مِنَّا لَكَ فَأَخْلِصْ لِرَبِّكَ الْعِبَادَةَ وَأَفْرِدْ لَهُ صَلَاتَكَ وَنُسُكَكَ خِلَافًا لِمَا يَفْعَلُهُ مَنْ كَفَرَ بِهِ وَعَبَدَ غَيْرَهُ وَنَحَرَ لِلْأَوْثَانِ انْتَهَى قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ تَعَالَى

قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنا أول الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ) [3360] قَوْلُهُ بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ أَيْ لَمَّا عُرِجَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى السَّمَاءِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَهُ اللَّهُ إِشَارَةً إلى قوله تعالى إنا أعطيناك الكوثر ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ أَيْ ضَرَبَ الْمَلَكُ بِيَدِهِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ فَأَهْوَى الْمَلَكُ بِيَدِهِ فَاسْتَخْرَجَ مِنْ طِينِهِ مِسْكًا أَذْفَرَ ثُمَّ رُفِعَتْ لِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى أَيْ قُرِّبَتْ وَكُشِفَتْ وَعُرِضَتْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3361] قَوْلُهُ حَافَتَاهُ مِنْ ذَهَبٍ لَا تَخَالُفَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ لِأَنَّ حَافَّتَيْهِ تَكُونَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَأَمَّا الْقِبَابُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ فَتَكُونُ مَبْنِيَّةً عَلَيْهِمَا وَمَجْرَاهُ عَلَى الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ أَيْ جَرَيَانُ مَائِهِ عَلَيْهِمَا تُرْبَتُهُ أَطْيَبُ مِنَ الْمِسْكِ أَيْ تُرَابُهُ أَطْيَبُ رِيحًا مِنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجة وبن أبي حاتم وبن جرير 0 - باب وَمِنْ سُورَةِ الْفَتْحِ وَتُسَمَّى سُورَةَ النَّصْرِ أَيْضًا مدينة وهي ثلاث آيات [3362] قوله (حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ) بْنِ الْجَارُودِ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ أَبِي بِشْرٍ) اسْمُهُ جَعْفَرُ بْنُ

إياس قوله (كان عمر) أي بن الْخَطَّابِ (يَسْأَلُنِي مَعَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ وَفِي رِوَايَتِهِ فِي عَلَامَاتِ النبوة كان عمر بن الخطاب يدنى بن عَبَّاسٍ (فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ) الزُّهْرِيُّ أَحَدُ الْمُبَشَّرَةِ (وَلَنَا بَنُونَ مِثْلُهُ) أَيْ مثل بن عَبَّاسٍ فِي السِّنِّ لَا فِي الْفَضْلِ وَالْقَرَابَةِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ) أَيْ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ عَالِمٌ وَكَانَ ذَلِكَ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ (فَسَأَلَهُ عَنْ هَذِهِ الاية) أي فسأل عمر بن عَبَّاسٍ عَنْ مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ (إِذَا جَاءَ نصر الله) أَيْ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أعدائه (إِنَّمَا هُوَ أَجَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ) أَيْ يَجِيءُ النَّصْرُ وَالْفَتْحُ وَدُخُولُ النَّاسِ فِي الدِّينِ عَلَامَةُ وَفَاةِ النبي صلى الله عليه وسلم أخير اللَّهُ رَسُولَهُ بِذَلِكَ (مَا أَعْلَمُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ (إِلَّا مَا تَعْلَمُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي التَّفْسِيرِ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَقُولُ وَفِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَتَأْثِيرٌ لِإِجَابَةِ دَعْوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَلِّمَهُ التَّأْوِيلَ وَيُفَقِّهَهُ فِي الدِّينِ وَفِيهِ جَوَازُ تَحْدِيثِ الْمَرْءِ عَنْ نَفْسِهِ بِمِثْلِ هَذَا لِإِظْهَارِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِعْلَامِ مَنْ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ لِيُنْزِلَهُ مَنْزِلَتَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ الصَّالِحَةِ لَا لِلْمُفَاخَرَةِ وَالْمُبَاهَاةِ وَفِيهِ جَوَازُ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ بِمَا يُفْهَمُ مِنَ الْإِشَارَاتِ وَإِنَّمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ رَسَخَتْ قَدَمُهُ فِي الْعِلْمِ وَلِهَذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْ فَهْمًا يُؤْتِيهِ اللَّهُ رَجُلًا فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ قوله (أتسأله ولنا بن مِثْلُهُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ

91 - باب ومن سورة تبت يدا وَتُسَمَّى سُورَةَ أَبِي لَهَبٍ أَيْضًا مَكِّيَّةٌ وَهِيَ خَمْسُ آيَاتٍ [3363] قَوْلُهُ (صَعِدَ) مِنَ التَّصْعِيدِ أَيْ رَقِيَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ صَعِدَ فِي السُّلَّمِ كَسَمِعَ صُعُودًا وَصَعِدَ فِي الْجَبَلِ وَعَلَيْهِ تَصْعِيدًا رَقِيَ وَلَمْ يُسْمَعْ صَعِدَ فِيهِ يَا صَبَاحَاهُ هَذِهِ كَلِمَةٌ يَقُولُهَا الْمُسْتَغِيثُ وَأَصْلُهَا إِذَا صَاحُوا لِلْغَارَةِ لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مَا كَانُوا يُغِيرُونَ بِالصَّبَاحِ وَيُسَمُّونَ يَوْمَ الْغَارَةِ يَوْمَ الصَّبَاحِ وَكَأَنَّ الْقَائِلَ يَا صَبَاحَاهُ يَقُولُ قَدْ غَشِينَا الْعَدُوَّ إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ أَيْ قَبْلَ نُزُولِ عَذَابٍ عَظِيمٍ وَعِقَابٍ أَلِيمٍ وَالْمَعْنَى أَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا بِي يَنْزِلْ عَلَيْكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ بَيْنَ يَدَيْ ظرف لغد نَذِيرٌ وَهُوَ بِمَعْنَى قُدَّامَ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ يَكُونُ قُدَّامَ أَحَدٍ يَكُونُ بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ الْمُسَامِتَتَيْنِ لِيَمِينِهِ وَشِمَالِهِ وَفِيهِ تَمْثِيلٌ مَثَّلَ إِنْذَارَهُ لِقَوْمٍ بِعَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى النَّازِلِ عَلَى الْقَوْمِ بِنَذِيرِ قَوْمٍ يَتَقَدَّمُ جَيْشَ الْعَدُوِّ فَيُنْذِرُهُمْ أَرَأَيْتُمْ أَيْ أَخْبِرُونِي مُمَسِّيكُمْ أَوْ مُصَبِّحُكُمْ كِلَاهُمَا بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ بَابِ تَفْعِيلٍ أَيْ مُغِيرُكُمْ فِي الْمَسَاءِ أَوِ الصَّبَاحِ (فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ) هُوَ بن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعُزَّى وَأُمُّهُ خُزَاعِيَّةٌ وَكُنِيَ أَبَا لَهَبٍ إِمَّا لِابْنِهِ لَهَبٍ وَإِمَّا لِشِدَّةِ حُمْرَةِ وَجْنَتِهِ وَقَدْ أَخْرَجَ الْفَاكِهِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ إِنَّمَا سُمِّيَ أَبَا لَهَبٍ لِأَنَّ وَجْهَهُ كَانَ يَتَلَهَّبُ مِنْ حُسْنِهِ انْتَهَى وَوَافَقَ ذَلِكَ مَا آلَ إِلَيْهِ أَمْرُهُ مِنْ أَنَّهُ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَلِهَذَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ بِكُنْيَتِهِ دُونَ اسْمِهِ وَلِكَوْنِهِ بِهَا أَشْهَرَ وَلِأَنَّ فِي اسْمِهِ إِضَافَةً إِلَى الصَّنَمِ وَمَاتَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يَحْضُرْهَا بَلْ أَرْسَلَ عَنْهُ بَدِيلًا فَلَمَّا بَلَغَهُ مَا جَرَى لِقُرَيْشٍ مَاتَ عَنْهَا (أَلِهَذَا) الْهَمْزَةُ لِلِاسْتِفْهَامِ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ (تَبًّا لَكَ) أَيْ خُسْرَانًا وَهَلَاكًا وَنَصَبَهُ بِعَامِلٍ مُضْمَرٍ قَالَهُ الْقَاضِي فَهُوَ إِمَّا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ وَالْمَعْنَى تَبَّ تَبًّا أَوْ بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَيْ أَلْزَمَكَ اللَّهُ هَلَاكًا وَخُسْرَانًا وَأَلْزَمَ تَبًّا تَبَّتْ أَيْ خسرت يدا أبي لهب أَيْ جُمْلَتُهُ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِالْيَدَيْنِ مَجَازًا لِأَنَّ أَكْثَرَ الْأَفْعَالِ تُزَاوَلُ بِهِمَا وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ دُعَاءٌ

وَتَبَّ أَيْ خَسِرَ هُوَ وَهَذِهِ خَبَرٌ كَقَوْلِهِمْ أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ وَقَدْ هَلَكَ وَلَمَّا خَوَّفَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَذَابِ فَقَالَ إِنْ كان ما يقول بن أَخِي حَقًّا أَفْتَدِي مِنْهُ بِمَالِي وَوَلَدِي نَزَلَ ما أغنى عنه ماله ما للنفي وما كسب مرفوع وما موصولة أو مصدرية أي ومكسو به أَوْ وَكَسْبُهُ أَيْ لَمْ يَنْفَعْهُ مَالُهُ الَّذِي وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ وَالَّذِي كَسَبَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ ماله التالد والطارف وعن بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَا كَسَبَ وَلَدُهُ سيصلى أي سيدخل نارا ذات لهب أَيْ ذَاتَ تَوَقُّدٍ وَتَلَهُّبٍ وَامْرَأَتُهُ عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ يَصْلَى سَوَّغَهُ الْفَصْلُ بِالْمَفْعُولِ وَصِفَتُهُ وَهِيَ أُمُّ جَمِيلٍ بِنْتُ حَرْبِ بْنِ أُمَيَّةَ أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ عَمَّةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَتْ فِي نِهَايَةِ الْعَدَاوَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ حَمَّالَةُ بِالرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا جُمْلَةٌ مَسُوقَةٌ لِلْإِخْبَارِ بِأَنَّ امْرَأَةَ أَبِي لَهَبٍ حَمَّالَةُ الْحَطَبِ وَأَمَّا عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ عَطْفِ وَامْرَأَتُهُ عَلَى الضَّمِيرِ فِي يَصْلَى فَيَكُونُ رَفْعُ حَمَّالَةَ عَلَى النَّعْتِ لِامْرَأَتِهِ وَالْإِضَافَةُ حَقِيقِيَّةٌ لِأَنَّهَا بِمَعْنَى الْمُضِيِّ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ حَمَّالَةٌ وَقَرَأَ عَاصِمٌ بِالنَّصْبِ عَلَى الذَّمِّ أَيْ أَعْنِي حَمَّالَةَ الْحَطَبِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنَ امْرَأَتِهِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ حَمَّالَةَ الحطب فَقِيلَ كَانَتْ تَحْمِلُ الشَّوْكَ وَالْحَسَكَ وَالْعِضَاهَ بِاللَّيْلِ فَتَطْرَحُهُ فِي طَرِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ لِتُؤْذِيَهُمْ بِذَلِكَ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنِ بن عَبَّاسٍ وَقِيلَ كَانَتْ تَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَتَنْقُلُ الْحَدِيثَ وَتُلْقِي الْعَدَاوَةَ بَيْنَ النَّاسِ وَتُوقِدُ نَارَهَا كَمَا تُوقِدُ النَّارُ الْحَطَبَ يُقَالُ فُلَانٌ يَحْطِبُ عَلَى فلان إذا نم به في جيدها أي عنقها حبل من مسد أَيْ لِيفٍ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِينِ فِي حَمَّالَةِ الْحَطَبِ الَّذِي هُوَ نَعْتٌ لِامْرَأَتِهِ أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُقَدَّرٍ أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ لِقَوْلِهِ وَامْرَأَتُهُ قَالَ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى (فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) قَالَ الْوَاحِدِيُّ الْمَسَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْفَتْلُ يُقَالُ مَسَدَ الْحَبْلَ يَمْسُدُهُ مَسْدًا إِذَا أَجَادَ قتله وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ إِذَا كَانَ مَجْدُولَ الْخَلْقِ وَالْمَسَدُ مَا مُسِدَ أَيْ فُتِلَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَيُقَالُ لِمَا فُتِلَ مِنْ جُلُودِ الْإِبِلِ وَمِنَ اللِّيفِ وَالْخُوصِ مَسَدٌ وَلِمَا فُتِلَ مِنَ الْحَدِيدِ أَيْضًا مَسَدٌ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ وُجُوهًا أَحَدُهَا فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِمَّا مُسِدَ مِنَ الْحِبَالِ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ تِلْكَ الْحُزْمَةَ مِنَ الشَّوْكِ وَتَرْبِطُهَا فِي جِيدِهَا كَمَا يَفْعَلُ الْحَطَّابُونَ وَالْمَقْصُودُ بَيَانُ خَسَاسَتِهَا تَشْبِيهًا لَهَا بِالْحَطَّابَاتِ إِيذَاءً لَهَا وَلِزَوْجِهَا وَثَانِيهَا أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّ حَالَهَا يَكُونُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا حِينَ كَانَتْ تَحْمِلُ الْحُزْمَةَ مِنَ الشَّوْكِ فَلَا تَزَالُ عَلَى ظَهْرِهَا حُزْمَةٌ مِنْ حَطَبِ النَّارِ مِنْ شَجَرَةِ الزَّقُّومِ وَفِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ سَلَاسِلِ النَّارِ فَإِنْ قِيلَ الْحَبْلُ الْمُتَّخَذُ مِنَ الْمَسَدِ كَيْفَ يَبْقَى أَبَدًا فِي النَّارِ قُلْنَا كَمَا يَبْقَى الْجِلْدُ وَاللَّحْمُ وَالْعَظْمُ أَبَدًا فِي النَّارِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ الْمَسَدُ يَكُونُ مِنَ الْحَدِيدِ وَظَنُّ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْمَسَدَ لَا يَكُونُ مِنَ الْحَدِيدِ خَطَأٌ لِأَنَّ الْمَسَدَ هُوَ الْمَفْتُولُ سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْحَدِيدِ أَوْ مِنْ غيره قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي 2 - بَاب وَمِنْ سُورَةِ

الْإِخْلَاصِ مَكِّيَّةٌ وَقِيلَ مَدَنِيَّةٌ وَهِيَ أَرْبَعُ أَوْ خَمْسُ آيَاتٍ [3364] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ) اسْمُهُ عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى قَوْلُهُ (انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَضَرَبَ أَيْ صِفْهُ لَنَا يُقَالُ نَسَبَ الرَّجُلَ إِذَا وَصَفَهُ وَذَكَرَ نَسَبَهُ (وَالصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يلد ولم يولد) قال الحافظ بن كَثِيرٍ قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ الصَّمَدُ هُوَ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ كَأَنَّهُ جَعَلَ مَا بَعْدَهُ تَفْسِيرًا لَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ لَمْ يلد ولم يولد وَهُوَ تَفْسِيرٌ جَيِّدٌ وَحَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ صَرِيحٌ فِيهِ انْتَهَى وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ باب قوله الله الصمد وَالْعَرَبُ تُسَمِّي أَشْرَافَهَا الصَّمَدَ وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ السَّيِّدُ الَّذِي انْتَهَى سُؤْدُدُهُ انْتَهَى قَالَ الْعَيْنِيُّ أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَنَّ مَعْنَى الصَّمَدِ عِنْدَ الْعَرَبِ الشَّرَفُ وَلِهَذَا يُسَمُّونَ رُؤَسَاءَهُمُ الْأَشْرَافَ بِالصَّمَدِ وعن بن عَبَّاسٍ هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِيهِ أَنْوَاعُ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدُدِ وَقِيلَ هُوَ السَّيِّدُ الْمَقْصُودُ فِي الْحَوَائِجِ تَقُولُ الْعَرَبُ صَمَدْتُ فُلَانًا أَصْمُدُهُ صَمْدًا بِسُكُونِ الْمِيمِ إِذَا قَصَدْتُهُ وَالْمَصْمُودُ صَمَدَ وَيُقَالُ بَيْتٌ مَصْمُودٌ وَمُصْمَدٌ إِذَا قَصَدَهُ النَّاسُ في حوائجهم انتهى وقال الخازن قال بن عَبَّاسٍ الصَّمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَوَجْهُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ أَنَّ الصَّمَدَ الشَّيْءُ الْمُصْمَدُ الصُّلْبُ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ رُطُوبَةٌ وَلَا رَخَاوَةٌ وَمِنْهُ يُقَالُ لِسَدَّادِ الْقَارُورَةِ الصِّمَادُ فَإِنْ فُسِّرَ الصَّمَدُ بِهَذَا كَانَ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ وَيَتَعَالَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ صِفَاتِ الْجِسْمِيَّةِ وَقِيلَ وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الصَّمَدَ الَّذِي لَيْسَ بِأَجْوَفَ مَعْنَاهُ هُوَ الَّذِي لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فَعَلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ هُوَ صِفَةُ كَمَالٍ وَالْقَصْدُ بِقَوْلِهِ اللَّهُ الصمد التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ مَنْ أَثْبَتُوا له الإلهية وإليه الإشارة بقوله تعالى ما المسيح بن مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي أَفْرَادِهِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ الصَّمَدُ هُوَ السَّيِّدُ الذي انتهى سؤدده وهي رواية عن بن عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي كَمُلَ فِيهِ جَمِيعُ أَوْصَافِ السُّؤْدُدِ وَقِيلَ هُوَ السَّيِّدُ الْمَقْصُودُ فِي جَمِيعِ الْحَوَائِجِ الْمَرْغُوبِ إِلَيْهِ فِي الرَّغَائِبِ الْمُسْتَعَانُ بِهِ عِنْدَ

الْمَصَائِبِ وَتَفْرِيجِ الْكُرَبِ وَقِيلَ هُوَ الْكَامِلُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَتِلْكَ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ الْمُتَنَاهِي فِي السُّؤْدُدِ وَالشَّرَفِ وَالْعُلُوِّ وَالْعَظَمَةِ وَالْكَمَالِ وَالْكَرَمِ وَالْإِحْسَانِ وَقِيلَ الصَّمَدُ الدَّائِمُ الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِهِ وَقِيلَ الصَّمَدُ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَا تَعْتَرِيهِ الْآفَاتُ وَلَا تُغَيِّرُهُ الْأَوْقَاتُ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ وَقِيلَ الصَّمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ زَوَالٌ وَالْآخِرُ الَّذِي لَيْسَ لِمُلْكِهِ انْتِقَالٌ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْمَلَ لَفْظُ الصَّمَدِ عَلَى كُلِّ مَا قِيلَ فِيهِ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لَهُ فَعَلَى هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْوُجُودِ صَمَدٌ سِوَى اللَّهِ تَعَالَى الْعَظِيمِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَأَنَّهُ اسْمٌ خَاصٌّ بِاللَّهِ تَعَالَى انْفَرَدَ بِهِ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلْيَا لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ انْتَهَى مَا فِي الْخَازِنِ مُخْتَصَرًا (لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سَيَمُوتُ الخ) هذا دليل لقوله لم يولد (وَلَا عِدْلٌ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الدَّالِ أَيْ مِثْلٌ [3365] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنِ الرَّبِيعِ) بْنِ أَنَسٍ قَوْلُهُ (ذَكَرَ آلِهَتَهُمْ) أَيْ آلِهَةَ الْمُشْرِكِينَ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعْدٍ) أَيْ حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى مُرْسَلًا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعْدٍ مُتَّصِلًا لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ مُوسَى ثِقَةٌ وَأَبَا سَعْدٍ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وبن جرير وبن أَبِي حَاتِمٍ (وَأَبُو سَعْدٍ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُيَسَّرٍ) بِوَزْنِ مُحَمَّدٍ وَقَدْ وَقَعَتْ بَعْدَ هَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ اسْمُهُ عِيسَى وَأَبُو الْعَالِيَةِ اسْمُهُ رَفِيعٌ وَكَانَ عَبْدًا أَعْتَقَتْهُ امْرَأَةٌ صَابِئَةٌ انْتَهَتْ وَوَقَعَ في بعض النسخ امرأة سايبية

(وَمِنْ سُورَتَيِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ سُورَةِ الْفَلَقِ وَسُورَةِ النَّاسِ وَهُمَا مَدَنِيَّتَانِ وَقِيلَ مَكِّيَّتَانِ وَالْأُولَى خَمْسُ آيَاتٍ وَالثَّانِيَةُ سِتُّ آيَاتٍ [3366] قَوْلُهُ (عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْقُرَشِيِّ العامري خال بن أَبِي ذِئْبٍ صَدُوقٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ اسْتَعِيذِي بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ هَذَا أَيْ هَذَا الْقَمَرِ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْغَاسِقُ إِذَا وَقَبَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْغَسَقُ مُحَرَّكَةً ظُلْمَةُ أَوَّلِ اللَّيْلِ وَغَسَقَ اللَّيْلُ غَسَقًا اشْتَدَّتْ ظُلْمَتُهُ وَالْغَاسِقُ الْقَمَرُ أَوِ اللَّيْلُ إِذَا غَابَ الشَّفَقُ وَقَالَ فِيهِ وَقَبَ الظَّلَامُ دَخَلَ وَالشَّمْسُ وَقْبًا وَوُقُوبًا غَابَتْ وَالْقَمَرُ دَخَلَ فِي الْخُسُوفِ وَمِنْهُ غَاسِقٌ إِذَا وَقَبَ انْتَهَى قَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّمَا اسْتَعَاذَ مِنْ كُسُوفِهِ لِأَنَّهُ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ الدَّالَّةِ عَلَى حُدُوثِ بَلِيَّةٍ وَنُزُولِ نَازِلَةٍ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ وَلِأَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِي الْحَدِيثِ كَوَضْعِ الْيَدِ فِي التَّعْيِينِ وَتَوْسِيطُ ضَمِيرِ الْفَصْلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الخبر المعروف يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ هُوَ الْقَمَرُ لَا غَيْرُ انْتَهَى وَقَالَ الْخَازِنُ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا مَا لَفْظُهُ فَعَلَى هَذَا الْحَدِيثِ الْمُرَادُ بِهِ الْقَمَرُ إِذَا خَسَفَ وَاسْوَدَّ وَمَعْنَى وَقَبَ دَخَلَ فِي الْخُسُوفِ أَوْ أَخَذَ فِي الْغَيْبُوبَةِ وَقِيلَ سُمِّيَ بِهِ لأنه إذا خسف اسود وذهب ضوؤه وَقِيلَ إِذَا وَقَبَ دَخَلَ فِي الْمَحَاقِ وَهُوَ آخِرُ الشَّهْرِ وَفِي ذَلِكَ الْوَقْتِ يَتِمُّ السِّحْرُ الْمُورِثُ لِلتَّمْرِيضِ وَهَذَا مُنَاسِبٌ لِسَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ السورة وقال بن عَبَّاسٍ الْغَاسِقُ اللَّيْلُ إِذَا وَقَبَ أَيْ أَقْبَلَ بِظُلْمَتِهِ مِنَ الْمَشْرِقِ وَقِيلَ سُمِّيَ اللَّيْلُ غَاسِقًا لِأَنَّهُ أَبْرَدُ مِنَ النَّهَارِ وَالْغَسَقُ الْبَرْدُ وَإِنَّمَا أُمِرَ بِالتَّعَوُّذِ مِنَ اللَّيْلِ لِأَنَّ فِيهَا تَنْتَشِرُ الْآفَاتُ وَيَقِلُّ الْغَوْثُ وَفِيهِ يَتِمُّ السِّحْرُ وَقِيلَ الْغَاسِقُ الثُّرَيَّا إِذَا سَقَطَتْ وَغَابَتْ وَقِيلَ إِنَّ الْأَسْقَامَ تَكْثُرُ عِنْدَ وُقُوعِهَا وَتَرْتَفِعُ عِنْدَ طُلُوعِهَا فَلِهَذَا أُمِرَ بِالتَّعَوُّذِ مِنَ الثُّرَيَّا عِنْدَ سُقُوطِهَا انتهى وقال بن جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ شَرِّ غَاسِقٍ وَهُوَ الَّذِي يُظْلِمُ يُقَالُ قَدْ غَسَقَ اللَّيْلُ يَغْسِقُ غُسُوقًا إِذَا أَظْلَمَ إِذَا وَقَبَ يَعْنِي إِذَا دَخَلَ فِي

ظَلَامِهِ وَاللَّيْلُ إِذَا دَخَلَ فِي ظَلَامِهِ غَاسِقٌ وَالنَّجْمُ إِذَا أَفَلَ غَاسِقٌ وَالْقَمَرُ غَاسِقٌ إِذَا وَقَبَ وَلَمْ يُخَصِّصْ بَعْدَ ذَلِكَ بَلْ عَمَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ فَكُلُّ غَاسِقٍ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُؤْمَرُ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّهِ إِذَا وَقَبَ انْتَهَى قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ احمد والنسائي والحاكم وصححه وبن جَرِيرٍ [3367] قَوْلُهُ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ آيَاتٍ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ إِلَخْ قَدْ سَبَقَ هَذَا الحديث مع شرحه في فضائل القرآن 4 - باب [3368] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ) فِي التَّقْرِيبِ الْحَارِثُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَتَيْنِ الدَّوْسِيُّ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ عَطَسَ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَضَرَبَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَيْ فَأَرَادَ أَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَحَمِدَ اللَّهَ بِإِذْنِهِ أَيْ بِأَمْرِهِ وَحُكْمِهِ أَوْ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ أَوْ بِتَيْسِيرِهِ وَتَوْفِيقِهِ (إِلَى مَلَأٍ مِنْهُمْ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا فَيَكُونُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَالًا فَيَكُونُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانًا لِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ إِلَى الْحَالِ أَقْرَبُ مِنْهُ إِلَى الْبَدَلِ يَعْنِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أُولَئِكَ مُشِيرًا بِهِ إِلَى مَلَأٍ مِنْهُمْ (جُلُوسٍ) بِالْجَرِّ صِفَةُ مَلَأٍ أَيْ جَالِسِينَ أَوْ ذَوِي جُلُوسٍ فَقُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ قَالُوا وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ هَذَا اخْتِصَارٌ وَالتَّقْدِيرُ فَقُلِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَذَهَبَ آدَمُ

إِلَيْهِمْ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ قَالَ أَيِ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ إِنَّ هَذِهِ أَيِ الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ فِيهِ تَغْلِيبٌ أَيْ ذُرِّيَّتِكَ بَيْنَهُمْ أَيْ فِيمَا بَيْنَهُمْ عِنْدَ مُلَاقَاتِهِمْ فَهَذِهِ سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ (وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ) الجملة حال والضمير لله قال القارىء مَذْهَبُ السَّلَفِ مِنْ نَفْيِ التَّشْبِيهِ وَإِثْبَاتِ التَّنْزِيهِ مَعَ التَّفْوِيضِ أَسْلَمُ انْتَهَى قُلْتُ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ (اخْتَرْ أَيَّهُمَا) أَيْ مِنَ الْيَدَيْنِ وَفِي الْمِشْكَاةِ أَيَّتَهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ (وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ) مِنْ كَلَامِ آدَمَ أَوْ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ (مُبَارَكَةٌ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ (ثُمَّ بَسَطَهَا) أَيْ فَتَحَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَمِينَهُ (فَإِذَا فِيهَا) أَيْ مَوْجُودٌ (آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي رَأَى آدَمُ مِثَالَهُ وَمِثَالَ بَنِيهِ فِي عَالَمِ الْغَيْبِ (هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ) الظَّاهِرُ مِنْ كَوْنِهِمْ فِي الْيَمِينِ اخْتِصَاصُهُمْ بِالصَّالِحِينَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَالْمُقَرَّبِينَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ إِلَخْ (فَإِذَا فِيهِمْ رجل أضوؤهم) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لِكُلِّهِمْ ضِيَاءً لَكِنَّهُ يَخْتَلِفُ فِيهِمْ بِحَسَبِ نُورِ إِيمَانِهِمْ (أَوْ مِنْ أَضْوَئِهِمْ) الظَّاهِرُ أَنَّهُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (مَنْ هَذَا) قَالَ الطِّيبِيُّ ذَكَرَ أَوَّلًا مَا هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُ مَا عَرَفَ مَا رَآهُ ثُمَّ لَمَّا قِيلَ لَهُ هُمْ ذُرِّيَّتُكَ فَعَرَفَهُمْ فَقَالَ مَنْ هَذَا (وَقَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمُرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ عُمُرَ أَرْبَعِينَ مَفْعُولُ كَتَبْتُ وَمُؤَدَّى الْمَكْتُوبِ لِأَنَّ الْمَكْتُوبَ عُمُرُهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَنَصَبَ أَرْبَعِينَ عَلَى الْمَصْدَرِ عَلَى تَأْوِيلِ كَتَبْتُ لَهُ أَنْ يُعَمَّرَ أَرْبَعِينَ سَنَةً (قَالَ يَا رَبِّ زِدْهُ فِي عُمُرِهِ) أَيْ مِنْ عِنْدِكَ وَفَضْلِكَ (ذَاكَ الَّذِي كُتِبَ لَهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ كَتَبْتُ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَعْلُومِ قَالَ الطِّيبِيُّ ذَاكَ الَّذِي مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ مَعْرِفَتَانِ فَيُفِيدُ الْحَصْرَ أَيْ لَا مَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا نُقْصَانَ (قَالَ) يَعْنِي آدَمَ (أَيْ رَبِّ) أَيْ يَا رَبِّ (فَإِنِّي) أَيْ إِذَا أَبَيْتَ مِنْ عِنْدِكَ فَإِنِّي (قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عمري) أي من جملة مدة عمري وسنيه (سِتِّينَ سَنَةً) أَيْ تَكْمِلَةً لِلْمِائَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْخَبَرِ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِدْعَاءُ مِنْ رَبِّهِ أَنْ يَجْعَلَهُ سُبْحَانَهُ كَذَلِكَ فَإِنَّ أَحَدًا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى هَذَا الْجُعْلِ وَقَوْلُهُ قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمُرِي سِتِّينَ سَنَةً هُنَا يُخَالِفُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ بِلَفْظِ زِدْهُ مِنْ عُمُرِي أَرْبَعِينَ سَنَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْجَمْعِ هُنَاكَ (قال أنت وذاك) قال القارىء يَحْتَمِلُ الْبَرَاءَةَ وَيَحْتَمِلُ الْإِجَابَةَ وَقَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ نَحْوُ قَوْلِهِمْ كُلُّ

رَجُلٍ وَضَيْعَتُهُ أَيْ أَنْتَ مَعَ مَطْلُوبِكَ مَقْرُونَانِ (ثُمَّ أُسْكِنَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِسْكَانِ (ثُمَّ أُهْبِطَ) أَيْ أُنْزِلَ (مِنْهَا) أَيْ مِنَ الْجَنَّةِ (يَعُدُّ لِنَفْسِهِ) أَيْ يُقَدِّرُ لَهُ وَيُرَاعِي أَوْقَاتَ أَجَلِهِ سَنَةً فَسَنَةً (فَأَتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ) أَيِ امْتِحَانًا بَعْدَ تَمَامِ تِسْعِمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً (قَدْ عَجِلْتَ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيِ اسْتَعْجَلْتَ وَجِئْتَ قَبْلَ أَوَانِهِ (فَجَحَدَ) أَيْ أَنْكَرَ آدَمُ (فَجَحَدَتْ ذُرِّيَّتُهُ) أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ سِرِّ أَبِيهِ (وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ) لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ طِينَةِ أَبِيهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ آدَمَ نَسِيَ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ فَجَحَدَ فَيَكُونُ اعْتِذَارًا لَهُ إذا يَبْعُدُ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يُنْكِرَ مَعَ التَّذَكُّرِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أُمِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُمِرَ النَّاسُ أَوِ الْغَائِبُ (بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ) أَيْ بِكِتَابَةِ الْقَضَايَا والشهود فيها 5 - باب [3369] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبِ) بْنِ يَزِيدَ الشَّيْبَانِيُّ أَبُو عِيسَى الْوَاسِطِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ فَاضِلٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ) الْهَاشِمِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ أَيْ أَرْضَ الْكَعْبَةِ وَدُحِيَتْ وَبُسِطَتْ مِنْ جَوَانِبِهَا وَبَقِيَتْ كَلَوْحَةٍ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ جَعَلَتْ تَمِيدُ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ شَرَعَتْ تَمِيلُ وَتَتَحَرَّكُ وَتَضْطَرِبُ شَدِيدَةً وَلَا تَسْتَقِرُّ حَتَّى قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ لَا يَنْتَفِعُ الْإِنْسُ بِهَا فَخَلَقَ الْجِبَالَ قِيلَ أَوَّلُهَا أَبُو قُبَيْسٍ فَقَالَ بِهَا عَلَيْهَا أَيْ أَمَرَ وَأَشَارَ بِكَوْنِهَا وَاسْتِقْرَارِهَا عَلَيْهَا فَاسْتَقَرَّتْ أَيِ الْجِبَالُ عَلَيْهَا أَوْ فَثَبَتَتِ الْأَرْضُ فِي مَكَانِهَا أَوْ مَا مَادَتْ وَلَا مَالَتْ عَنْ حَالِهَا وَمَحَلِّهَا قَالَ الطِّيبِيُّ قَدْ مَرَّ مِرَارًا أَنَّ الْقَوْلَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ كُلِّ فِعْلٍ وَقَرِينَةُ اخْتِصَاصِهِ اقْتِضَاءُ الْمَقَامِ فَالتَّقْدِيرُ أَلْقَى بِالْجِبَالِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَأَلْقَى فِي الأرض رواسي أن تميد بكم فَالْبَاءُ زَائِدَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تعالى ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وَإِيثَارُ الْقَوْلِ عَلَى الْإِلْقَاءِ

وَالْإِرْسَالِ لِبَيَانِ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ الْعَظِيمِ يَتَأَتَّى مِنْ عَظِيمِ قُدْرَتِهِ بِمُجَرَّدِ الْقَوْلِ وَقِيلَ ضَمَّنَ الْقَوْلَ مَعْنَى الْأَمْرِ أَيْ أَمَرَ الْجِبَالَ قَائِلًا ارْسِي عَلَيْهَا وَقِيلَ أَيْ ضَرَبَ بِالْجِبَالِ عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ هَلْ مِنْ خَلْقِكَ أَيْ مَخْلُوقَاتِكَ قَالَ نَعَمْ الْحَدِيدُ فَإِنَّهُ يُكْسَرُ بِهِ الْحَجَرُ وَيُقْلَعُ بِهِ الْجِبَالُ النَّارُ فَإِنَّهَا تُلِينُ الْحَدِيدَ وَتُذِيبُهُ قَالَ نَعَمْ الْمَاءُ لِأَنَّهُ يُطْفِئُ النَّارَ قَالَ نَعَمْ الرِّيحُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا تُفَرِّقُ الْمَاءَ وَتَنْشَقُهُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنَّ الرِّيحَ تَسُوقُ السَّحَابَ الْحَامِلَ لِلْمَاءِ نعم بن آدَمَ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ إِلَخْ أَيِ التَّصَدُّقُ مِنْ بَنِي آدَمَ أَشَدُّ مِنَ الرِّيحِ وَمِنْ كُلِّ مَا ذُكِرَ وَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ مُخَالَفَةَ النَّفْسِ وَقَهْرَ الطَّبِيعَةِ وَالشَّيْطَانِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ أَوْ لِأَنَّ صَدَقَتَهُ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ وَغَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ فِي الصُّعُوبَةِ وَالشِّدَّةِ وَإِذَا فُرِضَ نُزُولُ عَذَابِ اللَّهِ بِالرِّيحِ عَلَى أَحَدٍ وَتَصَدَّقَ فِي السِّرِّ عَلَى أَحَدٍ تَدْفَعُ الْعَذَابَ الْمَذْكُورَ فَكَانَ أَشَدَّ مِنَ الرِّيحِ قَالَهُ فِي اللُّمَعَاتِ وَقَالَ الطيبي فإن من جبلة بن آدَمَ الْقَبْضُ وَالْبُخْلُ الَّذِي هُوَ مِنْ طَبِيعَةِ الْأَرْضِ وَمِنْ جِبِلَّتِهِ الِاسْتِعْلَاءُ وَطَلَبُ انْتِشَارِ الصِّيتِ وَهُمَا مِنْ طَبِيعَتَيِ النَّارِ وَالرِّيحِ فَإِذَا رَاغَمَ بِالْإِعْطَاءِ جِبِلَّتَهُ الْأَرْضِيَّةَ وَبِالْإِخْفَاءِ جِبِلَّتَهُ النَّارِيَّةَ وَالرِّيحِيَّةَ كَانَ أَشَدَّ مِنَ الْكُلِّ انْتَهَى اعْلَمْ أَنَّ إِيرَادَ التِّرْمِذِيِّ هَذَيْنِ الْبَابَيْنِ فِي آخِرِ التَّفْسِيرِ كَإِيرَادِهِ أَحَادِيثَ شَتَّى فِي آخِرِ أَبْوَابِ الدَّعَوَاتِ فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ يَتَعَلَّقُ بقوله تعالى ولقد عهدنا إلى آدم أَيْ وَصَّيْنَاهُ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنَ الشَّجَرَةِ (مِنْ قَبْلُ) أَيْ قَبْلَ أَكْلِهِ مِنْهَا فَنَسِيَ أي عهدنا ولم نجد له عزما حَزْمًا وَصَبْرًا عَمَّا نَهَيْنَاهُ عَنْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ تَحْتَ قَوْلِهِ وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ يُشِيرُ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قبل فنسي ولم نجد له عزما وَحَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي الْبَابِ الثَّانِي يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أن تميد بكم

45 - كتاب الدعوات

بسم الله الرحمن الرحيم 45 - كتاب الدعوات عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَتَيْنِ جَمْعُ الدَّعْوَةِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ بِمَعْنَى الدُّعَاءِ وَهُوَ طَلَبُ الْأَدْنَى بِالْقَوْلِ مِنَ الْأَعْلَى شَيْئًا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِكَانَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَجْمَعَ أَهْلُ الْفَتَاوَى فِي الْأَمْصَارِ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ وَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنَ الزُّهَّادِ وَأَهْلِ الْمَعَارِفِ إِلَى أَنَّ تَرْكَهُ أَفْضَلُ اسْتِسْلَامًا وَقَالَ جَمَاعَةٌ إِنْ دَعَا لِلْمُسْلِمِينَ فَحَسَنٌ وَإِنْ خَصَّ نَفْسَهُ فَلَا وَقِيلَ إِنْ وَجَدَ بَاعِثًا للدعاء استجب وَإِلَّا فَلَا وَدَلِيلُ الْفُقَهَاءِ ظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ انْتَهَى (عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيِ الْمَأْثُورَةِ عَنْهُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لَمْ يَقَعِ الْبَسْمَلَةُ هُنَا في بعض النسخ (باب ما جاء في فضل الدعاء) [3370] قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ) الْبَصْرِيِّ هُوَ أَخُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنْ أَوْسَاطِ التَّابِعِينَ وَاسْمُ أَبِيهِ يَسَارٌ قَوْلُهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَيْ مِنَ الْأَذْكَارِ وَالْعِبَادَاتِ فَلَا يُنَافِيهِ قَوْلُهُ تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم أَكْرَمَ بِالنَّصْبِ خَبَرُ لَيْسَ أَيْ أَفْضَلَ عَلَى اللَّهِ أَيْ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ لِأَنَّ فِيهِ إِظْهَارَ الْفَقْرِ وَالْعَجْزِ وَالتَّذَلُّلِ وَالِاعْتِرَافِ بِقُوَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ الْقَطَّانِ) وأخرجه أحمد والبخاري في الأدب المفرد

وبن ماجة وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَأَقَرَّهُ الذَّهَبِيُّ (وَعِمْرَانُ القطان هو بن دَاوِرَ وَيُكَنَى أَبَا الْعَوَّامِ) لَمْ تَقَعْ هَذِهِ الْعِبَارَةُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَاب مِنْهُ [3371] قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ) قَالَ فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ فِي نُسْخَةِ الْمَنْقُولِ عَنْهُ وَأَمْثَالُهُ عَبْدُ اللَّهِ مُكَبَّرًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الصَّحِيحَةِ عُبَيْدُ اللَّهِ مُصَغَّرًا وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنَ التَّقْرِيبِ بَعْدَ التَّأَمُّلِ وَإِمْعَانِ النَّظَرِ انْتَهَى قُلْتُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ مُكَبَّرًا لَيْسَ مِنْ رِجَالِ جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ بَلْ هُوَ مِنْ رِجَالِ أَبِي دَاوُدَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ مُصَغَّرًا مِنْ رِجَالِ الصِّحَاحِ السِّتَّةِ فَتَعَيَّنَ أَنَّ النُّسَخَ الَّتِي فِيهَا عُبَيْدُ اللَّهِ بِالتَّصْغِيرِ هِيَ الصَّحِيحَةُ وَكَوْنُهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَبْدَ اللَّهِ بِالتَّكْبِيرِ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ هَذَا مِصْرِيٌّ يُكَنَى أَبَا بَكْرٍ ثِقَةٌ وَقِيلَ عَنْ أَحْمَدَ إِنَّهُ لَيَّنَهُ وَكَانَ فَقِيهًا عَابِدًا قَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ مِثْلُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ الْمُخُّ بِالضَّمِّ نِقْيُ الْعَظْمِ وَالدِّمَاغِ وَشَحْمَةُ الْعَيْنِ وَخَالِصُ كُلِّ شَيْءٍ وَالْمَعْنَى أَنَّ الدُّعَاءَ لُبُّ الْعِبَادَةِ وَخَالِصُهَا لِأَنَّ الدَّاعِيَ إِنَّمَا يَدْعُو اللَّهَ عِنْدَ انْقِطَاعِ أَمَلِهِ مِمَّا سِوَاهُ وَذَلِكَ حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ ولا عبادة فوقهما قال بن الْعَرَبِيِّ وَبِالْمُخِّ تَكُونُ الْقُوَّةُ لِلْأَعْضَاءِ فَكَذَا الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ بِهِ تَتَقَوَّى عِبَادَةُ الْعَابِدِينَ فَإِنَّهُ رُوحُ الْعِبَادَةِ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ تعالى إن الذين يستكبرون عن عبادتي أَيْ عَنْ دُعَائِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حديث بن لَهِيعَةَ) وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَغَيْرُهُ كَمَا

صَرَّحَ بِهِ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ وَمَعَ ضَعْفِهِ فَهُوَ مُدَلِّسٌ يُدَلِّسُ عَنِ الضُّعَفَاءِ [3372] قَوْلُهُ (عَنْ ذَرٍّ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُرْهِبِيِّ (عَنْ يُسَيِّعَ) الْكِنْدِيِّ قَوْلُهُ الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ قَالَ مَيْرَكُ أَتَى بِضَمِيرِ الْفَصْلِ وَالْخَبَرِ الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ لِيَدُلَّ عَلَى الْحَصْرِ فِي أَنَّ الْعِبَادَةَ لَيْسَتْ غَيْرَ الدُّعَاءِ مُبَالَغَةً وَمَعْنَاهُ أَنَّ الدُّعَاءَ مُعَظَّمُ الْعِبَادَةِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجُّ عَرَفَةُ أَيْ مُعَظَّمُ أَرْكَانِ الْحَجِّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ سَوَاءٌ اسْتُجِيبَ أَوْ لَمْ يُسْتَجَبْ لِأَنَّهُ إِظْهَارُ الْعَبْدِ الْعَجْزَ وَالِاحْتِيَاجَ مِنْ نَفْسِهِ وَالِاعْتِرَافَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إِجَابَتِهِ كَرِيمٌ لَا بُخْلَ لَهُ وَلَا فَقْرَ وَلَا احْتِيَاجَ لَهُ إِلَى شَيْءٍ حَتَّى يَدَّخِرَ لِنَفْسِهِ وَيَمْنَعَهُ مِنْ عِبَادِهِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ هِيَ الْعِبَادَةُ بَلْ مُخُّهَا انْتَهَى ثُمَّ قَرَأَ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ قِيلَ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْمَأْمُورُ بِهِ عِبَادَةٌ وَقَالَ الْقَاضِي اسْتُشْهِدَ بِالْآيَةِ لِدَلَالَتِهَا عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ تَرَتُّبَ الْجَزَاءِ عَلَى الشَّرْطِ وَالْمُسَبَّبِ عَلَى السَّبَبِ وَيَكُونُ أَتَمَّ الْعِبَادَاتِ وَيَقْرُبُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ مُخُّ الْعِبَادَةِ أَيْ خَالِصُهَا إِنَّ الذين يستكبرون عن عبادتي أي من دعائي كذا فسره الحافظ بن كَثِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ أَيْ صَاغِرِينَ ذَلِيلِينَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيُّ الْأَوْلَى حَمْلُ الدُّعَاءِ فِي الْآيَةِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ عِبَادَتِي فَوَجْهُ الرَّبْطِ أَنَّ الدُّعَاءَ أَخَصُّ مِنَ الْعِبَادَةِ فَمَنِ اسْتَكْبَرَ عَنِ الْعِبَادَةِ اسْتَكْبَرَ عَنِ الدُّعَاءِ وَعَلَى هَذَا الْوَعِيدُ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ تَرَكَ الدُّعَاءَ اسْتِكْبَارًا وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَفَرَ وَأَمَّا مَنْ تَرَكَهُ لِمَقْصِدٍ مِنَ الْمَقَاصِدِ فَلَا يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْوَعِيدُ الْمَذْكُورُ وَإِنْ كُنَّا نَرَى أَنَّ مُلَازَمَةَ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِكْثَارَ مِنْهُ أَرْجَحُ من الترك لكثرة الأدر الْوَارِدَةِ فِي الْحَثِّ عَلَيْهِ انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَى حَدِيثِ النُّعْمَانِ أَنْ تُحْمَلَ الْعِبَادَةُ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ إِذِ الدُّعَاءُ هُوَ إِظْهَارُ غَايَةِ التَّذَلُّلِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ وَالِاسْتِكَانَةِ لَهُ وَمَا شُرِعَتِ الْعِبَادَاتُ إِلَّا لِلْخُضُوعِ لِلْبَارِي وَإِظْهَارِ الِافْتِقَارِ إِلَيْهِ وَلِهَذَا خَتَمَ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ إِنَّ الَّذِينَ يستكبرون عن عبادتي حَيْثُ عَبَّرَ عَنْ عَدَمِ التَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ بِالِاسْتِكْبَارِ وَوَضَعَ عِبَادَتِي مَوْضِعَ دُعَائِي وَجَعَلَ جَزَاءَ ذَلِكَ الِاسْتِكْبَارِ الصَّغَارَ وَالْهَوَانَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ

وبن ماجة وبن حبان والحاكم وقال صحيح الإسناد وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْمُؤْمِنِ بَاب مِنْهُ [3373] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ) الْفَارِسِيِّ الْمَدَنِيِّ الْخَوَّاطِ اسْمُهُ صُبَيْحٌ وَقِيلَ حُمَيْدٌ رَوَى عَنْ أَبِي صَالِحٍ الْخُوزِيِّ وَعَنْهُ حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ وَغَيْرُهُ وَرَوَى عَنْهُ أَبُو عَاصِمٍ وَسَمَّاهُ حُمَيْدًا قال مضر بن محمد عن بن معين ثقة وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) الْخُوزِيِّ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ ثُمَّ زَايٍ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ إِنَّهُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ لِأَنَّ تَرْكَ السُّؤَالِ تَكَبُّرٌ وَاسْتِغْنَاءٌ وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْعَبْدِ وَنِعْمَ ما قيل الله بغضب إن تركت سؤاله وترى بن آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ مِنْ فَضْلِهِ فَمَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يُبْغِضْهُ وَالْمَبْغُوضُ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى وكيع) هو بن الْجَرَّاحِ (عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ هذا الحديث) ورواه بن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ حَيْثُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا أَبُو الْمَلِيحِ الْمَدَنِيُّ سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ غَضِبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ) اسْمُهُ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ النَّبِيلُ (عَنْ حُمَيْدٍ أَبِي الْمَلِيحِ) بِضَمِّ الْحَاءِ مُصَغَّرًا كَمَا سَمَّاهُ حُمَيْدًا وَقِيلَ اسْمُهُ صُبَيْحٌ كَمَا تَقَدَّمَ وَحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ في الأدب المفرد وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَزَّارُ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا فِي الْفَتْحِ

باب ما جاء في فضل الذكر

(بَابُ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الذِّكْرِ) أَيْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا الْإِتْيَانُ بِالْأَلْفَاظِ الَّتِي وَرَدَ التَّرْغِيبُ فِي قَوْلِهَا وَالْإِكْثَارُ مِنْهَا مِثْلِ الْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ وَهِيَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا يَلْتَحِقُ بِهَا مِنَ الْحَوْقَلَةِ وَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَسْبَلَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالدُّعَاءُ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيُطْلَقُ ذِكْرُ اللَّهِ أَيْضًا وَيُرَادُ بِهِ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَهُ أَوْ نَدَبَ إِلَيْهِ كَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَةِ الْحَدِيثِ وَمُدَارَسَةِ الْعِلْمِ وَالتَّنَفُّلِ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ الذِّكْرُ يَقَعُ تَارَةً بِاللِّسَانِ وَيُؤْجَرُ عَلَيْهِ النَّاطِقُ وَلَا يُشْتَرَطُ اسْتِحْضَارُهُ لِمَعْنَاهُ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَلَّا يُقْصَدَ بِهِ غَيْرُ مَعْنَاهُ ولمن انْضَافَ إِلَى النُّطْقِ الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ فَهُوَ أَكْمَلُ فَإِنِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ اسْتِحْضَارُ مَعْنَى الذِّكْرِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَفْيِ النَّقَائِصِ عَنْهُ ازْدَادَ كَمَالًا فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ فِي عَمَلٍ صَالِحٍ مَهْمَا فُرِضَ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ جِهَادٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ازْدَادَ كَمَالًا فَإِنْ صَحَّحَ التَّوْبَةَ وَأَخْلَصَ لِلَّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ فَهُوَ أَبْلَغُ الْكَمَالِ كَذَا فِي الْفَتْحِ [3375] قَوْلُهُ (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ) بْنِ حُضَيْرٍ الحضرمي (عن عمرو بن قيس) الكندي السكوئي (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الْمَازِنِيِّ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ مَاتَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَقِيلَ سِتٍّ وَتِسْعِينَ وَلَهُ مِائَةُ سَنَةٍ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالشَّامِ مِنَ الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ) قَالَ الطِّيبِيُّ الشَّرِيعَةُ مَوْرِدُ الْإِبِلِ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي وَالْمُرَادُ مَا شَرَعَ اللَّهُ وَأَظْهَرَهُ لِعِبَادِهِ من الفرائض والسنن انتهى قال القارىء الظاهر أن المراد بها هنا النوافل لقوله (قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَيُفْتَحُ أَيْ غَلَبَتْ عَلَيَّ بِالْكَثْرَةِ حَتَّى عَجَزْتُ عَنْهَا لِضَعْفِي (فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ التَّنْكِيرُ فِي بِشَيْءٍ لِلتَّقْلِيلِ الْمُتَضَمِّنِ لِمَعْنَى التَّعْظِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَرِضْوَانٌ من الله أكبر وَمَعْنَاهُ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ يَسِيرٍ مُسْتَجْلِبٍ لِثَوَابٍ كَثِيرٍ قال القارىء وإلا ظهر أَنَّ التَّنْوِينَ لِمُجَرَّدِ التَّنْكِيرِ انْتَهَى قُلْتُ بَلِ الْأَظْهَرُ هُوَ مَا قَالَ الطِّيبِيُّ فَتَأَمَّلْ (أَتَشَبَّثُ بِهِ) أَيْ أَتَعَلَّقُ بِهِ وَأَسْتَمْسِكُ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ يَتْرُكُ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ رَأْسًا بَلْ طَلَبَ مَا يَتَشَبَّثُ بِهِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ عَنْ سَائِرِ مَا لَمْ يُفْتَرَضْ عَلَيْهِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ قَالَ لَا يَزَالُ أَيْ هُوَ أَنَّهُ لَا يَزَالُ (لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ) أَيْ طَرِيًّا مُشْتَغِلًا قَرِيبَ الْعَهْدِ مِنْهُ وَهُوَ

باب منه قوله أي العباد أفضل درجة

كِنَايَةٌ عَنِ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الذِّكْرِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (بَاب مِنْهُ [3376] قَوْلُهُ (أَيُّ الْعِبَادِ أَفْضَلُ دَرَجَةً)) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ أَيُّ الْعِبَادِ أَفْضَلُ وَأَرْفَعُ دَرَجَةً قَالَ الذَّاكِرُونَ كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْوَاوِ وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهِمَا الذَّاكِرِينَ بِالْيَاءِ وَهُوَ عَلَى الْحِكَايَةِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّ الْمُسْلِمِينَ والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات إِلَى قَوْلِهِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مغفرة وأجرا عظيما قِيلَ الْمُرَادُ بِهِمُ الْمُدَاوِمُونَ عَلَى ذِكْرِهِ وَفِكْرِهِ وَالْقَائِمُونَ بِالطَّاعَةِ الْمُوَاظِبُونَ عَلَى شُكْرِهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِمُ الَّذِينَ يَأْتُونَ بِالْأَذْكَارِ الْوَارِدَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَالْأَوْقَاتِ (وَمِنَ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيِ الذَّاكِرُونَ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ وَمِنَ الْغَازِي أَيْضًا قَالَ ذَلِكَ تَعَجُّبًا (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَوَابِهِ لَوْ ضَرَبَ أَيِ الْغَازِي بِسَيْفِهِ فِي الْكُفَّارِ هَذَا مِنْ قَبِيلِ يَجْرَحُ فِي عَرَاقِيبِهَا نَصْلِي حَيْثُ جَعَلَ الْمَفْعُولَ بِهِ مَفْعُولًا فِيهِ مُبَالَغَةً أَنْ يُوجَدَ فِيهِمُ الضَّرْبُ وَيَجْعَلَهُمْ مَكَانًا لِلضَّرْبِ بِالسَّيْفِ لِأَنَّ جَعْلَهُمْ مَكَانًا لِلضَّرْبِ أَبْلَغُ مِنْ جَعْلِهِمْ مَضْرُوبِينَ بِهِ فَقَطْ وَالْمُشْرِكِينَ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ اهْتِمَامًا بِشَأْنِهِمْ فَإِنَّهُمْ ضِدُّ الْمُوَحِّدِينَ حَتَّى يَنْكَسِرَ أَيْ سَيْفُهُ وَيَخْتَضِبَ أَيْ هُوَ أَوْ سَيْفُهُ دَمًا وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الشَّهَادَةِ أَفْضَلَ مِنْهُ أَيْ مِنَ الْغَازِي دَرَجَةً تَحْتَمِلُ الْوَحْدَةَ أَيْ بِدَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ عَظِيمَةٍ وَتَحْتَمِلُ الْجِنْسَ أَيْ بِدَرَجَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثُ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مُخْتَصَرًا قَالَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ دَرَجَةً قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ

باب

(باب) منه [3377] قوله (عن زياد) هو بن زِيَادٍ مَيْسَرَةُ الْمَخْزُومِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الْكِنْدِيُّ السُّكُونِيُّ حِمْصِيٌّ مَشْهُورٌ مُخَضْرَمٌ ثِقَةٌ قَوْلُهُ أَلَا أُنَبِّئُكُمْ أَيْ أَلَا أُخْبِرُكُمْ وَأَزْكَاهَا أَيْ أَنْمَاهَا وَأَنْقَاهَا وَالزَّكَاءُ النَّمَاءُ وَالْبَرَكَةُ عِنْدَ مَلِيكِكُمْ الْمَلِيكُ بِمَعْنَى الْمَالِكُ لِلْمُبَالَغَةِ وَقَالَ في القاموس الملك ككتف وأمير وصاحب والملك وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيُسَكَّنُ أَيِ الْفِضَّةُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ وَخَيْرٍ مَجْرُورٌ عَطْفًا عَلَى خَيْرِ أَعْمَالِكُمْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الْمَعْنَى أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ بَذْلِ أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ انْتَهَى وَقِيلَ عَطْفٌ عَلَى خَيْرِ أَعْمَالِكُمْ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ خَيْرُ الْأَعْمَالِ مُطْلَقًا وَهَذَا خَيْرٌ مِنْ بَذْلِ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ أَوْ عَطْفٌ مُغَايِرٌ بِأَنْ يُرَادَ بِالْأَعْمَالِ الْأَعْمَالُ اللِّسَانِيَّةُ فَيَكُونُ ضِدَّ هَذَا لِأَنَّ بَذْلَ الْأَمْوَالِ وَالنُّفُوسِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْفِعْلِيَّةِ قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ بَلْ قَدْ يَأْجُرُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَلِيلِ الْأَعْمَالِ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْجُرُ عَلَى كَثِيرِهَا فَإِذَا الثَّوَابُ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَفَاوُتِ الرُّتَبِ فِي الشَّرَفِ انْتَهَى وَحَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا مالك في الموطإ وأحمد في المسند وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وبن شَاهِينَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الذِّكْرِ كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ إِلَّا أَنَّ مَالِكًا فِي الْمُوَطَّأِ وَقَفَهُ عَلَيْهِ وَقَدْ صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَوْلُهُ (مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ مِنْ الْأُولَى صِلَةُ أَنْجَى وَالثَّانِيَةُ تَفْضِيلِيَّةٌ اعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ قَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مُتَّصِلٌ بِمَا قَبْلَهُ فَفِي الْمُوَطَّأِ مَالِكٌ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَالَ قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ لَكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ إِلَى قَوْلِهِ قَالُوا بَلَى قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ زِيَادُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الرحمن معاذ بن جبل ما عمل بن آدَمَ مِنْ عَمَلٍ أَنْجَى لَهُ مِنْ عَذَابِ

باب ما جاء في القوم يجلسون فيذكرون الله ما لهم

اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَرَوَى أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ وبن عَبْدِ الْبَرِّ قَوْلَ مُعَاذٍ هَذَا مَرْفُوعًا (وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ) كَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَمِكِّيٍّ عِنْدَ أحمد والمغيرة بن عبد الرحمن عند بن مَاجَهْ 7 (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقَوْمِ يَجْلِسُونَ فيذكرون الله مَا لَهُمْ) مِنْ الْفَضْلِ [3378] قَوْلُهُ (عَنِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالرَّاءِ الثَّقِيلَةِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ الْأَغَرُّ أَبُو مُسْلِمٍ الْمَدِينِيُّ نَزِيلُ الْكُوفَةِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَهُوَ غَيْرُ سَلْمَانَ الْأَغَرِّ الَّذِي يُكَنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ قَلَبَهُ الطَّبَرَانِيُّ فَقَالَ اسْمُهُ مُسْلِمٌ وَيُكَنَى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) ظَاهِرٌ فِي أنه سمعه منهما قال بن التِّينِ أَرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ التَّأْكِيدَ لِلرِّوَايَةِ انْتَهَى قَوْلُهُ إِلَّا حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَيْ أَحَاطَتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَطُوفُونَ فِي الطَّرِيقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ أَيْ غَطَّتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ أَيِ الطُّمَأْنِينَةُ وَالْوَقَارُ لِقَوْلِهِ تعالى ألا بذكر الله تطمئن القلوب وَمِنْهُ قَوْلهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَوَقَعَ فِي حَدِيثٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ الْحَدِيثَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ قِيلَ المراد بالسكينة ها هنا الرَّحْمَةُ وَهُوَ اخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِعَطْفِ الرَّحْمَةِ عَلَيْهِ وَقِيلَ الطُّمَأْنِينَةُ وَالْوَقَارُ وَهُوَ أَحْسَنُ قَالَ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِفَضْلِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا ومذهب الجمهور وقال في مَالِكٌ يُكْرَهُ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَيَلْتَحِقُ بِالْمَسْجِدِ فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ الْفَضِيلَةِ الِاجْتِمَاعُ فِي مَدْرَسَةٍ ورباط ونحوهما إن شاء الله تعالى ويدل عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الَّذِي بَعْدَهُ فَإِنَّهُ مُطْلَقٌ يَتَنَاوَلُهُ جَمِيعُ الْمَوَاضِعِ وَيَكُونُ التَّقْيِيدُ فِي

هَذَا الْحَدِيثِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ لَا سِيَّمَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ يُعْمَلُ بِهِ انْتَهَى قُلْتُ أَرَادَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ حَدِيثَ الْبَابِ الَّذِي نَحْنُ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ قَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ أَيْ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ مُبَاهَاةً وَافْتِخَارًا بِهِمْ بِالثَّنَاءِ الْجَمِيلِ عَلَيْهِمْ وَبِوَعْدِ الْجَزَاءِ الْجَزِيلِ لَهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم وبن مَاجَهْ وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وأبو يعلى الموصلي وبن حبان وبن أبي شيبة وبن شَاهِينَ فِي التَّرْغِيبِ فِي الذِّكْرِ [3379] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مَرْحُومُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ) بْنِ مِهْرَانَ الْأُمَوِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (خَرَجَ مُعَاوِيَةُ) بْنُ أَبِي سُفْيَانَ (إِلَى الْمَسْجِدِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ خَرَجَ مُعَاوِيَةُ عَلَى حَلْقَةٍ فِي الْمَسْجِدِ (فَقَالَ مَا يُجْلِسُكُمْ) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَا أَجْلَسَكُمْ وَالْمَعْنَى مَا السَّبَبُ الدَّاعِي إِلَى جُلُوسِكُمْ (قَالَ آللَّهِ) بِالْمَدِّ وَالْجَرِّ قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ قِيلَ الصَّوَابُ بِالْجَرِّ لِقَوْلِ الْمُحَقِّقِ الشَّرِيفِ فِي حَاشِيَتِهِ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ وَقَعَتْ بَدَلًا عَنْ حَرْفِ الْقَسَمِ وَيَجِبُ الْجَرُّ مَعَهَا انْتَهَى وَكَذَا صُحِّحَ فِي أَصْلِ سَمَاعِنَا مِنَ الْمِشْكَاةِ وَمِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ بِالنَّصْبِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ قِيلَ اللَّهَ بِالنَّصْبِ أَيْ أَتُقْسِمُونَ بِاللَّهِ فَحَذَفَ الْجَارَّ وَأَوْصَلَ الْفِعْلَ ثُمَّ حَذَفَ الْفِعْلَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (قَالَ) أَيْ مُعَاوِيَةُ (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (تُهْمَةً لَكُمْ) بِسُكُونِ الْهَاءِ وَيُفْتَحُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ التُّهْمَةُ وَقَدْ تُفْتَحُ الْهَاءُ فُعْلَةٌ مِنَ الْوَهْمِ وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنَ الْوَاوِ تَهَمْتُهُ ظَنَنْتُ فِيهِ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ أَيْ مَا أَسْتَحْلِفُكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ بِالْكَذِبِ لَكِنِّي أَرَدْتُ الْمُتَابَعَةَ وَالْمُشَابَهَةَ فِيمَا وَقَعَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الصَّحَابَةِ وَقَدَّمَ بَيَانَ قُرْبِهِ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقِلَّةَ نُقْلَتِهِ مِنْ أَحَادِيثِهِ دَفْعًا لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ عَنْ نَفْسِهِ فِي مَا يَنْقُلُهُ فَقَالَ (وَمَا كَانَ أَحَدٌ بِمَنْزِلَتِي) أَيْ بِمَرْتَبَةِ قُرْبِي (مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِكَوْنِهِ مَحْرَمًا لِأُمِّ حَبِيبَةَ أُخْتِهِ مِنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَلِكَوْنِهِ مِنْ أَجِلَّاءِ كَتَبَةِ الْوَحْيِ (أَقَلَّ) خَبَرُ كَانَ (حَدِيثًا عَنْهُ) أَيْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنِّي) أَيْ لِاحْتِيَاطِي فِي الْحَدِيثِ وَإِلَّا كَانَ مُقْتَضَى مَنْزِلَتِهِ أَنْ يَكُونَ كَثِيرَ الرِّوَايَةِ

باب ما جاء في القوم يجلسون ولا يذكرون الله

(ومن) فعل ماضي مِنَ الْمَنِّ مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْ أَنْعَمَ (عَلَيْنَا) أَيْ مِنْ بَيْنِ الْأَنَامِ كَمَا حَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مَقُولِ أَهْلِ دَارِ السَّلَامِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لولا أن هدانا الله (بِهِ) أَيْ بِالْإِسْلَامِ (فَقَالَ آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ) لَعَلَّهُ أَرَادَ بِهِ الْإِخْلَاصَ (قَالَ أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ لِتُهْمَةٍ لَكُمْ) لِأَنَّهُ خِلَافُ حُسْنِ الظَّنِّ بِالْمُؤْمِنِينَ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَحَقَّقَ مَا هُوَ السَّبَبُ فِي ذَلِكَ فَالتَّحْلِيفُ لِمَزِيدِ التَّقْرِيرِ وَالتَّأْكِيدِ لَا التُّهْمَةِ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي وَضْعِ التَّحْلِيفِ فَإِنَّ مَنْ لَا يُتَّهَمُ لَا يَحْلِفُ انْتَهَى (إِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَكِنَّهُ إنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِكُمُ الْمَلَائِكَةَ قِيلَ مَعْنَى الْمُبَاهَاةِ بِهِمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِمَلَائِكَتِهِ انْظُرُوا إِلَى عَبِيدِي هَؤُلَاءِ كَيْفَ سَلَّطْتُ عَلَيْهِمْ نُفُوسَهُمْ وَشَهَوَاتِهِمْ وَأَهْوِيَتَهُمْ وَالشَّيْطَانَ وَجُنُودَهُ وَمَعَ ذَلِكَ قَوِيَتْ هِمَّتُهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ هَذِهِ الدَّوَاعِي الْقَوِيَّةِ إِلَى الْبَطَالَةِ وَتَرْكِ الْعِبَادَةِ وَالذِّكْرِ فَاسْتَحَقُّوا أَنْ يُمْدَحُوا أَكْثَرَ مِنْكُمْ لِأَنَّكُمْ لَا تَجِدُونَ لِلْعِبَادَةِ مَشَقَّةً بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا هِيَ مِنْكُمْ كَالتَّنَفُّسِ مِنْهُمْ فَفِيهَا غَايَةُ الرَّاحَةِ وَالْمُلَاءَمَةِ لِلنَّفْسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ (وَأَبُو نَعَامَةَ السَّعْدِيُّ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عِيسَى) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو نَعَامَةَ السَّعْدِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ رَبِّهِ وَقِيلَ عَمْرٌو ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (بَاب مَا جَاءَ فِي الْقَوْمِ يَجْلِسُونَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ) [3380] قَوْلُهُ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ إِلَّا كَانَ أَيْ ذَلِكَ الْمَجْلِسُ عَلَيْهِمْ

باب ما جاء أن دعوة المسلم مستجابة

تِرَةً بِكَسْرِ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ تَبِعَةً وَمُعَاتَبَةً أَوْ نُقْصَانًا وَحَسْرَةً مِنْ وَتَرَهُ حَقَّهُ نَقَصَهُ وَهُوَ سَبَبُ الْحَسْرَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى لَنْ يتركم أعمالكم وَالْهَاءُ عِوَضٌ عَنِ الْوَاوِ الْمَحْذُوفَةِ مِثْلُ عِدَةٍ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ أَيْ بِذُنُوبِهِمُ السَّابِقَةِ وَتَقْصِيرَاتِهِمُ اللَّاحِقَةِ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ أَيْ فَضْلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً وَفِيهِ إِيمَاءٌ بِأَنَّهُمْ إِذَا ذَكَرُوا اللَّهَ لَمْ يُعَذِّبْهُمْ حَتْمًا بَلْ يَغْفِرُ لَهُمْ جَزْمًا وَوَقَعَ فِي هَامِشِ النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ تِرَةً يَعْنِي حَسْرَةً وَنَدَامَةً وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ التِّرَةُ هُوَ النَّارُ كَذَا فِي نُسْخَةٍ انْتَهَى مَا فِي هَامِشِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَاللَّفْظُ لَهُ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ بِهَذَا اللفظ بن أَبِي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيُّ (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِ مُسْتَجَابَةٌ) لَكِنَّ الْإِجَابَةَ تَتَنَوَّعُ فَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَاخِرِ الدَّعَوَاتِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدُعَاءٍ إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِ مَا دَعَا الْحَدِيثَ [3381] قَوْلُهُ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ مَا سَأَلَ أَيْ إِنْ جَرَى فِي الْأَزَلِ تَقْدِيرُ إِعْطَائِهِ مَا سَأَلَ أَوْ كَفَّ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهُ أَيْ دَفَعَ عَنْهُ مِنَ الْبَلَاءِ عِوَضًا مِمَّا مُنِعَ قَدْرَ مَسْئُولِهِ إِنْ لَمْ يَجْرِ التَّقْدِيرُ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَيْ بِمَعْصِيَةٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ اعْلَمْ أَنَّ لِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ شُرُوطًا مِنْهَا الْإِخْلَاصُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَادْعُوَا اللَّهَ مخلصين له الدين وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِ إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ لِحَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا

وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ طَيِّبَ الْمَطْعَمِ وَالْمَلْبَسِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِّيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ وَمِنْهَا أَنْ لَا يَسْتَعْجِلَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي فِي بَابِ مَنْ يَسْتَعْجِلُ فِي دُعَائِهِ والحديث سكت عنه الترمذي وفي إسناده بن لَهِيعَةَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ آنِفًا وَأَمَّا حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَسَيَأْتِي فِي أَحَادِيثَ شَتَّى [3382] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَطِيَّةَ اللَّيْثِيُّ) أَبُو سَلَمَةَ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي الدُّعَاءِ قَوْلُهُ مَنْ سَرَّهُ أَيْ أَعْجَبَهُ وَفَرِحَ قَلْبُهُ وَجَعَلَهُ مَسْرُورًا أَنْ يَسْتَجِيبَ اللَّهُ لَهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ جَمْعُ الشَّدِيدَةِ وَهِيَ الْحَادِثَةُ الشَّاقَّةُ وَالْكُرَبِ بِضَمِّ الْكَافِ وَفَتْحِ الرَّاءِ جَمْعُ الْكُرْبَةِ وَهِيَ الْغَمُّ الَّذِي يَأْخُذُ بِالنَّفْسِ فَلْيُكْثِرِ الدُّعَاءَ فِي الرَّخَاءِ بِفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ فِي حَالَةِ الصِّحَّةِ وَالْفَرَاغِ وَالْعَافِيَةِ لِأَنَّ مِنْ شِيمَةِ الْمُؤْمِنِ أَنْ يُرَيِّشَ السَّهْمَ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ وَيَلْتَجِئَ إِلَى اللَّهِ قَبْلَ الِاضْطِرَارِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَأَقَرَّهُ الذِّهَبِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ [3383] قوله أفضل الذكر لا إله إلا الله لِأَنَّهَا كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ وَالتَّوْحِيدُ لَا يُمَاثِلُهُ شَيْءٌ وَهِيَ الْفَارِقَةُ بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَلِأَنَّهَا أَجْمَعُ لِلْقَلْبِ مَعَ اللَّهِ وَأَنْفَى لِلْغَيْرِ وَأَشَدُّ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَتَصْفِيَةً لِلْبَاطِنِ وَتَنْقِيَةً لِلْخَاطِرِ مِنْ خُبْثِ النَّفْسِ وَأَطْرَدُ لِلشَّيْطَانِ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ لأن الدُّعَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَأَنْ تَطْلُبَ مِنْهُ الْحَاجَةَ وَالْحَمْدُ يَشْمَلُهُمَا فَإِنَّ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ يَحْمَدُهُ عَلَى نِعْمَتِهِ وَالْحَمْدُ عَلَى النِّعْمَةِ طَلَبُ الْمَزِيدِ وَهُوَ رَأْسُ الشُّكْرِ قَالَ تَعَالَى لئن شكرتم لأزيدنكم وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ مِنْ بَابِ التَّلْمِيحِ وَالْإِشَارَةِ إِلَى قَوْلِهِ اهْدِنَا الصِّرَاطَ المستقيم وَأَيُّ دُعَاءٍ أَفْضَلُ وَأَكْمَلُ

وَأَجْمَعُ مِنْ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَشَرْحِ الجامع الصغير للمنادى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن ماجة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ [3384] قَوْلُهُ (عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ) بْنِ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ الْكُوفِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْفَأْفَأِ أَصْلُهُ مَدَنِيٌّ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالْإِرْجَاءِ وَالنَّصْبِ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) أَيْ فِي كُلِّ أَوْقَاتِهِ مُتَطَهِّرًا وَمُحْدِثًا وَجُنُبًا وَقَائِمًا وَقَاعِدًا وَمُضْطَجِعًا وَمَاشِيًا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ الذِّكْرُ فِي حَالَةِ الْجُلُوسِ عَلَى الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَفِي حَالَةِ الْجِمَاعِ فيكون الحديث مخصوصا بما سوى هذا الْأَحْوَالِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَقَالَ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ يُكْرَهُ لِلْقَاعِدِ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بِشَيْءٍ مِنَ الْأَذْكَارِ فَلَا يُسَبِّحُ وَلَا يُهَلِّلُ وَلَا يَرُدُّ السَّلَامَ وَلَا يُشَمِّتُ الْعَاطِسَ وَلَا يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا عَطَسَ وَلَا يَقُولُ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ وَكَذَلِكَ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَذْكَارِ فِي حَالِ الْجِمَاعِ وَإِذَا عَطَسَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ وَلَا يُحَرِّكُ بِهِ لِسَانَهُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ الذِّكْرِ فِي حَالِ الْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ هُوَ كَرَاهَةُ تَنْزِيَةٍ لَا تَحْرِيمٍ فَلَا إِثْمَ عَلَى فَاعِلِهِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ الْكَلَامُ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِأَيِّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَوْضِعُ الضَّرُورَةِ كَمَا إِذَا رأى ضريرا يكاد أَنْ يَقَعَ فِي بِيرٍ أَوْ رَأَى حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ يَقْصِدُ إِنْسَانًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ بَلْ هُوَ وَاجِبٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنَ الْكَرَاهَةِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ هو مذهبنا ومذهب الأكثرين وحكاه بن المنذر عن بن عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَمَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَعِكْرِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم وحكى عن ابراهيم النخعي وبن سيرين أنهما قالا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى كَلَامُ النَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم وأبو داود وبن مَاجَهْ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ (وَالْبَهِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ مَوْلَى مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ يُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ يَسَارٌ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ الثَّالِثَةِ

باب ما جاء أن الداعي يبدأ بنفسه

10 - (بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الدَّاعِيَ يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ) [3385] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ) قَالَ الحافظ صوابه بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ الْوَشَّاءُ (حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ) بِفَتْحَتَيْنِ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ قَطَنٍ الْقُطَعِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ مَاتَ عَلَى رَأْسِ الْمِائَتَيْنِ (عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ) هُوَ حمزة بن حبيب القارىء أَبُو عُمَارَةَ الْكُوفِيُّ التَّيْمِيُّ مَوْلَاهُمْ صَدُوقٌ زَاهِدٌ رُبَّمَا وَهَمَ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَنْجَوَيْهِ كَانَ مِنْ عُلَمَاءِ زَمَانِهِ بِالْقِرَاءَاتِ وَكَانَ مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ فَضْلًا وَعِبَادَةً وَوَرَعًا وَنُسُكًا وَكَانَ يَجْلِبُ الزَّيْتَ مِنَ الْكُوفَةِ قَوْلُهُ (فَدَعَا لَهُ) أَيْ فَأَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ (بَدَأَ بِنَفْسِهِ) جَزَاءً إِذَا ذَكَرَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي أَوَّلِ قِصَّةِ مُوسَى وَالْخَضِرِ وَلَفْظُهُ وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بدأ بنفسه قال وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْقِيلَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم دعا لغير نبي قلم يَبْدَأْ بِنَفْسِهِ كَقَوْلِهِ فِي قِصَّةِ هَاجَرَ يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ لَكَانَتْ عَيْنًا مَعِينًا وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بروح القداس يريد حسان بن ثابت وحديث بن عَبَّاسٍ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَمْثِلَةِ مَعَ أَنَّ الَّذِي جَاءَ فِي حَدِيثِ أُبَيٍّ لَمْ يَطَّرِدْ فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ دَعَا لِبَعْضِ الْأَنْبِيَاءِ فَلَمْ يَبْدَأْ بِنَفْسِهِ كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قُلْتُ فَظَهَرَ أَنَّ بُدَاءَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ عِنْدَ ذِكْرِ أَحَدٍ وَالدُّعَاءِ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ اللَّازِمَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

باب ما جاء في رفع الأيدي عند الدعاء

11 - (بَاب مَا جَاءَ فِي رَفْعِ الْأَيْدِي عِنْدَ الدعاء) [3386] قوله (حدثنا حَمَّادُ بْنُ عِيسَى الْجُهَنِيُّ) لَقَبُهُ غَرِيقُ الْجُحْفَةِ فَإِنَّهُ غَرَقَ بِالْجُحْفَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَمِائَتَيْنِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ ضَعِيفٌ وَقَالَ فِي الْمِيزَانِ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَبُو حَاتِمٍ والدَّارَقُطْنِيُّ وَلَمْ يَتْرُكْهُ قَوْلُهُ (لَمْ يَحُطَّهُمَا) أَيْ لَمْ يَضَعْهُمَا (حَتَّى يمسح بهما وجهه) قال بن الْمَلَكِ وَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّفَاؤُلِ فَكَأَنَّ كَفَّيْهِ قَدْ مُلِئَتَا مِنَ الْبَرَكَاتِ السَّمَاوِيَّةِ وَالْأَنْوَارِ الْإِلَهِيَّةِ وَقَالَ فِي السُّبُلِ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ مَسْحِ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الدُّعَاءِ وَقِيلَ وَكَأَنَّ الْمُنَاسَبَةَ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا كَانَ لَا يَرُدُّهُمَا صِفْرًا فَكَأَنَّ الرَّحْمَةَ أَصَابَتْهُمَا فَنَاسَبَ إِفَاضَةَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ وَأَحَقُّهَا بِالتَّكْرِيمِ انْتَهَى وَقَدْ وَرَدَ فِي رَفْعِ الْأَيْدِي عِنْدَ الدُّعَاءِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ كَمَا عَرَفْتَ فِي بَابِ مَا يَقُولُ إِذَا سَلَّمَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ صِيغَةٌ خَاصَّةٌ لَا أَصْلُ الرَّفْعِ قَالَ الْحَافِظُ مَا حَاصِلُهُ إِنَّ الرَّفْعَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ يُخَالِفُ غَيْرَهُ إِمَّا بِالْمُبَالَغَةِ إِلَى أَنْ تَصِيرَ الْيَدَانِ حَذْوَ الْوَجْهِ مَثَلًا وَفِي الدُّعَاءِ إِلَى حَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ وَلَا يُعَكِّرُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا حَتَّى يُرَى بياض إبطيه بل يجمع بأن تكون رِوَايَةُ الْبَيَاضِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ أَبْلَغَ مِنْهَا فِي غَيْرِهِ وَإِمَّا أَنَّ الْكَفَّيْنِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ يَلِيَانِ الْأَرْضَ وَفِي الدُّعَاءِ يَلِيَانِ السَّمَاءَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَبِتَقْدِيرِ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ فَجَانِبُ الْإِثْبَاتِ أَرْجَحُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) وَقَدْ تَفَرَّدَ بِهِ حَمَّادُ بْنُ عِيسَى وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي بلوغ المرام وله شواهد منها حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَمَجْمُوعُهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ حديث حسن انتهى

باب ما جاء في من يستعجل في دعائه

12 - (باب ما جاء في من يَسْتَعْجِلُ فِي دُعَائِهِ) [3387] قَوْلُهُ يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ أَيْ بَعْدَ شُرُوطِ الْإِجَابَةِ مَا لَمْ يُعَجِّلْ مَا ظَرْفُ يُسْتَجَابُ بِمَعْنَى الْمُدَّةِ أَيْ مُدَّةِ كَوْنِهِ لَمْ يَسْتَعْجِلْ يَقُولُ دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي هَذَا بَيَانٌ وَتَفْسِيرٌ لِلْعَجَلَةِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يُسْتَجَابُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَأَبُو عُبَيْدٍ اسْمُهُ سَعْدُ) بْنُ عُبَيْدٍ الزُّهْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَقِيلَ لَهُ إِدْرَاكٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا لَا يَزَالُ الْعَبْدُ بِخَيْرٍ ما لم يستعجل قال يا بني اللَّهِ وَكَيْفَ يَسْتَعْجِلُ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ رَبِّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى أَيْضًا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ وَرُوَاتُهُمَا مُحْتَجٌّ بهم في الصحيح إلا أبا هلال الراسي انْتَهَى 3 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى) [3388] قَوْلُهُ (عَنْ أَبَانٍ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُوَحَّدَةِ يُصْرَفُ لِأَنَّهُ فَعَالٌ وَيُمْنَعُ لِأَنَّهُ أَفْعَلُ وَالصَّحِيحُ

الْأَشْهَرُ الصَّرْفُ مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ فِي صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ كُلِّ لَيْلَةٍ أَيْ فِي أَوَائِلِهِمَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ الصُّبْحُ الْفَجْرُ أَوْ أَوَّلُ النَّهَارِ وَهُوَ الصَّبِيحَةُ وَالصَّبَاحُ وَالْإِصْبَاحُ وَالْمُصْبِحُ وَالْمَسَاءُ ضِدُّ الصَّبَاحِ بِسْمِ اللَّهِ أَيْ أَسْتَعِينُ أَوْ أَتَحَفَّظُ مِنْ كُلِّ مُؤْذٍ بِاسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ أَيْ مَعَ ذِكْرِهِ بِاعْتِقَادٍ حَسَنٍ وَنِيَّةٍ خَالِصَةٍ وَلَا فِي السَّمَاءِ أَيْ مِنَ الْبَلَاءِ النَّازِلِ مِنْهَا وَهُوَ السَّمِيعُ أَيْ بِأَقْوَالِنَا الْعَلِيمُ أَيْ بِأَحْوَالِنَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ظَرْفُ يَقُولُ فَيَضُرَّهُ شَيْءٌ بِالنَّصْبِ جَوَابُ مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ الطِّيبِيُّ وَبِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى يَقُولُ عَلَى أَنَّ الْفَاءَ هُنَا كَهِيَ فِي قَوْلِهِ لَا يَمُوتُ لِمُؤْمِنٍ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ أَيْ لَا يَجْتَمِعُ هَذَا الْقَوْلُ مَعَ الْمَضَرَّةِ كَمَا لَا يَجْتَمِعُ مَسُّ النَّارِ مَعَ مَوْتِ ثَلَاثَةٍ مِنَ الْوَلَدِ بِشَرْطِهِ (وَكَانَ أَبَانٌ) بِالْوَجْهَيْنِ (قَدْ أَصَابَهُ طَرَفُ فالج) أي نوع منه وهو يفتح اللَّامِ اسْتِرْخَاءٌ لِأَحَدِ شِقَّيِ الْبَدَنِ لِانْصِبَابِ خَلْطٍ بَلْغَمِيٍّ تَنْسَدُّ مِنْهُ مَسَالِكُ الرُّوحِ (فَجَعَلَ الرَّجُلُ) أَيِ الْمُسْتَمِعُ (يَنْظُرُ إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى أَبَانٍ تَعَجُّبًا (مَا تَنْظُرُ) زَادَ أَبُو دَاوُدَ إِلَيَّ قال الطيبي ما هي استفهامية وصلتها محذوفة وتنظر إلى حال أي مالك تَنْظُرُ إِلَيَّ (أَمَا) لِلتَّنْبِيهِ وَقِيلَ بِمَعْنَى حَقًّا (وَلَكِنِّي لَمْ أَقُلْهُ) أَيْ مَا قَدَّرَ اللَّهُ لِي أَنْ أَقُولَهُ (يَوْمَئِذٍ لِيُمْضِيَ اللَّهُ عَلَيَّ قَدَرَهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ أَيْ مُقَدَّرَهُ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ لِيُمْضِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْقَوْلِ وَلَيْسَ بِغَرَضٍ لَهُ كَمَا فِي قَعَدْتُ عَنِ الْحَرْبِ حِينًا وَقِيلَ اللَّامُ فِيهِ لِلْعَاقِبَةِ كَمَا فِي قوله لدوا للموت وأبنوا للخراب ذكره القارىء وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ الَّذِي سَمِعَ مِنْهُ الْحَدِيثَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مالك تَنْظُرُ إِلَيَّ فَوَاللَّهِ مَا كَذَبْتُ عَلَى عُثْمَانَ وَلَا كَذَبَ عُثْمَانُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ الْيَوْمَ الَّذِي أَصَابَنِي فِيهِ مَا أَصَابَنِي غَضِبْتُ فَنَسِيتُ أَنْ أَقُولَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن ماجة وبن حبان والحاكم وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو دَاوُدَ وَفِي رِوَايَتِهِ لَمْ تُصِبْهُ فُجَاءَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ لَمْ تُصِبْهُ فُجَاءَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ [3389] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ) السُّكُونِيُّ (عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمَرْزُبَانِ) الْعَبْسِيِّ مَوْلَاهُمْ

الْبَقَّالِ الْكُوفِيِّ الْأَعْوَرِ ضَعِيفٌ مُدَلِّسٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ أَيْ بِقَضَائِهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ أَيْ بِأَحْكَامِهِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ أَيْ بِمُتَابَعَتِهِ نَبِيًّا وَالْمَنْصُوبَاتُ تَمْيِيزَاتٌ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ حَالَاتٍ مُؤَكَّدَاتٍ وَكَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ هُوَ خَبَرُ كَانَ أَنْ يُرْضِيَهُ مِنَ الْإِرْضَاءِ أَيْ يُعْطِيَهُ ثَوَابًا جَزِيلًا حَتَّى يَرْضَى وَهُوَ اسْمُ كَانَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ [3390] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا جَرِيرُ) بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ (عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) النَّخَعِيِّ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ) النَّخَعِيِّ ثِقَةٌ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّسَائِيَّ ضَعَّفَهُ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ) بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ قَوْلُهُ أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ أَيْ دَخَلْنَا فِي الْمَسَاءِ وَدَخَلَ فِيهِ الْمُلْكُ كَائِنًا لِلَّهِ وَمُخْتَصًّا بِهِ أَوِ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ بِتَقْدِيرِ قَدْ أَوْ بِدُونِهِ أَيْ أَمْسَيْنَا وَقَدْ صَارَ بِمَعْنَى كَانَ وَدَامَ الْمُلْكُ لِلَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ الطِّيبِيُّ عَطْفٌ عَلَى أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ أَيْ صِرْنَا نَحْنُ وَجَمِيعُ الْمُلْكِ وجميع الحمد لله انتهى قال القارىء أَيْ عَرَفْنَا فِيهِ أَنَّ الْمُلْكَ لِلَّهِ وَأَنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةُ الْحَمْدُ لِلَّهِ مُسْتَقِلَّةً وَالتَّقْدِيرُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ وَحْدَهُ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ أَيْ مُنْفَرِدًا بِالْأُلُوهِيَّةِ أُرَاهُ قَالَ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَيْ أَظُنُّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سُوَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ إِلَخْ وَقَائِلُ أُرَاهُ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ الْحَسَنُ فَحَدَّثَنِي الزُّبَيْدُ أَنَّهُ حَفِظَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي هَذَا لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ إِلَخْ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَهُ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَزَادَنِي فِيهِ زُبَيْدٌ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَفَعَهُ أَنَّهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَسْأَلُكَ خَيْرَ مَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ خَيْرَ مَا يَنْشَأُ فِيهَا وَخَيْرَ مَا يَسْكُنُ فِيهَا قَالَ تَعَالَى وَلَهُ ما سكن في الليل وقال بن حَجَرٍ أَيْ مَا أَرَدْتَ وُقُوعَهُ فِيهَا لِخَوَاصِّ خَلْقِكَ مِنَ الْكَمَالَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ وَخَيْرَ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أُمِرْنَا بِهَا فِيهَا أَوِ الْمُرَادُ خَيْرُ الْمَوْجُودَاتِ الَّتِي قَارَنَ وُجُودُهَا هَذِهِ اللَّيْلَةَ وَخَيْرُ كُلِّ مَوْجُودٍ الْآنَ

وَخَيْرَ مَا بَعْدَهَا أَيْ مِنَ اللَّيَالِي أَوْ مُطْلَقًا وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْكَسَلِ بِفَتْحَتَيْنِ أَيِ التَّثَاقُلِ فِي الطَّاعَةِ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْكَسَلُ التَّثَاقُلُ عَمَّا لَا يَنْبَغِي التَّثَاقُلُ عَنْهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ لِعَدَمِ انْبِعَاثِ النَّفْسِ لِلْخَيْرِ مَعَ ظُهُورِ الِاسْتِطَاعَةِ وَسُوءِ الْكِبْرِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي رُوِّينَاهُ الْكِبْرَ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا فَالْإِسْكَانُ بِمَعْنَى التَّعَاظُمِ عَلَى النَّاسِ وَالْفَتْحُ بِمَعْنَى الْهَرَمِ والخوف والرد إلى أر ذل الْعُمُرِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ قَالَ الْقَاضِي وهذا أظهر وأشهر بما قَبْلَهُ قَالَ وَبِالْفَتْحِ ذَكَرَهُ الْهَرَوِيُّ وَبِالْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَصَوَّبَ الْفَتْحَ وَتُعَضِّدُهُ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ وَسُوءِ الْعُمُرِ انْتَهَى وَإِذَا أَصْبَحَ أَيْ دَخَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّبَاحِ قَالَ ذَلِكَ أَيْ مَا يَقُولُ فِي الْمَسَاءِ أَيْضًا أَيْ لَكِنْ يَقُولُ بَدَلَ أَمْسَيْنَا وَأَمْسَى الْمُلْكُ لِلَّهِ أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَ الْمُلْكُ لِلَّهِ وَيُبْدِلُ الْيَوْمَ بِاللَّيْلَةِ فَيَقُولُ أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذَا الْيَوْمِ وَيُذَكِّرُ الضَّمَائِرَ بَعْدَهُ قَوْلُهُ (هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن أَبِي شَيْبَةَ [3391] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرِ) بْنِ نَجِيحٍ السَّعْدِيُّ قَوْلُهُ إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ أَيْ دَخَلَ فِي الصَّبَاحِ اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا الْبَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَهُوَ خَبَرُ أَصْبَحْنَا وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ مُضَافٍ أَيْ أَصْبَحْنَا مُلْتَبِسِينَ بِحِفْظِكَ أَوْ مَغْمُورِينَ بِنِعْمَتِكَ أَوْ مُشْتَغِلِينَ بِذِكْرِكَ أَوْ مُسْتَعِينِينَ بِاسْمِكَ أَوْ مَشْمُولِينَ بِتَوْفِيَتِكَ أَوْ مُتَحَرِّكِينَ بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ أَوْ مُتَقَلِّبِينَ بِإِرَادَتِكَ وقدرتك وبك نحي وَبِكَ نَمُوتُ أَيْ أَنْتَ تُحْيِينَا وَأَنْتَ تُمِيتُنَا يَعْنِي يَسْتَمِرُّ حَالُنَا عَلَى هَذَا فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَسَائِرِ الْأَحْوَالِ وَإِلَيْكَ لَا إِلَى غَيْرِكَ الْمَصِيرُ أَيِ الْمَرْجِعُ بِالْبَعْثِ وَإِذَا أَمْسَى عَطْفٌ عَلَى إِذَا أَصْبَحَ بِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ أَصْبَحْنَا بِتَقْدِيمِ أَمْسَيْنَا وَإِلَيْكَ النُّشُورُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ بقال نُشِرَ الْمَيِّتُ يُنْشَرُ نُشُورًا إِذَا عَاشَ بَعْدَ الْمَوْتِ أَوْ نَشَرَهُ اللَّهُ أَيْ أَحْيَاهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَبُو عَوَانَةَ

14 - بَاب مِنْهُ [3392] قَوْلُهُ (عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ) الْعَامِرِيِّ الطَّائِفِيِّ (سَمِعْتُ عَمْرَو بْنِ عَاصِمِ) بْنِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ الثَّقَفِيَّ الْحِجَازِيَّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَيْ مَا غَابَ مِنَ الْعِبَادِ وَظَهَرَ لَهُمْ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيْ مُخْتَرِعَهُمَا وَمُوجِدَهُمَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ رب كل شيء مليكه فعيل بمعنى فاعل للمبالغة كالتقدير بِمَعْنَى الْقَادِرِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِي أَيْ مِنْ ظُهُورِ السَّيِّئَاتِ الْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي جُبِلَتِ النَّفْسُ عَلَيْهَا وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ أَيْ وَسْوَسَتِهِ وَإِغْوَائِهِ وَإِضْلَالِهِ وَشِرْكِهِ بِكَسْرِ الشِّينِ وَسُكُونِ الرَّاءِ أَيْ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ مِنَ الْإِشْرَاكِ بِاللَّهِ وَيُرْوَى بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مَصَائِدِهِ وَحَبَائِلِهِ الَّتِي يُفْتَتَنُ بِهَا النَّاسُ وَالْإِضَافَةُ عَلَى الْأَوَّلِ إِضَافَةُ الْمَصْدَرِ إِلَى الْفَاعِلِ وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَوِيَّةٌ وَالْعَطْفُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ لِلتَّخْصِيصِ بَعْدَ التَّعْمِيمِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ قُلْهُ أَيْ قُلْ هَذَا الْقَوْلَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وبن حبان والحاكم وبن أَبِي شَيْبَةَ 5 - بَاب مِنْهُ [3393] قَوْلُهُ (عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ) الْأَسْلَمِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَدِيرِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ قَالَ الطِّيبِيُّ لَمَّا كَانَ هَذَا الدُّعَاءُ جَامِعًا لِمَعَانِي التَّوْبَةِ كُلِّهَا اسْتُعِيرَ لَهُ اسْمُ السَّيِّدِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الرَّئِيسُ الَّذِي يُقْصَدُ فِي

الْحَوَائِجِ وَيُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي الْأُمُورِ خَلَقْتَنِي اسْتِئْنَافُ بَيَانٍ لِلتَّرْبِيَةِ وَأَنَا عَبْدُكَ أَيْ مَخْلُوقُكَ وَمَمْلُوكُكَ وَهُوَ حَالٌ كَقَوْلِهِ (وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ) أَيْ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى الْوَفَاءِ بِعَهْدِ الْمِيثَاقِ وَأَنَا مُوقِنٌ بِوَعْدِكَ يَوْمَ الْحَشْرِ وَالتَّلَاقِ مَا اسْتَطَعْتُ أَيْ بِقَدْرِ طَاقَتِي وَقِيلَ أَيْ أَنَا عَلَى مَا عَاهَدْتُكَ وَوَعَدْتُكَ مِنَ الْإِيمَانِ بِكَ والإخلاص من طَاعَتِكَ أَوْ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى مَا عَاهَدْتَ إلَيَّ مَنْ أَمْرِكَ وَمُتَمَسِّكٌ بِهِ وَمُتَنَجِّزٌ وَعْدَكَ فِي الْمَثُوبَةِ وَالْأَجْرِ عَلَيْهِ وَاشْتِرَاطِ الِاسْتِطَاعَةِ اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ وَالْقُصُورِ عَنْ كُنْهِ الْوَاجِبِ فِي حَقِّهِ تَعَالَى أَيْ لَا أَقْدِرُ أَنْ أَعْبُدَكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ وَلَكِنْ أَجْتَهِدُ بِقَدْرِ طَاقَتِي وَأَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ أَيْ أَعْتَرِفُ بِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ باء بحقه أي أقربه وَأَصْلُهُ الْبَوَاءُ وَمَعْنَاهُ اللُّزُومُ وَمِنْهُ بَوَّأَهُ اللَّهُ مَنْزِلًا إِذَا أَسْكَنَهُ فَكَأَنَّهُ أَلْزَمَهُ بِهِ وَأَعْتَرِفُ بِذُنُوبِي قَالَ الطِّيبِيُّ اعْتَرَفَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ تَعَالَى أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ لِيَشْمَلَ جَمِيعَ أَنْوَاعِ النِّعَمِ ثُمَّ اعْتَرَفَ بِالتَّقْصِيرِ وَأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ بِأَدَاءِ شُكْرِهَا ثُمَّ بَالَغَ فَعَدَّهُ ذَنْبًا مُبَالَغَةً فِي هَضْمِ النَّفْسِ تَعْلِيمًا لِلْأُمَّةِ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ أَبُوءُ لَكَ بذنبي اعتراف بِوُقُوعِ الذَّنْبِ مُطْلَقًا لِيَصِحَّ الِاسْتِغْفَارُ مِنْهُ لَا أَنَّهُ عَدَّ مَا قَصَّرَ فِيهِ مِنْ أَدَاءِ شُكْرِ النِّعَمِ ذَنْبًا لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ أَيْ مَا عَدَا الشِّرْكَ لَا يَقُولُهَا أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ إِلَخْ الْمُرَادُ مِنَ الْقَدَرِ الْمَوْتُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَ وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَإِنْ قِيلَ الْمُؤْمِنُ وَإِنْ لَمْ يَقُلْهَا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَدْخُلُهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ دُخُولِ النَّارِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُوقِنَ بِحَقِيقَتِهَا الْمُؤْمِنَ بِمَضْمُونِهَا لَا يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ يَعْفُو عَنْهُ بِبَرَكَةِ هَذَا الِاسْتِغْفَارِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن أبي هريرة وبن عمر وبن مسعود وبن أَبْزَى وَبُرَيْدَةَ) أَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن ماجة وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَأَمَّا أَحَادِيثُ الْبَاقِينَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

باب ما جاء في الدعاء إذا أوى إلى فراشه

16 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ) [3394] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ) السَّبِيعِيِّ قَوْلُهُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ أَيْ إِذَا أَتَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ لِلنَّوْمِ أَصَبْتَ خَيْرًا أَيْ خَيْرًا كَثِيرًا أَوْ خَيْرًا فِي الدَّارَيْنِ أَسْلَمْتُ أَيْ أَخْلَصْتُ نَفْسِي أَيْ ذَاتِي إِلَيْكَ أَيْ مَائِلَةً إِلَى حُكْمِكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِي أَيْ وِجْهَتِي وَتَوَجُّهِي وَقَصْدَ قَلْبِي وَسَيَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي أَحَادِيثَ شَتَّى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا [3395] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ) الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ (عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ) الطائي اليمامي (عن يحيى بن إسحاق بن أَخِي رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ) قَالَ الْحَافِظُ يَحْيَى بن إسحاق ويقال بن أبي

إِسْحَاقَ الْأَنْصَارِيُّ رَوَى عَنْ عَمِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي الِاضْطِجَاعِ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ وَعَنْهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ إِلَخْ سَيَأْتِي شَرْحُ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبَرَاءِ الْآتِي فِي أَحَادِيثَ شَتَّى [3396] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ) الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ (أَخْبَرَنَا حَمَّادُ) بْنُ سَلَمَةَ قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ) أَيِ انْضَمَّ إِلَيْهِ وَدَخَلَ فِيهِ قَالَ النَّوَوِيُّ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ وَأَوَيْتُ مَقْصُورٌ وَأَمَّا آوانا فمدود هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْفَصِيحُ الْمَشْهُورُ وَحُكِيَ الْقَصْرُ فِيهِمَا وَحُكِيَ الْمَدُّ فِيهِمَا انْتَهَى وَكَفَانَا أَيْ دَفَعَ عَنَّا شَرَّ الْمُؤْذِيَاتِ أَوْ كَفَى مُهِمَّاتِنَا وَقَضَى حَاجَاتِنَا وَآوَانَا أَيْ رَزَقَنَا مَسَاكِنَ وَهَيَّأَ لَنَا الْمَآوِيَ فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَلَا مُؤْوِيَ بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ وَلَهُ مُقَدَّرٌ أَيْ فَكَمْ شَخْصٍ لَا يَكْفِيهِمُ اللَّهُ شَرَّ الْأَشْرَارِ بَلْ تَرَكَهُمْ وَشَرَّهُمْ حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْأَعْدَاءُ وَلَا يُهَيِّئُ لَهُمْ مَأْوًى بَلْ تَرَكَهُمْ يَهِيمُونَ فِي الْبَوَادِي وَيَتَأَذَّوْنَ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ قَالَ الطِّيبِيُّ ذَلِكَ قَلِيلٌ نَادِرٌ فَلَا يُنَاسِبُ كم المقتضى لكثرة عَلَى أَنَّهُ افْتَتَحَ بِقَوْلِهِ أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُنَزَّلَ هَذَا عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الكافرين لا مولى لهم فَالْمَعْنَى أَنَّا نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى أَنْ عَرَّفَنَا نِعَمَهُ وَوَفَّقَنَا لِأَدَاءِ شُكْرِهِ فَكَمْ مِنْ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ لَا يَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَلَا يَشْكُرُونَ وَكَذَلِكَ اللَّهُ مَوْلَى الْخَلْقِ كُلِّهِمْ بِمَعْنَى أَنَّهُ رَبُّهُمْ وَمَالِكُهُمْ لَكِنَّهُ نَاصِرٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَمُحِبٌّ لَهُمْ فَالْفَاءُ فِي فَكَمْ لِلتَّعْلِيلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 7 - بَاب مِنْهُ [3397] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ ذكران الْبَاهِلِيُّ (عَنْ عَطِيَّةَ) هُوَ الْعَوْفِيُّ قَوْلُهُ

أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ يَجُوزُ فِيهِمَا النَّصْبُ صِفَةً لِلَّهِ أَوْ مَدْحًا وَالرَّفْعُ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ أَيْ أَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ وَأُرِيدُ التَّوْبَةَ فَكَأَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَوَفِّقْنِي لِلتَّوْبَةِ وَإِنْ كَانَتْ أَيْ وَلَوْ كَانَتْ ذُنُوبُهُ فِي الْكَثْرَةِ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ الزَّبَدُ مُحَرَّكَةٌ مَا يَعْلُو الْمَاءَ وَغَيْرَهُ مِنَ الرَّغْوَةِ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ رَمْلِ عَالِجٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ مَوْضِعٌ بِالْبَادِيَةِ فِيهِ رَمْلٌ كَثِيرٌ وَنِهَايَتُهُ الْعَالِجُ وَتَرَاكُمُهُمْ مِنَ الرَّمْلِ وَدَخَلَ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ فَعَلَى هَذَا لَا يُضَافُ الرَّمْلُ إِلَى عَالِجٍ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لَهُ أَيْ رَمْلٌ يَتَرَاكَمُ وَفِي التَّحْرِيرِ عَالِجٌ مَوْضِعٌ مَخْصُوصٌ فَيُضَافُ قَالَ مَيْرَكُ الرِّوَايَةُ بِالْإِضَافَةِ فَعَلَى قَوْلِ صَاحِبِ النِّهَايَةِ وَجْهُهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُ مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى الصِّفَةِ أَوِ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ وَمَنْقَبَةٌ جَلِيلَةٌ فِي مغفرة ذنوب بِهَذَا الذِّكْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَإِنْ كَانَتْ بَالِغَةً إِلَى هَذَا الْحَدِّ الَّذِي لَا يُحِيطُ بِهِ عَدَدٌ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ وَعَطَاؤُهُ جَمٌّ 8 - بَاب مِنْهُ [3398] قَوْلُهُ (وَضَعَ يَدَهُ) أَيِ الْيُمْنَى كَمَا فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ اللَّهُمَّ قِنِي أَيِ احْفَظْنِي يَوْمَ تَجْمَعُ أَوْ تَبْعَثُ عِبَادَكَ أَيْ يَوْمَ القيامة وأو لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَلَمَّا كَانَ النَّوْمُ فِي حُكْمِ الْمَوْتِ وَالِاسْتِيقَاظُ كَالْبَعْثِ دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ تَذَكُّرًا لِتِلْكَ الْحَالَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ

[3399] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) السَّلُولِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) أَيِ بن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَوْلُهُ (يَتَوَسَّدُ يَمِينَهُ) أَيْ يَنَامُ عَلَيْهَا وَيَجْعَلُهَا كَالْوِسَادَةِ لَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ (وَرَوَى الثَّوْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أَحَدًا) أَيْ لَا أَبَا بُرْدَةَ وَلَا غَيْرَهُ وَرِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ هَذِهِ أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَرَجُلٍ آخَرَ عَنِ الْبَرَاءِ) فَذَكَرَ شُعْبَةُ بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَالْبَرَاءِ أَبَا عُبَيْدَةَ وَرَجُلًا آخَرَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَخْرَجَهَا أَيْضًا أَحْمَدُ (وَرَوَاهُ إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْبَرَاءِ) أَيْ بِذِكْرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ بَيْنَهُمَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَيْضًا أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ (وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ) أَخْرَجَ هذه الرواية بن مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ 9 - بَاب مِنْهُ [3400] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هو الدارمي (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ) هُوَ أَبُو عُثْمَانَ الْوَاسِطِيُّ (أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) الْمُزَنِيُّ الْوَاسِطِيُّ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرَضِينَ أَيْ خَالِقَهُمَا وَمُرَبِّيَ أَهْلِهِمَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ فَالِقَ الْحَبِّ الْفَلْقُ

بِمَعْنَى الشَّقُّ وَالنَّوَى جَمْعُ النَّوَاةِ وَهِيَ عَظْمُ النَّخْلِ وَفِي مَعْنَاهُ عَظْمُ غَيْرِهَا وَالتَّخْصِيصُ لِفَضْلِهَا أَوْ لِكَثْرَةِ وُجُودِهَا فِي دِيَارِ الْعَرَبِ يَعْنِي يَا مَنْ شَقَّهُمَا فَأَخْرَجَ مِنْهُمَا الزَّرْعَ وَالنَّخِيلَ وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ مِنَ الْإِنْزَالِ وَقِيلَ مِنَ التَّنْزِيلِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ لَعَلَّ تَرْكَ الزَّبُورِ لِأَنَّهُ مُنْدَرِجٌ فِي التَّوْرَاةِ أَوْ لِكَوْنِهِ مَوَاعِظَ لَيْسَ فِيهِ أَحْكَامٌ قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ النَّظْمِ بَيْنَ هَذِهِ الْقَرَائِنِ قُلْتُ وَجْهُهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ تَعَالَى رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيْ مَالِكُهُمَا وَمُدَبِّرُ أَهْلَهُمَا عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى لِيَنْتَظِمَ مَعْنَى الْخَالِقِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ تَفْسِيرٌ لِفَالِقِ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمَعْنَاهُ يُخْرِجُ الْحَيَوَانَ النَّامِيَ مِنَ النُّطْفَةِ وَالْحَبَّ مِنَ النَّوَى وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ أَيْ يُخْرِجُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنَ الْحَيَوَانِ النَّامِي ثُمَّ عَقَّبَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ مُنْزِلَ التَّوْرَاةِ لِيُؤْذِنَ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إِخْرَاجُ الْأَشْيَاءِ مِنْ كَتْمِ الْعَدَمِ إِلَى فَضَاءِ الْوُجُودِ إِلَّا لِيَعْلَمَ وَيَعْبُدَ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إِلَّا بِكِتَابٍ يُنْزِلُهُ وَرَسُولٍ يَبْعَثُهُ كَأَنَّهُ قِيلَ يَا مَالِكُ يَا مُدَبِّرُ يَا هَادِي أَعُوذُ بِكَ أَعُوذُ أَيْ أَعْتَصِمُ وَأَلُوذُ مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ أَيْ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ لِأَنَّهَا كُلَّهَا فِي سُلْطَانِهِ وَهُوَ آخِذٌ بِنَوَاصِيهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَوَاصِيهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ شَرِّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا أَنْتَ الْأَوَّلُ أَيِ الْقَدِيمُ بِلَا ابْتِدَاءٍ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ قِيلَ هَذَا تَقْرِيرٌ لِلْمَعْنَى السَّابِقِ وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ الْأَوَّلُ مُفِيدٌ لِلْحَصْرِ بِقَرِينَةِ الْخَبَرِ بِاللَّامِ فَكَأَنَّهُ قِيلَ أَنْتَ مُخْتَصٌّ بِالْأَوَّلِيَّةِ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ أَيِ الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلْقِكَ لَا انْتِهَاءَ لَكَ وَلَا انْقِضَاءَ لِوُجُودِكَ وَالظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ أَيْ فَوْقَ ظُهُورِكَ شَيْءٌ يَعْنِي لَيْسَ شَيْءٌ أَظْهَرَ مِنْكَ لِدَلَالَةِ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ عَلَيْكَ وَالْبَاطِنُ أَيِ الَّذِي حَجَبَ أَبْصَارَ الْخَلَائِقِ عَنْ إِدْرَاكِكَ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ أَيْ لَا يَحْجُبُكَ شَيْءٌ عَنْ إِدْرَاكِ مَخْلُوقَاتِكَ اقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ قَالَ النَّوَوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدَّيْنِ هُنَا حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقُ الْعِبَادِ كُلُّهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَنْوَاعِ وَأَمَّا مَعْنَى الظَّاهِرِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَقِيلَ هُوَ مِنَ الظُّهُورِ بِمَعْنَى الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ وَكَمَالِ الْقُدْرَةِ وَمِنْهُ ظَهَرَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ وَقِيلَ الظَّاهِرُ بِالدَّلَائِلِ الْقَطْعِيَّةِ وَالْبَاطِنُ الْمُحْتَجِبُ عَنْ خَلْقِهِ وَقِيلَ الْعَالِمُ بِالْخَفِيَّاتِ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْآخِرِ فَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ مَعْنَاهُ الْبَاقِي بِصِفَاتِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِهِمَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي الْأَزَلِ وَيَكُونُ كَذَلِكَ

بَعْدَ مَوْتِ الْخَلَائِقِ وَذَهَابِ عُلُومِهِمْ وَقَدْرِهِمْ وَحَوَاسِّهِمْ وَتَفَرُّقِ أَجْسَامِهِمْ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم وأبو داود والنسائي وبن ماجة وبن أَبِي شَيْبَةَ 0 - بَاب مِنْهُ [3401] قَوْلُهُ إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ عَنْ فِرَاشِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَانِ إِذَا آوَى أَحَدُكُمْ إِلَى فِرَاشِهِ فَلْيَنْفُضْهُ بِضَمِّ الْفَاءِ أَيْ فَلْيُحَرِّكْهُ (بِصِنْفَةِ إِزَارِهِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ صَنِفَةُ الثَّوْبِ كَفَرِحَةٍ وَصِنْفُهُ وَصِنْفَتُهُ بِكَسْرِهِمَا حَاشِيَتُهُ أَيُّ جَانِبٍ كَانَ أَوْ جَانِبُهُ الَّذِي لَا هُدْبَ لَهُ أَوِ الَّذِي فِيهِ الْهُدْبُ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَلْيَنْفُضْ فِرَاشَهُ بِدَاخِلَةِ إِزَارِهِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَلْيَأْخُذْ دَاخِلَةَ إِزَارِهِ فَلْيَنْفُضْ بِهَا فِرَاشَهُ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ دَاخِلَةُ الْإِزَارِ طَرَفُهُ وَحَاشِيَتُهُ مِنْ دَاخِلٍ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِدَاخِلَتِهِ دُونَ خَارِجَتِهِ لِأَنَّ الْمُؤْتَزِرَ يَأْخُذُ إِزَارَهُ بِيَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَيَلْزَقُ مَا بِشِمَالِهِ عَلَى جَسَدِهِ وَهِيَ دَاخِلَةُ إِزَارِهِ ثُمَّ يَضَعُ مَا بِيَمِينِهِ فَوْقَ دَاخِلَتِهِ فَمَتَى عَاجَلَهُ أَمْرٌ أَوْ خَشِيَ سُقُوطَ إِزَارِهِ مَسَكَهُ بِشِمَالِهِ وَدَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِيَمِينِهِ فَإِذَا صَارَ إِلَى فِرَاشِهِ فَحَلَّ إِزَارَهُ فَإِنَّمَا يَحِلُّ بِيَمِينِهِ خَارِجَةَ الْإِزَارِ وَتَبْقَى الدَّاخِلَةُ مُعَلَّقَةً وَبِهَا يَقَعُ النَّفْضُ لأنها غير مشغولة باليد انتهى قال القارىء قِيلَ النَّفْضُ بِإِزَارِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْعَرَبِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ ثَوْبٌ غَيْرَ مَا هُوَ عَلَيْهِمْ مِنْ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ وَقَيَّدَ بِدَاخِلِ الْإِزَارِ لِيَبْقَى الْخَارِجُ نَظِيفًا وَلِأَنَّ هَذَا أَيْسَرُ وَلِكَشْفِ الْعَوْرَةِ أَقَلُّ وَأَسْتَرُ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ رَسْمَ الْعَرَبِ تَرْكُ الْفِرَاشِ فِي مَوْضِعِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَلِذَا عَلَّلَهُ وَقَالَ فَإِنَّهُ أَيِ الشَّأْنُ وَالْمُرِيدُ لِلنَّوْمِ لَا يَدْرِي مَا خَلَفَهُ بِالْفَتَحَاتِ وَالتَّخْفِيفِ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الْفِرَاشِ بَعْدَهُ أَيْ مَا صَارَ بَعْدَهُ خَلَفًا وَبَدَلًا عَنْهُ إِذَا غَابَ قَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَاهُ لَا يَدْرِي ما وقع في فراشه بعد ما خَرَجَ مِنْهُ مِنْ تُرَابٍ أَوْ قَذَاةٍ أَوْ هَوَامَّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْفُضَ فِرَاشَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ لِئَلَّا يَكُونَ قَدْ دَخَلَ فِيهِ حَيَّةٌ أَوْ عَقْرَبٌ أَوْ غَيْرُهُمَا مِنَ الْمُؤْذِيَاتِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ وَلْيَنْفُضْ وَيَدُهُ مَسْتُورَةٌ بِطَرَفِ إِزَارِهِ لِئَلَّا يَحْصُلَ فِي يَدِهِ مَكْرُوهٌ إِنْ كَانَ شَيْءٌ هُنَاكَ بِاسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي أَيْ مُسْتَعِينًا بِاسْمِكَ يَا رَبِّي وَبِكَ أَرْفَعُهُ أَيْ

باب ما جاء فيمن يقرأ من القرآن عند المنام

بِاسْمِكَ أَوْ بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ أَرْفَعُهُ فَلَا أَسْتَغْنِي عَنْكَ بِحَالٍ فَإِنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي أَيْ قَبَضْتَ رُوحِي فِي النَّوْمِ (فَارْحَمْهَا) أَيْ بِالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ عَنْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا بِأَنْ رَدَدْتَ الْحَيَاةَ إِلَيَّ وَأَيْقَظْتَنِي مِنَ النَّوْمِ فَاحْفَظْهَا أَيْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَالْمُخَالَفَةِ بِمَا تَحْفَظُ بِهِ أَيْ مِنَ التَّوْفِيقِ وَالْعِصْمَةِ وَالْأَمَانَةِ (عِبَادَكَ الصَّالِحِينَ) أَيِ الْقَائِمِينَ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَعِبَادِهِ وَالْبَاءُ فِي بِمَا تَحْفَظُ مِثْلُهَا فِي كَتَبْتُ بِالْقَلَمِ وَمَا مَوْصُولَةٌ مُبْهَمَةٌ وَبَيَانُهَا مَا دَلَّ عَلَيْهَا صِلَتُهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا يَحْفَظُ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ مِنَ الْمَعَاصِي وَمِنْ أَنْ لَا يَتَهَاوَنُوا فِي طَاعَتِهِ وَعِبَادَتِهِ بِتَوْفِيقِهِ وَلُطْفِهِ وَرِعَايَتِهِ وَرُدَّ عَلَيَّ رُوحِي أَيْ رُوحِي الْمُمَيَّزَةُ بِرَدِّ تَمْيِيزِهَا الزَّائِلِ عَنْهَا بِنَوْمِهَا قَالَ الطِّيبِيُّ الْحِكْمَةُ فِي إِطْلَاقِ الْمَوْتِ عَلَى النَّوْمِ أَنَّ انْتِفَاعَ الْإِنْسَانِ بِالْحَيَاةِ إِنَّمَا هُوَ لِتَحَرِّي رِضَا اللَّهِ عَنْهُ وَقَصْدِ طَاعَتِهِ وَاجْتِنَابِ سَخَطِهِ وَعِقَابِهِ فَمَنْ نَامَ زَالَ عَنْهُ الِانْتِفَاعُ فَكَانَ كَالْمَيِّتِ فَحَمْدًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَزَوَالِ ذَلِكَ الْمَانِعِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ) لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَ حَدِيثَهُمَا قَوْلُهُ (وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 1 - (بَابَ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَنَامِ) [3402] قَوْلُهُ (حدثنا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ) الْمِصْرِيُّ أَبُو مُعَاوِيَةَ الْقِتْبَانِيُّ (عن عقيل) بضم العين مصغرا هو بن خَالِدِ بْنِ عُقَيْلٍ الْأَيْلِيُّ (ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا) مِنَ النَّفْثِ بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْفَاءِ بَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ وَهُوَ إِخْرَاجُ الرِّيحِ مِنَ الْفَمِ مَعَ شَيْءٍ مِنَ الرِّيقِ (فَقَرَأَ فِيهِمَا) قَالَ الْعَيْنِيُّ قَالَ الْمُظْهِرِيُّ فِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ نَفَثَ فِي كَفِّهِ أَوَّلًا ثُمَّ قَرَأَ وَهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَعَلَّهُ سَهْوٌ مِنَ الرَّاوِي وَالنَّفْثُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التِّلَاوَةِ لِيُوصِلَ بركة القرآن إلى بشرة القارىء وَالْمَقْرُوءِ لَهُ وَأَجَابَ الطِّيبِيُّ عَنْهُ بِأَنَّ الطَّعْنَ فِيمَا صَحَّتْ رِوَايَتُهُ لَا يَجُوزُ وَكَيْفَ وَالْفَاءُ فِيهِ مِثْلُ مَا فِي

قوله تعالى إذا قرأت القرآن فاستعذ فَالْمَعْنَى جَمْعُ كَفَّيْهِ ثُمَّ عَزْمٌ عَلَى النَّفْثِ أَوْ لَعَلَّ السِّرَّ فِي تَقْدِيمِ النَّفْثِ فِيهِ مُخَالَفَةُ السَّحَرَةِ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا آوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَفَثَ فِي كَفَّيْهِ بِ قل هو الله أحد وبالمعوذتين جميعا قال الحافظ أي يقرأها وَيَنْفُثُ حَالَةَ الْقِرَاءَةِ (يَبْدَأُ) بَيَانٌ أَوْ بَدَلٌ ليمسح (بِهِمَا) أَيْ بِمَسْحِهِمَا (وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الطِّبِّ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ وَمَا بَلَغَتْ يَدَاهُ مِنْ جَسَدِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 2 - بَاب مِنْهُ [3403] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) أَيِ الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ) الْأَشْجَعِيِّ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وَالصَّوَابُ أَنَّ الصُّحْبَةَ لأبيه وهو من الثالثة ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قُتِلَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قوله اقرأ قل يا أيها الكافرون أَيْ إِلَى آخِرِهَا زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ ثُمَّ نَمْ عَلَى خَاتِمَتِهَا فَإِنَّهَا أَيْ هَذِهِ السُّورَةَ بَرَاءَةٌ مِنَ الشِّرْكِ أَيْ وَمُفِيدَةٌ لِلتَّوْحِيدِ قَوْلُهُ (قَالَ شُعْبَةُ أَحْيَانًا يَقُولُ مَرَّةً وَأَحْيَانًا لَا يَقُولُهَا) يَعْنِي قَالَ شُعْبَةُ إِنَّ أَبَا إِسْحَاقَ أَحْيَانًا يَزِيدُ كَلِمَةَ مَرَّةً بعد قوله قل يا أيها الكافرون وَأَحْيَانًا لَا يَزِيدُهَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ حِزَامٍ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالزَّايِ أَبُو عِمْرَانَ التِّرْمِذِيُّ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ نَوْفَلٍ الْأَشْجَعِيِّ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْكُوفَةَ (وَهَذَا أَصَحُّ) أَيْ حَدِيثُ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ

فَرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ مُتَّصِلًا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ رَجُلٍ عَنْ فَرْوَةَ مُرْسَلًا لِأَنَّ إِسْرَائِيلَ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِرِوَايَتِهِ هَكَذَا بَلْ تَابَعَهُ زُهَيْرٌ كَمَا بَيَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ بِقَوْلِهِ وَرَوَى زُهَيْرٌ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ إِلَخْ وَحَدِيثُ فَرْوَةَ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ أَبِيهِ هَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ أخرجه أصحاب السنن الثلاثة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ انْتَهَى وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي تُحْفَةِ الذَّاكِرِينَ [3404] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْمُحَارِبِيُّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زياد (عن ليث) هو بن أَبِي سُلَيْمٍ قَوْلُهُ (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينام حتى يقرأ ب تنزيل السجدة) أي سورة السجدة وب تَبَارَكَ أَيْ سُورَةَ الْمُلْكِ قَالَ الطِّيبِيُّ حَتَّى غَايَةَ لَا يَنَامُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى إِذَا دَخَلَ وَقْتُ النَّوْمِ لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَهُمَا وَأَنْ يَكُونَ لَا يَنَامُ مُطْلَقًا حَتَّى يَقْرَأَهُمَا وَالْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَتِهِ النَّوْمُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ فَتَقَعُ الْقِرَاءَةُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ النَّوْمِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ وَلَوْ قِيلَ كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم يقرأهما بِاللَّيْلِ لَمْ يُفْدِ هَذِهِ الْفَائِدَةَ انْتَهَى قَالَ القارىء وَالْفَائِدَةُ هِيَ إِفَادَةُ الْقَبْلِيَّةِ وَلَا يُشَكُّ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ أَظْهَرُ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إِلَى تَقْدِيرٍ يُفْضِي إِلَى تَضْيِيقٍ انْتَهَى وَحَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ والنسائي والدارمي وبن أَبِي شَيْبَةَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ فِيهِ اضْطِرَابًا قَوْلُهُ (إِنَّمَا سَمِعْتُهُ من صفوان أو بن صَفْوَانَ) كَلِمَةُ أَوْ لِلشَّكِّ وَصَفْوَانُ هَذَا هُوَ صَفْوَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أمية القرشي والمراد من بن صَفْوَانَ هُوَ صَفْوَانُ هَذَا قَالَ الْحَافِظُ فِي التقريب بن صَفْوَانَ شَيْخُ أَبِي الزُّبَيْرِ هُوَ صَفْوَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَفْوَانَ نُسِبَ لِجَدِّهِ

وَقَدْ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ جَابِرٍ هَذَا فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ مِنْ أَبْوَابِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَذَكَرَ هُنَاكَ هَذَا الْكَلَامَ وَزَادَ وَكَأَنَّ زُهَيْرًا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ (وَقَدْ رَوَى شَبَابَةُ) بْنُ سَوَّارٍ الْمَدَائِنِيُّ (عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ مُسْلِمٍ) الْقَسْمَلِيِّ السَّرَّاجِ [3405] قَوْلُهُ (لَا يَنَامُ حَتَّى يَقْرَأَ الزُّمَرَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ) أَيْ لَمْ يَكُنْ عَادَتُهُ النَّوْمَ قَبْلَ قِرَاءَتِهِمَا وَحَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا قَدْ تَقَدَّمَ بِهَذَا السَّنَدِ وَالْمَتْنِ فِي أَوَاخِرِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ [3406] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بِلَالٍ) الْخُزَاعِيِّ الشَّامِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بِلَالٍ عَنِ الْعِرْبَاضِ مَا رَوَى عَنْهُ سِوَى خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ انْتَهَى وَقَدْ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بِلَالٍ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ رَاوٍ يُسَمَّى بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بِلَالٍ وَقَدْ أَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي أَوَاخِرِ فَضَائِلِ الْقُرْآنِ بِهَذَا السَّنَدِ وَفِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بِلَالٍ لَا عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بِلَالٍ وَتَقَدَّمَ شَرْحُهُ هُنَاكَ 3 - بَاب مِنْهُ [3407] قَوْلُهُ (أَلَا أُعَلِّمُكَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا أَنْ نَقُولَ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا كَلِمَاتٍ نَدْعُو بِهِنَّ فِي صَلَاتِنَا أَوْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلَاتِنَا اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ

باب ما جاء في التسبيح والتكبير والتحميد عند المنام

أَيِ الدَّوَامَ عَلَى الدِّينِ وَلُزُومَ الِاسْتِقَامَةِ عَلَيْهِ وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ هِيَ الْجِدُّ فِي الْأَمْرِ بِحَيْثُ يُنْجَزُ كُلُّ مَا هُوَ رُشْدٌ مِنْ أُمُورِهِ وَالرُّشْدُ بِضَمِّ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الصَّلَاحُ وَالْفَلَاحُ وَالصَّوَابُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ وَالْعَزِيمَةِ عَلَى الرُّشْدِ أَيْ عَقْدَ الْقَلْبِ عَلَى إِمْضَاءِ الْأَمْرِ وأسألك شكر نعمتك أي التوفق لِشُكْرِ إِنْعَامِكَ وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ أَيْ إِيقَاعَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْحَسَنِ الْمَرَضِيِّ وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا أَيْ مَحْفُوظًا مِنَ الْكَذِبِ وَقَلْبًا سَلِيمًا أَيْ عَنْ عقائد فاسدة وعن الشهوات وأعوذ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ أَيْ مَا تعلمه أنت ولا أعمله أَنَا وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ مِنِّي مِنْ تَفْرِيطٍ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ أَيِ الْأَشْيَاءِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي لَا يَنْفُذُ فِيهَا ابْتِدَاءٌ إِلَّا عِلْمُ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَأْخُذُ مَضْجَعَهُ يَقْرَأُ سُورَةً وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مَا مِنْ رَجُلٍ يَأْوِي إِلَى فِرَاشِهِ فَيَقْرَأُ سُورَةً إِلَّا وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ مَلَكًا أَيْ أَمَرَهُ بِأَنْ يَحْرُسَهُ مِنَ الْمَضَارِّ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ فَلَا يَقْرَبُهُ بِفَتْحِ الرَّاءِ شَيْءٌ يُؤْذِيهِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ إِلَّا بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ مَلَكًا يَحْفَظُهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يُؤْذِيهِ حَتَّى يَهُبَّ بِضَمِّ الْهَاءِ مَتَى هَبَّ أَيْ يَسْتَيْقِظَ مَتَى اسْتَيْقَظَ بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ أَوْ قُرْبِهِ مِنَ النَّوْمِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) فِي سَنَدِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنْظَلَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِهِ 4 - (بَاب مَا جَاءَ فِي التَّسْبِيحِ والتكبير والتحميد عند المنام) [3408] قوله (عن بن عَوْنٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ أرطبان (عن عبيدة) هو بن عمر

السَّلْمَانِيُّ الْمُرَادِيُّ قَوْلُهُ (شَكَتْ إِلَيَّ فَاطِمَةُ مَجْلَ يَدَيْهَا) قَالَ فِي الْقَامُوسِ مَجَلَتْ يَدُهُ كَنَصَرَ وَفَرِحَ مَجْلًا وَمَجَلًا وَمُجُولًا نَفِطَتْ مِنَ الْعَمَلِ فَمَرَنَتْ كَأَمْجَلَتَ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ مَجَلَتْ يَدُهُ تَمْجُلُ مَجْلًا وَمَجَلَتْ تَمْجُلُ مَجَلًا إِذَا ثَخُنَ جِلْدُهَا وَتَعَجَّرَ وَظَهَرَ فِيهَا مَا يُشْبِهُ البتر مِنَ الْعَمَلِ بِالْأَشْيَاءِ الصُّلْبَةِ الْخَشِنَةِ (مِنَ الطَّحِينِ) أَيْ بِسَبَبِ الطَّحِينِ وَهُوَ الدَّقِيقُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنَ الطَّحْنِ (فَقُلْتُ لَوْ أَتَيْتِ أَبَاكِ فَسَأَلْتِيهِ خَادِمًا) أَيْ جَارِيَةً تَخْدُمُكِ وَهُوَ يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى (فَقَالَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنَ الْخَادِمَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ خَادِمًا فَلَمْ تَجِدْهُ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ قَالَ فَجَاءَنَا وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا فَذَهَبْتُ أَقُومُ فَقَالَ مَكَانَكِ فَجَلَسَ بَيْنَنَا حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي فَقَالَ أَلَا أَدُلُّكُمَا عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَجْهُ الْخَيْرِيَّةِ إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ وَالْخَادِمُ بِالدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا طَلَبَتْهُ بِأَنْ يَحْصُلَ لَهَا بِسَبَبِ هَذِهِ الْأَذْكَارِ قُوَّةٌ تَقْدِرُ عَلَى الْخِدْمَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَقْدِرُ الْخَادِمُ تَقُولَانِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ مِنْ تَحْمِيدٍ وَتَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ وَفِي الرِّوَايَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا كَمَا فِي المشكاة فسبحا ثلاثا وثلاثين وأحمد ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبِّرَا أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الْحَدِيثَ بِالْقِصَّةِ مُطَوَّلًا [3409] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الذُّهْلِيُّ (عن محمد) هو بن سِيرِينَ 5 - بَاب مِنْهُ [3410] قَوْلُهُ خَلَّتَانِ بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ خَصْلَتَانِ لَا يُحْصِيهِمَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ أَيْ لَا يُحَافِظُ عَلَيْهِمَا كَمَا

فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ (إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ) أَيْ مَعَ النَّاجِينَ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّعٌ أَلَا بِالتَّخْفِيفِ حَرْفُ تَنْبِيهٍ وَهُمَا أَيِ الْخَصْلَتَانِ وَهُمَا الْوَصْفَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَسِيرٌ أَيْ سَهْلٌ خَفِيفٌ لِعَدَمِ صُعُوبَةِ الْعَمَلِ بِهِمَا عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ وَمَنْ يَعْمَلُ بِهِمَا أَيْ عَلَى وَصْفِ الْمُدَاوَمَةِ قَلِيلٌ أَيْ نَادِرٌ لِغُرَّةِ التَّوْفِيقِ وَجُمْلَةُ التَّنْبِيهِ مُعْتَرِضَةٌ لِتَأْكِيدِ التَّحْضِيضِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِمَا وَالتَّرْغِيبِ فِي الْمُدَاوَمَةِ عَلَيْهِمَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَاوَ فِي وَهُمَا لِلْحَالِ وَالْعَامِلُ فِيهِ مَعْنَى التنبيه قاله القارىء يُسَبِّحُ اللَّهَ بِأَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَهُوَ بَيَانٌ لِإِحْدَى الْخَلَّتَيْنِ وَالضَّمِيرُ لِلرَّجُلِ الْمُسْلِمِ فِي دُبُرِ بِضَمَّتَيْنِ أَيْ عَقِبَ كُلِّ صَلَاةٍ أَيْ مكتوبة كما رِوَايَةِ أَحْمَدَ عَشْرًا مِنَ الْمَرَّاتِ وَيَحْمَدُهُ بِأَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَيُكَبِّرُهُ بِأَنْ يَقُولَ اللَّهُ أكبر قال أي بن عَمْرٍو (يَعْقِدُهَا) أَيِ الْعَشْرَاتِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَعُدُّهَا (بِيَدِهِ) أَيْ بِأَصَابِعِهَا أَوْ بِأَنَامِلِهَا أَوْ بِعُقَدِهَا (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتِلْكَ أَيِ الْعَشْرَاتُ الثَّلَاثُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ أَيْ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثِينَ فِي خَمْسَةٍ أَيْ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ حَسَنَةً بِاللِّسَانِ أَيْ بِمُقْتَضَى نُطْقِهِ فِي الْعَدَدِ وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فِي الْمِيزَانِ لِأَنَّ كُلَّ حَسَنَةٍ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا عَلَى أَقَلِّ مَرَاتِبِ الْمُضَاعَفَةِ الْمَوْعُودَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ بَيَانٌ لِلْخُلَّةِ الثَّانِيَةِ تُسَبِّحُهُ وَتُكَبِّرُهُ وَتَحْمَدُهُ مِائَةً وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَيُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ وَيَحْمَدُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَيُسَبِّحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ فَتِلْكَ أَيِ الْمِائَةُ مِنْ أَنْوَاعِ الذِّكْرِ مِائَةٌ أَيْ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَأَلْفٌ أَيْ أَلْفُ حَسَنَةٍ عَلَى جِهَةِ الْمُضَاعَفَةِ فَأَيُّكُمْ يَعْمَلُ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ألفي وَخَمْسَمِائَةِ سَيِّئَةٍ وَفِي الْمِشْكَاةِ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةِ سَيِّئَةٍ وَالْفَاءُ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ وَفِي الِاسْتِفْهَامِ نَوْعُ إِنْكَارٍ يَعْنِي إِذَا حَافَظَ عَلَى الْخَصْلَتَيْنِ وَحَصَلَ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةِ حَسَنَةٍ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَيُعْفَى عَنْهُ بِعَدَدِ كُلِّ حَسَنَةٍ سَيِّئَةٌ كَمَا قَالَ تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات فَأَيُّكُمْ يَأْتِي بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا مِنَ السَّيِّئَاتِ فِي يَوْمِهِ وَلَيْلَتِهِ حَتَّى لَا يَصِيرَ مَعْفُوًّا عَنْهُ فَمَا لَكُمْ لَا تَأْتُونَ بِهِمَا وَلَا تحصونهما فكيف لا تحصيها أَيِ الْمَذْكُورَاتِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ كَيْفَ لَا نُحْصِي الْمَذْكُورَاتِ فِي الْخَصْلَتَيْنِ وَأَيُّ شَيْءٍ يَصْرِفُنَا فَهُوَ اسْتِبْعَادٌ لِإِهْمَالِهِمْ فِي الْإِحْصَاءِ فَرُدَّ اسْتِبْعَادُهُمْ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ يُوَسْوِسُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَغْفُلَ عَنِ الذِّكْرِ عُقَيْبَهَا وَيُنَوِّمَهُ عِنْدَ الِاضْطِجَاعِ كَذَلِكَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلُهُ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ مَفْعُولٌ مقدم

فيقول أو يوسوس لَهُ أَوْ يُلْقِي فِي خَاطِرِهِ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا مِنَ الْأَشْغَالِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأَحْوَالِ النَّفْسِيَّةِ الشَّهَوِيَّةِ أَوْ مَا لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالصَّلَاةِ وَلَوْ مِنَ الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ حَتَّى يَنْفَتِلَ أَيْ يَنْصَرِفَ عَنِ الصَّلَاةِ فَلَعَلَّهُ أَيْ فَعَسَى أَنْ لَا يَفْعَلَ أَيِ الْإِحْصَاءَ قِيلَ الْفَاءُ فِي فَلَعَلَّهُ جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ يَعْنِي إِذَا كَانَ الشَّيْطَانُ يَفْعَلُ كَذَا فَعَسَى الرَّجُلُ أَلَّا يَفْعَلَ وَإِدْخَالُ أَنْ فِي خَبَرِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَعَلَّ هُنَا بِمَعْنَى عَسَى وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ يَغْلِبُهُ الشَّيْطَانُ عَنِ الْحُضُورِ الْمَطْلُوبِ الْمُؤَكَّدِ فِي صَلَاتِهِ فَكَيْفَ لَا يَغْلِبُهُ وَلَا يَمْنَعُهُ عَنِ الْأَذْكَارِ الْمَعْدُودَةِ مِنَ السُّنَنِ فِي حَالِ انْصِرَافِهِ عَنْ طَاعَتِهِ وَيَأْتِيهِ أَيِ الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَلَا يَزَالُ يُنَوِّمُهُ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ أَيْ يُلْقِي عَلَيْهِ النَّوْمَ حَتَّى يَنَامَ أَيْ بِدُونِ الذِّكْرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجة وصححه بن حِبَّانَ (وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ هَذَا الْحَدِيثَ) يَعْنِي بِطُولِهِ مِنْ غَيْرِ اخْتِصَارٍ كَمَا رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ (وَرَوَى الْأَعْمَشُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ مُخْتَصَرًا) وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ الْأَعْمَشِ الْمُخْتَصَرَةَ بَعْدَ هَذَا وَأَخْرَجَهَا أَيْضًا فِي بَابِ عَقْدِ التَّسْبِيحِ بِالْيَدِ وَقَالَ هُنَاكَ بَعْدَ إِخْرَاجِهَا وَرَوَى شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ بِطُولِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وأنس وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ البزار كما في الترغيب وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ التَّسْبِيحِ فِي أَدْبَارِ الصَّلَاةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ [3411] قَوْلُهُ (يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ) يَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي عَقْدِ بَابِ التَّسْبِيحِ بِالْيَدِ

[3412] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ الْمُلَائِيُّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَالْمَدُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مُتْقِنٌ عَابِدٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ مُعَقِّبَاتٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ كَلِمَاتٌ مُعَقِّبَاتٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ سُمِّيَتْ مُعَقِّبَاتٍ لِأَنَّهَا عَادَتْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى أَوْ لِأَنَّهَا تُقَالُ عُقَيْبَ الصَّلَاةِ وَالْمُعَقِّبُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَا جَاءَ عَقِبَ مَا قَبْلَهُ انْتَهَى لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَيْ لَا يُحْرَمُ مِنَ الْجَنَّةِ وَالْجَزَاءِ تُسَبِّحُ اللَّهَ إِلَخْ بَيَانٌ لِمُعَقِّبَاتٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ (وَرَوَى شُعْبَةُ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ الْحَكَمِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ وَرَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنِ الْحَكَمِ فَرَفَعَهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اعْلَمْ أَنَّ حَدِيثَ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ هَذَا ذكره الدارقطني في استداركاته عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ الصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى كَعْبٍ لِأَنَّ مَنْ رَفَعَهُ لَا يُقَاوِمُونَ مَنْ وَقَفَهُ فِي الْحِفْظِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْدُودٌ لِأَنَّ مُسْلِمًا رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ كُلُّهَا مَرْفُوعَةٌ وَذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى مَرْفُوعَةٍ وَإِنَّمَا رُوِيَ مَوْقُوفًا مِنْ جِهَةِ مَنْصُورٍ وَشُعْبَةَ وَقَدِ اخْتَلَفُوا عَلَيْهِمَا أَيْضًا فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَبَيَّنَ الدَّارَقُطْنِيُّ ذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي أَوَّلِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رُوِيَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ مَرْفُوعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ الْأُصُولِيُّونَ وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ مِنْهُمُ الْبُخَارِيُّ وَآخَرُونَ حَتَّى لَوْ كَانَ الْوَاقِفُونَ أَكْثَرَ مِنَ الرَّافِعِينَ حُكِمَ بِالرَّفْعِ كَيْفَ وَالْأَمْرُ هُنَا بِالْعَكْسِ وَدَلِيلُهُ مَا سَبَقَ أَنَّ هَذِهِ زِيَادَةُ ثِقَةٍ فَوَجَبَ قَبُولُهَا وَلَا تَرِدُ لِنِسْيَانٍ أَوْ تَقْصِيرٍ حَصَلَ ممن وقفه انتهى 6 - ب بَاب مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ إِذَا انْتَبَهَ مِنْ اللَّيْلِ [3414] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي رِزْمَةَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ غَزْوَانُ أَبُو

عَمْرٍو الْمَرْوَزِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ (حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ) الْعَنْسِيُّ أَبُو الْوَلِيدِ الدِّمَشْقِيُّ الدَّارَانِيُّ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ الرَّابِعَةِ (حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ) بِضَمِّ جِيمٍ وَتَخْفِيفِ نُونٍ وَإِهْمَالِ دَالٍ الْأَزْدِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّامِيُّ يُقَالُ اسْمُ أَبِي أُمَيَّةَ كَثِيرٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ فَقَالَ الْعِجْلِيُّ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ وَالْحَقُّ أَنَّهُمَا اثْنَانِ صَحَابِيٌّ وَتَابِعِيٌّ مُتَّفِقَانِ فِي الِاسْمِ وكنية الأدب وقد بينت ذلك كِتَابِي فِي الصَّحَابَةِ وَرِوَايَةُ جُنَادَةَ الْأَزْدِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ وَرِوَايَةُ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ قَوْلُهُ مَنْ تَعَارَّ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَرَاءٍ مُشَدَّدَةٍ أَيِ انْتَبَهَ مِنَ النَّوْمِ وَاسْتَيْقَظَ وَلَا يَكُونُ إِلَّا يَقَظَةً مَعَ كَلَامٍ وَقِيلَ هُوَ تَمَطَّى وَأَنَّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْأَكْثَرُ التَّعَارُّ الْيَقَظَةُ مَعَ صَوْتٍ وَقَالَ بن التِّينِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَعْنَى تَعَارَّ اسْتَيْقَظَ لِأَنَّهُ قَالَ مَنْ تَعَارَّ فَقَالَ فَعَطَفَ الْقَوْلَ عَلَى التَّعَارِّ انْتَهَى وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ تَفْسِيرِيَّةً لِمَا صَوَّتَ بِهِ الْمُسْتَيْقِظُ لِأَنَّهُ قَدْ يُصَوِّتُ بِغَيْرِ ذِكْرٍ فَخَصَّ الْفَضْلَ الْمَذْكُورَ عَنْ صَوْتٍ بِمَا ذَكَرَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا هُوَ السِّرُّ فِي اخْتِيَارِ لَفْظِ تَعَارَّ دُونَ اسْتَيْقَظَ أَوِ انْتَبَهَ وَإِنَّمَا يَتَّفِقُ ذَلِكَ لمن تعوذ الذِّكْرَ وَاسْتَأْنَسَ بِهِ وَغَلَبَ عَلَيْهِ حَتَّى صَارَ حَدِيثَ نَفْسِهِ فِي نَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ فَأَكْرَمَ مَنِ اتَّصَفَ بِذَلِكَ بِإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَقَبُولِ صَلَاتِهِ ثُمَّ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي أَوْ قَالَ ثُمَّ دَعَا كَلِمَةُ أَوْ لِلشَّكِّ وَالشَّكُّ مِنَ الْوَلِيدِ فَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ ثُمَّ قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي غَفَرَ لَهُ أَوْ قَالَ فَدَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ شَكَّ الْوَلِيدُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي داود وبن مَاجَهْ غَفَرَ لَهُ قَالَ الْوَلِيدُ أَوْ قَالَ دعا استجيب له استجيب له قال بن الْمَلَكِ الْمُرَادُ بِهَا الِاسْتِجَابَةُ الْيَقِينِيَّةُ لِأَنَّ الِاحْتِمَالِيَّةَ ثَابِتَةٌ فِي غَيْرِ هَذَا الدُّعَاءِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ اسْتِجَابَةُ الدُّعَاءِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ وَكَذَا مَقْبُولِيَّةُ الصَّلَاةِ فِيهِ أَرْجَى مِنْهُمَا فِي غَيْرِهِ فَإِنْ عَزَمَ قَالَ فِي الْقَامُوسِ عَزَمَ عَلَى الْأَمْرِ يَعْزِمُ عَزْمًا وَيُضَمُّ وَمَعْزَمًا وَعُزْمَانًا وَعَزِيمًا وَعَزِيمَةً وَعَزَمَهُ وَاعْتَزَمَهُ وَعَلَيْهِ وَتَعَزَّمَ أَرَادَ فِعْلَهُ وَقَطَعَ عَلَيْهِ وَجَدَّ فِي الْأَمْرِ قُبِلَتْ صلاته قال بن مَالِكٍ وَهَذِهِ الْمَقْبُولِيَّةُ الْيَقِينِيَّةُ عَلَى الصَّلَاةِ الْمُتَعَقَّبَةِ عَلَى الدَّعْوَةِ الْحَقِيقِيَّةِ كَمَا قَبْلَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو داود والنسائي وبن ماجة

[3415] قوله (حدثنا مَسْلَمَةُ بْنُ عُمَرَ) الشَّامِيُّ أَبُو عَمْرٍو مَجْهُولٌ مِنَ الثَّامِنَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قُلْتُ وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَوْلُهُ (أَلْفَ سَجْدَةٍ) أَيْ أَلْفَ رَكْعَةٍ 7 - بَاب مِنْهُ [3416] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) بْنِ بَهْرَامَ الْكَوْسَجُ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ (حَدَّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ كَعْبِ) بْنِ مَالِكٍ الْأَسْلَمِيُّ أبو فران الْمَدَنِيُّ صَحَابِيٌّ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ رَبِيعَةَ وَأَبِي فِرَاسٍ الْأَسْلَمِيِّ مَاتَ رَبِيعَةُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ بَعْدَ الْحَرَّةِ قَوْلُهُ (كُنْتُ أَبِيتُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ كُنْتُ أَنَامُ (عِنْدَ بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عِنْدَ حُجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأُعْطِيهِ وَضُوءَهُ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ مَاءَ وُضُوئِهِ (فَأَسْمَعُهُ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْهَوِيَّ مِنَ اللَّيْلِ) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَنَصْبِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْحِينُ الطَّوِيلُ مِنَ الزَّمَانِ وَقِيلَ مُخْتَصٌّ بِاللَّيْلِ وَالتَّعْرِيفُ هُنَا لِاسْتِغْرَاقِ الْحِينِ الطَّوِيلِ بِالذِّكْرِ بِحَيْثُ لَا يَفْتُرُ عَنْهُ بَعْضُهُ وَالتَّنْكِيرُ لَا يُفِيدُهُ نَصًّا كَمَا تَقُولُ قال زَيْدٌ الْيَوْمَ أَيْ كُلَّهُ أَوْ يَوْمًا أَيْ بَعْضَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا أَيْ بَعْضًا مِنْهُ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ إِلَخْ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ أَيْ إِذَا أَقَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْهَوِيَّ ثُمَّ يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ الْهَوِيَّ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يُصَلِّي يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْهَوِيَّ قَالَ ثُمَّ يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ الْهَوِيَّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ

28 - بَاب مِنْهُ [3417] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدِ بْنِ الْهَمْدَانِيِّ) الْكُوفِيُّ مَتْرُوكٌ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عَمْرُو بْنُ إِسْمَاعِيلَ بِالْوَاوِ وَهُوَ غَلَطٌ (عَنْ رِبْعِيِّ) بن حراش قوله اللهم بإسمك أموت وأحيى أي بذكر اسمك أحيى مَا حَيِيتُ وَعَلَيْهِ أَمُوتُ وَيَسْقُطُ بِهَذَا سُؤَالُ من يقول بالله الحياة والموت لا باسمه وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الِاسْمِ هُنَا زَائِدًا كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ إِلَى الْحَوْلِ ثُمَّ اسْمُ السَّلَامِ عَلَيْكُمَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَا نَفْسِي بَعْدَ مَا أَمَاتَهَا قِيلَ هَذَا لَيْسَ إِحْيَاءً وَلَا إِمَاتَةً بَلْ إِيقَاظٌ وَإِنَامَةٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمَوْتَ عِبَارَةٌ عَنِ انْقِطَاعِ تَعَلُّقِ الرُّوحِ بِالْبَدَنِ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ ظَاهِرًا فَقَطْ وَهُوَ النَّوْمُ وَلِهَذَا يُقَالُ إِنَّهُ آخِرُ الْمَوْتِ أَوْ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَهُوَ الْمَوْتُ الْمُتَعَارَفُ أَوْ أَطْلَقَ الْإِحْيَاءَ وَالْإِمَاتَةَ عَلَى سَبِيلِ التَّشْبِيهِ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مُصَرَّحَةٌ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ النَّفْسُ الَّتِي تُفَارِقُ الْإِنْسَانَ عِنْدَ النَّوْمِ هِيَ الَّتِي لِلتَّمْيِيزِ وَالَّتِي تُفَارِقُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ هِيَ الَّتِي لِلْحَيَاةِ وَهِيَ الَّتِي تَزُولُ مَعَهَا النَّفْسُ وَسُمِّيَ النَّوْمُ مَوْتًا لِأَنَّهُ يَزُولُ مَعَهُ الْعَقْلُ وَالْحَرَكَةُ تَمْثِيلًا وَتَشْبِيهًا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ أَيِ الْبَعْثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْإِحْيَاءُ بَعْدَ الْإِمَاتَةِ يُقَالُ نَشَرَ اللَّهُ الْمَوْتَى فَنُشِرُوا أَيْ أَحْيَاهُمْ فَحَيُوا قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ نُشِرَ الْمَيِّتُ نُشُورًا إِذَا عَاشَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَأَنْشَرَهُ اللَّهُ أَيْ أَحْيَاهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) فِي إِسْنَادِهِ عُمَرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَمَا عَرَفْتَ فَتَصْحِيحُهُ لِمَجِيئِهِ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى صَحِيحَةٍ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَأَبُو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

باب ما جاء ما يقال إذا قام من الليل

29 - (باب ما جاء ما يقال إِذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ) إِلَى الصَّلَاةِ [3418] قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ) قَالَ الْحَافِظُ ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُهُ أَوَّلَ مَا يَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَتَرْجَمَ عليه بن خُزَيْمَةَ الدَّلِيلَ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ هَذَا التَّحْمِيدَ بَعْدَ أَنْ يُكَبِّرَ ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بن سعد عن طاؤس عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إذا قام للتهجد قال بعد ما يُكَبِّرُ اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ انْتَهَى لَكَ الْحَمْدُ تَقْدِيمُ الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى التَّخْصِيصِ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيْ مُنَوِّرُهُمَا وَخَالِقُ نُورِهِمَا وَقَالَ بن عَبَّاسٍ هَادِي أَهْلِهِمَا وَقِيلَ مُنَزَّهٌ فِي السَّمَاوَاتِ والأرض من كل عيب ومبرء مِنْ كُلِّ رِيبَةٍ وَقِيلَ هُوَ اسْمُ مَدْحٍ يُقَالُ فُلَانٌ نُورُ الْبَلَدِ وَشَمْسُ الزَّمَانِ وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ مُزَيِّنُ السَّمَاوَاتِ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء والأولياء وقال بن بَطَّالٍ أَنْتَ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيْ بِنُورِكَ يَهْتَدِي مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ ذو نور السماوات والأرض يأنت قَيَّامُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَفِي رِوَايَةٍ قَيِّمُ وَفِي أُخْرَى قَيُّومُ وَهِيَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ وَهِيَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهَا الْقَائِمُ بِأُمُورِ الْخَلْقِ وَمُدَبِّرُ الْعَالَمِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ وَأَصْلُهَا مِنَ الْوَاوِ قَيْوَامٌ وَقَيْوِمٌ وَقَيْوُومٌ بِوَزْنِ فَيْعَالٍ فَيَعُولُ وَالْقَيُّومُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْمَعْدُودَةِ وَهُوَ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ مُطْلَقًا لَا بِغَيْرِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يُقَوَّمُ بِهِ كُلُّ مَوْجُودٍ حَتَّى لَا يُتَصَوَّرَ وُجُودُ شَيْءٍ وَلَا دَوَامُ وُجُودِهِ إِلَّا بِهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ أَنْتَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الرب يطلق في المغة عَلَى الْمَالِكِ وَالسَّيِّدِ وَالْمُدَبِّرِ وَالْمُرَبِّي وَالْمُنْعِمِ وَالْقَيِّمِ وَلَا يُطْلَقُ غَيْرَ مُضَافٍ إِلَّا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا أُطْلِقَ عَلَى غَيْرِهِ أُضِيفَ فَيُقَالُ رَبُّ كَذَا وَقَدْ جَاءَ فِي الشِّعْرِ مُطْلَقًا عَلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ بِالْكَثِيرِ أَنْتَ الْحَقُّ أَيِ الْمُتَحَقِّقُ الْوُجُودِ الثَّابِتُ بِلَا شَكٍّ فِيهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ هَذَا الْوَصْفُ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ خَاصٌّ بِهِ لَا يَنْبَغِي لِغَيْرِهِ إذ

وُجُودُهُ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَسْبِقْهُ عَدَمٌ وَلَا يَلْحَقُهُ عدم بخلاف غيره وقال بن التِّينِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنْتَ الْحَقُّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ يُدَّعَى فِيهِ أَنَّهُ إِلَهٌ أَوْ بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ سَمَّاكَ إِلَهًا فَقَدْ قَالَ الْحَقَّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ أَيِ الثَّابِتُ قَالَ الطِّيبِيُّ عَرَّفَ الْحَقَّ فِي أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَنَكَّرَ فِي الْبَوَاقِي لِأَنَّهُ مُنَكَّرٌ سَلَفًا وَخَلَفًا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الثَّابِتُ الدَّائِمُ الْبَاقِي وَمَا سِوَاهُ فِي مَعْرِضِ الزَّوَالِ وَكَذَا وَعْدُهُ مُخْتَصٌّ بِالْإِنْجَازِ دُونَ وَعْدِ غَيْرِهِ إِمَّا قَصْدًا وَإِمَّا عَجْزًا تَعَالَى اللَّهُ عَنْهُمَا وَالتَّنْكِيرُ فِي الْبَوَاقِي لِلتَّفْخِيمِ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ اللِّقَاءُ الْبَعْثُ أَوْ رُؤْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ الْمَوْتُ وَأَبْطَلَهُ النَّوَوِيُّ وَاللِّقَاءُ وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ دَاخِلٌ تَحْتَ الْوَعْدِ لَكِنَّ الْوَعْدَ مَصْدَرٌ وَمَا ذُكِرَ بَعْدَهُ هُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ أَيْ يَوْمُ الْقِيَامَةِ وَأَصْلُ السَّاعَةِ الْقِطْعَةُ مِنَ الزَّمَانِ وَإِطْلَاقُ اسْمِ الْحَقِّ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنَ الْأُمُورِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا وَأَنَّهَا مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ بِهَا وَتَكْرَارُ لَفْظِ حَقٍّ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّأْكِيدِ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ أَيِ اسْتَسْلَمْتُ وَانْقَدْتُ لِأَمْرِكَ وَنَهْيِكَ وَبِكَ آمَنْتُ أَيْ صَدَّقْتُ بِكَ وَبِكُلِّ مَا أَخْبَرْتَ وَأَمَرْتَ وَنَهَيْتَ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ أَيْ فَوَّضْتُ الْأَمْرَ إِلَيْكَ تَارِكًا لِلنَّظَرِ فِي الْأَسْبَابِ الْعَادِيَّةِ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ أَيْ أَطَعْتُ وَرَجَعْتُ إِلَى عِبَادَتِكَ أَيْ أَقْبَلْتُ عَلَيْهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ رَجَعْتُ إِلَيْكَ فِي تَدْبِيرِ أَمْرِي أَيْ فَوَّضْتُ إِلَيْكَ وَبِكَ خَاصَمْتُ أَيْ بِمَا أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْبَرَاهِينِ وَالْقُوَّةِ خَاصَمْتُ مَنْ عَانَدَ فِيكَ وَكَفَرَ بِكَ وَقَمَعْتُهُ بِالْحُجَّةِ وَبِالسَّيْفِ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ أَيْ كُلَّ مَنْ جَحَدَ الْحَقَّ حَاكَمْتُهُ إِلَيْكَ وَجَعَلْتُكَ الْحَاكِمَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَا غَيْرَكَ مِمَّا كَانَتْ تَحَاكَمُ إِلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ صَنَمٍ وَكَاهِنٍ وَنَارٍ وَشَيْطَانٍ وَغَيْرِهَا فَلَا أَرْضَى إِلَّا بِحُكْمِكَ وَلَا أَعْتَمِدُ غَيْرَهُ وَقَدَّمَ مَجْمُوعَ صِلَاتِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ عَلَيْهَا إِشْعَارًا بِالتَّخْصِيصِ وَإِفَادَةً لِلْحَصْرِ مَا قَدَّمْتُ أَيْ قَبْلَ هَذَا الْوَقْتِ وَمَا أَخَّرْتُ عَنْهُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَيْ أَخْفَيْتُ وَأَظْهَرْتُ أَوْ مَا حَدَّثْتُ بِهِ نَفْسِي وَمَا تَحَرَّكَ بِهِ لِسَانِي قَالَ النَّوَوِيُّ وَمَعْنَى سُؤَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَغْفِرَةَ مَعَ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ أَنَّهُ يَسْأَلُ ذَلِكَ تَوَاضُعًا وَخُضُوعًا وَإِشْفَاقًا وَإِجْلَالًا وَلِيُقْتَدَى بِهِ فِي أَصْلِ الدُّعَاءِ وَالْخُضُوعِ وَحُسْنِ التَّضَرُّعِ فِي هَذَا الدُّعَاءِ الْمُعِينِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مُوَاظَبَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللَّيْلِ عَلَى الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالِاعْتِرَافِ لِلَّهِ تَعَالَى بِحُقُوقِهِ وَالْإِقْرَارِ بصدقه ووعده ووعيده والبعث والجنة والنار وَغَيْرِ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وأخرجه الشيخان والنسائي وبن ماجة

30 - بَاب مِنْهُ [3419] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنِي أَبِي) أَيْ عِمْرَانُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى مَقْبُولٌ من الثامنة (حدثني بن أَبِي لَيْلَى) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيُّ الْقَاضِي صَدُوقٌ سيء الْحِفْظِ جِدًّا مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ دَاوُدَ بْنِ علي هو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ داود بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ أَبُو سَلْمَانَ أَمِيرُ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس الهاشمي ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَيْ أَطْلُبُ مِنْكَ (رَحْمَةً) أَيْ عَظِيمَةً كَمَا أَفَادَهُ تَنْكِيرُهُ مِنْ عِنْدِكَ أَيِ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ تَهْدِي أَيْ تُرْشِدُ بِهَا قَلْبِي إِلَيْكَ وَتُقَرِّبُهُ لَدَيْكَ وَخَصَّهُ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْعَقْلِ وَمَنَاطُ التَّجَلِّي وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِي أَيْ أَمْرِي الْمُتَفَرِّقَ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ تَجْمَعُ بِهَا شَمْلِي أَيْ مَا تَشَتَّتَ مِنْ أَمْرِي وَتَفَرَّقَ وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ يُقَالُ جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُمْ أَيْ مَا تَشَتَّتَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَفَرَّقَ اللَّهُ شَمْلَهُمْ أَيْ مَا اجْتَمَعَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَتَلُمُّ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ اللَّامِ أَيْ تَجْمَعُ شَعَثِي بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مَا تَفَرَّقَ مِنْ أَمْرِي يُقَالُ لَمَّ اللَّهُ شَعَثَ فُلَانٍ أَيْ قَارَبَ بَيْنَ شَتِيتِ أُمُورِهِ وَأَصْلَحَ مِنْ حَالِهِ مَا تَشَعَّثَ غَائِبِي أَيْ مَا غَابَ عَنِّي أي باطني بكمال الْإِيمَانِ وَالْأَخْلَاقِ الْحِسَانِ وَالْمَلَكَاتِ الْفَاضِلَةِ شَاهِدِي أَيْ ظَاهِرِي بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَالْخِلَالِ الْحَمِيدَةِ وَتُزَكِّي بِهَا عَمَلِي أَيْ تَزِيدُهُ وَتَنُمِّيهِ وَتُطَهِّرُهُ مِنَ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَتُلْهِمُنِي بِهَا رُشْدِي أَيْ تَهْدِينِي بِهَا مَا يُرْضِيكَ وَيُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِي بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَتُكْسَرُ أَيْ أَلِيفِي أَوْ مَأْلُوفِي أَيْ مَا كُنْتُ آلَفُهُ وَتَعْصِمُنِي أَيْ تَمْنَعُنِي وَتَحْفَظُنِي بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ أَيْ تَصْرِفُنِي عَنْهُ وَتَصْرِفُهُ عَنِّي لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ فَإِنَّ القلب إذا

تَمَكَّنَ مِنْهُ نُورُ الْيَقِينِ انْزَاحَ عَنْهُ ظَلَامُ الشَّكِّ وَغَيْمُ الرَّيْبِ وَرَحْمَةً أَيْ عَظِيمَةً أَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ أَيْ عُلُوَّ الْقَدْرِ فِيهِمَا الْفَوْزَ فِي الْقَضَاءِ أَيِ الفوز باللطف فيه نزل الشُّهَدَاءِ النُّزُلُ بِضَمَّتَيْنِ وَقَدْ تُسَكَّنُ الزَّايُ أَيْ مَنْزِلَهُمْ فِي الْجَنَّةِ أَوْ دَرَجَتَهُمْ فِي الْقُرْبِ مِنْكَ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِمْ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ أَعْظَمَ وَمَنْزِلُهُ أَوْفَى وَأَفْخَمَ لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ لِلتَّشْرِيعِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَصْلُهُ قِرَى الضَّيْفِ يُرِيدُ مَا لِلشُّهَدَاءِ مِنَ الْأَجْرِ وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ الَّذِينَ قَدَّرْتَ لَهُمُ السَّعَادَةَ الْأُخْرَوِيَّةَ إِنِّي أُنْزِلُ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ أَيْ أُحِلُّ بِكَ حَاجَتِي أَيْ أَسْأَلُكَ قَضَاءَ مَا أَحْتَاجُهُ مِنْ أَمْرِ الدَّارَيْنِ وَإِنْ قَصَّرَ رَأْيِي بِتَشْدِيدِ الصَّادِ مِنَ التَّقْصِيرِ أَيْ عَجَزَ عَنْ إِدْرَاكِ مَا هُوَ أَنْجَحُ وَأَصْلُهُ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَضَعُفَ عَمَلِي أَيْ عِبَادَتِي عَنْ بُلُوغِ مَرَاتِبِ الْكَمَالِ فَأَسْأَلُكَ أَيْ فَبِسَبَبِ ضَعْفِي وَافْتِقَارِي إِلَيْكَ أَطْلُبُ مِنْكَ يَا قَاضِيَ الْأُمُورِ حَاكِمَهَا وَمُحْكِمَهَا وَيَا شَافِيَ الصُّدُورِ أَيْ مُدَاوِيَ الْقُلُوبِ مِنْ أَمْرَاضِهَا الَّتِي إِنْ تَوَالَتْ عَلَيْهَا أَهْلَكَتْهَا هَلَاكَ الْعَبْدِ كَمَا تُجِيرُ أَيْ تَفْصِلُ وَتَحْجِزُ بَيْنَ الْبُحُورِ أَيْ تَمْنَعُ أَحَدَهَا مِنَ الِاخْتِلَاطِ بِالْآخَرِ مَعَ الِاتِّصَالِ أَنْ تُجِيرَنِي أَيْ تَمْنَعَنِي (مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ) بِأَنْ تَحْجِزَهُ عَنِّي وَتَمْنَعَهُ مِنِّي وَمِنْ دَعْوَةِ الثُّبُورِ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ هُوَ الْهَلَاكُ أَيْ أَجِرْنِي مِنْ أَنْ أَدْعُوَ ثُبُورًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَهْلِ النَّارِ إِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضيقا مقرنين دعوا هنالك ثبورا وَمِنْ فِتْنَةِ الْقُبُورِ بِأَنْ تَرْزُقَنِي الثَّبَاتَ عِنْدَ سُؤَالِ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ وَمَا قَصَّرَ عَنْهُ رَأْيِي أَيِ اجْتِهَادِي فِي تَدْبِيرِي وَلَمْ تَبْلُغْهُ نِيَّتِي أَيْ تَصْحِيحُهَا فِي ذَلِكَ الْمَطْلُوبِ وَلَمْ تَبْلُغْهُ مَسْأَلَتِي إِيَّاكَ أَوْ خَيْرٍ أَنْتَ مُعْطِيهِ أَحَدًا مِنْ عِبَادِكَ أَيْ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةٍ وَعَدَّلَهُ بِخُصُوصِهِ فَلَا يُعَدُّ مَعَ مَا قَبْلَهُ تَكْرَارًا فَإِنِّي أَرْغَبُ إِلَيْكَ فِيهِ أَيْ فِي حُصُولِهِ مِنْكَ لِي بِرَحْمَتِكَ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لِسَعَتِهَا اللَّهُمَّ ذَا الْحَبْلِ الشَّدِيدِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَكَذَا يَرْوِيهِ الْمُحَدِّثُونَ بِالْبَاءِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقُرْآنُ أَوِ الدِّينُ أَوِ السَّبَبُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى واعتصموا بحبل الله جميعا وَصَفَهُ بِالشِّدَّةِ لِأَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الْحِبَالِ وَالشِّدَّةُ فِي الدِّينِ الثَّبَاتُ وَالِاسْتِقَامَةُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الصَّوَابُ الْحِيَلُ بِالْيَاءِ وَهُوَ الْقُوَّةُ يُقَالُ حَوْلٌ وَحَيْلٌ بمعنى

انْتَهَى وَالْأَمْرِ الرَّشِيدِ أَيِ السَّدِيدِ الْمُوَافِقِ لِغَايَةِ الصَّوَابِ أَسْأَلُكَ الْأَمْنَ مِنَ الْفَزَعِ وَالْأَهْوَالِ يَوْمَ الْوَعِيدِ لِلْكُفَّارِ بِالْعَذَابِ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمَ الْخُلُودِ أَيْ خُلُودِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ فِي النَّارِ الشُّهُودِ جَمْعُ الشَّاهِدِ أَيِ النَّاظِرِينَ إِلَى رَبِّهِمْ الرُّكَّعِ السُّجُودِ الْمُكْثِرِينَ لِلصَّلَاةِ ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فِي الدُّنْيَا الْمُوفِينَ بِالْعُهُودِ بِمَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَدُودٌ أَيْ شَدِيدُ الْحُبِّ لِمَنْ وَالَاكَ وَإِنَّكَ تَفْعَلُ مَا تريد فتعطي من تشاء مسؤوله وَإِنْ عَظُمَ هَادِينَ أَيْ دَالِّينَ لِلْخَلْقِ عَلَى مَا يُوصِلُهُمْ إِلَى الْحَقِّ مُهْتَدِينَ أَيْ إِلَى إِصَابَةِ الصَّوَابِ قَوْلًا وَعَمَلًا غَيْرَ ضَالِّينَ عَنِ الْحَقِّ وَلَا مُضِلِّينَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ سَلْمًا بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ صُلْحًا لِأَوْلِيَائِكَ أَيْ حِزْبِكَ لِأَعْدَائِكَ مِمَّنِ اتَّخَذَ لَكَ شَرِيكًا أَوْ نِدًّا نُحِبُّ بِحُبِّكَ أَيْ بِسَبَبِ حُبِّنَا لَكَ بِعَدَاوَتِكَ أَيْ بِسَبَبِ عَدَاوَتِكَ مَنْ خَالَفَكَ أَيْ خَالَفَ أَمْرَكَ اللَّهُمَّ هَذَا الدُّعَاءُ أَيْ مَا أَمْكَنَنَا مِنْهُ قَدْ أَتَيْنَا بِهِ وَلَمْ نَأْلُ جَهْدًا وَهُوَ مَقْدُورُنَا وَعَلَيْكَ الْإِجَابَةُ فَضْلًا مِنْكَ لَا وُجُوبًا وَهَذَا الْجُهْدُ بِالضَّمِّ وَتُفْتَحُ الْوُسْعُ وَالطَّاقَةُ وَعَلَيْكَ التُّكْلَانُ بِضَمِّ التَّاءِ أَيِ الِاعْتِمَادُ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي نُورًا أَيْ عَظِيمًا فَالتَّنْوِينُ لِلتَّعْظِيمِ وَنُورًا فِي قَبْرِي أَسْتَضِيءُ بِهِ فِي ظُلْمَةِ اللَّحْدِ وَنُورًا مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ أَيْ يَسْعَى أَمَامِي وَنُورًا مِنْ خَلْفِي أَيْ مِنْ وَرَائِي لِيَتْبَعَنِي أَتْبَاعِي وَيَقْتَدِيَ بِي أَشْيَاعِي وَنُورًا عَنْ يَمِينِي وَنُورًا عَنْ شِمَالِي وَنُورًا مِنْ فَوْقِي وَنُورًا مِنْ تَحْتِي يَعْنِي اجْعَلِ النُّورَ يَحُفُّنِي مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ السِّتِّ وَنُورًا فِي سَمْعِي وَنُورًا فِي بَصَرِي وَبِزِيَادَةِ ذَلِكَ تَزْدَادُ الْمَعَارِفُ وَنُورًا فِي بَشَرِي بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ ظَاهِرِ جِلْدِي وَنُورًا فِي لَحْمِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَنُورًا فِي دَمِي وَنُورًا فِي عِظَامِي نَصَّ عَلَى الْمَذْكُورَاتِ كُلِّهَا لِأَنَّ إِبْلِيسَ يَأْتِي الْإِنْسَانَ مِنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ فَيُوَسْوِسُهُمْ فَدَعَا بِإِثْبَاتِ النُّورِ فِيهَا لِيَدْفَعَ ظُلْمَتَهُ اللَّهُمَّ أَعْظِمْ لِي نُورًا وَأَعْطِنِي نُورًا وَاجْعَلْ لِي نُورًا عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ خَاصٍّ أَيِ اجْعَلْ لِي نُورًا شَامِلًا لِلْأَنْوَارِ المتقدمة وغيرها قال الْقُرْطُبِيُّ هَذِهِ الْأَنْوَارُ الَّتِي دَعَا بِهَا

رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى ظَاهِرِهَا فَيَكُونُ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُ فِي كُلِّ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ نُورًا يَسْتَضِيءُ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي تِلْكَ الظُّلَمِ هُوَ وَمَنْ تَبِعَهُ أَوْ مَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُمْ قَالَ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ هِيَ مُسْتَعَارَةٌ لِلْعِلْمِ وَالْهِدَايَةِ كَمَا قَالَ تعالى فهو على نور من ربه وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ في الناس ثُمَّ قَالَ وَالتَّحْقِيقُ فِي مَعْنَاهُ أَنَّ النُّورَ مُظْهِرٌ مَا نُسِبَ إِلَيْهِ وَهُوَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِهِ فَنُورُ السَّمْعِ مُظْهِرٌ لِلْمَسْمُوعَاتِ وَنُورُ الْبَصَرِ كَاشِفٌ لِلْمُبْصِرَاتِ وَنُورُ الْقَلْبِ كَاشِفٌ عَنِ الْمَعْلُومَاتِ وَنُورُ الْجَوَارِحِ مَا يَبْدُو عَلَيْهَا مِنْ أَعْمَالِ الطَّاعَاتِ قَالَ الطِّيبِيُّ مَعْنَى طَلَبِ النُّورِ لِلْأَعْضَاءِ عُضْوًا عُضْوًا أَنْ يَتَحَلَّى بِأَنْوَارِ الْمَعْرِفَةِ وَالطَّاعَاتِ وَيَتَعَرَّى عما عدهما فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تُحِيطُ بِالْجِهَاتِ السِّتِّ بِالْوَسَاوِسِ فَكَانَ التَّخَلُّصُ مِنْهَا بِالْأَنْوَارِ السَّادَّةِ لِتِلْكَ الْجِهَاتِ قَالَ وَكُلُّ هَذِهِ الْأُمُورِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْهِدَايَةِ وَالْبَيَانِ وَضِيَاءِ الْحَقِّ وَإِلَى ذَلِكَ يُرْشِدُ قَوْلُهُ تَعَالَى الله نور السماوات والأرض إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي الله لنوره من يشاء انْتَهَى مُلَخَّصًا تَعَطَّفَ الْعِزَّ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيِ التَّرَدِّي بِالْعِزِّ الْعِطَافُ وَالْمِعْطَفُ الرِّدَاءُ وَقَدْ تَعَطَّفَ بِهِ وَاعْتَطَفَ وَتَعَطَّفَهُ وَاعْتَطَفَهُ وَسُمِّيَ عِطَافًا لِوُقُوعِهِ عَلَى عِطْفَيِ الرَّجُلِ وَهُمَا نَاحِيَتَا عُنُقِهِ وَالتَّعَطُّفُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى مَجَازٌ يُرَادُ بِهِ الِاتِّصَافُ كَأَنَّ الْعِزَّ شَمَلَهُ شُمُولَ الرِّدَاءِ (وَقَالَ بِهِ) أَيْ أَحَبَّهُ وَاخْتَصَّهُ لِنَفْسِهِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يَقُولُ بِفُلَانٍ أَيْ بِمَحَبَّتِهِ واختصاصهد وَقِيلَ مَعْنَاهُ حَكَمَ بِهِ فَإِنَّ الْقَوْلَ يُسْتَعْمَلُ مَعْنَى الْحُكْمِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ غَلَبَ بِهِ وَأَصْلُهُ مِنَ القَيْلِ الْمَلِكُ لِأَنَّهُ يَنْفُذُ قَوْلُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (لَبِسَ الْمَجْدَ) أَيِ ارْتَدَى بِالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَتَكَرَّمَ بِهِ أَيْ تَفَضَّلَ وَأَنْعَمَ عَلَى عِبَادِهِ لَا يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ إِلَّا لَهُ أَيْ لَا يَنْبَغِي التَّنْزِيهُ الْمُطْلَقُ إِلَّا لِجَلَالِهِ تَقَدَّسَ ذِي الْفَضْلِ أَيِ الزِّيَادَةِ فِي الْخَيْرِ وَالنِّعَمِ جَمْعُ نِعْمَةٍ بِمَعْنَى إِنْعَامٍ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ أَيِ الَّذِي يُجِلُّهُ الْمُوَحِّدُونَ عَنِ التَّشْبِيهِ بِخَلْقِهِ وَعَنْ أَفْعَالِهِمْ أَوِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ مَا أَجَلَّكَ وَمَا أَكْرَمَكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيُّ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَفِي أَسَانِيدِهِ مقال لكنها تعاضدت (لا نعرف مِثْلَ هَذَا) أَيْ مُطَوَّلًا (وَقَدْ رَوَى شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ كريب عن بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ الْحَدِيثِ) أَيْ مُخْتَصَرًا (وَلَمْ يَذْكُرْهُ) أَيْ لَمْ يُذْكَرْ أَحَدٌ مِنْهُمَا وَرِوَايَةُ شُعْبَةَ وَالثَّوْرِيِّ هَذِهِ أَخْرَجَهَا الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا

باب ما جاء في الدعاء عند افتتاح الصلاة بالليل

31 - (بَاب مَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ) [3420] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى) الْبَلْخِيُّ الْمَعْرُوفُ بِخَطٍّ (حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ رَبَّ جبرائيل وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَيْ مُبْدِعَهُمَا وَمُخْتَرِعَهُمَا قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ اللَّهُ تَعَالَى رَبَّ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْ نَظَائِرِهِ مِنَ الْإِضَافَةِ إِلَى كُلِّ عَظِيمِ الْمَرْتَبَةِ وَكَبِيرِ الشَّأْنِ دُونَ مَا يُسْتَحْقَرُ ويستصغر فيقال له سبحانه وتعالى رب السماوات وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَرَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ رَبُّ النَّاسِ مَلِكُ النَّاسِ إِلَهُ النَّاسِ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَكُلُّ ذَلِكَ وَشَبَهُهُ وَصْفٌ لَهُ سُبْحَانَهُ بِدَلَائِلِ الْعَظَمَةِ وَعَظِيمِ الْقُدْرَةِ وَالْمُلْكِ وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ ذَلِكَ فِيمَا يُحْتَقَرُ وَيُسْتَصْغَرُ فَلَا يُقَالُ رَبُّ الْحَشَرَاتِ وَخَالِقُ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَشِبْهُ ذَلِكَ عَلَى الْإِفْرَادِ وَإِنَّمَا يُقَالُ خَالِقُ الْمَخْلُوقَاتِ وَخَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ هَذِهِ فِي الْعُمُومِ انْتَهَى عَالَمَ الْغَيْبِ والشهادة أي بما غاب وظهر عند غَيْرُهُ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أَيْ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فِي أَيَّامِ الدُّنْيَا اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فيه أي تبتني عليه كقوله تعالى اهدنا الصراط المستقيم من الحق بيان لما بِإِذْنِكَ أَيْ بِتَوْفِيقِكَ وَتَيْسِيرِكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ أَيْ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وأبو داود والنسائي وبن ماجة وبن حبان

32 - بَاب مِنْهُ [3421] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ) هُوَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ أَبُو سَلَمَةَ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّامِنَةِ وَالْمَاجِشُونِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أبيض الوجه مورده لفظ أعجمي قاله النَّوَوِيُّ وَقَالَ فِي الْمَعْنَى بِفَتْحِ جِيمٍ وَقِيلَ بِكَسْرِهَا وَبِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ وَبِنُونٍ وَهُوَ مُعَرَّبُ ما كون أَيْ شَبَهُ الْقَمَرِ سُمِّيَ بِهِ لِحُمْرَةِ وجنتيه يوسف الماجشون وفي بعضها بن الْمَاجِشُونِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ لَقَبُ يَعْقُوبَ وَجَرَى عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَخِيهِ وَلِذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونِ وَفِي بَعْضِهَا ابْنُهُ انْتَهَى (أَخْبَرَنِي أَبِي) أَيْ يَعْقُوبُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ وَالتَّيْمِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو يُوسُفَ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا قَامَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ وَجَّهْتُ إِلَخْ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ الْآتِيَةِ إِذَا قَامَ إلى الصلاة المكتوبة وفيها ويقول حِينَ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَجَّهْتُ إِلَخْ وَجَّهْتُ وَجْهِي بِسُكُونِ الْيَاءِ وَفَتْحِهَا أَيْ تَوَجَّهْتُ بِالْعِبَادَةِ بِمَعْنَى أَخْلَصْتُ عِبَادَتِي لِلَّهِ وَقِيلَ صَرَفْتُ وَجْهِي وَعَمَلِي وَنِيَّتِي أَوْ أَخْلَصْتُ وِجْهَتِي وَقَصْدِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَيْ إِلَى الَّذِي ابْتَدَأَ خَلْقَهُمَا حَنِيفًا حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ وَجَّهْتُ أَيْ مَائِلًا إِلَى الدِّينِ الْحَقِّ ثَابِتًا عَلَيْهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحَنِيفُ الْمَائِلُ إِلَى الْإِسْلَامِ الثَّابِتُ عَلَيْهِ وَالْحَنِيفُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَصْلُ الْحَنَفِ الْمَيْلُ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَيَانٌ لِلْحَنِيفِ وَإِيضَاحٌ لِمَعْنَاهُ وَالْمُشْرِكُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ كَافِرٍ مِنْ عَابِدِ وَثَنٍ وَصَنَمٍ وَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَمُرْتَدٍّ وَزِنْدِيقٍ وَغَيْرِهِمْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي النُّسُكُ الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ وَكُلُّ مَا تُقُرِّبَ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي أَيْ حَيَاتِي وَمَوْتِي وَيَجُوزُ فَتْحُ الْيَاءِ فِيهِمَا وَإِسْكَانُهُمَا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى فَتْحِ يَاءِ مَحْيَايَ وَإِسْكَانِ مَمَاتِي لِلَّهِ أَيْ هُوَ خَالِقُهُمَا وَمُقَدِّرُهُمَا وَقِيلَ طَاعَاتُ الْحَيَاةِ وَالْخَيْرَاتُ الْمُضَافَةُ إِلَى الْمَمَاتِ كَالْوَصِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ أَوْ حَيَاتِي وَمَوْتِي لِلَّهِ لَا تُصْرَفُ لِغَيْرِهِ فِيهَا أَوْ مَا أَنَا عَلَيْهِ مِنَ الْعِبَادَةِ فِي حَيَاتِي وَمَا أَمُوتُ خَالِصَةً لِوَجْهِ اللَّهِ (رَبِّ الْعَالَمِينَ) بَدَلٌ أَوْ عَطْفُ بَيَانٍ أَيْ مَالِكِهِمْ

وَمُرَبِّيهِمْ وَهُمْ مَا سِوَى اللَّهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ أَيْ بِالتَّوْحِيدِ الْكَامِلِ الشَّامِلِ لِلْإِخْلَاصِ قَوْلًا وَاعْتِقَادًا وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَفِي أُخْرَى لَهُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ أَخْبَرَنَا شُرَيْحُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بن أبي حمزة قال قال لي بن المنكدر وبن أَبِي فَرْوَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَإِذَا قُلْتَ أَنْتَ فَقُلْ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَعْنِي قَوْلَهُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ إِنَّ غَيْرَ النَّبِيِّ إِنَّمَا يَقُولُ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وهو وهم منشوء تَوَهُّمُ أَنَّ مَعْنَى وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ أَنِّي أَوَّلُ شَخْصٍ اتَّصَفَ بِذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَانَ النَّاسُ بِمَعْزِلٍ عَنْهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ مَعْنَاهُ بَيَانُ الْمُسَارَعَةِ فِي الِامْتِثَالِ لِمَا أُمِرَ بِهِ وَنَظِيرُهُ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أول العابدين وقال موسى (وأنا أول المؤمنين) وَظَاهِرُ الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي قَوْلِهِ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَوْلُهُ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى إِرَادَةِ الشَّخْصِ وَفِي الْمُسْتَدْرَكِ لِلْحَاكِمِ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِفَاطِمَةَ قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَكِ وَقُولِي إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي إِلَى قَوْلِهِ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ انْتَهَى أللهم أي يالله وَالْمِيمُ بَدَلٌ عَنْ حَرْفِ النِّدَاءِ وَلِذَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إِلَّا فِي الشِّعْرِ أَنْتَ الْمَلِكُ أَيِ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ الْمَالِكُ الْحَقِيقِيُّ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَأَنَا عَبْدُكَ أَيْ مُعْتَرِفٌ بِأَنَّكَ مَالِكِي وَمُدَبِّرِي وَحُكْمُكَ نَافِذٌ فِيَّ ظَلَمْتُ نَفْسِي أَيِ اعْتَرَفْتُ بِالتَّقْصِيرِ قَدَّمَهُ عَلَى سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ أَدَبًا كَمَا قَالَ آدَمُ وَحَوَّاءُ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ من الخاسرين إِنَّهُ بِالْكَسْرِ اسْتِئْنَافٌ فِيهِ مَعْنَى التَّعْلِيلِ وَالضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْغَفَّارُ الْغَفُورُ وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ أَيْ أَرْشِدْنِي لِأَكْمَلِهَا وَأَفْضَلِهَا وَوَفِّقْنِي لِلتَّخَلُّقِ بِهَا وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا أَيْ قَبِيحَهَا تَبَارَكْتَ أَيِ اسْتَحْقَقْتَ الثَّنَاءَ وَقِيلَ ثَبَتَ الْخَيْرُ عِنْدَكَ وَقِيلَ جِئْتَ بِالْبَرَكَاتِ أَوْ تَكَاثَرَ خَيْرُكَ وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ لِلدَّوَامِ وَالثُّبُوتِ وَتَعَالَيْتَ أَيِ ارْتَفَعَتْ عَظَمَتُكَ وَظَهَرَ قَهْرُكَ وَقُدْرَتُكَ عَلَى مَنْ فِي الْكَوْنَيْنِ وَقِيلَ أَيْ عَنْ مُشَابَهَةِ كُلِّ شَيْءٍ اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتَ فِي تَقْدِيمِ الْجَارِّ إِشَارَةً إِلَى التَّخْصِيصِ وَلَكَ أَسْلَمْتُ أَيْ لَكَ ذَلَلْتُ وَانْقَدْتُ أَوْ لَكَ أَخْلَصْتُ وَجْهِي خَشَعَ أَيْ خَضَعَ وَتَوَاضَعَ أَوْ سَكَنَ لَكَ سَمْعِي فَلَا يَسْمَعُ إِلَّا مِنْكَ وَبَصَرِي فَلَا يَنْظُرُ إِلَّا بِكَ وَإِلَيْكَ وَتَخْصِيصُهُمَا مِنْ بَيْنِ الْحَوَاسِّ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْآفَاتِ بِهِمَا فَإِذَا خَشَعَتَا قَلَّتِ الْوَسَاوِسُ قَالَهُ بن الملك ومخي قال بن رَسْلَانَ الْمُرَادُ بِهِ هُنَا الدِّمَاغُ وَأَصْلُهُ الْوَدَكُ الَّذِي فِي الْعَظْمِ وَخَالِصُ كُلِّ شَيْءٍ مُخُّهُ وَعَظْمِي وَعَصَبِي فَلَا يَقُومَانِ وَلَا يَتَحَرَّكَانِ إِلَّا بِكَ فِي طَاعَتِكَ وَهُنَّ عُمُدُ الْحَيَوَانِ وَأَطْنَابُهُ وَاللَّحْمُ وَالشَّحْمُ غَادٍ وَرَائِحٌ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ أي من

الرُّكُوعِ (قَالَ) أَيْ بَعْدَ قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ الْآتِيَةِ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرَضِينَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَنَصْبِ الْهَمْزَةِ بَعْدَ اللَّامِ وَرَفْعِهَا وَالنَّصْبُ أَشْهَرُ وَمَعْنَاهُ حَمْدًا لَوْ كَانَ أَجْسَامًا لَمَلَأَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لِعِظَمِهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ سَجَدَ وَجْهِي أَيْ خَضَعَ وَذَلَّ وَانْقَادَ فَصَوَّرَهُ زَادَ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ فَأَحْسَنَ صُوَرَهُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ أَيِ الْمُصَوِّرِينَ وَالْمُقَدِّرِينَ فَإِنَّهُ الْخَالِقُ الْحَقِيقِيُّ الْمُنْفَرِدُ بِالْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ وَغَيْرُهُ إِنَّمَا يُوجِدُ صُوَرًا مُمَوَّهَةً لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ حَقِيقَةِ الْخَلْقِ مَعَ أَنَّهُ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ صَانِعٍ وصنعته والله خلقكم وما تعملون ثُمَّ يَكُونُ أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ مَا قَدَّمْتُ مِنْ سَيِّئَةٍ وَمَا أَخَّرْتُ مِنْ عَمَلٍ أَيْ جَمِيعَ مَا فُرِّطَ مِنِّي قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ مَا أَخَّرْتُ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا وَقَعَ مِنْ ذُنُوبِهِ الْمُتَأَخِّرَةِ لِأَنَّ الِاسْتِغْفَارَ قَبْلَ الذَّنْبِ مُحَالٌ كَذَا قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ الْأَسْنَوِيُّ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ الْمُحَالُ إِنَّمَا هُوَ طَلَبُ مَغْفِرَتِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَأَمَّا الطَّلَبُ قَبْلَ الْوُقُوعِ أَنْ يَغْفِرَ إِذَا وَقَعَ فَلَا اسْتِحَالَةَ فِيهِ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَيْ جَمِيعَ الذُّنُوبِ لِأَنَّهَا إِمَّا سِرٌّ أَوْ عَلَنٌ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قدم من شاء بالتوفيق إلى مقدمات السَّابِقِينَ وَأَخَّرَ مَنْ شَاءَ عَنْ مَرَاتِبِهِمْ وَقِيلَ قَدَّمَ مَنْ أَحَبَّ مِنْ أَوْلِيَائِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ عَبِيدِهِ وَأَخَّرَ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا مُقَدِّمَ لِمَا أَخَّرَ وَلَا مُؤَخِّرَ لِمَا قَدَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ ومسلم وأبو داود والنسائي مطولا وبن ماجة مختصرا وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ

[3422] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ) هُوَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ (حَدَّثَنِي عَمِّي) هُوَ يَعْقُوبُ الْمَاجِشُونِ وَالِدُ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ قَوْلُهُ لَبَّيْكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ إِقَامَةً بَعْدَ إِقَامَةٍ يُقَالُ لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا وَأَلَبَّ إِلْبَابًا أَيْ أَقَامَ بِهِ وَأَصْلُ لَبَّيْكَ لَبَّيْنَ فَحُذِفَتِ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ وَسَعْدَيْكَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ مُسَاعَدَةً لِأَمْرِكَ بَعْدَ مُسَاعَدَةٍ وَمُتَابَعَةً لِدِينِكَ بَعْدَ مُتَابَعَةٍ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ الْإِرْشَادُ إِلَى الْأَدَبِ فِي الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَدْحِهِ بِأَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ مَحَاسِنُ الْأُمُورِ دُونَ مَسَاوِيهَا عَلَى جِهَةِ الْأَدَبِ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مِمَّا يَجِبُ تَأْوِيلُهُ لِأَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ كُلَّ مُحْدَثَاتِ فِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَخَلْقِهِ سَوَاءٌ خَيْرُهَا وَشَرُّهَا وَحِينَئِذٍ يَجِبُ تَأْوِيلُهُ وَفِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ فَذَكَرَهَا مِنْهَا أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُضَافُ الشَّرُّ إِلَيْكَ عَلَى انْفِرَادِهِ لَا يُقَالُ يَا خَالِقَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَيَا رَبَّ الشَّرِّ وَنَحْوِ هَذَا وَإِنْ كَانَ خَالِقَ كُلِّ شَيْءٍ وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ أَوْ رَبَّ كُلِّ شَيْءٍ وَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ الشَّرُّ فِي الْعُمُومِ وَمِنْهَا أَنَّ الشَّرَّ لَا يَصْعَدُ إِلَيْكَ وَإِنَّمَا يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ وَمِنْهَا أَنَّ مَعْنَاهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْكَ فَإِنَّكَ خَلَقْتُهُ بِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ أَيِ الْتِجَائِي وَانْتِمَائِي إِلَيْكَ وَتَوْفِيقِي بِكَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَعَصَبِي الْعَصَبُ طُنُبُ الْمَفَاصِلِ وَهُوَ أَلْطَفُ مِنَ الْعَظْمِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الضَّمِّ أَيْ بَعْدَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كَالْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ إِلَّا اللَّهُ

وَالْمُرَادُ الِاعْتِنَاءُ فِي تَكْثِيرِ الْحَمْدِ مَا أَسْرَرْتُ أَيْ أَخْفَيْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ أَيْ جَاوَزْتُ الْحَدَّ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَيْ مِنْ ذُنُوبِي وَإِسْرَافِي فِي أُمُورِي وَغَيْرِ ذَلِكَ (أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ) أَيْ تُقَدِّمُ مَنْ شِئْتَ بِطَاعَتِكَ وَغَيْرِهَا وَتُؤَخِّرُ مَنْ شِئْتَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا تَقْتَضِيهِ حِكْمَتُكَ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ [3423] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ) بْنِ دَاوُدَ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَبُو أَيُّوبَ الْبَغْدَادِيُّ الْهَاشِمِيُّ الْفَقِيهُ ثِقَةٌ جَلِيلٌ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَصْلُحُ للخلافة من العاشرة قوله لا منجا مِنْكَ وَلَا مَلْجَأَ إِلَّا إِلَيْكَ يَأْتِي شَرْحُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ بَابِ انْتِظَارِ الْفَرَجِ قَوْلُهُ (وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا

الْحَدِيثِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ حَتَّى فِي النَّافِلَةِ وَهُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ كَثِيرِينَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِفْتَاحِ بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الذِّكْرِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ وَالدُّعَاءِ قبل السلام انتهى قلت القول الراجع الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنَ الْعَمَلِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُ هَذَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَلَا يَقُولُهُ فِي الْمَكْتُوبَةِ) وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ قُلْتُ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ادِّعَاءٌ مَحْضٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَهُوَ مِمَّا لَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذَا مُفَصَّلًا فِي بَابِ مَا يَقُولُ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ (سَمِعْتُ أَبَا إِسْمَاعِيلَ يَعْنِي التِّرْمِذِيَّ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يُوسُفَ (فَقَالَ هَذَا عِنْدَنَا مِثْلُ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ) يَعْنِي أَنَّ حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا مِنْ أَصَحِّ الْأَحَادِيثِ سَنَدًا وَأَقْوَاهَا مِثْلُ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ قَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَعْيِينِ أَصَحِّ الْأَسَانِيدِ قَالَ الحافظ بن الصَّلَاحِ فِي مُقَدِّمَتِهِ رُوِّينَا عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ كُلِّهَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَرُوِّينَا نَحْوَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَرُوِّينَا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ الْفَلَّاسِ أَنَّهُ قَالَ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ كُلِّهَا

باب ما جاء ما يقول في سجود القرآن

مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَرُوِّينَا نَحْوَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِمَا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ عَيَّنَ الراوي عن محمد وجعله أيوب الستختياني ومنهم من جعله بن عون وفيما نرويه عن يحي بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ أَجْوَدُهَا الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَرُوِّينَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَّهُ قَالَ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ كُلِّهَا الزُّهْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رُوِّينَا عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ صَاحِبِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ أَصَحُّ الْأَسَانِيدِ كُلِّهَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ وَبَنَى الْإِمَامُ أَبُو مَنْصُورٍ عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ طَاهِرٍ التَّيْمِيُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَجَلَّ الْأَسَانِيدِ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ وَاحْتَجَّ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ أَجَلُّ مِنَ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمُ انْتَهَى 3 - (بَاب مَا جَاءَ مَا يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ) تَقَدَّمَ هَذَا الْبَابُ مَعَ حَدِيثَيْهِ بَعْدَ بَابِ السجدة في الحج

باب ما يقول إذا خرج من بيته

34 - (باب مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ) [3426] قَوْلُهُ (يَعْنِي إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ) هَذَا قَوْلُ الرَّاوِي وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ فَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ إِلَخْ (يُقَالُ لَهُ) أَيْ يُنَادِيهِ مَلَكٌ يَا عَبْدَ اللَّهِ كُفِيتَ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ مُهِمَّاتِكَ وفي رواية أبو دَاوُدَ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ مِنَ الْوِقَايَةِ أَيْ حُفِظْتَ مِنْ شَرِّ أَعْدَائِكَ وَتَنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ أَيْ تَبَعَّدَ زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَتِهِ فَيَقُولُ شَيْطَانٌ آخَرُ كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أبو داود والنسائي وبن حبان وبن السُّنِّيِّ 5 - بَاب مِنْهُ [3427] قَوْلُهُ (قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ) أَيْ خَرَجْتُ مُسْتَعِينًا بِاسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ أَيْ فِي جَمِيعِ أُمُورِي مِنْ أَنْ نَزِلَّ أَيْ عَنِ الْحَقِّ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ مِنَ الزَّلَّةِ وَهِيَ ذَنْبٌ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ تَشْبِيهًا بِزَلَّةِ الرَّجُلِ أَوْ نَضِلَّ مِنَ الضَّلَالَةِ أَيْ عَنِ الْهُدَى أَوْ نَظْلِمَ عَلَى بِنَاءِ الْمَعْلُومِ أَيْ أَحَدًا أَوْ نُظْلَمَ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ نَجْهَلَ عَلَى بِنَاءِ الْمَعْرُوفِ أَيْ أُمُورِ الدِّينِ أَوْ

باب ما يقول إذا دخل السوق

حُقُوقِ اللَّهِ أَوْ حُقُوقِ النَّاسِ أَوْ فِي الْمُعَاشَرَةِ وَالْمُخَالَطَةِ مَعَ الْأَصْحَابِ أَوْ نَفْعَلَ بِالنَّاسِ فِعْلَ الْجُهَّالِ مِنَ الْإِيذَاءِ وَإِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَيْهِمْ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِنَا أَفْعَالَ الْجُهَّالِ مِنْ إِيصَالِ الضَّرَرِ إِلَيْنَا قَالَ الطِّيبِيُّ الزَّلَّةُ السَّيِّئَةُ بِلَا قَصْدٍ اسْتَعَاذَ مِنْ أَنْ يَصْدُرَ عَنْهُ ذَنْبٌ بِغَيْرِ قَصْدٍ أَوْ قَصْدٍ وَمِنْ أَنْ يَظْلِمَ النَّاسَ فِي الْمُعَامَلَاتِ أَوْ يُؤْذِيَهُمْ فِي الْمُخَالَطَاتِ أَوْ يَجْهَلَ أَيْ يَفْعَلَ بِالنَّاسِ فِعْلَ الْجُهَّالِ مِنَ الْإِيذَاءِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود والنسائي وبن ماجة والحاكم وبن السُّنِّيِّ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُدَ قَالَتْ مَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من بَيْتِي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أَزُلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ قَالَ الطِّيبِيُّ إِنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ لَا بُدَّ أَنْ يُعَاشِرَ النَّاسَ وَيُزَاوِلَ الْأَمْرَ فَيَخَافُ أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَمْرِ الدِّينِ فَلَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَضِلَّ أَوْ يُضَلَّ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا فَإِمَّا بِسَبَبِ جَرَيَانِ الْمُعَامَلَةِ مَعَهُمْ بِأَنْ يَظْلِمَ أَوْ يُظْلَمَ وَإِمَّا بِسَبَبِ الِاخْتِلَاطِ وَالْمُصَاحَبَةِ فَإِمَّا أَنْ يَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ فَاسْتُعِيذَ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا بِلَفْظٍ سَلِسٍ مُوجَزٍ وَرُوعِيَ الْمُطَابَقَةُ الْمَعْنَوِيَّةُ وَالْمُشَاكَلَةُ اللَّفْظِيَّةُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ أَلَا لَا يَجْهَلَنْ أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلين 6 - (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا دَخَلَ السُّوقَ) [3428] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ بْنُ سِنَانٍ) بِكَسْرِ سِينٍ مُهْمَلَةٍ وَخِفَّةِ نُونٍ أُولَى الْبَصْرِيُّ أَبُو خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (فَلَقِيَنِي) أَخِي أَيْ فِي الدِّينِ مَنْ دَخَلَ السُّوقَ قَالَ الطِّيبِيُّ خصه بالذكر لأنه مكان لِأَنَّهُ مَكَانُ الْغَفْلَةِ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَالِاشْتِغَالِ بِالتِّجَارَةِ فَهُوَ مَوْضِعُ سَلْطَنَةِ الشَّيْطَانِ وَمَجْمَعُ جُنُودِهِ فَالذَّاكِرُ هُنَاكَ يُحَارِبُ الشَّيْطَانَ وَيَهْزِمُ جُنُودَهُ فَهُوَ خَلِيقٌ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الثَّوَابِ انْتَهَى فَقَالَ أَيْ سِرًّا أَوْ جَهْرًا بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَكَذَا الشَّرُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ الله

فَهُوَ مِنْ بَابِ الِاكْتِفَاءِ أَوْ مِنْ طَرِيقِ الْأَدَبِ فَإِنَّ الشَّرَّ لَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ أَيْ مَشِيءٍ قَدِيرٌ تَامُّ الْقُدْرَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ فَمَنْ ذَكَرَ اللَّهَ فِيهِ دَخَلَ فِي زُمْرَةِ مَنْ قَالَ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذكر الله كتب الله له أي أثبت له أوامر بالكتابة لأجله ومحى عَنْهُ أَيْ بِالْمَغْفِرَةِ أَوْ أَمَرَ بِالْمَحْوِ عَنْ صَحِيفَتِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَكَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ إِسْنَادُهُ مُتَّصِلٌ حَسَنٌ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ أَثَبَاتٌ وَفِي أَزْهَرَ بْنِ سِنَانٍ خلاف وقال بن عَدِيٍّ أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَةٍ لَهُ مَكَانٌ وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الجنة ورواه بهذا اللفظ بن ماجة وبن أَبِي الدُّنْيَا وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ كُلُّهُمْ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَهْرَمَانَ آلِ الزُّبَيْرِ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ جَدِّهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا أَيْضًا وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ كَذَا قَالَ وَفِي إِسْنَادِهِ مَسْرُوقُ بْنُ الْمَرْزُبَانِ يَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ فِي آخِرِ كِتَابِهِ مَسْرُوقَ بْنَ الْمَرْزُبَانِ وَقَالَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَوَثَّقَهُ غَيْرُهُ وَذَكَرَ أَيْضًا أَزْهَرَ بْنَ سِنَانٍ وَقَالَ قال بن معين ليس بشيء وقال بن عَدِيٍّ لَيْسَتْ أَحَادِيثُهُ بِالْمُنْكَرَةِ جِدًّا أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي تُحْفَةِ الذَّاكِرِينَ وَالْحَدِيثُ أَقَلُّ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا وَإِنْ كَانَ فِي ذِكْرِ الْعَدَدِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ نَكَارَةٌ [3429] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ) الْبَصْرِيُّ الْأَعْوَرُ يُكَنَى أَبَا يَحْيَى ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ (وَهُوَ قَهْرَمَانُ آلِ الزُّبَيْرِ) بِفَتْحِ قَافٍ وَسُكُونِ هَاءٍ وَفَتْحِ رَاءٍ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ كَالْخَازِنِ وَالْوَكِيلِ وَالْحَافِظِ لِمَا تَحْتَ يَدِهِ وَالْقَائِمُ بِأُمُورِ الرَّجُلِ بِلُغَةِ الْفُرْسِ انتهى

باب ما يقول العبد إذا مرض

37 - (بَاب مَا يَقُولُ الْعَبْدُ إِذَا مَرِضَ) [3430] قَوْلُهُ (حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ) بِضَمِّ جِيمٍ وَخِفَّةِ هَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَإِهْمَالِ دَالٍ الْعَطَّارُ الْكُوفِيُّ في الْمَكْفُوفُ صَدُوقٌ يَهِمُ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَبَّاسٍ) الشَّامِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ (أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) ظاهر في أنه سمعه منهما قال بن التِّينِ أَرَادَ بِهَذَا اللَّفْظِ التَّأْكِيدَ لِلرِّوَايَةِ انْتَهَى قُلْتُ هُوَ مِنْ أَلْفَاظِ تَحَمُّلِ الْحَدِيثِ قَالَ السيوطي في تدريب الراوي عقد الرامهر مزي بابا في تنويع ألفاظ التحمل منهما الْإِتْيَانُ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ كَقَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه نهى عن الجران ينتبذ فيه وقول عبد الله بن طاؤس أَشْهَدُ عَلَى وَالِدِي أَنَّهُ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ الْحَدِيثَ انْتَهَى قَوْلُهُ (صَدَّقَهُ رَبُّهُ وَقَالَ) أَيْ وَقَالَ الرَّبُّ بَيَانًا لِتَصْدِيقِهِ أَيْ قَرَّرَهُ بِأَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَأَنَا أَكْبَرُ وَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يَقُولَ صَدَقْتَ وَإِذَا قَالَ أَيِ الْعَبْدُ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ أَيْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَصْدِيقًا لِعَبْدِهِ وَحَذَفَ صَدَّقَهُ رَبُّهُ هُنَا لِلْعِلْمِ به مما قبله وعبر هنا بيقول وممة وفيما يأتي يقال تَفَنُّنًا وَكَانَ يَقُولُ أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَالَهَا أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مِنْ دُونِ الْجَوَابَاتِ ثُمَّ مَاتَ أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ لَمْ تَطْعَمْهُ النَّارُ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَمْ تَأْكُلْهُ اسْتَعَارَ الطَّعْمَ لِلْإِحْرَاقِ مُبَالَغَةً قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه النسائي وبن ماجة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَاهُ

باب ما يقول إذا رأى مبتلى

38 - (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا رَأَى مُبْتَلًى) [3431] قَوْلُهُ مَنْ رَأَى صَاحِبَ بَلَاءٍ أَيْ مُبْتَلًى فِي أَمْرٍ بَدَنِيٍّ كَبَرَصٍ وَقِصَرٍ فَاحِشٍ أَوْ طُولٍ مُفْرِطٍ أَوْ عَمًى أَوْ عَرَجٍ أَوِ اعْوِجَاجِ يَدٍ وَنَحْوِهَا أَوْ دِينِيٍّ بِنَحْوِ فِسْقٍ وَظُلْمٍ وَبِدْعَةٍ وَكُفْرٍ وَغَيْرِهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ فَإِنَّ الْعَافِيَةَ أَوْسَعُ مِنَ الْبَلِيَّةِ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الْجَزَعِ وَالْفِتْنَةِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ مِحْنَةً أَيَّ مِحْنَةٍ وَالْمُؤْمِنُ الْقَوِيَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ كَمَا وَرَدَ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا أَيْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَالْقَلْبِ وَالْقَالَبِ إِلَّا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ أَيْ لَمْ يَرَ أَحَدٌ صَاحِبَ بَلَاءٍ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي إِلَخْ إِلَّا عُوفِيَ مِنْ ذَلِكَ الْبَلَاءِ أَوْ إِلَّا زَائِدَةً كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ حَرَاجِيجُ مَا تَنْفَكُّ إِلَّا مُنَاخَةً عَلَى الْخَسْفِ أَوْ تَرْمِي بِهَا بَلَدًا قَفْرًا كَائِنًا مَا كَانَ أَيْ حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ الْبَلَاءِ أَيَّ بَلَاءٍ كَانَ مَا عَاشَ أَيْ مُدَّةَ بَقَائِهِ فِي الدُّنْيَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (يَقُولُ ذَلِكَ فِي نفسه

باب ما يقول إذا قام من مجلسه

وَلَا يُسْمِعُ صَاحِبَ الْبَلَاءِ) قَالَ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلَاكَ بِهِ هَذَا إِذَا كَانَ مُبْتَلًى بِالْمَعَاصِي وَالْفُسُوقِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ مَرِيضًا أَوْ نَاقِصَ الخلقة لا يحسن الخطاب قال القارىء الصَّوَابُ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَعْدِلُ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ إِلَى إِخْفَائِهِ فِي غَيْرِ الْفَاسِقِ بَلْ فِي حَقِّهِ أَيْضًا إِذَا كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ وَيُسْمِعُ صَاحِبَ الْبَلَاءِ الدِّينِيِّ إِذَا أَرَادَ زَجْرَهُ وَيَرْجُو انْزِجَارَهُ انتهى [3432] قوله (حدثنا مُطَرِّفٍ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيه وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ (بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ مُطَرِّفٍ الْيَسَارِيُّ أبو مصعب المدني بن أخت مالك ثقة لم يصب بن عَدِيٍّ فِي تَضْعِيفِهِ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَقَالَ فِيهِ فَإِذَا شَكَرَ ذَلِكَ شَكَرَ تِلْكَ النِّعْمَةَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ 9 - (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا قَامَ مِنْ مجلسه) [3433] قوله (حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ) الْمِصِّيصِيُّ الْأَعْوَرُ قَوْلُهُ فَكَثُرَ بِضَمِّ الثَّاءِ لَغَطُهُ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ تَكَلَّمَ بِمَا فِيهِ إِثْمٌ لِقَوْلِهِ غُفِرَ لَهُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ اللَّغَطُ بِالتَّحْرِيكِ الصَّوْتُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْهُزْءُ مِنَ الْقَوْلِ وَمَا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ فَكَأَنَّهُ مُجَرَّدُ الصَّوْتِ الْعَرِيِّ عَنِ الْمَعْنَى فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ ذَلِكَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَلَعَلَّهُ مُقْتَبَسٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَسَبِّحْ بِحَمْدِ ربك حين تقوم

باب ما جاء ما يقال عند الكرب

وَاللَّهُمَّ مُعْتَرِضٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَبِحَمْدِكَ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَكَ إِمَّا بِالْعَطْفِ أَيْ أُسَبِّحُ وَأَحْمَدُ أَوْ بِالْحَالِ أَيْ أُسَبِّحُ حَامِدًا لَكَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ أَيْ مَا حَبَسَ شَخْصًا مَجْلِسٌ فَكَثُرَ لَغَطُهُ فِيهِ فَقَالَ ذَلِكَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا كَانَ أَيْ مِنَ اللَّغَطِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ وَعَائِشَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الشَّوْكَانِيُّ فِي تُحْفَةِ الذَّاكِرِينَ وَقَدْ أفرد الحافظ بن كَثِيرٍ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ جُزْءًا بِذِكْرِ طُرُقِهَا وَأَلْفَاظِهَا وَعِلَلِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ وبن حبان [3434] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَوْلُهُ (تُعَدُّ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَنَائِبِ الْفَاعِلِ قَوْلُهُ رَبِّ اغْفِرْ لِي إِلَخْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُعَدُّ بِالتَّحْتِيَّةِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ (لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مُتَعَلِّقٌ بِتُعَدُّ (مِائَةُ مَرَّةٍ) مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِتُعَدُّ وَتُبْ عَلَيَّ أَيِ ارْجِعْ عَلَيَّ بِالرَّحْمَةِ أَوْ وَفِّقْنِي لِلتَّوْبَةِ أَوِ اقْبَلْ تَوْبَتِي إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ صِيغَتَا مُبَالَغَةٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود والنسائي وبن ماجة وبن حبان 0 - (باب ما جاء ما يقال عِنْدَ الْكَرْبِ) [3435] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبِي) أَيْ هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ (عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ) هُوَ الرِّيَاحِيُّ قَوْلُهُ (كان يدعو

عِنْدَ الْكَرْبِ) أَيْ عِنْدَ حُلُولِ الْكَرْبِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ أَيِ الْغَمِّ الَّذِي يَأْخُذُ النَّفْسَ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَقِيلَ الْكَرْبُ أَشَدُّ الْغَمِّ وَقَالَ الْحَافِظُ هُوَ مَا يَدْهَمُ الْمَرْءَ مِمَّا يَأْخُذُ بِنَفْسِهِ فَيَغُمُّهُ وَيُحْزِنُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ هُوَ الَّذِي يُؤَخِّرُ الْعُقُوبَةَ مَعَ الْقُدْرَةِ الْحَكِيمُ أَيْ ذُو الْحِكْمَةِ وَهِيَ كَمَالُ الْعِلْمِ وَإِتْقَانُ الْعَمَلِ أَوْ فَعِيلٌ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ فَهُوَ مُبَالَغَةُ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ أَوْ بِمَعْنَى الْمُفْعِلِ أَيِ الَّذِي يَحْكُمُ الْأَشْيَاءَ وَيُتْقِنُهَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمُ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهُ نعت للعرش عند الجمهور ونقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ رَوَاهُ بِرَفْعِ الْعَظِيمِ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِلرَّبِّ وَكَذَا الْكَرِيمُ فِي قَوْلِهِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَوَصْفُ الْعَرْشِ بِالْكَرِيمِ أَيِ الْحُسْنِ مِنْ جِهَةِ الْكَيْفِيَّةِ فَهُوَ مَمْدُوحٌ ذَاتًا وَصِفَةً وَفِي قَوْلِهِ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ وصفه بالعظمة من جهة الكمية قال النَّوَوِيُّ هَذَا حَدِيثٌ جَلِيلٌ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ وَالْإِكْثَارُ عَنْهُ عِنْدَ الْكَرْبِ وَالْأُمُورِ الْعَظِيمَةِ قَالَ الطَّبَرِيُّ كَانَ السَّلَفُ يَدْعُونَ بِهِ وَيُسَمُّونَهُ دُعَاءَ الْكَرْبِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا ذِكْرٌ وَلَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الذِّكْرَ يَسْتَفْتِحُ بِهِ الدُّعَاءَ ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ وَالثَّانِي جَوَابُ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَقَالَ أَمَا عَلِمْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى مَنْ شَغَلَهُ ذكر عن مسألتي أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ وَقَالَ الشَّاعِرُ إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ الْمَرْءُ يَوْمًا كَفَاهُ عَنْ تَعَرُّضِهِ الثَّنَاءُ انْتَهَى قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ رِوَايَةُ أَبِي عَوَانَةَ فَإِنَّهُ زَادَ فِي مُسْنَدِهِ الصَّحِيحِ ثُمَّ يَدْعُو بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي وبن ماجة

باب ما جاء ما يقول إذا نزل منزلا

[3436] قَوْلُهُ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْفَضْلِ) الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ (عَنِ الْمَقْبُرِيِّ) هُوَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ قَوْلُهُ (إِذَا أَهَمَّهُ الْأَمْرُ) أَيْ أَحْزَنَهُ وَأَقْلَقَهُ (رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ) مُسْتَغِيثًا مُسْتَعِينًا مُتَضَرِّعًا (وَإِذَا اجْتَهَدَ فِي الدُّعَاءِ) أَيْ بَذَلَ الْوُسْعَ فِيهِ 1 - (بَاب مَا جَاءَ مَا يَقُولُ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا) [3437] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ) هُوَ بن سَعْدٍ (عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَعْقُوبَ) الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ) أَبِي يُوسُفَ الْمَدَنِيِّ مَوْلَى قُرَيْشٍ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ الْكَلِمَاتُ هِيَ الْقُرْآنُ وَالتَّامَّاتُ قِيلَ هِيَ الْكَامِلَاتُ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهَا نَقْصٌ وَلَا عَيْبٌ كَمَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ النَّاسِ وَقِيلَ هِيَ النَّافِعَاتُ الْكَافِيَاتُ الشَّافِيَاتُ مِنْ كُلِّ مَا يُتَعَوَّذُ مِنْهُ حَتَّى يَرْتَحِلَ أَيْ يَنْتَقِلَ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ كَوْنِهِمْ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا قَالُوا نَعُوذُ بِسَيِّدِ هَذَا الْوَادِي وَيَعْنُونَ بِهِ كَبِيرَ الْجِنِّ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْجِنِّ وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فزادوهم رهقا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد ومسلم والنسائي وبن ماجة وبن أبي شيبة وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ (وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ هَذَا الْحَدِيثَ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ الأشج الخ) وفي موطإ مَالِكٌ عَنِ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ بُسْرِ بْنِ سعيد

باب ما يقول إذا خرج مسافرا

الخ (وروى عن بن عَجْلَانَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ وَيَقُولُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ خَوْلَةَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ فَفِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَفَّانُ حَدَّثَنَا وُهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَعْدٍ عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا نَزَلَ مَنْزِلًا الحديث (وحديث الليث أصح من رواية بن عَجْلَانَ) لِأَنَّ الْحَارِثَ بْنَ يَعْقُوبَ أَحْفَظُ مِنِ بن عَجْلَانَ 2 - (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا خَرَجَ مُسَافِرًا) [3438] قوله (أخبرنا بْنُ أَبِي عَدِيٍّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرٍ الْخَثْعَمِيِّ) أَبِي عُمَيْرٍ الْكَاتِبِ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي زُرْعَةَ) بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَوْلُهُ (قَالَ بِأُصْبُعِهِ) أَيْ أَشَارَ بِهَا (وَمَدَّ شُعْبَةُ إِصْبَعَهُ) بَيَانًا لِقَوْلِهِ قَالَ بِأُصْبُعِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ أَيِ الْحَافِظُ وَالْمُعِينُ وَالصَّاحِبُ فِي الْأَصْلِ الْمُلَازِمُ وَالْمُرَادُ مُصَاحَبَةُ اللَّهِ إِيَّاهُ بِالْعِنَايَةِ وَالْحِفْظِ وَالرِّعَايَةِ فَنَبَّهَ بِهَذَا الْقَوْلِ عَلَى الِاعْتِمَادِ عَلَيْهِ وَالِاكْتِفَاءِ بِهِ عَنْ كُلِّ مُصَاحِبٍ سِوَاهُ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ الْخَلِيفَةُ مَنْ يَقُومُ مَقَامَ أَحَدٍ فِي إِصْلَاحِ أَمْرِهِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الْمَعْنَى أَنْتَ الَّذِي أَرْجُوهُ وَأَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي بِأَنْ يَكُونَ مُعِينِي وَحَافِظِي وَفِي غَيْبَتِي عَنْ أَهْلِي أَنْ تَلُمَّ شَعَثَهُمْ وَتُدَاوِيَ سَقَمَهُمْ وَتَحْفَظَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَأَمَانَتَهُمْ اللَّهُمَّ اصْحَبْنَا بِفَتْحِ الْحَاءِ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ بِنُصْحِكَ أَيِ احْفَظْنَا بِحِفْظِكَ فِي سَفَرِنَا وَاقْلِبْنَا بِكَسْرِ اللَّامِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ يَضْرِبُ بِذِمَّةٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِذِمَّتِكَ أَيْ وَارْجِعْنَا بِأَمَانِكَ وَعَهْدِكَ إِلَى بَلَدِنَا اللَّهُمَّ ازْوِ لَنَا الأرض أي إجمعها

واطوها من زاوي يَزْوِي زَيًّا وَهَوِّنْ أَمْرٌ مِنَ التَّهْوِينِ أَيْ يَسِّرْ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بِالْمَدِّ أَيْ شِدَّتِهِ وَمَشَقَّتِهِ وَأَصْلُهُ مِنَ الْوَعْثِ وَهُوَ الرَّمْلُ وَالْمَشْيُ فِيهِ يَشْتَدُّ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَشُقُّ يُقَالُ رَمْلٌ أوعث وَعْثَاءُ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ الْكَآبَةُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَبِالْمَدِّ وَهِيَ تَغَيُّرُ النَّفْسِ بِالِانْكِسَارِ مِنْ شِدَّةِ الْهَمِّ والحزن يقال كئب كآبة واكئب فَهُوَ مُكْتَئِبٌ وَكَئِيبٌ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَرْجِعُ مِنْ سَفَرِهِ بِأَمْرٍ يُحْزِنُهُ إِمَّا أَصَابَهُ فِي سَفَرِهِ وَإِمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ مِثْلَ أَنْ يَعُودَ غَيْرَ مَقْضِيِّ الْحَاجَةِ أَوْ أَصَابَتْ مَالَهُ آفَةٌ أَوْ يَقْدَمَ عَلَى أَهْلِهِ فَيَجِدَهُمْ مَرْضَى أَوْ قَدْ فَقَدَ بَعْضَهُمْ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْمُنْقَلَبُ بِفَتْحِ اللَّامِ الْمَرْجِعُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ [3439] قَوْلُهُ وَاخْلُفْنَا بِضَمِّ اللَّامِ مِنْ بَابِ نَصَرَ أَيْ كُنْ خَلِيفَتَنَا وَمِنَ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ أَيْ مِنَ النُّقْصَانِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ وَقِيلَ مِنْ فَسَادِ الْأُمُورِ بَعْدَ صَلَاحِهَا وَأَصْلُ الْحَوْرِ نَقْضُ الْعِمَامَةِ بَعْدَ لَفِّهَا وَأَصْلُ الْكَوْرِ مِنْ تَكْوِيرِ العامة وَهُوَ لَفُّهَا وَجَمْعُهَا وَمِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ أَيْ أعوذ بك مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ دُعَاءُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ فَفِيهِ التَّحْذِيرُ مِنَ الظُّلْمِ وَمِنَ التَّعَرُّضِ لِأَسْبَابِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يُحْتَرَزُ عَنْهَا سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْحَضَرِ أَوِ السَّفَرِ قُلْتُ كَذَلِكَ الْحَوْرُ بَعْدَ الْكَوْرِ لَكِنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْبَلَايَا وَالْمَصَائِبِ وَالْمَشَقَّةُ فِيهِ أَكْثَرُ فَخُصَّتْ بِهِ انْتَهَى وَيُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ مَظِنَّةٌ لِلنُّقْصَانِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا وَبَاعِثٌ عَلَى التَّعَدِّي فِي حَقِّ الرُّفْقَةِ وَغَيْرِهِمْ لَا سِيَّمَا فِي مَضِيقِ الْمَاءِ كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي سَفَرِ الْحَجِّ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ وَمِنْ سُوءِ الْمَنْظَرِ بِفَتْحِ الظَّاءِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ أَيْ مِنْ أَنْ يَطْمَعَ ظَالِمٌ أَوْ فَاجِرٌ فِي الْمَالِ والأهل قاله القارىء وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ سُوءُ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ أَنْ يُصِيبَهُمَا آفَةٌ بِسُوءِ النَّظَرِ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ

باب ما يقول إذا قدم من السفر

حسن صحيح) وأخرجه مسلم والنسائي وبن مَاجَهْ (وَيُرْوَى الْحَوْرُ بَعْدَ الْكَوْنِ أَيْضًا) كَذَا رَوَاهُ مُسْلَمٌ فِي صَحِيحِهِ بِالنُّونِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ مِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْدَ الْكَوْنِ بِالنُّونِ بَلْ لَا يَكَادُ يُوجَدُ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا إِلَّا بِالنُّونِ وَكَذَا ضَبَطَهُ الْحُفَّاظُ الْمُتْقِنُونَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (وَمَعْنَى قَوْلِهِ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْنِ أَوِ الْكَوْرِ إِلَخْ) قَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ بِالرَّاءِ وَالنُّونِ جَمِيعًا الرُّجُوعُ مِنَ الِاسْتِقَامَةِ أَوِ الزِّيَادَةِ إِلَى النَّقْصِ قَالُوا وَرِوَايَةُ الرَّاءِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ تَكْوِيرِ الْعِمَامَةِ وَهُوَ لَفُّهَا وَجَمْعُهَا وَرِوَايَةُ النُّونِ مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْكَوْنِ مَصْدَرُ كَانَ يَكُونُ كَوْنًا إِذَا وَجَدَ وَاسْتَقَرَّ أَيْ أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّقْصِ بَعْدَ الْوُجُودِ وَالثَّبَاتِ قَالَ الْمَازِرِيُّ فِي رِوَايَةِ الرَّاءِ قِيلَ أَيْضًا إِنَّ مَعْنَاهُ أَعُوذُ بِكَ مِنَ الرُّجُوعِ عَنِ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ أَنْ كنا فيها يقال كان عِمَامَتَهُ إِذَا لَفَّهَا وَحَارَهَا إِذَا نَقَضَهَا وَقِيلَ نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ تَفْسُدَ أُمُورُنَا بَعْدَ صَلَاحِهَا كَفَسَادِ الْعِمَامَةِ بَعْدَ اسْتِقَامَتِهَا عَلَى الرَّأْسِ وَعَلَى رِوَايَةِ النُّونِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ سُئِلَ عَاصِمٌ عَنْ مَعْنَاهُ فَقَالَ أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُمْ (حَارَ بَعْدَ مَا كَانَ) أَيْ أَنَّهُ كَانَ عَلَى حَالَةٍ جَمِيلَةٍ فَرَجَعَ عَنْهَا انْتَهَى 3 - (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا قَدِمَ مِنْ السَّفَرِ) [3440] قَوْلُهُ (حدثنا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (سَمِعْتُ الرَّبِيعَ بْنَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ) الْأَنْصَارِيَّ الْكُوفِيَّ ثِقَةٌ مِنَ الثالثة قوله آيبون أَيْ نَحْنُ رَاجِعُونَ جَمْعُ آئِبٍ مِنْ آبَ إِذَا رَجَعَ قَالَ الْحَافِظُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِخْبَارَ بِمَحْضِ الرُّجُوعِ فَإِنَّهُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ بَلِ الرُّجُوعُ فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَهِيَ تَلَبُّسُهُمْ بِالْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ والاتصاف بالأوصاف المذكورة يعني في حديث بن عُمَرَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ تَائِبُونَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّقْصِيرِ فِي الْعِبَادَةِ وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيلِ التَّوَاضُعِ أو

تَعْلِيمًا لِأُمَّتِهِ وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ وَقَدْ تُسْتَعْمَلُ التَّوْبَةُ لِإِرَادَةِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى الطَّاعَةِ فَيَكُونُ أَنْ لَا يَقَعَ مِنْهُمْ ذَنْبٌ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ أَيْ لَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْعِمُ عَلَيْنَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (وَرَوَى الثَّوْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ الْبَرَاءِ) وَرِوَايَةُ الثَّوْرِيِّ هَذِهِ أَخْرَجَهَا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (وَرِوَايَةُ شُعْبَةَ أَصَحُّ لَا يَظْهَرُ وَجْهُ الْأَصَحِّيَّةِ فَتَفَكَّرْ) قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عُمَرَ وَأَنَسٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) أَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ آئِبُونَ الْحَدِيثَ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَلْيُنْظَرْ من أخرجه 4 - باب منه [3441] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ قَوْلُهُ (فَنَظَرَ إِلَى جُدْرَانِ الْمَدِينَةِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَفِي آخِرِهِ نُونٌ جَمْعُ جِدَارٍ (أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ) أَيْ أَسْرَعَهَا يُقَالُ وَضَعَ الْبَعِيرُ أَيْ أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ وَأَوْضَعَهُ رَاكِبُهُ أَيْ حَمَلَهُ عَلَى السَّيْرِ السَّرِيعِ وَالْإِيضَاعُ مَخْصُوصٌ بِالْبَعِيرِ وَالرَّاحِلَةُ النَّجِيبُ وَالنَّجِيبَةُ مِنَ الْإِبِلِ فِي الْحَدِيثِ النَّاسُ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لَا تَجِدُ فِيهَا رَاحِلَةً (وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ) كَالْبَغْلِ وَالْفَرَسِ (حَرَّكَهَا) جواب إن (من حبها) تنازع فِيهِ الْفِعْلَانِ أَيْ مِنْ أَجْلِ حُبِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهَا أَوْ أَهْلَهَا وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَعَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حُبِّ الْوَطَنِ وَالْحَنِينِ إِلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الحج

باب ما جار ما يقول إذا ودع إنسانا

45 - (باب ما جار مَا يَقُولُ إِذَا وَدَّعَ إِنْسَانًا) [3442] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ) اسْمُ أَبِي عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا بِشْرٌ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بِغَيْرِ لَفْظِ أَبِي وَهُوَ غَلَطٌ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ أُمَيَّةَ) الْمَدَنِيِّ مَجْهُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (إِذَا وَدَّعَ رَجُلًا) أَيْ مُسَافِرًا (أَخَذَ بِيَدِهِ فَلَا يَدَعُهَا) أَيْ فَلَا يَتْرُكُ يَدَ ذَلِكَ الرَّجُلِ مِنْ غَايَةِ التَّوَاضُعِ وَنِهَايَةِ إِظْهَارِ الْمَحَبَّةِ وَالرَّحْمَةِ (وَيَقُولُ) أَيْ لِلْمُوَدَّعِ أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ دِينَكَ أَيْ أَسْتَحْفِظُ وَأَطْلُبُ مِنْهُ حِفْظَ دِينِكَ وَأَمَانَتَكَ أَيْ حِفْظَ أَمَانَتِكَ فِيمَا تُزَاوِلُهُ مِنَ الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَمُعَاشَرَةِ النَّاسِ فِي السَّفَرِ إِذْ قَدْ يَقَعُ مِنْكَ هُنَاكَ خِيَانَةٌ وَقِيلَ أُرِيدَ بِالْأَمَانَةِ الْأَهْلُ وَالْأَوْلَادُ الَّذِينَ خَلَّفَهُمْ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْأَمَانَةِ التَّكَالِيفُ كُلُّهَا كَمَا فُسِّرَ بِهَا قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا الْآيَةَ وَآخِرَ عَمَلِكَ أَيْ فِي سَفَرِكَ أَوْ مطلقا كذا قيل قال القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ حُسْنُ الْخَاتِمَةِ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَيْهَا فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ وَأَنَّ التَّقْصِيرَ فِيمَا قَبْلَهَا مَجْبُورٌ بِحُسْنِهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ أَسْتَوْدِعُ اللَّهَ هُوَ طَلَبُ حِفْظِ الْوَدِيعَةِ وَفِيهِ نَوْعُ مُشَاكَلَةٍ لِلتَّوْدِيعِ وَجَعَلَ دِينَهُ وَأَمَانَتَهُ مِنَ الْوَدَائِعِ لِأَنَّ السَّفَرَ يُصِيبُ الْإِنْسَانَ فِيهِ الْمَشَقَّةُ وَالْخَوْفُ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِإِهْمَالِ بَعْضِ أُمُورِ الدِّينِ فَدَعَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَلَا يَخْلُو الرَّجُلُ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ وَالْمُعَاشَرَةِ مَعَ النَّاسِ فَدَعَا لَهُ بِحِفْظِ الْأَمَانَةِ وَالِاجْتِنَابِ عَنِ الْخِيَانَةِ ثُمَّ إِذَا انْقَلَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَكُونُ مَأْمُونَ الْعَاقِبَةِ عَمَّا يَسُوءُهُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه بن ماجة [3443] قوله (حدثنا سعيد بن خثيم) بمعجمة ومثلثة مصغر بن رُشْدٍ الْهِلَالِيُّ أَبُو مَعْمَرٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ رُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ لَهُ أَغَالِيطُ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ حَنْظَلَةَ) بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيِّ قَوْلُهُ (أَنْ

ادْنُ) أَيِ اقْرَبْ أَمْرٌ مِنْ دَنَا يَدْنُو وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ جَمْعُ خَاتَمٍ أَيْ مَا يُخْتَمُ به عملك أي أخبره وَالْجَمْعُ لِإِفَادَةِ عُمُومِ أَعْمَالِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ والحاكم وبن حبان في صحيحهما 6 - بَاب مِنْهُ [3444] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ) الْقَطَوَانِيُّ الْكُوفِيُّ (أَخْبَرَنَا سَيَّارُ) بْنُ حاتم العنزي أبو سلمة البصري (حدثنا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ) الضُّبَعِيُّ قَوْلُهُ (فَزَوِّدْنِي) أَمْرٌ مِنَ التَّزْوِيدِ وَهُوَ إِعْطَاءُ الزَّادِ وَالزَّادُ طَعَامٌ يُتَّخَذُ لِلسَّفَرِ يَعْنِي ادْعُ لِي دُعَاءً يَكُونُ بَرَكَتُهُ مَعِي فِي سَفَرِي كَالزَّادِ زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى أَيِ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ الْمَخْلُوقِ أَيِ امْتِثَالَ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابَ النَّوَاهِي (قَالَ زِدْنِي) أَيْ مِنَ الزَّادِ أَوْ مِنَ الدُّعَاءِ (قَالَ زِدْنِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي) أَيْ أَفْدِيكَ بِهِمَا وَأَجْعَلُهُمَا فِدَاءَكَ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمَا وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ أَيْ سَهَّلَ لَكَ خَيْرَ الدَّارَيْنِ حَيْثُ مَا كُنْتَ أَيْ فِي أَيِّ مَكَانٍ حَلَلْتَ وَمِنْ لَازِمِهِ فِي أَيِّ زَمَانٍ نَزَلْتَ قَالَ الطِّيبِيُّ يُحْتَمَلُ أَنَّ الرَّجُلَ طَلَبَ الزَّادَ الْمُتَعَارَفَ فَأَجَابَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِمَا أَجَابَهُ عَلَى طَرِيقَةِ أُسْلُوبِ الْحَكِيمِ أَيْ زَادَكَ أَنْ تَتَّقِيَ مَحَارِمَهُ وَتَجْتَنِبَ مَعَاصِيَهُ وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا طَلَبَ الزِّيَادَةَ قَالَ وَغُفِرَ ذَنْبُكَ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ مِنْ جِنْسِ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا زَعَمَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَا يَكُونُ تَقْوَى تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَغْفِرَةُ فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ وَغُفِرَ ذَنْبُكَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الِاتِّقَاءُ بِحَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْمَغْفِرَةُ ثُمَّ تَوَقَّى مِنْهُ إِلَى قَوْلِهِ وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ فَإِنَّ التَّعْرِيفَ فِي الْخَيْرِ لِلْجِنْسِ فَيَتَنَاوَلُ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النسائي والحاكم في مستدركه

باب ما ذكر في دعوة المسافر

47 - باب [3445] قوله (حدثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ) أَبُو الْحُسَيْنِ الْعُكْلِيُّ (أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ) اللَّيْثِيُّ قَوْلُهُ عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ أَيْ بِمَخَافَتِهِ وَالْحَذَرِ مِنْ عِصْيَانِهِ وَالتَّكْبِيرِ أَيْ قَوْلُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَمُنَاسَبَةُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ الصُّعُودِ إِلَى الْمَكَانِ الْمُرْتَفِعِ أَنَّ الِاسْتِعْلَاءَ وَالِارْتِفَاعَ مَحْبُوبٌ لِلنُّفُوسِ لِمَا فِيهِ مِنَ اسْتِشْعَارِ الْكِبْرِيَاءِ فَشُرِعَ لِمَنْ تَلَبَّسَ بِهِ أَنْ يَذْكُرَ كِبْرِيَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَيُكَبِّرُهُ لِيَشْكُرَ لَهُ ذَلِكَ فَيَزِيدَهُ مِنْ فَضْلِهِ قَالَهُ الْحَافِظُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ بِالتَّحْرِيكِ أَيْ مَكَانٍ عَالٍ (فَلَمَّا أَنْ وَلَّى الرَّجُلُ) أَيْ أَدْبَرَ وَأَنْ زَائِدَةٌ (قَالَ) أَيْ دَعَا لَهُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْإِجَابَةِ اللَّهُمَّ اطْوِ لَهُ الْبُعْدَ أَمْرٌ مِنَ الطَّيِّ أَيْ قَرِّبْهُ لَهُ وَسَهِّلْ لَهُ وَالْمَعْنَى ارْفَعْ عَنْهُ مَشَقَّةَ السَّفَرِ بِتَقْرِيبِ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ لَهُ حِسًّا أَوْ مَعْنًى وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ أَيْ أُمُورَهُ وَمَتَاعِبَهُ وَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن) وأخرجه النسائي وبن ماجة 8 - (بَاب مَا ذُكِرَ فِي دَعْوَةِ الْمُسَافِرِ) [3448] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ) اسْمُهُ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ النَّبِيلُ قَوْلُهُ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ أَيْ لِمَنْ يُعِينُهُ وَيَنْصُرُهُ أَوْ يُسْلِيهِ وَيُهَوِّنُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ ودعوة المسافر

باب ما جاء ما يقول إذا ركب الناقلة

يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ دَعْوَتُهُ لِمَنْ أَحْسَنَ إِلَيْهِ وَبِالشَّرِّ لِمَنْ آذَاهُ وَأَسَاءَ إِلَيْهِ لِأَنَّ دُعَاءَهُ لَا يَخْلُو عَنِ الرِّقَّةِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ لَمْ تُذْكَرِ الْوَالِدَةُ لِأَنَّ حَقَّهَا أَكْثَرُ فدعاؤها أولى بالإجابة قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ مُقْسِمٍ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ (بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ وَزَادَ فِيهِ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا السَّنَدِ فِي بَابِ دُعَاءِ الْوَالِدَيْنِ فِي أوائل البر والصلة 9 - (باب ما جاء ما يقول إذا ركب الناقلة) [3446] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) اسْمُهُ سَلَّامُ بْنُ سَلْمٍ الْحَنَفِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ) الْوَالِي الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ قَوْلُهُ (أُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ جِيءَ (فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ) أَيْ أَرَادَ وَضْعَ رِجْلِهِ (فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا) أَيِ اسْتَقَرَّ عَلَى ظَهْرِهَا (قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ) أَيْ عَلَى نِعْمَةِ الرُّكُوبِ وَغَيْرِهَا (ثُمَّ قَالَ) أَيْ قَرَأَ وَمَا كُنَّا لَهُ مقرنين أَيْ مُطِيقِينَ مِنْ أَقْرَنَ لِلْأَمْرِ إِذَا أَطَاقَهُ وَقَوِيَ عَلَيْهِ أَيْ مَا كُنَّا نُطِيقُ قَهْرَهُ وَاسْتِعْمَالَهُ لَوْلَا تَسْخِيرُ اللَّهِ تَعَالَى إِيَّاهُ لَنَا وإنا إلى ربنا لمنقلبون أَيْ لَصَائِرُونَ إِلَيْهِ بَعْدَ مَمَاتِنَا وَإِلَيْهِ سَيْرُنَا الْأَكْبَرُ وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ بِسَيْرِ الدُّنْيَا عَلَى سَيْرِ الْآخِرَةِ كَمَا نَبَّهَ بِالزَّادِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى الزَّادِ الْأُخْرَوِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَتَزَوَّدُوا فإن خير الزاد التقوى

وَبِاللِّبَاسِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى الْأُخْرَوِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وريشا ولباس التقوى ذلك خير (ثُمَّ ضَحِكَ) أَيْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (صَنَعَ كَمَا صَنَعْتُ) أَيْ كَصُنْعِي الْمَذْكُورِ (ثُمَّ ضَحِكَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليعجب بفتح الجيم من عباده إِذَا قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِلَخْ قَالَ الطِّيبِيُّ أَنْ يَرْتَضِيَ هَذَا الْقَوْلَ وَيَسْتَحْسِنَهُ اسْتِحْسَانَ الْمُتَعَجِّبِ انْتَهَى وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَجِبَ رَبُّكَ مِنْ قَوْمٍ يُسَاقُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ أَيْ عَظُمَ ذَلِكَ عِنْدَهُ وَكَبُرَ لَدَيْهِ أَعْلَمَ اللَّهُ أَنَّهُ إِنَّمَا يَتَعَجَّبُ الْآدَمِيُّ مِنَ الشَّيْءِ إِذَا عَظُمَ مَوْقِعُهُ عِنْدَهُ وَخَفِيَ عَلَيْهِ سَبَبُهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِمَا يَعْرِفُونَ لِيَعْلَمُوا مَوْقِعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ وَقِيلَ مَعْنَى عَجِبَ رَبُّكَ أَيْ رَضِيَ وَأَثَابَ فَسَمَّاهُ عَجَبًا مَجَازًا وَلَيْسَ بِعَجَبٍ فِي الْحَقِيقَةِ وَالْأَوَّلُ الْوَجْهُ وَإِطْلَاقُ التَّعَجُّبِ عَلَى اللَّهِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَى اللَّهِ أَسْبَابُ الْأَشْيَاءِ وَالتَّعَجُّبُ مِمَّا خَفِيَ سَبَبُهُ وَلَمْ يُعْلَمِ انْتَهَى [3447] قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنِ بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيِّ) الْأَزْدِيِّ قَوْلُهُ سُبْحَانَ الذي سخر أَيْ ذَلَّلَ لَنَا هَذَا أَيِ الْمَرْكُوبَ وَإِنَّا إلى ربنا لمنقلبون أَيْ رَاجِعُونَ وَاللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَهَذَا الدُّعَاءُ يُسَنُّ عِنْدَ رُكُوبِ أَيِّ دَابَّةٍ كَانَتْ لِسَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْبِرِّ أَيِ الطَّاعَةِ وَالتَّقْوَى أَيْ عَنِ الْمَعْصِيَةِ أَوِ الْمُرَادُ مِنَ الْبِرِّ الْإِحْسَانُ إِلَى النَّاسِ أَوْ مِنَ اللَّهِ إِلَيْنَا وَمِنَ التَّقْوَى ارْتِكَابُ الْأَوَامِرِ وَاجْتِنَابُ النَّوَاهِي وَمِنَ الْعَمَلِ أَيْ جِنْسِهِ مَا تَرْضَى أَيْ بِهِ عَنَّا (وَكَانَ يَقُولُ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ آئِبُونَ) أَيْ نَحْنُ رَاجِعُونَ مِنْ السَّفَرِ بِالسَّلَامَةِ إِلَى الْوَطَنِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُدَ وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ آئِبُونَ إِلَخْ

باب ما يقول إذا هاجت الريح

إِنْ شَاءَ اللَّهُ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ ها هنا لِلتَّبَرُّكِ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ قَالَ الطِّيبِيُّ لِرَبِّنَا يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ عَابِدُونَ لِأَنَّ عَمَلَ اسْمِ الفاعل ضعيف فيقوى به أو بحامدون لِيُفِيدَ التَّخْصِيصَ أَيْ نَحْمَدُ رَبَّنَا لَا نَحْمَدُ غَيْرَهُ وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ كَالْخَاتِمَةِ لِلدُّعَاءِ انْتَهَى وفي هذا الحديث استجاب هَذَا الذِّكْرِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الْأَسْفَارِ كُلِّهَا وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ أَذْكَارٌ كَثِيرَةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 0 - (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا هَاجَتِ الرِّيحُ) مِنْ هَاجَ الشَّيْءُ يَهِيجُ هَيْجًا وَهِيَاجًا وَهَيَجَانًا إِذَا ثَارَ وَالْمَعْنَى إِذَا اشْتَدَّ هُبُوبُهَا [3449] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ) الْكِلَابِيُّ وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِهَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ خَيْرَهَا بِغَيْرِ مِنْ أَيْ أَسْأَلُكَ خَيْرِ ذَاتِهَا وَخَيْرِ مَا فِيهَا أَيْ مِنْ مَنَافِعِهَا وَخَيْرِ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ أَيْ بِخُصُوصِهَا فِي وَقْتِهَا وَهُوَ بِصِيغَةِ الْمَفْعُولِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْفَاعِلِ قَالَ الطِّيبِيُّ يُحْتَمَلُ الْفَتْحُ عَلَى الْخِطَابِ وَشَرُّ مَا أرسلت على بناء المفعول ليكون من قيل أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ النَّهْيِ عَنْ سَبِّ الرِّيَاحِ مِنْ أَبْوَابِ الْفِتَنِ وَقَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم مطولا

باب ما يقول إذا سمع الرعد

51 - (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ الرَّعْدَ) [3450] قَوْلُهُ (حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ) الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ (عَنْ أَبِي مَطَرٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو مَطَرٍ شَيْخُ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ وفي تهذيب التهذيب في ترجمته ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا سَمِعَ صَوْتَ الرَّعْدِ) بِإِضَافَةِ الْعَامِّ إِلَى الْخَاصِّ لِلْبَيَانِ فَالرَّعْدُ هُوَ الصَّوْتُ الَّذِي يُسْمَعُ مِنَ السَّحَابِ كذا قال بن الملك والصحيح أن الرعد ملك مؤكل بِالسَّحَابِ وَقَدْ نَقَلَ الشَّافِعِيُّ عَنِ الثِّقَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ وَالْبَرْقَ أَجْنِحَتُهُ يَسُوقُ السَّحَابَ بِهَا ثُمَّ قَالَ وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَهُ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَعَلَيْهِ فَيَكُونُ الْمَسْمُوعُ صَوْتَهُ أَوْ صَوْتَ سَوْقِهِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِيهِ وَنَقَلَ الْبَغَوِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ الرَّعْدَ مَلَكٌ يَسُوقُ السَّحَابَ وَالْمَسْمُوعُ تَسْبِيحُهُ وَالصَّوَاعِقَ قال القارىء بالنصب فيكون التقدير وأحسن الصواعق من باب علفتها تبنا وماءا باردا أو أطلق السمع وأريد به الحسن مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْجُزْءِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الرعد وَهُوَ إِنَّمَا يَصِحُّ عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ الصَّاعِقَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ قِيلَ هِيَ نَارٌ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ فِي رَعْدٍ شَدِيدٍ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا قَبْلَهُ وَقِيلَ الصَّاعِقَةُ صَيْحَةُ الْعَذَابِ أَيْضًا وَتُطْلَقُ عَلَى صَوْتٍ شَدِيدٍ غَايَةَ الشِّدَّةِ يُسْمَعُ مِنَ الرَّعْدِ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ عَطْفُهُ عَلَى صَوْتِ الرَّعْدِ أَيْ صَوْتِ السَّحَابِ فَالْمُرَادُ بِالرَّعْدِ السَّحَابُ بِالْقَرِينَةِ إِضَافَةُ الصَّوْتِ إِلَيْهِ أَوِ الرَّعْدُ صَوْتُ السَّحَابِ فَفِيهِ تَجْرِيدٌ وَقَالَ الطِّيبِيُّ هِيَ قَعْقَعَةُ رَعْدٍ يَنْقَضُّ مَعَهَا قِطْعَةٌ مِنْ نَارٍ يُقَالُ صَعَقَتْهُ الصَّاعِقَةُ إِذَا أَهْلَكَتْهُ فَصُعِقَ أَيْ مَاتَ إِمَّا لِشِدَّةِ الصَّوْتِ وَإِمَّا بِالْإِحْرَاقِ انْتَهَى لَا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك قال القارىء الغضب استعارة والمشبه بِهِ الْحَالَةَ الَّتِي تَعْرِضُ لِلْمَلَكِ عِنْدَ انْفِعَالِهِ وَغَلَيَانِ دَمِهِ ثُمَّ الِانْتِقَامُ مِنَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِ وَأَكْبَرُ مَا يُنْتَقَمُ بِهِ الْقَتْلُ فَلِذَلِكَ ذَكَرَهُ وَرَشَّحَ الِاسْتِعَارَةَ بِهِ عُرْفًا وَأَمَّا الْإِهْلَاكُ وَالْعَذَابُ فَجَارِيَانِ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى انتهى

باب ما يقول عند رؤية الهلال

قُلْتُ لَا حَاجَةَ إِلَى تَأْوِيلِ الْغَضَبِ بِمَا ذكره القارىء بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ مِرَارًا فِي شَرْحِ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَعَافِنَا أَيْ أَمِتْنَا بِالْعَافِيَةِ قَبْلَ ذَلِكَ أَيْ قَبْلَ نُزُولِ عَذَابِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 2 - (بَاب مَا يَقُولُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ) [3451] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي بِلَالُ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ لَيِّنٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ) وَهُوَ يَكُونُ مِنَ اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ ثُمَّ هُوَ قَمَرٌ اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ 1 بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ الْإِهْلَالِ قَالَ الطِّيبِيُّ يُرْوَى مُدْغَمًا وَمَفْكُوكًا أَيْ أَطْلِعْهُ عَلَيْنَا 1 مُقْتَرِنًا بِالْيُمْنِ أَيِ الْبَرَكَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ أَيْ بِدَوَامِهِ وَالسَّلَامَةِ أَيْ عَنْ كُلِّ مَضَرَّةٍ وسوء والإسلام أي دوامه قال القارىء قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَائِنَا الْإِهْلَالُ فِي الْأَصْلِ رَفْعُ الصَّوْتِ نُقِلَ مِنْهُ إِلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ لِأَنَّ النَّاسَ يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُمْ إِذَا رَأَوْهُ بِالْإِخْبَارِ عَنْهُ وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْهِلَالُ هِلَالًا نُقِلَ مِنْهُ إِلَى طُلُوعِهِ لِأَنَّهُ سَبَبٌ لِرُؤْيَتِهِ وَمِنْهُ إِلَى إِطْلَاعِهِ وَفِي الْحَدِيثِ بِهَذَا الْمَعْنَى أَيْ أَطْلِعْهُ عَلَيْنَا وَأَرِنَا إِيَّاهُ مُقْتَرِنًا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ أَيْ بَاطِنًا وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ أَيْ ظَاهِرًا وَنَبَّهَ بِذِكْرِ الْأَمْنِ وَالسَّلَامَةِ عَلَى طَلَبِ دَفْعِ كُلِّ مَضَرَّةٍ وَبِالْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ عَلَى جَلْبِ كُلِّ مَنْفَعَةٍ عَلَى أَبْلَغِ وَجْهٍ وَأَوْجَزِ عِبَارَةٍ انْتَهَى رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ خِطَابٌ لِلْهِلَالِ عَلَى طَرِيقِ الِالْتِفَاتِ وَلَمَّا تَوَسَّلَ بِهِ لِطَلَبِ الْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ دَلَّ عَلَى عِظَمِ شَأْنِ الْهِلَالِ فَقَالَ مُلْتَفِتًا إِلَيْهِ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ تَنْزِيهًا لِلْخَالِقِ أَنْ يُشَارَكَ فِي تَدْبِيرِ مَا خَلَقَ وَرَدَّ الْأَقَاوِيلَ دَاحِضَةً فِي الْآثَارِ الْعُلْوِيَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والدارمي والحاكم وبن حِبَّانَ وَزَادَ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى

باب ما يقول عند الغضب

53 - (بَاب مَا يَقُولُ عِنْدَ الْغَضَبِ) [3452] قَوْلُهُ (اسْتَبَّ رَجُلَانِ) أَيْ سَبَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ (حَتَّى عُرِفَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (الْغَضَبُ فِي وَجْهِ أَحَدِهِمَا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى خُيِّلَ إلَيَّ أَنَّ أَنْفَهُ يَتَمَزَّعُ مِنْ شِدَّةِ غَضَبِهِ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بَدَلٌ مِنْ كَلِمَةً وَفِي الْحَدِيثِ إِنَّهُ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْغَضَبِ أَنْ يَسْتَعِيذَ فَيَقُولَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِزَوَالِ الْغَضَبِ وَحَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ) بْنُ مَهْدِيٍّ (وَهَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ) أَيْ مُنْقَطِعٌ وَبَيَّنَ وَجْهَ الِانْقِطَاعِ بِقَوْلِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ إِلَخْ (وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي ليلى غلام بن سِتِّ سِنِينَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ إِلَى هُنَا مَا لَفْظُهُ وَالَّذِي قَالَهُ التِّرْمِذِيُّ وَاضِحٌ فَإِنَّ الْبُخَارِيَّ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَوْلِدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ تُوُفِّيَ فِي طَاعُونِ عَمْوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهَذَا مُتَّصِلٌ انْتَهَى (هَكَذَا رَوَى شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى) قَالَ بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ حَدَّثَنَا النَّضْرُ حَدَّثَنَا

باب ما يقول إذا رأى رؤيا يكرهها

شعبة عن الحكم عن بن أبي ليلى قال ولدت لست يقين مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ (وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ) أَيْ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ (وَرَآهُ) وَقَالَ الدُّورِيُّ عن بن معين لم يره وَقَالَ الْخَلِيلِيُّ فِي الْإِرْشَادِ الْحُفَّاظُ لَا يُثْبِتُونَ سَمَاعَهُ مِنْ عُمَرَ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 4 - (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا رَأَى رُؤْيَا يَكْرَهُهَا) [3453] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ) الْمِصْرِيُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ) بِفَتْحِ مُعْجَمَةٍ وَشَدَّةِ مُوَحَّدَةٍ أُولَى الْأَنْصَارِيُّ الْبُخَارِيُّ مَوْلَاهُمُ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ يُحِبُّهَا حَالٌ مِنَ الرُّؤْيَا فَإِنَّمَا هِيَ الرُّؤْيَا الْمَحْبُوبَةُ مِنَ اللَّهِ إِضَافَةُ الرُّؤْيَا الْمَحْبُوبَةِ إِلَى اللَّهِ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَلْيُحَدِّثْ بِمَا رَأَى وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فَلَا يُحَدِّثْ بِهِ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ قَالَ الْحَافِظُ الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّهُ إِذَا حَدَّثَ بِالرُّؤْيَا الْحَسَنَةِ مَنْ لَا يُحِبُّ قَدْ يُفَسِّرُهَا لَهُ بِمَا لَا يُحِبُّ إِمَّا بُغْضًا وَإِمَّا حَسَدًا فَقَدْ تَقَعُ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ أَوْ يَتَعَجَّلُ لِنَفْسِهِ مِنْ ذَلِكَ حُزْنًا وَنَكَدًا فَأَمَرَ بِتَرْكِ تَحْدِيثِ مَنْ لَا يُحِبُّ بِسَبَبِ ذَلِكَ انْتَهَى قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ تَعْبِيرِ الرُّؤْيَا حَدِيثُ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ وَفِيهِ لَا تُحَدِّثْ بِهَا إِلَّا لَبِيبًا أَوْ حَبِيبًا وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ لَا تَقُصَّ الرُّؤْيَا إِلَّا عَلَى عَالِمٍ أو ناصح فينبغي أن يحمل أَبِي سَعِيدٍ الْمُطْلَقُ عَلَى هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْمُقَيَّدَةِ قيل لأن العالم يأولها عَلَى الْخَيْرِ مَهْمَا أَمْكَنَهُ وَالنَّاصِحُ يُرْشِدُ إِلَى مَا يَنْفَعُ وَاللَّبِيبُ الْعَارِفُ بِتَأْوِيلِهَا وَالْحَبِيبُ إِنْ عَرَفَ خَيْرًا قَالَهُ وَإِنْ جَهِلَ أَوْ شَكَّ سَكَتَ فَإِنَّمَا هِيَ مِنَ الشَّيْطَانِ أُضِيفَتْ إِلَيْهِ لِكَوْنِهَا عَلَى هَوَاهُ وَمُرَادِهِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ الَّذِي يُخَيِّلُ بِهَا وَلَا حَقِيقَةَ لَهَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَلَا يَذْكُرْهَا لِأَحَدٍ فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ حَاصِلُ مَا ذُكِرَ

باب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر

مِنْ أَدَبِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ عَلَيْهَا وَأَنْ يَسْتَبْشِرَ بِهَا وَأَنْ يَتَحَدَّثَ بِهَا لَكِنْ لِمَنْ يُحِبُّ دُونَ مَنْ يَكْرَهُ وَحَاصِلُ مَا ذُكِرَ مِنْ أَدَبِ الرُّؤْيَا الْمَكْرُوهَةِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَأَنْ يَتْفُلَ حِينَ يَهُبَّ مِنْ نَوْمِهِ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَلَا يَذْكُرُهَا لِأَحَدٍ أَصْلًا وَأَنْ يُصَلِّيَ وَأَنْ يَتَحَوَّلَ عَنْ جَنْبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ فِي هَذَا فِي بَاب إِذَا رَأَى فِي الْمَنَامِ مَا يَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ 5 - (بَاب ما يقول إذا رأى الباكورة من الثمر) الْبَاكُورَةُ أَوَّلُ مَا يُدْرَكُ مِنَ الْفَاكِهَةِ [3454] قَوْلُهُ (إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ) وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى الباكورة (جاؤوا بِهِ) أَيْ بِأَوَّلِ الثَّمَرِ (إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الثَّمَرِ وَالْمَدِينَةِ وَالصَّاعِ وَالْمُدِّ وَإِعْلَامًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْتِدَاءِ صَلَاحِهَا لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا وَتَوْجِيهِ الْخَارِصِينَ وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا أَيْ فِي ذاتها من جهة سعتها ووسعة أَهْلِهَا وَقَدِ اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِأَنْ وَسَّعَ نَفْسَ الْمَسْجِدِ وَمَا حَوْلَهُ مِنَ الْمَدِينَةِ وَكَثُرَ الْخَلْقُ فِيهَا حَتَّى عُدَّ مِنَ الْفَرَسِ الْمُعَدِّ لِلْقِتَالِ الْمُهَيَّأِ بِهَا فِي زَمَنِ عُمَرَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ فَرَسٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَرَكَةِ هُنَا مَا يَشْمَلُ الدُّنْيَوِيَّةَ وَالْأُخْرَوِيَّةَ وَالْحِسِّيَّةَ وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا قَالَ الْقَاضِي الْبَرَكَةُ هُنَا بِمَعْنَى النَّمَاءِ وَالزِّيَادَةِ وَتَكُونُ بِمَعْنَى الثَّبَاتِ وَاللُّزُومِ قَالَ فَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ تكون هَذِهِ الْبَرَكَةُ دِينِيَّةً وَهِيَ مَا تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَقَادِيرِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي

باب ما يقول إذا أكل طعاما

الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ فَتَكُونُ بِمَعْنَى الثَّبَاتِ وَالْبَقَاءِ لَهَا كَبَقَاءِ الْحُكْمِ بِهَا بِبَقَاءِ الشَّرِيعَةِ وَثَبَاتِهَا وَيُحْتَمَلُ أن تكون دنيوية من تكثير الكيل والقدرة بِهَذِهِ الْأَكْيَالِ حَتَّى يَكْفِيَ مِنْهُ مَا لَا يَكْفِي مِنْ غَيْرِهِ فِي غَيْرِ الْمَدِينَةِ أَوْ تَرْجِعُ الْبَرَكَةُ إِلَى التَّصَرُّفِ بِهَا فِي التِّجَارَةِ وَأَرْبَاحِهَا وَإِلَى كَثْرَةِ مَا يُكَالُ بِهَا مِنْ غَلَّاتِهَا وَثِمَارِهَا أَوْ تَكُونُ الزِّيَادَةُ فِيمَا يُكَالُ بِهَا لِاتِّسَاعِ عَيْشِهِمْ وَكَثْرَتِهِ بَعْدَ ضِيقِهِ لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَوَسَّعَ مِنْ فَضْلِهِ لَهُمْ وَمَلَّكَهُمْ مِنْ بِلَادِ الْخِصْبِ وَالرِّيفِ بِالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَمِصْرَ وَغَيْرِهَا حَتَّى كَثُرَ الْحَمْلُ إِلَى الْمَدِينَةِ وَاتَّسَعَ عَيْشُهُمْ حَتَّى صَارَتْ هَذِهِ الْبَرَكَةُ فِي الْكَيْلِ نَفْسِهِ فَزَادَ مُدُّهُمْ وَصَارَ هَاشِمِيًّا مِثْلَ مُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ أَوْ مَرَّةً وَنِصْفًا وَفِي هَذَا كُلِّهِ إِجَابَةُ دَعْوَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَبُولُهَا انْتَهَى كَلَامُ الْقَاضِي قَالَ النَّوَوِيُّ وَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمُرَادَ الْبَرَكَةُ فِي نَفْسِ الْمَكِيلِ فِي الْمَدِينَةِ بِحَيْثُ يَكْفِي الْمُدُّ فِيهَا لِمَنْ لا يكفيه في غيرها انتهى وإنه دعا لِمَكَّةَ أَيْ بِقَوْلِهِ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ بِهِ لِمَكَّةَ وَمِثْلُهُ أَيْ يمثل ذَلِكَ الْمِثْلِ مَعَهُ وَالْمَعْنَى بِضِعْفِ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (قَالَ) أَيْ أَبُو هُرَيْرَةَ (ثُمَّ يَدْعُو) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَصْغَرَ وَلِيدٍ) أَيْ مَوْلُودٍ (يَرَاهُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ ثُمَّ يُعْطِيهِ أَصْغَرَ مَنْ أن يَحْضُرُهُ مِنَ الْوِلْدَانِ وَفِي أُخْرَى لَهُ ثُمَّ يَدْعُو أَصْغَرَ وَلِيدٍ لَهُ فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ قال القارىء التَّحْقِيقُ أَنَّ الرِّوَايَتَيْنِ يَعْنِي الرِّوَايَةَ الْمُطْلَقَةَ وَالْمُقَيَّدَةَ وحمولتان عَلَى الْحَالَتَيْنِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَلِيدٌ لَهُ أَعْطَاهُ أَوْ وَلِيدٌ آخَرُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ أَعْطَاهُ إِذْ لَا شَكَّ أَنَّهُمَا لَوِ اجْتَمَعَا لَشَارَكَ بَيْنَهُمَا نَعَمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ حَاضِرًا عِنْدَهُ فَلَا شُبْهَةَ أَنَّهُ يُنَادِي أَحَدًا مِنْ أَوْلَادِ أَهْلِهِ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِبِرِّهِ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى (فَيُعْطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ) فِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكَمَالِ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَمُلَاطَفَةِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَخَصَّ بِهَذَا الصَّغِيرَ لِكَوْنِهِ أَرْغَبَ فِيهِ وَأَكْثَرَ تَطَلُّعًا إِلَيْهِ وَحِرْصًا عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم وبن مَاجَهْ 6 - (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا) أي إذا أراد أن يأكل طعاما [3455] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ (حدثنا علي بن زيد) هو بن

جُدْعَانَ قَوْلُهُ الشَّرْبَةُ لَكَ أَيْ أَنْتَ مُسْتَحِقٌّ لَهَا لِأَنَّكَ عَلَى جِهَةِ يَمِينِي فَإِنْ شِئْتَ آثَرْتَ بِهَا خَالِدًا أَيِ اخْتَرْتَ بِالشَّرْبَةِ عَلَى نَفْسِكَ خَالِدًا عَلَى سُؤْرِكَ السُّؤْرُ بِضَمِّ السِّينِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ الْبَقِيَّةُ وَالْفَضْلَةُ وَالْمَعْنَى مَا كُنْتُ لِأَخْتَارَ عَلَى نَفْسِي بِفَضْلٍ مِنْكَ أَحَدًا مِنْ أَطْعِمَةِ اللَّهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ طَعَامًا أَيْ غَيْرَ لَبَنٍ بَارِكْ لَنَا فِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ وَهِيَ زِيَادَةُ الْخَيْرِ وَنُمُوُّهُ وَدَوَامُهُ وَأَطْعِمْنَا خَيْرًا مِنْهُ مِنْ طَعَامِ الْجَنَّةِ أَوْ أَعَمَّ (وَزِدْنَا مِنْهُ) وَلَا يَقُولُ خَيْرًا مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْأَطْعِمَةِ خَيْرٌ مِنْهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُجْزِئُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ بَعْدَهَا هَمْزٌ أَيْ يَكْفِي فِي دَفْعِ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ مَعًا مَكَانَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ أَيْ مَكَانَ جِنْسِ الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ وَبَدَلَهُمَا غَيْرُ اللَّبَنِ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي يُجْزِئُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ (وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ فَقَالَ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَرْمَلَةَ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عُمَرُ بْنُ حَرْمَلَةَ ويقال بن أَبِي حَرْمَلَةَ وَيُقَالُ عَمْرٌو الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنِ بن عَبَّاسٍ حَدِيثَ الضَّبِّ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ فَفِي أوله عند أبي داود فجاؤوا بِضَبَّيْنِ مَشْوِيَّيْنِ عَلَى ثُمَامَتَيْنِ فَتَبَزَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ خَالِدٌ إِخَالُكَ تَقْذُرُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَجَلْ ثُمَّ أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَبَنٍ الْحَدِيثَ وَعَنْهُ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا أَعْرِفُهُ إِلَّا في هذا الحديث وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَالَ وَصُحِّحَ أَنَّهُ عُمَرُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَبِعَ فِي ذَلِكَ الْبُخَارِيَّ انْتَهَى

باب ما يقول إذا فرغ من الطعام

57 - (باب ما يقول إذا فرغ من الطعام) قال بن بَطَّالٍ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ الْحَمْدِ بَعْدَ الطَّعَامِ وَوَرَدَتْ فِي ذَلِكَ أَنْوَاعٌ يَعْنِي لَا يَتَعَيَّنُ شيء منها [3456] قوله الْقَطَّانُ (أَخْبَرَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ) أَبُو خَالِدٍ الْحِمْصِيُّ قَوْلُهُ (إِذَا رُفِعَتِ الْمَائِدَةُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْأَطْعِمَةِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْكُلْ عَلَى خِوَانٍ قَطُّ وَهُنَا يَقُولُ إِذَا رُفِعَتْ مَائِدَتُهُ وَقَدْ فَسَّرُوا الْمَائِدَةَ بِأَنَّهَا خِوَانٌ عَلَيْهِ طَعَامٌ فَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا بِأَنَّ أَنَسًا مَا رَأَى ذَلِكَ وَرَآهُ غَيْرُهُ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي أَوِ الْمُرَادُ بِالْخِوَانِ صِفَةٌ مَخْصُوصَةٌ وَالْمَائِدَةُ تُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَا يُوضَعُ عَلَيْهِ الطَّعَامُ لِأَنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ مَادَ يَمِيدُ إِذَا تَحَرَّكَ أَوْ أَطْعَمَ وَلَا يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِصِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَقَدْ تُطْلَقُ الْمَائِدَةُ وَيُرَادُ بِهَا نَفْسُ الطَّعَامِ أَوْ بَقِيَّتُهُ أَوْ إِنَاؤُهُ وَقَدْ نُقِلَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِذَا أُكِلَ الطَّعَامُ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ رُفِعَ قِيلَ رُفِعَتِ الْمَائِدَةُ حَمْدًا مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِلْحَمْدِ إِمَّا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ أَوْ بِاعْتِبَارِ تَضَمُّنِهِ مَعْنَى الْفِعْلِ أَوْ لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ طَيِّبًا أَيْ خَالِصًا مِنَ الرِّيَاءِ والسمعة مباركا هو وما قبله صفات لحمدا فِيهِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْحَمْدِ أَيْ حَمْدًا ذَا بَرَكَةٍ دَائِمًا لَا يَنْقَطِعُ لِأَنَّ نِعَمَهُ لا تنقطع عنا فينبغي أن يكون حمدنا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ أَيْضًا وَلَوْ نِيَّةً وَاعْتِقَادًا غَيْرَ مُوَدَّعٍ بِنَصْبِ غَيْرَ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الْحَمْدِ وَمُوَدَّعٌ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّوْدِيعِ أَيْ غَيْرَ مَتْرُوكٍ أَوْ مِنَ الطَّعَامِ يَعْنِي لَا يَكُونُ آخِرَ طَعَامِنَا أَوْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ غَيْرَ مَتْرُوكِ الطَّلَبِ مِنْهُ وَالرَّغْبَةِ إِلَيْهِ وَيَجُوزُ رَفْعُ غَيْرَ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ غَيْرُ مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ أَيْ هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ غَيْرُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ غَيْرَ مَكْفِيٍّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَكَسْرِ الفاء وتشديد التحتانية قال بن بَطَّالٍ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَفَأْتُ الْإِنَاءَ فَالْمَعْنَى غَيْرُ مَرْدُودٍ عَلَيْهِ إِنْعَامُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْكِفَايَةِ أَيْ أَنَّ اللَّهَ غَيْرُ مَكْفِيٍّ رِزْقَ عِبَادِهِ لِأَنَّهُ لَا يَكْفِيهِمْ أَحَدٌ غيره وقال بن التِّينِ أَيْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَى أَحَدٍ لَكِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُطْعِمُ عِبَادَهُ وَيَكْفِيهِمْ وَهَذَا قَوْلُ

الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ الْقَزَّازُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُكْتَفٍ بِنَفْسِي عَنْ كِفَايَتِهِ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَاهُ لَمْ أكتف من فضل الله ونعمته قال بن التِّينِ وَقَوْلُ الْخَطَّابِيِّ أَوْلَى لِأَنَّ مَفْعُولًا بِمَعْنَى مُفْتَعَلٍ فِيهِ بُعْدٌ وَخُرُوجٌ عَنِ الظَّاهِرِ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ لِلَّهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلْحَمْدِ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ الضَّمِيرُ لِلطَّعَامِ وَمَكْفِيٌّ بِمَعْنَى مَقْلُوبٍ مِنَ الْإِكْفَاءِ وَهُوَ الْقَلْبُ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُكْفَى الْإِنَاءُ لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ انْتَهَى رَبَّنَا رُوِيَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ وَالْجَرِّ فَالرَّفْعُ عَلَى تَقْدِيرِ هُوَ رَبُّنَا أَوْ أَنْتَ رَبُّنَا اسْمَعْ حَمْدَنَا وَدُعَاءَنَا أَوْ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ غَيْرُ بِالرَّفْعِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ وَالنَّصْبُ عَلَى أَنَّهُ مُنَادَى حُذِفَ مِنْهُ حَرْفُ النِّدَاءِ أَوْ عَلَى الْمَدْحِ أَوِ الِاخْتِصَاصِ أَوْ إِضْمَارًا عَنِّي وَالْجَرُّ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ اللَّهِ وَقِيلَ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي عَنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والبخاري وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ [3457] قَوْلُهُ (عَنْ رِيَاحِ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ (بْنِ عَبِيدَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ السُّلَمِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (قَالَ حفص عن بن أَخِي أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ أَبُو خَالِدٍ عَنْ مَوْلًى لِأَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ رِيَاحِ بْنِ عَبِيدَةَ رَوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وقيل عن بن أَخِي أَبِي سَعِيدٍ وَقِيلَ عَنْ مَوْلًى لِأَبِي سَعِيدٍ وَقِيلَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ فِي الْقَوْلِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الطَّعَامِ انتهى ولم أقف على ترجمة بن أَخِي أَبِي سَعِيدٍ وَلَا مَوْلًى لِأَبِي سَعِيدٍ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا إِلَخْ فَائِدَةُ الْحَمْدِ بَعْدَ الطَّعَامِ أَدَاءُ شُكْرِ الْمُنْعِمِ وَطَلَبُ زِيَادَةِ النِّعْمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزيدنكم وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ تَجْدِيدِ حَمْدِ اللَّهِ عِنْدَ تَجَدُّدِ النعمة من حصول ما كَانَ الْإِنْسَانُ يَتَوَقَّعُ حُصُولَهُ وَانْدِفَاعِ مَا كَانَ يَخَافُ وُقُوعَهُ ثُمَّ لَمَّا كَانَ الْبَاعِثُ هُنَا هُوَ الطَّعَامُ ذَكَرَهُ أَوَّلًا لِزِيَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ وَكَانَ السَّقْيُ مِنْ تَتِمَّتِهِ لِكَوْنِهِ مُقَارِنًا لَهُ فِي التَّحْقِيقِ غَالِبًا ثُمَّ اسْتَطْرَدَ مِنْ ذِكْرِ النِّعْمَةَ الظَّاهِرَةِ إِلَى النِّعَمِ الْبَاطِنَةِ فَذَكَرَ مَا هُوَ أَشْرَفُهَا وَخَتَمَ بِهِ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى حُسْنِ الْخَاتِمَةِ مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى كَمَالِ الِانْقِيَادِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَغَيْرِهِمَا قَدْرًا وَوَصْفًا وَوَقْتًا احْتِيَاجًا وَاسْتِغْنَاءً بِحَسَبِ مَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أحمد وأبو داود والنسائي وبن مَاجَهْ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ وَسَاقَ اخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِيهِ

باب ما يقول إذا سمع نهيق الحمار

[3458] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ) أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَكِّيُّ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ) الْخُزَاعِيُّ قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا أَيْ هَذَا الطَّعَامَ وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي أَيْ مِنْ غَيْرِ حَرَكَةٍ وَحِيلَةٍ مِنِّي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ 8 - (بَاب مَا يَقُولُ إِذَا سَمِعَ نَهِيقَ الْحِمَارِ) [3459] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ) بْنُ سَعْدٍ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ) بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ الْكِنْدِيِّ أَبِي شُرَحْبِيلَ الْمِصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ بِكَسْرِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ جَمْعُ دِيكٍ وَهُوَ ذَكَرُ الدَّجَاجِ وَلِلدِّيكِ خِصِّيصَتُهُ لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ الْوَقْتَ اللَّيْلِيَّ فَإِنَّهُ يُقَسِّطُ أَصْوَاتَهُ فِيهَا تَقْسِيطًا لَا يَكَادُ يَتَفَاوَتُ وَيُوَالِي صِيَاحَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَهُ لَا يَكَادُ يُخْطِئُ سَوَاءٌ طَالَ اللَّيْلُ أَمْ قَصُرَ فَاسْأَلُوا بِالْهَمْزَةِ وَنَقَلَهُ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا بِفَتْحِ اللَّامِ قَالَ عِيَاضٌ كَأَنَّ السَّبَبَ فِيهِ جَاءَ تَأْمِينُ الْمَلَائِكَةِ عَلَى دُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارُهُمْ له وشهادتهم له بالإخلاص والتضرع وصحح بن حِبَّانَ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رَفَعَهُ لَا تَسُبُّوا الدِّيكَ فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الصَّلَاةِ وَعِنْدَ الْبَزَّارِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ سَبَبُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ وَأَنَّ دِيكًا صَرَخَ فَلَعَنَهُ رَجُلٌ فَقَالَ ذَلِكَ قَالَ الْحَلِيمِيُّ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنِ اسْتُفِيدَ مِنْهُ الْخَيْرُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُسَبَّ وَلَا أَنْ يُسْتَهَانَ بِهِ بَلْ يُكْرَمُ وَيُحْسَنُ إِلَيْهِ قَالَ وَلَيْسَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ بِصَوْتِهِ حَقِيقَةً صَلُّوا أَوْ حَانَتِ الصَّلَاةُ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِأَنَّهُ يَصْرُخُ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِطْرَةً فَطَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا وَاذَا سَمِعْتُمْ

باب ما جاء في فضل التسبيح والتكبير والتهليل

نَهِيقَ الْحِمَارِ أَيْ صَوْتَهُ الْمُنْكَرَ وَزَادَ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَنُبَاحَ الْكِلَابِ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ أَيِ اعْتَصِمُوا بِهِ مِنْهُ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُكُمْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ صِيَغِ التَّعَوُّذِ فَإِنَّهُ أَيِ الْحِمَارُ رَأَى شَيْطَانًا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رَافِعٍ رَفْعَهُ لَا يَنْهَقُ الْحِمَارُ حَتَّى يَرَى شَيْطَانًا أَوْ يَتَمَثَّلَ لَهُ شَيْطَانٌ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ وَصَلُّوا عَلَيَّ قَالَ عِيَاضٌ وَفَائِدَةُ الْأَمْرِ بِالتَّعَوُّذِ لِمَا يُخْشَى مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّ وَسْوَسَتِهِ فَيُلْجَأُ إِلَى اللَّهِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي أَوَاخِرِ بَدْءِ الْخَلْقِ وَمُسْلِمٌ فِي الدَّعَوَاتِ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْأَدَبِ وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ وَفِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ 9 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ) وَالتَّحْمِيدِ [3460] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ) الْقَطَوَانِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ (عَنْ أَبِي بَلْجٍ) بفتح أو وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا جِيمٌ (عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ) الْأَوْدِيِّ قَوْلُهُ إِلَّا كُفِّرَتْ مِنَ التَّكْفِيرِ أَيْ مُحِيَتْ وَأُزِيلَتْ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَالْمُوَحَّدَةِ هُوَ مَا يَعْلُو الْمَاءَ وَنَحْوَهُ مِنَ الرَّغْوَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْكِنَايَةُ عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْكَثْرَةِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَلَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وبن أَبِي الدُّنْيَا وَالْحَاكِمُ (وَأَبُو بَلْجٍ اسْمُهُ يَحْيَى بن أبي سليم ويقال بن سُلَيْمٍ أَيْضًا) يَأْتِي

تَرْجَمَتُهُ فِي مَنَاقِبِ عَلِيٍّ وَوَقَعَ هُنَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَحَاتِمٌ يُكَنَى أَبَا يُونُسَ الْقُشَيْرِيَّ قال الحافظ في تهذيب التهذيب حاتم بن أبي صغيرة وهو بن مُسْلِمٍ أَبُو يُونُسَ الْقُشَيْرِيُّ وَقِيلَ الْبَاهِلِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو صَغِيرَةَ أَبُو أُمِّهِ وَقِيلَ زَوْجُ أمه وقال بن معين وأبو حاتم والنسائي ثقة انتهى [3461] قَوْلُهُ (كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ) هَذِهِ الْغَزْوَةُ هِيَ غَزْوَةُ خَيْبَرَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فِي كِتَابِ الْقَدَرِ (فَلَمَّا قَفَلْنَا) أَيْ رَجَعْنَا (أَشْرَفْنَا) أَيِ اطَّلَعْنَا مِنْ قَوْلِهِمْ أَشْرَفْتُ عَلَيْهِ إِذَا اطَّلَعْتُ عَلَيْهِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَصَمَّ وَلَا غَائِبٍ بَلْ هُوَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ قَرِيبٌ فَلَا حَاجَةَ إِلَى رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ هو بينكم وبين رؤوس رِحَالِكُمْ بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رَحْلٍ بِالْفَتْحِ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ عَلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ كَالسَّرْجِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ هُوَ مَا يُوضَعُ عَلَى الْبَعِيرِ ثم بعير بِهِ عَنِ الْبَعِيرِ انْتَهَى وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرِّحَالِ هُنَا الرَّوَاحِلُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ قَالَ النَّوَوِيُّ أَيْ بِالْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ فَهُوَ يجاز كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد أَلَا أُعَلِّمُكَ كَنْزًا مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّهَا كَلِمَةُ اسْتِسْلَامٍ وَتَفْوِيضٍ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَاعْتِرَافٍ بِالْإِذْعَانِ لَهُ وَأَنَّهُ لَا صَانِعَ غَيْرُهُ وَلَا رَادَّ لِأَمْرِهِ وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا فِي الْأَمْرِ وَمَعْنَى الْكَنْزِ هُنَا أَنَّهُ ثَوَابٌ مُدَّخَرٌ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ ثَوَابٌ نَفِيسٌ كَمَا أَنَّ الْكَنْزَ أَنْفَسُ أَمْوَالِكُمْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْحَوْلُ الْحَرَكَةُ وَالْحِيلَةُ أَيْ لَا حَرَكَةَ وَلَا اسْتِطَاعَةَ وَلَا حِيلَةَ إِلَّا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا حَوْلَ فِي دَفْعِ شَرٍّ وَلَا قُوَّةَ فِي تَحْصِيلِ خَيْرٍ إِلَّا بِاللَّهِ وَقِيلَ لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَّا بِعِصْمَتِهِ وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَتِهِ إِلَّا بِمَعُونَتِهِ وَحُكِيَ هَذَا عن بن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكُلُّهُ

مُقَارِبٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان وأبو داود والنسائي وبن ماجة ومعنى قوله هو بينكم وبين رؤوس رواحلكم إنما يعني علمه وقدرته وكذلك يأولون قَوْلَهُ تَعَالَى وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الوريد أَيْ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ بِالْعِلْمِ مِنْ حَبْلِ وَرِيدِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْنَا شَيْءٌ مِنْ خَفِيَّاتِهِ فَكَأَنَّ ذَاتَهُ قَرِيبَةٌ مِنْهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَجَوَّزَ بِقُرْبِ الذَّاتِ عَنْ قُرْبِ الْعِلْمِ وَنَقَلَ الذَّهَبِيُّ فِي كِتَابِ الْعُلُوِّ ص 144 عَنِ الْإِمَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ يَقْرَبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شَاءَ كَمَا قَالَ وَنَحْنُ أقرب إليه من حبل الوريد 0 - باب [3462] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سَيَّارُ) بْنُ حَاتِمٍ الْعَنَزِيُّ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ) الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ) أَبِي شَيْبَةَ الْوَاسِطِيِّ الْكُوفِيِّ (عَنِ الْقَاسِمُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَوْلُهُ لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ) أَيِ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بي قال القارىء بِالْإِضَافَةِ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِتَنْوِينِ لَيْلَةٍ أَيْ لَيْلَةً أُسْرِيَ فِيهَا بِي وَهِيَ لَيْلَةُ الْمِعْرَاجِ (فَقَالَ) أَيْ إِبْرَاهِيمُ وَهُوَ فِي مَحَلِّهِ مِنَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ أَقْرِئْ أَمْرٌ مِنَ الْإِقْرَاءِ أَوْ مِنْ قَرَأَ يَقْرَأُ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلَامَ أَيْ بَلِّغْهُمْ مِنِّي السَّلَامَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وسكون الراء هي التراب من قرابها الْمِسْكُ وَالزَّعْفَرَانُ وَلَا أَطْيَبَ مِنْهُمَا عَذْبَةُ الْمَاءِ أَيْ مَاؤُهَا طَيِّبٌ لَا مُلُوحَةَ فِيهِ وَأَنَّهَا بِالْفَتْحِ وَيُكْسَرُ أَيِ الْجَنَّةَ قِيعَانٌ بِكَسْرِ الْقَافِ جَمْعُ قَاعٍ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُسْتَوِيَةُ الْخَالِيَةُ مِنَ الشَّجَرِ وَأَنَّ بِالْوَجْهَيْنِ غِرَاسَهَا بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ غَرْسٍ بِالْفَتْحِ وَهُوَ مَا يُغْرَسُ أَيْ يَسْتُرُهُ تُرَابُ الْأَرْضِ مِنْ نَحْوِ الْبَذْرِ لِيَنْبُتَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ التُّرْبَةُ طَيِّبَةً وماؤها عذبا

كَانَ الْغِرَاسُ أَطْيَبَ لَا سِيَّمَا وَالْغَرْسُ الْكَلِمَاتُ الطَّيِّبَاتُ وَهُنَّ الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ وَالْمَعْنَى أَعْلِمْهُمْ بِأَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَنَحْوَهَا سَبَبٌ لِدُخُولِ قَائِلِهَا الْجَنَّةَ وَلِكَثْرَةِ أَشْجَارِ مَنْزِلِهِ فِيهَا لِأَنَّهُ كُلَّمَا كَرَّرَهَا نَبَتَ لَهُ أَشْجَارٌ بِعَدَدِهَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِشْكَالٌ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَرْضَ الْجَنَّةِ خَالِيَةٌ عَنِ الْأَشْجَارِ وَالْقُصُورِ وَيَدُلُّ قَوْلُهُ تَعَالَى جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ خَالِيَةٍ عَنْهَا لِأَنَّهَا إِنَّمَا سُمِّيَتْ جَنَّةً لِأَشْجَارِهَا الْمُتَكَاثِفَةِ الْمُظِلَّةِ بِالْتِفَافِ أَغْصَانِهَا وَالْجَوَابُ أَنَّهَا كَانَتْ قِيعَانًا ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَدَ بِفَضْلِهِ فِيهَا أَشْجَارًا وَقُصُورًا بِحَسَبِ أَعْمَالِ الْعَامِلِينَ لِكُلِّ عَامِلٍ مَا يَخْتَصُّ بِهِ بسبب عمله ثم إنه تعالى لما بسره لِمَا خُلِقَ لَهُ مِنَ الْعَمَلِ لِيَنَالَ بِذَلِكَ الثَّوَابَ جَعَلَهُ كَالْغَارِسِ لِتِلْكَ الْأَشْجَارِ مَجَازًا إِطْلَاقًا للسبب على المسبب انتهى قال القارىء وَأُجِيبَ أَيْضًا بِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْخُلُوِّ الْكُلِّيِّ مِنَ الْأَشْجَارِ وَالْقُصُورِ لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِهَا قِيعَانًا أَنَّ أَكْثَرَهَا مَغْرُوسٌ وَمَا عَدَاهُ مِنْهَا أَمْكِنَةٌ وَاسِعَةٌ بِلَا غَرْسٍ لِيَنْغَرِسَ بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ وَيَتَمَيَّزَ غَرْسُهَا الْأَصْلِيُّ الَّذِي بِلَا سَبَبٍ وَغَرْسُهَا الْمُسَبَّبِ عَنْ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) أَخْرَجَهُ أحمد بإسناد حسن وبن أبي الدنيا وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ وَالْأَوْسَطِ وَزَادَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ رَوَيَاهُ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسحاق عن القاسم عن أبيه عن بن مَسْعُودٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هذا الوجه من حديث بن مَسْعُودٍ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ هَذَا لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ هُوَ أَبُو شَيْبَةَ الْكُوفِيُّ وَاهٍ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضًا بِإِسْنَادٍ وَاهٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَلَفْظُهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ فِي الْجَنَّةِ قِيعَانًا فَأَكْثِرُوا مِنْ غَرْسِهَا قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا غَرْسُهَا قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ [3463] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) الْقَطَّانُ (أَخْبَرَنَا مُوسَى الْجُهَنِيُّ) فِي التَّقْرِيبِ موسى بن عبد الله ويقال بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُهَنِيُّ أَبُو سَلَمَةَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ لَمْ يَصِحَّ أَنَّ الْقَطَّانَ طَعَنَ فِيهِ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَوْلُهُ أَيَعْجِزُ بِكَسْرِ الْجِيمِ أَنْ يكسب أي

يَحْصُلَ تُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ الْوَاحِدَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَهُوَ أَقَلُّ الْمُضَاعَفَةِ الْمَوْعُودَةِ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء وَتُحَطُّ بِالْوَاوِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَوْ تُحَطُّ بِأَوْ قَالَ النَّوَوِيُّ هَكَذَا هُوَ فِي عَامَّةِ نسخ صحيح مسلم أو يحيط بِأَوْ وَفِي بَعْضِهَا وَيُحَطُّ بِالْوَاوِ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ كَذَا هُوَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ أَوْ يُحَطُّ بِأَوْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَرْقَانِيُّ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَأَبُو عَوَانَةَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ مُوسَى الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ جِهَتِهِ فَقَالُوا وَيُحَطُّ بِالْوَاوِ انْتَهَى قال القارىء قَدْ تَأْتِي الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَكَأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ مَنْ قَالَهَا يُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ عليه فيحط بعض ويكتسب بَعْضٌ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ أو بمعنى بل فحينئذ بجمع لَهُ بَيْنَهُمَا وَفَضْلُ اللَّهِ أَوْسَعُ مِنْ ذَلِكَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم والنسائي وبن حبان 1 - باب [3464] قَوْلُهُ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ قِيلَ الْوَاوُ زَائِدَةٌ أَيْ تَسْبِيحًا مَقْرُونًا بِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ يُقَالُ غَرَسْتُ الشَّجَرَةَ غَرْسًا وَغِرَاسًا إِذَا نَصَبْتُهَا فِي الْأَرْضِ نَخْلَةٌ أَيْ غُرِسَتْ لَهُ بِكُلِّ مَرَّةٍ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ أَيِ الْمُعَدَّةِ لِقَائِلِهَا خُصَّتْ لِكَثْرَةِ مَنْفَعَتِهَا وَطِيبِ ثَمَرَتِهَا وَلِذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى مَثَلَ الْمُؤْمِنِ وَإِيمَانِهِ بِهَا وَثَمَرَتَهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أَلَمْ تَرَ كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة وهي كلمة التوحيد كشجرة طيبة وَهِيَ النَّخْلَةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ غُرِسَتْ له شجرة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي مَوْضِعَيْنِ بِإِسْنَادَيْنِ قَالَ فِي أَحَدِهِمَا عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَالَ فِي الْآخَرِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ كَذَا فِي الترغيب للمنذري

[3465] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ) الْقُشَيْرِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ (حدثنا المؤمل) بن إسماعيل [3466] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ (عَنْ سُمَيٍّ) مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ أَيْ فِي يَوْمٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ مِائَةَ مَرَّةٍ قَالَ الطِّيبِيُّ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً أَوْ مُجْتَمِعَةً فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أَوْ آخِرِهِ إلا أن الأولى جَمَعَهَا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ كِنَايَةً عَنِ الْمُبَالَغَةِ فِي الْكَثْرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان وبن مَاجَهْ [3467] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى) الْمَرْوَزِيُّ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ المعجمة وسكون التحتانية بن عزوان الضَّبِّيُّ مَوْلَاهُمُ الْكُوفِيُّ (عَنْ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَخِفَّةِ الْمِيمِ (بْنِ الْقَعْقَاعِ) بِفَتْحِ قَافَيْنِ وَبِعَيْنَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ) بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَوْلُهُ كَلِمَتَانِ أَيْ جُمْلَتَانِ مُفِيدَتَانِ وَفِيهِ إِطْلَاقُ الْكَلِمَةِ عَلَى الْكَلَامِ وَهُوَ مِثْلُ كلمة الإخلاص وكلمة الشهادة وهو خبر وخفيفتان وَمَا بَعْدَهُ صِفَةٌ وَالْمُبْتَدَأُ سُبْحَانَ اللَّهِ إِلَى آخِرِهِ وَالنُّكْتَةُ فِي تَقْدِيمِ الْخَبَرِ تَشْوِيقُ السَّامِعِ إِلَى الْمُبْتَدَأِ وَكُلَّمَا طَالَ الْكَلَامُ فِي وَصْفِ الْخَبَرِ حَسُنَ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْأَوْصَافِ الْجَمِيلَةِ تَزِيدُ السَّامِعَ شَوْقًا خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ أَيْ يَجْرِيَانِ عَلَيْهِ بِالسُّهُولَةِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ أَيْ بِالْمَثُوبَةِ قَالَ الْحَافِظُ وَصَفَهُمَا بِالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ لِبَيَانِ قِلَّةِ الْعَمَلِ وَكَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْخِفَّةُ مُسْتَعَارَةٌ لِلسُّهُولَةِ شَبَّهَ سُهُولَةَ جَرَيَانِ هَذَا الْكَلَامِ بِمَا يَخِفُّ عَلَى الْحَامِلِ مِنْ بَعْضِ الْحُمُولَاتِ فَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ فَذَكَرَ الْمُشَبَّهَ وَأَرَادَ الْمُشَبَّهَ بِهِ وَأَمَّا الثِّقَلُ فَعَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ تَتَجَسَّمُ عِنْدَ الْمِيزَانِ

انْتَهَى وَقِيلَ تُوزَنُ صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبِطَاقَةِ وَالسِّجِلَّاتِ وَقَالَ الْحَافِظُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْأَعْمَالَ هِيَ الَّتِي تُوزَنُ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو داود والترمذي وصححه بن حِبَّانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَثْقَلُ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ قَالَ وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُ السَّلَفِ عَنْ سَبَبِ ثِقَلِ الْحَسَنَةِ وَخِفَّةِ السَّيِّئَةِ فَقَالَ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ حَضَرَتْ مَرَارُتُهَا وَغَابَتْ حَلَاوَتُهَا فَثَقُلَتْ فَلَا يَحْمِلْنَكَ ثِقَلُهَا عَلَى تَرْكِهَا وَالسَّيِّئَةُ حَضَرَتْ حَلَاوَتُهَا وَغَابَتْ مَرَارَتُهَا فَلِذَلِكَ خَفَّتْ فَلَا يَحْمِلْنَكَ خِفَّتُهَا عَلَى ارْتِكَابِهَا انْتَهَى حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ تَثْنِيَةُ حَبِيبَةٍ وَهِيَ الْمَحْبُوبَةُ لِأَنَّ فِيهِمَا الْمَدْحَ بِالصِّفَاتِ السَّلْبِيَّةِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا التَّنْزِيهُ وَبِالصِّفَاتِ الثُّبُوتِيَّةِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَيْهَا الْحَمْدُ وَقِيلَ الْمُرَادُ أَنَّ قَائِلَهَا مَحْبُوبُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَحَبَّةُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ إِرَادَةُ إِيصَالِ الْخَيْرِ لَهُ وَالتَّكْرِيمِ وَخَصَّ الرَّحْمَنَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى لِلتَّنْبِيهِ عَلَى سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ حَيْثُ يُجَازِي عَلَى الْعَمَلِ الْقَلِيلِ بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ فَإِنْ قِيلَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ يَسْتَوِي الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ مَوْصُوفُهُ مَعَهُ فَلِمَ عَدَلَ عَنِ التَّذْكِيرِ إِلَى التَّأْنِيثِ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَا وَاجِبٌ وَقِيلَ أنث لمناسبة الثقيلتين والخفيفتين سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِتَقْدِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ عَلَى سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الدَّعَوَاتِ وَوَقَعَ عِنْدَهُ فِي الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَالتَّوْحِيدِ بِتَقْدِيمِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَلَى سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ عند مسلم وبن مَاجَهْ قَالَ الْحَافِظُ قِيلَ الْوَاوُ فِي قَوْلِهِ وَبِحَمْدِهِ لِلْحَالِ وَالتَّقْدِيرُ أُسَبِّحُ اللَّهَ مُتَلَبِّسًا بِحَمْدِي لَهُ مِنْ أَجْلِ تَوْفِيقِهِ وَقِيلَ عَاطِفَةٌ وَالتَّقْدِيرُ أُسَبِّحُ اللَّهَ وَأَتَلَبَّسُ بِحَمْدِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْبَاءُ مُتَعَلِّقَةً بِمَحْذُوفٍ مُتَقَدِّمٍ وَالتَّقْدِيرُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِحَمْدِهِ فَيَكُونُ سُبْحَانَ اللَّهِ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً وَبِحَمْدِهِ جُمْلَةٌ أُخْرَى انْتَهَى قُلْتُ الْوَاوُ إِذَا كَانَتْ لِلْحَالِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْدِيرَ نُسَبِّحُ اللَّهَ وَنَحْنُ مُتَلَبِّسُونَ بِحَمْدِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والشيخان والنسائي وبن ماجة وبن حِبَّانَ كُلُّهُمْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْحَافِظُ وَجْهُ الْغَرَابَةِ فِيهِ هُوَ تَفَرُّدُ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ وَشَيْخُهُ وَشَيْخُ شَيْخِهِ وَصَحَابيهِ انْتَهَى [3468] قَوْلُهُ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ مُجْتَمَعَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً كَانَ أَيْ مَا ذَكَرَ لَهُ أَيْ لِلْقَائِلِ بِهِ عِدْلُ عَشْرِ

رِقَابٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا بِمَعْنَى الْمِثْلِ أَيْ ثَوَابُ عِتْقِ عَشْرِ رِقَابٍ وَهُوَ جَمْعُ رَقَبَةٍ وهي في الأصل العنق فجعلته كِنَايَةً عَنْ جَمِيعِ ذَاتِ الْإِنْسَانِ تَسْمِيَةً لِلشَّيْءِ بِبَعْضِهِ أَيْ يُضَاعَفُ ثَوَابُهُ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ ثَوَابِ الْعِتْقِ الْمَذْكُورِ وَكُتِبَتْ أَيْ ثَبَتَتْ مِائَةُ حَسَنَةٍ بِالرَّفْعِ وَمُحِيَتْ أَيْ أُزِيلَتْ وَكَانَ حِرْزًا أي حفظا وَمَعْنًى مِنَ الشَّيْطَانِ أَيْ مِنْ غَوَائِلِهِ وَوَسَاوِسِهِ يَوْمَهُ ذَلِكَ أَيْ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قَالَهُ فِيهِ حَتَّى يُمْسِيَ ظَاهِرُ التَّقَابُلِ أَنَّهُ إِذَا قَالَ فِي اللَّيْلِ كَانَ لَهُ حِرْزًا مِنْهُ لَيْلَةَ ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ اخْتِصَارًا مِنَ الرَّاوِي أَوْ تُرِكَ لِوُضُوحِ الْمُقَابَلَةِ وَتَخْصِيصُ النَّهَارِ لِأَنَّهُ أَحْوَجُ فِيهِ إِلَى الْحِفْظِ قاله القارىء قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ كَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ وَحُفِظَ يَوْمَهُ حَتَّى يُمْسِيَ وزاد من قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي كَانَ لَهُ مثل ذلك ومثل ذلك في طريق أُخْرَى يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا بَعْدُ انْتَهَى قَالَ النَّوَوِيُّ ظَاهِرُ إِطْلَاقِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَحْصُلُ هَذَا الْأَجْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ لِمَنْ قَالَ هَذَا التَّهْلِيلَ مِائَةَ مَرَّةٍ فِي يَوْمِهِ سَوَاءٌ قَالَهُ مُتَوَالِيَةً أَوْ مُتَفَرِّقَةً فِي مَجَالِسَ أَوْ بَعْضَهَا أَوَّلَ النَّهَارِ وَبَعْضَهَا آخِرَهُ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا مُتَوَالِيَةً فِي أَوَّلِ النَّهَارِ لِيَكُونَ حِرْزًا لَهُ فِي جَمِيعِ نَهَارِهِ وَكَذَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ لِيَكُونَ حِرْزًا لَهُ فِي جَمِيعِ لَيْلِهِ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ أَيْ بِأَيِّ عَمَلٍ كَانَ مِنَ الْحَسَنَاتِ إِلَّا أَحَدٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ أَيْ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِيهِ دَلِيلُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا التَّهْلِيلَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ مَرَّةٍ فِي الْيَوْمِ كَانَ لَهُ هَذَا الْأَجْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْمِائَةِ وَيَكُونُ لَهُ ثَوَابٌ آخَرُ عَلَى الزِّيَادَةِ وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْحُدُودِ الَّتِي نَهَى عَنِ اعْتِدَائِهَا وَمُجَاوَزَةِ أَعْدَادِهَا وَأَنَّ زِيَادَتَهَا لَا فَضْلَ فِيهَا أَوْ تُبْطِلُهَا كَالزِّيَادَةِ فِي عَدَدِ الطَّهَارَةِ وَعَدَدِ رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ الزِّيَادَةَ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ لَا مِنْ نَفْسِ التَّهْلِيلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مُطْلَقَ الزِّيَادَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ التَّهْلِيلِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَظْهَرُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ الْبَحْرِ ظَاهِرُهُ مَعَ قَوْلِهِ فِي التَّهْلِيلِ مُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ أَنَّ التَّسْبِيحَ أَفْضَلُ مِنَ التَّهْلِيلِ لِأَنَّ عَدَدَ زَبَدِ الْبَحْرِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ الْمِائَةِ وَقَدْ قَالَ فِي التَّهْلِيلِ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ قَالَ الْقَاضِي فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا إِنَّ التَّهْلِيلَ الْمَذْكُورَ أَفْضَلُ وَيَكُونُ مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْحَسَنَاتِ وَمَحْوِ السَّيِّئَاتِ وَمَا فِيهِ مِنْ فَضْلِ عِتْقِ الرِّقَابِ وَكَوْنُهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ زَائِدًا عَلَى فَضْلِ التَّسْبِيحِ وَتَكْفِيرِ الْخَطَايَا لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ وَقَدْ حَصَلَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ وَاحِدَةٍ تَكْفِيرُ جَمِيعِ الْخَطَايَا

مَعَ مَا يَبْقَى لَهُ مِنْ زِيَادَةِ عِتْقِ الرِّقَابِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْوَاحِدَةِ وَمَعَ مَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ مِائَةِ دَرَجَةٍ وَكَوْنُهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّ أَفْضَلَ الذِّكْرِ التَّهْلِيلُ مَعَ الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ الْحَدِيثَ وَقِيلَ إِنَّهُ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمُ وَهِيَ كَلِمَةُ الْإِخْلَاصِ كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي وبن ماجة وأبو عوانة 2 - باب [3469] قَوْلُهُ مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي سبحان الله وبحمده مائة مرة قال القارىء أي فيهما بأي يَأْتِيَ بِبَعْضِهَا فِي هَذَا أَوْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ أَيِ الْقَائِلُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْمِائَةِ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ وَأُجِيبَ أَنَّ الِاعْتِرَاضَ الْمَشْهُورَ بِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ أَوْ كَلِمَةَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَنْ يَكُونَ مَا جَاءَ بِهِ أَفْضَلَ مِنْ كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ غَيْرُهُ إِلَّا مِمَّا جَاءَ بِهِ مَنْ قَالَ مِثْلَهُ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ قِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ وَالتَّقْدِيرُ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا رَجُلٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِمُسَاوَاتِهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا إِلَّا عَلَى تَأْوِيلِ نَحْوِ قَوْلِهِ وَبَلْدَةٌ لَيْسَ بِهَا أَنِيسٌ وَقِيلَ بِتَقْدِيرِ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِمِثْلِ مَا جَاءَ بِهِ أَوْ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَخْ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3470] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى) الْفَزَارِيُّ (أَخْبَرَنَا دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ) بِكَسْرِ زَايٍ وَسُكُونِ مُوَحَّدَةٍ وَكَسْرِ رَاءٍ وَبِقَافٍ (عَنْ مَطَرٍ) بِفَتْحَتَيْنِ (الْوَرَّاقِ) هُوَ مَطَرُ بْنُ طَهْمَانَ الْوَرَّاقُ أَبُو رَجَاءٍ السُّلَمِيُّ مَوْلَاهُمُ الْخُرَسَانِيُّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ وَحَدِيثُهُ عَنْ عَطَاءٍ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ

قَوْلُهُ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ) كَلِمَةُ ذَاتَ مُقْحَمَةٌ أَيْ قَالَ يَوْمًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ دَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وكذبه الأزدي 3 - باب [3471] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو سُفْيَانَ الْحِمْيَرِيُّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ مَهْدِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَذَّاءُ الْوَاسِطِيُّ صَدُوقٌ وَسَطٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ حُمْرَةَ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ الْأُمْلُوكِيِّ الْوَاسِطِيِّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ حَمْزَةَ بِالْحَاءِ وَالْمِيمِ وَالزَّايِ الْمَنْقُوطَةِ وَهُوَ غَلَطٌ قَوْلُهُ مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ مِائَةً أَيْ مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مِائَةَ مَرَّةٍ بِالْغَدَاةِ وَمِائَةً بِالْعَشِيِّ أَيْ أَوَّلَ النَّهَارِ وَأَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ فِي الْمَلَوَيْنِ 2 كَانَ كَمَنْ حَجَّ مِائَةَ حَجَّةٍ أَيْ نَافِلَةً دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ الذِّكْرَ بِشَرْطِ الْحُضُورِ مَعَ اللَّهِ بِسُهُولَتِهِ أَفْضَلُ مِنَ الْعِبَادَاتِ الشَّاقَّةِ بِغَفْلَتِهِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ مِنْ بَابِ إِلْحَاقِ النَّاقِصِ بِالْكَامِلِ مُبَالَغَةً فِي التَّرْغِيبِ أَوْ يُرَادُ التَّسَاوِي بَيْنَ التَّسْبِيحِ الْمُضَاعَفِ بِالْحِجَجِ الْغَيْرِ الْمُضَاعَفَةِ كَانَ كَمَنْ حمل بالتخفيف أَيْ أَرْكَبَ مِائَةَ نَفْسٍ عَلَى مِائَةِ فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ فِي نَحْوِ الْجِهَادِ إِمَّا صَدَقَةً أَوْ عَارِيَةً أَوْ قَالَ غَزَا مِائَةَ غَزْوَةٍ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَمَنْ هَلَّلَ اللَّهَ أَيْ قَالَ

لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ مِائَةَ رَقَبَةٍ فِيهِ تَسْلِيَةٌ لِلذَّاكِرِينَ مِنَ الْفُقَرَاءِ الْعَاجِزِينَ عَنِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ الْمُخْتَصَّةِ بِهَا الْأَغْنِيَاءُ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِفَتْحِهِمَا يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالتَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ تَخْصِيصِ الذِّكْرِ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قُلْتُ لِأَنَّ عِتْقَ مَنْ كَانَ مِنْ وَالِدِهِ لَهُ فَضْلٌ عَلَى عِتْقِ غَيْرِهِ وَذَلِكَ أَنَّ مُحَمَّدًا وَإِسْمَاعِيلَ وَإِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ لَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَحَدٌ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَكْثَرَ أَيْ بِثَوَابٍ أَكْثَرَ أَوِ الْمُرَادُ بِعَمَلٍ أَفْضَلَ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِأَكْثَرَ لِأَنَّهُ مَعْنَى أَفْضَلَ مِمَّا أَتَى بِهِ أَيْ جَاءَ بِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ قِيلَ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ وَالَّذِي دَلَّتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْكَثِيرَةُ أَنَّ أَفْضَلَ هَذَا التَّهْلِيلُ فَالتَّحْمِيدُ فَالتَّكْبِيرُ فَالتَّسْبِيحُ فَحِينَئِذٍ يُؤَوَّلُ بِأَنْ يُقَالَ لَمْ يَأْتِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَحَدٌ غَيْرُ الْمُهَلِّلِ وَالْحَامِدِ الْمَذْكُورَيْنِ أَكْثَرَ مِمَّا أَتَى بِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ الضَّحَّاكُ بْنُ حُمْرَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا [3472] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْعِجْلِيُّ الْبَغْدَادِيُّ) هُوَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعِجْلِيُّ الْبَغْدَادِيُّ (عَنِ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ) بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ الهمداني (عن أبي بِشْرٍ) قَالَ فِي الْمِيزَانِ أَبُو بِشْرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ لَا يُعْرَفُ تَفَرَّدَ عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ قَوْلُهُ تَسْبِيحَةٌ فِي رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ تَسْبِيحَةٍ مِنْ غَيْرِهِ هَذَا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ يَدُلُّ عَلَى ذلك 4 - باب [3473] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ) بْنُ سَعْدٍ (عَنْ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الْحَرَازِيِّ الْحِمْصِيِّ يُقَالُ هُوَ أَزْهَرُ بْنُ سَعِيدٍ تَابِعِيٌّ حَسَنُ الْحَدِيثِ لَكِنَّهُ نَاصِبِيٌّ يَنَالُ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَا فِي الْمِيزَانِ قَوْلُهُ إِلَهًا

وَاحِدًا أَحَدًا الْوَاحِدُ وَالْأَحَدُ هُنَا بِمَعْنًى فَذَكَرَ الْأَحَدَ بَعْدَ الْوَاحِدِ لِلتَّأْكِيدِ وَمِمَّا يُفِيدُ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا مَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْأَحَدِيَّةِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُقَالُ رَجُلٌ أَحَدٌ وَلَا دِرْهَمٌ أَحَدٌ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَدِرْهَمٌ وَاحِدٌ قِيلَ وَالْوَاحِدُ يَدْخُلُ فِي الْأَحَدِ وَالْأَحَدُ لَا يَدْخُلُ فِيهِ فَإِذَا قُلْتَ لَا يُقَاوِمُهُ وَاحِدٌ جَازَ أَنْ يُقَالَ لَكِنَّهُ يُقَاوِمُهُ اثْنَانِ بِخِلَافِ قَوْلِكَ لَا يُقَاوِمُهُ أَحَدٌ وَذُكِرَ أَحَدٌ فِي الْإِثْبَاتِ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ بَعْدَ النَّفْيِ كَمَا أَنَّ الْوَاحِدَ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا بَعْدَ الْإِثْبَاتِ يُقَالُ فِي الدَّارِ وَاحِدٌ وَمَا فِي الدَّارِ أَحَدٌ فَالْجَوَابُ عنه ما قال بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْمَعْنَى وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَابْعَثُوا أحدكم بورقكم عَلَيْهِ فَلَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِحَمْلٍ دُونَ آخَرَ وَإِنِ اشْتُهِرَ اسْتِعْمَالُ أَحَدِهِمَا فِي النَّفْيِ وَالْآخَرِ فِي الْإِثْبَاتِ صَمَدًا الصَّمَدُ هُوَ الَّذِي يُصْمَدُ إِلَيْهِ فِي الْحَاجَاتِ أَيْ يُقْصَدُ لِكَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى قَضَائِهَا فَهُوَ فَعَلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ كَالْقَبْضِ بِمَعْنَى الْمَقْبُوضِ لِأَنَّهُ مَصْمُودٌ إِلَيْهِ أَيْ مَقْصُودٌ إِلَيْهِ قَالَ الزَّجَّاجُ الصَّمَدُ السَّيِّدُ الَّذِي انْتَهَى إِلَيْهِ السُّؤْدُدُ فَلَا سَيِّدَ فَوْقَهُ وَقِيلَ هُوَ الْمُسْتَغْنِي عَنْ كُلِّ أَحَدٍ وَالْمُحْتَاجُ إِلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً أَيْ زَوْجَةً وَلَا وَلَدًا لِأَنَّ الصَّاحِبَةَ تُتَّخَذُ لِلْحَاجَةِ وَالْوَلَدَ لِلِاسْتِئْنَاسِ بِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ كُلِّ نَقْصٍ ولم يكن له كفوا أحد أَيْ مُكَافِيًا وَمُمَاثِلًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (وَالْخَلِيلُ بْنُ مُرَّةَ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ إِلَخْ) فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَمَعَ ضَعْفِهِ مُنْقَطِعٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَوَى عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ مُرْسَلًا [3474] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) الْكَوْسَجُ (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدِ) بْنِ شَدَّادٍ الرَّقِّيُّ نَزِيلُ مِصْرَ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غُنْمٍ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ النُّونِ الْأَشْعَرِيِّ قَوْلُهُ مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَيْهِ أَيْ عَاطِفٌ رِجْلَيْهِ فِي التَّشَهُّدِ قبل

أَنْ يَنْهَضَ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مَنْ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيُثْنِيَ رِجْلَهُ مِنْ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ أَيْ قَبْلَ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ مَكَانِ صَلَاتِهِ وَقَبْلَ أَنْ يَعْطِفَ رِجْلَهُ وَيُغَيِّرَهَا عَنْ هَيْئَةِ التَّشَهُّدِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا ضِدُّ الْأَوَّلِ فِي اللَّفْظِ وَمِثْلُهُ فِي الْمَعْنَى لِأَنَّهُ أَرَادَ قَبْلَ أَنْ يَصْرِفَ رِجْلَهُ عَنْ حَالَتِهَا الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا فِي التَّشَهُّدِ كُتِبَتْ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ يَجُوزُ فِي مِثْلِ هَذَا تَذْكِيرُ الْفِعْلِ وَتَأْنِيثُهُ وَلِذَلِكَ ذَكَّرَ الْفِعْلَ فِي القرينتين الآتيتين أما التأنيث فلا كتاب لَفْظِ عَشْرٍ التَّأْنِيثُ مِنَ الْإِضَافَةِ وَأَمَّا التَّذْكِيرُ فَبِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَكَانَ أَيِ الْقَائِلُ يَوْمَهُ بِالنَّصْبِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ فِي حِرْزٍ أَيْ حِفْظٍ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ أَيْ مِنَ الْآفَاتِ وَحَرْسٍ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ هُوَ بِمَعْنَى الْحِرْزِ وَالْحِفْظِ مِنَ الشَّيْطَانِ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ لِكَمَالِ الِاعْتِنَاءِ وَلَمْ يَنْبَغِ أَيْ لَمْ يَجُزْ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ لَمْ يَحِلَّ أَنْ يُدْرِكَهُ أَيْ يُهْلِكَهُ وَيُبْطِلَ عَمَلَهُ إِلَّا الشِّرْكُ بِاللَّهِ أَيْ إِنْ وَقَعَ مِنْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ اسْتِعَارَةٌ مَا أَحْسَنَ مَوْقِعِهَا فَإِنَّ الدَّاعِيَ إِذَا دَعَا بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ فَقَدْ أَدْخَلَ نَفْسَهُ حَرَمًا آمِنًا فَلَا يَسْتَقِيمُ لِلذَّنْبِ أَنْ يَحِلَّ وَيَهْتِكَ حُرْمَةَ اللَّهِ فَإِذَا خَرَجَ عَنْ حَرَمِ التَّوْحِيدِ أَدْرَكَهُ الشِّرْكُ لَا مَحَالَةَ وَالْمَعْنَى لَا يَنْبَغِي لِذَنْبٍ أَيِّ ذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَ الْقَائِلَ وَيُحِيطَ بِهِ وَيَسْتَأْصِلَهُ سِوَى الشِّرْكِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ أَبِي ذَرٍّ تَنْبِيهٌ ظَاهِرُ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ هَذِهِ الْفَضَائِلَ لِكُلِّ ذَاكِرٍ وَذَكَرَ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْفَضْلَ الْوَارِدَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَالْأَذْكَارِ إِنَّمَا هُوَ لِأَهْلِ الْفَضْلِ فِي الدِّينِ وَالطَّهَارَةِ مِنَ الْجَرَائِمِ الْعِظَامِ وَلَيْسَ مَنْ أَصَرَّ عَلَى شَهَوَاتِهِ وَانْتَهَكَ دِينَ اللَّهِ وَحُرُمَاتِهِ بِلَا حَقٍّ بِالْأَفَاضِلِ الْمُطَهَّرِينَ مِنْ ذَلِكَ وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات الآية

باب ما جاء في جامع الدعوات

65 - (بَاب مَا جَاءَ فِي جَامِعِ الدَّعَوَاتِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هُوَ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ أَيِ الدَّعَوَاتُ الْجَامِعَةُ لِمَعَانٍ كَثِيرَةٍ فِي أَلْفَاظٍ يَسِيرَةٍ [3475] قَوْلُهُ (الثَّعْلَبِيُّ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ لَمْ يذكر المسؤول لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ بِأَنِّي أَشْهَدُ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ بِسَبَبِ أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ إِلَخْ الْأَحَدُ أَيْ بِالذَّاتِ وَالصِّفَاتِ الصَّمَدُ أَيِ الْمَقْصُودُ فِي الْحَوَائِجِ عَلَى الدَّوَامِ الَّذِي لَمْ يلد لانتفاء مجانسته ولم يولد لِانْتِفَاءِ الْحُدُوثِ عَنْهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد أي مكافيا ومماثلا فله مُتَعَلِّقٌ بِكُفُوًا وَقُدِّمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَحَطُّ الْقَصْدِ بِالنَّفْيِ وَأُخِّرَ أَحَدٌ وَهُوَ اسْمُ يَكُنْ عَنْ خَبَرِهَا رِعَايَةً لِلْفَاصِلَةِ (قَالَ) أَيْ بُرَيْدَةُ (فَقَالَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ قَالَ الطِّيبِيُّ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى اسْمًا أَعْظَمَ إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَأَنَّ ذَلِكَ مَذْكُورٌ ها هنا وَفِيهِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَالَ كُلُّ اسْمٍ ذُكِرَ بِإِخْلَاصٍ تَامٍّ مَعَ الْإِعْرَاضِ عَمَّا سِوَاهُ هُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ إِذْ لَا شَرَفَ لِلْحُرُوفِ وَقَدْ ذُكِرَ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ مِثْلُ ذَلِكَ وَفِيهَا أَسْمَاءٌ لَيْسَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّ لَفْظَ اللَّهِ مَذْكُورٌ فِي الْكُلِّ فَيُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ انْتَهَى الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى السُّؤَالُ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ أَعْطِنِي الشَّيْءَ الْفُلَانِيَّ فَيُعْطَى وَالدُّعَاءُ أَنْ يُنَادِيَ وَيَقُولَ يَا رَبِّ فَيُجِيبُ الرَّبُّ تَعَالَى وَيَقُولُ لَبَّيْكَ يَا عَبْدِي فَفِي مُقَابَلَةِ السُّؤَالِ الْإِعْطَاءُ وَفِي مُقَابَلَةِ الدُّعَاءِ الْإِجَابَةُ وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَيُذْكَرُ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ أَيْضًا وَقَالَ الطِّيبِيُّ إِجَابَةُ الدُّعَاءِ وَتَدُلُّ عَلَى وَجَاهَةِ الدَّاعِي عِنْدَ الْمُجِيبِ فَيَتَضَمَّنُ قَضَاءَ الْحَاجَةِ بِخِلَافِ الْإِعْطَاءِ فَالْأَخِيرُ أَبْلَغُ (قال زيد) أي بن حُبَابٍ (فَذَكَرْتُهُ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ (بَعْدَ ذَلِكَ) أَيْ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ مِنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ (فَقَالَ) أَيْ زُهَيْرٌ (حَدَّثَنِي) أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ (أَبُو إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

وأخرجه أبو داود والنسائي وبن ماجة وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ قَالَ شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَقْدِسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ إِسْنَادٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ وَلَا أَعْلَمُ أَنَّهُ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثٌ أَجْوَدُ إِسْنَادًا مِنْهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ مَذْهَبِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى نَفْيِ الْقَوْلِ بِأَنَّ الله اسْمًا هُوَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ انتهى (وروى شريك) هو بن عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الْقَاضِي (وَإِنَّمَا أَخَذَهُ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ) كَمَا رَوَاهُ زهير بن معاوية [3478] قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الْقَدَّاحِ) الْمَكِّيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْحُصَيْنِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَوْلُهُ وَفَاتِحَةِ آلَ عِمْرَانَ بِالْجَرِّ عَلَى أَنَّهَا وَمَا قَبْلَهَا بَدَلَانِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَوَجْهُهُمَا ظَاهِرٌ ألم اللَّهُ إِلَخْ بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وأبو داود وبن مَاجَهْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ مَا لَفْظُهُ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ الْقَدَّاحُ الْمَكِّيُّ وَقَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ انْتَهَى اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ وَالَّذِي قَبْلَهُ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى اسْمًا أَعْظَمَ إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى وَقَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ قَوْلُ مَنْ أَثْبَتَهُ وَأَحَادِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ عَلَى الْمُنْكِرِينَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَدْ أَنْكَرَهُ قَوْمٌ كَأَبِي جَعْفَرٍ الطَّبَرِيِّ وَأَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وَجَمَاعَةٍ بَعْدَهُمَا كَأَبِي حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ وَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ تَفْضِيلُ بَعْضِ الْأَسْمَاءِ عَلَى بَعْضٍ وَنَسَبَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ لِمَالِكٍ لِكَرَاهِيَتِهِ أَنْ تعاد سورة أو ترددون غَيْرِهَا مِنَ السُّوَرِ لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ فَيُؤْذِنَ ذَلِكَ بِاعْتِقَادِ نُقْصَانِ الْمَفْضُولِ عَنِ الْأَفْضَلِ وَحَمَلُوا مَا وَرَدَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَعْظَمِ الْعَظِيمُ وأن أسماء الله كلها عظيمة وقال بن حِبَّانَ الْأَعْظَمِيَّةُ الْوَارِدَةُ فِي الْأَخْبَارِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهَا مَزِيدُ ثَوَابِ الدَّاعِي بِذَلِكَ كَمَا

أُطْلِقَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ وَالْمُرَادُ بِهِ مَزِيدُ ثواب القارىء وَقَالَ آخَرُونَ اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ وَلَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِهِ وَأَثْبَتَهُ آخَرُونَ مُعَيَّنًا وَاضْطَرَبُوا فِي ذَلِكَ قَالَ وَجُمْلَةُ مَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَوْلًا فَذَكَرَهَا وَمِنْهَا اللَّهُ لِأَنَّهُ اسْمٌ لَمْ يُطْلَقْ عَلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَمِنْ ثَمَّ أُضِيفَتْ إِلَيْهِ وَمِنْهَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لِمَا أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ يَعْنِي حَدِيثَهَا الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْبَابِ وَمِنْهَا الْحَيُّ الْقَيُّومُ أخرج بن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ فِي ثَلَاثٍ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ وَطه قَالَ الْقَاسِمُ الرَّاوِي عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْتَمَسْتُهُ مِنْهَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَقَوَّاهُ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُمَا يَدُلَّانِ مِنْ صِفَاتِ الْعَظَمَةِ بِالرُّبُوبِيَّةِ مَا لَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُهُمَا كَدَلَالَتِهِمَا وَمِنْهَا الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَرَدَ ذَلِكَ مَجْمُوعًا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالْحَاكِمِ وأصله عند أبي داود والنسائي وصححه بن حِبَّانَ وَمِنْهَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ولم يكن له كفوا أحد أخرجه أبو داود والترمذي وبن ماجة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ أَرْجَحُ مِنْ حَيْثُ السَّنَدُ مِنْ جَمِيعِ مَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ انْتَهَى وَإِنْ شِئْتَ الْوُقُوفَ عَلَى الْأَقْوَالِ الْبَاقِيَةِ فَارْجِعْ إِلَى الْفَتْحِ وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي تُحْفَةِ الذَّاكِرِينَ قَدِ اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ عَلَى نَحْوِ أَرْبَعِينَ قولا قد أفردها السيوطي بالتصنيف قال بن حَجَرٍ وَأَرْجَحُهَا مِنْ حَيْثُ السَّنَدُ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أحد وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي شَرْحِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ وَعِنْدِي أَنَّ الِاسْمَ الْأَعْظَمَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحي القيوم وذكر بن القيم في الهدى أنه الحي القيوم فينظر في وجه ذلك انتهى 6 - باب [3476] قَوْلُهُ (بَيْنَا) وَفِي رِوَايَةٍ بَيْنَمَا (فَقَالَ) أَيْ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَوْ بَعْدَهَا عَجِلْتَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ وَالتَّشْدِيدُ قَالَهُ الْأَبْهَرِيُّ فَقَعَدْتَ قَالَ الطِّيبِيُّ إِمَّا عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ إِذَا صَلَّيْتَ وَفَرَغْتَ فَقَعَدْتَ لِلدُّعَاءِ فَاحْمَدِ اللَّهَ وَإِمَّا عَطْفٌ عَلَى الْمَذْكُورِ أَيْ إِذَا كُنْتَ مُصَلِّيًا فَقَعَدْتَ لِلتَّشَهُّدِ فَاحْمَدِ اللَّهَ أَيْ أثْنِ عليه بقولك التحيات لله إلخ قال القارىء وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ إِطْلَاقُ قَوْلِهِ فَاحْمَدِ اللَّهَ

بِمَا هُوَ أَهْلُهُ أَيْ مِنْ كُلِّ ثَنَاءٍ جَمِيلٍ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ الرِّوَايَةُ الْآتِيَةُ فَإِنَّ فِيهَا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ وَالرِّوَايَاتُ بَعْضُهَا يُفَسِّرُ بَعْضًا ثُمَّ ادْعُهُ بِهَاءِ الضَّمِيرِ وَقِيلَ بِهَاءِ السَّكْتِ (فَحَمِدَ اللَّهَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ وَلَمْ يَدْعُ ادْعُ تُجَبْ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ مَجْزُومًا عَلَى جَوَابِ الْأَمْرِ دَلَّهُمَا عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْكَمَالِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي [3479] قَوْلُهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّكُمْ مُوقِنُونَ بِهَا أَيْ كُونُوا عِنْدَ الدُّعَاءِ عَلَى حَالَةٍ تَسْتَحِقُّونَ بِهَا الْإِجَابَةَ مِنْ إِتْيَانِ الْمَعْرُوفِ وَاجْتِنَابِ الْمُنْكَرِ وَرِعَايَةِ شُرُوطِ الدُّعَاءِ كَحُضُورِ الْقَلْبِ وَتَرَصُّدِ الْأَزْمِنَةِ الشَّرِيفَةِ وَالْأَمْكِنَةِ الْمُنِيفَةِ وَاغْتِنَامِ الْأَحْوَالِ اللَّطِيفَةِ كَالسُّجُودِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَكُونَ الْإِجَابَةُ عَلَى قُلُوبِكُمْ أَغْلَبَ مِنَ الرَّدِّ أَوْ أَرَادَ وَأَنْتُمْ مُعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يُخَيِّبُكُمْ لِسَعَةِ كَرَمِهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَإِحَاطَةِ عِلْمِهِ لِتَحَقُّقِ صِدْقِ الرَّجَاءِ وَخُلُوصِ الدُّعَاءِ لِأَنَّ الدَّاعِيَ مَا لم يكن رجاؤه واثنا لَمْ يَكُنْ دُعَاؤُهُ صَادِقًا مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ بِالْإِضَافَةِ وَتَرْكِهَا أَيْ مُعْرِضٍ عَنِ اللَّهِ أَوْ عَمَّا سَأَلَهُ لَاهٍ مِنَ اللَّهْوِ أَيْ لَاعِبٍ بِمَا سَأَلَهُ أَوْ مُشْتَغِلٍ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا عُمْدَةُ آدَابِ الدُّعَاءِ وَلِذَا خُصَّ بِالذِّكْرِ قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه الْحَاكِمُ وَقَالَ مُسْتَقِيمُ الْإِسْنَادِ تَفَرَّدَ بِهِ صَالِحٌ الْمُرِّيُّ وَهُوَ أَحَدُ زُهَّادِ الْبَصْرَةِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ صَالِحٌ الْمُرِّيُّ لَا شَكَّ فِي زُهْدِهِ لَكِنْ تَرَكَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ انْتَهَى قُلْتُ وَلِلْحَدِيثِ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقُلُوبُ أَوْعِيَةٌ وَبَعْضُهَا أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَاسْأَلُوهُ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ لِعَبْدٍ دَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ غَافِلٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَحَسَّنَ المنذري إسناده [3477] قوله (حدثنا الْمُقْرِئُ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ أَبُو عَبْدِ الرحمن (حدثنا حيوة) بن

شُرَيْحِ بْنِ صَفْوَانَ قَوْلُهُ (فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لَمْ يُمَجِّدِ اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لْيَدْعُ بَعْدُ أَيْ بَعْدَ التَّحْمِيدِ وَالصَّلَاةِ مَا شَاءَ أَيْ مِنْ دِينٍ أَوْ دُنْيَا مِمَّا يَجُوزُ طَلَبُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ 7 - باب [3480] قَوْلُهُ اللَّهُمَّ عَافَنِي فِي جَسَدِي أَيْ فِي بَدَنِي وَعَافَنِي فِي بَصَرِي أَيْ فِي عَيْنِي وَالْمَعْنَى احْفَظْهُمَا عَنْ جَمِيعِ الْأَسْقَامِ وَالْأَمْرَاضِ وَاجْعَلْهُ الْوَارِثَ مِنِّي قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ أَيْ أَبْقِ الْبَصَرَ صَحِيحًا سَلِيمًا إِلَى أَنْ أَمُوتَ وَقِيلَ أَرَادَ بَقَاءَهُ وَقُوَّتَهُ عِنْدَ الْكِبَرِ وَانْحِلَالِ الْقُوَى النَّفْسَانِيَّةِ فَيَكُونُ الْبَصَرُ وَارِثَ سَائِرِ الْقُوَى وَالْبَاقِيَ بَعْدَهَا انْتَهَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ أَيِ الَّذِي لَا يَعْجَلُ بِالْعُقُوبَةِ فَلَا يُعَاجِلُ بِنِقْمَتِهِ عَلَى مَنْ قَصَّرَ فِي طَاعَتِهِ الْكَرِيمُ هُوَ الْجَوَادُ الْمُعْطِي الَّذِي لَا يَنْفَدُ عَطَاؤُهُ وَهُوَ الْكَرِيمُ الْمُطْلَقُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَقُولُ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ شَيْئًا) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بَعْدَ نَقْلِ كلام الترمذي هذا وقال بن أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ عَنْ أَبِيهِ أَهْلُ الْحَدِيثِ اتَّفَقُوا عَلَى ذَلِكَ يَعْنِي عَلَى عَدَمِ سَمَاعِهِ مِنْهُ قَالَ وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى شَيْءٍ يكون حجة انتهى

68 - باب [3481] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ) اسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ قَوْلُهُ (تَسْأَلُهُ خَادِمًا) هُوَ وَاحِدُ الْخَدَمِ وَيَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى لِأَنَّهُ جَرَى مَجْرَى اسْمٍ غَيْرِ مُشْتَقٍّ اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ إِلَخْ سَبَقَ شَرْحُهُ قَبْلُ بَابِ مَا جَاءَ فِيمَنْ يَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ عند المنام 9 - باب [3482] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ) الزُّبَيْدِيِّ بِضَمِّ الزَّايِ النَّجْرَانِيِّ بِنُونٍ وَجِيمٍ الْكُوفِيِّ الْمَعْرُوفِ بِالْمُكْتِبِ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ زُهَيْرِ بْنِ الْأَقْمَرِ) كُنْيَتُهُ أَبُو كَثِيرٍ الزُّبَيْدِيُّ بِالتَّصْغِيرِ الْكُوفِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ أَيْ لَا يَسْكُنُ وَلَا يَطْمَئِنُّ بِذِكْرِ اللَّهِ وَمِنْ

دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَا يُسْتَجَابُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ أَيْ بِمَا آتَاهَا اللَّهُ وَلَا تَقْنَعُ بِمَا رَزَقَهَا وَلَا تَفْتُرُ عَنْ جَمْعِ الْمَالِ لِمَا فِيهَا مِنْ شِدَّةِ الْحِرْصِ أَوْ مِنْ نَفْسٍ تَأْكُلُ كَثِيرًا قال بن الْمَلَكِ أَيْ حَرِيصَةٍ عَلَى جَمْعِ الْمَالِ وَتَحْصِيلِ الْمَنَاصِبِ وَمِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ أَيْ عِلْمٍ لَا أَعْمَلُ بِهِ وَلَا أُعَلِّمُ النَّاسَ وَلَا يُهَذِّبُ الْأَخْلَاقَ وَالْأَقْوَالَ وَالْأَفْعَالَ أَوْ عِلْمٍ لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ أَوْ لَمْ يَرِدْ فِي تَعَلُّمِهِ إِذْنٌ شَرْعِيٌّ قَالَ الطِّيبِيُّ اعْلَمْ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنَ الْقَرَائِنِ الْأَرْبَعِ مَا يُشْعِرُ بِأَنَّ وُجُودَهُ مَبْنِيٌّ عَلَى غَايَتِهِ وَأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ تِلْكَ الْغَايَةُ وَذَلِكَ أَنَّ تَحْصِيلَ الْعُلُومِ إِنَّمَا هُوَ لِلِانْتِفَاعِ بِهَا فَإِذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ لَمْ يَخْلُصْ مِنْهُ كَفَافًا بَلْ يَكُونُ وَبَالًا وَلِذَلِكَ اسْتَعَاذَ وَأَنَّ الْقَلْبَ إِنَّمَا خُلِقَ لِأَنْ يَتَخَشَّعَ لِبَارِئِهِ وَيَنْشَرِحَ لِذَلِكَ الصَّدْرُ وَيُقْذَفُ النُّورُ فِيهِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ قَاسِيًا فَيَجِبُ أَنْ يُسْتَعَاذَ مِنْهُ قَالَ تَعَالَى فَوَيْلٌ للقاسية قلوبهم من ذكر الله وَأَنَّ النَّفْسَ يُعْتَدُّ بِهَا إِذَا تَجَافَتْ عَنْ دَارِ الْغُرُورِ وَأَنَابَتْ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ وَهِيَ إِذَا كَانَتْ مَنْهُومَةً لَا تَشْبَعُ حَرِيصَةً عَلَى الدُّنْيَا كَانَتْ أَعْدَى عَدُوِّ الْمَرْءِ فَأَوْلَى الشَّيْءِ الَّذِي يُسْتَعَاذُ مِنْهُ هِيَ أَيِ النَّفْسُ وَعَدَمُ اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الدَّاعِيَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ وَلَمْ يَخْشَعْ قَلْبُهُ وَلَمْ تَشْبَعْ نَفْسُهُ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وبن مسعود) أما حديث جابر فأخرجه بن حِبَّانَ عَنْهُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن ماجة والحاكم وأما حديث بن مسعود فأخرجه الحاكم في مستدركه وبن أَبِي شَيْبَةَ فِي مُصَنَّفِهِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ أَتَمَّ منه 0 - باب [3483] قَوْلُهُ (عَنْ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيِّ الْمِنْقَرِيِّ أَبِي مَعْمَرٍ الْبَصْرِيِّ الْخَطِيبِ الْبَلِيغِ أَخْبَارِيٌّ صَدُوقٌ يَهِمُ فِي الْحَدِيثِ مِنَ السَّابِعَةِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ بْنِ عُبَيْدٍ الْخُزَاعِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو نُجَيْدٍ بِنُونٍ وَجِيمٍ مُصَغَّرًا أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ وَصَحِبَ وَكَانَ فَاضِلًا وَقُضِيَ بِالْكُوفَةِ (لِأَبِي) أَيْ لِوَالِدِي حَالَ كُفْرِهِ يَا حُصَيْنُ كَمْ تَعْبُدُ الْيَوْمَ اللَّامُ لِلْمَعْهُودِ الْحَاضِرِيِّ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ إلها قال بن حجر المكي هو تمييز (

لكم الِاسْتِفْهَامِيَّةِ وَلَا يَضُرُّهُ الْفَصْلُ لِأَنَّهُ غَيْرُ أَجْنَبِيٍّ (قَالَ أَبِي سَبْعَةً) أَيْ أَعْبُدُ سَبْعَةً مِنَ الْآلِهَةِ (سِتَّةً فِي الْأَرْضِ وَوَاحِدًا فِي السَّمَاءِ) أَيْ سِتَّةَ آلِهَةٍ فِي الْأَرْضِ وَإِلَهًا وَاحِدًا فِي السَّمَاءِ فَأَيُّهُمْ تَعُدُّ بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْعَيْنِ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَيُّهُمْ تَخُصُّهُ وَتَلْتَجِئُ إِلَيْهِ إِذَا نَابَتْكَ نَائِبَةٌ أَمَا بِالتَّخَفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ إِنَّكَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ كَلِمَتَيْنِ أَيْ دَعْوَتَيْنِ تَنْفَعَانِكَ أَيْ فِي الدَّارَيْنِ اللَّهُمَّ أَلْهِمْنِي رُشْدِي بِضَمٍّ فَسُكُونٍ وَبِفَتْحَتَيْنِ أَيْ وَفِّقْنِي إِلَى الرُّشْدِ وَهُوَ الِاهْتِدَاءُ إِلَى الصَّلَاحِ وَأَعِذْنِي مِنْ شَرِّ نَفْسِي أَيْ أَجِرْنِي وَاحْفَظْنِي مِنْ شَرِّهَا فَإِنَّهَا مَنْبَعُ الْفَسَادِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ النَّبَوِيَّةِ لِأَنَّ طَلَبَ إِلْهَامِ الرُّشْدِ يَكُونُ بِهِ السَّلَامَةُ مِنْ كُلِّ ضَلَالٍ وَالِاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ النَّفْسِ يَكُونُ بِهَا السَّلَامَةُ مِنْ غَالِبِ مَعَاصِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَإِنَّ أَكْثَرَهَا مِنْ جِهَةِ النفس الأمارة بالسوء 1 - باب [3484] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ) هُوَ الْعَقَدِيُّ (أَخْبَرَنَا أَبُو مَصْعَبٍ) اسْمُهُ عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَفْصٍ ويقال بن مصعب الليثي أو السلمي المدني وثقه بن مَعِينٍ مِنَ السَّابِعَةِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ الْحَزَنُ خُشُونَةٌ فِي النَّفْسِ لِحُصُولِ غَمٍّ وَالْهَمُّ حُزْنٌ يُذِيبُ الْإِنْسَانَ فَهُوَ أَخَصُّ

باب ما جاء في عقد التسبيح باليد

مِنَ الْحَزَنِ وَقِيلَ هُوَ بِالْآتِي وَالْحَزَنُ بِالْمَاضِي وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَالْعَجْزِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَالْكَسَلِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالسِّينِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْعَجْزُ هُوَ عَدَمُ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَقِيلَ هُوَ تَرْكُ مَا يَجِبُ فِعْلُهُ وَالتَّسْوِيفُ بِهِ أَمَّا الْكَسَلُ فَهُوَ عَدَمُ انْبِعَاثِ النَّفْسِ لِلْخَيْرِ وَقِلَّةُ الرَّغْبَةِ مَعَ إِمْكَانِهِ انْتَهَى وَالْبُخْلِ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَبِفَتْحِهِمَا وَهُوَ ضِدُّ السَّخَاوَةِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ أَصْلِ الضَّلَعِ هُوَ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ الِاعْوِجَاجُ يُقَالُ ضَلَعَ بِفَتْحِ اللَّامِ يَضْلَعُ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا ثِقَلُ الدَّيْنِ وَشِدَّتُهُ وَذَلِكَ حَيْثُ لَا يَجِدُ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَفَاءً وَلَا سِيَّمَا مَعَ الْمُطَالَبَةِ وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ مَا دَخَلَ هَمُّ الدَّيْنِ قَلْبًا إِلَّا أَذْهَبَ مِنَ الْعَقْلِ مَا لَا يَعُودُ إِلَيْهِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ غَلَبَةِ الرِّجَالِ أَيْ شِدَّةِ تَسَلُّطِهِمْ كَاسْتِيلَاءِ الرَّعَاعِ هَرَجًا وَمَرَجًا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ هَذَا الدُّعَاءُ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ لِأَنَّ أَنْوَاعَ الرَّذَائِلِ ثَلَاثَةٌ نَفْسَانِيَّةٌ وَبَدَنِيَّةٌ وَخَارِجِيَّةٌ فَالْأُولَى بِحَسَبِ الْقُوَى الَّتِي لِلْإِنْسَانِ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ الْعَقْلِيَّةُ وَالْغَضَبِيَّةُ وَالشَّهْوَانِيَّةُ فَالْهَمُّ وَالْحَزَنُ يَتَعَلَّقُ بِالْعَقْلِيَّةِ وَالْجُبْنُ بِالْغَضَبِيَّةِ وَالْبُخْلُ بِالشَّهْوَانِيَّةِ وَالْعَجْزُ وَالْكَسَلُ بِالْبَدَنِيَّةِ وَالثَّانِي يَكُونُ عِنْدَ سَلَامَةِ الْأَعْضَاءِ وَتَمَامِ الْآلَاتِ وَالْقُوَى وَالْأَوَّلُ عِنْدَ نُقْصَانِ عُضْوٍ وَنَحْوِهِ وَالضَّلَعُ وَالْغَلَبَةُ بِالْخَارِجِيَّةِ فَالْأَوَّلُ مَائِيٌّ وَالثَّانِي جَاهِيٌّ وَالدُّعَاءُ مُشْتَمِلٌ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ [3485] قَوْلُهُ وَالْهَرَمِ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مِنْ كِبَرِ سِنٍّ يُؤَدِّي إِلَى تَسَاقُطِ بَعْضِ الْقُوَى وَضَعْفِهَا وَالْجُبْنِ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ عَدَمِ الْإِقْدَامِ عَلَى مُخَالَفَةِ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَفِتْنَةِ الْمَسِيحِ أَيِ الدَّجَّالِ يَعْنِي مِنَ ابْتِلَائِهِ وَامْتِحَانِهِ وَيَأْتِي وَجْهُ تَلْقِيبِ الدَّجَّالِ بِالْمَسِيحِ بَعْدَ خَمْسَةِ أَبْوَابٍ 2 - (بَاب مَا جَاءَ فِي عَقْدِ التَّسْبِيحِ بِالْيَدِ) [3486] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَثَّامٌ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ (بْنُ عَلِيٍّ) بْنِ هُجَيْرٍ بِجِيمٍ مُصَغَّرًا

الْعَامِرِيُّ الْكِلَابِيُّ أَبُو عَلِيٍّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (يَعْقِدُ التَّسْبِيحَ بِيَدِهِ) وَفِي رواية أبي داود قال بن قُدَامَةَ بِيَمِينِهِ وَأَبُو قُدَامَةَ هَذَا هُوَ شَيْخُ أَبِي دَاوُدَ وَاسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَفِي الْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّةُ عَقْدِ التَّسْبِيحِ بِالْأَنَامِلِ وَعَلَّلَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ يُسَيْرَةَ الذي أشار إليه الترمذي بأن الأنامل مسؤولات مُسْتَنْطَقَاتٌ يَعْنِي أَنَّهُنَّ يَشْهَدْنَ بِذَلِكَ فَكَانَ عَقْدُهُنَّ بِالتَّسْبِيحِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ أَوْلَى مِنَ السُّبْحَةِ وَالْحَصَى وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ عَدِّ التَّسْبِيحِ بِالنَّوَى وَالْحَصَى حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ وَبَيْنَ يَدَيْهَا نَوًى أَوْ حَصًى تُسَبِّحُ بِهِ الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ صَفِيَّةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ يَدَيَّ أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ أُسَبِّحُ بِهَا الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي النَّيْلِ ص 211 ج 2 هَذَانِ الْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى جَوَازِ عَدِّ التَّسْبِيحِ بِالنَّوَى وَالْحَصَى وَكَذَا بِالسُّبْحَةِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ لِتَقْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم للمرتين عَلَى ذَلِكَ وَعَدَمِ إِنْكَارِهِ وَالْإِرْشَادُ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ وَقَدْ وَرَدَتْ بِذَلِكَ آثَارٌ فَفِي جُزْءِ هِلَالٍ الْحَفَّارِ مِنْ طَرِيقِ مُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي صَفِيَّةَ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُوضَعُ لَهُ نِطْعٌ وَيُجَاءُ بِزِنْبِيلٍ فِيهِ حَصًى فَيُسَبِّحُ بِهِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ يُرْفَعُ فَإِذَا صَلَّى أُتِيَ بِهِ فَيُسَبِّحُ حَتَّى يمسح وأخرجه الإمام أحمد في الزهد وأخرج بن سَعْدٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَانَ يُسَبِّحُ بِالْحَصَى وَقَالَ بن سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ جَابِرٍ عَنِ امْرَأَةٍ خَدَمَتْهُ عَنْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسَبِّحُ بِخَيْطٍ معقود فيها وأخرج عبد الله بن الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ خَيْطٌ فِيهِ أَلْفُ عُقْدَةٍ فَلَا يَنَامُ حَتَّى يُسَبِّحَ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ فِي الزُّهْدِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قال لأبي الدرداء نوى عن الْعَجْوَةِ فِي كِيسٍ فَكَانَ إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ أخرجها واحدة يسبح بهن حتى ينفذهن وأخرج بن سَعْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُسَبِّحُ بِالنَّوَى الْمَجْمُوعِ وَأَخْرَجَ الدَّيْلَمِيُّ فِي مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ مِنْ طَرِيقِ زَيْنَبَ بِنْتِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ بِنْتِ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهَا عَنْ جَدِّهَا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا نِعْمَ الْمُذَكِّرُ السُّبْحَةُ وَقَدْ سَاقَ السُّيُوطِيُّ آثَارًا فِي الْجُزْءِ الَّذِي سَمَّاهُ الْمِنْحَةُ فِي السُّبْحَةِ وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ كِتَابِهِ الْمَجْمُوعِ فِي الفتاوى وقال في آخره ولو يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ وَلَا مِنَ الْخَلَفِ الْمَنْعُ مِنْ جَوَازِ عَدِّ الذِّكْرِ بِالسُّبْحَةِ بَلْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ يَعُدُّونَهُ بِهَا وَلَا يَرَوْنَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ الترمذي وأقر

هـ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ يُسَيْرَةَ بِنْتِ يَاسِرٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهَا التِّرْمِذِيُّ فِي أَحَادِيثَ شَتَّى [3487] قَوْلُهُ (عَادَ) مِنَ الْعِيَادَةِ (رَجُلًا) أَيْ مَرِيضًا (قَدْ جُهِدَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ جَهَدَ الْمَرَضُ فُلَانًا هَزَّلَهُ (مِثْلُ فَرْخٍ) هُوَ وَلَدُ الطَّيْرِ أَيْ مِثْلُهُ فِي كَثْرَةِ النَّحَافَةِ وَقِلَّةِ الْقُوَّةِ أَمَا كُنْتَ تَدْعُو أَمَا كُنْتَ تَسْأَلُ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ وَمَا النَّافِيَةِ فِي الْجُمْلَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَلْ كُنْتَ تَدْعُو اللَّهَ بِشَيْءٍ أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ (مَا كُنْتَ مُعَاقَبِي بِهِ) مَا مَوْصُولَةٌ أَوْ شَرْطِيَّةٌ إِنَّكَ لَا تُطِيقُهُ أَيْ فِي الدُّنْيَا أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنِ الدُّعَاءِ بِتَعْجِيلِ الْعُقُوبَةِ وَفِيهِ فَضْلُ الدُّعَاءِ بِاللَّهُمِ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَفِيهِ جَوَازُ التعجب يقول سُبْحَانَ اللَّهِ وَقَدْ سَبَقَتْ نَظَائِرُهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَفِيهِ كَرَاهَةُ تَمَنِّي الْبَلَاءِ لِئَلَّا يَتَضَجَّرَ مِنْهُ وَيَسْخَطَهُ وَرُبَّمَا شَكَا وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ الْحَسَنَةِ فِي الدُّنْيَا أَنَّهَا الْعِبَادَةُ وَالْعَافِيَةُ وَفِي الْآخِرَةِ الْجَنَّةُ وَالْمَغْفِرَةُ وَقِيلَ الْحَسَنَةُ نِعَمُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَا مُنَاسَبَةَ لِحَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا بِالْبَابِ فَلَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ بَابٌ بِغَيْرِ تَرْجَمَةٍ فَسَقَطَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

73 - باب [3489] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ (سَمِعْتُ أَبَا الْأَحْوَصِ) اسْمُهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ الْجُشَمِيُّ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى أَيِ الْهِدَايَةَ وَالتَّقْوَى قَالَ الطِّيبِيُّ أَطْلَقَ الْهُدَى وَالتُّقَى لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُهْتَدَى إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَكُلَّ مَا يَجِبُ أَنْ يُتَّقَى مِنْهُ مِنَ الشِّرْكِ وَالْمَعَاصِي وَرَذَائِلِ الأخلاق وطلب العفاف والغنى تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ انْتَهَى الْعَفَافَ وَالْغِنَى الْعَفَافُ وَالْعِفَّةُ هُوَ التَّنَزُّهُ عَمَّا لَا يُبَاحُ وَالْكَفُّ عنه والغنى ها هنا غِنَى النَّفْسِ وَالِاسْتِغْنَاءُ عَنِ النَّاسِ وَعَمَّا فِي أَيْدِيهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وبن ماجة 4 - باب [3490] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ) الشَّامِيِّ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ربيعة) بن يزيد الدمشقي وقيل بن يَزِيدَ بْنِ رَبِيعَةَ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (يَقُولُ) اسْمُ كَانَ بِحَذْفِ إِنْ أَيْ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ حُبَّكَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَصْدَرِ إِلَى الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ إِذْ فِيهِ تَلْمِيحٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ كَمَا سَبَقَ إِمَّا الْإِضَافَةُ إِلَى الْمَفْعُولِ فَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَحَبَّتِكَ لِلْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ وَإِمَّا الْإِضَافَةُ إِلَى الْفَاعِلِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ أَيْضًا كَمَا وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ حَبِّبْنَا إِلَى أَهْلِهَا وَحَبِّبْ صَالِحِي أَهْلِهَا إِلَيْنَا وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي الدُّعَاءِ مِنْ سُؤَالِ حُبِّ

الْمَسَاكِينِ فَمُحْتَمَلٌ وَالْعَمَلَ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي الَّذِي يُبَلِّغُنِي بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ يُوَصِّلُنِي وَيُحَصِّلُ لِي حُبَّكَ يَحْتَمِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّهُمَّ اجْعَلْ حُبَّكَ أَيْ حُبِّي إِيَّاكَ مِنْ نَفْسِي وَمَالِي أَيْ مِنْ حُبِّهِمَا حَتَّى أُوثِرَهُ عَلَيْهِمَا وَمِنَ الماء البارد أعاد من ها هنا لِيَدُلَّ عَلَى اسْتِقْلَالِ الْمَاءِ الْبَارِدِ فِي كَوْنِهِ مَحْبُوبًا وَذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَإِنَّهُ يُعْدَلُ بِالرُّوحِ (قَالَ) أَيْ أَبُو الدَّرْدَاءِ (إِذَا ذَكَرَ دَاوُدَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ (يُحَدِّثُ عَنْهُ) أَيْ يَحْكِي عَنْهُ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ يُحَدِّثُ يُرْوَى مَرْفُوعًا جَزَاءً لِلشَّرْطِ إِذَا كَانَ مَاضِيًا وَالْجَزَاءُ مضارعا يسوغ فيه الوجهان انتهى قال القارىء وَمُرَادُهُ أَنَّ الرَّفْعَ مُتَعَيِّنٌ وَلَوْ قِيلَ إِنَّ إِذَا يَجْزِمُ كَمَا ذَكَرُوا فِي قَوْلِهِ وَإِذَا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ فَإِنَّ الشَّرْطَ الْجَازِمَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَاضِيًا وَالْجَزَاءُ مُضَارِعًا يَسُوغُ فِيهِ الْوَجْهَانِ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ جَازِمًا مُخْتَلَفًا فِيهِ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَلَا يَجُوزُ الْجَزْمُ لِعَدَمِ وُرُودِهِ رِوَايَةً لَكِنْ لَوْ وَرَدَ لَهُ وَجْهٌ فِي الدِّرَايَةِ (كَانَ) أَيْ دَاوُدَ (أَعْبَدَ الْبَشَرِ) أَيْ فِي زَمَانِهِ كَذَا قَيَّدَ الطِّيبِيُّ قَالَ الْقَارِئُ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِطْلَاقِ لَا مَحْذُورَ فِيهِ إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْأَعْبَدِيَّةِ الْأَعْلَمِيَّةُ فَضْلًا عَنِ الْأَفْضَلِيَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ 5 - باب [3491] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْخَطْمِيِّ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الطَّاءِ اسْمُهُ عُمَيْرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ خُمَاشَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ الْبَصْرَةِ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ أَيْ لِأَنَّهُ لَا سَعَادَةَ لِلْقَلْبِ وَلَا لَذَّةَ وَلَا نَعِيمَ وَلَا صَلَاحَ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُ اللَّهُمَّ مَا رَزَقَتْنِي مِمَّا أُحِبُّ أَيِ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي أُحِبُّهَا مِنْ صِحَّةِ الْبَدَنِ وَقُوَّتِهِ وَأَمْتِعَةِ الدُّنْيَا مِنَ الْمَالِ وَالْجَاهِ وَالْأَوْلَادِ وَالْفَرَاغِ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي أَيْ عُدَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ أَيْ بِأَنْ

أَصْرِفَهُ فِيمَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ مِنَ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ مِنَ الزَّيِّ بِمَعْنَى الْقَبْضِ وَالْجَمْعِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اللَّهُمَّ ازْوِ لَنَا الْأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْنَا السَّفَرَ أَيِ اطْوِهَا كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَيْ وَمَا قَبَضْتَهُ وَنَحَّيْتَهُ عَنِّي أَيْ بِأَنْ مَنَعْتَنِي وَلَمْ تُعْطِنِي مِمَّا أُحِبُّ أَيْ مِمَّا أَشْتَهِيهِ مِنَ المال والجاه والأولاد وأمثال ذَلِكَ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي أَيْ سَبَبَ فَرَاغِ خَاطِرِي فِيمَا تُحِبُّ أَيْ مِنَ الذِّكْرِ وَالْفِكْرِ وَالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ قَالَ الْقَاضِي يَعْنِي مَا صَرَفْتَ عَنِّي مِنْ مَحَابِّي فَنَحِّهِ عَنْ قَلْبِي وَاجْعَلْهُ سَبَبًا لِفَرَاغِي لِطَاعَتِكَ وَلَا تَشْغَلْ بِهِ قَلْبِي فَيُشْغَلَ عَنْ عِبَادَتِكَ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيِ اجْعَلْ مَا نَحَّيْتَهُ عَنِّي مِنْ مَحَابِّي عَوْنًا لِي عَلَى شُغْلِي بِمَحَابِّكَ وَذَلِكَ أَنَّ الْفَرَاغَ خِلَافُ الشغل فإذا ذوي عَنْهُ الدُّنْيَا لِيَتَفَرَّغَ بِمَحَابِّ رَبِّهِ كَانَ ذَلِكَ الْفَرَاغُ عَوْنًا لَهُ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِطَاعَةِ اللَّهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (اسْمُهُ عُمَيْرُ) بِالتَّصْغِيرِ (بن يَزِيدَ بْنِ خُمَاشَةَ) بِضَمِّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَخِفَّةِ ميم وإعجام شين 6 - باب [3492] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ أَوْسٍ) الْعَبْسِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكَاتِبُ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ لَمْ يُصِبِ الْأَزْدِيُّ فِي تَضْعِيفِهِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ شُتَيْرِ) بِضَمِّ الشين المعجمة وفتح الفوقية مصغرا (بن شَكَلٍ) بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ وَكَافٍ مَفْتُوحَتَيْنِ وَبِاللَّامِ الْعَبْسِيِّ بموحدة الكوفي ثقة من الثالثة (من أَبِيهِ شَكَلِ بْنِ حُمَيْدٍ) الْعَبْسِيِّ الْكُوفِيِّ صَحَابِيٌّ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ قَوْلُهُ (عَلِّمْنِي تَعَوُّذًا) أَيْ مَا يُتَعَوَّذُ بِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْعَوْذُ وَالْمَعَاذُ وَالتَّعْوِيذُ بِمَعْنًى (أَتَعَوَّذُ بِهِ) أَيْ لِخَاصَّةِ نَفْسِي (قَالَ فَأَخَذَ بِكَفِّي) كَانَ أَخْذُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّهُ لِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ وَالِاهْتِمَامِ بِالتَّعْلِيمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْمُصَافَحَةِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ سَمْعِي أَيْ حَتَّى لَا أَسْمَعَ بِهِ مَا تَكْرَهُهُ وَمِنْ شَرِّ بَصَرِي أَيْ حَتَّى لَا أَرَى شَيْئًا لَا تَرْضَاهُ وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي أَيْ حَتَّى لَا أَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْنِينِي وَمِنْ شَرِّ قَلْبِي أَيْ حَتَّى لَا أَعْتَقِدَ اعْتِقَادًا فَاسِدًا ولا يكون

فِيهِ نَحْوَ أَحَدٍ حِقْدٌ وَحَسَدٌ وَتَصْمِيمُ فِعْلٍ مَذْمُومٍ أَبَدًا وَمِنْ شَرِّ مَنِيِّي وَهُوَ أَنْ يغلب عليه حتى يقع في الزنى أَوْ مُقَدِّمَاتِهِ (يَعْنِي فَرْجَهُ) هَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ لِقَوْلِهِ مَنِيِّي أَيْ يُرِيدُ شَرَّ فَرْجِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وأقره 7 - باب [3494] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ) أَيْ أَصْحَابَهُ أَوْ أَهْلَ بَيْتِهِ (هَذَا الدُّعَاءَ) أَيِ الَّذِي يَأْتِي قَالَ النووي ذهب طاؤس إِلَى وُجُوبِهِ وَأَمَرَ ابْنَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ حِينَ لَمْ يَدْعُ بِهَذَا الدُّعَاءِ فِيهَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا مَخْلَصَ مِنْ عَذَابِهَا إِلَّا بِالِالْتِجَاءِ إِلَى بَارِئِهَا وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ فِيهِ اسْتِعَاذَةٌ لِلْأُمَّةِ أَوْ تَعْلِيمٌ لَهُمْ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَا يُعَذَّبُونَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ أَيْ عَلَى تقدير لقبه قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْفِتْنَةُ الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ وَقَالَ عِيَاضٌ وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْعُرْفِ لِكَشْفِ مَا يَكْرَهُ والمسيح يطلق على الدجال وعلى عيسى بن مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَكِنْ إِذَا أُرِيدَ الدَّجَّالُ قيدوبه وَاخْتُلِفَ فِي تَلْقِيبِ الدَّجَّالِ بِذَلِكَ قِيلَ لِأَنَّهُ ممسوع الْعَيْنِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ أَحَدُ شِقَّيْ وَجْهِهِ خُلِقَ مَمْسُوحًا لَا عَيْنَ فِيهِ وَلَا حَاجِبَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَمْسَحُ الْأَرْضَ إِذَا خَرَجَ وَأَمَّا عِيسَى فَقِيلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ مَمْسُوحًا بِالدُّهْنِ وَقِيلَ لِأَنَّ زَكَرِيَّا مَسَحَهُ وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ لَا يَمْسَحُ ذَا عَاهَةٍ إلا بريء وَقِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الْأَرْضَ بِسِيَاحَتِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ رِجْلَهُ كَانَتْ لَا أَخْمَصَ لَهَا وَقِيلَ لليسه الْمُسُوحَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ هذا تعميم بعد تخصيص قال بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِتْنَةُ الْمَحْيَا مَا يَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مدة حياته من الافتتان بِالدُّنْيَا وَالشَّهَوَاتِ وَالْجَهَالَاتِ وَأَعْظَمُهَا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ أَمْرُ الْخَاتِمَةِ عِنْدَ الْمَوْتِ

وَفِتْنَةُ الْمَمَاتِ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْفِتْنَةُ عِنْدَ الْمَوْتِ أُضِيفَتْ إِلَيْهِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ وَيَكُونُ المراد بفتنة المحيا على هذا ما قيل ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا فِتْنَةُ الْقَبْرِ وَقَدْ صَحَّ فِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي قُبُورِكُمْ مِثْلَ أَوْ قَرِيبًا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ وَلَا يَكُونُ مَعَ هَذَا الْوَجْهِ مُتَكَرِّرًا مَعَ قَوْلِهِ عَذَابِ الْقَبْرِ لِأَنَّ الْعَذَابَ مُرَتَّبٌ عن الفتنة والسبب غير المسيب انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ [3495] قَوْلُهُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ أَيْ فِتْنَةٍ تُؤَدِّي إِلَى النَّارِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِفِتْنَةِ النَّارِ سُؤَالُ الْخَزَنَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّوْبِيخِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ وَعَذَابِ النَّارِ أَيْ مِنْ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَهُمُ الْكُفَّارُ فَإِنَّهُمْ هُمُ الْمُعَذَّبُونَ وَأَمَّا الْمُوَحِّدُونَ فَإِنَّهُمْ مُؤَدَّبُونَ وَمُهَذَّبُونَ بِالنَّارِ لَا مُعَذَّبُونَ بِهَا وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَهُوَ ضَرْبُ مَنْ لَمْ يُوَفَّقْ لِلْجَوَابِ بِمَقَامِعَ مِنَ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْمُرَادُ بِالْقَبْرِ الْبَرْزَخُ وَالتَّعْبِيرُ بِهِ لِلْغَالِبِ أَوْ كُلُّ مَا اسْتَقَرَّ أَجْزَاؤُهُ فِيهِ فهو قبره وَفِتْنَةِ الْقَبْرِ أَيِ التَّحَيُّرِ فِي جَوَابِ الْمَلَكَيْنِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْغِنَى وَهِيَ الْبَطَرُ وَالطُّغْيَانُ وَتَحْصِيلُ الْمَالِ مِنَ الْحَرَامِ وَصَرْفُهُ فِي الْعِصْيَانِ وَالتَّفَاخُرُ بِالْمَالِ وَالْجَاهِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْفَقْرِ وَهِيَ الْحَسَدُ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ وَالطَّمَعُ فِي أَمْوَالِهِمْ وَالتَّذَلُّلُ بِمَا يُدَنِّسُ الْعِرْضَ وَيَثْلِمُ الدِّينَ وَعَدَمُ الرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا تُحْمَدُ عَاقِبَتُهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِتْنَةُ الْغِنَى الْحِرْصُ عَلَى جَمْعِ الْمَالِ وَالْحُبُّ عَلَى أَنْ يَكْسِبَهُ مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ وَيَمْنَعَهُ مِنْ وَاجِبَاتِ إِنْفَاقِهِ وَحُقُوقِهِ وَفِتْنَةُ الْفَقْرِ يُرَادُ بِهِ الْفَقْرُ الَّذِي لَا يَصْحَبُهُ صَبْرٌ وَلَا وَرَعٌ حَتَّى يَتَوَرَّطَ صَاحِبُهُ بِسَبَبِهِ فِيمَا لَا يَلِيقُ بِأَهْلِ الدِّينِ وَالْمُرُوءَةِ وَلَا يُبَالِي بِسَبَبِ فَاقَتِهِ عَلَى أَيِّ حَرَامٍ وَثَبَ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ أَيْ أَزِلْهَا عَنِّي وَالْبَرَدِ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ حَبُّ الْغَمَامِ جَمَعَ بَيْنَهُمَا مُبَالَغَةً لِأَنَّ مَا غُسِلَ بِالثَّلَاثَةِ أَنْقَى مِمَّا غُسِلَ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ فَسَأَلَ بِأَنْ يُطَهِّرَهُ التَّطْهِيرَ الْأَعْلَى الْمُوجِبَ لِجَنَّةِ الْمَأْوَى وَالْمُرَادُ طَهِّرْنِي بِأَنْوَاعِ مَغْفِرَتِكَ وَأَنْقِ مِنَ الْإِنْقَاءِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ نَقِّ مِنَ التَّنْقِيَةِ مِنَ الدَّنَسِ أَيِ الْوَسَخِ وَبَاعِدْ أَيْ أَبْعِدْ وَعَبَّرَ بِالْمُفَاعَلَةِ مُبَالَغَةً وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاعَدَةِ مُحَرَّمًا مَا حَصَلَ مِنْهَا وَالْعِصْمَةُ عَمَّا سَيَأْتِي مِنْهَا وَهُوَ مَجَازٌ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْمُبَاعَدَةِ إِنَّمَا هِيَ فِي الزَّمَانِ والمكان وموقع التشبيه أن النقاء الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مُسْتَحِيلٌ فَكَأَنَّهُ

أَرَادَ أَنْ لَا يَبْقَى لَهَا مِنْهُ اقْتِرَابٌ بِالْكُلِّيَّةِ وَالْمَأْثَمِ أَيْ مِمَّا يَأْثَمُ بِهِ الْإِنْسَانُ أَوْ مِمَّا فِيهِ إِثْمٌ أَوْ مِمَّا يُوجِبُ الْإِثْمَ أَوِ الْإِثْمِ نَفْسِهِ وَالْمَغْرَمِ هُوَ مَصْدَرٌ وُضِعَ مَوْضِعَ الِاسْمِ يُرِيدُ بِهِ مَغْرَمَ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي وَقِيلَ الْمَغْرَمُ كَالْغُرْمِ وَهُوَ الدَّيْنُ وَيُرِيدُ بِهِ مَا اسْتُدِينَ فِيمَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ أَوْ فِيمَا يَجُوزُ ثُمَّ عَجَزَ عَنْ أَدَائِهِ فَأَمَّا دَيْنٌ احْتَاجَ إِلَيْهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ فَلَا يُسْتَعَاذُ مِنْهُ قَالَهُ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي وبن ماجة [3496] قوله (حدثنا هارون) هو بن إسحاق الهمداني (أخبرنا عبده) هو بن سُلَيْمَانَ الْكِلَابِيُّ قَوْلُهُ وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى الْمُرَادُ بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى هُنَا جَمَاعَةُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ يَسْكُنُونَ أَعْلَى عِلِّيِّينَ وَهُوَ اسْمٌ جَاءَ عَلَى فَعِيلٍ وَمَعْنَاهُ الْجَمَاعَةُ كَالصَّدِيقِ وَالْخَلِيطِ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْجَمْعُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَحَسُنَ أولئك رفيقا كَذَا قَالَ الْجَزَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعْدٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَسْمَعُ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ يَقُولُ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ الْآيَةَ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ قَالَ الْحَافِظُ وَفِي رِوَايَةِ الْمُطَّلِبِ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ فَقَالَ مَعَ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ والشهداء إِلَى قَوْلِهِ رَفِيقًا قَالَ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 8 - بَاب [3493] قوله أللهم إني أعوذ بك بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ إِلَخْ يَأْتِي شَرْحُهُ فِي أَحَادِيثَ شَتَّى فِي بَابِ دُعَاءِ الْوِتْرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب قوله ليعزم المسألة

9 - (باب [3497] قَوْلُهُ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ) الْمُرَادُ بِالْمَسْأَلَةِ الدُّعَاءُ قَالَ الْعُلَمَاءُ عَزْمُ الْمَسْأَلَةِ الشِّدَّةُ فِي طَلَبِهَا وَالْحَزْمُ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ فِي الطَّلَبِ وَلَا تَعْلِيقٍ عَلَى مَشِيئَةٍ وَنَحْوِهَا وَقِيلَ هُوَ حُسْنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِجَابَةِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ الْجَزْمِ فِي الطَّلَبِ وَكَرَاهَةُ التَّعْلِيقِ عَلَى الْمَشِيئَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُ كَرَاهَتِهِ أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ اسْتِعْمَالُ الْمَشِيئَةِ إِلَّا فِي حَقِّ مَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْإِكْرَاهُ وَاللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ وَقِيلَ سَبَبُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ فِي هَذَا اللَّفْظِ صُورَةَ الِاسْتِغْنَاءِ عَنِ الْمَطْلُوبِ وَالْمَطْلُوبِ مِنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فَإِنَّهُ لَا مُكْرِهَ لَهُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْكَافِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مِنَ الْإِكْرَاهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلشَّيْخَيْنِ لَا مُسْتَكْرِهَ لَهُ وَهُمَا بِمَعْنًى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود 0 - باب [3498] قَوْلُهُ قَالَ يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا إِلَخْ قَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ نُزُولِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا مِنْ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شرحه

[3499] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) بْنِ أَيُّوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الثَّقَفِيُّ أَبُو يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ الْقَصْرِيُّ الْمُعَلِّمُ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ) أَيْ أَوْفَقُ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ أَقْرَبُ إِلَى الْإِجَابَةِ جَوْفُ اللَّيْلِ رُوِيَ بِالرَّفْعِ وَهُوَ الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ مَرْفُوعًا أَيْ دُعَاءُ جَوْفِ اللَّيْلِ أَسْمَعُ وَرُوِيَ بِنَصْبِ جَوْفٍ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ فِي جَوْفِهِ الْآخِرُ صِفَةُ جَوْفُ فَيَتْبَعُهُ فِي الْإِعْرَابِ قِيلَ وَالْجَوْفُ الْآخِرُ هُوَ وَسْطُ النِّصْفِ الْآخِرِ مِنَ اللَّيْلِ بِسُكُونِ السِّينِ لَا بِالتَّحْرِيكِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ عَطْفٌ عَلَى جوف تابع له في الإعراب 1 - باب [3501] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بْنُ شُرَيْحٍ) بْنِ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيُّ أَبُو الْعَبَّاسِ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَبَقِيَّةَ وَغَيْرِهِمَا وَرَوَى عَنْهُ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ الْكَوْسَجُ وَعَبْدُ اللَّهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا (عَنْ مُسْلِمِ بْنِ زِيَادٍ) الْحِمْصِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الرابعة قوله نشهدك من الإشهاد أن نَجْعَلُكَ شَاهِدًا عَلَى إِقْرَارِنَا بِوَحْدَانِيِّتِكَ فِي الْأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَهُوَ إِقْرَارٌ

لِلشَّهَادَةِ وَتَأْكِيدٌ لَهَا وَتَجْدِيدٌ لَهَا فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَمَسَاءٍ وَعَرْضٌ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ لَيْسُوا عَنْهَا غَافِلِينَ وَمَلَائِكَتَكَ بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَعْمِيمًا بَعْدَ تَخْصِيصٍ وَجَمِيعَ خَلْقِكَ أَيْ مَخْلُوقَاتِكَ تَعْمِيمٌ آخَرُ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا أَصَابَ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ أَيْ مِنْ ذنب قال القارىء اسْتِثْنَاءٌ مُفَرَّغٌ مِمَّا هُوَ جَوَابٌ لِلشَّرْطِ الْمَذْكُورِ أَيِ الَّذِي قَالَ فِيهِ ذَلِكَ الذِّكْرَ تَقْدِيرُهُ مَا قَالَ قَائِلٌ هَذَا الدُّعَاءَ إِلَّا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ أَوْ يُقَدَّرُ نَفْيٌ أَيْ مَنْ قَالَ ذَلِكَ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا هَذِهِ الْحَالَةُ الْعَظِيمَةُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ الْجَسِيمَةِ فَعَلَى هَذَا مَنْ فِي مَنْ قَالَ بِمَعْنَى مَا النَّافِيَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ إِلَّا زائدة انتهى قلت كون إلا ها هنا زَائِدَةً هُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ بِأَنَّهَا قَدْ تَكُونُ زَائِدَةً مِنْ ذَنْبٍ أَيْ أَيِّ ذَنْبٍ كَانَ وَاسْتَثْنَى الْكَبَائِرَ وَكَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ وَالْإِطْلَاقُ لِلتَّرْغِيبِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ مَا دُونَ الشِّرْكِ لِمَنْ يَشَاءُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ والنسائي في عمل اليوم والليلة 2 - باب [3500] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عُمَرَ الْهِلَالِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ الْحَسَنِ الْهِلَالِيُّ أَبُو عَمْرٍو وَقِيلَ أَبُو أُمَيَّةَ الْكُوفِيُّ سَكَنَ الرَّيَّ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي الدُّعَاءِ فِي اللَّيْلِ إِلَّا أَنَّهُ سَمَّى أَبَاهُ فِيهِ عُمَرَ وَقَالَ فِي التقريب صدوق يخطىء مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِي السَّلِيلِ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ اللَّامِ اسْمُهُ ضُرَيْبٌ بِضَمِّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وفتح الراء المهملة آخره موحدة مصغرا بن نُقَيْرٍ بِنُونٍ وَقَافٍ مُصَغَّرًا الْقَيْسِيِّ الْجُرَيْرِيِّ بِضَمِّ الجيم مصغرا ثقة الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي أَوْ مَا لَا يَلِيقُ أَوْ إِنْ وَقَعَ وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي أَيْ وَسِّعْ لِي فِي مَسْكَنِي فِي الدُّنْيَا لِأَنَّ ضِيقَ مَرَافِقِ الدَّارِ يُضَيِّقُ الصَّدْرَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ وَيَشْغَلُ الْبَالَ وَيَغُمُّ الرُّوحَ أَوِ الْمُرَادُ الْقَبْرُ فَإِنَّهُ الدَّارُ الْحَقِيقِيَّةُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَسِّعْ لِي فِي رَأْيِي أَيِ اجْعَلْ رَأْيِي وَاسِعًا لَا

ضِيقَ فِيهِ وَبَارِكْ لِي فِي رِزْقِي أَيِ اجْعَلْهُ مُبَارَكًا مَحْفُوفًا بِالْخَيْرِ وَوَفِّقْنِي لِلرِّضَا بِالْمَقْسُومِ مِنْهُ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ لِغَيْرِهِ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَلْ تَرَاهُنَّ أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْمَذْكُورَةَ وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ تَرَكْنَ شَيْئًا أَيْ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَوْلُهُ (اسْمُهُ ضُرَيْبُ بْنُ نُقَيْرٍ) أَيْ بِالْقَافِ (وَيُقَالُ نُفَيْرٍ) أَيْ بِالْفَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وأخرجه النسائي وبن السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَسَمِعْتُهُ يَدْعُو يَقُولُ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي إِلَخْ قال في الأذكار إسناده صحيح 3 - باب [3502] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ) الْغَافِقِيُّ (عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ) التُّجِيبِيِّ أَبِي عُمَرَ قَاضِي إِفْرِيقِيَّةَ فَقِيهٌ صَدُوقٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقد تتصل ما بقل فَيُقَالُ قَلَّمَا جِئْتُكُ وَتَكُونُ مَا كَافَّةً عَنْ عَمَلِ الرَّفْعِ فَلَا اقْتِضَاءَ لِلْفَاعِلِ وَتُسْتَعْمَلُ قَلَّمَا لِمَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا النَّفْيُ الصِّرْفُ وَالثَّانِي إِثْبَاتُ الشَّيْءِ الْقَلِيلِ اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا أَيِ اجْعَلْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ أَيْ مِنْ خَوْفِكَ مَا أَيْ قَسْمًا وَنَصِيبًا يَحُولُ مِنْ حَالَ يَحُولُ حَيْلُولَةً أَيْ يَحْجُبُ وَيَمْنَعُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ لِأَنَّ الْقَلْبَ إِذَا امْتَلَأَ مِنَ الْخَوْفِ أَحْجَمَتِ الْأَعْضَاءُ عَنِ الْمَعَاصِي وَمِنْ طَاعَتِكَ أَيْ بِإِعْطَاءِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا وَالتَّوْفِيقِ لَهَا مَا تُبَلِّغُنَا بِالتَّشْدِيدِ أَيْ تُوَصِّلُنَا أَنْتَ بِهِ جَنَّتَكَ أَيْ مَعَ شُمُولِنَا بِرَحْمَتِكَ وَلَيْسَتِ الطَّاعَةُ وَحْدَهَا مُبَلِّغَةً وَمِنَ الْيَقِينِ أَيِ الْيَقِينِ بِكَ وَبِأَنْ لَا مَرَدَّ لِقَضَائِكَ وَبِأَنَّهُ لَا يُصِيبُنَا إِلَّا مَا كَتَبْتَهُ عَلَيْنَا وَبِأَنَّ مَا قَدَّرْتَهُ لَا يَخْلُو عَنْ حِكْمَةٍ وَمَصْلَحَةٍ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مَزِيدِ الْمَثُوبَةِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ أَيْ تُسَهِّلُ أَنْتَ بِذَلِكَ الْيَقِينِ مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا فَإِنَّ مَنْ عَلِمَ يَقِينًا أن

مُصِيبَاتِ الدُّنْيَا مَثُوبَاتُ الْأُخْرَى لَا يَغْتَمُّ بِمَا أَصَابَهُ وَلَا يَحْزَنُ بِمَا نَابَهُ وَمَتِّعْنَا مِنَ التَّمْتِيعِ أَيِ اجْعَلْنَا مُتَمَتِّعِينَ وَمُنْتَفِعِينَ بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا أَيْ بِأَنْ نَسْتَعْمِلَهَا فِي طَاعَتِكَ قَالَ بن الْمَلَكِ التَّمَتُّعُ بِالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ إِبْقَاؤُهُمَا صَحِيحَيْنِ إِلَى الْمَوْتِ مَا أَحْيَيْتَنَا أَيْ مُدَّةَ حَيَاتِنَا وَإِنَّمَا خَصَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ بِالتَّمْتِيعِ مِنَ الْحَوَاسِّ لِأَنَّ الدَّلَائِلَ الْمُوَصِّلَةَ إِلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَتَوْحِيدِهِ إِنَّمَا تَحْصُلُ مِنْ طَرِيقِهِمَا لِأَنَّ الْبَرَاهِينَ إِنَّمَا تَكُونُ مَأْخُوذَةً مِنَ الْآيَاتِ وَذَلِكَ بِطَرِيقِ السَّمْعِ أَوْ مِنَ الْآيَاتِ الْمَنْصُوبَةِ فِي الْآفَاقِ وَالْأَنْفُسِ فَذَلِكَ بِطَرِيقِ الْبَصَرِ فَسَأَلَ التَّمْتِيعَ بِهِمَا حَذَرًا مِنَ الِانْخِرَاطِ فِي سِلْكِ الَّذِينَ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةً وَلَمَّا حَصَلَتِ الْمَعْرِفَةُ بِالْأَوَّلَيْنِ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْعِبَادَةُ فَسَأَلَ الْقُوَّةَ لِيَتَمَكَّنَ بِهَا مِنْ عِبَادَةِ رَبِّهِ قَالَهُ الطِّيبِيُّ وَالْمُرَادُ بِالْقُوَّةِ قُوَّةُ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَالْحَوَاسِّ أَوْ جَمِيعِهَا فَيَكُونُ تَعْمِيمًا بَعْدَ تَخْصِيصٍ وَاجْعَلْهُ أَيِ الْمَذْكُورَ مِنَ الْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْقُوَّةِ الْوَارِثَ أَيِ الْبَاقِيَ مِنَّا أَيْ بِأَنْ يَبْقَى إِلَى الْمَوْتِ قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ اجْعَلْهُ لِلْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ الْجَعْلُ أَيِ اجْعَلِ الجعل وعلى هذا الوارث مفعول أول ومنا مَفْعُولٌ ثَانٍ أَيِ اجْعَلِ الْوَارِثَ مِنْ نَسْلِنَا لَا كَلَالَةً خَارِجَةً مِنَّا وَالْكَلَالَةُ قَرَابَةٌ لَيْسَتْ مِنْ جِهَةِ الْوِلَادَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَدْ ذَكَرَهُ بَعْضُ النُّحَاةِ فِي قَوْلِهِمْ إِنَّ الْمَفْعُولَ الْمُطْلَقَ قَدْ يُضْمَرُ وَلَكِنْ لَا يَتَبَادَرُ إِلَى الْفَهْمِ مِنَ اللَّفْظِ وَلَا يَنْسَاقُ الذِّهْنُ إِلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَالثَّانِي أَنَّ الضَّمِيرَ فِيهِ لِلتَّمَتُّعِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ مَتِّعْنَا وَالْمَعْنَى اجْعَلْ تَمَتُّعَنَا بِهَا بَاقِيًا مَأْثُورًا فِيمَنْ بَعْدَنَا لِأَنَّ وَارِثَ الْمَرْءِ لَا يَكُونُ إِلَّا الَّذِي يَبْقَى بَعْدَهُ فالمفعول الثاني الوارث وهو الْمَعْنَى يُشْبِهُ سُؤَالَ خَلِيلِ الرَّحْمَنِ عَلَى نَبِيِّنَا عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخرين وَقِيلَ مَعْنَى وِرَاثَتِهِ دَوَامُهُ إِلَى يَوْمِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِأَنَّ الْوَارِثَ إِنَّمَا يَكُونُ بَاقِيًا فِي الدُّنْيَا وَالثَّالِثُ أَنَّ الضَّمِيرَ لِلْأَسْمَاعِ وَالْأَبْصَارِ وَالْقُوَى بِتَأْوِيلِ الْمَذْكُورِ وَمِثْلُ هَذَا شَائِعٌ فِي الْعِبَارَاتِ لَا كَثِيرَ تَكَلُّفٍ فِيهَا وَإِنَّمَا التَّكَلُّفُ فِيمَا قِيلَ إِنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إِلَى أَحَدِ الْمَذْكُورَاتِ وَيَدُلُّ عَلَى ذلك على وُجُودُ الْحُكْمِ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ كُلَّ شَيْئَيْنِ تَقَارَبَا فِي مَعْنَيَيْهِمَا فَإِنَّ الدَّلَالَةَ عَلَى أَحَدِهِمَا دَلَالَةٌ عَلَى الْآخَرِ وَالْمَعْنَى بِوِرَاثَتِهَا لُزُومُهَا إِلَى مَوْتِهِ لِأَنَّ الْوَارِثَ مَنْ يَلْزَمُ إِلَى مَوْتِهِ انْتَهَى (وَاجْعَلْ ثَأْرَنَا) بِالْهَمْزِ بَعْدَ الْمُثَلَّثَةِ الْمَفْتُوحَةِ أَيْ إِدْرَاكَ ثَأْرِنَا عَلَى مَنْ ظَلَمَنَا أَيْ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَلَا تَجْعَلْنَا مِمَّنْ تَعَدَّى فِي طَلَبِ ثَأْرِهِ فَأَخَذَ بِهِ غَيْرَ الْجَانِي كَمَا كَانَ مَعْهُودًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنَرْجِعَ ظَالِمِينَ بَعْدَ أَنْ كُنَّا مَظْلُومِينَ وَأَصْلُ الثَّأْرِ الْحِقْدُ وَالْغَضَبُ يقال ثَأَرْتُ الْقَتِيلَ وَبِالْقَتِيلِ أَيْ قَتَلْتُ قَاتِلَهُ وَلَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا أَيْ لَا تُصِبْنَا بِمَا يُنْقِصُ دِينَنَا مِنَ اعْتِقَادِ السُّوءِ وَأَكْلِ الْحَرَامِ وَالْفَتْرَةِ فِي الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا أَيْ لَا تَجْعَلْ طَلَبَ الْمَالِ وَالْجَاهِ أَكْبَرَ

قَصْدِنَا أَوْ حُزْنِنَا بَلِ اجْعَلْ أَكْبَرَ قَصْدِنَا أَوْ حُزْنِنَا مَصْرُوفًا فِي عَمَلِ الْآخِرَةِ وَفِيهِ أَنَّ قَلِيلًا مِنَ الْهَمِّ فِيمَا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي أَمْرِ الْمَعَاشِ مُرَخَّصٌ فِيهِ بَلْ مُسْتَحَبٌّ بَلْ وَاجِبٌ وَلَا مَبْلَغَ عِلْمِنَا أَيْ غَايَةَ عِلْمِنَا أَيْ لَا تَجْعَلْنَا حَيْثُ لَا نَعْلَمُ وَلَا نَتَفَكَّرُ إِلَّا فِي أُمُورِ الدُّنْيَا بَلِ اجْعَلْنَا مُتَفَكِّرِينَ فِي أَحْوَالِ الْآخِرَةِ مُتَفَحِّصِينَ مِنَ الْعُلُومِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللَّهِ تَعَالَى وَبِالدَّارِ الْآخِرَةِ وَالْمَبْلَغُ الْغَايَةُ الَّتِي يَبْلُغُهُ الْمَاشِي وَالْمُحَاسِبُ فَيَقِفُ عِنْدَهُ وَلَا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا مَنْ لَا يَرْحَمُنَا أَيْ لَا تَجْعَلْنَا مَغْلُوبِينَ لِلْكُفَّارِ وَالظَّلَمَةِ أَوْ لَا تَجْعَلِ الظَّالِمِينَ عَلَيْنَا حَاكِمِينَ فَإِنَّ الظَّالِمَ لَا يَرْحَمُ الرَّعِيَّةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ [3503] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ) النَّبِيلُ (أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ الشَّحَّامُ) الْعَدَوِيُّ أَبُو سَلَمَةَ الْبَصْرِيُّ يُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ مَيْمُونٌ أَوْ عَبْدُ اللَّهِ لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ السَّادِسَةِ (حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ) بْنِ الْحَارِثِ الثَّقَفِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الثالثة قوله اللهم إني أعوذ بك من الْهَمِّ وَالْكَسَلِ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُمَا الْزَمْهُنَّ أَيْ هَذِهِ الكلمات قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرج أحمد في مسنده بنحوه 4 - باب [3504] قَوْلُهُ (عَنِ الْحَارِثِ) هُوَ الْأَعْوَرُ قَوْلُهُ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَيِ الصَّغَائِرَ وَإِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا لَكَ أَيِ الْكَبَائِرَ كَذَا فِي التَّيْسِيرِ فَعَلَى هذا كلمة إن للشرط والواو للموصل وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ

جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً مَعْطُوفَةً عَلَى السَّابِقَةِ وَجَزَاؤُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ إِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا فَيَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ إِنْ مُخَفَّفَةً مِنَ الْمُثَقَّلَةِ فَالْجُمْلَةُ تَأْكِيدٌ لِلْأُولَى الْعَلِيُّ هُوَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ فِي الْمَرْتَبَةِ وَالْحُكْمِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ عَلَا يَعْلُو الْعَظِيمُ هُوَ الَّذِي جَاوَزَ قَدْرُهُ وَجَلَّ عَنْ حُدُودِ الْعُقُولِ حَتَّى لَا تُتَصَوَّرَ الْإِحَاطَةُ بِكُنْهِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَالْعِظَمُ فِي صِفَاتِ الْأَجْسَامِ كِبَرُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ والله تعالى جل قدره من ذَلِكَ الْحَلِيمُ أَيِ الَّذِي لَا يَعْجَلُ بِالْعُقُوبَةِ (الكريم) هو الجواد المعطي الذي لا ينفذ عطاؤه وهو الكريم المطلق 4 - باب قَوْلُهُ (عَنِ الْحَارِثِ) هُوَ الْأَعْوَرُ قَوْلُهُ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَيِ الصَّغَائِرَ وَإِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا لَكَ أَيِ الْكَبَائِرَ كَذَا فِي التَّيْسِيرِ فَعَلَى هذا كلمة إن للشرط والواو للموصل وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً مَعْطُوفَةً عَلَى السَّابِقَةِ وَجَزَاؤُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ إِنْ كُنْتَ مَغْفُورًا فَيَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ الدَّرَجَاتِ وَأَنْ تَكُونَ كَلِمَةُ إِنْ مُخَفَّفَةً مِنَ الْمُثَقَّلَةِ فَالْجُمْلَةُ تَأْكِيدٌ لِلْأُولَى الْعَلِيُّ هُوَ الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ شَيْءٌ فِي الْمَرْتَبَةِ وَالْحُكْمِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ مِنْ عَلَا يَعْلُو الْعَظِيمُ هُوَ الَّذِي جَاوَزَ قَدْرُهُ وَجَلَّ عَنْ حُدُودِ الْعُقُولِ حَتَّى لَا تُتَصَوَّرَ الْإِحَاطَةُ بِكُنْهِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَالْعِظَمُ فِي صِفَاتِ الْأَجْسَامِ كِبَرُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ وَاللَّهُ تَعَالَى جَلَّ قدره من ذَلِكَ الْحَلِيمُ أَيِ الَّذِي لَا يَعْجَلُ بِالْعُقُوبَةِ (الكريم) هو الجواد المعطي الذي لا ينفذ عطاؤه وهو الكريم المطلق 5 - باب [3505] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الْإِمَامُ الذُّهْلِيُّ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) الضَّبِّيُّ الْفِرْيَابِيُّ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الْمَدَنِيُّ ثُمَّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ قَالَ بن حِبَّانَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ صَحَابِيٍّ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ دَعْوَةُ ذِي النُّونِ أَيْ دُعَاءُ صَاحِبِ الْحُوتِ وَهُوَ يُونُسُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إِذْ دَعَا أَيْ رَبَّهُ وَهُوَ ظَرْفُ دَعْوَةُ وَهُوَ فِي بَطْنِ الْحُوتِ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ دَعْوَةُ ذِي النُّونِ فَإِنَّهُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ لَمْ يَدْعُ بِهَا أَيْ بِتِلْكَ الدَّعْوَةِ أَوْ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ فِي شَيْءٍ أَيْ مِنَ الْحَاجَاتِ وَالتَّقْدِيرِ فَعَلَيْكَ أَنْ تَدْعُوَ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا إِلَخْ وَحَدِيثُ سَعْدٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَزَادَ فِي طَرِيقٍ عِنْدَهُ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ كَانَتْ لِيُونُسَ خَاصَّةً أَمْ لِلْمُؤْمِنِينَ عَامَّةً فَقَالَ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تَسْمَعُ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين كذا في الترغيب 6 - باب [3506] قوله (أخبرنا عبد الأعلى) هو بن عَبْدِ الْأَعْلَى (عَنْ سَعِيدِ) بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ (عَنْ أَبِي رَافِعٍ) اسْمُهُ نُفَيْعٌ الصَّائِغُ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ الْبَصْرَةِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَشْهَرَ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى اللَّهُ لِإِضَافَةِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ إِلَيْهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ اسْمُهُ الْأَعْظَمُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ وَعَلَيْهِ يُنْسَبُ كُلُّ اسْمٍ له فيقال الرؤوف وَالْكَرِيمُ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُقَالُ من أسماء الرؤوف أَوِ الْكَرِيمِ اللَّهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ لِأَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَسْمَاءٌ غَيْرُ هَذِهِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ وَإِنَّمَا مَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّ هَذِهِ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَالْمُرَادُ الْإِخْبَارُ عَنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ بِإِحْصَائِهَا لَا الْإِخْبَارِ بِحَصْرِ الْأَسْمَاءِ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قُلْتُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وصححه بن حبان من حديث بن مَسْعُودٍ وَمِائَةٌ غَيْرَ وَاحِدَةٍ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي لَفْظِ وَاحِدَةٍ فَفِي بَعْضِهَا بِالتَّأْنِيثِ كَمَا هُنَا وَفِي بَعْضِهَا بِالتَّذْكِيرِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ خَرَجَ التَّأْنِيثُ عَلَى إِرَادَةِ التَّسْمِيَةِ وَقَالَ السُّهَيْلِيُّ بَلْ أَنَّثَ الِاسْمَ لِأَنَّهُ كَلِمَةٌ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ سِيبَوَيْهِ الْكَلِمَةُ اسْمٌ أَوْ فِعْلٌ أَوْ حَرْفٌ فسمي الاسم كلمة وقال بن مَالِكٍ أَنَّثَ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى التَّسْمِيَةِ أَوِ الصِّفَةِ أَوِ الْكَلِمَةِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْحِكْمَةُ فِي قَوْلِهِ مِائَةٌ غَيْرَ وَاحِدٍ بَعْدَ قَوْلِهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ أَنْ يَتَقَرَّرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ السَّامِعِ جَمْعًا بَيْنَ جِهَتَيِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ أَوْ دَفْعًا لِلتَّصْحِيفِ الْخَطِّيِّ وَالسَّمْعِيِّ مَنْ أَحْصَاهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَنْ حَفِظَهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ

لَا يَحْفَظُهَا أَحَدٌ وَهَذَا اللَّفْظُ يُفَسِّرُ مَعْنَى قَوْلِهِ أَحْصَاهَا فَالْإِحْصَاءُ هُوَ الْحِفْظُ وَقِيلَ أَحْصَاهَا قَرَأَهَا كَلِمَةً كَلِمَةً كَأَنَّهُ يَعُدُّهَا وَقِيلَ أَحْصَاهَا عَلِمَهَا وَتَدَبَّرَ مَعَانِيَهَا وَاطَّلَعَ عَلَى حَقَائِقِهَا وَقِيلَ أَطَاقَ الْقِيَامَ بِحَقِّهَا وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهَا قَالَ الشَّوْكَانِيُّ التَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ الْمُطَابِقُ لِلْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَقَدْ فَسَّرَتْهُ الرِّوَايَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِالْحِفْظِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مَعْنَاهُ حَفِظَهَا وهذا هو الأظهر لثبوته نصا في الخير وَقَالَ فِي الْأَذْكَارِ هُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ دَخَلَ الْجَنَّةَ ذَكَرَ الْجَزَاءَ بِلَفْظِ الْمَاضِي تَحْقِيقًا لَهُ لِأَنَّهُ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي وبن ماجة والحاكم في مستدركه وبن حِبَّانَ [3507] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ) الْجُوزَجَانِيُّ (أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَوْلِهِ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الِاسْمُ الْمَعْدُودُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنْ أَسْمَائِهِ هو الله لا غيره من هو وإله وَالْجُمْلَةُ تُفِيدُ الْحَصْرَ وَالتَّحْقِيقَ لِإِلَهِيَّتِهِ وَنَفْيَ مَا عَدَاهُ عَنْهَا قَالَ الطِّيبِيُّ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ إِمَّا بَيَانٌ لِكَمِّيَّةِ تِلْكَ الْأَعْدَادِ أَرْقَامًا هِيَ فِي قَوْلِهِ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا وَذَكَرَ الضَّمِيرَ نَظَرًا إِلَى الْخَبَرِ وَإِمَّا بَيَانٌ لِكَيْفِيَّةِ الْإِحْصَاءِ فِي قَوْلِهِ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ فَإِنَّهُ كَيْفَ يُحْصِي فَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الْمُسَمَّى الدَّالِّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لِلَّهِ كَأَنَّهُ لَمَّا قِيلَ ولله الأسماء الحسنى سُئِلَ وَمَا تِلْكَ الْأَسْمَاءُ فَأُجِيبَ هُوَ اللَّهُ أَوْ لَمَّا قِيلَ مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ سُئِلَ كَيْفَ أَحْصَاهَا فَأَجَابَ قُلْ هُوَ اللَّهُ فَعَلَى هَذَا الضَّمِيرُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ مُبْتَدَأٌ وَاللَّهُ مُبْتَدَأٌ ثَانٍ وَقَوْلُهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَبَرُهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْأَوَّلِ وَالْمَوْصُولُ مَعَ الصِّلَةِ صِفَةُ اللَّهِ انْتَهَى وَاللَّهُ عَلَمٌ دَالٌّ عَلَى الْمَعْبُودِ بِحَقٍّ دَلَالَةً جَامِعَةً لِجَمِيعِ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ الْآتِيَةِ (الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ) هُمَا اسْمَانِ مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ مِثْلَ نَدْمَانَ وَنَدِيمٍ وَهُمَا مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ وَرَحْمَانُ أَبْلَغُ مِنْ رَحِيمٍ وَالرَّحْمَنُ خَاصٌّ لِلَّهِ لَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ وَلَا يوصف

وَالرَّحِيمُ يُوصَفُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَيُقَالُ رجل رحيم ولا يقال رحمن الْمَلِكُ أَيْ ذُو الْمُلْكِ التَّامِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْإِيجَادِ وَالِاخْتِرَاعِ مِنْ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ يَمْلِكُ الِانْتِفَاعَ بِكَذَا إِذَا تَمَكَّنَ مِنْهُ فَيَكُونُ مِنْ أَسْمَاءِ الصِّفَاتِ وَقِيلَ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْأَشْيَاءِ بِالْإِيجَادِ وَالْإِفْنَاءِ وَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ فَيَكُونُ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ كَالْخَالِقِ الْقُدُّوسُ أَيِ الطَّاهِرُ الْمُنَزَّهُ مِنَ الْعُيُوبِ وَفَعُّولٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ السَّلَامُ مَصْدَرٌ نُعِتَ بِهِ لِلْمُبَالَغَةِ قِيلَ سَلَامَتُهُ مِمَّا يَلْحَقُ الْخَلْقَ مِنَ الْعَيْبِ وَالْفَنَاءِ وَالسَّلَامُ فِي الْأَصْلِ السَّلَامَةُ يُقَالُ سَلِمَ يَسْلَمُ سَلَامَةً وَسَلَامًا وَمِنْهُ قِيلَ لِلْجَنَّةِ دَارُ السَّلَامِ لِأَنَّهَا دَارُ السَّلَامَةِ مِنَ الْآفَاتِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْمُسَلِّمُ عِبَادَهُ عَنِ الْمَهَالِكِ الْمُؤْمِنُ أَيِ الَّذِي يَصْدُقُ عِبَادَهُ وَعْدَهُ فَهُوَ مِنَ الْإِيمَانِ التَّصْدِيقُ أَوْ يُؤَمِّنُهُمْ فِي الْقِيَامَةِ مِنْ عَذَابِهِ فَهُوَ مِنَ الْأَمَانِ وَالْأَمْنُ ضِدُّ الْخَوْفِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ الْمُهَيْمِنُ الرَّقِيبُ الْمُبَالِغُ فِي الْمُرَاقَبَةِ وَالْحِفْظِ وَمِنْهُ هَيْمَنَ الطَّائِرُ إِذَا نَشَرَ جَنَاحَهُ عَلَى فِرَاخِهِ صِيَانَةً لَهَا وقيل الشاهد أي العالم الذي لا يعرب عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ وَقِيلَ الَّذِي يَشْهَدُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبْتِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ومهيمنا عليه أَيْ شَاهِدًا وَقِيلَ الْقَائِمُ بِأُمُورِ الْخَلْقِ وَقِيلَ أَصْلُهُ مُؤَيْمِنٌ أُبْدِلَتِ الْهَاءُ مِنَ الْهَمْزَةِ فَهُوَ مُفْتَعِلٌ مِنَ الْأَمَانَةِ بِمَعْنَى الْأَمِينِ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الْعَزِيزُ أَيِ الْغَالِبُ الْقَوِيُّ الَّذِي لَا يُغْلَبُ وَالْعِزَّةُ فِي الْأَصْلِ الْقُوَّةُ وَالشِّدَّةُ وَالْغَلَبَةُ تَقُولُ عَزَّ يَعِزُّ بِالْكَسْرِ إِذَا صَارَ عَزِيزًا وَعَزَّ يعز بالفتح إذا اشتد الجبار معناه الَّذِي يَقْهَرُ الْعِبَادَ عَلَى مَا أَرَادَ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ يُقَالُ جَبَرَ الْخَلْقَ وَأَجْبَرَهُمْ فَأَجْبَرَ أَكْثَرُ وَقِيلَ هُوَ الْعَالِي فَوْقَ خَلْقِهِ وَفَعَّالٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ نَخْلَةٌ جَبَّارَةٌ وَهِيَ الْعَظِيمَةُ الَّتِي تُفَوِّتُ يَدَ الْمُتَنَاوِلِ الْمُتَكَبِّرُ أَيِ الْعَظِيمُ ذُو الْكِبْرِيَاءِ وَقِيلَ الْمُتَعَالِي عَنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ وَقِيلَ الْمُتَكَبِّرُ عَلَى عُتَاةِ خَلْقِهِ وَالتَّاءُ فِيهِ لِلتَّفَرُّدِ وَالتَّخْصِيصِ لَا تَاءُ التَّعَاطِي وَالتَّكَلُّفِ وَالْكِبْرِيَاءُ الْعَظَمَةُ وَالْمُلْكُ وَقِيلَ هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ كَمَالِ الذَّاتِ وَكَمَالِ الْوُجُودِ وَلَا يُوصَفُ بِهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ مِنَ الْكِبْرِ وَهُوَ الْعَظَمَةُ الْخَالِقُ أَيِ الَّذِي أَوْجَدَ الْأَشْيَاءَ جَمِيعَهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً وَأَصْلُ الْخَلْقِ التَّقْدِيرُ فَهُوَ بِاعْتِبَارِ تَقْدِيرِ مَا مِنْهُ وُجُودُهَا وَبِاعْتِبَارِ الْإِيجَادِ عَلَى وَفْقِ التَّقْدِيرِ خَالِقٌ البارىء أَيِ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ لَا عَنْ مِثَالٍ وَلِهَذِهِ اللَّفْظَةِ مِنَ الِاخْتِصَاصِ بِخَلْقِ الْحَيَوَانِ مَا لَيْسَ لَهَا بِغَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَقَلَّمَا تُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ فَيُقَالُ بَرَأَ اللَّهُ النَّسَمَةَ وَخَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ الْمُصَوِّرُ أَيِ الَّذِي صَوَّرَ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ وَرَتَّبَهَا فَأَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا صُورَةً خَاصَّةً وَهَيْئَةً مُنْفَرِدَةً يَتَمَيَّزُ بِهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا وَكَثْرَتِهَا الْغَفَّارُ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ الْغَفَّارُ الْغَفُورُ وَهُمَا مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ وَمَعْنَاهُمَا السَّاتِرُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ وَعُيُوبِهِمُ الْمُتَجَاوِزُ عَنْ خَطَايَاهُمْ وَذُنُوبِهِمْ وَأَصْلُ الْغَفْرِ التَّغْطِيَةُ يُقَالُ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ غَفْرًا وَغُفْرَانًا وَمَغْفِرَةً وَالْمَغْفِرَةُ إِلْبَاسُ اللَّهِ تَعَالَى الْعَفْوَ الْمُذْنِبِينَ الْقَهَّارُ أَيِ الْغَالِبُ جَمِيعَ الْخَلَائِقِ يُقَالُ قَهَرَهُ يَقْهَرُهُ قَهْرًا فَهُوَ قَاهِرٌ وَقَهَّارٌ لِلْمُبَالَغَةِ الْوَهَّابُ الْهِبَةُ العطية

الْخَالِيَةُ عَنِ الْأَعْوَاضِ وَالْأَغْرَاضِ فَإِذَا كَثُرَتْ سُمِّيَ صَاحِبُهَا وَهَّابًا الرَّزَّاقُ أَيِ الَّذِي خَلَقَ الْأَرْزَاقَ وَأَعْطَى الْخَلَائِقَ أَرْزَاقَهَا وَأَوْصَلَهَا إِلَيْهِمْ وَالْأَرْزَاقُ نَوْعَانِ ظَاهِرَةٌ لَلْأَبَدَانِ كَالْأَقْوَاتِ وَبَاطِنَةٌ لِلْقُلُوبِ وَالنُّفُوسِ كَالْمَعَارِفِ وَالْعُلُومِ الْفَتَّاحُ أَيِ الَّذِي يَفْتَحُ أَبْوَابَ الرِّزْقِ وَالرَّحْمَةِ لِعِبَادِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمْ يُقَالُ فَتَحَ الْحَاكِمُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ إِذَا فَصَلَ بَيْنَهُمَا الْفَاتِحُ وَالْحَاكِمُ وَالْفَتَّاحُ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ الْعَلِيمُ أَيِ الْعَالِمُ الْمُحِيطُ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا دَقِيقِهَا وَجَلِيلِهَا عَلَى أَتَمِّ الْإِمْكَانِ وَفَعِيلٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ الْقَابِضُ أَيِ الَّذِي يُمْسِكُ الرِّزْقَ وَغَيْرَهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ عَنِ الْعِبَادِ بِلُطْفِهِ وَحِكْمَتِهِ وَيَقْبِضُ الْأَرْوَاحَ عِنْدَ الْمَمَاتِ الْبَاسِطُ أَيِ الَّذِي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ وَيُوَسِّعُهُ عَلَيْهِمْ بِجُودِهِ وَرَحْمَتِهِ وَيَبْسُطُ الْأَرْوَاحَ فِي الْأَجْسَادِ عِنْدَ الْحَيَاةِ الْخَافِضُ أَيِ الَّذِي يَخْفِضُ الْجَبَّارِينَ وَالْفَرَاعِنَةَ أَيْ يُضْعِفُهُمْ وَيُهِينُهُمْ وَيَخْفِضُ كُلَّ شَيْءٍ يُرِيدُ خَفْضَهُ وَالْخَفْضُ ضِدُّ الرَّفْعِ الرَّافِعُ أَيِ الَّذِي يَرْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ بِالْإِسْعَادِ وَأَوْلِيَاءَهُ بِالتَّقْرِيبِ وَهُوَ ضِدُّ الْخَفْضِ الْمُعِزُّ الَّذِي يَهَبُ الْعِزَّ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُذِلُّ الَّذِي يُلْحِقُ الذُّلَّ بِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَنْفِي عَنْهُ أَنْوَاعَ الْعِزِّ جَمِيعَهَا السَّمِيعُ الْمُدْرِكُ لِكُلِّ مَسْمُوعٍ الْبَصِيرُ الْمُدْرِكُ لِكُلِّ مبصر الحكم أي الحاكم الذي لاراد لِقَضَائِهِ وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ الْعَدْلُ أَيِ الَّذِي لَا يَمِيلُ بِهِ الْهَوَى فَيَجُورُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ سُمِّيَ بِهِ فَوُضِعَ مَوْضِعَ الْعَادِلِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْهُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمُسَمَّى نَفْسَهُ عَدْلًا اللَّطِيفُ أَيِ الَّذِي اجْتَمَعَ لَهُ الرِّفْقُ فِي الْفِعْلِ وَالْعِلْمُ بِدَقَائِقِ الْمَصَالِحِ وَإِيصَالُهَا إِلَى مَنْ قَدَّرَهَا لَهُ مِنْ خَلْقِهِ يُقَالُ لَطَفَ بِهِ وَلَهُ بِالْفَتْحِ يَلْطُفُ لُطْفًا إِذَا رَفَقَ بِهِ فَأَمَّا لَطُفَ بِالضَّمِّ يَلْطُفُ فَمَعْنَاهُ صَغُرَ وَدَقَّ الْخَبِيرُ أَيِ الْعَالِمُ بِبَوَاطِنِ الأشياء من الخبرة وهي العلم بالخفايا الباطنة الْحَلِيمُ الَّذِي لَا يَسْتَخِفُّهُ شَيْءٌ مِنْ عِصْيَانِ الْعِبَادِ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ الْغَضَبُ عَلَيْهِمْ وَلَكِنَّهُ جَعَلَ لكل شيء مقدار فَهُوَ مُنْتَهٍ إِلَيْهِ الْعَظِيمُ أَيِ الَّذِي جَاوَزَ قَدْرُهُ وَجَلَّ عَنْ حُدُودِ الْعُقُولِ حَتَّى لَا تُتَصَوَّرَ الْإِحَاطَةُ بِكُنْهِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَالْعِظَمُ فِي صِفَاتِ الْأَجْسَامِ كِبَرُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْعُمْقِ وَاللَّهُ تَعَالَى جَلَّ قَدْرُهُ عَنْ ذَلِكَ الْغَفُورُ تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ الشَّكُورُ الَّذِي يُعْطِي الثَّوَابَ الْجَزِيلَ عَلَى الْعَمَلِ الْقَلِيلِ أَوِ الْمُثْنِي عَلَى عِبَادِهِ الْمُطِيعِينَ الْعَلِيُّ فَعِيلٌ مِنَ الْعُلُوِّ وَهُوَ الْبَالِغُ فِي عُلُوِّ الرُّتْبَةِ بِحَيْثُ لَا رُتْبَةَ إِلَّا وَهِيَ مُنْحَطَّةٌ عَنْ رُتْبَتِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ الَّذِي عَلَا عَنِ الْإِدْرَاكِ ذَاتُهُ وَكَبُرَ عَنِ التَّصَوُّرِ صِفَاتُهُ الْكَبِيرُ وَضِدُّهُ الصَّغِيرُ يُسْتَعْمَلَانِ بِاعْتِبَارِ مَقَادِيرِ الْأَجْسَامِ بِاعْتِبَارِ الرُّتَبِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا إِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَكْمَلُ الْمَوْجُودَاتِ وَأَشْرَفُهَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ غَنِيٌّ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمَا سِوَاهُ حَادِثٌ مُفْتَقِرٌ إِلَيْهِ فِي الْإِيجَادِ وَالْإِمْدَادِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِمَّا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ كَبِيرٌ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْحَوَاسِّ وَإِدْرَاكِ الْعُقُولِ الْحَفِيظُ أَيِ الْبَالِغُ فِي الْحِفْظِ يَحْفَظُ الْمَوْجُودَاتِ مِنَ الزَّوَالِ

وَالِاخْتِلَالِ مُدَّةَ مَا شَاءَ الْمُقِيتُ أَيِ الْحَفِيظُ وَقِيلَ الْمُقْتَدِرُ وَقِيلَ الَّذِي يُعْطِي أَقْوَاتَ الْخَلَائِقِ وَهُوَ مِنْ أَقَاتَهُ يُقِيتُهُ إِذَا أَعْطَاهُ قُوتَهُ وَهِيَ لُغَةٌ فِي قَاتَهُ يَقُوتُهُ وَأَقَاتَهُ أَيْضًا إِذَا حَفِظَهُ الْحَسِيبُ أَيِ الْكَافِي فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ مِنْ أَحَسَبَنِي الشَّيْءُ إِذَا كَفَانِي وَأَحْسَبْتُهُ بِالتَّشْدِيدِ أَعْطَيْتُهُ مَا يُرْضِيهِ حَتَّى يَقُولَ حَسْبِي وَقِيلَ إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْحُسْبَانِ أَيْ هُوَ الْمُحَاسِبُ لِلْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ الْجَلِيلُ أَيِ الْمَوْصُوفُ بِنُعُوتِ الْجَلَالِ وَالْحَاوِي جَمِيعَهَا هُوَ الْجَلِيلُ الْمُطْلَقُ الْكَرِيمُ أَيْ كَثِيرُ الْجُودِ وَالْعَطَاءِ الَّذِي لَا يَنْفَدُ عَطَاؤُهُ وَلَا تَفْنَى خَزَائِنُهُ وَهُوَ الْكَرِيمُ الْمُطْلَقُ الرَّقِيبُ أَيِ الْحَافِظُ الَّذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ الْمُجِيبُ أَيِ الَّذِي يُقَابِلُ الدُّعَاءَ وَالسُّؤَالَ بِالْقَبُولِ وَالْعَطَاءِ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَجَابَ يُجِيبُ الْوَاسِعُ أَيِ الَّذِي وَسِعَ غِنَاهُ كُلَّ فَقِيرٍ وَرَحْمَتُهُ كُلَّ شَيْءٍ يُقَالُ وَسِعَهُ الشَّيْءُ يَسَعُهُ سَعَةً فَهُوَ وَاسِعٌ وَوَسُعَ بِالضَّمِّ وَسَاعَةً فَهُوَ وَسِيعٌ وَالْوُسْعُ وَالسَّعَةُ الْجِدَةُ وَالطَّاقَةُ الْحَكِيمُ أَيِ الْحَاكِمُ بِمَعْنَى الْقَاضِي فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ هُوَ الَّذِي يُحْكِمُ الْأَشْيَاءَ وَيُتْقِنُهَا فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ وَقِيلَ الْحَكِيمُ ذُو الْحِكْمَةِ وَالْحِكْمَةُ عِبَارَةٌ عَنْ مَعْرِفَةِ أَفْضَلِ الْأَشْيَاءِ بِأَفْضَلِ الْعُلُومِ وَيُقَالُ لِمَنْ يُحْسِنُ دَقَائِقَ الصِّنَاعَاتِ وَيُتْقِنُهَا حَكِيمٌ الْوَدُودُ هُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنَ الود المحبة يُقَالُ وَدِدْتُ الرَّجُلَ أَوَدُّهُ وُدًّا إِذَا أَحْبَبْتُهُ فَاللَّهُ تَعَالَى مَوْدُودٌ أَيْ مَحْبُوبٌ فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِهِ أَوْ هُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَيْ أَنَّهُ يُحِبُّ عِبَادَهُ الصَّالِحِينَ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَرْضَى عَنْهُمْ الْمَجِيدُ هُوَ مُبَالَغَةُ الْمَاجِدِ مِنَ الْمَجْدِ وَهُوَ سَعَةُ الْكَرَمِ فَهُوَ الَّذِي لَا تُدْرَكُ سَعَةُ كَرَمِهِ الْبَاعِثُ أَيِ الَّذِي يَبْعَثُ الْخَلْقَ أَيْ يُحْيِيهِمْ بَعْدَ الْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ أَيْ بَاعِثُ الرُّسُلِ إِلَى الْأُمَمِ الشَّهِيدُ أَيِ الَّذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ وَالشَّاهِدُ الْحَاضِرُ وَفَعِيلٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي فَاعِلٍ فَإِذَا اعْتُبِرَ الْعِلْمُ مُطْلَقًا فَهُوَ الْعَلِيمُ وَإِذَا أُضِيفَ إلى الأمور الباطنة فهو الخير وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فَهُوَ الشَّهِيدُ وَقَدْ يُعْتَبَرُ مَعَ هَذَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَى الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا عَلِمَ الْحَقُّ أَيِ الْمَوْجُودُ حَقِيقَةً الْمُتَحَقَّقُ وُجُودُهُ وَإِلَهِيَّتُهُ وَالْحَقُّ ضِدُّ الْبَاطِلِ الْوَكِيلُ أَيِ الْقَائِمُ بِأُمُورِ عِبَادِهِ الْمُتَكَفِّلُ بِمَصَالِحِهِمْ الْقَوِيُّ أَيْ ذُو الْقُدْرَةِ التَّامَّةِ الْبَالِغَةِ إِلَى الْكَمَالِ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ ضَعْفٌ الْمَتِينُ أَيِ الْقَوِيُّ الشَّدِيدُ الَّذِي لَا يَلْحَقُهُ فِي أَفْعَالِهِ مَشَقَّةٌ وَلَا كُلْفَةٌ وَلَا تَعَبٌ وَالْمَتَانَةُ الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ فَهُوَ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ بَالِغُ الْقُدْرَةِ تَامُّهَا قَوِيٌّ وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ شَدِيدُ الْقُوَّةِ مَتِينٌ (الْوَلِيُّ) أَيِ النَّاصِرُ وَقِيلَ الْمُتَوَلِّي لِأُمُورِ الْعَالَمِ وَالْخَلَائِقِ الْقَائِمُ بِهَا وَقِيلَ الْمُحِبُّ لِأَوْلِيَائِهِ (الْحَمِيدُ) أَيِ الْمَحْمُودُ الْمُسْتَحِقُّ لِلثَّنَاءِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ (الْمُحْصِي) أَيِ الَّذِي أَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ بِعِلْمِهِ وَأَحَاطَ بِهِ فَلَا يَفُوتُهُ دَقِيقٌ مِنْهَا وَلَا جليل والإحصاء العد والحفظ المبدىء أَيِ الَّذِي أَنْشَأَ الْأَشْيَاءَ وَاخْتَرَعَهَا ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ سَابِقِ مِثَالٍ الْمُعِيدُ أَيِ الَّذِي يُعِيدُ الخلق

بَعْدَ الْحَيَاةِ إِلَى الْمَمَاتِ فِي الدُّنْيَا وَبَعْدَ الْمَمَاتِ إِلَى الْحَيَاةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمُحْيِي أَيْ مُعْطِي الْحَيَاةِ (الْمُمِيتُ) أَيْ خَالِقُ الْمَوْتِ وَمُسَلِّطُهُ عَلَى مَنْ شَاءَ الْحَيُّ أَيِ الدَّائِمُ الْبَقَاءِ الْقَيُّومُ أَيِ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ وَالْمُقِيمُ لِغَيْرِهِ الْوَاجِدُ بِالْجِيمِ أَيِ الْغَنِيُّ الَّذِي لَا يَفْتَقِرُ وَقَدْ وَجَدَ يَجِدُ جِدَةً أَيِ اسْتَغْنَى غِنًى لَا فَقْرَ بَعْدَهُ وَقِيلَ الَّذِي يَجِدُ كُلَّ مَا يُرِيدُهُ وَيَطْلُبُهُ وَلَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ الْمَاجِدُ بِمَعْنَى الْمَجِيدِ لَكِنِ الْمَجِيدُ لِلْمُبَالَغَةِ الْوَاحِدُ أَيِ الْفَرْدُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَحْدَهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ آخر (الصمد) هو السيد الذي انتهى إله السُّؤْدُدُ وَقِيلَ هُوَ الدَّائِمُ الْبَاقِي وَقِيلَ هُوَ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ وَقِيلَ الَّذِي يَصْمُدُ فِي الْحَوَائِجِ إِلَيْهِ أَيْ يُقْصَدُ الْقَادِرُ الْمُقْتَدِرُ مَعْنَاهُمَا ذُو الْقُدْرَةِ إِلَّا أَنَّ الْمُقْتَدِرَ أَبْلَغُ فِي الْبِنَاءِ مِنْ مَعْنَى التَّكَلُّفِ وَالِاكْتِسَابِ فَإِنَّ ذَلِكَ وَإِنِ امْتَنَعَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى حَقِيقَةً لَكِنَّهُ يُفِيدُ الْمَعْنَى مُبَالَغَةً (الْمُقَدِّمُ) أَيِ الَّذِي يُقَدِّمُ الْأَشْيَاءَ وَيَضَعُهَا فِي مَوَاضِعِهَا فَمَنِ اسْتَحَقَّ التَّقْدِيمَ قَدَّمَهُ الْمُؤَخِّرُ الَّذِي يُؤَخِّرُ الْأَشْيَاءَ فَيَضَعُهَا فِي مَوَاضِعِهَا وَهُوَ ضِدُّ الْمُقَدِّمِ الْأَوَّلُ أَيِ الَّذِي لَا بِدَايَةَ لِأَوَّلِيَّتِهِ الْآخِرُ أَيِ الْبَاقِي بَعْدَ فَنَاءِ خَلِيقَتِهِ وَلَا نِهَايَةَ لِآخِرِيَّتِهِ الظَّاهِرُ أَيِ الَّذِي ظَهَرَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ وَعَلَا عَلَيْهِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي عُرِفَ بِطُرُقِ الِاسْتِدْلَالِ الْعَقْلِيِّ بِمَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنْ آثَارِ أَفْعَالِهِ وَأَوْصَافِهِ الْبَاطِنُ أَيِ الْمُحْتَجِبُ عَنْ أَبْصَارِ الْخَلَائِقِ وَأَوْهَامِهِمْ فَلَا يُدْرِكُهُ بَصَرٌ وَلَا يُحِيطُ بِهِ وَهْمٌ الْوَالِي أَيْ مَالَكِ الْأَشْيَاءِ جَمِيعِهَا الْمُتَصَرِّفُ فِيهَا الْمُتَعَالِي الَّذِي جَلَّ عَنْ إِفْكِ الْمُفْتَرِينَ وَعَلَا شَأْنُهُ وَقِيلَ جَلَّ عَنْ كُلِّ وَصْفٍ وَثَنَاءٍ وَهُوَ مُتَفَاعِلٌ مِنَ الْعُلُوِّ الْبَرُّ أَيِ الْعَطُوفُ عَلَى عِبَادِهِ بِبِرِّهِ وَلُطْفِهِ وَالْبِرُّ بِالْكَسْرِ الْإِحْسَانُ التَّوَّابُ الَّذِي يَقْبَلُ تَوْبَةَ عِبَادِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى الْمُنْتَقِمُ أَيِ الْمُبَالِغُ فِي الْعُقُوبَةِ لِمَنْ يَشَاءُ وَهُوَ مُفْتَعِلٌ مِنْ نَقَمَ يَنْقِمُ إِذَا بَلَغَتْ بِهِ الْكَرَاهَةُ حَدَّ السُّخْطِ الْعَفُوُّ فَعُولٌ مِنَ الْعَفْوِ وَهُوَ الَّذِي يَمْحُو السَّيِّئَاتِ وَيَتَجَاوَزُ عَنِ الْمَعَاصِي وَهُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْغَفُورِ لِأَنَّ الْغُفْرَانَ يُنْبِئُ عَنِ السَّتْرِ وَالْعَفْوُ يُنْبِئُ عَنِ الْمَحْوِ وَأَصْلُ الْعَفْوِ الْمَحْوُ وَالطَّمْسُ وَهُوَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ يُقَالُ عَفَا يَعْفُو عَفْوًا فهو عاف وعفو الرؤوف أَيْ ذُو الرَّأْفَةِ وَهِيَ شِدَّةُ الرَّحْمَةِ مَالِكُ الْمُلْكِ أَيِ الَّذِي تَنْفُذُ مَشِيئَتُهُ فِي مُلْكِهِ يُجْرِي الْأُمُورَ فِيهِ عَلَى مَا يَشَاءُ أَوِ الَّذِي لَهُ التَّصَرُّفُ الْمُطْلَقُ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ أَيْ ذُو الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَذُو الْإِكْرَامِ لِأَوْلِيَائِهِ بِإِنْعَامِهِ عَلَيْهِمْ الْمُقْسِطُ أَيِ الْعَادِلُ يُقَالُ أَقْسَطَ يُقْسِطُ فَهُوَ مُقْسِطٌ إِذَا عَدَلَ وَقَسَطَ يَقْسِطُ فَهُوَ قَاسِطٌ إِذَا جَارَ فَكَأَنَّ الْهَمْزَةَ فِي أَقْسَطَ لِلسَّلْبِ كَمَا يُقَالُ شَكَا إِلَيْهِ فَأَشْكَاهُ الْجَامِعُ أَيِ الَّذِي يَجْمَعُ الْخَلَائِقَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ وَقِيلَ هُوَ الْمُؤَلِّفُ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ وَالْمُتَبَايِنَاتِ وَالْمُتَضَادَّاتِ فِي الْوُجُودِ الْغَنِيُّ أَيِ الَّذِي لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ فِي شَيْءٍ وَكُلُّ أَحَدٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ وَلَا يُشَارِكُ اللَّهَ فِيهِ غَيْرُهُ

الْمُغْنِي أَيِ الَّذِي يُغْنِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الْمَانِعُ أَيِ الَّذِي يَمْنَعُ عَنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ وَيَحُوطُهُمْ وَيَنْصُرُهُمْ وَقِيلَ يَمْنَعُ مَنْ يُرِيدُ مِنْ خَلْقِهِ مَا يُرِيدُ وَيُعْطِيهِ مَا يُرِيدُ الضَّارُّ أَيِ الَّذِي يَضُرُّ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ حَيْثُ هُوَ خَالِقُ الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا خَيْرِهَا وَشَرِّهَا وَنَفْعِهَا وَضُرِّهَا النَّافِعُ أَيِ الَّذِي يُوصِلُ النَّفْعَ إِلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ حَيْثُ هُوَ خَالِقُ النَّفْعِ وَالضُّرِّ وَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ النُّورُ أَيِ الَّذِي يُبْصِرُ بِنُورِهِ ذُو الْعَمَايَةِ وَيَرْشُدُ بِهُدَاهُ ذُو الْغَوَايَةِ وَقِيلَ هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي بِهِ كُلُّ ظُهُورٍ فَالظَّاهِرُ فِي نَفْسِهِ الْمُظْهِرُ لِغَيْرِهِ يُسَمَّى نُورًا الْهَادِي أَيِ الَّذِي بَصَّرَ عِبَادَهُ وَعَرَّفَهُمْ طَرِيقَ مَعْرِفَتِهِ حَتَّى أَقَرُّوا بِرُبُوبِيَّتِهِ وَهَدَى كُلَّ مَخْلُوقٍ إِلَى مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ فِي بَقَائِهِ وَدَوَامِ وُجُودِهِ الْبَدِيعُ أَيِ الْخَالِقُ الْمُخْتَرِعُ لَا عَنْ مِثَالٍ سَابِقٍ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ يُقَالُ أَبْدَعَ فَهُوَ مُبْدِعٌ الْبَاقِي أَيِ الدَّائِمُ الْوُجُودِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ الْفَنَاءَ الْوَارِثُ أَيِ الَّذِي يَرِثُ الْخَلَائِقَ وَيَبْقَى بعد فنائم الرَّشِيدُ أَيِ الَّذِي أَرْشَدَ الْخَلْقَ إِلَى مَصَالِحِهِمْ أَيْ هَدَاهُمْ وَدَلَّهُمْ عَلَيْهَا فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٍ وقبل هُوَ الَّذِي تَنْسَاقُ تَدْبِيرَاتُهُ إِلَى غَايَاتِهَا عَلَى سُنَنِ السَّدَادِ مِنْ غَيْرِ إِشَارَةِ مُشِيرٍ وَلَا تَسْدِيدِ مُسَدِّدٍ الصَّبُورُ أَيِ الَّذِي لَا يُعَاجِلُ الْعُصَاةَ بِالِانْتِقَامِ وَهُوَ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ وَمَعْنَاهُ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْحَلِيمِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُذْنِبَ لَا يَأْمَنُ الْعُقُوبَةَ فِي صِفَةِ الصَّبُورِ كَمَا يَأْمَنُهَا فِي صِفَةِ الْحَلِيمِ قَوْلُهُ (هَذَا حديث غريب) وأخرجه بن ماجة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ قَوْلُهُ (وَلَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ) صَفْوَانَ بْنِ صَالِحٍ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالَ الْحَافِظُ وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ صَفْوَانُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ النَّصِيبِيِّ وَهُوَ ثِقَةٌ عَنِ الْوَلِيدِ أَيْضًا وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ عَلَى الْوَلِيدِ ثُمَّ ذكر الحافظ الاختلاف وبسط الكلام ها هنا (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن أبي هريرة عن النبي وَلَا نَعْلَمُ فِي كَبِيرِ شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ ذِكْرَ الْأَسْمَاءِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ) الْمُرَادُ بِكَبِيرِ شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَيْ فِي كَثِيرٍ مِنْهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي سَرْدِ الْأَسْمَاءِ هَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ أَوْ مُدْرَجٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ فَمَشَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى جَوَازِ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَمْ يَرِدْ فِي الْقُرْآنِ بِصِيغَةِ الِاسْمِ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ كَذَلِكَ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ التَّعَيُّنَ مُدْرَجٌ لِخُلُوِّ أَكْثَرِ الروايات عنه ونقله عبد العزيز اليخشبي عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ تَخْرِيجِ الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ صَفْوَانَ بْنِ صَالِحٍ عن

الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِسِيَاقِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالْعِلَّةُ فِيهِ عِنْدَهُمَا تَفَرُّدُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلِيدَ أَوْثَقُ وَأَحْفَظُ وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ مِنْ بِشْرِ بْنِ شُعَيْبٍ وَعَلِيِّ بْنِ عَيَّاشٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ شُعَيْبٍ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ بِشْرًا وَعَلِيًّا وَأَبَا الْيَمَانِ رَوَوْهُ عَنْ شُعَيْبٍ بِدُونِ سِيَاقِ الْأَسْمَاءِ فرواية أبي السيمان عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَرِوَايَةُ عَلِيٍّ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَرِوَايَةُ بِشْرٍ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ قَالَ الْحَافِظُ وَلَيْسَتِ الْعِلَّةُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ تَفَرُّدَ الْوَلِيدِ فَقَطْ بَلِ الِاخْتِلَافُ فِيهِ وَالِاضْطِرَابُ وَتَدْلِيسُهُ وَاحْتِمَالُ الْإِدْرَاجِ (وَقَدْ رَوَى آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ هَذَا الْحَدِيثَ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ هَذَا إِلَى قَوْلِهِ وَلَيْسَ لَهُ إِسْنَادٌ صَحِيحٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ الطَّرِيقُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهَا التِّرْمِذِيُّ رَوَاهَا الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَيُّوبَ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ جَمِيعًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهَا زِيَادَةٌ وَنُقْصَانٌ وَقَالَ مَحْفُوظٌ عَنْ أَيُّوبَ وَهِشَامٍ بِدُونِ ذِكْرِ الْأَسَامِي قَالَ الْحَاكِمُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ ثِقَةٌ قَالَ الْحَافِظُ بَلْ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وهاه البخاري ومسلم وبن مَعِينٍ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ النقل انتهى [3509] قوله (حدثنا زيد بن حباب) العكلي (أن حميد المكي مولى بن عَلْقَمَةَ) فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُتَابَعُ وَفِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ لَهُ فِي التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ فَارْتَعُوا قَوْلُهُ إِذَا مَرَرْتُمْ بِرِيَاضِ الْجَنَّةِ الرِّيَاضُ جَمْعُ الرَّوْضَةِ وَهِيَ أَرْضٌ مُخْضَرَّةٌ بِأَنْوَاعِ النَّبَاتِ يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ مرغزار فَارْتَعُوا فِي الْقَامُوسِ رَتَعَ كَمَنَعَ رَتْعًا وَرُتُوعًا وَرِتَاعًا بِالْكَسْرِ أَكَلَ وَشَرِبَ مَا شَاءَ فِي خِصْبٍ وَسَعَةٍ أَوْ هُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ رَغَدًا فِي الرِّيفِ قَالَ الْمَسَاجِدُ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي حِلَقُ الذِّكْرِ وَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ حِلَقَ الذِّكْرِ تَصْدُقُ بِالْمَسَاجِدِ وَغَيْرِهَا فَهِيَ

أَعَمُّ وَخُصَّتِ الْمَسَاجِدُ هُنَا لِأَنَّهَا أَفْضَلُ وَجَعَلَ الْمَسَاجِدَ رِيَاضَ الْجَنَّةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِبَادَةَ سَبَبٌ لِلْحُصُولِ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ قُلْتُ وَمَا الرَّتْعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ والحمد الله إِلَخْ وُضِعَ الرَّتْعُ مَوْضِعَ الْقَوْلِ لِرِعَايَةِ الْمُنَاسَبَةِ لَفْظًا وَمَعْنًى لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ سَبَبٌ لِنَيْلِ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ وَالرَّتْعُ هُنَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَرْتَعْ وَهُوَ أَنْ يَتَّسِعَ فِي أَكْلِ الْفَوَاكِهِ وَالْمُسْتَلَذَّاتِ وَالْخُرُوجُ إِلَى التَّنَزُّهِ فِي الْأَرْيَافِ وَالْمِيَاهِ كَمَا هُوَ عَادَةُ النَّاسِ إِذَا خَرَجُوا إِلَى الرِّيَاضِ ثُمَّ اتَّسَعَ وَاسْتُعْمِلَ فِي الْفَوْزِ بِالثَّوَابِ الْجَزِيلِ وَتَلْخِيصِ مَعْنَى الْحَدِيثِ إِذَا مَرَرْتُمْ بِالْمَسَاجِدِ فَقُولُوا هَذَا الْقَوْلَ قَالَهُ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ حُمَيْدٌ الْمَكِّيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَمَا عَرَفْتَ [3510] قَوْلُهُ حِلَقُ الذِّكْرِ أَيْ هِيَ حِلَقُ الذِّكْرِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحِلَقُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ جَمْعُ الْحَلْقَةِ مثل قصعة وقصع ومر الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ مُسْتَدِيرُونَ كَحَلْقَةِ الْبَابِ وَغَيْرِهِ وَالتَّحَلُّقُ تَفَعُّلٌ مِنْهَا وَهُوَ أَنْ يَتَعَمَّدُوا ذَلِكَ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ جَمْعُ الْحَلْقَةِ حَلَقٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو أَنَّ الْوَاحِدَ حَلَقَةٌ بِالتَّحْرِيكِ وَالْجَمْعَ حَلَقٌ بِالْفَتْحِ وَقَالَ ثَعْلَبٌ كُلُّهُمْ يُجِيزُهُ عَلَى ضَعْفِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ 7 - بَاب مِنْهُ [3511] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمِ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْكِلَابِيُّ (عَنْ ثَابِتٍ) الْبُنَانِيِّ (عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي

سَلَمَةَ) هُوَ رَبِيبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ إِنَّا لِلَّهِ أَيْ مِلْكًا وَخَلْقًا وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أَيْ فِي الْآخِرَةِ اللَّهُمَّ عِنْدَكَ أَحْتَسِبُ مُصِيبَتِي قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الِاحْتِسَابُ مِنَ الْحَسَبِ كَالِاعْتِدَادِ مِنَ الْعَدِّ وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَنْ يَنْوِي بِعَمَلِهِ وَجْهَ اللَّهِ احْتَسِبْ لِأَنَّ لَهُ حِينَئِذٍ أَنْ يَعْتَدَّ عَمَلَهُ فَجُعِلَ فِي حَالِ مُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ كَأَنَّهُ مُعْتَدٌّ بِهِ وَالْحِسْبَةُ اسْمٌ مِنَ الِاحْتِسَابِ كَالْعِدَّةِ مِنَ الِاعْتِدَادِ وهو لاحتساب فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَعِنْدَ الْمَكْرُوهَاتِ هُوَ الْبِدَارُ إِلَى طَلَبِ الْأَجْرِ وَتَحْصِيلِهِ بِالتَّسْلِيمِ وَالصَّبْرِ وَبِاسْتِعْمَالِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالْقِيَامِ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَرْسُومِ فِيهَا طَلَبًا لِلثَّوَابِ الْمَرْجُوِّ مِنْهَا فَأْجُرْنِي بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَضَمِّ الْجِيمِ وَبِالْمَدِّ وَكَسْرِ الْجِيمِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ آجَرَهُ يُؤْجِرُهُ إِذَا أَثَابَهُ وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ وَالْجَزَاءَ وَكَذَلِكَ أَجَرَهُ يَأْجُرُهُ وَالْأَمْرُ مِنْهُمَا آجِرْنِي وَأَبْدِلْنِي مِنْهَا أَيْ مِنْ مُصِيبَتِي خَيْرًا مَفْعُولٌ ثَانٍ لِأَبْدِلْنِي (فَلَمَّا احْتُضِرَ أَبُو سَلَمَةَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ دَنَا مَوْتُهُ يُقَالُ حَضَرَ فُلَانٌ وَاحْتُضِرَ إِذَا دَنَا مَوْتُهُ (قَالَ اللَّهُمَّ اخلف في أهلي خيرا مني) يقال خَلَفَ اللَّهُ لَكَ خَلَفًا بِخَيْرٍ وَأَخْلَفَ عَلَيْكَ خَيْرًا أَيْ أَبْدَلَكَ بِمَا ذَهَبَ مِنْكَ وَعَوَّضَكَ عَنْهُ وَقِيلَ إِذَا ذَهَبَ لِلرَّجُلِ مَا يَخْلُفُهُ مِثْلُ الْمَالِ وَالْوَلَدِ قِيلَ أَخْلَفَ اللَّهُ لَكَ وَعَلَيْكَ وَإِذَا ذَهَبَ لَهُ مَا لَا يَخْلُفُهُ غَالِبًا كَالْأَبِ وَالْأُمِّ قِيلَ خَلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَقَدْ يُقَالُ خَلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ إِذَا مَاتَ لَكَ مَيِّتٌ أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةً عَلَيْكَ وَأَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْكَ أَيْ أَبْدَلَكَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فَلَمَّا قُبِضَ) أَيْ قُبِضَ رُوحُهُ وَمَاتَ قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ (وَرُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ فِي عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ (وَأَبُو سَلَمَةَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ) بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ الْمَخْزُومِيُّ أَخُو النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّضَاعَةِ وبن عَمَّتِهِ بَرَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ مِنَ السابقين شهدا بَدْرًا وَمَاتَ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ أُحُدٍ فَتَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بعده بزوجته أم سلمة

88 - باب [3512] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى) بْنِ دِينَارٍ الْمَرْوَزِيُّ (أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى) السِّينَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ (حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ) اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ قَوْلُهُ سَلْ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ وَالْمُعَافَاةَ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْعَافِيَةُ أَنْ تَسْلَمَ مِنَ الْأَسْقَامِ وَالْبَلَايَا وَهِيَ الصِّحَّةُ وَضِدُّ الْمَرَضِ وَالْمُعَافَاةُ هِيَ أَنْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ مِنَ النَّاسِ وَيُعَافِيَهُمْ مِنْكَ أَيْ يُغْنِيَكَ عَنْهُمْ وَيُغْنِيهِمْ عَنْكَ وَيَصْرِفَ أَذَاهُمْ عَنْكَ وَأَذَاكَ عَنْهُمْ وَقِيلَ هِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْعَفْوِ وهو أن يعفوا عَنِ النَّاسِ وَيَعْفُوَهُمْ عَنْهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ وَالْعَافِيَةُ دِفَاعُ اللَّهِ عَنِ الْعَبْدِ عَافَاهُ اللَّهُ مِنَ الْمَكْرُوهِ مُعَافَاةً وَعَافِيَةً وَهَبَ لَهُ العافية من العلل والبلاء كأعفاء (فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ) أَيْ مِثْلَ ذَلِكَ الْقَوْلِ فَنَصْبُهُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ (ثُمَّ أَتَاهُ يَوْمَ الثالث) وفي رواية بن مَاجَهْ ثُمَّ أَتَاهُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَقَدْ أَفْلَحْتَ أَيْ فُزْتَ بِمُرَادِكَ وَظَفِرْتَ بِمَقْصُودِكَ وَفِي الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالْعَافِيَةِ أَفْضَلُ الدُّعَاءِ وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ تَكْرِيرِهِ لِلسَّائِلِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ حِينَ أَنْ يَأْتِيَهُ لِلسُّؤَالِ عَنْ أَفْضَلِ الدُّعَاءِ فَأَفَادَ هَذَا أَنَّ الدُّعَاءَ بِالْعَافِيَةِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الْأَدْعِيَةِ ثُمَّ فِي قَوْلِهِ فَإِذَا أُعْطِيتَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا إِلَخْ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ وَاضِحٌ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالْعَافِيَةِ يَشْمَلُ أُمُورَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لِأَنَّهُ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَهُ سَلْ رَبَّكَ الْعَافِيَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَكَانَ ذَلِكَ كَالْبَيَانِ لِعُمُومِ بَرَكَةِ هَذِهِ الدَّعْوَةِ بِالْعَافِيَةِ لِمَصَالِحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ثُمَّ رَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ الْفَلَاحَ الَّذِي هُوَ الْمَقْصِدُ الْأَسْنَى وَالْمَطْلُوبُ الْأَكْبَرُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وأخرجه بن مَاجَهْ (إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ) وَهُوَ ضَعِيفٌ [3513] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ) الْأَسْلَمِيِّ الْمَرْوَزِيِّ قَوْلُهُ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (إِنْ عَلِمْتُ

جَوَابُهُ مَحْذُوفٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ (أَيُّ لَيْلَةٍ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ (لَيْلَةُ الْقَدْرِ) وَالْجُمْلَةُ سَدَّتْ مَسَدِّ الْمَفْعُولَيْنِ لِعَلِمْتُ تَعْلِيقًا قِيلَ الْقِيَاسُ أَيَّةُ لَيْلَةٍ فَذَكَّرَ بِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ كَمَا ذَكَّرَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ بِاعْتِبَارِ الْكَلَامِ وَاللَّفْظِ (مَا أَقُولُ) مُتَعَلِّقٌ بِأَرَأَيْتَ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ مَا أَقُولُ فِيهَا جَوَابُ الشَّرْطِ وَكَانَ حَقُّ الْجَوَابِ أَنْ يُؤْتَى بِالْفَاءِ وَلَعَلَّهُ سَقَطَ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ وتعقب عليه القارىء بِأَنَّ دَعْوَى السُّقُوطِ مِنْ قَلَمِ النَّاسِخِ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةٍ وَقَدْ جَاءَ حَذْفُ الْفَاءِ عَلَى الْقِلَّةِ اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ أَيْ كَثِيرُ الْعَفْوِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ [3514] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ) الْقُرَشِيِّ الْهَاشِمِيِّ الْكُوفِيِّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ نَوْفَلِ الْهَاشِمِيِّ الْمَدَنِيِّ قَوْلُهُ (أسْأَلُهُ اللَّهَ) أَيِ أَطْلُبُهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي أَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْعَبَّاسِ بِالدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ بَعْدَ تَكْرِيرِ الْعَبَّاسِ سُؤَالَهُ بِأَنْ يُعَلِّمَهُ شَيْئًا يَسْأَلُ اللَّهَ بِهِ دَلِيلٌ جَلِيٌّ بِأَنَّ الدُّعَاءَ بِالْعَافِيَةِ لَا يُسَاوِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَدْعِيَةِ وَلَا يَقُومُ مَقَامَهُ شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يُدْعَى بِهِ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْعَافِيَةِ أَنَّهَا دِفَاعُ اللَّهِ عَنِ الْعَبْدِ فَالدَّاعِي بِهَا قَدْ سَأَلَ رَبَّهُ دِفَاعَهُ عَنْ كُلِّ مَا يَنْوِيهِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنْزِلُ عَمَّهُ الْعَبَّاسَ مَنْزِلَةَ أَبِيهِ وَيَرَى لَهُ مِنَ الْحَقِّ مَا يَرَى الْوَلَدُ لِوَالِدِهِ فَفِي تَخْصِيصِهِ بِهَذَا الدُّعَاءِ وَقَصْرِهِ عَلَى مُجَرَّدِ الدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ تَحْرِيكٌ لِهِمَمِ الرَّاغِبِينَ عَلَى مُلَازَمَتِهِ وَأَنْ يَجْعَلُوهُ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَوَسَّلُونَ بِهِ إِلَى رَبِّهِمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَيَسْتَدْفِعُونَ بِهِ فِي كُلِّ مَا يُهِمُّهُمْ ثُمَّ كَلَّمَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ سَلِ اللَّهَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَكَانَ هَذَا الدُّعَاءُ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ قَدْ صَارَ عُدَّةً لِدَفْعِ كُلِّ ضُرٍّ وَجَلْبِ كُلِّ خَيْرٍ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ جِدًّا قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي عِدَّةِ الْحِصْنِ الْحَصِينِ لَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم دعاءه بِالْعَافِيَةِ وَوَرَدَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفظا ومعنى من تحو من

باب قوله أللهم خر لي واختر لي

خَمْسِينَ طَرِيقًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ وَرِجَالٍ بَعْضُهَا رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرُ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ حَسَنُ الْحَدِيثِ كَذَا فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ أَيْضًا 9 - (باب [3516] قَوْلُهُ اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي) أَيِ اجْعَلْ أَمْرِي خَيْرًا وَأَلْهِمْنِي فِعْلَهُ وَاخْتَرْ لِي أَصْلَحَ الْأَمْرَيْنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ زَنْفَلٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ النُّونِ وَبِالْفَاءِ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ (وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَقَالَ بن حِبَّانَ كَانَ قَلِيلَ الْحَدِيثِ وَفِي قِلَّتِهِ مَنَاكِيرُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَفِي تَارِيخِ الْبُخَارِيِّ كَانَ بِهِ خَبَلٌ (وَيُقَالُ لَهُ زَنْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَرَفِيُّ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ [3517] قَوْلُهُ (أخبرنا يحيى) هو بن أَبِي كَثِيرٍ الطَّائِيُّ (أَنَّ زَيْدَ بْنَ سَلَّامِ) بْنِ أَبِي سَلَّامٍ الْحَبَشِيَّ (أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ) اسْمُهُ مَمْطُورٌ الْحَبَشِيُّ (عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ) اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ صَحَابِيٌّ تَفَرَّدَ بِالرِّوَايَةِ عند أَبُو سَلَّامٍ قَوْلُهُ الْوُضُوءُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ شَطْرُ الْإِيمَانِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ وفي الحديث جُرَيٍّ النَّهْدِيِّ الْآتِي الطُّهُورُ نِصْفُ الْإِيمَانِ قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهُ

فَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَجْرَ فِيهِ يَنْتَهِي تَضْعِيفُهُ إِلَى نِصْفِ أَجْرِ الْإِيمَانِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِيمَانَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ مِنَ الْخَطَايَا وَكَذَلِكَ الْوُضُوءُ إِلَّا أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَصِحُّ إِلَّا مَعَ الْإِيمَانِ فَصَارَ لِتَوَقُّفِهِ عَلَى الْإِيمَانِ فِي مَعْنَى الشَّطْرِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ هُنَا الصَّلَاةُ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ اللَّهُ ليضيع إيمانكم وَالطَّهَارَةُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَصَارَتْ كَالشَّطْرِ وَلَيْسَ يَلْزَمُ فِي الشَّطْرِ أَنْ يَكُونَ نِصْفًا حَقِيقِيًّا وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْإِيمَانَ تَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ وَانْقِيَادٌ بِالظَّاهِرِ وَهُمَا شَطْرَانِ لِلْإِيمَانِ وَالطَّهَارَةُ مُتَضَمِّنَةٌ الصَّلَاةَ فَهِيَ انْقِيَادٌ فِي الظَّاهِرِ انْتَهَى وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ مَعْنَاهُ عِظَمُ أَجْرِهَا وَأَنَّهُ يَمْلَأُ الْمِيزَانِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ نُصُوصُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى وَزْنِ الْإِيمَانِ وَثِقَلِ الْمَوَازِينِ وَخِفَّتِهَا تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي قَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطْنَاهُمَا بالتاء المشاة مِنْ فَوْقُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ يَجُوزُ يَمْلَآنِ بِالتَّأْنِيثِ وَالتَّذْكِيرِ جَمِيعًا قَالَ الطِّيبِيُّ فَالْأَوَّلُ أَيْ تَمْلَآنِ ظَاهِرٌ وَالثَّانِي فِيهَا ضَمِيرُ الْجُمْلَةِ أَيِ الْجُمْلَةِ الشَّامِلَةِ لَهُمَا وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْإِفْرَادُ بِتَقْدِيرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ ثَوَابُهُمَا جِسْمًا لَمَلَآ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَسَبَبُ عِظَمِ فَضْلِهِمَا مَا اشْتَمَلَتَا عَلَيْهِ مِنَ التَّنْزِيهِ لِلَّهِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالتَّفْوِيضِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ نُورٌ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الْمَعَاصِي وَتَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَتَهْدِي إِلَى الصَّوَابِ كَمَا أَنَّ النُّورَ يُسْتَضَاءُ بِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَكُونُ أَجْرُهَا نُورًا لِصَاحِبِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِأَنَّهَا سَبَبُ لِإِشْرَاقِ أَنْوَارِ الْمَعَارِفِ وَانْشِرَاحِ الْقَلْبِ وَمُكَاشَفَاتِ الْحَقَائِقِ لِفَرَاغِ الْقَلْبِ فِيهَا وَإِقْبَالِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَعِينُوا بالصبر والصلاة وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ نُورًا ظَاهِرًا عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَكُونُ فِي الدُّنْيَا أَيْضًا عَلَى وَجْهِهِ الْبَهَاءُ بِخِلَافِ مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ مَعْنَاهُ يُفْزَعُ إِلَيْهَا كَمَا يُفْزَعُ إِلَى الْبَرَاهِينِ كَأَنَّ الْعَبْدَ إِذَا سُئِلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ مَصْرِفِ مَالِهِ كَانَتْ صَدَقَاتُهُ بَرَاهِينَ فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ فَيَقُولُ تَصَدَّقْتُ بِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُوسَمَ الْمُتَصَدِّقُ بِسِيمَا يُعْرَفُ بِهَا فَيَكُونُ بُرْهَانًا لَهُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يُسْأَلُ عَنْ مَصْرِفِ مَالِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ الصَّدَقَةُ حُجَّةٌ عَلَى إِيمَانِ فَاعِلِهَا فَإِنَّ الْمُنَافِقَ يَمْتَنِعُ مِنْهَا لِكَوْنِهِ لَا يَعْتَقِدُهَا فَمَنْ تَصَدَّقَ اسْتَدَلَّ بِصَدَقَتِهِ عَلَى صِدْقِ إِيمَانِهِ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ مَعْنَاهُ الصَّبْرُ الْمَحْبُوبُ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ الصَّبْرُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّبْرُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَالصَّبْرُ أَيْضًا عَلَى النَّائِبَاتِ وَأَنْوَاعِ الْمَكَارِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْمُرَادُ أَنَّ الصَّبْرَ الْمَحْمُودَ لَا يَزَالُ صَاحِبُهُ مُسْتَضِيئًا مُهْتَدِيًا مُسْتَمِرًّا عَلَى الصَّوَابِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ الصَّبْرُ هُوَ الثَّبَاتُ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ مَعْنَاهُ ظَاهِرٌ أَيْ تَنْتَفِعُ بِهِ إِنْ تَلَوْتَهُ

وَعَمِلْتَ بِهِ وَإِلَّا فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْكَ كُلُّ الناس يغدو أي يصبح فبايع نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا أَيْ كُلُّ إِنْسَانٍ يَسْعَى بِنَفْسِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُهَا لِلَّهِ تَعَالَى بِطَاعَتِهِ فَيُعْتِقُهَا مِنَ الْعَذَابِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَبِيعُهَا لِلشَّيْطَانِ وَالْهَوَى بِاتِّبَاعِهِمَا فَيُوبِقُهَا أَيْ يُهْلِكُهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ والنسائي 0 - باب [3518] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ) بْنِ أَنْعُمٍ الْإِفْرِيقِيُّ (عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ) هُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجَبَلِيُّ الْمِصْرِيُّ الْمَعَافِرِيُّ قَوْلُهُ التَّسْبِيحُ نِصْفُ الْمِيزَانِ أَيْ ثَوَابُهُ بَعْدَ تَجَسُّمِهِ يَمْلَأُ نِصْفَ الْمِيزَانِ وَالْمُرَادُ بِهِ إِحْدَى كِفَّتَيْهِ الْمَوْضُوعَةُ لِوَضْعِ الْحَسَنَاتِ فِيهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ يَمْلَؤُهُ أَيِ الْمِيزَانَ أَوْ نِصْفَهُ وَهُوَ أَظْهَرُ لأن ذكار تَنْحَصِرُ فِي نَوْعَيْنِ التَّنْزِيهِ وَالتَّحْمِيدِ قَالَ الطِّيبِيُّ فَيَكُونُ الْحَمْدُ نِصْفَهُ الْآخَرَ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ وَيُلَائِمُهُ حَدِيثُ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ وَيَحْتَمِلُ تَفْضِيلَ الْحَمْدِ بِأَنَّهُ يَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَحْدَهُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى التَّنْزِيهِ ضِمْنًا لِأَنَّ الْوَصْفَ بِالْكَمَالِ مُتَضَمِّنٌ نَفْيَ النُّقْصَانِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَيْسَ لَهَا دُونَ اللَّهِ حِجَابٌ فَإِنَّهَا تَتَضَمَّنُ التَّحْمِيدَ وَالتَّنْزِيهَ وَلِذَا صَارَتْ مُوجِبَةً لِلْقُرْبِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ حَتَّى تَخْلُصَ بِضَمِّ اللَّامِ إِلَيْهِ أَيْ تصل عنده وتنتهي إلى محل القبول بالمراد بِهَذَا وَأَمْثَالِهِ سُرْعَةُ الْقَبُولِ وَالْإِجَابَةِ وَكَثْرَةُ الْأَجْرِ وَالْإِثَابَةِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَفْضَلُ مِنْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ قَوْلُهُ (وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) لِأَنَّ فِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الْإِفْرِيقِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ وَهُوَ صَدُوقٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَهْلِ بَلَدِهِ مُخَلِّطٌ فِي غَيْرِهِمْ [3519] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) اسْمُهُ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمٍ الْحَنَفِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ (عَنْ جُرَيٍّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ تصغير جرو بن كُلَيْبٍ النَّهْدِيِّ الْكُوفِيِّ مَقْبُولٌ

مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ) بِالتَّصْغِيرِ قَوْلُهُ عَدَّهُنَّ أَيِ الْخِصَالَ الْآتِيَةَ فَهُوَ ضَمِيرٌ مُبْهَمٌ يُفَسِّرُهُ مَا بَعْدَهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فسواهن سبع سماوات وَالْمُفَسَّرُ هُنَا قَوْلُهُ التَّسْبِيحُ إِلَخْ فِي يَدِي أَيْ أَخَذَ أَصَابِعَ يَدِي وَجَعَلَ يَعْقِدُهَا فِي الْكَفِّ خَمْسَ مَرَّاتٍ عَلَى عَدِّ الْخِصَالِ لِمَزِيدِ التَّفْهِيمِ وَالِاسْتِحْضَارِ أَوْ فِي يَدِهِ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ وَهُوَ الصَّبْرُ عَلَى الطَّاعَةِ فَبَقِيَ النِّصْفُ الْآخَرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ أَوِ الْمُصِيبَةِ أَوِ الصَّوْمُ صَبْرٌ عَنِ الْحَلْقِ وَالْفَرْجِ فَبَقِيَ نِصْفُهُ الْآخَرُ مِنَ الصَّبْرِ عَنْ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَالطُّهُورُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ نِصْفُ الْإِيمَانِ لِأَنَّ الْإِيمَانَ تَطْهِيرُ السِّرِّ عَنْ دَنَسِ الشِّرْكِ فَمَنْ طَهَّرَ جَوَارِحَهُ فَقَدْ طَهَّرَ ظَاهِرَهُ وَهُوَ آتٍ بِنِصْفِ الْإِيمَانِ فَإِنْ طَهُرَ بَاطِنُهُ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ جُرَيٍّ النهدي 1 - باب [3520] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ) الْجَزَرِيُّ الْهَاشِمِيُّ (عَنِ الْأَغَرِّ بْنِ الصَّبَّاحِ) التَّمِيمِيِّ الْمِنْقَرِيِّ (عَنْ خَلِيفَةَ بْنِ حُصَيْنِ) بْنِ قَيْسٍ التَّمِيمِيِّ الْمِنْقَرِيِّ قَوْلُهُ كَالَّذِي تَقُولُ بِالْفَوْقِيَّةِ أَيْ كَالْحَمْدِ الَّذِي تَحْمَدُ بِهِ نَفْسَكَ وَخَيْرًا مِمَّا نَقُولُ بِالنُّونِ أَيْ وَخَيْرًا مِمَّا نَحْمَدُكَ بِهِ مِنَ الْمَحَامِدِ (اللَّهُمَّ لَكَ) أَيْ لَا لِغَيْرِكَ وَنُسُكِي أَيْ وَسَائِرُ عِبَادَاتِي أَوْ تَقَرُّبِي بِالذَّبْحِ وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي أَيْ حَيَاتِي وَمَوْتِي وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ وَمَا آتِيهِ فِي حَيَاتِي وَمَا أَمُوتُ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ وَإِلَيْكَ مَآبِي أَيْ مَرْجِعِي

باب قوله على ما يجمع ذلك كله

وَلَكَ رَبِّ أَيْ يَا رَبِّ تُرَاثِي بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ وَبِالرَّاءِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ هُوَ مَا يُخَلِّفُهُ الْإِنْسَانُ لِوَرَثَتِهِ فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُورَثُ وَأَنَّ مَا يُخَلِّفُهُ صَدَقَةٌ لِلَّهِ وَوَسْوَسَةِ الصَّدْرِ أَيْ حَدِيثِ النَّفْسِ بِمَا لَا يَنْبَغِي وَشَتَاتِ الْأَمْرِ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَخِفَّةِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ تَفَرُّقِهِ وَعَدَمِ انْضِبَاطِهِ وَذَلِكَ هُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الضَّرَرِ اللَّاحِقِ لِمَنْ لَا تَنْضَبِطُ لَهُ الْأُمُورُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ (وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) لِأَنَّ فِيهِ قَيْسَ بْنَ الرَّبِيعِ وَهُوَ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ لَمَّا كَبِرَ وَأَدْخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ مَا لَيْسَ من حديثه فحدث به 2 - (باب [3521] قَوْلُهُ عَلَى مَا يَجْمَعُ ذَلِكَ كُلَّهُ) أَيْ عَلَى دُعَاءٍ يَجْمَعُ كُلَّ مَا دَعَوْتُ بِهِ مِنَ الدُّعَاءِ الْكَثِيرِ وَعَلَيْكَ الْبَلَاغُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْبَلَاغُ مَا يُتَبَلَّغُ وَيُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الشَّيْءِ الْمَطْلُوبِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَحَدِيثُ فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِكَ أَيْ لَا كِفَايَةَ قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَلَا شَيْءَ أَجْمَعُ وَلَا أَنْفَعُ مِنْ هَذَا الدُّعَاءِ فَإِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ مِنَ الْأَدْعِيَةِ الْكَثِيرُ الطَّيِّبُ وَصَحَّ عَنْهُ مِنَ التَّعَوُّذِ مِمَّا يَنْبَغِي التَّعَوُّذُ مِنْهُ الْكَثِيرُ الطَّيِّبُ حَتَّى لَمْ يَبْقَ خَيْرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا قَدْ سَأَلَهُ مِنْ رَبِّهِ وَلَمْ يَبْقَ شَرٌّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إِلَّا وَقَدِ اسْتَعَاذَ رَبَّهُ مِنْهُ فَمَنْ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَهُ مِنْهُ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَعَاذَ مِنْ شَرِّ مَا اسْتَعَاذَ مِنْهُ نَبِيُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ جَاءَ فِي دُعَائِهِ بِمَا لَا يَحْتَاجُ بَعْدُ إِلَى غَيْرِهِ وَسَأَلَهُ الْخَيْرَ عَلَى

اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَاسْتَعَاذَ مِنَ الشَّرِّ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ وَحَظِيَ بِالْعَمَلِ بِإِرْشَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هَذَا الْقَوْلِ الْجَامِعِ وَالدُّعَاءِ النَّافِعِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الطبراني في الكبير 3 - باب [3522] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ مُوسَى (أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ) الْعَنْبَرِيُّ التَّمِيمِيُّ الْبَصْرِيُّ (عَنْ أَبِي كَعْبٍ صَاحِبِ الْحَرِيرِ) اسْمُهُ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَزْدِيُّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ قَوْلُهُ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ إِلَخْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْ الرحمن مِنْ أَبْوَابِ الْقَدَرِ (قَالَتْ) أَيْ أُمُّ سَلَمَةَ (مَا لِأَكْثَرِ دُعَائِكَ) أَيْ مَا السَّبَبُ فِي إكثارك هذا الدعاء (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ أَيْ فَمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَقَامَ قَلْبَهُ وَثَبَّتَهُ عَلَى دِينِهِ وَطَاعَتِهِ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ أَيْ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَمَالَ قَلْبَهُ وَصَرَفَهُ عَنْ دِينِهِ وطاعته (فتلا معاذ) أي بن مُعَاذٍ الْمَذْكُورُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَالنَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ النَّوَّاسِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا فِي الْقَدَرِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا أَحَادِيثُ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد

4 - باب [3523] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ) بِالْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرًا الْفَزَارِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ وَكُنْيَةُ أَبِيهِ أَبُو لَيْلَى وَيُقَالُ أَبُو خَالِدٍ مَتْرُوكٌ رُمِيَ بِالرَّفْضِ وَاتَّهَمَهُ بن مَعِينٍ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيُّ قَوْلُهُ (فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَنَامُ اللَّيْلَ مِنَ الْأَرَقِ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ شَكَا وَالْأَرَقُ بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مِنْ أَجْلِ السَّهَرِ وَهُوَ مُفَارَقَةُ الرَّجُلِ النَّوْمَ مِنْ وَسْوَاسٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إِذَا أَوَيْتَ بِالْقَصْرِ وَمَا أَظَلَّتْ أَيْ وَمَا أَوْقَعَتْ ظِلَّهَا عَلَيْهِ وَمَا أَقَلَّتْ أَيْ حَمَلَتْ وَرَفَعَتْ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ وَمَا أَضَلَّتْ أَيْ وَمَا أَضَلَّتِ الشَّيَاطِينُ مِنَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ فَمَا هُنَا بِمَعْنَى مَنْ وَفِيمَا قَبْلُ غَلَبَ فِيهَا غَيْرُ الْعَاقِلِ ويمكن أن ما هنا للمشا كلة كُنْ لِي جَارًا مِنَ اسْتَجَرْتُ فُلَانًا فَأَجَارَنِي وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عليه أَيْ كُنْ لِي مُعِينًا وَمَانِعًا وَمُجِيرًا وَحَافِظًا أَنْ يَفْرُطَ عَلَيَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَيْ مِنْ أَنْ يَفْرُطَ عَلَى أَنَّهُ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ شَرِّ خَلْقِكَ أَوْ لِئَلَّا يَفْرُطَ أَوْ كَرَاهَةَ أَنْ يَفْرُطَ يُقَالُ فَرَطَ عَلَيْهِ أَيْ عَدَا عَلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَبْغِيَ بِكَسْرِ الْغَيْنِ أَيْ يَظْلِمَ عَلَيَّ أَحَدٌ عَزَّ جَارُكَ أَيْ غَلَبَ مُسْتَجِيرُكَ وَصَارَ عَزِيزًا وَجَلَّ أَيْ عَظُمَ ثَنَاؤُكَ يَحْتَمِلُ إِضَافَتَهُ إِلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُثْنِي غَيْرَهُ أَوْ ذَاتَهُ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ الخ) والحديث أخرجه الطبراني وبن أَبِي شَيْبَةَ مِنْ حَدِيثِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ

[3528] قَوْلُهُ إِذَا فَزِعَ بِكَسْرِ الزَّايِ أَيْ خَافَ فِي النَّوْمِ أَيْ فِي حَالِ النَّوْمِ أَوْ عِنْدَ إِرَادَتِهِ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ أَيِ الْكَامِلَةِ الشَّامِلَةِ الْفَاضِلَةِ وَهِيَ أَسْمَاؤُهُ وَصِفَاتُهُ وَآيَاتُ كُتُبِهِ وَعِقَابِهِ أَيْ عَذَابِهِ شَرِّ عِبَادِهِ مِنَ الظُّلْمِ وَالْمَعْصِيَةِ وَنَحْوِهِمَا وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ أَيْ نَزَغَاتِهِمْ وَخَطَرَاتِهِمْ وَوَسَاوِسِهِمْ وَإِلْقَائِهِمُ الْفِتْنَةَ وَالْعَقَائِدَ الْفَاسِدَةَ فِي الْقَلْبِ وَهُوَ تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ وَأَنْ يَحْضُرُونِ بِحَذْفِ الْيَاءِ وَإِبْقَاءِ الْكَسْرَةِ دَلِيلًا عَلَيْهَا أَيْ وَمِنْ أَنْ يَحْضُرُونِي فِي أُمُورِي كَالصَّلَاةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا يَحْضُرُونَ بِسُوءٍ فَإِنَّهَا أَيِ الْهَمَزَاتِ لَنْ تَضُرَّهُ أَيْ إِذَا دَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْفَزَعَ إِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ (يُلَقِّنُهَا) أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَهُوَ مِنَ التَّلْقِينِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُعَلِّمُهَا مِنَ التَّعْلِيمِ (مَنْ بَلَغَ مِنْ وَلَدِهِ) أَيْ لِيَتَعَوَّذَ بِهَا (فِي صَكٍّ) أَيْ فِي وَرَقَةٍ (ثُمَّ عَلَّقَهَا) أَيْ عَلَّقَ الْوَرَقَةَ الَّتِي هِيَ فِيهَا (فِي عُنُقِهِ) أَيْ فِي رَقَبَةِ وَلَدِهِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ فِي اللَّمَعَاتِ هَذَا هُوَ السَّنَدُ فِي مَا يُعَلَّقُ فِي أَعْنَاقِ الصِّبْيَانِ مِنَ التَّعْوِيذَاتِ وَفِيهِ كَلَامٌ وَأَمَّا تَعْلِيقُ الْحِرْزِ وَالتَّمَائِمِ مِمَّا كَانَ مِنْ رُسُومِ الْجَاهِلِيَّةِ فَحَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ انْتَهَى قُلْتُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي تَعْلِيقِ التَّعْوِيذَاتِ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ التَّعْلِيقِ مِنْ أَبْوَابِ الطِّبِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صحيح الإسناد وليس عنده تخصيصها بالنوم 9 - باب [3530] قوله (حدثنا محمد بن جعفر) المعروف بغندر (عن عمر بْنِ مُرَّةَ) الْجَمَلِيِّ الْمُرَادِيِّ (قُلْتُ لَهُ) أَيْ لِأَبِي وَائِلٍ وَهَذَا قَوْلُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ (قَالَ نَعَمْ) أَيْ قَالَ أَبُو وَائِلٍ نَعَمْ قَدْ سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ

مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ (وَرَفَعَهُ) أَيْ رفع بن مَسْعُودٍ الْحَدِيثَ يَعْنِي رَوَاهُ مَرْفُوعًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ لَا أَحَدَ أَغْيَرُ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مِنَ الْغَيْرَةِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَهِيَ الْأَنَفَةُ وَالْحَمِيَّةُ قَالَ النَّحَّاسُ هُوَ أَنْ يَحْمِيَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ وَغَيْرَهَا مِنْ قَرَابَتِهِ وَيَمْنَعَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ أَوْ يَرَاهُنَّ غَيْرُ ذِي مَحْرَمٍ وَالْغَيُورُ ضِدُّ الدَّيُّوثِ وَالْقُنْدُعُ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا الدَّيُّوثُ هَذَا فِي حَقِّ الْآدَمِيِّينَ وَأَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ فَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرَةُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَيْ أَنَّ غَيْرَتَهُ مَنْعُهُ وَتَحْرِيمُهُ وَلَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ الْفَوَاحِشَ وتواعد عَلَيْهَا وَصَفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْغَيْرَةِ وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرَتِهِ أَنْ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ وَلِذَلِكَ أَيْ لِأَجْلِ الْغَيْرَةِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ بن جَرِيرٍ إِنَّ أَهْلَ التَّأْوِيلِ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْفَوَاحِشِ فَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى الْعُمُومِ وَسَاقَ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ الْمُرَادُ سِرُّ الْفَوَاحِشِ وَعَلَانِيَتُهَا وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهَا عَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ وساق عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَرَوْنَ بالزنى بَأْسًا فِي السِّرِّ وَيَسْتَقْبِحُونَهُ فِي الْعَلَانِيَةِ فَحَرَّمَ الله الزنى فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ مَا ظَهَرَ نِكَاحُ الْأُمَّهَاتِ وَمَا بطن الزنى ثم اختار بن جَرِيرٍ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ قَالَ وَلَيْسَ مَا رُوِيَ عن بن عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ بِمَدْفُوعٍ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى الْحَمْلُ عَلَى الْعُمُومِ انْتَهَى وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ يَجُوزُ فِي أَحَبُّ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ وَهُوَ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ وَقَوْلُهُ الْمَدْحُ بِالرَّفْعِ فَاعِلُهُ وَحُبُّ اللَّهِ الْمَدْحَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُعْقَلُ مِنْ حُبِّ الْمَدْحِ وَإِنَّمَا الرَّبُّ أَحَبَّ الطَّاعَاتِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا مَدْحُهُ لِيُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ فَيَنْتَفِعَ الْمُكَلَّفُ لَا لِيَنْتَفِعَ هُوَ بِالْمَدْحِ وَنَحْنُ نُحِبُّ الْمَدْحَ لِنَنْتَفِعَ وَيَرْتَفِعَ قَدْرُنَا فِي قَوْمِنَا فَظَهَرَ مِنْ غَلَطِ الْعَامَّةِ قَوْلُهُمْ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْمَدْحَ فَكَيْفَ لَا نُحِبُّهُ نَحْنُ فَافْهَمْ وَلِذَلِكَ أَيْ وَلِأَجْلِ حُبِّهِ الْمَدْحَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 00 - باب [3531] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الْخَيْرِ) اسْمُهُ مَرْثَدُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالزَّايِ بَعْدَهَا نُونٌ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ الْعَاصِ السَّهْمِيِّ قَوْلُهُ (أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي) أَيْ عَقِبَ التَّشَهُّدِ كَمَا قَيَّدَهُ

بعض علمائنا قاله القارىء قُلْتُ وَإِلَى هَذَا احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ بَابُ الدُّعَاءِ قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ ذَكَرَ حديث أبي بكر هذا وقال بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا يَقْتَضِي الْأَمْرَ بِهَذَا الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مَحَلِّهِ وَلَعَلَّ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ مَوْطِنَيْنِ السُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ لِأَنَّهُمَا أُمِرَ فِيهِمَا بِالدُّعَاءِ ظَلَمْتُ نَفْسِي أَيْ بِمُلَابَسَةِ مَا يَسْتَوْجِبُ الْعُقُوبَةَ أَوْ يَنْقُصُ الْحَظَّ وَفِيهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْرَى عَنْ تَقْصِيرٍ وَلَوْ كَانَ صِدِّيقًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ فِيهِ إِقْرَارٌ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَاسْتِجْلَابٌ لِلْمَغْفِرَةِ وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أنفسهم الْآيَةَ فَأَثْنَى عَلَى الْمُسْتَغْفِرِينَ وَفِي ضِمْنِ ثَنَائِهِ عَلَيْهِمْ بِالِاسْتِغْفَارِ لَوَّحَ بِالْأَمْرِ بِهِ كَمَا قِيلَ إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَثْنَى اللَّهُ عَلَى فَاعِلِهِ فَهُوَ آمِرٌ بِهِ وَكُلُّ شَيْءٍ ذَمَّ فَاعِلَهُ فَهُوَ نَاهٍ عَنْهُ مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ دَلَّ التَّنْكِيرُ عَلَى أَنَّ الْمَطْلُوبَ غُفْرَانٌ عَظِيمٌ لَا يُدْرَكُ كُنْهُهُ وَوَصْفُهُ بِكَوْنِهِ مِنْ عِنْدِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُرِيدًا لِذَلِكَ لِأَنَّ الْعِظَمَ الَّذِي يَكُونُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يُحِيطُ بِهِ وَصْفٌ إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ هُمَا صِفَتَانِ ذُكِرَتَا خَتْمًا لِلْكَلَامِ عَلَى جِهَةِ الْمُقَابَلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ فَالْغَفُورُ مُقَابِلٌ لِقَوْلِهِ اغْفِرْ لِي وَالرَّحِيمُ مُقَابِلُ ارْحَمْنِي وَهِيَ مُقَابَلَةٌ مُرَتَّبَةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجة 01 - [3524] قَوْلُهُ (عَنِ الرُّحَيْلِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا (بْنِ مُعَاوِيَةَ) بْنِ حُدَيْجٍ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ جِيمٌ الْجُعْفِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنِ الرَّقَاشِيِّ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ أَبَانٍ قَوْلُهُ (إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ) أَيْ أَصَابَهُ كَرْبٌ وَشِدَّةٌ (يَا حَيُّ) أَيِ الدَّائِمُ الْبَقَاءِ (يَا قَيُّومُ) أَيِ الْمَبَالِغُ فِي الْقِيَامِ بِتَدْبِيرِ خَلْقِهِ (بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ) أَيْ أَطْلُبُ الْإِغَاثَةَ وَأَطْلُبُ الْإِعَانَةَ

قَوْلُهُ (وَبِإِسْنَادِهِ) أَيْ بِإِسْنَادِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (أَلِظُّوا بياذا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ) أَيِ الْزَمُوهُ وَاثْبُتُوا عَلَيْهِ وَأَكْثِرُوا مِنْ قَوْلِهِ وَالتَّلَفُّظِ بِهِ فِي دُعَائِكُمْ يُقَالُ أَلَظَّ بِالشَّيْءِ يُلِظُّ إِلْظَاظًا إِذَا لَزِمَهُ وَثَابَرَ عَلَيْهِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ [3525] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُؤَمَّلٌ) هو بن إِسْمَاعِيلَ الْعَدَوِيُّ (عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ) بْنِ دِينَارٍ الْبَصْرِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ ألظوا بياذا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ وَأَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ هُوَ الطويل [3527] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنِ الْجُرَيْرِيِّ) بِالتَّصْغِيرِ هُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ (عَنْ أَبِي الورد) هو بن ثُمَامَةَ بْنُ حَزْنٍ الْقُشَيْرِيُّ الْبَصْرِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنِ اللَّجْلَاجِ) الْعَامِرِيِّ صَحَابِيٌّ سَكَنَ دِمَشْقَ قَوْلُهُ (يَقُولُ) بَدَلٌ أَوْ حَالٌ (فَقَالَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُؤَالُ امْتِحَانٍ (دَعْوَةٌ) أَيْ مُسْتَجَابَةٌ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ أَوْ هُوَ دَعْوَةٌ أَوْ مَسْأَلَةُ دَعْوَةٍ (أَرْجُو بِهَا الْخَيْرَ) وفي المشكاة أرجو بها خيرا قال القارىء أَيْ أَسْأَلُهُ دَعْوَةً مُسْتَجَابَةً فَيَحْصُلُ مَطْلُوبِي مِنْهَا وَلَمَّا صَرَّحَ بِقَوْلِهِ خَيْرًا فَكَانَ غَرَضُهُ الْمَالَ الْكَثِيرَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنْ تَرَكَ خيرا فرده صلى الله عيله وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ إِنَّ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ إِلَخْ وَأَشَارَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النار وأدخل الجنة فقد فاز انتهى قال القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الرَّجُلَ حَمَلَ النِّعْمَةَ عَلَى النِّعَمِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْفَانِيَةِ وَتَمَامُهَا عَلَى مُدَّعَاهُ فِي دُعَائِهِ فَرَدَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ ودله على أنه لَا نِعْمَةَ إِلَّا النِّعْمَةُ الْبَاقِيَةُ الْأُخْرَوِيَّةُ (فَإِنَّ من تمام النعمة دخول الجنة) أي ابتداء (والفوز) أي الْخَلَاصَ وَالنَّجَاةَ (مِنَ

النَّارِ) أَيْ وَلَوِ انْتِهَاءً (وَسَمِعَ) أَيِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (ياذا الجلال والإكرام) أي ياذا الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْإِكْرَامِ لِأَوْلِيَائِهِ (قَدِ اسْتُجِيبَ لَكَ فَسَلْ) أَيْ مَا تُرِيدُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أن استفتاح الدعاء بقوله الداعي ياذا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَكُونُ سَبَبًا فِي الْإِجَابَةِ وَفَضْلُ اللَّهِ وَاسِعٌ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَأَلْتَ اللَّهَ الْبَلَاءَ) أَيْ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ (فَاسْأَلْهُ الْعَافِيَةَ) أَيْ فَإِنَّهَا أَوْسَعُ وَكُلُّ أَحَدٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى الْبَلَاءِ وَمَحَلُّ هَذَا إِنَّمَا هُوَ قَبْلَ وُقُوعِ الْبَلَاءِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا مَنْعَ مِنْ سُؤَالِ الصَّبْرِ بَلْ مُسْتَحَبٌّ لِقَوْلِهِ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صبرا قوله (هذا حديث حسن) وأخرجه أحمد 02 - باب [3526] قَوْلُهُ (مَنْ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ) أَيْ لِيَنَامَ (طاهرا) أي متوضأ (يَذْكُرُ اللَّهَ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (حَتَّى يُدْرِكَهُ النُّعَاسُ) بِضَمِّ النُّونِ يَعْنِي حَتَّى يَنَامَ (لَمْ يَنْقَلِبْ) من الانقلاب وفي بعض النصح لَمْ يَتَقَلَّبْ مِنَ التَّقَلُّبِ وَالْمُرَادُ مِنَ الِانْقِلَابِ هُنَا الِاسْتِيقَاظُ وَالِانْتِبَاهُ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي ظَبْيَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ وَيُقَالُ بِالْمُهْمَلَةِ وَتَقْدِيمِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ السُّلَفِيِّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْكَلَاعِيِّ بِفَتْحِ الْكَافِ نَزَلَ حِمْصَ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ

3 - باب [3529] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ) الْأَلْهَانِيِّ (عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الشَّامِيِّ قِيلَ اسْمُهُ أَخْضَرُ وَقِيلَ النُّعْمَانُ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (فَأَلْقَى) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو (إِلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (صَحِيفَةً أَيْ كِتَابًا (هَذَا) أَيِ الَّذِي أَلْقَيْتُ إِلَيْكَ (اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) إِلَى قَوْلِهِ (وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ بَعْدَ بَابِ الدُّعَاءِ إِذَا أَصْبَحَ وَإِذَا أَمْسَى (وَأَنْ أَقْتَرِفَ) أَيْ أَكْتَسِبَ وَأَعْمَلَ (أَوْ أَجُرَّهُ) مِنَ الْجَرِّ وَالضَّمِيرُ المنصوب راجع إلى قوله سوء [3533] قَوْلُهُ (فَضَرَبَهَا) أَيْ أَغْصَانَ الشَّجَرَةِ (فَتَنَاثَرَ الْوَرَقُ) أَيْ تَسَاقَطَ (إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ إِلَخْ) قَالَ الطِّيبِيُّ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ كُلُّهَا بِالنَّصْبِ عَلَى اسْمِ إِنَّ وَخَبَرُهَا قَوْلُهُ (لَتُسَاقِطُ بِضَمِّ التَّاءِ مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ (مِنْ ذُنُوبِ الْعَبْدِ) أي المتكلم بهذه الكلمات (كما تساقط أوراق الشَّجَرَةِ هَذِهِ) بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَعْلُومِ وَمِنْ بَابِ التَّفَاعُلِ وَالْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ تُسَاقِطُ ذُنُوبَ الْعَبْدِ فَتَتَسَاقَطُ كَمَا تَسَاقَطَ وَرَقُ هَذِهِ الشَّجَرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَلَا نَعْرِفُ لِلْأَعْمَشِ سَمَاعًا مِنْ أَنَسٍ إِلَخْ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصحيح

باب في فضل التوبة والاستغفار

[3534] قَوْلُهُ (عَنِ الْجُلَاحِ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَخِفَّةِ اللَّامِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (أَبِي كَثِيرٍ) الْمِصْرِيِّ مَوْلَى الْأُمَوِيِّينَ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عُمَارَةَ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وتخفيف الميم (بن شبيب) بفتح المعجمة وكسر الموحدة الأولى (السبأي) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَبِالْهَمْزَةِ الْمَقْصُورَةِ وَيُقَالُ فِيهِ عمار يقال له صحبة وقال بن حِبَّانَ فِي ثِقَاتِهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً فَقَدْ وَهِمَ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى حَدِيثًا وَاحِدًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقِيلَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ عَلَى أَثَرِ الْمَغْرِبِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ أَوْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ بَعْدَهُ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ مَسْلَحَةً قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَسْلَحَةُ الْقَوْمُ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ الثُّغُورَ مِنَ الْعَدُوِّ وَسُمُّوا مَسْلَحَةً لِأَنَّهُمْ يَكُونُونَ ذَوِي سِلَاحٍ أَوْ لِأَنَّهُمْ يَسْكُنُونَ الْمَسْلَحَةَ وَهِيَ كَالثَّغْرِ وَالْمَرْقَبُ يَكُونُ فِيهِ أَقْوَامٌ يَرْقُبُونَ الْعَدُوَّ لِئَلَّا يَطْرُقَهُمْ عَلَى غَفْلَةٍ فَإِذَا رَأَوْهُ أَعْلَمُوا أَصْحَابَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا لَهُ وَجَمْعُ الْمَسْلَحِ مَسَالِحُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ مُوجِبَاتٍ أَيْ لِلْجَنَّةِ مُوبِقَاتٍ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مُهْلِكَاتٍ وَكَانَتْ لَهُ بِعَدْلِ عَشْرِ رقبات أَيْ مِثْلَ عِتْقِهَا وَالْعَدْلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا بِمَعْنَى الْمِثْلِ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ الْمِثْلُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ وَبِالْكَسْرِ مِنَ الْجِنْسِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ 02 - (بَاب فِي فَضْلِ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ) وَمَا ذُكِرَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ لِعِبَادِهِ [3535] قَوْلُهُ (فَقُلْتُ ابْتِغَاءَ الْعِلْمِ) أَيْ جَاءَ بِي عِنْدَكَ طَلَبُ الْعِلْمِ (فَقَالَ إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ

أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِمَا يَطْلُبُ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ فَضْلِ الْفِقْهِ عَلَى الْعِبَادَةِ مِنْ أَبْوَابِ الْعِلْمِ (قُلْتُ إِنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (حَكَّ فِي صَدْرِي) قَالَ فِي النِّهَايَةِ حَكَّ الشَّيْءُ فِي نَفْسِي إِذَا لَمْ تَكُنْ مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ بِهِ وَكَانَ فِي قَلْبِكَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الشَّكِّ وَالرَّيْبِ (الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ حَكَّ (وَكُنْتُ) بِصِيغَةِ الْخِطَابِ (هَلْ سَمِعْتَهُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَ كَانَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَوْ مُسَافِرِينَ إِلَى قَوْلِهِ لَكِنْ غَائِطٌ وَبَوْلٌ ونوم) تقدم شرح فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ (يَذْكُرُ فِي الْهَوَى شَيْئًا) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالْوَاوِ وَهُوَ الْحُبُّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ هَوِيَهُ كَرَضِيَهُ هوى فهو أَيْ أَحَبَّهُ (بِصَوْتٍ لَهُ جَهْوَرِيٍّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ ثُمَّ وَاوٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ أَيْ عَالٍ هَاؤُمُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَاؤُمُ بِمَعْنَى تَعَالَ وَبِمَعْنَى خذ ويقال للجماعة كقوله تعالى هاؤم اقرؤوا كتابيه وَإِنَّمَا رَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مِنْ طَرِيقِ الشَّفَقَةِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يَحْبَطَ عَمَلُهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النبي فَعَذَرَهُ لِجَهْلِهِ وَرَفَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ حَتَّى كَانَ مِثْلَ صَوْتِهِ أَوْ فَوْقَهُ لِفَرْطِ رَأْفَتِهِ بِهِ انْتَهَى (اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أَيِ اخْفِضْهُ (وَقَدْ نُهِيتُ عَنْ هَذَا) أَيْ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ وَاللَّهِ لَا أَغْضُضْ) إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ أَعْرَابِيًّا جِلْفًا جَافِيًا كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ (وَلَمَّا يحلق بِهِمْ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَمْ يَلْحَقْ بِعَمَلِهِمْ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ بِعَمَلِهِمْ وَفِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ وَلَمْ يَعْمَلْ بِمِثْلِ عَمَلِهِمْ وَهُوَ يُفَسِّرُ

الْمُرَادَ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَعَهُمْ أَنْ تَكُونَ مَنْزِلَتُهُ وَجَزَاؤُهُ مِثْلَهُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ (فَمَا زَالَ يُحَدِّثُنَا) هَذَا قَوْلُ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ (مِنْ قِبَلِ الْمَغْرِبِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ جَانِبِهِ (مَسِيرَةُ عَرْضِهِ أَوْ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي عَرْضِهِ) كَلِمَةُ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ عَامًا وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ سَبْعِينَ عَامًا مِنْ غَيْرِ شَكٍّ (حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْمَغْرِبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حسن صحيح) وأخرجه بن ماجة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ [3536] قَوْلُهُ (حَاكَ أَوْ حَكَّ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ حَكَّ وَأَمَّا مَعْنَى حَاكَ فَقَالَ فِي الْقَامُوسِ حَاكَ الثَّوْبَ حَوْكًا وَحِيَاكًا وَحِيَاكَةً نَسَجَهُ وَحَاكَ الشَّيْءُ فِي صَدْرِي رَسَخَ وَقَالَ حَاكَ الْقَوْلُ فِي الْقَلْبِ حَيْكًا أَخَذَ (أَعْرَابِيٌّ جِلْفٌ جَافٍ) هَذِهِ الثَّلَاثَةُ صِفَاتٍ لِقَوْلِهِ رَجُلٌ فَالْجِلْفُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْأَحْمَقُ وَأَصْلُهُ مِنَ الْجِلْفِ وَهِيَ الشَّاةُ الْمَسْلُوخَةُ الَّتِي قُطِعَ رَأْسُهَا وَقَوَائِمُهَا وَيُقَالُ لِلدَّنِّ أَيْضًا شَبَّهَ الْأَحْمَقَ بِهِمَا لِضَعْفِ عَقْلِهِ وَجَافٍ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَفَاءِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ مَنْ بَدَا جَفَا

باب قوله حدثنا إبراهيم بن يعقوب

أَيْ مَنْ سَكَنَ الْبَادِيَةَ غَلُظَ طَبْعُهُ لِقِلَّةِ مُخَالَطَةِ النَّاسِ وَالْجَفَاءُ غِلَظُ الطَّبْعِ انْتَهَى (مَهْ) هُوَ اسْمٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ بِمَعْنَى اسْكُتْ (قال زر) أي بن حُبَيْشٍ (فَمَا بَرِحَ) أَيْ فَمَا زَالَ (يُحَدِّثُنِي) أَيْ صَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ هُوَ طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا لا ينفع نفسا إيمانها الْآيَةَ تَمَامُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبْتِ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إنا منتظرون (باب [3537] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ) الْجُوزَجَانِيُّ (أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدَّةِ التَّحْتَانِيَّةِ وَبِالْمُعْجَمَةِ (الْحِمْصِيُّ) الْأَلْهَانِيُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ ظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الحنفية بالكافر قاله القارىء قُلْتُ الظَّاهِرُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ هُوَ الْأَوَّلُ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ مِنَ الْغَرْغَرَةِ أَيْ مَا لَمْ تَبْلُغِ الرُّوحُ إِلَى الْحُلْقُومِ يَعْنِي مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِالْمَوْتِ فَإِنَّ التَّوْبَةَ بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِالْمَوْتِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يموتون وهم كفار قيل وأما تفسير بن عَبَّاسٍ حُضُورَهُ بِمُعَايَنَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ فَحُكْمٌ أَغْلَبِيٌّ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَا يَرَاهُ وَكَثِيرًا يَرَاهُ قَبْلَ الْغَرْغَرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجة وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ

[3538] قَوْلُهُ لَلَّهُ أَفْرَحُ بِلَامِ التَّأْكِيدِ الْمَفْتُوحَةِ وَفِي حديث بن مَسْعُودٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَرَحُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ رِضَاهُ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ الْفَرَحُ يَنْقَسِمُ عَلَى وُجُوهٍ مِنْهَا السُّرُورُ وَالسُّرُورُ يُقَارِنُهُ الرِّضَا بِالْمَسْرُورِ بِهِ قَالَ فَالْمُرَادُ هُنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْضَى بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ أَشَدَّ مِمَّا يَرْضَى وَاجِدُ ضَالَّتِهِ بِالْفَلَاةِ فَعَبَّرَ عَنِ الرِّضَا بِالْفَرَحِ تَأْكِيدًا لِمَعْنَى الرِّضَا فِي نَفْسِ السَّامِعِ وَمُبَالَغَةً فِي تَقْرِيرِهِ انْتَهَى قُلْتُ لَا حَاجَةَ إِلَى التَّأْوِيلِ وَمَذْهَبُ السَّلَفِ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْحَدِيثِ إِمْرَارُهَا عَلَى ظَوَاهِرِهَا مِنْ غَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلَا تَشْبِيهٍ وَلَا تَأْوِيلٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ فَضْلِ الصَّدَقَةِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِضَالَّتِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الضَّالَّةُ هِيَ الضَّائِعَةُ مِنْ كُلِّ مَا يُقْتَنَى مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ يُقَالُ ضَلَّ الشَّيْءُ إِذَا ضَاعَ وَهِيَ فِي الْأَصْلِ فَاعِلَةٌ ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهَا فَصَارَتْ مِنَ الصِّفَاتِ الْغَالِبَةِ وَتَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن مَسْعُودٍ وَالنُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ بن مَسْعُودٍ وَحَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُمَا الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3539] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ قَاصِّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ قيس المدني

الْقَاصُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَحَدِيثُهُ عَنِ الصَّحَابَةِ مُرْسَلٌ (عَنْ أَبِي صِرْمَةَ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْأَنْصَارِيِّ (عَنْ أَبِي أَيُّوبَ) الْأَنْصَارِيِّ قَوْلُهُ (قَدْ كَتَمْتُ عَنْكُمْ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إنما كَتَمَهُ أَوَّلًا مَخَافَةَ اتِّكَالِهِمْ عَلَى سَعَةِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَانْهِمَاكِهِمْ فِي الْمَعَاصِي وَإِنَّمَا حَدَّثَ بِهِ عِنْدَ وَفَاتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ كَاتِمًا لِلْعِلْمِ وَرُبَّمَا لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَحْفَظُهُ غَيْرُهُ فَتَعَيَّنَ علته أَدَاؤُهُ لَوْلَا أَنَّكُمْ تُذْنِبُونَ أَيْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَخَلَقَ اللَّهُ خَلْقًا أَيْ قَوْمًا آخَرِينَ مِنْ جِنْسِكُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ يُذْنِبُونَ فَيَغْفِرَ لَهُمْ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ قَالَ الطِّيبِيُّ لَيْسَ فِي الْحَدِيثُ تَسْلِيَةً لِلْمُنْهَمِكِينَ فِي الذُّنُوبِ كَمَا يَتَوَهَّمُهُ أَهْلُ الْغِرَّةِ بِاللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا بُعِثُوا لِيَرْدَعُوا النَّاسَ عَنْ غَشَيَانِ الذُّنُوبِ بَلْ بَيَانٌ لِعَفْوِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَجَاوُزِهِ عَنِ الْمُذْنِبِينَ لِيَرْغَبُوا فِي التَّوْبَةِ وَالْمَعْنَى الْمُرَادُ مِنَ الْحَدِيثِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ كَمَا أَحَبَّ أَنْ يُعْطِيَ الْمُحْسِنِينَ أَحَبَّ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنِ الْمُسِيئِينَ وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَسْمَائِهِ الْغَفَّارُ الْحَلِيمُ التَّوَّابُ العفو أو لم يَكُنْ لِيَجْعَلَ الْعِبَادَ شَأْنًا وَاحِدًا كَالْمَلَائِكَةِ مَجْبُولِينَ عَلَى التَّنَزُّهِ مِنَ الذُّنُوبِ بَلْ يَخْلُقُ فِيهِمْ مَنْ يَكُونُ بِطَبْعِهِ مَيَّالًا إِلَى الْهَوَى مُتَلَبِّسًا بِمَا يَقْتَضِيهِ ثُمَّ يُكَلِّفُهُ التَّوَقِّيَ عَنْهُ وَيُحَذِّرُهُ عَنْ مُدَانَاتِهِ وَيُعَرِّفُهُ التَّوْبَةَ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ فَإِنْ وَفَّى فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَإِنْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ فَالتَّوْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ قوله (أخبرنا عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الرِّجَالِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ جِيمٍ وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ الثُّغُورِ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ عُمَرَ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَدَنِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو حَفْصٍ (مَوْلَى غُفْرَةَ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ ضَعِيفٌ وَكَانَ كَثِيرَ الْإِرْسَالِ مِنَ الْخَامِسَةِ

[3540] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْحَاقَ الْجَوْهَرِيُّ) البصري مستملي أبي عَاصِمٍ يُلَقَّبُ بِدْعَةَ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ ثقة حافظ من الحادية عشرة (حدثنا أَبُو عَاصِمٍ) اسْمُهُ الضَّحَّاكُ النَّبِيلُ (أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ فَائِدٍ) بِالْفَاءِ الْبَصْرِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ (أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ) الْهُنَائِيُّ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي مَا مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ أَيْ مَا دُمْتَ تَدْعُونِي وَتَرْجُونِي يَعْنِي فِي مُدَّةِ دُعَائِكَ وَرَجَائِكَ غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ أَيْ مِنَ الْمَعَاصِي وَإِنْ تَكَرَّرَتْ وَكَثُرَتْ وَلَا أُبَالِي أَيْ وَالْحَالُ أَنِّي لَا أَتَعَظَّمُ مَغْفِرَتَكَ عَلَيَّ وَإِنْ كَانَ ذَنْبًا كَبِيرًا أَوْ كَثِيرًا قَالَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِ وَلَا أبالي معنى لا يسأل عما يفعل عَنَانَ السَّمَاءِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ سَحَابَهَا وَقِيلَ مَا عَلَا مِنْهَا أَيْ ظَهَرَ لَكَ مِنْهَا إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ إِلَى السَّمَاءِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْعَنَانُ السَّحَابُ وَإِضَافَتُهَا إِلَى السَّمَاءِ تَصْوِيرٌ لِارْتِفَاعِهِ وأنه بلغ مبلغ المساء بِقُرَابِ الْأَرْضِ بِضَمِّ الْقَافِ وَيُكْسَرُ أَيْ بِمَا يقارب ملؤها (خَطَايَا) تَمْيِيزُ قُرَابٍ أَيْ بِتَقْدِيرِ تَجَسُّمِهَا لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا الْجُمْلَةُ حَالٌ مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ عَلَى حِكَايَةِ الْحَالِ الْمَاضِيَةِ لِعَدَمِ الشِّرْكِ وَقْتَ اللُّقِيِّ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً قَالَ الطِّيبِيُّ ثُمَّ هَذِهِ لِلتَّرَاخِي فِي الْإِخْبَارِ وَأَنَّ عَدَمَ الشِّرْكِ مَطْلُوبٌ أَوَّلِيٌّ وَلِذَلِكَ قَالَ لَقِيتَنِي وَقَيَّدَ بِهِ وَإِلَّا لَكَانَ يَكْفِي أَنْ يُقَالَ خَطَايَا لا تشرك بي قال القارىء فَائِدَةُ الْقَيْدِ أَنْ يَكُونَ مَوْتُهُ عَلَى التَّوْحِيدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ

باب خلق الله مائة رحمة

3 - (بَاب خَلَقَ اللَّهُ مِائَةَ رَحْمَةٍ) [3541] قَوْلُهُ خَلَقَ اللَّهُ أَيْ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَمَا فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى خَلَقَ اخْتَرَعَ وَأَوْجَدَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى قَدَّرَ وَقَدْ وَرَدَ خَلَقَ بِمَعْنَى قَدَّرَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ أَظْهَرَ تَقْدِيرَهُ لِذَلِكَ يَوْمَ أظهر تقديره السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَوَضَعَ رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ خَلْقِهِ أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الْمِائَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ أَنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ وَالْهَوَامِّ فَبِهَا يَتَعَاطَفُونَ وَبِهَا يَتَرَاحَمُونَ وَبِهَا تَعْطِفُ الْوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا وَعِنْدَ اللَّهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ رَحْمَةً وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَأَخَّرَ اللَّهُ تِسْعًا وَتِسْعِينَ رَحْمَةً يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى لَا نِهَايَةَ لَهَا فَلَمْ يُرِدْ بِمَا ذَكَرَهُ تَحْدِيدًا بَلْ تَصْوِيرًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ قِسْطِ أَهْلِ الْإِيمَانِ مِنْهَا فِي الْآخِرَةِ وَقِسْطِ كَافَّةِ الْمَرْبُوبِينَ فِي الدُّنْيَا قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَلْمَانَ وَجُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ) أَمَّا حَدِيثُ سَلْمَانَ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3542] قَوْلُهُ مِنَ الْعُقُوبَةِ بيان لما مَا طَمِعَ مِنْ بَابِ سَمِعَ أَيْ مَا رَجَا أَحَدٌ أَيْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَضْلًا عَنِ الْكَافِرِينَ وَلَا بُعْدَ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ عَلَى إِطْلَاقِهِ مِنْ إِفَادَةِ الْعُمُومِ إِذْ تَصَوُّرُ ذَلِكَ وحده

يُوجِبُ الْيَأْسَ مِنْ رَحْمَتِهِ وَفِيهِ بَيَانُ كَثْرَةِ عُقُوبَتِهِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ مُؤْمِنٌ بِطَاعَتِهِ أَوِ اعْتِمَادًا عَلَى رَحْمَتِهِ فَيَقَعَ فِي الْأَمْنِ وَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ مَا قَنَطَ مِنَ الْقُنُوطِ هُوَ الْيَأْسُ مِنْ بَابِ نَصَرَ وَضَرَبَ وَسَمِعَ أَحَدٌ أَيْ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ الطِّيبِيُّ الْحَدِيثُ فِي بَيَانِ صِفَتَيِ الْقَهْرِ وَالرَّحْمَةِ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَمَا أَنَّ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ لَا يَبْلُغُ كُنْهَ مَعْرِفَتِهَا أَحَدٌ كَذَلِكَ عُقُوبَتُهُ وَرَحْمَتُهُ فَلَوْ فُرِضَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ وَقَفَ عَلَى كُنْهِ صِفَتِهِ الْقَهَّارِيَّةِ لَظَهَرَ مِنْهَا مَا يُقَنِّطُ مِنْ ذَلِكَ الْخَوَاطِرَ فَلَا يَطْمَعُ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ وَهَذَا مَعْنَى وَضْعِ أَحَدٍ مَوْضِعَ ضَمِيرِ الْمُؤْمِنِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْمُؤْمِنِ الْجِنْسُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ فَالتَّقْدِيرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُؤْمِنَ قَدِ اخْتَصَّ بِأَنْ يَطْمَعَ بِالْجَنَّةِ فَإِذَا انْتَفَى الطَّمَعُ مِنْهُ فَقَدِ انْتَفَى عَنِ الْكُلِّ وَوَرَدَ الْحَدِيثُ فِي بَيَانِ كَثْرَةِ رَحْمَتِهِ وعقوبته كيلا يَغْتَرَّ مُؤْمِنٌ بِرَحْمَتِهِ فَيَأْمَنَ مِنْ عَذَابِهِ وَلَا يَيْأَسَ كَافِرٌ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَتْرُكَ بَابَهُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان [3543] قوله (عن بن عَجْلَانَ) اسْمُهُ مُحَمَّدٌ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَجْلَانُ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ عُتْبَةَ لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ حِينَ خَلَقَ الْخَلْقَ أَيِ الْمَخْلُوقَاتِ كَتَبَ بِيَدِهِ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتُكْسَرُ عَلَى حِكَايَتِهِ مَضْمُونَ الْكِتَابِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فِي التَّوْحِيدِ أَنَّ اللَّهَ لَمَّا قَضَى الْخَلْقَ كَتَبَ عِنْدَهُ فَوْقَ عَرْشِهِ أَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي قَالَ الْجَزَرِيُّ قَوْلُهُ إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى سَعَةِ الرَّحْمَةِ وَشُمُولِهَا الْخَلْقَ كَمَا يُقَالُ غَلَبَ عَلَى فُلَانٍ الْكَرْمُ أَيْ هُوَ أَكْثَرُ خِصَالِهِ وَإِلَّا فَرَحْمَةُ اللَّهِ وَغَضَبُهُ صِفَتَانِ رَاجِعَتَانِ إِلَى إِرَادَتِهِ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَصِفَاتُهُ لَا تُوصَفُ بِغَلَبَةِ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وإنما وعلى سَبِيلِ الْمَجَازِ لِلْمُبَالَغَةِ انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَمَّا خَلَقَ الْخَلْقَ حَكَمَ حُكْمًا جَازِمًا وَوَعَدَ وَعْدًا لَازِمًا لَا خُلْفَ فِيهِ بِأَنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي فَإِنَّ الْمُبَالِغَ فِي حُكْمِهِ إِذَا أَرَادَ إِحْكَامَهُ عَقَدَ عَلَيْهِ سِجِلًّا وَحَفِظَهُ وَوَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ قَضَاءِ الْخَلْقِ وَسَبْقِ

الرَّحْمَةِ أَنَّهُمْ مَخْلُوقُونَ لِلْعِبَادَةِ شُكْرًا لِلنِّعَمِ الْفَائِضَةِ عَلَيْهِمْ وَلَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى أَدَاءِ حَقِّ الشُّكْرِ وَبَعْضُهُمْ يُقَصِّرُونَ فِيهِ فَسَبَقَتْ رَحْمَتُهُ فِي حَقِّ الشَّاكِرِ بِأَنْ وَفَّى جَزَاءَهُ وَزَادَ عَلَيْهِ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ وَفِي حَقِّ الْمُقَصِّرِ إِذَا تَابَ وَرَجَعَ بِالْمَغْفِرَةِ وَالتَّجَاوُزِ وَمَعْنَى سَبَقَتْ رَحْمَتِي تَمْثِيلٌ لِكَثْرَتِهَا وَغَلَبَتِهَا عَلَى الْغَضَبِ بِفَرَسَيْ رِهَانٍ تَسَابَقَتَا فَسَبَقَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3544] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ) الْمُؤَدِّبُ (أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ زَرْبِيٍّ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَكْسُورَةٌ الْخُزَاعِيُّ الْبَصْرِيُّ الْعَبَّادَانِيُّ أَبُو عُبَيْدَةَ أَوْ أَبُو مُعَاوِيَةَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْمَنَّانُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمَنَّانُ هُوَ الْمُنْعِمُ الْمُعْطِي مِنَ الْمَنِّ الْعَطَاءِ لَا مِنَ الْمِنَّةِ وَكَثِيرًا مَا يَرِدُ الْمَنُّ فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنَى الْإِحْسَانِ إِلَى مَنْ لَا يَسْتَثِيبُهُ وَلَا يَطْلُبُ الْجَزَاءَ عَلَيْهِ فَالْمَنَّانُ مِنْ أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ كَالسَّفَّاكِ وَالْوَهَّابِ (ذا الجلال والإكرام) أي ياذا الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَذَا الْإِكْرَامِ لِأَوْلِيَائِهِ أَتَدْرُونَ بِمَا دَعَا اللَّهَ أَيْ تَعْلَمُونَ بِالِاسْمِ الَّذِي دَعَا اللَّهَ بِهِ هَذَا الرَّجُلُ دَعَا اللَّهَ بِاسْمِهِ الْأَعْظَمِ جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ بَيَانٌ لِمَا دَعَا اللَّهَ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ فِي بَابِ جَامِعِ الدَّعَوَاتِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ إِلَخْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود والنسائي وبن ماجة وبن حبان والحاكم 04 - [3545] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا رِبْعِيُّ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الموحدة وكسر العين المهملة وشدة

التحتية (بن إِبْرَاهِيمَ) بْنِ مِقْسَمٍ الْأَسَدِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْبَصْرِيُّ أَخُو إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ وَهُوَ أَصْغَرُ مِنْهُ ثِقَةٌ صَالِحٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ) الْقُرَشِيِّ الْمَدَنِيِّ قَوْلُهُ رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَيْ لَصِقَ أَنْفُهُ بِالتُّرَابِ كِنَايَةً عَنْ حصول الذل قال في النهاية رغم برغم وَرَغِمَ يَرْغَمُ رَغْمًا وَرِغْمًا وَرُغْمًا وَأَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَهُ أَيْ أَلْصَقَهُ بِالرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الذُّلِّ وَالْعَجْزِ عَنِ الِانْتِصَافِ وَالِانْقِيَادِ عَلَى كُرْهٍ انْتَهَى وَهَذَا إِخْبَارٌ أَوْ دُعَاءٌ ذُكِرْتُ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ اسْتِبْعَادِيَّةٌ وَالْمَعْنَى بَعِيدٌ عَلَى الْعَاقِلِ أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ إِجْرَاءِ كَلِمَاتٍ مَعْدُودَةٍ عَلَى لِسَانِهِ فَيَفُوزَ بِهَا فَلَمْ يَغْتَنِمْهُ فَحَقِيقٌ أَنْ يُذِلَّهُ اللَّهُ وَقِيلَ إِنَّهَا لِلتَّعْقِيبِ فَتَقَيَّدَ بِهِ ذَمُّ التَّرَاخِي عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عِنْدَ ذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ انْسَلَخَ أَيِ انْقَضَى قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ أَيْ بِأَنْ لَمْ يَتُبْ أَوْ لَمْ يُعَظِّمْهُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الطَّاعَةِ حَتَّى يَغْفِرَ لَهُ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ لِعَقُوقِهِ وَتَقْصِيرِهِ فِي حَقِّهِمَا وَالْإِسْنَادُ مَجَازِيٌّ فَإِنَّ الْمُدْخِلَ حَقِيقَةً هُوَ اللَّهُ يعني لم يخدوهما حَتَّى يَدْخُلَ بِسَبَبِهِمَا الْجَنَّةَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ يَعْنِي بن سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِأَسَانِيدَ أَحَدُهَا حَسَنٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الأوسط وبن حبان في صحيحه وغيرهم قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ في مستدركه وقال صحيح (وهو بن علية) أي إسماعيل بن إبراهيم هو بن عُلَيَّةَ وَعُلَيَّةُ اسْمُ أُمِّهِ (وَيُرْوَى عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ إِذَا صَلَّى الرَّجُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً فِي الْمَجْلِسِ أَجْزَأَ عَنْهُ مَا كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ) أَيْ مَا دَامَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ [3546] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بن حسين بن علي بن أبي طالب) مَقْبُولٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ

قوله عن الحسن بن عبيد الله بن عروة النخعي

هُوَ الْمَعْرُوفُ بِزَيْنِ الْعَابِدِينَ قَوْلُهُ الْبَخِيلُ أَيِ الْكَامِلُ فِي الْبُخْلِ الَّذِي مَنْ قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَوْصُولُ الثَّانِي مَقْحَمٌ بَيْنَ الْمَوْصُولِ الْأَوَّلِ وَصِلَتِهِ تَأْكِيدًا كَمَا فِي قِرَاءَةِ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ الذي خلقكم والذين من قبلكم أَيْ بِفَتْحِ الْمِيمِ انْتَهَى وَقِيلَ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ شَرْطِيَّةً وَالْجُمْلَةُ صِلَةً وَالْجَزَاءُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ أَيْ ذُكِرَ اسْمِي بِمَسْمَعٍ مِنْهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ بَخِلَ عَلَى نَفْسِهِ حَيْثُ حَرَمَهَا صَلَاةَ اللَّهِ عَلَيْهِ عَشْرًا إِذَا هُوَ صَلَّى وَاحِدَةً قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَقَالَ القارىء فَمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَخِلَ وَمَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى فَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَبْخَلَ مِنْهُ كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبَخِيلُ كُلُّ الْبَخِيلِ انْتَهَى قُلْتُ أَشَارَ القارىء بِقَوْلِهِ وَمَنَعَ نَفْسَهُ مِنْ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى إِلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أهل البيت فليقل أللهم صلى عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو داود قال الحافظ بن كَثِيرٍ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَيْنِ فِيهِمَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا ذُكِرَ وَهُوَ مَذْهَبُ طَائِفَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ الطَّحَاوِيُّ وَالْحَلِيمِيُّ وَيَتَقَوَّى بِالْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي رَوَاهُ بن مَاجَهْ حَدَّثَنَا جُبَارَةُ بْنُ الْمُغَلِّسِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جابر بن زيد عن بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ أَخْطَأَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ جُبَارَةُ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاقِرِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَسِيَ الصَّلَاةَ عَلَيَّ أَخْطَأَ طَرِيقَ الْجَنَّةِ وَهَذَا مُرْسَلٌ يَتَقَوَّى بِالَّذِي قَبْلَهُ وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ لَا تَجِبُ فِي بَقِيَّةِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ بَلْ يُسْتَحَبُّ نَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَيَتَأَيَّدُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وبن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ([3547] قَوْلُهُ (عَنْ الْحَسَنُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ) بْنِ عُرْوَةَ النَّخَعِيُّ) قَوْلُهُ اللَّهُمَّ بَرِّدْ قَلْبِي أَيْ اجْعَلْهُ

بَارِدًا (وَالْبَرَدُ) بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ حَبُّ الْغَمَامِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِنَحْوِهِ [3548] قَوْلُهُ مَنْ فُتِحَ لَهُ مِنْكُمْ بَابُ الدُّعَاءِ أَيْ بِأَنْ وُفِّقَ لِأَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ كَثِيرًا مَعَ وُجُودِ شَرَائِطِهِ وَحُصُولِ آدَابِهِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الرَّحْمَةِ يَعْنِي أَنَّهُ يُجَابُ لِمَسْئُولِهِ تَارَةً وَيُدْفَعُ عَنْهُ مِثْلُهُ مِنَ السُّوءِ أُخْرَى كَمَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْإِجَابَةِ وَفِي بَعْضِهَا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَمَا سُئِلَ اللَّهُ شَيْئًا يَعْنِي أَحَبَّ إِلَيْهِ قال الطيبي أحب إليه تقييد للمطلق بيعني وَفِي الْحَقِيقَةِ صِفَةُ شَيْئًا مِنْ أَنْ يُسْأَلَ الْعَافِيَةَ أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ وَالْمَعْنَى مَا سُئِلَ اللَّهُ سُؤَالًا أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ سُؤَالِ الْعَافِيَةِ إِنَّ الدُّعَاءَ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ أَيْ مِنْ بَلَاءٍ نَزَلَ بِالرَّفْعِ إِنْ كَانَ مُعَلَّقًا وَبِالصَّبْرِ إِنْ كَانَ مُحْكَمًا فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ تَحَمُّلُ مَا نَزَلَ بِهِ فَيُصَبِّرُهُ عَلَيْهِ أَوْ يُرَضِّيهِ بِهِ حَتَّى لَا يَكُونَ فِي نُزُولِهِ مُتَمَنِّيًا خِلَافَ مَا كَانَ بَلْ يَتَلَذَّذُ بِالْبَلَاءِ كَمَا يَتَلَذَّذُ أَهْلُ الدُّنْيَا بِالنَّعْمَاءِ وَمِمَّا لَمْ يَنْزِلْ أَيْ بِأَنْ يَصْرِفَهُ عَنْهُ وَيَدْفَعَهُ مِنْهُ أَوْ يَمُدَّهُ قَبْلَ النُّزُولِ بِتَأْيِيدِ مَنْ يَخِفُّ مَعَهُ أَعْبَاءُ ذَلِكَ إِذَا نَزَلَ بِهِ فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِالدُّعَاءِ أَيْ إِذَا كَانَ هَذَا شَأْنَ الدُّعَاءِ فَالْزَمُوا يَا عِبَادَ اللَّهِ الدُّعَاءَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ كِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُلَيْكِيِّ وَهُوَ ذَاهِبُ الْحَدِيثِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ

[3549] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ الْكُوفِيُّ) السَّلُولِيُّ (عَنْ إِسْرَائِيلَ) بْنِ يُونُسَ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو النَّضْرِ) اسْمُهُ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ الْبَغْدَادِيُّ (عَنْ بلال) بن رباح المؤذن وهو بن حَمَامَةَ وَهِيَ أُمُّهُ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ شَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ مَاتَ بِالشَّامِ سَنَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانِ عَشْرَةَ وَقِيلَ سَنَةَ عِشْرِينَ وَلَهُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً قَوْلُهُ عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ أَيِ التَّهَجُّدِ فِيهِ فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ بِسُكُونِ الْهَمْزَةِ وَيُبْدَلُ وَيُحَرَّكُ أَيْ عَادَتُهُمْ وَشَأْنُهُمْ قَالَ الطِّيبِيُّ الدَّأْبُ الْعَادَةُ وَالشَّأْنُ وَقَدْ يُحَرَّكُ وَأَصْلُهُ مِنْ دَأَبَ فِي الْعَمَلِ إِذَا جَدَّ وَتَعِبَ وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ أَيْ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْهَاةٌ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ نَاهِيَةٌ عَنِ الْإِثْمِ أَيْ عَنِ ارْتِكَابِهِ قَالَ اللَّهُ تعالى إن الحسنات يذهبن السيئات وَقَالَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ أَيْ مُكَفِّرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ وَسَاتِرَةٌ لَهَا وَمَطْرَدَةٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ أَيْ طَارِدٌ وَمُبْعِدٌ لِلدَّاءِ عَنِ الْبَدَنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكُبْرَى (وَسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (يَقُولُ مُحَمَّدٌ الْقُرَشِيُّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الشامي وهو بن أَبِي قَيْسٍ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ حَسَّانٍ وَقَدْ تُرِكَ حَدِيثُهُ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ

مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَسَّانِ بْنِ قَيْسٍ الأسدي الشامي المصلوب ويقال له بن سعيد بن عبد العزيز أو بن أبي عتبة أو بن قيس أو بن أبي حسان ويقال له بن الطَّبَرِيِّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَوْ أَبُو قَيْسٍ وَقَدْ يُنْسَبُ لِجَدِّهِ وَقِيلَ إِنَّهُمْ قَلَبُوا اسْمَهُ عَلَى مِائَةِ وَجْهٍ لِيَخْفَى كَذَّبُوهُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ وَضَعَ أَرْبَعَةَ آلَافِ حَدِيثٍ وَقَالَ أَحْمَدُ قَتَلَهُ الْمَنْصُورُ عَلَى الزَّنْدَقَةِ وَصَلَبَهُ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ أَوْ هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِي (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ) الْجُهَنِيُّ (حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ) الْحَضْرَمِيُّ قَوْلُهُ وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى اسْمِ الْفَاعِلِ أَيْ مُكَفِّرَةٌ لِلذُّنُوبِ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ بِلَالٍ) لِأَنَّ فِي سَنَدِ حديث بلال محمد الْقُرَشِيَّ وَقَدْ عَرَفْتَ حَالَهُ وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ هذا أخرجه أيضا بن أبي الدنيا في كتاب التهجد وبن خزيمة في صحيحه والحاكم كلهم من رواية عبد الله بن صالح وقال الحاكم صحيح عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَفِي الباب عن أبي الدرداء عند بن عَسَاكِرَ وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَعَنْ جابر عند بن السُّنِّيِّ [3550] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ زِيَادٍ الْمُحَارِبِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ كَانَ يُدَلِّسُ قَالَهُ أَحْمَدُ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وقاص الميثي قَوْلُهُ أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ أَيْ نِهَايَةُ أَكْثَرِ أَعْمَارِ أُمَّتِي غَالِبًا مَا بَيْنَهُمَا وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَيْ

باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم

يَتَجَاوَزُ السَّبْعِينَ فَيَصِلُ إِلَى الْمِائَةِ فَمَا فَوْقَهَا قال القارىء وَأَكْثَرُ مَا اطَّلَعْنَا عَلَى طُولِ الْعُمُرِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ فِي الصَّحَابَةِ وَالْأَئِمَّةِ سِنُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ مَاتَ وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ مِائَةٌ وَثَلَاثُ سِنِينَ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ مَاتَتْ وَلَهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَلَمْ يَقَعْ لَهَا سِنٌّ وَلَمْ يُنْكَرْ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ وَأَزْيَدُ مِنْهُمَا عُمُرُ حَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ مَاتَ وَلَهُ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً عَاشَ مِنْهَا سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَكْثَرُ مِنْهُ عُمُرًا سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ فَقِيلَ عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَقِيلَ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ أَعْمَارِ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنْ أَبْوَابِ الزُّهْدِ 06 - (بَاب فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [3551] قَوْلُهُ (عَنْ عمر بْنِ مُرَّةَ) الْجَمَلِيِّ الْمُرَادِيِّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ) الزُّبَيْدِيِّ الْمُكَتِّبِ (عَنْ طُلَيْقِ) بِالتَّصْغِيرِ بْنِ قَيْسٍ الْحَنَفِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (يَقُولُ) بَدَلٌ مِنْ يَدْعُو أَوْ حَالٌ رَبِّ أَعِنِّي أَيْ عَلَى أَعْدَائِي فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِنَ النَّفْسِ وَالشَّيْطَانِ وَالْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَامْكُرْ لِي وَلَا تَمْكُرْ عَلَيَّ قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَكْرُ الْخِدَاعُ وَهُوَ مِنَ اللَّهِ إِيقَاعُ بَلَائِهِ بِأَعْدَائِهِ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ وَقِيلَ هُوَ اسْتِدْرَاجُ الْعَبْدِ بِالطَّاعَةِ فَيَتَوَهَّمُ أَنَّهَا مَقْبُولَةٌ وَهِيَ مَرْدُودَةٌ وقال بن الْمَلَكِ الْمَكْرُ الْحِيلَةُ وَالْفِكْرُ فِي دَفْعِ عَدُوٍّ بِحَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِهِ الْعَدُوُّ فَالْمَعْنَى اللَّهُمَّ اهْدِنِي إِلَى طَرِيقِ دَفْعِ أَعْدَائِي عَنِّي وَلَا تَهْدِ عَدُوِّي إِلَى طَرِيقِ دَفْعِهِ إِيَّاهُ عَنْ نَفْسِهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (وَاهْدِنِي) أَيْ دُلَّنِي عَلَى الْخَيْرَاتِ وَيَسِّرْ لِي الْهُدَى أَيْ وَسَهِّلِ اتِّبَاعَ الْهِدَايَةِ أَوْ طُرُقَ الدَّلَالَةِ حَتَّى لَا أَسْتَثْقِلَ الطَّاعَةَ وَلَا أَشْتَغِلَ عَنِ الطَّاعَةِ وَانْصُرْنِي على من بغا عَلَيَّ أَيْ ظَلَمَنِي وَتَعَدَّى عَلَيَّ رَبِّ اجْعَلْنِي لَكَ شَكَّارًا أَيْ كَثِيرَ الشُّكْرِ

عَلَى النَّعْمَاءِ وَالْآلَاءِ وَتَقْدِيمُ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ لِلِاهْتِمَامِ وَالِاخْتِصَاصِ أَوْ لِتَحْقِيقِ مَقَامِ الْإِخْلَاصِ لَكَ ذَكَّارًا أَيْ كَثِيرَ الذِّكْرِ لَكَ رَهَّابًا أَيْ كَثِيرَ الْخَوْفِ لَكَ مِطْوَاعًا بِكَسْرِ الْمِيمِ مِفْعَالٌ لِلْمُبَالَغَةِ أَيْ كَثِيرَ الطَّوْعِ وَهُوَ الِانْقِيَادُ وَالطَّاعَةُ لَكَ مُخْبِتًا أَيْ خَاضِعًا خَاشِعًا مُتَوَاضِعًا مِنَ الْإِخْبَاتِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ أَخْبَتَ خَشَعَ إِلَيْكَ أَوَّاهًا أَيْ مُتَضَرِّعًا فَعَّالٌ لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ أَوَّهَ تَأْوِيهًا وَتَأَوَّهَ تَأَوُّهًا إِذَا قَالَ أَوْهُ أَيْ قَائِلًا كَثِيرًا لَفْظَ أَوْهُ وَهُوَ صَوْتُ الْحَزِينِ أَيِ اجْعَلْنِي حَزِينًا وَمُتَفَجِّعًا عَلَى التَّفْرِيطِ أَوْ هُوَ قَوْلُ النَّادِمِ مِنْ مَعْصِيَتِهِ الْمُقَصِّرِ فِي طَاعَتِهِ وَقِيلَ الْأَوَّاهُ الْبَكَّاءُ (مُنِيبًا) أَيْ رَاجِعًا قِيلَ التَّوْبَةُ رُجُوعٌ مِنَ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ وَالْإِنَابَةُ مِنَ الْغَفْلَةِ إِلَى الذِّكْرِ وَالْفِكْرَةِ وَالْأَوْبَةُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْحُضُورِ وَالْمُشَاهَدَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا اكْتَفَى فِي قَوْلِهِ أَوَّاهًا مُنِيبًا بِصِلَةٍ وَاحِدَةٍ لِكَوْنِ الْإِنَابَةِ لَازِمَةً لِلتَّأَوُّهِ وَرَدِيفًا لَهُ فَكَأَنَّهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَمِنْ قَوْلِهِ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أواه منيب رَبِّ تَقَبَّلْ تَوْبَتِي أَيْ بِجَعْلِهَا صَحِيحَةً بِشَرَائِطِهَا وَاسْتِجْمَاعِ آدَابِهَا فَإِنَّهَا لَا تَتَخَلَّفُ عَنْ حَيِّزِ الْقَبُولِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التوبة عن عباده وَاغْسِلْ حَوْبَتِي بِفَتْحِ الْحَاءِ وَيُضَمُّ أَيِ امْحُ ذَنْبِي وَأَجِبْ دَعْوَتِي أَيْ دُعَائِي وَثَبِّتْ حُجَّتِي أَيْ عَلَى أَعْدَائِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْعُقْبَى وَثَبِّتْ قَوْلِي وَتَصْدِيقِي فِي الدُّنْيَا وَعِنْدَ جَوَابِ الْمَلَكَيْنِ وَسَدِّدْ لِسَانِي أَيْ صَوِّبْهُ وَقَوِّمْهُ حَتَّى لَا يَنْطِقَ إِلَّا بِالصِّدْقِ وَلَا يَتَكَلَّمَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَاهْدِ قَلْبِي أَيْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَاسْلُلْ بِضَمِّ اللَّامِ الْأُولَى أَيْ أَخْرِجْ مِنْ سَلَّ السَّيْفَ إِذَا أَخْرَجَهُ مِنَ الْغِمْدِ سَخِيمَةَ صَدْرِي أَيْ غِشَّهُ وَغِلَّهُ وَحِقْدَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن ماجة وبن حبان والحاكم وبن أَبِي شَيْبَةَ [3552] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ) اسْمُهُ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ (عَنْ أَبِي حَمْزَةَ) الْأَعْوَرِ الْقَصَّابِ اسْمُهُ مَيْمُونٌ قَوْلُهُ مَنْ دَعَا عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ فَقَدِ انْتَصَرَ أَيِ انْتَقَمَ مِنْهُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ أَخَذَ مِنْ عِرْضِ

الظَّالِمِ فَنُقِصَ مِنْ إِثْمِهِ ثَوَابُ الْمَظْلُومِ بِحَسْبِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ أَبُو حمزة الأعور وهو ضعيف 07 - باب [3553] قوله (حدثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ) أَبُو الْحُسَيْنِ الْعُكْلِيُّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عِدَّةُ شُيُوخٍ أَسْمَاؤُهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِي أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هَذَا مَنْ هُوَ قَوْلُهُ كَانَتْ لَهُ عِدْلَ أَرْبَعِ رِقَابٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْعَدْلُ وَالْعِدْلُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَهُمَا بِمَعْنَى الْمِثْلِ وَقِيلَ هُوَ بالفتح ما عاد له مِنْ جِنْسِهِ وَبِالْكَسْرِ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَقِيلَ بِالْعَكْسِ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ وَبِضَمِّ الْأَوَّلِ وَسُكُونِ الثَّانِي خَصَّصَ بَنِي إِسْمَاعِيلَ لِشَرَفِهِمْ وَإِنَافَتِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنَ الْعَرَبِ وَالْعَرَبُ أَفْضَلُ الْأُمَمِ وَلِقُرْبِهِمْ مِنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَمَزِيدِ اهْتِمَامِهِ بِهِمْ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ جَوَازُ اسْتِرْقَاقِ الْعَرَبِ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ وَحَدِيثُ أَبِي أيوب هذا أخرجه الشيخان أيضا

108 - باب [3554] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا كِنَانَةُ) بِكَسْرِ الْكَافِ وَخِفَّةِ النُّونِ الْأُولَى (مَوْلَى صَفِيَّةَ) يُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ نَبِيهٌ مَقْبُولٌ ضَعَّفَهُ الْأَزْدِيُّ بِلَا حُجَّةٍ مِنَ الثَّالِثَةِ (قال سمعت صفية) بنت حي بْنِ أَخَطَبَ الْإِسْرَائِيلِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ خَيْبَرَ مَاتَتْ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ فِي وِلَايَةِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ قَوْلُهُ (وَبَيْنَ يَدَيَّ) أَيْ قُدَّامِي وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (أَرْبَعَةُ آلَافِ نَوَاةٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَهِيَ عَظْمُ التَّمْرِ لَقَدْ سَبَّحْتُ بِهَذِهِ أَيْ بِهَذِهِ النَّوَاةِ عَدَدَ خَلْقِهِ مَنْصُوبٌ صِفَةُ مَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أُسَبِّحُهُ تَسْبِيحًا عَدَدَ خَلْقِهِ قَالَ القارىء هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ صَحِيحٌ لِتَجْوِيزِ السُّبْحَةِ بِتَقْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَاهَا إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَنْظُومَةِ وَالْمَنْثُورَةِ فِيمَا بعد بِهِ وَلَا يُعْتَدُّ بِقَوْلِ مَنْ عَدَّهَا بِدْعَةً انْتَهَى قُلْتُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ عَقْدِ التَّسْبِيحِ بِالْيَدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ قَوْلُهُ (وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمَعْرُوفٍ) تَفَرَّدَ بِهِ هَاشِمُ بْنُ سَعِيدٍ وَهُوَ ضعيف قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَ حَدِيثَهُ أَبُو دَاوُدَ [3555] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عُبَيْدٍ الْقُرَشِيِّ التَّيْمِيِّ (عَنْ جُوَيْرِيَةَ) بِالتَّصْغِيرِ (بِنْتِ الْحَارِثِ) بْنِ أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيَّةِ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ اسْمُهَا بَرَّةً فَغَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَاهَا فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَمَاتَتْ سَنَةَ خَمْسِينَ عَلَى الصَّحِيحِ قوله وهي في مسجدها

بفتح الجيم وبكسر أَيْ مَوْضِعِ سُجُودِهَا لِلصَّلَاةِ مَا زِلْتِ بِكَسْرِ التَّاءِ عَلَى حَالِكِ أَيْ عَلَى الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا عَدَدَ خَلْقِهِ مَنْصُوبٌ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ بِعَدَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ وَقَالَ السُّيُوطِيُّ نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ قَدْرَ عدد خلقه سبحان الله رضي نَفْسِهِ أَيْ أُسَبِّحُهُ قَدْرَ مَا يَرْضَاهُ سُبْحَانَ اللَّهِ زِنَةَ عَرْشِهِ أَيْ أُسَبِّحُهُ بِمِقْدَارِ وَزْنِ عَرْشِهِ وَلَا يَعْلَمُ وَزْنَهُ إِلَّا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى سُبْحَانَ اللَّهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مِثْلَ عَدَدِهَا وَقِيلَ قَدْرَ مَا يُوَازِيهَا فِي الْكَثْرَةِ عِيَارَ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ وُجُوهِ الْحَصْرِ وَالتَّقْدِيرِ وَهَذَا تَمْثِيلٌ يُرَادُ بِهِ التَّقْرِيبُ لِأَنَّ الْكَلَامَ لَا يَدْخُلُ فِي الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْعَدَدِ وَالْمِدَادُ مَصْدَرٌ كَالْمَدَدِ يُقَالُ مَدَدْتُ الشَّيْءَ مَدًّا وَمِدَادًا وَهُوَ مَا يُكَثَّرُ بِهِ وَيُزَادُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَأَنَّ قَائِلَهَا يُدْرِكُ فَضِيلَةَ تَكْرَارِ الْقَوْلِ بِالْعَدَدِ الْمَذْكُورِ وَلَا يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ مَشَقَّةَ مَنْ قَالَ هَكَذَا أَخَفُّ مِنْ مَشَقَّةِ مَنْ كَرَّرَ لَفْظَ الذِّكْرِ حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْعَدَدِ فَإِنَّ هَذَا بَابٌ مَنَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِبَادِ اللَّهِ وَأَرْشَدَهُمْ وَدَلَّهُمْ عَلَيْهِ تَخْفِيفًا لَهُمْ وَتَكْثِيرًا لِأُجُورِهِمْ مِنْ دُونِ تَعَبٍ وَلَا نَصَبٍ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والنسائي وبن ماجة 09 - باب [3556] قوله إن الله حي فَعِيلٌ مِنَ الْحَيَاءِ أَيْ كَثِيرُ الْحَيَاءِ وَوَصْفُهُ تَعَالَى بِالْحَيَاءِ يُحْمَلُ عَلَى مَا يَلِيقُ

لَهُ كَسَائِرِ صِفَاتِهِ نُؤْمِنُ بِهَا وَلَا نُكَيِّفُهَا كَرِيمٌ هُوَ الَّذِي يُعْطِي مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ فَكَيْفَ بَعْدَهُ صِفْرًا بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ أَيْ خَالِيَتَيْنِ قَالَ الطِّيبِيُّ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ خَائِبَتَيْنِ مِنَ الْخَيْبَةِ وَهُوَ الْحِرْمَانُ وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الدُّعَاءِ إِلَّا فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي الرَّفْعِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود وبن مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ [3557] قَوْلُهُ (عَنِ الْقَعْقَاعِ) بْنِ حَكِيمٍ قَوْلُهُ (كَانَ يدعو) أي يشير (بأصبعيه) الظاهر أنهما الممبحتان (أَحَدٌ أَحَدٌ) كَرَّرَ لِلتَّأْكِيدِ فِي التَّوْحِيدِ أَيْ أَشِرْ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الَّذِي تَدْعُوهُ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ وَأَصْلُهُ وَحِّدْ أَمْرُ مُخَاطَبٍ مِنَ التَّوْحِيدِ وَهُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ قُلِبَتِ الْوَاوُ هَمْزَةً قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ والبيهقي في الدعوات الكبير

باب من أبواب الدعوات

(باب مِنْ أَبْوَابِ الدَّعَوَاتِ) أَيْ أَحَادِيثُ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْهَا قالَ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ أَمْرٌ شَتٌّ بِالْفَتْحِ أَيْ مُتَفَرِّقٌ تَقُولُ شَتَّ الْأَمْرُ يَشِتُّ بِالْكَسْرِ شَتًّا وَشَتَاتًا بِفَتْحِ الشِّينِ فِيهِمَا أَيْ تَفَرَّق وقوم شتى وأشياء شتى وجاؤوا أَشْتَاتًا أَيْ مُتَفَرِّقِينَ وَأَحَدُهُمْ شَتٌّ بِالْفَتْحِ [3558] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيِّ قَوْلُهُ (عَامَ الْأَوَّلِ) أَيْ مِنَ الْهِجْرَةِ (ثُمَّ بَكَى) قِيلَ إِنَّمَا بَكَى لِأَنَّهُ علم وقوع أمته في الفتن وغلبته الشَّهْوَةِ وَالْحِرْصِ عَلَى جَمْعِ الْمَالِ وَتَحْصِيلِ الْجَاهِ فَأَمَرَهُمْ بِطَلَبِ الْعَفْوِ وَالْعَافِيَةِ لِيَعْصِمَهُمْ مِنَ الْفِتَنِ (سَلُوا اللَّهَ الْعَفْوَ) أَيْ عَنِ الذُّنُوبِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْعَفْوُ مَعْنَاهُ التَّجَاوُزُ عَنِ الذَّنْبِ وَتَرْكُ الْعِقَابِ عَلَيْهِ أَصْلُهُ الْمَحْوُ وَالطَّمْسُ (وَالْعَافِيَةُ) قال القارىء مَعْنَاهُ السَّلَامَةُ فِي الدِّينِ مِنَ الْفِتْنَةِ وَفِي البدن من سيء الْأَسْقَامِ وَشِدَّةِ الْمِحْنَةِ انْتَهَى قُلْتُ لَا حَاجَةَ إلى زيادة لفظ سيء قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْعَافِيَةُ أَنْ تَسْلَمَ مِنَ الْأَسْقَامِ وَالْبَلَايَا وَهِيَ الصِّحَّةُ وَضِدُّ الْمَرَضِ انْتَهَى (بَعْدَ الْيَقِينِ) أَيِ الْإِيمَانِ (خَيْرًا مِنَ الْعَافِيَةِ) قَالَ الطِّيبِيُّ وَهِيَ السَّلَامَةُ مِنَ الْآفَاتِ فَيَنْدَرِجُ فِيهَا الْعَفْوُ انْتَهَى يَعْنِي وَلِعُمُومِ مَعْنَى الْعَافِيَةِ الشَّامِلَةِ لِلْعَفْوِ اكْتَفَى بِذِكْرِهَا عَنْهُ وَالتَّنْصِيصُ عَلَيْهِ سابقا للإ يماء إِلَى أَنَّهُ أَهَمُّ أَنْوَاعِهَا قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي وبن ماجه وبن حبان والحاكم وصححه

2 - باب [3559] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ) الطَّحَّانُ (حَدَّثَنَا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ اسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ وَاقِدِ) بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ العمري المدني نزيل الْبَصْرَةَ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي نُصَيْرَةَ) بِالتَّصْغِيرِ الْوَاسِطِيِّ اسْمُهُ مُسْلِمُ بْنُ عُبَيْدٍ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ مَوْلًى لِأَبِي بكر) يقال هُوَ أَبُو رَجَاءٍ مَجْهُولٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (مَا أَصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ) كَلِمَةُ مَا نَافِيَةٌ يَعْنِي مَنْ عَمِلَ مَعْصِيَةً ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَنَدِمَ عَلَى ذَلِكَ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مُصِرًّا عَلَى الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّ الْمُصِرَّ هُوَ الَّذِي لَمْ يَسْتَغْفِرْ وَلَمْ يَنْدَمْ عَلَى الذَّنْبِ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الذَّنْبِ إِكْثَارُهُ كَذَا فِي الْمَفَاتِيحِ (وَلَوْ فَعَلَهُ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً قِيلَ ظَاهِرُهُ التَّكْثِيرُ وَالتَّكْرِيرُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْ مَا أَقَامَ عَلَى الذَّنْبِ مَنْ تَابَ تَوْبَةً صَحِيحَةً وَإِنْ عَادَ فِي الْيَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً فَإِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ لَا نِهَايَةَ لَهَا فَذُنُوبُ الْعَالَمِ كُلُّهَا مُتَلَاشِيَةٌ عِنْدَ عَفْوِهِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ (وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) لِجَهَالَةِ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَلِينِ حُسَيْنِ بْنِ يَزِيدَ [3560] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يحيى بن موسى) البلخي (أخبرنا الْأَصْبَغُ بْنُ زَيْدِ) بْنِ عَلِيٍّ الْجُهَنِيُّ الْوَرَّاقُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ كَاتِبُ الْمَصَاحِفِ صَدُوقٌ يغرب من السادسة (أخبرنا أَبُو الْعَلَاءِ) الشَّامِيُّ مَجْهُولٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ أَبِي أُمَامَةَ) الْبَاهِلِيِّ قَوْلُهُ (لَبِسَ) مِنْ بَابِ سَمِعَ (مَا أُوَارِي بِهِ) أَيْ أَسْتُرُ بِهِ (عَوْرَتِي) الْعَوْرَةُ سَوْءَةُ الْإِنْسَانِ كُلُّ مَا يَسْتَحْيِ مِنْهُ (وَأَتَجَمَّلُ) أَيْ أَتَزَيَّنُ (ثُمَّ عَمَدَ) بِفَتْحِ الميم

وَيُكْسَرُ أَيْ قَصَدَ (إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي أَخْلَقَ) أَيْ صَارَ بَالِيًا أَوْ صَيَّرَهُ بَالِيًا (كَانَ فِي كَنَفِ اللَّهِ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَالنُّونِ أَيْ فِي حِرْزِهِ وَسِتْرِهِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ الْجَانِبُ وَالظِّلُّ وَالنَّاحِيَةُ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ (وَفِي حِفْظِ اللَّهِ وَفِي سِتْرِ اللَّهِ) تَأْكِيدٌ وَمُبَالَغَةٌ وَفِي الصِّحَاحِ السِّتْرُ بِالْكَسْرِ وَاحِدُ السُّتُورِ وَبِالْفَتْحِ مَصْدَرُ سَتَرَ (حَيًّا وَمَيِّتًا) أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجه وبن أَبِي شَيْبَةَ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ) الْغَافِقِيُّ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ) الضَّمْرِيِّ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ) الْأَلْهَانِيِّ الدِّمَشْقِيِّ (عَنِ الْقَاسِمِ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ [3561] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أحمد بن الحسن) بن جنيدب الترمذي (عن أَبِيهِ) هُوَ أَسْلَمُ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ (بَعَثَ) أيْ أَرْسَلَ (بَعْثًا) أَيْ جَمَاعَةً قَالَ الطِّيبِيُّ الْبَعْثُ بِمَعْنَى السَّرِيَّةِ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ (قِبَلَ نَجْدٍ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ إِلَى جِهَتِهِ (وَأَسْرَعُوا الرَّجْعَةَ) أَيْ إِلَى الْمَدِينَةِ (فَقَالَ رَجُلٌ مِمَّنْ لَمْ يَخْرُجْ) بِطَرِيقِ الْغِبْطَةِ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ (وَلَا أَفْضَلَ) أَيْ أَكْثَرَ أَوْ أَنْفَسَ (أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى قَوْمٍ أَفْضَلَ غَنِيمَةً) أَيْ لِبَقَاءِ هَذِهِ وَدَوَامِهَا وَفَنَاءِ تِلْكَ وَسُرْعَةِ انْقِضَائِهَا (قَوْمٌ) أَيْ هُمْ قَوْمٌ (شَهِدُوا صَلَاةَ الصُّبْحِ) أَيْ حَضَرُوا جَمَاعَتَهَا (فَأُولَئِكَ أَسْرَعُ رَجْعَةً) أَيْ إِلَى أَهْلِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ لِانْتِهَاءِ عَمَلِهِمُ الْمَوْعُودِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ بَعْدَ مُضِيِّ نَحْوِ سَاعَةٍ زَمَانِيَّةٍ وَأَهْلُ الْجِهَادِ لَا يَنْتَهِي عَمَلُهُمْ غَالِبًا إِلَّا بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَعَزْوِهُ لِلتِّرْمِذِيِّ وَرَوَاهُ البزار وأبو يعلى وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي

قوله أنه استأذن النبي صلى الله عليه وسلم

هُرَيْرَةَ بِنَحْوِهِ وَذَكَرَ الْبَزَّارُ فِيهِ أَنَّ الْقَائِلَ (مَا رَأَيْنَا) هُوَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ أَسْرَعُ إِيَابًا وَأَفْضَلُ مَغْنَمًا مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ انْتَهَى (وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ وَهُوَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيُّ) اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وحماد لقبه وأبو إِبْرَاهِيمَ كُنْيَتُهُ (وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ) أَيْ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَوْ ضَعِيفٌ فِي حَدِيثِهِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ إِنَّهُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَفِي مِيزَانِ الِاعْتِدَالِ فِي تَرْجَمَةِ أَبَانَ بْنِ جبلة نقل بن الْقَطَّانِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَالَ كُلُّ مَنْ قُلْتُ فِيهِ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ فَلَا تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ ([3562] قَوْلُهُ (أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي الْعُمْرَةِ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَذِنَ لِي (فَقَالَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَيْ أُخَيَّ) بِالتَّصْغِيرِ وَهُوَ تَصْغِيرُ تَعَطُّفٍ وَتَلَطُّفٍ لَا تَحْقِيرٍ (أَشْرِكْنَا) يَحْتَمِلُ نُونَ الْعَظَمَةِ وَأَنْ يُرِيدَ نَحْنُ وَأَتْبَاعَنَا (فِي دُعَائِكَ) فِيهِ إِظْهَارُ الْخُضُوعِ وَالْمَسْكَنَةِ فِي مَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ بِالْتِمَاسِ الدُّعَاءِ مِمَّنْ عُرِفَ لَهُ الْهِدَايَةُ وَحَثٌّ لِلْأُمَّةِ عَلَى الرَّغْبَةِ فِي دُعَاءِ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْعِبَادَةِ وَتَنْبِيهٌ لَهُمْ عَلَى أَنْ لَا يَخُصُّوا أَنْفُسَهُمْ بِالدُّعَاءِ وَلَا يُشَارِكُوا فِيهِ أَقَارِبَهُمْ وَأَحِبَّاءَهُمْ لَا سِيَّمَا فِي مَظَانِّ الْإِجَابَةِ وَتَفْخِيمٌ لِشَأْنِ عُمَرَ وَإِرْشَادٌ إِلَى مَا يَحْمِي دُعَاءَهُ مِنَ الرَّدِّ (وَلَا تَنْسَنَا) تَأْكِيدٌ أَوْ أَرَادَ بِهِ فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَزَادَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَلَا تَنْسَنَا فَقَالَ كَلِمَةٌ مَا يَسُرُّنِي أَنْ لِي بِهَا الدُّنْيَا [3563] 6 قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ) الْوَاسِطِيِّ الْكُوفِيِّ الْمُكَنَّى بِأَبِي شَيْبَةَ (عَنْ سَيَّارٍ) الْعَنْزِيِّ أَبِي الْحَكَمِ (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) اسْمُهُ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ (أَنَّ مُكَاتَبًا) أَيْ لِغَيْرِهِ

باب في دعاء المريض

وَهُوَ عَبْدٌ عَلَّقَ سَيِّدُهُ عِتْقَهُ عَلَى إِعْطَائِهِ كَذَا مِنَ الْمَالِ (إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي) الْكِتَابَةُ الْمَالُ الَّذِي كَاتَبَ بِهِ السَّيِّدُ عَبْدَهُ يَعْنِي بَلَغَ وَقْتُ أَدَاءِ مَالِ الْكِتَابَةِ وَلَيْسَ لِي مَالٌ (فَأَعِنِّي) أَيْ بِالْمَالِ أَوْ بِالدُّعَاءِ بِسَعَةِ الْمَالِ (قَالَ أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ طَلَبَ الْمُكَاتَبُ الْمَالَ فَعَلَّمَهُ الدُّعَاءَ إِمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنَ الْمَالِ لِيُعِينَهُ فَرَدَّهُ أَحْسَنَ رَدٍّ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ أَوْ أَرْشَدَهُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْأَوْلَى وَالْأَصْلَحَ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِاللَّهِ لِأَدَائِهَا وَلَا يَتَّكِلَ عَلَى الْغَيْرِ وَيَنْصُرُ هَذَا الْوَجْهَ قَوْلُهُ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ (لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا) بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَهُوَ جَبَلٌ لطيء وَيُرْوَى صَبِيرٌ بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (اللَّهُمَّ اكْفِنِي) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ تَثْبُتُ فِي الِابْتِدَاءِ مَكْسُورَةً وَتَسْقُطُ فِي الدَّرْجِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ اكْفُفْنِي مِنَ الْكَفِّ (بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ) أَيْ مُتَجَاوِزًا أَوْ مُسْتَغْنِيًا مِنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ (بَاب فِي دُعَاءِ الْمَرِيضِ) [3564] قَوْلُهُ (كُنْتُ شَاكِيًا) أَيْ مَرِيضًا (وَأَنَا أَقُولُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (إِنْ كَانَ أَجَلِي) أَيِ انْتِهَاءُ عُمْرِي (قَدْ حَضَرَ) أَيْ وَقْتُهُ (فَأَرِحْنِي) أَيْ بِالْمَوْتِ مِنَ الْإِرَاحَةِ وَهِيَ إِعْطَاءُ الرَّاحَةِ بِنَوْعِ إِزَاحَةٍ لِلْبَلِيَّةِ (وَإِنْ كَانَ) أَيْ أَجَلِي (فَارْفُغْنِي) مِنَ الْإِرْفَاغِ أَيْ وَسِّعْ لِي عَيْشِي قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أُرْفِغَ لَكُمُ الْمَعَاشُ أَيْ أُوسِعَ عَلَيْكُمْ وَعَيْشٌ رَافِغٌ أَيْ وَاسِعٌ (وَإِنْ كَانَ) أَيْ مَرَضِي (بَلَاءً) أَيِ امْتِحَانًا (فَصَبِّرْنِي) بِتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ الْمَكْسُورَةِ أَيْ أعْطِنِي الصَّبْرَ عَلَيْهِ وَلَا تَجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ الْجَزَعِ لَدَيْهِ (قَالَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ (فَأَعَادَ) أَيْ عَلِيٌّ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ما قَالَ) أَيْ أَوَّلًا

(فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ) أَيْ لِيَتَنَبَّهَ عَنْ غَفْلَةِ أَمْرِهِ وينتهي عن شكاية حاله وتتصل إِلَيْهِ بَرَكَةُ قَدَمِهِ (قَالَ) أَيْ عَلِيٌّ (فَمَا اشْتَكَيْتُ وَجَعِي) أَيْ هَذَا (بَعْدُ) أَيْ بَعْدَ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ والحاكم في مستدركه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ [3565] قَوْلُهُ (أَذْهِبِ الْبَاسَ) أَيْ أَزِلْ شِدَّةَ الْمَرَضِ وَالْبَاسُ بِغَيْرِ هَمْزٍ لِلِازْدِوَاجِ فَإِنَّ أَصْلَهُ الْهَمْزَةُ (رَبَّ النَّاسِ) بِالنَّصْبِ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ (وَاشْفِ) أَيْ هَذَا الْمَرِيضَ (أَنْتَ الشَّافِي) يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَازُ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ لَا يَكُونَ فِي ذَلِكَ مَا يُوهِمُ نَقْصَهُ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلٌ فِي الْقُرْآنِ وَهَذَا مِنْ ذَاكَ فَإِنَّ فِي الْقُرْآنِ (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) قَالَهُ الْحَافِظُ (لَا شِفَاءَ) بِالْمَدِّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَتْحِ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ لنا أوله (إِلَّا شِفَاؤُكَ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ مَوْضِعِ لَا شِفَاءَ (شِفَاءً) مَصْدَرٌ مَنْصُوبٌ بِقَوْلِهِ اشْفِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ أَيْ هَذَا أَوْ هُوَ (لَا يُغَادِرُ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ لَا يَتْرُكُ وَفَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ الشِّفَاءُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَيَخْلُفُهُ مَرَضٌ آخَرُ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ فَكَانَ يَدْعُو لَهُ بِالشِّفَاءِ الْمُطْلَقِ لَا بِمُطْلَقِ الشِّفَاءِ (سَقَمًا) بِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ وَبِفَتْحَتَيْنِ أَيْضًا أَيْ مَرَضًا وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّقْلِيلِ وَقَدِ اسْتُشْكِلَ الدُّعَاءُ لِلْمَرِيضِ بِالشِّفَاءِ مَعَ مَا فِي الْمَرَضِ مِنْ كَفَّارَةِ الذُّنُوبِ وَالثَّوَابِ كَمَا تَضَافَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ وَلَا يُنَافِي الثَّوَابَ وَالْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُمَا يَحْصُلَانِ بِأَوَّلِ مَرَضٍ وَبِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَالدَّاعِي بَيْنَ حَسَنَتَيْنِ إِمَّا أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَقْصُودُهُ أَوْ يُعَوَّضَ عَنْهُ بِجَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ وَكُلٌّ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) فِي سَنَدِهِ الْحَارِثُ الْأَعْوَرُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ عَائِشَةَ

باب في دعاء الوتر

8 - (بَاب فِي دُعَاءِ الْوِتْرِ) [3566] قَوْلُهُ (عَنْ هِشَامِ بْنِ عَمْرٍو الْفَزَارِيِّ) بِفَتْحِ فَاءٍ وَزَايٍ خَفِيفَةٍ فَأَلْفٍ فَرَاءٍ مَقْبُولٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ) بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ الْمَدَنِيِّ لَهُ رُؤْيَةٌ وَكَانَ مِنْ كِبَارِ ثِقَاتِ التَّابِعِينَ قَوْلُهُ (كَانَ يَقُولُ فِي وِتْرِهِ) وفي رواية أبي داود وبن ماجه في آخر وتره قال القارىء أَيْ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ قَالَ مَيْرَكُ وَفِي إِحْدَى رِوَايَاتِ النَّسَائِيِّ كَانَ يَقُولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ وَتَبَوَّأَ مَضْجَعَهُ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ وَفِي رِوَايَةٍ بَدَأَ بِالْمُعَافَاةِ ثُمَّ بِالرِّضَاءِ إِنَّمَا ابْتَدَأَ بِالْمُعَافَاةِ مِنَ الْعُقُوبَةِ لِأَنَّهَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ كَالْإِمَاتَةِ وَالْإِحْيَاءِ وَالرِّضَا وَالسُّخْطُ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَصِفَاتُ الْأَفْعَالِ أَدْنَى رُتْبَةً مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ فَبَدَأَ بِالْأَدْنَى مُتَرَقِّيًا إِلَى الْأَعْلَى ثُمَّ لَمَّا ازْدَادَ يَقِينًا وَارْتِقَاءً تَرَكَ الصِّفَاتِ وَقَصَرَ نَظَرَهُ عَلَى الذَّاتِ فَقَالَ أَعُوذُ بِكَ مِنْكَ ثُمَّ لَمَّا ازْدَادَ قُرْبًا اسْتَحْيَا مَعَهُ مِنَ الِاسْتِعَاذَةِ عَلَى بِسَاطِ الْقُرْبِ فَالْتَجَأَ إِلَى الثَّنَاءِ فَقَالَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ ذَلِكَ قُصُورٌ فَقَالَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَإِنَّمَا قَدَّمَ الِاسْتِعَاذَةَ بِالرِّضَا عَلَى السُّخْطِ لِأَنَّ الْمُعَافَاةَ مِنَ الْعُقُوبَةِ تَحْصُلُ بِحُصُولِ الرِّضَا وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا لِأَنَّ دَلَالَةَ الْأُولَى عَلَيْهَا دَلَالَةُ تَضْمِينٍ فَأَرَادَ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْهَا دَلَالَةَ مُطَابَقَةٍ فَكَنَّى عَنْهَا أَوَّلًا ثُمَّ صَرَّحَ بِهَا ثَانِيًا وَلِأَنَّ الرَّاضِيَ قَدْ يُعَاقِبُ لِلْمَصْلَحَةِ أَوْ لِاسْتِيفَاءِ حَقِّ الْغَيْرِ انْتَهَى (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ) أَيْ بِذَاتِكَ مِنْ آثَارِ صِفَاتِكَ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِشَارَةٌ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى ففروا إلى الله (لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ) أَيْ لَا أُطِيقُهُ وَلَا أَبْلُغُهُ حَصْرًا وَعَدَدًا (أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ على نفسك) أي ذاتك قال بن الْمَلَكِ مَعْنَى الْحَدِيثِ الِاسْتِغْفَارُ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي بُلُوغِ الْوَاجِبِ مِنْ حَقِّ ذَاتِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ وَلَوْ حَرَصْتُ وَلَكِنْ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ قَالَ مَيْرَكُ قِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْكَافَ زَائِدَةٌ وَالْمَعْنَى أَنْتَ الَّذِي أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مَا فِي كَمَا مَوْصُوفَةٌ أَوْ مَوْصُولَةٌ وَالْكَافُ بِمَعْنَى الْمِثْلِ أَيْ أَنْتَ الذَّاتُ الَّتِي لَهَا صِفَاتُ الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَلَهَا الْعِلْمُ الشَّامِلُ وَالْقُدْرَةُ الْكَامِلَةُ أَنْتَ تَقْدِرُ عَلَى إِحْصَاءِ ثَنَائِكَ

باب في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وتعوذه

وَهَذَا الثَّنَاءُ إِمَّا بِالْقَوْلِ وَإِمَّا بِالْفِعْلِ وَهُوَ إِظْهَارُ فِعْلِهِ عَنْ بَثِّ آلَائِهِ وَنَعْمَائِهِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه والطبراني في الأوسط وبن أَبِي شَيْبَةَ (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ) قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ هِشَامٌ أَقْدَمُ شَيْخٍ لِحَمَّادٍ وَبَلَغَنِي عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ قِيلَ لِأَبِي جَعْفَرٍ الدَّارِمِيِّ رَوَى عَنْ هَذَا الشَّيْخِ غَيْرُ حَمَّادٍ فَقَالَ لَا أَعْلَمُ وَلَيْسَ لِحَمَّادٍ عَنْهُ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هِشَامُ بْنُ عَمْرٍو الْفَزَارِيُّ مِنَ الثِّقَاتِ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ شَيْخٌ قَدِيمٌ ثِقَةٌ وقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ فَقَدْتُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي الصلاة وبن مَاجَهْ فِي الدُّعَاءِ انْتَهَى (بَاب فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَعَوُّذِهِ) فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ [3567] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ هو بن عَمْرٍو) الرَّقِّيُّ (وَعَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ) الْأَوْدِيُّ الْكُوفِيُّ قوله (كان سعد) أي بن أَبِي وَقَّاصٍ (يُعَلِّمُ بَنِيهِ) أَيْ أَوْلَادَهُ وَفِيهِ تَغْلِيبٌ وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي الطبقات أولا سَعْدٍ فَذَكَرَ مِنَ الذُّكُورِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ نَفْسًا وَمِنَ الْإِنَاثِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَرَوَى عَنْهُ الْحَدِيثَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ عَامِرٌ وَمُحَمَّدٌ وَمُصْعَبٌ وَعَائِشَةُ وَعُمَرُ (هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ) أَيِ الْآتِيَةِ (كَمَا يُعَلِّمُ الْمُكْتِبُ) اسم فاعل من الاكتتاب قَالَ فِي الْقَامُوسِ الِاكْتِتَابُ تَعْلِيمُ الْكِتَابَةِ كَالتَّكْتِيبِ وَالْإِمْلَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ

لِلْبُخَارِيِّ كَمَا يُعَلِّمُ الْمُعَلِّمُ الْغِلْمَانَ الْكِتَابَةَ (الْغِلْمَانَ) جَمْعُ الْغُلَامِ أَيِ الْأَطْفَالَ (مِنَ الْجُبْنِ) بِضَمٍّ وَضَمَّتَيْنِ أَيِ الْبُخْلِ فِي النَّفْسِ وَعَدَمِ الْجُرْأَةِ عَلَى الطَّاعَةِ وَإِنَّمَا تَعَوَّذَ مِنْهُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ لِأَنَّهُ يَفِرُّ فِي الزَّحْفِ فَيَدْخُلَ تَحْتَ وَعِيدِ اللَّهِ فَمَنْ وَلَّى فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَرُبَّمَا يَفْتَتِنُ فِي دِينِهِ فَيَرْتَدَّ لِجُبْنٍ أَدْرَكَهُ وَخَوْفٍ عَلَى مُهْجَتِهِ مِنَ الْأَسْرِ وَالْعُبُودِيَّةِ (وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْبُخْلِ) بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَبِفَتْحِهِمَا أَيْ مِنْ عَدَمِ النَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ بِالْمَالِ أَوِ الْعِلْمِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَوْ بِالنَّصِيحَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْجُودُ إِمَّا بِالنَّفْسِ وَهُوَ الشَّجَاعَةُ وَيُقَابِلُهُ الْجُبْنُ وَإِمَّا بِالْمَالِ وَهُوَ السَّخَاوَةُ وَيُقَابِلُهُ الْبُخْلُ وَلَا تَجْتَمِعُ الشَّجَاعَةُ وَالسَّخَاوَةُ إِلَّا فِي نَفْسٍ كَامِلَةٍ وَلَا يَنْعَدِمَانِ إِلَّا مِنْ مُتَنَاهٍ فِي النَّقْصِ (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَرْذَلِ الْعُمُرِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِهَا لُغَتَانِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ قَالَ الْعَيْنِيُّ أَيْ عَنِ الرَّدِّ وَكَلِمَةُ أَنْ مَصْدَرِيَّةٌ وَأَرْذَلُ الْعُمُرِ هو الخرف يعني يعود كهيئته الأولى في أَوَانِ الطُّفُولِيَّةِ ضَعِيفَ الْبِنْيَةِ سَخِيفَ الْعَقْلِ قَلِيلَ الْفَهْمِ وَيُقَالُ أَرْذَلُ الْعُمُرِ أَرْدَؤُهُ وَهُوَ حَالَةُ الْهَرَمِ وَالضَّعْفِ عَنْ أَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَعَنْ خِدْمَةِ نَفْسِهِ فِيمَا يَتَنَظَّفُ فِيهِ فَيَكُونُ كَلًّا عَلَى أَهْلِهِ ثَقِيلًا بَيْنَهُمْ يَتَمَنَّوْنَ مَوْتَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَهْلٌ فَالْمُصِيبَةُ أَعْظَمُ (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا) بِأَنْ تَتَزَيَّنَ لِلسَّالِكِ وَتَغُرَّهُ وَتُنْسِيَهُ الْآخِرَةَ وَيَأْخُذَ مِنْهَا زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ (وَعَذَابِ الْقَبْرِ) أَيْ مِنْ مُوجِبَاتِ عَذَابِهِ قوله (قال عبد الله) أي بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ شَيْخُ التِّرْمِذِيِّ (أَبُو إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيُّ) السَّبِيعِيُّ اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ يَضْطَرِبُ (يَقُولُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عُمَرَ وَيَقُولُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَضْطَرِبُ فِيهِ) قَالَ الْحَافِظُ قَدْ رَوَاهُ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنِ بن مَسْعُودٍ هَذِهِ رِوَايَةُ زَكَرِيَّا عَنْهُ وَقَالَ إِسْرَائِيلُ عَنْهُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَبُو إِسْحَاقَ يَضْطَرِبُ فِيهِ قَالَ لَعَلَّ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ سَمِعَهُ مِنْ جَمَاعَةٍ فَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَمَّى مِنْهُمْ ثَلَاثَةً كَمَا تَرَى انْتَهَى (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ [3568] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحسن) بن جنيدب أبو الحسن الترمذي (حدثنا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ) بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ مَوْلَاهُمَا الْفَقِيهُ الْمِصْرِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ مَاتَ مُسْتَتِرًا أَيَّامَ الْمِحْنَةِ مِنْ

الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبِ) بْنِ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ) الْأَنْصَارِيِّ مَوْلَاهُمُ الْمِصْرِيُّ (عَنْ خُزَيْمَةَ) فِي التَّقْرِيبِ خُزَيْمَةُ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ لَا يُعْرَفُ مِنَ السابعة انتهى وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ (عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ) الزُّهْرِيَّةِ الْمَدَنِيَّةِ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ عُمِّرَتْ حَتَّى أَدْرَكَهَا مَالِكٌ وَوَهِمَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهَا رُؤْيَةً قَوْلُهُ (عَلَى امْرَأَةٍ) أَيْ مَحْرَمٍ لَهُ أَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ الْحِجَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الدُّخُولِ الرُّؤْيَةُ (وَبَيْنَ يَدَيْهَا) الْوَاوُ لِلْحَالِ (نَوَاةٌ) بِفَتْحِ النُّونِ وَهِيَ عَظْمُ التَّمْرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ نَوًى بِلَفْظِ الْجَمْعِ (أَوْ قَالَ حَصَاةٌ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (تُسَبِّحُ) أَيِ الْمَرْأَةُ (بِهَا) أَيْ بِالنَّوَاةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ عَدِّ التَّسْبِيحِ بِالنَّوَى وَالْحَصَى وَكَذَا بِالسُّبْحَةِ لِعَدَمِ الْفَارِقِ لِتَقْرِيرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمَرْأَةِ عَلَى ذَلِكَ وَعَدَمِ إِنْكَارِهِ وَالْإِرْشَادُ إِلَى مَا هُوَ أَفْضَلُ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي جَوَازِ السُّبْحَةِ فِي بَابِ عَقْدِ التَّسْبِيحِ بِالْيَدِ (فَقَالَ) أَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِمَا هُوَ أَيْسَرُ) أَيْ أَسْهَلُ وَأَخَفُّ (مِنْ هَذَا) أَيْ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ وَالتَّعْدَادِ (وَأَفْضَلُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ أَفْضَلُ وَكَذَلِكَ فِي سُنَنِ أَبُو دَاوُدَ بِلَفْظِ أَوْ قال القارىء قِيلَ أَوْ هَذِهِ لِلشَّكِّ مِنْ سَعْدٍ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ وَقِيلَ بِمَعْنَى الْوَاوِ وَقِيلَ بِمَعْنَى بَلْ وَهُوَ الْأَظْهَرُ قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ لِأَنَّهُ اعْتِرَافٌ بِالْقُصُورِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُحْصِيَ ثَنَاءَهُ وَفِي الْعَدِّ بِالنَّوَى إِقْدَامٌ عَلَى أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْإِحْصَاءِ انْتَهَى قَالَ القارىء وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الْعَدِّ هَذَا الْإِقْدَامُ ثُمَّ ذَكَرَ وُجُوهًا أُخْرَى لِلْأَفْضَلِيَّةِ وَلَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا عَنْ خَدْشَةٍ (سُبْحَانَ اللَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ) فِيهِ تَغْلِيبٌ لِكَثْرَةِ غَيْرِ ذَوِي الْعُقُولِ الْمَلْحُوظَةِ فِي الْمَقَامِ (عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ) أَيْ مَا بَيْنَ مَا ذَكَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنَ الْهَوَاءِ وَالطَّيْرِ وَالسَّحَابِ وَغَيْرِهَا (عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقٌ) أَيْ خَالِقُهُ أَوْ خَالِقٌ لَهُ فِيمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَاخْتَارَهُ بن حَجَرٍ وَهُوَ أَظْهَرُ لَكِنَّ الْأَدَقَّ الْأَخْفَى مَا قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ مَا هُوَ خَالِقٌ لَهُ مِنَ الْأَزَلِ إِلَى الْأَبَدِ وَالْمُرَادُ الِاسْتِمْرَارُ فَهُوَ إِجْمَالٌ بَعْدَ التَّفْصِيلِ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ إِذَا أُسْنِدَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يُفِيدُ الِاسْتِمْرَارَ مِنْ بدأ الْخَلْقِ إِلَى الْأَبَدِ كَمَا تَقُولُ اللَّهُ قَادِرٌ عَالِمٌ فَلَا تَقْصِدُ زَمَانًا دُونَ زَمَانٍ (وَاللَّهُ أَكْبَرُ مِثْلَ ذَلِكَ) قَالَ الطِّيبِيُّ مَنْصُوبٌ نَصْبَ عَدَدٍ فِي الْقَرَائِنِ السَّابِقَةِ عَلَى الْمَصْدَرِ وَقَالَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ بِنَصْبِ مِثْلَ أَيِ اللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا هُوَ خَالِقُهُ أَيْ بِعَدَدِهِ فَجَعَلَ مَرْجِعَ الْإِشَارَةِ أَقْرَبَ مَا ذُكِرَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُشَارَ إِلَيْهِ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ اللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ

مَا خَلَقَ فِي السَّمَاءِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا خَلَقَ فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا بَيْنَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَكْبَرُ عَدَدَ مَا هو خالق ذكره القارىء وَقَالَ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ هَذَا مِنَ اخْتِصَارِ الرَّاوِي فَنَقَلَ آخَرٌ الْحَدِيثَ بِالْمَعْنَى خَشْيَةً لِلْمَلَالَةِ بِالْإِطَالَةِ وَيَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا بَعْضُ الْآثَارِ أَيْضًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ سعد) وأخرجه أبو داود والنسائي وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ [3569] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَكِيمٍ مَوْلَى الزُّبَيْرِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْهُ مُوسَى بن عبيدة الربذي قال الدوري عن بن معين لا أعرفه وقال بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ لَا نَفْهَمُ مَنْ مُحَمَّدٌ هَذَا وَزَعَمَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ شُرَحْبِيلَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي حَكِيمٍ مَوْلَى الزُّبَيْرِ) مَجْهُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَا مِنْ صَبَاحٍ يُصْبِحُ الْعَبْدُ) أَيْ فِيهِ قَالَ الطِّيبِيُّ صَبَاحٌ نَكِرَةٌ وَقَعَتْ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ وَضُمَّتْ إِلَيْهَا مِنَ الِاسْتِغْرَاقِيَّةُ لِإِفَادَةِ الشُّمُولِ ثُمَّ جِيءَ بِقَوْلِهِ يُصْبِحُ صِفَةً مُؤَكِّدَةً لِمَزِيدِ الْإِحَاطَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رزقها وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ (سَبِّحُوا) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ التَّسْبِيحِ أَيْ نَزِّهُوا (الْمَلِكَ الْقُدُّوسَ) أَيْ عَمَّا هُوَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ وَالْمَعْنَى اعْتَقِدُوا أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ إِنْشَاءَ تَنْزِيهٍ لِأَنَّهُ مُنَزَّهٌ أَزَلًا وَأَبَدًا أَوِ اذْكُرُوهُ بِالتَّسْبِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلِذَا قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ قُولُوا سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ أَوْ قُولُوا سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ أَيْ وَنَحْوَهُمَا مِنْ قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وبحمده الله سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَهُوَ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ بَعْضِ رُوَاتِهِ وَجَهَالَةِ بَعْضِهِمْ وأخرجه أبو يعلى وبن السُّنِّيِّ بِلَفْظِ مَا مِنْ صَبَاحٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ إِلَّا وَصَارِخٌ يَصْرُخُ أَيُّهَا الْخَلَائِقُ سَبِّحُوا الْمَلِكَ الْقُدُّوسَ قَالَ الْمُنَاوِيُّ إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ

باب في دعاء الحفظ

10 - (بَاب فِي دُعَاءِ الْحِفْظِ) [3570] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن الحسن) بن جنيدب أبو الحسن الترمذي (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عِيسَى التيمي الدمشقي بن بِنْتِ شُرَحْبِيلَ أَبُو أَيُّوبَ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) الْقُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ قَوْلُهُ (تَفَلَّتَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ التَّفَلُّتُ وَالْإِفْلَاتُ والانفلات التخلص من الشي فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ تَمَكُّثٍ (يَا أَبَا الْحَسَنِ) هُوَ كُنْيَةُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَجَلْ) حَرْفُ جَوَابٍ بِمَعْنَى نَعَمْ (فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ) الْآخِرِ نَعْتٌ لِثُلُثِ اللَّيْلِ لَا لِلَّيْلِ (فَإِنَّهَا سَاعَةٌ مَشْهُودَةٌ) أَيْ فَإِنَّ سَاعَةَ ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ سَاعَةٌ تَشْهَدُهَا الْمَلَائِكَةُ (وَقَدْ قَالَ أَخِي يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ) إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَعْقُوبَ أَخِي لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ إِخْوَةٌ مِنْ عَلَّاتٍ وَأُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى إنما المؤمنون إخوة سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِبَيَانِ أَنَّ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَحْرَى وَأَخْلَقُ بِإِجَابَةِ الدُّعَاءِ (يَقُولُ حَتَّى تَأْتِيَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ وَضَمِيرُ يَقُولُ رَاجِعٌ إِلَى يَعْقُوبَ وَالْمَعْنَى أَنَا أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ في ليلة الجمعة الآتية قال الحافظ بن كثير قال بن مسعود وإبراهيم التيمي وعمرو بن قيس وبن جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُمْ أَرْجَأَهُمْ إِلَى وَقْتِ السَّحَرِ وَقَالَ بن جرير حدثني أبو السائب حدثنا بن إِدْرِيسَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ إِسْحَاقَ يَذْكُرُ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَأْتِي الْمَسْجِدَ فَيَسْمَعَ إِنْسَانًا يَقُولُ اللَّهُمَّ دَعَوْتنِي فَأَجَبْتُ وَأَمَرَتْنِي فَأَطَعْتُ وَهَذَا السَّحَرُ فَاغْفِرْ لِي قَالَ فَاسْتَمَعَ الصَّوْتَ فَإِذَا هُوَ مِنْ دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَسَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنَّ يَعْقُوبَ أَخَّرَ بَنِيهِ إِلَى السَّحَرِ بِقَوْلِهِ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ أن ذلك كان ليلة الجمعة قال بن جَرِيرٍ أَيْضًا حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو أَيُّوبَ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الوليد أنبأنا بن جريج عن عطاء وعكرمة عن بن عَبَّاسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سوف أستغفر لكم ربي يقول حَتَّى تَأْتِيَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ

قَوْلُ أَخِي يَعْقُوبَ لِبَنِيهِ وَهَذَا غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِي رَفْعِهِ نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى (فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي وَسَطِهَا) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ (وَتَبَارَكَ الْمُفَصلِ) أي سورة تبارك الذي بيده الملك الَّتِي هِيَ مِنْ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَبَارَكَ الْمُلْكِ (وَصَلِّ عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (وَأَحْسِنْ) أَيْ وَأَحْسِنِ الصَّلَاةَ عَلَيَّ (وَلِإِخْوَانِكَ) الْمُرَادُ بِالْأُخُوَّةِ هُنَا أُخُوَّةُ الدِّينِ (أَنْ أَتَكَلَّفَ) أَيْ أَتَعَرَّضَ (مَا لَا يَعْنِينِي) مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ أَيْ مَا لَا يُهِمُّنِي وَلَا يَكُونُ مِنْ مَقْصِدِي وَمَطْلُوبِي (يُرْضِيكَ) مِنَ الْإِرْضَاءِ (لَا تُرَامُ) أَيْ لَا تُطْلَبُ مِنَ الرَّوْمِ وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مِنَ الرَّيْمِ بِمَعْنَى التَّجَاوُزِ (أَنْ تُلْزِمَ) بِضَمِّ التَّاءِ مِنَ الْإِلْزَامِ (أَنْ تُطْلِقَ) مِنَ الْإِطْلَاقِ أَيْ تَجْرِيَ (وَأَنْ تُفَرِّجَ) مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ أَيْ تَكْشِفَ وَتُزِيلَ (وَأَنْ تَغْسِلَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَعْمَلَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنَ الْإِعْمَالِ يُقَالُ أَعْمَلَهُ غَيْرُهُ أَيْ جَعَلَهُ عَامِلًا (وَلَا يُؤْتِيهِ) أَيْ لَا يُعْطِيهِ (تُجَبْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِجَابَةِ أَيْ إِنْ

تَفْعَلْ ذَلِكَ تُجَبْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تُجَابُ (ما أخطأ) أي هذا الدعاء (مؤمنا) بَلْ يُصِيبُهُ وَيُسْتَجَابُ لَهُ (إِلَّا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا) أَيْ خَمْسَ جُمَعٍ أَوْ سَبْعَ جَمَعَ (رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِالنَّصْبِ (فِيمَا خَلَا) أَيْ فِيمَا مَضَى مِنَ الْأَيَّامِ (لَمْ أَخْرِمْ) مِنْ بَابِ ضَرَبَ أَيْ لَمْ أَنْقُصْ وَلَمْ أَقْطَعْ (مُؤْمِنٌ) أَيْ أَنْتَ مُؤْمِنٌ (أَبَا الْحَسَنِ) مَنْصُوبٌ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا إِلَّا أَنَّهُ قَالَ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ بِالْفَاتِحَةِ وَألم السَّجْدَةِ وَفِي الثَّالِثَةِ بِالْفَاتِحَةِ وَالدُّخَانِ عَكْسَ مَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ فِي الدُّعَاءِ وَأَنْ تَشْغَلَ بِهِ بَدَنِي مَكَانَ وَأَنْ تَسْتَعْمِلَ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَفِي بَعْضِهَا وَأَنْ تَغْسِلَ قَالَ طُرُقُ أَسَانِيدِ هَذَا الْحَدِيثِ جَيِّدَةٌ وَمَتْنُهُ غَرِيبٌ جِدًّا انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي الفوائد المجموعة بعد ذكر حديث بن عباس هذا رواه الدارقطني عن بن عَبَّاسٍ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ قال بن الْجَوْزِيِّ الْوَلِيدُ يُدَلِّسُ تَدْلِيسَ التَّسْوِيَةِ وَلَا أَتَّهِمُ بِهِ إِلَّا النَّقَّاشَ يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ بن محمد المقرئ شيخ الدارقطني قال بن حَجَرٍ هَذَا الْكَلَامُ تَهَافُتٌ وَالنَّقَّاشُ بَرِيءٌ مِنْ عُهْدَتِهِ فَإِنَّ التِّرْمِذِيَّ أَخْرَجَهُ فِي جَامِعِهِ مِنْ طريق الوليد به انتهى قال في اللآلىء وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ عَنْ أَبِي النَّضْرِ الْفَقِيهِ وَأَبِي الْحَسَنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيِّ عَنِ الوليد بن مسلم عن بن جريج عن عطاء وعكرمة عن بن عَبَّاسٍ بِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ تَرْكَنِ النَّفْسُ إِلَى مِثْلِ هَذَا مِنَ الْحَاكِمِ فَالْحَدِيثُ يَقْصُرُ عَنِ الْحُسْنِ فَضْلًا عَنِ الصِّحَّةِ وَفِي أَلْفَاظِهِ نَكَارَةٌ انْتَهَى

باب في انتظار الفرج وغير ذلك

11 - (بَاب فِي انْتِظَارِ الْفَرَجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) [3571] قَوْلُهُ (سَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ) أَيْ بَعْضَ فَضْلِهِ فَإِنَّ فَضْلَهُ وَاسِعٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَانِعٌ (فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ) أَيْ مِنْ فَضْلِهِ لِأَنَّ يَدَهُ تَعَالَى مَلْأَى لَا تُغِيضُهَا نَفَقَةٌ سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ) أَيِ ارْتِقَابُ ذَهَابِ الْبَلَاءِ وَالْحُزْنِ بِتَرْكِ الشِّكَايَةِ إِلَى غَيْرِهِ تَعَالَى وَكَوْنُهُ أَفْضَلَ الْعِبَادَةِ لِأَنَّ الصَّبْرَ فِي الْبَلَاءِ انْقِيَادٌ لِلْقَضَاءِ وَالْفَرَجُ بِفَتْحَتَيْنِ بِالْفَارِسِيَّةِ كشايش يُقَالُ فَرَّجَ اللَّهُ الْغَمَّ عَنْهُ أَيْ كَشَفَهُ وَأَذْهَبَهُ قَوْلُهُ (هَكَذَا رَوَى حَمَّادُ بن واقد هذا الحديث) وأخرجه بن مَرْدَوَيْهِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِهِ (وَحَمَّادُ بْنُ وَاقِدٍ) الْعَبْسِيُّ أَبُو عَمْرٍو الصَّفَّارُ الْبَصْرِيُّ (لَيْسَ بِالْحَافِظِ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ وَقَالَ بن مَعِينٍ ضَعِيفٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَيِّنُ الْحَدِيثِ لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَهُوَ فِي انْتِظَارِ الْفَرَجِ وَأَعَلَّهُ انْتَهَى مُخْتَصَرًا (وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال الحافظ بن كَثِيرٍ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَكَذَا رواه بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ وَكِيعٍ عَنْ إِسْرَائِيلَ (وَحَدِيثُ أَبِي نُعَيْمٍ أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ أَصَحَّ) لِأَنَّ أَبَا نُعَيْمٍ وَهُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ ثَبْتٌ وَأَمَّا حَمَّادُ بْنُ وَاقِدٍ فَضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ وَفِي طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ رَجُلٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَذَا الرَّجُلُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَحَابِيًّا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَابِعِيًّا وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ هَذَا الطَّرِيقُ مُرْسَلًا [3572] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ) هُوَ النَّهْدِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَلٍّ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ

مِنَ الْكَسَلِ وَالْعَجْزِ وَالْبُخْلِ) قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ (وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ) أَيْ بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدِّمِ (مِنَ الْهَرَمِ) قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ مِنَ الِاسْتِعَاذَةِ مِنَ الْهَرَمِ الِاسْتِعَاذَةُ مِنَ الرَّدِّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمْرِ وَسَبَبُ ذَلِكَ مَا فِيهِ مِنَ الْخَرَفِ وَاخْتِلَالِ الْعَقْلِ وَالْحَوَاسِّ وَالضَّبْطِ وَالْفَهْمِ وَتَشْوِيهِ بَعْضِ الْمَنْظَرِ وَالْعَجْزِ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الطَّاعَاتِ وَالتَّسَاهُلِ فِي بَعْضِهَا (وَعَذَابِ الْقَبْرِ) مِنَ الضِّيقِ وَالظُّلْمَةِ وَالْوَحْشَةِ وَضَرْبِ الْمِقْمَعَةِ وَلَدْغِ الْعَقْرَبِ وَالْحَيَّةِ وَأَمْثَالِهَا وَمِمَّا يُوجِبُ عَذَابَهُ مِنَ النَّمِيمَةِ وَعَدَمِ التَّطْهِيرِ وَنَحْوِهَا قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ بن مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مُطَوَّلًا [3573] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف) هو الضبي الفريابي (عن بن ثَوَبَانَ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ الْعَنْسِيِّ الشَّامِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) بْنِ قَيْسٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ أَبِي الْوَلِيدِ الْمَدَنِيِّ أَحَدِ النُّقَبَاءِ بَدْرِيٌّ مَشْهُورٌ مَاتَ بِالرَّمْلَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَلَهُ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ سَنَةً وَقِيلَ عَاشَ إِلَى خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ (إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا) أَيْ تِلْكَ الدَّعْوَةَ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ مَا مِنْ أَحَدٍ يَدْعُو بِدُعَاءٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ مَا سَأَلَ (أَوْ صَرَفَ) أَيْ دَفَعَ (عَنْهُ) أَيْ عَنِ الدَّاعِي (مِنَ السُّوءِ) أَيِ الْبَلَاءِ النَّازِلِ أَوْ غَيْرِهِ فِي أَمْرِ دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ أَوْ بَدَنِهِ (مِثْلَهَا) أَيْ مِثْلَ تِلْكَ الدَّعْوَةِ كَمِّيَّةً وَكَيْفِيَّةً إِنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهُ وُقُوعَهُ فِي الدُّنْيَا مَا لَمْ يَدْعُ بِمَأْثَمٍ الْمَأْثَمُ الْأَمْرُ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ الْإِنْسَانُ أَوْ هُوَ الْإِثْمُ نَفْسُهُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِإِثْمٍ (أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ) تَخْصِيصٌ بَعْدَ تَعْمِيمٍ وَالْقَطِيعَةُ أَيِ الْهِجْرَانُ وَالصَّدُّ أَيْ تَرْكُ الْبِرِّ إِلَى الْأَهْلِ وَالْأَقَارِبِ (إِذَا) أَيْ إِذَا كَانَ الدُّعَاءُ لَا يُرَدُّ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا يَخِيبُ الدَّاعِي فِي شَيْءٍ مِنْهُ (نُكْثِرُ) أَيْ مِنَ الدُّعَاءِ لِعَظِيمِ فَوَائِدِهِ (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اللَّهُ أَكْثَرُ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيِ اللَّهُ أَكْثَرُ إِجَابَةً مِنْ دُعَائِكُمْ وَقِيلَ إِنَّ مَعْنَاهُ فَضْلُ اللَّهِ أَكْثَرُ أَيْ مَا يُعْطِيهِ مِنْ فَضْلِهِ وَسَعَةِ كَرَمِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُعْطِيكُمْ فِي مُقَابَلَةِ دُعَائِكُمْ وَقِيلَ اللَّهُ أَغْلَبُ فِي الْكَثْرَةِ فَلَا تُعْجِزُونَهُ فِي

الاستكثار فإن خزائنه لا تنفذ وَعَطَايَاهُ لَا تَفْنَى وَقِيلَ اللَّهُ أَكْثَرُ ثَوَابًا وَعَطَاءً مِمَّا فِي نُفُوسِكُمْ فَأَكْثِرُوا مَا شِئْتُمْ فَإِنَّهُ تَعَالَى يُقَابِلُ أَدْعِيَتَكُمْ بِمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا وَأَجَلُّ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ إِمَّا أَنْ يُعَجِّلَ لَهُ دَعْوَتَهُ وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مثلها وصححه الحاكم 2 - باب [3574] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا جَرِيرُ) بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ (عَنْ مَنْصُورِ) بْنِ الْمُعْتَمِرِ (عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ) السُّلَمِيَّ قَوْلُهُ (إِذَا أَخَذْتَ) أَيْ أَتَيْتَ كَمَا فِي رِوَايَةٍ مَضْجَعَكَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ مِنْ ضَجَعَ يَضْجَعُ مِنْ بَابِ مَنَعَ يَمْنَعُ وَالْمَعْنَى إِذَا أَرَدْتَ النَّوْمَ فِي مَضْجَعِكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ أَيْ كَوُضُوئِكَ لِلصَّلَاةِ فَهُوَ مَنْصُوبٌ بِنَزْعِ الْخَافِضِ (ثُمَّ اضْطَجِعْ) أَصْلُهُ اضْتَجَعَ مِنْ بَابِ الِافْتِعَالِ فَقُلِبَتِ التَّاءُ طَاءً (عَلَى شِقِّكَ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ أَيْ جَانِبِكَ (اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ) أَيِ اسْتَسْلَمْتُ وَانْقَدْتُ وَالْمَعْنَى جَعَلْتُ ذَاتِي مُنْقَادَةً لَكَ تَابِعَةً لِحُكْمِكَ إِذْ لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى تَدْبِيرِهَا وَلَا عَلَى جَلْبِ مَا يَنْفَعُهَا إِلَيْهَا وَلَا دَفْعِ مَا يَضُرُّهَا عَنْهَا (وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ) مِنَ التَّفْوِيضِ وَهُوَ تَسْلِيمُ الْأَمْرِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَعْنَى تَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ فِي أَمْرِي كُلِّهِ (وَأَلْجَأْتُ) أَيْ أَسْنَدْتُ (ظَهْرِي إِلَيْكَ) أَيِ اعْتَمَدْتُ عَلَيْكَ فِي أَمْرِي كُلِّهِ لِتُعِينَنِي عَلَى مَا يَنْفَعُنِي لِأَنَّ مَنِ اسْتَنَدَ إِلَى شَيْءٍ تَقْوَى بِهِ وَاسْتَعَانَ بِهِ وَخَصَّهُ بِالظَّهْرِ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَعْتَمِدُ بِظَهْرِهِ إِلَى مَنْ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ (رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ) وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ رَهْبَةً مِنْكَ وَرَغْبَةً إِلَيْكَ أَيْ طَمَعًا فِي رِفْدِكَ وَثَوَابِكَ وَخَوْفًا مِنْ عَذَابِكَ وَمِنْ عِقَابِكَ قَالَ الطِّيبِيُّ مَنْصُوبَانِ عَلَى الْعِلَّةِ بِطَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ أَيْ فوضعت أُمُورِي طَمَعًا فِي ثَوَابِكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي مِنَ الْمَكَارِهِ إِلَيْكَ مَخَافَةً مِنْ عَذَابِكَ انْتَهَى وَقِيلَ مفعول لهما لألجأت وقال القارىء إِنَّ نَصْبَهُمَا عَلَى الْحَالِيَّةِ أَيْ رَاغِبًا وَرَاهِبًا أَوِ الظَّرْفِيَّةِ أَيْ فِي حَالِ الطَّمَعِ وَالْخَوْفِ يتنازع فيهما

الْأَفْعَالُ الْمُتَقَدِّمَةُ كُلُّهَا (لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ) أَيْ لَا مَهْرَبَ وَلَا مَلَاذَ وَلَا مَخْلَصَ مِنْ عُقُوبَتِكَ إِلَّا إِلَى رَحْمَتِكَ قَالَ الْحَافِظُ أَصْلُ مَلْجَأٍ بِالْهَمْزَةِ وَمَنْجَا بِغَيْرِ هَمْزَةٍ وَلَكِنْ لَمَّا جُمِعَا جَازَا أَنْ يُهْمَزَا لِلِازْدِوَاجِ وَأَنْ يُتْرَكَ الْهَمْزُ فِيهِمَا وَأَنْ يُهْمَزَ الْمَهْمُوزُ وَيُتْرَكَ الْآخِرَ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَيَجُوزُ التَّنْوِينُ مَعَ الْقَصْرِ فَتَصِيرُ خَمْسَةً قَالَ الْعَيْنِيُّ إِعْرَابُهُمَا مِثْلُ إِعْرَابِ عَصَى وَفِي هَذَا التَّرْكِيبِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ لِأَنَّهُ مِثْلُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ نَصْبِهِ وَفَتْحِهَا بِالتَّنْوِينِ وَعَدَمِهِ وَعِنْدَ التَّنْوِينِ تَسْقُطُ الْأَلِفُ ثُمَّ إِنَّهُمَا إِنْ كَانَا مَصْدَرَيْنِ يَتَنَازَعَانِ مِنْكَ وإن كانا مكانين فلا إذا اسْمُ الْمَكَانِ لَا يَعْمَلُ وَتَقْدِيرُهُ لَا مَلْجَأَ مِنْكَ إِلَى أَحَدٍ إِلَّا إِلَيْكَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ انْتَهَى (آمَنْتُ بِكِتَابِكَ) يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْقُرْآنَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ اسْمَ الْجِنْسِ فَيَشْمَلَ كُلَّ كِتَابٍ أُنْزِلَ (وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أَرْسَلْتَهُ وَأَنْزَلْتَهُ فِي الْأَوَّلِ بِزِيَادَةِ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِيهِمَا (مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ) أَيْ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ مُتَّ عَلَى الدِّينِ الْقَوِيمِ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَسْلَمَ وَاسْتَسْلَمَ وَقَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَجَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (فَرَدَدْتُهُنَّ) أَيْ رَدَدْتُ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِأَسْتَذْكِرَهُ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لِأَسْتَذْكِرَهُنَّ أَيْ لِأَحْفَظَ وَأَتَذَكَّرَ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا تَذْكِيرُ الضَّمِيرِ فِي هَذَا الْكِتَابِ فَبِتَأْوِيلِ الدُّعَاءِ (فَقَالَ) أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْ آمَنْتُ بِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) ذَكَرُوا فِي إِنْكَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدِّهِ اللَّفْظَ أَوْجُهًا مِنْهَا أَمَرَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ صِفَتَيْهِ وَهُمَا الرَّسُولُ وَالنَّبِيُّ صَرِيحًا وَإِنْ كَانَ وَصْفُ الرِّسَالَةِ يَسْتَلْزِمُ النُّبُوَّةَ وَمِنْهَا أَنَّ ذِكْرَهُ احْتِرَازٌ عَمَّنْ أُرْسِلَ مِنْ غَيْرِ نُبُوَّةٍ كَجِبْرِيلَ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لِأَنَّهُمْ رُسُلُ الْأَنْبِيَاءِ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ رَدُّهُ دَفْعًا لِلتَّكْرَارِ لِأَنَّهُ قَالَ فِي الْأُولَى وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ قَالَ الْحَافِظُ وَأَوْلَى مَا قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ فِي رَدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ قَالَ الرَّسُولُ بَدَلَ النَّبِيِّ أَنَّ أَلْفَاظَ الْأَذْكَارِ تَوْقِيفِيَّةٌ وَلَهَا خَصَائِصُ وَأَسْرَارٌ لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ فَتَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمَازَرِيِّ قَالَ فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى اللَّفْظِ الْوَارِدِ بِحُرُوفِهِ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْجَزَاءُ بِتِلْكَ الْحُرُوفِ وَلَعَلَّهُ أُوحِيَ إليه بهذه الكلمات فيتعين أداءها بِحُرُوفِهَا وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ثَلَاثُ سُنَنٍ مُهِمَّةٍ مُسْتَحَبَّةٍ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ إِحْدَاهَا الْوُضُوءُ عِنْدَ إِرَادَةِ النَّوْمِ فَإِنْ كَانَ مُتَوَضِّأً كَفَاهُ ذَلِكَ الْوُضُوءُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّوْمُ عَلَى طَهَارَةٍ مَخَافَةَ أَنْ يَمُوتَ فِي لَيْلَتِهِ وَلِيَكُونَ أَصْدَقَ لِرُؤْيَاهُ وَأَبْعَدَ مِنْ تَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِهِ فِي مَنَامِهِ وَتَرْوِيعِهِ إِيَّاهُ الثَّانِيَةُ النَّوْمُ عَلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ وَلِأَنَّهُ أَسْرَعُ إِلَى الِانْتِبَاهِ الثَّالِثَةُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى لِيَكُونَ خَاتِمَةَ عَمَلِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وَلَا نَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ ذِكْرَ الْوُضُوءِ إِلَخْ) أَيْ عِنْدَ النَّوْمِ [3575] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْبَرَّادِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَسِيدٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ الْبَرَّادُ أَوْ سَعِيدٌ الْمَدِينِيُّ صَدُوقٌ وَاسْمُ أَبِيهِ يَزِيدُ وَهُوَ غَيْرُ أَسِيدِ بْنِ عَلِيٍّ مِنَ الْخَامِسَةِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ الْمَنْصُورِ (عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ) بِضَمِّ مُعْجَمَةٍ وَفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ أُولَى وَسُكُونِ يَاءٍ الْجُهَنِيِّ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ رُبَّمَا وَهِمَ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خُبَيْبٍ الْجُهَنِيِّ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ صَحَابِيٌّ قَوْلُهُ (فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ) أَيْ ذَاتِ مَطَرٍ (وَظُلْمَةٍ) أَيْ وَفِي ظُلْمَةٍ (يُصَلِّي لَنَا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ لِيُصَلِّيَ لَنَا (فَقَالَ قُلْ) أَيِ اقْرَأْ (قُلْتُ مَا أَقُولُ) أَيْ مَا أَقْرَأُ (وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَتُفْتَحُ أَيْ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (تَكْفِيكَ) بِالتَّأْنِيثِ أَيِ السُّوَرُ الثَّلَاثُ (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ تدفع عنك كل سوء فمن زَائِدَةٌ فِي الْإِثْبَاتِ عَلَى مَذْهَبِ جَمَاعَةٍ وَعَلَى مَذْهَبِ الْجُمْهُورِ أَيْضًا لِأَنَّ يَكْفِيكَ مُتَضَمَّنَةٌ لِلنَّفْيِ كما يعلم من تفسيرها بتدفع وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ أَيْ تَدْفَعُ عَنْكَ مِنْ أَوَّلِ مَرَاتِبِ السُّوءِ إِلَى آخِرِهَا أَوْ تَبْعِيضِيَّةٌ أَيْ بَعْضُ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ السُّوءِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى تُغْنِيكَ عَمَّا سِوَاهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تصحيح الترمذي وأقره [3576] 13 قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مُصَغَّرًا (نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي) أَيْ وَالِدِي

(فَقَالَ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ قَالَ بِغَيْرِ الْفَاءِ (فَأَكَلَ مِنْهُ) أَيِ الطَّعَامِ (ثُمَّ أُتِيَ بِتَمْرٍ) أَيْ جِيءَ بِهِ (وَيُلْقِي) بِضَمِّ أَوَّلِهِ (النَّوَى) جِنْسُ النَّوَاةِ (بِإِصْبَعَيْهِ) بِتَثْلِيثِ الْهَمْزَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ فَفِيهِ تِسْعُ لُغَاتٍ وَالْأَشْهَرُ كَسْرُ الْهَمْزَةِ وَفَتْحُ الْمُوَحَّدَةِ (جَمَعَ السَّبَّابَةَ) أَيِ الْمُسَبِّحَةَ (قَالَ شُعْبَةُ وَهُوَ ظَنِّي فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَلْقَى النَّوَى بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِإِسْنَادِ التِّرْمِذِيِّ فَكَانَ يَأْكُلُهُ وَيُلْقِي النَّوَى بَيْن إِصْبَعَيْهِ وَيَجْمَعُ السَّبَّابَةَ وَالْوُسْطَى قَالَ شُعْبَةُ هُوَ ظَنِّي وَهُوَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلْقَاءُ النَّوَى بَيْنَ الْإِصْبَعَيْنِ وَفِيهِ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ أخبرنا بن أَبِي عَدِيٍّ وَحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُثَنًّى قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَمْ يَشُكَّا فِي إِلْقَاءِ النَّوَى بَيْنَ الْإِصْبَعَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ وَيُلْقِي النَّوَى بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ أَيْ يَجْعَلُهُ بَيْنَهُمَا لِقِلَّتِهِ وَلَمْ يُلْقِهِ فِي إِنَاءِ التَّمْرِ لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِالتَّمْرِ وَقِيلَ كَانَ يَجْمَعُهُ عَلَى ظَهْرِ الْإِصْبَعَيْنِ ثُمَّ يَرْمِي بِهِ وَقَوْلُهُ قَالَ شُعْبَةُ هُوَ ظَنِّي وَفِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِلْقَاءُ النَّوَى مَعْنَاهُ أَنَّ شُعْبَة قَالَ الَّذِي أَظُنُّهُ إِلْقَاءُ النَّوَى مَذْكُورٌ فِي الْحَدِيثِ فَأَشَارَ إِلَى تَرَدُّدٍ فِيهِ وَشَكٍّ وَفِي الطَّرِيقِ الثَّانِي جَزَمَ بِإِثْبَاتِهِ وَلَمْ يَشُكَّ فَهُوَ ثَابِتٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَأَمَّا رِوَايَةُ الشَّكِّ فَلَا تَضُرُّ سَوَاءٌ تَقَدَّمَتْ عَلَى هَذِهِ أَوْ تَأَخَّرَتْ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ فِي وَقْتٍ وَشَكَّ فِي وَقْتٍ فَالْيَقِينُ ثَابِتٌ وَلَا يَمْنَعُهُ النِّسْيَانُ فِي وَقْتٍ آخَرَ انْتَهَى قُلْتُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فَكَانَ يَأْكُلُ التَّمْرَ وَيَضَعُ النَّوَى عَلَى ظَهْرِ إِصْبَعَيْهِ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ تُؤَيِّدُ مَا قِيلَ كَانَ يَجْمَعُهُ عَلَى ظَهْرِ الْإِصْبَعَيْنِ ثُمَّ يَرْمِي بِهِ (ثُمَّ أُتِيَ بِشَرَابٍ) أَيْ مَاءٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ (ثُمَّ نَاوَلَهُ الَّذِي عَنْ يَمِينِهِ) فِيهِ أَنَّ الشَّرَابَ وَنَحْوَهُ يُدَارُ عَلَى الْيَمِينِ (وَأَخَذَ) أَيْ وَقَدْ أَخَذَ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْمَقُولِ وَأُخِذَ مِنْهُ أَنَّهُ يُسَنُّ أَخْذُ رِكَابِ الْأَكَابِرِ وَلِجَامِهِ وَالضَّيْفِ تَوَاضُعًا وَاسْتِمَالَةً (ادْعُ لَنَا) فِيهِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ الدُّعَاءِ مِنَ الْفَاضِلِ وَدُعَاءِ الضَّيْفِ بِتَوْسِعَةِ الرِّزْقِ وَالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَقَدْ جَمَعَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الدُّعَاءِ خَيْرَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والنسائي وبن أَبِي شَيْبَةَ [3577] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ) بْنِ مُرَّةَ (الشَّنِّيُّ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ الْبَصْرِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بن مرة

الشَّنِّيُّ الْبَصْرِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (قَالَ سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ يَسَارِ بْنِ زَيْدٍ) الْقُرَشِيَّ مَوْلَاهُمْ بَصْرِيٌّ مَقْبُولٌ (حَدَّثَنِي أَبِي) أَيْ يَسَارُ بْنُ زَيْدٍ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ جَدِّي) أَيْ زَيْدٍ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ زَيْدٌ وَالِدُ يَسَارٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ ذَكَرَ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ أَنَّ اسْمَ أَبِيهِ بَوْلًا بِمُوَحَّدَةٍ وَكَانَ عَبْدًا نُوْبِيًّا قَوْلُهُ (أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) رُوِيَ بِالنَّصْبِ عَلَى الْوَصْفِ لِلَفْظِ اللَّهِ وَبِالرَّفْعِ لِكَوْنِهِمَا بَدَلَيْنِ أَوْ بَيَانَيْنِ لِقَوْلِهِ هُوَ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَكْثَرُ وَالْأَشْهَرُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ يَجُوزُ فِي الْحَيِّ الْقَيُّومِ النَّصْبُ صِفَةً لِلَّهِ أَوْ مَدْحًا وَالرَّفْعُ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ أَوْ عَلَى الْمَدْحِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ (وَأَتُوبُ إِلَيْهِ) يَنْبَغِي أَلَّا يَتَلَفَّظَ بِذَلِكَ إِلَّا إِذَا كَانَ صَادِقًا وَأَلَّا يَكُونَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ كَاذِبًا وَلِذَا رُوِيَ أَنَّ الْمُسْتَغْفِرَ مِنَ الذَّنْبِ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ كَالْمُسْتَهْزِئِ بِرَبِّهِ (وَإِنْ كَانَ فَرَّ) أَيْ هَرَبَ (مِنَ الزَّحْفِ) قَالَ الطِّيبِيُّ الزَّحْفُ الْجَيْشُ الْكَثِيرُ الَّذِي يُرَى لِكَثْرَتِهِ كَأَنَّهُ يَزْحَفُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ مِنْ زَحَفَ الصَّبِيُّ إِذَا دَبَّ عَلَى اسْتِهِ قَلِيلًا قَلِيلًا وَقَالَ الْمُظْهِرُ هُوَ اجْتِمَاعُ الْجَيْشِ فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ أَيْ مِنْ حَرْبِ الْكُفَّارِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ الْفِرَارُ بِأَنْ لَا يَزِيدَ الْكُفَّارُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِثْلَيْ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا نَوَى التَّحَرُّفَ وَالتَّحَيُّزَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ مُتَّصِلٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ بِلَالًا سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ يَسَارٍ وأن يسار سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ زَيْدٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي يَسَارٍ وَالِدِ بِلَالٍ هَلْ هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَوْ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ أَنَّهُ بِالْمُوَحَّدَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ من حديث بن مَسْعُودٍ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا إِلَّا أَنَّهُ قَالَ يَقُولُهَا ثَلَاثًا انْتَهَى 4 - [3578] قَوْلُهُ (عَنْ عُمَارَةَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ (بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ) بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ مُصَغَّرًا بن وَاهِبٍ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ الْمَدَنِيِّ صَحَابِيٌّ شَهِيرٌ اسْتَعْمَلَهُ عمر على مساحة أرض الكوفة والي عَلَى الْبَصْرَةِ قَبْلَ الْجَمَلِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ) أَيْ ضَعِيفَ النَّظَرِ أَوْ أَعْمَى (ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي) أَيْ مِنْ

ضَرَرِي فِي نَظَرِي (قَالَ إِنْ شِئْتَ) أي اخترت الدعاء (دعوت) أي لك (وإن شِئْتَ) أَيْ أَرَدْتَ الصَّبْرَ وَالرِّضَا (فَهُوَ) أَيِ الصَّبْرُ (خَيْرٌ لَكَ) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ ثُمَّ صَبَرَ عَوَّضْتُهُ مِنْهُمَا الْجَنَّةَ (قَالَ) أَيِ الرَّجُلُ (فَادْعُهُ) بِالضَّمِيرِ أَيِ ادْعُهُ اللَّهَ وَاسْأَلِ الْعَافِيَةَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ لِلسَّكْتِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَسْنَدَ النَّبِيُّ الدُّعَاءَ إِلَى نَفْسِهِ وَكَذَا طَلَبُ الرَّجُلُ أَنْ يدعو هو ثم أمره أن يدعو هو أي الرجل كأنه لَمْ يَرْضَ مِنْهُ اخْتِيَارَهُ الدُّعَاءَ لَمَّا قَالَ الصَّبْرُ خَيْرٌ لَكَ لَكِنْ فِي جَعْلِهِ شَفِيعًا لَهُ وَوَسِيلَةً فِي اسْتِجَابَةِ الدُّعَاءِ مَا يُفْهَمُ أنه شَرِيكٌ فِيهِ (فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ) أَيْ يَأْتِي بِكِمَالَاتِهِ من سننه وآدابه وزاد في رواية بن مَاجَهْ وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ) أَيْ أَطْلُبُكَ مَقْصُودِي فَالْمَفْعُولُ مُقَدَّرٌ (وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ) الْبَاءِ لِلتَّعْدِيَةِ (مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ) أَيِ الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ) أَيِ اسْتَشْفَعْتُ بك والخطاب للنبي ففي رواية بن مَاجَهْ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي قَدْ تَوَجَّهْتُ بِكَ (لِتُقْضَى لِي) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لِتُقْضَى لِي حَاجَتِي بِشَفَاعَتِكَ (فَشَفِّعْهُ) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ أَيِ اقْبَلْ شَفَاعَتَهُ (فِيَّ) أَيْ فِي حَقِّي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَزَادَ فِي آخِرِهِ فَرَجَعَ وَقَدْ كَشَفَ اللَّهُ عَنْ بصره وأخرجه أيضا بن ماجه وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَزَادَ فِيهِ فَدَعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ فَقَامَ وَقَدْ أَبْصَرَ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَذَكَرَ فِي أَوَّلِهِ قِصَّةً وَهِيَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي حَاجَةٍ لَهُ وَكَانَ عُثْمَانُ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ وَلَا يَنْظُرُ فِي حَاجَتِهِ فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي أَتَوَجَّهُ بِكَ إِلَى رَبِّي فَيَقْضِيَ حَاجَتِي وَتَذْكُرُ حَاجَتَكَ وَرُحْ إِلَيَّ حَتَّى أَرُوحَ مَعَكَ فَانْطَلَقَ الرَّجُلُ فَصَنَعَ مَا قَالَ لَهُ ثُمَّ أَتَى بَابَ عُثْمَانَ فَجَاءَ الْبَوَّابُ حَتَّى أَخَذَ بِيَدِهِ فَأَدْخَلَهُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَأَجْلَسَهُ مَعَهُ عَلَى الطَّنْفَسَةِ وَقَالَ مَا حَاجَتُكَ فَذَكَرَ حَاجَتَهُ فَقَضَاهَا لَهُ ثُمَّ قَالَ مَا ذَكَرْتُ حَاجَتَكَ حَتَّى كَانَتْ هَذِهِ السَّاعَةُ وَقَالَ مَا كَانَتْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ فَأْتِنَا ثُمَّ إِنَّ الرَّجُلَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ فَلَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ فَقَالَ لَهُ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا مَا كَانَ يَنْظُرُ فِي حَاجَتِي وَلَا يَلْتَفِتُ إِلَيَّ حَتَّى كَلَّمْتَهُ فِيَّ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ وَاللَّهِ مَا كَلَّمْتُهُ ولكن شهدت رسول الله فَأَتَاهُ رَجُلٌ ضَرِيرٌ فَشَكَا إِلَيْهِ ذَهَابَ بَصَرِهِ فقال له النبي أَوَ تَصْبِرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ وَقَدْ شَقَّ عَلَيَّ فَقَالَ له النبي ائْتِ الْمِيضَأَةَ فَتَوَضَّأْ ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ ادع

بِهَذِهِ الدَّعَوَاتِ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ فَوَاللَّهِ مَا تَفَرَّقْنَا وَطَالَ بِنَا الْحَدِيثُ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ قَطُّ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ طُرُقِهِ وَالْحَدِيثُ صحيح كذا في الترغيب وقال الإمام بن تَيْمِيَّةَ فِي رِسَالَتِهِ التَّوَسُّلُ وَالْوَسِيلَةُ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثُ الْأَعْمَى قَدْ رَوَاهُ الْمُصَنِّفُونَ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ كَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِ ثُمَّ أَطَالَ الْكَلَامَ فِي بَيَانِ طُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهَا (مِنْ حَدِيثِ أَبِي جَعْفَرٍ وَهُوَ غَيْرُ الْخَطْمِيِّ) قَالَ الْإِمَامُ بن تَيْمِيَّةَ هَكَذَا وَقَعَ فِي التِّرْمِذِيِّ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا هُوَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ الصَّوَابُ انْتَهَى قُلْتُ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَبُو جَعْفَرٍ الْخَطْمِيُّ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُهُ عُمَيْرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ حَبِيبٍ الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ نَزِيلُ الْبَصْرَةِ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَالثَّانِي غَيْرُ الْخَطْمِيِّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَيْسَ هُوَ الْخَطْمِيَّ فَلَعَلَّهُ الَّذِي بَعْدَهُ قُلْتُ وَالَّذِي بَعْدَهُ هُوَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ التَّمِيمِيُّ مَوْلَاهُمْ وَاسْمُهُ عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاهَانَ وَأَصْلُهُ مِنْ مَرْوٍ وَكَانَ يَتَّجِرُ إِلَى الرَّيِّ صَدُوقٌ سيء الْحِفْظِ خُصُوصًا عَنْ مُغِيرَةَ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ تَنْبِيهٌ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْغَنِيِّ فِي إِنْجَاحِ الْحَاجَةِ ذَكَرَ شَيْخُنَا عَابِدٌ السِّنْدِيُّ فِي رِسَالَتِهِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّوَسُّلِ وَالِاسْتِشْفَاعِ بِذَاتِهِ الْمُكَرَّمِ فِي حَيَاتِهِ وَأَمَّا بَعْدَ مَمَاتِهِ فَقَدْ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَخْتَلِفُ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فِي حَاجَةٍ لَهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ وَقَدْ كَتَبَ شَيْخُنَا الْمَذْكُورُ رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً فِيهَا التَّفْصِيلُ مَنْ أَرَادَ فَلْيَرْجِعْ إِلَيْهَا انْتَهَى وَقَالَ الشَّوْكَانِيُّ فِي تُحْفَةِ الذَّاكِرِينَ وَفِي الْحَدِيثِ دليل على جواز التوسل برسول الله إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ اعْتِقَادِ أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَأَنَّهُ الْمُعْطِي الْمَانِعُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ انْتَهَى وَقَالَ فِيهَا فِي شَرْحِ قَوْلِ صَاحِبِ الْعُمْدَةِ وَيُتَوَسَّلُ إِلَى اللَّهِ بِأَنْبِيَائِهِ وَالصَّالِحِينَ مَا لَفْظُهُ وَمِنَ التَّوَسُّلِ بِالْأَنْبِيَاءِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ أَعْمَى أَتَى النَّبِيَّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِالصَّالِحِينَ فَمِنْهُ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ الصَّحَابَةَ اسْتَسْقَوْا بِالْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَمِّ رَسُولِ الله وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا إِلَخْ انْتَهَى وَقَالَ فِي رِسَالَتِهِ الدُّرُّ النَّضِيدُ فِي إِخْلَاصِ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَأَمَّا التَّوَسُّلُ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فِي مَطْلَبٍ يَطْلُبُهُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ فَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوَسُّلُ إِلَى الله تعالى إلا بالنبي إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فِيهِ وَلَعَلَّهُ يُشِيرُ إِلَى الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وصححه بن ماجه وغيرهم أن أعمى أتى النبي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ وَلِلنَّاسِ فِي مَعْنَى هَذَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّوَسُّلَ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمَّا قَالَ كُنَّا إِذَا أَجْدَبْنَا نَتَوَسَّلُ بِنَبِيِّنَا إِلَيْكَ فَتَسْقِينَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ

وَغَيْرِهِ فَقَدْ ذَكَرَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَوَسَّلُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قي حَيَاتِهِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ ثُمَّ تَوَسَّلَ بِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَوَسُّلُهُمْ هُوَ اسْتِسْقَاؤُهُمْ بِحَيْثُ يَدْعُو وَيَدْعُونَ مَعَهُ فَيَكُونُ هُوَ وَسِيلَتَهُمْ إِلَى اللَّهِ تعالى والنبي كَانَ فِي مِثْلِ هَذَا شَافِعًا وَدَاعِيًا لَهُمْ والقول الثاني أن التوسل به يَكُونُ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي حَضْرَتِهِ وَمَغِيبِهِ وَلَا يَخْفَاكَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ التَّوَسُّلُ به فِي حَيَاتِهِ وَثَبَتَ التَّوَسُّلُ بِغَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا لِعَدَمِ إِنْكَارِ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي تَوَسُّلِهِ بِالْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعِنْدِي أَنَّهُ لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي كَمَا زَعَمَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِأَمْرَيْنِ الْأَوَّلُ مَا عَرَّفْنَاكَ بِهِ مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَالثَّانِي أَنَّ التَّوَسُّلَ إِلَى اللَّهِ بِأَهْلِ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ هُوَ فِي التَّحْقِيقِ تَوَسُّلٌ بِأَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ وَمَزَايَاهُمُ الْفَاضِلَةِ إِذْ لَا يَكُونُ الْفَاضِلُ فَاضِلًا إِلَّا بِأَعْمَالِهِ فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِالْعَالِمِ الْفُلَانِيِّ فَهُوَ بِاعْتِبَارِ مَا قَامَ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أن النبي حَكَى عَنِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ انْطَبَقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تَوَسَّلَ إِلَى اللَّهِ بِأَعْظَمِ عَمَلٍ عَمِلَهُ فَارْتَفَعَتِ الصَّخْرَةُ فَلَوْ كَانَ التَّوَسُّلُ بِالْأَعْمَالِ الْفَاضِلَةِ غَيْرَ جَائِزٍ أَوْ كَانَ شركاكما يَزْعُمُهُ الْمُتَشَدِّدُونَ فِي هَذَا الْبَابِ كَابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ أَتْبَاعِهِ لَمْ تحصل الإجابة لهم ولا سكت النبي عَنْ إِنْكَارِ مَا فَعَلُوهُ بَعْدَ حِكَايَتِهِ عَنْهُمْ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ مَا يُورِدُهُ الْمَانِعُونَ مِنَ التَّوَسُّلِ بِالْأَنْبِيَاءِ وَالصُّلَحَاءِ مِنْ نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى وَنَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أحدا وَنَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ لَيْسَ بِوَارِدٍ بَلْ هُوَ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ عَلَى مَحَلِّ النِّزَاعِ بِمَا هُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْهُ فَإِنَّ قَوْلَهُمْ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زلفى مُصَرِّحٌ بِأَنَّهُمْ عَبَدُوهُمْ لِذَلِكَ وَالْمُتَوَسِّلُ بِالْعَالِمِ مَثَلًا لَمْ يَعْبُدْهُ بَلْ عَلِمَ أَنَّ لَهُ مَزِيَّةً عِنْدَ اللَّهِ بِحَمْلِهِ الْعِلْمَ فَتَوَسَّلَ بِهِ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا فَإِنَّهُ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يُدْعَى مَعَ اللَّهِ غَيْرُهُ كَأَنْ يَقُولَ بِاللَّهِ وَبِفُلَانٍ وَالْمُتَوَسِّلُ بِالْعَالِمِ مَثَلًا لَمْ يَدْعُ إِلَّا اللَّهَ فَإِنَّمَا وَقَعَ مِنْهُ التَّوَسُّلُ عَلَيْهِ بِعَمَلٍ صَالِحٍ عَمِلَهُ بَعْضُ عِبَادِهِ كَمَا تَوَسَّلَ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ انْطَبَقَتْ عَلَيْهِمُ الصَّخْرَةُ بِصَالِحِ أَعْمَالِهِمْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْآيَةُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ دَعَوْا مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَلَمْ يَدْعُوا رَبَّهُمُ الَّذِي يَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَالْمُتَوَسِّلُ بِالْعَالِمِ مَثَلًا لَمْ يَدْعُ إِلَّا اللَّهَ وَلَمْ يَدْعُ غَيْرَهُ دُونَهُ وَلَا دَعَا غَيْرَهُ مَعَهُ وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكَ دَفْعُ مَا يُورِدُهُ الْمَانِعُونَ لِلتَّوَسُّلِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الْخَارِجَةِ عَنْ مَحَلِّ النِّزَاعِ خُرُوجًا زَائِدًا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ كَاسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الشَّرِيفَةَ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى الْمُنْفَرِدُ بِالْأَمْرِ فِي يَوْمِ الدِّينِ وَأَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ وَالْمُتَوَسِّلُ بِنَبِيٍّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْ عَالِمٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ هُوَ لَا يَعْتَقِدُ أَنَّ لِمَنْ تَوَسَّلَ بِهِ مُشَارَكَةً لِلَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ فِي أَمْرِ يَوْمِ الدين ومن

اعْتَقَدَ هَذَا الْعَبْدَ مِنَ الْعِبَادِ سَوَاءٌ كَانَ نَبِيًّا أَوْ غَيْرَ نَبِيٍّ فَهُوَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ وَهَكَذَا الِاسْتِدْلَالُ عَلَى مَنْعِ التَّوَسُّلِ بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا فَإِنَّ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ مُصَرِّحَتَانِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لِرَسُولِ الله مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْءٌ وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا فَكَيْفَ يَمْلِكُ لِغَيْرِهِ وَلَيْسَ فِيهِمَا مَنْعُ التَّوَسُّلِ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَوِ الْأَوْلِيَاءِ أَوِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ جعل الله لرسوله الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لِمَقَامِ الشَّفَاعَةِ الْعُظْمَى وَأَرْشَدَ الْخَلْقَ إِلَى أَنْ يَسْأَلُوهُ ذَلِكَ وَيَطْلُبُوهُ مِنْهُ وَقَالَ لَهُ سَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ وَقِيلَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِأَنَّ الشَّفَاعَةَ لَا تَكُونُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَكُونُ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ يَا فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا يَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ لَا أَمْلِكُ لَكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا فَإِنَّ هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه لَا يَسْتَطِيعُ نَفْعَ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ ضُرَّهُ وَلَا ضُرَّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْعَهُ وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ لِأَحَدٍ مِنْ قَرَابَتِهِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ شَيْئًا مِنَ اللَّهِ وَهَذَا مَعْلُومٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ طَلَبُ الْأَمْرِ مِمَّنْ لَهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَإِنَّمَا أَرَادَ الطَّالِبُ أَنْ يُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْ طَلَبِهِ مَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْإِجَابَةِ مِمَّنْ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِالْعَطَاءِ وَالْمَنْعِ وَهُوَ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ قُلْتُ الْحَقُّ عِنْدِي أَنَّ التَّوَسُّلَ بِالنَّبِيِّ فِي حَيَاتِهِ بِمَعْنَى التَّوَسُّلِ بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ جَائِزٌ وَكَذَا التَّوَسُّلُ بِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ فِي حَيَاتِهِمْ بِمَعْنَى التَّوَسُّلِ بِدُعَائِهِمْ وَشَفَاعَتِهِمْ أَيْضًا جائز وأما التوسل به بَعْدَ مَمَاتِهِ وَكَذَا التَّوَسُّلُ بِغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ بَعْدَ مَمَاتِهِمْ فَلَا يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ الإمام بن تَيْمِيَّةَ فِي رِسَالَتِهِ التَّوَسُّلُ وَالْوَسِيلَةُ وَقَدْ أَشْبَعَ الْكَلَامَ فِي تَحْقِيقِهِ وَأَجَادَ فِيهِ فَعَلَيْكَ أَنْ تُرَاجِعَهَا وَمِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِ فِيهَا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَنَّهُ جَعَلَ مِنَ المشروع المستحب أن يتوسل بالنبي بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ دَاعِيًا لَهُ وَلَا شَافِعًا فِيهِ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ عُمَرَ وَأَكَابِرَ الصَّحَابَةِ لَمْ يَرَوْا هَذَا مَشْرُوعًا بَعْدَ مَمَاتِهِ كَمَا كَانَ يُشْرَعُ فِي حَيَاتِهِ بَلْ كَانُوا فِي الِاسْتِسْقَاءِ فِي حَيَاتِهِ يَتَوَسَّلُونَ بِهِ فَلَمَّا مَاتَ لَمْ يَتَوَسَّلُوا بِهِ بَلْ قَالَ عُمَرُ فِي دُعَائِهِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الثَّابِتِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِي عَامِ الرَّمَادَةِ الْمَشْهُورِ لَمَّا اشْتَدَّ بِهِمُ الْجَدْبُ حَتَّى حَلَفَ عُمَرُ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا حَتَّى يُخْصِبَ النَّاسُ ثُمَّ لَمَّا اسْتَسْقَى بِالنَّاسِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا إِذَا أَجْدَبْنَا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَيُسْقَوْنَ وَهَذَا دُعَاءٌ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ لَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مَعَ شُهْرَتِهِ وَهُوَ مِنْ أَظْهَرِ الْإِجْمَاعَاتِ الْإِقْرَارِيَّةِ وَدَعَا بِمِثْلِهِ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فِي خِلَافَتِهِ لَمَّا اسْتَسْقَى بِالنَّاسِ فَلَوْ كَانَ تَوَسُّلُهُمْ بِالنَّبِيِّ بَعْدَ مَمَاتِهِ كَتَوَسُّلِهِمْ فِي حَيَاتِهِ لَقَالُوا كَيْفَ نَتَوَسَّلُ بِمِثْلِ الْعَبَّاسِ وَيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ وَنَحْوِهِمَا ونعدل عن التوسل بالنبي الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْخَلَائِقِ وَهُوَ أَفْضَلُ الْوَسَائِلِ وأعظمها عند

اللَّهِ فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُمْ فِي حَيَاتِهِ إِنَّمَا تَوَسَّلُوا بِدُعَائِهِ وَشَفَاعَتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ تَوَسَّلُوا بِدُعَاءِ غَيْرِهِ وَشَفَاعَةِ غَيْرِهِ عُلِمَ أَنَّ الْمَشْرُوعَ عِنْدَهُمُ التَّوَسُّلُ بِدُعَاءِ الْمُتَوَسَّلِ بِهِ لَا بِذَاتِهِ وَحَدِيثُ الْأَعْمَى حُجَّةٌ لِعُمَرَ وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ الْأَعْمَى أَنْ يَتَوَسَّلَ إلى الله بشفاعة النبي وَدُعَائِهِ لَا بِذَاتِهِ وَقَالَ لَهُ فِي الدُّعَاءِ قُلِ اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ وَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ أَمَرَ غَيْرَهُ أَنْ يَتَوَسَّلَ بِذَاتِهِ لَا بِشَفَاعَتِهِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِالدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ بَلْ بِبَعْضِهِ وَتَرَكَ سَائِرَهُ الْمُتَضَمِّنَ لِلتَّوَسُّلِ بِشَفَاعَتِهِ كَانَ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ هُوَ الْمُوَافِقُ لسنة رسول الله وَكَانَ الْمُخَالِفُ لِعُمَرَ مَحْجُوجًا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وكان الحديث الذي رواه عن النبي حُجَّةً عَلَيْهِ لَا لَهُ وَقَالَ فِيهَا فَأَمَّا التَّوَسُّلُ بِذَاتِهِ فِي حُضُورِهِ أَوْ مَغِيبِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ مِثْلُ الْإِقْسَامِ بِذَاتِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ أَوِ السُّؤَالِ بِنَفْسِ ذَوَاتِهِمْ لَا بِدُعَائِهِمْ فَلَيْسَ هَذَا مَشْرُوعًا عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَلْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ بِحَضْرَتِهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ لَمَّا أَجْدَبُوا اسْتَسْقَوْا وَتَوَسَّلُوا أَوِ اسْتَشْفَعُوا بِمَنْ كَانَ حَيًّا كَالْعَبَّاسِ وَيَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ وَلَمْ يَتَوَسَّلُوا وَلَمْ يَسْتَشْفِعُوا وَلَمْ يستسقوا في هذه الحال بالنبي لَا عِنْدَ قَبْرِهِ وَلَا غَيْرِ قَبْرِهِ بَلْ عَدَلُوا إِلَى الْبَدَلِ كَالْعَبَّاسِ وَكَيَزِيدَ بَلْ كَانُوا يُصَلُّونَ عَلَيْهِ فِي دُعَائِهِمْ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِيَنَا وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا فَجَعَلُوا هَذَا بَدَلًا عَنْ ذَاكَ لَمَّا تَعَذَّرَ أَنْ يَتَوَسَّلُوا بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ وَقَدْ كَانَ مِنَ الْمُمْكِنِ أَنْ يَأْتُوا إِلَى قَبْرِهِ وَيَتَوَسَّلُوا هُنَاكَ وَيَقُولُوا فِي دُعَائِهِمْ بِالْجَاهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الْقَسَمَ بِمَخْلُوقٍ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوِ السُّؤَالَ بِهِ فَيَقُولُونَ نَسْأَلُكَ أَوْ نُقْسِمُ عَلَيْكَ بِنَبِيِّكَ أَوْ بِجَاهِ نَبِيِّكَ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ انْتَهَى [3579] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ) الْبَاهِلِيَّ اسْمُهُ صُدَيُّ بْنُ عَجْلَانَ قَوْلُهُ (فِي جَوْفِ اللَّيْلِ) خَبَرُ أَقْرَبُ أَيْ أَقْرَبِيَّتُهُ تَعَالَى مِنْ عِبَادِهِ كَائِنَةٌ فِي اللَّيْلِ قَالَ الطِّيبِيُّ إِمَّا حَالٌ مِنَ الرَّبِّ أَيْ قَائِلًا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبُ لَهُ الْحَدِيثَ سَدَّتْ مَسَدَّ الْخَبَرِ وَمِنَ الْعَبْدِ أَيْ قَائِمًا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ دَاعِيًا مُسْتَغْفِرًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا لِأَقْرَبَ فَإِنْ قُلْتَ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ من العبد وفي حديث أبو هريرة عن مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ أُجِيبَ بِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا

إِلَخْ أَنَّ رَحْمَتَهُ سَابِقَةٌ فَقُرْبُ رَحْمَةِ اللَّهِ مِنَ الْمُحْسِنِينَ سَابِقٌ عَلَى إِحْسَانِهِمْ فَإِذَا سَجَدُوا قَرُبُوا مِنْ رَبِّهِمْ بِإِحْسَانِهِمْ كَمَا قَالَ فَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ وَفِيهِ أَنَّ لُطْفَ اللَّهِ وَتَوْفِيقَهُ سَابِقٌ عَلَى عَمَلِ الْعَبْدِ وَسَبَبٌ لَهُ وَلَوْلَاهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنَ الْعَبْدِ خَيْرٌ قَطُّ انْتَهَى وَقَالَ مَيْرَكُ فَإِنْ قُلْتَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَقَوْلِهِ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ ربه وهو ساجد قلت المراد ها هنا بَيَانُ وَقْتِ كَوْنِ الرَّبِّ أَقْرَبَ مِنَ الْعَبْدِ وَهُوَ جَوْفُ اللَّيْلِ وَالْمُرَادُ هُنَاكَ بَيَانُ أَقْرَبِيَّةِ أَحْوَالِ الْعَبْدِ مِنَ الرَّبِّ وَهُوَ حَالُ السُّجُودِ فَتَأَمَّلْ (الْآخِرُ) صِفَةٌ لِجَوْفِ اللَّيْلِ عَلَى أَنَّهُ بِنِصْفِ اللَّيْلِ وَيُجْعَلُ لِكُلِّ نِصْفٍ جَوْفًا الْقُرْبُ يحصل في جوف النصف الثاني فابتداءه يَكُونُ مِنَ الثُّلُثِ الْأَخِيرِ وَهُوَ وَقْتُ الْقِيَامِ للتهجد قاله الطيبي وقال القارىء وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ أَوَّلِ النِّصْفِ الْأَخِيرِ (فَإِنِ اسْتَطَعْتَ) أَيْ قَدَرْتَ وَوُفِّقْتَ (مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ) فِي ضِمْنِ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا (فِي تِلْكَ السَّاعَةِ) إِشَارَةً إِلَى لُطْفِهَا (فَكُنْ) أَيِ اجْتَهِدْ أَنْ تَكُونَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَهَذَا أَبْلَغُ مِمَّا لَوْ قِيلَ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ ذَاكِرًا فَكُنْ لِأَنَّ الْأُولَى فِيهَا صِفَةُ عُمُومٍ شَامِلٍ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ فَيَكُونُ دَاخِلًا فِيهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وبن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ [3580] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الدِّمَشْقِيُّ) اسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بكار (أخبرنا الوليد بن مسلم) القرشي الدمشقي (حدثني عُفَيْرٌ) بِضَمِّ عَيْنٍ وَفَتْحِ فَاءٍ وَسُكُونِ يَاءٍ مُصَغَّرًا (بْنُ مَعْدَانَ) بِفَتْحِ مِيمٍ وَسُكُونِ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَخِفَّةِ دَالٍ مُهْمَلَةٍ الْحِمْصِيُّ الْمُؤَذِّنُ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (سَمِعَ أَبَا دَوْسٍ الْيَحْصُبِيَّ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِهَا وَبِمُوَحَّدَةٍ اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عُبَيْدٍ الشَّامِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي الْجِهَادِ فِي مُسْنَدِ عُمَارَةَ بْنِ زَعْكَرَةَ (عَنِ بن عَائِذٍ) اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَائِذٍ بِتَحْتَانِيَّةٍ وَمُعْجَمَةٍ الثُّمَالِيِّ بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَيُقَالُ الْكِنْدِيُّ الْحِمْصِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَدْ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ أَبِي عَائِذٍ وَهُوَ غَلَطٌ (عَنْ عُمَارَةَ بن زعكرة) بفتح الزاي والكاف بينهما غير مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ الْكِنْدِيِّ أَبِي عَدِيٍّ الْحِمْصِيِّ صَحَابِيٌّ قَوْلُهُ (إِنَّ عَبْدِي كُلَّ عَبْدِي) أَيْ عَبْدِي حَقًّا (الَّذِي يَذْكُرُنِي وَهُوَ مُلَاقٍ قِرْنَهُ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ عَدُوَّهُ الْمُقَارِنَ الْمُكَافِئَ لَهُ فِي الشَّجَاعَةِ وَالْحَرْبِ فَلَا يَغْفُلُ عَنْ رَبِّهِ

باب في فضل لا حول ولا قوة إلا بالله

حَتَّى فِي حَالِ مُعَايَنَةِ الْهَلَاكِ (يَعْنِي عِنْدَ الْقِتَالِ) هَذَا تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ (وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ) لِضَعْفِ عُفَيْرِ بْنِ مَعْدَانَ 5 - (بَاب فِي فَضْلِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) [3581] قَوْلُهُ (عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ) الْخَزْرَجِيِّ الْأَنْصَارِيِّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ تَقْرِيبًا وَقِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ قَوْلُهُ (أَنَّ أَبَاهُ) أَيْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمِ بْنِ حَارِثَةَ الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ أَحَدُ النُّقَبَاءِ وَأَحَدُ الْأَجْوَادِ مَاتَ بِأَرْضِ الشَّامِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (يَخْدُمُهُ) أَيْ لِيَخْدُمَهُ (قَالَ) أَيْ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ (فَضَرَبَنِي بِرِجْلِهِ) أَيْ لِلتَّنْبِيهِ (أَلَا أَدُلُّكَ) يَا قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ (قُلْتُ بَلَى) أَيْ دُلَّنِي (لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) سَبَقَ مَعْنَاهُ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّحْمِيدِ قَالَ النَّوَوِيُّ هِيَ كَلِمَةُ اسْتِسْلَامٍ وَتَفْوِيضٍ وَأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ مِنْ أَمْرِهِ شَيْئًا وَلَيْسَ لَهُ حِيلَةٌ فِي دَفْعِ شَرٍّ وَلَا قُوَّةٌ فِي جَلْبِ خَيْرٍ إِلَّا بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى قَالَ الْمُنَاوِيُّ لَمَّا تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ بَرَاءَةَ النَّفْسِ مِنْ حَوْلِهَا وَقُوَّتِهَا إِلَى حَوْلِ اللَّهِ وَقُوَّتِهِ كَانَتْ مُوَصِّلَةً إِلَيْهَا وَالْبَابُ مَا يُتَوَصَّلُ مِنْهُ إِلَى الْمَقْصُودِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والحاكم وقال صحيح على شرطهما 6 - [3583] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ حِزَامٍ) بِزَايٍ أَبُو عِمْرَانَ التِّرْمِذِيُّ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ) هُوَ

الْعَبْدِيُّ (سَمِعْتُ هَانِئَ بْنَ عُثْمَانَ) الْجُهَنِيَّ أَبَا عُثْمَانَ الْكُوفِيَّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أُمِّهِ حُمَيْضَةَ) بِضَمِّ حَاءٍ وَفَتْحِ مِيمٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ وَإِعْجَامِ ضَادٍ (بِنْتِ يَاسِرٍ) بِمُثَنَّاةٍ تَحْتُ وَكَسْرِ سِينٍ مَقْبُولَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ جَدَّتِهَا يُسَيْرَةَ) بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ مَضْمُومَةٍ وَسِينٍ وَرَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ بَيْنَهُمَا مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ وَيُقَالُ أَسِيرَةٌ بِالْهَمْزِ أُمُّ يَاسِرٍ صَحَابِيَّةٌ مِنَ الْأَنْصَارِيَّاتِ وَيُقَالُ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (قَالَ لَنَا) أَيْ مَعْشَرِ النِّسَاءِ (عَلَيْكُنَّ) اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى الْزَمْنَ وَأَمْسِكْنَ (بِالتَّسْبِيحِ) أَيْ بِقَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ (وَالتَّهْلِيلِ) أَيْ قولا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ (وَالتَّقْدِيسِ) أَيْ قَوْلِ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ أَوْ سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ (وَاعْقِدْنَ) بِكَسْرِ الْقَافِ أَيِ اعْدُدْنَ عَدَدَ مَرَّاتِ التَّسْبِيحِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ (بِالْأَنَامِلِ) أي بعقدها أو برؤوسها يُقَالُ عَقَدَ الشَّيْءَ بِالْأَنَامِلِ عَدَّهُ قَالَ الطِّيبِيُّ حَرَّضَهُنَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنْ يُحْصِينَ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ بِأَنَامِلِهِنَّ لِيُحَطَّ عَنْهَا بِذَلِكَ مَا اجْتَرَحَتْهُ مِنَ الذُّنُوبِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُنَّ كُنَّ يَعْرِفْنَ عَقْدَ الْحِسَابِ انْتَهَى وَالْأَنَامِلُ جَمْعُ أُنْمُلَةٍ بِتَثْلِيثِ الْمِيمِ وَالْهَمْزِ تِسْعُ لُغَاتٍ الَّتِي فِيهَا الظُّفْرُ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْأَصَابِعُ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الْبَعْضِ وَإِرَادَةِ الْكُلِّ عَكْسُ مَا وَرَدَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ لِلْمُبَالَغَةِ (فَإِنَّهُنَّ) أي الأنامل كسائر الأعضاء (مسؤولات) أَيْ يُسْأَلْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا اكْتَسَبْنَ وَبِأَيِّ شَيْءٍ اسْتُعْمِلْنَ (مُسْتَنْطَقَاتٌ) بِفَتْحِ الطَّاءِ أَيْ مُتَكَلِّمَاتٌ بِخَلْقِ النُّطْقِ فِيهَا فَيَشْهَدْنَ لِصَاحِبِهِنَّ أَوْ عَلَيْهِ بِمَا اكْتَسَبَهُ قَالَ تَعَالَى يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أبصاركم ولا جلودكم وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْأَعْضَاءِ فِيمَا يُرْضِي الرَّبَّ تَعَالَى وَتَعْرِيضٌ بِالتَّحَفُّظِ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالْآثَامِ (وَلَا تَغْفُلْنَ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْفَتْحُ لَحْنٌ أَيْ عَنِ الذِّكْرِ يَعْنِي لَا تَتْرُكْنَ الذِّكْرَ (فَتَنْسَيْنَ الرَّحْمَةَ) بِفَتْحِ التَّاءِ بِصِيغَةِ الْمَعْرُوفِ مِنَ النِّسْيَانِ أَيْ فَتَتْرُكْنَ الرَّحْمَةَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ التاء بصيغة المجهول من الانساء قال القارىء وَالْمُرَادُ بِنِسْيَانِ الرَّحْمَةِ نِسْيَانُ أَسْبَابِهَا أَيْ لَا تَتْرُكْنَ الذِّكْرَ فَإِنَّكُنَّ لَوْ تَرَكْتُنَّ الذِّكْرَ لَحُرِمْتُنَّ ثَوَابَهُ فَكَأَنَّكُنَّ تَرَكْتُنَّ الرَّحْمَةَ قَالَ تَعَالَى فَاذْكُرُونِي أَيْ بِالطَّاعَةِ أَذْكُرْكُمْ أَيْ بِالرَّحْمَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ لَا تَغْفُلْنَ نَهْيٌ لِأَمْرَيْنِ أَيْ لَا تَغْفُلْنَ عَمَّا ذَكَرْتُ لَكُنَّ مِنَ اللُّزُومِ عَلَى الذِّكْرِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ وَالْعَقْدِ بِالْأَصَابِعِ تَوْثِيقًا وَقَوْلُهُ فَتَنْسَيْنَ جَوَابُ لَوْ أَيْ أَنَّكُنَّ لَوْ تَغْفُلْنَ عَمَّا ذَكَرْتُ لَكُنَّ لَتُرِكْتُنَّ سُدًى عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَهَذَا مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي أَوْ لَا يَكُنْ مِنْكُمُ الْغَفْلَةُ فَيَكُونَ مِنَ اللَّهِ تَرْكُ الرَّحْمَةِ فَعَبَّرَ بِالنِّسْيَانِ عَنْ تَرْكِ الرَّحْمَةِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى تَنْبِيهٌ اعْلَمْ أَنَّ لِلْعَرَبِ طَرِيقَةً مَعْرُوفَةً فِي عُقُودِ الْحِسَابِ تَوَاطَئُوا عَلَيْهَا وَهِيَ أَنْوَاعٌ مِنَ

الْآحَادِ وَالْعَشْرَاتِ وَالْمَئِينِ وَالْأُلُوفِ أَمَّا الْآحَادُ فَلِلْوَاحِدِ عَقْدُ الْخِنْصَرِ إِلَى أَقْرَبِ مَا يَلِيهِ مِنْ بَاطِنِ الْكَفِّ وَلِلِاثْنَيْنِ عَقْدُ الْبِنْصِرِ مَعَهَا كَذَلِكَ وَلِلثَّلَاثَةِ عَقْدُ الْوُسْطَى مَعَهَا كَذَلِكَ وَلِلْأَرْبَعَةِ حَلُّ الْخِنْصَرِ وَلِلْخَمْسَةِ حَلُّ الْبِنْصِرِ مَعَهَا دُونَ الْوُسْطَى وَلِلسِّتَّةِ عَقْدُ الْبِنْصِرِ وَحَلُّ جَمِيعِ الْأَنَامِلِ وَلِلسَّبْعَةِ بَسْطُ الْخِنْصَرِ إِلَى أَصْلِ الْإِبْهَامِ مِمَّا يَلِي الْكَفِّ وَلِلثَّمَانِيَةِ بَسْطُ الْبِنْصِرِ فَوْقَهَا كَذَلِكَ وَلِلتِّسْعَةِ بَسْطُ الْوُسْطَى فَوْقَهَا كَذَلِكَ وَأَمَّا الْعَشَرَاتُ فَلَهَا الْإِبْهَامُ وَالسَّبَّابَةِ فَلِلْعَشَرَةِ الْأُولَى عَقْدُ رَأْسِ الْإِبْهَامِ على طرف السبابة وللعشرين إدخال الإبهام بين السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَلِلثَّلَاثِينَ عَقْدُ رَأْسِ السَّبَّابَةِ عَلَى رَأْسِ الْإِبْهَامِ عَكْسَ الْعَشَرَةِ وَلِلْأَرْبَعِينَ تَرْكِيبُ الْإِبْهَامِ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوْسَطِ مِنَ السَّبَّابَةِ وَعَطْفُ الْإِبْهَامِ إِلَى أَصْلِهَا وَلِلْخَمْسِينَ عَطْفُ الْإِبْهَامِ إِلَى أَصْلِهَا وَلِلسِّتِّينَ تَرْكِيبُ السَّبَّابَةِ عَلَى ظَهْرِ الْإِبْهَامِ عَكْسَ الْأَرْبَعِينَ وَلِلسَّبْعِينَ إِلْقَاءُ رَأْسِ الْإِبْهَامِ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوْسَطِ مِنَ السَّبَّابَةِ وَرَدُّ طَرَفِ السَّبَّابَةِ إِلَى الْإِبْهَامِ وَلِلثَّمَانِينَ رَدُّ طَرَفِ السَّبَّابَةِ إِلَى أَصْلِهَا وَبَسْطُ الْإِبْهَامِ عَلَى جَنْبِ السَّبَّابَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْإِبْهَامِ وَلِلتِّسْعِينَ عَطْفُ السَّبَّابَةِ إِلَى أَصْلِ الْإِبْهَامِ وَضَمُّهَا بِالْإِبْهَامِ وَأَمَّا الْمِئِينِ فَكَالْآحَادِ إِلَى تِسْعِمِائَةٍ فِي الْيَدِ الْيُسْرَى وَالْأُلُوفُ كَالْعَشَرَاتِ فِي الْيُسْرَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ هَانِئِ بْنِ عُثْمَانَ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْمُنْذِرِيُّ 7 - [3584] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ) بْنِ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ (قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي) أَيْ عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ (عَنِ الْمُثَنَّى) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ مَقْصُورًا (بْنِ سَعِيدٍ) الضُّبَعِيِّ الْبَصْرِيِّ الْقَسَّامِ الْقَصِيرِ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي) بِفَتْحِ مُهْمَلَةٍ وَضَمِّ مُعْجَمَةٍ أَيْ مُعْتَمَدِي فَلَا أَعْتَمِدُ عَلَى غَيْرِكَ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعَضُدُ بِالْفَتْحِ وَبِالضَّمِّ وَبِالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ وَنَدُسٍ وَعُنُقٍ مَا بَيْنَ الْمِرْفَقِ إِلَى الْكَتِفِ وَالْعَضُدُ النَّاصِرُ وَالْمُعِينُ وَهُمْ عَضُدِي وَأَعْضَادِي (وَأَنْتَ نَصِيرِي) أَيْ مُعِينِي وَمُغِيثِي عَطْفٌ تَفْسِيرِيٌّ (وَبِكَ) أَيْ بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ وَعَوْنِكَ وَنُصْرَتِكَ (أُقَاتِلُ) أَيْ أَعْدَاءَكَ حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا مُسْلِمٌ أَوْ مُسَالِمٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن حبان وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ وَسَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُدَ وَنَقَلَ الْمُنْذِرِيُّ تَحْسِينَ التِّرْمِذِيِّ وَأَقَرَّهُ

باب في دعاء يوم عرفة

18 - (بَاب فِي دُعَاءِ يَوْمِ عَرَفَةَ) [3585] قَوْلهُ (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ) الصَّائِغُ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ قَوْلهُ (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ) لِأَنَّهُ أَجْزَلُ إِثَابَةً وَأَعْجَلُ إِجَابَةً قَالَ الطِّيبِيُّ الْإِضَافَةُ فِيهِ إِمَّا بِمَعْنَى اللَّامِ أَيْ دُعَاءٌ يَخْتَصُّ بِهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بَيَانًا لِذَلِكَ الدُّعَاءِ فَإِنْ قُلْتَ هُوَ ثَنَاءٌ قُلْتُ فِي الثَّنَاءِ تَعْرِيضٌ بِالطَّلَبِ وَأَمَّا بِمَعْنَى في لعم الْأَدْعِيَةِ الْوَاقِعَةِ فِيهِ انْتَهَى (وَخَيْرُ مَا قُلْتُ) قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ أَيْ دَعَوْتُ وَالدُّعَاءُ هُوَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ إِلَخْ وَتَسْمِيَتُهُ دُعَاءً إِمَّا لِأَنَّ الثَّنَاءَ عَلَى الْكَرِيمِ تَعْرِيضٌ بِالدُّعَاءِ وَالسُّؤَالِ وَإِمَّا لِحَدِيثِ مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ هَكَذَا قَالُوا وَلَا يَخْفَى أَنَّ عِبَارَة هَذَا الْحَدِيثِ لَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ قَوْلَهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَخْ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ خَيْرَ الدُّعَاءِ مَا يَكُونُ يَوْمَ عَرَفَةَ أَيْ دُعَاءٌ كَانَ وَقَوْلُهُ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ إِشَارَةٌ إِلَى ذِكْرِ غَيْرِ الدُّعَاءِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى جَعْلِ مَا قُلْتُ بِمَعْنَى مَا دَعَوْتُ ويمكن أن يكون هذا الذكر توطية لِتِلْكَ الْأَدْعِيَةِ لِمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ الدُّعَاءِ انْتَهَى قُلْتُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ يُؤَيِّدهُ رِوَايَةُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِوَايَةُ أَحْمَدَ الْآتِيَتَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ إِلَى قَوْلِهِ لَا شريك له قال القارىء وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ بِلَفْظِ أَفْضَلُ مَا قُلْتُ وَالنَّبِيُّونَ قَبْلِي عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَخْ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ جَيِّدٌ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ انْتَهَى وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ بِلَفْظِ كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَرَفَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الملك الخ 9 - باب [3586] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدِ) بْنِ حَيَّانَ الرَّازِيُّ (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي بَكْرٍ) الْإِسْفَذَنِيُّ (عن

الْجَرَّاحِ بْنِ الضَّحَّاكِ) بْنِ قَيْسٍ الْكِنْدِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ هَؤُلَاءِ وَإِلَّا فَمَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ انْتَهَى وَالْمُرَادُ بِهَؤُلَاءِ الْمُكَنَّوْنَ بِأَبِي شَيْبَةَ الْمَذْكُورُونَ قَبْلَهُ (عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ دُعَاءً (قَالَ) بَيَانٌ لِقَوْلِهِ عَلَّمَنِي (اللَّهُمَّ اجْعَلْ سَرِيرَتِي) هِيَ السِّرُّ بِمَعْنًى وَهُوَ مَا يُكْتَمُ (خَيْرًا مِنْ عَلَانِيَتِي) بِالتَّخْفِيفِ (وَاجْعَلْ عَلَانِيَتِي صَالِحَةً) طَلَبَ أَوَّلًا سَرِيرَةً خَيْرًا مِنَ الْعَلَانِيَةِ ثُمَّ عَقَّبَ بِطَلَبِ عَلَانِيَةٍ صَالِحَةٍ لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ السَّرِيرَةَ رُبَّمَا تَكُونُ خَيْرًا مِنْ عَلَانِيَةٍ غَيْرِ صَالِحَةٍ (إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ صَالِحِ مَا تُؤْتِي النَّاسَ) قِيلَ مِنْ زَائِدَةٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْأَخْفَشِ وَقَوْلُهُ (مِنَ الْمَالِ وَالْأَهْلِ وَالْوَلَدِ) بَيَانُ مَا وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا لِلتَّبْعِيضِ (غَيْرِ الضَّالِّ) أَيْ بِنَفْسِهِ (وَلَا الْمُضِلِّ) أَيْ لِغَيْرِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ مَجْرُورٌ بَدَلٌ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَهْلِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّالُّ بِمَعْنَى النِّسْبَةِ أي غير ذي ضلال 0 - باب [3587] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُفْيَانَ الْجَحْدَرِيُّ) بِفَتْحِ جِيمٍ وَسُكُونِ حَاءٍ وَفَتْحِ دَالٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَبِرَاءٍ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ التَّاسِعَةِ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْدَانَ) الْمَكِّيُّ الْمُكَنَّى بِأَبِي مَعْدَانَ مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ رَوَى عَنْ جَدَّتِهِ وَعَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَنْهُ وَكِيعٌ وَسَعِيدُ بْنُ سُفْيَانَ الْجَحْدَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ كُلَيْبِ بْنِ شِهَابٍ صَدُوقٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ شِهَابِ بْنِ الْمَجْنُونِ وَيُقَالُ شِهَابُ بْنُ كُلَيْبِ بْنِ شِهَابٍ وَيُقَالُ شِهَابُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَيُقَالُ شَبِيبٌ وَيُقَالُ شُتَيْرٌ

صَحَابِيٌّ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ قَوْلُهُ (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ) تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا فِي بَاب مَا جَاءَ أَنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْ الرحمن من أبواب القدر 1 - [3588] قوله (حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ) الرَّبَعِيُّ الْبَصْرِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ (قَالَ) أَيْ ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ (يَا مُحَمَّدُ) هُوَ بن سَالِمٍ (إِذَا اشْتَكَيْتَ) أَيْ مَرِضْتَ (فَضَعْ يَدَكَ) أَيِ الْيُمْنَى كَمَا فِي حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الْآتِي (حَيْثُ تَشْتَكِي) أَيْ عَلَى الْمَحَلِّ الَّذِي يُؤْلِمُكَ وَيُوجِعُكَ (ثُمَّ قُلْ) حَالَ الْوَضْعِ (بِسْمِ اللَّهِ) أَيْ أَسَتَشْفِي بِاسْمِ اللَّهِ (أَعُوذُ) أَيْ أَعْتَصِمُ (بِعِزَّةِ اللَّهِ) أَيْ غَلَبَتِهِ وَعَظَمَتِهِ (مِنْ وَجَعِي) أَيْ مَرَضِي (ثُمَّ ارْفَعْ يَدَيْكَ) عَنْهُ (ثُمَّ أَعِدْ ذَلِكَ) أَيِ الْوَضْعَ وَالتَّسْمِيَةَ وَالتَّعَوُّذَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي الطِّبِّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِي وَجَعٌ قَدْ كَادَ يُهْلِكُنِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْسَحْ بِيَمِينِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَقُلْ أَعُوذَ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ وَسُلْطَانِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ قَالَ فَفَعَلْتُ فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ بِي فَلَمْ أزل آمر به أهلي وغيرهم 2 - [3589] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ) أَبِي شَيْبَةَ الْوَاسِطِيِّ قَوْلُهُ (قَوْلِي) أَيْ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ كَمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ (اللَّهُمَّ هَذَا) إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي الذِّهْنِ وَهُوَ مبهم مفسر بالخبر قاله الطيبي قال القارىء وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى الْأَذَانِ لِقَوْلِهِ وَأَصْوَاتُ دُعَائِكَ (اسْتِقْبَالُ لَيْلِكَ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ إِقْبَالُ لَيْلِكَ أَيْ هَذَا الْأَذَانُ أَوَانُ إِقْبَالِ لَيْلِكَ (وَاسْتِدْبَارُ نَهَارِكَ) أَيْ فِي الْأُفُقِ (وَأَصْوَاتُ دعائك) أَيْ فِي الْآفَاقِ جَمْعِ دَاعٍ كَقُضَاةٍ جَمْعِ قَاضٍ وَهُوَ الْمُؤَذِّنُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ

غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ الْكَبِيرِ (وَحَفْصَةُ بِنْتُ أَبِي كَثِيرٍ لَا نَعْرِفُهَا وَلَا أَبَاهَا) وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ لَا يُعْرَفَانِ [3590] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ الصُّدَائِيُّ) بِضَمِّ صَادٍ وَخِفَّةِ دَالٍ مُهْمَلَتَيْنِ فألف فهمزة نسبته إلى صداء وصدوق مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (وَأَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ قَاسِمٍ الْهَمْدَانِيُّ) ثُمَّ الْخِبْذَعِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) اسْمُهُ سَلْمَانُ الْأَشْجَعِيُّ الْكُوفِيُّ قَوْلُهُ (مَا قَالَ عَبْدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَطُّ مُخْلِصًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ رِيَاءٍ وَسُمْعَةٍ وَمُؤْمِنًا غَيْرَ مُنَافِقٍ (إِلَّا فُتِحَتْ) بِالتَّخْفِيفِ وَتُشَدَّدُ (لَهُ) أَيْ لِهَذَا الْكَلَامِ أَوِ الْقَوْلِ فَلَا تَزَالُ كَلِمَةُ الشَّهَادَةِ صَاعِدَةً (حَتَّى تُفْضِي) بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ بِصِيغَةِ الْمَعْرُوفِ مِنَ الْإِفْضَاءِ أَيْ تَصِلَ (مَا اجْتَنَبَ) أَيْ صَاحِبُهُ (الْكَبَائِرَ) أَيْ وَذَلِكَ مُدَّةَ تَجَنُّبِ قَائِلِهَا الْكَبَائِرَ مِنَ الذُّنُوبِ قَالَ الطِّيبِيُّ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو الَّذِي فِيهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لَيْسَ لَهَا حِجَابٌ دُونَ اللَّهِ حَتَّى تَخْلُصَ إِلَيْهِ دَلَّ عَلَى تَجَاوُزِهِ مِنَ الْعَرْشِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ سُرْعَةُ الْقَبُولِ وَالِاجْتِنَابُ عَنِ الْكَبَائِرِ شَرْطٌ لِلسُّرْعَةِ لَا لِأَجْلِ الثَّوَابِ وَالْقَبُولِ قَالَ القارىء أَوْ لِأَجْلِ كَمَالِ الثَّوَابِ وَأَعْلَى مَرَاتِبِ الْقَبُولِ لِأَنَّ السَّيِّئَةَ لَا تُحْبِطُ الْحَسَنَةَ بَلِ الْحَسَنَةُ تُذْهِبُ السَّيِّئَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن حِبَّانَ [3591] قَوْلُهُ (وَأَبُو أُسَامَةَ) اسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ (عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ) الْمُنْكَرُ مَا لَا يُعْرَفُ حُسْنُهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ أَوْ مَا عُرِفَ قُبْحُهُ مِنْ جِهَتِهِ وَالْمُرَادُ بِالْأَخْلَاقِ الْأَعْمَالُ الْبَاطِنَةُ (وَالْأَعْمَالُ) أَيِ الْأَفْعَالُ الظَّاهِرَةُ (وَالْأَهْوَاءُ) جَمْعُ

الْهَوَى مَصْدَرُ هَوَاهُ إِذَا أَحَبَّهُ ثُمَّ سُمِّيَ بِالْهَوَى الْمُشْتَهَى مَحْمُودًا كَانَ أَوْ مَذْمُومًا ثُمَّ غَلَبَ عَلَى غَيْرِ الْمَحْمُودِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْإِضَافَةُ فِي الْقَرِينَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ قَبِيلِ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ وَفِي الثَّالِثَةِ بَيَانِيَّةٌ لِأَنَّ الْأَهْوَاءَ كُلَّهَا مُنْكَرَةٌ انْتَهَى قَالَ القارىء وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْإِضَافَاتِ كُلَّهَا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَيُحْمَلُ الْهَوَى عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بغير هدى من الله قوله (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ (وَعَمُّ زِيَادِ بْنِ عِلَاقَةَ هُوَ قُطْبَةُ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ [3592] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إبراهيم) هو بن عُلَيَّةَ قَوْلُهُ (اللَّهُ أَكْبَرُ) بِالسُّكُونِ وَيُضَمُّ (كَبِيرًا) حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ وَقِيلَ مَنْصُوبٌ بِإِضْمَارِ أَكْبَرُ وَقِيلَ صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ تَكْبِيرًا كَبِيرًا وَأَفْعَلُ لِمُجَرَّدِ الْمُبَالَغَةِ أَوْ مَعْنَاهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ عظمته قال بن الْهُمَامِ إِنَّ أَفْعَلَ وَفَعِيلًا فِي صِفَاتِهِ تَعَالَى سَوَاءٌ لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ بِأَكْبَرَ إِثْبَاتُ الزِّيَادَةِ فِي صِفَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الْمُشَارَكَةِ لِأَنَّهُ لَا يُسَاوِيهِ أَحَدٌ فِي أَصْلِ الْكِبْرِيَاءِ (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا) صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مُقَدَّرٍ أَيْ حَمْدًا كَثِيرًا (وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) أَيْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ مَنْصُوبَانِ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَالْعَامِلُ سُبْحَانَ وَخَصَّ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ لِاجْتِمَاعِ مَلَائِكَةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِيهِمَا كَذَا ذَكَرَهُ الْأَبْهَرِيُّ وَصَاحِبُ الْمَفَاتِيحِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْأَظْهَرُ أَنْ يُرَادَ بِهِمَا الدَّوَامُ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (كَذَا وَكَذَا) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ كَلِمَةُ كَذَا وَكَذَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ

باب أي الكلام أحب إلى الله

23 - (بَاب أَيُّ الْكَلَامِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ) [3593] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْجَسْرِيِّ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ نِسْبَةٌ إِلَى جَسْرٍ بَطْنٍ مِنْ عَنَزَةَ وَقُضَاعَةَ وَاسْمُهُ حِمْيَرِيٌّ بِكَسْرِ الحاء وبالواو بلفظ النسبة بن بَشِيرٍ ثِقَةٌ يُرْسِلُ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَوْ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ) كَلِمَةُ أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي (مَا اصْطَفَاهُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ) أَيِ الَّذِي اخْتَارَهُ مِنَ الذِّكْرِ لِلْمَلَائِكَةِ وَأَمَرَهُمْ بِالدَّوَامِ عَلَيْهِ لِغَايَةِ فَضِيلَتِهِ (سُبْحَانَ رَبِّي) أَيْ أُنَزِّهُهُ مِنْ كُلِّ سُوءٍ (وَبِحَمْدِهِ) الْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ أُسَبِّحُ رَبِّي مُتَلَبِّسًا بِحَمْدِهِ أَوْ عَاطِفَةٌ أَيْ أُسَبِّحُ رَبِّي وَأَتَلَبَّسُ بِحَمْدِهِ يَعْنِي أُنَزِّهُهُ عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ وَأَحْمَدُهُ بِأَنْوَاعِ الْكَمَالَاتِ قَالَ الطِّيبِيُّ لَمَحَ بِهِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونقدس لك وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا مَحْمُولٌ على كلا الْآدَمِيِّ وَإِلَّا فَالْقُرْآنُ أَفْضَلُ وَكَذَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ الْمُطْلَقِ فَأَمَّا الْمَأْثُورُ فِي وَقْتٍ أَوْ حَالٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَالِاشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلُ انْتَهَى وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ وَهَذَا بِظَاهِرِهِ يُعَارِضُ حَدِيثَ جَابِرٍ الَّذِي تَقَدَّمَ فِي بَابِ أَنَّ دَعْوَةَ الْمُسْلِمِ مُسْتَجَابَةٌ بِلَفْظِ أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَقَدْ جَمَعَ الْقُرْطُبِيُّ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ هَذِهِ الْأَذْكَارَ إِذَا أُطْلِقَ عَلَى بَعْضِهَا أَنَّهُ أَفْضَلُ الْكَلَامِ أَوْ أَحَبُّهُ إِلَى اللَّهِ فَالْمُرَادُ إِذَا انْضَمَّتْ إِلَى أَخَوَاتِهَا بِدَلِيلِ حَدِيثِ سَمُرَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِالْمَعْنَى فَيَكُونُ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى بعضا كَفَى لِأَنَّ حَاصِلَهَا التَّعْظِيمُ وَالتَّنْزِيهُ وَمَنْ نَزَّهَهُ فَقَدْ عَظَّمَهُ وَمَنْ عَظَّمَهُ فَقَدْ نَزَّهَهُ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ بِأَنْ تَكُونَ مِنْ مُضْمَرَةً فِي قَوْلِهِ أَفْضَلُ الذِّكْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَوْلِهِ أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَ أَفْضَلُ وأحب مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمَعْنَى لَكِنْ يَظْهَرُ مَعَ ذَلِكَ تَفْضِيلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهَا بِالْأَفْضَلِيَّةِ الصَّرِيحَةِ وَذُكِرَتْ مَعَ أَخَوَاتِهَا بالأحبية فحصل

لَهَا التَّفْضِيلُ تَنْصِيصًا وَانْضِمَامًا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ [3594] قوله (حدثنا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ 4 - قَوْلُهُ (سَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ) أَيِ السَّلَامَةَ عَنِ الْآفَاتِ وَالْمَصَائِبِ (وَقَدْ زَادَ يَحْيَى بْنُ الْيَمَانِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا الْحَرْفَ قَالُوا فَمَاذَا نَقُولُ إِلَخْ) قَوْلُهُ قَالُوا فَمَاذَا نَقُولُ إِلَخْ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ هَذَا الْحَرْفُ [3595] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ وَأَبُو أَحْمَدَ وَأَبُو نُعَيْمٍ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا السَّنَدِ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يُرَدُّ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ أَنَسٍ وَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ مَوْقُوفًا [3596] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) الضَّرِيرُ الْكُوفِيُّ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ حَازِمٍ قَوْلُهُ (سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ

بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ هَكَذَا نَقَلَهُ القاضي عن مُتْقِنِي شُيُوخِهِمْ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنَّهُ رُوِيَ بِتَخْفِيفِهَا وَإِسْكَانِ الْفَاءِ يُقَالُ فَرَدَ الرَّجُلُ وَفَرَّدَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَأَفْرَدَ قَالَهُ النَّوَوِيُّ أَيِ الْمُعْتَزِلُونَ عَنِ النَّاسِ لِلتَّعَبُّدِ (الْمُسْتَهْتَرُونَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ التَّاءَيْنِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي الَّذِينَ أُولِعُوا بِهِ يُقَالُ هَتَرَ فُلَانٌ بِكَذَا وَاسْتَهْتَرَ فَهُوَ مُهْتَرٌ بِهِ وَمُسْتَهْتَرٌ أَيْ مُولَعٌ بِهِ لَا يَتَحَدَّثُ بِغَيْرِهِ وَلَا يَفْعَلُ غَيْرَهُ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ الْمُسْتَهْتَرُونَ بِذِكْرِ اللَّهِ هُمُ مولعون بِهِ الْمُدَاوِمُونَ عَلَيْهِ لَا يُبَالُونَ مَا قِيلَ فِيهِمْ وَلَا مَا فُعِلَ بِهِمْ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ فِي الْجَوَابِ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ (يَضَعُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَثْقَالَهُمْ فَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِفَافًا) بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُ خَفِيفٍ ضِدُّ الثَّقِيلِ أَيْ يُذْهِبُ الذِّكْرُ عَنْهُمْ أَوْزَارَهُمْ أَيْ ذُنُوبَهُمُ الَّتِي تُثْقِلُهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالْحَاكِمُ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ [3597] قَوْلُهُ (أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ) أَيْ مِنَ الدُّنْيَا وما فيها من الأموال وغيرها قال بن الْعَرَبِيِّ أَطْلَقَ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَ قَوْلِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَبَيْنَ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَمِنْ شَرْطِ الْمُفَاضَلَةِ اسْتِوَاءُ الشَّيْئَيْنِ فِي أَصْلِ الْمَعْنَى ثُمَّ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخِرِ وَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ أَفْعَلُ قَدْ يُرَادُ بِهِ أَصْلُ الْفِعْلِ لَا الْمُفَاضَلَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا وَلَا مُفَاضَلَةَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِيَ الدُّنْيَا فَأَتَصَدَّقَ بِهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ الثَّوَابَ الْمُتَرَتِّبَ عَلَى قَوْلِ هَذَا الْكَلَامِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ مَنْ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ الدُّنْيَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والنسائي وبن أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو عَوَانَةَ [3598] قَوْلُهُ (ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ بِأَطْوَلَ مِنْ هَذَا وَأَتَمَّ فِي بَابِ صِفَةِ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا

قَوْلُهُ (وَسَعْدَانُ الْقُمِّيُّ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِالْقَافِ وَالْمِيمِ وَقَدْ ضَبَطَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ بِضَمِّ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِهَا (هُوَ سَعْدَانُ بن بشر) ويقال بن بَشِيرٍ الْجُهَنِيُّ الْكُوفِيُّ قِيلَ اسْمُهُ سَعِيدٌ وَسَعْدَانُ لَقَبٌ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (وَأَبُو مُجَاهِدٍ هُوَ سَعْدٌ الطَّائِيُّ) الْكُوفِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ السَّادِسَةِ (وَأَبُو مُدِلَّةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ يُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ [3599] قَوْلُهُ (عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ) الزبدي (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَقِيلَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ شُرَحْبِيلَ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ انْفَعْنِي بِمَا عَلَّمْتَنِي) أَيْ بِالْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ (وَعَلِّمْنِي مَا يَنْفَعُنِي) أَيْ عِلْمًا يَنْفَعُنِي فِيهِ أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا النَّافِعَ وَالنَّافِعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا فِيمَا يَعُودُ فِيهَا عَلَى نَفْعِ الدِّينِ وَإِلَّا فَمَا عَدَا هَذَا الْعِلْمَ فَإِنَّهُ مِمَّنْ قَالَ اللَّهُ فِيهِ (ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم) أَيْ بِأَمْرِ الدِّينِ فَإِنَّهُ نَفَى الْعِلْمَ عَنْ عِلْمِ السِّحْرِ لِعَدَمِ نَفْعِهِ فِي الْآخِرَةِ بَلْ لِأَنَّهُ ضَارٌّ فِيهَا وَقَدْ يَنْفَعُهُمْ فِي الدُّنْيَا لَكِنَّهُ لَمْ يَعُدْ نَفْعًا (وَزِدْنِي عِلْمًا) مُضَافًا إِلَى مَا عَلَّمْتَنِيهِ (الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ) مِنْ أَحْوَالِ السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ (وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ حَالِ أَهْلِ النَّارِ) مِنَ الْكُفْرِ وَالْفِسْقِ فِي الدُّنْيَا وَالْعَذَابِ وَالْعِقَابِ فِي الْعُقْبَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وبن ماجه والحاكم وبن أبي شيبة 5 - [3600] قوله (حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ

الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ كَذَا قَالَ جَرِيرٌ وَتَابَعَهُ الفضيل بن عياض عند بن حِبَّانَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ هَكَذَا بِالشَّكِّ لِلْأَكْثَرِ وَفِي نُسْخَةٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ بِالشَّكِّ وَقَالَ شَكَّ الْأَعْمَشُ وَكَذَا قَالَ بن أبي الدنيا عن إسحاق بن إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَقَالَ شَكَّ سُلَيْمَانُ يَعْنِي الْأَعْمَشَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ يَعْنِي كَمَا تَقَدَّمَ بِغَيْرِ تَرَدُّدٍ انْتَهَى قَوْلُهُ (سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَشَدَّةِ التَّحْتِيَّةِ مِنْ سَاحَ فِي الْأَرْضِ إِذَا ذَهَبَ فِيهَا وَسَارَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ سَيَّارَةً وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ (فُضُلًا) صِفَةٌ بَعْدَ صِفَةٍ لِلْمَلَائِكَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ ضَبَطُوا فُضُلًا عَلَى أَوْجُهٍ أَحَدُهَا وَأَرْجَحُهَا فُضُلًا بِضَمِّ الْفَاءِ وَالضَّادِ وَالثَّانِيَةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ وَرَجَّحَهَا بَعْضُهُمْ وَادَّعَى أَنَّهَا أَكْثَرُ وَأَصْوَبُ وَالثَّالِثَةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ وَالرَّابِعَةُ فُضُلٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالضَّادِ وَرَفْعِ اللَّامِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَالْخَامِسَةُ فُضَلَاءَ بِالْمَدِّ جَمْعُ فَاضِلٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ عَلَى جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ زَائِدُونَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُرَتَّبِينَ مَعَ الْخَلَائِقِ فَهَؤُلَاءِ السَّيَّارَةُ لَا وَظِيفَةَ لَهُمْ وَإِنَّمَا مَقْصُودُهُمْ حِلَقُ الذِّكْرِ (عَنْ كُتَّابِ النَّاسِ) بِضَمِّ الْكَافِ وَشِدَّةِ الْفَوْقِيَّةِ جَمْعُ كَاتِبٍ وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْكِرَامُ الْكَاتِبُونَ وَغَيْرُهُمُ الْمُرَتَّبُونَ مَعَ النَّاسِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ يَبْتَغُونَ مَجَالِسَ الذِّكْرِ (تَنَادَوْا) أَيْ نَادَى بَعْضُ الْمَلَائِكَةِ بَعْضًا قَائِلِينَ (هَلُمُّوا) أَيْ تَعَالَوْا مُسْرِعِينَ (إِلَى بِغْيَتِكُمْ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ إِلَى مَطْلُوبِكُمْ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِلَى حاجتكم أي من استماع الذكر وزيادة الذَّاكِرِ وَإِطَاعَةِ الْمَذْكُورِ وَاسْتَعْمَلَ هَلُمَّ هُنَا عَلَى لُغَةِ بَنِي تَمِيمٍ أَنَّهَا تُثَنَّى وَتُجْمَعُ وَتُؤَنَّثُ وَلُغَةُ الْحِجَازِيِّينَ بِنَاءُ لَفْظِهَا عَلَى الْفَتْحِ وَبَقَاؤُهُ بِحَالِهِ مَعَ الْمُثَنَّى وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمْ فَيَحُفُّونَ بِهِمْ أَيْ يُحْدِقُونَ بِهِمْ وَيَسْتَدِيرُونَ حَوْلَهُمْ يُقَالُ حَفَّ الْقَوْمُ الرَّجُلَ وَبِهِ وَحَوْلَهُ أَحْدَقُوا وَاسْتَدَارُوا بِهِ (إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا) أَيْ يَقِفُ بَعْضُهُمْ فَوْقَ بَعْضِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِذَا وَجَدُوا مَجْلِسًا فِيهِ ذِكْرٌ قَعَدُوا مَعَهُمْ وَحَفَّ بعضهم بعضا بأجنحتهم حتى يملاؤا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا (أَيَّ شَيْءٍ) بالنصب مفعول مقدم لقوله يصنعون (فيقولون) أَيِ الْمَلَائِكَةُ (تَرَكْنَاهُمْ) أَيْ عِبَادَكَ (يَحْمَدُونَكَ

بِالتَّخْفِيفِ (وَيُمَجِّدُونَكَ) بِالتَّشْدِيدِ أَيْ يَذْكُرُونَكَ بِالْعَظَمَةِ أَوْ يَنْسُبُونَكَ إِلَى الْمَجْدِ وَهُوَ الْكَرَمُ (وَيَذْكُرُونَكَ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَإِذَا تَفَرَّقُوا أَيْ أَهْلُ الْمَجْلِسِ عَرَجُوا أَيِ الْمَلَائِكَةُ وَصَعِدُوا إِلَى السَّمَاءِ قَالَ فَيَسْأَلُهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ مِنْ أَيْنَ جِئْتُمْ فَيَقُولُونَ جِئْنَا مِنْ عِنْدِ عِبَادِ لَكَ فِي الْأَرْضِ يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيُهَلِّلُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيَسْأَلُونَكَ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ وَيُعَظِّمُونَ آلَاءَكَ وَيَتْلُونَ كِتَابَكَ وَيُصَلُّونَ عَلَى نَبِيِّكَ وَيَسْأَلُونَكَ لِآخِرَتِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ قَالَ الْحَافِظُ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الطُّرُقِ الْمُرَادُ بِمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَأَنَّهَا الَّتِي تَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ بِأَنْوَاعِ الذِّكْرِ الْوَارِدَةِ مِنْ تَسْبِيحٍ وَتَكْبِيرٍ وَغَيْرِهِمَا وَعَلَى تِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَعَلَى الدُّعَاءِ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِي دُخُولِ قِرَاءَةِ الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ وَمُدَارَسَةِ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ وَمُذَاكَرَتِهِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَى صَلَاةِ النَّافِلَةِ فِي هَذِهِ الْمَجَالِسِ نَظَرٌ وَالْأَشْبَهُ اخْتِصَاصُ ذَلِكَ بِمَجَالِسِ التَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَنَحْوِهِمَا وَالتِّلَاوَةِ فَحَسْبُ وَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَةُ الْحَدِيثِ وَمُدَارَسَةُ الْعِلْمِ وَالْمُنَاظَرَةُ فِيهِ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ مُسَمَّى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى انْتَهَى قُلْتُ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي الْعُمْدَةِ قَوْلُهُ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ يَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَةَ الْحَدِيثِ وَتَدْرِيسَ الْعُلُومِ وَمُنَاظَرَةَ الْعُلَمَاءِ وَنَحْوَهَا انْتَهَى فَاخْتَلَفَ الْحَافِظُ وَالْعَيْنِيُّ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِمَجَالِسِ الذِّكْرِ وَأَهْلِ الذِّكْرِ الْخُصُوصُ أَوِ الْعُمُومُ فَاخْتَارَ الْحَافِظُ الْخُصُوصَ نَظَرًا إِلَى ظَاهِرِ أَلْفَاظِ الطُّرُقِ الْمَذْكُورَةِ وَاخْتَارَ الْعَيْنِيُّ للعموم نَظَرًا إِلَى أَنَّ مَا فِي هَذِهِ الطُّرُقِ مِنْ أَلْفَاظِ الذِّكْرِ تَمْثِيلَاتٌ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْخُصُوصُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَيَقُولُ) أَيِ اللَّهُ (فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي) أَيْ لَوْ رَأَوْنِي مَا يَكُونُ حَالُهُمْ فِي الذِّكْرِ (وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا) أَيْ تَعْظِيمًا (وَأَشَدَّ لَكَ ذِكْرًا) فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ تَحَمُّلَ مَشَقَّةِ الْخِدْمَةِ عَلَى قَدْرِ الْمَعْرِفَةِ وَالْمَحَبَّةِ (وَأَيَّ شَيْءٍ يَطْلُبُونَ) مني (فهل رَأَوْهَا) أَيِ الْجَنَّةَ (لَكَانُوا أَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا) لِأَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ كَالْمُعَايَنَةِ (أُشْهِدُكُمْ) مِنَ الْإِشْهَادِ أَيْ أَجْعَلُكُمْ شَاهِدِينَ (إِنَّ فِيهِمْ فُلَانًا) كِنَايَةٌ عَنِ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ (الْخَطَّاءَ

بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِفُلَانًا أَيْ كَثِيرَ الْخَطَايَا (لَمْ يُرِدْهُمْ إِنَّمَا جَاءَهُمْ لِحَاجَةٍ) أَيْ لَمْ يُرِدْ مَعِيَّتَهمْ فِي ذِكْرٍ بَلْ جَاءَهُمْ لِحَاجَةٍ دُنْيَوِيَّةٍ لَهُ يُرِيدُ الْمَلَائِكَةُ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَغْفِرَةَ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَقُولُونَ رَبِّ فِيهِمْ فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ إِنَّمَا مَرَّ فَجَلَسَ مَعَهُمْ (هُمُ الْقَوْمُ) قَالَ الطِّيبِيُّ تَعْرِيفُ الْخَبَرِ يَدُلُّ عَلَى الْكَمَالِ أَيْ هُمُ الْقَوْمُ الْكَامِلُونَ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنَ السَّعَادَةِ (لَا يَشْقَى) أَيْ لَا يَصِيرُ شَقِيًّا (لَهُمْ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِهِمْ أَيْ بِسَبَبِهِمْ وَبِبَرَكَتِهِمْ (جَلِيسٌ) أَيْ مُجَالِسُهُمْ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِبَيَانِ الْمُقْتَضِي لِكَوْنِهِمْ أَهْلَ الْكَمَالِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ الْقَوْمُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَالذَّاكِرِينَ وَفَضْلُ الِاجْتِمَاعِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنَّ جَلِيسَهُمْ يَنْدَرِجُ مَعَهُمْ فِي جَمِيعِ مَا يَتَفَضَّلُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْهِمْ إِكْرَامًا لَهُمْ وَلَوْ لَمْ يُشَارِكْهُمْ فِي أَصْلِ الذكر وفيه محبة الملائكة لبني ادم واعتنائهم بِهِمْ وَفِيهِ أَنَّ السُّؤَالَ قَدْ يَصْدُرُ مِنَ السَّائِلِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ مِنَ الْمَسْئُولِ لِإِظْهَارِ الْعِنَايَةِ بِالْمَسْئُولِ عَنْهُ وَالتَّنْوِيهِ بِقَدْرِهِ وَالْإِعْلَانِ بِشَرَفِ مَنْزِلَتِهِ وَقِيلَ إِنَّ فِي خُصُوصِ سُؤَالِ اللَّهِ الْمَلَائِكَةَ عَنْ أَهْلِ الذِّكْرِ الْإِشَارَةَ إِلَى قَوْلِهِمْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فَكَأَنَّهُ قِيلَ انْظُرُوا إِلَى مَا حَصَلَ مِنْهُمْ مِنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّقْدِيسِ مَعَ مَا سُلِّطَ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّهَوَاتِ وَوَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ وَكَيْفَ عَالَجُوا ذَلِكَ وَضَاهَوْكُمْ فِي التَّقْدِيسِ وَالتَّسْبِيحِ كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان 6 - [3601] قَوْلُهُ (هِشَامِ بْنِ الْغَازِ) بِمُعْجَمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا أَلِفٌ بن رَبِيعَةَ الْجُرَشِيُّ الدِّمَشْقِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ ثِقَةٌ مِنْ كِبَارِ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (فَإِنَّهَا) أَيْ هَذِهِ الْكَلِمَةَ (مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ) أَيْ مِنْ ذَخَائِرِ الْجَنَّةِ أَوْ مِنْ مُحَصِّلَاتِ نَفَائِسِ الْجَنَّةِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمَعْنَى أَنَّ قَوْلَهَا يُحَصِّلُ ثَوَابًا نَفِيسًا يُدَّخَرُ لِصَاحِبِهِ فِي الْجَنَّةِ (قَالَ مَكْحُولٌ) أَيْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (وَلَا مَنْجَا) بِالْأَلِفِ أَيْ لَا مَهْرَبَ وَلَا مَخْلَصَ (مِنَ اللَّهِ) أَيْ مِنْ سَخَطِهِ وَعُقُوبَتِهِ (إِلَّا إِلَيْهِ) أَيْ بِالرُّجُوعِ إِلَى رِضَاهُ وَرَحْمَتِهِ (كَشَفَ) أَيِ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْمِشْكَاةِ كَشَفَ اللَّهُ (سَبْعِينَ بَابًا) أَيْ نَوْعًا (مِنَ الضُّرِّ) بِضَمِّ الضَّادِ وَتُفْتَحُ وَهُوَ يَحْتَمِلُ التَّحْدِيدَ وَالتَّكْثِيرَ (أَدْنَاهُنَّ الْفَقْرُ) أَيْ أَحَطُّ

السَّبْعِينَ وَأَدْنَى مَرَاتِبِ الْأَنْوَاعِ نَوْعُ مَضَرَّةِ الْفَقْرِ قال القارىء وَالْمُرَادُ الْفَقْرُ الْقَلْبِيُّ الَّذِي جَاءَ فِي الْحَدِيثِ كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا لِأَنَّ قَائِلَهَا إِذَا تَصَوَّرَ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ تَقَرَّرَ عِنْدَهُ وَتَيَقَّنَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَا نَفْعَ وَلَا ضُرَّ إِلَّا مِنْهُ وَلَا عَطَاءَ وَلَا مَنْعَ إِلَّا بِهِ فَصَبَرَ عَلَى الْبَلَاءِ وَشَكَرَ عَلَى النَّعْمَاءِ وَفَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَرَضِيَ بِالْقَدَرِ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ كَادَ الْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْرًا رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَنَسٍ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ إِسْنَادُهُ وَاهٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَجْمَعِ فِي تَذْكِرَةِ الْمَوْضُوعَاتِ ضَعِيفٌ وَلَكِنْ صَحَّ مِنْ قَوْلِ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ تَقْيِيدُ الْفَقْرِ بِالْقَلْبِيِّ لَا حَاجَةَ إِلَيْهِ كَمَا لَا يَخْفَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِمُتَّصِلٍ مَكْحُولٌ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَزَّارُ مُطَوَّلًا وَرَفَعَا وَلَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ وَرُوَاتُهُمَا ثِقَاتٌ مُحْتَجٌّ بِهِمْ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَلَا عِلَّةَ لَهُ وَلَفْظُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا أُعَلِّمُكَ أَوْ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ تَحْتِ الْعَرْشِ مِنْ كَنْزِ الْجَنَّةِ تَقُولُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ فَيَقُولُ اللَّهُ أَسْلَمَ عَبْدِي وَاسْتَسْلَمَ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ وَصَحَّحَهَا أَيْضًا قَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تَقُولُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي حَدِيثٍ [3602] قَوْلُهُ (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ) قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ نَبِيٍّ لَهُ دَعْوَةٌ مُتَيَقَّنَةُ الْإِجَابَةِ وَهُوَ عَلَى يَقِينٍ مِنْ إِجَابَتِهَا وَأَمَّا بَاقِي دَعَوَاتِهِمْ فَهُمْ عَلَى طَمَعٍ مِنْ إِجَابَتِهَا وَبَعْضُهَا يُجَابُ وَبَعْضُهَا لَا يُجَابُ وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ لِأُمَّتِهِ كَمَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ يَعْنِي مِنْ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ دَعَاهَا لِأُمَّتِهِ وَبِلَفْظِ لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ قَدْ دَعَا بِهَا فِي أُمَّتِهِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعَوْتَهُ (وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي) أَيِ ادَّخَرْتُهَا وَجَعَلْتُهَا خَبِيئَةً مِنَ الِاخْتِبَاءِ وَهُوَ السِّرُّ (شَفَاعَةً لِأُمَّتِي) أَيْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ يَعْنِي لِأَجْلِ أَنْ أَصْرِفَهَا لَهُمْ خَاصَّةً بَعْدَ الْعَامَّةِ وَفِي جِهَةِ الشَّفَاعَةِ أَوْ حَالَ كَوْنِهَا شَفَاعَةً (وَهِيَ) أَيِ الشَّفَاعَةُ (نَائِلَةٌ) أَيْ وَاصِلَةٌ حَاصِلَةٌ (إِنْ شَاءَ اللَّهُ) هُوَ عَلَى جِهَةِ التَّبَرُّكِ وَالِامْتِثَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ (مَنْ مَاتَ) فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ لِنَائِلِهِ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أُمَّتِي

(لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ مَاتَ (شَيْئًا) أَيْ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَوْ مِنَ الْإِشْرَاكِ وَهِيَ أَقْسَامٌ عَدَمُ دُخُولِ قَوْمٍ النَّارَ وَتَخْفِيفُ لبثهم فيها وتعجيل دخولهم الجنة ورفع درجات فيها قال بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضْلِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ حَيْثُ آثَرَ أُمَّتَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ بِدَعْوَتِهِ الْمُجَابَةِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا أَيْضًا دُعَاءً عَلَيْهِمْ بِالْهَلَاكِ كَمَا وَقَعَ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 7 - [3603] قَوْلُهُ (وبن نُمَيْرٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَوْلُهُ (أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي) الْمُؤْمِنِ (بِي) قَالَ الطِّيبِيُّ الظَّنُّ لَمَّا كَانَ وَاسِطَةً بَيْنَ الشَّكِّ وَالْيَقِينِ اسْتُعْمِلَ تَارَةً بِمَعْنَى يَقِينٍ وَذَلِكَ إِنْ ظَهَرَتْ أَمَارَاتُهُ وَبِمَعْنَى الشَّكِّ إِذَا ضَعُفَتْ عَلَامَاتُهُ وَعَلَى الْمَعْنَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنهم ملاقوا ربهم أَيْ يُوقِنُونَ وَعَلَى الْمَعْنَى الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون أَيْ تَوَهَّمُوا وَالظَّنُّ فِي الْحَدِيثِ يَجُوزُ إِجْرَاؤُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَا أُعَامِلُهُ عَلَى حَسَبِ ظَنِّهِ بِي وَأَفْعَلُ بِهِ مَا يَتَوَقَّعُهُ مِنِّي مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَالْمُرَادُ الْحَثُّ عَلَى تَغْلِيبِ الرَّجَاءِ عَلَى الْخَوْفِ وَحُسْنِ الظَّنِّ بِاَللَّهِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالظَّنِّ الْيَقِينُ وَالْمَعْنَى أَنَا عِنْدَ يَقِينِهِ بِي وَعِلْمِهِ بِأَنَّ مَصِيرَهُ إِلَيَّ وَحِسَابَهُ عَلَيَّ وَأَنَّ مَا قَضَيْتُ بِهِ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ لَا مَرَدَّ لَهُ لَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتُ وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتُ انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي قِيلَ مَعْنَاهُ بِالْغُفْرَانِ لَهُ إِذَا اسْتَغْفَرَ وَالْقَبُولِ إِذَا تَابَ وَالْإِجَابَةِ إِذَا دَعَا وَالْكِفَايَةِ إِذَا طَلَبَهَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الرَّجَاءُ وَتَأْمِيلُ الْعَفْوِ وَهَذَا أَصَحُّ (وَأَنَا مَعَهُ) أَيْ بِالرَّحْمَةِ وَالتَّوْفِيقِ وَالرِّعَايَةِ وَالْهِدَايَةِ وَالْإِعَانَةِ أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَمَا كنتم فمعناه بالعلم والإحاطة قال النَّوَوِيُّ (فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي) أَيْ إِنْ ذَكَرَنِي بِالتَّنْزِيهِ وَالتَّقْدِيسِ سِرًّا ذَكَرْتُهُ بِالثَّوَابِ وَالرَّحْمَةِ سِرًّا قَالَهُ الْحَافِظُ (وَإِنْ ذكرني في ملء) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ مَهْمُوزٌ أَيْ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ فِي حَضْرَتِهِمْ ذَكَرْتُهُ فِي ملء خَيْرٍ (يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ) الْمُقَرَّبِينَ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ ملء الذكرين (وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا) أَيْ مِقْدَارًا قَلِيلًا قَالَ الطِّيبِيُّ شِبْرًا وَذِرَاعًا وَبَاعًا فِي الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ أَيْ مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ مِقْدَارَ شِبْرٍ (وَإِنِ اقْتَرَبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا) هُوَ قَدْرُ مَدِّ الْيَدَيْنِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْبَدَنِ (وَإِنْ أَتَانِي) حَالَ كَوْنِهِ (يَمْشِي أَتَيْتُهُ

هَرْوَلَةً) هِيَ الْإِسْرَاعُ فِي الْمَشْيِ دُونَ الْعَدْوِ قَالَ الطِّيبِيُّ هِيَ حَالٌ أَيْ مُهَرْوِلًا أَوْ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِأَنَّ الْهَرْوَلَةَ نَوْعٌ مِنَ الْإِتْيَانِ فَهُوَ كَرَجَعْتُ الْقَهْقَرَى لَكِنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْحَالِ أَوْلَى لِأَنَّ قَرِينَهُ يَمْشِي حَالٌ لَا مَحَالَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَيَسْتَحِيلُ إِرَادَةُ ظَاهِرِهِ وَمَعْنَاهُ مَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِطَاعَتِي تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بِرَحْمَتِي وَالتَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ أَوْ إِنْ زَادَ زِدْتُ فَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي وَأَسْرَعَ فِي طَاعَتِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً أَيْ صَبَبْتُ عَلَيْهِ الرَّحْمَةَ وَسَبَقْتُهُ بِهَا وَلَمْ أُحْوِجْهُ إِلَى الْمَشْيِ الْكَثِيرِ فِي الْوُصُولِ إِلَى الْمَقْصُودِ وَالْمُرَادُ أَنَّ جَزَاءَهُ يَكُونُ تَضْعِيفَهُ عَلَى حَسَبِ تَقَرُّبِهِ انْتَهَى وكذا قال الطيبي والحافظ والعيني وبن بطان وبن التِّينِ وَصَاحِبُ الْمَشَارِقِ وَالرَّاغِبُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَيُرْوَى عَنِ الْأَعْمَشِ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا يَعْنِي بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَكَذَلِكَ فَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَخْ) وَكَذَا فَسَّرَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا عَرَفْتَ قُلْتُ لَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا التَّأْوِيلِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ فَضْلِ الصَّدَقَةِ بَعْدَ رِوَايَةِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ إِلَخْ وَقَدْ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا يُشْبِهُ هَذَا مِنَ الرِّوَايَاتِ مِنَ الصِّفَاتِ وَنُزُولِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا قَالُوا قَدْ تَثْبُتُ الرِّوَايَاتُ فِي هَذَا وَنُؤْمِنُ بِهَا وَلَا يُتَوَهَّمُ ولا يقال كيف هكذا روى من مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَمِرُّوهَا بِلَا كَيْفٍ وَهَكَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ والجماعة الخ 8 - [3604] قَوْلُهُ (اسْتَعِيذُوا بِاللَّهِ) يُقَالُ عَاذَ وَتَعَوَّذَ وَاسْتَعَاذَ بِفُلَانٍ مِنْ كَذَا لَجَأَ إِلَيْهِ وَاعْتَصَمَ وَتَعَوَّذَ وَاسْتَعَاذَ بِاللَّهِ فَأَعَاذَهُ وَعَوَّذَهُ حَفِظَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حديث صحيح) وأخرجه مسلم وغيره بألفاظ

29 - باب قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى) الْبَلْخِيُّ الْمَعْرُوفُ بِخَتٍّ (أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ) الْوَاسِطِيُّ السُّلَمِيُّ (أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ) الْأَزْدِيُّ الْقُرْدُوسِيُّ قَوْلُهُ (أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ) قِيلَ مَعْنَاهُ الْكَامِلَاتِ الَّتِي لَا يَدْخُلُ فِيهَا نَقْصٌ وَلَا عَيْبٌ وَقِيلَ النَّافِعَةُ الشَّافِيَةُ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ هُنَا الْقُرْآنُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ (لَمْ يَضُرَّهُ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا (حُمَةٌ تِلْكَ اللَّيْلَةَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْحُمَةُ كَثُبَةٍ السُّمُّ وَالْإِبْرَةُ يُضْرَبُ بِهَا الزُّنْبُورُ وَالْحَيَّةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ أَوْ يُلْدَغُ بِهَا جَمْعُهَا حُمَاتٌ وَحُمًى انْتَهَى وَأَصْلُهَا حَمْوٌ أَوْ حُمَى بِوَزْنِ صُرَدٍ وَالْهَاءُ فِيهَا عِوَضٌ مِنَ الْوَاوِ الْمَحْذُوفَةِ أَوِ الْيَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (وَرَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ هَذَا الْحَدِيثَ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي موطإه فِي بَابِ مَا يُؤْمَرُ بِهِ مِنَ التَّعَوُّذِ عند النوم وغيره 0 - باب قَوْلُهُ (دُعَاءٌ) مُبْتَدَأٌ (حَفِظْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) صفة المبتدأ مُسَوِّغٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ (لَا أَدَعُهُ) أَيْ لَا أَتْرُكُهُ لِنَفَاسَتِهِ (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أُعَظِّمُ) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَرَفْعِ الْمِيمِ وَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ

بِتَقْدِيرِ أَنْ أَوْ بِغَيْرِهِ أَيْ مُعَظِّمًا (شُكْرَكَ) أَيْ وَفِّقْنِي لِإِكْثَارِهِ وَالدَّوَامِ عَلَى اسْتِحْضَارِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ اجْعَلْنِي بِمَعْنَى صَيِّرْنِي وَلِذَلِكَ أَتَى بِالْمَفْعُولِ للثاني فِعْلًا لِأَنَّ صَارَ مِنْ دَوَاخِلِ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ (وأكبر) مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا (ذِكْرَكَ) أَيْ لِسَانًا وَجِنَانًا وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ تَخْصِيصًا بَعْدَ تَعْمِيمٍ وَقِيلَ إِنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ (وَأَتَّبِعُ) بِتَشْدِيدِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ (نَصِيحَتَكَ) هِيَ الْخُلُوصُ وَإِرَادَةُ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ وَالْإِضَافَةُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِلَى الْفَاعِلِ وَإِلَى الْمَفْعُولِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ (وَأَحْفَظُ وَصِيَّتَكَ) أَيْ بِمُلَازَمَةِ فِعْلِ الْمَأْمُورَاتِ وَتَجَنُّبِ الْمَنْهِيَّاتِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ وهو ضعيف 1 - باب قَوْلُهُ (عَنْ زِيَادٍ) فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عِدَّةُ رُوَاةٍ مِنْ طَبَقَةِ التَّابِعِينَ أَسْمَاؤُهُمْ زِيَادٌ وَلَمْ يَتَعَيَّنْ لِي أَنَّ زِيَادًا هَذَا مَنْ هُوَ قَوْلُهُ (أَوْ يَسْتَعْجِلْ) أَيْ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ (دَعَوْتُ رَبِّي فَمَا اسْتَجَابَ لِي) هُوَ إِمَّا اسْتِبْطَاءٌ أَوْ إِظْهَارُ يَأْسٍ وَكِلَاهُمَا مَذْمُومٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْإِجَابَةَ لَهَا وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَمَا وَرَدَ أَنَّ بَيْنَ دُعَاءِ مُوسَى وَهَارُونَ عَلَى فِرْعَوْنَ وَبَيْنَ الْإِجَابَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَأَمَّا الْقُنُوطُ فلا ييأس مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ مَعَ أَنَّ الْإِجَابَةَ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنْهَا تَحْصِيلُ عَيْنِ الْمَطْلُوبِ فِي الْوَقْتِ الْمَطْلُوبِ وَمِنْهَا وُجُودُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ لِحِكْمَةٍ اقْتَضَتْ تَأْخِيرَهُ وَمِنْهَا دَفْعُ شَرٍّ بَدَلَهُ أَوْ إِعْطَاءُ خَيْرٍ آخَرَ خَيْرٍ مِنْ مَطْلُوبِهِ وَمِنْهَا ادِّخَارُهُ لِيَوْمٍ يَكُونُ أَحْوَجَ إِلَى ثَوَابِهِ وَمِنْهَا تَكْفِيرُ الذُّنُوبِ بِقَدْرِ مَا دَعَا قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى) بْنُ مُوسَى الْبَلْخِيُّ الْمَعْرُوفُ بِخَتٍّ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بْنِ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ قَوْلُهُ (قَدْ سَأَلْتُ وَسَأَلْتُ) أَيْ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى يَعْنِي مَرَّاتٍ كَثِيرَةً أَوْ طَلَبْتُ شَيْئًا وَطَلَبْتُ آخَرَ قَوْلُهُ (وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مولى بن أَزْهَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ إِلَخْ) وَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَنْ يَسْتَعْجِلُ فِي دعائه 2 - باب قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى) الدَّقِيقِيُّ الْبَصْرِيُّ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعِ) بْنِ جَابِرِ بْنِ الْأَخْنَسِ الْأَزْدِيُّ أَبُو بَكْرٍ أَوْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ عَابِدٌ كَثِيرُ الْمَنَاقِبِ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ سُمَيْرِ) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَبِيَاءِ التَّصْغِيرِ وَبِالرَّاءِ (بْنِ نَهَارٍ الْعَبْدِيِّ) الْبَصْرِيِّ صَدُوقٌ وَقِيلَ هُوَ شُتَيْرٌ بِمُعْجَمَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (إِنَّ حُسْنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ) بِأَنْ يَظُنَّ أَنَّ اللَّهَ يَعْفُو عَنْهُ (مِنْ حُسْنِ عِبَادَةِ اللَّهِ) أَيْ حُسْنِ الظَّنِّ بِهِ تَعَالَى مِنْ جُمْلَةِ الْعِبَادَاتِ الْحَسَنَةِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَظُنَّ مَا يَظُنُّهُ الْعَامَّةُ مِنْ أَنَّ حُسْنَ الظَّنِّ هُوَ أَنْ تَتْرُكَ الْعَمَلَ وَتَعْتَمِدَ عَلَى اللَّهِ وَتَقُولَ إِنَّهُ كَرِيمٌ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى بَعْدَ حُسْنِ الْعِبَادَةِ حُسْنُ الظَّنِّ وَقَدَّمَ الْخَبَرَ اهْتِمَامًا فَإِنَّ السَّالِكَ إِذَا حَسَّنَ الظَّنَّ بِاللَّهِ عَلَى سَبِيلِ الرَّجَاءِ حَسَّنَ الْعِبَادَةَ فِي الْخَلَا وَالْمَلَا فَيُسْتَحْسَنُ مَأْمُولُهُ وَيُرْجَى قَبُولُهُ قَالَ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله وَأَمَّا مَنْ يَتْرُكُ الْعِبَادَةَ وَيَدَّعِي حُسْنَ الظَّنِّ بِالْمَعْبُودِ فَهُوَ مَغْرُورٌ وَمَخْدُوعٌ وَمَرْدُودٌ وَمَثَّلَهُمَا الْغَزَالِيُّ بِمَنْ زَرَعَ وَمَنْ لَمْ يَزْرَعْ رَاجِيَيْنِ لِلْحَصَادِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الثَّانِيَ ظَاهِرُ الْفَسَادِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو داود والحاكم في مستدركه

33 - باب قَوْلُهُ (عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ صدوق يخطىء مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (لِيَنْظُرَنَّ أَحَدُكُمْ) أَيْ لِيَتَأَمَّلْ وَيَتَدَبَّرْ (مَا الَّذِي يَتَمَنَّى) عَلَى اللَّهِ (فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْ أُمْنِيَّتِهِ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ وَشِدَّةِ التَّحْتِيَّةِ الْبُغْيَةُ وَمَا يُتَمَنَّى أَيْ فَلَا يَتَمَنَّى إِلَّا مَا يَسُرُّهُ أَنْ يَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) هَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ لِأَنَّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَذْكُورَ تابعي 4 - باب قوله (أخبرنا مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ مَتِّعْنِي) مِنَ التَّمْتِيعِ أَيِ انْفَعْنِي (وَاجْعَلْهُمَا الْوَارِثَ مِنِّي) أَيْ أَبْقِهِمَا صَحِيحَيْنِ سَلِيمَيْنِ إِلَى أَنْ أَمُوتَ أَوْ أراد بقاءهما وقوتهما عند الكبر والخلال الْقُوَى (وَانْصُرْنِي عَلَى مَنْ يَظْلِمُنِي) مِنْ أَعْدَاءِ دِينِكَ (وَخُذْ مِنْهُ بِثَأْرِي) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الثَّأْرُ طَلَبُ الدَّمِ يُقَالُ ثَأَرْتُ الْقَتِيلَ وَثَأَرْتُ بِهِ فَأَنَا ثَائِرٌ أَيْ قَتَلْتُ قَاتِلَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي المستدرك والبزار في مسنده 5 - باب قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ السِّجْزِيُّ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ

وَبِالزَّايِ نِسْبَةٌ إِلَى سِجْزَ وَهُوَ اسْمٌ لِسِجِسْتَانَ وَقِيلَ نِسْبَةٌ إِلَى سِجِسْتَانَ بِغَيْرِ قِيَاسٍ هُوَ الْإِمَامُ أَبُو دَاوُدَ مُصَنِّفُ السُّنَنِ وَغَيْرِهَا ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (حَدَّثَنَا قَطَنٌ) بِفَتْحِ قَافٍ وَطَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَبِنُونٍ بن نُسَيْرٍ أَبُو عَبَّادٍ الْبَصْرِيُّ الْغُبَرِيُّ الذَّارِعُ صَدُوقٌ يُخْطِئُ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ) الضُّبَعِيُّ قَوْلُهُ (حَاجَتَهُ) مَفْعُولٌ ثَانٍ (كُلَّهَا) تَأْكِيدٌ لَهَا أَيْ جَمِيعَ مَقْصُودَاتِهِ إِشْعَارًا بِالِافْتِقَارِ إِلَى الِاسْتِعَانَةِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ وَلَمْحَةٍ (حَتَّى يَسْأَلَ) أَيْ رَبَّهُ (شِسْعَ نَعْلِهِ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ شِرَاكَهَا قَالَ الطِّيبِيُّ الشِّسْعُ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ بَيْنَ الْإِصْبَعَيْنِ وَهَذَا مِنْ بَابِ التَّتْمِيمِ لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ جِيءَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَمَا بَعْدَهُ فِي الْمُتَمِّمَاتِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه بن حِبَّانَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ ذَكْوَانَ الْبَاهِلِيُّ التِّرْمِذِيُّ قَوْلُهُ (لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ) فَإِنَّ خَزَائِنَ الْجُودِ بِيَدِهِ وَأَزِمَّتَهُ إِلَيْهِ وَلَا مُعْطِيَ إِلَّا هُوَ (حَتَّى يَسْأَلَهُ الْمِلْحَ) وَنَحْوَهُ مِنَ الْأَشْيَاءِ التَّافِهَةِ (وَحَتَّى يَسْأَلَهُ شِسْعَ نَعْلِهِ) فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يُيَسِّرْهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ وَدُفِعَ بِهِ وَبِمَا قَبْلَهُ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ أَنَّ الدَّقَائِقَ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُطْلَبَ مِنْهُ لِحَقَارَتِهَا قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ قَطَنٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ) أَيْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ مُرْسَلًا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ قَطَنٍ عَنْ جَعْفَرٍ مُتَّصِلًا لِأَنَّ صَالِحَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَوْثَقُ مِنْ قَطَنٍ وَمَعَ ذَلِكَ قَدْ تَابَعَ صَالِحَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ قطن ما لفظه قال بن عَدِيٍّ حَدَّثَنَا الْبَغَوِيُّ حَدَّثَنَا الْقَوَارِيرِيُّ حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ عَنْ ثَابِتٍ بِحَدِيثِ لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا فَقَالَ رَجُلٌ لِلْقَوَارِيرِيِّ إِنَّ شَيْخَنَا يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ جَعْفَرٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ فقال القواريري باطل قال بن عدي وهو كما قال انتهى

46 - كتاب المناقب

46 - كتاب المناقب عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جمع المنقبة وهي الشرف والفضيلة (باب ما جاء فِي فَضْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [3605] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ) الصَّفَّارُ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ أَصْلُهُ مِنْ مَرْوَ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبِ) بْنِ صَدَقَةَ الْقُرْقُسَانِيُّ بِضَمِّ الْقَافَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْغَلَطِ مِنْ صِغَارِ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِي عَمَّارٍ) اسْمُهُ شَدَّادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى) أَيِ اخْتَارَ يُقَالُ اسْتَطَفَاهُ وَاصْطَفَاهُ إِذَا اخْتَارَهُ وَأَخَذَ صَفْوَتَهُ وَالصَّفْوَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَالِصُهُ وَخِيَارُهُ (مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَاللَّامِ وَبِالضَّمِّ وَالسُّكُونِ أَيْ مِنْ أَوْلَادِهِ (وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ) بكسر الكاف بن خُزَيْمَةَ (وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي كِنَانَةَ قُرَيْشًا) وَهُمْ أَوْلَادُ نَضْرِ بْنِ كِنَانَةَ كَانُوا تَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ فَجَمَعَهُمْ قُصَيُّ بْنُ كِلَابٍ فِي مَكَّةَ فَسُمُّوا قُرَيْشًا لِأَنَّهُ قَرَشَهُمْ أَيْ جَمَعَهُمْ وَلِكِنَانَةَ وَلَدٌ سِوَى النَّضْرِ وَهُمْ لَا يُسَمَّوْنَ قُرَيْشًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُقْرَشُوا وَيَأْتِي بَقِيَّةُ الْكَلَامِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِقُرَيْشٍ فِي فَضْلِ الْأَنْصَارِ وَقُرَيْشٍ (وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ) فِي شَرْحِ السُّنَّةِ هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بْنِ قُصَيِّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بن مالك بن النصر بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مَدْرَكَةَ بْنِ إِلْيَاسِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ وَلَا يَصِحُّ حِفْظُ النَّسَبِ فَوْقَ عَدْنَانَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم [3607] قَوْلُهُ (فَجَعَلُوا مَثَلَكَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْمُثَلَّثَةِ أَيْ صِفَتَكَ (مَثَلَ نَخْلَةٍ فِي كَبْوَةٍ مِنَ الْأَرْضِ) أَيْ كَصِفَةِ نَخْلَةٍ نَبَتَتْ فِي كُنَاسَةٍ مِنَ الْأَرْضِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ طَعَنُوا فِي حَسَبِكَ قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ قَالَ شِمْرٌ لَمْ نَسْمَعِ الْكَبْوَةَ وَلَكِنَّا سَمِعْنَا الْكِبَا وَالْكُبَةَ وَهِيَ الْكُنَاسَةُ وَالتُّرَابُ الَّذِي يُكْنَسُ مِنَ الْبَيْتِ وَقَالَ غَيْرُهُ الْكُبَةُ مِنَ الْأَسْمَاءِ النَّاقِصَةِ أَصْلُهَا كَبْوَةٌ مِثْلُ قُلَةٍ وَثُبَةٍ أَصْلُهُمَا قُلْوَةٌ وَثُبْوَةٌ وَيُقَالُ لِلرَّبْوَةِ كُبْوَةٌ بِالضَّمِّ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ الْكِبَا الْكُنَاسَةُ وَجَمْعُهُ أَكْبَاءٌ وَالْكُبَةُ بِوَزْنِ قُلَةٍ وَظُبَةٍ وَنَحْوِهَا وَأَصْلُهَا كَبْوَةٌ وَعَلَى الْأَصْلِ جَاءَ الْحَدِيثُ إِلَّا أَنَّ الْمُحَدِّثَ لَمْ يَضْبِطِ الْكَلِمَةَ فَجَعَلَهَا كَبْوَةً بِالْفَتْحِ فَإِنْ صَحَّتِ الرِّوَايَةُ بِهَا فَوَجْهُهُ أَنْ تُطْلَقَ الْكَبْوَةُ وَهِيَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنَ الْكَسْحِ عَلَى الْكُسَاحَةِ وَالْكُنَاسَةِ انْتَهَى (إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ) أَيِ الْمَخْلُوقَاتِ يَعْنِي ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِرَقًا (فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ فِرَقِهِمْ) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ مِنْ أَشْرَفِهَا وَهُوَ الْإِنْسُ (وَخَيْرُ الْفَرِيقَيْنِ) أَيِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ (ثُمَّ خَيْرِ الْقَبَائِلِ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ الْقَبِيلَةِ) يَعْنِي مِنْ قَبِيلَةِ قُرَيْشٍ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ خَلْقِهِ وَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ فِرْقَةٍ وَخَلَقَ الْقَبَائِلَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ قَبِيلَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ (ثُمَّ خَيْرِ الْبُيُوتِ) أَيِ الْبُطُونِ (فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ بُيُوتِهِمْ) أَيْ مِنْ بَطْنِ بَنِي هَاشِمٍ (فَأَنَا خَيْرُهُمْ نَفْسًا) أَيْ رُوحًا وَذَاتًا إِذْ جَعَلَنِي نَبِيًّا رَسُولًا خَاتَمًا لِلرُّسُلِ (وَخَيْرُهُمْ بَيْتًا) أَيْ أَصْلًا إِذْ جِئْتُ مِنْ طَيِّبٍ إِلَى طَيِّبٍ إِلَى صُلْبِ عَبْدِ اللَّهِ بِنِكَاحٍ لَا سفاح

[3608] قَوْلُهُ (جَاءَ الْعَبَّاسُ) أَيْ غَضْبَانَ (وَكَأَنَّهُ سَمِعَ شَيْئًا) أَيْ مِنَ الطَّعْنِ فِي نَسَبِهِ أَوْ حَسَبِهِ (فَقَالَ مَنْ أَنَا) اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ عَلَى جِهَةِ التَّبْكِيتِ (فَقَالُوا أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ) فَلَمَّا كَانَ قَصْدُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانُ نَسَبِهِ وَهُمْ عَدَلُوا عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَلَمْ يَكُنِ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ الْمَبْنَى (قَالَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) يَعْنِي وَهُمَا مَعْرُوفَانِ عِنْدَ الْعَارِفِ الْمُنْتَسِبِ قَالَ الطيبي قوله فكأنه سمع مسيب عَنْ مَحْذُوفٍ أَيْ جَاءَ الْعَبَّاسُ غَضْبَانَ بِسَبَبِ مَا سَمِعَ طَعْنًا مِنَ الْكُفَّارِ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُ قَوْلِهِ تَعَالَى لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ من القريتين عظيم كَأَنَّهُمْ حَقَّرُوا شَأْنَهُ وَأَنَّ هَذَا الْأَمْرَ الْعَظِيمَ الشَّأْنَ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِمَنْ هُوَ عَظِيمٌ مِنْ إِحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ كَالْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ مَثَلًا فَأَقَرَّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيلِ التَّبْكِيتِ عَلَى مَا يَلْزَمُ تَعْظِيمُهُ وَتَفْخِيمُهُ فَإِنَّهُ الْأَوْلَى بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ نَسَبَهُ أَعْرَفُ وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا قَالُوا أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ رَدَّهُمْ بِقَوْلِهِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ [3606] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (أَخْبَرَنَا شَدَّادٌ أَبُو عَمَّارٍ) هُوَ شَدَّادُ بْنُ

عبد الله [3609] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعِ بْنِ الْوَلِيدِ الْبَغْدَادِيُّ) السَّكُونِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (مَتَى وَجَبَتْ لَكَ النُّبُوَّةُ) أَيْ ثَبَتَتْ (قَالَ وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ) أَيْ وَجَبَتْ لِي النُّبُوَّةُ وَالْحَالُ أَنَّ آدَمَ مَطْرُوحٌ عَلَى الْأَرْضِ صُورَةٌ بِلَا رُوحٍ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ قَبْلَ تَعَلُّقِ رُوحِهِ بِجَسَدِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ جَوَابٌ لِقَوْلِهِمْ مَتَى وَجَبَتْ أَيْ وَجَبَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَعَامِلُ الْحَالِ وَصَاحِبُهَا مَحْذُوفَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) ورواه بن سَعْدٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ مَيْسَرَةَ الفخر وبن سعد عن بن أبي الجدعاء والطبراني في الكبير عن بن عَبَّاسٍ بِلَفْظِ كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ والجسد كذا في الجامع الصغير قال القارىء في المرقاة وقال بن رَبِيعٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ فِي الدَّلَائِلِ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا كُنْتُ أَوَّلَ النَّبِيِّينَ فِي الْخَلْقِ وَآخِرَهُمْ فِي الْبَعْثِ وَأَمَّا مَا يَدُورُ عَلَى الْأَلْسِنَةِ بِلَفْظِ كُنْتُ نَبِيًّا وَآدَمُ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ فَقَالَ السَّخَاوِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فَضْلًا عَنْ زِيَادَةِ وَكُنْتُ نَبِيًّا وَلَا مَاءَ وَلَا طِينَ وَقَالَ الحافظ بن حَجَرٍ فِي بَعْضِ أَجْوِبَتِهِ إِنَّ الزِّيَادَةَ ضَعِيفَةٌ وَمَا قَبْلَهَا قَوِيٌّ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَا أَصْلَ لَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَكِنْ فِي التِّرْمِذِيِّ مَتَى كُنْتَ نَبِيًّا قَالَ وَآدَمُ بَيْنَ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ قال السيوطي وزاد العلوم وَلَا آدَمَ وَلَا مَاءَ وَلَا طِينَ وَلَا أَصْلَ لَهُ أَيْضًا انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ باب [3610] قوله (عن ليث) هو بن أَبِي سُلَيْمٍ قَوْلُهُ (إِذَا بُعِثُوا) أَيْ مِنْ قُبُورِهِمْ (وَأَنَا خَطِيبُهُمْ) أَيِ الْمُتَكَلِّمُ عَنْهُمْ (إِذَا وَفَدُوا) أَيْ إِذَا قَدِمُوا عَلَى اللَّهِ وَالْوَفْدُ جَمَاعَةٌ يَأْتُونَ الْمَلِكَ لِحَاجَتِهِ (وَأَنَا مُبَشِّرُهُمْ

أَيِ الْمُؤْمِنِينَ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ (إِذَا أَيِسُوا) أَيْ إِذَا غَلَبَ عَلَيْهِمُ الْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ (لِوَاءُ الْحَمْدِ يَوْمَئِذٍ بِيَدَيَّ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي آخِرِ تَفْسِيرِ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ (وَأَنَا أَكْرَمُ وَلَدِ آدَمَ عَلَى رَبِّي) إِخْبَارٌ بِمَا مَنَحَهُ مِنَ السُّؤْدُدِ وَتَحَدُّثٌ بِمَزِيدِ الْفَضْلِ وَالْإِكْرَامِ (وَلَا فَخْرَ) أَيْ أَنَّ هَذِهِ الْفَضِيلَةَ الَّتِي نِلْتُهَا كَرَامَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ أَنَلْهَا مِنْ قِبَلِ نَفْسِي وَلَا نِلْتهَا بِقُوَّتِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أَفْتَخِرَ بِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ [3611] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ أَبِي خَالِدٍ) هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّالَانِيُّ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ كَثِيرًا وَكَانَ يُدَلِّسُ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ) الْبَصْرِيِّ قَوْلُهُ (أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ) أَيْ لِلْبَعْثِ فَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَيْهِ بَعْثًا فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ (فَأُكْسَى) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَجْهُولِ أَيْ فَأُبْعَثُ فَأُكْسَى (لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ يَقُومُ ذَلِكَ الْمَقَامَ غَيْرِي) أَيْ هَذِهِ خِصِّيصَةٌ شَرَّفَنِي اللَّهُ بِهَا وَالْخَلَائِقُ جَمْعُ خَلْقٍ فيشمل الثقلين والملائكة باب [3612] قوله (حدثنا أَبُو عَاصِمٍ) اسْمُهُ ضَحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ النَّبِيلُ قَوْلُهُ (سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ) أَيِ الْمَذْكُورَةَ فِي دُعَاءِ الْأَذَانِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْوَسِيلَةُ فِي الْأَصْلِ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الشَّيْءِ وَيُتَقَرَّبُ بِهِ وَجَمْعُهَا وَسَائِلُ يُقَالُ وَسَلَ إِلَيْهِ وَسِيلَةً وَتَوَسَّلَ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْقُرْبُ مِنَ اللَّهِ

تَعَالَى وَقِيلَ هِيَ الشَّفَاعَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ هِيَ مَنْزِلَةٌ مِنْ مَنَازِلِ الْجَنَّةِ كَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ انْتَهَى قَالَ الطِّيبِيُّ وَإِنَّمَا طَلَبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أُمَّتِهِ الدُّعَاءَ لَهُ بِطَلَبِ الْوَسِيلَةِ افْتِقَارًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَضْمًا لِنَفْسِهِ أَوْ لِيَنْفَعَ أُمَّتَهُ وَيُثَابَ بِهِ أَوْ يَكُونَ إِرْشَادًا لَهُمْ فِي أَنْ يَطْلُبَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنْ صَاحِبِهِ الدُّعَاءَ لَهُ (قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَسِيلَةُ) أَيِ الْمَطْلُوبَةُ الْمَسْئُولَةُ قَالَ الطِّيبِيُّ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ نَفْعَلُ ذَلِكَ وَمَا الْوَسِيلَةُ (قَالَ أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ) أَيْ هِيَ أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ (لَا يَنَالُهَا) أَيْ لَا يُدْرِكُ تِلْكَ الدَّرَجَةَ الْعَالِيَةَ (إِلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ) أَبْهَمَهُ تَوَاضُعًا (أَرْجُو) أَيْ أُؤَمِّلُ (أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ) وَضَعَ الضَّمِيرَ الْمَرْفُوعَ أَعْنِي هُوَ مَوْضِعَ الْمَنْصُوبِ أَعْنِي إِيَّاهُ قَوْلُهُ (وَكَعْبٌ لَيْسَ هُوَ بِمَعْرُوفٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ كَعْبٌ الْمَدَنِيُّ أَبُو عَامِرٍ مَجْهُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ كَعْبٌ الْمَدَنِيُّ رَوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْهُ لَيْثُ بْنُ أبي سليم ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ كُنْيَتُهُ أَبُو عَامِرٍ أَخْرَجَ لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ في ذكر الوسيلة وبن مَاجَهْ حَدِيثَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُوعِ قَالَ الْحَافِظُ وَلَمَّا ذَكَرَهُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ قَالَ كَعْبٌ الْمَدَنِيُّ أَحَدُ الْمَجَاهِيلِ [3613] قَوْلُهُ (مَثَلِي) أَيْ صِفَتِي الْعَجِيبَةُ الشَّأْنِ (فَأَحْسَنَهَا) أَيْ أَحْسَنَ بِنَاءَهَا (وَأَكْمَلَهَا) أَيْ جَعَلَهَا كَامِلَةً (وَأَجْمَلَهَا) أَيْ حَسَّنَهَا وَزَيَّنَهَا (مَوْضِعَ لَبِنَةٍ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَاحِدَةُ اللَّبِنِ وَهُوَ مَا يُبْنَى بِهِ الْجِدَارُ وَيُقَالُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ (غَيْرُ فَخْرٍ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ قَوْلِي هَذَا لَيْسَ بِفَخْرٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا عَنْ جَابِرِ في باب مثل النبي والأنبياء

[3615] قوله أخبرنا سفيان هو بن عيينة عن بن جدعان هو علي بن ريد بْنِ جُدْعَانَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ الْعَبْدِيُّ الْعَوْفِيُّ قَوْلُهُ أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فخر أي ولا اقوله تفاخرا بل اعتداد بِفَضْلِهِ وَتَحَدُّثًا بِنِعْمَتِهِ وَتَبْلِيغًا لِمَا أُمِرْتُ بِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ وَلَا فَخْرَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ أَيْ أَقُولُ هَذَا وَلَا فَخْرَ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الْفَخْرُ ادِّعَاءُ الْعَظَمَةِ وَالْمُبَاهَاةِ بِالْأَشْيَاءِ الْخَارِجَةِ عَنِ الإنسان كالمال والجاه وما من نبي يؤمئذ آدم فمن سواء إلا تحت لوائي تقدم شرح هذا الْجُمْلَةِ فِي آخِرِ تَفْسِيرِ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُ وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مَعَ الْقِصَّةِ فِي آخِرِ تَفْسِيرِ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حسن وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ [3614] (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ البخاري (أخبرنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ) أَبُو عَبْدِ الرحمن المكي (أخبرنا حَيْوَةُ) بْنُ شُرَيْحِ بْنِ صَفْوَانَ التُّجِيبِيُّ الْمِصْرِيُّ (أَخْبَرَنَا كَعْبُ بْنُ عَلْقَمَةَ) بْنِ كَعْبٍ الْمِصْرِيُّ (سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ) الْمِصْرِيَّ الْمُؤَذِّنَ الْعَامِرِيَّ ثِقَةٌ عَارِفٌ بِالْفَرَائِضِ مِنَ الثَّالِثَةِ (سَمِعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ الْعَاصِ السَّهْمِيِّ قَوْلُهُ (فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ) أَيِ الْمُؤَذِّنُ وَهَذَا مَخْصُوصٌ بِحَدِيثِ عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ يَقُولُ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ (صَلُّوا عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (فَإِنَّهُ) الضمير لِلشَّأْنِ (صَلَاةً) أَيْ وَاحِدَةً (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا) أَيْ أَعْطَاهُ اللَّهُ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ عَشْرًا مِنَ الرَّحْمَةِ (ثُمَّ سَلُوا) أَيِ اللَّهَ تَعَالَى (فَإِنَّهَا) أَيِ الْوَسِيلَةَ (مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ) هِيَ أَعْلَى مَنَازِلِ الْجَنَّةِ (لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ) أَيْ لَا تَصْلُحُ وَلَا تَلِيقُ تِلْكَ الْمَنْزِلَةُ إِلَّا لِعَبْدٍ وَاحِدٍ (وَأَرْجُو) مِنَ الرَّجَاءِ وَهُوَ الْأَمَلُ (أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ) قِيلَ هُوَ خَبَرُ كَانَ وُضِعَ مَوْضِعَ إِيَّاهُ

وَالْجُمْلَةُ مِنْ بَابِ وَضْعِ الضَّمِيرِ مَوْضِعَ اسْمِ الْإِشَارَةِ أَيْ أَكُونَ ذَلِكَ الْعَبْدَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ أكون أَنَا مُبْتَدَأً لَا تَأْكِيدًا وَهُوَ خَبَرُهُ الْجُمْلَةُ خَبَرُ أَكُونَ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ عَلَى الْأَوَّلِ أَنَّ الضَّمِيرَ وَحْدَهُ وُضِعَ مَوْضِعَ اسْمِ الْإِشَارَةِ (حَلَّتْ عَلَيْهِ الشَّفَاعَةُ) أَيْ صَارَتْ حَلَالًا لَهُ غَيْرَ حَرَامٍ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ مُسْلِمٍ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ قَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ وَجَبَتْ وَقِيلَ نَالَتْهُ انتهى وقال القارىء وَقِيلَ مِنَ الْحُلُولِ بِمَعْنَى النُّزُولِ يَعْنِي اسْتَحَقَّ أَنْ أَشْفَعَ لَهُ مُجَازَاةً لِدُعَائِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ فِي هَذَا فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ بَابُ مَا يَقُولُ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ مِنَ الدُّعَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (قَالَ مُحَمَّدٌ) يَعْنِي الْإِمَامَ الْبُخَارِيَّ (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرٍ هَذَا قُرَشِيٌّ إِلَخْ) مَقْصُودُ التِّرْمِذِيِّ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرٍ الْمَذْكُورِ فِي السَّنَدِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ فَالْأَوَّلُ قُرَشِيٌّ مِصْرِيٌّ وَالثَّانِي شَامِيٌّ قَوْلُهُ (حدثنا سفيان) هو بن عيينة (عن بن جُدْعَانَ) هُوَ عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ (عَنْ أَبِي نَضْرَةَ) اسْمُهُ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قِطْعَةَ الْعَبْدِيُّ الْعَوْفِيُّ قَوْلُهُ (أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ) أَيْ وَلَا أَقُولُهُ تَفَاخُرًا بَلِ اعْتِدَادًا بِفَضْلِهِ وَتَحَدُّثًا بِنِعْمَتِهِ وَتَبْلِيغًا لِمَا أُمِرْتُ بِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ وَلَا فَخْرَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ أَيْ أَقُولُ هَذَا وَلَا فَخْرَ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الْفَخْرُ ادِّعَاءُ الْعَظَمَةِ وَالْمُبَاهَاةِ بِالْأَشْيَاءِ الْخَارِجَةِ عَنِ الْإِنْسَانِ كَالْمَالِ وَالْجَاهِ (وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي) تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي آخِرِ تَفْسِيرِ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مَعَ الْقِصَّةِ فِي آخِرِ تَفْسِيرِ سُورَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حسن) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ [3616] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ المجيد) الحنفي البصري (حدثنا زَمْعَةُ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمِيمِ (بْنُ صَالِحٍ) الْجَنَدِيُّ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالنُّونِ الْيَمَانِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ أَبُو وَهْبٍ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُهُ عِنْدَ مُسْلِمٍ مَقْرُونٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَبِالْهَاءِ وَالرَّاءِ الْيَمَانِيِّ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (فَخَرَجَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى إِذَا دَنَا) أَيْ قَرُبَ (سَمِعَهُمْ) حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ فِي دَنَا وَقَدْ مُقَدَّرَةٌ (يَتَذَاكَرُونَ) حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَنْصُوبِ فِي سمعهم كذا ذكره الطيبي قال القارىء وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ سَمِعَهُمْ جَوَابُ إِذَا (اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا (مَاذَا بِأَعْجَبَ مِنْ كَلَامِ مُوسَى) أَيِ اتِّخَاذُ اللَّهِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا لَيْسَ بِأَعْجَبَ مِنْ تَكْلِيمِهِ مُوسَى (كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا) كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وكلم الله موسى تكليما (فَعِيسَى كَلِمَةُ اللَّهِ) أَيْ أَثَرُ كَلِمَتِهِ كُنْ قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ فِي قَوْلِهِ فَعِيسَى جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِذَا ذَكَرْتُمُ الْخَلِيلَ فَاذْكُرُوا عيسى كقوله تعالى

فلم تقتلوهم أَيْ إِذَا افْتَخَرْتُمْ بِقَتْلِهِمْ فَإِنَّكُمْ لَمْ تَقْتُلُوهُمْ (وَرُوحُهُ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى بن مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَالْإِضَافَةُ فِي كَلِمَةِ اللَّهِ وَرُوحِهِ تَشْرِيفِيَّةٌ (آدَمُ اصْطَفَاهُ اللَّهُ) كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عمران على العالمين (فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ) أَيْ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ وَكَرَّرَهُ لِيُنِيطَ بِهِ غَيْرَ مَا أَنَاطَ بِهِ أَوَّلًا أَوْ يَكُونُ خَرَجَ أَوَّلًا مِنْ مَكَانٍ وَثَانِيًا مِنْهُ إِلَى آخَرَ (فَسَلَّمَ) أَيْ عَلَيْهِمْ (قَدْ سَمِعْتُ كَلَامَكُمْ وَعَجَبَكُمْ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ وَفَهِمْتُ تَعَجُّبَكُمْ فَهُوَ مِنْ بَابِ قَلَّدْتُ سَيْفًا وَرُمْحًا (وَهُوَ كَذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ اللَّهِ حَقٌّ وَصِدْقٌ (وَمُوسَى نَجِيُّ اللَّهِ) فَعِيلٌ مِنَ النَّجْوَى بِمَعْنَى الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ أَيْ كَلِيمُ اللَّهِ (أَلَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ جِيءَ بِهِ لِلتَّأْكِيدِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ (وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ) أَيْ مُحِبُّهُ وَمَحْبُوبُهُ قَالَ الطِّيبِيُّ قَرَّرَ أَوَّلًا مَا ذُكِرَ مِنْ فَضَائِلِهِمْ بِقَوْلِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ ثُمَّ نَبَّهَ عَلَى أَنَّهُ أَفْضَلُهُمْ وَأَكْمَلُهُمْ وَجَامِعٌ لِمَا كَانَ متفرقا فيهم في الحبيب خَلِيلٌ وَمُكَلَّمٌ وَمُشَرَّفٌ انْتَهَى (وَأَنَا حَامِلُ لِوَاءِ الْحَمْدِ) بِالْإِضَافَةِ (وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ التَّشْفِيعِ أَيْ مَقْبُولِ الشَّفَاعَةِ (وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُحَرِّكُ حَلَقَ الْجَنَّةِ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَيُكْسَرُ جَمْعُ حَلْقَةٍ (فَيَفْتَحُ اللَّهُ لِي) أَيْ بَابَهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ [3617] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبُو مَوْدُودٍ) اسْمُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ) الْإِسْرَائِيلِيِّ الْمَدَنِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ صَحَابِيٌّ صَغِيرٌ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْعِجْلِيُّ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ (قَالَ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ (مَكْتُوبٌ فِي التوراة) خبر مقدوم (صِفَةُ مُحَمَّدٍ) أَيْ نَعْتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

(وعيسى بن مَرْيَمَ يُدْفَنُ مَعَهُ) عَطْفٌ عَلَى الْمُبْتَدَأِ أَيْ فِي حَدِيثٍ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ وَمَكْتُوبٌ فِيهَا أَيْضًا أَنَّ عِيسَى يُدْفَنُ مَعَهُ فِيهِ أَنَّ عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَعْدَ نُزُولِهِ وَمَوْتِهِ يُدْفَنُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ قَالَ الْحَافِظُ لَا يَثْبُتُ أَنَّهَا اسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ عَاشَتْ بَعْدَهُ أَنْ تُدْفَنَ إِلَى جَانِبِهِ فَقَالَ لَهَا وَأَنَّى لَكَ بِذَلِكَ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إِلَّا قبري وقبر أبي بكر وعمر وعيسى بن مَرْيَمَ وَفِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ إِنَّ قُبُورَ الثَّلَاثَةِ فِي صِفَةِ بَيْتِ عَائِشَةَ وَهُنَاكَ مَوْضِعُ قَبْرٍ يُدْفَنُ فِيهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينزل عيسى بن مَرْيَمَ إِلَى الْأَرْضِ فَيَتَزَوَّجُ وَيُولَدُ لَهُ وَيَمْكُثُ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يَمُوتُ فَيُدْفَنُ مَعِي في قبري فأقوم أنا وعيسى بن مَرْيَمَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وعمر رواه بن الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ الْوَفَاءِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَلِيُّ الدين في المشكاة ولم أقف عن سَنَدِهِ (قَدْ بَقِيَ فِي الْبَيْتِ) أَيْ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (هَكَذَا قَالَ) هَذَا قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ وَضَمِيرُ قَالَ رَاجِعٌ إِلَى شيخه زيد أَخْزَمَ (عُثْمَانُ بْنُ الضَّحَّاكِ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ هَكَذَا (وَالْمَعْرُوفُ الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَدِينِيُّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عُثْمَانُ بْنُ الضَّحَّاكِ الْمَدَنِيُّ يُقَالُ هُوَ الْحِزَامِيُّ ضَعِيفٌ قَالَهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الصَّوَابُ ضَحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ يَعْنِي أَنَّهُ قَلْبٌ [3618] قَوْلُهُ (أَضَاءَ مِنْهَا) أَيْ أَشْرَقَ مِنَ الْمَدِينَةِ (كُلُّ شَيْءٍ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلُ أَضَاءَ وَهُوَ لَازِمٌ وَقَدْ يَتَعَدَّى (أَظْلَمَ) ضِدُّ أَضَاءَ (وَمَا نَفَضْنَا) مِنَ النَّفْضِ وَهُوَ تَحْرِيكُ الشَّيْءِ لِيَزُولَ مَا عَلَيْهِ مِنَ التُّرَابِ وَالْغُبَارِ وَنَحْوِهِمَا (وَإِنَّا لَفِي دَفْنِهِ) أَيْ مَشْغُولُونَ بَعْدُ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ (حَتَّى أَنْكَرْنَا قُلُوبَنَا) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ يُرِيدُ أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا قُلُوبَهُمْ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ الصَّفَاءِ وَالْأُلْفَةِ لِانْقِطَاعِ مَادَّةِ الْوَحْيِ وَفِقْدَانِ مَا كَانَ يَمُدُّهُمْ مِنَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ التَّأْيِيدِ وَالتَّعْلِيمِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُمْ

باب ما جاء في ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم

لَمْ يَجِدُوهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنَ التَّصْدِيقِ انْتَهَى وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ لَمْ يُرِدْ عَدَمَ التَّصْدِيقِ الْإِيمَانِيِّ بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ وِجْدَانِ النُّورَانِيَّةِ وَالصَّفَاءِ الَّذِي كَانَ حَاصِلًا مِنْ مُشَاهَدَتِهِ وَحُضُورِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِتَفَاوُتِ حَالِ الْحُضُورِ وَالْغَيْبَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ بِلَفْظِ مَا رَأَيْتُ يَوْمًا قَطُّ كَانَ أَحْسَنَ وَلَا أَضَوْءَ من يوم دخل علينا فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رَأَيْتُ يَوْمًا كَانَ أَقْبَحَ وَلَا أَظْلَمَ مِنْ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (باب ما جاء في مِيلَادِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ وَقْتِ وِلَادَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّلْقِيحِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ عَامَ الْفِيلِ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا مَضَى مِنْ ذَلِكَ لِوِلَادَتِهِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ وُلِدَ لِلَّيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْهُ وَالثَّانِي لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْهُ وَالثَّالِثُ لِعَشْرِ خَلَوْنَ مِنْهُ وَالرَّابِعُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْهُ انتهى [3619] قوله (حدثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ) بْنِ حَازِمٍ (سَمِعْتُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) هُوَ إِمَامُ الْمَغَازِي (عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَخْرَمَةَ) بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْمُطَّلِبِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ يقال له روية وَهُوَ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَاسْتَقْضَاهُ الْحَجَّاجُ عَلَى الْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَسَبْعِينَ (عَنْ جَدِّهِ) أَيْ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ صَحَابِيٌّ كَانَ أَحَدَ الْمُؤَلَّفَةِ ثُمَّ حَسُنَ إِسْلَامُهُ قَوْلُهُ (وُلِدْتُ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ الْمَجْهُولِ (عَامَ الْفِيلِ) أَيْ سَنَةَ إِهْلَاكِ أَصْحَابِهِ (قَالَ) أَيْ قَيْسُ بْنُ مَخْرَمَةَ (وَسَأَلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ) أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ذُو النُّورَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (قُبَاثَ) بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ وَخِفَّةِ بَاءٍ وَبِمُثَلَّثَةٍ وَقِيلَ بِفَتْحِ قَافٍ قَالَ كَذَا فِي الْمُغْنِي (بْنِ أَشْيَمَ) بمعجمة وتحتانية وزن أحمد بن عَامِرٍ الْكِنْدِيُّ اللَّيْثِيُّ صَحَابِيٌّ عَاشَ إِلَى أَيَّامِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ (فَقَالَ) أَيْ قُبَاثُ بْنُ أَشْيَمَ (وَأَنَا أَقْدَمُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (في الْمِيلَادِ) أَيْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ (قَالَ) أَيْ قُبَاثُ بن أشيم

باب ما جاء في بدء نبوة النبي

(وَرَأَيْتُ خَذْقَ الطَّيْرِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَسُكُونِ الذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَبِالْقَافِ أَيْ رَوْثَهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حِذْقَ الْفِيلِ (مُحِيلًا) بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْإِحَالَةِ أَيْ مُتَغَيِّرًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مُخْتَصَرًا (بَابُ ما جاء في بدء نبوة النَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3620] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ) السُّبَيْعِيُّ قَولُهُ (فِي أَشْيَاخٍ مِنْ قُرَيْشٍ) أَيْ فِي جُمْلَتِهِمْ وَالْمُرَادُ مِنْهُمْ أَكَابِرُهُمْ شَرَفًا أَوْ سِنًّا (فَلَمَّا أَشْرَفُوا) أَيْ طَلَعُوا (عَلَى الرَّاهِبِ) اسْمُهُ بُحَيْرًا بِضَمِّ البَاءِ وَفَتْحِ الحَاءِ مَمْدُودًا عَلَى الْمَشْهُورِ لَكِنْ ضَبَطَهُ الشَّيْخُ الجَزَرِيُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَيَاءٍ سَاكِنَةٍ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَأَلِفٍ مَقْصُورَةٍ وَهُوَ زَاهِدُ النَّصَارَى وَقَالَ الْمُظْهِرُ كَانَ أَعْلَمَ بِالنَّصْرَانِيَّةِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْجَزَرِيُّ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (هَبَطَ) مِنَ الْهُبُوطِ أَيْ نَزَلَ أَبُو طَالِبٍ وَمَنْ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُوَ بُصْرَى مِنْ بِلَادِ الشَّامِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُظْهِرُ وَفِي الْمِشْكَاةِ هَبَطُوا بِلَفْظِ الْجَمْعِ (فَحَلُّوا رِحَالَهُمْ) أَيْ فَتَحُوهَا (وَكَانُوا) أَيِ النَّاسُ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ (قَالَ) أَيْ أَبُو مُوسَى (فَجَعَلَ يَتَخَلَّلُهُمُ الرَّاهِبُ) أَيْ أَخَذَ يَمْشِي فِيمَا بَيْنَ الْقَومِ ويطلب في خلالهم شخصا (يبعثه لله) أَيْ يَجْعَلُهُ نَبِيًّا وَيُظْهِرُ رِسَالَتُهُ (مَا عِلْمُكَ) أَيْ مَا سَبَبُ عِلْمِكَ (إِلَّا خَرَّ) مِنَ الْخُرُورِ أَيْ سَقَطَ (وَإِنِّي أَعْرِفُهُ) أَيِ النَّبِيَّ أَيْضًا (بِخَاتَمِ النِّبُوَّةِ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَيُكْسَرُ (أَسْفَلَ) بِالنَّصْبِ أَيْ فِي مَكَانٍ أَسْفَلَ (مِنْ غُضْرُوفِ كَتِفِهِ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ بَيْنَهُمَا ضَادٌّ مُعْجَمَةٌ وَهُوَ رَأْسُ لَوْحِ الْكَتِفِ (مِثْلُ التُّفَّاحَةِ) قيل يروى

بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ بِالنَّصْبِ عَلَى إِضْمَارِ الْفِعْلِ وَيَجُوزُ الْجَرُّ عَلَى الْإِبْدَالِ دُونَ الصِّفَةِ لِأَنَّ مِثْلَهُ وَغَيْرَهُ لَا يَتَعَارَفَانِ با ضافة إِلَى الْمَعْرِفَةِ (ثُمَّ رَجَعَ) أَيِ الرَّاهِبُ مِنْ عِنْدِهِمْ (فَلَمَّا أَتَاهُمْ بِهِ) أَيْ بِالطَّعَامِ (فَكَانَ هُوَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي رِعْيَةِ الْإِبِلِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ أَيْ فِي رِعَايَتِهَا (فَقَالَ) أَيِ الرَّاهِبُ لَهُمْ (أَرْسِلُوا إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ يَدْعُوهُ لِلطَّعَامِ (وَعَلَيْهِ غَمَامَةٌ) أَيْ سَحَابَةٌ (تُظِلُّهُ) بِضَمِّ الْفَوْقِيَّةِ مِنَ الْإِظْلَالِ أَيْ تَجْعَلُهُ تَحْتَ ظِلِّهَا (وَجَدَهُمْ) أَيْ وَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَوْمَ (إِلَى فَيْءِ شَجَرَةٍ) أَيْ ظِلِّهَا (مَالَ فَيْءُ الشَّجَرَةِ عَلَيْهِ) أَيْ مَالَ ظِلُّهَا وَاقِعًا عَلَيْهِ (فَقَالَ) أَيِ الرَّاهِبُ (وَهُوَ يُنَاشِدُهُمْ) أَيْ يُقْسِمُ عَلَيْهِمْ قَالَ فِي النِّهَايَةَ يُقَالُ نَشَدْتُكَ اللَّهَ وَأَنْشُدُكَ اللَّهَ وَبِاللَّهِ وَنَاشَدْتُكَ اللَّهَ وَبِاللَّهِ أَيْ سَأَلْتُكَ وَأَقْسَمْتُ عَلَيْكَ وَنَشَدْتُهُ نَشْدَةً وَنُشْدَانًا وَمُنَاشَدَةً وَتَعْدِيَتُهُ إِلَى مَفْعُولَيْنِ إِمَّا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ دَعَوْتُ حَيْثُ قَالُوا نَشَدْتُكَ اللَّهَ وَبِاللَّهِ كَمَا قَالُوا دَعَوْتُ زَيْدًا أَوْ يَزِيدَ أَوْ لِأَنَّهُمْ ضَمَّنُوهُ مَعْنَى ذَكَرْتُ انْتَهَى (أَيُّكُمْ وَلِيُّهُ) أَيْ قَرِيبُهُ وَالْجُمْلَةُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ (قَالُوا أَبْو طَالِبٍ) أَيْ وَلِيُّهُ (فَلْم يَزَلْ) أَيِ الرَّاهِبُ (يُنَاشِدُهُ) أَيْ يُنَاشِدُ أَبَا طَالِبٍ وَيُطَالِبُ رَدَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الرُّومِ أَنْ يَقْتُلُوهُ فِي الشَّامِ وَيَقُولُ لِأَبِي طَالِبٍ بِاللَّهِ عَلَيْكَ أَنْ تَرُدَّ مُحَمَّدًا إِلَى مَكَّةَ وَتَحْفَظَهُ مِنَ الْعَدُوِّ (حَتَّى رَدَّهُ أَبُو طَالِبٍ) أَيْ إِلَى مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى (وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا) وَفِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ فَرَدَدْتُهُ مَعَ رِجَالٍ وَكَانَ فِيهِمْ بِلَالٌ أَخْرَجَهُ رُزَيْنٌ (وَزَوَّدَهُ الرَّاهِبُ مِنَ الْكَعْكِ) هُوَ الْخُبْزُ الْغَلِيظُ عَلَى مَا فِي الْأَزْهَارِ وَقِيلَ هُوَ خُبْزٌ يُعْمَلُ مُسْتَدِيرًا مِنَ الدَّقِيقِ وَالْحَلِيبِ وَالسُّكَّرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ الْوَاحِدَةُ كَعْكَةٌ وَالْجَمْعُ كَعْكَاتٌ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ هُوَ خُبْزٌ مَعْرُوفٌ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَالزَّيْتُ) أَيْ

باب ما جاء في مبعث النبي صلى الله عليه وسلم

لِإِدَامِ ذَلِكَ الْخُبْزِ وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ أَكْلِ الزَّيْتِ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي أَسِيدٍ مَرْفُوعًا كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ قَولُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قال الجزري إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح أَوْ أَحَدُهُمَا وَذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ وبِلَالٍ فِيهِ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَعَدَّهُ أَئِمَّتُنَا وَهْمًا وَهُوَ كَذَلِكَ فَإِنَّ سِنَّ النَّبِيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ ذاك اثنا عَشْرَةَ سَنَةٍ وَأَبُو بَكْرٍ أَصْغَرُ مِنْهُ بِسَنَتَيْنِ وَبِلَالٌ لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ انْتَهَى وَقَالَ فِي مِيْزَانِ الاعْتِدَالِ قِيْلَ مِمَّا يَدُلُ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْحَدِيْثِ قَوْلُهُ وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا وَبِلَالُ لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ صَبِيًّا انْتَهَى وَضَعَّفَ الذَّهَبِيُّ هَذَا الْحَدِيْثَ لِقَوْلِهِ وَبَعَثَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذْ ذاك ما اشترى بلالا وقال الحافظ بن حَجَرٍ فِي الْإِصَابَةِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَلَيْسَ فِيْهِ سِوَى هَذِهِ اللَّفْظَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا مُدْرَجَةٌ فِيهِ مُنْقَطِعَةٌ مِنْ حَدِيْثٍ آخَرٍ وَهْمًا مِنْ أَحَدِ رُوَاتِهِ كَذَا فِي الْمَوَاهِبِ اللَّدُنِيَّةِ وَقَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي زَادِ الْمَعَادِ ثُمَّ كَفَلَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ وَاسْتَمَرَّت كَفَالَتُهُ لَهُ فَلَمَّا بَلَغَ ثِنْتَيْ عَشَرَةَ سَنَةٍ خَرَجَ بِهِ عَمُّهُ إِلَى الشَّامِ وَقِيْلَ كَاْنَتْ سِنُّهُ تِسْعَ سِنِيْنَ وَفِي هذه الخرجة رآه بحير الرَّاهِبُ وَأَمَرَ عَمَّهُ أَنْ لَا يَقْدُمَ بِهِ إِلَى الشَّامِ خَوْفًا عَلَيْهِ مِنَ الْيَهُودِ فَبَعَثَهُ عَمُّهُ مَعَ بَعْضِ غِلْمَانِهِ إِلَى الْمَدِيْنَةِ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُ بِلَالًا وَهُوَ مِنَ الْغَلَطِ الْوَاضِحِ فَإِنَّ بِلَالًا إِذْ ذَاكَ لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا وَإِنْ كَانَ فَلَمْ يَكُنْ مَعَ عَمِّهِ وَلَا مَعَ أَبِي بَكَرٍ وَذَكَرَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يَقُلْ وَأَرسَلَ مَعَهُ عَمُّهُ بِلَالًا وَلَكِنْ قَالَ رَجُلًا انْتَهَى (بَاب مَا جَاءَ فِي مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وبن كَمْ كَانَ حِينَ بُعِثَ الْمَبْعَثُ مِنَ الْبَعْثِ وَأَصْلُهُ الْإِثَارَةُ وَيُطْلَقُ عَلَى التَّوْجِيهِ فِي أَمْرٍ مَا رِسَالَةً أَوْ حَاجَةً وَمِنْهُ بَعَثْتُ الْبَعِيرَ إِذَا أَثَرْتُهُ مِنْ مَكَانِهِ وَبَعَثْتُ الْعَسْكَرَ إِذَا وَجَّهْتُهُمْ لِلْقِتَالِ وَبَعَثْتُ النَّائِمَ مِنْ نَوْمِهِ إِذَا أَيْقَظْتُهُ وَالْمُرَادُ هُنَا الْإِرْسَالُ وَقَدْ أَطْبَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كان حيث بعث بن أَرْبَعِينَ سَنَةً [3621] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ البخاري (حدثنا بن أَبِي عَدِيٍّ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ (أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أي الوحي (وهو بن أَرْبَعِينَ) أَيْ سَنَةً وَكَانَ ابْتِدَاءُ

وَحْيِ الْيَقَظَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (فَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَمَكَثَ بِمَكَّةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً ثُمَّ أُمِرَ بِالْهِجْرَةِ فَهَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ الْحَافِظُ هَذَا أَصَحُّ مِمَّا رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عِمَادِ بْنِ أَبِي عماد عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِمَكَّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً (وَبِالْمَدِينَةِ عَشَرًا) أي عشر سنين وتوفي وهو بن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ إِحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وهو بن خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَالثَّالِثَةُ وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً وَقَدْ جَمَعَ النَّوَوِيُّ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ جَمْعًا حَسَنًا فَقَالَ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي الْبَابِ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ إِحْدَاهَا أَنَّهُ صَلَّى الله عليه وسلم توفي وهو بن سِتِّينَ سَنَةً وَالثَّانِيَةُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ وَالثَّالِثَةُ ثَلَاثٌ وستون وهي أصحها وأشهرها رواها مسلم ها هنا من رواية عائشة وأنس وبن عَبَّاسٍ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَصَحَّهَا ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ وَتَأَوَّلُوا الْبَاقِيَ فَرِوَايَةُ سِتِّينَ اقْتُصِرَ فِيهَا عَلَى الْعُقُودِ وَتُرِكَ الْكَسْرُ وَرِوَايَةُ الْخَمْسِ مُتَأَوَّلَةٌ أَيْضًا وَحَصَلَ فِيهَا اشْتِبَاهٌ وَقَدْ أَنْكَرَ عُرْوَةُ على بن عَبَّاسٍ قَوْلَهُ خَمْسٌ وَسِتُّونَ وَنَسَبَهُ إِلَى الْغَلَطِ وَأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَوَّلَ النُّبُوَّةِ وَلَا كَثُرَتْ صُحْبَتُهُ بِخِلَافِ الْبَاقِينَ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَبِمَكَّةَ قَبْلَ النُّبُوَّةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي قَدْرِ إِقَامَتِهِ بِمَكَّةَ بَعْدَ النُّبُوَّةِ وَقَبْلَ الْهِجْرَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا ثَلَاثَ عَشْرَةَ فَيَكُونُ عُمْرُهُ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ بُعِثَ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَحَكَى الْقَاضِي عياض عن بن عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ رِوَايَةً شَاذَّةً أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُعِثَ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَالصَّوَابُ أَرْبَعُونَ كَمَا سَبَقَ وَوُلِدَ عَامَ الْفِيلِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَقِيلَ بعد الفيل بثلاث سنة وَقِيلَ بِأَرْبَعِينَ سَنَةً وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَامِ الْفِيلِ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ وُلِدَ يَوْمَ الْاثْنَيْنِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَتُوُفِّيَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ وَاخْتَلَفُوا فِي يَوْمِ الْوِلَادَةِ هَلْ هُوَ ثَانِي الشَّهْرِ أَمْ ثَامِنُهُ أَمْ عَاشِرُهُ أَمْ ثاني عشر وَيَوْمُ الْوَفَاةِ ثَانِيَ عَشَرَهُ ضُحًى انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3622] قَوْلُهُ (قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بن خَمْسٍ وَسِتِّينَ سَنَةً) هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَحْمُولَةٌ عَلَى إِدْخَالِ سَنَةِ الْوِلَادَةِ وَسَنَةِ الْوَفَاةِ وَحِسْبَانِهِمَا

[3623] قَوْلُهُ (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ) التَّيْمِيِّ مَوْلَاهُمْ أَبِي عُثْمَانَ الْمَدَنِيِّ الْمَعْرُوفُ بِرَبِيعَةَ الرَّأْيِ وَاسْمُ أَبِيهِ فَرُّوخٌ ثِقَةٌ فَقِيهٌ مَشْهُورٌ قال بن سَعْدٍ كَانُوا يَتَّقُونَهُ لِمَوْضِعِ الرَّأْيِ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ) أَيِ الْمُفْرِطِ فِي الطُّولِ خَارِجًا عَنِ الِاعْتِدَالِ وَالْبَائِنُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ بَانَ إِذَا ظَهَر وَهَذَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِي قَدِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طُولٌ وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ كَانَ مَرْبُوعًا مائِلًا إِلَى الطولِ بالنِّسْبَةِ إِلَى الْقِصَرِ وَهُوَ الْمَمْدُوحُ (وَلَا بِالْأَبْيَضِ الْأَمْهَقِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وسكون الميم هو الكَرِيهُ الْبَيَاضِ كَلَوْنِ الْجِصِّ (وَلَا بِالْآدَمِ) مِنَ الأدمة بالضم بمعنى السمرة أي لَيْسَ بِأَسْمَرَ وَهَذَا يُعَارِضُ مَا فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ فِي بَابِ الْجُمَّةِ وَاتِّخَاذِ الشَّعْرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَسْمَرَ اللَّوْنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَنْفِيَّ إِنَّمَا هُوَ شِدَّةُ السُّمْرَةِ فَلَا يُنَافِي إِثْبَاتَ السُّمْرَةِ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ أَسْمَرَ اللَّوْنِ فِي الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ انْفَرَدَ بِهَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ وَرَوَاهُ عَنْهُ غَيْرُهُ مِنَ الرُّوَاةِ بِلَفْظِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ وَمَنْ رَوَى صِفَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ أَنَسٍ فَقَدْ وَصَفَهُ بِالْبَيَاضِ دونَ السُّمْرَةِ وَهُمْ خَمْسَةَ عشرة صَحَابِيًّا قَالَهُ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ وَحَاصِلُهُ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ الْبَيَاضِ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ وَمَزِيدِ الْوَثَاقَةِ وَلِهَذَا قَالَ بن الْجَوْزِيِّ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَصِحُّ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالسُّمْرَةِ الْحُمْرَةُ لِأَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُطْلِقُ عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ أَسْمَرُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ رِوَايَةُ الْبَيْهَقِيِّ كَانَ أَبْيَضَ بَيَاضُهُ إِلَى السُّمْرَةِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالسُّمْرَةِ حُمْرَةٌ تُخَالِطُ الْبَيَاضَ وَبِالْبَيَاضِ الْمُثْبَتِ فِي رِوَايَةِ مُعْظَمِ الصَّحَابَةِ مَا يُخَالِطُ الْحُمْرَةَ وآدم بمد الهمزة وأصله أدم بِهَمْزَتَيْنِ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلُ أُبْدِلَتِ الثَّانِيَةُ أَلِفًا (وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبِطِ الْجَعْدِ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَالْقَطَطُ بِفَتْحَتَيْنِ عَلَى الْأَشْهَرِ وَبِفَتْحٍ فَكَسْرٍ فِي الْمِصْبَاحِ جَعُدَ الشَّعْرُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا جُعُودَةً إِذَا كَانَ فِيهِ الْتِوَاءٌ وَانْقِبَاضٌ وَفِيهِ شَعْرٌ قَطَطٌ شَدِيدُ الْجُعُودَةِ وَفِي التَّهْذِيبِ الْقَطَطُ شَعْرُ الزِّنْجِ وَقَطَّ الشَّعْرُ يَقُطُّ مِنْ بَابِ رَدَّ وَفِي لُغَةٍ قَطِطَ مِنْ بَابِ تَعِبَ وَالسَّبط بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ أَوْ بِفَتْحَتَيْنِ أَوْ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فِي التَّهْذِيبِ سَبِطَ الشَّعْرُ سَبَطًا مِنْ بَابِ تَعِبَ فَهُوَ سَبِطٌ إِذَا كَانَ مُسْتَرْسِلًا وَسَبُطَ سُبُوطَةً فَهُوَ سَبْطٌ كَسَهُلَ سُهُولَةً فَهُوَ سَهْلٌ وَالْمُرَادُ أَنَّ شَعْرَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ نِهَايَةً فِي الْجُعُودَةِ وَلَا فِي السُّبُوطَةِ بَلْ كَانَ وَسَطًا بَيْنَهُمَا وَخَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا (فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ) قَالَ الْحَافِظُ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّهُ عَاشَ سِتِّينَ سَنَةً وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاشَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ لَا بُدَّ

باب ما جاء في ايات إثبات نبوة النبي

أَنْ يَكُونَ الصَّحِيحُ أَحَدَهُمَا وَجَمَعَ غَيْرُهُ بِإِلْغَاءِ الْكَسْرِ (وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ سِتِّينَ سَنَةً) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى إِلْغَاءِ الْكَسْرِ وَهُوَ مَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ (وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ) أَيْ بَلْ دُونَ ذَلِكَ وقد ذكر الحافظ في الفتح ها هنا رِوَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ فِي عِدَّةِ شَعَرَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبِيضِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لَا يَخْلُو عَنِ التَّكَلُّفِ وَالْأَمْرُ فِيهِ سَهْلٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ (بَاب ما جاء فِي آيَاتِ إِثْبَاتِ نُبُوَّةِ النَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم الخ [3624] قَوْلُهُ (كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ) أَيْ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَمَا فِي رِوَايَةٍ (لَيَالِيَ بُعِثْتُ) ظَرْفٌ لِقَوْلِهِ يُسَلِّمُ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي هَذَا إِثْبَاتُ التَّمْيِيزِ فِي بعْضِ الْجَمَادَاتِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْحِجَارَةِ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ الله وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسَبِّحُ حَقِيقَةً وَيَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ تَمْيِيزًا بِحَسْبِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ [3625] قَوْلُهُ (نَتَدَاوَلُ) يُقَالُ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي أَيْ تَنَاوَبَتْهُ يَعْنِي أَخَذَتْهُ هَذِهِ مَرَّةً وَهَذِهِ مَرَّةً وَالْمَعْنَى نَتَنَاوَبُ أَخْذَ الطَّعَامِ وَأَكْلَهُ (مِنْ قَصْعَةٍ) بِفَتْحِ الْقَافِ أَيْ مِنْ صَحْفَةٍ كَبِيرَةٍ (مِنْ غُدْوَةٍ) بِضَمٍّ فَسُكُونٍ

أَيْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ (تَقُومُ عَشَرَةٌ) تَفْسِيرٌ وَبَيَانٌ لِقَوْلِهِ نَتَدَاوَلُ أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنَ الْأَكْلِ مِنْهَا (وَتَقْعُدُ عَشَرَةٌ) أَيْ لِلتَّنَاوُلِ مِنْهَا (قُلْنَا) أَيْ لِسَمُرَةَ (فَمَا كَانَتْ تُمَدُّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِمْدَادِ أَيْ فَأَيُّ شَيْءٍ كَانَتِ الْقَصْعَةُ تُمَدُّ مِنْهُ وَتُزَادُ فِيهِ وَمِنْ أَيْنَ يَكْثُرُ الطَّعَامُ فِيهَا طُولَ النَّهَارِ وَفِي هَذَا السُّؤَالِ نَوْعٌ مِنَ التَّعَجُّبِ (قَالَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ تَعْجَبُ) أَيْ قَالَ سَمُرَةُ لِأَبِي الْعَلَاءِ لَا تَعْجَبْ (مَا كَانَتْ تُمَدُّ إِلَّا مِنْ ها هنا إِلَخْ) يَعْنِي لَا تَكُونُ كَثْرَةُ الطَّعَامِ فِيهَا إِلَّا مِنْ عَالَمِ الْعَلَاءِ بِنُزُولِ الْبَرَكَةِ فِيهَا مِنَ السَّمَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ باب [3626] قوله (أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ) هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ الْهَمْدَانِيُّ (عَنِ السُّدِّيِّ) هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ) وَيُقَالُ عَبَّادُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ مَجْهُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْهُ إِسْمَاعِيلُ السدي روى له الترمذي حديثا واحد وَاسْتَغْرَبَهُ يَعْنِي بِهِ هَذَا الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (فَخَرَجْنَا فِي بَعْضِ نَوَاحِيهَا) جَمْعُ نَاحِيَةٍ وَهِيَ الْجَانِبُ أَيْ فِي بَعْضِ جَوَانِبِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ (وَقَالُوا عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ) أَيْ بِزِيَادَةِ لَفْظِ أَبِي بَيْنَ عَبَّادِ بْنِ يَزِيدَ كَمَا قَالَ عَبَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْكَلَامَ لِأَنَّهُ يُقَالُ لِعَبَّادِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ عَبَّادُ بن يزيد أيضا كما عرفت

باب قوله خطب إلى لزق جذع

9 - (باب [3627] قَوْلُهُ (خَطَبَ إِلَى لِزْقِ جِذْعٍ)) اللِّزْقُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ الزَّايِ وَبِالْقَافِ قَالَ فِي الْمَجْمَعِ يُقَالُ دَارُهُ لِزْقَ دَارِ فُلَانِ أَيْ لَازِقَهُ وَلَاصِقَهُ انْتَهَى وَفِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ يُقَالُ فُلَانٌ لِزْقِي وَبِلِزْقِي وَلَزِيقِي أَيْ بِجَنْبِي انْتَهَى وَالْجِذْعُ بِكَسْرِ الْجِيمِ سَاقُ النَّخْلَةِ (فَحَنَّ الْجِذْعُ حَنِينَ النَّاقَةِ) أَيْ صَاتَ كَصَوْتِ النَّاقَةِ وَأَصْلُ الْحَنِينِ تَرْجِيعُ النَّاقَةِ صَوْتَهَا إِثْرَ وَلَدِهَا وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضمها إليه تأن أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يَسْكُنُ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ (فَمَسَّهُ فَسَكَتَ) وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ فَضَمَّهَا إِلَيْهِ كَمَا تقدم وفي حديث بن عُمَرَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي بَابِ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَالْتَزَمَهُ فَسَكَنَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُبَيٍّ وَجَابِرٍ إِلَخْ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُ أَحَادِيثِ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ فِي بَابِ الْخُطْبَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو عوانة وبن خُزَيْمَةَ وَأَبُو نُعَيْمٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ [3628] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ) بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ الْأَصْبَهَانِيِّ يُلَقَّبُ حَمْدَانُ ثِقَةٌ ثَبْتٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ سِمَاكِ) بْنِ حَرْبٍ (عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ) اسْمُهُ حُصَيْنُ بْنُ جُنْدُبِ بْنِ الْحَارِثِ قَوْلُهُ (بِمَ أَعْرِفُ) أَيْ مِنْ مُعْجِزَاتِكَ (إِنْ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ (دَعَوْتُ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ (هَذَا الْعِذْقَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الْعُرْجُونُ بِمَا فِيهِ مِنَ الشَّمَارِيخِ وَهُوَ لِلنَّخْلِ كَالْعُنْقُودِ لِلْعِنَبِ (تشهد) بِصِيغَةِ الْمُخَاطَبِ جَزَاءُ إِنْ وَالْمَعْنَى إِنْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ

هَذِهِ النَّخْلَةِ وَجَاءَنِي نَازِلًا مِنْهَا فَهَلْ أَنْتَ تَشْهَدُ بِأَنِّي نَبِيٌّ وَوَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ يَشْهَدُ بصيغة الغايب قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ إِنْ دَعَوْتُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ فِي أَكْثَرِ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِهَا بِفَتْحِهَا وَهُوَ الْأَظْهَرُ أَيْ بِأَنْ دَعَوْتُ هَذَا الْعِذْقَ مِنْ هَذِهِ النَّخْلَةِ يَشْهَدُ أَيْ حَالَ كَوْنِ الْعِذْقِ يَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ إِنْ دَعَوْتُ جَوَابٌ لِقَوْلِهِ بِمَا أَعْرِفُ أَيْ بِأَنِّي إِنْ دَعَوْتُهُ يَشْهَدُ انْتَهَى وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ يَشْهَدُ مجزوما بصيغة الغايب وَالْمَعْنَى تَعْرِفُ بِأَنِّي إِنْ دَعَوْتُهُ يَشْهَدُ وَقَالَ شارح إن للشرط ويشهد جزاءه أو للمصدرية ويشهد جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ انْتَهَى وَظَاهِرُهُ أَنْ يَكُونَ يَشْهَدُ عَلَى الْأَوَّلِ مُخَاطَبًا مَجْزُومًا كَمَا فِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ لِيَكُونَ جَوَابُ الْأَعْرَابِيِّ بِنَعَمْ مقدر أَوِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْتَظِرْ جَوَابَهُ إِذْ لَيْسَ لَهُ جَوَابٌ صَوَابٌ غَيْرُهُ انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَدَعَاهُ) أَيِ الْعِذْقَ (حَتَّى سَقَطَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ مُنْتَهِيًا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ قَالَ) أَيْ لِلْعِذْقِ (فَعَادَ) أَيْ رَجَعَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) فِي سَنَدِهِ شَرِيكٌ الْقَاضِي وَهُوَ صَدُوقٌ يُخْطِئُ كَثِيرًا تَغَيَّرَ حِفْظُهُ مُنْذُ وَلِيَ الْقَضَاءَ بالكوفة 0 - باب [3629] قوله (حدثنا أبو عاصم) هو النبيل (أخبرنا عَزْرَةُ بْنُ ثَابِتٍ) الْأَنْصَارِيُّ الْبَصْرِيُّ (حَدَّثَنَا عِلْبَاءُ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ وَمَدٌّ (بْنُ أَحْمَرَ) الْيَشْكُرِيُّ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْكَافِ بَصْرِيٌّ صَدُوقٌ مِنَ الْقُرَّاءِ مِنَ الرَّابِعَةِ (حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدِ بْنُ أَخْطَبَ) فِي التَّقْرِيبِ عَمْرُو بْنُ أَخْطَبَ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ نَزَلَ الْبَصْرَةَ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ قَوْلُهُ (إِنَّهُ) أَيْ أَبَا زَيْدٍ عَمْرَو بْنَ أَخْطَبَ (عَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً) أَيْ بِبَرَكَةِ دُعَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ إِلَّا شُعَيْرَاتٌ بِيضٌ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ ولفظه

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح وجه وَدَعَا لَهُ بِالْجَمَالِ قَالَ أَخْبَرَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ أَنَّهُ بَلَغَ بِضْعًا وَمِائَةَ سَنَةٍ أَسْوَدَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ إِلَّا نُبَذُ شَعْرٍ بِيضٌ فِي رَأْسِهِ 1 - باب [3630] قَوْلُهُ (قَالَ عَرَضْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ) أَيْ قَرَأْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْمَعُ (قَالَ أَبُو طَلْحَةَ) هُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيُّ زَوْجُ أُمِّ سَلِيمٍ وَالِدَةِ أَنَسٍ (لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ) فِيهِ الْعَمَلُ عَلَى الْقَرَائِنِ قَالَ الْقَسْطَلَّانِيُّ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ فِي صَوْتِهِ لَمَّا تَكَلَّمَ إِذْ ذَاكَ الْفَخَامَةَ الْمَأْلُوفَةَ مِنْهُ فَحَمَلَ ذَلِكَ عَلَى الْجُوعِ بِالْقَرِينَةِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى دَعْوَى بن حِبَّانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَجُوعُ مُحْتَجًّا بِحَدِيثِ أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى تَعَدُّدِ الْحَالِ فَكَانَ أَحْيَانًا يَجُوعُ لِيَتَأَسَّى بِهِ أَصْحَابُهُ وَلَا سِيَّمَا مَنْ لَا يَجِدُ مَدَدًا فَيَصْبِرُ فَيُضَاعَفُ أَجْرُهُ وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ يُحَدِّثُهُمْ وَقَدْ عَصَبَ بَطْنَهُ بِعِصَابَةٍ فَسَأَلْتُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَقَالُوا مِنَ الْجُوعِ فَذَهَبْتُ إِلَى أَبِي طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ فَدَخَلَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ (فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا) جَمْعُ قُرْصٍ وَهُوَ خُبْزٌ (خِمَارًا) بِكَسْرِ المعجمة أي نصيفا (ثم دسته) أي أخفته وَأَدْخَلَتْهُ تَقُولُ دَسَّ الشَّيْءَ يَدُسُّهُ دَسًّا إِذَا أَدْخَلَهُ فِي الشَّيْءِ بِقَهْرٍ وَقُوَّةٍ (فِي يَدِي) أي تحث إِبِطِي (وَرَدَّتْنِي بِبَعْضِهِ) أَيْ وَأَلْبَسَتْنِي بِبَعْضِ الْخِمَارِ يقال ردي الرجل أي ألبسه الرِّدَاءَ (قَالَ) أَيْ أَنَسٌ (فَذَهَبْتُ بِهِ) أَيْ بِالْخُبْزِ (إِلَيْهِ) أَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي الْمَسْجِدِ) أَيِ الْمَوْضِعِ الَّذِي هَيَّأَهُ لِلصَّلَاةِ فِي غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ (أَرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ) اسْتِفْهَامٌ اسْتِخْبَارِيٌّ (قُومُوا) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِمَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ اسْتَدْعَاهُ إِلَى مَنْزِلِهِ

فَلِذَلِكَ قَالَ لِمَنْ عِنْدَهُ قُومُوا وَأَوَّلُ الْكَلَامِ يَقْتَضِي أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَأَبَا طَلْحَةَ أَرْسَلَا الْخُبْزَ مَعَ أَنَسٍ فَيُجْمَعُ بِأَنَّهُمَا أَرَادَا بِإِرْسَالِ الْخُبْزِ مَعَ أَنَسٍ أَنْ يَأْخُذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَأْكُلَهُ فَلَمَّا وَصَلَ أَنَسٌ وَرَأَى كَثْرَةَ النَّاسِ حَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحْيَى وَظَهَرَ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَقُومَ مَعَهُ وَحْدَهُ إِلَى الْمَنْزِلِ فَيَحْصُلَ مَقْصُودُهُمْ مِنْ إِطْعَامِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ رَأْيِ مَنْ أَرْسَلَهُ عَهِدَ إِلَيْهِ إِذَا رَأَى كَثْرَةَ النَّاسِ أَنْ يَسْتَدْعِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ خَشْيَةَ أَنْ لَا يَكْفِيَهُمْ ذَلِكَ الشَّيْءُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ وَقَدْ عَرَفُوا إِيثَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَقَدْ وَجَدْتُ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ تَقْتَضِي أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ اسْتَدْعَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ فَفِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ بَعَثَنِي أَبُو طَلْحَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَدْعُوَهُ وَقَدْ جَعَلَ لَهُ طَعَامًا وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَنَسٍ أَمَرَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ أَنْ تَصْنَعَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ فَدَخَلَ أَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّي فَقَالَ هَلْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ نَعَمْ عِنْدِي كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ فَإِنْ جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ أَشْبَعْنَاهُ وَإِنْ جَاءَ أَحَدٌ مَعَهُ قَلَّ عَنْهُمْ وَجَمِيعُ ذَلِكَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَذَكَرَ الْحَافِظُ تِلْكَ الرِّوَايَاتِ (فَانْطَلَقُوا) وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ فَقَالَ لِلْقَوْمِ انْطَلِقُوا فَانْطَلَقُوا وَهُمْ ثَمَانُونَ رَجُلًا (فَأَخْبَرَتْهُ) أَيْ بِمَجِيئِهِمْ (وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ) أَيْ قَدْرَ مَا يَكْفِيهِمْ (قَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) أَيْ بِقَدْرِ الطَّعَامِ فَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمَصْلَحَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ بِالْمَصْلَحَةِ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ قَالَ الْحَافِظُ كَأَنَّهَا عَرَفَتْ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا لِيُظْهِرَ الْكَرَامَةَ فِي تَكْثِيرِ ذَلِكَ الطَّعَامِ وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى فِطْنَةِ أُمِّ سُلَيْمٍ وَرُجْحَانِ عَقْلِهَا وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَرْسَلْتُ أَنَسًا يَدْعُوكَ وَحْدَكَ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا مَا يُشْبِعُ مَنْ أَرَى فَقَالَ ادْخُلْ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُبَارِكُ فِيمَا عِنْدَكَ (حَتَّى دَخَلَا) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو طَلْحَةَ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ (هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ) أَيْ هَاتِ مَا عِنْدَكِ (فَفُتَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْفَتِّ وَهُوَ الدَّقُّ وَالْكَسْرُ بِالْأَصَابِعِ أَيْ كُسِرَ الْخُبْزُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَفُتَّتْ فَالضَّمِيرُ لِلْأَقْرَاصِ (وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ بِعُكَّةٍ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَتَشَدِيدِ الْكَافِ إِنَاءٌ مِنْ جِلْدٍ مُسْتَدِيرٌ يُجْعَلُ فِيهِ السَّمْنُ غَالِبًا وَالْعَسَلُ (فَآدَمَتْهُ) أَيْ صَيَّرَتْ مَا خَرَجَ مِنَ الْعُكَّةِ إِدَامًا لِلْمَفْتُوتِ وَفِي رِوَايَةِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ فَقَالَ هَلْ مِنْ سَمْنٍ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ قَدْ كَانَ فِي الْعُكَّةِ سَمْنٌ فَجَاءَ بِهَا فَجَعَلَا يَعْصِرَانِهَا حَتَّى

خَرَجَ ثُمَّ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ سَبَّابَتَهُ ثُمَّ مَسَحَ الْقُرْصَ فَانْتَفَخَ وَقَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَلَمْ يَزَلْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَالْقُرْصُ يَنْتَفِخُ حَتَّى رَأَيْتُ الْقُرْصَ فِي الْجَفْنَةِ يَتَمَيَّعُ وَفِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ فَمَسَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ وَفِي رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ فَجِئْتُ بِهَا فَفَتَحَ رِبَاطَهَا ثُمَّ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَعْظِمْ فِيهَا الْبَرَكَةَ وَعُرِفَ بِهَذَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَقَالَ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ (ثُمَّ قَالَ ائْذَنْ) أَيْ بِالدُّخُولِ (لِعَشَرَةٍ) أَيْ مِنْ أَصْحَابِهِ لِيَكُونَ أَوْفَقَ بِهِمْ فَإِنَّ الْإِنَاءَ الَّذِي فِيهِ الطَّعَامُ لَا يَتَحَلَّقُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ إِلَّا بِضَرَرٍ يَلْحَقُهُمْ لِبُعْدِهِ عَنْهُمْ وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى فَلَمَّا انْتَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْبَابِ فَقَالَ لَهُمُ اقْعُدُوا وَدَخَلَ وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ أَدْخِلْ عَلَيَّ ثَمَانِيَةً فَمَا زَالَ حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ رَجُلًا ثُمَّ دَعَانِي وَدَعَا أُمِّي وَأَبَا طَلْحَةَ فَأَكَلْنَا حَتَّى شَبِعْنَا قَالَ الْحَافِظُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَعَدُّدِ الْقِصَّةِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ فِيهَا أَنَّهُ أَدْخَلَهُمْ عَشَرَةً عَشَرَةً سِوَى هَذِهِ فَقَالَ إِنَّهُ أَدْخَلَهُمْ ثَمَانِيَةً ثَمَانِيَةً انْتَهَى (فَأَذِنَ) أَيْ أَبُو طَلْحَةَ فَدَخَلُوا (فَأَكَلُوا) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْخُبْزِ الْمَأْدُومِ بِالسَّمْنِ (ثُمَّ قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَلْحَةَ (ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ) أَيْ ثَانِيَةٍ (وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلًا) وَفِي رِوَايَةِ مُبَارَكِ بْنِ فَضَالَةَ حَتَّى أَكَلَ مِنْهُ بِضْعَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِثَمَانِينَ رَجُلًا ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَهْلُ الْبَيْتِ وَتَرَكُوا سَوْرًا أَيْ فَضْلًا وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ طَلْحَةَ وَأَفْضَلُ مَا بَلَغُوا جِيرَانَهُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ ثُمَّ أَخَذَ مَا بَقِيَ فَجَمَعَهُ ثُمَّ دَعَا فِيهِ بِالْبَرَكَةِ فَعَادَ كَمَا كَانَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم والنسائي باب [3631] قَوْلُهُ (وَحَانَتْ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ قَدْ قَرُبَتْ (وَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ طَلَبُوا

الْمَاءَ لِلْوُضُوءِ (فَأُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (قَالَ) أَيْ أَنَسٌ (يَنْبُعُ) بِتَثْلِيثِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يَفُورُ وَيَخْرُجُ (حتى توضؤوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ) قَالَ الْكِرْمَانِيُّ حَتَّى لِلتَّدْرِيجِ ومن لِلْبَيَانِ أَيْ تَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّأَ الَّذِينَ عِنْدَ آخِرِهِمْ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ جَمِيعِهِمْ قَالَ وَعِنْدَ بِمَعْنَى فِي لِأَنَّ عِنْدَ وَإِنْ كَانَتْ لِلظَّرْفِيَّةِ الْخَاصَّةِ لَكِنَّ الْمُبَالَغَةَ تَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ لِمُطْلَقِ الظَّرْفِيَّةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ الَّذِينَ هُمْ فِي آخِرِهِمْ وَقَالَ التَّيْمِيُّ الْمَعْنَى تَوَضَّأَ الْقَوْمُ حَتَّى وَصَلَتِ النَّوْبَةُ إِلَى الْآخِرِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ مِنْ هُنَا بِمَعْنَى إِلَى وَهِيَ لُغَةٌ وَتَعَقَّبَهُ الْكِرْمَانِيُّ بِأَنَّهَا شَاذَّةٌ قَالَ ثُمَّ إِنَّ إِلَى لَا يَجُوزُ أَنْ تَدْخُلَ عَلَى عِنْدَ وَيَلْزَمُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَا قَالَ التَّيْمِيُّ أَنْ لَا يَدْخُلَ الْأَخِيرُ لَكِنْ مَا قَالَهُ الْكِرْمَانِيُّ مِنْ أَنَّ إِلَى لَا تَدْخُلُ عَلَى عِنْدَ لَا يَلْزَمُ مِثْلُهُ فِي مِنْ إِذَا وَقَعَتْ بِمَعْنَى إِلَى وَعَلَى تَوْجِيهِ النَّوَوِيِّ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ زَائِدَةٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وبن مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فأخرجه أحمد والبخاري ومسلم وأما حديث بن مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَابَ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَنَسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطَّهَارَةِ وَفِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ وَمُسْلِمٌ في الفضائل والنسائي في الطهارة 2 - باب [3632] قَوْلُهُ (أَوَّلُ مَا ابْتُدِئَ بِهِ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الِابْتِدَاءِ (مِنَ النُّبُوَّةِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ في باب بدأ الْوَحْيِ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ فِي النَّوْمِ (حِينَ أَرَادَ اللَّهُ كَرَامَتَهُ) أَيْ إِكْرَامَهُ فِي مُخْتَارِ الصِّحَاحِ التَّكْرِيمُ وَالْإِكْرَامُ بِمَعْنًى وَالِاسْمُ مِنْهُ الْكَرَامَةُ (أَنْ لَا يَرَى شَيْئًا) أَيْ مِنَ الرُّؤْيَا (إِلَّا جَاءَتْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا أَنَّثَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الرُّؤْيَا (كَفَلَقِ الصُّبْحِ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَاللَّامِ أَيْ جَاءَتْ مَجِيئًا مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ وَالْمُرَادُ بِهِ ضِيَاؤُهُ وَنُورُهُ وَعَبَّرَ بِهِ لِأَنَّ

شَمْسَ النُّبُوَّةِ قَدْ كَانَتْ مَبَادِئُ أَنْوَارِهَا الرُّؤْيَا إِلَى أَنْ ظَهَرَتْ أَشِعَّتُهَا وَتَمَّ نُورُهَا (وَحُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلْوَةُ) لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْبَاعِثِ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَوْ لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ بَاعِثِ الْبَشَرِ أَوْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ وَحْيِ الْإِلْهَامِ وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الْخَلْوَةَ فَرَاغُ الْقَلْبِ لِمَا يَتَوَجَّهُ لَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والنسائي 3 - باب [3633] قوله (عن منصور) هو بن الْمُعْتَمِرِ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النَّخَعِيِّ (عَنْ عَلْقَمَةَ) بْنِ قَيْسٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (تَعُدُّونَ الْآيَاتِ) أَيِ الْأُمُورَ الْخَارِقَةَ لِلْعَادَاتِ أَيِ الْآيَاتِ كُلَّهَا (عَذَابًا) أَيْ مُطْلَقًا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا قَالَ الْحَافِظُ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ عَدَّ جَمِيعِ الْخَوَارِقِ تَخْوِيفًا وَإِلَّا فَلَيْسَ جَمِيعُ الْخَوَارِقِ بَرَكَةً فَإِنَّ التَّحْقِيقَ يَقْتَضِي عَدَّ بَعْضِهَا بَرَكَةً مِنَ اللَّهِ كَشِبَعِ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ مِنَ الطَّعَامِ الْقَلِيلِ وَبَعْضُهَا بِتَخْوِيفٍ مِنَ اللَّهِ كَكُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ وَكَأَنَّ الْقَوْمَ الَّذِينَ خَاطَبَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِذَلِكَ تَمَسَّكُوا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا نُرْسِلُ بالايات إلا تخويفا (وَإِنَّا كُنَّا نَعُدُّهَا) أَيِ الْآيَاتِ (بَرَكَةً) أَيْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى (وَنَحْنُ نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ) أي في حالة الأكل (قال) أي بن مسعود (وأتى) بضم الهمزة بالبناء المفعول (بِإِنَاءٍ) أَيْ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ (فَوَضَعَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَنْبُعُ) بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتُفْتَحُ وَتُكْسَرُ أَيْ يَخْرُجُ مِثْلَ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْعَيْنِ (مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ) أَيْ مِنْ نَفْسِ لَحْمِهِ الْكَائِنِ بَيْنَ أَصَابِعِهِ أَوْ مِنْ بَيْنِهِمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى رُؤْيَةِ الرَّائِي وَهُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لِلْبَرَكَةِ الْحَاصِلَةِ فِيهِ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَّ عَلَى الْوَضُوءِ الْمُبَارَكِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي يُتَوَضَّأُ بِهِ أَيْ هَلُمُّوا إِلَى الْمَاءِ مِثْلَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ والمراد الفعل أي توضؤوا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ

باب ما جاء كيف كان ينزل الوحي على النبي

كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ فَقَالَ اطْلُبُوا فضلة من ماء فجاؤوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ (وَالْبَرَكَةُ مِنَ السَّمَاءِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ قَالَ الْحَافِظُ الْبَرَكَةُ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِيجَادَ مِنَ اللَّهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 4 - (بَاب مَا جَاءَ كَيْفَ كَانَ يَنْزِلُ الْوَحْيُ عَلَى النَّبِيِّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ الْإِعْلَامُ فِي خَفَاءٍ وَفِي اصْطِلَاحِ الشَّرْعِ إِعْلَامُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْبِيَاءَهُ الشَّيْءَ إِمَّا بِكِتَابٍ أَوْ بِرِسَالَةِ مَلَكٍ أَوْ مَنَامٍ أَوْ إلهام وقد يجيء بمعنى الأمر نحو وإذ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي وبمعنى التسخير نحو وأوحى ربك إلى النحل أَيْ سَخَّرَهَا لِهَذَا الْفِعْلِ وَهُوَ اتِّخَاذُهَا مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا إِلَى آخِرِهِ وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِالْإِلْهَامِ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِهِ هِدَايَتُهَا لِذَلِكَ وإلا فالإلهام حقيقة إنما يكون لعاقل والإشارة نَحْوُ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُوحَى كَالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ مِنْ إِطْلَاقِ الْمَصْدَرِ عَلَى الْمَفْعُولِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إن هو إلا وحي يوحى قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَقَعُ الْوَحْيُ عَلَى الْكِتَابَةِ وَالْإِشَارَةِ وَالرِّسَالَةِ وَالْإِلْهَامِ وَالْكَلَامِ الْخَفِيِّ يُقَالُ وَحَيْتُ إِلَيْهِ الْكَلَامَ وَأَوْحَيْتُ انْتَهَى [3634] قَوْلُهُ (أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِ) بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ وَهُوَ أَخُو أَبِي جَهْلٍ شَقِيقُهُ وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ اسْتُشْهِدَ بِالشِّامِ فِي خِلَافَةِ عمر (سأل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَائِشَةُ حَضَرَتْ ذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ مُسْنَدِهَا وَأَنْ يَكُونَ الْحَارِثُ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ مُرْسَلِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ مَحْكُومٌ بِوَصْلِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ صِفَةَ الْوَحْيِ نَفْسِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ صِفَةَ حَامِلِهِ أَوْ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَإِسْنَادُ الْإِتْيَانِ إِلَى الْوَحْيِ مَجَازٌ لِأَنَّ الْإِتْيَانَ حَقِيقَةٌ مِنْ وَصْفِ حَامِلِهِ (أَحْيَانًا) جَمْعُ حِينَ يُطْلَقُ عَلَى كَثِيرِ الْوَقْتِ وَقَلِيلِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مُجَرَّدُ الْوَقْتِ أَيْ أَوْقَاتًا وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ وَعَامِلُهُ يَأْتِينِي مُؤَخَّرٌ عَنْهُ (يَأْتِينِي مِثْلَ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ) أَيْ يَأْتِينِي الْوَحْيُ إِتْيَانًا مِثْلَ صَوْتِ الْجَرَسِ أو مشابها

باب ما جاء في صفة النبي صلى الله عليه وسلم

صَوْتُهُ لِصَوْتِ الْجَرَسِ وَالصَّلْصَلَةُ بِمُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا لَامٌ سَاكِنَةٌ فِي الْأَصْلِ صَوْتُ وُقُوعِ الْحَدِيدِ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ صَوْتٍ لَهُ طَنِينٌ وَقِيلَ هُوَ صَوْتٌ مُتَدَارَكٌ لَا يُدْرَكُ فِي أَوَّلِ وَهْلَةٍ وَالْجَرَسُ بِفَتْحِ الجيم والمهملة الجلجل الذي يعلق في رؤوس الدَّوَابِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْجَرَسِ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ الْحِسُّ قِيلَ وَالصَّلْصَلَةُ الْمَذْكُورَةُ صَوْتُ الْمَلَكِ بِالْوَحْيِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ أَنَّهُ صَوْتٌ مُتَدَارَكٌ يَسْمَعُهُ وَلَا يَتَبَيَّنُهُ أَوَّلَ مَا يَسْمَعُهُ حَتَّى يَفْهَمَهُ بَعْدُ وَقِيلَ صَوْتٌ خَفِيفٌ لِأَجْنِحَةِ الْمَلَكِ وَالْحِكْمَةُ فِي تَقَدُّمِهِ أَنْ يَقْرَعَ سَمْعَهُ الْوَحْيُ فَلَا يَبْقَى فِيهِ مُتَّسَعٌ لِغَيْرِهِ (وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ) أَيْ هَذَا الْقِسْمُ مِنَ الْوَحْيِ أَشَدُّ أَقْسَامِهِ عَلَى فَهْمِ الْمَقْصُودِ لِأَنَّ الْفَهْمَ مِنْ كَلَامٍ مِثْلَ الصَّلْصَلَةِ أَشْكَلُ مِنَ الْفَهْمِ مِنْ كَلَامِ الرَّجُلِ بِالتَّخَاطُبِ الْمَعْهُودِ وَفَائِدَةُ هَذِهِ الشِّدَّةِ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمَشَقَّةِ مِنْ زِيَادَةِ الزُّلْفَى وَرَفْعِ الدَّرَجَاتِ (يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلًا) التَّمَثُّلُ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمَثَلِ أَيْ يَتَصَوَّرُ وَالْلَّامُ فِي الْمَلَكِ لِلْعَهْدِ وَهُوَ جِبْرَائِيلُ وَرَجُلًا مَنْصُوبٌ بِالْمَصْدَرِيَّةِ أَيْ يَتَمَثَّلُ مِثْلَ رَجُلٍ أَوْ بِالتَّمْيِيزِ أَوْ بِالْحَالِ وَالتَّقْدِيرُ هَيْئَةَ رَجُلٍ (فَأَعِيَ مَا يَقُولُ) مِنَ الْوَعْيِ أَيْ فَأَحْفَظُ الْقَوْلَ الَّذِي يَقُولُهُ (فَيَفْصِمُ عَنْهُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ يُقْلِعُ وَيَنْجَلِي مَا يَغْشَاهُ وَأَصْلُ الْفَصْمِ الْقَطْعُ وَمِنْهُ قَولُهُ تَعَالَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَقِيلَ الْفَصْمُ بِالْفَاءِ الْقَطْعُ بِلَا إِبَانَةٍ وَبِالْقَافِ الْقَطْعُ بِإِبَانَةٍ فَذَكَرَ بِالْفَصْمِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْمَلَكَ فَارَقَهُ لِيَعُودَ وَالْجَامِعُ بَيْنَهُمَا بَقَاءُ الْعَلَقَةِ (وِإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ) بِالْفَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ لَيَسِيلُ (عَرَقًا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ مِنْ كَثْرَةِ مُعَانَاةِ التَّعَبِ وَالْكَرْبِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ إِذْ أنه أمر طارىء زَائِدٌ عَلَى الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 5 - (بَاب مَا جَاءَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ خَلْقِهِ وَخُلُقِهِ [3635] قَوْلُهُ (عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ مَا رَأَيْتُ مِنْ ذِي لِمَّةٍ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي الثَّوْبِ الْأَحْمَرِ لِلرِّجَالِ مِنْ أَبْوَابِ اللِّبَاسِ

16 - باب [3636] قوله (حدثنا حميد بن عبد الرحمن) بن حميد الرؤاسي (حدثنا زهير) بن معاوية بن حديج (سأل رجل البراء) أي بن عَازِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيَّ الْأَوْسِيَّ صحابي بن صَحَابِيٍّ نَزَلَ الْكُوفَةَ اسْتُصْغِرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ هو وبن عُمَرَ لِدَةً مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ (أَكَانَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ السَّيْفِ قَالَ لَا مِثْلَ الْقَمَرِ) كَأَنَّ السَّائِلَ أَرَادَ أَنَّهُ مِثْلُ السَّيْفِ فِي الطُّولِ فَرَدَّ عَلَيْهِ الْبَرَاءُ فَقَالَ بَلْ مِثْلُ الْقَمَرِ أَيْ فِي التَّدْوِيرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مِثْلَ السَّيْفِ فِي اللَّمَعَانِ وَالصِّقَالِ فَقَالَ بَلْ فَوْقَ ذَلِكَ وَعَدَلَ إِلَى الْقَمَرِ لِجَمْعِهِ الصِّفَتَيْنِ مِنَ التَّدْوِيرِ وَاللَّمَعَانِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لَهُ أَكَانَ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ السَّيْفِ قَالَ لَا بَلْ مِثْلَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ مُسْتَدِيرًا وَإِنَّمَا قَالَ مُسْتَدِيرًا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَ الصِّفَتَيْنِ لِأَنَّ قَوْلَهُ مِثْلَ السَّيْفِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الطُّولَ أَوِ اللَّمَعَانَ فَرَدَّهُ الْمَسْئُولُ رَدًّا بَلِيغًا وَلَمَّا جَرَى التَّعَارُفُ فِي أَنَّ التَّشْبِيهَ بِالشَّمْسِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ غَالِبًا الْإِشْرَاقُ وَالتَّشْبِيهُ بِالْقَمَرِ إِنَّمَا يُرَادُ بِهِ الْمَلَاحَةُ دُونَ غَيْرِهِمَا أَتَى بِقَوْلِهِ وَكَانَ مُسْتَدِيرًا إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّشْبِيهَ بِالصِّفَتَيْنِ مَعًا الْحُسْنِ وَالِاسْتِدَارَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 7 - باب [3637] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْبُخَارِيُّ (أَخْبَرَنَا الْمَسْعُودِيِّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ

عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ هُرْمُزَ) وَيُقَالُ اسْمُ أَبِيهِ عَبْدُ اللَّهِ فِيهِ لِينٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالطَّوِيلِ) أَيِ الْمُفْرِطِ فِي الطُّولِ (وَلَا بِالْقَصِيرِ) زَادَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ إِلَى الطُّولِ أَقْرَبُ وَعَنْ عَائِشَةَ لَمْ يَكُنْ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلَا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ وَكَانَ ينسب إلى الرابعة إِذَا مَشَى وَحْدَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى حَالٍ يُمَاشِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُنْسَبُ إِلَى الطُّولِ إِلَّا طَالَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَرُبَّمَا اكْتَنَفَهُ الرَّجُلَانِ الطَّوِيلَانِ فَيَطُولَهُمَا فَإِذَا فَارَقَاهُ نُسِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الربعة رواه بن عَسَاكِرَ وَالْبَيْهَقِيُّ (شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالنُّونِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ أَنَّهُمَا يَمِيلَانِ إِلَى الْغِلَظِ وَالْقِصَرِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي فِي أَنَامِلِهِ غِلَظٌ بِلَا قِصَرٍ وَيُحْمَدُ ذَلِكَ فِي الرِّجَالِ لِأَنَّهُ أَشَدُّ لِقَبْضِهِمْ وَيُذَمُّ فِي النِّسَاءِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ شَثِنَتْ كفه كفرح وكرم شثنا وشثونة وخشنت وَغَلُظَتْ فَهُوَ شَثْنُ الْأَصَابِعِ بِالْفَتْحِ فَإِنْ قُلْتَ هَذَا يُخَالِفُ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلَا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ قِيلَ اللِّينُ فِي الْجِلْدِ وَالْغِلَظُ فِي الْعِظَامِ فَيَجْتَمِعُ لَهُ نُعُومَةُ الْبَدَنِ مَعَ الْقُوَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَرْدَفَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ فِي سَفَرٍ فَمَا مَسِسْتُ شَيْئًا قَطُّ أَلْيَنَ مِنْ جِلْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ضَخْمَ الرَّأْسِ) أَيْ عَظِيمَهُ (ضخم الكراديس) هي رؤوس الْعِظَامِ واحِدُهَا كُرْدُوسٌ وَقِيلَ هِيَ مُلْتَقَى كُلِّ عَظْمَيْنِ ضَخْمَيْنِ كَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ أَرَادَ أَنَّهُ ضَخْمُ الْأَعْضَاءِ (طَوِيلَ الْمَسْرُبَةِ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ وَضَمِّ الرَّاءِ الشَّعْرُ الْمُسْتَدَقُّ الَّذِي يَأْخُذُ مِنَ الصَّدْرِ إِلَى السُّرَّةِ (تَكَفَّا تَكَفِّيًا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ تَمَايَلَ إِلَى قُدَّامَ هَكَذَا رُوِيَ غَيْرَ مَهْمُوزٍ وَالْأَصْلُ الْهَمْزُ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ مَهْمُوزًا لِأَنَّ مَصْدَرَ تَفَعَّلَ مِنَ الصَّحِيحِ تَفَعُّلَ كَتَقَدَّمَ تَقَدُّمًا وَتَكَفَّأَ تَكَفُّأً وَالْهَمْزَةُ حَرْفٌ صَحِيحٌ فَأَمَّا إِذَا اعْتَلَّ انْكَسَرَتْ عَيْنُ الْمُسْتَقْبَلِ مِنْهُ نَحْوُ تَحَفَّى تَحَفِّيًا وَتَسَمَّى تَسَمِّيًا فَإِذَا خُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ الْتَحَقَتْ بِالْمُعْتَلِّ وَصَارَ تَكَفِّيًا بِالْكَسْرِ انْتَهَى مَا فِي النِّهَايَةِ (كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَيْ يَسْقُطُ (مِنْ صَبَبٍ) أَيْ مَوْضِعٍ مُنْحَدِرٍ مِنَ الْأَرْضِ قَالَ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ الصَّبَبُ الْحُدُورُ وَمَا يَنْحَدِرُ مِنَ الْأَرْضِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَمْشِي مَشْيًا قَوِيًّا وَيَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ رَفْعًا بَائِنًا لَا كَمَنْ يَمْشِي اخْتِيَالًا وَيُقَارِبُ خُطَاهُ تَنَعُّمًا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (لَمْ أَرَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ مَوْتِهِ لِأَنَّ عَلِيًّا لَمْ يُدْرِكْ زَمَانًا قَبْلَ وُجُودِهِ (وَلَا بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ في مسند علي

18 - باب [3638] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي حَلِيمَةَ) الْقَصْرِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَوْلَى غُفْرَةَ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ (حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيُّ صَدُوقٌ مِنَ الْخَامِسَةِ وَأَبُوهُ مُحَمَّدٌ هُوَ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلُهُ (إِذَا وَصَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ ذَكَرَ صِفَتُهُ مِنْ جِهَةِ خَلْقِهِ (قَالَ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْمُمَّغِطِ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنَ الْانْمِغَاطِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ الثَّانِيَةِ الْمُتَنَاهِي فِي الطُّولِ مِنَ امَّغَطَ النَّهَارُ إِذَا امْتَدَّ وَمَغَطْتُ الْحَبْلَ وَغَيْرَهُ إِذَا مَدَدْتُهُ وَأَصْلُهُ مُنْمَغِطٌ وَالنُّونُ لِلْمُطَاوَعَةِ فَقُلِبَتْ مِيمًا وَأُدْغِمَتْ فِي الْمِيمِ وَيُقَالُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ بِمَعْنَاهُ (وَلَا بِالْقَصِيرِ الْمُتَرَدِّدِ) أَيِ الْمُتَنَاهِي فِي الْقِصَرِ كَأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَعْضُ خَلْقِهِ عَلَى بَعْضٍ وَانْضَمَّ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ وَتَدَاخَلَتْ أَجْزَاؤُهُ (وَكَانَ رَبْعَةً) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ وَقَدْ يُحَرَّكُ أَيْ مُتَوَسِّطًا (مِنَ الْقَوْمِ) أَيْ مِمَّا بَيْنَ أَفْرَادِهِمْ فَهُوَ فِي الْمَعْنَى تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ وَمَنْ وَصَفَهُ بِالرَّبْعَةِ أَرَادَ التَّقْرِيبَ لَا التَّحْدِيدَ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ كَانَ يَضْرِبُ إِلَى الطُّولِ كما في خبر بن أُبَيٍّ حَالَةَ كَانَ أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ (وَلَمْ يَكُنْ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلَا بِالسَّبْطِ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا (كَانَ جَعْدًا رَجِلًا) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَيُفْتَحُ وَيُسَكَّنُ أَيْ لَمْ يَكُنْ شَعْرُهُ شَدِيدَ الْجُعُودَةِ وَلَا شَدِيدَ السُّبُوطَةِ بَلْ بَيْنَهُمَا (وَلَمْ يَكُنْ بِالْمُطَهَّمِ) بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ الْمَفْتُوحَةِ أَيِ الْمُنْتَفِخِ الْوَجْهِ وَقِيلَ الْفَاحِشُ السِّمَنِ وَقِيلَ النَّحِيفُ الْجِسْمِ وَهُوَ مِنَ الْأَضْدَادِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (وَلَا بِالْمُكَلْثَمِ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْكَلْثَمَةِ وَهُوَ اجْتِمَاعُ لَحْمِ الْوَجْهِ بِلَا جُهُومَةٍ كَذَا فِي الْقَامُوسِ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هُوَ مِنَ الْوُجُوهِ الْقَصِيرِ الْحَنَكِ الدَّنِيِّ الْجَبْهَةِ الْمُسْتَدِيرِ مَعَ خِفَّةِ اللَّحْمِ أَرَادَ أَنَّهُ كَانَ أَسِيلَ الْوَجْهِ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَدِيرًا انْتَهَى وَقَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَدِيرًا كَامِلًا بَلْ كَانَ فِيهِ تَدْوِيرٌ مَا (وَكَانَ فِي

الْوَجْهِ تَدْوِيرٌ) أَيْ نَوْعُ تَدْوِيرٍ أَوْ تَدْوِيرٌ مَا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ الْإِسَالَةِ وَالِاسْتِدَارَةِ (أَبْيَضُ) أَيْ هُوَ أَبْيَضُ اللَّوْنِ (مُشْرَبٌ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْإِشْرَابِ أَيْ مَخْلُوطٌ بِحُمْرَةٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْإِشْرَابُ خَلْطُ لَوْنٍ بِلَوْنٍ كَأَنَّ أَحَدَ اللَّوْنَيْنِ سَقَى اللَّوْنَ الْآخَرَ يُقَالُ بَيَاضٌ مشرب حمرة بالتخفيف وَإِذَا شُدِّدَ كَانَ لِلتَّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَلَيْسَ بِالْأَبْيَضِ لِأَنَّ الْبَيَاضَ الْمُثْبَتَ مَا خَالَطَهُ حُمْرَةٌ وَالْمَنْفِيُّ مَا لَا يُخَالِطُهَا وَهُوَ الَّذِي تَكْرَهُهُ الْعَرَبُ (أدعج العينين) الدعج والدعجة السوداء فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِهَا يُرِيدُ أَنَّ سَوَادَ عَيْنَيْهِ كَانَ شَدِيدَ السَّوَادِ وَقِيلَ الدَّعَجُ شِدَّةُ سَوَادِ الْعَيْنِ فِي شِدَّةِ بَيَاضِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ (أَهْدَبَ الْأَشْفَارِ) بِفَتْحِ الْهَمْزِ جَمْعُ الشُّفْرِ بِالضَّمِّ وَهُوَ الْجَفْنُ أَيْ طَوِيلُ شَعْرِ الْأَجْفَانِ فَفِيهِ حَذْفُ مُضَافٍ لِأَنَّ الْأَشْفَارَ هِيَ الْأَجْفَانُ الَّتِي تَنْبُتُ عَلَيْهَا الْأَهْدَابُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَمَّى النَّابِتَ بِاسْمِ الْمَنْبَتِ لِلْمُلَابَسَةِ (جَلِيلَ الْمُشَاشِ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَخِفَّةِ الشِّينِ فِي الْقَامُوسِ الْمُشَاشَةُ بِالضَّمِّ رَأْسُ الْعَظْمِ الْمُمْكِنُ الْمَضْغِ جَمْعُهَا مُشَاشٌ انْتَهَى وَفِي النهاية أي عظيم رؤوس الْعِظَامِ كَالْمِرْفَقَيْنِ وَالْكَتِفَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ (وَالْكَتَدِ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا مُجْتَمِعُ الْكَتِفَيْنِ وَهُوَ الْكَاهِلُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمُشَاشِ (أَجْرَدُ) هُوَ الَّذِي لَيْسَ عَلَى بَدَنِهِ شَعْرٌ وَلَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ أَنَّ الشَّعْرَ كَانَ فِي أَمَاكِنَ مِنْ بَدَنِهِ كَالْمَسْرُبَةِ وَالسَّاعِدَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ فَإِنَّ ضِدَّ الْأَجْرَدِ الْأَشْعَرُ وَهُوَ الَّذِي عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ شَعْرٌ (إِذَا مَشَى تَقَلَّعَ) أَرَادَ قُوَّةَ مَشْيِهِ كَأَنَّهُ يَرْفَعُ رِجْلَيْهِ مِنَ الْأَرْضِ رَفْعًا قَوِيًّا وَهِيَ مِشْيَةُ أَهْلِ الْجَلَادَةِ وَالْهِمَّةِ لَا كَمَنْ يَمْشِي اخْتِيَالًا وَيُقَارِبُ خُطَاهُ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ مَشْيِ النِّسَاءِ وَيُوصَفْنَ بِهِ (وَإِذَا الْتَفَتَ) أَيْ أَرَادَ الِالْتِفَاتَ إِلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ (الْتَفَتَ مَعًا) أَيْ بِكُلِّيَّتِهِ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يُسَارِقُ النَّظَرَ وَقِيلَ أَرَادَ لَا يَلْوِي عُنُقَهُ يَمْنَةً وَلَا يَسْرَةً إِذَا نَظَرَ إِلَى الشَّيْءِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الطَّائِشُ الْخَفِيفُ وَلَكِنْ كَانَ يُقْبِلُ جَمِيعًا أَوْ يُدْبِرُ جَمِيعًا قَالَهُ الْجَزَرِيُّ وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى الشَّيْءِ تَوَجَّهَ بكليته ولا يخالف ببعض جسده بعضا كيلا يُخَالِفَ بَدَنُهُ قَلْبَهُ وَقَصْدُهُ مَقْصِدَهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ التَّلَوُّنِ وَآثَارِ الْخِفَّةِ (بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ) سَيَأْتِي إِيضَاحُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي بَابِ خَاتَمِ النُّبُوَّةِ (أَجْوَدَ النَّاسِ صَدْرًا) إِمَّا مِنَ الْجَوْدَةِ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِمَعْنَى السَّعَةِ وَالِانْفِسَاحِ أَيْ أَوْسَعُهُمْ قَلْبًا فَلَا يَمَلُّ وَلَا يَنْزَجِرُ مِنْ أَذَى الْأُمَّةِ وَمِنْ جَفَاءِ الْأَعْرَابِ وَإِمَّا مِنَ الْجُودِ بِالضَّمِّ بِمَعْنَى الْإِعْطَاءِ ضِدُّ الْبُخْلِ أَيْ لَا يَبْخَلُ عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا مِنْ زَخَارِفِ الدُّنْيَا وَلَا مِنَ الْعُلُومِ وَالْحَقَائِقِ وَالْمَعَارِفِ الَّتِي فِي صَدْرِهِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ أَسْخَى النَّاسِ قَلْبًا (وَأَصْدَقَ النَّاسِ لَهْجَةً) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ الْهَاءِ وَيُفْتَحُ أَيْ لِسَانًا وَقَوْلًا (وَأَلْيَنَهُمْ عَرِيكَةً) الْعَرِيكَةُ الطَّبِيعَةُ يُقَالُ فُلَانٌ لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ إِذَا كَانَ سَلِسًا مِطْوَاعًا مُنْقَادًا قَلِيلَ الْخِلَافِ وَالنُّفُورِ (وأكرمهم

عِشْرَةً) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ مُعَاشَرَةً وَمُصَاحَبَةً (مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً) أَيْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَوْ فُجَاءَةً وَبَغْتَةً (هَابَهُ) أَيْ خَافَهُ وَقَارًا وَهَيْبَةً مِنْ هَابَ الشَّيْءَ إِذَا خَافَهُ وَوَقَّرَهُ وَعَظَّمَهُ (وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ) أَيْ بِحُسْنِ خُلُقِهِ وَشَمَائِلِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّ مَنْ لَقِيَهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ بِهِ وَالْمَعْرِفَةِ إِلَيْهِ هَابَهُ لِوَقَارِهِ وَسُكُونِهِ فَإِذَا جَالَسَهُ وَخَالَطَهُ بَانَ لَهُ حُسْنُ خُلُقِهِ فَأَحَبَّهُ حُبًّا بَلِيغًا (يَقُولُ نَاعِتُهُ) أَيْ وَاصِفُهُ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ وَصْفِهِ (مَثَلُهُ) أَيْ مَنْ يُسَاوِيهِ صُورَةً وَسِيرَةً وَخُلُقًا وَخَلْقًا قَوْلُهُ (لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ) لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمَّدٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَدِّهِ عَلِيٍّ (سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ) هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قَرِيبِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَصْمَعَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَاهِلِيُّ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ سُنِّيٌّ مِنَ التَّاسِعَةِ قَالَ الْحَرْبِيُّ كَانَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِنْ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ إِلَّا أَرْبَعَةً فَإِنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَ سُنَّةٍ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ وَالْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَيُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ وَالْأَصْمَعِيُّ وَقَالَ الْمُبَرِّدُ كَانَ الْأَصْمَعِيُّ بَحْرًا فِي اللُّغَةِ وَكَانَ دُونَ أَبِي زَيْدٍ فِي النَّحْوِ قَالَهُ الْحَافِظُ (يَقُولُ فِي تَفْسِيرِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ اللُّغَاتِ الْوَاقِعَةِ فِي الْأَخْبَارِ الْوَارِدَةِ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا فِي خُصُوصِ هَذَا الْخَبَرِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي تَفْسِيرِ صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُونَ أَنْ يَقُولَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ (الْمُمَّغِطُ الذَّاهِبُ طُولًا) أَيِ الذَّاهِبُ طُولُهُ فَطُولًا تَمْيِيزٌ مُحَوَّلٌ عَنِ الْفَاعِلِ وَأَصْلُ الْمُمَّغِطِ مِنْ مَغَطْتُ الْحَبْلَ فَانْمَغَطَ أَيْ مَدَدْتُهُ فَامْتَدَّ (قَالَ) أَيِ الْأَصْمَعِيُّ (وَسَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا) هَذَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ (يَقُولُ فِي كَلَامِهِ) أَيْ فِي أَثْنَائِهِ (تَمَغَّطَ فِي نُشَّابَتِهِ أَيْ مَدَّهَا إِلَخْ) النُّشَّابَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَمُوَحَّدَةٍ وَبِتَاءِ التَّأْنِيثِ وَدُونَهَا السَّهْمُ وَإِضَافَةُ الْمَدِّ إِلَيْهَا مَجَازٌ لِأَنَّهَا لَا تُمَدُّ وَإِنَّمَا يُمَدُّ وَتَرُ الْقَوْسِ وَاعْتُرِضَ عَلَى الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ لَفْظُ التَّمَغُّطِ حَتَّى يَتَعَرَّضَ لَهُ هُنَا وَإِنَّمَا فِيهِ لَفْظُ الْانْمِغَاطِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ تَوْضِيحِ الشَّيْءِ بِتَوْضِيحِ نَظِيرِهِ (وَأَمَّا الْمُتَرَدِّدُ فَالدَّاخِلُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ قِصَرًا) بِكَسْرٍ فَفَتْحٍ (وَالرَّجُلُ الَّذِي فِي شَعْرِهِ حُجُونَةٌ) بِمُهْمَلَةٍ فَجِيمٍ فِي الْقَامُوسِ حَجَنَ الْعُودَ يَحْجِنُهُ عَطَفَهُ فَالْحَجُونَةُ الِانْعِطَافُ (أَيْ يَنْحَنِي قَلِيلًا) هذا

باب في كلام النبي صلى الله عليه وسلم

تَفْسِيرٌ لِكَلَامِ الْأَصْمَعِيِّ مِنْ أَبِي عِيسَى أَوْ أَبِي جَعْفَرٍ (وَهُوَ الْكَاهِلُ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَهُوَ مُقَدَّمُ أَعْلَى الظَّهْرِ مِمَّا يَلِي الْعُنُقَ وَهُوَ الثُّلُثُ الْأَعْلَى مِمَّا يَلِي الظَّهْرَ وَفِيهِ سِتُّ فَقَرَاتٍ (وَالصَّبَبُ الْحَدُورُ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ الْمَكَانُ الْمُنْحَدِرُ لَا بِضَمِّهَا لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ (انْحَدَرْنَا مِنْ صَبُوبٍ وَصَبَبٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ فِيهِمَا وَكُلٌّ مِنْهُمَا بِمَعْنَى الْمَكَانِ الْمُنْحَدِرِ وَأَمَّا الصُّبُوبُ بِضَمِّ الصَّادِ فَهُوَ مَصْدَرٌ كَالْحُدُورِ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ جَمْعُ صَبَبٍ أَيْضًا فَتَصِحُّ إِرَادَتُهُ هُنَا لِأَنَّهُ يُقَالُ انْحَدَرْنَا فِي صُبُوبٍ بِالضَّمِّ أَيْ فِي أَمْكِنَةٍ مُنْحَدِرَةٍ (جَلِيلُ الْمُشَاشِ يُرِيدُ رؤوس الْمَنَاكِبِ) أَيْ وَنَحْوَهُمَا كَالْمِرْفَقَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ إِذِ الْمُشَاشُ رؤوس العظام أو العظام اللينة فتفسيرها برؤوس الْمَنَاكِبِ فِيهِ قُصُورٍ 9 - (بَاب فِي كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [3639] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ الْأَسْوَدِ) بْنِ الْأَشْقَرِ الْبَصْرِيُّ أَبُو الْأَسْوَدِ الْكَرَابِيسِيُّ صَدُوقٌ يَهِمُ قَلِيلًا مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ) هُوَ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ قَوْلُهُ (مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْرُدُ) بِضَمِّ الرَّاءِ مِنَ السَّرْدِ وهو لإتيان بِالْكَلَامِ عَلَى الْوَلَاءِ وَالِاسْتِعْجَالُ فِيهِ (سَرْدَكُمْ) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ أَيْ كَسَرْدِكُمْ وَالْمَعْنَى لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتَابِعُ الْحَدِيثَ اسْتِعْجَالًا بَعْضَهُ إِثْرَ بَعْضٍ لِئَلَّا يَلْتَبِسَ على المستمع زاد الاسماعيلي من رواية بن الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ إِنَّمَا كَانَ حَدِيثُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فصلا فَهْمًا تَفْهَمُهُ الْقُلُوبُ كَذَا فِي الْفَتْحِ (يُبَيِّنُهُ) صِفَةٌ لِكَلَامٍ أَيْ كَانَ يَتَكَلَّمُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلَامٍ يُوَضِّحُهُ (فَصْلٍ) صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِكَلَامٍ أَيْ بَيِّنٌ ظَاهِرٌ يَكُونُ بَيْنَ أَجْزَائِهِ فَصْلٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تعليقا

20 - باب [3640] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الذُّهْلِيُّ (عَنْ ثُمَامَةُ) بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ قَوْلُهُ (يُعِيدُ الْكَلِمَةَ) الْمُرَادُ بِهَا مَا يَشْمَلُ الْجُمْلَةَ وَالْجُمَلَ وَجُزْءَ الْجُمْلَةِ (ثَلَاثًا) مَعْمُولٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ يَتَكَلَّمُ بِهَا ثَلَاثًا لِأَنَّ الْإِعَادَةَ كَانَتْ ثِنْتَيْنِ وَالتَّكَلُّمُ كَانَ ثَلَاثًا وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِيُعِيدَ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ لَوْ كَانَتْ ثَلَاثًا لَكَانَ التَّكَلُّمُ أَرْبَعًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يُكَرِّرُ الْكَلَامَ ثَلَاثًا إِذَا اقْتَضَى الْمَقَامُ ذَلِكَ لِصُعُوبَةِ الْمَعْنَى أَوْ غَرَابَتِهِ أَوْ كَثْرَةِ السَّامِعِينَ لَا دَائِمًا فَإِنَّ تَكْرِيرَ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِتَكْرِيرِهِ لَيْسَ مِنَ الْبَلَاغَةِ كَذَا فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ لِلْبَيْجُورِيِّ (لِتُعْقَلَ عَنْهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ لِتُفْهَمَ تِلْكَ الْكَلِمَةُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الحاكم 1 - باب [3641] قَوْلُهُ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ) بْنِ مُعَيْقِيبٍ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْقَافِ وَالْمُوَحَّدَةِ مُصَغَّرًا كُنْيَتُهُ أَبُو المغيرة السبأي بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَقْصُورَةٌ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جُزْءٍ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا همزة أضبيدي بِضَمِّ الزَّايِ صَحَابِيٌّ كُنْيَتُهُ أَبُو الْحَارِثِ سَكَنَ مِصْرَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِهَا مِنْ الصَّحَابَةِ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَالثَّانِي أَصَحُّ قَوْلُهُ (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْثَرَ تَبَسُّمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ لِأَنَّ شَأْنَ الكمل إظهار

باب ما جاء في خاتم النبوة

الِانْبِسَاطِ وَالْبِشْرِ لِمَنْ يُرِيدُونَ تَأَلُّفَهُ وَاسْتِعْطَافَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ [3642] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ الْخَلَّالُ) بِالْمُعْجَمَةِ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَغْدَادِيُّ الْفَقِيهُ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ) السَّيلَحِينِيُّ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ) هُوَ أَبُو رَجَاءٍ الْمِصْرِيُّ قَوْلُهُ (مَا كَانَ ضَحِكُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تَبَسُّمًا) أَيْ لَا يَزِيدُ عَلَى التَّبَسُّمِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ التَّبَسُّمُ مَبَادِي الضَّحِكِ وَالضَّحِكُ انْبِسَاطُ الْوَجْهِ حَتَّى تَظْهَرَ الْأَسْنَانُ مِنَ السُّرُورِ فَإِنْ كَانَ بِصَوْتٍ وَكَانَ بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْ بُعْدٍ فَهُوَ الْقَهْقَهَةُ وَإِلَّا فَهُوَ الضَّحِكُ وَإِنْ كَانَ بِلَا صَوْتٍ فَهُوَ التَّبَسُّمُ وَتُسَمَّى الْأَسْنَانُ فِي مُقَدَّمِ الْفَمِ الضَّوَاحِكُ وَهِيَ الثَّنَايَا وَالْأَنْيَابُ وَمَا يَلِيهَا وَتُسَمَّى النَّوَاجِذُ وَهَذَا الْحَصْرُ إِضَافِيٌّ أَيْ بِالنِّسْبَةِ لِلْغَالِبِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ أَحْيَانًا حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ إِلَّا أن يحمل على المبالغة 2 - (بَابُ مَا جَاءَ فِي خَاتَمِ النُّبُوَّةِ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَيْ فَاعِلُ الْخَتْمِ وَهُوَ الْإِتْمَامُ وَالْبُلُوغُ إِلَى الْآخِرِ وَبِفَتْحِ التَّاءِ بِمَعْنَى الطَّابِعِ وَمَعْنَاهُ الشَّيْءُ الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ وَقَالَ الْقَاضِي الْبَيْضَاوِيُّ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ أَثَرٌ بَيْنَ كَتِفَيْهِ نُعِتَ بِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَكَانَ عَلَامَةً يُعْلَمُ بِهَا أَنَّهُ النَّبِيُّ الْمَوْعُودُ وَصِيَانَةً لِنُبُوَّتِهِ عَنْ تَطَرُّقِ الْقَدْحِ إِلَيْهَا صِيَانَةَ الشَّيْءِ الْمُسْتَوْثَقِ بِالْخَتْمِ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ وَهَلْ وُلِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ أَوْ وُضِعَ حِينَ وُلِدَ أَوْ عِنْدَ شق صدره أو حين نبىء أَقْوَالٌ قَالَ الْحَافِظُ أَثْبَتُهَا الثَّالِثُ وَبِهِ جَزَمَ عِيَاضٌ [3643] قَوْلُهُ (عَنِ الْجَعْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ أَوْسٍ وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ وَقَدْ يصغر ثقة من

الخامسة قوله (إن بن أُخْتِي) اسْمُهَا عُلْيَةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ بِنْتُ شُرَيْحٍ أُخْتُ مَخْرَمَةَ بْنِ شُرَيْحٍ (وَجِعَ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ مَرِيضٌ وَجَاءَ بِلَفْظِ الْفِعْلِ الْمَاضِي مُبَيِّنًا لِلْفَاعِلِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَكِي رِجْلَهُ كَمَا ثَبَتَ فِي غَيْرِ هَذَا الطَّرِيقِ (فَمَسَحَ بِرَأْسِي) الْبَاءُ زَائِدَةٌ قَالَ عَطَاءٌ مَوْلَى السَّائِبِ كَانَ مُقَدَّمُ رَأْسِ السَّائِبِ أَسْوَدَ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي مَسَحَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَأْسِهِ وَشَابَ مَا سِوَى ذَلِكَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَغَوِيُّ ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (مِنْ وَضُوئِهِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ مِنَ الْمَاءِ الْمُتَقَاطِرِ مِنْ أَعْضَائِهِ الْمُقَدَّسَةِ (فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ إِلَى خَاتَمِ النُّبُوَّةِ بَيْنَ (كَتِفَيْهِ) وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ كَانَ إِلَى جِهَةِ كَتِفِهِ الْيُسْرَى (مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ) الزِّرُّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَالْحَجَلَةِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ وَاحِدَةُ الحجال قال الجذري فِي النِّهَايَةِ الزِّرُّ وَاحِدُ الْأَزْرَارِ الَّتِي يُشَدُّ بِهَا الْكَلَلُ وَالسُّتُورُ عَلَى مَا يَكُونُ فِي حَجَلَةِ الْعَرُوسِ وَقِيلَ إِنَّمَا هُوَ بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ عَلَى الزَّايِ وَيُرِيدُ بِالْحَجَلَةِ الْقَبَجَةَ مَأْخُوذٌ مِنْ أرزت الْجَرَادَةُ إِذَا كَبَسَتْ ذَنَبَهَا فِي الْأَرْضِ فَبَاضَتْ وَيَشْهَدُ لَهُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَكَانَ خَاتَمَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْهِ غُدَّةً حَمْرَاءَ مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ انتهى وقال في مادة الْحَجَلَةُ بِالتَّحْرِيكِ بَيْتٌ كَالْقُبَّةِ يُسْتَرُ بِالثِّيَابِ وَتَكُونُ لَهُ أَزْرَارٌ كِبَارٌ وَتُجْمَعُ عَلَى حِجَالٍ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ زِرُّ الْحَجَلَةِ بِزَايٍ ثُمَّ رَاءٍ وَالْحَجَلَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَالْمُرَادُ بِالْحَجَلَةِ وَاحِدَةُ الْحِجَالِ وَهِيَ بَيْتٌ كَالْقُبَّةِ لَهَا أَزْرَارٌ كِبَارٌ وَعُرًى هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ بَعْضُهُمُ الْمُرَادُ بِالْحَجَلَةِ الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ وَزِرُّهَا بَيْضَتُهَا وَأَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَرُوِيَ أَيْضًا بِتَقْدِيمِ الرَّاءِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ الْبَيضَ يقال أرزت الْجَرَادَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّايِ إِذَا كَبَسَتْ ذَنَبَهَا فِي الْأَرْضِ فَبَاضَتْ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَلْمَانَ وَقُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ الْمُزَنِيِّ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي رِمْثَةَ وَبُرَيْدَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسٍ وَعَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ وَأَبِي سَعِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ سَلْمَانَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَأَمَّا حَدِيثُ قُرَّةَ بْنِ إِيَاسٍ فَأَخْرَجَهُ أحمد

باب في صفة النبي صلى الله عليه وسلم

وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي رِمْثَةَ وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُمَا أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الطَّهَارَةِ وَفِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الطِّبِّ وَفِي الدَّعَوَاتِ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّسَائِيُّ فِي الطِّبِّ [3644] قوله (حدثنا أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ) بْنُ سَيَّارٍ السُّحَيْمِيُّ بِمُهْمَلَتَيْنِ مُصَغَّرٌ أَبُو سُلَيْمَانَ الْيَمَامِيُّ ثُمَّ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (غُدَّةً) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ لَحْمٌ يَحْدُثُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ يَتَحَرَّكُ بِالتَّحْرِيكِ وَقِيلَ هِيَ كُلُّ عُقْدَةٍ تَكُونُ فِي الْجَسَدِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ كَانَ شَبِيهًا بِالْغُدَّةِ (حَمْرَاءَ) أَيْ مَائِلًا إِلَى الْحُمْرَةِ (مِثْلَ بَيْضَةِ الْحَمَامَةِ) أَيْ مُدَوَّرًا وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده قال القارىء أَيْ يُشْبِهُ لَوْنُهُ لَوْنَ سَائِرِ أَعْضَائِهِ وَالْمَعْنَى لَمْ يُخَالِفْ لَوْنُهُ لَوْنَ بَشَرَتِهِ وَفِيهِ نَفْيُ الْبَرَصِ قَالَ الْبَيْجُورِيُّ فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ لَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ بَلْ ولا غيرها من الروايات كرواية بن حِبَّانَ كَبَيْضَةِ نَعَامَةٍ وَرِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ كَالتُّفَّاحَةِ وَرِوَايَةِ بن عَسَاكِرَ كَالْبُنْدُقَةِ وَرِوَايَةِ مُسْلِمٍ جُمْعٌ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْمِيمِ عَلَيْهِ خِيلَانٌ كَأَنَّهَا الثَّآلِيلُ وَفِي صَحِيحِ الْحَاكِمِ شَعْرٌ مُجْتَمِعٌ لِرُجُوعِ اخْتِلَافِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ إِلَى اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَقَدْ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إِنَّهُ كَانَ يَكْبُرُ وَيَصْغَرُ وَكُلٌّ شَبَّهَ بِمَا سَنَحَ لَهُ وَمَنْ قَالَ شَعْرٌ فَلِأَنَّ الشَّعْرَ حَوْلَهُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَحَادِيثُ الثَّابِتَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخَاتَمَ كَانَ شَيْئًا بَارِزًا إِذَا قَلَّ كَانَ كَالْبُنْدُقَةِ وَنَحْوِهَا وَإِذَا كَثُرَ كَانَ كَجَمْعِ الْيَدِ وَأَمَّا رِوَايَةُ كَأَثَرِ الْمِحْجَمِ أَوْ كَرُكْبَةِ عَنْزٍ أَوْ كَشَامَةٍ خَضْرَاءَ أَوْ سَوْدَاءَ وَمَكْتُوبٌ فِيهَا مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ سِرْ فَإِنَّكَ الْمَنْصُورُ فَلَمْ يَثْبُتْ مِنْهَا شيء كما قاله القسطلاني وتصحيح بن حِبَّانَ لِذَلِكَ وَهْمٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 3 - (بَاب فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [3645] قَوْلُهُ (حُمُوشَةٌ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمِيمِ أَيْ دِقَّةٌ وَلَطَافَةٌ مُتَنَاسِبَةٌ لِسَائِرِ أَعْضَائِهِ (وَكَانَ لَا

يَضْحَكُ) أَيْ فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ (إِلَّا تَبَسُّمًا) هُوَ مُقَدِّمَةُ الضَّحِكِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْعَلَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا أَوْ مُنْقَطِعًا قَالَ الطِّيبِيُّ جَعَلَ التَّبَسُّمَ مِنَ الضَّحِكِ وَاسْتَثْنَاهُ مِنْهُ فَإِنَّ التَّبَسُّمَ مِنَ الضَّحِكِ بِمَنْزِلَةِ السِّنَةِ مِنَ النَّوْمِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى فتبسم ضاحكا من قولها أَيْ شَارِعًا فِي الضَّحِكِ (وَكُنْتُ) بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ (قُلْتُ) أَيْ فِي نَفْسِي وَيَجُوزُ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ الثَّلَاثَةِ فَتْحُ التَّاءِ عَلَى صِيغَةِ الْخِطَابِ (أكحل العينين) أي هو مكحل الْعَيْنَيْنِ (وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ) بَلْ كَانَتْ عَيْنُهُ كَحْلَاءَ من غير اكتحال قاله القارىء وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ قَوْلُهُ أَكْحَلَ الْعَيْنَيْنِ وَلَيْسَ بِأَكْحَلَ الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ ظَنَنْتُ أَنَّهُ اكْتَحَلَ أَيِ اسْتَعْمَلَ الْكُحْلَ فِي عَيْنَيْهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَمْ يَكْتَحِلْ بَلْ كَانَ كَحَلٌ فِي عَيْنَيْهِ وَالْكَحَلُ بِفَتْحَتَيْنِ سَوَادٌ فِي أَجْفَانِ الْعَيْنِ خِلْقَةً وَالرَّجُلُ أَكْحَلُ وَكَحِيلٌ كَذَا فِي الْقَامُوسِ فَلَفْظُ الْحَدِيثِ لَا يَخْلُو عَنْ إِشْكَالٍ وَالْمُرَادُ مَا ذَكَرْنَا فَلَعَلَّهُ جَاءَ أَكْحَلَ بِمَعْنَى اكْتَحَلَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والحاكم [3646] قوله (أخبرنا أَبُو قَطَنٍ) اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَلِيعَ الْفَمِ إِلَخْ) يَأْتِي شَرْحُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي شرح الرواية الاتية [3647] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِغُنْدَرٍ قَوْلُهُ (مَا ضَلِيعُ الْفَمِ قَالَ وَاسِعُ الْفَمِ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَا ضَلِيعُ الْفَمِ قَالَ عَظِيمُ الْفَمِ قَالَ النَّوَوِيُّ أَمَّا قَوْلُهُ فِي ضَلِيعِ الْفَمِ عَظِيمُ الْفَمِ

فَكَذَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ قَالُوا وَالْعَرَبُ يمدح بذلك ويذم صِغَرَ الْفَمِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ثَعْلَبَ فِي ضَلِيعِ الْفَمِ وَاسِعُ الْفَمِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي أَشْكَلَ الْعَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي هَذَا وَهْمٌ مِنْ سِمَاكٍ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَغَلَطٌ ظَاهِرٌ وَصَوَابُهُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَنَقَلَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَجَمِيعُ أَصْحَابِ الْغَرِيبِ أَنَّ الشُّكْلَةَ حُمْرَةٌ فِي بَيَاضِ الْعَيْنَيْنِ وَهُوَ مَحْمُودٌ وَالشُّهْلَةُ حُمْرَةٌ فِي سَوَادِ الْعَيْنِ وَأَمَّا الْمَنْهُوسُ فَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الجمهور وقال صاحب التحرير وبن الْأَثِيرِ رُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْمُعْجَمَةِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ وَمَعْنَاهُ قَلِيلُ لَحْمِ الْعَقِبِ كَمَا قَالَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ 4 - بَاب [3648] قَولُهُ (عَنْ أَبِي يُونُسَ) اسْمُهُ سَلِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ الدَّوْسِيُّ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِي فِي وَجْهِهِ) قَالَ الطِّيْبِيُّ شَبَّهَ جَرَيَانَ الشَّمْسِ فِي فَلَكِهَا بِجَرَيَانِ الْحُسْنِ فِي وَجْهِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ عَكْسُ التَّشْبِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ من باب تناهي التشبيه جعل وجهه مقرى وَمَكَانًا لِلشَّمْسِ (وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِي مَشْيِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مَعَ تَحَقُّقِ الْوَقَارِ وَالسِّكُونِ وَرِعَايَةِ الاقْتِصَادِ مُمْتَثِلًا قَولَهُ تَعَالَى وَاقْصُدْ فِي مَشْيِكَ (تُطْوَى لَهُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ تُزْوَى وَتُجْمَعُ عَلَى طَرِيقِ خَرْقِ الْعَادَةِ تَهْوِينًا عَلَيْهِ وَتَسْهِيلًا لِأَمْرِهِ (وَإِنَّا لَنُجْهِدُ أَنْفُسَنَا) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ يَجُوزُ فِيهِ فَتْحُ النُّونِ وَضَمُّهَا يُقَالُ جَهِدَ دَابَّتَهُ وَأَجْهَدَهَا إِذَا حَمَلَ عَلَيْهَا فَوْقَ طَاقَتِهَا فَالْمَعْنَى إِنَّا لَنَحْمِلُ عَلَى أَنْفُسِنَا مِنَ الْإِسْرَاعِ عُقَيْبَهُ فَوْقَ طَاقَتِهَا (وَإِنَّهُ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَغَيْرُ مُكْتَرِثٍ) اسْمُ الْفَاعِلِ مِنَ الاكْتِرَاثِ يُقَالُ مَا أَكْتَرِثُ لَهُ أَيْ مَا أُبَالِي بِهِ وَالْمَعْنَى غَيْرُ مُبَالٍ بِمَشْيِنَا أَوْ غَيْرُ مُسْرِعٍ بِحَيْثُ تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ فَكَأَنَّهُ يَمْشِي عَلَى هَيْنَةٍ يُقَالُ مُبَالٍ بِهِ أَيْ مُتْعِبٌ نَفْسَهُ فِيهِ قَولُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن حبان وبن سعد

25 - باب [3649] قوله (حدثنا الليث) هو بن سَعْدٍ (عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ قَوْلُهُ (عُرِضَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُظْهِرَ (عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَذَلِكَ إِمَّا فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَوْ فِي السماوات كما يدل عليه حديث بْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي مُوسَى رَجُلًا آدَمَ الْحَدِيثَ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ فِي وَصْفِهِمْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى ذَلِكَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ وَقَدْ وَقَعَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةِ أَبِي العالية عن بن عباس وفي رواية بن الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ التَّلْبِيَةِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَحُجُّونَ وَيُلَبُّونَ وَهُمْ أَمْوَاتٌ وَهُمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَلَيْسَتْ دَارَ عَمَلٍ قُلْنَا عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ مِنَ الشُّهَدَاءِ وَالشُّهَدَاءُ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ فَكَذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُصَلُّوا وَيَحُجُّوا وَيَتَقَرَّبُوا إِلَى اللَّهِ بِمَا اسْتَطَاعُوا مَا دَامَتِ الدُّنْيَا وَهِيَ دَارُ تَكْلِيفٍ بَاقِيَةٌ ثَانِيهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ حَالَهُمُ الَّتِي كَانُوا فِي حَيَاتِهِمْ عَلَيْهَا فَمَثَّلُوا لَهُ كَيْفَ كَانُوا وَكَيْفَ كَانَ حَجُّهُمْ وَتَلْبِيَتُهُمْ وَلِهَذَا قَالَ أَيْضًا فِي رِوَايَةِ أَبِي العالية عن بن عَبَّاسٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى يُونُسَ ثَالِثُهَا أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَ عَمَّا أُوْحِيَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَا كَانَ مِنْهُمْ فَلِهَذَا أُدْخِلَ حَرْفُ التَّشْبِيهِ فِي الرِّوَايَةِ وَحَيْثُ أَطْلَقَهَا فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى ذَلِكَ (فَإِذَا مُوسَى ضَرْبٌ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ أَيْ نَحِيفٌ خَفِيفُ اللَّحْمِ (كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْوَاوِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ ثُمَّ هَاءُ تَأْنِيثٍ حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ يُنْسَبُونَ إِلَى شَنُوءَةَ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ نَضْرِ بْنِ الْأَزْدِ وَلُقِّبَ شَنُوءَةَ لِشَنَآنٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ شَنُوئِيٌّ بِالْهَمْزِ بعد الواو وبالهمز بغير واو قال بن قُتَيْبَةَ سُمِّيَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِكَ رَجُلٌ فِيهِ شنوه أي تقززة وَالتَّقَزُّزُ بِقَافٍ وَزَايَيْنِ التَّبَاعُدُ مِنَ الْأَدْنَاسِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ رِجَالُ الْأَزْدِ مَعْرُوفُونَ بِالطُّولِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (شَبَهًا) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ نَظِيرًا (عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودٍ) الثَّقَفِيَّ وَلَيْسَ هَذَا أَخًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ هُذَلِيٌّ (وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ) أَيِ الخليل عليه السلام (يعني نفسه) هذا تفسير لقوله صاحبكم من كَلَامُ الرَّاوِي أَيْ يُرِيدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ صَاحِبُكُمْ

باب ما جاء في سن النبي صلى الله عليه وسلم

نَفْسَهُ (دِحْيَةُ) بِكَسْرِ الدَّالِ وَقَدْ يُفْتَحُ وَهُوَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَكَانَ مِنْ أَجْمَلِ النَّاسِ صُورَةً وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ 6 - (باب ما جاء فِي سِنِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وبن كَمْ كَانَ حِينَ مَاتَ أَيْ فِي مِقْدَارِ عُمْرِهِ الشَّرِيفِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ السِّنُّ بِالْكَسْرِ الضِّرْسُ وَمِقْدَارُ الْعُمْرِ مُؤَنَّثَةٌ فِي النَّاسِ وَغَيْرِهِمْ [3650] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي عَمَّارٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ) هُوَ بن أَبِي عَمَّارٍ الْمَكِّيُّ قَوْلُهُ (تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه وسلم وهو بن خَمْسٍ وَسِتِّينَ) قَدْ عَرَفْتَ فِي بَابِ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ أَصَحَّ الرِّوَايَاتِ وَأَشْهَرَهَا ثَلَاثٌ وَسِتُّونَ وَعَرَفْتَ هُنَاكَ تَأْوِيلَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ [3651] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ صحيح) وأخرجه مسلم 7 - باب [3652] قَوْلُهُ (مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِفَتْحِ الْكَافِ وَضَمِّهَا أَيْ لَبِثَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ (ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً يَعْنِي

يُوحَى إِلَيْهِ) أَيْ بِاعْتِبَارِ مَجْمُوعِهَا لِأَنَّ مُدَّةَ فَتْرَةِ الْوَحْي ثَلَاثُ سِنِينَ مِنْ جُمْلَتِهَا وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ الْمُوَافِقُ لِمَا رَوَاهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ وَرُوِيَ عَشْرُ سِنِينَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا عَدَا مُدَّةَ فَتْرَةِ الْوَحْيِ وَرُوِيَ أَيْضًا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي سَبْعٍ مِنْهَا يَرَى نُورًا وَيَسْمَعُ صَوْتًا وَلَمْ يَرَ مَلَكًا وَفِي ثَمَانٍ مِنْهَا يُوحَى إِلَيْهِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةٌ لِلْأُولَى مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ فِي مُدَّةِ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ بَعْدَ الْبَعْثَةِ هَلْ هِيَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَلَى حِسَابِ سَنَةِ الْبَعْثَةِ وَسَنَةِ الْهِجْرَةِ وَالثَّانِي فِي زَمَنِ الْوَحْيِ إِلَيْهِ هَلْ هُوَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ أَوْ ثَمَانٍ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَحْيِ إِلَيْهِ فِي ثَلَاثَ عَشْرَةَ مُطْلَقُ الْوَحْيِ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمَلَكُ مَرْئِيًّا أَوْ لَا وَالْمُرَادُ بِالْوَحْيِ إِلَيْهِ فِي الثَّمَانِيَةِ خُصُوصُ الْوَحْيِ مَعَ كَوْنِ الْمَلَكِ مَرْئِيًّا فَلَا تَدَافُعَ كَذَا فِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ لِلْبَيْجُورِيِّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَدَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ حَدِيثٌ آخَرُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْهُ قَالَ قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بن ثلاث وستين وأبو بكر وهو بن ثلاث وستين وعمر وهو بن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَأَمَّا حَدِيثُ دَغْفَلِ بْنِ حَنْظَلَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ قَوْلُهُ (وَلَا يَصِحُّ لِدَغْفَلٍ سَمَاعٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَادَ فِي الشَّمَائِلِ وَكَانَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ دَغْفَلٌ بِمُهْمَلَةٍ وَمُعْجَمَةٍ وَفَاءٍ وَزْنُ جعفر بن حَنْظَلَةَ بْنِ زَيْدٍ السَّدُوسِيُّ النَّسَّابَةُ مُخَضْرَمٌ وَيُقَالُ لَهُ صُحْبَةٌ وَلَمْ يَصِحَّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ غَرِقَ بفارس في قتال الخوارج قوله (وحديث بن عباس حديث حسن غريب) وأخرجه الشيخان 8 - باب [3653] قَوْلُهُ (عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ) الْبَجَلِيِّ الْكُوفِيِّ مقبول من الثالثة (عن جرير) هو بن عبد الله البجلي قوله (وأنا بن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ) أَيْ أَنَا مُتَوَقِّعٌ أَنْ أَمُوتَ فِي هَذَا السِّنِّ مُوَافَقَةً لَهُمْ قَالَ

باب مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه

مَيْرَكُ تَمَنَّى لَكِنْ لَمْ يَنَلْ مَطْلُوبَهُ بَلْ مَاتَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ ثَمَانِينَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ أيضا 9 - باب [3654] قوله (مات وهو بن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ) هَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ وَأَشْهَرُهَا كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 0 - (بَاب مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) (وَاسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ وَلَقَبُهُ عَتِيقٌ) قَالَ الْحَافِظُ الْمَشْهُورُ أَنَّ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ وَيُقَالُ كَانَ اسْمُهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ عَبْدَ الْكَعْبَةِ وَكَانَ يُسَمَّى أَيْضًا عَتِيقًا وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ اسْمٌ لَهُ أَصْلِيٌّ أَوْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَسَبِهِ مَا يُعَابُ بِهِ أَوْ لِقِدَمِهِ فِي الْخَيْرِ وَسَبْقِهِ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِحُسْنِهِ أَوْ لِأَنَّ أُمَّهُ كَانَ لَا يَعِيشُ لَهَا وَلَدٌ فَلَمَّا وُلِدَ اسْتَقْبَلَتْ بِهِ الْبَيْتَ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ هَذَا عَتِيقُكَ مِنَ الْمَوْتِ أَوْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَهُ بِأَنَّ اللَّهَ أَعْتَقَهُ مِنَ النَّارِ وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْأَخِيرِ حَدِيثٌ عَنْ عَائِشَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَآخَرُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عِنْدَ الْبَزَّارِ وصححه بن حِبَّانَ وَزَادَ فِيهِ وَكَانَ

اسْمُهُ قَبْلَ ذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُثْمَانَ وَعُثْمَانُ اسْمُ أَبِي قُحَافَةَ لَمْ يُخْتَلَفْ فِي ذَلِكَ كَمَا لَمْ يُخْتَلَفْ فِي كُنْيَةِ الصِّدِّيقِ وَلُقِّبَ الصِّدِّيقَ لِسَبْقِهِ إِلَى تَصْدِيقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ كَانَ ابْتِدَاءُ تَسْمِيَتِهِ بِذَلِكَ صَبِيحَةَ الْإِسْرَاءِ وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثٍ أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ اسْمَ أَبِي بَكْرٍ مِنَ السَّمَاءِ الصِّدِّيقَ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ وَأَمَّا نَسَبُهُ فَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سعد بن تيم بن مرة بن كعب بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ وَمَاتَ بِمَرَضِ السُّلِّ عَلَى مَا قَالَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ وَعَنِ الْوَاقِدِيِّ أَنَّهُ اغْتَسَلَ فِي يَوْمٍ بَارِدٍ فَحُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَقِيلَ بَلْ سَمَّتْهُ الْيَهُودُ فِي حَرِيرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ لِثَمَانٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ فَكَانَتْ مُدَّةُ خِلَافَتِهِ سَنَتَيْنِ وَثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ وَأَيَّامًا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّهُ اسْتَكْمَلَ سِنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَاتَ وهو بن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ [3655] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي الأحوص) اسمه عوف بن مالك بن تضلة الجشمي (عن عبد الله) هو بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ (أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خَلِيلٍ مِنْ خله) قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي الْحَدِيثِ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ ذِي خُلَّةٍ مِنْ خُلَّتِهِ الْخُلَّةُ بِالضَّمِّ الصَّدَاقَةُ وَالْمَحَبَّةُ الَّتِي تَخَلَّلَتِ الْقَلْبَ فَصَارَتْ خِلَالَهُ أَيْ فِي بَاطِنِهِ وَالْخَلِيلُ الصَّدِيقُ فَعِيلَ بِمَعْنَى مُفَاعِلٍ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ خُلَّتَهُ كَانَتْ مَقْصُورَةً عَلَى حُبِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ فِيهَا لِغَيْرِهِ مُتَّسَعٌ وَلَا شَرِكَةٌ مِنْ مَحَابِّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَهَذِهِ حَالٌ شَرِيفَةٌ لَا يَنَالُهَا أَحَدٌ بِكَسْبٍ وَاجْتِهَادٍ فَإِنَّ الطِّبَاعَ غَالِبَةٌ وَإِنَّمَا يَخُصُّ اللَّهُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ مِثْلَ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَمَنْ جَعَلَ الْخَلِيلَ مُشْتَقًّا مِنَ الْخَلَّةِ وَهِيَ الْحَاجَةُ وَالْفَقْرُ أَرَادَ إِنِّي أَبْرَأُ مِنَ الِاعْتِمَادِ وَالِافْتِقَارِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي رِوَايَةٍ أَبْرَأ إِلَى كُلِّ خِلٍّ مِنْ خَلَّتِهِ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَبِكَسْرِهَا وَهُمَا بِمَعْنَى الْخُلَّةِ وَالْخَلِيلِ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَلَّا إِنِّي أَبْرَأُ إِلَى كُلِّ خِلٍّ مِنْ خِلِّهِ قَالَ النَّوَوِيُّ هُمَا بِكَسْرِ الْخَاءِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَكَسْرُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الْخِلُّ بِمَعْنَى الْخَلِيلِ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ خِلِّهِ فَبِكَسْرِ الْخَاءِ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِهِمْ قَالَ وَالصَّوَابُ الْأَوْجَهُ فَتْحُهَا قَالَ وَالْخُلَّةُ وَالْخِلُّ وَالْخِلَالُ وَالْمُخَالَلَةُ وَالْخِلَالَةُ وَالْخِلْوَةُ الْإِخَاءُ وَالصَّدَاقَةُ أَيْ بَرِئْتُ إِلَيْهِ مِنْ صَدَاقَتِهِ الْمُقْتَضِيَةِ الْمُخَالَلَةَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْكَسْرُ صَحِيحٌ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ أَيْ أَبْرَأُ إِلَيْهِ مِنْ مُخَالَّتِي إِيَّاهُ (وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ أُمَّتِي أَحَدًا خَلِيلًا وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خليلا غير ربي (لاتخذت بن أَبِي قُحَافَةَ خَلِيلًا) أَيْ أَبَا بَكْرٍ لِأَنَّهُ أهل لذلك لولا المانع فإن خلة الرحم ن تَعَالَى لَا تَسَعُ مُخَالَّةَ شَيْءٍ غَيْرِهِ أَصْلًا (وإن

صَاحِبَكُمْ لَخَلِيلُ اللَّهِ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا قَالَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِ اتَّخَذَ اللَّهُ مُبَالَغَةً مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَخْرَجَ الْكَلَامَ عَلَى التَّجْرِيدِ حَيْثُ قَالَ صَاحِبَكُمْ وَلَمْ يَقُلِ اتَّخَذَنِي وَثَانِيهِمَا اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ بِالنَّصْبِ عَكْسُ مَا لَمَّحَ إِلَيْهِ حَدِيثُ أبي سعيد من قوله غير ربي فكل الْحَدِيثَانِ عَلَى حُصُولِ الْمُخَالَلَةِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ انْتَهَى قَالَ الْقَاضِي وَجَاءَ فِي أَحَادِيثَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ وَاخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ هَلِ الْمَحَبَّةُ أَرْفَعُ مِنَ الْخُلَّةِ أَمِ الْخُلَّةُ أَرْفَعُ أَمْ هُمَا سَوَاءٌ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُمَا بِمَعْنًى فَلَا يَكُونُ الْحَبِيبُ إِلَّا خَلِيلًا وَلَا يَكُونُ الْخَلِيلُ إِلَّا حَبِيبًا وَقِيلَ الْحَبِيبُ أَرْفَعُ لِأَنَّهَا صِفَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ الْخَلِيلُ أَرْفَعُ وَقَدْ ثَبَتَتِ الْخُلَّةُ خُلَّةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّهِ تَعَالَى بِهَذَا الْحَدِيثِ وَنَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُ خَلِيلٌ غَيْرُهُ وَأَثْبَتَ مَحَبَّتَهُ لِخَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِيهَا وَأُسَامَةَ وَأَبِيهِ وَفَاطِمَةَ وَابْنَيْهَا وَغَيْرِهِمْ وَمَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ تَمْكِينُهُ مِنْ طَاعَتِهِ وَعِصْمَتُهُ وَتَوْفِيقُهُ وَتَيْسِيرُ أَلْطَافِهِ وَهِدَايَتُهُ وَإِفَاضَةُ رَحْمَتِهِ عَلَيْهِ هَذِهِ مَبَادِيهَا وَأَمَّا غَايَتُهَا فَكَشْفُ الْحُجُبِ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى يَرَاهُ بِبَصِيرَتِهِ فَيَكُونُ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ إِلَى آخِرِهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُخَالِفُ هَذَا لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ يَحْسُنُ فِي حَقِّهِ الِانْقِطَاعُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وبن مَاجَهْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وبن عباس وبن الزُّبَيْرِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي مَا بَعْدُ وَأَمَّا حديث بن عباس فأخرجه البخاري وأما حديث بن الزبير فأخرجه أحمد والبخاري [3656] قوله (حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ) هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُوَيْسٍ قَوْلُهُ (قَالَ) أَيْ عُمَرُ (أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا) أَيْ نَسَبًا وَحَسَبًا (وَخَيْرُنَا) أَيْ أَفْضَلُنَا [3657] قَوْلُهُ (أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم) هو بن عُلَيَّةَ (عَنِ الْجَرِيرِيِّ) هُوَ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ (عَنْ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ) الْعُقَيْلِيِّ الْبَصْرِيِّ قَوْلُهُ (أَبُو بَكْرٍ) أَيْ كَانَ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْتُ ثُمَّ مَنْ) أَيْ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ مَنْ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ (فَسَكَتَتْ) أَيْ عَائِشَةُ وَلَمْ تُجِبْ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحَبَّةَ تَخْتَلِفُ بِالْأَسْبَابِ وَالْأَشْخَاصِ فَقَدْ يَكُونُ للجزئية وقد يكون بسبب الإحسان وَقَدْ يَكُونُ بِسَبَبِ الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ وَأَسْبَابٍ أُخَرَ لَا يُمْكِنُ تَفْصِيلُهَا وَمَحَبَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ بِسَبَبِ الْجُزْئِيَّةِ وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ وَمَحَبَّتُهُ لِعَائِشَةَ بِسَبَبِ الزَّوْجِيَّةِ وَالتَّفَقُّهِ فِي الدِّينِ وَمَحَبَّةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمْرَ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بِسَبَبِ الْقِدَمِ فِي الْإِسْلَامِ وَإِعْلَاءِ الدِّينِ وَوُفُورِ الْعِلْمِ فَإِنَّ الشَّيْخَيْنِ لَا يَخْفَى حَالُهُمَا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ وَأَمَّا أَبُو عُبَيْدَةَ فَقَدْ فَتَحَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ فُتُوحًا كَثِيرَةً فِي خِلَافَةِ الشَّيْخَيْنِ وَسَمَّاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِينَ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَالْمُرَادُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَحَبَّتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِهَذَا السَّبَبِ فَلَا يَضُرُّ مَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْأُخَرِ شِدَّةُ مَحَبَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِأَنَّ تِلْكَ الْمَحَبَّةَ بِسَبَبٍ آخَرَ قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن صحيح) وأخرجه بن مَاجَهْ [3658] قَوْلُهُ (عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ) العجلي كُنْيَتُهُ أَبُو يُونُسَ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ فِي الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّهُ شِيعِيٌّ غَالٍ مِنَ الرَّابِعَةِ (وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ صُهْبَانَ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْهَاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ الْأَسَدِيِّ أَبِي الْعَنْبَسِ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ الْكُوفِيِّ لَيِّنُ الحديث من السابعة (وبن أَبِي لَيْلَى) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيُّ الْكُوفِيُّ (وَكَثِيرٍ النَّوَّاءِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ كثير بن إسماعيل أو بن نَافِعٍ النَّوَّاءُ بِالتَّشْدِيدِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ التَّيْمِيِّ الْكُوفِيِّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَطِيَّةَ) هُوَ الْعَوْفِيُّ قَوْلُهُ (إِنَّ أَهْلَ الدَّرَجَاتِ) جَمْعُ الدَّرَجَةِ وَهِيَ الْمَرْتَبَةُ وَالطَّبَقَةُ (الْعُلَى) جَمْعُ عُلْيَا كَكُبْرَى وَكُبَرٍ أَيْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ (مِنْ تَحْتِهِمْ) أَيِ الَّذِينَ تَحْتَ أَهْلِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَهُوَ فَاعِلٌ لِقَوْلِهِ يَرَى (فِي أُفُقِ السَّمَاءِ) بِضَمَّتَيْنِ وَيُسَكَّنُ الثَّانِي أَيْ نَاحِيَتهَا وَجَمْعُهُ آفَاقٌ (مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَاتِ الْعُلَى (وَأَنْعَمَا) أَيْ زَادَا وَفَضُلَا يُقَالُ أَحْسَنْتَ إِلَيَّ وَأَنْعَمْتَ أَيْ زِدْتَ عَلَى الْإِنْعَامِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ صَارَ إِلَى النَّعِيمِ ودخلا فِيهِ كَمَا يُقَالُ أَشْمَلَ إِذَا دَخَلَ فِي الشِّمَالِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن ماجه

31 - باب [3659] قوله (عن بن أبي المعلى) قال في التقريب بن أَبِي الْمُعَلَّى الْأَنْصَارِيُّ عَنْ أَبِيهِ لَمْ يُسَمَّ وَلَا يُعْرَفُ مِنَ الثَّالِثَةِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنْهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ أَبِي الْمُعَلَّى قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَبُو الْمُعَلَّى بْنُ لَوْذَانَ الْأَنْصَارِيُّ قِيلَ اسْمُهُ زَيْدُ بْنُ الْمُعَلَّى صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ يَعْنِي بِهِ حَدِيثَ الْبَابِ قَوْلُهُ (خَطَبَ يَوْمًا) وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْآتِي جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ (خَيَّرَهُ) مِنَ التَّخْيِيرِ أَيْ فَرَضَ إِلَيْهِ الْخِيَارَ (قَالَ) أَيْ أَبُو الْمُعَلَّى (فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ) أَيْ حُزْنًا عَلَى فِرَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقَالَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ فِيمَا بَيْنَهُمْ (مَنْ هَذَا الشَّيْخُ) يَعْنُونَ أَبَا بَكْرٍ (أَعْلَمُهُمْ) أَيْ أَعْلَمُ الصَّحَابَةِ (بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ بِالْمُرَادِ مِنَ الْكَلَامِ المذكور (أمن إلينا) فعل تَفْضِيلٍ مِنَ الْمَنِّ بِمَعْنَى الْعَطَاءِ وَالْبَذْلِ أَيْ أَجْوَدُ وَأَبْذَلُ عَلَيْنَا (فِي صُحْبَتِهِ وَذَاتِ يَدِهِ) أَيْ مَالِهِ (وَلَكِنْ وُدٌّ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا أَيْ مَوَدَّةٌ (وَإِخَاءُ إِيمَانِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبِالْمَدِّ مَصْدَرُ آخَى أَيْ مُؤَاخَاةَ إِيمَانٍ (أَلَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (وَإِنَّ صَاحِبَكُمْ) يُرِيدُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى (وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَمَنَّ إِلَيْنَا يَعْنِي أَمَنَّ عَلَيْنَا) مَقْصُودُ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ إِلَى فِي قَوْلِهِ أَمَنَّ إِلَيْنَا بِمَعْنَى عَلَى

[3660] قوله (حدثنا أحمد بن الحسن) بن جنيدب التِّرْمِذِيُّ (عَنْ أَبِي النَّضْرِ) اسْمُهُ سَالِمُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ (عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ) بِنُونَيْنِ مُصَغَّرًا الْمَدَنِيِّ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ثِقَةٌ قَلِيلُ الْحَدِيثِ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ) وللبخاري من حديث بن عَبَّاسٍ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبًا رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جُنْدُبٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسِ لَيَالٍ (مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْهَاءِ أَيْ نَعِيمِهَا وَأَعْرَاضِهَا وَحُظُوظِهَا شُبِّهَتْ بِزَهْرَةِ الرَّوْضَةِ (قَالَ) أَيْ أَبُو سَعِيدٍ (فَعَجِبْنَا) أَيْ تَعَجَّبْنَا (وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ هُوَ أَعْلَمُنَا بِهِ) أَيْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِالْمُرَادِ مِنَ الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ (إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَأَمَنُّ أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ مِنَ الْمَنِّ بِمَعْنَى الْعَطَاءِ وَالْبَذْلِ بِمَعْنَى إِنَّ أَبْذَلَ النَّاسِ لِنَفْسِهِ وَمَالِهِ لَا مِنَ الْمِنَّةِ الَّتِي تَغْسِلُ الصَّنِيعَةَ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَكْثَرُهُمْ جُودَةً وَسَمَاحَةً لَنَا بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي هُوَ الِاعْتِدَادُ بِالصَّنِيعَةِ لِأَنَّهُ أَذًى مُبْطِلٌ لِلثَّوَابِ وَلِأَنَّ الْمِنَّةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي قَبُولِ ذَلِكَ (فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالرَّفْعِ وَفِي بَعْضِهَا أَبَا بَكْرٍ بِالنَّصْبِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَوَجْهُ الرَّفْعِ بِتَقْدِيرِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ أَيْ أَنَّهُ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ بَعْدُ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ وَأَبُو بَكْرٍ مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ أَو إِنَّ بِمَعْنَى نَعَمْ أَو أن من زائدة على رأي الكسائي قالى بن بَرِّي يَجُوزُ الرَّفْعُ إِذَا جَعَلْتَ مِنْ صِفَةً الشيء مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ إِنَّ رَجُلًا أَوْ إِنْسَانًا مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ فَيَكُونُ اسْمُ إِنَّ مَحْذُوفًا وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ وَقَوْلُهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَبَرُ (وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ) اسْتِدْرَاكٌ عَنْ مَضْمُونِ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ وَفَحْوَاهَا كَأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ خُلَّةٌ وَلَكِنْ بَيْنَنَا فِي الْإِسْلَامِ أُخُوَّةٌ فَنَفَى الْخُلَّةَ وَأَثْبَتَ الْإِخَاءَ قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ أَيْ لَكِنْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ أَوْ لَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ حَاصِلَةٌ أَوْ لَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ كَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الطُّرُقِ فَإِنْ أُرِيدَ أَفْضَلِيَّةُ أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ عَنِ الْخُلَّةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ السَّوْقِ يُشْكِلُ فَيَجِبُ أَنْ يُرَادَ أَفْضَلِيَّتُهَا مِنْ غَيْرِ الْخُلَّةِ أَوْ يُقَالُ أَفْضَلُ بِمَعْنَى فَاضِلٌ أَوْ يقال أخوة

الْإِسْلَامِ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِي وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ انْتَهَى (لَا تُبْقَيَنَّ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْإِبْقَاءِ (خَوْخَةٌ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْخَوْخَةُ بَابٌ صَغِيرٌ كَالنَّافِذَةِ الْكَبِيرَةِ وَتَكُونُ بَيْنَ بَيْتَيْنِ يُنْصَبُ عَلَيْهَا بَابٌ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةِ البخاري لا يبقين في المسجد باب الأسد قَالَ الْحَافِظُ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ خَوْخَةٌ بَدَلَ بَابٍ وَالْخَوْخَةُ طَاقَةٌ فِي الْجِدَارِ تُفْتَحُ لِأَجْلِ الضَّوْءِ وَلَا يُشْتَرَطُ عُلُوُّهَا وَحَيْثُ تَكُونُ سُفْلَى يُمْكِنُ الِاسْتِطْرَاقُ مِنْهَا لِاسْتِقْرَابِ الْوُصُولِ إِلَى مَكَانٍ مَطْلُوبٍ وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا وَلِهَذَا أُطْلِقَ عَلَيْهَا باب قيل لا يطلق عليها بَابٌ إِلَّا إِذَا كَانَتْ تُغْلَقُ انْتَهَى (إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ) فِيهِ فَضِيلَةٌ وَخِصِّيصَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ أَنَّ الْمَسَاجِدَ تُصَانُ عَنِ التَّطَرُّقِ إِلَيْهَا فِي خَوْخَاتٍ ونحوها إلا من أَبْوَابَهَا إِلَّا لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 2 - باب [3661] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مَحْبُوبُ بْنُ مُحْرِزٍ الْقَوَارِيرِيُّ) التَّمِيمِيُّ الْعَطَّارُ أَبُو مُحْرِزٍ الْكُوفِيِّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَوْلُهُ (مَا لِأَحَدٍ عِنْدَنَا يَدٌ) أَيْ عَطَاءٌ وَإِنْعَامٌ (إِلَّا وَقَدْ كَافَيْنَاهُ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِالْيَاءِ وَكَذَلِكَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمِشْكَاةِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا كَافَأْنَاهُ بالهمزة قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ كَافَأْنَاهُ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْفَاءِ وَيَجُوزُ إِبْدَالُهَا أَلِفًا فَفِي الْقَامُوسِ كَافَأَهُ مُكَافَأَةً جَازَاهُ ذَكَرَهُ فِي الْمَهْمُوزِ وَكَفَاهُ مُؤْنَتَهُ كِفَايَةً ذَكَرَهُ فِي الْمُعْتَلِّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُنَاسِبَ لِلْمَقَامِ هُوَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُصَحَّحَةِ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِالْيَاءِ وَلَا يَظْهَرُ لَهُ وَجْهٌ انْتَهَى قُلْتُ الْمُكَافَأَةُ مِنَ الْكِفَايَةِ أَيْضًا تَأْتِي بِمَعْنَى الْمُجَازَاةِ قَالَ فِي الصُّرَاحِ فِي مُعْتَلِّ اللَّامِ مُكَافَأَةً باداش كردن وَقَالَ فِي الْمُنْجِدِ فِيهِ كَافَى كَفَاهُ مُكَافَأَةً الرَّجُلَ جَازَاهُ وَالْمَعْنَى جَازَيْنَاهُ مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ أَكْثَرَ (مَا خَلَا أَبَا بَكْرٍ) أَيْ مَا عَدَاهُ أَيْ إِلَّا إِيَّاهُ (فَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا يدا) قيل أراد باليد النعمة وقد بذلها كُلَّهَا إِيَّاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ الْمَالُ وَالنَّفْسُ وَالْأَهْلُ وَالْوَلَدُ (يُكَافِيِهِ اللَّهُ) أَيْ يُجَازِيهِ (بِهَا) أَيْ بِتِلْكَ الْيَدِ (مَا

نَفَعَنِي مَالُ أَبِي بَكْرٍ) مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَمِثْلُ مُقَدَّرٌ أَيْ مِثْلَ مَا نَفَعَنِي مَالُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن ماجه مختصرا 3 - [3662] قوله (عن زائدة) هو بن قدامة قوله (اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي) أَيْ بِالْخَلِيفَتَيْنِ اللَّذَيْنِ يَقُومَانِ مِنْ بَعْدِي (أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) بَدَلٌ من الذين أَيْ لِحُسْنِ سِيرَتِهِمَا وَصِدْقِ سَرِيرَتِهِمَا وَفِيهِ إِشَارَةٌ لِأَمْرِ الْخِلَافَةِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن مَسْعُودٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي مَنَاقِبِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَرَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ مَوْلَى الرَّبَعِيِّ إِلَخْ وَصَلَ التِّرْمِذِيُّ رِوَايَةَ سُفْيَانَ هَذِهِ فِي مَنَاقِبِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (فَرُبَّمَا ذَكَرَهُ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ وَرُبَّمَا لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عن زائدة) هذا بيان تدليس بن عُيَيْنَةَ وَكَانَ لَا يُدَلِّسُ إِلَّا عَنْ ثِقَةٍ قال الحافظ بن حَجَرٍ فِي طَبَقَاتِ الْمُدَلِّسِينَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ الْهِلَالِيُّ الْكُوفِيُّ ثُمَّ الْمَكِّيُّ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ فَقِيهُ الْحِجَازِ فِي زَمَانِهِ كَانَ يُدَلِّسُ لَكِنْ لَا يدلس إلا عن ثقة وادعى بن حِبَّانَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ خَاصًّا بِهِ وَوَصَفَهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ بِالتَّدْلِيسِ انْتَهَى

[3663] قَوْلُهُ (عَنْ سَالِمٍ أَبِي الْعَلَاءِ الْمُرَادِيِّ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ سَالِمُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْمُرَادِيُّ الْأَنْعُمِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ أَبُو الْعَلَاءِ الْكُوفِيُّ مَقْبُولٌ وَكَانَ شِيعِيًّا مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرَمٍ) الْأَزْدِيِّ الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (إِنِّي لَا أَدْرِي مَا بَقَائِي فِيكُمْ) قَالَ الطِّيبِيُّ مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَيْ لَا أَدْرِي كَمْ مُدَّةُ بَقَائِي فِيكُمْ أَقَلِيلٌ أَمْ كَثِيرٌ وَفِيهِ تَعْلِيقٌ قَوْلُهُ (أخبرنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) الثَّقَفِيُّ الصَّنْعَانِيُّ قَوْلُهُ (هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْكَهْلُ مِنَ الرِّجَالِ مَنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً إِلَى الْأَرْبَعِينَ وَقِيلَ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ إِلَى تَمَامِ الْخَمْسِينَ وَقَدِ اكْتُهِلَ الرَّجُلُ وَكَاهَلَ إِذَا بَلَغَ الْكُهُولَةَ فَصَارَ كَهْلًا وَقِيلَ أَرَادَ بِالْكَهْلِ ها هنا الْحَلِيمَ الْعَاقِلَ أَيْ أَنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ حُلَمَاءَ عُقَلَاءَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ في المختارة قوله (ذكره) أي الحديث (داود) هو بن أَبِي هِنْدٍ (عَنِ الْحَارِثِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأعور 4 - باب [3665] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقَّرِيُّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ أَبُو بِشْرٍ الْبَلْقَاوِيُّ مَوْلَى بَنِي أُمَيَّةَ مَتْرُوكٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ) هُوَ الْمَعْرُوفُ بِزَيْنِ الْعَابِدِينَ قَوْلُهُ (إِذَا طَلَعَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) أَيْ ظَهَرَا (هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) الْكُهُولُ بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ الْكَهْلِ وَهُوَ عَلَى مَا فِي الْقَامُوسِ مَنْ جَاوَزَ الثَّلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ إِلَى إِحْدَى وَخَمْسِينَ فَاعْتُبِرَ مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا حَالَ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ كَهْلٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَآتُوا الْيَتَامَى أموالهم وَقِيلَ سَيِّدَا مَنْ مَاتَ كَهْلًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَدَخَلَ الْجَنَّةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا كَهْلٌ بَلْ من يدخلها بن ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَإِذَا كَانَا سَيِّدَيِ الْكُهُولِ فَمِنْ أَوْلَى أَنْ يَكُونَا سَيِّدَيْ شَبَابِ أَهْلِهَا انْتَهَى قُلْتُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ هَذَانِ سَيِّدَا كُهُولِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَشَبَابِهَا بَعْدَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ (مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ) أَيِ النَّاسِ أَجْمَعِينَ (يَا علي لا تخبرهما) زاد بن مَاجَهْ فِي رِوَايَتِهِ مَا دَامَا حَيَّيْنِ قَوْلُهُ (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد وبن مَاجَهْ (وَالْوَلِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُوَقَّرِيُّ يُضَعَّفُ فِي الْحَدِيثِ) فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَفِيهِ انْقِطَاعٌ لِأَنَّ

عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وبن عَبَّاسٍ) وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هذا وأما حديث بن عباس فلينظر من أخرجه قَوْلُهُ [3664] أخبرنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ الثَّقَفِيُّ الصَّنْعَانِيُّ قوله هذان سيدا كهول أهل الجنة تقدر شَرْحُهُ وَقَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْكَهْلُ مِنَ الرِّجَالِ مَنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً إِلَى الْأَرْبَعِينَ وَقِيلَ مِنْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ إِلَى تَمَامِ الْخَمْسِينَ وَقَدِ اكْتُهِلَ الرَّجُلُ وَكَاهَلَ إِذَا بَلَغَ الكهولة فصار كهلا وقيل أراد بالكهل ها هنا الْحَلِيمَ الْعَاقِلَ أَيْ أَنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ حُلَمَاءَ عُقَلَاءَ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ في المختارة [3666] قوله ذكره أي الحديث داود هو بن أَبِي هِنْدٍ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأعور 5 - باب [3667] قوله (قال أبو بكر ألست أحق الناس بها) أي بالخلافة (أَلَسْتُ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) أَيْ مِنَ الرِّجَالِ قَالَ الْحَافِظُ قَدِ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ وذكر بن

إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ تَحَقَّقَ أَنَّهُ سَيُبْعَثُ لِمَا كَانَ يَسْمَعُهُ وَيَرَى مِنْ أَدِلَّةِ ذَلِكَ فَلَمَّا دَعَاهُ بَادَرَ إِلَى تَصْدِيقِهِ مِنْ أَوَّلِ وَهْلَةٍ 6 - باب [3668] قوله (حدثنا أبو داود) هو الطيالسي (حدثنا الْحَكَمُ بْنُ عَطِيَّةَ) الْعَيْشِيُّ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُعْجَمَةِ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (فَلَا يَرْفَعُ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَصَرَهُ) أَيْ لِهَيْبَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِلَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ أَحَدٍ (وَيَتَبَسَّمَانِ إِلَيْهِ وَيَتَبَسَّمُ إِلَيْهِمَا) وَذَلِكَ مِنْ عَادَةِ المحبة وخاصتها إذا نظر أحدها عَلَى الْآخَرِ يَحْصُلُ مِنْهُمَا التَّبَسُّمُ بِلَا اخْتِيَارٍ كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ وَقَالَ فِي الْمِرْقَاةِ التَّبَسُّمُ مَجَازٌ عَنْ كَمَالِ الِانْبِسَاطِ فِيمَا بَيْنَهُمْ قَوْلُهُ (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد 7 - باب [3669] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَسْلَمَةَ) بْنِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ نَزِيلُ الْجَزِيرَةِ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ) بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ الْأُمَوِيِّ قَوْلُهُ (خَرَجَ ذَاتَ يَوْمٍ) أَيْ مِنَ

الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ (أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ شماله) قال القارىء الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَوْعُ لَفٍّ وَنَشْرٍ مُرَتَّبٍ فُوِّضَ إِلَى رَأْيِ السَّامِعِ لِظُهُورِهِ عِنْدَهُ (وَهُوَ آخِذٌ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ (بِأَيْدِيهِمَا) أَيْ بِيَدَيْهِمَا (هَكَذَا) أَيْ بِالْوَصْفِ الْمَذْكُورِ مِنَ الِاجْتِمَاعِ الْمُسَطَّرِ (نُبْعَثُ) أَيْ نَخْرُجُ مِنَ الْقُبُورِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه بن ماجه [3670] قوله (حدثنا مالك بن إسماعيل) الهندي أبو غسان (حدثني كثير أبو إسماعيل) هو بن إِسْمَاعِيلَ النَّوَّاءِ (عَنْ جُمَيْعِ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ عُمَيْرٍ) كَذَلِكَ (التَّيْمِيِّ) كُنْيَتُهُ أَبُو الْأَسْوَدِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يُخْطِئُ وَيَتَشَيَّعُ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَنْتَ صَاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ) أَيِ الْكَوْثَرِ (وَصَاحِبِي فِي الْغَارِ) أَيِ الْكَهْفِ الَّذِي بِجَبَلِ ثَوْرٍ الَّذِي أَوَيَا إِلَيْهِ فِي خُرُوجِهِمَا مُهَاجِرَيْنِ قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ يَعْنِي صَاحِبِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَوْنُهُ صَاحِبًا لَهُ فِي الْغَارِ فَضِيلَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا أَبُو بَكْرٍ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ انْتَهَى وَقَالَ القارىء أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِصَاحِبِهِ فِي الْآيَةِ يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هما في الغار هُوَ أَبُو بَكْرٍ وَقَدْ قَالُوا مَنْ أَنْكَرَ صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ كَفَرَ لِأَنَّهُ أَنْكَرَ النَّصَّ الْجَلِيَّ بِخِلَافِ صُحْبَةِ غَيْرِهِ مِنْ عُمَرَ أَوْ عُثْمَانَ أَوْ عَلِيٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ 8 - باب [3671] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ) بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ

عَنْ جَدِّهِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ وَلَهُ حَدِيثٌ مُخْتَلَفٌ فِي إِسْنَادِهِ انْتَهَى (هَذَانِ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ) أَيْ نَفْسُهُمَا مُبَالَغَةً كَرَجُلٍ عَدْلٍ أَوْ هُمَا فِي الْمُسْلِمِينَ أَوْ فِي الدِّينِ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ فِي الْأَعْضَاءِ فَحَذَفَ كَافَ التَّشْبِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ وَلِذَا يُسَمَّى تَشْبِيهًا بَلِيغًا أَوْ هُمَا فِي الْعِزَّةِ عِنْدِي بِمَنْزِلَتِهِمَا قَالَ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمَّاهُمَا بِذَلِكَ لِشِدَّةِ حِرْصِهِمَا عَلَى اسْتِمَاعِ الْحَقِّ وَاتِّبَاعِهِ وَتَهَالُكِهِمَا عَلَى النَّظَرِ فِي الْآيَاتِ الْمُنْبَثَّةِ فِي الْأَنْفُسِ وَالْآفَاقِ وَالتَّأَمُّلِ فِيهَا وَالِاعْتِبَارِ بِهَا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ وَفِيهِ مُحَمَّدٌ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ وَلَمْ أَعْرِفْهُ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَنْطَبٍ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا قال بن أبي حاتم له صحبه وكذا قال بن عبد البر وزاد وحديثه مضطرب الإسناد وقد سقط بين بن أَبِي فُدَيْكٍ وَبَيْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاسِطَةٌ فَقَدْ رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ صُبَيْحٍ وَالْفَضْلُ بْنُ الصَّبَّاحِ عن بن أَبِي فُدَيْكٍ حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهَكَذَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ وَيُوسُفُ بن يعقوب الصغار عن بن أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ حَدَّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ وَعُمَرُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ انْتَهَى وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلسُّيُوطِيِّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنَ الرَّأْسِ رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ بن عَبْدِ الْبَرِّ وَمَا لَهُ غَيْرُهُ وَرَوَاهُ أَبُو نعيم في الحلية عن بن عباس والخطيب عن جابر انتهى 9 - باب [3672] قَوْلُهُ (مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ قَالَتْ لَمَّا مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَحَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَأُذِّنَ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ (لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ الْبُكَاءِ) أَيْ لَمْ يستطيع أَنْ يُسْمِعَ النَّاسَ مِنْ شِدَّةِ الْبُكَاءِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ

يستطع أن يصلي بالناس وفي حديث بن عُمَرَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ قَالَتْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَرَأَ غَلَبَهُ الْبُكَاءُ (فَفَعَلَتْ حَفْصَةُ) أَيْ ذَلِكَ (إِنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ) أَيِ الصِّدِّيقِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَصَوَاحِبُ جَمْعُ صَاحِبَةٍ وَالْمُرَادُ أَنَّهُنَّ مِثْلُ صَوَاحِبِ يُوسُفَ فِي إِظْهَارِ خِلَافِ مَا فِي الْبَاطِنِ ثُمَّ إِنَّ هَذَا الْخِطَابَ وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فَالْمُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ وَهِيَ عَائِشَةُ فَقَطْ كَمَا أَنَّ صَوَاحِبَ صِيغَةُ جَمْعٍ وَالْمُرَادُ زُلَيْخَا فَقَطْ وَوَجْهُ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ زُلَيْخَا اسْتَدْعَتِ النِّسْوَةَ وَأَظْهَرَتْ لَهُنَّ الْإِكْرَامَ بِالضِّيَافَةِ وَمُرَادُهَا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ يَنْظُرْنَ إِلَى حُسْنِ يُوسُفَ وَيَعْذُرْنَهَا فِي مَحَبَّتِهِ وَأَنَّ عَائِشَةَ أَظْهَرَتْ أَنَّ سَبَبَ إِرَادَتِهَا صَرْفِ الْإِمَامَةِ عَنْ أَبِيهَا كَوْنُهُ لَا يُسْمِعُ الْمَأْمُومِينَ الْقِرَاءَةَ لِبُكَائِهِ وَمُرَادُهَا زِيَادَةٌ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ أَنْ لَا يَتَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ وَقَدْ صَرَّحَتْ هِيَ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَتْ لَقَدْ رَاجَعْتُهُ وَمَا حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا الْحَدِيثَ كَذَا فِي الْفَتْحِ (مَا كُنْتُ لِأُصِيبَ مِنْكِ خَيْرًا) قَالَ الْحَافِظُ إِنَّمَا قَالَتْ حَفْصَةُ ذَلِكَ لِأَنَّ كَلَامَهَا صَادَفَ الْمَرَّةَ الثَّالِثَةَ مِنَ الْمُعَاوَدَةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُرَاجَعُ بَعْدَ ثَلَاثٍ فَلَمَّا أَشَارَ إِلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهَا بِمَا ذُكِرَ مِنْ كَوْنِهِنَّ صَوَاحِبَ يُوسُفَ وَجَدَتْ حَفْصَةُ فِي نَفْسِهَا مِنْ ذَلِكَ لِكَوْنِ عَائِشَةَ هِيَ الَّتِي أَمَرَتْهَا بِذَلِكَ وَلَعَلَّهَا تَذَكَّرَتْ مَا وَقَعَ لَهَا مَعَهَا أَيْضًا فِي قِصَّةِ الْمَغَافِيرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي التَّفْسِيرِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مسعود وأبي موسى وبن عَبَّاسٍ وَسَالِمِ بْنِ عُبَيْدٍ) أَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ بن عباس فأخرجه بن مَاجَهْ وَغَيْرُهُ قَالَ الْحَافِظُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَأَمَّا حديث سالم بن عبيد فأخرجه بن ماجه وبن خزيمة في صحيحه 0 - باب [3673] قَوْلُهُ (عَنْ عِيسَى بْنِ مَيْمُونٍ الْأَنْصَارِيِّ) فِي التَّقْرِيبِ عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ الْمَدَنِيُّ مَوْلَى

الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ يُعْرَفُ بِالْوَاسِطِيِّ وَيُقَالُ لَهُ بن تليدان بفتح المثناة وفرق بينهما بن معين وبن حبان وبن مَيْمُونٍ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ (عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَوْلُهُ (لَا يَنْبَغِي لِقَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ) قَالَ فِي اللُّمَعَاتِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِهِ فِي الدِّينِ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ فَكَانَ تَقْدِيمُهُ فِي الْخِلَافَةِ أَيْضًا أَوْلَى وَأَفْضَلَ وَلِهَذَا قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى قَدَّمَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِ دِينِنَا فَمَنِ الَّذِي يُؤَخِّرُكَ فِي دُنْيَانَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هذا حديث غريب) ذكره بن الْجَوْزِيِّ فِي مَوْضُوعَاتِهِ وَقَالَ فِيهِ عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَأَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ مَتْرُوكٌ قَالَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي تَعَقُّبَاتِهِ الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ بَشِيرٍ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَوَثَّقَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ ضَعِيفٌ يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ وَعِيسَى قَالَ فِيهِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ثِقَةٌ وَقَالَ يَحْيَى مَرَّةً لَا بَأْسَ بِهِ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُمَا وَلَمْ يُتَّهَمْ بِكَذِبٍ فَالْحَدِيثُ حَسَنٌ وَشَاهِدُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي تَقْدِيمِهِ إِمَامًا لِلصَّلَاةِ في مرض الوفاة وقال الحافظ بن كَثِيرٍ فِي مُسْنَدِ الصِّدِّيقِ إِنَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ شواهد يقتضي صِحَّتَهُ وَأَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِيُصَلِّ بِالنَّاسِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَمَرْتُ غَيْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَؤُمَّهُمْ إِمَامٌ وفيهم أبو بكر انتهى 1 - باب [3674] قَوْلُهُ (عَنْ حُمَيْدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ قَوْلُهُ (مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ) أَيْ شَيْئَيْنِ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَقَدْ جَاءَ مُفَسَّرًا مَرْفُوعًا بَعِيرَيْنِ شَاتَيْنِ حِمَارَيْنِ دِرْهَمَيْنِ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) اخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقِيلَ أَرَادَ الْجِهَادَ وَقِيلَ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ (نُودِيَ فِي الْجَنَّةِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ نُودِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ (يَا عَبْدَ اللَّهِ هَذَا خَيْرٌ) لَيْسَ اسْمَ التَّفْضِيلِ بَلِ الْمَعْنَى هَذَا خَيْرٌ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالتَّنْوِينُ فِيهِ لِلتَّعْظِيمِ (فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ) أَيْ

الْمُؤَدِّينَ لِلْفَرَائِضِ الْمُكْثِرِينَ مِنَ النَّوَافِلِ وَكَذَا مَا يَأْتِي فِيمَا قِيلَ (وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ) أَيِ الَّذِي الْغَالِبُ عَلَيْهِ الصِّيَامُ وَإِلَّا فَكُلُّ الْمُؤْمِنِينَ أَهْلٌ لِلْكُلِّ (دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ وَزْنُ فَعْلَانَ مِنَ الرَّيِّ اسْمٌ عَلَمٌ لِبَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَخْتَصُّ بِدُخُولِ الصَّائِمِينَ مِنْهُ وَهُوَ مِمَّا وَقَعَتِ الْمُنَاسَبَةُ فِيهِ بَيْنَ لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنَ الرِّيِّ وَهُوَ مُنَاسِبٌ لِحَالِ الصَّائِمِينَ قَالَ الْحَافِظُ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ كُلَّ عَامِلٍ يُدْعَى مِنْ بَابِ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ صَرِيحًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِكُلِّ عَامِلٍ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يدعى منه بذلك العمل أخرجه أحمد وبن أَبِي شَيْبَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ وَوَقَعَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُ أَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَبْوَابَ الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةٌ وَبَقِيَ مِنَ الْأَرْكَانِ الْحَجُّ فَلَهُ بَابٌ بِلَا شَكٍّ وَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُخْرَى فَمِنْهَا بَابُ الْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ عَنِ الْحَسَنِ مُرْسَلًا إِنَّ لِلَّهِ بَابًا فِي الْجَنَّةِ لَا يَدْخُلُهُ إِلَّا مَنْ عَفَا عَنْ مَظْلَمَةٍ وَمِنْهَا الْبَابُ الْأَيْمَنُ وَهُوَ بَابُ الْمُتَوَكِّلِينَ الذي يدخله مِنْهُ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ وَلَا عَذَابَ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَلَعَلَّهُ بَابُ الذِّكْرِ فَإِنَّ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ مَا يَرْمِي إِلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَابَ الْعِلْمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْأَبْوَابِ التي يدعى منها أبواب مِنْ دَاخِلِ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الْأَصْلِيَّةِ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَةَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ ثَمَانِيَةٍ انْتَهَى وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بَيَانُ الدَّاعِي فَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْهُ مَرْفُوعًا مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دَعَاهُ خَزَنَةُ الْجَنَّةِ كُلُّ خَزَنَةِ بَابٍ أَيْ قِيلَ هَلُمَّ الْحَدِيثَ (مَا عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ هَذِهِ الْأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ) كَلِمَةُ مَا لِلنَّفْيِ وَمِنْ زَائِدَةٌ وَهِيَ اسم ما أي ليس ضرورة واحتياج عَلَى مَنْ دُعِيَ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ إِنْ لَمْ يُدْعَ مِنْ سَائِرِهَا لحصول المقصود وهو دخول الجنة وهذا نوع تَمْهِيدُ قَاعِدَةِ السُّؤَالِ فِي قَوْلِهِ (فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ كُلِّهَا) أَيْ سَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ مَعْرِفَتِي بِأَنْ لَا ضَرُورَةَ وَلَا احْتِيَاجَ لِمَنْ يُدْعَى مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ إِلَى الدُّعَاءِ مِنْ سَائِرِ الْأَبْوَابِ إِذْ يَحْصُلُ مُرَادُهُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ (قَالَ نَعَمْ) أَيْ يَكُونُ جَمَاعَةٌ يُدْعَوْنَ مِنْ جَمِيعِ الْأَبْوَابِ تَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا لَهُمْ لِكَثْرَةِ صَلَاتِهِمْ وَجِهَادِهِمْ وَصِيَامِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ (وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الرَّجَاءُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ نَبِيِّهِ وَاقِعٌ مُحَقَّقٌ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَدْخُلُ الْحَدِيثُ فِي فضائل أبي بكر ووقع في حديث بن عباس عند بن حِبَّانَ فِي نَحْوِ هَذَا

الْحَدِيثِ التَّصْرِيحُ بِالْوُقُوعِ لِأَبِي بَكْرٍ وَلَفْظُهُ قَالَ أَجَلْ وَأَنْتَ هُوَ يَا أَبَا بَكْرٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ [3675] قَوْلُهُ (أَنْ نَتَصَدَّقَ) أَيْ فِي بَعْضِ الْجِهَاتِ (وَوَافَقَ ذَلِكَ عِنْدِي مَالًا) أَيْ صَادَفَ أَمْرُهُ بالتَّصَدُّقِ حُصُولَ مَالٍ عِنْدِي فَعِنْدِي حَالٌ مِنْ مَالٍ وَالْجُمْلَةُ حَالٌ مِمَّا قَبْلَهُ يَعْنِي وَالْحَالُ أَنَّهُ كَانَ لِي مَالٌ كَثِيرٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ (الْيَوْمَ أَسْبِقُ أَبَا بَكْرٍ) أَيْ بِالْمُبَارَزَةِ أَوْ بِالْمُبَالَغَةِ (إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا) أَيْ مِنَ الْأَيَّامِ وَإِنْ شَرْطِيَّةٌ دَلَّ عَلَى جَوَابِهَا مَا قَبْلَهَا أَوِ التَّقْدِيرُ إِنْ سَبَقْتُهُ يَوْمًا فَهَذَا يَوْمُهُ وَقِيلَ إِنْ نَافِيَةٌ أَيْ مَا سَبَقْتُهُ يَوْمًا قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ (قَالَ) أَيْ عُمَرُ (قُلْتُ مِثْلَهُ) أَيْ أَبْقَيْتُ مِثْلَهُ يَعْنِي نِصْفَ مَالِهِ (بِكُلِّ مَا عِنْدَهُ) أَيْ مِنَ الْمَالِ (اللَّهَ وَرَسُولَهُ) مَفْعُولُ أَبْقَيْتُ أَيْ رِضَاهُمَا (لَا أَسْبِقُهُ إِلَى شَيْءٍ) أَيْ مِنَ الْفَضَائِلِ لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُغَالَبَتِهِ حِينَ كَثْرَةِ مَالِهِ وَقِلَّةِ مَالِ أَبِي بَكْرٍ فَفِي غَيْرِ هَذَا الْحَالِ أَوْلَى أَنْ لَا يَسْبِقَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَكَتَ عَنْهُ هُوَ وَالْمُنْذِرِيُّ 2 - باب [3676] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ (فَكَلَّمْتُهُ فِي شَيْءٍ) أَيْ مِنْ أَمْرِهَا (فَأَمَرَهَا بِأَمْرٍ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (إِنْ لَمْ أَجِدْكَ

فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ كَأَنَّهَا تَقُولُ الْمَوْتُ (فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى فَضْلِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ أَيْضًا إِلَى أَنَّهُ هُوَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَعْدِهِ مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى مَنْ نَدْفَعُ صَدَقَاتِ أَمْوَالِنَا بَعْدَكَ قَالَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَفِيهِ ضَعِيفٌ وَرَوَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي مُعْجَمِهِ مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ بَايَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعَرَابِيًّا فَسَأَلَهُ إِنْ أَتَى عَلَيْهِ أَجَلُهُ مَنْ يَقْضِيهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ سَأَلَهُ مَنْ يَقْضِيهِ بَعْدَهُ قَالَ عُمَرُ الْحَدِيثَ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ بَاب [3678] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ هُوَ الرَّازِيُّ أخبرنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ التَّيْمِيُّ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الرَّازِيُّ صَدُوقٌ ضَعِيفُ الْحِفْظِ مِنَ الثَّامِنَةِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ الْجَزَرِيِّ أَبِي سُلَيْمَانَ ثِقَةٌ فِي حَدِيثِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ بَعْضُ الْوَهْمِ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ أَمَرَ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الْمَنَاقِبِ لَا يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلَّا سُدَّ إِلَّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ وَفِي الْهِجْرَةِ لَا تُبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ وَكَذَا عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ كَمَا تقدم قال الخطابي وبن بَطَّالٍ وَغَيْرُهُمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِصَاصٌ ظَاهِرٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ قَوِيَّةٌ إِلَى اسْتِحْقَاقِهِ لِلْخِلَافَةِ وَلَا سِيَّمَا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي آخِرِ حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي أَمَرَهُمْ فِيهِ أَنْ لَا يَؤُمَّهُمْ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ تَنْبِيهٌ أَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ قَوِيٍّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ الشَّارِعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَتَرْكِ بَابِ عَلِيٍّ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَمْرِ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهَا وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا وَكُلُّ طَرِيقٍ مِنْهَا صَالِحٌ لِلِاحْتِجَاجِ فَضْلًا عَنْ مَجْمُوعِهَا انْتَهَى فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُخَالِفُ أَحَادِيثَ الْبَابِ قَالَ الْحَافِظُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ وَرَدَ فِي رِوَايَاتِ أَهْلِ الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي ورد رِوَايَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ فَإِنْ ثَبَتَتْ رِوَايَاتُ

أَهْلِ الْكُوفَةِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَطْرُقَ هَذَا الْمَسْجِدَ جُنُبًا غَيْرِي وَغَيْرُكَ وَالْمَعْنَى أَنَّ بَابَ عَلِيٍّ كَانَ إِلَى جِهَةِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَكُنْ لِبَيْتِهِ بَابٌ غَيْرُهُ فَلِذَلِكَ لَمْ يُؤْمَرْ بِسَدِّهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ مِنْ طَرِيقِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَأْذَنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ جُنُبٌ إِلَّا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِأَنَّ بَيْتَهُ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ وَمُحَصِّلُ الْجَمْعِ أَنَّ الْأَمْرَ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ وَقَعَ مَرَّتَيْنِ فَفِي الْأُولَى اسْتُثْنِيَ عَلِيٌّ لِمَا ذَكَرَهُ وَفِي الْأُخْرَى اسْتُثْنِيَ أَبُو بَكْرٍ وَلَكِنْ لَا يَتِمُّ ذَلِكَ إِلَّا بِأَنْ يُحْمَلَ مَا فِي قِصَّةِ عَلِيٍّ عَلَى الْبَابِ الْحَقِيقِيِّ وَمَا فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ عَلَى الْبَابِ الْمَجَازِيِّ وَالْمُرَادُ بِهِ الْخَوْخَةُ كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ وَكَأَنَّهُمْ لَمَّا أُمِرُوا بِسَدِّ الْأَبْوَابِ سَدُّوهَا وَأَحْدَثُوا خَوْخًا يَسْتَقْرِبُونَ الدُّخُولَ إِلَى الْمَسْجِدِ مِنْهَا فَأُمِرُوا بِسَدِّهَا فَهَذِهِ طَرِيقَةٌ لَا بَأْسَ بِهَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَبِهَا جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي مُشْكِلِ الْآثَارِ فِي أَوَائِلِ الثُّلُثِ الثَّالِثِ مِنْهُ وَأَبُو بَكْرٍ الْكَلَابَاذِيُّ فِي مَعَانِي الْأَخْبَارِ وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ لَهُ بَابٌ مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ وَخَوْخَةٌ إِلَى دَاخِلِ الْمَسْجِدِ وَبَيْتُ عَلِيٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَابٌ إِلَّا مِنْ دَاخِلِ الْمَسْجِدِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا تقدم قريبا باب [3679] قوله أخبرنا معن هو بن عِيسَى الْقَزَّازِ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ الْخَامِسَةِ عَنْ عَمِّهِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ فسمي يؤمئذ عتيقا قال بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّلْقِيحِ فِي تَسْمِيَتِهِ بِعَتِيقٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَوَتْهُ عَائِشَةُ وَالثَّانِي أَنَّهُ اسْمٌ سَمَّتْهُ بِهِ أُمُّهُ قَالَهُ مُوسَى بْنُ طَلْحَةَ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ سُمِّيَ بِهِ لِجَمَالِ وَجْهِهِ قَالَهُ اللَّيْثُ بْنُ سعد وقال بن قُتَيْبَةَ لَقَّبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ لِجَمَالِ وَجْهِهِ انْتَهَى قُلْتُ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ هو الراجح المعول عليه

باب

(باب) [3680] قَوْلُهُ أخبرنَا تَلِيدٌ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِدَالٍ مُهْمَلَةٍ الْمُحَارِبِيُّ الْكُوفِيُّ الْأَعْرَجُ رافضي ضعيف من الثامنة قال صالح جزرة كَانُوا يُسَمُّونَهُ بَلِيدًا يَعْنِي بِالْمُوَحَّدَةِ عَنْ عَطِيَّةَ هُوَ الْعَوْفِيُّ قَوْلُهُ مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَلَهُ وَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَوَزِيرَانِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ الْوَزِيرُ الْمُوَازِرُ لِأَنَّهُ يَحْمِلُ الْوِزْرَ أَيِ الثِّقَلَ عَنْ أَمِيرِهِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا أَصَابَهُ أَمْرٌ شَاوَرَهُمَا كَمَا أَنَّ الْمَلِكَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ مُشْكِلٌ شَاوَرَ وَزِيرَهُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أخي اشدد به أزري قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْوَزِيرُ هُوَ الَّذِي يُوَازِرُهُ فَيَحْمِلُ عَنْهُ مَا حَمَلَهُ مِنَ الْأَثْقَالِ وَالَّذِي يَلْتَجِئُ الْأَمِيرُ إِلَى رَأْيِهِ وَتَدْبِيرِهِ فَهُوَ مَلْجَأٌ لَهُ وَمَفْزَعٌ فَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ فَجِبْرَئِيلُ وَمِيكَائِيلُ فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى فَضْلِهِ صلوات الله وسلامه عليه على جبرائيل وَمِيكَائِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ كَمَا أَنَّ فِيهِ إِيمَاءً إلى تفضيل جبرائيل عَلَى مِيكَائِيلَ وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى فَضْلِهِمَا عَلَى غَيْرِهِمَا مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُمْ أَفْضَلُ الْأُمَّةِ وَعَلَى أَنَّ أَبَا بَكْرٍ أَفْضَلُ مِنْ عُمَرَ لِأَنَّ الْوَاوَ وَإِنْ كَانَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ ولكن ترتبه في لفظه الْحَكِيمِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَثَرٍ عَظِيمٍ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وصححه وأقروه والحكيم في نوادره عن بن عباس وغيره وبن عَسَاكِرَ وَأَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي ذَرٍّ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ كَذَا فِي التَّيْسِيرِ [3677] قَولُهُ بَيْنَمَا رَجُلٌ رَاكِبٌ بَقَرَةً إِذْ قَالَتْ لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ

بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا قَالَ الْحَافِظُ اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الدَّوَابَّ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مُعْظَمِ مَا خلق لَهُ وَلَمْ تُرِدِ الْحَصْرَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ اتِّفَاقًا لِأَنَّ مِنْ أَجَلِّ مَا خلقت له أنها تذبح وتؤكل بالاتفاق قال رسول الله ثلى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنْتُ بِذَلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَخْبَرَهُمَا بِذَلِكَ فَصَدَّقَاهُ أَوْ أَطْلَقَ ذَلِكَ لِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُمَا يُصَدِّقَانِ بِذَلِكَ إِذَا سَمِعَاهُ وَلَا يَتَرَدَّدَانِ فِيهِ وَمَا هُمَا فِي القوم يؤمئذ أَيْ عِنْدَ حِكَايَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مناقب أبي حفص عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [3681] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيُّ أَبُو زَيْدٍ الْمَدَنِيِّ وَقَدْ يُنْسَبُ إِلَى جَدِّهِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ أَيْ قَوِّهِ وَانْصُرْهُ وَاجْعَلْهُ غَالِبًا عَلَى الْكُفْرِ بِأَبِي جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْ لِلتَّنْوِيعِ لَا لِلشَّكِّ قَالَ أَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّ أَحَبَّهُمَا إِلَيْهِ أَيْ إِلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَفِي حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ الْآتِي فَأَصْبَحَ فَغَدَا عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ عُمَرُ قَالَ الْحَافِظُ أَيْ لِمَا كَانَ فِيهِ مِنَ الْجَلَدِ وَالْقُوَّةِ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَرَوَى بن أبي شيبة

وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ عِزًّا وَهِجْرَتُهُ نَصْرًا وَإِمَارَتُهُ رَحْمَةً وَاللَّهِ مَا اسْتَطَعْنَا أَنْ نُصَلِّيَ حَوْلَ الْبَيْتِ ظَاهِرِينَ حَتَّى أَسْلَمَ عُمَرُ وَقَدْ وَرَدَ سَبَبُ إِسْلَامِهِ مُطَوَّلًا فِيمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ خَرَجَ عمر متقلدا السيف فلقيه رجل من بين زُهْرَةَ فَذَكَرَ قِصَّةَ دُخُولِ عُمَرَ عَلَى أُخْتِهِ وَإِنْكَارَهُ إِسْلَامَهَا وَإِسْلَامَ زَوْجِهَا سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَقِرَاءَتَهُ سُورَةَ طَهَ وَرَغْبَتَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَخَرَجَ خَبَّابٌ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا عُمَرُ فَإِنِّي أَرْجُو أن تكون دعوة رسول الله لَكَ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِعُمَر أَوْ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ وَفِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ لِخَيْثَمَةَ مِنْ طريق أبي وائل عن بن مَسْعُودٍ قَالَ قَالَ اللَّهُمَّ أَيِّدِ الْإِسْلَامَ بِعُمَرَ وَمِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ مِثْلُهُ بِلَفْظِ أَعِزَّ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مِثْلُهُ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ انْتَهَى قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَقْلِ كلام الترمذي هذا وصححه بن حِبَّانَ أَيْضًا وَفِي إِسْنَادِهِ خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صَدُوقٌ فِيهِ مَقَالٌ لَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ من حديث بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا وَمِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ يعني المذكور في كلامه المتقدم باب [3682] قَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ أَيْ أَجْرَاهُ عَلَى لِسَانِهِ وَذَلِكَ أَمْرٌ خِلْقِيٌّ جِبِلِّيٌّ لَهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذر عند بن مَاجَهْ إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ قَالَ الطِّيبِيُّ ضُمِّنَ جَعَلَ مَعْنَى أَجْرَى فَعَدَّاهُ بِعَلَى وَفِيهِ مَعْنَى ظُهُورِ الْحَقِّ وَاسْتِعْلَائِهِ عَلَى لِسَانِهِ وَفِي وَضْعِ الْجَعْلِ مَوْضِعَ أَجْرَى إِشْعَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ خِلْقِيًّا ثَابِتًا مُسْتَقِرًّا قَالَ أَيْ نَافِعٌ مَا نَافِيَةٌ نَزَلَ أَيْ حَدَثَ بِالنَّاسِ أَيْ فِيهِمْ فَقَالُوا فِيهِ أَيْ قَالَ الصَّحَابَةُ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ بِرَأْيِهِمْ وَاجْتِهَادِهِمْ وَقَالَ فِيهِ عُمَرُ أَيْ بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ عُمَرُ أَيْ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِ قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنِ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَمَّا حَدِيثُ الْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ

فأخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وبن مَاجَهْ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَأَقَرُّوهُ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ وَالْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ رِجَالُ الْبَزَّارِ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ الْجَهْمِ بْنِ أَبِي الْجَهْمِ وَهُوَ ثِقَةٌ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ باب [3683] قَوْلُهُ عَنِ النَّضْرِ أَبِي عُمَرَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْخَزَّازُ بِمُعْجَمَاتٍ مَتْرُوكٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ اسمه عمرو بن هشام قال أي بن عَبَّاسٍ فَأَصْبَحَ أَيْ دَخَلَ عُمَرُ فِي الصَّبَاحِ بَعْدَ دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَهُ فَغَدَا عُمَرُ أَيْ أَقْبَلَ غَادِيًا أَيْ ذَاهِبًا فِي أَوَّلِ النَّهَارِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ إِمَّا خَبَرٌ أَيْ غَدَا مُقْبِلًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ ضُمِّنَ غَدَا مَعْنَى أَقْبَلَ وَنَحْوَهُ قوله تعالى وغدوا على حرد قادرين فَأَسْلَمَ أَيْ عُمَرُ زَادَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ ثم صلى في المسجد ظاهرا قال القارىء أَيْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ صَلَّى الْمُؤْمِنُونَ فِي الْمَسْجِدِ ظَاهِرًا أَيْ عِيَانًا غَيْرَ خَفِيٍّ أَوْ غَالِبًا غَيْرَ مَخُوفٍ قوله هذا حديث غريب وأخرجه أحمد باب [3684] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ الْوَاسِطِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ التَّمَّارُ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَخِي مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ في التقريب عبد الرحمن القرشي التيمي بن أَخِي مُحَمَّدِ بْنِ

الْمُنْكَدِرِ مَجْهُولٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ أَمَا بِالتَّخْفِيفِ للتنبيه إنك إن قلت ذاك أي إذا قُلْتَ ذَلِكَ الْكَلَامَ وَعَظَّمْتَنِي مِنْ بَيْنِ الْأَنَامِ فَأُجَازِيكَ بِمِثْلِ هَذَا الْمَرَامِ مِنَ التَّبْشِيرِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَى رَجُلٍ خَيْرٍ مِنْ عُمَرَ هُوَ إِمَّا مَحْمُولٌ عَلَى أَيَّامِ خِلَافَتِهِ أَوْ مُقَيَّدٌ بِبَعْدَ أَبِي بَكْرٍ أَوِ الْمُرَادُ فِي بَابِ الْعَدَالَةِ أَوْ طَرِيقِ السِّيَاسَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَلْفَاظِ الْوَارِدَةِ في السنة قاله القارىء وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ وُجُوهُ الْخَيْرِيَّةِ مُخْتَلِفَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا خَيْرًا مَعَ كَوْنِ أَبِي بَكْرٍ أَفْضَلَ مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ إِنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ لَهُ فِي بَعْضِ الْأَزْمِنَةِ الْآتِيَةِ وَهُوَ مِنْ إِفْضَاءِ الْخِلَافَةِ إِلَيْهِ إِلَى مَوْتِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ أَفْضَلُ أَهْلِ الْأَرْضِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ أَيْ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَنَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ لَا يُتَابَعُ عَلَيْهِ وَلَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهِ انْتَهَى قُلْتُ وَفِي سَنَدِ هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَقُولُ هَذَا إِلَّا فِيمَنْ يَتَّهِمُهُ غَالِبًا قَالَهُ الذَّهَبِيُّ قال وتكلم فيه بن حبان وبن عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَتِهِ أَيْ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُدَ هَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَخِي مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ عَمِّهِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ يَوْمًا يا سيد المسلمين فقال أما إذا قلت فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِهِ هَذَا كَذِبٌ انْتَهَى قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ لِيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ [3685] قَوْلُهُ عَنْ أَيُّوبَ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ يُنْتَقَصُ صِفَةٌ مِنَ الِانْتِقَاصِ صِفَةٌ لِقَوْلِهِ رَجُلًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَتَنَقَّصُ مِنَ التنقص يقال فلان يتنقص فلانا ويتنقصه أَيْ يَقَعُ فِيهِ وَيَذُمُّهُ يُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْنِي لَا يُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَذُمُّ وَيَشْتُمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَظَنُّ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ هَذَا صَحِيحٌ عِنْدِي وَقَالَ بن مَعِينٍ فِي تَلِيدِ بْنِ سُلَيْمَانَ إِنَّهُ كَذَّابٌ كَانَ يَشْتُمُ عُثْمَانَ وَكُلُّ مَنْ شَتَمَ عُثْمَانَ أَوْ طَلْحَةَ أَوْ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَجَّالٌ لَا يُكْتَبُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أجمعين ذكره الحافظ في تهذيب التهذيب

باب [3686] قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا الْمُقْرِئُ بِضَمِّ الْمِيمِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمَكِّيُّ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحِ بْنِ صَفْوَانَ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو الْمَعَافِرِيِّ الْمِصْرِيِّ عَنْ مِشْرَحٍ كَمِنْبَرٍ قَوْلُهُ لَوْ كَانَ نَبِيٌّ بَعْدِي لَكَانَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِيهِ إِبَانَةٌ عَنْ فَضْلِ مَا جَعَلَهُ اللَّهُ لِعُمَرَ مِنْ أَوْصَافِ الْأَنْبِيَاءِ وَخِلَالِ الْمُرْسَلِينَ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والحاكم وبن حِبَّانَ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ كذا في الفتح باب [3687] قَوْلُهُ رَأَيْتُ كَأَنِّي أُتِيتُ بِقَدَحِ لَبَنٍ إِلَخْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الرُّؤْيَا وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ [3688] قَوْلُهُ فَإِذَا أَنَا بِقَصْرٍ هُوَ الدَّارُ الْكَبِيرَةُ الْمُشَيَّدَةُ لِأَنَّهُ يُقْصَرُ فِيهِ الْحُرَمُ فَقُلْتُ أي للملائكة فظننت

أني أنا هو أي الشاب فقالوا أَيِ الْمَلَائِكَةُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَمْ يُصَرِّحْ بِكَوْنِهِ لَهُ ابْتِدَاءً تِبْيَانًا لِفَضْلِ قُرَيْشٍ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن حبان باب [3689] قَوْلُهُ بُرَيْدَةُ بِالرَّفْعِ بَدَلٌ مِنْ أَبِي أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أي ذَاتَ يَوْمٍ فَدَعَا بِلَالًا أَيْ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ بِمَ أَيْ بِأَيِّ شَيْءٍ مَا دَخَلْتُ الْجَنَّةَ قَطُّ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بِلَالًا كَذَلِكَ مَرَّاتٍ إِلَّا سَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ الْخَشْخَشَةُ حَرَكَةٌ لَهَا صَوْتٌ كَصَوْتِ السِّلَاحِ أَمَامِي أَيْ قُدَّامِي دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ هِيَ أَقْرَبُ لَيْلَةٍ مَضَتْ فَسَمِعْتُ خَشْخَشَتَكَ أَمَامِي قِيلَ مِشْيَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيلِ الْخِدْمَةِ كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِتَقَدُّمِ بَعْضِ الْخَدَمِ بَيْنَ يَدَيْ مَخْدُومِهِ وَإِنَّمَا أَخْبَرَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِمَا رَآهُ لِيُطَيِّبَ قَلْبَهُ وَيُدَاوِمَ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ وَلِتَرْغِيبِ السَّامِعِينَ إِلَيْهِ فَأَتَيْتُ عَلَى قَصْرٍ مُرَبَّعٍ مُشْرِفٍ أَيْ لَهُ شُرْفَةٌ وَالشُّرْفَةُ مِنَ الْقَصْرِ مَا أَشْرَفَ مِنْ بِنَائِهِ قَالَ فِي الصُّرَاحِ شُرْفَةٌ بِالضَّمِّ كَنُكْرَةٍ جَمْعُهَا شُرَفٌ قَالُوا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مَا أَذِنْتُ أَيْ مَا أَرَدْتُ التَّأْذِينَ إِلَّا صَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ أَيْ نَفْلًا قَبْلَ الْأَذَانِ وَالْأَظْهَرُ مَا أَذَّنْتُ إِلَّا صَلَّيْتُ قَبْلَ الْإِقَامَةِ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَابِلٌ لِاسْتِثْنَاءِ الْمَغْرِبِ إِذْ ما من عام إلا وخص قاله القارىء قلت قول القارىء هُوَ قَابِلٌ لِاسْتِثْنَاءِ الْمَغْرِبِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّهُ قَدْ وَرَدَ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ إِقَامَةِ الْمَغْرِبِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ حَدَثٌ بِفَتْحَتَيْنِ هُوَ لُغَةً الشَّيْءُ الْحَادِثُ نُقِلَ إِلَى نَاقِضَاتِ الْوُضُوءِ إِلَّا تَوَضَّأْتُ عِنْدَهَا أَيْ عِنْدَ إِصَابَةِ الْحَدَثِ ورأيت عطف على توضأت قال بن

الملك أي ظننت وقال بن حجر المكي أي اعتقدت وقال القارىء الْأَظْهَرُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرَّأْيِ أَيِ اخْتَرْتُ أَنَّ لِلَّهِ عَلَيَّ رَكْعَتَيْنِ أَيْ شُكْرًا لَهُ تَعَالَى عَلَى إِزَالَةِ الْأَذِيَّةِ وَتَوْفِيقِ الطَّهَارَةِ قَالَ الطِّيبِيُّ كِنَايَةً عَنْ مُوَاظَبَتِهِ عَلَيْهِمَا بِهِمَا أَيْ بِهِمَا نِلْتُ مَا نِلْتُ أَوْ عَلَيْكَ بِهِمَا قاله الطيبي قال القارىء وَهُوَ أَحْسَنُ مِمَّا قِيلَ بِهَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ثُمَّ الظَّاهِرُ أَنَّ ضَمِيرَ التَّثْنِيَةِ رَاجِعٌ إِلَى الْقَرِيبَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَهُمَا دَوَامُ الطَّهَارَةِ وَتَمَامُهَا بِأَدَاءِ شُكْرِ الْوُضُوءِ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الصَّلَاةِ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ وَالصَّلَاةِ بَعْدَ كُلِّ طَهَارَةٍ أَوِ الَى الصَّلَاةِ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ وَمَجْمُوعُ دَوَامِ الْوُضُوءِ وَشُكْرِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَمُعَاذٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِلَخْ أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وأما حديث معاذ وهو بن جَبَلٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ قَبْلَ هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ وَمَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنِّي دَخَلْتُ البارحةالجنة يَعْنِي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ وَقَعَتْ فِي الْمَنَامِ لَا فِي الْيَقَظَةِ هَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الْحَدِيثِ رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ رَأَيْتنِي فِي الجنة الحديث ويروى عن بن عَبَّاسٍ قَالَ رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ مَقْصُودُ التِّرْمِذِيِّ بِذِكْرِ هَذَا الْأَثَرِ أَنَّ مَا رَآهُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَامِ فِي شَأْنِ عُمَرَ هُوَ حَقٌّ وَصِدْقٌ لَا شُبْهَةَ فيه فإن رؤيا الأنبياء وحي وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ إِنْ كَانَ عُمَرُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَا رَأَى فِي يَقَظَتِهِ أَوْ نَوْمِهِ فَهُوَ حَقٌّ وَأَنَّهُ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا فِي الْجَنَّةِ إِذْ رَأَيْتُ فِيهَا دَارًا فَقُلْتُ لِمَنْ هَذِهِ فَقِيلَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ الله عنه باب [3690] قَوْلُهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَيْ رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْ جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ أَيْ حَضَرَتْ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

سَالِمًا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ صَالِحًا أَيْ مَنْصُورًا بَيْنَ يَدَيْكَ أَيْ قُدَّامَكَ وَفِي حُضُورِكَ بِالدُّفِّ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَهُوَ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَرُوِيَ الْفَتْحُ أَيْضًا هُوَ مَا يُطَبَّلُ بِهِ وَالْمُرَادُ بِهِ الدُّفُّ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَمَّا مَا فِيهِ الْجَلَاجِلُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا اتِّفَاقًا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَفَاءَ بِالنَّذْرِ الَّذِي فِيهِ قُرْبَةٌ وَاجِبٌ وَالسُّرُورُ بِمَقْدِمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْبَةٌ سِيَّمَا مِنَ الْغَزْوِ الَّذِي فِيهِ تُهْلَكُ الْأَنْفُسُ وَعَلَى أَنَّ الضَّرْبَ بِالدُّفِّ مُبَاحٌ وَفِي قَوْلِهَا وَأَتَغَنَّى دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سَمَاعَ صَوْتِ الْمَرْأَةِ بِالْغِنَاءِ مُبَاحٌ إِذَا خَلَا عَنِ الْفِتْنَةِ إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي وَإِلَّا فَلَا فِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ ضَرْبَ الدُّفِّ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِالنَّذْرِ وَنَحْوِهِ مِمَّا وَرَدَ فِيهِ الْإِذْنُ مِنَ الشَّارِعِ كَضَرْبِهِ فِي إِعْلَانِ النِّكَاحِ فَمَا اسْتَعْمَلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِ الْيَمَنِ مِنْ ضَرْبِ الدُّفِّ حَالَ الذِّكْرِ فَمِنْ أَقْبَحِ الْقَبِيحِ وَاللَّهُ وَلِيُّ دِينِهِ وناصر نبيه قاله القارىء وَهِيَ تَضْرِبُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ تَحْتَ اسْتِهَا بِهَمْزِ وصل مكسورة وَسُكُونِ سِينٍ أَيْ إِلْيَتِهَا ثُمَّ قَعَدَتْ عَلَيْهِ أَيْ عَلَى الدُّفِّ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَإِنَّمَا مَكَّنَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ضَرْبِ الدُّفِّ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّهَا نَذَرَتْ فَدَلَّ نَذْرُهَا عَلَى أَنَّهَا عَدَّتِ انْصِرَافَهُ عَلَى حَالِ السَّلَامَةِ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهَا فَانْقَلَبَ الْأَمْرُ فِيهِ مِنْ صَنْعَةِ اللَّهْوِ إِلَى صَنْعَةِ الْحَقِّ وَمِنَ الْمَكْرُوهِ إِلَى الْمُسْتَحَبِّ ثُمَّ إِنَّهُ لَمْ يُكْرَهْ مِنْ ذَلِكَ مَا يَقَعُ بِهِ الْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِأَدْنَى ضَرْبٍ ثُمَّ عَادَ الْأَمْرُ فِي الزِّيَادَةِ إِلَى حَدِّ الْمَكْرُوهِ وَلَمْ يَرَ أَنْ يَمْنَعَهَا لِأَنَّهُ لَوْ مَنَعَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْجِعُ إِلَى حَدِّ التَّحْرِيمِ وَلِذَا سَكَتَ عَنْهَا وَحَمِدَ انْتِهَاءَهَا عَمَّا كانت فيه بمجيء عمر انتهى قال القارىء وَفِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَمْنَعَهَا مَنْعًا لَا يَرْجِعُ إِلَى حَدِّ التَّحْرِيمِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ فَإِنْ قُلْتَ كَيْفَ قَرَّرَ إِمْسَاكَهَا عَنْ ضَرْبِ الدف ها هنا بِمَجِيءِ عُمَرَ وَوَصَفَهُ بِقَوْلِهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ وَلَمْ يُقَرِّرِ انْتِهَارَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْجَارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا تُدَفِّفَانِ أَيَّامَ مِنًى قُلْتُ مُنِعَ أَبُو بَكْرٍ بِقَوْلِهِ دَعْهُمَا وَعَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ وَقَرَّرَ ذَلِكَ هُنَا فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحَالَاتِ وَالْمَقَامَاتِ مُتَفَاوِتَةٌ فَمِنْ حَالَةٍ تَقْتَضِي الِاسْتِمْرَارَ وَمِنْ حَالَةٍ لَا تَقْتَضِيهِ انْتَهَى إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيتَ الشيطان سالكا فجا قط إلا سلك فجا غَيْرَ فَجِّكَ قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ لِعُمَرَ تَقْتَضِي أَنَّ الشَّيْطَانَ لَا سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهِ لَا أَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي وُجُودَ الْعِصْمَةِ إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا فِرَارُ الشَّيْطَانِ مِنْهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي طَرِيقٍ يَسْلُكُهَا وَلَا

يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ وَسْوَسَتِهِ لَهُ بِحَسَبِ مَا تَصِلُ إِلَيْهِ قُدْرَتُهُ فَإِنْ قِيلَ عَدَمُ تَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ بِالْوَسْوَسَةِ يُؤْخَذُ بِطَرِيقِ مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ لِأَنَّهُ إِذَا مَنَعَ مِنَ السُّلُوكِ فِي طَرِيقٍ فَالْأَوْلَى أَنْ يُلَابِسَهُ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ وَسْوَسَتِهِ لَهُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حُفِظَ مِنَ الشَّيْطَانِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ ثُبُوتُ الْعِصْمَةِ لِأَنَّهَا فِي حَقِّ النَّبِيِّ وَاجِبَةٌ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مُمْكِنَةٌ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ بِلَفْظِ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَلْقَى عُمَرَ مُنْذُ أَسْلَمَ إِلَّا خَرَّ بِوَجْهِهِ وَهَذَا دَالٌّ عَلَى صَلَابَتِهِ فِي الدِّينِ وَاسْتِمْرَارِ حَالِهِ عَلَى الْجِدِّ الصِّرْفِ وَالْحَقِّ الْمَحْضِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الشَّيْطَانَ يَهْرَبُ إِذَا رَآهُ انْتَهَى إِنْ كُنْتُ جَالِسًا اسْتِئْنَافُ تَعْلِيلٍ وَهِيَ تَضْرِبُ حَالٌ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَذَكَرَ الْحَافِظُ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ هَذَا فِي الْفَتْحِ وَسَكَتَ عَنْهُ قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَعَائِشَةَ أَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَفِيهِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا [3691] قَوْلُهُ فَسَمِعْنَا لَغَطًا بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَانِ صَوْتًا شَدِيدًا وَضَجَّةً لَا يُفْهَمُ مَعْنَاهَا (فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ جَارِيَةٌ أَوِ امْرَأَةٌ مَنْسُوبَةٌ إِلَى الْحَبَشِ (تَزْفِنُ) بِسُكُونِ الزَّايِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَيُضَمُّ أَيْ تَرْقُصُ وَتَلْعَبُ (وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا) أَيْ يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا وَيَتَفَرَّجُونَ عَلَيْهَا (تَعَالَيْ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ أَيْ هَلُمِّي وَتَقَدَّمِي (فَوَضَعْتُ لَحْيَيَّ) بِالْإِضَافَةِ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ تَثْنِيَةُ لَحْيٍ بِالْفَتْحِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَنْبَتُ اللِّحْيَةِ مِنَ الْإِنْسَانِ (عَلَى مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ مُجْتَمَعُ رَأْسِ الْكَتِفِ وَالْعَضُدِ (إِلَيْهَا) أَيِ الْحَبَشِيَّةِ (مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ إِلَى رَأْسِهِ) ظَرْفٌ لِأَنْظُرَ حُذِفَ مِنْهُ فِي أَيْ فِيمَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ إِلَى رَأْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَجَعَلْتُ أَقُولُ لَا لِأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ) أَيْ لَا لِعَدَمِ الشِّبَعِ حِرْصًا عَلَى

النَّظَرِ إِلَيْهَا بَلْ كَانَ قَصْدِي مِنْ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي وَغَايَةَ مَرْتَبَتِي وَمَحَبَّتِي عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذْ طَلَعَ عُمَرُ) أَيْ ظَهَرَ (فَارْفَضَّ النَّاسُ عَنْهَا) بِتَشْدِيدِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الِارْفِضَاضِ أَيْ تَفَرَّقُوا عَنْهَا مِنْ هَيْبَةِ عُمَرَ (إِنِّي لَأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَدْ فَرُّوا) كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ فِي صُورَةِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَإِلَّا كَيْفَ رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرَاهُ عَائِشَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن عدي 5 - باب [3692] قَوْلُهُ (أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ) أَيْ لِلْبَعْثِ فَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدٌ عَلَيْهِ بَعْثًا فَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ (ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ) أَيِ الصِّدِّيقُ لِكَمَالِ صَدَاقَتِهِ لَهُ (ثُمَّ عُمَرُ) أَيِ الْفَارُوقُ لِفَرْقِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ (ثُمَّ آتِي أَهْلَ الْبَقِيعِ) مَقْبَرَةٌ بِالْمَدِينَةِ (فَيُحْشَرُونَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ الْحَشْرِ بِمَعْنَى الْجَمْعِ (مَعِي) أَيْ يُجْمَعُونَ مَعِي لِكَرَامَتِهِمْ عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ الْحَكِيمُ هَذَا مَعْنًى بَعِيدٌ لَا أَعْلَمُهُ يُوَافَقُ إِلَّا فِي حَالٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ حَشْرَ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ حَشْرِ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ حَشْرَهُ حَشْرُ سَادَةِ الرُّسُلِ بَلْ هُوَ إِمَامُهُمْ وَمَقَامُهُمْ فِي الْعُرْضَةِ فِي مَقَامِ الصِّدِّيقِينَ وَفِي صَفِّهِمْ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ الِانْضِمَامُ فِي اقْتِرَابِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ فِي مَحَلِّ الْقُرْبَةِ (ثُمَّ أَنْتَظِرُ أَهْلَ مَكَّةَ) أَيِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُمْ (حَتَّى أُحْشَرَ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ) أَيْ حَتَّى يَكُونَ لِي وَلَهُمُ اجْتِمَاعٌ بَيْنَ الْحَرَمَيْنِ كَذَا فِي التَّيْسِيرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ قَوْلُهُ (وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ لَيْسَ عِنْدِي بِالْحَافِظِ) فِي التَّقْرِيبِ عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْعُمَرِيُّ أَبُو عُمَرَ الْمَدَنِيِّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّابِعَةِ وَهُوَ أَخُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْعُمَرِيِّ (عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ وَعِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِالْوَاوِ عَطْفًا عَلَى عِنْدِي

باب

46 - (باب) [3693] قَوْلُهُ (قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ جَمْعُ مُحَدَّثٍ قَالَ الْحَافِظُ وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ فَقِيلَ مُلْهَمٌ قَالَهُ الْأَكْثَرُ قَالُوا الْمُحَدَّثُ بِالْفَتْحِ هُوَ الرَّجُلُ الصَّادِقُ الظَّنِّ وَهُوَ مَنْ أُلْقِيَ فِي رَوْعِهِ شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى فَيَكُونُ كَالَّذِي حَدَّثَهُ غَيْرُهُ بِهِ وَبِهَذَا جَزَمَ أَبُو أَحْمَدَ الْعَسْكَرِيُّ وَقِيلَ مَنْ يَجْرِي الصَّوَابُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَقِيلَ مُكَلَّمٌ أَيْ تُكَلِّمُهُ الْمَلَائِكَةُ بِغَيْرِ نُبُوَّةٍ وَهَذَا وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا وَلَفْظُهُ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يُحَدَّثُ قَالَ تَتَكَلَّمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى لِسَانِهِ رَوَيْنَاهُ فِي فَوَائِدِ الْجَوْهَرِيِّ وَحَكَاهُ الْقَابِسِيُّ وَآخَرُونَ انْتَهَى (فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ) أَيْ مِنَ الْمُحَدَّثِينَ (فَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَكُونُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالسَّبَبُ فِي تَخْصِيصِ عُمَرَ بِالذِّكْرِ لِكَثْرَةِ مَا وَقَعَ لَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُوَافَقَاتِ الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ مُطَابِقًا لَهَا وَوَقَعَ لَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةُ إِصَابَاتٍ قِيلَ لَمْ يُورِدْ هَذَا القول موردا لترديد فَإِنَّ أُمَّتَهُ أَفْضَلُ الْأُمَمِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ وُجِدَ فِي غَيْرِهِمْ فَإِمْكَانُ وُجُودِهِ فِيهِمْ أَوْلَى وَإِنَّمَا أَوْرَدَهُ مَوْرِدَ التَّأْكِيدِ كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ إِنْ يَكُنْ لِي صِدِّيقٌ فَإِنَّهُ فُلَانٌ يُرِيدُ اخْتِصَاصَهُ بِكَمَالِ الصَّدَاقَةِ لَا نَفْيَ الْأَصْدِقَاءِ وَقِيلَ الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ وُجُودَهُمْ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ قَدْ تَحَقَّقَ وُقُوعُهُ وَسَبَبُ ذَلِكَ احْتِيَاجُهُمْ حَيْثُ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ فِيهِمْ نَبِيٌّ وَاحْتُمِلَ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا تَحْتَاجَ هَذِهِ الْأُمَّةُ إِلَى ذَلِكَ لِاسْتِغْنَائِهَا بِالْقُرْآنِ عَنْ حُدُوثِ نَبِيٍّ وَقَدْ وَقَعَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ حَتَّى إِنَّ الْمُحَدَّثَ مِنْهُمْ إِذَا تَحَقَّقَ وُجُودُهُ لَا يَحْكُمُ بِمَا وَقَعَ لَهُ بَلْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَرْضِهِ عَلَى الْقُرْآنِ فَإِنْ وَافَقَهُ أَوْ وَافَقَ السُّنَّةَ عَمِلَ بِهِ وَإِلَّا تَرَكَهُ وَهَذَا وَإِنْ جَازَ أَنْ يَقَعَ لَكِنَّهُ نَادِرٌ مِمَّنْ يَكُونُ أَمْرُهُ مِنْهُمْ مَبْنِيًّا عَلَى اتِّبَاعِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَمَحَّضَتِ الْحِكْمَةُ فِي وُجُودِهِمْ وَكَثْرَتِهِمْ بَعْدَ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ فِي زِيَادَةِ شَرَفِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِوُجُودِ أَمْثَالِهِمْ فِيهِ وَقَدْ تَكُونُ الْحِكْمَةُ فِي تَكْثِيرِهِمْ مُضَاهَاةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي كَثْرَةِ الْأَنْبِيَاءِ فِيهِمْ فَلَمَّا فَاتَ هَذِهِ الْأُمَّةَ كَثْرَةُ الْأَنْبِيَاءِ فِيهَا لِكَوْنِ نَبِيِّهَا خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ عُوِّضُوا بِكَثْرَةِ الْمُلْهَمِينَ قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (يَعْنِي مُفَهَّمُونَ) اسم مفعول من التفهيم

47 - باب [3694] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) الْجَمَلِيِّ الْمُرَادِيِّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ) بِكَسْرِ اللَّامِ الْمُرَادِيِّ قَوْلُهُ (يَطَّلِعُ) بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ مِنَ الِاطِّلَاعِ أَيْ يُشْرِفُ أَوْ يُظْهِرُ أَوْ يَدْخُلُ (ثُمَّ قَالَ) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي مُوسَى وَجَابِرٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَاخِرِ مَنَاقِبِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا حديث جابر وهو بن عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ وَالْبَزَّارُ وَرِجَالُ أَحَدِ أَسَانِيدِ أَحْمَدَ رِجَالٌ مُوَثَّقُونَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرَّازِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلِمَةَ الْمُرَادِيُّ وَهُوَ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ [3695] قَوْلُهُ (عَنْ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ (يَرْعَى غَنَمًا لَهُ) أَيْ قِطْعَةَ غَنَمٍ لَهُ (إِذْ جَاءَ الذِّئْبُ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ (فَأَخَذَ) أَيِ الذِّئْبُ (شَاةً) أَيْ مِنَ الْغَنَمِ وَذَهَبَ بِهَا (فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ) أَيِ اسْتَنْقَذَ الشَّاةَ مِنَ الذِّئْبِ (كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَا يَوْمَ السَّبُعِ) قَالَ عِيَاضٌ يجوز ضم الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِهَا إِلَّا أَنَّ الرِّوَايَةَ بِالضَّمِّ وَقَالَ الجزري في النهاية قال بن الْأَعْرَابِيِّ السَّبْعُ بِسُكُونِ الْبَاءِ الْمَوْضِعُ الَّذِي إِلَيْهِ يَكُونُ الْمَحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَرَادَ مَنْ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّبْعُ أَيْضًا الذُّعْرُ سَبَّعْتُ فُلَانًا إِذَا ذَعَرْتُهُ وَسَبَّعَ الذِّئْبُ الْغَنَمَ إِذَا فَرَسَهَا أي من لها يوم الفزع وَقِيلَ هَذَا التَّأْوِيلُ يَفْسُدُ بِقَوْلِ الذِّئْبِ فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي وَالذِّئْبُ لَا يَكُونُ لَهَا رَاعِيًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ أَرَادَ مَنْ لَهَا عِنْدَ الْفِتَنِ حِينَ يَتْرُكُهَا النَّاسُ هَمَلًا لَا رَاعِيَ لَهَا نُهْبَةً للذئاب والسباع

فَجُعِلَ السَّبُعُ لَهَا رَاعِيًا إِذْ هُوَ مُنْفَرِدٌ بِهَا وَيَكُونُ حِينَئِذٍ بِضَمِّ الْبَاءِ وَهَذَا إِنْذَارٌ بِمَا يَكُونُ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالْفِتَنِ الَّتِي يُهْمِلُ النَّاسُ فِيهَا مَوَاشِيَهُمْ فَتَسْتَمْكِنُ مِنْهَا السِّبَاعُ بِلَا مَانِعٍ وَقَالَ أَبُو مُوسَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ يَوْمَ السَّبْعِ عِيدٌ كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَشْتَغِلُونَ بِعِيدِهِمْ وَلَهْوِهِمْ وَلَيْسَ بِالسَّبُعِ الَّذِي يَفْتَرِسُ النَّاسَ قَالَا وَأَمْلَاهُ أَبُو عَامِرٍ الْعَبَدَرِيُّ الحافظ بضم الباء وكان من العلم والاتقاق بِمَكَانٍ انْتَهَى (فَآمَنْتُ بِذَلِكَ) أَيْ بِتَكَلُّمِ الذِّئْبِ (وَمَا هُمَا فِي الْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ) أَيْ لَمْ يكونا يومئذ حاضرين وإنما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثِقَةً بِهِمَا لِعِلْمِهِ بِصِدْقِ إِيمَانِهِمَا وَقُوَّةِ يَقِينِهِمَا وَكَمَالِ مَعْرِفَتِهِمَا بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (عَنْ سعد) هو بن إِبْرَاهِيمَ الْمَذْكُورِ فِي السَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ

باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه

48 - (باب مناقب عثمان بن عفان رضي الله عنه) وله كنيتان الخ قال بن الْجَوْزِيِّ كَانَ يُكَنَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَبَا عَمْرٍو فَلَمَّا وَلَدَتْ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ رُقَيَّةُ غُلَامًا سَمَّاهُ عَبْدَ اللَّهِ وَاكْتَنَى بِهِ أَسْلَمَ عُثْمَانُ قَدِيمًا قَبْلَ دُخُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الْأَرْقَمِ وَهَاجَرَ إِلَى الْحَبَشَةِ الْهِجْرَتَيْنِ وَلَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بَدْرٍ خَلَفَهُ عَلَى ابْنَتِهِ رُقَيَّةَ وَكَانَتْ مَرِيضَةً وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ فَكَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا وَزَوَّجَهُ أُمَّ كُلْثُومٍ بَعْدَ رُقَيَّةَ وَقَالَ لَوْ كَانَ عِنْدِي ثَالِثَةٌ زَوَّجْتُهَا عُثْمَانَ وَسُمِّيَ ذَا النُّورَيْنِ لِجَمْعِهِ بِنْتَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ أَمَّا كُنْيَتُهُ بِأَبِي عُمَرَ فَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَقَدْ نَقَلَ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بِابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي رُزِقَهُ مِنْ رُقَيَّةَ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَاتَ عَبْدُ اللَّهِ الْمَذْكُورُ صَغِيرًا وَلَهُ ست سنين وحكى بن سَعْدٍ أَنَّ مَوْتَهُ كَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَمَاتَتْ أُمُّهُ رُقَيَّةُ قَبْلَ ذَلِكَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَقَدِ اشْتُهِرَ أَنَّ لَقَبَهُ ذُو النُّورَيْنِ وَرَوَى خَيْثَمَةُ فِي الْفَضَائِلِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ ذَكَرَ عُثْمَانَ فَقِيلَ ذَاكَ امْرُؤٌ يُدْعَى فِي السَّمَاءِ ذَا النُّورَيْنِ انْتَهَى [3696] قَوْلُهُ (كَانَ عَلَى حِرَاءٍ) كَكِتَابٍ وكعلى عن عياض ويؤنث ويمنع جبل بمكة فِيهِ غَارٌ تَحَنَّثَ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اهْدَأْ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنْ هَدَأَ بِمَعْنَى سَكَنَ أَيِ اسْكُنْ (فَمَا عَلَيْكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ) أَوْ لِلتَّنْوِيعِ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا إِخْبَارُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءُ وَمَاتُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ شُهَدَاءَ فَإِنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ قُتِلُوا ظُلْمًا شُهَدَاءَ فَقَتْلُ الثَّلَاثَةِ مَشْهُورٌ وَقُتِلَ الزُّبَيْرُ بِوَادِي السِّبَاعِ بِقُرْبِ الْبَصْرَةِ مُنْصَرِفًا تَارِكًا لِلْقِتَالِ وَكَذَلِكَ طَلْحَةُ اعْتَزَلَ النَّاسَ تَارِكًا لِلْقِتَالِ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَنْ قُتِلَ ظُلْمًا فَهُوَ شَهِيدٌ وَالْمُرَادُ شُهَدَاءُ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَعِظَمِ ثَوَابِ الشُّهَدَاءِ وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَفِيهِ بَيَانُ فَضِيلَةِ هَؤُلَاءِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ التَّمْيِيزِ فِي الْحِجَارَةِ وَجَوَازُ التَّزْكِيَةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ إِذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ بِإِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ

إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ وأَمَّا حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ في مناقبه وأما حديث بْنِ عَبَّاسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَوَقَعَ فِيهِ لَفْظُ أُحُدٍ مَكَانَ حِرَاءٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ بِلَفْظِ أُحُدٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو يَعْلَى وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِسَنَدِ التِّرْمِذِيِّ وَلَفْظُهُ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ النَّوَوِيُّ أَمَّا ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا سُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ مشهود له بالجنة انتهى وقال القارىء مَاتَ سَعْدٌ فِي قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ فَتَوْجِيهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنْ يَكُونَ بِالتَّغْلِيبِ أَوْ كَمَا قَالَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَانَ مَوْتُهُ بِمَرَضٍ مِنَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي تُورِثُ حُكْمَ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ قَوْلُهُ (صَعِدَ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيِ اطلع وارتقى (أحدا) هُوَ الْجَبَلُ الْمَعْرُوفُ بِالْمَدِينَةِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَلِأَبِي يَعْلَى مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدٍ حِرَاءَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَهُ الْحَافِظُ (وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ) رُفِعَ أَبُو بَكْرٍ عَطْفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمَرْفُوعِ الَّذِي فِي صَعِدَ وَهُوَ جَائِزٌ اتِّفَاقًا لِوُجُودِ الْحَائِلِ وَهُوَ قَوْلُهُ أُحُدًا قاله بن التِّينِ (فَرَجَفَ) أَيْ تَحَرَّكَ أُحُدٌ وَاضْطَرَبَ (اثْبُتْ) أَمْرٌ مِنَ الثَّبَاتِ وَهُوَ الِاسْتِقْرَارُ (أُحُدُ) بِضَمِّ الدَّالِ مُنَادَى قَدْ حُذِفَ حَرْفُ نِدَائِهِ تَقْدِيرُهُ يَا أُحُدُ قَالَ الْحَافِظُ وَنِدَاؤُهُ وَخِطَابُهُ يَحْتَمِلُ الْمَجَازَ وَحَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى وَيُؤَيِّدُهُ مَا وَقَعَ فِي مَنَاقِبِ عُمَرَ أَنَّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ وقال ثبت انْتَهَى (وَصِدِّيقٌ) هُوَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَشَهِيدَانِ) هُمَا عُمَرُ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والبخاري وأبو داود والنسائي 9 - باب [3698] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ (عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي ذُبَابٍ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُوَحَّدَتَيْنِ (عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ أَحَدُ الْعَشَرَةِ مَشْهُورٌ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْجَمَلِ سَنَةَ سِتٍّ وثلاثين وهو بن ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ قَوْلُهُ (لِكُلِّ نَبِيٍّ رَفِيقٌ) هُوَ الَّذِي يُرَافِقُكَ قَالَ الْخَلِيلُ وَلَا يَذْهَبُ اسْمُ الرُّفْقَةِ بِالتَّفَرُّقِ (وَرَفِيقِي يَعْنِي فِي الْجَنَّةِ عُثْمَانُ) خَبَرٌ لِلْمُبْتَدَأِ وَالْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُمَا مِنْ كَلَامِ طَلْحَةَ أَوْ غَيْرِهِ تَفْسِيرًا وَبَيَانًا لِمَكَانِ الرُّفَاقَةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ فِي كَلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى سَبِيلِ الْإِطْلَاقِ الشَّامِلِ لِلدُّنْيَا وَالْعُقْبَى جَزَاءً وِفَاقًا ثُمَّ هُوَ لَا يُنَافِي كَوْنَ غَيْرِهِ أَيْضًا رَفِيقًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم كما ورد عن بن مَسْعُودٍ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَلَفْظُهُ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ خَاصَّةً مِنْ أَصْحَابِهِ وَإِنَّ خَاصَّتِي مِنْ أَصْحَابِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ نَعَمْ يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ رَفِيقًا وَأَنَّهُ لَهُ رُفَقَاءُ وَلَا مَانِعَ فِي ذَلِكَ فِي مَقَامِ الْجَمْعِ وَمَعَ هَذَا فِي تَخْصِيصِ ذِكْرِهِ إِشْعَارٌ بِعَظِيمِ منزلته ورفع قدره قاله القارىء قوله (هذا حديث غريب) وأخرجه بن مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُهُ لِكُلِّ نَبِيٍّ

رَفِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَرَفِيقِي فِيهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ (لَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ) وَالِانْقِطَاعُ بَيْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَطَلْحَةَ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ أَرْسَلَ عَنْ طَلْحَةَ انْتَهَى وَفِيهِ شَيْخٌ مِنْ بَنِي زهرة وهو مجهول 0 - باب [3699] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ) بْنِ غَيْلَانَ بِالْمُعْجَمَةِ الرَّقِّيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ ثِقَةٌ لَكِنَّهُ تَغَيَّرَ بِآخِرِهِ فَلَمْ يَفْحُشِ اخْتِلَاطُهُ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو) الرَّقِّيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ قَوْلُهُ (لَمَّا حُصِرَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ أُحِيطَ بِهِ وَحَاصَرَهُ الْمِصْرِيُّونَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ تَوْلِيَتَهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ قَالَ لَمَّا حُصِرَ عُثْمَانُ فِي دَارِهِ وَاجْتَمَعَ النَّاسُ قَامَ فَأَشْرَفَ عَلَيْهِمْ (أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ) أَيِ اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ (أُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ) مِنَ التَّذْكِيرِ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ تَعْلِيقًا وَفِيهِ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَفِي رِوَايَةِ ثُمَامَةَ الْآتِيَةِ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ (حِينَ انْتَفَضَ) أَيْ تَحَرَّكَ (حِرَاءُ) بِتَقْدِيرِ حَرْفِ النِّدَاءِ (فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ جَيْشُ غَزْوَةِ تَبُوكَ سُمِّيَ بِهَا لِأَنَّهُ نَدَبَ النَّاسَ إِلَى الْغَزْوِ فِي شِدَّةِ الْقَيْظِ وَكَانَ وَقْتَ إِينَاعِ الثَّمَرَةِ وَطِيبِ الظِّلَالِ فَعَسُرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَشَقَّ وَالْعُسْرُ ضِدُّ الْيُسْرِ وَهُوَ الضِّيقُ وَالشِّدَّةُ وَالصُّعُوبَةُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقِيلَ سُمِّيَ بِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ قِلَّةِ الزَّادِ وَمَفَازَةٍ بَعِيدَةٍ وَعَدُوٍّ كَثِيرٍ قَوِيٍّ (وَالنَّاسُ مُجْهَدُونَ) اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْإِجْهَادِ أَيْ مُوقَعُونَ فِي الْجَهْدِ وَالْمَشَقَّةِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ يُقَالُ أُجْهِدَ فَهُوَ مُجْهَدٌ بِالْفَتْحِ أَيْ أَنَّهُ أُوقِعَ فِي الْجَهْدِ وَالْمَشَقَّةِ (فَجَهَّزْتُ ذَلِكَ الْجَيْشَ) من

التَّجْهِيزِ أَيْ هَيَّأْتُ جِهَازَ سَفَرِهِ (قَالُوا نَعَمْ) أَيْ صَدَّقُوهُ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ أَنَّ الَّذِينَ صَدَّقُوهُ بِذَلِكَ هُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ (أَنَّ رُومَةَ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْوَاوِ فَمِيمٍ بِئْرٌ عَظِيمٌ شَمَالِيَّ مَسْجِدِ الْقِبْلَتَيْنِ بِوَادِي الْعَقِيقِ مَاؤُهُ عَذْبٌ لَطِيفٌ فِي غَايَةِ الْعُذُوبَةِ وَاللَّطَافَةِ تُسَمِّيهَا الْآنَ الْعَامَّةُ بِئْرَ الْجَنَّةِ لِتَرَتُّبِ دُخُولِ الْجَنَّةِ لِعُثْمَانَ عَلَى شِرَائِهَا قَالَهُ صَاحِبُ اللُّمَعَاتِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ كَانَ رُومَةُ رَكِيَّةً لِيَهُودِيٍّ يَبِيعُ الْمُسْلِمِينَ مَاءَهَا فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ عُثْمَانُ بِعِشْرِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ (فَابْتَعْتُهَا) أَيِ اشْتَرَيْتُهَا (قَالُوا اللهم نعم) قال المطرزي قد يؤتي باللهم قَبْلَ إِلَّا إِذَا كَانَ الْمُسْتَثْنَى عَزِيزًا نَادِرًا وَكَانَ قَصْدُهُمْ بِذَلِكَ الِاسْتِظْهَارَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِثْبَاتِ كَوْنِهِ وَوُجُودِهِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ بَلَغَ مِنَ النُّدُورِ حَدَّ الشُّذُوذِ وَقِيلَ كَلِمَتَيِ الحجد وَالتَّصْدِيقِ فِي جَوَابِ الْمُسْتَفْهِمِ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ لَا وَنَعَمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا [3700] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا السَّكَنُ بْنُ الْمُغِيرَةِ) الْبَزَّازُ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ (أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ) أَخُو هِشَامٍ أَبِي الْمِقْدَامِ الْمَدَنِيِّ صَدُوقٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ فَرْقَدٍ أَبِي طَلْحَةَ) مَجْهُولٌ مِنَ الرَّابِعَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ) بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ وَمُوَحَّدَتَيْنِ الْأُولَى ثَقِيلَةٌ السُّلَمِيِّ بِضَمِّ السِّينِ وَقِيلَ بِفَتْحِهَا وَهِمَ مَنْ زَعَمَ أنه بن خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ لَهُ حَدِيثٌ قَالَهُ الْحَافِظُ قُلْتُ هُوَ هَذَا الْحَدِيثُ قَوْلُهُ (وَهُوَ يَحُثُّ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ يَحُضُّ الْمُؤْمِنِينَ وَيُحَرِّضُهُمْ (عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ) أَيْ عَلَى تَجْهِيزِهِ (عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا) الْأَحْلَاسُ جَمْعُ حِلْسٍ بِالْكَسْرِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ كِسَاءٌ رَقِيقٌ يُجْعَلُ تَحْتَ الْبَرْذَعَةِ وَالْأَقْتَابُ جَمْعُ قَتَبٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ رَحْلٌ صَغِيرٌ عَلَى قَدْرِ سَنَامِ الْبَعِيرِ وَهُوَ لِلْجَمَلِ كَالْإِكَافِ لِغَيْرِهِ يُرِيدُ عَلَى هَذِهِ الْإِبِلِ بِجَمِيعِ أسبابها

وَأَدَوَاتِهَا (عَلَيَّ مِائَتَا بَعِيرٍ) أَيْ غَيْرِ تِلْكَ المائة لا بانضمامها كما يتوهم قاله القارىء قُلْتُ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَثَّ عَلَى جَيْشِ الْعُسْرَةِ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَيَّ مِائَةُ بَعِيرٍ بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا قَالَ ثُمَّ حَثَّ فَقَالَ عُثْمَانُ عَلَيَّ مِائَةٌ أُخْرَى بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا قَالَ ثُمَّ نَزَلَ مِرْقَاةً مِنَ الْمِنْبَرِ ثُمَّ حَثَّ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَيَّ مِائَةٌ أُخْرَى بِأَحْلَاسِهَا وَأَقْتَابِهَا فَرِوَايَةُ أَحْمَدَ هَذِهِ تَرُدُّ قَوْلَ القارىء هذا (على ثلاثمائة بعير) قال القارىء فَالْمَجْمُوعُ سِتُّمِائَةِ بَعِيرٍ قُلْتُ لَا بَلِ الْمَجْمُوعُ ثَلَاثُمِائَةِ بَعِيرٍ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا (مَا عَلَى عُثْمَانَ) مَا هَذِهِ نَافِيَةٌ بِمَعْنَى لَيْسَ وَفِي قَوْلِهِ (مَا عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ) مَوْصُولَةٌ اسْمُ لَيْسَ أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ وَلَا يَضُرُّهُ الَّذِي يَعْمَلُ فِي جَمِيعِ عُمُرِهِ بَعْدَ هَذِهِ الْحَسَنَةِ وَالْمَعْنَى أَنَّهَا مُكَفِّرَةٌ لِذُنُوبِهِ الْمَاضِيَةِ مَعَ زِيَادِةِ سَيِّئَاتِهِ الْآتِيَةِ كَمَا وَرَدَ فِي ثَوَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى بِشَارَةٍ لَهُ بِحُسْنِ الْخَاتِمَةِ وَقِيلَ مَا فِيهِ إِمَّا مَوْصُولَةٌ أَيْ مَا بَأْسَ عَلَيْهِ الَّذِي عَمِلَهُ مِنَ الذُّنُوبِ بَعْدَ هَذِهِ الْعَطَايَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ مَا عَلَى عُثْمَانَ عَمَلٌ مِنَ النَّوَافِلِ بَعْدَ هَذِهِ الْعَطَايَا لِأَنَّ تِلْكَ الْحَسَنَةَ تنوب عن جَمِيعِ النَّوَافِلِ قَالَ الْمُظْهِرُ أَيْ مَا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَعْمَلَ بَعْدَ هَذِهِ مِنَ النَّوَافِلِ دُونَ الْفَرَائِضِ لِأَنَّ تِلْكَ الْحَسَنَةَ تَكْفِيهِ عَنْ جَمِيعِ النَّوَافِلِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا [3701] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ وَاقِعٍ) بواو وقاف بن الْقَاسِمِ أَبُو عَلِيٍّ الرَّمْلِيِّ خُرَاسَانِيُّ الْأَصْلِ ثِقَةٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا ضَمْرَةُ) بْنُ رَبِيعَةَ الْفِلَسْطِينِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ أَصْلُهُ دِمَشْقِيٌّ صَدُوقٌ يَهِمُ قليلا من التاسعة (عن بن شَوْذَبٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْقَاسِمِ) شَيْخٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَوْذَبٍ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ رَوَى عَنْ كَثِيرِ بْنِ أبي كثير مولى بن سَمُرَةَ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَوْذَبٍ وقال عثمان الدارمي عن بن معين ليس به بأس وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي تجهيز

عُثْمَانَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ) بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ الْعَبْشَمِيِّ كُنْيَتُهُ أَبُو سَعِيدٍ صَحَابِيٌّ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ يُقَالُ كَانَ اسْمُهُ عَبْدَ كُلَالٍ افْتَتَحَ سِجِسْتَانَ ثُمَّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسِينَ أَوْ بَعْدَهَا قَوْلُهُ (قَالَ الْحَسَنُ بْنُ وَاقِعٍ وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ كِتَابِي فِي كُمِّهِ) يَعْنِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ كَانَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ فِي أَحَدِهِمَا بِأَلْفِ دِينَارٍ وَفِي الثَّانِي بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي كُمِّهِ (فَنَثَرَهَا) أَيْ وَضَعَ الدَّنَانِيرَ مُتَفَرِّقَاتٍ (فِي حِجْرِهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَاحِدُ الْحُجُورِ أَيْ فِي حِضْنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُقَلِّبُهَا) أَيِ الدَّنَانِيرَ (مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ) أَيْ فَلَا عَلَى عُثْمَانَ بَأْسُ الَّذِي عَمِلَ بَعْدَ هَذِهِ مِنَ الذُّنُوبِ فَإِنَّهَا مَغْفُورَةٌ مُكَفَّرَةٌ وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ حاطب بن أبي بلثعة لَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ قَالَ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ [3702] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ) الرَّازِيَّ اسْمُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ (أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ) الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ (حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ) الْقُرَشِيُّ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ (لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ) وَهِيَ الْبَيْعَةُ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَتِ الْبَيْعَةُ عَلَى أَنْ يُقَاتِلُوا قُرَيْشًا وَلَا يَفِرُّوا سُمِّيَتْ بِهَا لِأَنَّهُ نَزَلَ فِي أَهْلِهَا لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة الْآيَةَ (كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَسُولَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ) أَيْ رَسُولًا مِنْهُ إِلَيْهِمْ مُرْسَلًا مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ إِلَى مَكَّةَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَأَشْرَافِ قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِحَرْبٍ وَأَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ زَائِرًا لِهَذَا الْبَيْتِ وَمُعَظِّمًا لِحُرْمَتِهِ فَخَرَجَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَبَايَعَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّ عُثْمَانَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ) قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورسوله فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْزِلَةٍ عِنْدَ اللَّهِ وَمَكَانَةٍ وَأَنَّ

حَاجَتَهُ حَاجَتُهُ تَعَالَى اللَّهُ عَنِ الِاحْتِيَاجِ عُلُوًّا كَبِيرًا (فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى) أَيْ فِي الْبَيْعَةِ عَنْ جِهَةِ عُثْمَانَ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ جَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ نَائِبَةً عَنْ يَدِ عُثْمَانَ (مِنْ أَيْدِيهِمْ) أَيْ مِنْ أَيْدِي بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ فَغَيْبَةُ عُثْمَانَ لَيْسَتْ بِمُنْقِصَةٍ بَلْ سَبَبُ مَنْقَبَةٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ [3703] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ) الضُّبَعِيُّ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ) أَيْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي رِوَايَتِهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ وَأَمَّا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَغَيْرُهُ فَقَالُوا فِي رِوَايَاتِهِمْ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ (عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمِنْقَرِيِّ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ النُّونِ الْأَهْتَمِيِّ الْبَصْرِيِّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْجُرَيْرِيِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ مُصَغَّرًا اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ (عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الزَّايِ ثُمَّ نُونٍ (الْقُشَيْرِيِّ) بِالتَّصْغِيرِ الْبَصْرِيُّ وَالِدُ أَبِي الْوَرْدِ ثِقَةٌ من الثانية مخضرم وقد عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَهُ خَمْسُونَ وَثَلَاثُونَ سَنَةً قَوْلُهُ (شَهِدْتُ الدَّارَ) أَيْ حَضَرْتُ دَارَ عُثْمَانَ الَّتِي حَاصَرُوهُ فِيهَا (فَقَالَ ائْتُونِي بِصَاحِبَيْكُمُ الَّذَيْنِ أَلَّبَاكُمْ عَلَيَّ) مِنْ أَلَّبْتُ عَلَيْهِ النَّاسَ أَيْ جَمَعْتُهُمْ عَلَيْهِ وَحَمَلْتُهُمْ عَلَى قَصْدِهِ فَصَارُوا عَلَيْهِ إِلْبًا وَاحِدًا أَيِ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ يَقْصِدُونَهُ (أَنْشُدُكُمْ) بِضَمِّ الشِّينِ أَيْ أَسْأَلُكُمْ (بِاللَّهِ وَالْإِسْلَامِ) أَيْ بِحَقِّهِمَا يُقَالُ نَشَدْتُ فُلَانًا أَنْشُدُهُ إِذَا قُلْتُ لَهُ نَشَدْتُكَ اللَّهَ أَيْ سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ كَأَنَّكَ ذَكَّرْتَهُ إِيَّاهُ (وَلَيْسَ بِهَا) أَيْ بِالْمَدِينَةِ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (مَاءٌ يُسْتَعْذَبُ) أَيْ يُعَدُّ عَذْبًا أي حلوا (غير بير رُومَةَ) بِرَفْعِ غَيْرُ وَجُوِّزَ نَصْبُهُ وَالْبِئْرُ مَهْمُوزٌ وَيُبْدَلُ (فَيُجْعَلُ دَلْوُهُ مَعَ دِلَاءِ الْمُسْلِمِينَ) بِكَسْرِ الدَّالِ جَمْعُ دَلْوٍ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ

الْوَقْفِ الْعَامِّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ السِّقَايَاتِ وَعَلَى خُرُوجِ الْمَوْقُوفِ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ حَيْثُ جَعَلَهُ مَعَ غَيْرِهِ سَوَاءً رَوَى الْبَغَوِيُّ فِي الصَّحَابَةِ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمَّا قَدِمَ الْمُهَاجِرُونَ الْمَدِينَةَ اسْتَنْكَرُوا الْمَاءَ وَكَانَتْ لِرَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ عَيْنٌ يُقَالُ لَهَا رُومَةَ وَكَانَ يَبِيعُ مِنْهَا الْقِرْبَةَ بِمُدٍّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبِيعُنِيهَا بِعَيْنٍ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي وَلَا لِعِيَالِي غَيْرُهَا فَبَلَغَ ذَلِكَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاشْتَرَاهَا بِخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَتَجْعَلُ لِي فِيهَا مَا جَعَلْتَ لَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ قَدْ جَعَلْتُهَا لِلْمُسْلِمِينَ (بِخَيْرٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَشْتَرِي وَالْبَاءُ لِلْبَدَلِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَلَيْسَتْ مِثْلَهَا فِي قَوْلِهِمُ اشْتَرَيْتُ هَذَا بِدِرْهَمٍ وَلَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَالْمَعْنَى مَنْ يَشْتَرِيهَا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ يُبْدِلُهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا أَيْ بِأَفْضَلَ وَأَكْمَلَ أَوْ بِخَيْرٍ حَاصِلٍ (لَهُ) أَيْ لِأَجْلِهِ (مِنْهَا) أَيْ بِئْرِ رُومَةَ (مِنْ صُلْبِ مَالِي) بِضَمِّ الصَّادِ أَيْ أَصْلِهِ أَوْ خَالِصِهِ (حَتَّى أَشْرَبَ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ) أَيْ مِمَّا فِيهِ مُلُوحَةٌ كَمَاءِ الْبَحْرِ وَالْإِضَافَةُ فِيهِ لِلْبَيَانِ أَيْ مَاءٍ يُشْبِهُ الْبَحْرَ (هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَسْجِدَ) أَيْ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَدِينَةِ (فَيَزِيدُهَا) أَيْ تِلْكَ الْبُقْعَةَ (أَنْ أُصَلِّيَ فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ فَضْلًا عَنْ سَائِرِ الْمَسْجِدِ (كَانَ عَلَى ثَبِيرِ مَكَّةَ) بِفَتْحِ مُثَلَّثَةٍ وَكَسْرِ مُوَحَّدَةٍ وَتَحْتِيَّةٍ سَاكِنَةٍ فَرَاءٍ جَبَلٌ بِمَكَّةَ وَفِي الْمِصْبَاحِ جَبَلٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى وَهُوَ يُرَى مِنْ مِنًى وَهُوَ عَلَى يَمِينِ الذَّاهِبِ مِنْهَا إِلَى مَكَّةَ وَقَالَ الطِّيبِيُّ ثَبِيرٌ جَبَلٌ بِالْمُزْدَلِفَةِ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ إِلَى مِنًى وَهُوَ جَبَلٌ كَبِيرٌ مُشْرِفٌ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ بِمَعْنًى وَبِمَكَّةَ جِبَالٌ كُلٌّ مِنْهَا اسْمُهُ ثَبِيرٌ (بِالْحَضِيضِ) أَيْ أَسْفَلَ الْجَبَلِ وَقَرَارِ الْأَرْضِ (فَرَكَضَهُ بِرِجْلِهِ) أَيْ ضَرَبَهُ بِهَا (اسْكُنْ ثَبِيرُ) أَيْ يَا ثَبِيرُ (قَالَ) أَيْ عُثْمَانُ (اللَّهُ أَكْبَرُ) كَلِمَةٌ يَقُولُهَا المتعجب عند إلزام الخصم وتبكيته تعجب مِنْ إِقْرَارِهِمْ بِكَوْنِهِ عَلَى الْحَقِّ وَإِصْرَارِهِمْ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَاهُ (ثَلَاثًا) أَيْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ إِلَى آخِرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لِزِيَادَةِ الْمُبَالَغَةِ فِي إِثْبَاتِ الْحُجَّةِ عَلَى الْخَصْمِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أراد أن

يُظْهِرَ لَهُمْ أَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ وَأَنَّ خُصَمَاءَهُ عَلَى الْبَاطِلِ عَلَى طَرِيقٍ يُلْجِئُهُمْ إِلَى الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ أَوْرَدَ حَدِيثَ ثَبِيرِ مَكَّةَ وَأَنَّهُ مِنْ أَحَدِ الشَّهِيدَيْنِ مُسْتَفْهِمًا عَنْهُ فَأَقَرُّوا بِذَلِكَ وَأَكَّدُوا إِقْرَارَهُمْ بِقَوْلِهِمْ اللَّهُمَّ نَعَمْ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ تَعَجُّبًا وَتَعْجِيبًا وَتَجْهِيلًا لَهُمْ وَاسْتِهْجَانًا لِفِعْلِهِمْ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُثْمَانَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا شهد رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ يَقُولُ هَذِهِ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ وَهَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ وَفِي رِوَايَةِ ثُمَامَةَ بْنِ حَزْنٍ عَنْ عُثْمَانَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهُ قَالَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّجَنِي ابْنَتَيْهِ وَاحِدَةً بَعْدَ أُخْرَى رَضِيَ بِي وَرَضِيَ عَنِّي قَالُوا نَعَمْ وأخرج بن مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ أَشْرَفَ عُثْمَانُ فَقَالَ يَا طَلْحَةُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِيَدِ جَلِيسِهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ هَذَا جَلِيسِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ نَعَمْ وَلِلْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ أَسْلَمَ أَنَّ عُثْمَانَ حِينَ حُصِرَ قَالَ لِطَلْحَةَ أَتَذْكُرُ إِذْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عُثْمَانَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ قَالَ نَعَمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنَاقِبُ ظَاهِرَةٌ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ جَوَازُ تَحَدُّثِ الرَّجُلِ بِمَنَاقِبِهِ عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ إِلَى ذَلِكَ لِدَفْعِ مَضَرَّةٍ أَوْ تَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُفَاخَرَةِ وَالْمُكَاثَرَةِ وَالْعُجْبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ [3704] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ) هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ (عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ) اسْمُهُ شَرَاحِيلُ بْنُ أُدَّةَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ (أَنَّ خُطَبَاءَ قَامَتْ بِالشَّامِ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَامَ خُطَبَاءُ بِإِيلِيَاءَ قَوْلُهُ (فَقَامَ آخِرُهُمْ رَجُلٌ) الظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ رَجُلٌ بَدَلٌ مِنْ آخِرِهِمْ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَقَامَ مِنْ آخِرِهِمْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يُقَالُ لَهُ مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ كَعْبَ بْنَ مُرَّةَ وَيُقَالُ مُرَّةَ بْنَ كَعْبٍ السُّلَمِيُّ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الْبَصْرَةَ ثُمَّ الْأُرْدُنَّ مَاتَ سَنَةَ بِضْعٍ وَخَمْسِينَ (وَذَكَرَ) أَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ لَوْلَا حَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قُمْتُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ فِتْنَةً (فَقَرَّبَهَا) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ قَرَّبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفِتَنَ يَعْنِي وُقُوعَهَا (فَمَرَّ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ) بِفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ مُسْتَتِرٌ فِي ثَوْبٍ جَعَلَهُ كَالْقِنَاعِ (فَقَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا) أَيْ هَذَا الرَّجُلُ الْمُقَنَّعُ (يَوْمَئِذٍ) أَيْ يَوْمَ وُقُوعِ تِلْكَ الْفِتَنِ (عَلَى الْهُدَى) مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى أُولَئِكَ عَلَى هدى من ربهم

وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ هَذَا وَأَصْحَابُهُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْحَقِّ (فَقُمْتُ إِلَيْهِ) أَيْ لِأَعْرِفَهُ (فَأَقْبَلْتُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (بِوَجْهِهِ) أَيْ بِوَجْهِ عُثْمَانَ وَالْمَعْنَى أَدَرْتُ وَجْهَهُ إِلَيْهِ لِيَتَبَيَّنَ الْأَمْرَ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَانْطَلَقْتُ فَأَخَذْتُ بِمَنْكِبِهِ وَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَقُلْتُ هَذَا) أَيْ هَذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي يَوْمَئِذٍ عَلَى الْهُدَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ وَكَعْبِ بْنِ عجرة) أما حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي مَا بَعْدُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوَالَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُمَا رِجَالُ الصَّحِيحِ وَأَمَّا حَدِيثُ كَعْبِ بن عجرة فأخرجه أحمد وبن ماجه 1 - باب [3705] قوله (حدثنا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالنُّونِ الْيَمَامِيُّ سَكَنَ بَغْدَادَ وَوَلِيَ قَضَاءَ خُرَاسَانَ ثِقَةٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحِ) بْنِ حُدَيْرٍ (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ) الدِّمَشْقِيِّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ) بْنِ يَزِيدَ بْنِ تَمِيمٍ الْيَحْصَبِيِّ بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا موحدة الدمشقي المقرئ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ) بْنِ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ لَهُ ولأبويه صحبته سَكَنَ الشَّامَ ثُمَّ وَلِيَ إِمْرَةَ الْكُوفَةِ ثُمَّ قُتِلَ بِحِمْصٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَسِتُّونَ سَنَةً قَوْلُهُ (إِنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (لَعَلَّ اللَّهَ يُقَمِّصُكَ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ يُلْبِسُكَ (قَمِيصًا) أراد به خلعة الخلافة وفي رواية بن مَاجَهْ يَا عُثْمَانُ إِنْ وَلَّاكَ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ يَوْمًا فَأَرَادَكَ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تَخْلَعَ قَمِيصَكَ الذي قمصك الله فلا تخعله (فَإِنْ أَرَادُوكَ عَلَى خَلْعِهِ) أَيْ حَمَلُوكَ عَلَى نَزْعِهِ (فَلَا تَخْلَعْهُ لَهُمْ) يَعْنِي إِنْ قَصَدُوا عَزْلَكَ عَنِ الْخِلَافَةِ فَلَا تَعْزِلْ نَفْسَكَ عَنْهَا لِأَجْلِهِمْ لِكَوْنِكَ عَلَى الْحَقِّ وَكَوْنِهِمْ عَلَى الْبَاطِلِ فَلِهَذَا الْحَدِيثِ كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُ مَا عَزَلَ نَفْسَهُ حِينَ حَاصَرُوهُ يَوْمَ الدَّارِ قَالَ الطِّيبِيُّ اسْتَعَارَ الْقَمِيصَ لِلْخِلَافَةِ وَرَشَّحَهَا بِقَوْلِهِ عَلَى خَلْعِهِ قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ طَوِيلَةٌ) لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ هَذَا الْحَدِيثَ بِالْقِصَّةِ الطَّوِيلَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حسن غريب) وأخرجه بن ماجه 2 - باب [3707] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعَطَّارُ) الْأَنْصَارِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ ثِقَةٌ مِنَ التاسعة (حدثنا الْحَارِثُ بْنُ عُمَيْرٍ) أَبُو عُمَيْرٍ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ مَكَّةَ مِنَ الثَّامِنَةِ وَثَّقَهُ الْجُمْهُورُ وَفِي أَحَادِيثِهِ مناكير ضعفه بسببها الأزدي وبن حِبَّانَ وَغَيْرُهُمَا فَلَعَلَّهُ تَغَيَّرَ حِفْظُهُ فِي الْآخِرِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) هُوَ الْعُمَرِيُّ قَوْلُهُ (وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ مُعْتَرِضَةٌ بين القول ومقوله (أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ) أَيْ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ عِنْدَ ذِكْرِهِمْ وَبَيَانِ أَمْرِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ بن عُمَرَ كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ كُنَّا نُخَيِّرُ أَيْ نَقُولُ فُلَانٌ خَيْرٌ مِنْ فُلَانٍ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ الْآتِيَةِ فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ كُنَّا لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ وَقَوْلُهُ لَا نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَيْ لَا نَجْعَلُ لَهُ مِثْلًا وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ سَالِمٍ عن بن عُمَرَ كُنَّا نَقُولُ وَرَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيٌّ أَفْضَلُ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي رِوَايَةِ فَيَسْمَعُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فَلَا يُنْكِرُهُ وَفِي الْحَدِيثِ تَقْدِيمُ عُثْمَانَ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَذَهَبَ بَعْضُ السَّلَفِ إِلَى تَقْدِيمِ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَيُقَالُ إِنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ وقال به بن خُزَيْمَةَ وَطَائِفَةٌ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَقِيلَ لَا يُفَضَّلُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَمِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ بن حَزْمٍ وَحَدِيثُ الْبَابِ حُجَّةٌ لِلْجُمْهُورِ انْتَهَى قُلْتُ الْمَذْهَبُ الْمَنْصُورُ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُهُ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا نفاضل بينهم يدل بظاهره على أَنَّ عَلِيًّا لَيْسَ بِأَفْضَلَ مِمَّنْ سِوَاهُ وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ عَلِيًّا أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ

وعليه الإجماع قلت أجاب بن عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ قَوْلَهُ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلخ غَلَطٌ إِنْ كَانَ سَنَدُهُ صَحِيحًا قَالَ الْحَافِظُ قد طعن فيه بن عَبْدِ الْبَرِّ وَاسْتَنَدَ إِلَى مَا حَكَاهُ عَنْ هارون بن إسحاق قال سمعت بن مَعِينٍ يَقُولُ مَنْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَعَرَفَ لِعَلِيٍّ سَابِقِيَّتَهُ وَفَضْلَهُ فَهُوَ صَاحِبُ سُنَّةٍ قَالَ فَذَكَرْتُ لَهُ مَنْ يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَيَسْكُتُونَ فَتَكَلَّمَ فِيهِمْ بكلام غليظ وتعقب بأن بن مَعِينٍ أَنْكَرَ رَأْيَ قَوْمٍ وَهُمُ الْعُثْمَانِيَّةُ الَّذِينَ يُغَالُونَ فِي حُبِّ عُثْمَانَ وَيَنْتَقِصُونَ عَلِيًّا وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفْ لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَضْلَهُ فهو مزموم وتعقب أيضا بأنه لا يلزم ومن سُكُوتِهِمْ إِذْ ذَاكَ عَنْ تَفْضِيلِهِ عَدَمُ تَفْضِيلِهِ عَلَى الدَّوَامِ وَبِأَنَّ الْإِجْمَاعَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا حَدَثَ بعد الزمن الذي قيده بن عُمَرَ فَيَخْرُجُ حَدِيثُهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ غَلَطًا ثُمَّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا الْقَوْلِ نَافِعٌ عَنِ بن عمر بل تابعه بن الْمَاجِشُونِ أَخْرَجَهُ خَيْثَمَةُ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ الماجشون عن أبيه عن بن عُمَرَ كُنَّا نَقُولُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ ثُمَّ نَدَعُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْكِهِمُ التَّفَاضُلَ إِذْ ذَاكَ أَنْ لَا يَكُونُوا اعْتَقَدُوا بَعْدَ ذَلِكَ تَفْضِيلَ عَلِيٍّ عَلَى مَنْ سِوَاهُ وَقَدِ اعْتَرَفَ بن عُمَرَ بِتَقْدِيمِ عَلِيٍّ عَلَى غَيْرِهِ فَقَدْ أَخْرَجَ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نَقُولُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ النَّاسِ ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ وَلَقَدْ أُعْطِيَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثَ خِصَالِ لَأَنْ يَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ زَوَّجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَتَهُ وَوَلَدَتْ لَهُ وَسَدَّ الْأَبْوَابَ إِلَّا بَابَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ يَوْمَ خَيْبَرَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تأويل كلام بن عُمَرَ ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ قَاطِبَةً مِنْ تَقْدِيمِ عَلِيٍّ بَعْدَ عُثْمَانَ وَمِنْ تَقْدِيمِ بَقِيَّةِ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَمِنْ تَقْدِيمِ أَهْلِ بَدْرٍ عَلَى مَنْ لم يشهدها وغير ذلك فالظاهر أن بن عُمَرَ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا النَّفْيِ أَنَّهُمْ كَانُوا يجتهدون في التفضيل فليظهر لَهُمْ فَضَائِلُ الثَّلَاثَةِ ظُهُورًا بَيِّنًا فَيَجْزِمُونَ بِهِ وَلَمْ يَكُونُوا حِينَئِذٍ اطَّلَعُوا عَلَى التَّنْصِيصِ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ مُلَخَّصًا قَوْلُهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عن بن عمر) رواه البخاري وغيره بألفاظ [3708] قوله (حدثنا شَاذَانُ الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ) شَاذَانُ لَقَبُ الْأَسْوَدِ بن عامر (عن سنان بن هارون) البرجي أَبِي بِشْرٍ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ كُلَيْبِ بْنِ وَائِلٍ) التَّيْمِيِّ الْمَدَنِيِّ

نَزِيلِ الْكُوفَةِ صَدُوقٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (يُقْتَلُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (هَذَا) أَيْ عُثْمَانُ (فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ (لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) بَيَانُ هَذَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِيهِ يُقْتَلُ فِيهَا هَذَا يَوْمَئِذٍ ظُلْمًا قَالَ فَنَظَرْتُ فَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ قال الحافظ إسناده صحيح 3 - باب قَوْلُهُ حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَكْوَانَ الْبَاهِلِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الْهَاءِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ بَصْرِيٌّ تَابِعِيٌّ وَسَطٌ وَهُوَ ثِقَةٌ بِاتِّفَاقِهِمْ كَذَا فِي الفتح قوله فرأى قوما جلوسا أي جالسي فَمَنْ هَذَا الشَّيْخُ أَيْ فَمَنْ هَذَا الْعَالَمُ الْكَبِيرُ أَنْشُدُكَ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ أَسْأَلُكَ أَتَعْلَمُ أن عثمان في يَوْمَ أُحُدٍ إِلَخْ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ سِيَاقِهِ أَنَّ السَّائِلَ كَانَ مِمَّنْ يَتَعَصَّبُ عَلَى عُثْمَانَ فَأَرَادَ بِالْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَنْ يُقَرِّرَ مُعْتَقَدَهُ وَلِذَلِكَ كبر مستحسنا لما اجابه بن عمر فلم يشهدها أي فلم حضرها فَقَالَ أَيِ الرَّجُلُ الْحَاجُّ اللَّهُ أَكْبَرُ كَلِمَةٌ يقولها المتعجب عند إلزام الخصم وتبكيته قاله الطيبي فقال له بن عمر تعالى حَتَّى أُبَيِّنَ لَكَ مَا سَأَلْتَ عَنْهُ كَأَنَّ بن عمر فهم منه مراده لما كبروا إلا لَوْ فَهِمَ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ سُؤَالِهِ لَقَرَنَ الْعُذْرَ بِالْجَوَابِ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ عَابَهُ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فأظهر له بن عُمَرَ الْعُذْرَ عَنْ جَمِيعِهَا أَمَّا الْفِرَارُ فَبِالْعَفْوِ وَأَمَّا التَّخَلُّفُ فَبِالْأَمْرِ وَقَدْ حَصَلَ لَهُ مَقْصُودُ من شهد من ترتب المرين الدُّنْيَوِيِّ وَهُوَ السَّهْمُ وَالْأُخْرَوِيِّ وَهُوَ الْأَجْرُ وَأَمَّا الْبَيْعَةُ فَكَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا وَيَدُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ لِعُثْمَانَ مِنْ

يَدِهِ فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا الله عنهم إن الله غفور حليم عنه أَوْ تَحْتَهُ أَيْ تَحْتَ عَقْدِهِ وَأَوْ لِلشَّكِّ ابنة رسول الله صلى الله عيله وَسَلَّمَ هِيَ رُقَيَّةُ فَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَلَى رُقَيَّةَ فِي مَرَضِهَا لَمَّا خَرَجَ إِلَى بَدْرٍ فَمَاتَتْ رُقَيَّةُ حِينَ وَصَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِالْبِشَارَةِ وَكَانَ عُمْرُ رُقَيَّةَ لَمَّا ماتت عشرين سنة فلو كان أحد أز بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ أَيْ عَلَى مَنْ بِهَا مَكَانَ عُثْمَانَ أَيْ بَدَلَهُ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُثْمَانَ وَكَانَتْ بيعة الرضوان أي عبد أَنْ بَعَثَهُ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عُثْمَانَ لِيُعْلِمَ قُرَيْشًا أَنَّهُ إِنَّمَا جَاءَ مُعْتَمِرًا لَا مُحَارِبًا فَفِي غَيْبَةِ عُثْمَانَ شَاعَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ تَعَرَّضُوا لِحَرْبِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَعَدَّ الْمُسْلِمُونَ لِلْقِتَالِ وَبَايَعَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ تَحْتَ الشَّجَرَةِ عَلَى أَنْ لَا يَفِرُّوا وَذَلِكَ فِي غَيْبَةِ عُثْمَانَ وَقِيلَ بَلْ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنَّ عُثْمَانَ قُتِلَ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ الْبَيْعَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ اليمنى أي أشار بها هذا يَدُ عُثْمَانَ أَيْ بَدَلَهَا وَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ أَيِ الْيُسْرَى وَقَالَ هَذِهِ لِعُثْمَانَ أَيْ هذا البيعة عن عثمان قال أي بن عمر له أي للرجل الحال السَّائِلِ اذْهَبْ بِهَذَا الْآنَ مَعَكَ اقْرِنْ هَذَا الْعُذْرَ بِالْجَوَابِ حَتَّى لَا يَبْقَى لَكَ فِيمَا أَجَبْتُكَ بِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَا كُنْتَ تَعْتَقِدُهُ من غيبة عثمان وقال الطيبي قال بن عُمَرَ ذَلِكَ تَحَكُّمًا بِهِ أَيْ تَوَجَّهْ بِمَا تمسكت به فإنه لا ينفعك بعد ما بَيَّنْتُ لَكَ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ 4 - باب [3709] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْبَغْدَادِيُّ) هُوَ الْفَضْلُ بْنُ جَعْفَرٍ (أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ زفر

باب قوله فدخل حائطا

بْنُ مُزَاحِمٍ التَّيْمِيُّ أَبُو زُفَرَ أَوْ أَبُو عُمَرَ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ قَوْلُهُ (أُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (تَرَكْتُ الصَّلَاةَ) أَيْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ (قَبْلَ هَذَا) أَيْ قَبْلَ هَذَا الرَّجُلِ قَوْلُهُ (وَمُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ هَذَا هُوَ صَاحِبُ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ) أَيْ تِلْمِيذُهُ (ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ جِدًّا) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَشِدَّةِ الدَّالِ أَيْ بَالِغُ الْغَايَةِ فِي الضَّعْفِ يُقَالُ فُلَانٌ عَظِيمٌ جِدًّا أَيْ بَالِغُ الْغَايَةِ فِي الْعِظَمِ وَالنَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ الْيَشْكُرِيُّ الطَّحَّانُ الْأَعْوَرُ اتِّفَاقًا الْمَيْمُونِيُّ الرَّقِّيُّ ثم الكوفي كذبوه 5 - (باب [3710] قَوْلُهُ (فَدَخَلَ حَائِطًا)) أَيْ بُسْتَانًا (امْلِكْ عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (الْبَابَ) أَيِ احْفَظْهُ عَلَيَّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ بَابِ الْحَائِطِ (قَالَ أَبُو بَكْرٍ) أَيْ أَنَا أَبُو بَكْرٍ (وَبَشَّرْتُهُ بالجنة) زاد

الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ فَحَمِدَ اللَّهَ وَكَذَا فِي عُمَرَ (افْتَحْ لَهُ) أَيِ الْبَابَ (عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ) أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا إِلَى مَا أَصَابَ عُثْمَانَ فِي آخِرِ خِلَافَتِهِ مِنَ الشَّهَادَةِ يَوْمَ الدَّارِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَفَضِيلَةٌ لِأَبِي مُوسَى وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِخْبَارِهِ بقصة عثمان والبلوي وأن الثلاثة يستمرون عن الْإِيمَانِ وَالْهُدَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ جابر وبن عُمَرَ) أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حديث بن عُمَرَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُمَرَ بن أبان وهو ضعيف [3711] قوله (حدثنا أَبِي) أَيْ وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ (وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خالد الأحمسي البجلي (عن قيس) هو بن أَبِي حَازِمٍ (حَدَّثَنِي أَبُو سَهْلَةَ) مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ وَلَيْسَ لَهُ عند الترمذي وبن مَاجَهْ غَيْرُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ (قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ عَهْدًا) أَيْ أَوْصَانِي أَنْ لَا أَخْلَعَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ أَرَادُوكَ عَنْ خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ لَهُمْ (فَأَنَا صَابِرٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَنْ ذَلِكَ الْعَهْدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ وَفِي سَنَدِ التِّرْمِذِيِّ سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ وَهُوَ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ وَلَكِنَّهُ قَدْ تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ محمد عند بن ماجه

باب مناقب علي بن أبي طالب بن عبد المطلب القرشي

6 - (باب مَنَاقِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بْنِ عَبْدِ المطلب القرشي) الهاشمي وهو بن عم رسول الله شَقِيقِ أَبِيهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ مَنَافٍ عَلَى الصَّحِيحِ وُلِدَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ بِعَشْرِ سِنِينَ عَلَى الرَّاجِحِ وكان قد رباه النبي مِنْ صِغَرِهِ لِقِصَّةٍ مَذْكُورَةٍ فِي السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ فَلَازَمَهُ مِنْ صِغَرِهِ فَلَمْ يُفَارِقْهُ إِلَى أَنْ مَاتَ وَأُمُّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ وَكَانَتِ ابْنَةَ عَمَّةِ أَبِيهِ وَهِيَ أَوَّلُ هَاشِمِيَّةٍ وَلَدَتْ لِهَاشِمِيٍّ وَقَدْ أَسْلَمَتْ وَصَحِبَتْ وَمَاتَتْ فِي حياة النبي قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ النَّيْسَابُورِيُّ لَمْ يَرِدْ فِي حَقِّ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْأَسَانِيدِ الْجِيَادِ أَكْثَرُ مَا جَاءَ فِي عَلِيٍّ وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عن عروة قال أسلم علي وهو بن ثمان سنين وقال بن إِسْحَاقَ عَشْرُ سِنِينَ وَهَذَا أَرْجَحُهُمَا وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (يُقَالُ وَلَهُ كُنْيَتَانِ أَبُو تُرَابٍ وَأَبُو الْحَسَنِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَلَهُ كُنْيَتَانِ يُقَالُ لَهُ أَبُو تُرَابٍ وَأَبُو الْحَسَنِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى فَاطِمَةَ ثُمَّ خَرَجَ فَاضْطَجَعَ في المسجد فقال النبي أين بن عَمِّكِ قَالَتْ فِي الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَوَجَدَ رِدَاءَهُ قَدْ سَقَطَ عَنْ ظَهْرِهِ وَخَلَصَ التُّرَابُ إِلَى ظَهْرِهِ فَجَعَلَ يَمْسَحُ عَنْ ظُهْرِهِ فَيَقُولُ اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ مَرَّتَيْنِ [3712] قَوْلُهُ (عَنْ مطرف بن عبد الله) أي بن الشِّخِّيرِ (وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) أَيْ جَعَلَهُ أَمِيرًا عَلَيْهِمْ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ (فَمَضَى فِي السَّرِيَّةِ) هِيَ طَائِفَةٌ مِنْ جَيْشٍ أَقْصَاهَا أربعمائة تبعث إلى العدو وجمعها السريا (فَأَصَابَ جَارِيَةً) أَيْ وَقَعَ عَلَيْهَا وَجَامَعَهَا وَاسْتُشْكِلَ وُقُوعُ عَلِيٍّ عَلَى الْجَارِيَةِ بِغَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا غَيْرَ بَالِغٍ وَرَأَى أَنَّ مِثْلَهَا لَا يُسْتَبْرَأُ كَمَا صَارَ إِلَيْهِ غَيْرُهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَاضَتْ عَقِبَ صَيْرُورَتِهَا لَهُ ثُمَّ طَهُرَتْ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا وَلَيْسَ فِي السِّيَاقِ مَا يَدْفَعُهُ (فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَلِيٍّ وَوَجْهُ إِنْكَارِهِمْ أَنَّهُمْ رَأَوْا أَنَّهُ أَخَذَ مِنَ الْمَغْنَمِ فَظَنُّوا أَنَّهُ غَلَّ وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ لِيَقْبِضَ الْخُمُسَ وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا وَقَدِ اغْتَسَلَ فَقُلْتُ لِخَالِدٍ أَلَا

تَرَى إِلَى هَذَا فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ يَا بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ لَا تُبْغِضْهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ (وَتَعَاقَدَ) أَيْ تَعَاهَدَ (وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِذَا رَجَعُوا مِنْ سَفَرٍ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ قَالَ عِمْرَانُ وَكُنَّا إِذَا قَدِمْنَا مِنْ سَفَرٍ بَدَأْنَا بِرَسُولِ الله (إِلَى رِحَالِهِمْ) أَيْ إِلَى مَنَازِلِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ (فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى الرَّابِعِ (وَالْغَضَبُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَقَدْ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ (مَا تُرِيدُونَ مِنْ عَلِيٍّ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ دَعُوا عَلِيًّا دَعُوا عَلِيًّا (إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ) أَيْ فِي النَّسَبِ وَالصِّهْرِ وَالْمُسَابَقَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَزَايَا وَلَمْ يُرِدْ مَحْضَ الْقَرَابَةِ وَإِلَّا فَجَعْفَرٌ شَرِيكُهُ فِيهَا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شرح قوله فِي شَأْنِ جُلَيْبِيبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ مَعْنَاهُ الْمُبَالَغَةُ فِي اتِّحَادِ طَرِيقَتِهِمَا وَاتِّفَاقِهِمَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى تَنْبِيهٌ احتج الشيعة بقوله إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ زَعْمًا مِنْهُمْ أَنَّ رسول الله جَعَلَ عَلِيًّا مِنْ نَفْسِهِ حَيْثُ قَالَ إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي وَلَمْ يَقُلْ هَذَا الْقَوْلَ فِي غَيْرِ عَلِيٍّ قُلْتُ زَعْمُهُمْ هَذَا بَاطِلٌ جِدًّا فإنه ليس معنى قوله إِنَّ عَلِيًّا مِنِّي أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ نَفْسِهِ حَقِيقَةً بَلْ مَعْنَاهُ هُوَ مَا قَدْ عَرَفْتَ آنِفًا وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَمْ يَقُلْ هَذَا الْقَوْلَ في غير علي فباطل أيضا فإنه قَدْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ فِي شَأْنِ جُلَيْبِيبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَفِي حَدِيثِ أَبِي برزة أن النبي كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ فَأَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ هَلْ تَفْقِدُونَ مِنْ أَحَدٍ قَالُوا نَعَمْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَالَ لَكِنِّي أَفْقِدُ جُلَيْبِيبًا فَاطْلُبُوهُ فَطُلِبَ فِي الْقَتْلَى فَوَجَدُوهُ إِلَى جَنْبِ سَبْعَةٍ قَدْ قَتَلَهُمْ ثُمَّ قتلوه فأتى النبي فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ هَذَا الْقَوْلَ فِي شَأْنِ الْأَشْعَرِيِّينَ فَفِي حَدِيثِ أبي موسى قال قال رسول الله إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرَمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا منهم رواه مسلم

وقال هَذَا الْقَوْلَ فِي شَأْنِ بَنِي نَاجِيَةَ فَفِي حديث سعد أن رسول الله قَالَ لِبَنِي نَاجِيَةَ أَنَا مِنْهُمْ وَهُمْ مِنِّي رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (وَهُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ بَعْدِي) كَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِزِيَادَةِ مِنْ وَوَقَعَ فِي بَعْضِهَا بَعْدِي بِحَذْفِ مِنْ وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ الشِّيعَةُ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ خَلِيفَةً بَعْدَ رسول الله مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِهِ عَنْ هَذَا بَاطِلٌ فَإِنَّ مَدَارَهُ عَنْ صِحَّةِ زِيَادَةِ لَفْظِ بَعْدِي وَكَوْنُهَا صَحِيحَةً مَحْفُوظَةً قَابِلَةً لِلِاحْتِجَاجِ وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا قَدْ تَفَرَّدَ بِهَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَهُوَ شِيعِيٌّ بَلْ هُوَ غَالٍ فِي التَّشَيُّعِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ قَالَ الدُّورِيُّ كَانَ جَعْفَرٌ إِذَا ذَكَرَ مُعَاوِيَةَ شَتَمَهُ وإذا ذكر عليا قعد يبكي وقال بن حِبَّانَ فِي كِتَابِ الثِّقَاتِ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي كَامِلٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَنِي أَبِي إِلَى جَعْفَرٍ فَقُلْتُ بَلَغَنَا أَنَّكَ تَسُبُّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ قَالَ أَمَّا السَّبُّ فَلَا وَلَكِنِ الْبُغْضُ مَا شِئْتُ فَإِذَا هُوَ رَافِضِيٌّ الْحِمَارُ انْتَهَى فَسَبُّهُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا يُنَادِي بِأَعْلَى نِدَاءٍ أَنَّهُ كَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ لكن قال بن عدي عن زكريا السَّاجِيِّ وَأَمَّا الْحِكَايَةُ الَّتِي حُكِيَتْ عَنْهُ فَإِنَّمَا عَنَى بِهِ جَارَيْنِ كَانَا لَهُ قَدْ تَأَذَّى بِهِمَا يُكَنَّى أَحَدُهُمَا أَبَا بَكْرٍ وَيُسَمَّى الْآخَرُ عُمَرُ فَسُئِلَ عَنْهُمَا فَقَالَ أَمَّا السَّبُّ فَلَا ولكن بغضا مالك وَلَمْ يَعْنِ بِهِ الشَّيْخَيْنِ أَوْ كَمَا قَالَ انتهى فإن كان كلام بن عَدِيٍّ هَذَا صَحِيحًا فَغُلُوُّهُ مُنْتَفٍ وَإِلَّا فَهُوَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا كَوْنُهُ شِيعِيًّا فَهُوَ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ أَبُو سُلَيْمَانَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ زَاهِدٌ لَكِنَّهُ كَانَ يَتَشَيَّعُ انْتَهَى وَكَذَا فِي الْمِيزَانِ وَغَيْرِهِ وَظَاهِرٌ أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يَقْوَى به معتقدا الشِّيعَةِ وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ أَنَّ الْمُبْتَدِعَ إِذَا رَوَى شَيْئًا يُقَوِّي بِهِ بِدْعَتَهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ فِي مُقَدِّمَتِهِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إِنْ كَانَ دَاعِيًا إِلَى بِدْعَتِهِ وَمُرَوِّجًا لَهُ رُدَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ قُبِلَ إِلَّا أَنْ يَرْوِيَ شَيْئًا يُقَوِّي بِهِ بِدْعَتَهُ فَهُوَ مَرْدُودٌ قَطْعًا انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ لَمْ يَتَفَرَّدْ بِزِيَادَةِ قَوْلِهِ بَعْدِي جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ بَلْ تَابَعَهُ عَلَيْهَا أَجْلَحُ الْكِنْدِيُّ فَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ أَجْلَحَ الْكِنْدِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بُرَيْدَةَ قَالَ بَعَثَ رسول الله بَعْثَيْنِ إِلَى الْيَمَنِ عَلَى أَحَدِهِمَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَلَى الْآخَرِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ لَا تَقَعْ فِي عَلِيٍّ فَإِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي وَإِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي قُلْتُ أَجْلَحُ الْكِنْدِيُّ هَذَا أَيْضًا شِيعِيٌّ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أَجْلَحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حُجَيَّةَ يُكَنَّى أَبَا حُجَيَّةَ الْكِنْدِيَّ يُقَالُ اسْمُهُ يَحْيَى صَدُوقٌ شِيعِيٌّ انْتَهَى وَكَذَا فِي الْمِيزَانِ وغيره

وَالظَّاهِرُ أَنَّ زِيَادَةَ بَعْدِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ وَهْمِ هَذَيْنِ الشِّيعِيَّيْنِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ رَوَى فِي مُسْنَدِهِ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ عِدَّةِ طُرُقٍ لَيْسَتْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْفَضْلِ بن دكين حدثنا بن أَبِي عُيَيْنَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جبير عن بن عَبَّاسٍ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ غَزَوْتُ مَعَ عَلِيٍّ الْيَمَنَ فَرَأَيْتُ مِنْهُ جَفْوَةً الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ يَا بُرَيْدَةُ أَلَسْتُ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ قُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عن سعيد بن عبيدة عن بن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ فِي سَرِيَّةٍ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ مَنْ كُنْتُ وَلِيُّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عبيدة عن بن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ وَهُمْ يَتَنَاوَلُونَ مِنْ عَلِيٍّ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ مَنْ كُنْتُ وَلِيُّهُ فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ فَظَهَرَ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ زِيَادَةَ لَفْظِ بَعْدِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ بَلْ هِيَ مَرْدُودَةٌ فَاسْتِدْلَالُ الشِّيعَةِ بِهَا عَلَى أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عنه كان خليفة بعد رسول الله مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَاطِلٌ جِدًّا هَذَا مَا عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَقَالَ الحافظ بن تَيْمِيَّةَ فِي مِنْهَاجِ السُّنَّةِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ هُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي كَذِبٌ عَلَى رَسُولِ الله بَلْ هُوَ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلُّ مُؤْمِنٍ وَلِيُّهُ فِي الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ فَالْوِلَايَةُ الَّتِي هِيَ ضِدُّ الْعَدَاوَةِ لَا تَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَأَمَّا الْوِلَايَةُ الَّتِي هِيَ الْإِمَارَةُ فَيُقَالُ فِيهَا وَالِي كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي كَمَا يُقَالُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إِذَا اجْتَمَعَ الْوَلِيُّ وَالْوَالِي قُدِّمَ الْوَالِي فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْوَلِيُّ وَقَوْلُ الْقَائِلِ عَلِيٌّ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي كَلَامٌ يَمْتَنِعُ نِسْبَتُهُ إِلَى النَّبِيِّ فَإِنَّهُ إِنْ أَرَادَ الْمُوَالَاةَ لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَقُولَ بَعْدِي وَإِنْ أَرَادَ الْإِمَارَةَ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَالٍ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ انْتَهَى فَإِنْ قُلْتَ لَمْ يَتَفَرَّدْ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ بِقَوْلِهِ هُوَ وَلِيُّ كُلِّ مُؤْمِنٍ بَعْدِي بَلْ وَقَعَ هَذَا اللَّفْظُ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ فَفِي آخِرِهِ لَا تَقَعْ فِي عَلِيٍّ فَإِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي وَإِنَّهُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ وَهُوَ وَلِيُّكُمْ بَعْدِي قُلْتُ تَفَرَّدَ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَجْلَحُ الْكِنْدِيُّ وَهُوَ أَيْضًا شِيعِيٌّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ [3713] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا الطُّفَيْلِ) اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيُّ (يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَرِيْحَةَ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ الرَّاءِ اسْمُهُ حُذَيْفَةُ بْنُ أَسِيدٍ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ الْغِفَارِيُّ صَحَابِيٌّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ قَوْلُهُ (مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ) قِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ كُنْتُ أَتَوَلَّاهُ فَعَلِيٌّ يَتَوَلَّاهُ مِنَ الْوَلِيِّ ضِدُّ الْعَدُوِّ أَيْ مَنْ كُنْتُ أُحِبُّهُ فَعَلِيٌّ يُحِبُّهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ مَنْ يتولاني فعلي يتولاه ذكره القارىء عَنْ بَعْضِ عُلَمَائِهِ وَقَالَ

الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ قَدْ تَكَرَّرَ ذِكْرُ الْمَوْلَى فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ فَهُوَ الرَّبُّ وَالْمَالِكُ وَالسَّيِّدُ وَالْمُنْعِمُ وَالْمُعْتِقُ والناصر والمحب والتابع والجار وبن الْعَمِّ وَالْحَلِيفُ وَالْعَقِيدُ وَالصِّهْرُ وَالْعَبْدُ وَالْمُعْتَقُ وَالْمُنْعَمُ عَلَيْهِ وَأَكْثَرُهَا قَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فَيُضَافُ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِيهِ وَكُلُّ مَنْ وَلِيَ أَمْرًا أَوْ قَامَ بِهِ فَهُوَ مَوْلَاهُ وَوَلِيُّهُ وَقَدْ تَخْتَلِفُ مَصَادِرُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فَالْوَلَايَةُ بِالْفَتْحِ فِي النَّسَبِ وَالنُّصْرَةِ وَالْمُعْتِقِ وَالْوِلَايَةُ بِالْكَسْرِ فِي الْإِمَارَةِ وَالْوَلَاءُ فِي الْمُعْتَقِ وَالْمُوَالَاةُ مِنْ وَالَى الْقَوْمَ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ يُحْمَلُ عَلَى أَكْثَرِ الْأَسْمَاءِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي بِذَلِكَ وَلَاءَ الْإِسْلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الكافرين لا مولى لهم وَقَوْلُ عُمَرَ لِعَلِيٍّ أَصْبَحْتَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ أَيْ وَلِيَّ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَقِيلَ سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ أُسَامَةَ قَالَ لِعَلِيٍّ لَسْتَ مَوْلَايَ إِنَّمَا مولاي رسول الله فقال مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ انْتَهَى وَفِي شَرْحِ الْمَصَابِيحِ لِلْقَاضِي قَالَتِ الشِّيعَةُ هُوَ الْمُتَصَرِّفُ وَقَالُوا مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَسْتَحِقُّ التَّصَرُّفَ فِي كُلِّ مَا يَسْتَحِقُّ الرسول التَّصَرُّفَ فِيهِ وَمِنْ ذَلِكَ أُمُورُ الْمُؤْمِنِينَ فَيَكُونُ إِمَامَهُمْ قَالَ الطِّيبِيُّ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ تُحْمَلَ الْوِلَايَةُ عَلَى الْإِمَامَةِ الَّتِي هِيَ التَّصَرُّفُ فِي أُمُورِ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ الْمُتَصَرِّفَ الْمُسْتَقِلَّ فِي حَيَاتِهِ هُوَ هُوَ لَا غَيْرُهُ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَوَلَاءِ الْإِسْلَامِ وَنَحْوِهِمَا انْتَهَى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالضِّيَاءُ وَفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أخرجه أحمد وبن مَاجَهْ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ بن ماجه وعن علي أخرجه أحمد [3714] قوله (حدثنا الْمُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ) التَّيْمِيُّ وَيُقَالُ الْعُكَلِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ التَّمَّارِ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ السَّادِسَةِ (أَخْبَرَنَا أَبُو حَيَّانَ) اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ سَعِيدِ بْنِ حَيَّانَ التَّيْمِيِّ الْكُوفِيِّ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ) إِنْشَاءٌ بِلَفْظِ الْخَبَرِ (زَوَّجَنِي ابْنَتَهُ) أَيْ عَائِشَةَ (وَحَمَلَنِي إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ) أَيِ الْمَدِينَةِ عَلَى بَعِيرِهِ وَلَوْ عَلَى قَبُولِ ثَمَنِهِ (وَأَعْتَقَ بِلَالًا) أَيِ الْحَبَشِيَّ الْمُؤَذِّنَ لَمَّا رَآهُ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ (رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ) بْنَ الْخَطَّابِ (وَإِنْ كَانَ مُرًّا) أَيْ كَرِيهًا عَظِيمَ الْمَشَقَّةِ عَلَى

قَائِلِهِ كَكَرَاهَةِ مَذَاقِ الشَّيْءِ الْمُرِّ (تَرَكَهُ الْحَقُّ وَمَا لَهُ صَدِيقٌ) أَيْ صَيَّرَهُ قَوْلُهُ الْحَقَّ وَالْعَمَلُ بِهِ عَلَى حَالَةٍ لَيْسَ لَهُ مُحِبٌّ وَخَلِيلٌ لِعَدَمِ انْقِيَادِ أَكْثَرِ الْخَلْقِ لِلْحَقِّ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ تَرْكَهُ إِلَخْ جُمْلَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِقَوْلِهِ يَقُولُ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا لِأَنَّ تَمْثِيلَ الْحَقِّ بِالْمَرَارَةِ يُؤْذِنُ بِاسْتِبْشَاعِ النَّاسِ مِنْ سَمَاعِ الْحَقِّ اسْتِبْشَاعَ مَنْ يَذُوقُ الْعَلْقَمَ فَيَقِلُّ لِذَلِكَ صَدِيقُهُ وَقَوْلُهُ وَمَا لَهُ صَدِيقٌ حَالٌ مِنَ الْمَفْعُولِ إِذَا جُعِلَ تَرَكَ بِمَعْنَى خَلَّى وَإِذَا ضُمِّنَ مَعْنَى صَيَّرَ كَانَ هَذَا مَفْعُولًا ثَانِيًا وَالْوَاوُ فِيهِ دَاخِلَةٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي كَمَا فِي بَعْضِ الْأَشْعَارِ (رَحِمَ اللَّهُ عُثْمَانَ) أَيِ بن عَفَّانَ (تَسْتَحْيِيهِ الْمَلَائِكَةُ) أَيْ تَسْتَحِي مِنْهُ وَكَانَ أحي هذه الأمة (رحم الله عليا) أي بن أَبِي طَالِبٍ (اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ) أَمِرَّ مِنَ الْإِدَارَةِ أَيِ اجْعَلِ الْحَقَّ دَائِرًا وَسَائِرًا (حَيْثُ دَارَ) أَيْ عَلِيٌّ وَمِنْ ثُمَّ كَانَ أَقْضَى الصَّحَابَةِ وَأَعْلَمَهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ الْمُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عرفت [3715] قوله (عن شريك) هو بن عَبْدِ اللَّهِ النَّخَعِيُّ الْقَاضِي (عَنْ مَنْصُورٍ) هُوَ بن الْمُعْتَمِرِ قَوْلُهُ (بِالرَّحَبَةِ) أَيْ رَحَبَةِ الْكُوفَةِ وَالرَّحَبَةُ فَضَاءٌ وَفُسْحَةٌ بِالْكُوفَةِ كَانَ عَلِيٌّ يَقْعُدُ فِيهَا لِفَصْلِ الْخُصُومَاتِ (وَأَرِقَّائِنَا) جَمْعُ رَقِيقٍ أَيْ عَبِيدِنَا (وَضِيَاعِنَا) جَمْعُ ضَيْعَةٍ وَهِيَ الْعَقَارُ وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ (سَنُفَقِّهُهُمْ) مِنَ التَّفْقِيهِ وَهُوَ التَّفْهِيمُ وَالْفِقْهُ الْفَهْمُ (لَتَنْتَهُنَّ) أَيْ عَمَّا قُلْتُمْ (قَدِ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) أَيِ اخْتَبَرَهَا كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِجَمْعِ الضَّمِيرِ وَهُوَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ نَاسٌ مِنْ أَبْنَائِنَا وَإِخْوَانِنَا وَأَرِقَّائِنَا وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَلْبَهُ بِإِفْرَادِ الضَّمِيرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى من

(يَخْصِفُهَا) أَيْ يَخْرِزُهَا مِنَ الْخَصْفِ وَهُوَ الضَّمُّ وَالْجَمْعُ (ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيْنَا عَلِيٌّ فَقَالَ إِنَّ رسول الله قَالَ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ إِلَخْ) مَقْصُودُ عَلِيٍّ بِالِالْتِفَاتِ إِلَيْهِمْ وَذِكْرِ حَدِيثِ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ مِنْ رَسُولِ الله ولم يكذب عليه 7 - باب [3717] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ) هُوَ الضُّبَعِيُّ قَوْلُهُ (إِنْ كُنَّا) إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ (مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ (بِبُغْضِهِمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) لِأَنَّهُ لَا يُبْغِضُ عَلِيًّا إِلَّا مُنَافِقٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْآتِي (وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ) قَالَ الْحَافِظُ اسْمُهُ عُمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ مَتْرُوكٌ وَمِنْهُمْ مَنْ كَذَّبَهُ شيعي 8 - باب [3717] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أبي نصر) الضَّبِّيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ لَهُ فِي التِّرْمِذِيِّ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالْآخَرُ فِي مَوْتِ الْمَرْأَةِ وَزَوْجُهَا رَاضٍ عَنْهَا (عَنِ الْمُسَاوِرِ الْحِمْيَرِيِّ) مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أُمِّهِ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ أُمُّ مُسَاوِرٍ الْحِمْيَرِيِّ لَا يُعْرَفُ حَالُهَا مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (وَفِي

الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إلى أن لَا يُحِبَّنِي إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضَنِي إِلَّا مُنَافِقٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَرْجَمَةِ الْمُسَاوِرِ فِيهِ جهالة وخبره منكر 9 - باب [3718] قوله (حدثنا شريك) هو بن عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي (عَنْ أَبِي رَبِيعَةَ) الْإِيَادِيُّ (عن بن بُرَيْدَةَ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ قَوْلُهُ (إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بحب أربعة) أي من الرجال على الخصوص (وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ) أَيِ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى (سَمِّهِمْ لَنَا) أَيْ بَيِّنْ أَسْمَاءَهُمْ لَنَا حَتَّى نَحْنُ نُحِبُّهُمْ أَيْضًا تَبَعًا لِمَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (على) أي بن أَبِي طَالِبٍ (مِنْهُمْ) أَيِ الْأَرْبَعَةِ (يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثًا) أَيْ لِلْإِشْعَارِ بِأَنَّهُ أَفْضَلُهُمْ أَوْ يُحِبُّهُ قدر ثلاثتهم قاله القارىء (وأبو ذر) الغفاري (والمقداد) أي بن عَمْرِو بْنُ ثَعْلَبَةَ الْكِنْدِيُّ (وَسَلْمَانُ) أَيِ الْفَارِسِيُّ (وَأَمَرَنِي) أَيِ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (وَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ) أي الله سبحانه وتعالى (يحبهم) قال القارىء قَوْلُهُ أَمَرَنِي بِحُبِّهِمْ إِلَخْ فَذْلَكَةٌ مُفِيدَةٌ لِتَأْكِيدِ مَا سَبَقَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وأخرجه بن ماجه والحاكم 0 - باب [3719] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى) الْفَزَّارِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ حُبْشِيٍّ

بِضَمِّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ بَعْدَهَا يَاءٌ ثَقِيلَةٌ (بْنِ جُنَادَةَ) بِضَمِّ جِيمٍ وَخِفَّةِ نُونٍ وَإِهْمَالِ دَالٍ السَّلُولِيِّ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ صَحَابِيٌّ نَزَلَ الْكُوفَةَ قَوْلُهُ (عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْ عَلِيٍّ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي شَرْحِ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَوَّلَ أَحَادِيثِ مَنَاقِبِ عَلِيٍّ (وَلَا يُؤَدِّي عَنِّي) أَيْ نَبْذُ الْعَهْدِ (إِلَّا أَنَا أَوْ عَلِيٌّ) كَانَ الظَّاهِرُ أَنْ يُقَالَ لَا يُؤَدِّي عَنِّي إِلَّا عَلِيٌّ فَأَدْخَلَ أَنَا تَأْكِيدًا لِمَعْنَى الِاتِّصَالِ فِي قَوْلِهِ عَلِيٌّ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ كَانَ مِنْ دَأْبِ الْعَرَبِ إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ مُقَاوَلَةٌ فِي نَقْضٍ وَإِبْرَامٍ وَصُلْحٍ وَنَبْذِ عَهْدٍ أَنْ لَا يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَّا سَيِّدُ الْقَوْمِ أَوْ مَنْ يَلِيهِ مِنْ ذَوِي قَرَابَتِهِ الْقَرِيبَةِ وَلَا يَقْبَلُونَ مِمَّنْ سِوَاهُمْ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يَحُجَّ بِالنَّاسِ رَأَى بَعْدَ خُرُوجِهِ أَنْ يَبْعَثَ عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ خَلْفَهُ لِيَنْبِذَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ عَهْدَهُمْ وَيَقْرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ بَرَاءَةٍ وَفِيهَا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ فَقَالَ قَوْلَهُ هذا تكريما له بذلك انتهى قال القارىء وَاعْتِذَارًا لِأَبِي بَكْرٍ فِي مَقَامِهِ هُنَالِكَ وَلِذَا قَالَ الصِّدِّيقُ لِعَلِيٍّ حِينَ لَحِقَهُ مِنْ وَرَائِهِ أَمِيرٌ أَوْ مَأْمُورٌ فَقَالَ بَلْ مَأْمُورٌ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ إِمَارَتَهُ إِنَّمَا تَكُونُ مُتَأَخِّرَةً عَنْ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ كَمَا لَا يَخْفَى عَنْ ذَوِي التَّحْقِيقِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد والنسائي وبن ماجه [3720] قوله (حدثنا علي بن صالح) بن صالح (بن حي) الْهَمْدَانِيُّ أَبُو مُحَمَّدٍ الْكُوفِيُّ أَخُو الْحُسَيْنِ بْنِ صَالِحٍ وَهُمَا تَوْأَمَانِ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ مِنَ الْمُؤَاخَاةِ أَيْ جَعَلَ الْمُؤَاخَاةَ فِي الدِّينِ (بَيْنَ أَصْحَابِهِ) أَيِ اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ كَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَسَلْمَانَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ حَكِيمُ بْنُ جُبَيْرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَرُمِيَ بِالتَّشَيُّعِ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الْمَنَاقِبِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخَى بَيْنَ النَّاسِ وَتَرَكَ عَلِيًّا حَتَّى بَقِيَ آخِرَهُمْ لَا يَرَى لَهُ أَخًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ آخَيْتَ بَيْنَ النَّاسِ وَتَرَكْتَنِي قَالَ وَلِمَ تَرَانِي تَرَكْتُكَ تَرَكْتُكَ لِنَفْسِي أَنْتَ أَخِي وَأَنَا أَخُوكَ فَإِنْ ذَكَرَكَ أَحَدٌ فَقُلْ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو رَسُولِهِ لَا يَدَّعِيهَا بَعْدُ إِلَّا كَذَّابٌ

كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَفِيهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أَوْفَى) أَيْ وَفِي الْبَابِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَهُوَ صَحَابِيٌّ وَلَمْ أقف على من أخرج حديثه 1 - باب [3721] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَرَ) الْأَسَدِيِّ الْهَمْدَانِيِّ بسكون الميم كنيته أبو عمر الكوفي القارىء ثِقَةٌ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَيْرٌ) أَيْ مَشْوِيٌّ أَوْ مَطْبُوخٌ أُهْدِيَ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَأْكُلُ مَعِي) بِالرَّفْعِ وَيَجُوزُ الْجَزْمُ (فَجَاءَ عَلِيٌّ فَأَكَلَ مَعَهُ) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُقَاوِمُ مَا أَوْجَبَ تَقْدِيمَ أَبِي بَكْرٍ وَالْقَوْلُ بِخَيْرِيَّتِهِ مِنَ الْأَخْبَارِ الصِّحَاحِ مُنْضَمًّا إِلَيْهَا إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ لِمَكَانِ سَنَدِهِ فَإِنَّ فِيهِ لِأَهْلِ النَّقْلِ مَقَالًا وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ أَمْثَالِهِ عَلَى مَا يُخَالِفُ الْإِجْمَاعَ لَا سِيَّمَا وَالصَّحَابِيُّ الَّذِي يَرْوِيهِ مِمَّنْ دَخَلَ فِي هَذَا الْإِجْمَاعِ وَاسْتَقَامَ عَلَيْهِ مُدَّةَ عُمْرِهِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ خِلَافُهُ فَلَوْ ثَبَتَ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ فَالسَّبِيلُ أَنْ يأول عَلَى وَجْهٍ لَا يُنْقَضُ عَلَيْهِ مَا اعْتَقَدَهُ وَلَا يُخَالِفُ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْهُ مَتْنًا وَإِسْنَادًا وَهُوَ أَنْ يُقَالَ يُحْمَلُ قَوْلُهُ بِأَحَبِّ خَلْقِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ ائْتِنِي بِمَنْ هُوَ مِنْ أَحَبِّ خَلْقِكَ إِلَيْكَ فَيُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَهُمُ الْمُفَضَّلُونَ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِمْ فُلَانٌ أَعْقَلُ النَّاسِ وَأَفْضَلُهُمْ أَيْ مِنْ أَعْقَلِهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَكَ أَنَّ حَمْلَهُ عَلَى الْعُمُومِ غَيْرُ جَائِزٍ هُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِ الله ولا جائز أن يكون عليا أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْهُ فَإِنْ قِيلَ ذَلِكَ شَيْءٌ عُرِفَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ قُلْنَا وَالَّذِي نَحْنُ فِيهِ عُرِفَ أَيْضًا بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ فيأول هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِأَحَبِّ خَلْقِهِ إِلَيْهِ مِنْ بَنِي عَمِّهِ وَذَوِيهِ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُطْلِقُ الْقَوْلَ وَهُوَ يُرِيدُ تَقْيِيدَهُ وَيَعُمُّ بِهِ وَيُرِيدُ تَخْصِيصَهُ فَيَعْرِفُهُ ذَوُو الْفَهْمِ بِالنَّظَرِ إِلَى الْحَالِ أَوِ الْوَقْتِ أَوِ الأمر الذي هو فيه انتهى قال القارىء الْوَجْهُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُعَوَّلُ وَنَظِيرُهُ مَا وَرَدَ أَحَادِيثُ بِلَفْظِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ فِي أُمُورٍ لَا يُمْكِنُ جَمْعُهَا إِلَّا بِأَنْ يُقَالَ فِي بَعْضِهَا إِنَّ التَّقْدِيرَ مِنْ أَفْضَلِهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ لَهُ طُرُقٌ كثيرة كلها ضعيفة وقد ذكره بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَأَخْرَجَهُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ

كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَنْ أَرَادَ اسْتِيفَاءَ الْبَحْثِ فَلْيَنْظُرْ تَرْجَمَةَ الْحَاكِمِ فِي النُّبَلَاءِ وَكَذَا فِي الْفَوَائِدِ الْمَجْمُوعَةِ لِلشَّوْكَانِيِّ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي تَخْرِيجِ الْهِدَايَةِ ص 189 ج 1 وَكَمْ مِنْ حَدِيثٍ كَثُرَتْ رُوَاتُهُ وَتَعَدَّدَتْ طُرُقُهُ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ كَحَدِيثِ الطَّيْرِ وَحَدِيثِ الْحَاجِمِ وَالْمَحْجُومِ وَحَدِيثِ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ بَلْ قَدْ لَا يَزِيدُ الْحَدِيثَ كَثْرَةُ الطُّرُقِ إِلَّا ضَعْفًا انْتَهَى وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي تَذْكِرَةِ الْحُفَّاظِ فِي تَرْجَمَةِ الْحَاكِمِ قَالَ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ كَانَ ثِقَةً يَمِيلُ إِلَى التَّشَيُّعِ فَحَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَرْمَوِيُّ وَكَانَ صَالِحًا عَالِمًا قَالَ جَمَعَ الْحَاكِمُ أَحَادِيثَ وَزَعَمَ أَنَّهَا صِحَاحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْهَا حَدِيثُ الطَّيْرِ وَمَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ فَأَنْكَرَهَا عَلَيْهِ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ فَلَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى قَوْلِهِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ السَّمَرْقَنْدِيُّ الْحَافِظُ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الشَّاذِيَانِيَّ صَاحِبَ الْحَاكِمِ يَقُولُ كُنَّا فِي مَجْلِسِ السَّيِّدِ أَبِي الْحَسَنِ فَسُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ عَنْ حَدِيثِ الطَّيْرِ فَقَالَ لَا يَصِحُّ وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الذَّهَبِيُّ ثُمَّ تَغَيَّرَ أَيِ الْحَاكِمُ وَأَخْرَجَ حَدِيثَ الطَّيْرِ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً لَيْسَتْ عَلَى شَرْطِ الصِّحَّةِ بَلْ فِيهِ أَحَادِيثُ مَوْضُوعَةٌ شَانَ الْمُسْتَدْرَكِ بِإِخْرَاجِهَا فِيهِ وَأَمَّا حَدِيثُ الطَّيْرِ فَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا أَفْرَدْتُهَا بِمُصَنَّفٍ وَمَجْمُوعُهَا يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ لَهُ أَصْلٌ وَأَمَّا حَدِيثُ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَلَهُ طُرُقٌ جَيِّدَةٌ وَقَدْ أَفْرَدْتُ ذَلِكَ أَيْضًا انْتَهَى (وَالسُّدِّيُّ اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) وَهُوَ السُّدِّيُّ الْكَبِيرُ [3722] [3729] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَوْفٌ) هو بن أَبِي جَمِيلَةَ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هِنْدٍ) الْمُرَادِيِّ الْجَمَلِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُهُ مِنْ عَلِيٍّ قَوْلُهُ (كُنْتُ إِذَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ إِذَا طَلَبْتُ مِنْهُ شَيْئًا (أَعْطَانِي) أَيِ الْمَسْئُولَ أَوْ جَوَابَهُ (وَإِذَا سَكَتَ) أَيْ عَنِ السُّؤَالِ أَوِ التَّكَلُّمِ (ابْتَدَأَنِي) أَيْ بِالتَّكَلُّمِ أَوِ الْإِعْطَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) هَذَا الْحَدِيثُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُهُ مِنْ عَلِيٍّ كما عرفت وأخرجه النسائي في الخصائص وبن خزيمة في صحيحه والحاكم

62 - باب [3723] قوله (حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الرُّومِيِّ) اعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عمر الرومي بإسقاط كلمة بن وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنُ الرُّومِيِّ بِذِكْرِهَا فَفِي التَّقْرِيبِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ فَيْرُوزَ الْبَاهِلِيُّ مَوْلَاهُمُ بن الرُّومِيِّ الْبَصْرِيُّ لَيِّنُ الْحَدِيثِ مِنَ الْعَاشِرَةِ وَكَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالْخُلَاصَةِ وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ فِي مَنَاقِبِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ (عَنِ الصُّنَابِحِيِّ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُسَيْلَةَ قَوْلُهُ (أنا دار الحكمة وعلي) أي بن أَبِي طَالِبٍ (بَابُهَا) أَيِ الَّذِي يُدْخَلُ مِنْهُ إِلَيْهَا قَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّ الشِّيعَةَ تَتَمَسَّكُ بِهَذَا التَّمْثِيلِ أَنَّ أَخْذَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ مِنْهُ مُخْتَصٌّ بِهِ لَا يُتَجَاوَزُ إِلَى غَيْرِهِ إِلَّا بِوَاسِطَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّ الدَّارَ إِنَّمَا يُدْخَلُ مِنْ بَابِهَا وَقَدْ قَالَ تَعَالَى (وَأْتُوا الْبُيُوتَ من أبوابها) وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ إِذْ لَيْسَ دَارُ الْجَنَّةِ بِأَوْسَعَ مِنْ دَارِ الْحِكْمَةِ وَلَهَا ثَمَانِيَةُ أبواب انتهى وقال القارىء مَعْنَى الْحَدِيثِ عَلِيٌّ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِهَا وَلَكِنَّ التَّخْصِيصَ يُفِيدُ نَوْعًا مِنَ التَّعْظِيمِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَعْظَمُهُمْ وَأَعْلَمُهُمْ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ الْأَصْحَابِ بِمَنْزِلَةِ الْأَبْوَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى اخْتِلَافِ مَرَاتِبِ أَنْوَارِهَا فِي الِاهْتِدَاءِ وَمِمَّا يُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ التَّابِعِينَ أَخَذُوا أَنْوَاعَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقَةِ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ غَيْرِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْضًا فَعُلِمَ عَدَمُ انْحِصَارِ الْبَابِيَّةِ فِي حَقِّهِ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَخْتَصَّ بِبَابِ الْقَضَاءِ فَإِنَّهُ وَرَدَ فِي شَأْنِهِ أَنَّهُ أَقَضَاكُمْ كَمَا أَنَّهُ جَاءَ فِي حَقِّ أُبَيٍّ أَنَّهُ أَقْرَؤُكُمْ وَفِي حَقِّ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ أَفْرَضُكُمْ وَفِي حَقِّ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّهُ أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ قُلْتُ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّلْخِيصِ حَدِيثُ أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ حَمْزَةَ النَّصِيبِيِّ عن نافع عن بن عُمَرَ وَحَمْزَةُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ وَحُمَيْدٌ لَا يُعْرَفُ وَلَا أَصْلَ لَهُ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ وَلَا مَنْ فَوْقَهُ وَذَكَرَهُ الْبَزَّارُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ زَيْدٍ الْعَمِّيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ وَعَبْدُ الرَّحِيمِ كَذَّابٌ ومن حديث أنس أيضا وإسناده واهي وَرَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ فِي مُسْنَدِ الشِّهَابِ لَهُ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِي إِسْنَادِهِ جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ الهاشمي

وَهُوَ كَذَّابٌ وَرَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ مِنْ حَدِيثِ مَنْدَلٍ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ مُنْقَطِعًا وَهُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ هَذَا الْكَلَامُ لَمْ يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقَالَ بن حَزْمٍ هَذَا خَبَرٌ مَكْذُوبٌ مَوْضُوعٌ بَاطِلٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الِاعْتِقَادِ عَقِبَ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِ النُّجُومُ أَمَنَةُ السَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى أَهْلَ السَّمَاءِ مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مَوْصُولٍ بِإِسْنَادٍ غَيْرِ قَوِيٍّ يَعْنِي حَدِيثَ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْعَمِّيِّ وَفِي حَدِيثٍ مُنْقَطِعٍ يَعْنِي حَدِيثَ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ مَثَلُ أَصْحَابِي كَمَثَلِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ مَنْ أَخَذَ بنجم منها اهتدى قال والذي رويناه ها هنا مِنَ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ يُؤَدِّي بَعْضَ مَعْنَاهُ قَالَ الْحَافِظُ صَدَقَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ يُؤَدِّي صِحَّةَ التَّشْبِيهِ لِلصَّحَابَةِ بِالنُّجُومِ خَاصَّةً أَمَّا فِي الِاقْتِدَاءِ فَلَا يَظْهَرُ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى نَعَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُتَلَمَّحَ ذَلِكَ مِنْ مَعْنَى الِاهْتِدَاءِ بِالنُّجُومِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْفِتَنِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ انْقِرَاضِ عَصْرِ الصَّحَابَةِ مِنْ طَمْسِ السُّنَنِ وَظُهُورِ الْبِدَعِ وَفُشُوِّ الْفُجُورِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مُنْكَرٌ) اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ بن الْجَوْزِيِّ وَغَيْرُهُ إِنَّهُ مَوْضُوعٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ وَغَيْرُهُ إنه صحيح قال الحافظ بن حَجَرٍ وَالصَّوَابُ خِلَافُ قَوْلِهِمَا مَعًا وَأَنَّ الْحَدِيثَ مِنْ قِسْمِ الْحَسَنِ لَا يَرْتَقِي إِلَى الصِّحَّةِ وَلَا يَنْحَطُّ إِلَى الْكَذِبِ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ المجموعة للشوكاني قوله (وفي الباب عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَقَالَ صَحِيحٌ وتعقبه الذهبي [3724] قوله (حدثنا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) الْمَدَنِيُّ (عَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ) الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ قَوْلُهُ (فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ) أَيْ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ الَّتِي فِي ظَاهِرِهَا دَخَلٌ عَلَى صَحَابِيٍّ يَجِبُ تَأْوِيلُهَا قَالُوا وَلَا يَقَعُ فِي رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ إِلَّا مَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ فَقَوْلُ مُعَاوِيَةَ هَذَا لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَمَرَ سَعْدًا بِسَبِّهِ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنِ السَّبَبِ الْمَانِعِ لَهُ مِنَ السَّبِّ كَأَنَّهُ يَقُولُ هَلِ امْتَنَعْتُ تَوَرُّعًا أَوْ خَوْفًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ تَوَرُّعًا وَإِجْلَالًا لَهُ عَنِ السَّبِّ فَأَنْتَ مُصِيبٌ مُحْسِنٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَهُ جَوَابٌ آخَرُ وَلَعَلَّ سَعْدًا قَدْ كَانَ فِي طَائِفَةٍ يَسُبُّونَ فَلَمْ يَسُبَّ

مَعَهُمْ وَعَجَزَ عَنِ الْإِنْكَارِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ فَسَأَلَهُ هَذَا السُّؤَالَ قَالُوا وَيَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّ معناه ما مَنَعَكَ أَنْ تُخَطِّئَهُ فِي رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَتُظْهِرَ لِلنَّاسِ حُسْنَ رَأْيِنَا وَاجْتِهَادِنَا وَأَنَّهُ أَخْطَأَ انْتَهَى (أَمَّا مَا ذَكَرْتُ ثَلَاثًا قَالَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَنْ أَسُبَّهُ) كَلِمَةُ مَا مَصْدَرِيَّةٌ وَذُكِرَتْ بِتَأْوِيلِ الْمَصْدَرِ مَعَ فَاعِلِهِ ومفعوله مبتدأ والخبر مجذوف أَيْ أَمَّا ذِكْرِي ثَلَاثَ كَلِمَاتٍ قَالَهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ عَلِيٍّ فَمَانِعٌ عَنْ سَبِّهِ فَلَنْ أَسُبَّهُ (لَأَنْ تَكُونَ لِي وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ) أَيْ مِنَ الثَّلَاثِ (مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْمِيمِ أَيِ الْإِبِلِ الْحُمْرِ وَهِيَ أَنْفُسُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ فَهِيَ كِنَايَةٌ عَنْ خَيْرِ الدُّنْيَا كُلِّهِ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول لِعَلِيٍّ) هَذَا بَيَانٌ لِلْكَلِمَاتِ الثَّلَاثِ الَّتِي ذَكَرَهَا سَعْدٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَخَلَفَهُ) أَيْ جَعَلَهُ خَلِيفَةً وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ) أَيْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ (أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى) أَيْ نَازِلًا مِنِّي مَنْزِلَةَ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ وَفِي رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَعْدٍ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيتُ رَضِيتُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَفِي الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ فَضِيلَةٍ لِعَلِيٍّ وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِثْلَهُ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ لِاسْتِخْلَافِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِعَلِيٍّ حِينَ اسْتَخْلَفَهُ فِي الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ هَارُونَ الْمُشَبَّهَ بِهِ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً بَعْدَ مُوسَى بَلْ تُوُفِّيَ فِي حَيَاةِ مُوسَى وَقَبْلَ وَفَاةِ مُوسَى بِنَحْوِ أَرْبَعِينَ سَنَةً عَلَى مَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأَخْبَارِ وَالْقَصَصِ قَالُوا وَإِنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ حِينَ ذَهَبَ لِمِيقَاتِ رَبِّهِ لِلْمُنَاجَاةِ كَذَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ (فَتَطَاوَلْنَا لَهَا) أَيْ لِلرَّايَةِ يُقَالُ تَطَاوَلَ إِذَا تَمَدَّدَ قَائِمًا لِيَنْظُرَ إِلَى بَعِيدٍ (وَبِهِ رَمَدٌ) بِالتَّحْرِيكِ أَيْ هَيَجَانُ الْعَيْنِ (فَبَصَقَ) أَيْ بَزَقَ وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ (وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وأبناءكم إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الاية قل تعالوا ندع أبناءنا إِلَخْ) قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سورة آل عمران مختصرا

باب [3725] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ) الْقَطَوَانِيُّ (عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ الْكُوفِيِّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ (عَنِ الْبَرَاءِ) أي بن عَازِبٍ قَوْلُهُ (بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ أَرْسَلَ (إِذَا كَانَ الْقِتَالُ فَعَلِيٌّ) أَيْ فَالْأَمِيرُ عَلِيٌّ (يَشِي بِهِ) فِي الْقَامُوسِ وَشَى بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ وَشْيًا وَوِشَايَةً أَيْ نَمَّ وَسَعَى (فَقَرَأَ الْكِتَابَ) وَفِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ فَقُرِئَ عَلَيْهِ (فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ) أَيْ لَوْنُ وَجْهِهِ لِغَضَبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) أَيْ أَرَادَ بِذَلِكَ وُجُودَ حَقِيقَةِ الْمَحَبَّةِ وَإِلَّا فَكُلُّ مُسْلِمٍ يَشْتَرِكُ مَعَ عَلِيٍّ فِي مُطْلَقِ هَذِهِ الصِّفَةِ وَفِي الْحَدِيثِ تَلْمِيحٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يحببكم الله فَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ عَلِيًّا تَامُّ الِاتِّبَاعِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اتَّصَفَ بِصِفَةِ مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُ وَلِهَذَا كَانَتْ مَحَبَّتُهُ عَلَامَةَ الْإِيمَانِ وَبُغْضُهُ عَلَامَةَ النِّفَاقِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي بَابِ مَنْ يُسْتَعْمَلُ عَلَى الْحَرْبِ مِنْ أبواب الجهاد 4 - باب [3726] قوله (عن الأجلح) هو بن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حُجَيَّةَ (دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا يَوْمَ الطَّائِفِ) قِيلَ أَيْ دَعَاهُ يَوْمَ أَرْسَلَهُ إِلَى الطَّائِفِ (فَانْتَجَاهُ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ نَاجَاهُ مُنَاجَاةً وَنَجَاءً سَارَّهُ وَانْتَجَاهُ خَصَّهُ

بِمُنَاجَاتِهِ (فَقَالَ النَّاسُ) أَيِ الْمُنَافِقُونَ أَوْ عَوَامُّ الصحابة قاله القارىء مَا انْتَجَيْتُهُ أَيْ مَا خَصَصْتُ بِالنَّجْوَى وَلَكِنَّ اللَّهَ انْتَجَاهُ أَيْ إِنِّي بَلَّغْتُهُ عَنِ اللَّهِ مَا أَمَرَنِي أَنْ أُبَلِّغَهُ إِيَّاهُ عَلَى سَبِيلِ النَّجْوَى فَحِينَئِذٍ انْتَجَاهُ اللَّهُ لَا انْتَجَيْتُهُ فَهُوَ نَظِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكن الله رمى قَالَ الطِّيبِيُّ كَانَ ذَلِكَ أَسْرَارًا إِلَهِيَّةً وَأُمُورًا غيبية جعله من خرانتها انتهى قال القارىء وَفِيهِ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُتَنَاجَى بِهِ مِنَ الْأَسْرَارِ الدُّنْيَوِيَّةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَخْبَارِ الدِّينِيَّةِ مِنْ أَمْرِ الْغَزْوِ وَنَحْوِهِ إِذْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَقَالَ وَالَّذِي خَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ إِلَّا فَهْمًا يُعْطَاهُ رَجُلٌ فِي كِتَابِهِ وَمَا فِي الصَّحِيفَةِ وَقِيلَ مَا فِي الصَّحِيفَةِ فَقَالَ الْعَقْلُ وَفِكَاكُ الْأَسِيرِ وأن لا يقتل مسلم بكافر 5 - باب [3727] قَوْلُهُ (عَنْ عَطِيَّةَ) بْنِ سَعْدٍ الْعَوفِيِّ قَوْلُهُ (لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُجْنِبُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ مِنَ الْإِجْنَابِ (فِي هَذَا الْمَسْجِدِ) أَيِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ يَعْنِي لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ جُنُبًا فِي هَذَا الْمَسْجِدِ (غَيْرِي وَغَيْرَكَ) بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُجْنِبُ بِغَيْرِ أَنْ وَكَذَا وَقَعَ فِي الْمِشْكَاةِ قَالَ الطِّيبِيُّ ظَاهِرُهُ أَنْ يُجْنِبَ أَنْ يَكُونَ فَاعِلًا لِقَوْلِهِ لَا يَحِلُّ وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ ظَرْفٌ لِيُجْنِبَ وَفِيهِ إِشْكَالٌ وَلِذَلِكَ أَوَّلَهُ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ صِفَةً لِأَحَدٍ (قُلْتُ لِضِرَارٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ (بْنِ صُرَدٍ) بِضَمٍّ فَفَتْحٍ فَتَنْوِينٍ يُكَنَّى أَبَا نُعَيْمٍ الْكُوفِيِّ الطَّحَّانَ سَمِعَ الْمُعْتَمِرَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَغَيْرَهُ وَرَوَى عَنْهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ (يَسْتَطْرِقُهُ) أَيْ يَتَّخِذُهُ طَرِيقًا قَالَ الْقَاضِي ذَكَرَ فِي شَرْحِهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَسْتَطْرِقُهُ جُنُبًا غَيْرِي وَغَيْرَكَ وَهَذَا إِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِذَا جُعِلَ يُجْنِبُ صِفَةً

لِأَحَدٍ وَمُتَعَلَّقُ الْجَارِّ مَحْذُوفًا فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ يَمُرُّ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرَكَ وَكَانَ عُمِّرَ دَارُهُمَا خَاصَّةً فِي الْمَسْجِدِ قَالَ الطِّيبِيُّ وَالْإِشَارَةُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ لَهُ اخْتِصَاصًا بِهَذَا الْحُكْمِ لَيْسَ لِغَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّ بَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْتَحُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَكَذَا بَابُ عَلِيٍّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) أَوْرَدَ بن الْجَوْزِيِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي مَوْضُوعَاتِهِ وَقَالَ فِيهِ كَثِيرٌ النَّوَّاءُ وَهُوَ غَالٍ فِي التَّشَيُّعِ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوفِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي تَعَقُّبَاتِهِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ عَطِيَّةَ فَزَالَتْ تُهْمَةُ كَثِيرٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَقَالَ النَّوَوِيُّ إِنَّمَا حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ بِشَوَاهِدِهِ قَالَ وَوَرَدَ مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَأُمِّ سَلَمَةَ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ وَعَائِشَةَ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَجَابِرِ بن عبد الله أخرجه بن عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ وَمِنْ مُرْسَلِ أَبِي حَازِمٍ الْأَشْجَعِيِّ أَخْرَجَهُ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ انْتَهَى (وَقَدْ سَمِعَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) أَيِ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (مِنِّي هَذَا الْحَدِيثَ) وَقَدْ سمع منه أيضا حديث بن عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أصولها قَالَ اللِّينَةُ النَّخْلَةُ الْحَدِيثَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ إِخْرَاجِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحَشْرِ سَمِعَ مِنِّي محمد بن إسماعيل هذا الحديث انتهى 6 - باب [3728] قوله (حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ) بِمُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ بَعْدَهَا مُهْمَلَةٌ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ مُسْلِمٍ الْمُلَائِيِّ) بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَخِفَّةِ لَامٍ وَبِمَدٍّ وَبِيَاءٍ فِي آخِرِهِ نِسْبَةً إِلَى بَيْعِ الْمِلَاءِ نَوْعٍ مِنَ الثِّيَابِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مُسْلِمُ بْنُ كَيْسَانَ الضَّبِّيُّ الْمُلَائِيُّ الْبَرَّادُ الْأَعْوَرُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيِّ ضَعِيفٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَصَلَّى عَلِيٌّ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أن

أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الذُّكُورِ هُوَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عن مسلم) هو بن كَيْسَانَ الْمُلَائِيُّ (عَنْ حَبَّةٍ) بِفَتْحِ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثَقِيلَةِ بْنِ جُوَيْنٍ بِجِيمٍ مُصَغَّرًا الْعُرَنِيُّ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ بَعْدَهَا نُونٌ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَغْلَاطٌ وَكَانَ غَالِيًا فِي التَّشَيُّعِ مِنَ الثَّانِيَةِ وَأَخْطَأَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ صُحْبَةً (عَنْ عَلِيٍّ نَحْوَ هَذَا) أَخْرَجَ الْحَاكِمُ عَنْ حَبَّةَ بْنِ جُوَيْنٍ عَنْ عَلِيٍّ عَبَدْتُ اللَّهَ مَعَ رَسُولِهِ سَبْعَ سِنِينَ قَبْلَ أَنْ يَعْبُدَهُ أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي تَعَقُّبَاتِهِ قَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ لَكِنْ تَعَقَّبَهُ الذَّهَبِيُّ بِأَنَّ خَدِيجَةَ وَأَبَا بَكْرٍ وَبِلَالًا وَزَيْدًا آمَنُوا أَوَّلَ مَا بُعِثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ وَلَعَلَّ السَّمْعَ أَخْطَأَ وَيَكُونُ عَلِيٌّ قَالَ عَبَدْتُ اللَّهَ مَعَ رَسُولِهِ وَلِي سَبْعُ سِنِينَ وَلَمْ يَضْبِطِ الرَّاوِي ما سمع انتهى [3731] قَوْلُهُ (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) هُوَ الْأَنْصَارِيُّ قَوْلُهُ (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعلي أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ [3730] قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَلِيٍّ أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَخْ) قَالَ الطِّيبِيُّ تَحْرِيرُهُ مِنْ جِهَةِ عِلْمِ الْمَعَانِي أَنَّ قَوْلَهُ مني خبر للمبتدأ ومن اتصاليته ومتعلق الخبر خاص وَالْبَاءُ زَائِدَةٌ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ آمنوا بمثل ما آمنتم به أَيْ فَإِنْ آمَنُوا إِيمَانًا مِثْلَ إِيمَانِكُمْ يَعْنِي أَنْتَ مُتَّصِلٌ بِي وَنَازِلٌ مِنِّي مَنْزِلَةَ هَارُونَ مِنْ مُوسَى وَفِيهِ تَشْبِيهٌ وَوَجْهُ الشَّبَهِ مِنْهُ لَمْ يُفْهِمْ أَنَّهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا شَبَّهَهُ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي أَنَّ اتِّصَالَهُ بِهِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ النُّبُوَّةِ فَبَقِيَ الِاتِّصَالُ مِنْ جِهَةِ الْخِلَافَةِ لِأَنَّهَا تَلِي النُّبُوَّةَ فِي الْمَرْتَبَةِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَالَ حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ فَخَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ مَمَاتِهِ لِأَنَّ هَارُونَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَاتَ قَبْلَ مُوسَى فَتَعَيَّنَ

أَنْ يَكُونَ فِي حَيَاتِهِ عِنْدَ مَسِيرِهِ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ) أما حديث سعد وهو بن أَبِي وَقَّاصٍ فَقَدْ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ قَبْلَ هَذَا بِأَرْبَعَةِ أَبْوَابٍ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا مَيْمُونُ أَبُو عبد الله البصري وثقه بن حِبَّانَ وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ وَبَقِيَّةُ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيُّ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي إِسْنَادِ أَبِي يَعْلَى محمد بن سلمة بن كهيل وثقه بن حِبَّانَ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ وَقَالَ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى وَفِي الْبَابِ أَيْضًا عَنْ أبي سعيد وأسماء بنت عميس وبن عباس وحبشي بن جنادة وبن عُمَرَ وَعَلِيٍّ نَفْسِهِ وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَأَبِي أَيُّوبَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ كَمَا فِي مَجْمَعِ الزوائد 7 - باب [3732] قوله (حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُخْتَارِ) الرَّازِيُّ (عَنْ أَبِي بَلْجٍ) بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَسُكُونِ لَامٍ بَعْدَهَا جِيمٌ الْفَزَارِيِّ الْكُوفِيِّ ثُمَّ الْوَاسِطِيِّ الْكَبِيرِ اسْمُهُ يَحْيَى بْنُ سليم أو بن أبي سليم أو بن أَبِي الْأَسْوَدِ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ) الْأَوْدِيُّ قَوْلُهُ (أَمَرَ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ) أَيِ الْمَفْتُوحَةِ فِي الْمَسْجِدِ (إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ) وَلِذَا قَالَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُجْنِبُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرَكَ قَالَ في اللمعات حكم بن الْجَوْزِيِّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِالْوَضْعِ وَقَالَ وَضَعَتْهُ الرَّوَافِضُ فِي مُعَارَضَةِ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَرَدَّ الشيخ بن حَجَرٍ عَلَيْهِ وَقَالَ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ بَلَغَتْ بَعْضُهَا حَدَّ الصِّحَّةِ وَبَعْضُهَا مَرْتَبَةَ الْحَسَنِ وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِسَدِّ الْأَبْوَابِ وَفَتْحِ بَابِ عَلِيٍّ كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَالْأَمْرُ بِسَدِّ الْخَوْخَاتِ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ فِي مَرَضِهِ حِينَ بَقِيَ مِنْ عُمْرِهِ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَقَلُّ انْتَهَى مَا فِي اللُّمَعَاتِ قلت أراد بالشيخ بن حجر الحافظ بن حَجَرٍ الْعَسْقَلَانِيَّ وَقَدْ بَسَطَ الْحَافِظُ الْكَلَامَ فِي هَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي الْمَنَاقِبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَلْخِيصُهُ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ

[3733] قوله (حدثنا عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ) بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْهَاشِمِيِّ الْعَلَوِيِّ أَخُو مُوسَى مَقْبُولٌ (أَخْبَرَنِي أَخِي مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ) بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ أَبُو الْحَسَنِ الْهَاشِمِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْكَاظِمِ صَدُوقٌ عَابِدٌ (عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) الْمَعْرُوفِ بِالصَّادِقِ (عَنْ أَبِيهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ) الْمَعْرُوفِ بِالْبَاقِرِ (عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ) الْمَعْرُوفِ بِزَيْنِ الْعَابِدِينَ قَوْلُهُ (وَأَبَاهُمَا) أَيْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (وَأُمَّهُمَا) أَيْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فَإِنَّ الْمَرْءَ مَعَ مَنْ أَحَبَّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ 8 - باب [3734] قَوْلُهُ (أَوَّلُ مَنْ صَلَّى) أَيْ أَوَّلُ مَنْ أسلم من الصبيان (علي) أي بن أَبِي طَالِبٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أبي طالب

[3735] قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) الْجَمَلِيِّ الْمُرَادِيِّ (أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ عَلِيٌّ) وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَفِي أُخْرَى لَهُ أَوَّلُ مَنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ) لَا وَجْهَ لِلْإِنْكَارِ فَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ وَعَلِيًّا أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الصِّبْيَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَأَبُو حَمْزَةَ اسْمُهُ طَلْحَةُ بْنُ يَزِيدَ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْأُولَى وَكَسْرِ الزَّايِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ الثَّانِيَةِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَكَذَلِكَ فِي التَّقْرِيبِ وَتَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَالْخُلَاصَةِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ وَغَيْرِهَا طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ غَلَطٌ وَلَيْسَ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ رَاوٍ اسْمُهُ طَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ وَطَلْحَةُ بْنُ زَيْدٍ هَذَا هُوَ أَبُو حَمْزَةَ الْأَيْلِيُّ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ مَوْلَى الْأَنْصَارِ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ مِنَ الثَّالِثَةِ باب [3736] قَوْلُهُ (لَقَدْ عَهِدَ) أَيْ أَوْصَى (النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ) بَدَلٌ مِنَ النَّبِيِّ (أَنَّهُ) الضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ (لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ) أَيْ لَا يُحِبُّكَ حُبًّا مَشْرُوعًا مُطَابِقًا لِلْوَاقِعِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَنُقْصَانٍ لِيَخْرُجَ النُّصَيْرِيُّ وَالْخَارِجِيُّ فَمَنْ أَحَبَّهُ وَأَبْغَضَ الشَّيْخَيْنِ مَثَلًا فَمَا أَحَبَّهُ حُبًّا مَشْرُوعًا أَيْضًا (وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا (أَنَا مِنَ الْقَرْنِ الَّذِينَ دَعَا لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مِنَ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ دَعَا لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم بقوله

باب مناقب أبي محمد طلحة بن عبيد الله

اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ كَمَا فِي حَدِيثِ البراء زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عِنْدَ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3737] قَوْلُهُ (وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الدَّوْرَقِيُّ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَاصِمٍ) النَّبِيلُ (عَنْ أَبِي الْجَرَّاحِ) الْبَهْزِيِّ بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَهَاءٍ سَاكِنَةٍ وَزَايٍ مَجْهُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ (حَدَّثَنِي جَابِرُ بن صبيح) كذا وقع في النسخ الموجودة بضم الصاد المهملة وبفتح الموحدة مصغرا وكذا وَقَعَ فِي الْمِيزَانِ وَوَقَعَ فِي الْخُلَاصَةِ وَتَهْذِيبِ التهذيب جابر بن صبح مكبل وَضَبَطَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ رَاسِبِيٌّ بَصْرِيٌّ صَدُوقٌ مِنَ السَّابِعَةِ (حَدَّثَتْنِي أُمُّ شَرَاحِيلَ) لَا يُعْرَفُ حَالُهَا مِنَ الثَّالِثَةِ (حَدَّثَتْنِي أُمُّ عَطِيَّةَ) الْأَنْصَارِيَّةُ صَحَابِيَّةٌ مَشْهُورَةٌ سَكَنَتِ الْبَصْرَةَ وَاسْمُهَا نُصَيْبَةُ بِالتَّصْغِيرِ وَيُقَالُ بِفَتْحِ أَوَّلِهَا بِنْتُ كَعْبٍ وَيُقَالُ بِنْتُ الْحَارِثِ قَوْلُهُ (فَسَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَقُولُ) أَيْ حِينَ إِرْسَالِهِ أَوْ عِنْدَ تَوَقُّعِ إِقْبَالِهِ (اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مِنَ الْإِمَاتَةِ أَيْ لَا تَقْبِضْ رُوحِي (حَتَّى تُرِيَنِي) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ مِنَ الْإِرَاءَةِ (عَلِيًّا) أَيْ رُجُوعَهُ بِالسَّلَامَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ) فِي سَنَدِهِ مَجْهُولٌ وَمَجْهُولَةٌ كَمَا عرفت 9 - (باب مَنَاقِبُ أَبِي مُحَمَّدٍ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) أي بن عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَحَدِ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ وَقُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ رُمِيَ بِسَهْمٍ جَاءَ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ رَمَاهُ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ فَلَمْ يَزَلْ يَنْزِفُ الدَّمَ مِنْهَا حَتَّى مَاتَ وَكَانَ يَوْمَئِذٍ أَوَّلَ قَتِيلٍ [3738] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) هُوَ صَاحِبُ الْمَغَازِي قَوْلُهُ (كَانَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوم أُحُدٍ دِرْعَانِ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ مَا جَاءَ فِي الدِّرْعِ من أبواب الجهاد

[3739] قوله (حدثنا صَالِحُ بْنُ مُوسَى) بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ الْكُوفِيُّ مَتْرُوكٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ هُوَ الْأَزْدِيُّ الْهُنَائِيُّ الْبَصْرِيُّ أَبُو شُعَيْبٍ الْمَجْنُونُ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ مَتْرُوكٌ نَاصِبِيٌّ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ أَبِي نَضْرَةَ) الْعَبْدِيِّ قَوْلُهُ (مَنْ سَرَّهُ) أَيْ أَحَبَّهُ وَأَعْجَبَهُ وَأَفْرَحَهُ (فَلْيَنْظُرْ إِلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ) هَذَا مَعْدُودٌ مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ اسْتُشْهِدَ فِي وَقْعَةِ الْجَمَلِ كَمَا هو معروف وقال القارىء يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إِيمَاءً إِلَى حُصُولِ الشَّهَادَةِ فِي مَآلِهِ الدَّالَّةِ عَلَى حُسْنِ خَاتِمَتِهِ وَكَمَالِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ مَتْرُوكَانِ كما عرفت وأخرجه أيضا بن ماجه والحاكم [3741] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ مَنْصُورٍ) اسْمُهُ النَّضْرُ الْبَاهِلِيُّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فِي نَسَبِهِ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ الْيَشْكُرِيُّ) بِفَتْحِ التَّحْتَانِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْكَافِ كُنْيَتُهُ أَبُو الْجَنُوبِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّ النُّونِ آخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ كُوفِيٌّ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مِنْ فِيِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مِنْ فَمِهِ وَقَوْلُهُ أُذُنِي لِلْمُبَالَغَةِ عَلَى طَرِيقِ رَأَيْتُ بِعَيْنِي (طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ جَارَايَ فِي الْجَنَّةِ) فِيهِ بِشَارَةٌ لَهُمَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِالْجَنَّةِ مَعَ زِيَادَةِ فَضْلِ جِوَارِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ ضَعِيفَانِ كَمَا عَرَفْتَ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ وَرُدَّ عَلَيْهِ

[3740] قوله (حدثنا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ) هُوَ الْكِلَابِيُّ الْقَيْسِيُّ (طَلْحَةُ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ النَّحْبُ النَّذْرُ كَأَنَّهُ أَلْزَمَ نَفْسَهُ أَنْ يَصْدُقَ أَعْدَاءَ اللَّهِ فِي الْحَرْبِ فَوَفَّى بِهِ وَقِيلَ النَّحْبُ الْمَوْتُ كَأَنَّهُ يُلْزِمُ نَفْسَهُ أَنْ يُقَاتِلَ حَتَّى يَمُوتَ انْتَهَى وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ النَّذْرُ وَالنَّحْبُ الْمُدَّةُ وَالْوَقْتُ وَمِنْهُ قَضَى فُلَانٌ نَحْبَهُ إِذَا مَاتَ وَعَلَى الْمَعْنَيَيْنِ يُحْمَلُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ فَمِنْهُمْ مَنْ قضى نحبه فَعَلَى النَّذْرِ أَيْ نَذْرَهُ فِيمَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ مِنَ الصِّدْقِ فِي مَوَاطِنِ الْقِتَالِ وَالنُّصْرَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْمَوْتِ أَيْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَاهَدُوا اللَّهَ أَنْ يَبْذُلُوا نُفُوسَهُمْ فِي سَبِيلِهِ فَأَخْبَرَ أَنَّ طَلْحَةَ مِمَّنْ وَفَّى بِنَفْسِهِ أَوْ مِمَّنْ ذَاقَ الْمَوْتَ فِي سَبِيلِهِ وَإِنْ كَانَ حَيًّا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ في تفسير سورة الأحزاب 0 - باب [3742] قوله (قالوا لأعرابي جَاهِلٍ) أَيْ عَنْ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ (سَلْهُ) أَيْ سَلِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَكَانُوا لَا يَجْتَرِئُونَ) مِنَ الِاجْتِرَاءِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الْأَمْرِ وَالْجَسَارَةُ عَلَيْهِ (يُوَقِّرُونَهُ) مِنَ التَّوْقِيرِ أَيْ يُبَجِّلُونَهُ (وَيَهَابُونَهُ) أَيْ يَخَافُونَهُ (ثُمَّ إِنِّي اطَّلَعْتُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ) أَيْ أَتَيْتُ مِنْهُ فُجَاءَةً (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا) أَيْ طَلْحَةُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الأحزاب

باب مناقب الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد

قَوْلُهُ (وَوَضَعَهُ فِي كِتَابِ الْفَوَائِدِ) قَالَ الْحَافِظُ فِي مُقَدِّمَةِ الْفَتْحِ فِي ذِكْرِ تَصَانِيفِ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ مَا لَفْظُهُ وَمِنْ تَصَانِيفِهِ كِتَابُ الْفَوَائِدِ ذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي أَثْنَاءِ كِتَابِ الْمَنَاقِبِ مِنْ جامعه 1 - (باب مَنَاقِبُ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامِّ بْنَ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ) بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قُصَيٍّ وَأُمُّهُ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَكُنِّي أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَرَوَى الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ أسلم الزبير وهو بن ثَمَانِ سِنِينَ وَكَانَ قَتْلُ الزُّبَيْرِ فِي شَهْرِ رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ انْصَرَفَ مِنْ وَقْعَةِ الْجَمَلِ تَارِكًا لِلْقِتَالِ فَقَتَلَهُ عَمْرُو بْنُ جُرْمُوزٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالْمِيمِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ وَآخِرُهُ زَايٌ التَّمِيمِيُّ غِيلَةً وَجَاءَ إِلَى عَلِيٍّ مُتَقَرِّبًا إليه بذلك فبشره بالنار [3743] قوله (حدثنا عبدة) هو بن سُلَيْمَانَ الْكِلَابِيُّ قَوْلُهُ (جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ) أَيْ فِي التَّفْدِيَةِ (فَقَالَ بِأَبِي وَأُمِّي) أَيْ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي وَفِي هَذِهِ التَّفْدِيَةِ تَعْظِيمٌ لِقَدْرِهِ وَاعْتِدَادٌ بِعَمَلِهِ وَاعْتِبَارٌ بِأَمْرِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَفْدِي إِلَّا مَنْ يُعَظِّمُهُ فَيَبْذُلُ نَفْسَهُ أَوْ أَعَزَّ أَهْلِهِ لَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ عَلِيٍّ مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمْعَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ غَيْرِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي بَاب مَا جَاءَ فِي فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي مِنْ أَبْوَابِ الْآدَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ مطولا 2 - باب [3744] قوله (حدثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرِو) بْنِ الْمُهَلَّبِ المَعْنِيُّ (أَخْبَرَنَا زَائِدَةُ) بْنُ قُدَامَةَ (عَنْ عَاصِمِ

بْنِ أَبِي النَّجُودِ (عَنْ زِرِّ) بْنِ حُبَيْشٍ قَوْلُهُ (إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا أَيْ نَاصِرًا مُخْلِصًا (وَإِنَّ حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ) أَيْ خَاصَّتِي مِنْ أَصْحَابِي وَنَاصِرِي قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ بِفَتْحِ الْيَاءِ كَمُصْرِخِيَّ وَضَبَطَهُ أَكْثَرُهُمْ بِكَسْرِهَا وَالْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ وَقِيلَ الْخَاصَّةُ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ جَابِرٍ وَيَأْتِي (وَيُقَالُ الْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ) قَالَ الْعَيْنِيُّ الْحَوَارِيُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْوَاوِ الْمُخَفَّفَةِ وَبِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ لَفْظٌ مُفْرَدٌ وَمَعْنَاهُ النَّاصِرُ انتهى 3 - باب [3745] قَوْلُهُ (وَأَبُو نُعَيْمٍ) اسْمُهُ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ (عَنْ سُفْيَانَ) هُوَ الثَّوْرِيُّ قَوْلُهُ (إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا) أَيْ خَاصَّةً مِنْ أَصْحَابِهِ وَقِيلَ الْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ وَمِنْهُ الْحَوَارِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِ الْمَسِيحِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَيْ خُلَصَاؤُهُ وَأَنْصَارُهُ وَأَصْلُهُ مِنَ التَّحْوِيرِ وَهُوَ التَّبْيِيضُ وَقِيلَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَصَّارِينَ يُحَوِّرُونَ الثِّيَابَ أَيْ يُبَيِّضُونَهَا وَمِنْهُ الْخُبْزُ الْحَوَارِيُّ الَّذِي نُخِلَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْحَوَارِيُّونَ خُلَصَاءُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ الْحَوَارِيُّ الْوَزِيرُ وَإِذَا أُضِيفَ الْحَوَارِيُّ إِلَى يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ تُحْذَفُ الْيَاءُ وَحِينَئِذٍ ضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَأَكْثَرُهُمْ بِكَسْرِهَا قَالُوا وَالْقِيَاسُ الْكَسْرُ لَكِنَّهُمْ حِينَ اسْتَثْقَلُوا الْكَسْرَةَ وَثَلَاثَ يَاءَاتٍ حَذَفُوا يَاءَ الْمُتَكَلِّمِ وَأَبْدَلُوا مِنَ الْكَسْرَةِ فَتْحَةً وَقَدْ قُرِئَ في الشواد إن ولي الله بالفتح كذا في عمدة القارىء (وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ) فَإِنْ قُلْتَ الصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ أَنْصَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلَصَاءُ فَمَا وَجْهُ التَّخْصِيصِ بِهِ قُلْنَا هَذَا قَالَهُ حِينَ قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ قَالَ الزُّبَيْرُ أَنَا ثُمَّ قَالَ مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ فَقَالَ أَنَا وَهَكَذَا مَرَّةً ثَالِثَةً وَلَا شَكَّ أَنَّهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ نَصَرَ نُصْرَةً زَائِدَةً عَلَى غَيْرِهِ (وَزَادَ أَبُو نُعَيْمٍ فِيهِ) أَيْ فِي حَدِيثِهِ (يَوْمَ الْأَحْزَابِ) أَيْ يَوْمَ الْخَنْدَقِ (قَالَ مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ

باب مناقب عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف

وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ لَمَّا اشْتَدَّ الْأَمْرُ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يَأْتِينَا بِخَبَرِهِمْ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ الزُّبَيْرَ تَوَجَّهَ إِلَى ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَمِنْهُ يَظْهَرُ الْمُرَادُ بِالْقَوْمِ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ يَوْمَ الْأَحْزَابِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ أَنَا ثُمَّ قَالَ مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ الْقَوْمِ فَقَالَ الزُّبَيْرُ أَنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم والنسائي وبن ماجه 4 - باب [3746] قَوْلُهُ (عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ) هُوَ أَبُو نَافِعٍ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ أَوْ بَنِي هِلَالٍ قَالَ أَحْمَدُ ثِقَةٌ وَقَالَ الْقَطَّانُ ذَهَبَ كِتَابُهُ ثُمَّ وَجَدَهُ فَتُكُلِّمَ فِيهِ لِذَلِكَ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (صَبِيحَةَ الْجَمَلِ) أَيْ صَبِيحَةَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَهُوَ يَوْمُ حَرْبٍ بَيْنَ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ عَلَى باب البصرة وكانت راكبة جمل (مَا مِنِّي عُضْوٌ إِلَّا وَقَدْ جُرِحَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أي فِي الْغَزَوَاتِ مَعَهُ (حَتَّى انْتَهَى ذَلِكَ) أَيِ الْجُرْحُ (إِلَى فَرْجِهِ) أَيْ إِلَى فَرْجِ الزُّبَيْرِ وَقَائِلُ حَتَّى انْتَهَى إِلَخْ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ 5 - (بَاب مَنَاقِبِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ بْنِ عَبْدِ عَوْفٍ) بْنُ عَبْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ الْقُرَشِيُّ الزُّهْرِيُّ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ عَبْدَ عَمْرٍو وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَسْلَمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَارَ الْأَرْقَمِ وَهَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ الْهِجْرَتَيْنِ جَمِيعًا وَشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْمُشَاهَدَ كُلَّهَا وَثَبَتَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلْفَهُ فِي غَزْوَةِ تَبُوكٍ ذَهَبَ لِلطَّهَارَةِ فَجَاءَ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ قَدْ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً فَصَلَّى خَلْفَهُ وَأَتَمَّ الَّذِي فَاتَهُ وَقَالَ مَا قُبِضَ نَبِيٌّ حَتَّى يُصَلِّيَ خَلْفَ رَجُلٍ صَالِحٍ مِنْ أُمَّتِهِ وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ وَتَرَكَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ذَكَرًا وَبِنْتًا وَاحِدَةً [3747] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدِ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ إِلَخْ) قَالَ الْمُنَاوِيُّ تَبْشِيرُ الْعَشَرَةِ لَا يُنَافِي مَجِيءَ تَبْشِيرِ غَيْرِهِمْ أَيْضًا فِي غَيْرِ مَا خَبَرٍ لِأَنَّ الْعَدَدَ لَا يَنْفِي الزَّائِدَ وَقَالَ القارىء الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ هُوَ الْمَذْكُورُ عَلَى لسانه صلى الله عليه وسلم كما يشعر إِلَيْهِ ذِكْرُ اسْمِ الرَّاوِي بَيْنَ الْأَسْمَاءِ وَإِلَّا كَانَ مُقْتَضَى التَّوَاضُعِ أَنْ يَذْكُرَهُ فِي آخِرِهِمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ عَلَيْهِ فِي تَرْتِيبِ الْبَقِيَّةِ مِنَ الْعَشَرَةِ انْتَهَى وَحَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ) اسْمُهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) كَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِذِكْرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِلَّا يَلْزَمُ التَّكْرَارُ بَيْنَ قَوْلِهِ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ الْآتِي وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْوُهُ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَذْفِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ الصَّوَابُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ) أَيْ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ

[3748] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ) السُّلَمِيُ أَبُو الْفَضْلِ وَيُقَالُ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمَرْوَزِيُّ الْكُشْمِيهَنِيِّ صَدُوقٌ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ (عَنْ مُوسَى بْنِ يَعْقُوبَ) الزَّمْعِيِّ (عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ) بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الْكُوفِيِّ الْمَكِّيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (حَدَّثَهُ فِي نَفَرٍ) حَالٌ أَيْ حَدَّثَهُ حَالَ كَوْنِهِ فِي نَفَرٍ (عَشَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ إِلَخْ) قَدْ وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْعَشَرَةِ وَبِشَارَتِهِمْ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السَّبَبُ فِي شُهْرَتِهِمْ بِهَذِهِ الْبِشَارَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَخْصُوصَةً بِهِمْ (نَنْشُدُكَ اللَّهَ) أَيْ نَسْأَلُكَ بِاللَّهِ وَنُقْسِمُ عَلَيْكَ (يَا أَبَا الْأَعْوَرِ) هو كنيته سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ (قَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى (هُوَ) أَيْ أَبُو الْأَعْوَرِ وَحَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ مِنْ طُرُقٍ وبن ماجه والدارقطني والضياء 6 - باب [3749] قوله (حدثنا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ) الْمِصْرِيُّ (عَنْ صَخْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) بْنِ حَرْمَلَةَ الْمُدْلِجِيِّ حِجَازِيٌّ مَقْبُولٌ غلط بن الجوزي فنقل عن بن عَدِيٍّ أَنَّهُ اتَّهَمَهُ وَإِنَّمَا الْمُتَّهَمُ صَخْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَاجِبِيُّ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) هُوَ بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (إِنَّ أَمْرَكُنَّ) أَيْ شَأْنَكُنَّ (لَمِمَّا) اللَّامُ لِلتَّأْكِيدِ وَمَا مَوْصُولَةٌ (يُهِمُّنِي) بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ أَوْ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْهَاءِ أَيْ يُوقِعُنِي فِي الْهَمِّ قَالَ فِي الْقَامُوسِ هَمَّهُ الْأَمْرُ هَمًّا حَزَّنَهُ كَأَهَمَّهُ (بَعْدِي) أَيْ بَعْدَ وَفَاتِي حَيْثُ لَمْ يَتْرُكْ لَهُنَّ مِيرَاثًا وَهُنَّ قَدْ آثَرْنَ الْحَيَاةَ الْآخِرَةَ

عَلَى الدُّنْيَا حِينَ خُيِّرْنَ (وَلَنْ يَصْبِرَ عَلَيْكُنَّ) أَيْ عَلَى بَلَاءِ مُؤْنَتِكُنَّ (إِلَّا الصَّابِرُونَ) أَيْ عَلَى مُخَالَفَةِ النَّفْسِ مِنَ اخْتِيَارِ الْقِلَّةِ وَإِعْطَاءِ الزِّيَادَةِ (قَالَ) أَيْ أَبُو سَلَمَةَ (فَسَقَى اللَّهُ أَبَاكَ) أَيْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ (مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ السَّلْسَبِيلُ اللَّبَنُ الَّذِي لَا خُشُونَةَ فِيهِ وَالْخَمْرُ وَعَيْنٌ فِي الْجَنَّةِ انْتَهَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سلسبيلا (تُرِيدُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ) أَيْ تُرِيدُ عَائِشَةُ بِقَوْلِهَا أَبَاكَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ (وَقَدْ كَانَ وَصَلَ) مِنَ الصِّلَةِ أَيْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ (أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَفْعُولٌ لِقَوْلِهِ وَصَلَ (بِمَالٍ بِيعَتْ بأربعين ألفا) وفي المشكاة وكان بن عَوْفٍ تَصَدَّقَ عَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِحَدِيقَةٍ بِيعَتْ بِأَرْبَعِينَ أَلْفًا وَرَوَى أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِأَزْوَاجِهِ إِنَّ الَّذِي يَحْثُو عَلَيْكُنَّ بَعْدِي هُوَ الصَّادِقُ الْبَارُّ اللَّهُمَّ اسْقِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مِنْ سَلْسَبِيلِ الْجَنَّةِ [3750] قَوْلُهُ وَأَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ الْمُلَقَّبُ بِأَبِي الْجَوْزَاءِ (حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ) الْأَنْصَارِيُّ وَيُقَالُ الْأُمَوِيُّ أَبُو أَنَسٍ الْبَصْرِيِّ صَدُوقٌ تَغَيَّرَ بِآخِرِهِ قد رست سِنِينَ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمٍ قَوْلُهُ (بِيعَتْ بِأَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ) هَذَا مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فَقِيلَ إِنَّ الْمُرَادَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ الدِّرْهَمُ وَفِي الرِّوَايَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ الدِّينَارُ 7 - مناقب أبي إسحاق سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكُ بْنُ وُهَيبٍ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِلَابِ بْنِ مُرَّةَ مَاتَ

بِالْعَقِيقِ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى ثَمَانِيَةٍ وَخَمْسِينَ وَعَاشَ نَحْوًا مِنْ ثَمَانِينَ سَنَةً وَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ بِالْجَنَّةِ وَهُوَ آخرهم وفاة [3751] قوله (عن قيس) هو بن أَبِي حَازِمٍ (اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ) أَيِ الدُّعَاءَ (لِسَعْدِ) بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ (إِذَا دَعَاكَ) أَيْ كُلَمَّا دَعَاكَ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ مَعْرُوفًا بِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ رَوَى الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ قَالَ قِيلَ لِسَعْدٍ مَتَى أَصَبْتَ الدَّعْوَةَ قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ لِسَعْدٍ وَحَدِيثُ سَعْدٍ هَذَا أخرجه أيضا بن حبان والحاكم 8 - باب [3752] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ) اسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ (عَنْ مُجَالِدِ) بْنِ سَعِيدٍ (عَنْ عَامِرٍ) الشَّعْبِيِّ قَوْلُهُ (هَذَا خَالِي) أَيْ مِنْ قَوْمِ أُمِّي (فَلْيُرِنِي) بِضَمِّ يَاءٍ وَكَسْرِ رَاءٍ مِنَ الْإِرَاءَةِ (امْرُؤٌ) أَيْ شَخْصٌ (خَالَهُ) أَيْ لِيُظْهِرَ أَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ خَالٌ مِثْلُ خَالِي (وَكَانَ سَعْدٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ) بِضَمِّ الزَّايِ حَيٌّ مِنْ قُرَيْشٍ (وَكَانَتْ أُمُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ آمِنَةُ (لِذَلِكَ) أَيْ لِأَجْلِ أَنَّ سَعْدًا كَانَ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَكَانَتْ أُمُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا مِنْهُمْ (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا خَالِي) قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي مَنَاقِبِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَبَنُو زُهْرَةَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ لِأَنَّ أُمَّهُ آمِنَةَ مِنْهُمْ وَأَقَارِبُ الْأُمِّ أخوال 9 - باب * [3753] قوله (عن علي بن زيد) هو بن جُدْعَانَ (وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ قَوْلُهُ (قَالَ علي

باب ما جاء في فداك أبي وأمي

مَا جَمَعَ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ سَعْدٍ الْآتِي فِي (بَاب مَا جَاءَ فِي فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) مِنْ أَبْوَابِ الْآدَابِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هذا [3755] قَوْلُهُ (عَنْ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيِّ قَوْلُهُ (ارْمِ سَعْدُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) فِيهِ جَوَازُ التَّفْدِيَةِ بِالْأَبَوَيْنِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَكَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ فِي التَّفْدِيَةِ بِالْمُسْلِمِ مِنْ أَبَوَيْهِ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقِيقَةُ فَدَاءٍ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ وَإِلْطَافٌ وَإِعْلَامٌ لِمَحَبَّتِهِ لَهُ وَمَنْزِلَتِهِ وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِالتَّفْدِيَةِ مُطْلَقًا قَالَهُ النَّوَوِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 0 - بَاب [3756] قوله (أخبرنا الليث) هو بن سَعْدٍ (عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ) الْأَنْصَارِيِّ قَوْلُهُ (سهر) كفرح

باب مناقب أبي الأعور واسمه سعيد بن زيد بن عمرو

أَيْ لَمْ يَنَمْ (مَقْدِمَهُ الْمَدِينَةَ لَيْلَةً) قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ مَقْدِمَهُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ لَيْسَ بِظَرْفٍ لِعَمَلِهِ فِي الْمَدِينَةِ وَنَصْبُهُ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ عَلَى تَقْدِيرِ مُضَافٍ وَهُوَ الْوَقْتُ أَوِ الزَّمَانُ وَلَيْلَةٌ بدل البعض المقدر من أَيْ سَهِرَ لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي وَقْتَ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ مِنْ بَعْضِ الْغَزَوَاتِ (يَحْرُسُنِي) بِضَمِّ الرَّاءِ أَيْ يَحْفَظُنِي بَقِيَّةَ اللَّيْلَةِ لِأَنَامَ مُسْتَرِيحَ الْخَاطِرِ مُطْمَئِنَّ الْقَلْبِ (خَشْخَشَةَ السِّلَاحِ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ صَوْتَ صَدْمِ بَعْضِهِ بَعْضًا (فَقَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فقال سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ) أَيْ أَنَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ (ثُمَّ نَامَ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ حَتَّى سَمِعْنَا غَطِيطَهُ وَفِي الْحَدِيثِ الْأَخْذُ بِالْحَذَرِ وَالِاحْتِرَاسِ مِنَ الْعَدُوِّ وَأَنَّ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَحْرُسُوا سُلْطَانَهُمْ خَشْيَةَ الْقَتْلِ وَفِيهِ الثَّنَاءُ عَلَى مَنْ تَبَرَّعَ بِالْخَيْرِ وَتَسْمِيَتِهِ صَالِحًا وَإِنَّمَا عَانَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ مَعَ قُوَّةِ تَوَكُّلِهِ لِلِاسْتِنَانِ بِهِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ مَعَ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا اشْتَدَّ الْبَأْسُ كَانَ أَمَامَ الْكُلِّ وَأَيْضًا فَالتَّوَكُّلُ لَا يُنَافِي تَعَاطِي الْأَسْبَابِ لِأَنَّ التَّوَكُّلَ عَمَلُ الْقَلْبِ وَهِيَ عَمَلُ الْبَدَنِ وَقَدْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَهُ الْحَافِظُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان 1 - (باب مَنَاقِبُ أَبِي الْأَعْوَرِ وَاسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ نُفَيْلٍ الْعَدَوِيُّ أَحَدُ الْعَشَرَةِ قال بن عَبْدِ الْبَرِّ كَانَ إِسْلَامُهُ قَدِيمًا قَبْلَ عُمَرَ وَبِسَبَبِ زَوْجَتِهِ كَانَ إِسْلَامُ عُمَرَ وَهَاجَرَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَطَّابِ وَتُوُفِّيَ بِالْعَقِيقِ فَحُمِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَدُفِنَ بِهَا سَنَةَ خَمْسِينَ أَوِ إحدى وخمسين وكان يوم مات بن بضع وسبعين سنة [3757] قوله (حدثنا هشيم) هو بن بشير بن القاسم (حدثنا حُصَيْنُ) بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُ

(عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ظَالِمٍ الْمَازِنِيُّ) التَّمِيمِيُّ صَدُوقٌ لَيَّنَهُ الْبُخَارِيُّ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (لَمْ آثَمْ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ لَمْ أَقَعْ فِي الْإِثْمِ (بِحِرَاءَ) كَكِتَابٍ وَكَعَلِيٍّ عَنْ عِيَاضٍ وَيُؤَنَّثُ ويمنع جبل بمكة فيه غار تحنث فيه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اثْبُتْ حِرَاءُ) أَيْ يَا حِرَاءُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَحَدُهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (وسعد) أي بن أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَنَاقِبِ عُثْمَانَ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا من حديثه قوله (حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ) الْمِصِّيصِيُّ الْأَعْوَرُ (عَنِ الْحُرِّ) بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ (بْنِ الصَّبَّاحِ) بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ النَّخَعِيِّ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَخْنَسِ) الْكُوفِيِّ مَسْتُورٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَهُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ 2 - مناقب أبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ بْنِ هِلَالٍ بْنِ أَهْيَبَ بْنِ ضَبَّةَ بْنِ الْحَرْثِ بْنِ فِهْرٍ يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ أَسْلَمَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ مَاتَ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الشَّامِ مِنْ قِبَلِ عُمَرَ بِالطَّاعُونِ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ بِاتِّفَاقٍ

قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ الْقُرَشِيِّ الْهَاشِمِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ الْهَاشِمِيِّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنُ هَاشِمٍ الْهَاشِمِيُّ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الشَّامَ وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ يُقَالُ اسْمُهُ الْمُطَّلِبُ قَوْلُهُ مُغْضَبًا بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ مَا أَغْضَبَكَ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ جَعَلَكَ غَضْبَانَ مَا لَنَا أَيْ مَعْشَرِ بَنِي هَاشِمٍ وَلِقُرَيْشٍ أَيْ بَقِيَّتِهِمْ بِوُجُوهٍ مُبْشَرَةٍ بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنَ الْإِبْشَارِ قَالَ الطِّيبِيُّ كَذَا فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ مُسْفِرَةٍ يَعْنِي عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْإِسْفَارِ بِمَعْنَى مُضِيئَةٍ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ يُرِيدُ بِوُجُوهٍ عَلَيْهَا البشر من قولهم فلان مردم مبشر إذا كانت له أدمة وبشرة محمودتين انْتَهَى وَالْمَعْنَى تَلَاقِي بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِوُجُوهٍ ذَاتِ بِشْرٍ وَبَسْطٍ وَإِذَا لَقُونَا بِضَمِّ الْقَافِ لَقُونَا بِغَيْرِ ذَلِكَ أَيْ بِوُجُوهٍ ذَاتِ قَبْضٍ وَعُبُوسٍ وَكَأَنَ وَجْهُهُ أَنَّهُمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ أَيِ اشْتَدَّ حُمْرَتُهُ مِنْ كَثْرَةِ غَضَبِهِ لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ أَيْ مُطْلَقًا وَأُرِيدَ بِهِ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ أَوِ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ فَالْمُرَادُ بِهِ تَحْصِيلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكِيدِ حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ أَيْ مِنْ حَيْثُ أَظْهَرَ رَسُولَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ وَقَدْ كَانَ يَتَفَوَّهُ أَبُو جَهْلٍ حَيْثُ يَقُولُ إِذَا كَانَ بَنُو هَاشِمٍ أَخَذُوا الرَّايَةَ وَالسِّقَايَةَ وَالنُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ فَمَا بَقِيَ لِبَقِيَّةِ قُرَيْشٍ مَنْ آذَى عَمِّي أَيْ خُصُوصًا فَقَدْ آذَانِي أَيْ فَكَأَنَّهُ آذَانِي فَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ بِكَسْرِ الصَّادِ وَسُكُونِ النُّونِ أَيْ مِثْلُهُ وَأَصْلُهُ أَنْ يَطْلُعَ نَخْلَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ عِرْقٍ وَاحِدٍ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ صِنْوٌ يَعْنِي مَا عَمُّ الرَّجُلِ وَأَبُوهُ إِلَّا كَصِنْوَيْنِ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ فَهُوَ مِثْلُ أَبِي أَوْ مِثْلِي قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا عبيد الله هو بْنُ مُوسَى) الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيِّ الْكُوفِيِّ قَوْلُهُ (الْعَبَّاسُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ مِنْ أَقَارِبِي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَوْ مُتَّصِلٌ بِي انْتَهَى وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلُ بِاعْتِبَارِ الشَّرَفِ وَالْفَضْلِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْعَبَّاسُ أَصْلٌ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَالْعُمُومَةِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَهَذَا الْبَابُ مَعَ حَدِيثِهِ لَمْ يَقَعْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ الْجَمَلِيِّ الْمُرَادِيِّ عَنْ أَبِي الْبُخْتُرِيِّ اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ فَيْرُوزَ قَوْلُهُ وَكَانَ عُمَرُ كَلَّمَهُ أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَدَقَتِهِ) أَيْ فِي أَخْذِ صَدَقَةِ الْعَبَّاسِ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ فقيل منع بن جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْعَبَّاسُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا ثُمَّ قَالَ يَا عُمَرُ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرجل صنو أبيه قوله حدثنا شبابة هو بن سوار المدائني حدثنا ورقاء بن عمر اليشكري قوله وإن عم الرجل صنو أبيه أي مثله يعني أصلهما واحد فتعظيمه كتعظيمه وإيذاؤه كإيذائه قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عن بن عباس قوله حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ أَبُو نَصْرٍ الْعِجْلِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ حَدِيثًا فِي فَضْلِ الْعَبَّاسِ يُقَالُ دَلَّسَهُ عَنْ ثَوْرٍ مِنَ التَّاسِعَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ الْحِمْصِيِّ قَوْلُهُ فَأْتِنِي أَنْتَ وَوَلَدُكَ بِفَتْحَتَيْنِ وَبِضَمٍّ وَسُكُونٍ أَيْ أَوْلَادُكَ حَتَّى أَدْعُوَ لَهُمْ أَيْ لِلْأَوْلَادِ مَعَكَ قَالَ الطِّيبِيُّ وَهُوَ كَذَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ لَكُمْ انْتَهَى وَالْمَعْنَى حَتَّى أَدْعُوَ لَكُمْ جَمِيعًا وَوَلَدَكَ أَيْ وَيَنْفَعُ بِهَا أَوْلَادَكَ فَغَدَا أَيِ الْعَبَّاسُ وَغَدَوْنَا أَيْ نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَوْلَادِ مَعَهُ وَالْمَعْنَى فَذَهَبْنَا جَمِيعُنَا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْبَسَنَا أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعَنَا أَوْ نَحْنُ الْأَوْلَادَ مَعَ الْعَبَّاسِ مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً أَيْ مَا ظَهَرَ مِنَ الذُّنُوبِ وَمَا بَطَنَ مِنْهَا لَا تُغَادِرُ أَيْ لَا تَتْرُكُ تِلْكَ الْمَغْفِرَةُ ذَنْبًا أَيْ غَيْرَ مَغْفُورٍ اللَّهُمَّ احْفَظْهُ فِي وَلَدِهِ أَيْ أَكْرِمْهُ وَرَاعِ أمره كيلا يَضِيعَ فِي شَأْنِ وَلَدِهِ زَادَ رَزِينٌ وَاجْعَلِ الْخِلَافَةَ بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُمْ خَاصَّتُهُ وَأَنَّهُمْ بِمَثَابَةِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي يَشْمَلُهَا كِسَاءٌ وَاحِدٌ وَأَنَّهُ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أن يبسط عليهم رحمته بسط الْكِسَاءِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُ يَجْمَعُهُمْ فِي الْآخِرَةِ تَحْتَ لِوَائِهِ وَفِي هَذِهِ الدَّارِ تَحْتَ رَايَتِهِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنُصْرَةِ دَعْوَةِ رَسُولِهِ وَهَذَا مَعْنَى رِوَايَةِ رَزِينٍ وَاجْعَلِ الْخِلَافَةَ بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَخْرَجَهُ رَزِينٌ بَاب مَنَاقِبِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ الله عنه هُوَ شَقِيقُهُ وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ عَلِيٍّ بِعَشْرِ سِنِينَ وَاسْتُشْهِدَ بِمُؤْتَةَ وَقَدْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ وَيُقَالُ له ذو الجناحين لأنه فد عُوِّضَ بِجَنَاحَيْنِ عَنْ قَطْعِ يَدَيْهِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ حَيْثُ أَخَذَ اللِّوَاءَ بِيَمِينِهِ فَقُطِعَتْ ثُمَّ أَخَذَهُ بِشِمَالِهِ فَقُطِعَتْ ثُمَّ احْتَضَنَهُ فَقُتِلَ رَوَى البخاري في صحيحه أن بن عمر كان إذا سلم علي بن جعفر قال السلام عليك يا بن ذِي الْجَنَاحَيْنِ قَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيُّ قَوْلُهُ رَأَيْتُ جَعْفَرًا أَيْ فِي الْمَنَامِ يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ وَلِذَا سُمِّيَ بِجَعْفَرٍ الطَّيَّارِ وَبِذِي الْجَنَاحَيْنِ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ لَكِنْ لَهُ شاهد من حديث علي عند بن سَعْدٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّ بِي جَعْفَرٌ اللَّيْلَةَ فِي مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ مُخَضَّبُ الْجَنَاحَيْنِ بِالدَّمِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مسلم وأخرج أيضا هو والطبراني عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا جَعْفَرًا يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّ جَعْفَرًا مَعَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ لَهُ جَنَاحَانِ عَوَّضَهُ اللَّهُ مِنْ يَدَيْهِ وَإِسْنَادُ هَذِهِ جَيِّدٌ وَطَرِيقُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الثَّانِيَةِ قَوِيٌّ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ وَفِي الْبَابِ عن بن عَبَّاسٍ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ آنِفًا قَوْلُهُ مَا احْتَذَى النِّعَالَ بِكَسْرِ النُّونِ جَمْعُ النَّعْلِ أَيْ مَا انْتَعَلَ وَالِاحْتِذَاءُ الِانْتِعَالُ وَلَا انْتَعَلَ عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِأَنَّ الِاحْتِذَاءَ هُوَ الِانْتِعَالُ وَلَا رَكِبَ الْمَطَايَا جَمْعُ الْمَطِيَّةِ وَهِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي تُرْكَبُ وَلَا رَكِبَ الْكُوْرَ بِضَمِّ الْكَافِ وسكون الواو وهو رحل الناقة بأدائه وهو كالسرح وَآلَتِهِ لِلْفَرَسِ أَفْضَلُ مِنْ جَعْفَرٍ أَيْ أَحَدٌ أَفْضَلُ مِنْ جَعْفَرٍ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِجَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي مَنَاقِبِهِ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي فَضِيلَتِهِ وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ لِلْمِسْكِيْنِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ أَخْيَرَ بِوَزْنِ أَفْضَلَ وَمَعْنَاهُ وَهَذَا التَّقْيِيدُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمُطْلَقُ الَّذِي جَاءَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَا احْتَذَى النِّعَالَ وَلَا رَكِبَ الْمَطَايَا الْحَدِيثَ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ قَوْلُهُ أَشْبَهْتَ خَلْقِي بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَخُلُقِي بضمهما وفي مرسل بن سيرين عند بن سَعْدٍ أَشْبَهَ خَلْقُكَ خَلْقِي وَخُلُقُكَ خُلُقِي أَمَّا الْخَلْقُ فَالْمُرَادُ بِهِ الصُّورَةُ فَقَدْ شَارَكَهُ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا شَبَهُهُ فِي الْخُلُقِ بِالضَّمِّ فَخُصُوصِيَّةٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ مِثْلَ ذَل

الْحَرَكَةِ الدَّمَوِيَّةِ يَعْنِي أَنَّ قَلْبَهُ مُنَوِّرٌ كَالذَّهَبِ وروى بن أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا قَوْلَ حُذَيْفَةَ هَكَذَا قَالَ الحافظ في تهذيب التهذيب روى بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ قَلْبُ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ مِنْ ذَهَبٍ يَعْنِي أَنَّهُ مُنَوِّرٌ كَالذَّهَبِ انْتَهَى وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قُلْتُ صِلَةُ بْنُ زُفَرَ بِالْقَافِ وَاللَّامِ وَالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَهُوَ غَلَطٌ قَوْلُهُ (قُلْتُ لِعَائِشَةَ أَيْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَحَبَّ إِلَيْهِ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ قَوْلُهُ (نِعْمَ الرَّجُلُ أَبُو بَكْرٍ إِلَخْ) يَأْتِي هَذَا الْحَدِيثُ مُطَوَّلًا فِي مَنَاقِبِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَيَأْتِي هُنَاكَ شَرْحُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلُهُ مَنَاقِبُ أَبِي عُبَيْدَةَ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ سهيل 3 - مَنَاقِبُ أَبِي الْفَضْلِ عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَوَ الْعَبَّاسُ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ رضي الله عنه وَكَانَ أَسَنَّ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَنَتَيْنِ أَوْ بِثَلَاثٍ وَكَانَ إِسْلَامُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَقِيلَ قَبْلَ ذَلِكَ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَلَهُ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً

[3758] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ) الْقُرَشِيِّ الْهَاشِمِيِّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ نَوْفَلِ الْهَاشِمِيِّ (حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ) بْنُ هَاشِمٍ الْهَاشِمِيُّ صَحَابِيٌّ سَكَنَ الشَّامَ وَمَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ يُقَالُ اسْمُهُ الْمُطَّلِبُ قَوْلُهُ (مُغْضَبًا) بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ (مَا أَغْضَبَكَ) أَيْ أَيُّ شَيْءٍ جَعَلَكَ غَضْبَانَ (مَا لَنَا) أَيْ مَعْشَرِ بَنِي هَاشِمٍ (وَلِقُرَيْشٍ) أَيْ بَقِيَّتِهِمْ (بِوُجُوهٍ مُبْشَرَةٍ) بِصِيغَةِ اسْمِ الْمَفْعُولِ مِنَ الْإِبْشَارِ قَالَ الطِّيبِيُّ كَذَا فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ مُسْفِرَةٍ يَعْنِي عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْإِسْفَارِ بِمَعْنَى مُضِيئَةٍ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْبَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ يُرِيدُ بِوُجُوهٍ عَلَيْهَا البشر من قولهم فلان مردم مبشر إذا كانت له أدمة وبشرة محمودتين انْتَهَى وَالْمَعْنَى تَلَاقِي بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِوُجُوهٍ ذَاتِ بِشْرٍ وَبَسْطٍ (وَإِذَا لَقُونَا) بِضَمِّ الْقَافِ (لَقُونَا بِغَيْرِ ذَلِكَ) أَيْ بِوُجُوهٍ ذَاتِ قَبْضٍ وَعُبُوسٍ وَكَأَنَ وَجْهُهُ أَنَّهُمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ (حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ) أَيِ اشْتَدَّ حُمْرَتُهُ مِنْ كَثْرَةِ غَضَبِهِ (لَا يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الْإِيمَانُ) أَيْ مُطْلَقًا وَأُرِيدَ بِهِ الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ أَوِ الْإِيمَانُ الْكَامِلُ فَالْمُرَادُ بِهِ تَحْصِيلُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكِيدِ (حَتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ) أَيْ مِنْ حَيْثُ أَظْهَرَ رَسُولَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ وَقَدْ كَانَ يَتَفَوَّهُ أَبُو جَهْلٍ حَيْثُ يَقُولُ إِذَا كَانَ بَنُو هَاشِمٍ أَخَذُوا الرَّايَةَ وَالسِّقَايَةَ وَالنُّبُوَّةَ وَالرِّسَالَةَ فَمَا بَقِيَ لِبَقِيَّةِ قُرَيْشٍ (مَنْ آذَى عَمِّي) أَيْ خُصُوصًا (فَقَدْ آذَانِي) أَيْ فَكَأَنَّهُ آذَانِي (فَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ) بِكَسْرِ الصَّادِ وَسُكُونِ النُّونِ أَيْ مِثْلُهُ وَأَصْلُهُ أَنْ يَطْلُعَ نَخْلَتَانِ أَوْ ثَلَاثٌ مِنْ أَصْلِ عِرْقٍ وَاحِدٍ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ صِنْوٌ يَعْنِي مَا عَمُّ الرَّجُلِ وَأَبُوهُ إِلَّا كَصِنْوَيْنِ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ فَهُوَ مِثْلُ أَبِي أَوْ مِثْلِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ

4 - باب [3759] قوله (حدثنا عبيد الله) هو بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ إِسْرَائِيلَ) بْنِ يُونُسَ (عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى) بْنِ عَامِرٍ الثَّعْلَبِيِّ الْكُوفِيِّ قَوْلُهُ (الْعَبَّاسُ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ أَيْ مِنْ أَقَارِبِي أَوْ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي أَوْ مُتَّصِلٌ بِي انْتَهَى وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْلُ بِاعْتِبَارِ الشَّرَفِ وَالْفَضْلِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْعَبَّاسُ أَصْلٌ مِنْ جِهَةِ النَّسَبِ وَالْعُمُومَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَهَذَا الْبَابُ مَعَ حَدِيثِهِ لَمْ يَقَعْ فِي بَعْضِ النسخ 5 - باب [3761] قوله (حدثنا شبابة) هو بن سوار المدائني (حدثنا ورقاء) بن عمر اليشكري قوله (وإن عم الرجل صنو أبيه) أي مثله يعني أصلهما واحد فتعظيمه كتعظيمه وإيذاؤه كإيذائه قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عن بن عباس 6 - باب [3760] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ) بْنِ حَازِمٍ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ) الْجَمَلِيِّ

الْمُرَادِيِّ (عَنْ أَبِي الْبُخْتُرِيِّ) اسْمُهُ سَعِيدُ بْنُ فَيْرُوزَ قَوْلُهُ (وَكَانَ عُمَرُ كَلَّمَهُ) أَيِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي صَدَقَتِهِ) أَيْ فِي أَخْذِ صَدَقَةِ الْعَبَّاسِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقِيلَ منع بن جَمِيلٍ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْعَبَّاسُ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَأَمَّا الْعَبَّاسُ فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا مَعَهَا ثُمَّ قَالَ يَا عُمَرُ أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرجل صنو أبيه [3762] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ) الْخَفَّافُ أَبُو نَصْرٍ الْعِجْلِيُّ مَوْلَاهُمُ الْبَصْرِيُّ نَزِيلُ بَغْدَادَ صَدُوقٌ رُبَّمَا أَخْطَأَ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ حَدِيثًا فِي فَضْلِ الْعَبَّاسِ يُقَالُ دَلَّسَهُ عَنْ ثَوْرٍ مِنَ التَّاسِعَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ (عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ) الْحِمْصِيِّ قَوْلُهُ (فَأْتِنِي أَنْتَ وَوَلَدُكَ) بِفَتْحَتَيْنِ وَبِضَمٍّ وَسُكُونٍ أَيْ أَوْلَادُكَ (حَتَّى أَدْعُوَ لَهُمْ) أَيْ لِلْأَوْلَادِ مَعَكَ قَالَ الطِّيبِيُّ وَهُوَ كَذَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَفِي جَامِعِ الْأُصُولِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ لَكُمْ انْتَهَى وَالْمَعْنَى حَتَّى أَدْعُوَ لَكُمْ جَمِيعًا (وَوَلَدَكَ) أَيْ وَيَنْفَعُ بِهَا أَوْلَادَكَ (فَغَدَا) أَيِ الْعَبَّاسُ (وَغَدَوْنَا) أَيْ نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَوْلَادِ (مَعَهُ) وَالْمَعْنَى فَذَهَبْنَا جَمِيعُنَا إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَلْبَسَنَا) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمِيعَنَا أَوْ نَحْنُ الْأَوْلَادَ مَعَ الْعَبَّاسِ (مَغْفِرَةً ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) أَيْ مَا ظَهَرَ مِنَ الذُّنُوبِ وَمَا بَطَنَ مِنْهَا (لَا تُغَادِرُ) أَيْ لَا تَتْرُكُ تِلْكَ الْمَغْفِرَةُ (ذَنْبًا) أَيْ غَيْرَ مَغْفُورٍ (اللَّهُمَّ احْفَظْهُ فِي وَلَدِهِ) أَيْ أكرمه وراع أمره كيلا يَضِيعَ فِي شَأْنِ وَلَدِهِ زَادَ رَزِينٌ وَاجْعَلِ الْخِلَافَةَ بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّهُمْ خَاصَّتُهُ وَأَنَّهُمْ بِمَثَابَةِ النَّفْسِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي يَشْمَلُهَا كِسَاءٌ وَاحِدٌ وَأَنَّهُ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أن يبسط عليهم رحمته بسط الْكِسَاءِ عَلَيْهِمْ وَأَنَّهُ يَجْمَعُهُمْ فِي الْآخِرَةِ تَحْتَ لِوَائِهِ وَفِي هَذِهِ الدَّارِ تَحْتَ رَايَتِهِ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنُصْرَةِ دَعْوَةِ رَسُولِهِ وَهَذَا مَعْنَى رِوَايَةِ رَزِينٍ وَاجْعَلِ الْخِلَافَةَ بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ رَزِينٌ

باب مناقب جعفر بن أبي طالب أخي علي رضي الله عنهما

7 - (باب مَنَاقِبُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخِي عَلِّيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) هُوَ شَقِيقُهُ وَكَانَ أَسَنَّ مِنْ عَلِيٍّ بِعَشْرِ سِنِينَ وَاسْتُشْهِدَ بِمُؤْتَةَ وَقَدْ جَاوَزَ الْأَرْبَعِينَ وَيُقَالُ لَهُ ذُو الْجَنَاحَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ عُوِّضَ بِجَنَاحَيْنِ عَنْ قَطْعِ يَدَيْهِ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ حَيْثُ أَخَذَ اللِّوَاءَ بِيَمِينِهِ فَقُطِعَتْ ثُمَّ أَخَذَهُ بِشِمَالِهِ فَقُطِعَتْ ثُمَّ احْتَضَنَهُ فَقُتِلَ روى البخاري في صحيحه أن بن عمر كان إذا سلم على بن جعفر قال السلام عليك يا بن ذِي الْجَنَاحَيْنِ [3763] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَعْقُوبَ الْجُهَنِيُّ قَوْلُهُ (رَأَيْتُ جَعْفَرًا) أَيْ فِي الْمَنَامِ (يَطِيرُ فِي الْجَنَّةِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ) وَلِذَا سُمِّيَ بِجَعْفَرٍ الطَّيَّارِ وَبِذِي الْجَنَاحَيْنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِلَخْ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَفِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ لَكِنْ لَهُ شاهد من حديث علي عند بن سَعْدٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَرَّ بِي جَعْفَرٌ اللَّيْلَةَ فِي مَلَأٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ مُخَضَّبُ الْجَنَاحَيْنِ بِالدَّمِ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مسلم وأخرج أيضا هو والطبراني عن بن عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا دَخَلْتُ الْبَارِحَةَ الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا جَعْفَرًا يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ وَفِي طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ أَنَّ جَعْفَرًا مَعَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ لَهُ جَنَاحَانِ عَوَّضَهُ اللَّهُ مِنْ يَدَيْهِ وَإِسْنَادُ هَذِهِ جَيِّدٌ وَطَرِيقُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الثَّانِيَةِ قَوِيٌّ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَتَقَدَّمَ لَفْظُهُ آنِفًا 8 - باب [3764] قَوْلُهُ (مَا احْتَذَى النِّعَالَ) بِكَسْرِ النُّونِ جَمْعُ النَّعْلِ أَيْ مَا انْتَعَلَ وَالِاحْتِذَاءُ الِانْتِعَالُ (وَلَا

انْتَعَلَ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ لِأَنَّ الِاحْتِذَاءَ هُوَ الِانْتِعَالُ (وَلَا رَكِبَ الْمَطَايَا) جَمْعُ الْمَطِيَّةِ وَهِيَ الدَّابَّةُ الَّتِي تُرْكَبُ (وَلَا رَكِبَ الْكُوْرَ) بِضَمِّ الْكَافِ وَسُكُونِ الْوَاوِ وَهُوَ رَحْلُ النَّاقَةِ بِأَدَاتِهِ وَهُوَ كالسرح وَآلَتِهِ لِلْفَرَسِ (أَفْضَلُ مِنْ جَعْفَرٍ) أَيْ أَحَدٌ أَفْضَلُ مِنْ جَعْفَرٍ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِجَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي مَنَاقِبِهِ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي فَضِيلَتِهِ وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ لِلْمِسْكِيْنِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ أَخْيَرَ بِوَزْنِ أَفْضَلَ وَمَعْنَاهُ وَهَذَا التَّقْيِيدُ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمُطْلَقُ الَّذِي جَاءَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ مَا احْتَذَى النِّعَالَ وَلَا رَكِبَ الْمَطَايَا الْحَدِيثَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ [3765] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ إِسْرَائِيلَ) بْنِ يُونُسَ قَوْلُهُ (أَشْبَهْتَ خَلْقِي) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ (وَخُلُقِي) بضمهما وفي مرسل بن سيرين عند بن سَعْدٍ أَشْبَهَ خَلْقُكَ خَلْقِي وَخُلُقُكَ خُلُقِي أَمَّا الْخَلْقُ فَالْمُرَادُ بِهِ الصُّورَةُ فَقَدْ شَارَكَهُ فِيهَا جَمَاعَةٌ مِمَّنْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا شَبَهُهُ فِي الْخُلُقِ بِالضَّمِّ فَخُصُوصِيَّةٌ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ مِثْلَ ذَلِكَ حَصَلَ لِفَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ فَإِنَّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَكِنْ لَيْسَ بِصَرِيحٍ كَمَا فِي قِصَّةِ جَعْفَرٍ هَذِهِ وَهِيَ مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لِجَعْفَرٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عظيم (وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةٌ) أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مَعَ الْقِصَّةِ فِي بَابِ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَغَيْرِهِ [3766] قوله (حدثنا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَخْزُومِيُّ) الْمَدَنِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا هُوَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْفَضْلِ وَيُقَالُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مَتْرُوكٌ قَوْلُهُ (إِنْ كُنْتُ) إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ (أَنَا أَعْلَمُ بِهَا) أَيْ

باب مناقب أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب

بالآيات والجمل حَالِيَّةٌ (مِنْهُ) أَيْ مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي أَسْأَلُهُ (يَا أَسْمَاءُ) هِيَ بِنْتُ عُمَيْسٍ (فَإِذَا أَطْعَمَتْنَا أَجَابَنِي) إِنَّمَا كَانَ يُجِيبُهُ عَنْ سُؤَالِهِ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِأَنَّهُ إِنَّمَا سَأَلَهُ لِيُطْعِمَهُ لِيَجْمَعَ بَيْنَ الْمَصْلَحَتَيْنِ وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ وَقَعَ حِينَئِذٍ وَقَعَ مِنْهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ (وَكَانَ جَعْفَرٌ يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ) أَيْ مَحَبَّةً زَائِدَةً عَلَى مَحَبَّةِ غَيْرِهِ إِيَّاهُمْ (فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَنِّيهِ بِأَبِي الْمَسَاكِينِ) أَيْ مُلَازِمِهِمْ وَمُدَاوِمِهِمْ وَفِي الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ حُبَّ الْكُبَرَاءِ وَأَرْبَابِ الشَّرَفِ الْمَسَاكِينَ وَتَوَاضُعَهُمْ لَهُمْ يَزِيدُ فِي فَضْلِهِمْ وَيُعَدُّ ذَلِكَ مِنْ مَنَاقِبِهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَأَمَّا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ فهي ضعيفة 9 - (باب مَنَاقِبُ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِّيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ) وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَأَنَّهُ جَمَعَهُمَا لِمَا وَقَعَ لَهُمَا مِنَ الِاشْتِرَاكِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَنَاقِبِ وَكَانَ مَوْلِدُ الْحَسَنِ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَقِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ مَسْمُومًا سَنَةَ خَمْسِينَ وَيُقَالُ قَبْلَهَا وَيُقَالُ بَعْدَهَا وَكَانَ مَوْلِدُ الْحُسَيْنِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِ وَقُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ بِكَرْبَلَاءَ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ وَكَانَ أَهْلُ الْكُوفَةِ لَمَّا مَاتَ مُعَاوِيَةُ وَاسْتَخْلَفَ يَزِيدَ كَاتَبُوا الْحُسَيْنَ بِأَنَّهُمْ فِي طَاعَتِهِ فَخَرَجَ الْحُسَيْنُ إِلَيْهِمْ فَسَبَقَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ إِلَى الْكُوفَةِ فَخَذَّلَ غَالِبَ النَّاسِ عنه فتأخروا رغبة ورهبة وقتل بن عَمِّهِ مُسْلِمُ بْنُ عَقِيلٍ وَكَانَ الْحُسَيْنُ قَدْ قَدَّمَهُ قَبْلَهُ لِيُبَايِعَ لَهُ النَّاسَ فَجَهَّزَ إِلَيْهِ عَسْكَرًا فَقَاتَلُوهُ إِلَى أَنْ قُتِلَ هُوَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ

[3768] قَوْلُهُ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ) الْقُرَشِيِّ الهاشمي الكوفي (عن بن أَبِي نُعْمٍ) بِضَمِّ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ قَوْلُهُ (الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْخَفِيفَةِ جَمْعُ شَابٍّ وَهُوَ مَنْ بَلَغَ إِلَى ثَلَاثِينَ وَلَا يُجْمَعُ فَاعِلٌ عَلَى فِعَالٍ غَيْرُهُ وَيُجْمَعُ عَلَى شِيبَةٍ وَشُبَّانٍ أَيْضًا قَالَ الْمُظْهِرُ يَعْنِي هُمَا أَفْضَلُ مَنْ مَاتَ شَابًّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ سِنَّ الشَّبَابِ لِأَنَّهُمَا مَاتَا وَقَدْ كَهُلَا بَلْ مَا يَفْعَلُهُ الشَّبَابُ من المروءة كما يقال فلان فتى وإن كَانَ شَيْخًا يُشِيرُ إِلَى مُرُوءَتِهِ وَفُتُوَّتِهِ أَوْ أَنَّهُمَا سَيِّدَا أَهْلِ الْجَنَّةِ سِوَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ كُلَّهُمْ فِي سِنٍّ وَاحِدٍ وَهُوَ الشَّبَابُ وَلَيْسَ فِيهِمْ شَيْخٌ وَلَا كَهْلٌ قَالَ الطِّيبِيُّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ هُمَا الْآنَ سَيِّدَا شَبَابِ مَنْ هُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ شُبَّانِ هَذَا الزَّمَانِ قَوْلُهُ (حدثنا جرير) هو بن عبد الحميد (وبن فُضَيْلٍ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ (عَنْ يَزِيدَ) بْنِ أَبِي زِيَادٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَلِذَا عَدَّهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ مِنَ الْمُتَوَاتِرَاتِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ) الْقَطَوَانِيُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ) مَجْهُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ النَّبَّالُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَيُقَالُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ قَالَ عَلِيُّ بن المديني مجهول وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ (أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ) بْنِ حَارِثَةَ الْكَلْبِيُّ الْمَدَنِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (أَخْبَرَنِي أَبِي) بِيَاءِ الْمُتَكَلِّمِ أَيْ وَالِدِي (أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ) بَدَلٌ مِنْ قَابِلِهِ [3769] قَوْلُهُ (طَرَقْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي الْقَامُوسِ الطَّرْقُ الْإِتْيَانُ بِاللَّيْلِ كَالطُّرُوقِ انْتَهَى فَفِي الْكَلَامِ تَجْرِيدٌ أَوْ تَأْكِيدٌ وَالْمَعْنَى أَتَيْتُهُ (فِي بَعْضِ الْحَاجَةِ) أَيْ لِأَجْلِ حَاجَةٍ مِنَ الْحَاجَاتِ (وَهُوَ مُشْتَمِلٌ) أَيْ

مُحْتَجِبٌ (فَكَشَفَهُ) أَيْ أَزَالَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحِجَابِ أَوِ الْمَعْنَى فَكَشَفَ الْحِجَابَ عَنْهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْحَذْفِ وَالْإِيصَالِ (عَلَى وَرِكَيْهِ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ وَفِي الْقَامُوسِ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ مَا فَوْقَ الْفَخِذِ (هَذَانِ ابْنَايَ) أَيْ حُكْمًا (وَابْنَا ابْنَتِي) أَيْ حَقِيقَةً (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا إِلَخْ) لَعَلَّ الْمَقْصُودَ مِنْ إِظْهَارِ هَذَا الدُّعَاءِ حَمْلُ أُسَامَةَ وَغَيْرِهِ عَلَى زِيَادَةِ مَحَبَّتِهِمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ الْحَسَنِ بْنِ أُسَامَةَ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وصححه بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ [3770] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ الْبَصْرِيُّ الضَّبِّيُّ وَيُقَالُ إِنَّهُ تَمِيمِيٌّ وَهُوَ ثِقَةٌ بِاتِّفَاقٍ قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ) أَيِ الْكُوفَةِ فَإِنَّهَا وَالْبَصْرَةَ تُسَمَّيَانِ عِرَاقَ الْعَرَبِ (عَنْ دَمِ الْبَعُوضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْأَدَبِ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْمُحْرِمِ يَقْتُلُ الذُّبَابَ قَالَ الْحَافِظُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السُّؤَالُ وَقَعَ عَنِ الْأَمْرَيْنِ (فَقَالَ بن عُمَرَ انْظُرُوا إِلَى هَذَا يَسْأَلُ عَنْ دَمِ البعوض وقد قتلوا بن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَوْرَدَ بن عُمَرَ هَذَا مُتَعَجِّبًا مِنْ حِرْصِ أَهْلِ الْعِرَاقِ عَلَى السُّؤَالِ عَنِ الشَّيْءِ الْيَسِيرِ وَتَفْرِيطِهِمْ فِي الشَّيْءِ الْجَلِيلِ (هُمَا رَيْحَانَتَايَ) بِالتَّثْنِيَةِ شَبَّهَهُمَا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْوَلَدَ يُشَمُّ وَيُقَبَّلُ وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ الْآتِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ فَيَشُمَّهُمَا وَيَضُمَّهُمَا إِلَيْهِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ وَقَالَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ يَلْعَبَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْتُ تُحِبُّهُمَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَكَيْفَ لَا وَهُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا أَشُمُّهُمَا قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَغَيْرُهُ الرَّيْحَانُ الرِّزْقُ أَوِ الْمَشْمُومُ قَالَ الْعَيْنِيُّ لَا وَجْهَ هُنَا أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الرِّزْقِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْعَيْنِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ

[3771] قوله (حدثنا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ) اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ (حدثنا رزين) بفتح الراء وكسر الزاي بن حَبِيبٍ الْجُهَنِيُّ أَوِ الْبَكْرِيُّ الْكُوفِيُّ الرُّمَّانِيُّ بِضَمِّ الرَّاءِ التَّمَّارُ بَيَّاعُ الْأَنْمَاطِ وَيُقَالُ رَزِينٌ الْجُهَنِيُّ الرُّمَّانِيُّ غَيْرُ رَزِينٍ بَيَّاعِ الْأَنْمَاطِ وَالْجُهَنِيُّ هُوَ الذي أخرج له الترمذي ووثقه أحمد وبن مَعِينٍ وَالْآخَرُ مَجْهُولٌ وَكِلَاهُمَا مِنَ السَّابِعَةِ (حَدَّثَتْنِي سَلْمَى) الْبَكْرِيَّةُ لَا تُعْرَفُ مِنَ الثَّالِثَةِ رَوَتْ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَعَنْهَا رَزِينٌ الْجُهَنِيُّ ويقال البكري قاله الحافظ وقد وهم القارىء وَهْمًا شَنِيعًا فَقَالَ سَلْمَى هَذِهِ هِيَ زَوْجَةُ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَابِلَةُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (مَا يُبْكِيكِ) بِضَمِّ التحتية وكسر كافيه (تَعْنِي فِي الْمَنَامِ) هَذَا مِنْ كَلَامِ سَلْمَى أَوْ مِمَّنْ دُونَهَا أَيْ تُرِيدُ أُمُّ سَلَمَةَ بِالرُّؤْيَةِ فِي الْمَنَامِ (وَعَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ التُّرَابُ) أي أثره من الغبار (مالك) أَيْ مِنَ الْحَالِ (شَهِدْتُ) أَيْ حَضَرْتُ (آنِفًا) بِمَدِّ الْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ قَصْرُهَا أَيْ هَذِهِ السَّاعَةَ الْقَرِيبَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِجَهَالَةِ سَلْمَى [3772] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ) السَّكُونِيُّ (حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّمِيمِيُّ أَبُو شَيْبَةَ) الْجَوْهَرِيُّ الْوَاسِطِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (فَيَشُمُّهُمَا) مِنْ بَابِ سَمِعَ وَنَصَرَ أَيْ فَيَحْضُرَانِ فَيَشُمُّهُمَا (وَيَضُمُّهُمَا إِلَيْهِ) أَيْ بِالِاعْتِنَاقِ وَالِاحْتِضَانِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ يُوسُفُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا عَرَفْتَ لَكِنْ له شواهد

90 - باب [3773] قوله (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى الْأَنْصَارِيُّ (عَنِ الْحَسَنِ) الْبَصْرِيِّ (صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ) فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ جَاءَ الْحَسَنُ وَفِي رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي دَلَائِلِ الْبَيْهَقِيِّ يَخْطُبُ أَصْحَابَهُ يَوْمًا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَصَعِدَ إِلَيْهِ الْمِنْبَرَ (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ) فِيهِ أَنَّ السِّيَادَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْأَفْضَلِ بَلْ هُوَ الرَّئِيسُ عَلَى الْقَوْمِ وَالْجَمْعُ سَادَةٌ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ السُّؤْدُدِ وَقِيلَ مِنَ السَّوَادِ لِكَوْنِهِ يَرْأَسُ عَلَى السَّوَادِ الْعَظِيمِ مِنَ النَّاسِ أَيِ الْأَشْخَاصِ الْكَثِيرَةِ (يُصْلِحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ (بَيْنَ فِئَتَيْنِ) تَثْنِيَةُ فِئَةٍ وَهِيَ الْفِرْقَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ فَأَوْتُ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ وَفَأَيْتُ إِذَا شَقَقْتُهُ وَجَمْعُ فئة فئات فئون زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَظِيمَتَيْنِ قَالَ الْعَيْنِيُّ وَصَفَهُمَا بِالْعَظِيمَتَيْنِ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا يَوْمَئِذٍ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً مَعَ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِرْقَةً مَعَ مُعَاوِيَةَ وَهَذِهِ مُعْجِزَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ أَخْبَرَ بِهَذَا فَوَقَعَ مِثْلَ مَا أَخْبَرَ وَأَصْلُ الْقَضِيَّةِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا ضَرَبَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُلْجِمٍ الْمُرَادِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَة لِثَلَاثَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ مَكَثَ يَوْمَ الْجُمُعَة وَلَيْلَةَ السَّبْتِ وَتُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْأَحَدِ لِإِحْدَى عَشْرَةَ لَيْلَةً بَقِيَتْ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْهِجْرَةِ وَبُويِعَ لِابْنِهِ الْحَسَنِ بِالْخِلَافَةِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ وَأَقَامَ الْحَسَنُ أَيَّامًا مُفَكِّرًا فِي أَمْرِهِ ثُمَّ رَأَى اخْتِلَافَ النَّاسِ فِرْقَةٌ مِنْ جِهَتِهِ وَفِرْقَةٌ مِنْ جِهَةِ مُعَاوِيَةَ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْأَمْرُ وَرَأَى النَّظَرَ فِي إِصْلَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ أَوْلَى مِنَ النَّظَرِ فِي حَقِّهِ سَلَّمَ الْخِلَافَةَ لِمُعَاوِيَةَ فِي الْخَامِسِ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ وَقِيلَ فِي غُرَّةِ جُمَادَى الْأُولَى وَكَانَتْ خِلَافَتُهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ إِلَّا أَيَّامًا وَسُمِّيَ هَذَا الْعَامُ عَامَ الْجَمَاعَةِ وَهَذَا الَّذِي أَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ أَيْ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ (يَعْنِي الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ) أَيْ يُرِيدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ ابْنِي هَذَا الْحَسَنَ بن علي بن أبي طالب

91 - باب [3774] قوله (سمعت أبا) أَيْ سَمِعْتُ وَالِدِي (بُرَيْدَةَ) بَدَلٌ مِنْ مَا قَبْلَهُ (وَيَعْثُرَانِ) فِي الْقَامُوسِ عَثَرَ كَضَرَبَ وَنَصَرَ وَعَلِمَ وَكَرُمَ أَيْ كَبَا انْتَهَى وَالْمَعْنَى أَنَّهُمَا يَسْقُطَانِ عَلَى الْأَرْضِ لِصِغَرِهِمَا وَقِلَّةِ قُوَّتِهِمَا (صَدَقَ اللَّهُ) أَيْ فِي قَوْلِهِ (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فتنة) أَيِ اخْتِبَارٌ وَابْتِلَاءٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِخَلْقِهِ لِيَعْلَمَ مَنْ يُطِيعُهُ مِمَّنْ يَعْصِيهِ (فَلَمْ أَصْبِرْ) أَيْ عَنْهُمَا لِتَأْثِيرِ الرَّحْمَةِ وَالرِّقَّةِ فِي قَلْبِي (حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي) أَيْ كَلَامِي فِي الْخُطْبَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ [3775] قَوْلُهُ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ رَاشِدٍ) وعند بن مَاجَهْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ سَعِيدُ بْنُ أَبِي راشد ويقال بن رَاشِدٍ رَوَى عَنْ يَعْلَى بْنِ مُرَّةَ الثَّقَفِيِّ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خثيم ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَوْلُهُ (حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ) قَالَ الْقَاضِي كَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم بِنُورِ الْوَحْيِ مَا سَيَحْدُثُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَوْمِ فَخَصَّهُ بِالذِّكْرِ وَبَيَّنَ أَنَّهُمَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فِي وُجُوبِ الْمَحَبَّةِ وَحُرْمَةِ التَّعَرُّضِ وَالْمُحَارَبَةِ وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا) فَإِنَّ مَحَبَّتَهُ مَحَبَّةُ الرَّسُولِ وَمَحَبَّةُ الرَّسُولِ مَحَبَّةُ اللَّهِ (حُسَيْنٌ سِبْطٌ) بِالْكَسْرِ (مِنَ الْأَسْبَاطِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ فِي الْخَيْرِ وَالْأَسْبَاطُ فِي أَوْلَادِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ بِمَنْزِلَةِ الْقَبَائِلِ فِي وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَأَحَدُهُمْ سِبْطٌ فَهُوَ وَاقِعٌ عَلَى الْأُمَّةِ وَالْأُمَّةُ وَاقِعَةٌ عَلَيْهِ انْتَهَى وَقَالَ الْقَاضِي السِّبْطُ وَلَدُ

الْوَلَدِ أَيْ هُوَ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِي أَكَّدَ بِهِ الْبَعْضِيَّةَ وَقَرَّرَهَا وَيُقَالُ لِلْقَبِيلَةِ قَالَ تَعَالَى وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أي قبائل ويحتمل أن يكون المراد ها هنا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَتَشَعَّبُ مِنْهُ قَبِيلَةٌ وَيَكُونُ مِنْ نَسْلِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ فَيَكُونُ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ نَسْلَهُ يَكُونُ أَكْثَرَ وَأَبْقَى وَكَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الأدب المفرد وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ [3776] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الْإِمَامُ الذُّهْلِيُّ قَوْلُهُ (لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ (أَشْبَهَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْحَسَنِ بن علي) هذا يعارض رواية بن سِيرِينَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَتَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ أَنَسٌ كَانَ (أَيِ الْحُسَيْنُ) أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْحَافِظُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يَكُونَ أَنَسٌ قَالَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ يَعْنِي رِوَايَةَ الْبَابِ فِي حَيَاةِ الْحَسَنِ لِأَنَّهُ يَوْمَئِذٍ كَانَ أَشَدَّ شَبَهًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَخِيهِ الْحُسَيْنِ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي رواية بن سِيرِينَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِهِ أَوِ الْمُرَادُ بِمَنْ فَضَّلَ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ فِي الشَّبَهِ مَنْ عَدَا الْحَسَنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَانَ أَشَدَّ شَبَهًا بِهِ فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ فَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ الْحَسَنُ كَشَبَهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَيْنَ الرَّأْسِ إِلَى الصَّدْرِ وَالْحُسَيْنُ أَشْبَهَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ فِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ هَذِهِ وَكَانَ أَشْبَهَهُمْ وَجْهًا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُؤَيِّدُ حَدِيثَ عَلِيٍّ هَذَا انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3777] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ) الْأَحْمَسِيُّ الْبَجَلِيُّ قَوْلُهُ (يُشْبِهُهُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ يُشَابِهُهُ مِنَ الْإِشْبَاهِ وَيُمَاثِلُهُ قَالَ فِي الْقَامُوسِ شَابَهَهُ وَأَشْبَهَهُ مَاثَلَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وبن عباس وبن الزُّبَيْرِ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم وفي مناقب الحسن وأما حديث بْنِ عَبَّاسٍ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ بن الزُّبَيْرِ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَفِيهِ عَلِيُّ بْنُ عَابِسٍ وهو ضعيف

[3778] قَوْلُهُ (عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ) أُمِّ الْهُذَيْلِ الأنصارية البصرية قوله (كنت عند بن زِيَادٍ) هُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ أَمِيرَ الْكُوفَةِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَقُتِلَ الْحُسَيْنُ فِي إِمَارَتِهِ (فَجَعَلَ يَقُولُ) أَيْ فَجَعَلَ (عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ يُشِيرُ بِقَضِيبِ) أَيْ بِغُصْنٍ (وَيَقُولُ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا حُسْنًا) قَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ الشَّاهُ وَلِيُّ اللَّهِ الدَّهْلَوِيُّ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فَجَعَلَ يَنْكُتُ وَقَالَ فِي حُسْنِهِ شَيْئًا وَإِذَا حَمَلْتُ لَفْظَ التِّرْمِذِيِّ عَلَى مَعْنَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ مَا رَأَيْتُ مِثْلَ هَذَا حُسْنًا يَعْنِي مَا رَأَيْتُ حُسْنًا مِثْلَ حُسْنِ هَذَا يَتَهَكَّمُ بِهِ وَقَوْلُهُ (لِمَ يُذْكَرُ) مَعْنَاهُ لِمَاذَا يُذْكَرُ فِي النَّاسِ بِالْحَسَنِ وَلَيْسَ لَهُ حُسْنٌ انْتَهَى (قَالَ) أَيْ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ (أَمَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّهُ) أَيِ الْحُسَيْنُ (مِنْ أَشْبَهِهِمْ) أَيْ مِنْ أَشْبَهِ أَهْلِ الْبَيْتِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3779] قَوْلُهُ (عَنْ هَانِئِ بْنِ هَانِئٍ) الْهَمْدَانِيِّ بِسُكُونِ الْمِيمِ الْكُوفِيِّ مَسْتُورٌ مِنَ الثَّالِثَةِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ فِي تَرْجَمَتِهِ قَالَ بن الْمَدِينِيِّ مَجْهُولٌ وَقَالَ النَّسَائِيُّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَوْلُهُ (أَشْبَهَ) فِعْلُ مَاضٍ أَيْ شَابَهَ فِي الصُّورَةِ (مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إِلَى الرَّأْسِ) قَالَ الطِّيبِيُّ بَدَلٌ مِنَ الْفَاعِلِ الْمُضْمَرِ فِي أَشْبَهَ مِنَ الْمَفْعُولِ بَدَلَ الْبَعْضِ وَكَذَا قَوْلُهُ الْآتِي (مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ) أَيْ كَالسَّاقِ وَالْقَدَمِ فَكَأَنَّ الْأَكْبَرَ أَخَذَ الشَّبَهَ الْأَقْدَمَ لِكَوْنِهِ أَسْبَقَ وَالْبَاقِي لِلْأَصْغَرِ قَوْلُهُ (هذا حديث حسن غريب) وأخرجه بن حبان [3780] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ (وَعَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ) التَّيْمِيِّ قَوْلُهُ

(نُضِدَتْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ جُعِلَتْ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ مُرَتَّبَةً (فِي الرَّحَبَةِ) بِفَتْحِ الرَّاءِ مَحَلَّةٌ بالكوفة (تخلل الرؤوس) بحذف إحدى التائين أي تدخل بيتها (فِي مَنْخَرَيْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ) أَيْ فِي ثُقْبَيْ أَنْفِهِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الْمَنْخَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْخَاءِ وَبِكَسْرِهِمَا وَضَمِّهِمَا وَكَمَجْلِسٍ ثَقْبُ الْأَنْفِ (فَمَكَثَتْ) أَيْ لَبِثَتِ الْحَيَّةُ (هُنَيْهَةً) بِضَمِّ هَاءٍ وَفَتْحِ نُونٍ وَسُكُونِ تَحْتِيَّةٍ وَفَتْحِ هَاءٍ أُخْرَى أَيْ زَمَانًا يَسِيرًا وَإِنَّمَا أَوْرَدَ التِّرْمِذِيُّ هذا الحديث في مناقب الحسنين لِأَنَّ فِيهِ ذِكْرَ الْمُجَازَاةِ لِمَا فَعَلَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْعَيْنِيُّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَازَى هَذَا الْفَاسِقَ الظَّالِمَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ بِأَنْ جَعَلَ قَتْلَهُ عَلَى يَدَيْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْأَشْتَرِ يَوْمَ السَّبْتِ لِثَمَانِ بَقِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ عَلَى أَرْضٍ يُقَالُ لَهَا الْجَازِرُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمُوصِلِ خَمْسَةُ فَرَاسِخَ وَكَانَ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ الثَّقَفِيُّ أَرْسَلَهُ لقتال بن زياد ولما قتل بن زياد جيء برأسه وبرؤوس أَصْحَابِهِ وَطُرِحَتْ بَيْنَ يَدَيِ الْمُخْتَارِ وَجَاءَتْ حَيَّةٌ دقيقة تخللت الرؤوس حتى دخلت في بن مرجانة وهو بن زِيَادٍ وَخَرَجَتْ مِنْ مَنْخَرِهِ وَدَخَلَتْ فِي مَنْخَرِهِ وَخَرَجَتْ مِنْ فِيهِ وَجَعَلَتْ تَدْخُلُ وَتَخْرُجُ مِنْ رأسه بين الرؤوس ثم إن المختار بعث برأس بن زياد ورؤوس الَّذِينَ قُتِلُوا مَعَهُ إِلَى مَكَّةَ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ وَقِيلَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير فنصبها بمكة وأحرق بن الأشتر جثة بن زياد وجثث الباقين 2 - باب [3781] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) هُوَ الدَّارِمِيُّ (وَإِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) هُوَ الْكَوْسَجُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) الضَّبِّيُّ الْفِرْيَابِيُّ (عَنْ مَيْسَرَةَ بْنِ حَبِيبٍ) النَّهْدِيِّ أَبِي حَازِمٍ الْكُوفِيِّ صدوق

مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَتَى عَهْدُكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يُقَالُ مَتَى عَهْدُكَ بِفُلَانٍ أَيْ مَتَى رُؤْيَتُكَ إِيَّاهُ (مَا لِي) أَيْ لَيْسَ لِي (فَنَالَتْ مِنِّي) أَيْ ذَكَرَتْنِي بِسُوءٍ زَادَ أَحْمَدُ وَسَبَّتْنِي (فَصَلَّى) أَيِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّوَافِلَ (ثُمَّ انْفَتَلَ) أَيِ انْصَرَفَ (فَتَبِعْتُهُ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مَشَيْتُ خَلْفَهُ زَادَ أَحْمَدُ فَعَرَضَ لَهُ عَارِضٌ فَنَاجَاهُ ثُمَّ ذَهَبَ فَاتَّبَعْتُهُ (فَسَمِعَ صَوْتِي) أَيْ صَوْتَ حَرَكَةِ رِجْلِي (حُذَيْفَةُ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ أَهَذَا أَوْ هُوَ أَوْ أَنْتَ حُذَيْفَةُ (مَا حَاجَتُكَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلِأُمِّكَ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مَا لَكَ فَحَدَّثْتُهُ بِالْأَمْرِ فَقَالَ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلِأُمِّكَ (قَالَ إِنَّ هَذَا مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلِ الْأَرْضَ قَطُّ قَبْلَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ) وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ ثُمَّ قَالَ أَمَا رَأَيْتَ الْعَارِضَ الَّذِي عَرَضَ لِي قُبَيْلُ قَالَ قُلْتُ بَلَى قَالَ فَهُوَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ لَمْ يَهْبِطِ الْأَرْضَ إِلَخْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ [3782] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ) اسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ (أَبْصَرَ) أَيْ رَأَى (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا) الْأَوَّلُ بِصِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَالثَّانِي بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ الْإِحْبَابِ [3783] [3784] قَوْلُهُ (وَهُوَ يَقُولُ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ) فِيهِ حَثٌّ عَلَى حُبِّهِ وَبَيَانٌ لِفَضِيلَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (عَلَى عَاتِقِهِ) بِكَسْرِ التَّاءِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ (نِعْمَ الْمَرْكَبُ) أَيْ هُوَ (رَكِبْتَ) أي ركبته

93 - مناقب أهل بيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي اللُّمَعَاتِ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ أَهْلُ الْبَيْتِ بِمَعْنَى مَنْ حَرُمَ الصَّدَقَةُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ فَيَشْمَلُ آلَ الْعَبَّاسِ وَآلَ عَلِيٍّ وَآلَ جَعْفَرٍ وَآلَ عَقِيلٍ وَآلَ الْحَارِثِ فَإِنَّ كُلَّ هَؤُلَاءِ يَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ وَقَدْ جَاءَ بِمَعْنَى أَهْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَامِلًا لِأَزْوَاجِهِ الْمُطَهَّرَاتِ وَإِخْرَاجُ نِسَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أهل البيت في قوله (ويطهركم تطهيرا) مَعَ أَنَّ الْخِطَابَ مَعَهُنَّ سِبَاقًا وَسِيَاقًا فَإِخْرَاجُهُنَّ مِمَّا وَقَعَ فِي الْبَيْنِ يُخْرِجُ الْكَلَامَ عَنِ الِاتِّسَاقِ وَالِانْتِظَامِ قَالَ الْإِمَامُ الرَّازِيُّ إِنَّهَا شَامِلَةٌ لِنِسَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ يُنَادِي عَلَى ذَلِكَ فَإِخْرَاجُهُنَّ عَنْ ذَلِكَ وَتَخْصِيصُهُ بِغَيْرِهِنَّ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْوَجْهُ فِي تَذْكِيرِ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ (لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ وَيُطَهِّرَكُمْ) بِاعْتِبَارِ لَفْظِ الْأَهْلِ أَوْ لِتَغْلِيبِ الرِّجَالِ عَلَى النِّسَاءِ وَلَوْ أُنِّثَ الْخِطَابُ لَكَانَ مَخْصُوصًا بِهِنَّ وَلَا بُدَّ مِنَ الْقَوْلِ بِالتَّغْلِيبِ عَلَى أَيِّ تَقْدِيرٍ كَانَ وَإِلَّا لَخَرَجَتْ فَاطِمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ بِالِاتِّفَاقِ انْتَهَى [3786] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ) الْقُرَشِيُّ الْكُوفِيُّ صَاحِبُ الْأَنْمَاطِ ضَعِيفٌ مِنَ الثَّامِنَةِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا فِي الْحَجِّ قَالَ الْحَافِظُ (عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) الْمَعْرُوفِ بِالصَّادِقِ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ الْمَعْرُوفِ بِالْبَاقِرِ قَوْلُهُ (فِي حَجَّتِهِ) أَيْ فِي حجته الوداع (على ناقته القصراء) بفتح القاف ممدود اللقب نَاقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا كَانَتْ مَجْدُوعَةَ الْأُذُنِ (إِنِّي تَرَكْتُ فِيكُمْ مَنْ إِنْ أخذتم

بِهِ) أَيِ اقْتَدَيْتُمْ بِهِ وَاتَّبَعْتُمُوهُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَيْ إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ عِلْمًا وَعَمَلًا (كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي) قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ عِتْرَةُ الرَّجُلِ أَهْلُ بَيْتِهِ وَرَهْطُهُ الْأَدْنَوْنَ وَلِاسْتِعْمَالِهِمُ الْعِتْرَةَ عَلَى أَنْحَاءَ كَثِيرَةٍ بَيَّنَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ أَهْلَ بَيْتِي لِيُعْلَمَ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ نَسْلَهُ وَعِصَابَتَهُ الْأَدْنَيْنَ وَأَزْوَاجَهُ انتهى قال القارىء وَالْمُرَادُ بِالْأَخْذِ بِهِمُ التَّمَسُّكُ بِمَحَبَّتِهِمْ وَمُحَافَظَةُ حُرْمَتِهِمْ وَالْعَمَلُ بِرِوَايَتِهِمْ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَقَالَتِهِمْ وَهُوَ لَا يُنَافِي أَخْذَ السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِهِمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كنتم لا تعلمون وقال بن الْمَلَكِ التَّمَسُّكُ بِالْكِتَابِ الْعَمَلُ بِمَا فِيهِ وَهُوَ الِائْتِمَارُ بِأَوَامِرِ اللَّهِ وَالِانْتِهَاءُ عَنْ نَوَاهِيهِ وَمَعْنَى التَّمَسُّكِ بِالْعِتْرَةِ مَحَبَّتُهُمْ وَالِاهْتِدَاءُ بِهَدْيِهِمْ وَسِيرَتِهِمْ زَادَ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لِلدِّينِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي سَعِيدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَحُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِيمَا بَعْدُ وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ فَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَفِيهِ زَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ مُنْكَرُ الحديث ووثقه بن حِبَّانَ وَبَقِيَّةُ رِجَالِ أَحَدِ الْإِسْنَادَيْنِ ثِقَاتٌ قَالَهُ الْهَيْثَمِيُّ قَوْلُهُ (وَزَيْدُ بْنُ الْحَسَنِ قَدْ رَوَى عَنْهُ سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ) سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ هذا هو الواسطي قوله حدثنا سفيان هو بن عيينة (عن كثير النواء) بفتح النون بتشديد الْوَاوِ مَمْدُودًا هُوَ كَثِيرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ضَعِيفٌ (عن إبن إِدْرِيسَ) الْمُرْهِبِيِّ (عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ نَجَبَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْكُوفِيِّ مُخَضْرَمٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ إِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ سَبْعَةَ نُجَبَاءَ بِإِضَافَةِ سَبْعَةٍ إِلَى نُجَبَاءَ وَهُوَ جَمْعُ نَجِيبٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ النَّجِيبُ الْفَاضِلُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ وَقَدْ نَجُبَ يَنْجُبُ نَجَابَةً إِذَا كَانَ فاضلا نفيسا في نوعهرفقاء جَمْعُ رَفِيقٍ وَهُوَ الْمُرَافِقُ (أَوْ قَالَ رُقَبَاءَ) أَيْ حَفَظَةً يَكُونُونَ مَعَهُ وَهُوَ جَمْعُ رَقِيبٍ وَأَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَأُعْطِيتُ أَنَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَيْ نَجِيبًا رَقِيبًا بِطَرِيقِ الضِّعْفِ تَفَضُّلًا (من هم) أي الأربعة عشرقال أَنَا قَالَ الطِّيبِيُّ فَاعِلُ قَالَ ضَمِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ضَمِيرُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْهُ نَقَلَهُ بِالْمَعْنَى أَيْ مَقُولُهُ أَنَا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَأَرْجَعَ صَاحِبُ أَشِعَّةِ اللُّمَعَاتِ ضَمِيرَ قَالَ إلا عَلِيٍّ حَيْثُ قَالَ كفت علي آن جهارده من وهر دويسر منوابناي أي الحسنانوجعفر أي أخو عليوحمزة بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَخْ) الواو لمطلق الجمع [3787] قَوْلُهُ (عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ رَبِيبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ

[3788] قَوْلُهُ (عَنْ عَطِيَّةَ) هُوَ الْعَوفِيُّ قَوْلُهُ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ (أَعْظَمُ مِنَ الْآخَرِ) وَهُوَ الْعِتْرَةُ (كِتَابَ اللَّهِ) بِالنَّصْبِ وَبِالرَّفْعِ (حَبْلٌ مَمْدُودٌ) أَيْ هُوَ حَبْلٌ مَمْدُودٌ وَمِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ يُوصِلُ الْعَبْدَ إِلَى رَبِّهِ وَيُتَوَسَّلُ بِهِ إِلَى قُرْبِهِ (وَعِتْرَتِي) أَيْ وَالثَّانِي عِتْرَتِي (أَهْلَ بَيْتِي) بَيَانٌ لِعِتْرَتِي قَالَ الطِّيبِيُّ فِي قَوْلِهِ إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ التَّوْأَمَيْنِ الْخِلْفَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ يُوصِي الْأُمَّةَ بِحُسْنِ الْمُخَالَقَةِ مَعَهُمَا وَإِيثَارِ حَقِّهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ كَمَا يُوصِي الْأَبُ الْمُشْفِقُ النَّاسَ فِي حَقِّ أَوْلَادِهِ وَيُعَضِّدُهُ مَا فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عِنْدَ مُسْلِمٍ أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي كَمَا يَقُولُ الْأَبُ الْمُشْفِقُ اللَّهَ اللَّهَ فِي حَقِّ أَوْلَادِي (وَلَنْ يَتَفَرَّقَا) أَيْ كِتَابُ اللَّهِ وَعِتْرَتِي فِي مَوَاقِفِ الْقِيَامَةِ (حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (الْحَوْضَ) أَيِ الْكَوْثَرَ يَعْنِي فَيَشْكُرَانِكُمْ صَنِيعَكُمْ عِنْدِي (فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِّي) بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَتُخَفَّفُ أَيْ كَيْفَ تَكُونُونَ بَعْدِي خُلَفَاءَ أَيْ عَامِلِينَ مُتَمَسِّكِينَ بِهِمَا قَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّ السِّرَّ فِي هَذِهِ التَّوْصِيَةِ وَاقْتِرَانَ الْعِتْرَةِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ إِيجَابَ مَحَبَّتِهِمْ لَائِحٌ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي القربى فَإِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ شُكْرَ إِنْعَامِهِ وَإِحْسَانِهِ بِالْقُرْآنِ مَنُوطًا بِمَحَبَّتِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوصِي الْأُمَّةَ بِقِيَامِ الشُّكْرِ وَقِيلَ تِلْكَ النِّعْمَةُ بِهِ وَيُحَذِّرُهُمْ عَنِ الْكُفْرَانِ فَمَنْ أَقَامَ بِالْوَصِيَّةِ وَشَكَرَ تِلْكَ الصَّنِيعَةَ بِحُسْنِ الْخِلَافَةِ فِيهِمَا لَنْ يَفْتَرِقَا فَلَا يُفَارِقَانِهِ فِي مَوَاطِنِ الْقِيَامَةِ وَمَشَاهِدِهَا حَتَّى يَرِدَ الْحَوْضَ فَشَكَرَا صَنِيعَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحِينَئِذٍ هُوَ بِنَفْسِهِ يُكَافِئُهُ وَاللَّهُ تَعَالَى يُجَازِيهِ بِالْجَزَاءِ الْأَوْفَى وَمَنْ أَضَاعَ الْوَصِيَّةَ وَكَفَرَ النِّعْمَةَ فَحُكْمُهُ عَلَى الْعَكْسِ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَسُنَ مَوْقِعُ قَوْلِهِ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا وَالنَّظَرُ بِمَعْنَى التَّأَمُّلِ وَالتَّفَكُّرِ أَيْ تَأَمَّلُوا وَاسْتَعْمِلُوا الرَّوِيَّةَ فِي اسْتِخْلَافِي إِيَّاكُمْ هَلْ تَكُونُونَ خَلْفَ صِدْقٍ أَوْ خَلْفَ سُوءٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَلَفْظُهُ أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثِقْلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي الْحَدِيثَ

قوله (أخبرنا سفيان) هو بن عيينة (عن كثير النواء) بفتح النون بتشديد الْوَاوِ مَمْدُودًا هُوَ كَثِيرُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ضَعِيفٌ (عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ) الْمُرْهِبِيِّ (عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ نَجَبَةَ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالْجِيمِ وَالْمُوَحَّدَةِ الْكُوفِيِّ مُخَضْرَمٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (إِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ أُعْطِيَ سَبْعَةَ نُجَبَاءَ) بِإِضَافَةِ سَبْعَةٍ إِلَى نُجَبَاءَ وَهُوَ جَمْعُ نَجِيبٍ قَالَ فِي النِّهَايَةِ النَّجِيبُ الْفَاضِلُ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ وَقَدْ نَجُبَ يَنْجُبُ نَجَابَةً إِذَا كَانَ فَاضِلًا نَفِيسًا فِي نَوْعِهِ (رُفَقَاءَ) جَمْعُ رَفِيقٍ وَهُوَ الْمُرَافِقُ (أَوْ قَالَ رُقَبَاءَ) أَيْ حَفَظَةً يَكُونُونَ مَعَهُ وَهُوَ جَمْعُ رَقِيبٍ وَأَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي (وَأُعْطِيتُ أَنَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ) أَيْ نَجِيبًا رَقِيبًا بِطَرِيقِ الضِّعْفِ تَفَضُّلًا (مَنْ هُمْ) أَيِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ (قَالَ أَنَا) قَالَ الطِّيبِيُّ فَاعِلُ قَالَ ضَمِيرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا ضَمِيرُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَعْنِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنْهُ نَقَلَهُ بِالْمَعْنَى أَيْ مَقُولُهُ أَنَا كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وأرجع صاحب أشعة اللمعات ضمير قال إلا عَلِيٍّ حَيْثُ قَالَ كفت علي آن جهارده من وهر دويسر من (وَابْنَايَ) أَيِ الْحَسَنَانِ (وَجَعْفَرٌ) أَيْ أَخُو عَلِيٍّ (وَحَمْزَةُ) بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ (وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ إِلَخْ) الْوَاوُ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ [3789] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ) السِّجِسْتَانِيُّ صَاحِبُ السُّنَنِ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيِّ) مَقْبُولٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) الْهَاشِمِيِّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ لَمْ يَثْبُتْ سَمَاعُهُ مِنْ جَدِّهِ قَوْلُهُ (لِمَا يَغْذُوكُمْ) أَيْ يَرْزُقُكُمْ بِهِ (مِنْ نِعَمِه) بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِ العين جمع نعمة وهو بيان لما (يحب اللَّهِ) وَفِي الْمِشْكَاةِ لِحُبِّ اللَّهِ أَيْ لِأَنَّ مَحْبُوبَ الْمَحْبُوبِ مَحْبُوبٌ

باب مناقب معاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبي بن كعب

(وَأَجِلُّوا أَهْلَ بَيْتِي بِحُبِّي) أَيْ إِيَّاهُمْ أَوْ لِحُبِّكُمْ إِيَّايَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ 4 - (بَاب مَنَاقِبِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ) وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَمَّا معاذ بن جبل فهو بن عُمَرَ بْنِ أَوْسٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ الْخَزْرَجِيُّ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَهِدَ بَدْرًا وَالْعَقَبَةَ وَكَانَ أَمِيرًا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْيَمَنِ وَرَجَعَ بَعْدَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الشَّامِ مُجَاهِدًا فَمَاتَ فِي طَاعُونِ عَمْوَاسَ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَأَمَّا زَيْدُ بْنُ ثابت فهو بن الضَّحَّاكِ بْنُ زَيْدِ بْنِ لَوْذَانَ مِنْ بَنِي مالك بن النجار الأنصاري النجاري المدني قسم رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وهو بن إِحْدَى عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَمِنْ أَصْحَابِ الْفَتْوَى تُوُفِّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ بِالْمَدِينَةِ وَأَمَّا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ فهو بن قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ النَّجَّارِيُّ يُكَنَّى أَبَا الْمُنْذِرِ وَأَبَا الطفيل كان من السابقين من الأنصار شهد الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَمَا بَعْدَهُمَا مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَمَّا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فَقَدْ تَقَدَّمَ تَرْجَمَتُهُ فِي مَنَاقِبِهِ [3790] قَوْلُهُ (أخبرنا حميد بن عبد الرحمن) هو الرؤاسي الْكُوفِيُّ (عَنْ دَاوُدَ الْعَطَّارِ) هُوَ دَاوُدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارُ قَوْلُهُ (أَرْحَمُ أُمَّتِي) أَيْ أَكْثَرُهُمْ رَحْمَةً (وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ) أَيْ أَقْوَاهُمْ فِي دِينِ اللَّهِ (وَأَفْرَضُهُمْ) أَيْ أَكْثَرُهُمْ عِلْمًا بِالْفَرَائِضِ (وَأَقْرَؤُهُمْ) أَيْ أَعْلَمُهُمْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ انتهى وأخرجه

أيضا أحمد في مسنده وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو قِلَابَةَ عَنْ أَنَسٍ إِلَخْ) أَخْرَجَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ بن ماجه [3792] قَوْلُهُ (قَالَ وَسَمَّانِي) أَيْ هَلْ نَصَّ عَلَيَّ بِاسْمِي أَوْ قَالَ اقْرَأَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ فَاخْتَرْتَنِي أَنْتَ فَلَمَّا قَالَ لَهُ نَعَمْ بَكَى إِمَّا فَرَحًا وَسُرُورًا بِذَلِكَ وَإِمَّا خُشُوعًا وَخَوْفًا مِنَ التَّقْصِيرِ فِي شُكْرِ تِلْكَ النِّعَمِ قال أبو عبيد المراض بالعراض عَلَى أُبَيٍّ لِيَتَعَلَّمَ أُبَيٌّ مِنْهُ الْقِرَاءَةَ وَيَتَثَبَّتَ فِيهَا وَلِيَكُونَ عَرْضُ الْقُرْآنِ سُنَّةً وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى فَضِيلَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَتَقَدُّمِهِ فِي حِفْظِ الْقُرْآنِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَسْتَذْكِرَ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا بِذَلِكَ الْعَرْضِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ أُبَيِّ كَعْبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَخْرَجَهُ الحاكم والطبراني [3794] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) هُوَ الْقَطَّانُ قَوْلُهُ (جَمَعَ الْقُرْآنَ) أَيِ اسْتَظْهَرَهُ حِفْظًا (عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ فِي زَمَانِهِ (أَرْبَعَةٌ) أَرَادَ أَنَسٌ بِالْأَرْبَعَةِ أَرْبَعَةً مِنْ رَهْطِهِ وَهُمُ الْخَزْرَجِيُّونَ إِذْ رُوِيَ أَنَّ جَمْعًا مِنَ الْمُهَاجِرِينَ أَيْضًا جَمَعُوا الْقُرْآنَ (وَأَبُو زَيْدٍ) اخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَقِيلَ أَوْسٌ وَقِيلَ ثَابِتُ بْنُ زَيْدٍ وَقِيلَ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَعُوَرِ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ وَيُرَجِّحُهُ قَوْلُ أَنَسٍ أَحَدُ عُمُومَتِي فَإِنَّهُ مِنْ قَبِيلَةِ بَنِي حَرَامٍ (أَحَدُ عُمُومَتِي) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ أَيْ أَحَدُ أَعْمَامِي قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَعَلَّقَ بِهِ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ فِي تَوَاتُرِ الْقُرْآنِ وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ غَيْرَ الْأَرْبَعَةِ لَمْ يَجْمَعْهُ فَقَدْ يَكُونُ مُرَادُهُ الَّذِينَ عَلِمَهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُهُمْ فَلَمْ يَنْفِهِمْ وَلَوْ نَفَاهُمْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْيَ عِلْمِهِ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ رَوَى غَيْرُ مُسْلِمٍ حِفْظَ جَمَاعَاتٍ مِنَ الصَّحَابَةِ

فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْهُ إِلَّا الْأَرْبَعَةُ لَمْ يَقْدَحْ فِي تَوَاتُرِهِ فَإِنَّ أَجْزَاءَهُ حَفِظَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ يَحْصُلُ التَّوَاتُرُ بِبَعْضِهِمْ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَنْقُلَ جَمِيعُهُمْ جَمِيعَهُ بَلْ إِذَا نَقَلَ كُلَّ جُزْءٍ عَدَدُ التَّوَاتُرِ صَارَتِ الْجُمْلَةُ مُتَوَاتِرَةً بِلَا شَكٍّ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا مُسْلِمٌ وَلَا مُلْحِدٌ انْتَهَى مُخْتَصَرًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي [3795] قَوْله (نِعْمَ الرَّجُلُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ) بِضَمِّ أولهما مصغرين بن سِمَاكَ بْنِ عَتِيكَ الْأَنْصَارِيُّ صَحَابِيٌّ جَلِيلٌ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدهَا مِنَ الْمَشَاهَدِ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَة عِشْرِينَ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ (نِعْمَ الرَّجُلُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ) بِمُعْجَمَةٍ وَمِيمٍ مُشَدَّدَةٍ وَآخِرُهُ مُهْمَلَةٌ أَنْصَارِيٌّ خَزْرَجِيٌّ خَطِيبُ الْأَنْصَارِ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ بَشَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ (نِعْمَ الرَّجُلُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَضَمِّ الميم أنصاري خزرجي شهد العقبة وبدرا وهو وَأَبُوهُ عَمْرٌو وَهُوَ الَّذِي قَتَلَ مَعَ مُعَاذِ بْنِ عَفْرَاءَ أَبَا جَهْلٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ [3796] قَولُهُ (عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي مَنَاقِبِ أَبِي عبيدة بن الجراح

باب مناقب سلمان الفارسي رضي الله عنه

95 - (بَاب مَنَاقِبِ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قِصَّتُهُ طَوِيلَةٌ مُلَخَّصُهَا أَنَّهُ هَرَبَ مِنْ أَبِيهِ لِطَلَبِ الْحَقِّ وَكَانَ مَجُوسِيًّا فَلَحِقَ بِرَاهِبٍ ثُمَّ بِرَاهِبٍ ثُمَّ بِآخَرَ وَكَانَ يَصْحَبُهُمْ إِلَى وَفَاتِهِمْ حَتَّى دَلَّهُ الْأَخِيرُ إِلَى الْحِجَازِ وَأَخْبَرَهُ بِظُهُورِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَصَدَهُ مَعَ بَعْضِ الْأَعْرَابِ فَغَدَرُوا بِهِ وَبَاعُوهُ فِي وَادِي الْقُرَى لِيَهُودِيٍّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْهُ يَهُودِيٌّ آخَرُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَى عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ أَسْلَمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَاتِبْ عَنْ نَفْسِكَ عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَقِيلَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَمَاتَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِالْمَدَائِنِ وَأَوَّلُ مُشَاهَدِهِ الْخَنْدَقُ [3797] قَوْلُهُ (عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ) بْنِ حَيٍّ الْهَمْدَانِيِّ (عَنِ الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ (إِنَّ الْجَنَّةَ تَشْتَاقُ إِلَى ثَلَاثَةٍ) الْمَقْصُودُ أَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَبَالَغَ فِيهِ قِيلَ الْمُرَادُ اشْتِيَاقُ أَهْلِ الجنة من الحوار وَالْغِلْمَانِ وَالْمَلَائِكَةِ كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ سَبِيلُ اشْتِيَاقِ الْجَنَّةِ إِلَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ سَبِيلُ اهْتِزَازِ الْعَرْشِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ 6 - (بَاب مَنَاقِبُ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ) وَكُنْيَتُهُ أَبُو الْيَقْظَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْمُ أُمِّهِ سُمَيَّةُ بِالْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا أَسْلَمَ هُوَ وَأَبُوهُ قَدِيمًا وَعُذِّبُوا لِأَجْلِ الْإِسْلَامِ وَقَتَلَ أَبُو جَهْلٍ أُمَّهُ فَكَانَتْ أَوَّلَ شَهِيدٍ فِي الْإِسْلَامِ وَمَاتَ أَبُوهُ قَدِيمًا وَعَاشَ هُوَ إِلَى أَنْ قُتِلَ بِصِفِّينَ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَانَ قَدْ وَلِيَ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْكُوفَةِ لِعُمَرَ فَلِهَذَا نَسَبَهُ أَبُو الدرداء إليها

[3798] قَوْلُهُ (مَرْحَبًا بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ) يُقَالُ مَرْحَبًا بِهِ أَيْ أَصَابَ رَحْبًا وَسَعَةً وَكُنِّيَ بِذَلِكَ عَنِ الِانْشِرَاحِ وَالْمُرَادُ بِالطَّيِّبِ الْمُطَيَّبِ الطَّاهِرُ الْمُطَهَّرُ وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ كَظِلٍّ ظَلِيلٍ وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ لَعَلَّهُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ جَوْهَرَ ذَاتِهِ ظَاهِرٌ طَيِّبٌ ثُمَّ طَيَّبَهُ وَهَذَّبَهُ الشَّرَائِعُ وَالْعَمَلُ بِهَا فَصَارَ نُورًا عَلَى نُورٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح) وأخرجه بن مَاجَهْ [3799] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سِيَاهٍ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ خَفِيفَةٌ الْأَسَدِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ يَتَشَيَّعُ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (مَا خُيِّرَ عَمَّارٌ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّخْيِيرِ أَيْ مَا جُعِلَ مُخَيَّرًا (إِلَّا اخْتَارَ أَرْشَدَهُمَا) أَيْ أَصْلَحَهُمَا وَأَصْوَبَهُمَا وَأَقْرَبَهُمَا إِلَى الْحَقِّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أشدهما أي أصعبهما قال القارىء قِيلَ هَذَا بِالنَّظَرِ إِلَى نَفْسِهِ فَلَا يُنَافِي رِوَايَةَ مَا اخْتِيرَ عَمَّارٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا فَإِنَّهُ بِالنَّظَرِ إِلَى غَيْرِهِ وَالْأَظْهَرُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ كَانَ يَخْتَارُ أَصْلَحَهُمَا وَأَصْوَبَهُمَا فِيمَا تَبَيَّنَ تَرْجِيحُهُ وَإِلَّا فَاخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا انْتَهَى قِيلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الرَّشَدَ مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خِلَافَتِهِ وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ أَخْطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّشَدِ لِأَنَّ عَمَّارًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اخْتَارَ مُوَافَقَةَ عَلِيٍّ وَكَانَ مَعَهُ يَوْمَ صِفِّينَ حَتَّى اسْتُشْهِدَ فِي ذَلِكَ الْحَرْبِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ [3799] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ) اللَّخْمِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ مَوْلًى لِرِبْعِيٍّ) اسْمُهُ هِلَالٌ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ هِلَالٌ مَوْلَى رِبْعِيٍّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (فَاقْتَدُوا بِالَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي وَأَشَارَ إِلَى أَبِي

بَكْرٍ وَعُمَرَ) تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا فِي مَنَاقِبِ أبي بكر (واهتدوا بهدي عمار) أي بن يَاسِرٍ وَالْهَدْيُ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ السِّيرَةُ وَالطَّرِيقَةُ وَالْمَعْنَى أَيْ سِيرُوا سِيرَتَهُ وَاخْتَارُوا طَرِيقَتَهُ وَكَأَنَّ الِاقْتِدَاءَ أَعَمُّ مِنَ الِاهْتِدَاءِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْقَوْلُ وَالْفِعْلُ بِخِلَافِ الِاهْتِدَاءِ فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بالفعل (وما حدثكم بن مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ) أَيْ صَدِّقُوا حَدِيثَهُ وَاعْتَقِدُوهُ صِدْقًا وَحَقًّا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى سَالِمٌ الْمُرَادِيُّ الْكُوفِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرَمٍ إِلَخْ) وَصَلَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي مناقب أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ [3800] قَوْلُهُ (أَبْشِرْ) بِصِيغَةِ الْأَمْرِ مِنَ الْإِبْشَارِ أَيْ سُرَّ وَاسْتَبْشِرْ (تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ) الْمُرَادُ بِالْفِئَةِ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ وَالْفِئَةُ الْجَمَاعَةُ وَالْبَاغِيَةُ هُمُ الَّذِينَ خَالَفُوا الْإِمَامَ وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَتِهِ بِتَأْوِيلٍ بَاطِلٍ وَأَصْلُ الْبَغْيِ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي قِصَّةِ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ وَيَقُولُ وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَإِنْ قِيلَ كَانَ قَتْلُهُ بِصِفِّينَ وَهُوَ مَعَ عَلِيٍّ وَالَّذِينَ قَتَلُوهُ مَعَ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فَكَيْفَ يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الدُّعَاءُ إِلَى النَّارِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ كَانُوا ظَانِّينَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى الْجَنَّةِ وَهُمْ مُجْتَهِدُونَ لَا لَوْمَ عَلَيْهِمْ فِي اتِّبَاعِ ظُنُونِهِمْ فَالْمُرَادُ بِالدُّعَاءِ إِلَى الْجَنَّةِ الدُّعَاءُ إِلَى سَبَبِهَا وَهُوَ طَاعَةُ الْإِمَامِ وَكَذَلِكَ كَانَ عَمَّارٌ يَدْعُوهُمْ إِلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ وَهُوَ الْإِمَامُ الْوَاجِبُ الطَّاعَةِ إِذْ ذَاكَ وَكَانُوا هُمْ يَدْعُونَ إِلَى خِلَافِ ذَلِكَ لَكِنَّهُمْ مَعْذُورُونَ لِلتَّأْوِيلِ الَّذِي ظَهَرَ لَهُمْ انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ إِلَخْ) قَالَ الحافظ روى حديث تقتل عمار الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ وَأُمُّ سَلَمَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ النَّسَائِيِّ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَحُذَيْفَةُ وَأَبُو أَيُّوبَ وَأَبُو

باب مناقب أبي ذر الغفاري رضي الله عنه

رَافِعٍ وَخُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ وَمُعَاوِيَةُ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَبُو الْيُسْرِ وَعَمَّارٌ نَفْسُهُ وَكُلُّهَا عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ وَغَالِبُ طُرُقِهَا صَحِيحَةٌ أَوْ حَسَنَةٌ وَفِيهِ عَنْ جَمَاعَةٍ آخَرِينَ يَطُولُ عَدَدُهُمْ انْتَهَى 7 - (باب مَنَاقِبُ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) اسْمُهُ جُنْدُبُ بْنُ جُنَادَةَ وَهُوَ مِنْ أَعْلَامِ الصَّحَابَةِ وَزُهَّادِهِمْ وَالْمُهَاجِرِينَ وَأَسْلَمَ قَدِيمًا بِمَكَّةَ يُقَالُ كَانَ خَامِسًا فِي الْإِسْلَامِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى قَوْمِهِ فَأَقَامَ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ ثُمَّ سَكَنَ الرَّبَذَةَ إِلَى أَنْ مَاتَ بِهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَكَانَ يَتَعَبَّدُ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [3801] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حَرْبِ بْنِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدِّيلِيِّ) الْبَصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَا أَظَلَّتِ) أَيْ عَلَى أَحَدٍ (الْخَضْرَاءُ) أَيِ السَّمَاءُ (وَلَا أَقَلَّتِ) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ حَمَلَتْ وَرَفَعَتْ (الْغَبْرَاءُ) أَيِ الْأَرْضُ (أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ) مَفْعُولُ أَقَلَّتْ وَصِفَةٌ لِلْأَحَدِ الْمُقَدَّرِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّنَازُعِ وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْحَصْرِ التَّأْكِيدُ وَالْمُبَالَغَةُ فِي صِدْقِهِ أَيْ هُوَ مَتْنَاهٍ فِي الصِّدْقِ لَا أَنَّهُ أَصْدَقُ مِنْ غَيْرِهِ مُطْلَقًا إِذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ أَبُو ذَرٍّ أَصْدَقُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ صِدِّيقُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَخَيْرُهَا بَعْدَ نَبِيِّهَا وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ وَغَيْرِهِ كَذَا قَالُوا قال القارىء وَفِيهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ مُسْتَثْنًى شَرْعًا وَأَمَّا الصِّدِّيقُ لِكَثْرَةِ تَصْدِيقِهِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ أَصْدَقَ فِي قَوْلِهِ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَقْرَؤُكُمْ أُبَيٌّ وأقضاكم علي ولا يدع أَنْ يَكُونَ فِي الْمَفْضُولِ مَا لَا يُوجَدُ فِي الْفَاضِلِ أَوْ يَشْتَرِكُ هُوَ وَالْأَفْضَلُ فِي صِفَةٍ مِنَ الصِّفَاتِ عَلَى وَجْهِ التَّسْوِيَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي ذَرٍّ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ [3802] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ) بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ (أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ مُوسَى الْجُرَشِيُّ (حدثني

أَبُو زُمَيْلٍ) اسْمُهُ سِمَاكُ بْنُ الْوَلِيدِ (عَنْ مَالِكِ بْنِ مَرْثَدِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزِّمَّانِيِّ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الزِّمَّانِيِّ بِكَسْرِ الزَّايِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مِنْ ذِي لَهْجَةٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ وَقِيلَ بِفَتْحَتَيْنِ وَهِيَ اللِّسَانُ وَقِيلَ طَرَفُهُ وَالْمَعْنَى مِنْ ذِي نُطْقٍ وَقِيلَ لَهْجَةُ اللِّسَانِ مَا يُنْطَقُ بِهِ أَيْ مِنْ صَاحِبِ كَلَامٍ وَكَلِمَةُ من زائدة (أصدق) أي أكثر صدق (وَلَا أَوْفَى) أَيْ بِكَلَامِهِ مِنَ الْوَعْدِ وَالْعَهْدِ (مِنْ أَبِي ذَرٍّ) أَيْ وَلَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ أَحَدًا ذَا لَهْجَةٍ وَصِدْقٍ وَلَا أَوْفَى بِكَلَامِهِ من أبي ذر (شبه عيسى بن مَرْيَمَ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ أَيْ شَبِيهَهُ وَفِي الِاسْتِيعَابِ مِنَ الْحَدِيثِ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى تواضع عيسى بن مَرْيَمَ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ انْتَهَى فَالتَّشْبِيهُ يكون من جهة التواضع قاله القارىء قُلْتُ حَدِيثُ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى تواضع عيسى بن مَرْيَمَ فَلْيُنْظَرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ قَوْلُهُ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِي ذَرٍّ فَإِنَّهُ فِي مَزِيدِ التَّوَاضُعِ وَلِينِ الْجَانِبِ وَخَفْضِ الْجَنَاحِ يَقْرُبُ مِنْهُ (فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ كَالْحَاسِدِ) أَيْ عَلَى طَرِيقَةِ الْغِبْطَةِ (أَفَتَعْرِفُ) مِنَ التَّعْرِيفِ (ذَلِكَ) أَيْ مَا ذَكَرْتَ مِنْ مَنْقَبَتِهِ (لَهُ) أَيْ لِأَبِي ذَرٍّ وَالْمَعْنَى هَلْ تَعْلَمَنَّ ذَلِكَ لَهُ (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَعَمْ) أَيْ أُعْلِمُكُمْ ذَلِكَ لَهُ (فَاعْرِفُوهُ) أَيْ فَاعْلَمُوهُ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ قَوْلُهُ أَصْدَقُ مِنْ أَبِي ذَرٍّ مُبَالَغَةٌ فِي صِدْقِهِ لَا أَنَّهُ أَصْدَقُ مِنْ كُلٍّ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيَكُونُ عَامًّا قَدْ خُصَّ قَالَ الطِّيبِيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَذْهَبُ إِلَى التَّوْرِيَةِ وَالْمَعَارِيضِ فِي الْكَلَامِ فَلَا يُرْخِي عِنَانَ كَلَامِهِ وَلَا يُحَابِي مَعَ النَّاسِ وَلَا يُسَامِحُهُمْ وَيُظْهِرُ الْحَقَّ الْبَحْتَ وَالصِّدْقَ الْمَحْضَ وَمِنْ ثَمَّةَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا أَوْفَى أَيْ يُوَفِّي حَقَّ الْكَلَامِ إِيفَاءً لَا يُغَادِرُ شَيْئًا مِنْهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ مَيْرَك هُوَ حَدِيثٌ رجالة موثوقون قَوْلُهُ (فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ يَمْشِي فِي الْأَرْضِ بزهد عيسى بن مريم) قال القارىء وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مُتَوَاضِعًا وَزَاهِدًا بل الزهد هو الموجب للتواضع

باب مناقب عبد الله بن سلام رضي الله عنه

98 - (بَاب مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رَضِيَ الله عنه) [3803] قوله (عن بن أَخِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ لَمَّا أُرِيدَ قَتْلُ عُثْمَانَ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْقَافِ [3804] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ) بْنُ سَعْدٍ (عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ) بْنِ حُدَيْرٍ الْحَضْرَمِيِّ الْحِمْصِيِّ (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ) الدِّمَشْقِيِّ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمِيرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْحِمْصِيِّ الزُّبَيْدِيِّ أَوِ الْكِنْدِيِّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ) كُنْيَةُ مُعَاذٍ (إِنَّ الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ مَكَانَهُمَا) أَيْ فِي

باب مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

مَكَانِهِمَا (مَنِ ابْتَغَاهُمَا) أَيْ طَلَبَهُمَا (وَالْتَمِسُوا الْعِلْمَ) أَيِ اطْلُبُوهُ أَوِ الْمُرَادُ مِنَ الْعِلْمِ عِلْمُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ (عِنْدَ أَرْبَعَةِ رَهْطٍ) أَيْ نَفَرٍ وَالرَّهْطُ مَا دُونَ الْعَشَرَةِ مِنَ الرِّجَالِ لَا يَكُونُ فِيهِمُ امْرَأَةٌ (عِنْدَ عُوَيْمِرٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْوَاوِ مُصَغَّرًا اسْمُ أَبِي الدَّرْدَاءِ (الَّذِي كَانَ يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ قَالَ الطِّيبِيُّ لَيْسَ بِصِفَةٍ مُمَيِّزَةٍ لِعَبْدِ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَا يُشَارِكُ فِي اسْمِهِ غَيْرُهُ بَلْ هُوَ مَدْحٌ لَهُ فِي التَّوْصِيَةِ بِالْتِمَاسِ الْعِلْمِ مِنْهُ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ (إِنَّهُ) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ (عَاشِرُ عَشَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ) أَيْ مِثْلُ عَاشِرِ عَشَرَةٍ وَنَحْوُهُ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِذْ لَيْسَ هُوَ مِنَ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرَةِ كَذَا ذَكَرَهُ مَيْرَكُ وَهُوَ قَوْلُ الطِّيبِيِّ أَوِ الْمَعْنَى يَدْخُلُ بَعْدَ تِسْعَةِ نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي الْجَنَّةِ ذَكَرَهُ السَّيِّدُ جَمَالُ الدِّينِ قَالَ القارىء وَفِيهِ أَنْ يَلْزَمَ تَقَدُّمُهُ عَلَى بَعْضِ الْعَشَرَةِ فَلَعَلَّهُ الْعَاشِرُ مِنَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنَ الْيَهُودِ أَوْ مِمَّا عَدَا الْعَشَرَةَ الْمُبَشَّرَةَ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بَعْدَ تِسْعَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ وَفِيهِ عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَةَ وَفِيهِ خِلَافٌ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِمْ رِجَالُ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ 9 - (بَاب مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ غَافِلِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ شَمْخِ بْنِ هُذَيْلٍ أَبُو عَبْدِ الرحمن الهذلي وأمه أم عبد بنت عبدود بْنِ سَوَا مِنْ هُذَيْلٍ أَيْضًا أَسْلَمَتْ وَصَحِبَتْ فَلِذَلِكَ نُسِبَ إِلَيْهَا أَحْيَانًا وَمَاتَ أَبُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ هُوَ مِنَ السَّابِقِينَ وَقَدْ رَوَى بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِهِ أَنَّهُ كَانَ سَادِسَ سِتَّةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَهَاجَرَ الْهِجْرَتَيْنِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَلِيَ بَيْتَ الْمَالِ بِالْكُوفَةِ لِعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَقَدِمَ فِي أَوَاخِرِ عُمُرِهِ الْمَدِينَةَ وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقَدْ جَاوَزَ السِّتِّينَ وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ وَمِمَّنِ انْتَشَرَ عِلْمُهُ بِكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ وَالْآخِذِينَ عَنْهُ [3805] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ) الْحَضْرَمِيُّ أَبُو إِسْحَاقَ

الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ (حَدَّثَنِي أَبِي) هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى مَتْرُوكٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ يَحْيَى بْنُ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ بِالتَّصْغِيرِ الْحَضْرَمِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ مَتْرُوكٌ وَكَانَ شِيعِيًّا مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ بن مَسْعُودٍ) أَيْ بِوَصِيَّتِهِ وَفِي الْمِشْكَاةِ وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ بْنِ أُمِّ عَبْدٍ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ يُرِيدُ عَهْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ مَا يَعْهَدُ إِلَيْهِ فَيُوصِيهِمْ بِهِ وَأَرَى أَشْبَهَ الْأَشْيَاءِ بِمَا يُرَادُ مِنْ عَهْدِهِ أَمْرَ الْخِلَافَةِ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ شَهِدَ بِصِحَّتِهَا وَأَشَارَ إِلَى اسْتِقَامَتِهَا مِنْ أَفَاضِلِ الصَّحَابَةِ وَأَقَامَ عَلَيْهَا الدَّلِيلَ فَقَالَ لَا نُؤَخِّرُ مَنْ قَدَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا نَرْضَى لِدُنْيَانَا مَنِ ارْتَضَاهُ لِدِينِنَا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى الْمُنَاسَبَةُ الْوَاقِعَةُ بَيْنَ أَوَّلِ الْحَدِيثِ وَآخِرِهِ فَفِي أَوَّلِهِ اقْتَدُوا بِالَّذِينَ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَفِي آخره وتمسكوا بعهد بن أُمِّ عَبْدٍ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَمَا حدثكم بن مَسْعُودٍ فَصَدِّقُوهُ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا أُسِرَ إليه من أم الْخِلَافَةِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ الِاسْتِدْرَاكُ الَّذِي أَوْصَلَهُ بِحَدِيثِ الْخِلَافَةِ فَقَالَ لَوِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ فَعَصَيْتُمُوهُ عُذِّبْتُمْ وَلَكِنْ مَا حَدَّثَكُمْ حُذَيْفَةُ فَصَدِّقُوهُ وَحُذَيْفَةُ هُوَ الَّذِي يَرْوِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْتَدُوا بِالَّذِينَ مِنْ بَعْدِي وَلَمْ أَرَ فِي التَّعْرِيضِ بِالْخِلَافَةِ فِي سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْضَحَ مِنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَلَا أَصَحَّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (وَأَبُو الزَّعْرَاءِ) بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالرَّاءِ (اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَانِئٍ) فِي التَّقْرِيبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَانِئٍ أَبُو الزَّعْرَاءِ الْأَكْبَرُ الْكُوفِيُّ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ مِنَ الثَّانِيَةِ (اسْمُهُ عَمْرُو بْنُ عَمْرٍو) فِي التقريب عمرو بن عمرو أو بن عَامِرِ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ الْجُشَمِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَبُو الزَّعْرَاءِ بِفَتْحِ الزَّايِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ انْتَهَى وَيُقَالُ لَهُ أَبُو الزَّعْرَاءِ الْأَصْغَرِ وَهُوَ يَرْوِي عَنْ عَمِّهِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَعِكْرِمَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ (وَهُوَ) أي أبو الزعراء عمرو بن عمرو (بن أَخِي أَبِي الْأَحْوَصِ) اسْمُ أَبِي الْأَحْوَصِ هَذَا عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ الْجُشَمِيُّ (صَاحِبِ بن مَسْعُودٍ) أَيْ تِلْمِيذِهُ وَهُوَ بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ أبي الأحوص

[3806] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ يُوسُفَ بْنَ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ (سَمِعَ أَبَا مُوسَى) أَيِ الْأَشْعَرِيَّ (لَقَدْ قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي) كَانَ لِأَبِي مُوسَى أَخَوَانِ أَبُو رُهْمٍ وَأَبُو بُرْدَةَ وَقِيلَ أَنَّ لَهُ أَخًا آخَرَ اسْمُهُ مُحَمَّدٌ وَأَشْهَرُهُمْ أَبُو بُرْدَةَ وَاسْمُهُ عَامِرٌ وَقَدْ خَرَّجَ عَنْهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ حَدِيثًا (وَمَا نُرَى) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ لأنظن (حِينًا) أَيْ زَمَانًا وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْمَنَاقِبِ فَمَكَثْنَا حِينًا مَا نُرَى (لِمَا نَرَى مِنْ دُخُولِهِ إِلَخْ) اللَّامُ فِيهِ لِلتَّعْلِيلِ وَكَلِمَةُ مَا مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ لِأَجْلِ رُؤْيَتِنَا مِنْ دُخُولِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَدُخُولِ أُمِّهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِيَّتِهِ بِمُلَازَمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى فَضْلِهِ وَخَيْرِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي (وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) أَخْرَجَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ [3807] قَوْلُهُ (أخبرنا إسرائيل) هو بْنِ يُونُسَ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) السَّبِيعِيِّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ) بْنِ قَيْسٍ النَّخَعِيِّ الْكُوفِيِّ قَوْلُهُ (حَدِّثْنَا بِأَقْرَبِ النَّاسِ) أَيْ أَخْبِرْنَا بِرَجُلٍ أَقْرَبِ النَّاسِ (هَدْيًا) بِفَتْحِ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ أَيْ طَرِيقَةً وَسِيرَةً (وَدَلًّا) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ سِيرَةً وَحَالَةً وَهَيْئَةً وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِمَّا يَدُلُّ ظَاهِرُ حَالِهِ عَلَى حُسْنِ فِعَالِهِ (وَسَمْتًا) السَّمْتُ بِفَتْحِ السِّينِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَهُوَ الْهَيْئَةُ الْحَسَنَةُ (حَتَّى يَتَوَارَى مِنَّا) يُرِيدُ أَنَّا نَشْهَدُ مَا يَسْتَبِينُ لَنَا مِنْ ظاهر حاله ولا ندري وما بَطَنَ لَهُ قَالَ ذَلِكَ مِنْ غَايَةِ اسْتِغْرَابِ طَرِيقَتِهِ وَحَالِهِ وَحُسْنِهِ وَكَمَالِهِ (وَلَقَدْ عَلِمَ الْمَحْفُوظُونَ) أَيِ الَّذِينَ حَفِظَهُمُ اللَّهُ مِنْ تَحْرِيفٍ فِي قول أو فعل (أن بن أُمِّ عَبْدٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَكَانَتْ أُمُّهُ تُكَنَّى أُمَّ عَبْدٍ (مِنْ أَقْرَبِهِمْ) أَيْ مِنْ أَقْرَبِ النَّاسِ (زُلْفًا) كَذَا فِي النسخ الحاضرة

زُلْفًا بِالْأَلِفِ وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ زُلْفَى بِالْيَاءِ وَهُوَ اسْمُ مَصْدَرٍ بِوَزْنِ قُرْبَى وَمَعْنَاهُ أَيْ هُوَ مِنْ أَقْرَبِهِمْ إِلَيْهِ تَعَالَى قُرْبَةً قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ [3808] قوله (حدثنا زهير) هو بن مُعَاوِيَةَ (أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ) بْنُ الْمُعْتَمِرِ (عَنْ أَبِي إسحاق) السبيعي (عن الحارث) هو بن عَبْدِ اللَّهِ الْأَعْوَرُ [3809] قَوْلُهُ (لَوْ كُنْتُ مُؤَمِّرًا) بتشديد الميم المكسورة أي عاجل أَحَدًا أَمِيرًا (مِنْ غَيْرِ مَشْوَرَةٍ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْ كُنْتُ مُؤَمِّرًا عَلَى أُمَّتِي أَحَدًا مِنْ غَيْرِ مَشْوَرَةٍ مِنْهُمْ لأمرت عليهم بن أُمِّ عَبْدٍ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَمِنْ أَيِّ وَجْهٍ روى هذا الحديث فلا بد أن يأول عَلَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِهِ تَأْمِيرَهُ عَلَى جَيْشٍ بِعَيْنِهِ أَوِ اسْتِخْلَافَهُ فِي أَمْرٍ مِنْ أُمُورِهِ حَالَ حَيَاتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ بِمَكَانٍ وَلَهُ الْفَضَائِلُ الْجَمَّةُ وَالسَّوَابِقُ الْجُلَّةُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَدْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ إِلَّا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْحَارِثُ فِيهِ ضَعْفٌ كَمَا مَرَّ مِرَارًا [3810] قَوْلُهُ (خُذُوا الْقُرْآنَ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ استقرءوا القرآن أي أطلبوا القراءة (من بن مَسْعُودٍ إِلَخْ) بَيَانٌ لِلْأَرْبَعَةِ وَتَخْصِيصُ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ بِأَخْذِ الْقُرْآنِ عَنْهُمْ إِمَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ ضَبْطًا لَهُ وَأَتْقَنَ لِأَدَائِهِ أَوْ لِأَنَّهُمْ تَفَرَّغُوا لِأَخْذِهِ مِنْهُ مُشَافَهَةً وَتَصَدَّوْا لِأَدَائِهِ مِنْ بَعْدِهِ فَلِذَلِكَ نَدَبَ إِلَى الْأَخْذِ

عَنْهُمْ لَا أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْهُ غَيْرُهُمْ قَالَهُ الْحَافِظُ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ هَذَا هُوَ سَالِمُ بْنُ مَعْقِلٍ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَارِسَ مِنْ إِصْطَخْرَ وَكَانَ مِنَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ وَقَدْ أُشِيرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى أَنَّهُ كَانَ عَارِفًا بِالْقُرْآنِ وَكَانَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ بِقُبَاءَ لَمَّا قَدِمُوا مِنْ مَكَّةَ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا وَكَانَ مَوْلًى لِامْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ فَتَبَنَّاهُ أَبُو حُذَيْفَةَ لَمَّا تَزَوَّجَهَا فَنُسِبَ إِلَيْهِ وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ وأما مولاه أبو حذيفة فهو بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَكَانَ مِنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُتِلَ أَبُوهُ يَوْمَئِذٍ كَافِرًا فَسَاءَهُ ذَلِكَ فَقَالَ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يسلم كما كُنْتُ أَرَى مِنْ عَقْلِهِ وَاسْتُشْهِدَ بِالْيَمَامَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي [3811] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَخْلَدٍ) الْعِجْلِيُّ الْبَصْرِيُّ القزاز ثقة من العاشرة (حدثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامِ) بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الدَّسْتُوَائِيُّ الْبَصْرِيُّ (حَدَّثَنِي أَبِي) أَيْ هِشَامُ الدَّسْتُوَائِيُّ (عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ) فِي التَّقْرِيبِ خَيْثَمَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبِي سَبْرَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ الْجُعْفِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ وَكَانَ يُرْسِلُ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَنْ يُيَسِّرَ) مِنَ التَّيْسِيرِ أَيْ يُسَهِّلَ (جَلِيسًا صَالِحًا) أَيْ مُجَالِسًا يَصْلُحُ أَنْ يُجْلَسَ مَعَهُ وَيُسْتَفَادَ مِنَ الْمُجَالَسَةِ (فَوُفِّقْتُ) بِضَمِّ الْوَاوِ وَبِكَسْرِ الْفَاءِ الْمُشَدَّدَةِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ أَيْ جُعِلْتَ وَفْقًا لَنَا وَهُوَ مِنَ الْمُوَافَقَةِ الَّتِي هِيَ كَالِالْتِحَامِ يُقَالُ أَتَانَا لِتِيفَاقِ الْهِلَالِ وَمِيفَاقِهِ أَيْ حِينَ أَهَلَّ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَهِيَ نُقْطَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِ الاجتماع والالتيام قَالَهُ النَّوَوِيُّ (أَلْتَمِسُ الْخَيْرَ) أَيِ الْعِلْمَ الْمَقْرُونَ بِالْعَمَلِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُمَا بِالْحِكْمَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ فِيهَا وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كثيرا وَقَدْ يُقَالُ لَا خَيْرَ خَيْرٌ مِنْهُ أَوْ لَا خَيْرَ غَيْرُهُ (وَأَطْلُبُهُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ (أَلَيْسَ فِيكُمْ) أَيْ فِي بَلَدِكُمْ (سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ) هُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ (مُجَابُ الدَّعْوَةِ) قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَبَيَانُ إِجَابَةِ دَعْوَتِهِ فِي مَنَاقِبِهِ (صَاحِبُ طَهُورِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِفَتْحِ الطَّاءِ أَيْ مَا يُطَهَّرُ بِهِ فَإِنَّهُ كَانَ صَاحِبَ مَطْهَرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَعْلَيْهِ وَكَذَا صَاحِبَ وِسَادَتِهِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ خِدْمَتِهِ وَقُرْبِهِ (وَحُذَيْفَةُ صاحب سر

رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْمُرَادُ بِالسِّرِّ مَا أَعْلَمَهُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمُورًا مِنْ أَحْوَالِ الْمُنَافِقِينَ وَأُمُورًا مِنَ الَّذِي يَجْرِي بَيْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِيمَا بَعْدَهُ وَجَعَلَ ذَلِكَ سِرًّا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ (وَعَمَّارٌ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ عَلَى لِسَانِ نبيه) قال بن التِّينِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْحَ عَمَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ قَالَ الْحَافِظُ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ حَدِيثَ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا مَا خُيِّرَ عَمَّارٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَرْشَدَهُمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ ولأحمد من حديث بن مَسْعُودٍ مِثْلُهُ أَخْرَجَهُمَا الْحَاكِمُ فَكَوْنُهُ يَخْتَارُ أَرْشَدَ الْأَمْرَيْنِ دَائِمًا يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ الَّذِي مِنْ شَأْنِهِ الْأَمْرُ بِالْغَيِّ وَلِابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ عَمَّارٌ نَزَلْنَا مَنْزِلًا فَأَخَذْتُ قِرْبَتِي وَدَلْوِي لِأَسْتَقِيَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَأْتِيكَ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنَ الْمَاءِ فَلَمَّا كُنْتُ عَلَى رَأْسِ الْمَاءِ إِذَا رَجُلٌ أَسْوَدُ كَأَنَّهُ عِرْسٌ فَصَرَعْتُهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ الشَّيْطَانُ فَلَعَلَّ بن مَسْعُودٍ أَشَارَ إِلَى هَذِهِ الْقِصَّةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ بِالْإِجَارَةِ الْمَذْكُورَةِ إِلَى ثَبَاتِهِ عَلَى الْإِيمَانِ لَمَّا أَكْرَهَهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى النُّطْقِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ فَنَزَلَتْ فِيهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مطمئن بالإيمان (وَسَلْمَانُ صَاحِبُ الْكِتَابَيْنِ) سَلْمَانُ هَذَا هُوَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَيُقَالُ سَلْمَانُ الْخَيْرِ وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابَيْنِ الْإِنْجِيلُ وَالْقُرْآنُ فَإِنَّهُ آمَنَ بِالْإِنْجِيلِ قَبْلَ نُزُولِ الْقُرْآنِ وَعَمِلَ بِهِ ثُمَّ آمَنَ بِالْقُرْآنِ أَيْضًا تَنْبِيهٌ تَوَارَدَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فِي وَصْفِ الْمَذْكُورِيْنَ غَيْرَ سَلْمَانَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ فَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ عَلْقَمَةَ قَالَ قَدِمْتُ الشَّامَ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قُلْتُ اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَأَتَيْتُ قَوْمًا فَجَلَسْتُ إِلَيْهِمْ فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَى جَنْبِي قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا أبو الدرداء قلت إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَيَسَّرَكَ لِي قَالَ مِمَّنْ أَنْتَ قُلْتُ من أهل الكوفة قال أو ليس عندكم بن أم عبد صاحب النعلين والوسادة والمطهرة أو ليس فِيكُمُ الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ يَعْنِي عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو ليس فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ غَيْرَهُ ثُمَّ قَالَ كَيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللَّهِ وَاللَّيْلِ إِذَا يغشى الحديث

باب مناقب حذيفة بن اليمان رضي الله عنه

100 - (بَاب مَنَاقِبِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هُوَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَمْرٍو الْعَبْسِيُّ بِالْمُوَحَّدَةِ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مِنَ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَ وَهُوَ مِنَ الْقُدَمَاءِ في الإسلام ولي بعض أمور الكوفة لعمرو ولي إِمْرَةَ الْمَدَائِنِ وَمَاتَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ بِيَسِيرٍ بِهَا [3812] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى) هُوَ بن الطَّبَّاعِ (عَنْ أَبِي الْيَقْظَانِ) اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ الْبَجَلِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ زَاذَانَ) كُنْيَتُهُ أَبُو عمر الكندي الكوفي قوله (قالوا) أَيْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ بَعْدَ امْتِنَاعِهِ مِنَ الِاسْتِخْلَافِ (لَوِ اسْتَخْلَفْتُ) قَالَ الطِّيبِيُّ لَوْ هَذِهِ لِلتَّمَنِّي أَيْ لَيْتَنَا أَوِ الِامْتِنَاعِيَّةُ وَجَوَابُهُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَكَانَ خَيْرًا (إِنِ اسْتَخْلَفْتُ عَلَيْكُمْ) أَيْ أَحَدًا (فَعَصَيْتُمُوهُ) أَيِ اسْتِخْلَافِي أَوْ مُسْتَخْلَفِي (عُذِّبْتُمْ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّعْذِيبِ قَالَ الطِّيبِيُّ عُذِّبْتُمْ جَوَابُ الشَّرْطِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَأْنَفًا وَالْجَوَابُ فَعَصَيْتُمُوهُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ لِمَا يَلْزَمُ مِنَ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الِاسْتِخْلَافُ سَبَبًا لِلْعِصْيَانِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ الْمُسْتَعْقِبَ لِلْعِصْيَانِ سَبَبٌ لِلْعَذَابِ وَقَوْلُهُ وَلَكِنْ مَا حَدَّثَكُمْ حُذَيْفَةُ فَصَدِّقُوهُ وَمَا أَقْرَأَكُمْ عَبْدُ اللَّهِ أي بن مسعود فاقرؤوه مِنَ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْجَوَابِ كَأَنَّهُ قِيلَ لَا يَهُمُّكُمُ اسْتِخْلَافِي فَدَعُوهُ وَلَكِنْ يَهُمُّكُمُ الْعَمَلُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَتَمَسَّكُوا بِهِمَا وَخَصَّ حُذَيْفَةَ لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ سِرِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُنْذِرَهُمْ مِنَ الْفِتَنِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ لِأَنَّهُ كَانَ منذرهم من الأمور الأخروية وقال القارىء الْأَظْهَرُ أَنَّهُ اسْتِدْرَاكٌ مِنْ مَفْهُومِ مَا قَبْلَهُ وَالْمَعْنَى مَا أَسْتَخْلِفُ عَلَيْكُمْ أَحَدًا وَلَكِنْ إِلَخْ ثُمَّ وَجْهُ اخْتِصَاصِهِمَا بِهَذَا الْمَقَامِ أَنَّهُمَا شَاهِدَانِ عَلَى خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى الْخِلَافَةِ دُونَ الْعِبَادَةِ لِئَلَّا يَتَرَتَّبَ عَلَى الثَّانِي شَيْءٌ مِنَ الْمَعْصِيَةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّعْذِيبِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَبْقَى لِلِاجْتِهَادِ مَجَالٌ انْتَهَى كلام القارىء قلت أشار القارىء بِقَوْلِهِ (عَلَى مَا تَقَدَّمَ) إِلَى مَا ذَكَرْنَا في شرح حديث بن مَسْعُودٍ فِي مَنَاقِبِهِ قَوْلُهُ (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ) أي بن عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ الْمَذْكُورُ (يَقُولُونَ هَذَا عَنْ أَبِي وَائِلٍ) أَيْ يَقُولُونَ هَذَا الْحَدِيثُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ (قَالَ) أَيْ إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى (لَا) أَيْ لَيْسَ

الْأَمْرُ كَمَا يَقُولُونَ (عَنْ زَاذَانَ) أَيْ بَلْ هُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ زَاذَانَ عَنْ حُذَيْفَةَ وَأَبُو وَائِلٍ هَذَا هُوَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَسَدِيُّ الكوفي 01 - مناقب زيد بن حارثة رضي الله عنه هُوَ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مِنَ بَنِي كَلْبٍ أُسِرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاشْتَرَاهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ لِعَمَّتِهِ خَدِيجَةَ فَاسْتَوْهَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا ذَكَرَ قِصَّتَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ وَأَنَّ أباه وعمه أتيا مكة فوجداه فطلبا يَفْدِيَاهُ فَخَيَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيْهِمَا أَوْ يَثْبُتَ عِنْدَهُ فَاخْتَارَ أَنْ يَبْقَى عِنْدَهُ وَاسْتُشْهِدَ فِي غَزْوَةِ مؤتة [3813] قوله (حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ) هُوَ الْبُرْسَانِيُّ الْبَصْرِيُّ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الْعَدَوِيِّ (عَنْ عُمَرَ) بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنَّهُ فَرَضَ) أَيْ قدر في إمارته وظيفة (لأسامة) أي بن زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ (فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَخَمْسِمِائَةٍ) أَيْ مِنْ أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ رِزْقًا لَهُ (فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ) أَيْ بِنَقْصِ خَمْسِمِائَةٍ مِنْ وَظِيفَةِ أُسَامَةَ (لِمَ فَضَّلْتَ أُسَامَةَ عَلَيَّ) أَيْ فِي الْوَظِيفَةِ الْمُشْعِرَةِ بِزِيَادَةِ الْفَضِيلَةِ (مَا سَبَقَنِي إِلَى مَشْهَدٍ) أَرَادَ بِالْمَشْهَدِ مَشْهَدَ الْقِتَالِ وَمَعْرَكَةَ الْكُفَّارِ (لِأَنَّ زَيْدًا) أَيْ وَالِدَ أُسَامَةَ (مِنْ أَبِيكَ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ أَحَدٍ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ (فَآثَرْتُ) مِنَ الْإِيثَارِ أَيِ اخْتَرْتُ (حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَقَدْ يُضَمُّ أَيْ مَحْبُوبَهُ (عَلَى حِبِّي) أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مُلَاحَظَةِ الْفَضِيلَةِ بَلْ رِعَايَةً لِجَانِبِ الْمَحَبَّةِ وَإِيثَارًا لِلْمَوَدَّةِ وَمُخَالَفَةً لِمَا تَشْتَهِيهِ النَّفْسُ مِنْ مَزِيَّةِ الزِّيَادَةِ الظَّاهِرَةِ

[3814] قَوْلُهُ (قَالَ مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ [3815] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَخْلَدٍ) الْعِجْلِيُّ الْبَصْرِيُّ الْقَزَّازُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بن عمر بن الرُّومِيِّ) الْبَاهِلِيُّ الْبَصْرِيُّ (عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ) اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ إِيَاسٍ الْكُوفِيُّ (أَخْبَرَنِي جَبَلَةُ) بِجِيمٍ وَمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ (بْنُ حَارِثَةَ) الْكَلْبِيُّ أَخُو زَيْدٍ صَحَابِيٌّ قَوْلُهُ (ابْعَثْ) أَيْ أَرْسِلْ (زَيْدًا) بدل من أخي (هوذا) هُوَ عَائِدٌ إِلَى زَيْدٍ وَذَا إِشَارَةٌ إِلَيْهِ أَيْ هُوَ حَاضِرٌ مُخَيَّرٌ (لَمْ أَمْنَعْهُ) أَيْ فَإِنِّي أَعْتَقْتُهُ (لَا أَخْتَارُ عَلَيْكَ) أَيْ عَلَى مُلَازَمَتِكَ (قَالَ) أَيْ جَبَلَةُ (فَرَأَيْتُ) أَيْ تَعَلَّمْتُ بَعْدَ ذَلِكَ (رَأْيَ أَخِي) أَيْ زَيْدٍ (أَفْضَلَ مِنْ رَأْيِي) حَيْثُ اخْتَارَ الْمُلَازَمَةَ لِحَضْرَةِ الْمُتَفَرِّعِ عَلَيْهِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ [3816] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الحسن) بن جنيدب الترمذي (حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) الْقَعْنَبِيُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْعَدَوِيِّ قَوْلُهُ (بَعَثَ بَعْثًا) أَيْ أَرْسَلَ جَيْشًا وَهُوَ الْبَعْثُ الَّذِي أَمَرَ بتجهيزه في مرض وفاته وقال أنفذ وأبعث أُسَامَةَ فَأَنْفَذَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَهُ قَالَهُ الْحَافِظُ (وَأَمَّرَ) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ جَعَلَ أَمِيرًا (فَطَعَنَ النَّاسُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ يُقَالُ طَعَنَ يَطْعَنُ بِالْفَتْحِ فِي الْعِرْضِ وَالنَّسَبِ وَبِالضَّمِّ بِالرُّمْحِ وَالْيَدِ وَيُقَالُ هُمَا لُغَتَانِ فِيهِمَا (فِي إِمْرَتِهِ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ أَيْ فِي إِمَارَتِهِ (فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ) يُشِيرُ إِلَى إِمَارَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ وَعِنْدَ النَّسَائِيِّ عَنْ

باب مناقب أسامة بن زيد رضي الله عنه

عَائِشَةَ قَالَتْ مَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي جَيْشٍ قَطُّ إِلَّا أَمَّرَهُ عَلَيْهِمْ (وَايْمُ اللَّهِ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَقِيلَ قَطْعٍ أَيْ وَاللَّهِ (إِنْ) مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ أَيِ الشَّأْنُ (كَانَ) أَيْ أَبُوهُ (لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ) أَيْ لَجَدِيرًا وَحَقِيقًا لَهَا لِفَضْلِهِ وَسَبْقِهِ وَقُرْبِهِ مِنِّي (وَإِنْ كَانَ) أَيْ أبوه وإن هَذِهِ أَيْضًا مُخَفَّفَةٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ (وَإِنَّ هَذَا) أَيْ أُسَامَةَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ أَبِيهِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَفِيهِ جَوَازُ إِمَارَةِ الْمَوْلَى وَتَوْلِيَةِ الصِّغَارِ عَلَى الْكِبَارِ وَالْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ لِأَنَّهُ كَانَ فِي الْجَيْشِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ) بْنِ أَبِي كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ 02 - (بَاب مناقب أسامة بن زيد رضي الله عنه) كَانَ الصَّحَابَةُ يُسَمُّونَهُ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَحْبُوبَهُ لما يعرفون من منزلته عنده لأن كَانَ يُحِبُّ أَبَاهُ قَبْلَهُ حَتَّى تَبَنَّاهُ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَأُمُّهُ أُمُّ أَيْمَنَ حَاضِنَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَأَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هِيَ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي وَكَانَ يُجْلِسُهُ عَلَى فَخِذِهِ بَعْدَ أَنْ كَبِرَ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ [3817] قَوْلُهُ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) هُوَ صَاحِبُ الْمَغَازِي (عن محمد بن أسامة بن زيد) بن حارثة الكلبي الْمَدَنِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (لَمَّا ثَقُلَ) بِضَمِّ الْقَافِ أَيْ ضَعُفَ هَبَطْتُ أَيْ نَزَلْتُ مِنْ مَسْكَنِي الَّذِي كَانَ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ (وَهَبَطَ النَّاسُ) أَيِ الصَّحَابَةُ جَمِيعُهُمْ مِنْ مَنَازِلِهِمْ قِيلَ إِنَّمَا قَالَ هَبَطْتُ لِأَنَّهُ كَانَ يَسْكُنُ الْعَوَالِيَ وَالْمَدِينَةُ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهْتَ إِلَيْهَا صَحَّ فِيهَا الْهُبُوطُ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ فِي غَائِطٍ من

الْأَرْضِ يَنْحَدِرُ إِلَيْهَا السَّيْلُ وَأَطْرَافُهَا وَنَوَاحِيهَا مِنَ الْجَوَانِبِ كُلِّهَا مُسْتَعْلِيَةٌ عَلَيْهَا (وَقَدْ أُصْمِتَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ مِنَ الْإِصْمَاتِ يُقَالُ أُصْمِتَ الْعَلِيلُ إِذَا اعْتُقِلَ لِسَانُهُ (فَأَعْرِفُ أَنَّهُ يَدْعُو لِي) أَيْ لِمَحَبَّتِهِ [3818] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى) السِّينَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ (عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى) بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيِّ قَوْلُهُ (أَنْ يُنَحِّيَ) بِتَشْدِيدِ الْحَاءِ الْمَكْسُورَةِ مِنَ التَّنْحِيَةِ أَيْ يُزِيلَ (مُخَاطَ أُسَامَةَ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَهُوَ مَا يَسِيلُ مِنَ الْأَنْفِ (دَعْنِي) أَيِ اتْرُكْنِي (أَنَا الَّذِي أَفْعَلُ) أَيْ ذَلِكَ [3819] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ) بْنِ جُنَيْدِبٍ التِّرْمِذِيُّ (أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ) الْمُنْقِرِيُّ (حَدَّثَنَا عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ الْمَدَنِيُّ قَوْلُهُ (كُنْتُ جَالِسًا) أَيْ عِنْدَ بَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَسْتَأْذِنَانِ) أَيْ يَطْلُبَانِ الْإِذْنَ فِي دُخُولِهِمَا (مَا جَاءَ بِهِمَا) أَيْ مَا سَبَبُ مَجِيئِهِمَا (مَا جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ أَهْلِكَ) أَيْ عَنْ أَزْوَاجِكَ وَأَوْلَادِكَ بَلْ نَسْأَلُكَ عَنْ أَقَارِبِكَ وَمُتَعَلِّقِيكَ (مَنْ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ) أَيْ بِالْإِسْلَامِ وَالْهِدَايَةِ (وَأَنْعَمْتُ عَلَيْهِ) أَيْ أَنَا بِالْعِتْقِ وَالتَّبَنِّي وَهَذَا وَإِنْ وَرَدَ فِي حَقِّ زَيْدٍ لَكِنَّ ابْنَهُ تَابِعٌ لَهُ فِي حُصُولِ الْإِنْعَامَيْنِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَيُّ أَهْلِكَ أَحَبُّ إِلَيْكَ مُطْلَقٌ وَيُرَادُ بِهِ

باب مناقب جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

الْمُقَيَّدُ أَيْ مِنَ الرِّجَالِ بَيَّنَهُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ أَحَبُّ أَهْلِي إِلَيَّ مَنْ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَفِي نُسَخِ الْمَصَابِيحِ قَوْلُهُ مَا جِئْنَاكَ نَسْأَلُكَ عَنْ أَهْلِكَ مُقَيَّدٌ بِقَوْلِهِ مِنَ النِّسَاءِ وَلَيْسَ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ إِلَّا وَقَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ رَسُولُهُ إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَإِذْ تَقُولُ للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه وَهُوَ زَيْدٌ لَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَلَا شَكَّ وَهُوَ وَإِنْ نَزَلَ فِي حَقِّ زَيْدٍ لَكِنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَجْعَلَ أُسَامَةَ تَابِعًا لِأَبِيهِ فِي هَاتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ وَحِلِّ مَا حَلَّ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي التَّنْزِيلِ مِنَ الْإِنْعَامِ على بني إسرائيل نحو أنعمت عليكم نعم أَسْدَاهَا إِلَى آبَائِهِمْ (جَعَلْتُ عَمَّكَ آخِرَهُمْ) أَيْ آخِرَ أَهْلِكَ (سَبَقَكَ بِالْهِجْرَةِ) أَيْ وَكَذَا بِالْإِسْلَامِ فَهَذَا أَوْجَبَ تَقْدِيمَ الْأَحَبِّيَّةِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْأَفْضَلِيَّةِ لَا عَلَى الْأَقْرَبِيَّةِ 03 - (بَاب مَنَاقِبِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هُوَ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ مَالِكٍ الْبَجَلِيُّ وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَمْرٍو نَزَلَ الْكُوفَةَ ثُمَّ نَزَلَ قِرْقِيسيَا وَبِهَا مَاتَ سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ وَكَانَ سَيِّدًا مُطَاعًا مَلِيحًا طِوَالًا بَدِيعَ الْجَمَالِ صَحِيحَ الْإِسْلَامِ كَبِيرَ الْقَدْرِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةُ مَلَكٍ وَعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّهُ يُوسُفُ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْرَمَهُ وَبَسَطَ له ردءه وَقَالَ إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ مِنْ حَدِيثِ قَيْسٍ عَنْهُ وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ إِسْلَامِهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي سَنَةِ الْوُفُودِ سَنَةَ تِسْعٍ وَكَانَ مَوْتُهُ سَنَةَ خمسين وقيل بعدها [3820] قوله (حدثنا معاوية بن عمر) بْنِ الْمُهَلَّبِ الْأَزْدِيُّ الْمَعْنِيُّ (حَدَّثَنَا زَائِدَةُ) بْنُ قُدَامَةَ (عَنْ بَيَانِ) بْنِ بِشْرٍ قَوْلُهُ (مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ مَا مَنَعَنِي مِنَ الدُّخُولِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّظَرُ إِلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ (إِلَّا ضَحِكَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ إِلَّا تَبَسَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي وبن ماجه

باب مناقب عبد الله بن العباس

[3821] قَوْلُهُ (عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ) الْأَحْمَسِيِّ البجلي (عن قيس) هو بن أَبِي حَازِمٍ 04 - (بَاب مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْعَبَّاسِ أَيِ بن عبد المطلب بن هاشم بن عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَنَّى أَبَا الْعَبَّاسِ وُلِدَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ وَمَاتَ بِالطَّائِفِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَكَانَ مِنْ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ حَتَّى كَانَ عُمَرُ يُقَدِّمُهُ مَعَ الْأَشْيَاخِ وَهُوَ شَابٌّ [3822] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو أَحْمَدَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ (عَنْ سفيان) هو الثوري (عن ليث) هو بن أَبِي سُلَيْمٍ قَوْلُهُ (وَدَعَا لَهُ) أَيْ لِابْنِ عَبَّاسٍ (مَرَّتَيْنِ) أَيْ مَرَّةً بِإِعْطَاءِ الْحِكْمَةِ أَوْ عِلْمِ الْكِتَابِ حِينَ ضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ وَمَرَّةً بِتَعْلِيمِ الْفِقْهِ حِينَ خَدَمَهُ بِوَضْعِ مَاءِ وُضُوئِهِ [3823] قوله (حدثنا قَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ الْمُزَنِيُّ) أَبُو جَعْفَرٍ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ فِيهِ لِينٌ مِنْ صِغَارِ الثَّامِنَةِ (عَنْ عطاء) هو بن أَبِي رَبَاحٍ قَوْلُهُ (أَنْ يُؤْتِيَنِي اللَّهُ الْحُكْمَ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْكَافِ أَيِ الْعِلْمَ وَالْفِقْهَ وَالْقَضَاءَ بِالْعَدْلِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الْفَهْمُ فِي الْقُرْآنِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْحِكْمَةَ وَهِيَ بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَلَهَا مَعَانٍ أُخْرَى كَمَا سَتَقِفُ عَلَيْهَا (مَرَّتَيْنِ) أَيْ دَعَا لِي بِهَذَا مَرَّتَيْنِ قَوْلُهُ (هَذَا

باب مناقب عبد الله بن عمر رضي الله عنهما

حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ [3824] قَوْلُهُ (ضَمَّنِي) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ أَخَذَنِي (إِلَيْهِ) أَيْ إِلَى صَدْرِهِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتَلَفَ الشُّرَّاحُ فِي الْمُرَادِ بِالْحِكْمَةِ هُنَا فَقِيلَ الْقُرْآنُ وَقِيلَ الْعَمَلُ بِهِ وَقِيلَ السُّنَّةُ وَقِيلَ الْإِصَابَةُ فِي الْقَوْلِ وَقِيلَ الْخَشْيَةُ وَقِيلَ الْفَهْمُ عَنِ اللَّهِ وَقِيلَ الْعَقْلُ وَقِيلَ مَا يَشْهَدُ الْعَقْلُ بِصِحَّتِهِ وَقِيلَ نُورٌ يُفَرَّقُ بِهِ بَيْنَ الْإِلْهَامِ وَالْوَسْوَاسِ وَقِيلَ سُرْعَةُ الْجَوَابِ مَعَ الْإِصَابَةِ وَبَعْضُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ذَكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تعالى ولقد آتينا لقمان الحكمة والأقرب أن المراد بها في حديث بن عَبَّاسٍ الْفَهْمُ فِي الْقُرْآنِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشيخان والنسائي وبن مَاجَهْ 105 (بَاب مَنَاقِبِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا) وهو أَحَدُ الْعَبَادِلَةِ وَفُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ وَالْمُكْثِرِينَ مِنْهُمْ وَكَانَ مَوْلِدُهُ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أَوِ الثَّالِثَةِ مِنَ الْمَبْعَثِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ بن ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَتْ بَدْرٌ بَعْدَ الْبِعْثَةِ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَاتَ بِمَكَّةَ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَعُمُرُهُ سِتٌّ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَقِيلَ كَانَ سَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّ الْحَجَّاجَ دَسَّ عَلَيْهِ مَنْ مَسَّ رِجْلَهُ بِحَرْبَةٍ مَسْمُومَةٍ فَمَرِضَ بِهَا إلى أن مات [3825] قوله (حدثنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عُلَيَّةَ (عَنْ أَيُّوبَ) السِّخْتِيَانِيِّ قَوْلُهُ (قِطْعَةُ إِسْتَبْرَقٍ) هُوَ الْغَلِيظُ مِنَ الدِّيبَاجِ وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ بِزِيَادَةِ الْقَافِ (إِلَّا طَارَتْ بِي إِلَيْهِ) أَيْ تُبَلِّغُنِي إِلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ مِثْلَ جَنَاحِ الطَّائِرِ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ (إِنَّ أَخَاكَ رَجُلٌ صَالِحٌ) الصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ (أَوْ إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ) أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي

باب مناقب أنس بن مالك رضي الله عنه

(مَنَاقِبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ الْأَسَدِيِّ) الْقُرَشِيِّ وَهُوَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ لِلْمُهَاجِرِينَ بِالْمَدِينَةِ أَوَّلَ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَبَايَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بن ثَمَانِ سِنِينَ قَتَلَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ بِمَكَّةَ وَصَلَبَهُ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ جمادى الاخرة سنة ثلاث وسبعين [3826] قوله (حدثنا أَبُو عَاصِمٍ) النَّبِيلُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُؤَمَّلِ) الْمَخْزُومِيِّ الْمَكِّيِّ وَيُقَالُ الْمَدَنِيُّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ مِنَ السَّابِعَةِ قَوْلُهُ (رَأَى فِي بَيْتِ الزُّبَيْرِ) أي بن الْعَوَّامِ (مِصْبَاحًا) أَيْ سِرَاجًا (مَا أُرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ أَيْ مَا أَظُنُّ (أَسْمَاءَ) هِيَ أُخْتُ عَائِشَةَ زَوْجَةُ الزُّبَيْرِ (إِلَّا قَدْ نفست) بضم النون وكسر الفاء وقد يفتح النُّونُ أَيْ وَلَدَتْ وَصَارَتْ ذَاتَ نِفَاسٍ (فَلَا تُسَمُّوهُ) أَيِ الْمَوْلُودَ (وَحَنَّكَهُ) بِتَشْدِيدِ النُّونِ يُقَالُ حَنَّكْتُ الصَّبِيَّ إِذَا مَضَغْتُ تَمْرًا أَوْ غَيْرَهُ ثُمَّ دَلَكْتُهُ بِحَنَكِهِ (بَاب مَنَاقِبِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هُوَ أَنَسُ بْنُ مالك بن النضر بن ضم بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدُبٍ أُمُّهُ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وهو بن عَشْرِ سِنِينَ وَانْتَقَلَ إِلَى الْبَصْرَةِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ لِيُفَقِّهَ النَّاسَ بِهَا وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَلَهُ مِنَ الْعُمُرِ مِائَةٌ وَثَلَاثُ سِنِينَ وَقِيلَ تسع وتسعون سنة قال بن عَبْدِ الْبَرِّ وَهُوَ أَصَحُّ مَا قِيلَ [3827] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بْنُ سَعِيدٍ (أَخْبَرَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ) الضُّبَعِيُّ الْبَصْرِيُّ (عَنِ الْجَعْدِ أَبِي عُثْمَانَ) هو بن دِينَارٍ الْيَشْكُرِيُّ قَوْلُهُ (أُنَيْسٌ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ تَصْغِيرُ أَنَسٍ أَيْ هَذَا أُنَيْسٌ (قَدْ رَأَيْتُ

مِنْهُنَّ اثْنَتَيْنِ فِي الدُّنْيَا) هُمَا كَثْرَةُ الْمَالِ وَكَثْرَةُ الْوَلَدِ (وَأَنَا أَرْجُو الثَّالِثَةَ فِي الْآخِرَةِ) هِيَ الْمَغْفِرَةُ كَمَا بَيَّنَهَا سِنَانُ بْنُ رَبِيعَةَ بزيادة وذلك فيما رواه بن سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْهُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَأَطِلْ عُمُرَهُ وَاغْفِرْ ذَنْبَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ (عَنْ أَنَسٍ قَالَ رُبَّمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ المزاج من أبواب البر والصلة [3829] قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ هَذَا مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَةِ دُعَائِهِ وَفِيهِ فَضَائِلُ لِأَنَسٍ وَقَالَ الْحَافِظُ أَمَّا كَثْرَةُ وَلَدِ أَنَسٍ وَمَالِهِ فَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي آخِرِ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ أَنَسٌ فَوَاللَّهِ إِنَّ مَالِي لَكَثِيرٌ وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادُّوْنَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ الطَّاعُونِ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الطِّبِّ قَوْلُ أَنَسٍ أَخْبَرَتْنِي ابْنَتِي أَمِينَةُ أَنَّهُ دُفِنَ مِنْ صُلْبِي إِلَى يَوْمِ مَقْدَمِ الْحَجَّاجِ الْبَصْرَةَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3830] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ جَابِرٍ) هُوَ بن يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي نَصْرٍ اسْمُهُ خَيْثَمَةُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ الْبَصْرِيُّ وَاسْمُ أَبِي خَيْثَمَةَ هَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (كَنَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَقْلَةٍ كُنْتُ أَجْتَنِيهَا) قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَيْ كَنَّاهُ أَبَا حَمْزَةَ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْبَقْلَةُ الَّتِي جَنَاهَا أَنَسٌ كَانَ فِي طَعْمِهَا لَذْعٌ فَسُمِّيتُ حَمْزَةَ لِفِعْلِهَا يُقَالُ رُمَّانَةٌ حَامِزَةٌ أَيْ فِيهَا حُمُوضَةٌ انْتَهَى وَفِي الْقَامُوسِ الْحَمْزَةُ الْأَسَدُ وَبَقْلَةٌ

[3832] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ) هُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْعُكْلِيُّ (أَخْبَرَنَا مَيْمُونٌ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ مَيْمُونُ بْنُ أَبَانَ قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ مَيْمُونُ بْنُ أَبَانَ الْهُذَلِيُّ وَيُقَالُ الْجُشَمِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ رَوَى عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَرَوَى عَنْهُ زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ وأبو عاصم ذكره بن حبان في الثقات انتهى [3831] وله (خُذْ عَنِّي) أَيْ خُذْ عِلْمَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَنِّي (أَوْثَقَ مِنِّي) صِفَةٌ لِأَحَدٍ أَيْ أَكْثَرَ وُثُوقًا مِنِّي وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَنَسًا قَالَ هَذَا لِثَابِتٍ حِينَ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ بِالْبَصْرَةِ وَكَانَ أَنَسٌ آخِرَ مَنْ بَقِيَ بِهَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم [3833] قَوْلُهُ (سَمِعَ أَنَسٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِحَذْفِ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ أَيْ هَلْ سَمِعَ مِنْهُ (وَكَانَ لَهُ) أَيْ لِأَنَسٍ (بُسْتَانٌ) بِالضَّمِّ مُعَرَّبُ بوستان وَهِيَ أَرْضٌ أُدِيرَ عَلَيْهَا جِدَارٌ وَفِيهَا شَجَرٌ وَزَرْعٌ (يَحْمِلُ) أَيْ يُثْمِرُ (فِي السَّنَةِ) أَيِ الْوَاحِدَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فِي كُلِّ سَنَةٍ (مَرَّتَيْنِ) أَيْ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَبِي نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ مِنْ طَرِيقِ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ وَإِنَّ أَرْضِي لَتُثْمِرُ فِي السنة مرتين

باب مناقب أبي هريرة رضي الله عنه

وَمَا فِي الْبَلَدِ شَيْءٌ يُثْمِرُ مَرَّتَيْنِ غَيْرَهَا (وَكَانَ فِيهَا) أَيْ فِي ذَلِكَ الْبُسْتَانِ وَتَأْنِيثُ الضمير يتأول الْحَدِيقَةِ (رَيْحَانٌ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ نَبَاتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ (يَجِدُ) أَيْ أَنَسٌ أَوْ يَجِدُ وَاجِدٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَجِيءُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا الْحَدِيثِ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ 08 - (بَاب مناقب أبي هريرة رضي الله عنه) تقدم ترجمته في باب فضل الطهور [3834] قوله (حدثنا بن أَبِي عَدِيٍّ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ (عَنْ سماك) هو بن حَرْبٍ (عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ) الْمَدَنِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّامِنَةِ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَخَذَهُ فَجَمَعَهُ عَلَى قَلْبِي) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

هُوَ الَّذِي أَخَذَ الرِّدَاءَ وَجَمَعَهُ عَلَى قَلْبِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ السَّابِقُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ هُوَ الَّذِي جَمَعَ الرِّدَاءَ وَضَمَّهُ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُمَا جَمِيعًا جَمَعَا الرِّدَاءَ وَضَمَّاهُ عَلَى قَلْبِهِ وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ فهو المقدم قوله (حدثنا عثمان بن عمر) العبدي البصري (أخبرنا بن أَبِي ذِئْبٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَوْلُهُ (أَسْمَعُ مِنْكَ أَشْيَاءَ) أَيْ كَثِيرَةً (فَلَا أَحْفَظُهَا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي الْعِلْمِ إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا أَنْسَاهُ (فَبَسَطْتُهُ) زَادَ الْبُخَارِيُّ فَغَرَفَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ ضُمَّ فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا قَالَ الْحَافِظُ لَمْ يَذْكُرِ الْمَغْرُوفَ مِنْهُ وَكَأَنَّهَا كَانَتْ إِشَارَةً مَحْضَةً وَفِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُعْجِزَةٌ وَاضِحَةٌ مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ النِّسْيَانَ مِنْ لَوَازِمِ الإنسان وقد اعترف أبو هريرة بأن كَانَ يَكْثُرُ مِنْهُ ثُمَّ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِبَرَكَةِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3836] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هشيم) هو بن بَشِيرِ بْنِ الْقَاسِمِ (أَخْبَرَنَا يَعْلَى بْنُ عَطَاءٍ) الْعَامِرِيُّ اللَّيْثِيُّ الطَّائِفِيُّ (عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْجُرَشِيِّ الْحِمْصِيِّ قَوْلُهُ (كُنْتَ أَلْزَمَنَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ كُنْتَ أَكْثَرَنَا لُزُومًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَّا (وَأَحْفَظَنَا لِحَدِيثِهِ) أَيْ أَكْثَرَ وَأَقْوَى حِفْظًا لِحَدِيثِهِ مِنَّا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ [3837] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْحَرَّانِيُّ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الْحَرَّانِيُّ صَوَابُهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ فَحَرَّفَهَا بَعْضُهُمْ أَحْمَدَ بْنَ سَعِيدٍ فَنَشَأَ مِنْهُ هَذَا الْوَهْمُ وَإِنَّمَا أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنِ الدَّارِمِيِّ عَنْهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَرْجَمَةِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي شُعَيْبٍ مَا لَفْظُهُ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي شُعَيْبِ بْنِ مُسْلِمٍ الْحَرَّانِيُّ أَبُو الْحَسَنِ الْقُرَشِيُّ مَوْلَاهُمْ رَوَى عن أَبُو دَاوُدَ وَالْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِوَاسِطَةٍ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ ثِقَةٌ صَدُوقٌ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ) الْحَرَّانِيُّ رَوَى عَنْهُ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي شُعَيْبٍ الْحَرَّانِيُّ وَغَيْرُهُ ثِقَةٌ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ) بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ (عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ) الْأَصْبَحِيِّ قَوْلُهُ (يَا أَبَا مُحَمَّدٍ) كُنْيَةُ طَلْحَةَ (أَرَأَيْتَ) أَيْ أَخْبِرْنِي (أَمَّا أَنْ يَكُونَ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ نَسْمَعْ عَنْهُ) الظَّاهِرُ أَنَّ أَمَّا بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَأَنْ مَصْدَرِيَّةٌ وَهِيَ مَعَ مَا بَعْدَهَا مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيْ أَمَّا

كَوْنُهُ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ فَهُوَ الْمُتَعَيَّنُ (يَدُهُ مَعَ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ كَانَ مُلَازِمًا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغِيبُ عَنْهُ (وَكُنَّا نَحْنُ أَهْلَ بُيُوتَاتٍ) جَمْعُ الْجَمْعِ لِبُيُوتٍ وَهُوَ جَمْعُ الْبَيْتِ (وَغِنًى) بِالْجَرِّ عُطِفَ عَلَى بُيُوتَاتٍ (طَرَفَيِ النَّهَارِ) أَيْ أَوَّلِهُ وَآخِرَهُ (لَا أَشُكُّ إِلَّا أَنَّهُ سَمِعَ إِلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ إلا ها هنا زَائِدَةً كَمَا فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ حَرَاجِيجُ مَا تَنْفَكُّ إِلَّا مُنَاخَةً عَلَى الْخَسْفِ أَوْ تَرْمِي بِهَا بَلَدًا قَفْرًا أَيْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فِي التَّارِيخِ وأبي يعلى بلفظ الله ما لشك أَنَّهُ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ وَعَلِمَ مَا لَمْ نَعْلَمْ أَوِ الْمُرَادُ بِالشَّكِّ الظَّنُّ أَيْ لَا أَظُنُّ إِلَّا أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَأَبُو يَعْلَى بِلَفْظِ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ فَقِيلَ لَهُ مَا تَدْرِي هَذَا الْيَمَانِيُّ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ مِنْكُمْ أَوْ هُوَ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَقُلْ قَالَ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا نَشُكُّ أَنَّهُ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ وَعَلِمَ مَا لَمْ نَعْلَمْ إِنَّا كُنَّا أَقْوَامًا لَنَا بُيُوتَاتٌ وَأَهْلُونَ وَكُنَّا نَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَرَفَيِ النَّهَارِ ثُمَّ نَرْجِعُ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مِسْكِينًا لَا مَالَ لَهُ وَلَا أَهْلَ إِنَّمَا كَانَتْ يَدُهُ مَعَ يَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَانَ يَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ فَمَا نَشُكُّ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ نَسْمَعْ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ [3838] قَوْلُهُ (قُلْتُ مِنْ دَوْسٍ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ أَبُو قَبِيلَةٍ (مَا كُنْتُ أُرَى) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أظن

[3839] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْمُهَاجِرُ) بْنُ مَخْلَدٍ أَبُو مَخْلَدٍ مَوْلَى الْبَكَرَاتِ بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْكَافِ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (بِتَمَرَاتٍ) بِفَتَحَاتٍ جَمْعُ تَمْرَةٍ (فَضَمَّهُنَّ) أَيْ فَأَخَذَهُنَّ بِيَدِهِ أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِنَّ (ثُمَّ دَعَا لِي) أَيْ لِأَجْلِي خُصُوصًا (فِيهِنَّ بِالْبَرَكَةِ) أَيْ بِالْبَرَكَةِ فِيهِنَّ وَكَثْرَةِ الْخَيْرِ فِي أَكْلِهِنَّ مَعَ بَقَائِهِنَّ (قَالَ) أَيْ بِطَرِيقِ الِاسْتِئْنَافِ (فَاجْعَلْهُنَّ) أَيْ أَدْخِلْهُنَّ (فِي مِزْوَدِكَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِيهِ الزَّادُ مِنَ الْجِرَابِ وَغَيْرِهِ (أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ) أَيْ مِنَ الْمِزْوَدِ (شَيْئًا) أَيْ مِنَ التَّمَرَاتِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْمِزْوَدِ (فَخُذْهُ) أَيِ الشَّيْءَ (وَلَا تَنْثُرْهُ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ وَتُكْسَرُ فَفِي الْقَامُوسِ نَثَرَ الشَّيْءَ يَنْثُرُهُ وَيَنْثِرُهُ نَثْرًا وَنِثَارًا رَمَاهُ مُتَفَرِّقًا (فَقَدْ حَمَلْتُ مِنْ ذَلِكَ التَّمْرِ كَذَا وَكَذَا مِنْ وَسْقٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ السِّينِ أَيْ سِتِّينَ صَاعًا عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ حِمْلُ بَعِيرٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ قَالَ الطِّيبِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ حَمَلْتُ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَأَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَعْنَى الْأَخْذِ أَيْ أَخَذْتُهُ مِقْدَارَ كذا بدفعات انتهى قال القارىء وَالْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمُدَّعَى (وَكُنَّا) أَيْ أَنَا وَأَصْحَابِي (وَنُطْعِمُ) مِنَ الْإِطْعَامِ أَيْ غَيْرَنَا (وَكَانَ) أَيِ الْمِزْوَدُ (لَا يُفَارِقُ حِقْوِي) أَيْ وَسَطِي وَقِيلَ الْحِقْوُ الْإِزَارُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَوْضِعُ شَدِّ الْإِزَارِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ الْحِقْوُ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَسُمِّيَ الْإِزَارُ بِهِ لِلْمُجَاوَرَةِ (حَتَّى كَانَ يَوْمُ) بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّ كَانَ تَامَّةٌ وَجُوِّزَ نَصْبُهُ عَلَى أَنَّ التَّقْدِيرَ حَتَّى كَانَ الزَّمَانُ يَوْمَ (قَتْلِ عُثْمَانَ) بِصِيغَةِ الْمَصْدَرِ مضافا إلى مفعوله أبو بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَعُثْمَانُ نَائِبُ الْفَاعِلِ (فَإِنَّهُ) أَيِ المزود

باب مناقب معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب

[3840] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ) الْأَشْقَرُ (الْمُرَابِطِيُّ) كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ الْمُرَابِطِيُّ وَوَقَعَ في التقريب وتهذيب التهذيب والخلاصة والرباطي فَلْيُحَرَّرْ (أَخْبَرَنَا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ) اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ) كُنْيَتُهُ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ قَوْلُهُ (لِمَ) أَيْ لِأَيِّ شَيْءٍ (كُنِّيتَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التَّكْنِيَةِ يُقَالُ كَنَّا يُكَنَّى كُنْيَةً وَكِنْيَةً وَكُنًى وَتَكْنِيَةً وَأُكَنِّي إِكْنَاءً زَيْدًا أَبَا فُلَانٍ وَكَنَّاهُ أَوْ كَنَّاهُ بِأَبِي فُلَانٍ إِذَا سَمَّاهُ بِهِ (أَمَا تَفْرَقُ مِنِّي) أَيْ أَلَا تَخَافُ مِنِّي (كَانَتْ لِي هُرَيْرَةٌ) تَصْغِيرُ هِرَّةٍ وَهِيَ السِّنَّوْرُ (فِي شَجَرَةٍ) أَيْ عَلَى شَجَرَةٍ (فَكَنَّوْنِي أَبَا هُرَيْرَةَ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ أَهْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَنَّوْهُ بِهِ وَقِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَنَّاهُ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ فِي هَذَا فِي بَابِ فَضْلِ الطَّهُورِ [3841] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَيْسَ أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ الرُّخْصَةِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ 09 - (بَاب مَنَاقِبِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ صَخْرُ بْنُ حَرْبِ) بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ أَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَأَسْلَمَ أَبَوَاهُ بَعْدَهُ وَصَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَتَبَ لَهُ وَوَلِيَ إِمْرَةَ دِمَشْقَ عَنْ عُمَرَ بَعْدَ مَوْتِ أَخِيهِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ

وَاسْتَمَرَّ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى خِلَافَةِ عُثْمَانَ ثُمَّ زَمَانِ مُحَارَبَتِهِ لِعَلِيٍّ وَلِلْحَسَنِ ثُمَّ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ فَكَانَتْ وِلَايَتُهُ بَيْنَ إِمَارَةٍ وَمُحَارَبَةٍ وَمَمْلَكَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ سَنَةً مُتَوَالِيَةً [3842] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الذُّهْلِيُّ (حَدَّثَنَا أَبُو مُسْهِرٍ) اسْمُهُ عَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ مُسْهِرٍ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) التَّنُوخِيِّ الدِّمَشْقِيِّ ثِقَةٌ إِمَامٌ سَوَّاهُ أَحْمَدُ بِالْأَوْزَاعِيِّ وَقَدَّمَهُ أَبُو مُسْهِرٍ لَكِنَّهُ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ) الدِّمَشْقِيِّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمِيرَةَ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرَةِ الْمِيمِ الْمُزَنِيِّ وَيُقَالُ الْأَزْدِيُّ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ سَكَنَ حِمْصَ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ وَقِيلَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ لَهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي ذِكْرِ مُعَاوِيَةَ قَالَ الْحَافِظُ قال بن عَبْدِ الْبَرِّ لَا تَصِحُّ صُحْبَتُهُ وَلَا يَصِحُّ إسناد حديثه انتهى قوله (لمعاوية) أي بن أَبِي سُفْيَانَ (اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا) أَيْ لِلنَّاسِ أَوْ دَالًّا عَلَى الْخَيْرِ (مَهْدِيًّا) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ مُهْتَدِيًا فِي نَفْسِهِ (وَاهْدِ بِهِ) أَيْ بِمُعَاوِيَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ كَمَا عَرَفْتَ آنِفًا فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمِيرَةَ [3843] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) الذهلي (حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نُفَيْلٍ) بِنُونٍ وَفَاءٍ مُصَغَّرًا أَبُو جَعْفَرٍ النُّفَيْلِيُّ الْحَرَّانِيُّ ثِقَةٌ حَافِظٌ مِنْ كِبَارِ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ) الدِّمَشْقِيُّ أَبُو حَفْصٍ مَوْلَى قُرَيْشٍ مَتْرُوكٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ يُونُسَ بْنِ حلبس) بمهملتين في طرف وَمُوَحَّدَةٍ وَزْنُ جَعْفَرٍ قَوْلُهُ (لَمَّا عَزَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عُمَيْرَ بْنَ سَعْدٍ) الْأَنْصَارِيَّ الْأَوْسِيَّ صَحَابِيٌّ كَانَ عُمَرُ يُسَمِّيهِ نَسِيجَ وَحْدِهِ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا تَحْتَانِيَّةٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ جِيمٌ ثُمَّ وَاوٌ مَفْتُوحَةٌ وَمُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُطْلَقُ عَلَى الْفَائِقِ (عَنْ حِمْصَ) كُورَةٌ بالشام (ولى معاوية) أي بن أَبِي سُفْيَانَ وَحَدِيثُ عُمَيْرِ بْنِ سَعْدٍ هَذَا فِي سَنَدِهِ عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ الدِّمَشْقِيُّ وَهُوَ مَتْرُوكٌ كَمَا عَرَفْتَ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ

باب مناقب عمرو بن العاص بن وائل السهمي

وَرَدَ فِي فَضَائِلِ مُعَاوِيَةَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ لَكِنْ لَيْسَ فِيهَا مَا يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ الْإِسْنَادِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وقد صنف بأن أَبِي عَاصِمٍ جُزْءًا فِي مَنَاقِبِهِ وَكَذَلِكَ أَبُو عُمَرَ غُلَامُ ثَعْلَبٍ وَأَبُو بَكْرٍ النَّقَّاشُ وَأَوْرَدَ بن الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ بَعْضَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرُوهَا ثُمَّ سَاقَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَصِحَّ فِي فَضَائِلِ مُعَاوِيَةَ شَيْءٌ وأخرج بن الْجَوْزِيِّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ سَأَلْتُ أَبِي مَا تَقُولُهُ فِي عَلِيٍّ وَمُعَاوِيَةَ فَأَطْرَقَ ثُمَّ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ كَثِيرَ الْأَعْدَاءِ فَفَتَّشَ أَعْدَاؤُهُ لَهُ عَيْبًا فَلَمْ يَجِدُوا فَعَمَدُوا إِلَى رَجُلٍ قَدْ حَارَبَهُ فَأَطْرَوْهُ كِيَادًا مِنْهُمْ لِعَلِيٍّ فَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى مَا اخْتَلَقُوهُ لِمُعَاوِيَةَ مِنَ الْفَضَائِلِ مِمَّا لَا أَصْلَ لَهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ 10 - (باب مَنَاقِبُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ) الصَّحَابِيِّ الْمَشْهُورِ أَسْلَمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ وَوَلِيَ إِمْرَةَ مِصْرَ مَرَّتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي فَتَحَهَا مَاتَ بِمِصْرَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ بَعْدَ الْخَمْسِينَ [3844] قَوْلُهُ (أَسْلَمَ النَّاسُ) التَّعْرِيفُ فِيهِ لِلْعَهْدِ وَالْمَعْهُودُ مُسْلِمَةُ الْفَتْحِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ (وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ) أَيْ قَبْلَ الْفَتْحِ بِسَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ طَائِعًا رَاغِبًا مُهَاجِرًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُمْ أَسْلَمُوا رَهْبَةً وَآمَنَ عَمْرٌو رَغْبَةً فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَشُوبَهُ كَرَاهَةٌ وَالْإِيمَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ رَغْبَةٍ وَطَوَاعِيَةٍ ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ وقال بن الْمَلَكِ إِنَّمَا خَصَّهُ بِالْإِيمَانِ رَغْبَةً لِأَنَّهُ وَقَعَ إِسْلَامُهُ فِي قَلْبِهِ فِي الْحَبَشَةِ حِينَ اعْتَرَفَ النَّجَاشِيُّ بِنُبُوَّتِهِ فَأَقْبَلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤْمِنًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْعُوَهُ أَحَدٌ إِلَيْهِ فَجَاءَ إِلَى الْمَدِينَةِ فِي الْحَالِ سَاعِيًا فَآمَنَ أَمَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمُ الصِّدِّيقُ وَالْفَارُوقُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ مُبَالِغًا قَبْلَ إِسْلَامِهِ فِي عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِهْلَاكِ أَصْحَابِهِ فَلَمَّا آمَنَ أَرَادَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُزِيلَ عَنْ قَلْبِهِ أَثَرَ تِلْكَ الْوَحْشَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ حَتَّى يَأْمَنَ مِنْ جِهَتِهِ وَلَا يَيْأَسَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى

باب مناقب خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله

قوله (وليس إسناده بالقوي) لضعف بن لَهِيعَةَ [3845] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) هُوَ الْكَوْسَجُ (أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ) اسْمُهُ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ قَوْلُهُ (مِنْ صَالِحِي قُرَيْشٍ) أَيْ مِنْ خِيَارِهِمْ وَالصَّالِحُ مَنْ يُؤَدِّي فَرَائِضَ اللَّهِ وَحُقُوقَ الناس 11 - (باب مَنَاقِبُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عبد الله) عَمْرِو بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ يَجْتَمِعُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ جَمِيعًا فِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ يُكَنَّى أَبَا سُلَيْمَانَ وَكَانَ مِنْ فُرْسَانِ الصَّحَابَةِ أَسْلَمَ بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالْفَتْحِ وَشَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِدَّةَ مَشَاهِدَ ظَهَرَتْ فِيهَا نَجَابَتُهُ ثُمَّ كَانَ قَتْلُ أَهْلِ الرِّدَّةِ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ فُتُوحُ الْبِلَادِ الْكِبَارِ وَمَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ سَنَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وبذلك جزم بن نُمَيْرٍ وَذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بِحِمْصَ وَنُقِلَ عَنْ دُحَيْمٍ أَنَّهُ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ وَغَلَّطُوهُ [3846] قَوْلُهُ (فَجَعَلَ النَّاسُ يَمُرُّونَ) أَيْ عَلَيْنَا مِنْ كُلِّ جانب (فأقول فلان) أي اسميه به (وَيَقُولُ) أَيْ فِي مَارٍّ غَيْرِهِ (فَيَقُولُ بِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا) وَهَذَا مِنْ بَابِ مَا رَوَى أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ

باب مناقب سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس

مَرْفُوعًا اذْكُرُوا الْفَاجِرَ بِمَا فِيهِ يَحْذَرُهُ النَّاسُ (حَتَّى مَرَّ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ) أَيِ اسْتَمَرَّ هَذَا السُّؤَالُ وَالْجَوَابُ حَتَّى مَرَّ خَالِدٌ (قُلْتُ هَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ) وَفِي هَذَا إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِي خَيْمَةٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ خَارِجَهَا وَإِلَّا فَمِثْلُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نِعْمَ عَبْدُ اللَّهِ) أَيْ هَذَا (خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ) مُبْتَدَأٌ (سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ) خَبَرُهُ أَوِ التَّقْدِيرُ نِعْمَ عَبْدُ اللَّهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ هُوَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ وَالْجُمْلَةُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ مُبَيِّنَةٌ لِسَبَبِ الْمَدْحِ قال القارىء أي كيف سَلَّهُ اللَّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَسَلَّطَهُ عَلَى الْكَافِرِينَ أَوْ ذُو سَيْفٍ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ يُقَاتِلُ مُقَاتَلَةً شَدِيدَةً فِي سَبِيلِهِ مَعَ أَعْدَاءِ دِينِهِ انْتَهَى وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ هُوَ فِي نَفْسِهِ كَالسَّيْفِ فِي إِسْرَاعِهِ لِتَنْفِيذِ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَخَافُ فِيهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول نِعْمَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَخُو الْعَشِيرَةِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَسَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ سَلَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَقَدْ وَرَدَ في كون خالد بن الوليد سيف مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ أَحَادِيثُ أُخْرَى مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى زَيْدًا وَجَعْفَرًا وبن رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فأصيب ثم أخذ بن رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عليهم 12 - (باب مَنَاقِبُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ النُّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ) بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ الْأَنْصَارِيِّ الْأَوْسِيِّ ثُمَّ الْأَشْهَلِيِّ وَهُوَ كَبِيرُ الْأَوْسِ كَمَا أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ كَبِيرُ الْخَزْرَجِ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لَمَّا أَرْسَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى

المدينة يعلم المسلمين فلما أَسْلَمَ قَالَ لِبَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ كَلَامُ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ عَلَيَّ حَرَامٌ حَتَّى تُسْلِمُوا فَأَسْلَمُوا فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ النَّاسِ بَرَكَةً فِي الْإِسْلَامِ وَشَهِدَ بَدْرًا بِلَا خِلَافٍ فِيهِ وَشَهِدَ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَرَمَاهُ يَوْمَئِذٍ حِبَّانُ بْنُ الْعَرَاقَةِ فِي أَكْحَلِهِ فَعَاشَ شَهْرًا ثُمَّ تَنْفَضَّ جُرْحُهُ فَمَاتَ مِنْهُ وَكَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ الْخَنْدَقِ بِشَهْرٍ وَبَعْدَ قُرَيْظَةَ بِلَيَالٍ [3847] قَوْلُهُ (أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبُ حَرِيرٍ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ وَالَّذِي أهداه له أكيدر درمة كَمَا بَيَّنَهُ أَنَسٌ فِي حَدِيثِهِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ قَبُولِ الْهَدِيَّةِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا) أَيْ تَعْجَبُونَ مِنْ لِينِ هَذَا (لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) جَمْعُ مِنْدِيلٍ وَهُوَ الذي يحمل في اليد وقال بن الْأَعْرَابِيِّ وَغَيْرُهُ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّدْلِ وَهُوَ النَّقْلُ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى وَاحِدٍ وَقِيلَ مِنَ النَّدَلِ وَهُوَ الْوَسَخُ لِأَنَّهُ يَنْدَلُّ بِهِ إِنَّمَا ضَرَبَ الْمَثَلَ بِالْمِنْدِيلِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَلِيَّةِ الثِّيَابِ بَلْ هِيَ تَتَبَدَّلُ فِي أَنْوَاعٍ مِنَ الْمَرَافِقِ يُتَمَسَّحُ بِهَا الْأَيْدِي وَيُنْفَضُ بِهَا الْغُبَارُ عَنِ الْبَدَنِ وَيُعْطَى بِهَا مَا يُهْدَى وَتُتَّخَذُ لَفَائِفَ لِلثِّيَابِ فَصَارَ سَبِيلُهَا سَبِيلَ الْخَادِمِ وَسَبِيلُ سَائِرِ الثِّيَابِ سَبِيلَ الْمَخْدُومِ فَإِذَا كَانَ أَدْنَاهَا هَكَذَا فَمَا ظَنُّكَ بِعَلِيَّتِهَا فَإِنْ قلت ما وجه تخصص سَعْدٍ بِهِ قُلْتُ لَعَلَّ مِنْدِيلِهِ كَانَ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الثَّوْبِ لَوْنًا وَنَحْوَهُ أَوْ كَانَ الْوَقْتُ يَقْتَضِي اسْتِمَالَةَ سَعْدٍ أَوْ كَانَ اللَّامِسُونَ الْمُتَعَجِّبُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ مِنْدِيلُ سَيِّدِكُمْ خَيْرٌ مِنْهُ أَوْ كَانَ سَعْدٌ يُحِبُّ ذَلِكَ الْجِنْسَ مِنَ الثِّيَابِ قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي أَوَائِلِ أَبْوَابِ اللِّبَاسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3848] قَوْلُهُ (وَجِنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أَيْ قُدَّامَهُمْ وَالْوَاوُ لِلْحَالِ (اهْتَزَّ لَهُ) أَيْ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ كَمَا فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ قَالَ النَّوَوِيُّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاهْتِزَازُ الْعَرْشِ تَحَرُّكُهُ فَرَحًا بِقُدُومِ رُوحِ سَعْدٍ وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَرْشِ تَمْيِيزًا حَصَلَ بِهِ هَذَا وَلَا مَانِعَ مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَإِنَّ مِنْهَا لما يهبط من خشية الله وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ ظَاهِرُ

الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ آخَرُونَ الْمُرَادُ اهْتِزَازُ أَهْلِ الْعَرْشِ وَهُمْ حَمَلَتُهُ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَحُذِفَ لِلْمُضَافِ وَالْمُرَادُ بِالِاهْتِزَازِ الِاسْتِبْشَارُ وَالْقَبُولُ وَمِنْهُ قول العرب فلان يهتز المكارم لَا يُرِيدُونَ اضْطِرَابَ جِسْمِهِ وَحَرَكَتِهِ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ ارْتِيَاحَهُ إِلَيْهَا وَإِقْبَالَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ الْحَرْبِيُّ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تَعْظِيمِ شَأْنِ وَفَاتِهِ وَالْعَرَبُ تَنْسِبُ الشَّيْءَ الْمُعَظَّمَ إِلَى أَعْظَمِ الْأَشْيَاءِ فَيَقُولُونَ أَظْلَمَتْ لِمَوْتِ فُلَانٍ الْأَرْضُ وَقَامَتْ لَهُ الْقِيَامَةُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ الْمُرَادُ اهْتِزَازُ سَرِيرِ الْجِنَازَةِ وَهُوَ النَّعْشُ وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ صَرِيحُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَإِنَّمَا قَالَ هَؤُلَاءِ هَذَا التَّأْوِيلَ لِكَوْنِهِمْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ الَّتِي فِي مُسْلِمٍ انْتَهَى قوله (وفي الباب عن أسيد بن خضير وَأَبِي سَعِيدٍ وَرُمَيْثَةَ) قَالَ الْعَيْنِيُّ قَدْ رُوِيَ اهْتِزَازُ الْعَرْشِ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ جَمَاعَةٍ غَيْرِ جَابِرٍ مِنْهُمْ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَرُمَيْثَةُ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السكن وعبد الله بن بدر وبن عُمَرَ بِلَفْظِ اهْتَزَّ الْعَرْشُ فَرَحًا بِسَعْدٍ ذَكَرَهَا الحاكم وحذيفة بن اليمان وعائشة عند بن سَعْدٍ وَالْحَسَنُ وَيَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ مُرْسَلًا وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي كِتَابِ أَبِي عَرُوبَةَ الْحَرَّانِيِّ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ قَدْ جَاءَ حَدِيثُ اهْتِزَازِ الْعَرْشِ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ عَشْرَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَكْثَرَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3849] قَوْلُهُ (لَمَّا حُمِلَتْ جِنَازَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) أَيْ لَمَّا حَمَلَهَا النَّاسُ وَرَأَوْهَا خَفِيفَةً (مَا أَخَفَّ جِنَازَتَهُ) مَا لِلتَّعَجُّبِ (وَذَلِكَ) أَيِ اسْتِخْفَافُهُ وَاسْتِحْقَارُهُ (لِحُكْمِهِ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ) أَيْ بِأَنْ تُقْتَلَ مُقَاتِلَتُهُمْ وَتُسْبَى ذَرَارِيُّهُمْ فَنَسَبَهُ الْمُنَافِقُونَ إِلَى الْجَوْرِ وَالْعُدْوَانِ وَقَدْ شَهِدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِالْإِصَابَةِ فِي حُكْمِهِ (فَبَلَغَ ذَلِكَ) أَيْ كَلَامُهُمْ (إِنَّ الْمَلَائِكَةَ كَانَتْ تَحْمِلُهُ) أَيْ وَلِذَا كَانَتْ جِنَازَتُهُ خَفِيفَةً عَلَى النَّاسِ قَالَ الطِّيبِيُّ كَانُوا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ حَقَارَتَهُ وَازْدِرَاءَهُ فَأَجَابَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَلْزَمُ مِنْ تِلْكَ الْخِفَّةِ تَعْظِيمُ شَأْنِهِ وَتَفْخِيمُ أَمْرِهِ

باب في مناقب قيس بن سعد بن عبادة

113 - (بَاب فِي مَنَاقِبِ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ) يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيَّ الْخَزْرَجِيَّ كَانَ مِنْ كِرَامِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَحَدَ الْفُضَلَاءِ الْأَجِلَّةِ وَأَهْلِ الرَّأْيِ وَالْمَكِيدَةِ فِي الْحَرْبِ وَكَانَ شَرِيفَ قَوْمِهِ وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ مَكَانَ صَاحِبِ الشُّرْطَةِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَكَانَ وَالِيًا لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَى مِصْرَ وَلَمْ يُفَارِقْ عَلِيًّا إِلَى أَنْ قُتِلَ وَمَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سِتِّينَ [3850] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي أَبِي) أَيْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ (عَنْ ثُمَامَةُ) بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ قَوْلُهُ (بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ) بِضَمِّ شِينٍ وَفَتْحِ رَاءٍ جَمْعُ الشُّرْطِ بِضَمٍّ فَسَاكِنٍ وَهُوَ سر هنك وَكَانَ قَيْسٌ نَصَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَحْبِسَ وَاحِدًا أَوْ يَضْرِبَ آخَرَ وَيَأْخُذَ ثَالِثًا قَالَهُ فِي الْمَجْمَعِ وَفِيهِ أَيْضًا صَاحِبُ الشُّرَطِ هُمْ أَوَّلُ الْجَيْشِ مِمَّنْ يَتَقَدَّمُ بَيْنَ يَدَيِ الْأَمِيرِ لِتَنْفِيذِ أَوَامِرِهِ انْتَهَى وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الشُّرْطَةُ بِالضَّمِّ وَاحِدُ الشُّرَطِ كَصُرَدٍ وَهُمْ أَوَّلُ كَتِيبَةٍ تَشْهَدُ الْحَرْبَ وَتَتَهَيَّأُ لِلْمَوْتِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَعْوَانِ الْوُلَاةِ مَعْرُوفُونَ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَعْلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِعَلَامَاتٍ يُعْرَفُونَ بِهَا انْتَهَى (قَالَ الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ (يَعْنِي مِمَّا يَلِي مِنْ أُمُورِهِ) أَيْ إِنَّمَا كَانَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الشُّرَطِ مِنَ الْأَمِيرِ لِأَجْلِ أَنَّهُ كَانَ يَلِي مِنْ أُمُورِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) الْإِمَامُ الذُّهْلِيُّ (أَخْبَرَنَا الْأَنْصَارِيُّ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورُ (لَمْ يَذْكُرْ) أَيْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى

باب مناقب جابر بن عبد الله

114 - (باب مَنَاقِبُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) كُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ مِنْ مَشَاهِيرِ الصَّحَابَةِ وَأَحَدُ الْمُكْثِرِينَ مِنَ الرِّوَايَةِ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ غَزْوَةً وَقَدِمَ الشَّامَ وَمِصْرَ وَكُفَّ بَصَرُهُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَرَوَى عَنْهُ خَلْقٌ كَثِيرٌ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسَبْعِينَ وَلَهُ أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي قَوْلٍ [3851] قَوْلُهُ (جَاءَنِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) زَادَ الْبُخَارِيُّ يَعُودُنِي (لَيْسَ بِرَاكِبِ بَغْلٍ وَلَا بِرْذَوْنٍ) جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ وَالْبِرْذَوْنُ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الدَّابَّةُ وَخَصَّهُ الْعَرَبُ بِنَوْعٍ مِنَ الْخَيْلِ وَالْبَرَاذِينُ جَمْعُهُ وَقَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ التُّرْكِيُّ مِنَ الْخَيْلِ خِلَافَ الْعِرَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه [3852] قوله (حدثنا بن أَبِي عُمَرَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى (عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ) الْمَكِّيِّ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ تَدْرُسَ قَوْلُهُ (اسْتَغْفَرَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ) الْبَعِيرِ أَيْ لَيْلَةَ بَاعَ جَابِرٌ بَعِيرَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (وَمَعْنَى لَيْلَةَ الْبَعِيرِ مَا رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ) حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا أَخْرَجَهُ الشيخان مطولا

باب مناقب مصعب بن عمير

وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا فِي بَابِ اشْتِرَاطِ الدَّابَّةِ عِنْدَ الْبَيْعِ (يَقُولُ جَابِرٌ لَيْلَةَ بِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَعِيرَ اسْتَغْفَرَ لي خمسا وعشرين مرة) وفي رواية بن مَاجَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ جَابِرٍ فَقَالَ أَتَبِيعُ نَاضِحَكَ هَذَا وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ زَادَ النَّسَائِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَكَانَتْ كَلِمَةً تَقُولُهَا الْعَرَبُ افْعَلْ كَذَا وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ وَلِأَحْمَدَ قَالَ سُلَيْمَانُ يَعْنِي بَعْضَ رُوَاتِهِ فَلَا أَدْرِي كَمْ مِنْ مَرَّةٍ يَعْنِي قَالَ لَهُ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ اسْتَغْفَرَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْبَعِيرِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مَرَّةً كَذَا فِي الْفَتْحِ (وَتَرَكَ بَنَاتٍ) أَيْ تِسْعًا (يَعُولُهُنَّ) مِنْ عَالَ رَجُلٌ عِيَالَهُ يعولهم إذ قَامَ بِمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ (يَبَرُّ جَابِرًا) أَيْ يُحْسِنُ إِلَيْهِ مِنَ الْبِرِّ وَهُوَ الصِّلَةُ وَالْجُنَّةُ وَالْخَيْرُ وَالِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ مِنْ بَابِ عَلِمَ وَضَرَبَ 15 - (بَاب مَنَاقِبِ مُصْعَبِ بن عمير) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الصَّادِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (بْنِ عُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ كَانَ مِنْ أَجِلَّةِ الصَّحَابَةِ وَفُضَلَائِهِمْ هَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي أَوَّلِ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهَا ثُمَّ شَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُ بَعْدَ الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ يُقْرِئُهُمُ الْقُرْآنَ وَيُفَقِّهُهُمْ فِي الدِّينِ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ الْجُمُعَةَ بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَكَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ أَنْعَمِ النَّاسِ عَيْشًا وَأَلْيَنِهِمْ لِبَاسًا فَلَمَّا أَسْلَمَ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا فَتَخَشَّفَ جِلْدُهُ تَخَشُّفَ الْحَيَّةِ وَقِيلَ إِنَّهُ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ بَايَعَ الْعَقَبَةَ الْأُولَى فَكَانَ يَأْتِي الْأَنْصَارَ فِي دُورِهِمْ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَيُسْلِمُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ حَتَّى فَشَا الْإِسْلَامُ فِيهِمْ فَكَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ أَنْ يَجْمَعَ بِهِمْ فَأَذِنَ لَهُ ثُمَّ قَدِمَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ السَّبْعِينَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْهِ فِي الْعَقَبَةِ الثَّانِيَةِ فَأَقَامَ بِمَكَّةَ قَلِيلًا ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ قَدِمَهَا وَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَلَهُ أَرْبَعُونَ سَنَةً أَوْ أَكْثَرُ وَفِيهِ نَزَلَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكَانَ إِسْلَامُهُ بَعْدَ دُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم دار الأرقم [3853] قوله (حدثنا أَبُو أَحْمَدَ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ (عَنْ أَبِي وَائِلٍ) هُوَ شَقِيقُ بْنُ

سَلَمَةَ قَوْلُهُ (هَاجَرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ بِأَمْرِهِ وَإِذْنِهِ أَوِ الْمُرَادُ بِالْمَعِيَّةِ الِاشْتِرَاكُ فِي حُكْمِ الْهِجْرَةِ إِذْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ حِسًّا إِلَّا الصِّدِّيقُ وَعَامِرُ بْنُ فهيرة (نبغي وَجْهَ اللَّهِ) أَيْ جِهَةَ مَا عِنْدَهُ مِنَ الثَّوَابِ لَا جِهَةَ الدُّنْيَا (فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى الله) أي إنابتنا وجزاءنا وَفِي رِوَايَةٍ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ وَإِطْلَاقُ الْوُجُوبِ عَلَى اللَّهِ بِمَعْنَى إِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِوَعْدِهِ الصَّادِقِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ (لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا) كِنَايَةٌ عَنِ الْغَنَائِمِ الَّتِي تَنَاوَلَهَا مَنْ أَدْرَكَ زَمَنَ الْفُتُوحِ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَجْرِ ثَمَرَتُهُ فَلَيْسَ مَقْصُورًا عَلَى أَجْرِ الْآخِرَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَذَا مُشْكِلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْتِغَاءِ وَجْهِ اللَّهِ وَيُجْمَعُ بِأَنَّ إِطْلَاقَ الْأَجْرِ عَلَى الْمَالِ فِي الدُّنْيَا بِطَرِيقِ الْمَجَازِ بِالنِّسْبَةِ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْقَصْدَ الْأَوَّلَ هُوَ مَا تَقَدَّمَ لَكِنَّ مِنْهُمْ مَنْ مَاتَ قَبْلَ الْفُتُوحِ كَمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ عَاشَ إِلَى أَنْ فُتِحَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ انْقَسَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ وَوَاسَى بِهِ الْمَحَاوِيجَ أَوَّلًا فَأَوَّلًا بِحَيْثُ بَقِيَ عَلَى تِلْكَ الْحَالَةِ الْأُولَى وَهُمْ قَلِيلٌ مِنْهُمْ أَبُو ذَرٍّ وَهَؤُلَاءِ مُلْتَحِقُونَ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَبَسَّطَ فِي بَعْضِ الْمُبَاحِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِكَثْرَةِ النِّسَاءِ وَالسَّرَارِيِّ أَوِ الْخَدَمِ وَالْمَلَابِسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَمْ يَسْتَكْثِرْ وَهُمْ كثيرا ومنهم بن عُمَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ فَاسْتَكْثَرَ بِالتِّجَارَةِ وَغَيْرِهَا مَعَ الْقِيَامِ بِالْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ وَالْمَنْدُوبَةِ وَهُمْ كَثِيرٌ أَيْضًا مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَإِلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ أَشَارَ خَبَّابٌ فَالْقِسْمُ الْأَوَّلُ وَالْمُلْتَحِقُ بِهِ تَوَفَّرَ لَهُ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ وَالْقِسْمُ الثَّانِي مُقْتَضَى الْخَبَرِ أَنَّهُ يُحْسَبُ عَلَيْهِمْ مَا وَصَلَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَالِ الدُّنْيَا مِنْ ثَوَابِهِمْ فِي الْآخِرَةِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَرَفَعَهُ مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فَتَغْنَمُ وَتَسْلَمُ إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ أَجْرَهُمْ الْحَدِيثَ وَمِنْ ثَمَّ آثَرَ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ قِلَّةَ الْمَالِ وَقَنَعُوا بِهِ إِمَّا لِيَتَوَفَّرَ لَهُمْ ثَوَابُهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَإِمَّا لِيَكُونَ أَقَلَّ لِحِسَابِهِمْ عَلَيْهِ انْتَهَى (وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ وَفَتْحِ النُّونِ وَالْمُهْمَلَةِ أَيْ أَدْرَكَتْ وَنَضِجَتْ يُقَالُ أَيْنَعَ الثَّمَرُ يُونِعُ وينع وينيع فَهُوَ مُونِعٌ وَيَانِعٌ إِذَا أَدْرَكَ وَنَضِجَ (فَهُوَ يَهْدِبُهَا) بِكَسْرِ الدَّالِ وَضَمِّهَا أَيْ يَقْطَعُهَا وَيَجْتَنِيهَا من هدب الثمرة إذا اجتناها وحكى بن التِّينِ تَثْلِيثَ الدَّالِ (وَإِنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ مَاتَ) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ فِي الرِّقَاقِ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَذَا عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي الْجَنَائِزِ (الْإِذْخِرَ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ وَهُوَ حَشِيشٌ مَعْرُوفٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ

باب مناقب البراء بن مالك بن النضر بن ضميم

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي قوله (أخبرنا بن إِدْرِيسَ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيُّ الكوفي 16 - (باب مَنَاقِبُ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ ضَمِيمٍ) هُوَ أَخُو أَنَسٍ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ شَهِدَ أُحُدًا وَمَا بَعْدَهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ شُجَاعًا قَتَلَ مِائَةً مُبَارَزَةً كَذَا فِي التَّلْقِيحِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ) القطواني (حدثنا سَيَّارُ) بْنُ حَاتِمٍ الْعَنَزِيُّ أَبُو سَلَمَةَ الْبَصْرِيُّ (حدثنا جعفر بن سليمان) الضبعي البصري (حدثنا ثَابِتٌ) هُوَ الْبُنَانِيُّ (وَعَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ) هُوَ بن جُدْعَانَ [3854] قَوْلُهُ (كَمْ مِنْ أَشْعَثَ) أَيْ مُتَفَرِّقَ شَعْرِ الرَّأْسِ (أَغْبَرَ) أَيْ مُغَبَّرِ الْبَدَنِ (ذِي طِمْرَيْنِ) بِكَسْرٍ فَسُكُونٍ أَيْ صَاحِبَ ثَوْبَيْنِ خَلَقَيْنِ (لَا يُؤْبَهُ لَهُ) بِضَمِّ الْيَاءِ وَسُكُونِ وَاوٍ وَقَدْ يُهْمَزُ وَفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ وَبِهَاءٍ أَيْ لَا يُبَالَى بِهِ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ يُقَالُ مَا وبهت له بفتح الباء وكسرها وبهاء وبها بِالسُّكُونِ وَالْفَتْحِ وَأَصْلُ الْوَاوِ الْهَمْزَةُ كَذَا فِي النهاية قال بن الْمَلَكِ (كَمْ) خَبَرِيَّةٌ مُبْتَدَأٌ وَمِنْ مُبَيِّنٌ لَهَا وخبره لا يؤبه وقال القارىء الظَّاهِرُ أَنَّ الْخَبَرَ هُوَ قَوْلُهُ (لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ) أَيْ لَأَمْضَاهُ عَلَى الصِّدْقِ وَجَعَلَهُ بَارًّا فِي الْخُلُقِ (مِنْهُمُ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ) فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَالضِّيَاءُ

باب مناقب أبي موسى اسمه عبد الله بن قيس

117 - (باب مَنَاقِبُ أَبِي مُوسَى اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ) أَسْلَمَ بِمَكَّةَ وَهَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ثُمَّ قَدِمَ مَعَ أَهْلِ السَّفِينَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ وَلَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الْبَصْرَةَ سَنَةَ عِشْرِينَ فَافْتَتَحَ أَبُو مُوسَى الْأَهْوَازَ وَلَمْ يَزَلْ عَلَى الْبَصْرَةِ إِلَى صَدْرٍ مِنْ خِلَافَةِ عُثْمَانَ ثُمَّ عُزِلَ عَنْهَا فَانْتَقَلَ إِلَى الْكُوفَةِ فَأَقَامَ بِهَا وَكَانَ وَالِيًا عَلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ إِلَى أَنْ قُتِلَ عُثْمَانُ ثُمَّ انْقَبَضَ أَبُو مُوسَى إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ التَّحْكِيمِ فَلَمْ يَزَلْ بِهَا إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَخَمْسِينَ [3855] قَوْلُهُ (لَقَدْ أُعْطِيتَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (مِزْمَارًا) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ صَوْتًا حَسَنًا وَلَحْنًا طَيِّبًا قَالَ الْحَافِظُ الْمُرَادُ بِالْمِزْمَارِ الصَّوْتُ الْحَسَنُ وَأَصْلُهُ الْآلَةُ أُطْلِقَ اسْمُهُ عَلَى الصَّوْتِ لِلْمُشَابَهَةِ (مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ) أَيْ مِنْ أَلْحَانِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِالْمِزْمَارِ هُنَا الصَّوْتُ الْحَسَنُ وَأَصْلُ الزَّمْرِ الْغِنَاءُ وَآلُ دَاوُدَ هُوَ دَاوُدُ نَفْسُهُ وَآلُ فُلَانٍ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ دَاوُدُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَنَ الصَّوْتِ جِدًّا انْتَهَى وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ بِزِيَادَةٍ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَةَ مَرَّا بِآلِ مُوسَى وَهُوَ يَقْرَأُ فِي بَيْتِهِ فَقَامَا يَسْتَمِعَانِ لِقِرَاءَتِهِ ثُمَّ إِنَّهُمَا مَضَيَا فَلَمَّا أَصْبَحَ لَقِيَ أَبُو مُوسَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فقال يَا أَبَا مُوسَى مَرَرْتُ بِكَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ أَمَا لَوْ عَلِمْتُ بِمَكَانِكَ لَحَبَّرْتُهُ لَكَ تَحْبِيرًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ بُرَيْدَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ) أَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَفِيهِ أَنَّ الْأَشْعَرِيَّ أَوْ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أُعْطِيَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ دَاوُدَ (وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ) وَأَمَّا حَدِيثُ أنس فأخرجه بن سَعْدٍ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ أَنَّ أَبَا مُوسَى قَامَ لَيْلَةً يُصَلِّي فَسَمِعَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ وَكَانَ حُلْوَ الصَّوْتِ فَقُمْنَ يَسْتَمِعْنَ فَلَمَّا أَصْبَحَ قِيلَ لَهُ فَقَالَ لَوْ عَلِمْتُ لَحَبَّرْتُهُ لَهُنَّ تَحْبِيرًا كَذَا في الفتح

118 - مَنَاقِبُ سَهْلِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيِّ الْخَزْرَجِيِّ السَّاعِدِيِّ يُكَنَّى أَبَا الْعَبَّاسِ وَكَانَ اسْمُهُ حَزْنًا فَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَهْلًا مَاتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَمَاتَ سَهْلٌ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ إِحْدَى وَتِسْعِينَ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَثَمَانِينَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ [3856] قوله (حدثنا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ) النُّمَيْرِيُّ قَوْلُهُ (وَهُوَ يَحْفِرُ الْخَنْدَقَ) أَيْ حَوْلَ الْمَدِينَةِ (اللَّهُمَّ لَا عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ) أَيْ لَا عَيْشَ بَاقٍ وَلَا عَيْشَ مَطْلُوبٌ إِلَّا عَيْشُ الْآخِرَةِ (فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ) وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَكِلَاهُمَا غَيْرُ مَوْزُونٍ وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعَمَّدَ ذَلِكَ كَذَا فِي الْفَتْحِ وفيه قال بن بطال هو قول بن رَوَاحَةَ يَعْنِي تَمَثَّلَ بِهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ لَفْظِهِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاعِرًا قَالَ وَإِنَّمَا يُسَمَّى شَاعِرًا مَنْ قَصَدَهُ وَعَلِمَ السَّبَبَ وَالْوَتَدُ وَجَمِيعَ مَعَانِيهِ مِنَ الزِّحَافِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَذَا قَالَ وَعِلْمُ السَّبَبِ وَالْوَتَدِ إِلَى آخِرِهِ إِنَّمَا تَلَقَّوْهُ مِنَ الْعَرُوضِ الَّتِي اخْتَرَعَ تَرْتِيبَهَا الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ وَقَدْ كَانَ شِعْرُ الْجَاهِلِيَّةِ وَالْمُخَضْرَمِينَ وَالطَّبَقَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ مِنْ شُعَرَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُصَنِّفَهُ الْخَلِيلُ كَمَا قَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ أَنَا أَقْدَمُ مِنَ الْعَرُوضِ يَعْنِي أَنَّهُ نَظَّمَ الشِّعْرَ قَبْلَ وَضْعِهِ وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَجَّاجِ الْكَاتِبُ قَدْ كَانَ شِعْرُ الْوَرَى قَدِيمًا مِنْ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ الْخَلِيلُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ [3857] قَوْلُهُ (إِنَّ

باب ما جاء في فضل من رأى النبي

رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يَقُولُ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ يَقُولُ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخَنْدَقِ فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ بَارِدَةٍ فَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ فَلَمَّا رَأَى مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَةِ فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَةِ فَقَالُوا مُجِيبِينَ لَهُ نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا قَالَ الْحَافِظُ وَفِيهِ أَنَّ فِي إِنْشَادِ الشِّعْرِ تَنْشِيطًا فِي الْعَمَلِ وَبِذَلِكَ جَرَتْ عَادَتُهُمْ فِي الْحَرْبِ وَأَكْثَرُ مَا يَسْتَعْمِلُونَ فِي ذَلِكَ الرَّجَزُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 19 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ مَنْ رَأَى النَّبِيَّ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَحِبَهُ [3858] قَوْلُهُ (لَا تَمَسُّ النَّارُ مُسْلِمًا رَآنِي أَوْ رَأَى مَنْ رَآنِي) قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ الدَّهْلَوِيُّ فِي تَرْجَمَةِ الْمِشْكَاةِ مَا مُعَرَّبُهُ خَصَّصَ هَذَا الْحَدِيثُ هَذِهِ الْبِشَارَةَ بِالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ اتِّفَاقًا مِنْهُمْ وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ الْعَشَرَةُ الْمُبَشَّرَةُ وَلَا مَنْ بَشَّرَهُمْ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ مِنْ غَيْرِهِمْ بَلْ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَلَكِنَّ الصَّحَابِيَّ وَالتَّابِعِيَّ وَالْمُسْلِمَ هُوَ مَنْ مَاتَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهَذَا الْخَبَرُ لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنْ بَيَانِ الْمُخْبِرِ الصَّادِقِ وَتَبْشِيرِهِ بِهِ وَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ خُصِّصَتْ جَمَاعَةٌ يُقَالُ لَهَا الْمُبَشَّرَةُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذِهِ إِشَارَةً إِلَى الْمَوْتِ عَلَى الْإِيمَانِ كَمَا فِي حَدِيثٍ آخَرَ مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ انْتَهَى قَالَ صَاحِبُ الدِّينِ الْخَالِصِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الشَّيْخِ هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ تَخْصِيصُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِهَذِهِ

الْبِشَارَةِ وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى شُمُولِ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ بَلْ قَصَرَ تَبَعَ التَّابِعِينَ عَنِ الدُّخُولِ فِيهِ وَالْحَدِيثُ أَفَادَ أَنَّ الْبِشَارَةَ خَاصَّةٌ بِمَنْ رَأَى الصَّحَابِيَّ فَمَنْ لَمْ يَرَهُ وَكَانَ فِي زَمَنِهِ فَالْحَدِيثُ لَا يَشْمَلُهُ انْتَهَى قُلْتُ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ صاحب الدين الخالص (قال طلحة) أي بن خراش (وقال موسى) أي بن إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ الْأَنْصَارِيُّ وَهُوَ مِنْ أَوْسَاطِ أتباع التابعين (قال يحيى) أي بن حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ الْبَصْرِيُّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الْآخِذِينَ عَنْ تَبَعِ الْأَتْبَاعِ مِمَّنْ لَمْ يَلْقَ التَّابِعِينَ (وَقَدْ رَأَيْتَنِي) بِصِيغَةِ الْخِطَابِ (وَنَحْنُ نَرْجُو اللَّهَ) أَيْ أَنْ يُدْخِلَنَا فِي هَذِهِ الْبِشَارَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُوسَى بْنَ إِبْرَاهِيمَ لَا يُخَصِّصُ هَذِهِ الْبِشَارَةَ بِالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ (عن موسى) أي بن إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ [3859] قَوْلُهُ (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ النَّخَعِيُّ (عَنْ عَبِيدَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ (خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي الشَّهَادَاتِ (ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ تَسْبِقُ أَيْمَانُهُمْ شَهَادَاتِهِمْ أَوْ شَهَادَاتُهُمْ أَيْمَانَهُمْ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ بِلَفْظِ أَوْ وَفِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ بِالْوَاوِ قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا ذَمٌّ لِمَنْ يَشْهَدُ وَيَحْلِفُ مَعَ شَهَادَتِهِ وَاحْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ مَنْ حَلَفَ مَعَهَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةِ فَتَارَةً تَسْبِقُ هَذِهِ وَتَارَةً هَذِهِ انْتَهَى وقال بن الْجَوْزِيِّ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ لَا يَتَوَرَّعُونَ وَيَسْتَهِينُونَ بِأَمْرِ الشَّهَادَةِ وَالْيَمِينِ وَقَالَ فِي الْمَجْمَعِ أَرَادَ حِرْصَهُمْ عليها وقلة مبالاة بِالدِّينِ بِحَيْثُ تَارَةً يَكُونُ هَذَا وَتَارَةً عَكْسَهُ

باب في فضل من بايع تحت الشجرة

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ حصين) تقدم حديثهما في الشهادات (وبريدة) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ 20 - (بَاب فِي فَضْلِ مَنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) [3860] قَوْلُهُ (لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) هَذِهِ الْبَيْعَةُ هِيَ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ وَكَانَتْ تَحْتَ شَجَرَةِ سَمُرَةَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ قِيلَ أَلْفًا وَثَلَاثَمِائَةٍ وَقِيلَ وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيلَ خَمْسَمِائَةٍ الْأَوْسَطُ أَصَحُّ قَالَهُ الحافظ بن كَثِيرٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ 21 - (باب في سَبَّ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [3861] قَوْلُهُ (لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي) الْخِطَابُ بِذَلِكَ لِلصَّحَابَةِ لِمَا وَرَدَ أَنَّ سَبَبَ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ شَيْءٌ فَسَبَّهُ خَالِدٌ فَالْمُرَادُ بِأَصْحَابِي أَصْحَابٌ مخصوصون

وَهُمُ السَّابِقُونَ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ فِي الْإِسْلَامِ وَقِيلَ نَزَلَ السَّابُّ مِنْهُمْ لِتَعَاطِيهِ مَا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنَ السَّبِّ مَنْزِلَةَ غَيْرِهِمْ فَخَاطَبَهُ خِطَابَ غير الصحابة قال القارىء وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ لِلْأُمَّةِ الْأَعَمِّ مِنَ الصَّحَابَةِ حَيْثُ عَلِمَ بِنُورِ النُّبُوَّةِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا يَقَعُ فِي أَهْلِ الْبِدْعَةِ فَنَهَاهُمْ بِهَذِهِ السُّنَّةِ (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ) فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا أَصْحَابِي أَصْحَابٌ مَخْصُوصُونَ وَإِلَّا فَالْخِطَابُ كَانَ لِلصَّحَابَةِ وَقَدْ قَالَ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ الْآيَةَ وَمَعَ ذَلِكَ فَنَهْيُ بَعْضِ مَنْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخَاطَبَهُ بِذَلِكَ عَنْ سَبِّ مَنْ سَبَقَهُ يَقْتَضِي زَجْرَ مَنْ لَمْ يُدْرِكِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يُخَاطِبْهُ عَنْ سَبِّ مَنْ سَبَقَهُ مِنْ بَابِ الْأَوْلَى وَغَفَلَ مَنْ قَالَ إِنَّ الْخِطَابَ بِذَلِكَ لِغَيْرِ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مَنْ سَيُوجَدُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الْمَفْرُوضِينَ فِي الْعَقْلِ تَنْزِيلًا لِمَنْ سيوجد منزلة الموجود القطع بِوُقُوعِهِ وَوَجْهُ التَّعَقُّبِ عَلَيْهِ وُقُوعُ التَّصْرِيحِ فِي نَفْسِ الْخَبَرِ بِأَنَّ الْمُخَاطَبَ بِذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَهُوَ مِنَ الصَّحَابَةِ الْمَوْجُودِينَ إِذْ ذَاكَ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا) زَادَ الْبَرْقَانِيُّ فِي الْمُصَافَحَةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ عَنِ الْأَعْمَشِ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ (مَا أَدْرَكَ) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا بَلَغَ (مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ) أَيِ الْمُدَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَالنَّصِيفُ بِوَزْنِ رَغِيفٍ هُوَ النِّصْفُ كَمَا يُقَالُ عَشْرٌ وَعَشِيرٌ وَثَمَنٌ وَثَمِينٌ وَقِيلَ النَّصِيفُ مِكْيَالٌ دُونَ الْمُدِّ وَالْمُدُّ بِضَمِّ الْمِيمِ مِكْيَالٌ مَعْرُوفٌ وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ لِلنَّوَوِيِّ مَعْنَاهُ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ ثَوَابُهُ فِي ذَلِكَ ثَوَابَ نَفَقَةِ أَحَدِ أَصْحَابِي مُدًّا وَلَا نِصْفَ مُدٍّ وَسَبَبُ تَفْضِيلِ نَفَقَتِهِمْ أَنَّهَا كَانَتْ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَضِيقِ الْحَالِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ إِنْفَاقَهُمْ كَانَ فِي نُصْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِمَايَتِهِ وَذَلِكَ مَعْدُومٌ بَعْدَهُ وَكَذَا جِهَادُهُمْ وَسَائِرُ طَاعَتِهِمْ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة الْآيَةَ وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ مَا كَانَ فِيهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الشَّفَقَةِ وَالنُّورِ وَالْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ وَالْإِيثَارِ وَالْجِهَادِ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَفَضِيلَةُ الصُّحْبَةِ وَلَوْ لَحْظَةً لَا يُوَازِيهَا عَمَلٌ وَلَا يُنَالُ دَرَجَتُهَا بِشَيْءٍ وَالْفَضَائِلُ لَا تُؤْخَذُ بِقِيَاسٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وأبو داود والنسائي وبن ماجه

[3862] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) الْإِمَامُ الذُّهْلِيُّ (حدثنا عبيدة) بفتح أوله (بن أَبِي رَايِطَةَ) بِتَحْتَانِيَّةٍ الْمُجَاشِعِيُّ الْكُوفِيُّ الْحَذَّاءُ صَدُوقٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادٍ) أَمِيرِ خُرَاسَانَ رَوَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَعَنْهُ عَبِيدَةُ بْنُ أَبِي رَايِطَةَ قَالَ بن معين لا أعرفه ووثقه بن حِبَّانَ قَوْلُهُ (اللَّهَ اللَّهَ) بِالنَّصْبِ فِيهِمَا أَيِ اتَّقُوا اللَّهَ ثُمَّ اتَّقُوا اللَّهَ (فِي أَصْحَابِي) أَيْ فِي حَقِّهِمْ وَالْمَعْنَى لَا تُنْقِصُوا مِنْ حَقِّهِمْ وَلَا تَسُبُّوهُمْ أَوِ التَّقْدِيرُ أُذَكِّركُمُ اللَّهَ ثُمَّ أَنْشُدُكُمُ اللَّهَ فِي حَقِّ أَصْحَابِي وَتَعْظِيمِهِمْ وَتَوْقِيرِهِمْ كَمَا يَقُولُ الْأَبُ الْمُشْفِقُ اللَّهَ اللَّهَ فِي حَقِّ أَوْلَادِي ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ (لَا تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ أَيْ هَدَفًا تَرْمُوهُمْ بِقَبِيحِ الْكَلَامِ كَمَا يُرْمَى الْهَدَفُ بِالسَّهْمِ (فَبِحُبِّي أُحِبُّهُمْ) أَيْ بِسَبَبِ حُبِّهِ إِيَّايَ أُحِبُّهُمْ أَوْ بِسَبَبِ حُبِّي إِيَّاهُمْ أُحِبُّهُمْ (وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ) أَيْ إِنَّمَا أَبْغَضَهُمْ بِسَبَبِ بُغْضِهِ إِيَّايَ (يُوشِكُ) بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ (أَنْ يَأْخُذَهُ) أَيْ يُعَاقِبَهُ فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ [3863] قَوْلُهُ (عن خداش) هو بن عَيَّاشٍ (لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ) جَوَابُ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ أَيْ وَاللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ (إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ) زاد بن أَبِي حَاتِمٍ قَالَ فَانْطَلَقْنَا نَبْتَدِرُهُ فَإِذَا رَجُلٌ قَدْ أَضَلَّ بَعِيرُهُ فَقُلْنَا تَعَالَ فَبَايِعْ قَالَ أُصِيبُ بَعِيرِي أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ أُبَايِعَ وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من يصعد الثنية ثنية المراد فَإِنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَهَا خَيْلُنَا خَيْلُ بَنِي الْخَزْرَجِ ثُمَّ تَتَامَّ النَّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّكُمْ مَغْفُورٌ له إلا

صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ فَأَتَيْنَاهُ فَقُلْنَا تَعَالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَاللَّهِ لَإِنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ صَاحِبُكُمْ قَالَ وَكَانَ رَجُلٌ يَنْشُدُ ضَالَّةً لَهُ قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْقَاضِي قِيلَ هَذَا الرَّجُلُ هُوَ الْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ الْمُنَافِقُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن أَبِي حَاتِمٍ [3864] قَوْلُهُ (أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبٍ) أَيِ بن أَبِي بَلْتَعَةَ (فَقَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَذَبْتَ) أَيْ فِي قَوْلِكَ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ وَالْكَذِبُ هُوَ الْإِخْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا سَوَاءٌ كَانَ الْإِخْبَارُ عَنْ مَاضٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ وَخَصَّتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ بِالْعَمْدِ وَهَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا يُسْتَعْمَلُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْمَاضِي بِخِلَافِ مَا هُوَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَفَضِيلَةُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ لِكَوْنِهِ مِنْهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3865] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عثمان بن ناجية) الخرساني مَسْتُورٌ مِنَ الثَّالِثَةِ رَوَى لَهُ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ وَحْدَهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ أَبِي طَيْبَةَ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ وَبِالْمُوَحَّدَةِ الْمَرْوَزِيِّ السُّلَمِيِّ (عَنْ أَبِيهِ) أَيْ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ قَوْلُهُ (مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِي) مِنَ الْأُولَى زَائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ نَفْيِ الِاسْتِغْرَاقِ وَالثَّانِيَةُ بَيَانِيَّةٌ (إِلَّا بُعِثَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ إِلَّا حُشِرَ ذَلِكَ الْأَحَدُ مِنْ أَصْحَابِي (قَائِدًا) أَيْ لِأَهْلِ تِلْكَ الْأَرْضِ فِي الْجَنَّةِ (وَنُورًا لَهُمْ) أَيْ هَادِيًا لَهُمْ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) فِي سَنَدِهِ عُثْمَانُ بْنُ نَاجِيَةَ وَهُوَ مَسْتُورٌ كَمَا عَرَفْتَ وَالْحَدِيثُ خرجه أَيْضًا الضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ 22 - [3866] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ نَافِعٍ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَصْرِيُّ الْعَبْدِيُّ (أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ حَمَّادٍ) الْفَزَارِيُّ وَيُقَالُ الْعَتَكِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ) التَّمِيمِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ الرِّدَّةِ وَيُقَالُ لَهُ الضَّبِّيُّ وَيُقَالُ غَيْرُ ذَلِكَ الْكُوفِيُّ ضَعِيفٌ فِي الْحَدِيثِ عمدة في التاريخ أفحش بن حِبَّانَ الْقَوْلَ فِيهِ مِنَ الثَّامِنَةِ مَاتَ فِي زَمَنِ الرَّشِيدِ (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ) الْعُمَرِيِّ قَوْلُهُ (إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَسُبُّونَ) أَيْ يَشْتُمُونَ (أَصْحَابِي) أَيْ أَحَدَهُمْ (لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى شَرِّكُمْ) قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فهو على وزان وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضلال مبين وَقَوْلِ حَسَّانٍ فَشَرُّكُمَا لِخَيْرِكُمَا فِدَاءٌ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ لَعْنَهُمْ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الشَّرِّ وَالْفِتْنَةِ وَأَنَّ الصَّحَابَةَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلرِّضَى وَالرَّحْمَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ اخْتُلِفَ فِي سَابِّ الصَّحَابِيِّ فَقَالَ عِيَاضٌ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَعَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ يُقْتَلُ وَخَصَّ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ ذَلِكَ بِالشَّيْخَيْنِ وَالْحَسَنَيْنِ فَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ وَقَوَّاهُ السُّبْكِيُّ فِي حَقِّ مَنْ كَفَّرَ الشَّيْخَيْنِ وَكَذَا مَنْ كَفَّرَ مَنْ صَرَّحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِيمَانِهِ أَوْ تَبْشِيرِهِ بِالْجَنَّةِ إِذَا تَوَاتَرَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ عَنْهُ لِمَا تَضَمَّنَ مِنْ تَكْذِيبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اعْلَمْ أَنَّ سَبَّ الصَّحَابَةِ حَرَامٌ مِنْ فَوَاحِشِ الْمُحَرَّمَاتِ سَوَاءٌ مَنْ لَابَسَ الْفِتَنَ مِنْهُمْ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ فِي تِلْكَ الْحَرْبِ وَمُتَأَوِّلُونَ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي أَوَّلِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ قَالَ الْقَاضِي وَسَبُّ أَحَدِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَا يُقْتَلُ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُقْتَلُ انْتَهَى

باب ما جاء في فضل فاطمة بنت محمد

123 - (بَاب مَا جَاءَ فِي فَضْلِ فَاطِمَةَ بِنْتِ محمد) أَيْ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمُّهَا خَدِيجَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ وُلِدَتْ فَاطِمَةُ فِي الْإِسْلَامِ وَقِيلَ قَبْلَ الْبِعْثَةِ وَتَزَوَّجَهَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعْدَ بَدْرٍ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَوَلَدَتْ لَهُ وَمَاتَتْ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عائشة وقيل بل عائشة بَعْدَهُ ثَمَانِيَةً وَقِيلَ ثَلَاثَةً وَقِيلَ شَهْرَيْنِ وَقِيلَ شَهْرًا وَاحِدًا وَلَهَا أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ فَقِيلَ إِحْدَى وَقِيلَ خَمْسٌ وَقِيلَ تِسْعٌ وَقِيلَ عَاشَتْ ثَلَاثِينَ سَنَةً [3867] قَوْلُهُ (عَنِ بن أَبِي مُلَيْكَةَ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَوْلُهُ (إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالصَّوَابُ هِشَامٌ لِأَنَّهُ جَدُّ الْمَخْطُوبَةِ وَبَنُو هِشَامٍ هُمْ أَعْمَامُ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ لِأَنَّهُ أَبُو الْحَكَمِ عَمْرُو بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَقَدْ أَسْلَمَ أَخَوَاهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامٍ عَامَ الْفَتْحِ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمَا وَمِمَّنْ يَدْخُلُ فِي إِطْلَاقِ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَقَدْ أَسْلَمَ أَيْضًا وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ (اسْتَأْذَنُونِي فِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) وَجَاءَ أَيْضًا أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَأْذَنَ بِنَفْسِهِ عَلَى مَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ خَطَبَ عَلِيٌّ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ إِلَى عَمِّهَا الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَاسْتَشَارَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَعَنْ حَسَبِهَا تَسْأَلُنِي فَقَالَ لَا وَلَكِنْ أَتَأْمُرُنِي بِهَا قَالَ لَا فَاطِمَةُ مُضْغَةٌ مِنِّي وَلَا أَحْسِبُ إِلَّا أَنَّهَا تَحْزَنُ أَوْ تَجْزَعُ فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا آتِي شَيْئًا تَكْرَهُهُ وَاسْمُ الْمَخْطُوبَةِ جُوَيْرَةُ أَوِ الْعَوْرَاءُ أَوْ جَمِيلَةُ (فَلَا آذَنُ لَهُمْ ثُمَّ لَا آذَنُ ثُمَّ لَا آذَنُ) كَرَّرَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَأْيِيدِ مُدَّةِ مَنْعِ الْإِذْنِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ رَفْعَ الْمَجَازِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُحْمَلَ النَّفْيُ عَلَى مُدَّةٍ بِعَيْنِهَا فَقَالَ ثُمَّ لَا آذَنُ أَيْ وَلَوْ مَضَتِ الْمُدَّةُ الْمَفْرُوضَةُ تَقْدِيرًا لَا آذَنُ بَعْدَهَا ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا (فَإِنَّهَا بَضْعَةٌ مِنِّي) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ قِطْعَةٌ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ كَمَا تَقَدَّمَ مُضْغَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ أُصِيبَتْ بِأُمِّهَا ثُمَّ بِإِخْوَتِهَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا مَنْ تَسْتَأْنِسُ بِهِ مِمَّنْ يُخَفِّفُ عَلَيْهَا الْأَمْرَ مِمَّنْ تُفْضِي إِلَيْهِ بِسِرِّهَا إِذَا

حَصَلَتْ لَهَا الْغَيْرَةُ (يَرِيبُنِي) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ يُرِيبُنِي بِضَمِّهَا مِنْ بَابِ الْإِفْعَالِ (مَا رَابَهَا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَا أَرَابَهَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَرِيبُنِي مَا يَرِيبُهَا أَيْ يسوؤني ما يسوؤها وَيُزْعِجُنِي مَا يُزْعِجُهَا يُقَالُ رَابَنِي هَذَا الْأَمْرُ وأرابني إذ رَأَيْتَ مِنْهُ مَا تَكْرَهُ انْتَهَى وَفِي رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا يَعْنِي أَنَّهَا لَا تَصْبِرُ عَلَى الْغَيْرَةِ فَيَقَعُ مِنْهَا فِي حَقِّ زَوْجِهَا فِي حَالِ الْغَضَبِ مَا لَا يَلِيقُ بِحَالِهَا فِي الدِّينِ (وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا) فِيهِ تَحْرِيمُ أَذَى مَنْ يَتَأَذَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَأَذِّيهِ لِأَنَّ أَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم حرام حَرَامٌ اتِّفَاقًا قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَقَدْ جَزَمَ بِأَنَّهُ يُؤْذِيهِ مَا يُؤْذِي فَاطِمَةَ فَكُلُّ مَنْ وَقَعَ منه فِي حَقِّ فَاطِمَةَ شَيْءٌ فَتَأَذَّتْ بِهِ فَهُوَ يُؤْذِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَهَادَةِ هَذَا الْخَبَرِ الصَّحِيحِ وَلَا شَيْءَ أَعْظَمَ فِي إِدْخَالِ الْأَذَى عَلَيْهَا مِنْ قَتْلِ وَلَدِهَا وَلِهَذَا عُرِفَ بِالِاسْتِقْرَاءِ مُعَاجَلَةُ مَنْ تَعَاطَى ذَلِكَ بِالْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ [3868] قَوْلُهُ (كَانَ أَحَبُّ النِّسَاءِ) بِالرَّفْعِ أَنَّهُ اسْمُ كَانَ أَوْ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُهَا (فَاطِمَةَ) بِالنَّصْبِ أَوْ بالرفع (قال إبراهيم) أي بن سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ (يَعْنِي مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ) أَيْ كَانَ أَحَبُّ النِّسَاءِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَاطِمَةَ وَكَانَ أَحَبُّ الرِّجَالِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم من أهل بيته علي [3869] قوله (عن أيوب) هو بن أَبِي تَمِيمَةَ السِّخْتِيَانِيُّ قَوْلُهُ (أَنَّ عَلِيًّا) أَيِ بن أَبِي طَالِبٍ (ذَكَرَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ) أَيْ خَطَبَهَا (وَيَنْصِبُنِي مَا أَنْصَبَهَا) أَيْ يُتْعِبُنِي مَا أَتْعَبَهَا مِنَ النَّصَبِ وَهُوَ التَّعَبُ

قوله (ويحتمل أن يكون بن أَبِي مُلَيْكَةَ رَوَى عَنْهُمَا جَمِيعًا) أَيْ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ جَمِيعًا قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا مَا لَفْظُهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ تَرْجِيحُ رِوَايَةِ اللَّيْثِ لِكَوْنِهِ تُوبِعَ وَلِكَوْنِ الْحَدِيثِ قَدْ جَاءَ عَنِ الْمِسْوَرِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ بن أبي مليكة انتهى [3870] قوله (حدثنا أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ الْهَمْدَانِيُّ) بِسُكُونِ الْمِيمِ أَبُو يُوسُفَ وَيُقَالُ أَبُو نَصْرٍ صَدُوقٌ كَثِيرُ الْخَطَأِ يُغْرِبُ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنِ السُّدِّيِّ) بِضَمِّ السِّينِ وَشِدَّةِ الدَّالِ اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهُوَ الْكَبِيرُ (عَنْ صُبَيْحٍ) بِضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا (مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ) وَيُقَالُ مَوْلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ قَوْلُهُ (أَنَا حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ) أَيْ أَنَا مُحَارِبٌ لِمَنْ حَارَبْتُمْ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ نَفْسَ الْحَرْبِ مُبَالَغَةً كَرَجُلِ عَدْلٍ (وَسِلْمٌ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ وَيُفْتَحُ أَيْ مُسَالِمٌ وَمُصَالِحٌ قَوْلُهُ (وَصُبَيْحٌ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ) وَذَكَرَهُ بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ قَالَ الْحَافِظُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ لَمْ يَذْكُرْ سَمَاعًا مِنْ زَيْدٍ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ [3871] قَوْلُهُ (عَنْ زُبَيْدٍ) بِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ مصغرا وهو بن الْحَارِثِ الْيَامِيُّ قَوْلُهُ (جَلَّلَ عَلَى الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ وَعَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ كِسَاءً) أَيْ غَطَّاهُمْ بِكِسَاءٍ (وَحَامَتِي) قال

فِي النِّهَايَةِ حَامَةُ الْإِنْسَانِ خَاصَّتُهُ وَمَنْ يَقْرُبُ مِنْهُ وَهُوَ الْحَمِيمُ أَيْضًا (إِنَّكَ عَلَى خَيْرٍ) تَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ الْأَحْزَابِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن جَرِيرٍ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ وَعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي الْحَمْرَاءِ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ وَحَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ فَأَخْرَجَهُمَا التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْأَحْزَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ أبي الحمراء فأخرجه بن جرير وبن مردويه [3872] قوله (أخبرنا إسرائيل) هو بن يونس (ما رأيت أحد أَشْبَهَ سَمْتًا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ (وَدَلًّا) بِفَتْحِ دَالٍ وَتَشْدِيدِ لَامٍ (وَهَدْيًا) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُتَقَارِبَةُ الْمَعَانِي فَمَعْنَاهَا الْهَيْئَةُ وَالطَّرِيقَةُ وَحُسْنُ الْحَالِ وَنَحْوُ ذَلِكَ انْتَهَى وفسر الراغب الدال بِحُسْنِ الشَّمَائِلِ وَأَصْلُهُ مِنْ دَلِّ امْرَأَةٍ وَهُوَ شَكْلُهَا وَمَا يُسْتَحْسَنُ مِنْهَا قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ كَأَنَّهَا أَشَارَتْ بِالسَّمْتِ إِلَى مَا يُرَى عَلَى الْإِنْسَانِ مِنَ الْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ لِلَّهِ وَبِالْهَدْيِ مَا يَتَحَلَّى مِنَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ وَإِلَى مَا يَسْلُكُهُ مِنَ المنهج المرضي وبالدال حُسْنُ الْخُلُقِ وَلُطْفُ الْحَدِيثِ (قَالَتْ) أَيْ عَائِشَةُ (وَكَانَتْ إِذَا دَخَلَتْ) أَيْ فَاطِمَةُ (قَامَ إِلَيْهَا) أَيْ مُسْتَقْبِلًا وَمُتَوَجِّهًا إِلَيْهَا (فَقَبَّلَهَا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَأَخَذَ بِيَدِهَا فَقَبَّلَهَا (وَأَجْلَسَهَا فِي مَجْلِسِهِ) أَيْ تَكْرِيمًا لَهَا (فَقَبَّلَتْهُ) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ فَقَبَّلَتْهُ (فَأَكَبَّتْ

عَلَيْهِ) أَيْ مَالَتْ إِلَيْهِ (إِنْ كُنْتُ) إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ (أَنَّ هَذِهِ) أَيْ فَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (فَإِذَا هِيَ مِنَ النِّسَاءِ) أَيْ هِيَ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَا أَعْقَلُهُنَّ لِأَنَّهَا تَضْحَكُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ (أَرَأَيْتُ) أَيْ أَخْبِرِينِي (مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكَ) مَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَيْ أَيُّ شَيْءٍ حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكَ (إِنِّي إِذَنْ لَبَذِرَةٌ) مُؤَنَّثُ بَذِرٍ كَكَتِفٍ وَهُوَ الَّذِي يُفْشِي السِّرَّ وَيُظْهِرُ مَا يَسْمَعُهُ (أَنَّهُ مَيِّتٌ مِنْ وَجَعِهِ هَذَا) أَيْ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ مَرَضِهِ هَذَا وَالْوَجَعُ مُحَرَّكَةٌ الْمَرَضُ (إِنِّي أَسْرَعُ أَهْلِهِ لحوقا به) اللحوق الضمام شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَاللَّحَاقُ بِالْفَتْحِ إِدْرَاكُ شَخْصٍ غَيْرَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو داود والنسائي وبن حبان والحاكم [3874] قَوْلُهُ (فَسُئِلَتْ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ عَائِشَةُ وَفِي الْمِشْكَاةِ سَأَلْتُ قَالَ القارىء أَيْ أَنَا وَفِي نُسْخَةٍ يَعْنِي مِنَ الْمِشْكَاةِ بِصِيغَةِ التَّأْنِيثِ أَيْ عَمَّتِي (قَالَتْ) أَيْ عَائِشَةُ (فَاطِمَةُ) أَيْ هِيَ كَانَتْ أَحَبَّ (فَقِيلَ مِنَ الرِّجَالِ) أَيْ هَذَا جَوَابُكِ مِنَ النِّسَاءِ فَمَنْ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الرِّجَالِ (قَالَتْ زَوْجُهَا) أَيْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (إِنْ كَانَ مَا عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا) إِنْ مُخَفَّفَةٌ مِنَ الْمُثَقَّلَةِ أَيْ إِنَّهُ كَانَ فِي عِلْمِي كَثِيرَ الصِّيَامِ وَكَثِيرَ الْقِيَامِ بِاللَّيْلِ (قَالَ) أَيْ أَبُو عِيسَى (وَأَبُو الْجَحَّافِ) بِفَتْحِ الْجِيمِ وَتَثْقِيلِ الْمُهْمَلَةِ وَآخِرُهُ فَاءٌ (دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَوْفٍ) أَيِ اسْمُهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي عَوْفٍ (وَيُرْوَى

باب فضل عائشة رضي الله عنها

عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو الْجَحَّافِ وَكَانَ مرضيا) وقال بن عَدِيٍّ لَهُ أَحَادِيثُ وَهُوَ مِنْ غَالِيَةِ التَّشَيُّعِ وَعَامَّةُ حَدِيثِهِ فِي أَهْلِ الْبَيْتِ وَهُوَ عِنْدِي لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَا مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ وَقَالَ الْعُقَيْلِيُّ كَانَ مِنْ غُلَاةِ الشِّيعَةِ وَقَالَ الْأَزْدِيُّ زَائِغٌ ضَعِيفٌ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ 24 - (بَاب فَضْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) هِيَ الصِّدِّيقَةُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ وَأُمُّهَا أُمُّ رُومَانَ وَكَانَ مَوْلِدُهَا فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَمَانِ سِنِينَ أَوْ نحوهما ومات النبي وَلَهَا نَحْوُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا وَقَدْ حَفِظَتْ عَنْهُ شَيْئًا كَثِيرًا وَعَاشَتْ بَعْدَهُ قَرِيبًا مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً فَأَكْثَرَ النَّاسُ الْأَخْذَ عَنْهَا وَنَقَلُوا عَنْهَا مِنَ الْأَحْكَامِ وَالْآدَابِ شَيْئًا كَثِيرًا حَتَّى قِيلَ إِنَّ رُبُعَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مَنْقُولٌ عَنْهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَكَانَ مَوْتُهَا فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ فِي الَّتِي بعدها ولم تلد للنبي شيئا على الصواب وسألته أن تكنى فَقَالَ اكْتَنِي بِابْنِ أُخْتِكِ فَاكْتَنَتْ أُمَّ عَبْدِ الله وأخرج بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ كناها بذلك لما أحضر إليه بن الزُّبَيْرِ لِيُحَنِّكَهُ فَقَالَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَنْتِ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ فَلَمْ أَزَلْ أُكْنَى بِهِ [3879] قَوْلُهُ (كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ) مِنَ التَّحَرِّي وَهُوَ الْقَصْدُ وَالِاجْتِهَادُ فِي الطَّلَبِ وَالْعَزْمُ عَلَى تَخْصِيصِ الشَّيْءِ بِالْفِعْلِ وَالْقَوْلِ (يَوْمَ عَائِشَةَ) أَيْ يوم نوبتها لرسول الله زَادَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ مَرْضَاةَ رَسُولِ الله (قَالَتْ) أَيْ عَائِشَةُ (فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبَاتِي) أَرَادَتْ بِهِنَّ بقية أزواج النبي اللَّاتِي كُنَّ فِي حِزْبِ أُمِّ سَلَمَةَ فَفِي رواية البخاري أن نساء رسول الله كُنَّ حِزْبَيْنِ فَحِزْبٌ فِيهِ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَصَفِيَّةُ وَسَوْدَةُ وَالْحِزْبُ الْآخَرُ أُمُّ سَلَمَةَ وَسَائِرُ نِسَاءِ رسول الله وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ عَلِمُوا حُبَّ رَسُولِ اللَّهِ عَائِشَةَ فَإِذَا كَانَتْ عِنْدَ أَحَدِهِمْ هَدِيَّةٌ يُرِيدُ أن يهديها إلى رسول الله أخرها حتى إذا كان رسول الله فِي بَيْتِ عَائِشَةَ بَعَثَ صَاحِبُ الْهَدِيَّةِ بِهَا إلى رسول الله فِي بَيْتِ عَائِشَةَ فَكَلَّمَ حِزْبٌ أُمَّ سَلَمَةَ فقلن لها كلمي رسول الله يُكَلِّمُ النَّاسَ إِلَخْ (يَأْمُرِ النَّاسَ) بِالْجَزْمِ وَالرَّاءُ مَكْسُورَةٌ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ

يُهْدُونَ إِلَيْهِ أَيْنَ مَا كَانَ أَيْ مِنْ حُجُرَاتِ الْأُمَّهَاتِ وَمُرَادُهُنَّ أَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّحَرِّي فِي ذَلِكَ لَا لَهُنَّ وَلَا لِغَيْرِهِنَّ بَلْ بِحَسَبِ مَا يَتَّفِقُ الْأَمْرُ فِيهِنَّ لِيَرْتَفِعَ التَّمْيِيزُ الْبَاعِثُ لِلْغَيْرَةِ عَنْهُنَّ (فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ) أي لرسول الله (ثم عاد إليها) أعاد النبي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ فِي يَوْمِ نَوْبَتِهَا (لَا تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ) أَيْ فِي حَقِّهَا وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ لَا تُؤْذِي عَائِشَةَ لِمَا تُفِيدُ مِنْ أَنَّ مَا آذَاهَا فَهُوَ يُؤْذِيهِ (مَا أُنْزِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا) بِالْجَرِّ صِفَةٌ لِامْرَأَةٍ فَإِنْ قُلْتَ مَا وَجْهُ التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ مَا فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَوْبَتَنَا على نبيه حِينَ بَقِيَ الثُّلُثُ الْآخِرُ مِنَ اللَّيْلِ وَرَسُولُ الله عِنْدَ أُمِّ سَلَمَةَ قُلْتُ قَالَ الْقَاضِي جَلَالُ الدِّينِ لَعَلَّ مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ كَانَ قَبْلَ الْقِصَّةِ الَّتِي نَزَلَ الْوَحْيُ فِيهَا فِي فِرَاشِ أُمِّ سَلَمَةَ انْتَهَى قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي الْإِتْقَانِ ظَفِرْتُ بِمَا يُؤْخَذُ مِنْهُ جَوَابٌ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا فَرَوَى أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أُعْطِيتُ تِسْعًا الْحَدِيثَ وَفِيهِ وإن كان الوحي لينزل عليه وهو أَهْلِهِ فَيَنْصَرِفُونَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ لَيَنْزِلُ عَلَيْهِ وَأَنَا مَعَهُ فِي لِحَافِهِ وَعَلَى هَذَا لَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ انْتَهَى وَفِي الْحَدِيثِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَائِشَةَ وَأَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى الْمَرْءِ فِي إِيثَارِ بَعْضِ نِسَائِهِ بِالتُّحَفِ وَإِنَّمَا اللَّازِمُ الْعَدْلُ فِي الْمَبِيتِ وَالنَّفَقَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأمور اللازمة كذا قرره بن بطال عن المهلب وتعقبه بن المنير بأن النبي لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ الَّذِينَ أَهْدَوْا لَهُ وَهُمْ بِاخْتِيَارِهِمْ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا لَمْ يمنعهم النبي لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَمَالِ الْأَخْلَاقِ أَنْ يَتَعَرَّضَ الرَّجُلُ إِلَى النَّاسِ بِمِثْلِ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِطَلَبِ الْهَدِيَّةِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ إِلَخْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي فَضْلِ عَائِشَةَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ إِلَخْ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ (وَقَدْ رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ) بْنِ الطُّفَيْلِ بْن سَخْبَرَةَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ الْأَزْدِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ رُمَيْثَةَ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ مُصَغَّرًا بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ الطُّفَيْلِ بْنِ سَخْبَرَةَ الْأَزْدِيَّةِ أُخْتِ عَوْفٍ رَضِيعِ عَائِشَةَ مَقْبُولَةٌ (عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ شَيْئًا مِنْ هَذَا) أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (وَقَدْ رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ [3880] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ الْمَكِّيِّ) الْكِنَانِيِّ وَقِيلَ هُوَ أَخُو مُحَمَّدٍ ثقة من السادسة (عن بن أَبِي حُسَيْنٍ) اسْمُهُ عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ النَّوْفَلِيُّ الْمَكِّيُّ ثِقَةٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عن بن أَبِي مُلَيْكَةَ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَوْلُهُ (إِنَّ جِبْرَائِيلَ جَاءَ) أَيْ فِي الْمَنَامِ (بِصُورَتِهَا) أَيْ بِصُورَةِ عَائِشَةَ وَالْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ (فِي خِرْقَةِ حَرِيرٍ) الْخِرْقَةُ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْقِطْعَةُ مِنَ الثَّوْبِ وَوَقَعَ عِنْدَ الْآجُرِّيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ عَائِشَةَ لَقَدْ نَزَلَ جِبْرَائِيلُ بِصُورَتِي فِي رَاحَتِهِ حِينَ أَمَرَ رَسُولَ الله أَنْ يَتَزَوَّجَنِي وَيُجْمَعُ بَيْنَ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَبَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ صُورَتَهَا كَانَتْ فِي الْخِرْقَةِ وَالْخِرْقَةُ فِي رَاحَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ بِالْكَيْفِيَّتَيْنِ لِقَوْلِهَا فِي نَفْسِ الْخَبَرِ نَزَلَ مَرَّتَيْنِ كَذَا جَمَعَ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ (فَقَالَ هَذِهِ) أَيْ هَذِهِ الصُّورَةُ (زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ (وَقَدْ رَوَى أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ

عُرْوَةَ إِلَخْ) أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ إِلَخْ [3881] قَوْلُهُ (وَهُوَ يَقْرَأُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنَ الثُّلَاثِيِّ الْمُجَرَّدِ أَوْ بِضَمِّ الْيَاءِ مِنَ الْإِقْرَاءِ (قَالَتْ) أَيْ عَائِشَةُ (تَرَى مَا لَا نَرَى) مَا مَوْصُولَةٌ أَيْ تَرَى يَا رَسُولَ اللَّهِ الَّذِي لَا نَرَاهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ وَتَقَدَّمَ بَقِيَّةُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ تَبْلِيغِ السَّلَامِ مِنْ أَبْوَابِ الِاسْتِئْذَانِ [3882] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا زكريا) هو بن أَبِي زَائِدَةَ قَوْلُهُ (إِنَّ جِبْرَائِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السلام) أي يسلم عليك قوله (حدثنا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ) الْيُحْمِدِيُّ أَبُو خِدَاشٍ الْبَصْرِيُّ (حدثنا خَالِدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمَخْزُومِيُّ) الْمَعْرُوفُ بِالْفَأْفَأِ (عَنْ أَبِي بُرْدَةَ) بْنِ أَبِي مُوسَى [3883] قَوْلُهُ (مَا أُشْكِلَ عَلَيْنَا) أَيْ مَا اشْتَبَهَ وَأُغْلِقَ عَلَيْنَا (أصحاب رسول الله) قَالَ الطِّيبِيُّ بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنَ الْمَجْرُورِ وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ (حَدِيثٌ) أَيْ مَعْنَى حَدِيثٍ أَوْ فُقِدَ حَدِيثٌ

يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةٍ مُهِمَّةٍ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ (عِلْمًا) أَيْ نَوْعِ عِلْمٍ بِأَنْ يُوجَدَ الْحَدِيثُ عِنْدَهَا تَصْرِيحًا أَوْ تَأْوِيلًا لِأَنْ يُؤْخَذَ الْحُكْمُ مِنْهُ تَلْوِيحًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَمَّا حَدِيثُ خُذُوا شَطْرَ دِينِكُمْ عَنِ الْحُمَيْرَاءِ يَعْنِي عَائِشَةَ فَقَالَ الْحَافِظُ بن الحجر الْعَسْقَلَانِيُّ لَا أَعْرِفُ لَهُ إِسْنَادًا وَلَا رِوَايَةً فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ إِلَّا فِي النِّهَايَةِ لِابْنِ الْأَثِيرِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَنْ خَرَّجَهُ وَذَكَرَ الْحَافِظُ عِمَادُ الدِّينِ بْنُ كَثِيرٍ أَنَّهُ سَأَلَ الْمِزِّيَّ وَالذَّهَبِيَّ عَنْهُ فَلَمْ يَعْرِفَاهُ وَقَالَ السَّخَاوِيُّ ذَكَرَهُ فِي الْفِرْدَوْسِ بِغَيْرِ إِسْنَادٍ وَبِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ وَلَفْظُهُ خُذُوا ثُلُثَ دِينِكُمْ مِنْ بَيْتِ الْحُمَيْرَاءِ وَبَيَّضَ لَهُ صَاحِبُ مُسْنَدِ الْفِرْدَوْسِ وَلَمْ يُخْرِجْ لَهُ إِسْنَادًا وَقَالَ السُّيُوطِيُّ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ [3884] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا معاوية عن عَمْرِو) بْنِ الْمُهَلَّبِ الْأَزْدِيِّ الْمَعْنِيِّ (عَنْ زَائِدَةَ) هو بن قُدَامَةَ (عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ) اللَّخْمِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَوْلُهُ (مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَفْصَحَ مِنْ عَائِشَةَ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْفَصِيحُ فِي اللُّغَةِ الْمُنْطَلِقُ اللِّسَانُ فِي الْقَوْلِ الَّذِي يَعْرِفُ جَيِّدَ الْكَلَامِ مِنْ رَدِيئِهِ يُقَالُ رَجُلٌ فَصِيحٌ وَلِسَانٌ فَصِيحٌ وَكَلَامٌ فَصِيحٌ وَقَدْ فَصُحَ فَصَاحَةً وَأَفْصَحَ عَنِ الشَّيْءِ إِفْصَاحًا إِذَا بَيَّنَهُ وَكَشَفَهُ انْتَهَى وَقَالَ فِي تَلْخِيصِ الْمِفْتَاحِ الْفَصَاحَةُ يُوصَفُ بِهَا الْمُفْرَدُ وَالْكَلَامُ وَالْمُتَكَلِّمُ فَالْفَصَاحَةُ فِي الْمُفْرَدِ خُلُوصُهُ مِنْ تَنَافُرِ الْحُرُوفِ وَالْغَرَابَةِ وَمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ وَالْفَصَاحَةُ فِي الْكَلَامِ خُلُوصُهُ مِنْ ضَعْفِ التَّأْلِيفِ وَتَنَافُرِ الْكَلِمَاتِ وَالتَّعْقِيلِ مَعَ فَصَاحَتِهَا وَالْفَصَاحَةُ فِي الْمُتَكَلِّمِ مَلَكَةٌ يَقْتَدِرُ بِهَا عَلَى التَّعْبِيرِ عَنِ الْمَقْصُودِ بِلَفْظٍ فَصِيحٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ [3885] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ) الْجُوزَجَانِيُّ

قَوْلُهُ (اسْتَعْمَلَهُ) أَيْ جَعَلَهُ عَامِلًا (عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ) بِالْمُهْمَلَتَيْنِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا بِفَتْحِ الْأُولَى عَلَى لَفْظِ جَمْعِ السَّلْسَلَةِ وَضَبَطَهُ كَذَلِكَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيُّ قِيلَ سُمِّيَ الْمَكَانُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ بِهِ رَمْلٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ كَالسَّلْسَلَةِ وضبطها بن الْأَثِيرِ بِالضَّمِّ وَقَالَ هُوَ بِمَعْنَى السَّلْسَالِ أَيِ السَّهْلِ (أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ) زَادَ فِي رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَمْرِو بن العاص فأحبه أخرجه بن عساكر ووقع عند بن سَعْدٍ سَبَبُ هَذَا السُّؤَالِ وَأَنَّهُ وَقَعَ فِي نفس عمرو لما أمره النبي عَلَى الْجَيْشِ وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عِنْدَهُ فِي الْمَنْزِلَةِ عَلَيْهِمْ فَسَأَلَهُ لِذَلِكَ (قُلْتُ مِنَ الرِّجَالِ) أَيْ أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنَ الرِّجَالِ قَالَ (أَبُوهَا) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِي قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ فَعَدَّ رِجَالًا فَسَكَتُّ مَخَافَةَ أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3886] قَوْلُهُ (قَالَ مِنَ الرِّجَالِ) وَفِي رِوَايَةِ بن خزيمة وبن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قُلْتُ إِنِّي لَسْتُ أَعْنِي النِّسَاءَ إِنِّي أَعْنِي الرِّجَالَ قَوْلُهُ (هَذَا حديث حسن غريب) وأخرجه بن خزيمة وبن حبان وبن عَسَاكِرَ [3887] قَوْلُهُ (فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ) الثَّرِيدِ بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِ

الرَّاءِ مَعْرُوفٌ وَهُوَ أَنْ يُثْرَدَ الْخُبْزُ بِمَرَقِ اللَّحْمِ وَقَدْ يَكُونُ مَعَهُ اللَّحْمُ مِنْ أَمْثَالِهِمُ الثريد أحد اللحمين وربما كله أَنْفَعَ وَأَقْوَى مِنْ نَفْسِ اللَّحْمِ النَّضِيجِ إِذَا ثُرِدَ بِمَرَقَتِهِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ قِيلَ إِنَّمَا مَثَّلَ الثَّرِيدَ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ طَعَامِ الْعَرَبِ وَلَا يَرَوْنَ فِي الشِّبَعِ أَغْنَى غِنَاءً مِنْهُ وَقِيلَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَحْمَدُونَ الثَّرِيدَ فِيمَا طُبِخَ بِلَحْمٍ وَرُوِيَ سَيِّدُ الطَّعَامِ اللَّحْمُ فَكَأَنَّهَا فُضِّلَتْ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ اللَّحْمِ عَلَى سَائِرِ الْأَطْعِمَةِ وَالسِّرُّ فِيهِ أَنَّ الثَّرِيدَ مَعَ اللَّحْمِ جَامِعٌ بَيْنَ الْغِذَاءِ واللذة والقوة وسهولة التناول وقلة المؤونة فِي الْمَضْغِ وَسُرْعَةِ الْمُرُورِ فِي الْمَرِيءِ فَضَرَبَ بِهِ مَثَلًا لِيُؤْذِنَ بِأَنَّهَا أُعْطِيتُ مَعَ حُسْنِ الْخَلْقِ وَالْخُلُقِ وَحَلَاوَةِ النُّطْقِ فَصَاحَةَ اللَّهْجَةِ وَجَوْدَةَ الْقَرِيحَةِ وَرَزَانَةَ الرَّأْيِ وَرَصَانَةَ الْعَقْلِ وَالتَّحَبُّبَ إِلَى الْبَعْلِ فَهِيَ تَصْلُحُ لِلتَّبَعُّلِ وَالتَّحَدُّثِ وَالِاسْتِئْنَاسِ بِهَا والإصغاء إليها وحسبك أنها أعقلت عن النبي مَا لَمْ تَعْقِلْ غَيْرُهَا مِنَ النِّسَاءِ وَرَوَتْ ما لم يرو ومثلها مِنَ الرِّجَالِ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّرِيدَ أَشْهَى الْأَطْعِمَةِ عِنْدَهُمْ وَأَلَذُّهَا قَوْلُ الشَّاعِرِ إِذَا مَا الْخُبْزُ تَأْدِمُهُ بِلَحْمٍ فَذَاكَ أَمَانَةُ اللَّهِ الثَّرِيدُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ فَضْلِ الثَّرِيدِ مِنْ أَبْوَابِ الْأَطْعِمَةِ قَوْلُهُ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ) بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيُّ (هُوَ أَبُو طُوَالَةَ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ الْمَدَنِيُّ قَاضِي الْمَدِينَةِ لِعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ [3888] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ) هُوَ السَّبِيعِيُّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ غَالِبٍ) الْهَمْدَانِيِّ الْكُوفِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ وَقَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو الصَّدَفِيُّ وَثَّقَهُ النَّسَائِيُّ انْتَهَى قَوْلُهُ (أَنَّ رَجُلًا نَالَ مِنْ عَائِشَةَ) أَيْ ذَكَرَهَا بِسُوءٍ يُقَالُ نَالَ مِنْ فُلَانٍ إِذَا وَقَعَ فِيهِ (قَالَ) أَيْ

عَمَّارٌ (اغْرُبْ مَقْبُوحًا مَنْبُوحًا) أَيِ ابْعُدْ كَأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْغُرُوبِ وَالِاخْتِفَاءِ وَالْمَنْبُوحُ مَنْ يُطْرَدُ وَيُرَدُّ (أتؤذي حبيبة رسول الله) يَعْنِي عَائِشَةَ الصِّدِّيقَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ) اسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَاصِمٍ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْأَسَدِيِّ) أَبُو مَرْيَمَ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ [3889] قَوْلُهُ (هِيَ زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ يَعْنِي عَائِشَةَ) كَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْحَكَمِ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ قَالَ لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ عَمَّارًا وَالْحَسَنَ إِلَى الْكُوفَةِ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ خَطَبَ عَمَّارٌ فَقَالَ إِنِّي لَأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَكِنَّ اللَّهَ ابْتَلَاكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوِ إِيَّاهَا قَالَ الْعَيْنِيُّ قوله بعث علي أي بن أَبِي طَالِبٍ وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَعَثَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَالْحَسَنَ ابْنَهُ إِلَى الْكُوفَةِ لِأَجْلِ نُصْرَتِهِ فِي مُقَاتَلَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَائِشَةَ بِالْبَصْرَةِ وَيُسَمَّى بِيَوْمِ الْجَمَلِ بِالْجِيمِ وَقَوْلُهُ لِيَسْتَنْفِرَهُمْ أَيْ لِيَسْتَنْجِدَهُمْ وَيَسْتَنْصِرَهُمْ مِنَ الِاسْتِنْفَارِ وَهُوَ الِاسْتِنْجَادُ وَالِاسْتِنْصَارُ وَقَوْلُهُ خَطَبَ جَوَابُ لَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهَا أَيْ إِنَّ عَائِشَةَ زَوْجَةُ النَّبِيِّ في الدنيا والاخرة وروى بن حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ عائشة أن النبي قَالَ لَهَا أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا فَلَعَلَّ عَمَّارًا كَانَ سمع هذا الحديث من النبي وَقَالَ وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ لِتَتَّبِعُوهُ أَوِ إِيَّاهَا قبل الضَّمِيرُ لِعَلِيٍّ لِأَنَّهُ الَّذِي كَانَ عَمَّارٌ يَدْعُو إِلَيْهِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لِلَّهِ وَالْمُرَادُ بِاتِّبَاعِ اللَّهِ حُكْمُهُ الشَّرْعِيُّ فِي طَاعَةِ الْإِمَامِ وَعَدَمِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى وقرن في بيوتكن فَإِنَّهُ أَمْرٌ حَقِيقِيٌّ خُوطِبَ بِهِ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ وَلِهَذَا كَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ تَقُولُ لَا يُحَرِّكُنِي ظهر بعير حتى ألقي النبي وَالْعُذْرُ فِي ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ مُتَأَوِّلَةً هِيَ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَكَانَ مُرَادُهُمْ إِيقَاعَ الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَأَخْذَ الْقِصَاصِ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَكَانَ رَأْيُ عَلِيٍّ الِاجْتِمَاعَ عَلَى الطَّاعَةِ وَطَلَبِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ الْقِصَاصَ مِمَّنْ يَثْبُتُ عَلَيْهِ الْقَتْلُ بِشُرُوطِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ

فضل خديجة رضي الله عنها

[3890] قَوْلُهُ (عَنْ حُمَيْدٍ) هُوَ الطَّوِيلُ قَوْلُهُ (قَالَ أَبُوهَا) أَيْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لِسَابِقَتِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَنُصْحِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَبَذْلِهِ نَفْسَهُ وَمَالَهُ فِي رِضَاهُمَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن ماجه 25 - (فَضْلُ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ الْقُرَشِيَّةُ كانت تحت أبي هالة بن زارارة ثُمَّ تَزَوَّجَهَا عَتِيقُ بْنُ عَائِذٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهَا يَوْمَئِذٍ مِنَ الْعُمُرِ أَرْبَعُونَ سَنَةً وَبَعْضُ أُخْرَى وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً وَلَمْ يَنْكِحْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَهَا امْرَأَةً وَلَا نَكَحَ عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَتْ وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ مِنْ كَافَّةِ النَّاسِ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ وَجَمِيعُ أَوْلَادِهِ مِنْهَا غَيْرَ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّهُ مِنْ مَارِيَةَ وَمَاتَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ وَقِيلَ بِأَرْبَعِ سِنِينَ وَقِيلَ بِثَلَاثٍ وَكَانَ قَدْ مَضَى مِنَ النُّبُوَّةِ عَشْرُ سِنِينَ وَكَانَ لَهَا مِنَ الْعُمُرِ خَمْسٌ وَسِتُّونَ سَنَةً وَكَانَتْ مُدَّةُ مُقَامِهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَدُفِنَتْ بِالْحَجُونِ [3875] قَوْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَخْ تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ شَرْحِهِ فِي بَابِ حُسْنِ الْعَهْدِ مِنْ أبواب البر والصلة

[3876] قوله (ما حسدت امرأة مَا حَسَدْتُ خَدِيجَةَ) مَا الْأُولَى نَافِيَةٌ وَالثَّانِيَةُ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ مَا حَسَدْتُ مِثْلَ حَسَدِي خَدِيجَةَ وَالْمُرَادُ مِنَ الْحَسَدِ هُنَا الْغَيْرَةُ (وَمَا تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا بعد ما مَاتَتْ) أَشَارَتْ عَائِشَةُ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ خَدِيجَةَ لَوْ كَانَتْ حَيَّةً فِي زَمَانِهَا لَكَانَتْ غَيْرَتُهَا مِنْهَا أَشَدَّ وَأَكْثَرَ (وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَهَا إِلَخْ) كَانَ لِغَيْرَةِ عَائِشَةَ عَلَى خَدِيجَةَ أَمْرَانِ الْأَوَّلُ كَثْرَةُ ذِكْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهما كَمَا فِي الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَالثَّانِي هَذِهِ الْبِشَارَةُ لأن اختصاص خديجة بهذه البشارة مُشْعِرٌ بِمَزِيدِ مَحَبَّةٍ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا (بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ) بِفَتْحِ القاف والمهملة بعدها موحدة قال قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْقَصَبُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لُؤْلُؤٌ مُجَوَّفٌ وَاسِعٌ كَالْقَصْرِ الْمُنِيفِ وَالْقَصَبُ مِنَ الْجَوْهَرِ مَا اسْتَطَالَ مِنْهُ فِي تَجْوِيفٍ (لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ) الصَّخَبُ بِفَتْحِ الصَّادِ المهملة الخاء الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ الصِّيَاحُ وَالْمُنَازَعَةُ بِرَفْعِ الصَّوْتِ وَالنَّصَبُ بِفَتْحِ النُّونِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ التَّعَبُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قوله (أخبرنا عبدة) هو بن سُلَيْمَانَ الْكِلَابِيُّ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ) بْنِ أَبِي طَالِبٍ [3877] قَوْلُهُ (خَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَخَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ لَكِنَّهُ يُفَسِّرُهُ الْحَالُ وَالْمُشَاهَدَةُ يَعْنِي بِهِ الدُّنْيَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ الضَّمِيرُ الْأَوَّلُ يَعُودُ عَلَى هَذِهِ الأمة والثاني عَلَى الْأُمَّةِ الَّتِي كَانَتْ فِيهَا مَرْيَمُ وَلِهَذَا كَرَّرَ الْكَلَامَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ حُكْمَ كُلِّ واحدة منهما غير حكم الأخرى وكلى الْفَصْلَيْنِ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ هِشَامٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أن بين أَنَّ الْمُرَادَ نِسَاءُ الدُّنْيَا وَأَنَّ الضَّمِيرَيْنِ يَرْجِعَانِ إِلَى الدُّنْيَا وَبِهَذَا جَزَمَ الْقُرْطُبِيُّ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ قَدْ جَزَمَ كَثِيرٌ مِنَ

الشُّرَّاحِ أَنَّ الْمُرَادَ نِسَاءُ زَمَانِهَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ فِي قِصَّةِ مُوسَى وَذِكْرِ آسِيَةَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَفَعَهُ كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ وَآسِيَةُ فَقَدْ أَثْبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْكَمَالَ لِآسِيَةَ كَمَا أَثْبَتَهُ لِمَرْيَمَ فَامْتَنَعَ حَمْلُ الْخَيْرِيَّةِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَجَاءَ مَا يُفَسِّرُ الْمُرَادَ صَرِيحًا فَرَوَى الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَفَعَهُ لَقَدْ فُضِّلَتْ خَدِيجَةُ عَلَى نِسَاءِ أُمَّتِي كَمَا فُضِّلَتْ مَرْيَمُ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ انْتَهَى وَقَالَ النَّوَوِيُّ الْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَيْرُ نِسَاءِ الأرض في عصرها وأما التفصيل بَيْنَهُمَا فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أنس وبن عَبَّاسٍ) أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هذا وأما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ عَنْهُ مَرْفُوعًا أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ وَفَاطِمَةُ وَمَرْيَمُ وَآسِيَةُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ [3878] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ زَنْجُوَيْهِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زَنْجُوَيْهِ الْبَغْدَادِيُّ الْغَزَّالُ ثِقَةٌ مِنَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ قَوْلُهُ (حَسْبُكَ) أَيْ يَكْفِيَكَ (مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ) أَيِ الْوَاصِلَةِ إِلَى مَرَاتِبِ الْكَامِلِينَ فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِنَّ وَذِكْرِ مَحَاسِنِهِنَّ وَمَنَاقِبِهِنَّ وَزُهْدِهِنَّ فِي الدُّنْيَا وَإِقْبَالِهِنَّ عَلَى الْعُقْبَى قَالَ الطِّيبِيُّ حَسْبُكَ مُبْتَدَأٌ وَمِنْ نِسَاءِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَمَرْيَمُ خَبَرُهُ وَالْخِطَابُ إِمَّا عَامٌّ أَوْ لِأَنَسٍ أَيْ كَافِيَكَ مَعْرِفَتُكَ فَضْلَهُنَّ عَنْ مَعْرِفَةِ سَائِرِ النِّسَاءِ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ قَالَ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ الَّذِي نَدِينُ اللَّهَ بِهِ أَنَّ فَاطِمَةَ أَفْضَلُ ثُمَّ خَدِيجَةَ ثُمَّ عَائِشَةَ وَالْخِلَافُ شَهِيرٌ وَلَكِنَّ الْحَقَّ أحق أن يتبع به وقال بن تَيْمِيَّةَ جِهَاتُ الْفَضْلِ بَيْنَ خَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ مُتَقَارِبَةٌ وكأنه رأى التوقف وقال بن الْقَيِّمِ إِنْ أُرِيدَ بِالتَّفْضِيلِ كَثْرَةُ الثَّوَابِ عِنْدَ اللَّهِ فَذَاكَ أَمْرٌ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَإِنَّ عَمَلَ الْقُلُوبِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ وَإِنْ أُرِيدَ كَثْرَةُ الْعِلْمِ فَعَائِشَةُ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ أُرِيدَ شَرَفُ الْأَصْلِ فَفَاطِمَةُ لَا مَحَالَةَ وَهِيَ

باب فضل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

فَضِيلَةٌ لَا يُشَارِكُهَا فِيهَا غَيْرُ إِخْوَتِهَا وَإِنْ أريد شرع السِّيَادَةِ فَقَدْ ثَبَتَ النَّصُّ لِفَاطِمَةَ وَحْدَهَا قَالَ الْحَافِظُ امْتَازَتْ فَاطِمَةُ عَنْ أَخَوَاتِهَا بِأَنَّهُنَّ مِتْنَ في حياة النبي صلى الله عله وَسَلَّمَ وَأَمَّا مَا امْتَازَتْ بِهِ عَائِشَةُ مِنْ فَضْلِ الْعِلْمِ فَإِنَّ لِخَدِيجَةَ مَا يُقَابِلُهُ وَهِيَ أَنَّهَا أَوَّلُ مَنْ أَجَابَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَدَعَا إِلَيْهِ وَأَعَانَ عَلَى ثُبُوتِهِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ وَالتَّوَجُّهِ التَّامِّ فَلَهَا مِثْلُ أَجْرِ مَنْ جَاءَ بَعْدَهَا وَلَا يُقَدِّرُ قَدْرَ ذَلِكَ إِلَّا اللَّهُ وَقِيلَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ فَاطِمَةَ وَبَقِيَ الْخِلَافُ بين عائشة وخديجة انتهى وقال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ قَالَ السُّيُوطِيُّ فِي النُّقَايَةِ نَعْتَقِدُ أَنَّ أَفْضَلَ النِّسَاءِ مَرْيَمُ وَفَاطِمَةُ وَأَفْضَلُ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ خَدِيجَةُ وَعَائِشَةُ وَفِي التَّفْضِيلِ بَيْنَهُمَا أَقْوَالٌ ثالثها التوقف قال القارىء التوقف في حق الكل أولى إذا لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ وَالظَّنِّيَّاتُ مُتَعَارِضَةٌ غير مقيدة للعقائد المبينة عَلَى الْيَقِينِيَّاتِ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وبن حبان والحاكم في مستدركه 26 - (بَاب فَضْلِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) [3891] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سَلْمُ بْنُ جَعْفَرٍ) الْبَكْرَاوِيُّ قوله (ماتت فلانة) أي صفة وَقِيلَ حَفْصَةُ (قِيلَ لَهُ أَتَسْجُدُ هَذِهِ السَّاعَةَ) فِي تَهْذِيبِ الْكَمَالِ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ تُوُفِّيَتْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ أَظُنُّهُ سَمَّاهَا صَفِيَّةَ بنت حيي بالمدينة فأتيت بن عَبَّاسٍ فَأَخْبَرْتُهُ فَسَجَدَ فَقُلْتُ لَهُ أَتَسْجُدُ وَلَمَّا تطلع الشمس فقال بن عَبَّاسٍ لَا أُمَّ لَكَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمُ الْآيَةَ إِلَخْ (إِذَا رَأَيْتُمْ آيَةً) أَيْ عَلَامَةً مَخُوفَةً قَالَ الطِّيبِيُّ قَالُوا الْمُرَادُ بِهَا الْعَلَامَاتُ الْمُنْذِرَةُ بِنُزُولِ الْبَلَايَا وَالْمِحَنِ الَّتِي يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا عِبَادَهُ وَوَفَاةُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ لِأَنَّهُنَّ ضَمَمْنَ إِلَى شَرَفِ الزَّوْجِيَّةِ شَرَفَ الصُّحْبَةِ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَمَنَةُ أَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ وَأَصْحَابِي أَمَنَةُ أَهْلِ الْأَرْضِ الْحَدِيثَ فَهُنَّ

أَحَقُّ بِهَذَا الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِهِنَّ فَكَانَتْ وَفَاتُهُنَّ سَالِبَةً لِلْأَمَنَةِ وَزَوَالُ الْأَمَنَةِ مُوجِبٌ لِلْخَوْفِ (فَاسْجُدُوا) قَالَ الطِّيبِيُّ هَذَا مُطْلَقٌ فَإِنْ أُرِيدَ بِالْآيَةِ خُسُوفُ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ فَالْمُرَادُ بِالسُّجُودِ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَهَا لِمَجِيءِ الرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالزَّلْزَلَةِ وَغَيْرِهِمَا فَالسُّجُودُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ وَيَجُوزُ الْحَمْلُ عَلَى الصَّلَاةِ أَيْضًا لِمَا وَرَدَ كَانَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ انْتَهَى (فَأَيُّ آيَةٍ أَعْظَمُ مِنْ ذَهَابِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لِأَنَّهُنَّ ذَوَاتُ الْبَرَكَةِ فَبِحَيَاتِهِنَّ يُدْفَعُ الْعَذَابُ عَنِ النَّاسِ وَيُخَافُ الْعَذَابُ بِذَهَابِهِنَّ فَيَنْبَغِي الِالْتِجَاءُ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَالسُّجُودِ عِنْدَ انْقِطَاعِ بَرَكَتِهِنَّ ليندفع العذاب ببركة الذكر والصلاة قاله القارىء قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي تَلْخِيصِ السُّنَنِ فِي إِسْنَادِهِ سَلْمُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيُّ كَانَ ثِقَةً وَقَالَ الْمَوْصِلِيُّ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ انْتَهَى [3892] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ) بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ (حَدَّثَتْنَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ) بِضَمِّ الْحَاءِ المهملة وفتح التحتية الأولى وتشديد الأخرى بن أَخْطَبَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ سَبْطِ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَتْ تَحْتَ كِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحَقِيقِ قُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ فِي مُحَرَّمٍ سَنَةَ سَبْعٍ وَوَقَعَتْ فِي السَّبْيِ فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وقيل وَقَعَتْ فِي سَهْمِ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيِّ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ بِسَبْعَةِ أَرْؤُسٍ فَأَسْلَمَتْ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا مَاتَتْ سَنَةَ خَمْسِينَ وَدُفِنَتْ بالبقيع قوله (وقد بلغني) الواو للحال (فذكرت ذَلِكَ) أَيِ الْكَلَامَ الَّذِي بَلَغَنِي عَنْهُمَا (قَالَ) أَيْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مُخَاطِبًا لِصَفِيَّةَ (أَلَا) حَرْفُ التَّحْضِيضِ (وَكَيْفَ تَكُونَانِ خَيْرًا مِنِّي) الْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ هُمَا تَزْعُمَانِ أَنَّهُمَا خَيْرٌ مِنِّي وَكَيْفَ تَكُونَانِ إِلَخْ (وَزَوْجِي مُحَمَّدٌ) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والواو للحال (وأبي هارون) أي بن عِمْرَانَ وَكَانَتْ صَفِيَّةُ مِنْ أَوْلَادِ هَارُونَ عَلَيْهِ السلام (وعمي موسى) أي بن عِمْرَانَ وَكَانَ هَارُونُ أَخَا مُوسَى لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ

فَإِنْ قُلْتَ أَلَيْسَتْ حَفْصَةُ ابْنَةَ نَبِيٍّ وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهَا قُرَشِيَّةٌ وَعَمُّهَا نَبِيٌّ وَهُوَ إِسْحَاقُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَحْتَ نَبِيٍّ وَهُوَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ هَذِهِ الصِّفَاتُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ نِسَائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّاتِي مِنْ قُرَيْشٍ وَصَفِيَّةُ أَيْضًا مُشَارِكَةٌ لَهُنَّ لِأَنَّ مُوسَى وَهَارُونَ مِنْ أَوْلَادِ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَالْمَقْصُودُ دَفْعُ الْمَنْقَصَةِ بأنها أيضا تجمع صفات الفضل والكرم (ثم قَالُوا) الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ أَنَّهُنَّ قُلْنَ فَتَذْكِيرُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُنَّ أَهْلُ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ هَذَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غريب) وأخرجه بن عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ هَاشِمٍ الْكُوفِيِّ وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِذَاكَ) أَيْ ليس بالقوي لضعف هاشم هذا [3894] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) هُوَ الْكَوْسَجُ (أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ) أَيْ فِي حَقِّ صَفِيَّةَ (بنت يهودي) أي نظر إِلَى أَبِيهَا (قَالَتْ) أَيْ صَفِيَّةُ (قَالَتْ لِي حَفْصَةُ) أَيْ فِي حَقِّي (وَإِنَّكِ لَابْنَةُ نَبِيٍّ) أَيْ هَارُونَ بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ) أَيْ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السلام (وإنك لَتَحْتَ نَبِيٍّ) أَيِ الْآنَ (فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ) بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ فِي أَيِّ شَيْءٍ تَفْخَرُ حَفْصَةُ عَلَيْكِ (ثُمَّ قَالَ اتَّقِي اللَّهَ) أَيْ مُخَالَفَتَهُ أَوْ عِقَابَهُ بِتَرْكِ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ مِنْ عَادَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ [3893] قَوْلُهُ (عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ) بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ الزُّهْرِيِّ الْمَدَنِيِّ وَيُقَالُ هَاشِمُ بْنُ

هاشم وثقه بن مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ (أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ وَهْبِ) بْنِ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ الْأَسَدِيَّ الْأَصْغَرَ كَانَ عَرِيفَ قَوْمِهِ بَنِي أَسَدٍ وَقُتِلَ أَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ الْأَكْبَرُ يَوْمَ الدَّارِ وَهُوَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (دَعَا فَاطِمَةَ عَامَ الفتح) قال القارىء الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا وَهْمٌ إِذْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَرْبَابِ السِّيَرِ وُقُوعُ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ عَامَ الْفَتْحِ بَلْ كَانَ هَذَا فِي عَامِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَوْ حَالَ مَرَضِ مَوْتِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ انْتَهَى قُلْتُ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمُ فِي فَضْلِ فَاطِمَةَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَنَاجَاهَا) أَيْ كَلَّمَهَا بِالسِّرِّ (ثُمَّ حَدَّثَهَا) أَيْ خُفْيَةً أَيْضًا (عَنْ بُكَائِهَا وَضَحِكِهَا) أَيْ عَنْ سَبَبِهِمَا (أَنَّهُ يَمُوتُ) أَيْ قَرِيبًا (ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنِّي سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ) الِاسْتِثْنَاءُ يَحْتَمِلُ التَّسَاوِي وَيَحْتَمِلُ الْعَكْسَ فِي الْفَضْلِ وَقِيلَ لَعَلَّهُ وَرَدَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَضْلِ فَاطِمَةَ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ (فَضَحِكَتْ) قَدْ سَبَقَ فِي فَضْلِ فَاطِمَةَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنِّي أَسْرَعُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ فَذَاكَ حِينَ ضَحِكَتْ فَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَهَا عَنِ الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ فِي خَصَائِصِ عَلِيٍّ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) هُوَ الْكَوْسَجُ (أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ) أَيْ فِي حَقِّ صَفِيَّةَ (بِنْتَ يهودي) أي نظر إِلَى أَبِيهَا (قَالَتْ) أَيْ صَفِيَّةُ (قَالَتْ لِي حَفْصَةُ) أَيْ فِي حَقِّي وَإِنَّكِ لَابْنَةُ نَبِيٍّ أي هارون بن عمران عليه السلاموإن عَمَّكِ لَنَبِيٌّ أَيْ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السلاموإنك لَتَحْتَ نَبِيٍّ أَيِ الْآنَ فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ بِفَتْحِ الْخَاءِ أَيْ فِي أَيِّ شَيْءٍ تَفْخَرُ حَفْصَةُ عَلَيْكِ ثُمَّ قَالَ اتَّقِي اللَّهَ أَيْ مُخَالَفَتَهُ أَوْ عِقَابَهُ بِتَرْكِ مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ مِنْ عَادَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ [3895] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى) هُوَ الْإِمَامُ الذُّهْلِيُّ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ) الضَّبِّيُّ الْفِرْيَابِيُّ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) الثَّوْرِيُّ قَوْلُهُ (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ) أَيْ لِعِيَالِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ وَقِيلَ لِأَزْوَاجِهِ وَأَقَارِبِهِ وَذَلِكَ لِدَلَالَتِهِ عَلَى حُسْنِ الْخُلُقِ (وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) فَأَنَا خَيْرُكُمْ مُطْلَقًا وَكَانَ أَحْسَنَ النَّاسِ عِشْرَةً لَهُمْ وَكَانَ عَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ) أَيْ وَاحِدٌ مِنْكُمْ وَمِنْ جُمْلَةِ أَهَالِيِكُمْ (فَدَعُوهُ) أَيِ اتْرُكُوا ذِكْرَ

مَسَاوِيهِ فَإِنَّ تَرْكَهُ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ دَلَّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمُجَامَلَةِ وَحُسْنِ الْمُعَامَلَةِ مَعَ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ اذْكُرُوا أَمْوَاتَكُمْ بِالْخَيْرِ وَقِيلَ إِذَا مَاتَ فَاتْرُكُوا مَحَبَّتَهُ وَالْبُكَاءَ عَلَيْهِ وَالتَّعَلُّقَ بِهِ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ فَاتْرُكُوهُ إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ وَالْخَيْرُ أَجْمَعُ فِيمَا اخْتَارَ خَالِقُهُ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ نَفْسَهُ أَيْ دَعُوا التَّحَسُّرَ وَالتَّلَهُّفَ عَلَيَّ فَإِنَّ فِيَّ لِلَّهِ خَلَفًا عَنْ كُلِّ فَائِتٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِذَا مُتُّ فَدَعُونِي وَلَا تُؤْذُونِي وَأَهْلَ بَيْتِي وَصَحَابَتِي وَأَتْبَاعَ مِلَّتِي قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الدَّارِمِيُّ وأخرجه بن ماجه عن بن عَبَّاسٍ إِلَى قَوْلِهِ لِأَهْلِي [3896] قَوْلُهُ (عَنِ الْوَلِيدِ) بن هشام ويقال بن أَبِي هِشَامٍ الْكُوفِيُّ مَوْلَى هَمْدَانَ مَسْتُورٌ (عَنْ زيد بن زائدة) ويقال بن زَائِدٍ بِغَيْرِ هَاءٍ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (لَا يُبَلِّغُنِي) بِتَشْدِيدِ اللَّامِ وَيُخَفَّفُ وَهُوَ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ أَيْ لَا يُوَصِّلُنِي (مِنْ أَحَدٍ) أَيْ مِنْ قِبَلِ أَحَدٍ (شَيْئًا) أَيْ مِمَّا أَكْرَهُهُ وَأَغْضَبُ عَلَيْهِ وَهُوَ عَامٌّ فِي الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ بِأَنْ شَتَمَ أَحَدًا وَآذَاهُ قَالَ فِيهِ خَصْلَةَ سُوءٍ (فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ) أَيْ مِنَ الْبَيْتِ وَأُلَاقِيَهُمْ (وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ) أي من مساويهم جملة حالية قال بن الْمَلِكِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَنَّى أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا وَقَلْبُهُ رَاضٍ عَنْ أَصْحَابِهِ مِنْ غَيْرِ سَخَطٍ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ وَهَذَا تَعْلِيمٌ لِلْأُمَّةِ أَوْ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْبَشَرِيَّةِ (فَأُتِيَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِمَالٍ) الْبَاءُ لِلتَّعْدِيَةِ (مَا أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِقِسْمَتِهِ الَّتِي قَسَمَهَا وَجْهَ اللَّهِ وَلَا الدَّارَ الْآخِرَةَ) أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَعْدِلْ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ (فَنَثَيْتُ) يُقَالُ نَثَيْتُ الْخَبَرَ وَنَثَوْتُهُ إِذَا حَدَّثْتُ بِهِ وَأَشَعْتُهُ (حِينَ سَمِعْتُهَا) أَيْ حِينَ سَمِعْتُ مَقُولَتَهُمَا (دَعْنِي عَنْكَ) أَيِ اتْرُكْنِي عَنْكَ وَلَا تَتَعَرَّضْ

باب من فضل أبي بن كعب رضي الله عنه

عِنْدِي لِمِثْلِ هَذَا وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ الْمُفَاضَلَةِ فِي الْقِسْمَةِ وَالْإِعْرَاضُ عَنِ الْجَاهِلِ وَالصَّفْحُ عَنِ الْأَذَى وَالتَّأَسِّي بِمَنْ مَضَى مِنَ النُّظَرَاءِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْهِمْ وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي هِشَامٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ لَيْسَ بِالْمَشْهُورِ انْتَهَى وَأَمَّا بَاقِي الْحَدِيثِ فَأَخْرَجَ نَحْوَهُ الشَّيْخَانِ (وَقَدْ زِيدَ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ رَجُلٌ) وَهُوَ السُّدِّيُّ [3897] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ الْجُعْفِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الْبُخَارِيُّ الْمَعْرُوفُ بِالْمُسْنَدِيِّ ثِقَةٌ حَافِظٌ جَمَعَ الْمُسْنَدَ مِنَ الْعَاشِرَةِ (أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى) الْعَبْسِيُّ الْكُوفِيُّ (وَالْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ) بْنِ بَهْرَامَ التَّمِيمِيُّ (عَنْ إِسْرَائِيلَ) بْنِ يُونُسَ الْكُوفِيِّ (عَنِ السُّدِّيِّ) هُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (شَيْئًا مِنْ هَذَا) أَيْ مُخْتَصَرًا (مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْحَاضِرَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوجه يدل على ذلك كلام الحافظ بن كَثِيرٍ فَإِنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ نَقْلِ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ هَذَا عَنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ مَا لَفْظُهُ كَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ عَنِ الذُّهْلِيِّ سَوَاءٌ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ زَيْدُ بْنُ زَائِدَةَ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى وَحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هِشَامٍ بِهِ مُخْتَصَرًا أَيْضًا فَزَادَ فِي إِسْنَادِهِ السُّدِّيَّ ثُمَّ قَالَ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ انْتَهَى 27 - (بَاب من فَضْلُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) هُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيُّ الْخَزْرَجِيُّ كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيَ وَهُوَ أَحَدُ السِّتَّةِ الَّذِينَ حَفِظُوا الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحَدُ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ كَانُوا يُفْتُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم

باب في فضل الأنصار وقريش

وَكَانَ أَقْرَأَ الصَّحَابَةِ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى كَنَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا الْمُنْذِرِ وَعُمَرُ أَبَا الطُّفَيْلِ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَ الْأَنْصَارِ وَعُمَرُ سَيِّدَ الْمُسْلِمِينَ مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ [3898] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) هُوَ الطَّيَالِسِيُّ (عَنْ عَاصِمِ) بْنِ بَهْدَلَةَ قَوْلُهُ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ) أَيِ الشَّرِيعَةُ الْمَائِلَةُ عَنْ كُلِّ دِينٍ بَاطِلٍ فَهِيَ حَنِيفِيَّةٌ فِي التَّوْحِيدِ وَأَصْلُ الْحَنْفِ الْمَيْلُ وَالْحَنِيفُ الْمَائِلُ إِلَى الْإِسْلَامِ الثَّابِتُ عَلَيْهِ وَالْحَنِيفُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ (الْمُسْلِمَةُ) أَيِ الْمَنْسُوبَةُ إِلَى الْإِسْلَامِ (مَنْ يَعْمَلْ خَيْرًا فَلَنْ يُكْفَرَهُ) بِضَمِّ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ عَلَى بِنَاءِ الْمَجْهُولِ أَيْ لَنْ يُعْدَمَ ثَوَابُهُ وَلَنْ يُحْرَمَهُ بَلْ يَشْكُرُهُ اللَّهُ لَهُ وَيُجَازِيهِ بِهِ (وَقَرَأَ عَلَيْهِ لَوْ أَنَّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيًا إِلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي بَابِ لَوْ كَانَ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِنْ مَالٍ مِنْ أَبْوَابِ الزُّهْدِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ (وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ إِلَخْ) وَصَلَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ (وَقَدْ رَوَى قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأُبَيٍّ إِلَخْ) وَصَلَهُ أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ 28 - (بَاب فِي فَضْلِ الْأَنْصَارِ وَقُرَيْشٍ) الْأَنْصَارُ جَمْعُ نَصِيرٍ مِثْلُ شَرِيفٍ وَأَشْرَافٌ النَّصِيرُ النَّاصِرُ وَجَمْعُهُ نَصْرٌ مثل صاحب

وَصَحْبٍ وَالْأَنْصَارُ اسْمٌ إِسْلَامِيٌّ سَمَّى بِهِ النَّبِيُّ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ وَحُلَفَاءَهُمْ وَالْأَوْسُ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ وَالْخَزْرَجُ يَنْتَسِبُونَ إِلَى الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ وَهُمَا ابْنَا قَيْلَةَ بِنْتِ الْأَرْقَمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَفْنَةَ وَقِيلَ قَيْلَةُ بِنْتُ كَاهِلِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قُضَاعَةَ وَأَبُوهُمَا حَارِثَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ مِنَ الْيَمَنِ فَأَمَّا قُرَيْشٌ فَاخْتُلِفَ فِي أَنَّ مَنْ هُوَ الَّذِي تَسَمَّى بقريش من أجداد النبي فَقَالَ الزُّبَيْرُ قَالُوا قُرَيْشٌ اسْمُ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ وَمَا لَمْ يَلِدْ فِهْرٌ فَلَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ الزُّبَيْرُ قَالَ عَمِّيَ فِهْرٌ هُوَ قُرَيْشٌ اسْمُهُ وَفِهْرٌ لَقَبُهُ وَكُنْيَةُ فِهْرٍ أَبُو غالب وهو جماع قريش وقال بن هِشَامٍ النَّضْرُ هُوَ قُرَيْشٌ فَمَنْ كَانَ مِنْ وَلَدِهِ فَهُوَ قُرَيْشٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ وَلَدِهِ فَلَيْسَ بِقُرَشِيٍّ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ قِيلَ قُصَيٌّ هُوَ قُرَيْشٌ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ سَمِعْتُ أَنَّ قُصَيًّا كَانَ يُقَالُ لَهُ قُرَيْشٌ وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدٌ قُرَيْشًا قَبْلَهُ وَالْقَوْلَانِ الْأَوَّلَانِ حَكَاهُمَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّةِ عِلْمِ النَّسَبِ كَأَبِي عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَالزُّبَيْرِ بْنِ بَكَّارٍ وَمُصْعَبٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ هُوَ النَّضْرُ وَقِيلَ الصَّحِيحُ فِهْرٌ وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي وَجْهِ التَّسْمِيَةِ بِقُرَيْشٍ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ قَوْلًا ذَكَرَهَا الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ البخاري [3899] قوله (حدثنا أَبُو عَامِرٍ) الْعَقَدِيُّ (عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ) التَّمِيمِيِّ قَوْلُهُ (لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الْأَنْصَارِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَرَادَ بِهَذَا الْكَلَامِ تَأَلُّفَ الْأَنْصَارِ وَتَطْيِيبَ قُلُوبِهِمْ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِمْ فِي دِينِهِمْ حَتَّى رَضِيَ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَوْلَا مَا يَمْنَعُهُ مِنَ الْهِجْرَةِ الَّتِي لَا يَجُوزُ تَبْدِيلُهَا وَنِسْبَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى وُجُوهِ الْوِلَادِيَّةِ كَالْقُرَشِيَّةِ وَالْبِلَادِيَّةِ كَالْكُوفِيَّةِ وَالِاعْتِقَادِيَّةِ كَالسُّنِّيَّةِ وَالصِّنَاعِيَّةِ كَالصَّيْرَفِيَّةِ وَلَا شك أنه لَمْ يُرِدْ بِهِ الِانْتِقَالَ عَنْ نَسَبِ آبَائِهِ إِذْ ذَاكَ مُمْتَنِعٌ قَطْعًا وَكَيْفَ وَأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ نَسَبًا وَأَكْرَمُهُمْ أَصْلًا وَأَمَّا الِاعْتِقَادِيُّ فَلَا مَوْضِعَ فِيهِ لِلِانْتِقَالِ إِذْ كَانَ دِينُهُ وَدِينُهُمْ وَاحِدًا فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقِسْمَانِ الْأَخِيرَانِ الْجَائِزُ فِيهِمَا الِانْتِقَالُ وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ دَارَ الْأَنْصَارِ وَالْهِجْرَةِ إِلَيْهَا أَمْرًا وَاجِبًا أَيْ لَوْلَا أَنَّ النِّسْبَةَ الْهِجْرِيَّةَ وَلَا يَسَعُنِي تَرْكُهَا لَانْتَقَلْتُ عَنْ هَذَا الِاسْمِ إِلَيْكُمْ وَلَانْتَسَبْتُ إِلَى دَارِكُمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ تُعَظِّمُ شَأْنَ الْخُؤُولَةِ وَتَكَادُ تُلْحِقُهَا بِالْعُمُومَةِ وَكَانَتْ أُمُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ امْرَأَةً مِنْ بَنِي النَّجَّارِ فقد يكون ذَهَبَ هَذَا الْمَذْهَبَ إِنْ كَانَ أَرَادَ بِهِ نِسْبَةَ الْوِلَادَةِ (لَوْ سَلَكَ الْأَنْصَارُ وَادِيًا) أَيْ طَرِيقًا وَالْوَادِي الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ وَقِيلَ الَّذِي فِيهِ مَاءٌ وَالْمُرَادُ هُنَا الطَّرِيقُ حِسِّيًّا كَانَ أَوْ مَعْنَوِيًّا (أَوْ شِعْبًا) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ اسْمٌ لِمَا انْفَرَجَ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَقِيلَ الطَّرِيقُ فِي الْجَبَلِ قَالَ

الْخَطَّابِيُّ لَمَّا كَانَتِ الْعَادَةُ أَنَّ الْمَرْءَ يَكُونُ فِي نُزُولِهِ وَارْتِحَالِهِ مَعَ قَوْمِهِ وَأَرْضُ الْحِجَازِ كَثِيرَةُ الْأَوْدِيَةِ وَالشِّعَابِ فَإِذَا تَفَرَّقَتْ فِي السَّفَرِ الطُّرُقُ سَلَكَ كُلُّ قَوْمٍ مِنْهُمْ وَادِيًا وَشِعْبًا فَأَرَادَ أَنَّهُ مَعَ الْأَنْصَارِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْوَادِي الْمَذْهَبَ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ فِي واد وأنا في واد قيل أراد بِذَلِكَ حُسْنَ مُوَافَقَتِهِ إِيَّاهُمْ وَتَرْجِيحَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى غَيْرِهِمْ لَمَّا شَاهَدَ مِنْهُمْ حُسْنَ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَحُسْنَ الْجِوَارِ وَمَا أَرَادَ بِذَلِكَ وُجُوبَ مُتَابَعَتِهِ إِيَّاهُمْ فَإِنَّ مُتَابَعَتَهُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مؤمن ومؤمنة لأنه هُوَ الْمَتْبُوعُ الْمُطَاعُ لَا التَّابِعُ الْمُطِيعُ [3901] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُهُمْ إلا منافق) قال بن التِّينِ الْمُرَادُ حُبُّ جَمِيعِهِمْ وَبُغْضُ جَمِيعِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ لِلدِّينِ وَمَنْ أَبْغَضَ بَعْضَهُمْ لِمَعْنًى يُسَوِّغُ الْبُغْضَ لَهُ فَلَيْسَ دَاخِلًا فِي ذَلِكَ وَهُوَ تَقْرِيرٌ حَسَنٌ وَخُصُّوا بِهَذِهِ الْمَنْقَبَةِ الْعُظْمَى لِمَا فَازُوا بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ القبائل من إيواء النبي وَمَنْ مَعَهُ وَالْقِيَامَةِ بِأَمْرِهِمْ وَمُوَاسَاتِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَإِيثَارِهِمْ إِيَّاهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَكَانَ صَنِيعُهُمْ لِذَلِكَ مُوجِبًا لِمُعَادَاتِهِمْ جَمِيعَ الْفِرَقِ الْمَوْجُودِينَ مِنْ عَرَبٍ وَعَجَمٍ وَالْعَدَاوَةُ تَجُرُّ الْبُغْضَ ثُمَّ كَانَ مَا اخْتُصُّوا بِهِ مِمَّا ذُكِرَ مُوجِبًا لِلْحَسَدِ وَالْحَسَدُ يَجُرُّ الْبُغْضَ فَلِهَذَا جَاءَ التَّحْذِيرُ مِنْ بُغْضِهِمْ وَالتَّرْغِيبُ فِي حُبِّهِمْ حَتَّى جُعِلَ ذَلِكَ آيَةَ الْإِيمَانِ وَالنِّفَاقِ تَنْوِيهًا بِعَظِيمِ فَضْلِهِمْ وَتَنْبِيهًا عَلَى كَرِيمِ فِعْلِهِمْ وَإِنْ كَانَ مَنْ شَارَكَهُمْ فِي مَعْنَى ذَلِكَ مُشَارِكًا لَهُمْ فِي الْفَضْلِ الْمَذْكُورِ كُلٌّ بِقِسْطِهِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النبي قَالَ لَهُ لَا يُحِبُّكَ إِلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضُكَ إِلَّا مُنَافِقٌ وَهَذَا جَارٍ بِاطِّرَادٍ فِي أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ لِتَحَقُّقِ مُشْتَرَكِ الْإِكْرَامِ لِمَا لَهُمْ مِنْ حُسْنِ الْعَنَاءِ فِي الدِّينِ قَالَ صَاحِبُ الْمُفْهِمِ وَأَمَّا الْحُرُوبُ الْوَاقِعَةُ بَيْنَهُمْ فَإِنْ وَقَعَ مِنْ بَعْضِهِمْ بُغْضٌ لِبَعْضٍ فَذَاكَ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ بَلْ لِلْأَمْرِ الطَّارِئِ الَّذِي اقْتَضَى الْمُخَالَفَةَ وَلِذَلِكَ لَمْ يَحْكُمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالنِّفَاقِ وَإِنَّمَا كَانَ حَالُهُمْ فِي ذَلِكَ حَالَ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْأَحْكَامِ لِلْمُصِيبِ أَجْرَانِ وَلِلْمُخْطِئِ أَجْرٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ وَمُسْلِمٌ فِي الْإِيمَانِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْمَنَاقِبِ وبن مَاجَهْ فِي السُّنَّةِ قَوْلُهُ (جَمَعَ نَاسًا مِنَ الْأَنْصَارِ) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ نَاسٌ مِنَ الْأَنْصَارِ حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مَا أَفَاءَ مِنْ أموال هوازن فطفق النبي يُعْطِي رِجَالًا الْمِائَةَ مِنَ الْإِبِلِ فَقَالُوا يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تقطر من دمائهم قال أنس فحدث رسول الله بِمَقَالَتِهِمْ فَأَرْسَلَ إِلَى الْأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةِ من أَدَمٍ وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قال النبي مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ فَقَالَ فُقَهَاءُ الْأَنْصَارِ أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريش وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمُ الْحَدِيثَ (فَقَالَ هَلُمَّ) أَيْ تَعَالَوْا وَفِيهِ لُغَتَانِ فَأَهْلُ الْحِجَازِ يُطْلِقُونَهُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ مَبْنِيٍّ عَلَى الْفَتْحِ وَبَنُو تميم تثني وتجمع وتؤنث فنقول هلم وهلمي وهلما وهلموا (فقال بن أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ) أَيْ هُوَ مُتَّصِلٌ بِأَقْرِبَائِهِ في جميع ما يجب أَنْ يَتَّصِلَ بِهِ كَنُصْرَةٍ وَمَشُورَةٍ وَمَوَدَّةٍ وَسِرٍّ لَا فِي الْإِرْثِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شرح مسلم استدل به من يرث ذَوِي الْأَرْحَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَآخَرِينَ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ أَنَّهُمْ لَا يَرِثُونَ وَأَجَابُوا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ مَا يَقْتَضِي تَوْرِيثَهُ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمُ ارْتِبَاطًا وَقَرَابَةً وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْإِرْثِ وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ كَالْوَاحِدِ مِنْهُمْ فِي إِفْشَاءِ سِرِّهِمْ بِحَضْرَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ انْتَهَى (حَدِيثٌ) بِالتَّنْوِينِ (عَهْدُهُمْ) بِالرَّفْعِ (بِجَاهِلِيَّةٍ) أَيْ قَرِيبٌ زَمَانُهُمْ بِجَاهِلِيَّةٍ (وَمُصِيبَةٍ) مِنْ نَحْوِ قَتْلِ أَقَارِبِهِمْ وَبِفَتْحِ بِلَادِهِمْ (أَنْ أَجْبُرَهُمْ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْجِيمِ وَضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالرَّاءِ مَنْ جَبَرْتُ الْوَهَنَ وَالْكَسْرَ إِذَا أَصْلَحْتُهُ وَجَبَرْتُ الْمُصِيبَةَ إِذَا فَعَلْتُ مَعَ صَاحِبِهَا مَا يَنْسَاهَا بِهِ (وَأَتَأَلَّفَهُمْ) أَيْ أَطْلُبُ ألفتهم بالإسلام بإعطاء المال لا

لِكَوْنِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ لِغَرَضٍ آخَرَ (أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ) أَيْ غَيْرُكُمْ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ (بِالدُّنْيَا) وَفِي رِوَايَةٍ بِأَمْوَالٍ وَفِي رِوَايَةٍ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ [3902] قوله (حدثنا هُشَيْمٌ) بْنُ بَشِيرِ بْنِ الْقَاسِمِ السُّلَمِيُّ قَوْلُهُ (يُعَزِّيهِ) مِنَ التَّعْزِيَةِ أَيْ يَحْمِلُهُ عَلَى الْعَزَاءِ بِالْمَدِّ وَهُوَ الصَّبْرُ (يَوْمَ الْحَرَّةِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ الْحَرَّةُ يَوْمٌ مَشْهُورٌ فِي الْإِسْلَامِ أَيَّامَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا انْتَهَبَ الْمَدِينَةَ عَسْكَرُهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ الَّذِينَ نَدَبَهُمْ لِقِتَالِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمُرِّيَّ فِي ذِي الْحِجَّةِ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَعَقِيبُهَا هَلَكَ يَزِيدُ وَالْحَرَّةُ هَذِهِ أَرْضٌ بِظَاهِرِ الْمَدِينَةِ بِهَا حِجَارَةٌ سُودٌ كَثِيرَةٌ وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ بِهَا انْتَهَى وَقَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَكَانَ سَبَبُ وَقْعَةِ الْحَرَّةِ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ خَلَعُوا بَيْعَةَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا بَلَغَهُمْ مَا يَتَعَمَّدُهُ مِنَ الْفَسَادِ فَأَمَّرَ الْأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ وَأَمَّرَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُطِيعٍ الْعَدَوِيَّ وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ مُسْلِمَ بْنَ عُقْبَةَ الْمُرِّيَّ فِي جيش كثير فهزمهم واستباحوا المدينة وقتلوا بن حَنْظَلَةَ وَقُتِلَ مِنَ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ كَثِيرٌ جِدًّا وَكَانَ أَنَسٌ يَوْمَئِذٍ بِالْبَصْرَةِ فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَحَزِنَ عَلَى مَنْ أُصِيبَ مِنَ الْأَنْصَارِ فَكَتَبَ إِلَيْهِ زيد بْنُ أَرْقَمَ وَكَانَ يَوْمَئِذٍ بِالْكُوفَةِ يُسَلِّيهِ وَمُحَصَّلُ ذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يَصِيرُ إِلَى مَغْفِرَةِ اللَّهِ لَا يَشْتَدُّ الْحُزْنُ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ تَعْزِيَةً لأنس فيهم (فكتب إليه) أي كتب زيد بْنُ أَرْقَمَ إِلَى أَنَسٍ (أَنَا أُبَشِّرُكَ بِبُشْرَى مِنَ اللَّهِ) الْبُشْرَى بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ اسْمٌ مِنَ الْبِشَارَةِ وَهِيَ الْإِخْبَارُ بِمَا يَسُرُّ (إني سمعت رسول الله) هَذَا بَيَانٌ لِلْبُشْرَى وَقَدْ تَقَدَّمَ مُحَصَّلُ التَّعْزِيَةِ فِي كَلَامِ الْحَافِظِ (وَلِذَرَارِيِّ الْأَنْصَارِ

بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا جَمْعُ ذُرِّيَّةٍ قَالَ فِي الْقَامُوسِ الذُّرِّيَّةُ بِالضَّمِّ وَيُكْسَرُ وَلَدُ الرَّجُلِ وَالْجَمْعُ الذُّرِّيَّاتُ وَالذَّرَارِيُّ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَقُولُ حَزِنْتُ عَلَى مَنْ أُصِيبَ بِالْحَرَّةِ فكتب إلى زيد بْنُ أَرْقَمَ وَبَلَغَهُ شِدَّةُ حُزْنِي يَذْكُرُ أَنَّهُ سمع رسول الله يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ قَوْلُهُ (وَقَدْ رَوَاهُ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ) وَصَلَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ [3903] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ) الطَّيَالِسِيُّ (وَعَبْدُ الصَّمَدِ) بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ (عَنْ أَبِي طَلْحَةَ) هُوَ زَوْجُ أُمِّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ الْبُخَارِيُّ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا مَاتَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَثَلَاثِينَ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الدِّمَشْقِيُّ عاش بعد النبي أَرْبَعِينَ سَنَةً (أَقْرِئْ قَوْمَكَ السَّلَامَ) أَمْرٌ مِنَ الْإِقْرَاءِ أَوْ مِنْ قَرَأَ يَقْرَأُ أَيْ أَبْلِغْهُمُ السَّلَامَ (فَإِنَّهُمْ) أَيْ قَوْمُكَ (مَا عَلِمْتُ) مَا مَوْصُولَةٌ أَيْ بِنَاءً عَلَى مَا عَلِمْتُهُ فِيهِمْ مِنَ الصِّفَاتِ (أَعِفَّةٌ) بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ فَتَشْدِيدٍ جَمْعُ عَفِيفٍ وَهِيَ خَبَرُ إِنَّ وَمَا عَلِمْتُ مُعْتَرِضَةٌ (صُبُرٌ) بِضَمَّتَيْنِ جَمْعُ صَابِرٍ كَبُزُلٍ وَبَازِلٍ قَالَ الطِّيبِيُّ مَا مَوْصُولَةٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ أَيِ الَّذِي عَلِمْتُ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ كَذَلِكَ يَتَعَفَّفُونَ عَنِ السُّؤَالِ وَيَتَحَمَّلُونَ الصَّبْرَ عِنْدَ الْقِتَالِ وَهُوَ مِثْلُ مَا فِي الْحَدِيثِ يَقِلُّونَ عِنْدَ الطَّمَعِ وَيَكْثُرُونَ عِنْدَ الْفَزَعِ وَقِيلَ مَا مَصْدَرِيَّةٌ يَعْنِي أَنَّهُمْ يَتَعَفَّفُونَ وَيَتَحَمَّلُونَ مُدَّةَ عِلْمِي بِحَالِهِمْ أَوْ فِي عِلْمِي بِحَالِهِمْ أَوْ مَوْصُولَةٌ أَيْ فِيمَا عَلِمْتُ مِنْهُمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَفِيهِ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْبُنَانِيُّ وَهُوَ ضعيف

[3904] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى) السِّينَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ (عَنِ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ) قَوْلُهُ (أَلَا) بِالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّ عَيْبَتِي) أَيْ خَاصَّتِي (الَّتِي آوِي) أَيْ أَمِيلُ وَأَرْجِعُ (وَإِنَّ كَرِشِي) أَيْ بِطَانَتِي (فَاعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ وَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى الصِّنْفَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْأَنْصَارِ عَلَى حد قوله تعالى هذا خصمان اختصموا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلُ يُفْهَمُ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى قَوْلُهُ (وفِي الْبَابِ عَنْ أَنَسٍ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بعد هذا قَوْلُهُ (الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي) فِي الْقَامُوسِ الكَرِشُ بِالْكَسْرِ وَكَكَتِفٍ لِكُلِّ مُجْتَرٍّ بِمَنْزِلَةِ الْمَعِدَةِ لِلْإِنْسَانِ مُؤَنَّثَةٌ وَعِيَالُ الرَّجُلِ وَصِغَارُ وَلَدِهِ وَالْجَمَاعَةُ وَالْعَيْبَةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ زِنْبِيلٌ مِنْ أَدَمٍ وَنَحْوِهِ وَمَا يُجْعَلُ فِيهِ الثِّيَابُ وَمِنَ الرَّجُلِ مَوْضِعُ سِرِّهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ أَرَادَ أَنَّهُمْ بِطَانَتُهُ وَمَوْضِعُ سِرِّهِ وَأَمَانَتِهِ وَالَّذِينَ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ فِي أُمُورِهِ وَاسْتَعَارَ الْكَرِشَ وَالْعَيْبَةَ لِذَلِكَ لِأَنَّ الْمُجْتَرَّ يَجْمَعُ عَلَفَهُ فِي كَرِشِهِ وَالرَّجُلُ يَضَعُ ثِيَابَهُ فِي عَيْبَتِهِ وَقِيلَ أَرَادَ بِالْكَرِشِ الْجَمَاعَةَ أَيْ جَمَاعَتِي وَصَحَابَتِي يُقَالُ عَلَيْهِ كَرِشٌ مِنَ النَّاسِ أَيْ جَمَاعَةٌ انْتَهَى وَقَالَ التُّورِبِشْتِيُّ الْكَرِشُ لِكُلِّ مُجْتَرٍّ بِمَنْزِلَةِ الْمَعِدَةِ لِلْإِنْسَانِ وَالْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ الْكَرِشَ فِي كَلَامِهِمْ مَوْضِعَ الْبَطْنِ وَالْبَطْنُ مُسْتَوْدَعُ مَكْتُومِ السِّرِّ وَالْعَيْبَةُ مُسْتَوْدَعِ مَكْنُونِ الْمَتَاعِ وَالْأَوَّلُ أَمْرٌ بَاطِنٌ وَالثَّانِي أَمْرٌ ظَاهِرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ ضَرَبَ الْمَثَلَ بِهِمَا إِرَادَةَ اخْتِصَاصِهِمْ بِهِ فِي أُمُورِهِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ (وَإِنَّ النَّاسَ سَيَكْثُرُونَ) بِضَمِّ الْمُثَلَّثَةِ (وَيَقِلُّونَ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ وَيَقِلُّ الْأَنْصَارُ قَالَ الْحَافِظُ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى دُخُولِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فِي الْإِسْلَامِ وَهُمْ أَضْعَافُ أَضْعَافِ قَبِيلَةِ الْأَنْصَارِ فَمَهْمَا فُرِضَ فِي الْأَنْصَارِ مِنَ الْكَثْرَةِ كَالتَّنَاسُلِ فُرِضَ فِي كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ أُولَئِكَ فَهُمْ أَبَدًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ قَلِيلٌ ويحتمل أن يكون اطَّلَعَ عَلَى أَنَّهُمْ يَقِلُّونَ مُطْلَقًا فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ لِأَنَّ الْمَوْجُودِينَ الْآنَ مِنْ ذُرِّيَّةِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي

طَالِبٍ مِمَّنْ يَتَحَقَّقُ نَسَبُهُ إِلَيْهِ أَضْعَافُ مَنْ يُوجَدُ مِنْ قَبِيلَتَي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مِمَّنْ يَتَحَقَّقُ نَسَبُهُ وَقِسْ عَلَى ذَلِكَ وَلَا الْتِفَاتَ إِلَى كَثْرَةِ مَنْ يَدَّعِي أَنَّهُ مِنْهُمْ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ (فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ) أَيْ إِنْ أَتَوْا بِعُذْرٍ فِيمَا صَدَرَ عَنْهُمْ (وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ) أَيْ إِنْ عَجَزُوا عَنْ عُذْرٍ وَالتَّجَاوُزُ عَنِ الْمُسِيءِ مَخْصُوصٌ بِغَيْرِ الْحُدُودِ وَحُقُوقِ النَّاسِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي [3905] قوله حدثنا أحمد بن الحسن بن جنيدب الترمذي أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الزُّهْرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ جَارِيَةَ الثَّقَفِيِّ أَبِي بَكْرٍ الدِّمَشْقِيِّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي عُقَيْلٍ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرٍ الثَّقَفِيِّ وَالِدِ الْحَجَّاجِ الْأَمِيرِ وَقَدْ يُنْسَبُ لِجَدِّهِ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ مَنْ يُرِدْ مِنَ الْإِرَادَةِ هَوَانَ قُرَيْشٍ بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ ذُلَّهُمْ وَإِهَانَتَهُمْ أَهَانَهُ اللَّهُ أَيْ أَذَلَّهُ وَأَخْزَاهُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ خَرَجَ مَخْرَجَ الزَّجْرِ وَالتَّهْوِيلِ لِيَكُونَ الِانْتِهَاءُ عَنْ أَذَاهُمْ أَسْرَعَ امْتِثَالًا وَإِلَّا فَحُكْمُ اللَّهِ الْمُطَّرِدُ فِي عَدْلِهِ أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ عَلَى الْإِرَادَةِ انْتَهَى قُلْتُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ مَنْ أَهَانَ قُرَيْشًا أَهَانَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ [3906] قَوْلُهُ وَالْمُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبَصْرِيُّ

قَوْلُهُ لَا يُبْغِضُ الْأَنْصَارَ أَيْ جَمِيعَهُمْ أَوْ جِنْسَهُمْ قَوْلُهُ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَزَادَ وَلَا يُحِبُّ ثَقِيفًا رَجُلٌ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ الْهَيْثَمِيُّ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ غَيْرَ شَيْخِ الطَّبَرَانِيِّ يَحْيَى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ السَّهْمِيِّ وَهُوَ صَدُوقٌ وَفِيهِ خِلَافٌ لَا يَضُرُّ انْتَهَى وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عن أبيه هريرة وأبي سعيد [3908] قوله (حدثنا أَبُو يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ) بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ اسْمُهُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْبَجَلِيِّ الْأَحْمَسِيِّ الْكُوفِيِّ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ أَذَقْتَ أَوَّلَ قُرَيْشٍ) أَيْ يَوْمَ بَدْرٍ وَالْأَحْزَابِ (نَكَالًا) بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ عَذَابًا بِالْقَتْلِ وَالْقَهْرِ وَقِيلَ بِالْقَحْطِ وَالْغَلَاءِ (فَأَذِقْ آخِرَهُمْ نَوَالًا) أَيْ إِنْعَامًا وَعَطَاءً وَفَتْحًا مِنْ عِنْدِكَ وَقَالَ فِي اللُّمَعَاتِ لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالنَّكَالِ مَا أَصَابَ أَوَائِلَهُمْ بكفرهم وإنكارهم على رسول الله مِنَ الْخِزْيِ وَالْعَذَابِ وَالْقَتْلِ وَبِالنَّوَالِ وَمَا حَصَلَ لِأَوَاخِرِهِمْ مِنَ الْعِزَّةِ وَالْمُلْكِ وَالْخِلَافَةِ وَالْإِمَارَةِ مَا لَا يُحِيطُ بِوَصْفِهِ الْبَيَانُ انْتَهَى قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ) هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ [3909] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ) السَّلُولِيُّ (عَنْ جَعْفَرٍ الْأَحْمَرِ) هُوَ جَعْفَرُ بْنُ زِيَادٍ الْأَحْمَرُ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ يَتَشَيَّعُ مِنَ السَّابِعَةِ

باب في أي دور الأنصار خير

قَوْلُهُ (وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ وَلِأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ) ظَاهِرُهُ تَخْصِيصُ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ إِلَى مَرْتَبَتَيْنِ الْأَبْنَاءِ وَأَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ وَلَوْ حُمِلَ عَلَى آخِرِ مَرَاتِبِ الْأَبْنَاءِ بَالِغًا مَا بَلَغَ إِلَى مُدَّةِ بَقَائِهِمْ لَمْ يَبْعُدْ بَلْ لَوْ حُمِلَ الْأَبْنَاءُ عَلَى مَعْنَى الْأَوْلَادِ كَانَ لَهُ وَجْهٌ كَذَا فِي اللُّمَعَاتِ قُلْتُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْأَخِيرَ رِوَايَةُ أَنَسٍ الْمُتَقَدِّمَةُ بِلَفْظِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَلِذَرَارِيِّ الْأَنْصَارِ وَلِذَرَارِيِّ ذَرَارِيِّهِمْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ) وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ رسول الله اسْتَغْفَرَ لِلْأَنْصَارِ قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ وَلِذَرَارِيِّ الْأَنْصَارِ ولموالي الأنصار لا أشك فيه 29 - (باب فِي أَيِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ) الدُّورُ بِالضَّمِّ جَمْعُ دَارٍ وَهِيَ الْمَنَازِلُ الْمَسْكُونَةُ وَالْمَحَالُّ وَتُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى دِيَارٍ وَأَرَادَ بِهَا هُنَا الْقَبَائِلَ وَكُلُّ قَبِيلَةٍ اجْتَمَعَتْ فِي مَحَلَّةٍ سُمِّيَتْ تِلْكَ الْمَحَلَّةُ دَارًا وَسُمِّيَ سَاكِنُوهَا بِهَا مَجَازًا عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ أَيْ أَهْلِ الدُّورِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ [3910] قَوْلُهُ (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ دُورِ الْأَنْصَارِ) أَيْ أَفْضَلِ قَبَائِلِهِمْ قَالَ النَّوَوِيُّ وَكَانَتْ كُلُّ قبيلة منها تَسْكُنُ مَحَلَّةً فَتُسَمَّى تِلْكَ الْمَحَلَّةُ دَارَ بَنِي فُلَانٍ وَلِهَذَا جَاءَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ بَنُو فُلَانٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الدَّارِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَتَفْضِيلُهُمْ عَلَى قَدْرِ سَبْقِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَمَآثِرِهِمْ فِيهِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِجَوَازِ تَفْضِيلِ الْقَبَائِلِ وَالْأَشْخَاصِ بِغَيْرِ مُجَازَفَةٍ وَلَا هَوًى وَلَا يَكُونُ هَذَا غِيبَةً انْتَهَى (أَوْ بِخَيْرِ الْأَنْصَارِ) أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي (بَنُو النَّجَّارِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ هُمْ مِنَ الْخَزْرَجِ وَالنَّجَّارُ هُوَ تَيْمُ اللَّهِ وَسُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ ضَرَبَ رجلا فنجره فقيل له النجار وهو بن ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ

الْخَزْرَجِ أَخُو الْأَوْسِ ابْنَا حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ الْعَنْقَاءِ (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ) هُمْ مِنَ الْأَوْسِ وَهُوَ عَبْدُ الْأَشْهَلِ بْنِ جَشِيمِ بْنِ الْحَرْثِ بْنِ الْخَزْرَجِ الْأَصْفَرِ بْنِ عمرو بن مالك وبن الْأَوْسِ بْنِ حَارِثَةَ (ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو الحارث بن الخزرج) أي الأكبر أي بن عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ الْمَذْكُورِ بْنِ حارثة (ثم الَّذِينَ يَلُونَهُمْ بَنُو سَاعِدَةَ) هُمْ مِنَ الْخَزْرَجِ المذكور أيضا وساعدة هو بن كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ الْأَكْبَرِ (ثُمَّ قَالَ بِيَدَيْهِ) أَيْ أَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا (كَالرَّامِي بِيَدَيْهِ) أَيْ كَالَّذِي يَرْمِي الشَّيْءَ بِيَدَيْهِ فَإِنَّهُ يَقْبِضُ أَصَابِعَهُ عَلَى الشَّيْءِ ثُمَّ يَبْسُطُهُنَّ (وَفِي دُورِ الْأَنْصَارِ كُلِّهَا خَيْرٌ) أَيْ فَضْلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3911] قَوْلُهُ (وَفِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ) الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَفْظُ خَيْرٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ وَلَفْظُ خَيْرٍ فِيهِ بِمَعْنَى أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ أَيْ أَفْضَلُ دُورِ الْأَنْصَارِ وَالثَّانِي قَوْلُهُ هَذَا وَلَفْظُ خَيْرٍ فِيهِ عَلَى أَصْلِهِ أَيْ فِي كُلِّ دُورِ الْأَنْصَارِ خَيْرٌ وَإِنْ تفاوتت مراتبهم (فقال سعد) أي بن عُبَادَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ وَكَانَ كَبِيرَهُمْ يَوْمَئِذٍ (مَا أَرَى) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَهِيَ مِنْ إِطْلَاقِهَا عَلَى الْمَسْمُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الِاعْتِقَادِ وَيَجُوزُ ضَمُّهَا بِمَعْنَى الظَّنِّ (إِلَّا قَدْ فَضَّلَ عَلَيْنَا) أَيْ قَدْ فَضَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْقَبَائِلِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي سَاعِدَةَ إِلَّا بِكَلِمَةٍ ثُمَّ بَعْدَ ذِكْرِهِ الْقَبَائِلَ الثَّلَاثَةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ وقال خلفنا فكنا آخر الأربع أسرجوا إلي حِمَارِي أَتَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمه بن أخيه

سَهْلٌ فَقَالَ أَتَذْهَبُ لِتَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمُ أَوَ لَيْسَ حَسْبُكَ أَنْ تَكُونَ رَابِعَ أَرْبَعٍ فَرَجَعَ وَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَأَمَرَ بِحِمَارِهِ فَحُلَّ عَنْهُ (فَقِيلَ) قَالَ الْحَافِظُ لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ بن أخيه سهل (قَدْ فَضَلَّكُمْ عَلَى كَثِيرٍ) أَيْ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْقَبَائِلِ الْغَيْرِ الْمَذْكُورِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي (وَأَبُو أُسَيْدٍ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ مُصَغَّرًا (اسْمُهُ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ) بْنِ الْبَدَنِ بفتح الموحدة والدال المحملة بَعْدَهَا نُونٌ مَشْهُورٌ بِكُنْيَتِهِ شَهِدَ بَدْرًا وَغَيْرَهَا وَمَاتَ سَنَةَ ثَلَاثِينَ وَقِيلَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ الْمَدَائِنِيُّ مَاتَ سَنَةَ سِتِّينَ قَالَ هُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنَ الْبَدْرِيِّينَ [3912] قَوْلُهُ (عَنْ مجالد) هو بن سَعِيدٌ الْهَمْدَانِيُّ (خَيْرُ دِيَارِ الْأَنْصَارِ بَنُو النَّجَّارِ) أَيْ أَفْضَلُ قَبَائِلِهِمْ قَبِيلَةُ بَنِي النَّجَّارِ فَإِنْ قُلْتَ رِوَايَةُ جَابِرٍ هَذِهِ مُخَالِفَةٌ لِرِوَايَتِهِ الَّتِي بَعْدَهَا بِلَفْظِ خَيْرُ الْأَنْصَارِ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَكَيْفَ التَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا قُلْتُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ مُقَدَّرَةٌ أَيْ مِنْ أَفْضَلِ قَبَائِلِ الْأَنْصَارِ قبيلة بني عبد الأشهل

باب في فضل المدينة

130 - (باب في فضل المدينة) [3914] قوله (حدثنا الليث) هو بن سَعْدٍ (عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِيمٍ) الزُّرَقِيِّ (عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو) بِالْوَاوِ وَيُقَالُ عَاصِمُ بْنُ عمر بغير الواو حجازي مدني يثقة مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ بِحَرَّةِ السُّقْيَا) بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ مَوْضِعٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَوَادِي الصَّفْرَاءِ وَالْحَرَّةُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ أَرْضٌ ذَاتُ حِجَارَةٍ سُودٍ (ائْتُونِي بِوَضُوءٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ بِمَاءِ الْوُضُوءِ (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عَبْدَكَ وَخَلِيلَكَ) مِنَ الْخُلَّةِ وَهِيَ الصَّدَاقَةُ وَالْمَحَبَّةُ التي تخللت القلب فملأنه (وَدَعَا لِأَهْلِ مَكَّةَ بِالْبَرَكَةِ) بِقَوْلِهِ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثمرات الْآيَةَ (وَأَنَا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ) لَمْ يَذْكُرِ الْخُلَّةَ لِنَفْسِهِ مَعَ أَنَّهُ خَلِيلٌ أَيْضًا تَوَاضُعًا وَرِعَايَةً لِلْأَدَبِ مَعَ أَبِيهِ (أَدْعُوكَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ تُبَارِكَ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ وَصَاعِهِمْ) أَيْ فِيمَا يُكَالُ بِهِمَا بَرَكَةً (مِثْلَيْ مَا بَارَكْتَ لِأَهْلِ مَكَّةَ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ) أَيْ أَدْعُوكَ أَنْ تُضَاعِفَ لَهُمُ الْبَرَكَةَ ضِعْفَيْ مَا بَارَكْتَهُ لِأَهْلِ مَكَّةَ بِدُعَاءِ إِبْرَاهِيمَ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَوِيٍّ كَذَا فِي التَّرْغِيبِ وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زيد وهو بن عَاصِمٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي بَابِ مَا يَقُولُ إِذَا رَأَى الْبَاكُورَةَ مِنَ الثَّمَرِ مِنْ أَبْوَابِ الدَّعَوَاتِ

[3915] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو نُبَاتَةَ) بِنُونٍ مَضْمُومَةٍ فَمُوَحَّدَةٍ وَمُثَنَّاةٍ (يُونُسُ بْنُ يَحْيَى بْنِ نُبَاتَةَ) الْأُمَوِيُّ الْمَدَنِيُّ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ أَخْبَرَنَا سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ اللَّيْثِيُّ (عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْمُعَلَّى) بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ وَيُقَالُ بن الْمُعَلَّى الْمَدَنِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ الثَّالِثَةِ [3916] قَوْلُهُ (مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي) وَقَعَ فِي حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثقات وعند الطبراني من حديث بن عُمَرَ بِلَفْظِ الْقَبْرِ فَعَلَى هَذَا الْمُرَادُ بِالْبَيْتِ فِي قَوْلِهِ بَيْتِي أَحَدُ بُيُوتِهِ لَا كُلُّهَا وَهُوَ بَيْتُ عَائِشَةَ الَّذِي صَارَ فِيهِ قَبْرُهُ وقد رد الْحَدِيثُ بِلَفْظِ مَا بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَبَيْتِ عَائِشَةَ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ (رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ) أَيْ كَرَوْضَةٍ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ فِي نُزُولِ الرَّحْمَةِ وَحُصُولِ السَّعَادَةِ بِمَا يحصل من ملازمة حلق الذكر لاسيما في عهده فيكون تشبها بِغَيْرِ أَدَاةٍ أَوِ الْمَعْنَى أَنَّ الْعِبَادَةَ فِيهَا تُؤَدِّي إِلَى الْجَنَّةِ فَيَكُونُ مَجَازًا أَوْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ رَوْضَةٌ حَقِيقَةً بِأَنْ يَنْتَقِلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ بِعَيْنِهِ فِي الْآخِرَةِ إِلَى الْجَنَّةِ هَذَا مُحَصَّلُ مَا أَوَّلَهُ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهِيَ عَلَى تَرْتِيبِهَا هَذَا فِي الْقُوَّةِ قَوْلُهُ (عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ) هُوَ الْأَسْلَمِيُّ الْمَدَنِيُّ (عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ) الدوسي المدني مولى بن أَبِي ذُبَابٍ صَدُوقٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ) زَادَ الشَّيْخَانِ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي قَالَ الْحَافِظُ أَيْ ينقل يوم القيامة فينصب عَلَى الْحَوْضِ قَالَ الْأَكْثَرُ الْمُرَادُ مِنْبَرُهُ بِعَيْنِهِ الَّذِي قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَهُوَ فَوْقَهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ الْمِنْبَرُ الَّذِي يُوضَعُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّ قَصْدَ مِنْبَرِهِ وَالْحُضُورَ عِنْدَهُ لِمُلَازَمَةِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ يُورِدُ صَاحِبَهُ إِلَى الْحَوْضِ وَيَقْتَضِي شُرْبَهُ مِنْهُ

قَوْلُهُ (صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا إِلَخْ) تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ أَيِّ الْمَسَاجِدِ أَفْضَلُ مِنْ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3917] قَوْلُهُ (عَنْ أَيُّوبَ) هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ قَوْلُهُ (مَنِ اسْتَطَاعَ) أَيْ قَدِرَ (أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ) أَيْ يُقِيمَ بِهَا حَتَّى يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ ثَمَّتْ (فَلْيَمُتْ بِهَا) أَيْ فَلْيُقِمْ بِهَا حَتَّى يَمُوتَ فَهُوَ حَثٌّ عَلَى لُزُومِ الْإِقَامَةِ بِهَا (فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا) أَيْ أَخُصُّهُ بِشَفَاعَتِي غَيْرِ الْعَامَّةِ زِيَادَةً فِي إِكْرَامِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ أَمْرٌ لَهُ بِالْمَوْتِ بِهَا وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنَ اسْتِطَاعَتِهِ بَلْ هُوَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لَكِنَّهُ أَمْرٌ بِلُزُومِهَا وَالْإِقَامَةِ بِهَا بِحَيْثُ لَا يُفَارِقُهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِأَنْ يَمُوتَ فِيهَا فَأَطْلَقَ الْمُسَبَّبَ وَأَرَادَ السَّبَبَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الْأَسْلَمِيَّةِ) أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ بِنَحْوِ حَدِيثِ بن عُمَرَ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَرُوَاتُهُ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصَّحِيحِ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عِكْرِمَةَ رَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ وَلَمْ يَجْرَحْهُ أَحَدٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ خَطَأٌ وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ صُمَيْتَةَ كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى قُلْتُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ مَا تَقَدَّمَ إِلَى حَدِيثِ صُمَيْتَةَ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَيْثٍ أنها سمعت رسول الله يَقُولُ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَمُوتَ إلا بالمدينة فليمت بها الحديث أخرجه بن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ

[3918] قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أحمد وبن ماجه وبن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى) هُوَ الصَّنْعَانِيُّ (سَمِعْتُ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ) الْعُمَرِيَّ قَوْلُهُ (اشْتَدَّ عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (الزَّمَانُ) بِالرَّفْعِ وَالْمَعْنَى أَصَابَتْنِي شِدَّةٌ وَجُهْدٌ (وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الْعِرَاقِ) بِكَسْرِ الْعَيْنِ كَكِتَابٍ اسْمُ بِلَادٍ تَمْتَدُّ مِنْ عَبَّادَانِ إِلَى الْمَوْصِلِ طُولًا وَمِنَ الْقَادِسِيَّةِ إِلَى حُلْوَانَ عَرْضًا (فَهَلَّا) كَلِمَةُ تَحْضِيضٍ مُرَكَّبَةٌ مِنْ هَلْ وَلَا فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى الْمَاضِي كَانَتْ لِلَّوْمِ عَلَى تَرْكِ الْفِعْلِ نَحْوَ هَلَّا آمَنْتَ وَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى الْمُضَارِعِ كَانَتْ لِلْحَثِّ عَلَى الْفِعْلِ نَحْوَ هَلَّا تُؤْمِنُ (إِلَى الشَّامِ أَرْضِ الْمَنْشَرِ) أَيْ مَوْضِعُ النُّشُورِ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ مِنَ الشَّامِ يَحْشُرُ اللَّهُ الْمَوْتَى إِلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهِيَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ (وَاصْبِرِي لَكَاعِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَأَمَّا الْعَيْنُ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى الْكَسْرِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ امْرَأَةٌ لَكَاعِ وَرَجُلٌ لُكَعٌ بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْكَافِ وَيُطْلَقُ ذَلِكَ عَلَى اللَّئِيمِ وَعَلَى الْعَبْدِ وَعَلَى الْغَبِيِّ الَّذِي لَا يهتدي لكلام غيره وعلى الصغير وخاطبها بن عُمَرَ بِهَذَا إِنْكَارًا عَلَيْهَا لَا دَلَالَةً عَلَيْهَا لكونها ممن ينتمي إِلَيْهِ وَيُتَعَلَّقُ بِهِ وَحَثَّهَا عَلَى سُكْنَى الْمَدِينَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَضْلِ (مَنْ صَبَرَ عَلَى شِدَّتِهَا وَلَأْوَائِهَا) مَهْمُوزًا وَمَمْدُودًا قَالَ فِي النِّهَايَةِ اللَّأْوَاءُ الشِّدَّةُ وَضِيقُ الْمَعِيشَةِ (كُنْتُ لَهُ شَهِيدًا أَوْ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَوْ هُنَا لِلشَّكِّ وَالْأَظْهَرُ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ لِلشَّكِّ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعْدُ بْنُ أبي وقاص وبن عُمَرَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ وَصَفِيَّةُ بِنْتُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَيَبْعُدُ اتِّفَاقُ جَمِيعِهِمْ أَوْ رُوَاتِهِمْ عَلَى الشَّكِّ وَتَطَابُقُهُمْ فِيهِ عَلَى صِيغَةٍ وَاحِدَةٍ بل الأظهر أنه قاله هَكَذَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ وهكذا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَوْ لِلتَّقْسِيمِ يَكُونُ شَهِيدًا لِبَعْضِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَشَفِيعًا لِبَاقِيهِمْ إِمَّا شَفِيعًا لِلْعَاصِينَ وَشَهِيدًا لِلْمُطِيعِينَ وَإِمَّا شَهِيدًا لِمَنْ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ وَشَفِيعًا لِمَنْ مَاتَ بَعْدَهُ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ الْقَاضِي وَهَذِهِ خُصُوصِيَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى الشَّفَاعَةِ لِلْمُذْنِبِينَ أَوْ لِلْعَالَمِينَ فِي الْقِيَامَةِ وَعَلَى شَهَادَتِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ وَقَدْ قَالَ فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ فَيَكُونُ لِتَخْصِيصِهِمْ بِهَذَا كُلِّهِ مَزِيَّةٌ وَزِيَادَةُ مَنْزِلَةٍ وَحَظْوَةٍ قَالَ وَقَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَيَكُونُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ شَفِيعًا وَشَهِيدًا ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شرح مسلم

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ (وَسُفْيَانَ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ (وَسُبَيْعَةَ الْأَسْلَمِيَّةِ) تَقَدَّمَ تَخْرِيجُهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ [3919] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبِي جُنَادَةُ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَبِالنُّونِ وَبِإِهْمَالِ الدَّالِ (بْنُ سَلْمٍ) بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللام بن خَالِدِ بْنِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السُّوَائِيُّ أَبُو الْحَكَمِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ لَهُ أَغْلَاطٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (آخِرُ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْإِسْلَامِ خَرَابًا) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ (الْمَدِينَةُ) وَيَجُوزُ عَكْسُهُ وَالْمُرَادُ بِالْمَدِينَةِ الْمَدِينَةُ النَّبَوِيَّةُ وَهُوَ عَلَمٌ لَهَا بِالْغَلَبَةِ فَلَا يُسْتَعْمَلُ مُعَرَّفًا إِلَّا فِيهَا وَفِي الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ عِمَارَةَ الْإِسْلَامِ مَنُوطَةٌ بِعِمَارَتِهَا وهذا ببركة وجوده فِيهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ بن حِبَّانَ (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ جُنَادَةَ عَنْ هِشَامٍ) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بَعْدَ هَذَا قَالَ تَعَجَّبَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَذَكَرَ أَيِ التِّرْمِذِيُّ فِي الْعِلَلِ أَنَّهُ سَأَلَ عَنْهُ الْبُخَارِيَّ فَلَمْ يَعْرِفْهُ وَتَعَجَّبَ مِنْهُ [3920] قَوْلُهُ (أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ الله عَلَى الْإِسْلَامِ) مِنَ الْمُبَايَعَةِ وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الْمُعَاقَدَةِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُعَاهَدَةِ كَأَنَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَاعَ مَا عِنْدَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَأَعْطَاهُ خُلَاصَةَ نَفْسِهِ وَطَاعَتَهُ وَدَخِيلَةَ أَمْرِهِ (فَأَصَابَهُ وَعْكٌ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَقَدْ تُفْتَحُ بعدها كاف الحمى وقبل أَلَمُهَا وَقِيلَ إِرْعَادُهَا (أَقِلْنِي بَيْعَتِي) اسْتِعَارَةٌ مِنْ إِقَالَةِ الْبَيْعِ وَهُوَ إِبْطَالُهُ (فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ

النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا لم يقله النبي بَيْعَتَهُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ أَسْلَمَ أَنْ يَتْرُكَ الْإِسْلَامَ وَلَا لِمَنْ هَاجَرَ إِلَى النَّبِيِّ لِلْمُقَامِ عِنْدَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْهِجْرَةَ وَيَذْهَبَ إِلَى وَطَنِهِ أَوْ غَيْرِهِ قَالُوا وَهَذَا الْأَعْرَابِيُّ كَانَ ممن هاجر وبايع النبي عَلَى الْمُقَامِ مَعَهُ قَالَ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنَّ بَيْعَةَ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ كَانَتْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وسقوط الهجرة عليه وَإِنَّمَا بَايَعَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَطَلَبَ الْإِقَالَةَ مِنْهُ فَلَمْ يُقِلْهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ انْتَهَى (فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ) أي من عند النبي (ثُمَّ جَاءَهُ) أَيْ ثَانِيًا (فَخَرَجَ الْأَعْرَابِيُّ) أَيْ مِنَ الْمَدِينَةِ رَاجِعًا إِلَى الْبَدْوِ (إِنَّمَا الْمَدِينَةُ كَالْكِيرِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْكِيرُ بِالْكَسْرِ كِيرُ الْحَدَّادِ وَهُوَ الْمَبْنِيُّ مِنَ الطِّينِ وَقِيلَ الزِّقُّ الَّذِي يُنْفَخُ بِهِ النَّارُ وَالْمَبْنِيُّ الْكُورُ انْتَهَى (تَنْفِي خَبَثَهَا) بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ هُوَ مَا تُلْقِيهِ مِنْ وَسَخِ الْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِمَا إِذَا أُذِيبَا وَالْمَعْنَى تَطْرُدُ الْمَدِينَةُ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ وَتُخْرِجُهُ (وَتَنْصَعُ) مِنْ بَابِ التَّفْعِيلِ وَالْإِفْعَالِ أَيْ تُخَلِّصُ (طَيِّبَهَا) بِالنَّصْبِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ وَهُوَ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ جَعَلَ مَثَلَ الْمَدِينَةِ وَمَا يُصِيبُ سَاكِنِيهَا مِنَ الْجَهْدِ وَالْبَلَاءِ كَمَثَلِ الْكِيرِ وَمَا يُوقَدُ عَلَيْهِ فِي النَّارِ فَيُمَيِّزُ بِهِ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ فَيَذْهَبُ الْخَبِيثُ وَيَبْقَى الطَّيِّبُ فِيهِ أَذْكَى مَا كَانَ وَأَخْلَصَ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي الْأَظْهَرُ أن هذا مختص بزمن النبي لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصْبِرُ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْمُقَامِ مَعَهُ إِلَّا مَنْ ثَبَتَ إِيمَانًا وَأَمَّا الْمُنَافِقُونَ وَجَهَلَةُ الْأَعْرَابِ فَلَا يَصْبِرُونَ عَلَى شِدَّةِ الْمَدِينَةِ وَلَا يَحْتَسِبُونَ الْأَجْرَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَالَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ الَّذِي أَصَابَهُ الْوَعْكُ أَقِلْنِي بَيْعَتِي هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي ادَّعَى أَنَّهُ الْأَظْهَرُ لَيْسَ بِالْأَظْهَرِ لِأَنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الأول في صحيح مسلم أنه قَالَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَهَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ فِي زَمَنِ الدَّجَّالِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي أَوَاخِرِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثِ الدَّجَّالِ أَنَّهُ يَقْصِدُ الْمَدِينَةَ فَتَرْجُفُ الْمَدِينَةُ ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ يُخْرِجُ اللَّهُ مِنْهَا كُلَّ كَافِرٍ مُنَافِقٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِزَمَنِ الدَّجَّالِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ فِي أَزْمَانٍ مُتَفَرِّقَةٍ انتهى وقال بن الْمُنِيرِ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ ذَمُّ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَقَدْ خَرَجَ مِنْهَا جَمْعٌ كَثِيرٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَسَكَنُوا غَيْرَهَا مِنَ الْبِلَادِ وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْفُضَلَاءِ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَذْمُومَ مَنْ خَرَجَ عَنْهَا كَرَاهَةً فِيهَا وَرَغْبَةً عَنْهَا كَمَا فَعَلَ الْأَعْرَابِيُّ الْمَذْكُورُ وَأَمَّا الْمُشَارُ إِلَيْهِمْ فَإِنَّمَا خَرَجُوا لِمَقَاصِدَ صَحِيحَةٍ كَنَشْرِ الْعِلْمِ وَفَتْحِ بِلَادِ الشِّرْكِ وَالْمُرَابَطَةِ فِي الثُّغُورِ وَجِهَادِ الْأَعْدَاءِ وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى اعْتِقَادِ فَضْلِ الْمَدِينَةِ وَفَضْلِ سُكْنَاهَا

قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَالنَّسَائِيُّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي [3921] قَوْلُهُ (لَوْ رَأَيْتُ الظِّبَاءَ) جَمْعُ ظَبْيٍ (تَرْتَعُ) أَيْ تَرْعَى وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَسْعَى وَتَنْشَطُ (مَا ذَعَرْتُهَا) أَيْ مَا أَخَفْتُهَا وَمَا نَفَّرْتُهَا وَهُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ يُقَالُ ذَعَرْتُهُ أَذْعَرُهُ ذُعْرًا أَفْزَعْتُهُ وَقَدْ ذُعِرَ فَهُوَ مَذْعُورٌ وَكَنَّى بذلك عن عَدَمِ صَيْدِهَا (مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) أَيْ لَابَتَيِ الْمَدِينَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ اللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ وَاحِدَتُهُمَا لَابَةٌ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمُلْبَسَةُ حِجَارَةً سُودًا وَلِلْمَدِينَةِ لَابَتَانِ شَرْقِيَّةٌ وَغَرْبِيَّةٌ وَهِيَ بَيْنَهُمَا وَيُقَالُ لَابَةٌ وَلُوبَةٌ وَنُوبَةٌ بِالنُّونِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ مشهورات قاله النووي (حرام) قال القارىء أَيْ مُحْتَرَمٌ مَمْنُوعٌ مِمَّا يَقْتَضِي إِهَانَةَ الْمَوْضِعِ الْمُكَرَّمِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الْحَرَامُ بِمَعْنَى الْحَرَمِ قُلْتُ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَرَامِ هُنَا الْحَرَمُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ إِلَخْ) أَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَأَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَجَابِرٍ وَسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ فَأَخْرَجَهُمَا مُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ أُخْرَى ذَكَرَهَا الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ حَرَمِ الْمَدِينَةِ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ قَوْلُهُ (حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ والنسائي

[3922] قَوْلُهُ (طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ) أَيْ ظَهَرَ (هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا) قَالَ النَّوَوِيُّ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ أُحُدًا يُحِبُّنَا حَقِيقَةً جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ تَمْيِيزًا يُحِبُّ بِهِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خشية الله وَكَمَا حَنَّ الْجِذْعُ الْيَابِسُ وَكَمَا سَبَّحَ الْحَصَى وكما في الحجر بثوب موسى قَالَ وَهَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ شَوَاهِدُ لِمَا اخْتَرْنَاهُ وَاخْتَارَهُ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَإِنَّ أُحُدًا يُحِبُّنَا حَقِيقَةً وَقِيلَ الْمُرَادُ يُحِبُّنَا أَهْلُهُ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إِلَيْهِ مَقَامَهُ انْتَهَى (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ) نِسْبَةُ التَّحْرِيمِ إِلَى إِبْرَاهِيمَ بِاعْتِبَارِ دُعَائِهِ وَسُؤَالِهِ ذَلِكَ فَلَا يُنَافِي مَا وَرَدَ أَنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ (وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا) مَعْنَاهُ اللَّابَتَانِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَالْمُرَادُ تَحْرِيمُ الْمَدِينَةِ وَلَابَتَيْهَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَالزُّهْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالُوا الْمَدِينَةُ لَهَا حَرَمٌ فَلَا يَجُوزُ قَطْعُ شَجَرِهَا وَلَا أَخْذُ صَيْدِهَا وَلَكِنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ فِيهِ عِنْدَهُمْ خِلَافًا لِابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فَإِنَّهُ قَالَ يَجِبُ الْجَزَاءُ وَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ سَلَبُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ إِلَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ مَنِ اصْطَادَ فِي الْمَدِينَةِ صَيْدًا أُخِذَ سَلَبُهُ وَيَرْوِي فِيهِ أَثَرًا عَنْ سَعْدٍ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ بِخِلَافِهِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَيْسَ لِلْمَدِينَةِ حَرَمٌ كَمَا كَانَ لِمَكَّةَ فَلَا يُمْنَعُ أَحَدٌ مِنْ أَخْذِ صَيْدِهَا وَقَطْعِ شَجَرِهَا كَذَا فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ لِلْعَيْنِيِّ وَاحْتَجَّ الطَّحَاوِيُّ بِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ أَبِي عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النفير وَقَالَ لَوْ كَانَ صَيْدُهَا حَرَامًا مَا جَازَ حَبْسُ الطَّيْرِ وَأُجِيبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَيْدِ الْحِلِّ قَالَ أَحْمَدُ مَنْ صَادَ مِنَ الْحِلِّ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْمَدِينَةَ لَمْ يَلْزَمْهُ إِرْسَالُهُ لِحَدِيثِ أَبِي عُمَيْرٍ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ لَكِنْ لَا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْحَنَفِيَّةِ لِأَنَّ صَيْدَ الْحِلِّ عِنْدَهُمْ إِذَا دَخَلَ الْحَرَمَ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْحَرَمِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ قِصَّةُ أَبِي عُمَيْرٍ كَانَتْ قَبْلَ التَّحْرِيمِ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِحَدِيثِ أَنَسٍ فِي قِصَّةِ قَطْعِ النَّخْلِ لِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَ قَطْعُ شَجَرِهَا حَرَامًا مَا فَعَلَهُ وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ وَحَدِيثُ تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ كَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْبَرَ كَمَا

يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ يَقُولُ خَرَجْتُ مَعَ رسول الله إلى خيبر أخدمه فلما قدم النبي رَاجِعًا وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا كَتَحْرِيمِ إِبْرَاهِيمَ مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي بَابِ فَضْلِ الْخِدْمَةِ فِي الْغَزْوِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُ النَّهْيِ عَنْ صَيْدِ الْمَدِينَةِ وَقَطْعِ شَجَرِهَا كَوْنَ الْهِجْرَةِ كَانَتْ إِلَيْهَا فَكَانَ بَقَاءُ الصَّيْدِ وَالشَّجَرِ مِمَّا يَزِيدُ فِي زِينَتِهَا وَيَدْعُو إِلَى ألفتها كما روى بن عمر أن النبي نَهَى عَنْ هَدْمِ آطَامِ الْمَدِينَةِ فَإِنَّهَا مِنْ زِينَةِ الْمَدِينَةِ فَلَمَّا انْقَطَعَتِ الْهِجْرَةُ زَالَ ذَلِكَ وَمَا قَالَهُ لَيْسَ بِوَاضِحٍ لِأَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِدَلِيلٍ وَقَدْ ثَبَتَ عَلَى الْفَتْوَى بِتَحْرِيمِهَا سَعْدٌ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو سَعِيدٍ وَغَيْرُهُمْ كَمَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْقَوْلُ الرَّاجِحُ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ أن المدينة حَرَمًا كَمَا أَنَّ لِمَكَّةَ حَرَمًا يَدُلُّ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ [3923] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ) الْمَرْوَزِيُّ (أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى) السِّينَانِيُّ (عَنْ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ) الْكِنْدِيِّ الْمَرْوَزِيِّ (عَنْ غَيْلَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيِّ) لَيِّنٌ مِنَ السَّابِعَةِ (عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) الْبَجَلِيِّ قَوْلُهُ (أَيَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ) مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ لِقَوْلِهِ (نَزَلْتَ) أَيْ لِلْإِقَامَةِ بِهَا وَالِاسْتِيطَانِ فِيهَا (الْمَدِينَةِ) بِالْجَرِّ عَلَى الْبَدَلِيَّةِ مِنَ الثَّلَاثَةِ (أَوِ الْبَحْرَيْنِ) مَوْضِعٌ بَيْنَ بَصْرَةَ وَعُمَانَ وَقِيلَ بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ بِالْيَمَنِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ جَزِيرَةٌ بِبَحْرِ عُمَانَ (أَوْ قِنَّسْرِينَ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ النُّونِ الْأُولَى الْمُشَدَّدَةِ وَيُكْسَرُ بَلَدٌ بالشام وهو غير منصرف قال القارىء هَذَا الْحَدِيثُ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الَّتِي رَآهَا وَهُوَ بِمَكَّةَ أَنَّهَا دَارُ هِجْرَتِهِ وَأَمَرَ بِالْهِجْرَةِ إِلَيْهَا هِيَ الْمَدِينَةُ كَمَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي أَصَحُّ من هذا وقد يجمع بأنه أُوحِيَ إِلَيْهِ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ عُيِّنَ لَهُ إِحْدَاهَا وَهِيَ أَفْضَلُهَا انْتَهَى قُلْتُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى عِنْدَ الْبُخَارِيِّ عَنِ النبي رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إلى أرض بها نخل فذهب وعلى أنها اليمامة أو حجر فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ قَالَهُ الْحَافِظُ وَوَقَعَ

عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ مِنْ حَدِيثِ صُهَيْبٍ رَفَعَهُ أُرِيتُ دَارَ هِجْرَتِكُمْ سَخِيَّةً بَيْنَ ظَهَرَانَيْ حَرَّتَيْنِ فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ هَجَرًا أَوْ يَثْرِبَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْيَمَامَةَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٍ قَالَ قَالَ رسول الله إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَيَّ أَيَّ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ نَزَلْتَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ اسْتَغْرَبَهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي ثُبُوتِهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الصَّحِيحِ مِنْ ذِكْرِ الْيَمَامَةِ لِأَنَّ قِنَّسْرِينَ مِنْ أَرْضِ الشَّامِ مِنْ جِهَةِ حَلَبَ بِخِلَافِ الْيَمَامَةِ فَإِنَّهَا إِلَى جِهَةِ الْيَمَنِ إِلَّا إِنْ حُمِلَ عَلَى اخْتِلَافِ الْمَأْخَذِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ جَرَى على مقتضى الرؤيا التي أريها والثاني يخير بِالْوَحْيِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أُرِيَ أَوَّلًا ثُمَّ خُيِّرَ ثَانِيًا فَاخْتَارَ الْمَدِينَةَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَةِ غَيْلَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيِّ ذكره بن حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ وَقَالَ رَوَى عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ جَرِيرٍ حَدِيثًا مُنْكَرًا وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ غَرِيبٌ انْتَهَى (لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو عَامِرٍ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْمَوْجُودَةِ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو عَامِرٍ وَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو عَمَّارٍ وَهُوَ كُنْيَةُ الْحُسَيْنِ بْنِ حُرَيْثٍ وَأَمَّا أَبُو عَامِرٍ فَلَيْسَ هُوَ كُنْيَةً لَهُ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ [3924] قَوْلُهُ (إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا) تَقَدَّمَ شَرْحُهُ قَرِيبًا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ (وَصَالِحُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ أَخُو سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ) أَيْ صَالِحُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الْمَذْكُورُ هُوَ أَخُو سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ ذَكْوَانَ السَّمَّانُ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَالَ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ لَهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي فَضْلِ الْمَدِينَةِ اسْتَغْرَبَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ انْتَهَى

باب في فضل مكة

131 - (باب في فضل مكة) [3925] قوله (حدثنا الليث) هو بن سَعْدٍ (عَنْ عُقَيْلٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ) الزُّهْرِيِّ قِيلَ إِنَّهُ ثَقَفِيٌّ حَالَفَ بَنِي زُهْرَةَ صَحَابِيٌّ لَهُ حَدِيثٌ فِي فَضْلِ مَكَّةَ قَالَهُ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ قَوْلُهُ (وَاقِفًا عَلَى الْحَزْوَرَةِ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالزَّايِ قَالَ الطِّيبِيُّ عَلَى وَزْنِ الْقَسْوَرَةِ مَوْضِعٌ بِمَكَّةَ وَبَعْضُهُمْ شَدَّدَهَا وَالْحَزْوَرَةُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى التَّلِّ الصَّغِيرِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ هُنَاكَ تَلٌّ صَغِيرٌ وَقِيلَ لِأَنَّ وَكِيعَ بْنَ سَلَمَةَ بْنَ زُهَيْرِ بْنِ إِيَادٍ كَانَ وَلِيَ أَمْرَ الْبَيْتِ بَعْدَ جُرْهُمٍ فَبَنَى صَرْحًا كَانَ هُنَاكَ وَجَعَلَ فِيهَا أَمَةً يُقَالُ لَهَا حَزْوَرَةُ فَسُمِّيَتْ حَزْوَرَةُ مَكَّةَ بِهَا انْتَهَى (فَقَالَ) أَيْ مُخَاطِبًا لِلْكَعْبَةِ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ حَرَمِهَا (وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ) أَيْ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ (مَا خَرَجْتُ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ إِلَّا أَنْ يُخْرَجَ مِنْهَا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا وَهُوَ الضرورة الدينية أو الدنيوية قال القارىء وَأَمَّا خَبَرُ الطَّبَرَانِيِّ الْمَدِينَةُ خَيْرٌ مِنْ مَكَّةَ فَضَعِيفٌ بَلْ مُنْكَرٌ وَاهٍ كَمَا قَالَهُ الذَّهَبِيُّ وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى زَمَانِهِ لِكَثْرَةِ الْفَوَائِدِ فِي حَضْرَتِهِ وَمُلَازَمَةِ خِدْمَتِهِ لِأَنَّ شَرَفَ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِذَاتِهِ بَلْ بِوُجُودِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيهِ وَنُزُولِهِ مَعَ بَرَكَاتِهِ وَأَيْضًا نَفْسُ الْمَدِينَةِ لَيْسَ أَفْضَلَ مِنْ مَكَّةَ اتِّفَاقًا إِذْ لَا تَضَاعُفَ فِيهِ أَصْلًا بَلِ الْمُضَاعَفَةُ فِي الْمَسْجِدَيْنِ فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَ الْحُفَّاظُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صلاة فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ صلاة فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَاةِ فِي مَسْجِدِي هَذَا بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَحَّ عَنِ بن عُمَرَ مَوْقُوفًا وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ مِثْلُهُ بِالرَّأْيِ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ بِمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والنسائي وبن ماجه (وحديث

باب مناقب في فضل العرب بالتحريك

الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ حَمْرَاءَ عِنْدِي أَصَحُّ) لِأَنَّ الزُّهْرِيَّ أَحْفَظُ وَأَوْثَقُ مِنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو ومحمد بن عمر وهذا هو بن عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيُّ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَغَيْرِهِمَا صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ قُلْتُ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَيْضًا الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَزْوَرَةِ فَقَالَ عَلِمْتُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ الْحَدِيثَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ كِلَا الْحَدِيثَيْنِ صَحِيحَانِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَصَحَّ مِنَ الْآخَرِ [3926] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْبَصْرِيُّ) الْحَرَشِيُّ (أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ) النُّمَيْرِيُّ أَبُو سُلَيْمَانَ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ لَهُ خَطَأٌ كَثِيرٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (وَأَبُو الطُّفَيْلِ) اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ وَائِلَةَ اللَّيْثِيُّ قَوْلُهُ (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَّةَ) أَيْ خِطَابًا لَهَا حِينَ وَدَاعِهَا وَذَلِكَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ (مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ) صِيغَةُ تَعَجُّبٍ (وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ) عَطْفٌ عَلَيْهِ وَالْأُولَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَدِّ ذَاتِهَا أَوْ لِلْإِطْلَاقِ وَالثَّانِيَةُ لِلتَّخْصِيصِ (وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي) أَيْ صَارُوا سَبَبًا لِخُرُوجِي (مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ) هَذَا دَلِيلٌ لِلْجُمْهُورِ عَلَى أَنَّ مَكَّةَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَدِينَةِ خِلَافًا لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَدْ صَنَّفَ السُّيُوطِيُّ رِسَالَةً في هذه المسألة 32 - (باب مناقب فِي فَضْلِ الْعَرَبِ بِالتَّحْرِيكِ) اسْمٌ لِهَذَا الْجِيلِ الْمَعْرُوفِ مِنَ النَّاسِ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَسَوَاءٌ أَقَامَ بِالْبَادِيَةِ أَوِ

الْمُدُنِ وَالنِّسْبَةُ إِلَيْهِ عَرَبِيٌّ قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي الْقَامُوسِ الْعُرْبُ بِالضَّمِّ وَبِالتَّحْرِيكِ خِلَافُ الْعَجَمِ مُؤَنَّثٌ وَهُمْ سُكَّانُ الْأَمْصَارِ أَوْ أَعَمُّ وَالْأَعْرَابُ مِنْهُمْ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ لَا وَاحِدَ لَهُ [3927] قَوْلُهُ (عَنْ سَلْمَانَ) أَيِ الْفَارِسِيِّ (لَا تُبْغِضْنِي فَتُفَارِقَ دِينَكَ) بِالنَّصْبِ عَلَى جَوَابِ النَّهْيِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ زَيْنُ الْعَرَبِ (كَيْفَ أُبْغِضُكَ) أَيْ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنِّي أَنِّي أُبْغِضُكَ وَأَنْتَ حَبِيبُ اللَّهِ وَمَحْبُوبُ أُمَّتِكَ (وَبِكَ هَدَانَا اللَّهُ) أَيْ إِلَى الْإِسْلَامِ (قَالَ تُبْغِضُ الْعَرَبَ فَتُبْغِضُنِي) أَيْ حِينَ تُبْغِضُ الْعَرَبَ عُمُومًا فَتُبْغِضُنِي فِي ضِمْنِهِمْ خُصُوصًا أَوِ إِذَا أَبْغَضْتَ جِنْسَ الْعَرَبِ فَرُبَّمَا يَجُرُّ ذَلِكَ إِلَى بُغْضِكَ إِيَّايَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ ذَلِكَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ بُغْضَ الْعَرَبِ قَدْ يَصِيرُ سَبَبًا لِبُغْضِ سَيِّدِ الْخَلْقِ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ كيلا يَقَعَ فِي الْخَطَرِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ [3928] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَسْوَدِ) الْحَارِثِيُّ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكُوفِيُّ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ وَوَقَعَ فِي النُّسْخَةِ الْأَحْمَدِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ الْأَسْوَدِ وَهُوَ غَلَطٌ (عَنْ مُخَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ) وَيُقَالُ مُخَارِقُ بْنُ خَلِيفَةَ الْأَحْمَسِيُّ الْكُوفِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (مَنْ غَشَّ الْعَرَبَ) أَيْ خَانَهُمْ وَالْغِشُّ ضِدُّ النُّصْحِ مِنَ الْغِشِّ وَهُوَ الْمَشْرَبُ الْكَدِرُ (لَمْ يَدْخُلْ فِي شَفَاعَتِي) أَيِ الصُّغْرَى لِعُمُومِ الْكُبْرَى (وَلَمْ تَنَلْهُ مَوَدَّتِي) أَيْ لَمْ تُصِبْهُ مَحَبَّتِي إِيَّاهُ أَوْ لَمْ تَصِلْ وَلَمْ تَحْصُلْ لَهُ مَحَبَّتُهُ إِيَّايَ وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ غِشُّ الْعَرَبِ أَنْ يَصُدَّهُمْ عَنِ الْهُدَى أَوْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى مَا يُبْعِدُهُمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ قَطَعَ الرَّحِمَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فَيُحْرَمُ شَفَاعَتَهُ وَمَوَدَّتَهُ وَغِشُّ غَيْرِ الْعَرَبِ حَرَامٌ أَيْضًا لَكِنَّ غِشَّ الْعَرَبِ أَعْظَمُ جُرْمًا انْتَهَى

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ (وَلَيْسَ حُصَيْنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ بِذَاكَ الْقَوِيِّ) قَالَ الْحَافِظُ هُوَ مَتْرُوكٌ [3929] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى) الْبَلْخِيُّ الْمَعْرُوفُ بِخَتٍّ (أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) الْأَزْدِيُّ الْوَاشِحِيُّ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي رَزِينٍ) مَقْبُولٌ مِنَ الثَّامِنَةِ (عَنْ أُمِّهِ) هِيَ مَجْهُولَةٌ (قَالَتْ) أَيْ أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي رَزِينٍ (كَانَتْ أُمُّ الْحُرَيْرِ) بِالتَّصْغِيرِ وَقِيلَ بِفَتْحِ أَوَّلِهَا لَا يُعْرَفُ حَالُهَا مِنَ الرَّابِعَةِ قَالَهُ الْحَافِظُ وَقَالَ الذَّهَبِيُّ أُمُّ الْحُرَيْرِ عَنْ مَوْلَاهَا طَلْحَةِ بْنِ مَالِكٍ لَا تُعْرَفُ وَعَنْهَا امْرَأَةٌ لَمْ تُسَمَّ انْتَهَى قُلْتُ الْمَرْأَةُ الَّتِي رَوَتْ عَنْهَا غَيْرُ مُسَمَّاةٍ هِيَ أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي رَزِينٍ قَوْلُهُ (مِنَ اقْتِرَابِ السَّاعَةِ) أَيْ مِنْ عَلَامَاتِ قُرْبِ الْقِيَامَةِ (هَلَاكُ الْعَرَبِ) أَيْ مُسْلِمِهِمْ أَوْ جِنْسِهِمْ وَفِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ غَيْرَهُمْ تَابِعٌ لَهُمْ وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاسِ بَلْ وَلَا يَكُونُ فِي الْأَرْضِ مَنْ يَقُولُ اللَّهَ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ قَوْلُهُ (وَمَوْلَاهَا طَلْحَةُ بْنُ مَالِكٍ) الْخُزَاعِيُّ أَوِ السلمي صحابي نزل البصرة قال بن السَّكَنِ لَيْسَ يُرْوَى عَنْهُ إِلَّا هَذَا الْحَدِيثُ يَعْنِي حَدِيثَ الْبَابِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَمَعَ غَرَابَتِهِ ضَعِيفٌ لِجَهَالَةِ أُمِّ مُحَمَّدِ بْنِ أبي رزين وأم الحرير [3930] قوله (حدثنا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ) الْمِصِّيصِيُّ الْأَعْوَرُ (حَدَّثَتْنِي أُمُّ شَرِيكٍ) الْعَامِرِيَّةُ وَيُقَالُ

باب في فضل العجم بالتحريك ضد العرب

الدَّوْسِيَّةُ وَيُقَالُ الْأَنْصَارِيَّةُ اسْمُهَا غُزَيَّةٌ وَيُقَالُ غُزَيْلَةٌ صَحَابِيَّةٌ يُقَالُ هِيَ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (لَيَفِرَّنَّ) أَيْ لَيَهْرَبَنَّ (النَّاسُ) أَيِ الْمُؤْمِنُونَ (مِنَ الدَّجَّالِ) أَيْ عِنْدَ خُرُوجِهِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ (وَأَيْنَ الْعَرَبُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَأَيْنَ الْعَرَبُ بِالْفَاءِ قَالَ الطِّيبِيُّ الْفَاءُ فِيهِ جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِذَا كَانَ هَذَا حَالُ النَّاسِ فَأَيْنَ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الذَّابُّونَ عَنْ حَرِيمِ الْإِسْلَامِ الْمَانِعُونَ عَنْ أَهْلِهِ صَوْلَةَ أَعْدَاءِ اللَّهِ فَكَنَّي عَنْهُمْ بِهَا (قَالَ هُمْ) أَيِ الْعَرَبُ (قَلِيلٌ) أَيْ حِينَئِذٍ فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ [3931] قَوْلُهُ (سَامٌ أَبُو الْعَرَبِ وَيَافِثُ أَبُو الرُّومِ وَحَامٌ أَبُو الْحَبَشِ) وَالثَّلَاثَةُ أَوْلَادُ نُوحٍ لِصُلْبِهِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الصَّافَّاتِ (وَيُقَالُ يافث) بكسر الفاء وبالمثلثة (ويافث) بِكَسْرِ الْفَاءِ وَبِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ (وَيَفَثُ) أَيْ بِحَذْفِ الألف وبالمثلثة 33 - (بَاب فِي فَضْلِ الْعَجَمِ بِالتَّحْرِيكِ ضِدُّ الْعَرَبِ) قَوْلُهُ (ذُكِرَتِ الْأَعَاجِمُ) أَيْ بِالْمَدْحِ أَوِ الذَّمِّ (لَأَنَا بِهِمْ أَوْ بِبَعْضِهِمْ أَوْثَقُ) أَيْ أَرْجَى في

الِاعْتِمَادِ عَلَى طَلَبِ الدِّينِ (مِنِّي بِكُمْ أَوْ بِبَعْضِكُمْ) قَالَ الْمُظْهِرُ أَنَا مُبْتَدَأٌ وَأَوْثَقُ خَبَرُهُ وَمِنِّي صِلَةُ أَوْثَقُ وَالْبَاءُ فِي بِهِمْ مَفْعُولُهُ وَأَوْ عُطِفَ عَلَى بِهِمْ وَالْبَاءُ فِي بِكُمْ مَفْعُولُ فِعْلٍ مُقَدَّرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ أَوْثَقُ وَأَوْ فَى أَوْ بِبَعْضِكُمْ عُطِفَ عَلَى بِكُمْ إِمَّا مُتَعَلِّقٌ أَيْضًا بِأَوْثَقَ إِذْ هُوَ فِي قُوَّةِ الْوُثُوقِ وَزِيَادَةٍ فَكَأَنَّهُ فِعْلَانِ جَازَ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَفْعُولَيْنِ أَوْ بِآخَرَ دَلَّ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ وَالْمَعْنَى وُثُوقِي وَاعْتِمَادِي بِهِمْ أَوْ بِبَعْضِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ وُثُوقِي بِكُمْ أَوْ بِبَعْضِكُمْ قَالَ الطِّيبِيُّ الْأَوَّلُ مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى الِانْسِحَابِ وَالثَّانِي مِنْ بَابِ الْعَطْفِ عَلَى التَّقْدِيرِ وَالْمُخَاطَبُونَ بِقَوْلِهِ بِكُمْ أَوْ بِبَعْضِكُمْ قَوْمٌ مَخْصُوصُونَ دُعُوا إِلَى الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَقَاعَدُوا عَنْهُ فَهُوَ كَالتَّأْنِيبِ وَالتَّعْيِيرِ عَلَيْهِمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى إن تتولوا يستبدل قوما غيركم فإنه جاء عقيب قوله تعالى ها أنتم هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ من يبخل يَعْنِي أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ الْمُشَاهَدُونَ بَعْدَ مُمَارَسَتِكُمُ الْأَحْوَالَ وَعِلْمِكُمْ بِأَنَّ الْإِنْفَاقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ تُدْعَوْنَ إِلَيْهِ فَتَثْبَطُونَ عَنْهُ وَتَتَوَلَّوْنَ فَإِنِ اسْتَمَرَّ تَوَلِّيكُمْ يَسْتَبْدِلُ اللَّهُ قَوْمًا غَيْرَكُمْ بَذَّالُونَ لِأَرْوَاحِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَكُونُوا أمثالكم في الشح المبالغ فهو تَعْرِيضٌ وَبَعْثٌ لَهُمْ عَلَى الْإِنْفَاقِ فَلَا يَلْزَمُ منه التفضيل قال القارىء إِنْ كَانَ مُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ التَّفْضِيلُ مُطْلَقًا فَهُوَ خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَعَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ لَا يَلْزَمُ التَّفْضِيلُ الْمُطْلَقُ فَهُوَ صَحِيحٌ إِذْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ أَفْضَلُ مِنَ الْعَرَبِ وَلَا بِدْعَ أَنْ يُوجَدَ فِي الْمَفْضُولِ زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى بَعْضِ فَضَائِلِ الْفَاضِلِ فَجِنْسُ الْعَرَبِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الْعَجَمِ بِلَا شُبْهَةٍ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي بعض الأفراد [3932] قوله (وصالح هو بن مِهْرَانَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَاءِ قَالَ فِي التَّقْرِيبِ صَالِحُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ الْكُوفِيُّ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَاسْمُ أَبِيهِ مِهْرَانُ ضَعِيفٌ مِنَ الرَّابِعَةِ [3933] قَوْلُهُ (كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْجُمُعَةِ إِلَخْ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجُمُعَةِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ شَرْحُهُ

باب في فضل اليمن

134 - (باب فِي فَضْلِ الْيَمَنِ) قَالَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ سُمِّيَتِ الْيَمَنُ لِأَنَّهَا عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ وَالشَّامُ لِأَنَّهَا عَنْ يَسَارِ الْكَعْبَةِ وَالْمَشْأَمَةُ الْمَيْسَرَةُ قَالَ الْحَافِظُ قَوْلُهُ سُمِّيَتِ الْيَمَنُ لِأَنَّهَا عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَهُ فِي تَفْسِيرِ الْوَاقِعَةِ وَرَوَى عَنْ قُطْرُبٍ قَالَ إِنَّمَا سُمِّيَ الْيَمَنُ يَمَنًا لِيُمْنِهِ وَالشَّامَ شَامًا لِشُؤْمِهِ وَقَالَ الْهَمْدَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ لَمَّا ظَعَنَتِ الْعَرَبُ الْعَارِبَةُ أَقْبَلَ بَنُو قَطَنِ بْنِ عَامِرٍ فتيامنو فَقَالَتِ الْعَرَبُ تَيَامَنَتْ بَنُو قَطَنٍ فَسُمُّوا الْيَمَنَ وَتَشَاءَمَ الْآخَرُونَ فَسُمُّوا شَامًا وَقِيلَ إِنَّ النَّاسَ لَمَّا تَفَرَّقَتْ أَلْسِنَتُهُمْ حِينَ تَبَلْبَلَتْ بِبَابِلَ أَخَذَ بَعْضُهُمْ عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ فَسُمُّوا يَمَنًا وَأَخَذَ بَعْضُهُمْ عَنْ شِمَالِهَا فَسُمُّوا شَامًا وَقِيلَ إِنَّمَا سُمِّيَتِ الْيَمَنُ بِيَمَنِ بْنِ قَحْطَانَ وَسُمِّيَتِ الشَّامُ بِسَامَ بْنِ نُوحٍ وَأَصْلُهُ شَامٌ بِالْمُعْجَمَةِ ثُمَّ عُرِّبَ بِالْمُهْمَلَةِ انْتَهَى [3934] قَوْلُهُ (نَظَرَ قِبَلَ الْيَمَنِ) بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ إِلَى جَانِبِهِ (اللَّهُمَّ أَقْبِلْ) أَمْرٌ مِنَ الْإِقْبَالِ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ (بِقُلُوبِهِمْ) لِلتَّعْدِيَةِ وَالْمَعْنَى اجْعَلْ قُلُوبَهُمْ مُقْبِلَةً إلينا وإنما دعى بِذَلِكَ لِأَنَّ طَعَامَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانَ يَأْتِيهِمْ مِنَ الْيَمَنِ وَلِذَا عَقَّبَهُ بِبَرَكَةِ الصَّاعِ وَالْمُدِّ لِطَعَامٍ يُجْلَبُ لَهُمْ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ (وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا) أَرَادَ بِهِمَا الطَّعَامَ الْمُكْتَالَ بِهِمَا فَهُوَ مِنْ بَابِ إِطْلَاقِ الظَّرْفِ وَإِرَادَةِ الْمَظْرُوفِ أَوِ الْمُضَافُ مُقَدَّرٌ أَيْ طَعَامِ صَاعِنَا وَمُدِّنَا قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ وَجْهُ التَّنَاسُبِ بَيْنَ الْفَصْلَيْنِ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مَا زَالُوا فِي شدة من العيش وعوذ مِنَ الزَّادِ لَا تَقُومُ أَقْوَاتُهُمْ لِحَاجَتِهِمْ فَلَمَّا دَعَا اللَّهَ بِأَنْ يُقْبِلَ عَلَيْهِمْ بِقُلُوبِ أَهْلِ الْيَمَنِ إِلَى دَارِ الْهِجْرَةِ وَهُمُ الْجَمُّ الْغَفِيرُ دَعَا اللَّهَ بِالْبَرَكَةِ فِي طَعَامِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ

لِيَتَّسِعَ عَلَى الْقَاطِنِ بِهَا وَالْقَادِمِ عَلَيْهَا فَلَا يَسْأَمُ الْمُقِيمُ مِنَ الْقَادِمِ عَلَيْهِ وَلَا تَشُقُّ الْإِقَامَةُ عَلَى الْمُهَاجِرِ إِلَيْهَا قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ [3935] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو) بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ وقاص الليثي (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَوْلُهُ (هُمْ أَضْعَفُ قُلُوبًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ هُمْ أَلْيَنُ قُلُوبًا (وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً) جَمْعُ فُؤَادٍ وَأَرَقُّ أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ مِنَ الرِّقَّةِ وَهِيَ ضِدُّ الْقَسَاوَةِ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمَشْهُورُ أَنَّ الْفُؤَادَ هُوَ الْقَلْبُ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ كَرَّرَ لَفْظَ الْقَلْبِ بِلَفْظَيْنِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَكْرِيرِهِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ وَقِيلَ الْفُؤَادُ غَيْرُ الْقَلْبِ وَهُوَ عَيْنُ الْقَلْبِ وَقِيلَ بَاطِنُ الْقَلْبِ وَقِيلَ غِشَاءُ الْقَلْبِ وَأَمَّا وَصْفُهَا بِاللِّينِ وَالرِّقَّةِ وَالضَّعْفِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا ذَاتُ خَشْيَةٍ وَاسْتِكَانَةٍ سَرِيعَةِ الِاسْتِجَابَةِ وَالتَّأَثُّرِ بِقَوَارِعِ التَّذْكِيرِ سَالِمَةٍ مِنَ الْغِلَظِ وَالشِّدَّةِ وَالْقَسْوَةِ الَّتِي وَصَفَ بِهَا قُلُوبَ الْآخَرِينَ قَوْلُهُ (الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ) وَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْفِقْهُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ ظَاهِرُهُ نِسْبَةُ الْإِيمَانِ إِلَى الْيَمَنِ لِأَنَّ أَصْلَ يَمَانٍ يَمَنِيٌّ فَحُذِفَتْ يَاءُ النَّسَبِ وَعُوِّضَ بِالْأَلِفِ بَدَلَهَا وَقَوْلُهُ يَمَانِيَةٌ هُوَ بِالتَّخْفِيفِ وحكى بن السَّيِّدِ فِي الِاقْتِضَابِ أَنَّ التَّشْدِيدَ لُغَةٌ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا عَنْ سِيبَوَيْهِ جَوَازَ التَّشْدِيدِ فِي يَمَانِيٍّ وَأَنْشَدَ يَمَانِيًّا يَظَلُّ يَشُدُّ كِيرًا وينفخ دائما لهب الشواط وَاخْتُلِفَ فِي الْمُرَادِ بِهِ فَقِيلَ مَعْنَاهُ نِسْبَةُ الْإِيمَانِ إِلَى مَكَّةَ لِأَنَّ مَبْدَأَهُ مِنْهَا وَمَكَّةُ يَمَانِيَّةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ نِسْبَةُ الْإِيمَانِ إِلَى مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَهُمَا يَمَانِيَّتَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلشَّامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ صَدَرَتْ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حِينَئِذٍ بِتَبُوكَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَالْإِيمَانُ فِي أَهْلِ الْحِجَازِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْأَنْصَارُ لِأَنَّ أَصْلَهُمْ مِنَ الْيَمَنِ وَنَسَبَ الْإِيمَانَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا الْأَصْلَ فِي نَصْرِ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَى جَمِيعَ ذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ في غريب الحديث له وتعقبه بن

الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ مِنْ إِجْرَاءِ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ الْمُرَادَ تَفْضِيلُ أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالسَّبَبُ فِي ذَلِكَ إِذْعَانُهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ مِنْ غَيْرِ كَبِيرِ مَشَقَّةٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَغَيْرِهِمْ وَمَنِ اتَّصَفَ بِشَيْءٍ وَقَوِيَ قِيَامُهُ بِهِ نُسِبَ إِلَيْهِ إِشْعَارًا بِكَمَالِ حَالِهِ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَفْيُ الْإِيمَانِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَفِي أَلْفَاظِهِ أَيْضًا مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَقْوَامًا بِأَعْيَانِهِمْ فَأَشَارَ إِلَى مَنْ جَاءَ مِنْهُمْ لَا إِلَى بَلَدٍ مُعَيَّنٍ لِقَوْلِهِ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ فِي الصَّحِيحِ أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَلْيَنُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ وَرَأْسُ الْكُفْرِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَلَا مَانِعَ مِنْ إِجْرَاءِ الْكَلَامِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَمْلِ أَهْلِ الْيَمَنِ عَلَى حَقِيقَتِهِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْمَوْجُودُ مِنْهُمْ حِينَئِذٍ لَا كُلُّ أَهْلِ الْيَمَنِ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَإِنَّ اللَّفْظَ لَا يَقْتَضِيهِ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالْفِقْهِ الْفَهْمُ فِي الدِّينِ وَالْمُرَادُ بِالْحِكْمَةِ الْعِلْمُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ انْتَهَى مَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ نقلا عن بن الصَّلَاحِ فِي تَفْسِيرِ الْحِكْمَةِ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ مُضْطَرِبَةٌ قَدِ اقْتَصَرَ كُلٌّ مِنْ قَائِلِهَا عَلَى بَعْضِ صِفَاتِ الْحِكْمَةِ وَقَدْ صَفَا لَنَا مِنْهَا أَنَّ الْحِكْمَةَ عِبَارَةٌ عَنِ الْعِلْمِ الْمُتَّصِفِ بِالْأَحْكَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْمَعْرِفَةِ بِاللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْمَصْحُوبِ بِنَفَاذِ الْبَصِيرَةِ وَتَهْذِيبِ النَّفْسِ وَتَحْقِيقِ الْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ وَالصَّدِّ عَنِ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَالْبَاطِلِ وَالْحَكِيمُ مَنْ لَهُ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ كُلُّ كَلِمَةٍ وَعَظَتْكَ أَوْ زَجَرَتْكَ أَوْ دَعَتْكَ إِلَى مَكْرُمَةٍ أَوْ نَهَتْكَ عَنْ قَبِيحٍ فَهِيَ حِكْمَةٌ وَحِكَمٌ وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكْمَةً وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ حِكَمًا انْتَهَى قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عن بن عباس وأبي مسعود) أما حديث بن عَبَّاسٍ فَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَفِيهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عِيسَى بن مسلم الحنفي وثقه بن حِبَّانَ وَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ رِجَالُ الصَّحِيحِ قَالَهُ الْهَيْثَمِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَخْرَجَهُ الشيخان ووقع في بعض النسخ بن مَسْعُودٍ مَكَانَ أَبِي مَسْعُودٍ وَأَخْرَجَ حَدِيثَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِيمَانُ يَمَانٍ وَمُضَرُ عِنْدَ أَذْنَابِ الْإِبِلِ وَفِيهِ عِيسَى بْنُ قِرْطَاسٍ وَهُوَ مَتْرُوكٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3936] قوله (حدثنا زَيْدُ بْنُ حُبَابٍ) هُوَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْعُكْلِيُّ أَخْبَرَنَا (مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحِ) بْنِ حُدَيْرٍ الْحَضْرَمِيُّ (أَخْبَرَنَا أَبُو مَرْيَمَ الْأَنْصَارِيُّ) وَيُقَالُ الْحَضْرَمِيُّ خَادِمُ الْمَسْجِدِ بِدِمَشْقَ أَوْ حِمْصَ قِيلَ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ صَاغِرٍ وَيُقَالُ هُوَ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّانِيَةِ

وَقَوْلُهُ (الْمُلْكُ فِي قُرَيْشٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ أَيِ الْخِلَافَةُ فِيهِمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي بَابِ الْخُلَفَاءِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِتَنِ (وَالْقَضَاءُ فِي الْأَنْصَارِ) أَيِ الْحُكْمُ الجزئي تطيبا لِقُلُوبِهِمْ لِأَنَّهُمْ آوَوْا وَنَصَرُوا وَبِهِمْ قَامَ عَمُودُ الْإِسْلَامِ وَفِي بَلَدِهِمْ تَمَّ أَمْرُهُ وَاسْتَقَامَ وَبُنِيَتِ المساجد وجمعت الجماعات ذكره بن الْمَلَكِ وَقَالَ فِي الْأَزْهَارِ قِيلَ الْمُرَادُ بِالْقَضَاءِ النِّقَابَةُ لِأَنَّ النُّقَبَاءَ كَانُوا مِنْهُمْ وَقِيلَ الْقَضَاءُ الْجُزْئِيُّ وَقِيلَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَعْلَمُكُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذٌ وَقِيلَ الْقَضَاءُ الْمَعْرُوفُ لِبَعْثِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا قاضيا إلى اليمن انتهى قال القارىء وَالْأَخِيرُ هُوَ الْأَظْهَرُ لِقَوْلِهِ (وَالْأَذَانُ فِي الْحَبَشَةِ) أَيْ لِأَنَّ رَئِيسَ مُؤَذِّنِيهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِلَالًا وَهُوَ حَبَشِيٌّ (وَالْأَمَانَةُ فِي الْأَزْدِ) بِسُكُونِ الزَّايِ أَيْ أَزْدِ شَنُوءَةَ وَهُمْ حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَلَا يُنَافِي قَوْلَ بَعْضِ الرُّوَاةِ (يَعْنِي الْيَمَنَ) لَكِنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادَرَ مِنْ كَلَامِهِ إِرَادَةُ عُمُومِ أَهْلِ الْيَمَنِ فَإِنَّهُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَهْلُ أَمْنٍ وَإِيمَانٍ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا أَخْرَجَهُ أَيْضًا أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَوْلُهُ (وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ حُبَابٍ) لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ أَوْثَقُ وَأَحْفَظُ مِنْ زَيْدِ بْنِ حُبَابٍ [3937] قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي عَمِّي صَالِحُ بْنِ عَبْدِ الْكَبِيرِ بْنِ شُعَيْبِ) بْنِ الْحِجَابِ الْبَصْرِيُّ الْمِعْوَلِيُّ مَجْهُولٌ مِنَ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنِي عَمِّي عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ شُعَيْبِ) بْنِ الْحِجَابِ الْبَصْرِيُّ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ شُعَيْبُ بْنُ الْحِجَابِ الْأَزْدِيُّ مَوْلَاهُمْ أَبُو صَالِحٍ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (الْأَزْدُ) أَيْ أَزْدُ شَنُوءَةَ فِي الْقَامُوسِ أَزْدُ بْنُ الْغَوْثِ وَبِالسِّينِ أَفْصَحُ أَبُو حَيٍّ بِالْيَمَنِ وَمِنْ أَوْلَادِهِ الأنصار كلهم (أزد اللَّهِ) أَيْ جُنْدُهُ وَأَنْصَارُ دِينِهِ قَدْ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ فَهُمْ يُضَافُونَ إِلَيْهِ (أَنْ يَضَعُوهُمْ) أَيْ يُحَقِّرُوهُمْ وَيُذِلُّوهُمْ (وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَرْفَعَهُمْ) أَيْ يَنْصُرُهُمْ وَيُعِزُّهُمْ وَيُعْلِيهِمْ عَلَى أَعْدَاءِ دِينِهِمْ قَالَ الْقَاضِي يُرِيدُ بِالْأَزْدِ أَزْدَ شَنُوءَةَ وَهُوَ حَيٌّ مِنَ الْيَمَنِ أَوْلَادُ أَزْدِ بْنِ الغوث بن

لَيْثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَأٍ وَأَضَافَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَيْثُ إِنَّهُمْ حِزْبُهُ وَأَهْلُ نُصْرَةِ رَسُولِهِ قَالَ الطِّيبِيُّ قَوْلُهُ أَزْدُ اللَّهِ يَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَحَدُهَا اشْتِهَارُهُمْ بِهَذَا الِاسْمِ لِأَنَّهُمْ ثَابِتُونَ فِي الْحَرْبِ لَا يَفِرُّونَ وَعَلَيْهِ كَلَامُ الْقَاضِي وَثَانِيهَا أَنْ تَكُونَ الْإِضَافَةُ لِلِاخْتِصَاصِ وَالتَّشْرِيفِ كَبَيْتِ اللَّهِ وَنَاقَةِ اللَّهِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ يُرِيدُ النَّاسُ أَنْ يضعوهم إلخ وثالثها أن يراد بها الشجاعة وَالْكَلَامُ عَلَى التَّشْبِيهِ أَيِ الْأَسَدُ أَسَدُ اللَّهِ فَجَاءَ بِهِ إِمَّا مُشَاكَلَةً أَوْ قَلَبَ السِّينَ زايا انتهى قال القارىء بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الطِّيبِيِّ هَذَا وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْأَزْهَارِ مِنْ شُرَّاحِ الْمَصَابِيحِ لَكِنْ إِنَّمَا يَتِمُّ هَذَا لَوْ كَانَ الْأَسْدُ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ لُغَةً فِي الْأَسَدِ بِفَتْحَتَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى وَهُوَ لَيْسَ كَذَلِكَ عَلَى مَا يُفْهَمُ مِنَ الْقَامُوسِ انتهى [3938] قوله (حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ) هُوَ إِمَّا الْعَبْدِيُّ الْبَصْرِيُّ أَوِ الثَّقَفِيُّ الصَّنْعَانِيُّ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِي (حَدَّثَنِي غَيْلَانُ بْنُ جَرِيرٍ) الْمِعْوَلِيُّ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ (فَلَسْنَا مِنَ النَّاسِ) أَيِ الْكَامِلِينَ وَأَنَسٌ كَانَ أَنْصَارِيًّا وَالْأَنْصَارُ كُلُّهُمْ مِنْ أَوْلَادِ الْأَزْدِ [3939] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ بْنُ زَنْجَوَيْهِ) اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ زَنْجَوَيْهِ (أَخْبَرَنِي أَبِي) هُوَ هَمَّامُ بْنُ نَافِعٍ الْحِمْيَرِيُّ الصَّنْعَانِيُّ مَقْبُولٌ مِنَ السَّادِسَةِ (عَنْ مِينَاءَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) قَالَ فِي التَّقْرِيبِ مِينَاءُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ ثُمَّ نون بن أَبِي مِينَاءَ الْخَزَّازُ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ مَتْرُوكٌ وَرُمِيَ بِالرَّفْضِ وَكَذَّبَهُ أَبُو حَاتِمٍ مِنَ الثَّانِيَةِ وَوَهِمَ الْحَاكِمُ فَجَعَلَ لَهُ صُحْبَةً انتهى

باب مناقب لغفار وأسلم وجهينة ومزينة

قَوْلُهُ (أَحْسِبُهُ) بِكَسْرِ السِّينِ وَفَتْحِهَا أَيْ أَظُنُّهُ (ألعن حميرا) بكسر فسكون ففتح هو بن سَبَأِ بْنِ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ أَبُو قَبِيلَةٍ مِنَ الْيَمَنِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْقَبِيلَةُ أَيِ ادْعُ عَلَيْهِمْ بِالْبُعْدِ عَنِ الرَّحْمَةِ (فَأَعْرَضَ عَنْهُ) أَيْ عَنِ الرَّجُلِ بِإِدْبَارِ وَجْهِهِ عَنْهُ (أَفْوَاهُهُمْ سَلَامٌ وَأَيْدِيهِمْ طَعَامٌ) أَيْ أَفْوَاهُهُمْ لَمْ تَزَلْ نَاطِقَةً بِالسَّلَامِ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَهُمْ وَأَيْدِيهِمْ لَمْ تَزَلْ مُمْتَدَّةً بِالطَّعَامِ لِلْجَائِعِ وَالضَّيْفِ فَجَعَلَ الْأَفْوَاهَ وَالْأَيْدِيَ نَفْسَ السَّلَامِ وَالطَّعَامِ مُبَالَغَةً وَقِيلَ أَفْوَاهُهُمْ ذَاتُ سَلَامٍ أَوْ مَحَلُّ سَلَامٍ وَأَيْدِيهِمْ ذَاتُ طَعَامٍ فَالْمُضَافُ مُقَدَّرٌ لِصِحَّةِ الْعَمَلِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يُفْشُونَ السَّلَامَ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ (وَهُمْ أَهْلُ أَمْنٍ وَإِيمَانٍ) أَيِ النَّاسُ آمِنُونَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ وَقُلُوبُهُمْ مَمْلُوءَةٌ بِنُورِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ (هذا حديث غريب) وأخرجه أحمد 35 - (باب مناقب لغفار وأسلم وجهينة ومزينة) أما غفار فبكسر الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَفِي آخِرِهِ رَاءٌ وَهُمْ بَنُو غِفَارِ بْنِ مُلَيْلِ بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَسَبَقَ مِنْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ أَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيُّ وَآخِرُهُ أُنَيْسٌ وَرَجَعَ أَبُو ذَرٍّ إِلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمَ الْكَثِيرُ مِنْهُمْ وَأَمَّا أَسْلَمُ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُمْ وَأَمَّا جُهَيْنَةُ فَبِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِ الْهَاءِ مُصَغَّرًا وَهُمْ بَنُو جُهَيْنَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بن سود بْنِ أَسْلَمَ بْنِ الْحَافِّ بْنِ قُضَاعَةَ مِنْ مَشْهُورِي الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ الْجُهَنِيُّ وَغَيْرُهُ وَاخْتُلِفَ فِي قُضَاعَةَ فَالْأَكْثَرُ أَنَّهُمْ مِنْ حِمْيَرَ فَيَرْجِعُ نَسَبُهُمْ إِلَى قَحْطَانَ وَقِيلَ هُمْ مِنْ وَلَدِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ وَأَمَّا مُزَيْنَةُ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الزَّايِ مُصَغَّرًا وَهُوَ اسْمُ امرأة عمرو بن أدبن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ وَهِيَ مُزَيْنَةُ بِنْتُ كَلْبِ بْنِ وَبَرَةَ وَهِيَ أُمُّ أَوْسٍ وَعُثْمَانَ ابْنَيْ عَمْرٍو فَوَلَدُ هَذَيْنِ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو مزينة والمزينون ومن

باب مناقب في ثقيف وبني حنيفة

قُدَمَاءِ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلِ بْنِ عَبْدِ نَهْمٍ الْمُزَنِيُّ وَعَمُّهُ خُزَاعِيُّ بْنُ عَبْدِ نَهْمٍ وَإِيَاسُ بْنُ هِلَالٍ وَابْنُهُ قُرَّةُ بْنُ إِيَاسٍ وَهَذَا جَدُّ الْقَاضِي إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ وَآخَرُونَ [3940] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا أَبُو مَالِكٍ الْأَشْجَعِيُّ) اسْمُهُ سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ (عَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ) بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ قَوْلُهُ (الْأَنْصَارُ) تَقَدَّمَ بَيَانُهُمْ فِي فَضْلِ الْأَنْصَارِ وَقُرَيْشٍ (وَأَشْجَعُ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ وَزْنُ أَحْمَرَ هُمْ بَنُو أَشْجَعِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسٍ مِنْ مَشْهُورِي الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفٍ (مَوَالِيَّ) بِتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ إِضَافَةً إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْ أَنْصَارِيَّ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ هُنَا وَإِنْ كَانَ لِلْمَوْلَى عِدَّةُ مَعَانٍ وَيُرْوَى بِتَخْفِيفِ التَّحْتَانِيَّةِ وَالْمُضَافُ إِلَيْهِ مَحْذُوفٌ أَيْ مَوَالِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَاهُمْ) أَيْ وَلِيُّهُمْ وَنَاصِرُهُمْ وَالْمُتَكَفِّلُ بِهِمْ وَبِمَصَالِحِهِمْ قَالَ الْحَافِظُ هَذِهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِهَؤُلَاءِ الْقَبَائِلِ وَالْمُرَادُ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ وَالشَّرَفُ يَحْصُلُ لِلشَّيْءِ إِذَا حَصَلَ لِبَعْضِهِ قِيلَ إِنَّمَا خُصُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ بَادَرُوا إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يُسْبَوْا كَمَا سُبِيَ غَيْرُهُمْ وَهَذَا إِذَا سَلِمَ يُحْمَلُ عَلَى الْغَالِبِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْخَبَرِ النَّهْيُ عَنِ اسْتِرْقَاقِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ تَحْتَ الرِّقِّ وَهَذَا بَعِيدٌ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ مسلم 36 - (باب مناقب فِي ثَقِيفٍ وَبَنِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ ثَقِيفٌ كَأَمِيرٍ أَبُو قَبِيلَةٍ مِنْ هَوَازِنَ وَاسْمُهُ قَسِيُّ بْنُ مُنَبِّهِ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ وَقَالَ فِيهِ حَنِيفَةُ كَسَفِينَةٍ لَقَبُ أُثَالِ بْنِ لُجَيْمٍ أَبُو حَيٍّ مِنْهُمْ خَوْلَةُ بِنْتُ جَعْفَرٍ الْحَنَفِيَّةُ أُمُّ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ [3942] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ) الْبَصْرِيُّ

قَوْلُهُ (قَالُوا) أَيْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ (نِبَالُ ثَقِيفٍ) بِكَسْرِ النُّونِ جَمْعُ نَبْلٍ أَيْ سِهَامُهُمْ وَلَعَلَّهُ فِي غَزْوَةِ الطَّائِفِ وَمُحَاصَرَتِهِمْ (اللَّهُمَّ اهْدِ ثَقِيفًا) أَيْ إِلَى الْإِسْلَامِ [3943] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْقَاهِرِ بْنُ شُعَيْبِ) بْنِ الْحِجَابِ أَبُو سَعِيدٍ الْبَصْرِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا هِشَامُ) بْنُ حَسَّانَ الْأَزْدِيُّ الْفِرْدَوْسِيُّ (عَنِ الْحَسَنِ) الْبَصْرِيِّ قَوْلُهُ (وَهُوَ يَكْرَهُ ثَلَاثَةَ أَحْيَاءٍ) جَمْعُ حَيٍّ بِمَعْنَى قَبِيلَةٍ (ثَقِيفًا وَبَنِي حَنِيفَةَ وَبَنِي أُمَيَّةَ) بَدَلٌ مِمَّا قَبْلَهُ وَبَنُو أُمَيَّةَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَشِدَّةِ التَّحْتِيَّةِ قَبِيلَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ قال القارىء فِي الْمِرْقَاةِ نَقْلًا عَنِ الْأَزْهَارِ قَالَ الْعُلَمَاءُ إنما كره ثقيفا للحجاج وبني خليفة لِمُسَيْلِمَةَ وَبَنِي أُمَيَّةَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ قال البخاري قال بن سِيرِينَ أَتَى عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ فَجَعَلَهُ فِي طَسْتٍ وَجَعَلَ يَنْكُتُهُ بِقَضِيبٍ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ قَالَ عُمَارَةُ بْنُ عُمَيْرٍ لَمَّا جِيءَ بِرَأْسِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَأَصْحَابِهِ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِمْ فَقَالُوا قَدْ جَاءَتْ فَإِذَا حَيَّةٌ قَدْ جَاءَتْ حَتَّى دَخَلَتْ فِي مَنْخَرِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ فَمَكَثَتْ سَاعَةً ثُمَّ خَرَجَتْ فَذَهَبَتْ حَتَّى تَغَيَّبَتْ ثُمَّ قَالُوا قَدْ جَاءَتْ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا انْتَهَى مَا فِي الْمِرْقَاةِ وَحَدِيثُ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ هَذَا تَقَدَّمَ فِي مَنَاقِبِ الْحُسَيْنِ [3944] قَوْلُهُ (فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ) تَقَدَّمَ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا السَّنَدِ فِي بَاب مَا جَاءَ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابٌ وَمُبِيرٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِتَنِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُنَاكَ وَيُقَالُ الْكَذَّابُ الْمُخْتَارُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ وَالْمُبِيرُ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ (وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ عُصْمٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ (يُكَنَّى أَبَا عُلْوَانَ

بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ (وَإِسْرَائِيلُ يَرْوِي عَنْ هَذَا الشَّيْخِ) أَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُصْمٍ [3945] قَوْلُهُ (بَكْرَةً) الْبَكْرُ بِفَتْحِ مُوَحَّدَةٍ فَسُكُونِ كَافٍ فَتًى مِنَ الْإِبِلِ بِمَنْزِلَةِ غُلَامٍ مِنَ النَّاسِ وَالْأُنْثَى بَكْرَةٌ كَذَا فِي النِّهَايَةِ (فَعَوَّضَهُ مِنْهَا سِتَّ بَكَرَاتٍ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ أَعْطَاهُ عِوَضَهَا سِتَّ بَكَرَاتٍ (فَتَسَخَّطَهَا) أَيْ كُرْهًا وَلَمْ يَرْضَ بِهَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ تَسَخَّطَهُ تَكَرَّهَهُ وَعَطَاءَهُ استقله ولم يَقَعْ مِنْهَا مَوْقِعًا وَإِنَّمَا تَسَخَّطَ الْأَعْرَابِيُّ لِأَنَّ طَمَعَهُ فِي الْجَزَاءِ كَانَ أَكْثَرَ لِمَا سَمِعَ من جوده وفيض جوده (فَبَلَغَ ذَلِكَ) أَيْ سَخَطُهُ (إِنَّ فُلَانًا) كِنَايَةٌ عَنِ اسْمِهِ (فَظَلَّ) أَيْ أَصْبَحَ أَوْ صَارَ (لَقَدْ هَمَمْتُ) جَوَابُ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ أَيْ وَاللَّهِ لَقَدْ قَصَدْتُ (أَنْ لَا أَقْبَلَ هَدِيَّةً) أَيْ مِنْ أَحَدٍ (إِلَّا مِنْ قُرَشِيٍّ) نِسْبَةً إِلَى قُرَيْشٍ (أَوْ أَنْصَارِيٍّ) أَيْ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْصَارِ (أَوْ ثَقَفِيٍّ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْقَافِ نِسْبَةً إِلَى ثَقِيفٍ قَبِيلَةٍ مَشْهُورَةٍ (أَوْ دَوْسِيٍّ) بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْوَاوِ نِسْبَةً إِلَى دَوْسٍ بَطْنٍ مِنَ الْأَزْدِ أَيْ إِلَّا مِنْ قَوْمٍ فِي طَبَائِعِهِمُ الْكَرَمُ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ كَرِهَ قَبُولَ الْهَدِيَّةِ مِمَّنْ كَانَ الْبَاعِثُ لَهُ عَلَيْهَا طَلَبَ الِاسْتِكْثَارِ وَإِنَّمَا خَصَّ الْمَذْكُورِينَ فِيهِ بِهَذِهِ الْفَضِيلَةِ لِمَا عَرَفَ فِيهِمْ مِنْ سَخَاوَةِ النَّفْسِ وَعُلُوِّ الْهِمَّةِ وَقَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْأَعْوَاضِ قَوْلُهُ (وَفِي الْحَدِيثِ كَلَامٌ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا) لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ (هَذَا حَدِيثٌ قَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ (وهو أيوب بن مسكين ويقال بن أَبِي مِسْكِينٍ) قَالَ الْحَافِظُ فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ أَيُّوبُ بْنُ أَبِي مِسْكِينٍ وَيُقَالُ مِسْكِينٌ التَّمِيمِيُّ أَبُو الْعَلَاءِ الْقَصَّابُ الْوَاسِطِيُّ رَوَىَ عَنْ قَتَادَةَ وَسَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ وَأَبِي سُفْيَانَ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ الْأَزْرَقُ وَهُشَيْمٌ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ فِي التَّقْرِيبِ فِي تَرْجَمَتِهِ صَدُوقٌ لَهُ أَوْهَامٌ مِنَ السَّابِعَةِ (وَلَعَلَّ هَذَا الْحَدِيثَ

الَّذِي رُوِيَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ هُوَ أَيُّوبُ أَبُو الْعَلَاءِ) هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ [3946] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) هُوَ الْإِمَامُ الْبُخَارِيُّ (أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدِ) بْنِ مُوسَى الْحِمْصِيُّ الْوَهْبِيُّ الْكِنْدِيُّ أَبُو سَعِيدٍ صَدُوقٌ مِنَ التَّاسِعَةِ (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ) هُوَ إِمَامُ الْمَغَازِي قَوْلُهُ (وَايْمُ اللَّهِ) لَفْظُ قَسَمٍ ذُو لُغَاتٍ وَهَمْزَتُهَا وَصْلٌ وَقَدْ تُقْطَعُ تُفْتَحُ وَتُكْسَرُ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ (أَصَابُوا بِالْغَابَةِ) اسْمُ مَوْضِعٍ [3947] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يعقوب) الجوزجاني (أَخْبَرَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ) بْنِ حَازِمٍ الْأَزْدِيُّ الْبَصْرِيُّ (سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَلَّادٍ) بِالْخَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الْحَافِظُ فِي التَّقْرِيبِ صَوَابُهُ بن مَلَاذٍ بِمِيمٍ وَلَامٍ خَفِيفَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ الْأَشْعَرِيُّ دِمَشْقِيٌّ مَجْهُولٌ (يُحَدِّثُ عَنْ نُمَيْرٍ) بِالتَّصْغِيرِ (بْنِ أَوْسٍ) الْأَشْعَرِيِّ قَاضِي دِمَشْقَ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ (عَنْ مَالِكِ بْنِ مَسْرُوحٍ) بِمُهْمَلَتَيْنِ الشَّامِيِّ مَقْبُولٌ (عَنْ عَامِرِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيِّ) تَابِعِيٌّ مُخَضْرَمٌ مِنَ الثَّانِيَةِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ صُحْبَةٌ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بن هانئ وقيل بن وَهْبٍ وَقِيلَ عُبَيْدُ بْنُ وَهْبٍ وَلَيْسَ هُوَ عَمَّ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ لَهُ عَنِ النَّبِيِّ حَدِيثٌ وَاحِدٌ نِعْمَ الْحَيُّ الْأَزْدُ وَالْأَشْعَرِيُّونَ وَعَنْهُ ابْنُهُ عَامِرٍ كَذَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ

قَوْلُهُ (نِعْمَ الْحَيُّ) أَيِ الْقَبِيلَةُ (الْأَسْدُ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ السِّينِ وَبِالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْأَزْدُ بِالزَّايِ مَكَانَ السِّينِ قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ هُوَ أَبُو حَيٍّ مِنَ الْيَمَنِ وَيُقَالُ لَهُمُ الْأَزْدُ وَهُوَ بِالسِّينِ أَفْصَحُ وَهُمَا أَزْدَانِ أَزْدُ شَنُوءَةَ وَأَزْدُ عُمَانَ انْتَهَى وَالْمُرَادُ هُنَا أَزْدُ شَنُوءَةَ (وَالْأَشْعَرُونَ) قَالَ الطِّيبِيُّ هُوَ بِسُقُوطِ الْيَاءِ فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ وَجَامِعِ الْأُصُولِ وَبِإِثْبَاتِهِ فِي الْمَصَابِيحِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ تَقُولُ الْعَرَبُ جَاءَتْكَ الْأَشْعَرُونَ بِحَذْفِ الْيَاءِ قُلْتُ قَدْ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا وَالْأَشْعَرِيُّونَ بِإِثْبَاتِ يَاءِ النِّسْبَةِ (لَا يَفِرُّونَ فِي الْقِتَالِ) أَيْ فِي حَالِ قِتَالِهِمْ مَعَ الْكُفَّارِ وَهُوَ حَالٌ مِنَ الْقَبِيلَتَيْنِ على حد هذان خصمان اختصموا (وَلَا يَغُلُّونَ) بِفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ وَضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ وَلَا يَخُونُونَ فِي الْمَغْنَمِ (هُمْ مِنِّي) أَيْ مُتَّصِلُونَ بِي وَكَلِمَةُ مِنْ هَذِهِ تُسَمَّى اتِّصَالِيَّةٌ نَحْوَ لَا أَنَا مِنَ الدَّدِ وَلَا الدَّدُ مِنِّي وَقَالَ النَّوَوِيُّ مَعْنَاهُ الْمُبَالَغَةُ فِي اتِّحَادِ طَرِيقِهِمَا وَاتِّفَاقِهِمَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى (قَالَ) أَيْ عَامِرُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ (فَقَالَ) أَيْ مُعَاوِيَةُ (قَالَ هُمْ مِنِّي وَإِلَيَّ) أَيْ بَلْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ هُمْ مِنِّي وَإِلَيَّ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَفِي سَنَدِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَلَاذٍ مَكَانَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَّادٍ [3948] قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) الْعَدَوِيِّ قَوْلُهُ (أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ) هُوَ مِنَ الْمُسَالَمَةِ وَتَرْكِ الْحَرْبِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دُعَاءً وَإِخْبَارًا إِمَّا دُعَاءٌ لَهَا أَنْ يُسَالِمَهَا اللَّهُ وَلَا يَأْمُرَ بِحَرْبِهَا أَوْ أَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ سَالَمَهَا وَمَنَعَ مِنْ حَرْبِهَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ

وَاعْلَمْ أَنَّ أَسْلَمَ ثَلَاثُ قَبَائِلَ قَالَ الْعَيْنِيُّ في العمدة أسلم في خزاعة وهو بن أَفْصَى وَهُوَ خُزَاعَةُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ الْأَزْدِ وَفِي مَذْحِجٍ أَسْلَمُ بْنُ أَوْسِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِجٍ وَفِي بَجِيْلَةَ أَسْلَمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ لُؤَيِّ بْنِ رُهْمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ أَحْمَسَ بْنِ الْغَوْثِ وَاللَّهُ أعلم من أراد النبي بِقَوْلِهِ هَذَا (وَغِفَارٌ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ يُصْرَفُ بِاعْتِبَارِ الْحَيِّ وَلَا يُصْرَفُ بِاعْتِبَارِ الْقَبِيلَةِ (غَفَرَ اللَّهُ لَهَا) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دُعَاءً لَهَا بِالْمَغْفِرَةِ أَوِ إِخْبَارًا أَنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَهَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَفِيهِمَا مِنْ جِنَاسِ الِاشْتِقَاقِ مَا يَلَذُّ عَلَى السَّمْعِ لِسُهُولَتِهِ وَهُوَ مِنَ الِاتِّفَاقَاتِ اللَّطِيفَةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إِنَّ النَّبِيَّ دَعَا لِهَاتَيْنِ الْقَبِيلَتَيْنِ لِأَنَّ دُخُولَهُمَا فِي الْإِسْلَامِ كَانَ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ وَكَانَتْ غِفَارٌ تُتَّهَمُ بسرقة الحاج فأحب رسول الله أَنْ يَمْحُوَ عَنْهُمْ تِلْكَ الْمَسَبَّةَ وَأَنْ يُعْلِمَ أَنَّ مَا سَبَقَ مِنْهُمْ مَغْفُورٌ لَهُمْ قَوْلُهُ (وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ وَبُرَيْدَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ) أَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ فَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ فَلْيُنْظَرْ مَنْ أَخْرَجَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ قَوْلُهُ (وَعُصَيَّةُ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ مُصَغَّرًا هُمْ بَطْنٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُنْسَبُونَ إِلَى عُصَيَّةَ بْنِ خِفَافِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سليم (عصت الله ورسوله) إنما قال هَذَا لِأَنَّهُمُ الَّذِينَ قَتَلُوا الْقُرَّاءَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ بعثهم رسول الله سَرِيَّةً فَقَتَلُوهُمْ وَكَانَ يَقْنُتُ عَلَيْهِمْ فِي صَلَاتِهِ وَيَلْعَنُ رَعْلًا وَذَكْوَانَ وَيَقُولُ عُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والشيخان

[3949] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا مُؤَمَّلُ) بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْعَدَوِيُّ [3950] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) الْخُزَامِيُّ قَوْلُهُ (لَغِفَارٌ) مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهُ عُطِفَ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ خَبَرُهُ (وَمُزَيْنَةُ وَمَنْ كَانَ مِنْ جُهَيْنَةَ) أَوْ قَالَ (جُهَيْنَةُ وَمَنْ كَانَ مِنْ مُزَيْنَةَ) أَوْ لِلشَّكِّ مِنَ الرَّاوِي وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الشَّيْخَيْنِ وَشَيْءٌ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ جُهَيْنَةَ وَمُزَيْنَةَ أَيْ بَعْضٌ مِنْهُمْ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَقْيِيدٌ لِمَا أُطْلِقَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ هَذِهِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ الْآتِي (يَوْمُ الْقِيَامَةِ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ إِنَّمَا يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ (مِنْ أَسَدٍ إِلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ خَيْرٌ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ [3951] قَوْلُهُ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ (عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ) الْمُحَارِبِيِّ أَبِي صَخْرَةَ الْكُوفِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الْخَامِسَةِ (عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَبِالزَّايِ المنقوطة بن زِيَادٍ الْمَازِنِيِّ أَوِ الْبَاهِلِيِّ ثِقَةٌ عَابِدٌ مِنَ الرَّابِعَةِ قَوْلُهُ (جَاءَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ) يَعْنِي وَفْدَهُمْ وَكَانَ قُدُومُهُمْ فِي سَنَةِ تِسْعٍ (أَبْشِرُوا) أَمْرٌ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ مِنَ الْبِشَارَةِ وَالْمُرَادُ بِهَا أَنَّ مَنْ أَسْلَمَ نَجَا مِنَ الْخُلُودِ فِي النَّارِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَرَتَّبُ جَزَاؤُهُ عَلَى وَفْقِ عَمَلِهِ إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ اللَّهُ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ بَشَّرَهُمْ بِمَا يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَنَّةِ حَيْثُ عَرَّفَهُمْ أُصُولَ الْعَقَائِدِ الَّتِي هِيَ الْمَبْدَأُ وَالْمَعَادُ وَمَا بَيْنَهُمَا قَالَ الْحَافِظُ كَذَا قَالَ وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّعْرِيفُ هُنَا لِأَهْلِ الْيَمَنِ

وَذَلِكَ ظَاهِرٌ مِنْ سِيَاقِ الْحَدِيثِ انْتَهَى (قَالُوا بَشَّرْتنَا) الْقَائِلُ ذَلِكَ مِنْهُمُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ ذكره بن الْجَوْزِيِّ (فَأَعْطِنَا) أَيْ مِنَ الْمَالِ (فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رسول الله) إِمَّا لِلْأَسَفِ عَلَيْهِمْ كَيْفَ آثَرُوا الدُّنْيَا وَإِمَّا لِكَوْنِهِ لَمْ يَحْضُرْهُ مَا يُعْطِيهِمْ فَيَتَأَلَّفُهُمْ بِهِ أَوْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا (وَجَاءَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ) قَالَ الْحَافِظُ قَدْ ظَهَرَ لِي أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ نَافِعُ بْنُ زَيْدٍ الْحِمْيَرِيُّ مَعَ مَنْ وَفَدَ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ حِمْيَرَ (اقْبَلُوا الْبُشْرَى) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ وَالْقَصْرِ أَيِ اقْبَلُوا مِنِّي مَا يَقْتَضِي أَنْ تُبَشَّرُوا وَإِذَا أَخَذْتُمْ بِهِ بِالْجَنَّةِ كَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ وَالْعَمَلِ بِهِ (فَلَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ) قِيلَ بَنُو تَمِيمٍ قَبِلُوهَا حَيْثُ قَالُوا بَشَّرْتَنَا غَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّهُمْ سَأَلُوا شَيْئًا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوهَا حَيْثُ لَمْ يَهْتَمُّوا بِالسُّؤَالِ عَنْ حَقَائِقِهَا وَكَيْفِيَّةِ الْمَبْدَأِ وَالْمَعَادِ وَلَمْ يَعْتَنُوا بِضَبْطِهَا وَحِفْظِهَا وَلَمْ يَسْأَلُوا عَنْ مُوجِبَاتِهَا وَعَنِ الْمُوَصِّلَاتِ إِلَيْهَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ لَمَّا لَمْ يَكُنْ جُلُّ اهْتِمَامِهِمْ إِلَّا بِشَأْنِ الدُّنْيَا وَالِاسْتِعْطَاءِ دُونَ دِينِهِمْ قَالُوا بَشَّرْتنَا لِلتَّفَقُّهِ وَإِنَّمَا جِئْنَا لِلِاسْتِعْطَاءِ فَأَعْطِنَا ومن ثم قال رسول الله فَلَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ (قَالُوا قَدْ قَبِلْنَا) زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي التَّوْحِيدِ جِئْنَاكَ لِنَتَفَقَّهَ فِي الدِّينِ وَلِنَسْأَلَكَ عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ مَا كَانَ قَالَ كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ قَبْلَهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ خَلَقَ السماوات وَالْأَرْضَ وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ إِلَخْ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيُّ [3952] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ) الزُّبَيْرِيُّ (أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ) الثَّوْرِيُّ (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ أَبُو بَكْرَةَ نُفَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ قَوْلُهُ (خَيْرٌ) أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمِ (مِنْ تَمِيمٍ) بْنِ مُرِّ بْنِ أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بْنِ نِزَارِ بْنِ مَعْدِ بْنِ عَدْنَانَ وَفِيهِمْ بطون كثيرة جدا (وأسد) أي بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَكَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا وَقَدْ ظَهَرَ مِصْدَاقُ ذلك عقب وفاة رسول الله فَارْتَدَّ هَؤُلَاءِ مَعَ طُلَيْحَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ وَارْتَدَّ بَنُو تَمِيمٍ أَيْضًا مَعَ سِجَاحِ الَّتِي ادَّعَتِ النُّبُوَّةَ (وَغَطَفَانَ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وتخفيف الفاء هو بن سَعْدِ بْنِ قَيْسِ غَيْلَانَ بْنِ

باب في فضل الشام واليمن

مضر (وبني عامر بن صعصعة) أي بن مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ عَيْلَانَ (يُمَدُّ) أَيْ يُرْفَعُ (بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ (قال) أي رسول الله (هُمْ) أَيْ أَسْلَمُ وَغِفَارٌ وَمُزَيْنَةُ (خَيْرٌ مِنْهُمْ) أَيْ مِنْ تَمِيمٍ وَأَسَدَ وَغَطَفَانَ وَبَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَإِنَّمَا كَانُوا خَيْرًا مِنْهُمْ لِأَنَّهُمْ سَبَقُوهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَالْمُرَادُ الْأَكْثَرُ الْأَغْلَبُ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ 37 - (بَاب فِي فَضْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ) [3953] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ إِلَخْ) وَقَعَ قَبْلَ هَذَا فِي بعض النسخ باب فِي فَضْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ (حَدَّثَنِي جَدِّي أَزْهَرُ) بْنُ سَعْدٍ (السَّمَّانُ) أَبُو بَكْرٍ الْبَاهِلِيُّ بَصْرِيٌّ ثقة من التاسعة (عن بن عَوْنٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنِ بْنِ أَرْطَبَانَ قَوْلُهُ (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَامِنَا اللهم بارك في يمننا) تقدم وَجْهَ تَسْمِيَةِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ فِي بَابِ فَضْلِ الْيَمَنِ وَالظَّاهِرُ فِي وَجْهِ تَخْصِيصِ الْمَكَانَيْنِ بِالْبَرَكَةِ لِأَنَّ طَعَامَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَجْلُوبٌ مِنْهُمَا وَقَالَ الْأَشْرَفُ إِنَّمَا دَعَا لَهُمَا بِالْبَرَكَةِ لِأَنَّ مَوْلِدَهُ بِمَكَّةَ وَهُوَ مِنَ الْيَمَنِ وَمَسْكَنُهُ وَمَدْفَنُهُ بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ مِنَ الشَّامِ وَنَاهِيَكَ مِنْ فَضْلِ النَّاحِيَتَيْنِ أَنَّ إِحْدَاهُمَا مَوْلِدُهُ وَالْأُخْرَى مَدْفَنُهُ فَإِنَّهُ أَضَافَهُمَا إِلَى نَفْسِهِ وَأَتَى بِضَمِيرِ الْجَمْعِ تَعْظِيمًا وَكَرَّرَ الدُّعَاءَ (قَالُوا) أَيْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ (وَفِي نَجْدِنَا) عَطْفُ تَلْقِينٍ وَالْتِمَاسٍ أَيْ قُلْ وَفِي نَجْدِنَا لِيَحْصُلَ الْبَرَكَةُ لَنَا مَنْ صَوْبِهِ أَيْضًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ نَجْدٌ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَانَ نَجْدُهُ بَادِيَةَ الْعِرَاقِ نَوَاحِيَهَا وَهِيَ مَشْرِقُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَصْلُ النَّجْدِ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ خِلَافُ الْغَوْرِ فَإِنَّهُ مَا انْخَفَضَ مِنْهَا وَتِهَامَةُ كُلُّهَا مِنَ الْغَوْرِ وَمَكَّةُ مِنْ تِهَامَةَ انْتَهَى قَالَ الْحَافِظُ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ هَذَا وَعُرِفَ بِهَذَا وَهُوَ مَا قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ إِنَّ نَجْدًا مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ نَجْدًا مَوْضِعٌ مَخْصُوصٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ ارْتَفَعَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَلِيهِ يُسَمَّى الْمُرْتَفِعُ نَجْدًا وَالْمُنْخَفِضُ غَوْرًا انْتَهَى (هُنَالِكَ) أَيْ فِي نَجْدٍ (الزَّلَازِلُ) أَيِ الْحِسِّيَّةُ أَوِ الْمَعْنَوِيَّةُ وَهِيَ

تَزَلْزُلُ الْقُلُوبِ وَاضْطِرَابُ أَهْلِهَا (وَالْفِتَنُ) أَيِ الْبَلِيَّاتُ وَالْمِحَنُ الْمُوجِبَةُ لِضَعْفِ الدِّينِ وَقِلَّةِ الدِّيَانَةِ فَلَا يُنَاسِبُهُ دَعْوَةُ الْبَرَكَةِ لَهُ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ إِنَّمَا تَرَكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدُّعَاءَ لِأَهْلِ الْمَشْرِقِ لِيَضْعُفُوا عَنِ الشَّرِّ الَّذِي هُوَ مَوْضُوعٌ فِي جِهَتِهِمْ لِاسْتِيلَاءِ الشَّيْطَانِ بِالْفِتَنِ (وَبِهَا أَوْ قَالَ مِنْهَا) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى نَجْدٍ وَالتَّأْنِيثُ الْبُقْعَةُ (يَخْرُجُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ) أَيْ حِزْبُهُ وَأَهْلُ وَقْتِهِ وَزَمَانِهِ وَأَعْوَانُهُ ذَكَرَهُ السُّيُوطِيُّ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْقَرْنِ قُوَّةَ الشَّيْطَانِ وَمَا يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى الْإِضْلَالِ وَكَانَ أَهْلُ الْمَشْرِقِ يَوْمَئِذٍ أَهْلَ كُفْرٍ فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْفِتْنَةَ تَكُونُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ وَأَوَّلُ الْفِتَنِ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ مِمَّا يُحِبُّهُ الشَّيْطَانُ وَيَفْرَحُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْبِدَعُ نَشَأَتْ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شرح حديث بن عُمَرَ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ إلى جنب المنبر فقال الفتنة ها هنا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ أَوْ قَالَ قَرْنُ الشَّمْسِ مَا لَفْظُهُ وَإِنَّمَا أَشَارَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَشْرِقِ لِأَنَّ أَهْلَهُ يَوْمَئِذٍ كَانُوا أَهْلَ كُفْرٍ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْفِتْنَةَ تَكُونُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَكَذَلِكَ كَانَتْ هِيَ وَقْعَةُ الْجَمَلِ وَوَقْعَةُ صِفِّينَ ثُمَّ ظُهُورُ الْخَوَارِجِ فِي أَرْضِ نَجْدٍ وَالْعِرَاقِ وَمَا وَرَائِهَا مِنَ الْمَشْرِقِ وَكَانَتِ الْفِتْنَةُ الْكُبْرَى الَّتِي كَانَتْ مِفْتَاحَ فَسَادِ ذَاتِ الْبَيْنِ قَتْلَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ مِنْ ذَلِكَ وَيُعْلِمُ بِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وَذَلِكَ مِنْ دَلَالَاتِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ [3954] قَوْلُهُ (سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ) الْغَافِقِيَّ (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ) بِكَسْرِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ بَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ الْمَهْرِيِّ الْمِصْرِيِّ ثِقَةٌ مِنَ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (نُؤَلِّفُ) مِنَ التَّأْلِيفِ أَيْ نَجْمَعُ (مِنَ الرِّقَاعِ) بِكَسْرِ الرَّاءِ جَمْعُ رُقْعَةٍ وَهِيَ مَا يُكْتَبُ فِيهِ (طُوبَى لِلشَّامِ) تَأْنِيثُ أَطْيَبَ أَيْ رَاحَةٌ وَطِيبُ عَيْشٍ حَاصِلٌ لَهَا وَلِأَهْلِهَا وَقَالَ الطِّيبِيُّ طُوبَى مَصْدَرٌ مِنْ طَابَ كَبُشْرَى وَزُلْفَى وَمَعْنَى طوبى لك أَصَبْتَ خَيْرًا وَطِيبًا (فَقُلْنَا لِأَيٍّ ذَلِكَ يَا رسول الله) قال القارىء بِتَنْوِينِ الْعِوَضِ فِي أَيٍّ أَيْ لِأَيِّ شَيْءٍ كَمَا فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ

قَالَ الطِّيبِيُّ كَذَا فِي جَامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَلَى حَذْفِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَيْ لِأَيِّ سَبَبٍ قُلْتَ ذَلِكَ وَقَدْ أُثْبِتَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَابِيحِ لَفْظُ شَيْءٍ (لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ) فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ (بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى بُقْعَةِ الشَّامِ وَأَهْلِهَا بالمحافظة عن الكفر قاله القارىء وَقَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْ تَحُفُّهَا وَتُحَوِّلُهَا بِإِنْزَالِ الْبَرَكَةِ وَدَفْعِ الْمَهَالِكِ وَالْمُؤْذِيَاتِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ) وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ والحاكم [3955] قوله (حدثنا هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ) الْمَدَنِيُّ (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ) الْمَقْبُرِيِّ قَوْلُهُ (لَيَنْتَهِيَنَّ) بِلَامٍ مَفْتُوحَةٍ جَوَابُ قَسَمٍ مُقَدَّرٍ أَيْ وَاللَّهِ لَيَمْتَنِعَنَّ عَنِ الِافْتِخَارِ (أَقْوَامٌ يَفْتَخِرُونَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا) أَيْ عَلَى الْكُفْرِ وَهَذَا الْوَصْفُ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ لَا مَفْهُومَ لَهُ وَلَعَلَّ وَجْهَ ذِكْرِهِ أَنَّهُ أَظْهَرُ فِي تَوْضِيحِ التَّقْبِيحِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي رَيْحَانَةَ مَرْفُوعًا مَنِ انْتَسَبَ إِلَى تِسْعَةِ آبَاءٍ كُفَّارٍ يُرِيدُ بِهِمْ عِزًّا وَكَرَمًا كَانَ عَاشِرَهُمْ فِي النَّارِ (إِنَّمَا هُمْ) أَيْ آباءهم (فَحْمُ جَهَنَّمَ) قَالَ الطِّيبِيُّ حَصْرُ آبَائِهِمْ عَلَى كَوْنِهِمْ فَحْمًا مِنْ جَهَنَّمَ لَا يَتَعَدَّوْنَ ذَلِكَ إِلَى فَضِيلَةٍ يَفْتَخِرُ بِهَا (أَوْ لَيَكُونُنَّ) بِضَمِّ النُّونِ الْأُولَى عَطْفًا عَلَى لَيَنْتَهِيَنَّ وَالضَّمِيرُ الْفَاعِلُ الْعَائِدُ إِلَى أَقْوَامٍ وَهُوَ وَاوُ الْجَمْعِ مَحْذُوفٌ مِنْ لَيَكُونُنَّ وَالْمَعْنَى أَوْ لَيَصِيرُنَّ (أَهْوَنَ) أَيْ أَذَلَّ (عَلَى اللَّهِ) أَيْ عِنْدَهُ (مِنَ الْجُعَلِ) بِضَمِّ جِيمٍ وَفَتْحِ عَيْنٍ وَهُوَ دُوَيْبَةٌ سَوْدَاءُ تدير الغائط يقال لها الخنفساء فقوله (الَّذِي يُدَهْدِهُ الْخِرَاءَ) أَيْ يُدَحْرِجُهُ (بِأَنْفِهِ) صِفَةٌ كَاشِفَةٌ لَهُ وَالْخِرَاءُ بِكَسْرِ الْخَاءِ مَمْدُودًا وَهُوَ الْعَذِرَةُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَ الْمُفْتَخِرِينَ بِآبَائِهِمُ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالْجُعَلِ وَآبَاءَهُمُ الْمُفْتَخَرَ بِهِمْ بِالْعَذِرَةِ وَنَفْسَ افْتِخَارِهِمْ بِهِمْ بِالدَّهْدَهَةِ بِالْأَنْفِ وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَاقِعٌ أَلْبَتَّةَ إِمَّا الِانْتِهَاءُ عَنِ الِافْتِخَارِ أَوْ كَوْنُهُمْ أَذَلَّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْجُعَلِ الْمَوْصُوفِ (إِنَّ اللَّهَ أَذْهَبَ) أَيْ أَزَالَ وَرَفَعَ (عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ الْمُشَدَّدَةِ وَفَتْحِ التَّحْتِيَّةِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ نَخْوَتَهَا وَكِبْرَهَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْعُبِّيَّةُ الْكِبْرُ وَالنَّخْوَةُ وَأَصْلُهُ مِنَ الْعَبِّ وَهُوَ الثِّقَلُ يُقَالُ عُبِّيَّةٌ وَعِبِّيَّةٌ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا (وَفَخْرَهَا) أَيْ

افْتِخَارَ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ فِي زَمَانِهِمْ (إِنَّمَا هُوَ) أَيِ الْمُفْتَخِرُ الْمُتَكَبِّرُ بِالْآبَاءِ (مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ النَّاسَ رَجُلَانِ مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ فَهُوَ الْخَيِّرُ الْفَاضِلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسِيبًا فِي قَوْمِهِ وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ فَهُوَ الدَّنِيءُ وَإِنْ كَانَ فِي أَهْلِهِ شَرِيفًا رَفِيعًا انْتَهَى وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّ الْمُفْتَخِرَ الْمُتَكَبِّرَ إِمَّا مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ فَإِذَنْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَكَبَّرَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ فَهُوَ ذَلِيلٌ عِنْدَ اللَّهِ وَالذَّلِيلُ لَا يَسْتَحِقُّ التَّكَبُّرَ فَالتَّكَبُّرُ مَنْفِيٌّ بِكُلِّ حَالٍ (النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ) أَيْ فَلَا يليق بمن أصله التراب النخوة والتجبر أو إذا كان الأصل واحدا فالكل إخوة فلا وَجْهَ لِلتَّكَبُّرِ لِأَنَّ بَقِيَّةَ الْأُمُورِ عَارِضَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا حَقِيقَةً نَعَمِ الْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ وَهِيَ مُبْهَمَةٌ فَالْخَوْفُ أَوْلَى لِلسَّالِكِ مِنَ الِاشْتِغَالِ بِهَذِهِ المسالك قوله (وفي الباب عن بن عُمَرَ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ (وبن عَبَّاسٍ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا تَفْخَرُوا بِآبَائِكُمُ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَمَا يُدَحْرِجُ الْجُعَلُ بِأَنْفِهِ خَيْرٌ مِنْ آبَائِكُمُ الَّذِينَ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وبن حِبَّانَ [3956] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ (الْفَرَوِيُّ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ (الْمَدَنِيُّ) لَا بَأْسَ بِهِ مِنْ صِغَارِ الْعَاشِرَةِ (حَدَّثَنِي أَبِي) أَيْ مُوسَى بْنُ أَبِي عَلْقَمَةَ الْفَرَوِيُّ مَوْلَى آلِ عُثْمَانَ مَجْهُولٌ مِنَ التَّاسِعَةِ قَوْلُهُ (قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ) قَالَ الْجَزَرِيُّ فِي النِّهَايَةِ يَعْنِي الْكِبْرَ وَتُضَمُّ عَيْنُهَا وَتُكْسَرُ وَهِيَ فَعُولَةٌ أَوْ فَعِيلَةٌ فَإِنْ كَانَتْ فَعُولَةً فَهِيَ مِنَ التَّعْبِيَةِ لِأَنَّ الْمُتَكَبِّرَ ذُو تَكَلُّفٍ وَتَعْبِيَةٍ خِلَافَ مَا يَسْتَرْسِلُ عَلَى سَجِيَّتِهِ وَإِنْ كَانَتْ فَعِيلَةً فَهِيَ مِنْ عُبَابِ الْمَاءِ وَهُوَ أَوَّلُهُ وَارْتِفَاعُهُ وَقِيلَ إِنَّ اللَّامَ قُلِبَتْ يَاءً كَمَا فَعَلُوا في مقتضى البازي انتهى

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ) فِي سَنَدِهِ مُوسَى بْنُ أَبِي عَلْقَمَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَكِنْ تَابَعَهُ أبو عامر العقدي وغيره

§1/1